الریاء فی اللغة و الحدیث :
یوجد فی کلام اهل اللغة و غیرهم من العلماء تعاریف للریاء و کَأنّ بعضها تعریف لفظی فلا یکون تعریفا جامعا مانعا:
1. الفعل المقصود به رؤیة الخلق غفلة عن الخالق و عمایة عنه [1].
2. اظهار العمل للناس لیروه و یظنوا به خیرا فالعمل لغیر الله [2].
3. ارائة الشخص للناس انه علی خلاف ما هو علیه[3] .
4. ارائة الشخص للناس انه یفعل و لا یفعل بالنیة[4] .
5. اتیان العمل بداعی اراءته للغیر[5].
6. الاتیان بالعبادة من اجل اراءة الناس [6].
و هذا التعریف کبعض التعاریف الاتیة خاص بالعبادات و لا یشمل مطلق الافعال خلافا لغیره من التعاریف.
7. الإتيان بعمل قربيّ شأنه التقريب إلى الله تعالى حسب الأمر أو الملاك مع إراءة كونه له تعالى خالصا و الواقع خلافه[7].
8. الإتيان بالعمل مع كون الغرض منه و المحرّك له في العمل هو أن يراه الناس، و يعتقدونه شخصا خيّرا و عبدا صالحا[8].
9. ان یعمل الانسان العمل لا لحسنه و لا لوجه الله بل لان یراه الناس تباهیا به[9].
10. العمل لغیر الله [10].
و هذا التعریف بظاهره یشمل مثل التوضّی بقصد التبرد لا بقصد اراءة الناس ، حینما لا یشمله سائر التعاریف و لکن الظاهر ان هذا المعنی لیس مرادا لقائله لعدم مناسبته للفظ الریاء المأخوذ من الرؤیة .
11. الاتیان بالعمل لاراءة العباد کونه فائزا بمقام العبودیة[11].
12. اظهار الانسان الاعمال الصالحة لیحمده الناس علیها او لیعتقدوا فیه الصلاح او لیقصدوه بالعطاء[12].
13. طلب المنزلة فی قلوب الناس باراءتهم خصال الخیر[13].
14. طلب المنزلة عند غیره تعالی بالعبادة [14].
15. القصد بالطاعة لان یراه الناس[15].
قیود الدخیلة فی مفهوم الریاء:
و بعد ملاحظة هذه التعاریف نقول: ان هناک قیودا دخیلة فی مفهوم الریاء نشیر الیها بذکر امور و لعلنا نبحث عنها تفصیلا ذیل بعض الروایات الاتیة.
الاول : ان مقتضی بعض التعاریف السابقة ان الریاء عبارة عن نفس العمل المقصود به غیر الله کما صرح به جمع من الفقهاء ایضا[16]. و مقتضی بعضها ان الریاء عبارة عن اظهار ذلک العمل و مقتضی بعضها ان الریاء هو القصد المقرون بالعمل .
الثانی : مقتضی الجمود علی ظاهر اکثر التعاریف ان الریاء خاص بالافعال و لا یشمل التروک. و لکن لا یبعد ان یکون المراد بـ«العمل» او «الطاعة» فی بعض التعاریف ما یشمل الافعال و التروک[17].
الثالث: ان مقتضی بعض التعاریف بل مقتضی المعنی اللغوی للریاء انه لا یتحقق الا اذا کان المقصود من العمل اراءته للناس و اما اذا وقع العمل لا بهذا القصد بل وقع بقصد سائر الاغراض الدنیویة کمن یتوضأ لمحض التبرید فلا یسمی ریاء نعم هذا العمل لا یکون صحیحا ان کان من العبادات لخلوه عن قصد القربة.
الرابع: ان المستفاد من بعض التعاریف ان الریاء لا یختص بالعبادات بل یجری فی غیرها ایضا. و لا ینافی ذلک غلبة استعماله فی التعبدیات کما صرح به بعض[18] .
و مقتضی بعض التعاریف انه خاص بالعبادات. و یمکن ان یستدل علیه باطلاق الشرک علی الریاء فی جملة من الروایات[19] بناء علی ان المتبادر من الشرک فیها هو الشرک فی العبادة. و اما اذا قلنا بان المراد من الشرک هو الشرک فی الربوبیة و التأثیر و کأن من یرائی لطلب المنزلة عند الناس یری لغیر الله تعالی تأثیرا فی العالم و لا یعتقد بانه لا مؤثر فی الوجود الا الله عز و جل ، فلا دلالة فیه علی اختصاص الریاء بالعبادات[20].
الخامس : ان مقتضی بعض التعاریف ان مقصود المرائی من اراءة العمل للناس، طلب المنزلة عندهم بان یظنوا به خیرا و یعتقدوا فیه الصلاح و الالتزام بالشرع. فاذا کان المقصود من اراءته دفع ذم او ضرر عن نفسه فلا یکون مرائیا و هکذا من یرفع حجرا ثقیلا لیری الناس قوته. و قال الشهید ره فی قواعده :« يتحقق الرياء بقصد مدح المرائي أو الانتفاع به أو دفع ضرره»[21].و استشکل علیه الشیخ الانصاری ره بان مقتضاه عدم حرمة مطلق الریاء لأنّ التوصّل إلى دفع الضرر و لو بطلب المنزلة عند الناس و طلب مدحهم له لا دليل على تحريمه بل قد يجب، و ظاهر الأخبار حرمة الرياء بقول مطلق[22].
السادس : مقتضی بعض التعاریف السابقة ان تظاهر الشخص علی خلاف ما هو علیه مأخوذ فی معنی الریاء فلو صرح احد بان قصدی من العمل ارائة الناس فلا یصدق علی عمله الریاء[23].
[1] نقله فی تاج العروس، ج19، ص436 عن الحرانی .
[2] المصباح المنیر، ج2، ص247.
[3] تاج العروس، ج19، ص436؛ لسان العرب، ج14، ص296: « راءیت الرجل مراآة و ریاء : اریته انی علی خلاف ما انا علیه » .
[4] لسان العرب، ج14، ص302: « المرائی کانه یُری الناس انه یفعل و لا یفعل بالنیة و ارأی الرجل اذا اظهر عملا صالحا ریاء و سمعة » .
[5] موسوعة الإمام الخوئي، ج6، ص2 : « إن الرِّياء و إن كان بمفهومه اللغوي يعمّ العبادات و غيرها لأنه بمعنى إتيان العمل بداعي إراءته لغيره إلّا أنه لا دليل على حرمته في غير العبادات».
[6] ما وراء الفقه، ج1، ص377 .
[7] کتاب الصلاة ( تقریرات درس المحقق الداماد رحمه الله )، ج3، ص300 .
[8] حاشیة التبریزی ره علي صراط النجاة، ج2، ص559.
[9] الاء الرحمن، ص1، ص234.
[10] نقله فی تفسیر روح البیان، ج5، ص310 . و قال العلامة المجلسی علیه الرحمة فی مرآة العقول، ج25، ص370 : « حقیقة الریاء : ایقاع العمل لغیر الله » .
[11] مشارع الاحکام ( لصاحب الفصول رحمه الله )، ص473.
[12] لباب التأویل فی معانی التنزیل، ج2، ص477 .
[13] نسبه فی مستمسک العروة الوثقی، ج6، ص27 الی غیر واحد من علماء الاخلاق قال: « أن الرياء- على ما ذكره غير واحد من علماء الأخلاق- طلب المنزلة في قلوب الناس بإراءتهم خصال الخير، و عليه فلو كان المقصود من العبادة دفع الذم عن نفسه أو ضرر غير ذلك لم يكن رياء».
و قال فی مرآة العقول، ج10، ص87: « الرياء أصله طلب المنزلة في قلوب الناس بإراءتهم خصال الخير، إلا أن الجاه و المنزلة يطلب في القلب بأعمال سوى العبادات و يطلب بالعبادات، و اسم الرياء مخصوصبحكم العادة بطلب المنزلة في القلوب بالعبادات و إظهارها فحد الرياء هو إرادة المنزلة بطاعة الله تعالى، فالمرائی هو العابد، و المرائي هو الناس المطلوب رؤيتهم لطلب المنزلة في قلوبهم، و المرائي به هي الخصال التي قصد المرائي إظهارها، و الرياء هو قصده إظهار ذلك».
و فی مرآة العقول، ج10، ص90 : « الریاء طلب الجاه و هو اما ان یکون فی العبادات او بغیر العبادات».
[14] قال الشیخ الانصاری رحمه الله فی كتاب الطهارة، ج2، ص105: « الرياء كما ذكره بعض علماء الأخلاق طلب المنزلة عند غيره تعالى بالعبادة( و جاء فی هامش الکتاب :المحجة البیضاء، ج6، ص148) و ظاهره اختصاصه بداعي مدح الناس، فلو قصد بذلك دفع الذمّ عن نفسه، كما لو راعى في القراءة آدابها الغير الواجبة دفعا لنسبة النقص إليه بجهله بطريقة القراء لم يكن بذلك بأس» .
و قال فی مصباح الفقیه، ج2، ص225 : « أنّ غاية ما يستفاد من الأخبار أنّ قصد إرائة الغير و إظهار الكمال لديهم في العبادة مفسد للعبادة، و موجب لحرمتها، و أمّاحرمة ما عدا ما ذكر فلا تكاد تظهر من شيء من أخبار الباب.و حينئذ فإن قلنا بأنّ المتبادر من الرياء في إطلاقات الشارع و عرف المتشرّعة هو هذا المعنى الذي ادّعينا استفادته من الأخبار- كما يؤيّده ظاهر ما عن بعض علماء الأخلاق في تفسير الرياء من أنّه طلب المنزلة عند غيره تعالى بالعبادة - فلا إشكال، و إلّا فلو قلنا بأنّ الرياء يطلق لغة و عرفا على مطلق الفعل الذي يراد به إرائة الغير، فيقيّد موضوع الحكم بالقيود المذكورة أعني تخصيص الحرمة بالرياء في العبادة من حيث كونها عبادة حال كونه مؤثّرا في حصول أصل الفعل أو كيفيّاته و خصوصيّاته»
و فی النخبة فی الحکمة العملیة ( للفیض الکاشانی رحمه الله ) ص77 : « ...و ضده الرياء و هو طلب المنزلة عند غيره تعالى بالعبادة، فيختصّ بعمل الظاهر، أمّا نحو قصد الحمية في الصوم، و التبرّد في الوضوء، و التفرّج و التوحّش عن الأهل و التجارة في الحجّ، و الخلاص عن المئونة و سوء الخلق في العتق، فغير الرياء، و يفوت به الإخلاص».
و فی شرح الکافی للمازندرانی رحمه الله، ج8، ص49 : « حقيقة الرياء إرادة مدح الناس على العمل و السرور به و التقرب إليهم باظهار الطاعة و طلب المنزلة فى قلوبهم و الميل الى اعظامهم له و توقيرهم اياه و استجلاب تسخيرهم لقضاء حوائجه و قيامهم بمهماته ».
[15] ریاض الساکین، ج4، ص257: « و الرياء: مصدر راءاه مراءاة و رياء: إذا رأى كل منهما الآخر، ثم غلب استعماله في القصد بالطاعة لأن يراه الناس، و ذلك لأن المرائي لا يعمل الا إذا رأى الناس و رأوه، حتى إذا كان في موضع لا يرى فيه أحدا و لا يراه أحد لم يعمل، فالمفاعلة في الرياء على بابها» .
[16] راجع کتاب الطهارة للشیخ الانصاری، ج2، ص100 و مصباح الفقیه، ج2، ص225 و المعالم المأثورة، ج4، ص379 . و جاء فی الاخیر : « ثم ان معنى الرياء كما مرت الإشارة إليه لا يكون مطلق العمل لغير اللّه تعالى بل العمل العبادي فإنه يجب ان يكون مع الخلوص.و قال السيد المرتضى (ره) بان الحرام هو القصد و قال الهمداني هو العمل الخارجي و الحق معه لان العرف مساعد على ان العمل يكون حراما لا قصده ...» .
[17] راجع مشارع الاحکام ( لصاحب الفصول رحمه الله ) : 4746 و الواجبات فی الصلاة، ص86
[18] ریاض السالکین، ج4، ص257 . و فی مرآة العقول، ج10، ص87 : « قال بعض المحققين: اعلم أن الرياء مشتق من الرؤية، و السمعة مشتقة من السماع، و إنما الرياء أصله طلب المنزلة في قلوب الناس بإراءتهم خصال الخير، إلا أن الجاه و المنزلة يطلب في القلب بأعمال سوى العبادات و يطلب بالعبادات، و اسم الرياء مخصوص بحكم العادة بطلب المنزلة في القلوب بالعبادات و إظهارها فحد الرياء هو إرادة المنزلة بطاعة الله تعالى » .
[19] ثواب الاعمال، ص255( و رواه عنه فی الوسائل، ج1، ص69 )؛ عدة الداعی، ص228 ؛ مستدرک الوسائل، ج1، ص109.
[20] راجع واجبات الصلاة ( للمصطفی الخمینی رحمه الله )، ص 87
[21] القواعد و الفوائد، ج1، ص76.
[22] کتاب الطهارة، ج2، ص105.
[23] راجع کتاب الصلاة (تقریرات درس المحقق الداماد رحمه الله )، ج3، ص277 .