الفروق في اللغة
مؤلف هذا الكتاب
مؤلف هذا الكتاب
هو الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحي بن مهران العسكري، أبو هلال: عالم بالأدب، شاعر، ولد في عسكر مكرم (من كور الأهواز، بين البصرة و فارس) و اليها نسبته. لم يذكر المؤرخون تاريخ مولده و وفاته، قال ياقوت: «أما وفاته فلم يبلغني فيها شيء، غير أني وجدت في آخر كتاب «الأوائل» من تصنيفه: «و فرغنا من املاء هذا الكتاب يوم الاربعاء لعشر خلت من شعبان سنة 395 ه» و قال السيوطي: «مات بعد الأربعمائة». و كان أبو هلال قد أنشد لنفسه قبيل وفاته:
لي خمس و ثمانون سنه فإذا قدرتها كانت سنه
إن عمر المرء ما قد سرّه ليس عمر المرء مرّ الأزمنه
فاذا كان مات في السنة التي فرغ فيها من املاء كتابه، أو بعدها بسنين قليلة، كما يقول السيوطي، يكون مولده بين سنة 310 و 320 ه على وجه التقريب.
و أبو هلال هو ابن أخت أبي أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد بن اسماعيل العسكري (293- 382 ه) و تلميذه. قال السلفي: هو تلميذ أبي أحمد العسكري، توافقا في الاسم و اسم الأب و النسبة». و أبو أحمد هذا، كان فقيها، أديبا، انتهت اليه رياسة التحديث و الاملاء و التدريس في بلاد خوزستان في عصره.
5
الفروق في اللغة
مؤلف هذا الكتاب
بدأ أبو هلال حياته الدراسية في تعلم الفقه و الحديث و الأدب و اللغة، فهو يقول:
و ليال أطلن مدّة درسي مثلما قد مددن في عمر لهوي
مرّ لي بعضها بفقه و بعض بين شعر أخذت فيه و نحو
و حديث كأنه عقد ريّا بت أرويه للرجال و تروي.
و لا نعلم عمّن أخذ كل هذه العلوم، هل عن خاله وحده أم عن جماعة من أعلام عصره، فمترجموه لم يذكروا لنا شيئا عن حياته الدراسية.
و يتبين لنا مما بقي من شعره، أنه لم ينتفع بأدبه، فلم يكسب مالا و لا رزقا، بل عاش حياته فقيرا معوزا، سئما بالحياة، آسفا على ضياع أدبه بين الناس و على حياته معهم. يدل على ذلك ما رواه أبو حكيم أحمد بن اسماعيل بن فضلان العسكري قال: أنشدنا أبو هلال لنفسه بالعسكر (عسكر مكرم):
إذا كان مالي مال من يلقط العجم و حالي فيكم حال من حاك أو حجم
فأين انتفاعي بالأصالة و الحجى و ما ربحت كفي على العلم و الحكم
و من ذا الذي في الناس يبصر حالتي و لا يلعن القرطاس و الحبر و القلم.
أو قوله:
أرى الدنيا تميل الى أناس لئام ما لنا فيهم صلاح
بقيت كطائر في قبض باز جريح الجسم، هيض له جناح.
***
6
الفروق في اللغة
مؤلف هذا الكتاب
و تعاطى أبو هلال التجارة، فاتجر بالثياب. قال السلفي: و كان يتبزز احترازا من الطمع و الدناءة». و قال الباخرزي في دمية القصر، و قوله من مستطرف الأسجاع: «بلغني أن هذا الفاضل كان يحضر السوق، و يحمل اليها الوسوق، و يحلب در الرزق و يمتري، بأن يبيع الأمتعة و يشتري، فانظر كيف يحدو الكلام و يسوق، و تأمل هل غضّ من فضله السوق، و كان له في سوقة الفضلاء أسوة، أو كأنه استعار منهم لأشعاره كسوة، و هم: نصر بن أحمد الخبزأرزي، و أبو الفرج الوأواء الدمشقي، و السري الرفاء الموصلي. أما نصر فكان يدحو لرفاقه الأرزية، و يشكو في أشعاره تلك الرزية، و أما أبو الفرج فكان يسعى بالفواكه رائحا و غاديا. و يتغنى عليها مناديا، و أما السري يطري الخلق، و يرفو الخرق، و يصف تلك العبرة، و يزعم أنه يسترزق بالابرة. و كيف كان فهذه حرفة لا تنجو من حرفه، و صنعة لا تنجو من صنعة، و بضاعة لا تسلم من إضاعة، و متاع ليس لأهله استمتاع».
و كثيرا ما كان أبو هلال يخفق في تجارته، فهو لم يخلق لمثل هذا العمل، و لذلك نراه يتبرم و يتألم من الناس و من تجارته، فيقول:
جلوسي في سوق أبيع و أشتري دليل على أن الأنام قرود
و لا خير في قوم يذلّ كرامهم و يعظم فيهم نذلهم و يسود
و يهجوهم عني رثاثة كسوتي هجاء قبيحا ما عليه مزيد.
مؤلفاته
: ألف أبو هلال العسكري زهاء عشرين كتابا و رسالة منها، «التلخيص» و «جمهرة الأمثال» و «شرح الحماسة» و «المحاسن في تفسير القرآن» و «ما تلحن فيه الخاصة»، و «الفروق في اللغة» و هو هذا الكتاب النفيس، الذي تقوم «دار الآفاق الجديدة» بنشره مقابلا
7
الفروق في اللغة
مؤلفاته ص 7
و مصححا على عدة مخطوطات و نسخ معتمدة، و «الصناعتين: النظم و النثر» و هو من أهم كتبه، عالج فيه المعاني و الألفاظ، و حسن النظم، و الايجاز، و الاطناب. و السرقات، و التشبيه، و السجع، و الازدواج، و البديع، و التزم وضع الحدود و تفريع الأقسام، و «معجم» في اللغة، و «الحث على طلب العلم» و «الاوائل» قال صاحب كشف الظنون: و هو أول من صنّف في الاوائل، و على رسالته هذه بنى السيوطي كتابه «الوسائل الى معرفة الأوائل»، و أسماء بقايا الأشياء و «فضل العطاء على العسر» و «الدرهم و الدينار» و «ديوان المعاني» و «ديوان شعره».
عادل نويهض
بيروت تشرين الأول (أكتوبر) 1973
مصادر ترجمته
: الحياة الأدبية في العصر العباسي، لمحمد عبد المنعم خفاجي 371- 376 و أعيان الشيعة 22: 154- 159 و طبقات المفسرين للسيوطي 10 و معجم الأدباء 8: 258- 267 و بغية الوعاة 1: 506 و خزانة الأدب تحقيق هارون 1: 230 و دمية القصر 101 و معجم البلدان 4: 124 و مجلة الرسالة القاهرية 20: 838 و 949 و مجلة الحج 10: 655- 659 و «الاعلام» للزركلي 2: 211 و مقدمة كتاب الصناعتين.
8
الفروق في اللغة
مقدمة المؤلف
[مقدمة المؤلف]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* و صلى الله على سيدنا محمد و آله و سلم الحمد لله القائم بالقسط المالك للقبض و البسط الذي لا راد لما يقضيه و لا دافع لما يمضيه. أحمده على نعمه التي لا يحصى عددها) و لا ينقطع مددها، و أشهد أن لا اله الا اللّه وحده لا شريك له شهادة تزلف اليه و تكسب الحظوة لديه، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله المبعوث بالرحمة المختار لهداية الأمة أرسله رافعا لاعلام الحق صلى الله عليه و على آله مصابيح الخلق.
ثم اني ما رأيت نوعا من العلوم و فنا من الآداب الا و قد صنف فيه كتب تجمع أطرافه و تنظم أصنافه الا الكلام في الفرق بين معان تقاربت حتى أشكل الفرق بينها نحو العلم و المعرفة، و الفطنة و الذكاء، و الارادة و المشيئة، و الغضب و السخط، و الخطأ و الغلط، و الكمال و التمام، و الحسن و الجمال، و الفصل و الفرق، و السبب و الآلة، و العام و السنة، و الزمان و المدة، و ما شاكل ذلك فاني ما رأيت في الفرق بين هذه المعاني و أشباهها كتابا يكفي الطالب و يقنع الراغب مع كثرة منافعه فيما يؤدي الى المعرفة بوجوه الكلام و الوقوف على حقائق معانيه و الوصول الى الغرض فيه فعملت كتابي هذا مشتملا على ما تقع الكفاية به من غير اطالة و لا تقصير و جعلت كلامي فيه على ما يعرض منه في كتاب الله و ما يجري في ألفاظ الفقهاء و المتكلمين و سائر محاورات الناس. و تركت الغريب
9
الفروق في اللغة
مقدمة المؤلف
الذي يقل تداوله ليكون الكتاب قصدا بين العالي و المنحط و خير الأمور اوسطها.
و فرقت ما أردت تضمينه اياه من ذلك في ثلاثين بابا:
(الباب الأول) في الابانة عن كون اختلاف العبارات موجبا لاختلاف المعاني في كل لغة، و القول في البيان عن معرفة الفروق و الدلالة عليها.
(الباب الثاني) في الفرق بين ما كان من هذا النوع كلاما.
(الباب الثالث) في الفرق بين الدليل و الدلالة و الاستدلال و النظر و التأمل.
(الباب الرابع) في الفرق بين أقسام العلوم و ما يجري مع ذلك من الفرق بين الادراك و الوجدان و في الفرق بين ما يخالف العلوم و يضادها.
(الباب الخامس) في الفرق بين الحياة و ما يقرب منها في اللفظ و المعنى و ما يخالفها و يضادها و الفرق بين القدرة و ما يخالفها و يناقضها و الفرق بين الصحة و السلامة و ما يجري مع ذلك.
(الباب السادس) في الفرق بين القديم و العتيق و الباقي و الدائم و ما يجري مع ذلك.
(الباب السابع) في الفرق بين أقسام الارادات و أضدادها و الفرق بين أقسام الأفعال.
(الباب الثامن) في الفرق بين الفرد الواحد و الوحدة و الوحدانية و ما بسبيل ذلك و ما يخالفه من الفرق بين الكل و الجمع و ما هو من قبيل الجمع من التأليف و التصنيف و التنظيم و التنضيد و الفرق بين المماسة و المجاورة و ما يخالف ذلك من الفرق بين الفصل و الفرق.
(الباب التاسع) في الفرق بين الشبه و الشبه و العديل و النظير و الفرق بين ما يخالف ذلك من المتناقض و المتضاد و ما يجري معه.
(الباب العاشر) في الفرق بين الجسم و الجرم و الشخص و الشبح و ما يجري مع ذلك.
10
الفروق في اللغة
مقدمة المؤلف
(الباب الحادي عشر) في الفرق بين الجنس و النوع و الضرب و الصنف و الأصل و الأس و ما بسبيل ذلك.
(الباب الثاني عشر) في الفرق بين القسم و الحظ و الرزق و النصيب و بين السخاء و الجود و بين أقسام العطيات و بين الغنى و الجدة و ما يخالف الغنى من الفقر و الاملاق و ما بسبيله و ما يخالف الحظ من الحرمان و الحرف.
الباب الثالث عشر: في الفرق بين العز و الشرف و الرياسة و السؤدد، و بين الملك و السلطان و الدولة و التمكين، و بين النصر و الاعانة، و بين الكبير و العظيم و الكبر و الكبرياء و بين الحكم و القضاء، و القدر و التقدير و ما يجري مع ذلك.
الباب الرابع عشر: في الفرق بين النعمة و الرحمة و الاحسان و الانعام، و بين الحلم و الامهال. و الصبر و الاحتمال. و الوقار و السؤدد و ما بسبيل ذلك.
الباب الخامس عشر: في الفرق بين الحفظ و الرعاية و الحراسة و الحماية، و الفرق بين الرقيب و المهيمن، و بين الوكيل و الضمين و ما يجري مع ذلك.
الباب السادس عشر: في الفرق بين الهداية و الرشد و الصلاح و السداد و ما يخالف ذلك من الغي و الفساد.
الباب السابع عشر: في الفرق بين التكليف و الاختبار و الابتلاء و الفتنة و بين اللطف و التوفيق و اللطف و اللطف.
الباب الثامن عشر: في الفرق بين الدين و الملة. و الطاعة و العبادة.
و الفرض و الوجوب، و المباح و الحلال و ما يخالف ذلك من أقسام المعاصي، و الفرق بين التوبة و الاعتذار و ما يجري مع ذلك.
الباب التاسع عشر: في الفرق بين الثواب و العوض و التفضل. و بين العوض و البدل. و بين القيمة و الثمن و الفرق بين ما يخالف ذلك من العذاب و العقاب. و الالم و الوجع. و الخوف و الخشية. و الوجل و الحياء
11
الفروق في اللغة
مقدمة المؤلف
و الخجل و ما يخالف ذلك من الرجاء و الطمع و اليأس و القنوط.
الباب العشرون: في الفرق بين الكبر و التيه و الجبرية و ما يخالف ذلك من الخضوع و الخشوع و ما بسبيلها.
الباب الحادي و العشرون: في الفرق بين العبث و اللعب، و الهزل و المزاح و الاستهزاء و السخرية و ما بسبيل ذلك.
الباب الثاني و العشرون: في الفرق بين الخديعة و الحيلة و المكر و الكيد و ما يقرب من ذلك.
الباب الثالث و العشرون: في الفرق بين الوضاءة و الحسن و القسامة و البهجة و بين السرور و الفرح و ما بسبيل ذلك.
الباب الرابع و العشرون: في الفرق بين الزمان و الدهر و الأمد و المدة و ما يجري مع ذلك.
الباب الخامس و العشرون: في الفرق بين ضروب القرابات و بين المصاحبة و المقاربة و ما يقرب من ذلك.
الباب السادس و العشرون: في الفرق بين الاظهار و الجهر و ما بسبيل ذلك و ما يخالفه من الفرق بين الكتمان و الاخفاء و الستر و الحجاب و ما يقرب من ذلك.
الباب السابع و العشرون: في الفرق بين البعث و الارسال و الانفاذ و بين النبي و الرسول.
الباب الثامن و العشرون: في الفرق بين الكتب و النسخ و بين المنشور و الكتاب و بين الكتاب و الدفتر و الصحيفة.
الباب التاسع و العشرون: في الفرق بين نهاية الشيء و آخره و غايته و بين الجانب و الكنف و ما يجري مع ذلك.
الباب الثلاثون: في الفرق بين أشياء مختلفة.
و الرغبة الى الله في التوفيق للصواب فيما أضمنه هذه الأبواب ثم في جميع ما أتصرف فيه من القول و الفعل ان شاء الله تعالى.
12
الفروق في اللغة
الباب الأول في الابانة عن كون اختلاف العبارات و الأسماء موجبا لاختلاف المعاني في كل لغة. و القول في الدلالة على الفروق بينها
الباب الأول في الابانة عن كون اختلاف العبارات و الأسماء موجبا لاختلاف المعاني في كل لغة. و القول في الدلالة على الفروق بينها
قال الشيخ أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل رحمه الله تعالى:
الشاهد على أن اختلاف العبارات و الاسماء يوجب اختلاف المعاني ان الاسم كلمة تدل على معنى دلالة الاشارة و اذا أشير الى الشيء مرة واحدة فعرف فالاشارة اليه ثانية و ثالثة غير مفيدة و واضع اللغة حكيم لا يأتي فيها بما لا يفيد فأن أشير منه في الثاني و الثالث الى خلاف ما أشير اليه في الاول كان ذلك صوابا فهذا يدل على أن كل اسمين يجريان على معنى من المعاني و عين من الاعيان في لغة واحدة فأن كل واحد منهما يقتضي خلاف ما يقتضيه الآخر و الا لكان الثاني فضلا لا يحتاج اليه.
و إلى هذا ذهب المحققون من العلماء و اليه أشار المبرد في تفسير قوله تعالى (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً) قال فعطف شرعة على منهاج لأن الشرعة لاول الشيء و المنهاج لمعظمه و متسعه. و استشهد على ذلك بقولهم شرع فلان في كذا إذا ابتدأه و أنهج البلى في الثوب اذا اتسع فيه. قال و يعطف الشيء على الشيء و ان كانا يرجعان الى شيء واحد اذا كان في أحدهما خلاف للآخر فأما اذا أريد بالثاني ما أريد بالاول فعطف أحدهما على الآخر خطأ. لا تقول جاءني زيد و أبو عبد الله اذا كان زيد هو أبو
13
الفروق في اللغة
الباب الأول في الابانة عن كون اختلاف العبارات و الأسماء موجبا لاختلاف المعاني في كل لغة. و القول في الدلالة على الفروق بينها
عبد الله ولكن مثل قوله:
أمرهم الخير فافعل ما أمرت به فقد تركتك ذا مال و ذا نشب
و ذلك أن المال اذا لم يقيد فانما يعنى به الصامت كذا قال، و النشب ما ينشب و يثبت من العقارات، و كذلك قول الحطيئة:
ألا حبذا هند و أرض بها هند و هند أتى من دونها النأي و البعد
و ذلك أن النأي يكون لما ذهب عنك الى حيث بلغ و أدنى ذلك يقال له نأي. و البعد تحقيق التروح و الذهاب الى الموضع السحيق. و التقدير أتى من دونها النأي الذي يكون أول البعد و البعد الذي يكاد يبلغ الغاية. قال أبو هلال رحمه الله و الذي قاله ههنا في العطف يدل على أن جميع ما جاء في القرآن و عن العرب من لفظين جاريين مجرى ما ذكرنا من العقل و اللب و المعرفة و العلم و الكسب و الجرح و العمل و الفعل معطوفا أحدهما على الآخر فانما جاز هذا فيهما لما بينهما من الفرق في المعنى و لو لا ذلك لم يجز عطف زيد على أبي عبد الله اذ كان هو هو، قال أبو هلال رحمه الله: و معلوم أن من حق المعطوف أن يتناول غير المعطوف عليه ليصح عطف ما عطف به عليه الا اذا علم أن الثاني ذكر تفخيما و أفرد عما قبله تعظيما نحو عطف جبريل و ميكائيل على الملائكة في قوله تعالى (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ) «1» و قال بعض النحويين لا يجوز أن يدل اللفظ الواحد على معنيين مختلفين حتى تضاف «2» علامة لكل واحد منهما فأن لم يكن فيه لذلك علامة أشكل و ألبس على المخاطب و ليس من الحكمة وضع الادلة المشكلة الا أن يدفع الى ذلك ضرورة أو علة و لا يجيء في الكلام غير ذلك الا ما شذ و قل.
و كما لا يجوز أن يدل اللفظ الواحد على معنيين فكذلك لا يجوز أن
__________________________________________________
(1) فى التيمورية «ميكائل» و هي قراءة.
(2) في النسخ «تضامه» مكان تضاف.
14
الفروق في اللغة
الباب الأول في الابانة عن كون اختلاف العبارات و الأسماء موجبا لاختلاف المعاني في كل لغة. و القول في الدلالة على الفروق بينها
يكون اللفظان يدلان على معنى واحد لأن في ذلك تكثيرا للغة بما لا فائدة فيه.
قال: و لا يجوز أن يكون فعل و أفعل بمعنى واحد كما لا يكونان على بناء واحد الا أن يجيء ذلك في لغتين فاما في لغة واحدة فمحال أن يختلف اللفظان و المعنى واحد كما ظن كثير من النحويين و اللغويين و انما سمعوا العرب تتكلم بذلك على طباعها و ما في نفوسها من معانيها المختلفة و على ما جرت به عاداتها و تعارفها و لم يعرف السامعون تلك العلل و الفروق فظنوا ما ظنوه من ذلك و تأولوا على العرب ما لا يجوز في الحكم «1» و قال المحققون من أهل العربية: لا يجوز أن تختلف الحركتان في الكلمتين و معناهما واحد قالوا فاذا كان الرجل عدة للشيء قيل فيه مفعل مثل مرحم و محرب و اذا كان قويا على الفعل قيل فعول مثل صبور و شكور و اذا فعل الفعل وقتا بعد وقت قيل فعال مثل علام و صبار. و اذا كان ذلك عادة له قيل مفعال: مثل معوان و معطاء و مهداء. و من لا يتحقق المعاني يظن أن ذلك كله يفيد المبالغة فقط و ليس الامر كذلك بل هي مع افادتها المبالغة تفيد المعاني التي ذكرناها. و كذلك قولنا فعلت يفيد خلاف ما يفيد أفعلت في جميع الكلام الا ما كان من ذلك لغتين فقولك: سقيت الرجل يفيد أنك أعطيته ما يشربه أو صببت ذلك في حلقه. و أسقيته يفيد أنك جعلت له سقيا أو حظا من الماء. و قولك شرقت الشمس يفيد خلاف غربت و أشرقت يفيد أنها صارت ذات اشراق.
و رعدت السماء أتت برعد و أرعدت صارت ذات رعد فأما قول بعض أهل اللغة أن الشعر و الشعر «2» و النهر و النهر «3» بمعنى واحد، فأن ذلك لغتان.
و اذا كان اختلاف الحركات يوجب اختلاف المعاني فاختلاف المعاني أنفسها
__________________________________________________
(1) في التيمورية (الحكمة).
(2) الاولى بفتح العين و الثانية بسكونها.
(3) الاولى بفتح الهاء و الثانية بسكونها.
15
الفروق في اللغة
الباب الأول في الابانة عن كون اختلاف العبارات و الأسماء موجبا لاختلاف المعاني في كل لغة. و القول في الدلالة على الفروق بينها
أولى أن يكون كذلك. و لهذا المعنى أيضا قال المحققون من أهل العربية إن حروف الجر لا تتعاقب. حتى قال ابن درستويه في جواز تعاقبها إبطال حقيقة اللغة و افساد الحكمة فيها، و القول بخلاف ما يوجبه العقل و القياس. قال أبو هلال رحمه الله و ذلك أنها اذا تعاقبت خرجت عن حقائقها و وقع كل واحد منهما بمعنى الآخر فأوجب ذلك أن يكون لفظان مختلفان لهما معنى واحد فأبى المحققون أن يقولوا بذلك و قال به من لا يتحقق المعاني، و لعل قائلا يقول ان امتناعك من أن يكون للفظين المختلفين معنى واحد رد على جميع أهل اللغة لأنهم اذا أرادوا أن يفسروا اللب قالوا هو العقل. أو الجرح قالوا هو الكسب. أو السكب قالوا هو الصب، و هذا يدل على أن اللب و العقل عندهم سواء و كذلك الجرح و الكسب و السكب و الصب و ما أشبه ذلك، قلنا و نحن أيضا كذلك نقول الا أنا نذهب الى أن قولنا اللب و ان كان هو العقل فانه يفيد خلاف ما يفيد قولنا العقل. و مثل ذلك القول و ان كان هو الكلام و الكلام هو القول فأن كل واحد منهما يفيد بخلاف ما يفيده الآخر. و كذلك المؤمن و ان كان هو المستحق للثواب فأن قولنا مستحق للثواب يفيد خلاف ما يفيده قولنا مؤمن. و كذلك جميع ما في هذا الباب، و لهذا المعنى قال المبرد الفرق بين أبصرته و بصرت به على اجتماعهما في الفائدة أن بصرت به معناه أنك صرت بصيرا بموضعه و فعلت أي انتقلت الى هذا الحال.
و أما أبصرته فقد يجوز أن يكون مرة و يكون لأكثر من ذلك. و كذلك أدخلته و دخلت به فاذا قلت أدخلته جاز أن تدخله و أنت معه و جاز ألا تكون معه. و دخلت به إخبار بأن الدخول لك و هو معك بسببك.
و حاجتنا الى الاختصار تلزمنا الاقتصار في تأييد هذا المذهب على ما ذكرناه و فيه كفاية.
فأما ما يعرف به الفرق بين هذه المعاني و أشباهها فأشياء كثيرة منها اختلاف ما يستعمل عليه اللفظان اللذان يراد الفرق بين معنييهما. و منها
16
الفروق في اللغة
الباب الأول في الابانة عن كون اختلاف العبارات و الأسماء موجبا لاختلاف المعاني في كل لغة. و القول في الدلالة على الفروق بينها
اعتبار صفات المعنيين اللذين يطلب الفرق بينهما. و منها اعتبار ما يؤول اليه المعنيان. و منهما اعتبار الحروف التي تعدي بها الافعال. و منها اعتبار النقيض. و منها اعتبار الاشتقاق. و منها ما يوجبه صيغة اللفظ من الفرق بينه و بين ما يقاربه. و منهما اعتبار حقيقة اللفظين أو أحدهما في أصل اللغة.
فأما الفرق الذي يعرف من جهة ما تستعمل عليه الكلمتان فكالفرق بين العلم و المعرفة و ذلك أن العلم يتعدى الى مفعولين و المعرفة تتعدى الى مفعول واحد فتصرفهما على هذا الوجه و استعمال أهل اللغة اياهما عليه يدل على الفرق بينهما في المعنى و هو أن لفظ المعرفة يفيد تمييز المعلوم من غيره و لفظ العلم لا يفيد ذلك الا بضرب آخر من التخصيص في ذكر المعلوم. و سنتكلم في ذلك بما فيه كفاية اذا انتهينا الى موضعه.
و أما الفرق الذي يعرف من جهة صفات المعنيين فكالفرق بين الحلم و الإمهال و ذلك أن الحلم لا يكون الا حسنا و الامهال يكون حسنا و قبيحا. و سنبين ذلك في موضعه ان شاء الله.
و أما الفرق الذي يعرف من جهة اعتبار ما يؤول اليه المعنيان فكالفرق بين المزاح و الاستهزاء و ذلك أن المزاح لا يقتضي تحقير الممازح و لا اعتقاد ذلك فيه ألا ترى أن التابع يمازح المتبوع من الرؤساء و الملوك فلا يدل ذلك منه على تحقيرهم و لا اعتقاد تحقيرهم ولكن يدل على استئناسه بهم. و الاستهزاء يقتضي تحقير المستهزأ به فظهر الفرق بين المعنيين بتباين ما دلا عليه و أوجباه.
و أما الفرق الذي يعلم من جهة الحروف التي تعدى بها الافعال فكالفرق بين العفو و الغفران ذلك أنك تقول عفوت عنه فيقتضي ذلك انك محوت الذم و العقاب عنه و تقول غفرت له فيقتضي ذلك أنك سترت له ذنبه و لم تفضحه به. و بيان هذا يجيء في بابه ان شاء الله.
و أما الفرق الذي يعرف من جهة اعتبار النقيض فكالفرق بين الحفظ
17
الفروق في اللغة
الباب الأول في الابانة عن كون اختلاف العبارات و الأسماء موجبا لاختلاف المعاني في كل لغة. و القول في الدلالة على الفروق بينها
و الرعاية و ذلك أن نقيض الحفظ الاضاعة و نقيض الرعاية الاهمال و لهذا يقال للماشية اذا لم يكن لها راع همل. و الاهمال ما يؤدي الى الاضاعة فعلى هذا يكون الحفظ صرف المكاره عن الشيء لئلا يهلك و الرعاية فعل السبب الذي يصرف به المكاره عنه. و سنشرح هذا في موضعه ان شاء الله. و لو لم يعتبر في الفرق بين هاتين الكلمتين و ما بسبيلهما النقيض لصعب معرفة الفرق بين ذلك.
و أما الفرق الذي يعرف من جهة الاشتقاق فكالفرق بين السياسة و التدبير و ذلك أن السياسة هي النظر في الدقيق من أمور السوس مشتقة من السوس هذا الحيوان المعروف و لهذا لا يوصف الله تعالى بالسياسة لأن الأمور لا تدق عنه. و التدبير مشتق من الدبر و دبر كل شيء آخره.
و ادبار الامور عواقبها فالتدبير آخر الأمور و سوقها الى ما يصلح به ادبارها أي عواقبها و لهذا قيل للتدبير المستمر سياسة و ذلك أن التدبير اذا كثر و استمر عرض فيه ما يحتاج الى دقة النظر فهو راجع الى الأول.
و كالفرق بين التلاوة و القراءة و ذلك أن التلاوة لا تكون في الكلمة الواحدة. و القراءة تكون فيها تقول قرأ فلان اسمه و لا تقول تلا اسمه.
و ذلك أن أصل التلاوة من قولك تلا الشيء الشيء يتلوه اذا تبعه فاذا لم تكن الكلمة تتبع أختها لم تستعمل فيها التلاوة و تستعمل فيها القراءة لأن القراءة اسم لجنس هذا الفعل.
و أما الفرق الذي توجبه صيغة اللفظ فكالفرق بين الاستفهام و السؤال و ذلك أن الاستفهام لا يكون الا لما يجهله المستفهم أو يشك فيه لأن المستفهم طالب لأن يفهم و قد يجوز أن يسأل فيه السائل عما يعلم و عما لا يعلم فصيغة الاستفهام و هو استفعال و الاستفعال للطلب ينبئ عن الفرق بينه و بين السؤال. و كذلك كل ما اختلفت صيغته من الاسماء و الافعال فمعناه مختلف مثل الضعف و الضعف «1» و الجهد و الجهد و غير
__________________________________________________
(1) الاولى بفتح الضاد و الثانية بضمها.
18
الفروق في اللغة
الباب الأول في الابانة عن كون اختلاف العبارات و الأسماء موجبا لاختلاف المعاني في كل لغة. و القول في الدلالة على الفروق بينها
ذلك مما يجري مجراه.
و أما الفرق الذي يعرف من جهة اعتبار أصل اللفظ في اللغة و حقيقته فيها فكالفرق بين الحنين و الاشتياق و ذلك أن أصل الحنين في اللغة هو صوت من أصوات الابل تحدثها اذا اشتاقت الى أوطانها ثم كثر ذلك حتى أجرى اسم كل واحد منهما على الآخر كما يجري على السبب و على المسبب اسم السبب «1»، فاذا اعتبرت هذه المعاني و ما شاكلها في الكلمتين و لم يتبين «2» لك الفرق بين معنييهما، فاعلم أنهما من لغتين مثل القدر بالبصرية و البرمة بالمكية و مثل قولنا الله بالعربية و آزر بالفارسية.
و هذه جملة اذا اعتمدتها أوصلتك الى بغيتك من هذا الباب ان شاء الله.
__________________________________________________
(1) في التيمورية (كما يجري على السبب اسم المسبب و على المسبب اسم السبب).
(2) في التيمورية «و لم يستبن».
19
الفروق في اللغة
الباب الثاني في الفرق بين ما كان من هذا النوع كلاما
الباب الثاني في الفرق بين ما كان من هذا النوع كلاما
فمن الكلام الاسم و التسمية و اللقب و الصفة.
[الفرق بين الاسم و التسمية و الاسم و اللقب]
فالفرق بين الاسم و التسمية و الاسم و اللقب أن الاسم فيما قال ابن السراج ما دل على معنى مفرد شخصا كان أو غير شخص. و فيما قال أبو الحسن علي بن عيسى رحمه الله كلمة تدل على معنى دلالة الاشارة و اشتقاقه من السمو و ذلك أنه كالعلم ينصب ليدل على صاحبه. و قال أبو العلاء المازني رحمه الله الاسم قول دال على المسمى غير مقتض لزمان من حيث هو اسم. و الفعل ما اقتضى زمانا أو تقديره من حيث هو فعل. قال و الاسم اسمان اسم محض و هو قول دال دلالة الاشارة و اسم صفة و هو قول دال دلالة الافادة.
و قال علي بن عيسى التسمية تعليق الاسم بالمعنى على جهة الابتداء.
و قال أبو العلاء اللقب ما غلب على المسمى من اسم علم بعد اسمه الاول فقولنا زيد ليس بلقب لانه أصل فلا لقب الا علم و قد يكون علم ليس بلقب. و قال النحويون: الاسم الاول هو الاسم المستحق بالصورة مثل رجل و ظبي و حائط و حمار. و زيد هو اسم ثان. و اللقب ما غلب على المسمى من اسم ثالث. و أما النبز فان المبرد قال هو اللقب الثابت قال و المنابزة الاشاعة باللقب يقال لبني فلان نبز يعرفون به اذا كان لهم لقب
20
الفروق في اللغة
الفرق بين الاسم و التسمية و الاسم و اللقب ص 20
ذائع «1» شائع و منه قوله تعالى (وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) و كان هذا من أمر الجاهلية فنهى الله تعالى عنه. و قيل النبز ذكر اللقب يقال نبز و نزب كما يقال جذب و جبذ و
قالوا في تفسير الآية هو أن يقول للمسلم يا يهودي أو يا نصراني فينسبه الى ما تاب منه.
(الفرق بين الاسم و الصفة)
ان الصفة ما كان من الاسماء مخصصا مفيدا مثل زيد الظريف و عمرو العاقل و ليس الاسم كذلك فكل صفة اسم و ليس كل اسم صفة و الصفة تابعة للاسم في اعرابه و ليس كذلك الاسم من حيث هو اسم و يقع الكذب و الصدق في الصفة لاقتضائها الفوائد و لا يقع ذلك في الاسم و اللقب فالقائل للاسود أبيض على الصفة كاذب و على اللقب غير كاذب، و الصحيح من الكلام ضربان أحدهما يفيد فائدة الاشارة فقط و هو الاسم العلم و اللقب و هو ما صح تبديله و اللغة مجالها كزيد و عمر و لانك لو سميت زيدا عمرا لم تتغير اللغة.
و الثاني ينقسم أقساما فمنها ما يفيد ابانة موصوف من موصوف كعالم وحي. و منها ما يبين نوعا من نوع كقولنا لون و كون و اعتقاد و ارادة. و منها ما يبين جنسا من جنس كقولنا جوهر و سواد و قولنا شيء يقع على ما يعلم و ان لم يفد أنه يعلم.
(الفرق بين الصفة و النعت)
أن النعت فيما حكى أبو العلاء رحمه الله لما يتغير من الصفات.
و الصفة لما يتغير و لما لا يتغير فالصفة أعم من النعت. قال فعلى هذا يصح أن ينعت الله تعالى بأوصافه لفعله لأنه يفعل و لا يفعل. و لا ينعت بأوصافه لذاته اذ لا يجوز أن يتغير. و لم يستدل على صحة ما قاله من ذلك بشيء و الذي عندي أن النعت هو ما يظهر من الصفات و يشتهر
__________________________________________________
(1) فى الاصل «واقع» مكان «ذائع» و لعلها تصحيف.
21
الفروق في اللغة
الفرق بين الصفة و النعت ص 21
و لهذا قالوا هذا نعت الخليفة كمثل قولهم الامين و المأمون و الرشيد.
و قالوا أول من ذكر نعته على المنبر الامين و لم يقولوا صفته و ان كان قولهم الأمين صفة له عندهم لأن النعت يفيد من المعاني التي ذكرناها ما لا تفيده الصفة ثم قد تتداخل الصفة و النعت فيقع كل واحد منهما موضع الآخر لتقارب معناها و يجوز أن يقال الصفة لغة و النعت لغة أخرى و لا فرق بينهما في المعنى. و الدليل على ذلك أن أهل البصرة من النحاة يقولون الصفة و أهل الكوفة يقولون النعت و لا يفرقون بينهما فأما قولهم نعت الخليفة فقد غلب على ذلك كما يغلب بعض الصفات على بعض الموصوفين بغير معنى يخصه فيجري مجرى اللقب في الرفعة ثم كثرا حتى استعمل كل واحد منهما في موضع الآخر.
(الفرق بين الصفة و الحال)
أن الصفة تفرق بين اسمين مشتركين في اللفظ. و الحال زيادة في الفائدة و الخبر. قال المبرد اذا قلت جاءني عبد الله و قصدت الى زيد فخفت أن يعرف السامع جماعة أو اثنين كل واحد عبد الله أو زيد قلت الراكب أو الطويل أو العاقل و ما أشبه ذلك من الصفات لتفضل بين من تعني و بين من خفت أن يلبس به كأنك قلت جاءني زيد المعروف بالركوب أو المعروف بالطول فأن لم ترد هذا ولكن أردت الاخبار عن الحال التي وقع فيها مجيئه قلت جاءني زيد راكبا أو ماشيا فجئت بعده بذكره لا يكون نعتا لانه معرفة و انما أردت أن مجيئه وقع في هذه الحال و لم ترد جاءني زيد المعروف بالركوب فأن أدخلت الالف و اللام صارت صفة للاسم المعروف و فرقا بينه و بينه.
(الفرق بين الوصف و الصفة)
أن الوصف مصدر و الصفة فعلة. و فعلة نقصت فقيل صفة و أصلها وصفة فهي أخص من الوصف لأن الوصف اسم جنس يقع على كثيره و قليله و الصفة ضرب من الوصف مثل الجلسة و المشية و هي هيئة الجالس
22
الفروق في اللغة
الفرق بين الوصف و الصفة ص 22
و الماشي. و لهذا أجريت الصفات على المعاني فقيل العفاف و الحياء من صفات المؤمن و لا يقال أوصافه بهذا المعنى لأن الوصف لا يكون الا قولا و الصفة أجريت مجرى الهيئة و ان لم تكن بها فقيل للمعاني نحو العلم و القدرة صفات لأن الموصوف بها يعقل عليها كما ترى صاحب الهيئة على هيئته و تقول هو على صفة كذا و هذه صفتك كما تقول هذه حليتك و لا تقول هذا وصفك الا أن يعني به وصفه للشيء.
(الفرق بين التحلية و الصفة)
أن التحلية في الاصل فعل المحلى و هو تركيب الحلية على الشيء مثل السيف و غيره. و ليس هي من قبيل القول. و استعمالها في غير القول مجاز و هو انه قد جعل ما يعبر عنه بالصفة صفة كما أن الحقيقة من قبيل القول. تم جعل ما يعبر عنه بالحقيقة حقيقة و هو الذات الا أنه كثر به الاستعمال حتى صار كالحقيقة.
(الفرق بين الاسم و الحد)
أن الحد يوجب المعرفة بالمحدود من غير الوجه المذكور في المسألة عنه فيجمع للسائل المعرفة من وجهين. و فرق آخر و هو أنه قد يكون في الاسماء مشترك و غير مشترك مما يقع الالتباس فيه بين المتجادلين فاذا توافقا على الحد زال ذلك. و فرق آخر و هو أنه قد يكون مما يقع عليه الاسم ما هو مشكل فاذا جاء الحد زال ذلك. مثاله قول النحويين الاسم و الفعل و الحرف. و في ذلك إشكال فاذا جاء الحد أبان. و فرق آخر و هو أن الاسم يستعمل على وجه الاستعارة و الحقيقة فاذا جاء الحد بين ذلك ميزه.
(الفرق بين الحد و الحقيقة)
أن الحد ما أبان الشيء و فصله من أقرب الاشياء بحيث منع من مخالطة غيره له و أصله في العربية المنع. و الحقيقة ما وضع من القول موضعه في أصل اللغة و الشاهد انها مقتضية المجاز و ليس المجاز الا قولا
23
الفروق في اللغة
الفرق بين الحد و الحقيقة ص 23
فلا يجوز أن يكون ما يناقضه الا قولا. و مثل ذلك الصدق لما كان قولا كان نقيضه و هو الكذب قولا ثم يسمى ما يعبر عنه بالحقيقة و هو الذات حقيقة مجازا فهي على الوجهين مفارقة للحد مفارقة بينة. و الفرق بينهما أيضا أن الحد لا يكون الا لما له غير يجمعه و اياه جنس قد فصل بالحد بينه و بينه. و الحقيقة تكون كذلك و لما ليس له غير كقولنا شيء و الشيء لا حد له من حيث هو شيء و ذلك أن الحد هو المانع للمحدود من الاختلاط بغيره و الشيء لا غير له و لو كان له غير لما كان شيئا كما أن غير اللون ليس بلون فتقول ما حقيقة الشيء و لا تقول ما حد الشيء. و فرق آخر و هو أن العلم بالحد هو علم به و بما يميزه و العلم بالحقيقة علم بذاتها.
(الفرق بين الحد و الرسم)
أن الحد أتم ما يكون من البيان عن المحدود. و الرسم مثل السمة يخبر به حيث يعسر التحديد. و لا بد للحد من الاشعار بالاصل اذا أمكن ذلك فيه و الرسم غير محتاج الى ذلك. و أصل الرسم في اللغة العلامة و منه رسوم الديار. و فرق المنطقيون بين الرسم و الحد فقالوا الحد مأخوذ من طبيعة الشيء و الرسم من اعراضه.
(الفرق بين قولنا ما حده و بين قولنا ما هو)
أن قولنا ما هو يكون سؤالا عن الحد كقولك ما الجسم و سؤالا عن الرسم كقولك ما الشيء و ذلك أن الشيء لا يحد على ما ذكرنا و انما يرسم بقولنا ان الذي يصح أن يعلم و يذكر و يخبر عنه. و سؤالا عن الجنس كقولك ما الدنيا و سؤالا عن التفسير اللغوي كقولك ما القطر فتقول النحاس و ما القطر فتقول العود. و ليس كذلك قولنا ما حده لأن ذلك يبين الاختصاص من وجه من هذه الوجوه.
(الفرق بين الحقيقة و الذات)
انه لم يعرف الشيء من لم يعرف ذاته. و قد يعرف ذاته من لم
24
الفروق في اللغة
الفرق بين الحقيقة و الذات ص 24
يعرف حقيقته. و الحقيقة أيضا من قبيل القول على ما ذكرنا و ليست الذات كذلك و الحقيقة عند العرب ما يجب على الانسان حفظه يقولون هو حامي الحقيقة و فلان لا يحمي حقيقته.
(الفرق بين الحقيقة و الحق)
ان الحقيقة ما وضع من القول موضعه في أصل اللغة حسنا كان أو قبيحا و الحق ما وضع موضعه من الحكمة فلا يكون الا حسنا و انما شملها اسم التحقيق لاشتراكهما في وضع الشيء منهما موضعه من اللغة و الحكمة.
(الفرق بين الحقيقة و المعنى)
ان المعنى هو القصد الذي يقع به القول على وجه دون وجه و قد يكون معنى الكلام في اللغة ما تعلق به القصد. و الحقيقة ما وضع من القول موضعه منها على ما ذكرنا يقال عنيته أعنيه معنى. و المفعل يكون مصدرا و مكانا و هو ههنا مصدر و مثله قولك دخلت مدخلا حسنا أي دخولا حسنا. و لهذا قال أبو علي رحمة الله عليه ان المعنى هو القصد الى ما يقصد اليه من القول فجعل المعنى القصد لأنه مصدر. قال و لا يوصف الله تعالى بأنه معنى لأن المعنى هو قصد قلوبنا الى ما نقصد اليه من القول و المقصود هو المعنى و الله تعالى هو المعنى و ليس بمعنى و حقيقة هذا الكلام أن يكون ذكر الله هو المعنى و القصد اليه هو المعنى اذا كان المقصود في الحقيقة حادث. و قولهم عنيت بكلامي زيدا كقولك أردته بكلامي و لا يجوز أن يكون زيد في الحقيقة مرادا مع وجوده فدل ذلك على أنه عنى ذكره و أريد الخبر عنه دون نفسه. و المعنى مقصور على القول دون ما يقصد. ألا ترى أنك تقول معنى قولك كذا و لا تقول معنى حركتك كذا ثم توسع فيه فقيل ليس لدخولك الى فلان معنى و المراد أنه ليس له فائدة تقصد ذكرها بالقول. و توسع في الحقيقة ما لم يتوسع في المعنى فقيل لا شيء الا و له حقيقة و لا يقال لا شيء الا و له
25
الفروق في اللغة
الفرق بين الحقيقة و المعنى ص 25
معنى. و يقولون حقيقة الحركة كذا و لا يقولون معنى الحركة كذا هذا على انهم سموا الاجسام و الاعراض معاني الا أن ذلك توسع و التوسع يلزم موضعه المستعمل فيه و لا يتعداه.
(الفرق بين المعنى و الموصوف)
أن قولنا موصوف يجيء مطلقا و قولنا معنى لا يجيء الا مقيدا تقول هذا الشيء موصوف و لا تقول معنى حتى تقول معنى بهذا القول و بهذا الكلام و ذلك أن وصفت تتعدى الى مفعول واحد بنفسه كضربت تقول وصفت زيدا كما تقول ضربت زيدا فان أردت زيادة فائدة عديته بحرف فقلت وصفته بكذا كما تقول ضربته بعصا أو بسيف. و عنيت يتعدى الى مفعولين أحدهما بنفسه و الآخر بالحرف تقول عنيت زيدا بكذا فالفائدة في قولك بكذا فهو كالشيء الذي لا بد منه. فلهذا يقيد المعنى و يطلق الموصوف.
(الفرق بين الغرض و المعنى)
أن المعنى القصد الذي يقع به القول على وجه دون وجه على ما ذكرنا. و الكلام لا يترتب في الاخبار و الاستخبار و غير ذلك الا بالقصد فلو قال قائل محمد رسول الله و يريد محمد بن جعفر كان ذلك باطلا و لو أراد محمد بن عبد الله عليه السلام كان حقا أو قال زيد في الدار يريد بزيد تمثيل النحويين لم يكن مخبرا. و الغرض هو المقصود بالقول أو الفعل باضمار مقدمة و لهذا لا يستعمل في الله تعالى غرضي بهذا الكلام كذا أي هو مقصودي به و سمي غرضا تشبيها بالغرض الذي يقصده الرامي بسهمه و هو الهدف و تقول معنى قول الله كذا لأن الغرض هو المقصود و ليس للقول مقصود فأن قلت ليس للقول قصد أيضا قلنا هو مجاز و المجاز يلزم موضعه و لا يجوز القياس عليه فتقول غرض قول الله كما تقول معنى قول الله قياسا. و الغرض أيضا يقتضي أن يكون باضمار
26
الفروق في اللغة
الفرق بين الغرض و المعنى ص 26
مقدمة و الصفة بالاضمار لا يجوز على الله تعالى و يجوز أن يقال الغرض المعتمد الذي يظهر وجه الحاجة اليه و لهذا لا يوصف الله تعالى به لان الوصف بالحاجة لا يلحقه.
(الفرق بين الكلام و التكليم)
أن التكليم تعليق الكلام بالمخاطب فهو أخص من الكلام و ذلك أنه ليس كل كلام خطابا للغير فاذا جعلت الكلام في موضع المصدر فلا فرق بينه و بين التكليم و ذلك أن قولك كلمته كلاما و كلمته تكليما سواء و أما قولنا فلان يخاطب نفسه و يكلم نفسه فمجاز و تشبيه بمن يكلم غيره و لهذا قلنا ان القديم لو كان متكلما فيما لم يزل لكان ذلك صفة نقص لأنه كان تكلم و لا مكلم، و كان كلامه أيضا يكون إخبارا عما لم يوجد فيكون كذبا.
(الفرق بين المتكلم و الكلماتي)
أن المتكلم هو فاعل الكلام ثم استعمل في القاص و من يجري مجراه من أهل الجدل على وجه الصناعة. و الكلماتي ألحقت به الزوائد للمبالغة و مثله الشعراني. و الصفة به تلحق الذرب اللسان المقتدر على الكلام القوي على الاحتجاج و لا يوصف الله تعالى به لان الصفة بالذرابة لا تلحقه.
(الفرق بين الكلمة و العبارة)
أن الكلمة الواحدة من جملة الكلام ثم سميت القصيدة كلمة لأنها واحدة من جملة القصائد. و العبارة عن الشيء هي الخبر عنه بما هو عليه من غير زيادة و لا نقصان الا ترى أنه لو سئل عن الجسم فقيل هو الطويل العريض العميق المانع، لم يكن ذلك عبارة عن الجسم لزيادة المانع في صفته و لو قيل هو الطويل العريض لم يكن ذلك عبارة عنه أيضا لنقصان العمق من حده. و يقال فلان يعبر عن فلان اذا كان يؤدي معاني كلامه على وجهها من غير زيادة فيها و لا نقصان منها و اذا زاد فيها أو نقص منها
27
الفروق في اللغة
الفرق بين الكلمة و العبارة ص 27
لم يكن معبرا عنه. و قيل العبارة من قولك عبرت الدنانير و انما يعبر ليعرف مقدار وزنها فيرتفع الاشكال في صفتها بالزيادة و النقصان.
و سميت العبارة عبارة لانها تعبر المعنى الى المخاطب، و التعبير وزن الدنانير لانها تعبر به من حال المقدار الى ظهره. و العبرة الدمعة المترددة في العين لعبورها من أحد الجانبين الى الآخر، و العبرة الآية التي يعبر بها من منزلة الجهل الى العلم، و التعبير تفسير الرؤيا لانه يعبر بها من حال أجمع و انها تقتضي معبرا عنه، و تكون مفردا و جملة فالمفرد قولك عبرت عن الرجل بزيد، و الجملة قولك عبرت عما قلته بقام زيد و بزيد منطلق.
(و الفرق) بينهما و بين القول
ان القول يقتضي المقول بعينه، مفردا كان أو جملة أو ما يقوم مقام ذلك و لذلك تعدى تعديا مطلقا و لم يتعد الى غير المقول، و العبارة تعدت الى معنى القول بحرف فقيل عبرت عنه.
(الفرق) بين العبارة عن الشيء و الاخبار عنه،
أن الاخبار عنه يكون بالزيادة في صفته و النقصان منها و يجوز أن يخبر عنه بخلاف ما هو عليه فيكون ذلك كذبا، و العبارة عنه هي الخبر عنه بما هو عليه من غير زيادة و لا نقصان فالفرق بينهما بين.
و من قبيل الكلام السؤال
(الفرق) بين السؤال و الاستخبار،
أن الاستخبار طلب الخبر فقط، و السؤال يكون طلب الخبر و طلب الأمر و النهي و هو أن يسأل السائل غيره أن يأمره بالشيء أو ينهاه عنه، و السؤال و الأمر سواء في الصيغة و انما يختلفان في الرتبة فالسؤال من الادنى في الرتبة و الامر من الأرفع فيها.
(الفرق) بين السؤال و الاستفهام،
ان الاستفهام لا يكون الا لما يجهله المستفهم أو يشك فيه و ذلك أن المستفهم طالب لان يفهم و يجوز أن يكون السائل يسأل عما يعلم و عن ما لا يعلم فالفرق بينهما ظاهر، و أدوات
28
الفروق في اللغة
الفرق بين السؤال و الاستفهام ص 28
السؤال هل و الالف و أم و ما و من و أي و كيف و كم و أين و متى، و السؤال هو طلب الاخبار بأداته في الافهام فان قال ما مذهبك في حدث العالم فهو سؤال لانه قد أتى بصيغة السؤال، و ان قال أخبرني عن مذهبك في حدث العالم فمعناه معنى السؤال و لفظه لفظ الأمر.
(الفرق) بين الدعاء و المسألة،
أن المسألة يقارنها الخضوع و الاستكانة و لهذا قالوا المسألة ممن دونك و الأمر ممن فوقك و الطلب ممن يساويك فأما قوله تعالى (وَ لا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) فهو يجري مجرى الرفق في الكلام و استعطاف السامع به و مثله قوله تعالى (إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً) فأما قول الحصين بن المنذر ليزيد بن المهلب و الحصين بن حيدة:
أمرتك أمرا جازما فعصيتني و كان من التوفيق قتل ابن هاشم
فهو على وجه الازدراء بالمخاطب و التخطئة له ليقبل لرأيه الادلال عليه أو غير ذلك مما يجري مجراه، و الأمر في هذا الموضع هو المشورة و سميت المشورة أمرا لأنها على صيغة الأمر و معلوم أن التابع لا يأمر المتبوع ثم يعنفه على مخالفته أمره، لا يجوز ذلك في باب الدين و الدنيا ألا ترى أنه لا يجوز أن يقال ان المسكين أمر الأمير باطعامه و ان كان المسكين أفضل من الأمير في الدين، و الدعاء اذا كان لله تعالى فهو مثل المسألة معه استكانة و خضوع و اذا كان لغير الله جاز أن يكون معه خضوع و جاز أن لا يكون معه ذلك كدعاء النبي صلى الله عليه و سلم أبا جهل الى الاسلام لم يكن فيه استكانة، و يعدى هذا الضرب من الدعاء بإلى فيقال دعاه اليه، و في الضرب الاول بالباء، فيقال دعاه به.
تقول: دعوت الله بكذا و لا تقول دعوته اليه لان فيه معنى مطالبته به و قوده إليه.
(الفرق) بين الدعاء و النداء،
أن النداء هو رفع الصوت بما له معنى و العربي يقول لصاحبه ناد معي ليكون ذلك أندى لصوتنا أي أبعد له، و الدعاء يكون برفع الصوت و خفضه يقال دعوته من بعيد و دعوت الله في
29
الفروق في اللغة
الفرق بين الدعاء و النداء ص 29
نفسي و لا يقال ناديته في نفسي، و أصل الدعاء طلب الفعل دعا يدعو و ادعى ادعاءا لأنه يدعو الى مذهب من غير دليل، و تداعى البناء يدعو بعضه بعضا الى السقوط، و الدعوى مطالبة الرجل بمال يدعو الى أن يعطاه، و في القرآن (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلَّى) أي يأخذه بالعذاب كأنه يدعوه إليه.
(الفرق) بين النداء و الصياح
. أن الصياح رفع الصوت بما لا معنى له و ربما قيل للنداء صياح فأما الصياح فلا يقال له نداء الا اذا كان له معنى.
و
الفرق بين الصوت و الصياح
ان الصوت عام في كل شيء تقول صوت الحجر و صوت الباب و صوت الانسان، و الصياح لا يكون الا لحيوان فأما قول الشاعر:
تصيح الردينيات فينا و فيهم صياح بنات الماء أصبحن جوعا
فهو على التشبيه و الاستعارة.
(الفرق) بين الصوت و الكلام
ان من الصوت ما ليس بكلام مثل صوت الطست و أصوات البهائم و الطيور. و من المشكلة و هي حمرة تخالط بياض العين و غيرها و المختلط بغيره قد يظهر للمتأمل فكذلك المعنى المشكل قد يعرف بالتأمل و الذي فيه ليس كالمستور و المستور خلاف الظاهر.
(الفرق) بين الاستعارة و التشبيه
ان التشبيه صيغة لم يعبر عنها و اللفظ المستعار قد نقل من أصل الى فرع فهو مغير عما كان عليه فالفرق بينهما بين.
(الفرق) بين الإعادة و التكرار
أن التكرار يقع على اعادة الشيء مرة و على إعادته مرات، و الاعادة للمرة الواحدة ألا ترى أن قول القائل أعاد فلان كذا لا يفيد الا اعادته مرة واحدة و اذا قال كرر كذا كان كلامه مبهما لم يدر أعاده مرتين أو مرات، و أيضا فانه يقال أعاده مرات و لا يقال كرره مرات الا أن يقول ذلك عامي لا يعرف الكلام، و لهذا قالت الفقهاء الامر
30
الفروق في اللغة
الفرق بين الإعادة و التكرار ص 30
لا يقتضي التكرار و النهي يقتضي التكرار و لم يقولوا الاعادة، و استدلوا على ذلك بأن النهي الكف عن المنهي، و لا ضيق في الكف عنه و لا حرج، فاقتضى الدوام و التكرار و لو اقتضى الامر التكرار للحق المأمور به الضيق و التشاغل به عن أموره فاقتضى فعله مرة و لو كان ظاهرا لامر يقتضي التكرار ما
قال سراقة للنبي صلى الله عليه و سلم أ لعامنا هذا أم للأبد فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم للأبد قال لو «1» قلت نعم لوجبت.
فأخبر أن الظاهر لا يوجبه و انه يصير واجبا بقوله. و المنهي عن الشيء اذا عاد الى فعله لم يقل انه قد انتهى عنه و اذا أمر بالشيء ففعله مرة واحدة لم يقل انه لم يفعله. فالفرق بين الأمر و النهي في ذلك ظاهر، و معلوم أن من يوكل غيره بطلاق امرأته كان له أن يطلق مرة واحدة، و ما كان من أوامر القرآن مقتضيا للتكرار فان ذلك قد عرف من حاله بدليل لا يظاهره، و لا يتكرر «2» الامر مع الشرط أيضا ألا ترى أن من قال لغلامه اشتر اللحم اذا دخلت السوق لم يعقل «3» ذلك التكرار.
(الفرق) بين الاختصار و الإيجاز
أن الاختصار هو إلقاؤك فضول الالفاظ من الكلام المؤلف من غير إخلال بمعانيه و لهذا يقولون قد اختصر فلان كتب الكوفيين أو غيرها إذا ألقى فضول ألفاظهم و أدى معانيهم في أقل مما أدوها فيه من الالفاظ فالاختصار يكون في كلام قد سبق حدوثه و تأليفه، و الايجاز هو أن يبنى الكلام على قلة اللفظ و كثرة المعاني يقال أوجز الرجل في كلامه اذا جعله على هذا السبيل، و اختصر كلامه أو كلام غيره اذا قصره بعد إطالة فان استعمل أحدهما موضع الآخر فلتقارب معنيهما.
(الفرق) بين الحذف و الاقتصار
أن الحذف لا بد فيه من خلف ليستغني به عن المحذوف، و الاقتصار تعليق القول بما يحتاج اليه من
__________________________________________________
(1) في التيمورية «و لو قلت نعم».
(2) في النسخ «بتكرار».
(3) في نسخة «يعلل».
31
الفروق في اللغة
الفرق بين الحذف و الاقتصار ص 31
المعنى دون غيره مما يستغني عنه. و الحذف اسقاط شيء من الكلام و ليس كذلك الاقتصار.
(الفرق) بين الإسهاب و الإطناب
أن الاطناب هو بسط الكلام لتكثير الفائدة، و الاسهاب بسطه مع قلة الفائدة فالاطناب بلاغة و الاسهاب عي، و الاطناب بمنزلة سلوك طريق بعيدة تحتوي على زيادة فائدة، و الاسهاب بمنزلة سلوك ما يبعد جهلا بما يقرب، و قال الخليل يختصر الكلام ليحفظ و يبسط ليفهم، و قال أهل البلاغة الاطناب إذا لم يكن منه بد فهو إيجاز، و في هذا الباب كلام كثير استقصيناه في كتاب صنعة الكلام.
و من قبيل القول الخبر
(الفرق) بين الخبر و بين الحديث
أن الخبر هو القول الذي يصح وصفه بالصدق و الكذب و يكون الاخبار به عن نفسك و عن غيرك، و أصله أن يكون الاخبار به عن غيرك و ما به «1» صار الخبر خبرا هو معنى غير صيغته لأنه يكون على صيغة ما ليس بخبر كقولك رحم اللّه زيدا و المعنى اللهم ارحم زيدا. و الحديث في الأصل هو ما تخبر به عن نفسك من غير أن تسنده الى غيرك و سمي حديثا لأنه لا تقدم له و انما هو شيء حدث لك فحدثت به ثم كثر استعمال اللفظين حتى سمي كل واحد منهما باسم الآخر فقيل للحديث خبر و للخبر حديث، و يدل على صحة ما قلنا انه يقال فلان يحدث عن نفسه بكذا و هو حديث النفس، و لا يقال يخبر عن نفسه و لا هو خبر النفس، و اختار مشايخنا قولهم إن سأل سائل فقال أخبروني و لم يختاروا حدثوني لأن السؤال استخبار و المجيب مخبر، و يجوز أن يقال إن الحديث ما كان خبرين فصاعدا اذا كان كل واحد منهما متعلقا بالآخر فقولنا رأيت زيدا خبر، و رأيت زيدا منطلقا حديث، و كذلك قولك رأيت زيدا و عمرا حديث مع كونه خبرا.
__________________________________________________
(1) في التيمورية «له».
32
الفروق في اللغة
الفرق بين النبأ و الخبر ص 33
(الفرق) بين النبأ و الخبر
أن النبأ لا يكون الا للاخبار بما لا يعلمه المخبر و يجوز أن يكون المخبر بما يعلمه و بما لا يعلمه و لهذا يقال تخبرني عن نفسي و لا يقال تنبئني عن نفسي و كذلك تقول تخبرني عما عندي و لا تقول تنبئني عما عندي، و في القرآن (فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) و انما استهزؤوا به لأنهم لم يعلموا حقيقته و لو علموا ذلك لتوقوه يعني العذاب و قال تعالى (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ) و كان النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن يعرف شيئا منها، و قال علي بن عيسى في النبأ معنى عظيم الشأن و كذلك أخذ منه صفة النبي صلى الله عليه و سلم، قال أبو هلال أيده الله و لهذا يقال سيكون لفلان نبأ و لا يقال خبر بهذا المعنى، و قال الزجاج في قوله تعالى (فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أنباؤه تأويله و المعنى سيعلمون ما يؤول اليه استهزاؤهم.
قلنا و انما يطلق عليه هذا لما فيه من عظم الشأن. قال أبو هلال و الانباء عن الشيء أيضا قد يكون بغير حمل النبأ عنه تقول هذا الأمر ينبئ بكذا و لا تقول يخبر بكذا لأن الاخبار لا يكون الا بحمل الخبر.
(الفرق) بين القصص و الحديث
أن القصص ما كان طويلا من الأحاديث متحدثا به عن سلف و منه قوله تعالى (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) و قال (نحن نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ) و لا يقال للّه قاص لأن الوصف بذلك قد صار علما لمن يتخذ القصص صناعة، و أصل القصص في العربية اتباع الشيء الشيء و منه قوله تعالى (وَ قالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ) و سمي الخبر الطويل قصصا لأن بعضه يتبع بعضا حتى يطول و اذا استطال السامع الحديث قال هذا قصص. و الحديث يكون عمن سلف و عمن حضر و يكون طويلا و قصيرا، و يجوز أن يقال القصص هو الخبر عن الأمور التي يتلو بعضها بعضا، و الحديث يكون عن ذلك و عن غيره، و القصص قطع يستطيل و يتبع بعضه بعضا مثل قص الثوب بالمقص و قص الجناح و ما أشبه ذلك، و هذه قصة الرجل يعني الخبر عن مجموع أمره و سميت قصة
33
الفروق في اللغة
الفرق بين القصص و الحديث ص 33
لأنها يتبع بعضها بعضا حتى تحتوي على جميع أمره.
(الفرق) بين الخبر و الشهادة
أن شهادة الاثنين عند القاضي يوجب العمل عليها و لا يجوز الانصراف عنها، و يجوز الانصراف عن خبر الاثنين و الواحد الى القياس و العمل به و يجوز العمل به أيضا و التعبد أخرج الشهادة عن حكم الخبر المحض، و يفرق بين قولك شهد عليه و شهد على اقراره فتقول اذا جرى الفصل أو الأخذ بحضرة الشاهد كتب شهد عليه، و اذا جرى ذلك رؤية ثم أقر به عنده كتب شهد على إقراره.
(الفرق) بين الخبر و الأمر
أن الأمر لا يتناول الآمر لانه لا يصح أن يأمر الانسان نفسه و لا أن يكون فوق نفسه في الرتبة فلا يدخل الآمر مع غيره في الأمر و يدخل مع غيره في الخبر لانه لا يمتنع أن يخبر عن نفسه كاخباره عن غيره و لذلك قال الفقهاء إن أوامر النبي صلى الله عليه و سلم تتعداه الى غيره من حيث كان لا يجوز أن يختص بها و فصلوا بينها و بين أفعاله بذلك فقالوا أفعاله لا تتعداه الا بدليل، و قال بعضهم بل حكمنا و حكمه في فعله سواء فاذا فعل شيئا فقد صار كأنه قال لنا إنه مباح، قال و يختص العام بفعله كما يختص بقوله. و يفرق بينهما أيضا من وجه آخر و هو أن النسخ يصح في الامر و لا يصح في الخبر عند أبي علي و أبي هاشم رحمهما الله تعالى، و ذهب أبو عبد الله البصري رحمه الله الى أن النسخ يكون في الخبر كما يكون في الأمر قال و ذلك مثل أن يقول الصلاة تلزم المكلف في المستقبل ثم يقول بعد مدة إن ذلك لا يلزمه، و هذا أيضا عند القائلين بالقول الأول و إن كان لفظ الخبر. و أما الخبر عند حال الشيء الواحد المعلوم أنه لا يجوز خروجه عن تلك الحال فان النسخ لا يصح في ذلك عند الجميع نحو الخبر عن صفات الله بأنه عالم و قادر.
و من اقسام القول الكذب
(الفرق) بين الكذب و المحال
أن المحال ما أحيل من الخبر عن حقه حتى لا يصح اعتقاده و يعلم بطلانه اضطرارا مثل قولك سأقوم أمس
34
الفروق في اللغة
الفرق بين الكذب و المحال ص 34
و شربت غدا و الجسم أسود أبيض في حال واحدة. و الكذب هو الخبر الذي يكون مخبره على خلاف ما هو عليه و يصح اعتقاد ذلك و يعلم بطلانه استدلالا. و المحال ليس بصدق و لا كذب، و لا يقع الكذب الا في الخبر، و قد يكون المحال في صورة الخبر مثل قولك أقدم زيد غدا و في صورة التمني، كقولك ليتني في هذه الحال بالبصرة و مكة، و في صورة الامر، اتق زيدا أمس و في صورة النهي كقولك يا زيد بكر على أن تجعل زيدا بكرا. و خلاف المحال المستقيم و خلاف الكذب الصدق. و المحال على ضربين تجويز الممتنع و ايجابه فتجويزه قولك المقيد يجوز أن يعدو ايجابه كقولك المقيد يعدو و الآخر ما لا يفيد ممتنعا و لا غير ممتنع بوجه من الوجوه كقول القائل يكون الشيء أسود أبيض و قائما قاعدا.
(الفرق) بين المحال و الممتنع
على ما قال بعض العلماء أن المحال ما لا يجوز كونه و لا تصوره مثل قولك الجسم أسود أبيض في حال واحدة، و الممتنع ما لا يجوز كونه و يجوز تصوره في الوهم و ذلك مثل قولك للرجل عش أبدا فيكون هذا من الممتنع لان الرجل لا يعيش أبدا مع جواز تصور ذلك في الوهم.
(الفرق) بين المحال و المتناقض
ان من المتناقض ما ليس بمحال و ذلك ان القائل ربما قال صدقا ثم نقضه فصار كلامه متناقضا قد نقض آخره أوله و لم يكن محالا لان الصدق ليس بمحال و قولنا محال لا يدخل الا في الكلام، ولكن المتكلمين يستعملونه في المعنى الذي لا يصح ثبوته كالصفة و هو في اللغة قول الواصف ثم تعارفه المتكلمون في المعاني. و المناقضة تنقسم أقساما: فمنها مناقضة جملة بتفصيل كقول المخبر الله عادل و لا يظلم مع قولهم انه خلق الكفار للنار من غير جرم، و منها نقض جملة بجملة و هو قولهم ان جميع جهات الفعل باللّه ثم يقولون انه ليثاب العبد، و منها نقض تفصيل بتفصيل كقول النصارى واحد ثلاثة و ثلاثة واحد لان اثباته واحدا نفي لثاني و ثالث في اثباته ثلاثة اثبات لما نفى في الاول بعينه.
35
الفروق في اللغة
الفرق بين التضاد و التناقض ص 36
(الفرق) بين التضاد و التناقض
ان التناقض يكون في الاقوال و التضاد يكون في الافعال يقال الفعلان متضادان و لا يقال متناقضان فاذا جعل الفعل مع القول استعمل فيه التضاد فقيل فعل زيد يضاد قوله و قد يوجد النقيضان من القول و لا يوجد الضدان من الفعل ألا ترى ان الرجل اذا قال بلسانه زيد في الدار في حال قوله في الضد إنه ليس في الدار فقد أوجد نقيضين معا، و كذلك لو قال أحد القولين بلسانه و كتب الآخر بيده أو أحدهما بيمينه و الآخر بشماله و لا يصح ذلك في الضدين، و حد الضدين هو ما تنافيا في الوجود، و حد النقيضين القولان المتنافيان في المعنى دون الوجود، و كل متضادين متنافيان و ليس كل متنافيين ضدين عند أبي علي كالموت و الارادة و قال أبو بكر هما ضدان لتمانعهما و تدافعهما قال و لهذا سمي القرنان المتقاومان ضدين.
و مما يجري مع هذا و ان لم يكن قولا التنافي و التضاد و الفرق بينهما أن التنافي لا يكون الا بين شيئين يجوز عليهما البقاء، و التضاد يكون بين ما يبقى و ما لا يبقى.
(الفرق) بين الكذب و الخرص
أن الخرص هو الحزر و ليس من الكذب في شيء و الخرص ما يحزر من الشيء يقال كم خرص نخلك أي كم يجىء من ثمرته و انما استعمل الخرص في موضع الكذب لان الخرص يجري على غير تحقيق فشبه بالكذب و استعمل في موضعه، و أما التكذيب فالتصميم على أن الخبر كذب بالقطع عليه و نقيضه التصديق و لا تطلق صفة المكذب الا لمن كذب بالحق لانها صفة ذم ولكن اذا قيدت فقيل مكذب بالباطل كان ذلك مستقيما و انما صار المكذب صفة ذم و ان قيل كذب بالباطل لانه من أصل فاسد و هو الكذب فصار الذم أغلب عليه كما أن الكافر صفة ذم و ان قيل كفر بالطاغوت لانه من أصل فاسد و هو الكفر.
(الفرق) بين الكذب و الإفك
أن الكذب اسم موضوع للخبر الذي
36
الفروق في اللغة
الفرق بين الكذب و الإفك ص 36
لا مخبر له على ما هو به، و أصله في العربية التقصير و منه قولهم كذب عن قرنه في الحرب اذا ترك الحملة عليه و سواء كان الكذب فاحش القبح أو غير فاحش القبح، و الافك هو الكذب الفاحش القبح مثل الكذب على الله و رسوله أو على القرآن و مثل قذف المحصنة و غير ذلك مما يفحش قبحه و جاء في القرآن على هذا الوجه قال الله تعالى (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) و قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) و يقال للرجل اذا أخبر عن كون زيد في الدار و زيد في السوق انه كذب و لا يقال افك حتى يكذب كذبة يفحش قبحها على ما ذكرنا، و أصله في العربية الصرف و في القرآن (أَنَّى يُؤْفَكُونَ)* أي يصرفون عن الحق، و تسمى الرياح المؤتفكات لأنها تقلب الارض فتصرفها عما عهدت عليه، و سميت ديار قوم لوط الْمُؤْتَفِكاتُ لأنها قلبت بهم.
(الفرق) بين الإنكار و الجحد
أن الجحد أخص من الانكار و ذلك أن الجحد انكار الشيء الظاهر، و الشاهد قوله تعالى (بِآياتِنا يَجْحَدُونَ)* فجعل الجحد مما تدل عليه الآيات و لا يكون ذلك إلا ظاهرا و قال تعالى (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها) فجعل الانكار للنعمة لأن النعمة قد تكون خافية، و يجوز أن يقال الجحد هو انكار الشيء مع العلم به و الشاهد قوله (وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) فجعل الجحد مع اليقين، و الانكار يكون مع العلم و غير العلم.
(الفرق) بين قولك جحده و جحد به
ان قولك جحده يفيد أنه أنكره مع علمه به، و جحد به يفيد أنه جحد ما دل عليه و على هذا فسر قوله تعالى (وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) أي جحدوا ما دلت عليه من تصديق الرسل و نظير هذا قولك إذا تحدث الرجل بحديث كذبته و سميته كاذبا فالمقصود المحدث و اذا قلت كذبت به فمعناه كذبت بما جاء به فالمقصود ههنا الحديث، و قال المبرد لا يكون الجحود الا بما يعلمه الجاحد كما قال الله تعالى (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ).
37
الفروق في اللغة
الفرق بين الجحد و الكذب ص 38
(الفرق) بين الجحد و الكذب
أن الكذب هو الخبر الذي لا مخبر له على ما هو به، و الجحد انكارك الشيء الظاهر أو انكارك الشيء الذي مع علمك به فليس الجحد له إلا الانكار الواقع على هذا الوجه، و الكذب يكون في انكار و غير انكار.
(الفرق) بين قولك أنكر منه كذا و بين قولك نقم منه كذا
أن قولك أنكر منه كذا يفيد أنه لم يجوز فعله، و قولك أنكره عليه يفيد أنه بين أن ذلك ليس بصلاح له و قوله نقم منه يفيد أنه أنكر عليه إنكار من يريد عقابه و منه قوله تعالى (وَ ما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ) و ذلك أنهم أنكروا منم التوحيد و عذبوهم عليه في الأخدود المقدم ذكره في السورة و قال تعالى (وَ ما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) أي ما أنكروا من الرسول حين أرادوا اخراجه من المدينة و قتله الا أنهم استغنوا و حسنت أحوالهم منذ قدم بلدهم، و الدليل على ذلك قوله تعالى (وَ هَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) أي همّوا بقتله أو اخراجه و لم ينالوا ذلك، و لهذا المعنى سمي العقاب انتقاما و العقوبة نقمة.
(الفرق) بين الزور و الكذب و البهتان
أن الزور هو الكذب الذي قد سوي و حسن في الظاهر ليحسب أنه صدق و هو من قولك زورت الشيء اذا سويته و حسنته، و في كلام عمر زورت يوم السقيفة كلاما، و قيل أصله فارسي من قولهم زور و هو القوة و زورته قويته، و أما البهتان فهو مواجهة الانسان بما لم يحبه و قد بهته.
(الفرق) بين قولك اختلق و قولك افترى
أن افترى قطع على كذب و أخبر به، و اختلق قدر كذبا و أخبر به لأن أصل افترى قطع و أصل اختلق قدر على ما ذكرنا.
و مما يخالف الكذب الصدق
(الفرق) بين قولك صدق الله و صدق به
أن المعنى فيما دخلته الباء أنه أيقن بالله لانه بمنزلة صدق الخبر بتثبيت الله و معنى الوجه الاول أنه
38
الفروق في اللغة
الفرق بين قولك صدق الله و صدق به ص 38
صدق الله فيما أخبر به.
(الفرق) بين الصدق و الحق
أن الحق أعم لأنه وقوع الشيء في موقعه الذي هو أولى به. و الصدق الاخبار عن الشيء على ما هو به، و الحق يكون اخبارا و غير إخبار.
و من قبيل القول الاقرار
(الفرق) بين الإقرار و الاعتراف
أن الاقرار فيما قاله أبو جعفر الدامغاني حاصله اخبار عن شيء ماض و هو في الشريعة جهة ملزمة للحكم و الدليل على أنه جهة ملزمة قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ) الى قوله (وَ لْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ) فأمر بالاصغاء الى قول من عليه الحق في حال الاستيثاق و الاشهاد ليثبت عليه ذلك فلو لا انه جهة ملزمة لم يكن لاثباته فائدة، و قال بعضهم الاعتراف مثل الاقرار الا أنه يقتضي تعريف صاحبه الغير أنه قد التزم ما اعترف به، و أصله من المعرفة، و أصل الاقرار من التقرير و هو تحصيل ما لم يصرح به القول و لهذا اختار أصحاب الشروط أقرّ به و لم يختاروا اعترف به. قال الشيخ أبو هلال أيده الله تعالى: يجوز أن يقر بالشيء و هو لا يعرف أنه أقر به و يجوز أن يقر بالباطل الذي لا أصل له و لا يقال لذلك اعتراف انما الاعتراف هو الاقرار الذي صحبته المعرفة بما أقر به مع الالتزام له، و لهذا يقال: الشكر اعتراف بالنعمة و لا يقال اقرار بها لانه لا يجوز أن يكون شكرا الا اذا قارنت المعرفة موقع المشكور و بالمشكور له في أكثر الحال فكل اعتراف اقرار و ليس كل اقرار اعترافا و لهذا اختار أصحاب الشروط ذكر الاقرار لانه أعم، و نقيض الاعتراف الجحد و نقيض الاقرار الانكار.
و من قبيل القول الشكر
(الفرق) بين الشكر و الحمد
أن الشكر هو الاعتراف بالنعمة على جهة التعظيم للمنعم، و الحمد الذكر بالجميل على جهة التعظيم المذكور به أيضا و يصح على النعمة و غير النعمة، و الشكر لا يصح الا على النعمة
39
الفروق في اللغة
الفرق بين الشكر و الحمد ص 39
و يجوز أن يحمد الانسان نفسه في أمور جميله يأتيها و لا يجوز أن يشكرها لأن الشكر يجري مجرى قضاء الدين و لا يجوز أن يكون للانسان على نفسه دين فالاعتماد في الشكر على ما توجبه النعمة و في الحمد على ما توجبه الحكمة. و نقيض الحمد الذم الا على اساءة و يقال الحمد للّه على الاطلاق و لا يجوز أن يطلق الا لله لان كل إحسان فهو منه في الفعل أو التسبيب و الشاكر هو الذاكر بحق المنعم بالنعمة على جهة التعظيم و يجوز في صفة اللّه شاكر مجازا و المراد أنه يجازى على الطاعة جزاء الشاكرين على النعمة و نظير ذلك قوله تعالى (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً)* و هذا تلطف الاستدعاء الى النفقة في وجوه البر و المراد أن ذلك بمنزلة القرض في ايجاب الحق، و أصل الشكر إظهار الحال الجميلة فمن ذلك دابة شكور إذا ظهر فيه السمن مع قلة العلف و أشكر الضرع اذا امتلأ و أشكرت السحابة امتلأت ماءا و الشكير قضبان غضة تخرج رخصة بين القضبان العاسية و الشكير من الشعر و النبات صغار نبت خرج بين الكبار مشبهة بالقضبان الغضة، و الشكر بضع المرأة و الشكر على هذا الاصل إظهار حق النعمة لقضاء حق المنعم كما أن الكفر تغطية النعمة لابطال حق المنعم فان قيل أنت تقول الحمد لله شكرا، فتجعل الشكر مصدرا للحمد، فلو لا اجتماعهما في المعنى لم يجتمعا في اللفظ، قلنا هذا مثل قولك قتلته صبرا «1» و أتيته سعيا و القتل غير الصبر و الاتيان غير السعي، و قال سيبويه هذا باب ما ينصب من المصادر لانه حال وقع فيها الأمر و ذلك كقولك قتلته صبرا و معناه أنه لما كان القتل يقع على ضروب و أحوال بين الحال التي وقع فيها القتل و الحال التي وقع فيها الحمد فكأنه قال قتلته في هذه الحال، و الحمد لله شكرا أبلغ من قولك الحمد لله حمدا لأن ذلك للتوكيد و الاول لزيادة معنى و هو أي أحمده في حال إظهار نعمه علي.
__________________________________________________
(1) القتل صبرا هو أن يوثق الشيء و يرمى حتى يموت.
40
الفروق في اللغة
الفرق بين الحمد و الإحماد ص 41
(الفرق) بين الحمد و الإحماد
أن الحمد من قبيل الكلام على ما ذكرناه، و الاحماد معرفة تضمرها و لذلك دخلته الالف فقلت أحمدته لانه بمعنى أصبته و وجدته فليس هو من الحمد في شيء.
(الفرق) بين الشكر و الجزاء
أن الشكر لا يكون إلا على نعمة و النعمة لا تكون الا لمنفعة أو ما يؤدي الى منفعة كالمرض يكون نعمة لانه يؤدي الى الانتفاع بعوض، و الجزاء يكون منفعة و مضرة كالجزاء على الشر.
(الفرق) بين الشكر و المكافأة
أن الشكر على النعمة سمي شكرا عليها و إن لم يكن يوازيها في القدر كشكر العبد لنعم الله عليه و لا تكون المكافأة بالشر مكافأة به حتى تكون مثله و أصل الكلمة ينيء عن هذا المعنى و هو الكفؤ يقال هذا كفء هذا اذا كان مثله و المكافأة أيضا تكون بالنفع و الضر و الشكر لا يكون الا على النفع أو ما يؤدي الى النفع على ما ذكرنا، و الشكر أيضا لا يكون الا قولا و المكافأة تكون بالقول و الفعل و ما يجري مع ذلك.
(الفرق) بين الجزاء و المقابلة)
أن المقابلة هي المساواة بين شيئين كمقابلة الكتاب بالكتاب و هي في المجازاة استعارة قال بعضهم قد يكون جزاء الشيء أنقص منه و المقابلة عليه لا تكون الا مثله و استشهدوا بقوله (وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) قال و لو كان جزاء الشيء مثله لم يكن لذكر المثل ههنا وجه و الجواب عن هذا ان الجزاء يكون على بعض الشيء فاذا قال مثلها فكأنه قال على كلها.
(الفرق) بين الحمد و المدح
أن الحمد لا يكون الا على احسان و الله حامد لنفسه على احسانه الى خلقه فالحمد مضمن بالفعل، و المدح يكون بالفعل و الصفة و ذلك مثل أن يمدح الرجل باحسانه الى نفسه و الى غيره و ان يمدحه بحسن وجهه و طول قامته و يمدحه بصفات التعظيم من نحو قادر و عالم و حكيم و لا يجوز أن يحمده على ذلك و انما يحمده على احسان
41
الفروق في اللغة
الفرق بين الحمد و المدح ص 41
يقع منه فقط.
(الفرق) بين المدح و التقريظ
أن المدح يكون للحي و الميت، و التقريظ لا يكون إلا للحي، و خلافه التأبين و لا يكون الا للميت يقال أبنه يؤبنه تأبينا و أصل التقريظ من القرظ و هو شيء يدبغ به الأديم و إذا دبغ به حسن و صلح و زادت قيمته فشبه مدحك للانسان الحي بذلك كأنك تزيد في قيمته بمدحك إياه و لا يصح هذا المعنى في الميت و لهذا يقال مدح الله و لا يقال قرظه.
(الفرق) بين المدح و الثناء
أن الثناء مدح مكرر من قولك ثنيت الخيط إذا جعلته طاقين و ثنيته بالتشديد اذا أضفت اليه خيطا آخر و منه قوله تعالى (سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) يعني سورة الحمد لانها تكرر في كل ركعة.
(الفرق) بين الثناء و النثا
على ما قاله أبو أحمد الحسن بن عبد الله ابن سعيد رحمه الله «1» ان الثناء يكون في الخير و الشر يقال أثنى عليه بخير و أثنى عليه بشر و النثا مقصور لا يكون الا في الشر و نحن سمعناه في الخير و الشر، و الصحيح عندنا أن النثا هو بسط القول في مدح الرجل أو ذمه و هو مثل النث نث الحديث نثا اذا نشره و يقولون جاءني نثا خبر يريدون انتشاره و استفاضته، و قال أبو بكر الثناء بالمد لا يكون الا في الخير و ربما استعمل في الشر و النثا يكون في الخير و الشر، و هذا خلاف ما حكاه أبو أحمد و الثناء عندنا هو بسط القول مدحا أو ذما و النثا تكريره فالفرق بينهما بين.
(الفرق) بين المدح و الإطراء
أن الاطراء هو المدح في الوجه و منه قولهم الاطراء يورث الغفلة يريدون المدح في الوجه و المدح يكون مواجهة و غير مواجهة.
و مما يخالف ذلك الهجو
(الفرق) بين الهجو و الذم
أن الذم نقيض الحمد و هما يدلان على
__________________________________________________
(1) هو شيخ المصنف و سميه و نسيبه.
42
الفروق في اللغة
الفرق بين الهجو و الذم ص 42
الفعل و حمد المكلف يدل على استحقاقه للثواب بفعله، و ذمه يدل على استحقاقه للعقاب بفعله، و الهجو نقيض المدح و هما يدلان على الفعل و الصفة كهجوك الانسان بالبخل و قبح الوجه. و فرق آخر أن الذم يستعمل في الفعل و الفاعل فتقول ذممته بفعله و ذممت فعله، و الهجو يتناول الفاعل و الموصوف دون الفعل و الصفة فتقول هجوته بالبخل و قبح الوجه و لا تقول هجوت قبحه و بخله، و أصل الهجو في العربية الهدم تقول هجوت البيت اذا هدمته و كان الاصل في الهجو أن يكون بعد المدح كما أن الهدم يكون بعد البناء إلا أنه كثر استعماله فجرى في الوجهين.
(الفرق) بين السب و الشتم
أن الشتم تقبيح أمر المشئوم بالقول و أصله من الشتامة و هو قبح الوجه و رجل شتيم قبيح الوجه و سمي الأسد شتيما لقبح منظره، و السب هو الاطناب في الشتم و الاطالة فيه و اشتقاقه من السب و هي الشقة الطويلة و يقال لها سبيب أيضا و سبيب الفرس شعر ذنبه سمي بذلك لطوله خلاف العرف و السب العمامة الطويلة فهذا هو الأصل فان استعمل في غير ذلك فهو توسع.
(الفرق) بين البهل و اللعن
أن اللعن هو الدعاء على الرجل بالبعد، و البهل الاجتهاد في اللعن، قال المبرد بهله الله ينبئ عن اجتهاد الداعي عليه باللعن و لهذا قيل للمجتهد في الدعاء المبتهل.
(الفرق) بين الشتم و السفه
أن الشتم يكون حسنا و ذلك اذا كان المشتوم يستحق الشتم، و السفه لا يكون الا قبيحا و
جاء عن السلف في تفسير قوله تعالى (صُمٌّ بُكْمٌ)*
إن اللّه وصفهم بذلك على وجه الشتم و لم يقل على وجه السفه.
لما قلناه.
(الفرق) بين الذم و اللوم
أن اللوم هو تلبية الفاعل على موقع الضرر في فعله و تهجين طريقته فيه و قد يكون اللوم على الفعل الحسن كاللوم على السخاء و الذم لا يكون الا على القبيح و اللوم أيضا يواجه به الملوم، و الذم قد يواجه به المذموم و يكون دونه و تقول حمدت هذا الطعام أو ذممته
43
الفروق في اللغة
الفرق بين الذم و اللوم ص 43
و هو استعارة و لا يستعار اللوم في ذلك.
(الفرق) بين العتاب و اللوم
أن العتاب هو الخطاب على تضييع حقوق المودة و الصداقة في الاخلال بالزيارة و ترك المعونة و ما يشاكل ذلك و لا يكون العتاب الا ممن له موات يمت بها فهو مفارق للوم مفارقة بينة.
(الفرق) بين اللوم و التثريب و التفنيد
أن التثريب شبيه بالتقريع و التوبيخ تقول و بخه و قرعه و ثربه بما كان منه، و اللوم قد يكون لما يفعله الانسان في الحال و لا يقال لذلك تقريع و تثريب و توبيخ، و اللوم يكون على الفعل الحسن و لا يكون التثريب الا على قبيح، و التفنيد تعجيز الرأي يقال فنده اذا عجز رأيه و ضعفه و الاسم الفند، و أصل الكلمة الغلظ و منه قيل للقطعة من الجبل فند، و يجوز أن يقال التثريب الاستقصاء في اللوم و التعنيف، و أصله من الثرب و هو شحم الجوف «1» لان البلوغ اليه هو البلوغ الى الموضع الاقصى من البدن.
(الفرق) بين قولك عابه و بين قولك لمزه
ان اللمز هو أن يعيب الرجل بشيء يتهمه فيه و لهذا قال تعالى (وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) أي يعيبك و يتهمك أنك تضعها في غير موضعها، و لا يصح اللمز فيما لا تصح فيه التهمة، و العيب يكون بالكلام و غيره يقال عاب الرجل بهذا القول و عاب الاناء بالكسر له و لا يكون اللمز إلا قولا.
(الفرق) بين الهمز و اللمز
قال المبرد الهمز هو أن يهمز الانسان بقول قبيح من حيث لا يسمع أو يحثه «2» و يوسده على أمر قبيح أي يغريه به، و اللمز أجهر من الهمز، و في القرآن (هَمَزاتِ الشَّياطِينِ) و لم يقل لمزات، لأن مكايدة الشيطان خفية، قال الشيخ رحمه الله: المشهور عند الناس ان اللمز العيب سرا، و الهمز العيب بكسر العين و قال قتادة (يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) يطعن عليك و هو دال على صحة القول الأول.
__________________________________________________
(1) في النسخ «الخوف» و هو تحريف.
(2) في النسخ غير منقوطة.
44
الفروق في اللغة
و مما يوصف به الكلام المستقيم ص 45
و مما يوصف به الكلام المستقيم
(الفرق) بين المستقيم و الصحيح
و الصواب ان كل مستقيم صحيح و صواب و ليس كل صواب و صحيح مستقيما، و المستقيم من الصواب و الصحيح ما كان مؤلفا و منظوما على سنن لا يحتاج معه الى غيره، و الصحيح و الصواب يجوز أن يكونا مؤلفين و غير مؤلفين و لهذا قال المتكلمون هذا جواب مستقيم اذا كان مؤلفا على سنن يغني عن غيره و كان مقتضيا لسؤال السائل، و لا يقولون للجواب اذا كان كلمة نحو لا و نعم مستقيم، و تقول العرب هذه كلمة صحيحة و صواب و لا يقولون كلمة مستقيمة ولكن كلام مستقيم لان الكلمة لا تكون مؤلفة و الكلام مؤلف.
(الفرق) بين المستقيم و الصواب
أن الصواب اطلاق الاستقامة على الحسن و الصدق، و المستقيم هو الجاري على سنن فتقول للكلام اذا كان جاريا على سنن لا تفاوت فيه انه مستقيم و ان كان قبيحا، و لا يقال له صواب الا اذا كان حسنا، و قال سيبويه مستقيم حسن و مستقيم قبيح و مستقيم صدق و مستقيم كذب قلنا و لا يقال صواب قبيح.
(الفرق) بين الخطاء و الخطأ،
أن الخطأ هو أن يقصد الشيء فيصيب غيره و لا يطلق الا في القبيح فاذا قيد جاز أن يكون حسنا مثل أن يقصد القبيح فيصيب الحسن فيقال أخطأ ما أراد و ان لم يأت قبيحا، و الخطاء تعمد الخطأ فلا يكون الا قبيحا و المصيب مثل المخطئ اذا أطلق لم يكن الا ممدوحا و اذا قيد جاز أن يكون مذموما كقولك مصيب في رميه و ان كان رميه قبيحا فالصواب لا يكون الا حسنا و الاصابة تكون حسنة و قبيحة و الخاطئ في الدين لا يكون الا عاصيا لأنه قد زل عنه لقصده غيره، و المخطئ يخالفه لأنه قد زل عما قصد منه و كذلك يكون المخطئ من طريق الاجتهاد مطيعا لانه قصد الحق و اجتهد في اصابته.
(الفرق) بين الخطأ و الغلط،
أن الغلط هو وضع الشيء في غير موضعه
45
الفروق في اللغة
الفرق بين الخطأ و الغلط ص 45
و يجوز أن يكون صوابا في نفسه، و الخطأ لا يكون صوابا على وجه، مثال ذلك أن سائلا لو سأل عن دليل حديث الاعراض فأجيب بأنها لا تخلو من المتعاقبات و لم يوجد قبلها كان ذلك خطأ لأن الاعراض لا يصح ذلك فيها و لو أجيب بأنها على ضربين منها ما يبقى و منها ما لا يبقى كان ذلك غلطا و لم يكن خطأ لأن الاعراض هذه صفتها إلا أنك قد وضعت هذا الوصف لها في غير موضعه و لو كان خطأ لكان الاعراض لم تكن هذه حالها لأن الخطأ ما كان الصواب خلافه و ليس الغلط ما يكون الصواب خلافه بل هو وضع الشيء في غير موضعه، و قال بعضهم الغلط أن يسهى عن ترتيب الشيء و إحكامه و الخطأ أن يسهى عن فعله أو أن يوقعه من غير قصد له و لكن لغيره.
(الفرق) بين اللحن و الخطأ،
أن اللحن صرفك الكلام عن جهته ثم صار اسما لازما لمخالفة الاعراب، و الخطأ اصابة خلاف ما يقصد و قد يكون في القول و الفعل، و اللحن لا يكون إلا في القول تقول لحن في كلامه و لا يقال لحن في فعله كما يقال أخطأ في فعله إلا على استعارة بعيدة، و لحن القول ما دل عليه القول و في القرآن (وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) و قال ابن الانباري لحن القول معنى القول و مذهبه و اللحن أيضا اللغة يقال هذا بلحن اليمن، و اللحن بالتحريك الفطنة. و منه
قوله عليه السلام «فلعل بعضكم ألحن بحجته».
(الفرق) بين خطل اللسان و زلق اللسان،
أنه يقال فلان خطل اللسان إذا كان سفيها لا يبالي ما يقول و ما يقال له قال أبو النجم
«أخطل و الدهر كثير خطله»
أي لا يبالي ما أتى به من المصائب و أصله من استرخاء الاذن ثم استعمل فيما ذكرناه، و الزلق اللسان الذي لا يزال يسقط السقطة و لا يريدها ولكن تجري على لسانه.
(الفرق) بين المهمل و الهذيان و الهذر،
أن المهمل خلاف المستعمل و هو لا معنى له في اللغة التي هو مهمل فيها و المستعمل ما وضع لفائدة مفرد
46
الفروق في اللغة
الفرق بين المهمل و الهذيان و الهذر ص 46
كان أو مع غيره، و الهذيان كلام مستعمل أخرج على وجه لا تنعقد به فائدة. و الهذر الاسقاط في الكلام و لا يكون الكلام هذرا حتى يكون فيه سقط قل أو كثر، و قال بعضهم الهذر كثرة الكلام، و الصحيح هو الذي تقدم.
و من قبيل الكلام القسم
(الفرق) بين القسم و الحلف،
أن القسم أبلغ من الحلف لأن معنى قولنا أقسم بالله أنه صار ذا قسم باللّه، و القسم النصيب و المراد أن الذي أقسم عليه من المال و غيره قد أحرزه و دفع عنه الخصم بالله، و الحلف من قولك سيف حليف أي قاطع ماض فاذا قلت حلف باللّه فكأنك قلت قطع المخاصمة بالله فالأول أبلغ لأنه يتضمن معنى الآخر مع دفع الخصم ففيه معنيان و قولنا حلف يفيد معنى واحدا و هو قطع المخاصمة فقط و ذلك أن من أحرز الشيء باستحقاق في الظاهر فلا خصومة بينه و بين أحد فيه و ليس كل من دفع الخصومة في الشيء فقد أحرزه، و اليمين اسم للقسم مستعار و ذلك أنهم كانوا اذا تقاسموا على شيء تصافقوا بايمانهم ثم كثر ذلك حتى سمي القسم يمينا.
(الفرق) بين العقد و القسم،
أن العقد هو تعليق القسم بالمقسم عليه مثل قولك و اللّه لأدخلن الدار فتعقد اليمين بدخول الدار و هو خلاف اللغو من الايمان، و اللغو من الايمان ما لم يعقد بشيء كقولك في عرض كلامك هذا حسن و اللّه و هذا قبيح و الله.
(الفرق) بين العقد و العهد،
أن العقد أبلغ من العهد تقول عهدت الى فلان بكذا أي ألزمته إياه و عقدت عليه و عاقدته ألزمته باستيثاق و تقول عاهد العبد ربه و لا تقول عاقد العبد ربه اذ لا يجوز أن يقال استوثق من ربه و قال تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و هي ما يتعاقد عليه اثنان و ما يعاهد العبد ربه عليه أو يعاهده ربه على لسان نبيه عليه السلام، و يجوز أن يكون العقد ما يعقد بالقلب و اللغو ما يكون غلطا و الشاهد قوله تعالى
47
الفروق في اللغة
الفرق بين العقد و العهد ص 47
(وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) و لو كان العقد هو اليمين لقال تعالى و لكن يؤاخذكم بما عقدتم أي حلفتم و لم يذكر الايمان فلما أتى بالمعقود به الذي وقع به العقد علم أن العقد غير اليمين، و أما قول القائل ان فعلت كذا فعبدي حر فليس ذلك بيمين في الحقيقة و انما هو شرط و جزاء به فمتى وقع الشرط وجب الجزاء فسمي ذلك يمينا مجازا و تثبيها كأن الذي يلزمه من العتق مثل ما يلزم المقسم من الحنث، و أما قول القائل عبده حر و امرأته طالق فخبر مثل قولك عبدي قائم الا أنه ألزم نفسه في قوله عبدي حر عتق العبد فلزمه ذلك و لم يكن في قوله عبدي قائم إلزام.
(الفرق) بين العهد و الميثاق،
أن الميثاق توكيد العهد من قولك أوثقت الشيء اذا أحكمت شده، و قال بعضهم العهد يكون حالا من المتعاهدين و الميثاق يكون من أحدهما.
(الفرق) بين الوعد و العهد،
أن العهد ما كان من الوعد مقرونا بشرط نحو قولك ان فعلت كذا فعلت كذا و ما دمت على ذلك فأنا عليه، قال الله تعالى (وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ) أي أعلمناه أنك لا تخرج من الجنة ما لم تأكل من هذه الشجرة، و العهد يقتضي الوفاء و الوعد يقتضي الايجاز.
و يقال نقض العهد و أخلف الوعد.
(الفرق) بين الوعد و الوأي،
أن الوعد يكون مؤقتا و غير مؤقت فالمؤقت كقولهم جاء وعد ربك، و في القرآن (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) و غير المؤقت كقولهم اذا وعد زيد أخلف و إذا وعد عمرو وفى، و الوأي ما يكون من الوعد غير مؤقت ألا ترى أنك تقول إذا و أى زيد أخلف أو وفى و لا تقول جاء وأي زيد كما تقول جاء وعده.
و من قبيل الكلام التفسير و التأويل
(الفرق) بين التأويل و التفسير،
أن التفسير هو الاخبار عن أفراد آحاد الجملة، و التأويل الاخبار بمعنى الكلام، و قيل التفسير أفراد ما انتظمه
48
الفروق في اللغة
الفرق بين التأويل و التفسير ص 48
ظاهر التنزيل، و التأويل الاخبار بغرض المتكلم بكلام، و قيل التأويل استخراج معنى الكلام لا على ظاهره بل على وجه يحتمل مجازا أو حقيقة و منه يقال تأويل المتشابه، و تفسير الكلام أفراد آحاد الجملة و اوضع كل شيء منها موضعه و منه أخذ تفسير الأمتعة بالماء، و المفسر عند الفقهاء ما فهم معناه بنفسه و المجمل ما لا يفهم المراد به الا بغيره، و المجمل في اللغة ما يتناول الجملة، و قيل المجمل ما يتناول جملة الاشياء أو ينبئ عن الشيء على وجه الجملة دون التفصيل، و الأول هو العموم و ما شاكله لأن ذلك قد سمي مجملا من حيث يتناول جملة مسميات، و من ذلك قيل أجملت الحساب، و الثاني هو ما لا يمكن أن يعرف المراد به خلاف المفسر و المفسر ما تقدم له تفسير، و غرض الفقهاء غير هذا و انما سموا ما يفهم المراد منه بنفسه مفسرا لما كان يتبين كما يتبين ما له تفسير، و أصل التأويل في العربية من إلت الى الشيء أؤول اليه اذا صرت اليه، و قال تعالى (وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) و لم يقل تفسيره لأنه أراد ما يؤول من المتشابه الى المحكم.
(الفرق) بين الشرح و التفصيل،
أن الشرح بيان المشروح و إخراجه من وجه الاشكال الى التجلي و الظهور، و لهذا لا يستعمل الشرح في القرآن، و التفصيل هو ذكر ما تتضمنه الجملة على سبيل الافراد، و لهذا قال تعالى (ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) و لم يقل شرحت، و فرق آخر أن التفصيل هو وصف آحاد الجنس و ذكرها معا و ربما احتاج التفصيل الى الشرح و البيان و الشيء لا يحتاج الى نفسه.
(الفرق) بين التفصيل و التقسيم،
أن في التفصيل معنى البيان عن كل قسم بما يزيد على ذكره فقط، و التقسيم يحتمل الأمرين، و التقسيم يفتح المعنى و التفصيل يتم بيانه.
(الفرق) بين القرآن و الفرقان،
أن القرآن يفيد جمع السور و ضم بعضها الى بعض، و الفرقان يفيد أنه يفرق بين الحق و الباطل و المؤمن
49
الفروق في اللغة
الفرق بين القرآن و الفرقان ص 49
و الكافر.
و من قبيل القول السلام و التحية
(الفرق) بين السلام و التحية،
أن التحية أعم من السلام، و قال المبرد يدخل في التحية حياك الله و لك البشرى و لقيت الخير، و قال أبو هلال أيده الله تعالى و لا يقال لذلك سلام انما السلام قواك سلام عليك، و يكون السلام في غير هذا الوجه السلامة مثل الضلال و الضلالة و الجلال و الجلالة، و منه دارُ السَّلامِ* أي دار السلامة و قيل دارُ السَّلامِ* أي دار الله، و السَّلامُ اسم من أسماء الله، و التحية أيضا الملك و منه قولهم التحيات لله.
و من الكلام الخاص
(الفرق) بين الخاص و الخصوص
أن الخصوص يكون فيما يراد به بعض ما ينطوي عليه لفظه بالوضع، و الخاص ما اختص بالوضع لا بارادة، و قال بعضهم الخصوص ما يتناول بعض ما يتضمنه العموم أو جرى مجرى العموم من المعاني، و أما العموم فما استغرق ما يصلح أن يستغرقه و هو عام، و العموم لفظ مشترك يقع على المعاني و الكلام، و قال بعضهم الخاص ما يتناول أمرا واحدا بنفس الوضع، و الخصوص أن يتناول شيئا دون غيره و كان يصح أن يتناوله و ذلك الغير.
(الفرق) بين العام و المبهم
أن العام يشتمل على أشياء و المبهم يتناول واحد الأشياء لكن غير معين الذات فقولنا شيء مبهم و قولنا الأشياء عام.
(الفرق) بين التخصيص و النسخ،
أن التخصيص هو ما دل على أن المراد بالكلمة بعض ما تناولته دون بعض، و النسخ ما دل على أن مثل الحكم الثابت بالخطاب زائل في المستقبل على وجه لولاه لكان ثابتا، و من حق التخصيص أن لا يدخل الا فيما يتناوله اللفظ، و النسخ يدخل في النص على عين و التخصيص ما لا يدخل فيه، و التخصيص يؤذن بأن المراد بالعموم عند الخطاب ما عداه، و النسخ يحقق أن كل ما يتناوله
50
الفروق في اللغة
الفرق بين التخصيص و النسخ ص 50
اللفظ مراد في حال الخطاب و ان كان غيره مرادا فيما بعد، و النسخ في الشريعة لا يقع بأشياء يقع بها التخصيص، و التخصيص لا يقع ببعض ما يقع به النسخ فقد بان لك مخالفة أحدهما للآخر في الحد و الحكم جميعا، و تساويهما في بعض الوجوه لا يوجب كون النسخ تخصيصا.
(الفرق) بين النسخ و البداء
أن النسخ رفع حكم تقدم بحكم ثان أوجبه كتاب أو سنة و لهذا يقال ان تحريم الخمر و غيرها مما كان مطلقا في العقل نسخ لاباحة ذلك لان إباحته عقلية و لا يستعمل النسخ في العقليات، و البداء أصله الظهور تقول بدا لي الشيء اذا ظهر و تقول بدا لي في الشيء اذا ظهر لك فيه رأي لم يكن ظاهرا لك فتركته لأجل ذلك، و لا يجوز على الله البداء لكونه عالما لنفسه، و ما ينسخه من الأحكام و يثبته انما هو على قدر المصالح لا أنه يبدو له من الاحوال ما لم يكن باديا، و البداء هو أن تأمر المكلف الواحد بنفس ما تنهاه عنه على الوجه الذي تنهاه عنه و الوقت الذي تنهاه فيه عنه و هذا لا يجوز على الله لأنه يدل على التردد في الرأي، و النسخ في الشريعة لفظة منقولة عما وضعت له في أصل اللغة، كسائر الاسماء الشرعية مثل الفسق و النفاق و نحو ذلك، و أصله في العربية الازالة ألا تراهم قالوا نسخت الريح الآثار فان قلت إن الريح ليست بمزيلة لها على الحقيقة، قلنا: اعتقد أهل اللغة أنها مزيلة لها كاعتقادهم أن الصنم إله.
(الفرق) بين فحوى الخطاب و دليل الخطاب
أن فحوى الخطاب ما يعقل عند الخطاب لا بلفظه كقوله تعالى (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) فالمنع من ضربهما يعقل عند ذلك، و دليل الخطاب هو أن يعلق بصفة الشيء أو بعدد أو بحال أو غاية فما لم يوجد ذلك فيه فهو بخلاف الحكم فالصفة قوله في سائمة الغنم الزكاة فيه دليل على أنه ليس في المعلوفة زكاة، و العدد تعليق الحد بالثمانين فيه دليل على سقوط ما زاد عليه، و الغاية قوله تعالى (حَتَّى يَطْهُرْنَ) فيه دليل على أن الوطء قبل ذلك محظور،
51
الفروق في اللغة
الفرق بين فحوى الخطاب و دليل الخطاب ص 51
و الحال مثل ما
روي أن يعلى بن أمية قال لعمر: ما لنا نقصر و قدامنا يعني الصلاة، فقال عمر تعجبت مما تعجبت منه. و سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته.
و هذا مذهب بعض الفقهاء، و آخرون يقولون ان جميع ذلك يعرف بدلائل أخر دون دلائل الخطاب المذكورة ههنا، و فيه كلام كثير ليس هذا موضع ذكره، و الدليل لو قرن به دليل لم يكن مناقضة و لو قرن باللفظ فحواه لكان ذلك مناقضة ألا ترى أنه لو قال في سائمة الغنم الزكاة و في المعلوفة الزكاة لم يكن تناقضا و لو قال فلا تقل لهما أف و اضربهما لكان تناقضا و كذلك لو قال هو مؤتمن على قنطار ثم قال يخون في الدرهم يعد تناقضا و قوله تعالى (وَ لا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا) يدل فحواه على نفي الظلم فيما زاد على ذلك و دلالة هذا كدلالة النص لأن السامع لا يحتاج في معرفته الى تأمل، و اما قوله تعالى (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) فمعناه فأفطر بعده، و قد جعله بعضهم فحوى الخطاب و ليس ذلك بفحوى عندهم ولكنه من باب الاستدلال. ألا ترى أنك لو قرنت به فحواه لم يكن تناقضا، فأما قوله تعالى: (وَ السَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) فانه يدل على المراد بفائدته لا بصريحه و لا فحواه و ذلك أنه لما ثبت أنه زجر أفاد أن القطع هو لاجل السرقة و كذلك قوله تعالى (الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي).
(الفرق) بين البيان و الفائدة
قال علي بن عيسى ما ذكر ليعرف به غيره فهو البيان كقولك غلام زيد و انما ذكر زيد ليعرف به الغلام فهو للبيان و قولك ضربت زيدا انما ذكر زيد ليعرف أن الضرب وقع به فذكر ليعرف به غيره، و الفائدة ما ذكر ليعرف في نفسه نحو قولك: قام زيد إنما ذكر قام ليعرف أنه وقع القيام، و أما معتمد البيان فهو الذي لا يصح الكلام إلا به نحو قولك ذهب زيد فذهب معتمد الفائدة و معتمد البيان، و أما الزيادة في البيان فهو البيان الذي يصح الكلام دونه و كذلك الزيادة
52
الفروق في اللغة
الفرق بين البيان و الفائدة ص 52
في الفائدة هي التي يصح الكلام دونها نحو الحال في قولك مر زيد ضاحكا و البيان قولك أعطيت زيدا درهما فعلى هذا يجري البيان و الفائدة و معتمد الفائدة و الحال أبدا للزيادة في الفائدة فالمفعول الذي ذكر فاعله للزيادة في البيان فأما الفاعل فهو معتمد البيان و كذلك ما لم يسم فاعله و قولك قام زيد معتمد الفائدة فاذا كان صفة فهو للزيادة في البيان نحو قولك مررت برجل قام فهو ههنا صفة مذكورة للزيادة في البيان.
(الفرق) بين عطف البيان و بين الصفة
أن عطف البيان يجري مجرى الصفة في أنه تبيين للأول و يتبعه في الاعراب كقولك مررت بأخيك زيد إذا كان له أخوان أحدهما زيد و الآخر عمرو فقد بين قولك زيد أي الأخوين مررت به، و الفرق بينهما أن عطف البيان يجب بمعنى اذا كان غير الموصوف به عليه كان له مثل صفته و ليس كذلك الاسم العلم الخالص لانه لا يجب بمعنى لو كان غيره على مثل ذلك المعنى استحق مثل اسمه مثال ذلك مررت بزيد الطويل فالطويل يجب بمعنى الطول و إن كان غير الموصوف على مثل هذا المعنى وجب له صفة طويل و أما زيد فيجب المسمى به من غير معنى لو كان لغيره لوجب له مثل اسمه إذ لو وافقه غيره في كل شيء لم يجب أن يكون زيدا كما لو وافقه في كل شيء لوجب أن يكون له مثل صفته و لا يجب أن يكون له مثل اسمه.
قال «1» أبو هلال أيده اللّه و البيان عند المتكلمين الدليل الذي تتبين به الأحكام، و لهذا قال أبو علي و أبو هاشم رحمهما الله: الهداية هي الدلالة و البيان فجعلا الدلالة و البيان واحدا، و قال بعضهم هو العلم الحادث الذي يتبين به الشيء، و منهم من قال: البيان حصر القول دون ما عداه من الأدلة، و قال غيره: البيان هو الكلام و الخط و الاشارة، و قيل البيان هو الذي أخرج الشيء من حيز الاشكال الى حد التجلي، و من قال
__________________________________________________
(1) من هنا الى قوله «الفرق بين النجوى و السر» غير موجود في نسخة التيمورية.
53
الفروق في اللغة
الفرق بين عطف البيان و بين الصفة ص 53
هو الدلالة، ذهب إلى أنه يتوصل بالدلالة الى معرفة المدلول عليه، و البيان هو ما يصح أن يتبين به ما هو بيان له، و كذلك يقال ان الله قد بين الاحكام بأن دل عليها بنصية الدلالة في الحكم المظهر ظنا و كذلك يقال للمدلول عليه قد بان، و يوصف الدال بأنه يبين، و توصف الأمارات الموصلة الى غلبة الظن بأنها بيان كما يقال انها دلالة تشبيها لها بما يوجب العلم من الأدلة.
و من قبيل الكلام المنازعة
(الفرق) بين النجوى و السر
أن النجوى اسم للكلام الخفي الذي تناجي به صاحبك كأنك ترفعه عن غيره و ذلك أن أصل الكلمة الرفعة، و منه النجوة من الارض، و سمي تكليم الله تعالى موسى عليه السلام مناجاة، لأنه كان كلاما أخفاه عن غيره، و السر إخفاء الشيء في النفس، و لو اختفى بستر أو وراء جدار لم يكن سرا، و يقال في هذا الكلام سر تشبيها بما يخفى في النفس، و يقال سري عند فلان تريد ما يخفيه في نفسه من ذلك و لا يقال نجواي عنده، و تقول لصاحبك: هذا سر ألقيه اليك تريد المعنى الذي تخفيه في نفسك، و النجوى تتناول جملة ما يتناجى به من الكلام، و السر يتناول معنى ذلك و قد يكون السر في غير المعاني مجازا تقول فعل هذا سرا و قد أسر الأمر، و النجوى لا تكون الا كلاما.
(الفرق) بين القراءة و التلاوة
أن التلاوة لا تكون الا لكلمتين فصاعدا، و القراءة تكون للكلمة الواحدة يقال قرأ فلان اسمه و لا يقال تلا إسمه و ذلك أن أصل التلاوة اتباع الشيء الشيء يقال تلاه اذا تبعه فتكون التلاوة في الكلمات يتبع بعضها بعضا و لا تكون في الكلمة الواحدة اذ لا يصح فيه التلو.
(الفرق) بين إلا و لكن
أن الاستثناء هو تخصيص صيغة عامة فأما لكن فهي تحقيق اثبات بعد نفي أو نفي بعد اثبات تقول ما جاءني زيد لكن عمرو جاءني، و أتى عمرو لكن زيد لم يأت، فهذا أصل لكن، و ليس
54
الفروق في اللغة
الفرق بين إلا و لكن ص 54
باستثناء في التحقيق، و قال ابن السراج الاستثناء هو إخراج بعض من كل.
(الفرق) بين المنازعة و المطالبة
أن المطالبة تكون بما يعرف به المطلوب أخبرت أن الضرب قد استوفى القوم ثم قلت و عمرا فعمرو غير القوم و الفعل الواقع به غير الفعل الواقع بالقوم و انما أشركته معهم في فعل ثان وصل اليه منك و ليس هذا حكم الاستثناء لأنك تمنع في الاستثناء أن يصل فعلك الى جميع المذكور
و من قبيل الكلام المنازعة
(الفرق) بين المنازعة و المطالبة
أن المطالبة تكون بما يعرف به المطلوب كالمطالبة بالدين و لا تقع إلا مع الاقرار به و كذلك المطالبة بالحجة على الدعوى و الدعوى قول يعترف به المدعي، و المنازعة لا تكون الا فيما ينكر المطلوب و لا يقع فيما يعترف به الخصمان منازعة.
(الفرق) بين المعارضة و الإلزام
أن كل معارضة الزام و ليس كل الزام معارضة ألا ترى أن قولك لمن أنكر حدوث الأجسام ما أنكرت أنها سابقة للحوادث الزام و ليس بمعارضة، و المعارضة أن تبدأ بما في عرض المسألة و بما في رأيه ثم تأتي بالمسألة فتجمع بينهما و بين ذلك إما بعلة أو بغير علة .. فالمعارضة بالعلة كقولك إن كان الله تعالى يفعل الجور فلا يكون الجور لأنه القادر المالك، و المعارضة على غير علة نحو قولنا لمن يقول إن السواد و الحركة جسم ما أنكرت أن البياض و السكون أيضا جسم.
(الفرق) بين المعارضة و إجراء العلة في المعلول
أن المطالب باجراء العلة في المعلول يبدأ بتقرير خصمه على جهة الاحتلال ثم يأتي بالموضع الذي رام أن يجري فيه كما تقول لأصحاب الصفات اذا قلتم إن كل موجود لم يكن غير الله محدث فقولوا إن صفاته محدثة لأنها ليست هي الله، و كذلك قولك للملحد اذا قلت إن الاجسام قديمة لأن قدمها متصور في العقل فلا يتصور في العقل ما لا حقيقة له.
55
الفروق في اللغة
الفرق بين المسألة و الفتيا ص 56
(الفرق) بين المسألة و الفتيا
أن المسألة عامة في كل شيء و الفتيا سؤال عن حادثة، و أصله من الفتاء و هو الشباب و الفتى الشاب و الفتاة الشابة و تقول للأمة و إن كانت عجوزا فتاة لانها كالصغيرة في أنها لا توقر توقير الكبيرة، و الفتوة حال الغرة و الحداثة، و قيل للمسألة عن حادثة فتيا لأنها في حالة الشابة في أنها مسألة عن شيء حدث.
(الفرق) بين المعارضة و قلب المسألة
أن قلب المسألة هو الرجوع على السائل بمثل مطالبته في مذهب له يلزمه فيه مثل الملك كقولنا للسحيرة اذا قالوا إن الفاعل في الشاهد لا يكون الا جسما فلما كان الله فاعلا وجب أن يكون جسما ما أنكرتم اذا كان الفاعل في الشاهد لا يكون الا محدثا مربوبا أي لا يكون في الغائب الا كذلك، و قلب المسألة يكون بعد الجواب فاذا كان قبل الجواب كان ظلما إلا أن يجعل على صيغة الجواب، و المعارضة هو أن يذكر المذهبان جميعا فيجمع بينهما، و قلب السؤال لا يكون الا ذكر مذهب واحد.
(الفرق) بين الإبلاغ و الأداء
أن الأداء إيصال الشيء على ما يجب فيه، و منه أداء الدين، فلان حسن الأداء لما يسمع و حسن الأداء للقراءة، و الابلاغ ايصال ما فيه بيان للافهام و منه البلاغة و هي ايصال المعنى الى النفس في أحسن صورة.
(الفرق) بين الإبلاغ و الإيصال
أن الابلاغ أشد اقتضاء للمنتهي اليه من الايصال لانه يقتضي بلوغ فهمه و عقله كالبلاغة التي تصل الى القلب، و قيل الابلاغ اختصار الشيء على جهة الانتهاء و منه قوله تعالى (ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ).
(الفرق) بين الاسم العرفي و الاسم الشرعي
أن الاسم الشرعي ما نقل عن أصله في اللغة فسمي به فعل أو حكم حدث في الشرع نحو الصلاة و الزكاة و الصوم و الكفر و الايمان و الاسلام و ما يقرب من ذلك و كانت هذه أسماء تجري قبل الشرع على أشياء ثم جرت في الشرع على أشياء
56
الفروق في اللغة
الفرق بين الاسم العرفي و الاسم الشرعي ص 56
أخر و كثر استعمالها حتى صارت حقيقة فيها و صار استعمالها على الأصل مجازا ألا ترى أن استعمال الصلاة اليوم في الدعاء مجاز و كان هو الأصل، و الاسم العرفي ما نقل عن بابه بعرف الاستعمال نحو قولنا دابة و ذلك أنه قد صار في العرف إسما لبعض ما يدب و كان في الأصل اسما لجميعه و كذلك الغائط كان اسما للمطمئن من الأرض ثم صار في العرف اسما لقضاء الحاجة حتى ليس يعقل عند الاطلاق سواه، و عند الفقهاء أنه اذا ورد عن الله خطاب قد وقع في اللغة لشيء و استعمل في العرف لغيره و وضع في الشرع لآخر فالواجب حمله على ما وضع في الشرع لأن ما وضع له في اللغة قد انتقل عنه و هو الأصل فما استعمل فيه بالعرف أولى بذلك و اذا كان الخطاب في العرف لشيء و في اللغة بخلافه وجب حمله على العرف لأنه أولى كما أن اللفظ الشرعي يحمله على ما عدل عنه و اذا حصل الكلام مستعملا في الشريعة أولى على ما ذكر قبل، و جميع أسماء الشرع تحتاج الى بيان نحو قوله تعالى (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ)* إذ قد عرف بدليل أنه أريد بها غير ما وضعت له في اللغة و ذلك على ضربين أحدهما يراد به ما لم يوضع له البتة نحو الصلاة و الزكاة، و الثاني يراد به ما وضع له في اللغة لكنه قد جعل اسما في الشرع لما يقع منه على وجه مخصوص أو يبلغ حدا مخصوصا فصار كأنه مستعمل في غير ما وضع له و ذلك نحو الصيام و الوضوء و ما شاكله.
(الفرق) بين بلى و نعم
أن بلى لا تكون إلا جوابا لما كان فيه حرف جحد كقوله تعالى (أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) و قوله عز و جل (أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) ثم قال في الجواب (قالُوا بَلى)، و نعم تكون للاستفهام بلا جحد كقوله تعالى (فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ) و كذلك جواب الخبر إذا قال قد فعلت ذلك قلت نعم لعمري قد فعلته، و قال الفراء و إنما امتنعوا أن يقولوا في جواب الجحود نعم لأنه اذا قال الرجل ما لك عليّ شيء، فلو قال الآخر نعم، كان صدقه، كأنه قال نعم ليس لي عليك
57
الفروق في اللغة
الفرق بين بلى و نعم ص 57
شيء و اذا قال بلى فانما هو رد لكلام صاحبه أي بلى لي عليك شيء فلذلك اختلف بلى و نعم.
(الفرق) بين الوسوسة و النزع
أن النزع هو الاغواء بالوسوسة و أكثر ما يكون عند الغضب، و قيل أصله للازعاج بالحركة الى الشر و يقال هذه نزعة من الشيطان للخصلة الداعية الى الشر، و أصل الوسوسة الصوت الخفي و منه يقال لصوت الحلى وسواس، و كل صوت لا يفهم تفصيله لخفائه وسوسة و وسواس و كذلك ما وقع في النفس خفيا، و سمى الله تعالى الموسوس وسواسا بالمصدر في قوله تعالى: (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ).
58
الفروق في اللغة
الباب الثالث فى الفرق بين الدلالة و الدليل و الاستدلال و بين النظر و التأمل و بين النظر و الرؤية و ما يجري مع ذلك
الباب الثالث فى الفرق بين الدلالة و الدليل و الاستدلال، و بين النظر و التأمل و بين النظر و الرؤية، و ما يجري مع ذلك
(الفرق) بين الدلالة و الدليل
أن الدلالة تكون على أربعة أوجه أحدها ما يمكن أن يستدل به قصد فاعله ذلك أو لم يقصد، و الشاهد أن أفعال البهائم تدل على حدثها و ليس لها قصد الى ذلك و الأفعال المحكمة دلالة على علم فاعلها، و إن لم يقصد فاعلها أن تكون دلالة على ذلك، و من جعل قصد فاعل الدلالة شرطا فيها احتج بأن اللص يستدل بأثره عليه و لا يكون أثره دلالة لأنه لم يقصد ذلك فلو وصف بأنه دلالة لوصف هو بأنه دال على نفسه و ليس هذا بشيء لانه ليس بمنكر في اللغة أن يسمى أثره دلالة عليه و لا أن يوصف هو بأنه دال على نفسه بل ذلك جائز في اللغة معروف يقال قد دل الحارب على نفسه بركوبه الرمل و يقال أسلك الحزن لأنه لا يدل على نفسك و يقولون استدللنا عليه بأثره و ليس له أن يحمل هذا على المجاز دون الحقيقة الا بدليل و لا دليل، و الثاني العبارة عن الدلالة، يقال للمسؤول أعد دلالتك، و الثالث الشبهة، يقال دلالة المخالف كذا أي شبهته، و الرابع الامارات يقول الفقهاء الدلالة من القياس كذا و الدليل فاعل الدلالة، و لهذا يقال لمن يتقدم القوم في الطريق دليل، إذ كان يفعل من التقدم ما يستدلون به، و قد تسمى الدلالة دليلا مجازا، و الدليل
59
الفروق في اللغة
الفرق بين الدلالة و الدليل ص 59
أيضا فاعل الدلالة مشتق من فعله، و يستعمل الدليل في العبارة و الأمارة و لا يستعمل في الشبه، و الشبهة هي الاعتقاد الذي يختار صاحبه الجهل أو يمنع من اختيار العلم و تسمى العبارة عن كيفية ذلك الاعتقاد شبهة أيضا، و قد سمي المعنى الذي يعتقد عنده ذلك الاعتقاد شبهة، فيقال هذه الحيلة شبهة لقوم اعتقدوها معجزة.
(الفرق) بين الدلالة و الشبهة
فيما قال بعض المتكلمين ان النظر في الدلالة يوجب العلم، و الشبهة يعتقد عندها أنها دلالة فيختار الجهل، لا لمكان الشبهة و لا للنظر فيها، و الاعتقاد هو الشبهة في الحقيقة لا المنظور فيه.
(الفرق) بين الدلالة و الأمارة
أن الدلالة عند شيوخنا ما يؤدي النظر فيه الى العلم، و الامارة ما يؤدي النظر فيه الى غلبة الظن لنحو ما يطلب به من جهة القبلة و يعرف به جزاء الصيد و قيم المتلفات، و الظن في الحقيقة ليس يجب عن النظر في الامارة لوجوب النظر عن العلم في الدلالة و انما يختار ذلك عنده فالامارة في الحقيقة ما يختار عنده الظن، و لهذا جاز اختلاف المجتهدين مع علم كل واحد منهم بالوجه الذي منه خالفه صاحبه كاختلاف الصحابة في مسائل الجد و اختلاف آراء ذوي الرأي في الحروب و غيرها مع تقاربهم في معرفة الامور المتعلقة بذلك، و لهذا تستعمل الامارة فيما كان عقليا و شرعيا.
(الفرق) بين الدلالة و الحجة
قال بعض المتكلمين الادلة تنقسم أقساما و هي دلالة العقل و دلالة الكتاب و دلالة السنة و دلالة الاجماع و دلالة القياس فدلالة العقل ضربان أحدهما ما أدى النظر فيه الى العلم بسوى المنظور فيه أو بصفة لغيره، و الآخر ما يستدل به على صفة له أخرى و تسمى طريقة النظر و لا تسمى دلالة لأنه يبعد أن يكون الشيء دلالة على نفسه أو على بعض صفات نفسه فلا يبعد أن يكون يدل على غيره و كل ذلك يسمى حجة فافترقت الحجة و الدلالة من هذا الوجه، و قال قوم لا
60
الفروق في اللغة
الفرق بين الدلالة و الحجة ص 60
يسميان حجة و دلالة الا بعد النظر فيهما و اذا قلنا حجة الله و دلالة الله فالمراد أن الله نصبهما و اذا قلنا حجة العقل و دلالة العقل فالمراد أن النظر فيهما يفضي الى العلم من غير افتقار الى أن ينصبهما ناصب، و قال غيره الحجة هي الاستقامة في النظر و المضي فيه على سنن مستقيم من رد الفرع الى الاصل و هي مأخوذة من الحجة و هي الطريق المستقيم و هذا هو فعله المستدل و ليس من الدلالة في شيء، و تأثير الحجة في النفس كتأثير البرهان فيها و انما تنفصل الحجة من البرهان لأن الحجة مشتقة من معنى الاستقامة في القصد حج يحج، اذا استقام في قصده، و البرهان لا يعرف له اشتقاق و ينبغي أن يكون لغة مفردة.
(الفرق) بين الاحتجاج و الاستدلال
أن الاستدلال طلب الشيء من جهة غيره، و الاحتجاج هي الاستقامة في النظر على ما ذكرنا سواء كان من جهة ما يطلب معرفته أو من جهة غيره.
(الفرق) بين دلالة الكلام و دلالة البرهان
أن دلالة البرهان هي الشهادة للمقالة بالصحة، و دلالة الكلام احضاره المعنى النفيس من غير شهادة له بالصحة إلا أن يتضمن بعض الكلام دلالة البرهان فيشهد بصحة المقالة، و من الكلام ما يتضمن دلالة البرهان و منه ما لا يتضمن ذلك إذ كل برهان فانه يمكن أن يظهر بالكلام كما أن كل معنى يمكن ذلك فيه، و الاسم دلالة على معناه و ليس برهانا على معناه و كذلك هداية الطريق دلالة عليه و ليس برهانا عليه، فتأثير دلالة الكلام خلاف تأثير دلالة البرهان.
(الفرق) بين الاستدلال و الدلالة
أن الدلالة ما يمكن الاستدلال به، و الاستدلال فعل المستدل و لو كان الاستدلال و الدلالة سواء لكان يجب أن لو صنع جميع المكلفين للاستدلال على حدث العالم أن لا يكون في العالم دلالة على ذلك.
(الفرق) بين الدلالة و العلامة
أن الدلالة على الشيء ما يمكن كل
61
الفروق في اللغة
الفرق بين الدلالة و العلامة ص 61
ناظر فيها أن يستدل بها عليه كالعالم لما كان دلالة على الخالق كان دالا عليه لكل مستدل به، و علامة الشيء ما يعرف به المعلم له و من شاركه في معرفته دون كل واحد كالحجر تجعله علامة لدفين تدفنه فيكون دولة لك دون غيرك و لا يمكن غيرك أن يستدل به عليه الا اذا وافقته على ذلك كالتصفيق تجعله علامة لمجيء زيد فلا يكون ذلك دلالة إلا لمن يوافقك عليه، ثم يجوز أن تزيل علامة الشيء بينك و بين صاحبك، فتخرج من أن تكون علامة له، و لا يجوز أن تخرج الدلالة على الشيء من أن تكون دلالة عليه فالعلامة تكون بالوضع و الدلالة بالاقتضاء.
(الفرق) بين العلامة و الآية
أن الآية هي العلامة الثابتة من قولك تأييت بالمكان اذا تحبست به و تثبت قال الشاعر:
و علمت أن ليست بدار ثابتة فكصفقة بالكف كان رقادي
أي ليست بدار تحبس و تثبت، و قال بعضهم أصل آية آيية ولكن لما اجتمعت يا آن قلبوا «1» احداهما ألفا كراهة التضعيف و جاز ذلك لأنه اسم غير جار على فعل.
(الفرق) بين العلامة و الأثر
أن أثر الشيء يكون بعده، و علامته تكون قبله تقول الغيوم و الرياح علامات المطر و مدافع السيول آثار المطر.
دلالة عليه و ليس برهانا عليه فتأثير دلالة الكلام خلاف تأثير دلالة
(الفرق) بين العلامة و السمة
أن السمة ضرب من العلامات مخصوص و هو ما يكون بالنار في جسد حيوان مثل سمات الابل و ما يجري مجراها و في القرآن (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) و أصلها التأثير في الشيء و منه الوسمي «2» لأنه يؤثر في الارض أثرا، و منه الموسم لما فيه من آثار أهله و الوسمة «3» معروفة سميت بذلك لتأثيرها فيما يخضب بها.
(الفرق) بين الدلالة و البرهان
أن البرهان لا يكون الا قولا يشهد
__________________________________________________
(1) في التيمورية «قلبت».
(2) هو أول المطر.
(3) نبت يخضب به الشعر.
62
الفروق في اللغة
الفرق بين الدلالة و البرهان ص 62
بصحة الشيء، و الدلالة تكون قولا تقول العالم دلالة على القديم و ليس العالم قولا، و تقول دلالتي على صحة مذهبي كذا فتأتي بقول تحتج به على صحة مذهبك، و قال بعض العلماء البرهان بيان يشهد بمعنى آخر حق في نفسه و شهادته مثال ذلك أن الاخبار بأن الجسم محدث هو بيان بأن له محدثا و المعنى الأول حق في نفسه، و الدليل ما ينبئ عن معنى من غير أن يشهد بمعنى آخر و قد ينبئ عن معنى يشهد بمعنى آخر فالدليل أعم. و سمعت من يقول البرهان ما يقصد به قطع حجة الخصم فارسي معرب و أصله بران أي اقطع ذاك و منه البرهة و هي القطعة من الدلالة و لا يعرف صحة ذلك، و قال علي بن عيسى: الدليل يكون وضعيا قد يمكن أن يجعل على خلاف ما جعل عليه نحو دلالة الاسم على المسمى، و أما دلالة البرهان فلا يمكن أن توضع دلالة على خلاف ما هي دلالة عليه نحو دلالة الفعل على الفاعل لا يمكن أن تجعل دلالة على أنه ليس بفاعل.
(الفرق) بين الأمارة و العلامة
أن الامارة هي العلامة الظاهرة، و يدل على ذلك أصل الكلمة و هو الظهور، و منه قيل أمر الشيء اذا كثر و مع الكثرة ظهور الشأن، و من ثم قيل الامارة لظهور الشأن، و سميت المشورة أمارا لأن الرأي يظهر بها و ائتمر القوم اذا تشاوروا قال الشاعر
* ففيم الامار فيكم و الامار*
(الفرق) بين العلامة و الرسم
أن الرسم هو إظهار الاثر في الشيء ليكون علامة فيه، و العلامة تكون ذلك و غيره ألا ترى أنك تقول علامة مجيء زيد تصفيق عمرو و ليس ذلك بأثر.
(الفرق) بين الرسم و الختم
أن الختم ينبئ عن إتمام الشيء و قطع فعله و عمله تقول ختمت القرآن أي أتممت حفظه و قرأته و قطعت قراءته و ختمت الكير لانه آخر ما يفعل به لحفظه و لا ينبئ الرسم عن ذلك و إنما الرسم إظهار الاثر بالشيء ليكون علامة فيه و ليس يدل على تمامه ألا ترى
63
الفروق في اللغة
الفرق بين الرسم و الختم ص 63
أنك تقول ختمت القرآن و لا تقول رسمته فان استعمل الرسم في موضع الختم في بعض المواضع فلقرب معناه من معناه، و الاصل في الختم ختم الكتاب لانه يقع بعد الفراغ منه و منه قوله تعالى (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ) منع و قوله تعالى (خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) ليس بمنع ولكنه ذم بأنها كالممنوعة من قبول الحق على أن الرسم فارسي معرب لا أصل له في العربية فيجوز أن يكون بمعنى الختم لا فرق بينهما لانهما لغتان.
(الفرق) بين الختم و الطبع
أن الطبع أثر يثبت في المطبوع و يلزمه فهو يفيد من معنى الثبات و اللزوم ما لا يفيده الختم، و لهذا قيل طبع الدرهم طبعا و هو الاثر الذي يؤثره فيه فلا يزول عنه، كذلك أيضا قيل طبع الانسان لانه ثابت غير زائل، و قيل طبع فلان على هذا الخلق اذا كان لا يزول عنه، و قال بعضهم الطبع علامة تدل على كنه الشيء قال و قيل طبع الانسان لدلالته على حقيقة مزاجه من الحرارة و البرودة قال و طبع الدرهم علامة جوازه.
(الفرق) بين العلة و الدلالة
أن كل علة مطردة منعكسة و ليس كل دلالة تطرد و تنعكس ألا ترى أن الدلالة على حدث الاجسام هي استحالة خلوها عن الحوادث و ليس ذلك بمطرد في كل محدث لأن العرض محدث و لا تحله الحوادث، و العلة في كون المتحرك متحركا هي الحركة و هي مطردة في كل متحرك و تنعكس فليس بشيء يحدث فيه حركة الا و هو متحرك و لا متحرك الا و فيه حركة.
(الفرق) بين العلة و السبب
أن من العلة ما يتأخر عن المعلول كالربح و هو علة التجارة يتأخر و يوجد بعدها و الدليل على أنه علة لها أنك تقول اذا قيل لك لم تتجر قلت للربح. و قد أجمع أهل العربية أن قول القائل لم مطالبة بالعلة لا بالسبب فان قيل ما أنكرت ان الربح علة لحسن التجارة و سبب له أيضا، قلنا أول ما في ذلك أنه يوجب أن كل تجارة فيها ربح حسنة لانه قد حصل فيها علة الحسن كما أن كل ما حصل فيه ربح فهو
64
الفروق في اللغة
الفرق بين العلة و السبب ص 64
تجارة، و السبب لا يتأخر عن مسببه على وجه من الوجوه ألا ترى أن الرمي الذي هو سبب لذهاب السهم لا يجوز أن يكون بعد ذهاب السهم، و العلة في اللغة ما يتغير حكم غيره به و من ثم قيل للمرض علة لأنه يغير حال المريض و يقال للداعي الى الفعل علة له تقول فعلت كذا لعلة كذا، و عند بعض المتكلمين أن العلة ما توجب حالا لغيره كالكون و القدرة و لا تقول ذلك في السواد لما لم يوجب حالا، و العلة في الفقه ما تعلق الحكم به من صفات الأصل المنصوص عليه عند القايس.
(الفرق) بين السبب و الشرط
أن السبب يحتاج اليه في حدوث المسبب و لا يحتاج اليه في بقائه ألا ترى أنه قد يوجد المسبب و السبب معدوم و ذلك نحو ذهاب السهم يوجد مع عدم الرمي، و الشرط يحتاج اليه في حال وجود المشروط و بقائه جميعا نحو الحياة لما كانت شرطا في وجود القدرة لم يجز أن تبقى القدرة مع عدم الحياة.
(الفرق) بين السبب و الآلة
أن السبب يوجب الفعل و الآلة لا توجبه، و الآلة هي التي يحتاج اليها بعض الفاعلين دون بعض فلا ترجع الى حسن الفعل و هي كاليد و الرجل.
(الفرق) بين النظر و الاستدلال
أن الاستدلال طلب معرفة الشيء من جهة غيره و النظر طلب معرفته من جهته و من جهة غيره، و لهذا كان النظر في معرفة القادر قادرا من جهة فعله استدلالا، و النظر في حدوث الحركة ليس باستدلال، و حد النظر طلب ادراك الشيء من جهة البصر أو الفكر و يحتاج في ادراك المعنى الى الامرين جميعا كالتأمل للخط الدقيق بالبصر أولا ثم بالفكر لأن إدراك الخط الدقيق التي بها يقرأ طريق الى ادراك المعنى و كذلك طريق الدلالة المؤدية الى العلم بالمعنى، و أصل النظر المقابلة فالنظر بالبصر الاقبال به نحو المبصر، و النظر بالقلب الاقبال بالفكر نحو المفكر فيه، و يكون النظر باللمس ليدري اللين من الخشونة، و النظر الى الانسان بالرحمة هو الاقبال عليه بالرحمة، و النظر
65
الفروق في اللغة
الفرق بين النظر و الاستدلال ص 65
نحو ما يتوقع و الانظار الى مدة هو الاقبال بالنظر نحو المتوقع، و النظر بالأمل هو الاقبال به نحو المأمول، و النظر من الملك لرعيته هو إقباله نحوهم بحسن السياسة، و النظر في الكتاب بالعين و الفكر هو الاقبال نحوه بهما، و نظر الدهر اليهم أي أهلكهم و هو إقباله نحوهم بشدائده، و النظير المثيل فانك اذا نظرت الى أحدهما فقد نظرت الى الآخر و اذا قرن النظر بالقلب فهو الفكر في أحوال ما ينظر فيه و اذا قرن بالبصر كان المراد به تقليب الحدقة نحو ما يلتمس رؤيته مع سلامة الحاسة.
(الفرق) بين النظر و التأمل
أن النظر هو ما ذكرناه، و التأمل هو النظر المؤمل به معرفة ما يطلب و لا يكون الا في طول مدة فكل تأمل نظر و ليس كل نظر تأملا.
(الفرق) بين النظر و البديهة
أن البديهة أول النظر يقال عرفته على البديهة أي في أول أحوال النظر، و له في الكلام بديهة حسنة اذا كان يرتجله من غير فكر فيه.
(الفرق) بين البديهة و الروية
أن الروية فيما قال بعضهم آخر النظر، و البديهة أوله، و لهذا يقال للرجل اذا وصف بسرعة الاصابة في الرأي بديهته كروية غيره، و قال بعضهم الروية طول التفكر في الشيء و هو خلاف البديهة، و بديهة القول ما يكون من غير فكر، و الروية اشباع الرأي و الاستقصاء في تأمله تقول روّأت في الأمر بالتشديد و فعّلت بالتشديد للتكثير و المبالغة، و تركت همزة الروية لكثرة الاستعمال.
(الفرق) بين النظر و الفكر
أن النظر يكون فكرا أو يكون بديهة و الفكر ما عدا البديهة.
(الفرق) بين النظر و الانتظار
أن الانتظار طلب ما يقدر النظر اليه و يكون في الخير و الشر و يكون مع شك و يقين و ذلك أن الانسان ينتظر طعاما يعمل في داره و هو لا يشك أنه يحضر له، و ينتظر قدوم زيد غدا و هو شاك فيه.
66
الفروق في اللغة
الفرق بين التفكر و التدبر ص 67
(الفرق) بين التفكر و التدبر
أن التدبر تصرف القلب بالنظر في العواقب، و التفكر تصرف القلب بالنظر في الدلائل. و سنبين اشتقاق التدبر و أصله فيما بعد.
(الفرق) بين النظر و الرؤية،
أن النظر طلب الهدي، و الشاهد قولهم نظرت فلم أر شيئا. و قال علي بن عيسى: النظر طلب ظهور الشيء، و الناظر الطالب لظهور الشيء و الله ناظر لعباده بظهور رحمته اياهم.
و يكون الناظر الطالب لظهور الشيء بادراكه من جهة حاسة بصره أو غيرها من حواسه و يكون الناظر الى لين هذا الثوب من لين غيره، و النظر بالقلب من جهة التفكر، و الانتظار التوقف لطلب وقت الشيء الذي يصلح فيه قال و النظر أيضا هو الفكر و التأمل لاحوال الأشياء ألا ترى أن الناظر على هذا الوجه لا بد أن يكون مفكرا و المفكر على هذا الوجه يسمى ناظرا و هو معنى غير الناظر و غير المنظور فيه ألا ترى أن الانسان يفصل بين كونه ناظرا و كونه غير ناظر، و لا يوصف القديم بالنظر لان النظر لا يكون الا مع فقد العلم و معلوم أنه لا يصلح النظر في الشيء ليعلم الا و هو مجهول، و النظر يشاهد بالعين فيفرق بين نظر الغضبان و نظر الراضي، و أخرى فانه لو طلب جماعة الهلال ليعلم من رآه منهم ممن لم يره مع أنهم جميعا ناظرون فصح بهذا أن النظر تقليب العين حيال مكان المرئي طلبا لرؤيته، و الرؤية هي ادراك المرئي، و لما كان الله تعالى يرى الاشياء من حيث لا يطلب رؤيتها صح أنه لا يوصف بالنظر.
(الفرق) بين قولنا مد اليه بصره و استشرفه ببصره
. أن قولنا استشرفه ببصره معناه أنه مد اليه بصره من أعلاه.
و مما يجري مع ذلك
(الفرق) بين الانتظار و الترجي
أن الترجي انتظار الخير خاصة و لا يكون الا مع الشك، و أما الانتظار و التوقع فهو طلب ما يقدر أن يقع.
(الفرق) بين الانتظار و التربص
أن التربص طول الانتظار يكون
67
الفروق في اللغة
الفرق بين الانتظار و التربص ص 67
قصير المدة و طويلها و من ثم يسمى المتربص بالطعام و غيره متربصا لأنه يطيل الانتظار لزيادة الربح و منه قوله تعالى (فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ «1») و أصله من الربصة و هي التلبث يقال ما لي على هذا الأمر ربصة أي تلبث في الانتظار حتى طال.
(الفرق) بين الانتظار و الإمهال
أن الانتظار مقرون بما يقع فيه النظر و الامهال مبهم.
(الفرق) بين قولهم آنست ببصري و أحسست ببصري
أن الاحساس يفيد الرؤية و غيرها بالحاسة، و الايناس يفيد الانس بما تراه و لهذا لا يجوز أن يقال إن الله يؤنس و يحس، اذ لا يجوز عليه الوصف بالحاسة و الانس، و يكون الايناس في غير النظر.
(الفرق) بين الخاطر و النظر
أن الخاطر مرور معنى بالقلب بمنزلة خطاب مخاطب يحدث بضروب الأحاديث، و الخواطر تنقسم بحسب المعاني، اذ كل معنى فله خاطر يختصه، يخالف جنس ما يختص غيره. و من كمال العقل تصرف القلب بالخواطر و لا يصح التكليف الا مع ذلك، و عند أبي علي، أن الخاطر جنس من الاعراض لا يوجد الا في قلب حيوان و انه شيء بين الفكر و الذكر لأن الذكر علم و الفكر جنس من النظر الذي هو سبب العلم، و الخواطر تنبه على الاشياء و تكون ابتداءا و لا تولد علما، و منزلة الخاطر في ذلك منزلة التخيل في أنه بين العلم و الظن لأنه تمثل شيء من غير حقيقة، و عند البلخي رحمه الله أنه كلام يحدثه الله تعالى في سمع الانسان، أو يحدثه الملك أو الشيطان، فاذا كان من الشيطان سمي وسواسا. و الى هذا ذهب أبو هاشم رحمه الله، و الذي يدل على أن الخاطر ليس بكلام ما يدل من أفعال الأخرس على خطور الخواطر بقلبه و هو لا يعرف الكلام أصلا و لا يعرف معانيه، و عن إبراهيم أنه لا
__________________________________________________
(1) و في نسخة «فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ» و كلاهما في القرآن.
68
الفروق في اللغة
الفرق بين الخاطر و النظر ص 68
بد من خاطرين، أحدهما يأمر بالاقدام و الآخر بالكف ليصح الاختيار، و عن ابن الراوندي أن خاطر المعصية من الله تعالى و أن ذلك كالعقل و الشهوة لأن الشهوة ميل الطبع الى المشتهي، و العقل التمييز بين الحسن و القبيح.
(الفرق) بين الذكر و الخاطر
أن الخاطر يكون ابتداءا و يكون عن عزوب، و الذكر لا يكون الا عن عزوب لانه انما يذكر ما عزب «1» عنه و هو عرض ينافي النسيان.
و مما يجري مع الاستدلال القياس
(الفرق) بين القياس و بين الاجتهاد
أن القياس حمل الشيء على الشيء في بعض أحكامه لوجه من الشبه، و قيل حمل الشيء على الشيء و إجراء حكمه عليه لشبه بينهما عند الحامل، و قال أبو هاشم رحمه الله حمل شيء على شيء و اجراء حكمه عليه و لذلك سمي المكيال مقياسا من حيث كان يحمل عليه ما يراد كيله، و كذلك يسمون ما يفدر به النعال مقياسا أيضا، و لذلك لا يستعمل القياس في شيء من غير اعتبار له بغيره و انما يقال قست الشيء بالشيء، فلا «2» يقال لمن شبه شيئا بشيء من غير أن يحمل أحدهما على الآخر و يجري حكمه عليه قايس، و لو جاز ذلك لجاز أن يسمى الله تعالى قايسا لتشبيهه الكافر بالميت و المؤمن بالحي و الكفر بالظلمة و الايمان بالنور، و من قال القياس استخراج الحق من الباطل فقد أبعد لأن النصوص قد يستخرج بها ذلك و لا يسمى قياسا، و مثال القياس قولك اذا كان ظلم المحسن لا يجوز من حكيم فعقوبة المحسن لا تجوز منه، و الفقهاء يقولون هو حمل الفرع على الأصل لعلة الحكم، و الاجتهاد موضوع في أصل اللغة لبذل المجهود، و لهذا يقال اجتهد في حمل الحجر لما بذل مجهوده فيه و لا يقال اجتهدت في حمل
__________________________________________________
(1) أي بعد.
(2) في التيمورية «و لا».
69
الفروق في اللغة
الفرق بين القياس و بين الاجتهاد ص 69
النواة، و هو عند المتكلمين ما يقتضي غلبة الظن في الاحكام التي كل مجتهد فيها مصيب و لهذا يقولون قال أهل الاجتهاد كذا و قال أهل القياس كذا فيفرقون بينهما، فعلى هذا الاجتهاد أعم من القياس لأنه يحتوي على القياس و غيره، و قال الفقهاء الاجتهاد بذل المجهود في تعرف حكم الحادثة من النص لا بظاهره و لا فحواه، و لذلك
قال معاذ أجتهد رأيي فيما لا أجد فيه كتابا و لا سنة.
و قال الشافعي: الاجتهاد و القياس واحد و ذلك أن الاجتهاد عنده هو أن يعلل أصلا و يرد غيره اليه بها، فأما الرأي فما أوصل اليه الحكم الشرعي من الاستدلال و القياس و لذلك
قال معاذ أجتهد رأيي.
و
كتب عمر هذا ما رأى عمر.
و
قال علي عليه السلام رأيي و رأي عمر أن لا يبعن ثم رأيت بيعهن.
يعني أمهات الأولاد، و فيه دلالة على بطلان قول من يرد الرأي و يذمه، و الترجيح ما أيد به العلة و الخبر اذا قابله ما يعارضه، و الاستدلال أن يدل على أن الحكم في الشيء ثابت من غير رده الى أصل، و الاجتهاد لا يكون الا في الشرعيات و هو مأخوذ من بذل المجهود و استفراغ الوسع في النظر في الحادث ليرده الى المنصوص على حسب ما يغلب في الظن و إنما يوسع ذلك مع عدم الدلالة و النص. ألا ترى أنه لا يجوز لأحد أن يقول ان العلم بحدوث الأجسام اجتهاد كما أن سهم الجد اجتهاد، و لا يجوز أن يقال وجوب خمسة دراهم في مائتي درهم مسألة اجتهاد لكون ذلك مجمعا عليه، و قد يكون القياس في العقليات فالفرق بينه و بين الاجتهاد ظاهر.
(الفرق) بين دلالة الآية و تضمين الآية
أن دلالة الاية على الشيء هو ما يمكن الاستدلال به على ذلك الشيء كقوله الحمد لله يدل على معرفة الله اذا قلنا ان معنى قوله الحمد لله أمرا لانه لا يجوز أن يحمد من لا يعرف، و لهذا قال أصحابنا ان معرفة الله واجبة لأن شكره واجب
70
الفروق في اللغة
الفرق بين دلالة الآية و تضمين الآية ص 70
لأنه لا يجوز أن يشكر من لا يعرف، و تضمين الآية هو احتمالها للشيء بلا مانع ألا ترى أنه لو احتملته لكن منع منه القياس أو سنة أو آية أخرى لم تتضمنه، و لهذا نقول ان قوله (السَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) لا يتضمن وجوب القطع على من سرق دانقا و ان كان محتملا لذلك لمنع السنة منه، و هذا واضح و الحمد لله تعالى.
71
الفروق في اللغة
الباب الرابع في الفرق بين أقسام العلوم و ما يجري مع ذلك من الفرق بين الادراك و الوجدان و في الفرق بين ما يضاد العلوم و يخالفها
الباب الرابع في الفرق بين أقسام العلوم و ما يجري مع ذلك من الفرق بين الادراك و الوجدان و في الفرق بين ما يضاد العلوم و يخالفها
(الفرق) بين العلم و المعرفة
أن المعرفة أخص من العلم لأنها علم بعين الشيء مفصلا عما سواه، و العلم يكون مجملا و مفصلا قال الزهري لا أصف الله بأنه عارف و لا أعنف من يصفه بذلك لأن المعرفة مأخوذة من عرفان الدار يعني آثارها التي تعرف بها قال و لا يجوز أن يكون علم الله تعالى بالاشياء من جهة الأثر و الدليل، قال و المعرفة تمييز المعلومات فأومأ الى أنه لا يصفه بذلك كما لا يصفه بأنه مميز، و ليس ما قاله بشيء لأن آثار الدار ان كانت سميت عرفانا فسميت بذلك لأنها طريق الى المعرفة بها و ليس في ذلك دليل على أن كل معرفة تكون من جهة الأثر و الدليل، و أما وصف العارف بأنه يفيد تمييز المعلومات في علمه فلو جعله دليلا على أن الله عارف كان أولى من المعلومات متميزة في علمه بمعنى أنها متخيلة له و انما لم يسم علمه تمييزا لأن التمييز فينا هو استعمال العقل بالنظر و الفكر اللذين يؤديان الى تمييز المعلومات فلم يمتنع أن توصف معلوماته بأنها متميزة و ان كان لا يوصف بأنه مميز لأن تميزها صفة لها لا له، و المعرفة بها تفيد ذلك فيها لا فيه، فكل معرفة علم و ليس كل علم معرفة و ذلك أن لفظ المعرفة يفيد تمييز المعلوم من غيره
72
الفروق في اللغة
الفرق بين العلم و المعرفة ص 72
و لفظ العلم لا يفيد ذلك الا بضرب آخر من التخصيص في ذكر المعلوم، و الشاهد قول أهل اللغة ان العلم يتعدى الى مفعولين ليس لك الاقتصار على أحدهما الا أن يكون بمعنى المعرفة كقوله تعالى (لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) أي لا تعرفونهم الله يعرفهم، و انما كان ذلك كذلك لأن لفظ العلم مبهم فاذا قلت علمت زيدا فذكرته باسمه الذي يعرفه به المخاطب لم يفد فاذا قلت قائما أفدت لأنك دللت بذلك على أنك علمت زيدا على صفة جاز أن لا تعلمه عليها مع علمك به في الجملة، و اذا قلت عرفت زيدا أفدت لأنه بمنزلة قولك علمته متميزا من غيره فاستغنى عن قولك متميزا من غيره لما في لفظ المعرفة من الدلالة على ذلك. و الفرق بين العلم و المعرفة انما يتبين في الموضع الذي يكون فيه جملة غير مبهمة ألا ترى أن قولك علمت أن لزيد ولدا و قولك عرفت أن لزيد ولدا يجريان مجرى واحدا.
(الفرق) بين العلم و اليقين
أن العلم هو اعتقاد الشيء على ما هو به على سبيل الثقة، و اليقين هو سكون النفس و ثلج الصدر بما علم، و لهذا لا يجوز أن يوصف الله تعالى باليقين، و يقال ثلج اليقين و برد اليقين و لا يقال ثلج العلم و برد العلم، و قيل الموقن العالم بالشيء بعد حيرة الشك، و الشاهد أنهم يجعلونه ضد الشك فيقولون شك و يقين و قلما يقال شك و علم فاليقين ما يزيل الشك دون غيره من أضداد العلوم، و الشاهد قول الشاعر:
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه و أيقن أنا لاحقان بقيصرا
أي أزال الشك عنه عند ذلك، و يقال اذا كان اليقين عند المصلي أنه صلى أربعا فله أن يسلم، و ليس يراد بذلك أنه اذا كان عالما به لأن العلم لا يضاف الى ما عند أحد اذا كان المعلوم في نفسه على ما علم و إنما يضاف اعتقاد الانسان الى ما عنده سواء كان معتقده على ما اعتقده أولا اذا زال به شكه، و سمي علمنا يقينا لأن في وجوده ارتفاع الشك.
73
الفروق في اللغة
الفرق بين العلم و الشعور ص 74
(الفرق) بين العلم و الشعور
أن العلم هو ما ذكرناه، و الشعور علم يوصل اليه من وجه دقيق كدقة الشعر و لهذا قيل للشاعر شاعر لفطنته لدقيق المعاني، و قيل للشعير شعيرا للشظية الدقيقة التي في طرفه خلاف الحنطة، و لا يقال الله تعالى يشعر لأن الأشياء لا تدق عنه، و قال بعضهم الذم للانسان بأنه لا يشعر أشد مبالغة من ذمه بأنه لا يعلم لأنه اذا قال لا يشعر فكأنه أخرجه الى معنى الحمار و كأنه قال لا يعلم من وجه واضح و لا خفي و هو كقولك لا يحس، و هذا قول من يقول ان الشعور هو أن يدرك بالمشاعر و هي الحواس كما أن الاحساس هو الادراك بالحاسة و لهذا لا يوصف الله بذلك.
(الفرق) بين البصير و المستبصر
أن البصير على وجهين أحدهما المختص بأنه يدرك المبصر اذا وجد، و أصله البصر و هو صحة الرؤية، و يؤخذ منه صفة مبصر بمعنى رأى، و الرائي هو المدرك للمرئي، و القديم رأى بنفسه، و الآخر البصير بمعنى العالم تقول منه هو بصير و له به بصر و بصيرة أي علم، و المستبصر هو العالم بالشيء بعد تطلب العلم كأنه طلب الابصار مثل المستفهم و المستخبر المتطلب للفهم و الخبر، و لهذا يقال إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ و لا يقال مستبصر، و يجوز أن يقال ان الاستبصار هو أن يتضح له الأمر حتى كأنه يبصره و لا يوصف الله تعالى به لأن الاتضاح لا يكون الا بعد الخفاء.
و مما يجري مع هذا
(الفرق) بين البصر و العين
أن العين آلة البصر و هي الحدقة، و البصر اسم للرؤية و لهذا يقال احدى عينيه عمياء و لا يقال أحد بصريه أعمى، و ربما يجري البصر على العين الصحيحة مجازا و لا يجري على العين العمياء فيدلك هذا على أنه اسم للرؤية على ما ذكرنا، و يسمى العلم بالشيء اذا كان جليا بصرا، يقال لك فيه بصر يراد أنك تعلمه كما يراه غيرك.
74
الفروق في اللغة
الفرق بين التعليم و التلقين ص 75
(الفرق) بين التعليم و التلقين
أن التلقين يكون في الكلام فقط، و التعليم يكون في الكلام و غيره تقول لقنه الشعر و غيره و لا يقال لقنه التجارة و النجارة و الخياطة كما يقال علمه في جميع ذلك، و أخرى فان التعليم يكون في المرة الواحدة، و التلقين لا يكون الا في المرات، و أخرى فان التلقين هو مشافهتك الغير بالتعليم و إلقاء القول اليه ليأخذه عنك و وضع الحروف مواضعها و التعليم لا يقتضي ذلك. و لهذا لا يقال ان الله يلقن العبد كما يقال ان الله يعلمه.
(الفرق) بين العلم و الرسخ
أن الرسخ هو أن يعلم الشيء بدلائل كثيرة أو بضرورة لا يمكن ازالتها، و أصله الثبات على أصل يتعلق به، و سنبين ذلك في آخر الكتاب إن شاء الله، و اذا علم الشيء بدليل لم يقل أن ذلك رسخ.
(الفرق) بين المعرفة الضرورية و الإلهام
أن الالهام ما يبدو في القلب من المعارف بطريق الخير ليفعل و بطريق الشر ليترك، و المعارف الضرورية على أربعة أوجه أحدها يحدث عند المشاهدة و الثاني عند التجربة و الثالث عند الأخبار المتواترة و الرابع أوائل العقل.
(الفرق) بين العالم و المتحقق
أن المتحقق هو المتطلب حق المعنى حتى يدركه كقولك تعلم أي أطلب العلم، و لهذا لا يقال ان الله متحقق، و قيل التحقق لا يكون الا بعد شك تقول تحققت ما قلته فيفيد ذلك أنك عرفته بعد شك فيه.
(الفرق) بين العلم و العقل
أن العقل هو العلم الأول الذي يزجر عن القبائح «1» و كل من كان زاجره أقوى كان أعقل، و قال بعضهم العقل يمنع صاحبه عن الوقوع في القبيح و هو من قولك عقل البعير اذا شده فمنعه من أن يثور و لهذا لا يوصف الله تعالى به، و قال بعضهم العقل الحفظ يقال اعقلت دراهمي أي حفظتها و أنشد قول لبيد:
__________________________________________________
(1) في السكندرية «القبيح».
75
الفروق في اللغة
الفرق بين العلم و العقل ص 75
و اعقلي إن كنت لما تعقلي و لقد أفلح من كان عقل
قال و من هذا الوجه يجوز أن يقال ان الله عاقل كما يقال له حافظ الا أنه لم يستعمل فيه ذلك، و قيل العقل يفيد معنى الحصر و الحبس، و عقل الصبي اذا وجد له من المعارف ما يفارق به حدود الصبيان «1» و سميت المعارف التي تحصر معلوماته عقلا لأنها أوائل العلوم ألا ترى أنه يقال للمخاطب اعقل ما يقال لك «2» أي احصر معرفته لئلا يذهب عنك، و خلاف العقل الحمق و خلاف العلم الجهل، و قيل لعاقلة الرجل عاقلة لأنهم يحبسون عليه حياته، و العقال ما يحبس الناقة عن الانبعاث، قال و هذا أحب الي في حد العقل من قولهم هو علم بقبح القبائح و المنع من ركوبها لأن في أهل الجنة عقلا «3» لا يشتهون القبائح و ليست علومهم منعا، و لو كان العقل منعا لكان الله تعالى عاقلا لذاته و كنا معقولين لأنه الذي منعنا، و قد يكون الانسان عاقلا كاملا مع ارتكابه القبائح، و لما لم يجز أن يوصف الله بأن له علوما حصرت معلوماته لم يجز أن يسمى عاقلا و ذلك أنه عالم لذاته بما لا نهاية له من المعلومات، و لهذه العلة لم يجز أن يقال ان الله معقول لنا لأنه «4» لا يكون محصورا بعلومنا كما لا تحيط به علومنا.
(الفرق) بين العقل و الأرب
أن قولنا الأرب يفيد وفور العقل من قولهم عظم مؤرب اذا كان عليه لحم كثير وافر، و قدح أريب و هو المعلى و ذلك أنه يأخذ النصيب المؤرب «5» أي الوافر.
(الفرق) بين العقل و اللب
أن قولنا اللب يفيد أنه من خالص صفات الموصوف به، و العقل يفيد أنه يحصر معلومات الموصوف به فهو مفارق له من هذا الوجه، و لباب الشيء و لبه خالصه و لما لم يجز أن يوصف الله
__________________________________________________
(1) من هنا الى (الفرق بين العلم و الشهادة) غير موجود في التيمورية بل في الأصل و السكندرية.
(2) في نسخة زيادة «فيه».
(3) في السكندرية «لأن أهل الجنة عقلاء».
(4) في نسخة «و انه».
(5) في النسخ «مؤربا».
76
الفروق في اللغة
الفرق بين العقل و اللب ص 76
تعالى بمعان بعضها أخلص من بعض لم يجز أن يوصف باللب.
(الفرق) بين العقل و النهى
أن النهى هو النهاية في المعارف التي لا يحتاج اليها في مفارقة الأطفال و من يجري مجراهم و هي جمع واحدها النهية و يجوز أن يقال انها تفيد أن الموصوف بها يصلح أن ينتهي الى رأيه، و سمي الغدير نهيا لأن السيل ينتهي اليه، و التنهية المكان الذي ينتهي اليه السيل و الجمع التناهي و جمع النهي أنه «1» و أنهاء.
(الفرق) بين العقل و الحجا
أن الحجا هو ثبات العقل من قولهم تحجى بالمكان اذا قام به.
(الفرق) بين العقل و الذهن
أن الذهن هو نقيض سوء الفهم و هو عبارة عن وجود الحفظ لما يتعلمه «2» الانسان و لا يوصف الله به لأنه لا يوصف بالتعلم.
(الفرق) بين العلم و الفطنة
أن الفطنة هي التنبه على المعنى، و ضدها الغفلة و رجل مغفل لا فطنة له و هي الفطنة و الفطانة، و الطبانة مثلها و رجل طبن فطن، و يجوز أن يقال ان الفطنة ابتداء المعرفة من وجه غامض فكل فطنة علم و ليس كل علم فطنة، و لما كانت الفطنة علما بالشيء من وجه غامض لم يجز أن يقال الانسان فطن بوجود نفسه و بأن السماء فوقه.
(الفرق) بين الفطنة و الذكاء
أن الذكاء تمام الفطنة من قولك ذكت النار اذا تم اشتعالها، و سميت الشمس ذكاء لتمام نورها، و التذكية تمام الذبح ففي الذكاء معنى زائد على الفطنة.
(الفرق) بين الفطنة و الحذق و الكيس،
أن الكيس هو سرعة الحركة في الأمور و الأخذ فيما يعني منها دون ما لا يعني يقال غلام كيس اذا كان يسرع الأخذ فيما يؤمر به و يترك الفضول و ليس هو من قبيل
__________________________________________________
(1) في النسخ «النهي»، و التصحيح من القاموس.
(2) في نسخة «يستعمله».
77
الفروق في اللغة
الفرق بين الفطنة و الحذق و الكيس ص 77
العلوم، و الحذق أصله حدة القطع يقال حذقه اذا قطعه، و قولهم حذق الصبي القرآن معناه أنه بلغ آخره و قطع تعلمه و تناهى في حفظه و كل حاذق بصناعة فهو الذي تناهى فيها و قطع تعلمها فلما كان الله تعالى لا توصف معلوماته بالانقطاع لم يجز أن يوصف بالحذق.
و مما يجري مع هذا
(الفرق) بين الألمعي و اللوذعي
أن اللوذعي هو الخفيف الظريف مأخوذ من لذع النار و هو سرعة أخذها في الشيء، و الألمعي هو الفطن الذكي الذي يتبين عواقب الأمور بأدنى لمحة تلوح له.
(الفرق) بين الفطنة و النفاذ
أن النفاذ أصله في الذهاب يقال نفذ السهم اذا ذهب في الرمية، و يسمى الانسان نافذا اذا كان فكره يبلغ حيث لا يبلغ فكر البليد ففي النفاذ معنى زائد على الفطنة، و لا يكاد الرجل يسمى نافذا الا اذا كثرت فطنته للأشياء و يكون خراجا و لاجا في الأمور، و ليس هو من الكيس أيضا في شيء لأن الكيس هو سرعة الحركة فيما يعني دون ما لا يعني، و يوصف به الناقص الآلة مثل الصبي و لا يوصف بالنفاذ الا الكامل الراجح و هذا معروف.
(و الفرق) بين ذلك و بين الجلادة
أن أصل الجلادة صلابة البدن و لهذا سمي الجلد جلدا لأنه أصلب من اللحم و قيل الجليد لصلابته و قيل للرجل الصلب على الحوادث جلد و جليد من ذلك، و قد جالد قرنه و هما يجالدان اذا اشتد أحدهما على صاحبه، و يقال للأرض الصلبة الجلد بتحريك اللام.
و مما يجري مع ذلك و ليس منه
(الفرق) بين القريحة و الطبيعة
أن الطبيعة ما طبع عليه الانسان أي خلق، و القريحة فيما قال المبرد ما خرج من الطبيعة من غير تكلف و منه فلان جيد القريحة و يقال للرجل اقترح ما شئت أي أطلب ما في نفسك، و أصل الكلمة الخلوص و منه ماء قراح اذا لم يخالطه شيء، و يقال
78
الفروق في اللغة
الفرق بين القريحة و الطبيعة ص 78
للأرض التي لا تنبت شيئا قرواح اذا لم يخالطها شيء من ذلك، و النخلة اذا تجردت و خلصت جلدتها قرواح و ذلك اذا نمت و تجاوزت و أتى عليها الدهر. و الفرس القارح يرجع الى هذا لأنه قد تم سنه، قال و أما القرح و القرحة فليس من ذلك و انما القرح ثلم في الجلد و القرحة مشبهة بذلك.
(الفرق) بين علام و علامة
أن الصفة بعلام صفة مبالغة و كذلك كل ما كان على فعال، و علامة و ان كان للمبالغة فان معناه و معنى دخول الهاء فيه أنه يقوم مقام جماعة علماء فدخلت الهاء فيه لتأنيث الجماعة التي هي في معناه، و لهذا يقال الله علام و لا يقال له علامة كما يقال انه يقوم مقام جماعة علماء فأما قول من قال ان الهاء دخلت في ذلك على معنى الداهية فان ابن درستويه رده و احتج فيه بأن الداهية لم توضع للمدح خاصة ولكن يقال في الذم و المدح و في المكروه و المحبوب قال و في القرآن (وَ السَّاعَةُ أَدْهى وَ أَمَرُّ) و قال الشاعر:
لكل أخي عيش و إن طال عمره دويهية تصفر منها الأنامل
يعني الموت، و لو كانت الداهية صفة مدح خاصة لكان ما قاله مستقيما، و كذلك قوله لحانة شبهوه بالبهيمة غلط لأن البهيمة لا تلحن و إنما يلحن من يتكلم، و الداهية اسم من أسماء الفاعلين الجارية على الفعل يقال دهى يدهي فهو داه و للأنثى داهية ثم يلحقها التأنيث على ما يراد به للمبالغة فيستوي فيه الذكر و الأنثى مثل الرواية و يجوز أن يقال ان الرجل سمي داهية كأنه يقوم مقام جماعة دهاة، و راوية كأنه يقوم مقام جماعة رواة على ما ذكر قبل و هو قول المبرد.
(الفرق) بين الفهم و العلم
أن الفهم هو العلم بمعاني الكلام عند سماعه خاصة و لهذا يقال فلان سيء الفهم اذا كان بطيء العلم بمعنى ما يسمع و لذلك كان الأعجمي لا يفهم كلام العربي، و لا يجوز أن يوصف الله بالفهم لأنه عالم بكل شيء على ما هو به فيما لم يزل، و قال بعضهم لا يستعمل الفهم الا في الكلام ألا ترى أنك تقول فهمت كلامه و لا تقول
79
الفروق في اللغة
الفرق بين الفهم و العلم ص 79
فهمت ذهابه و مجيئه كما تقول علمت ذلك. و قال أبو أحمد بن أبي سلمة رحمه الله الفهم يكون في الكلام و غيره من البيان كالاشارة ألا ترى أنك تقول فهمت ما قلت و فهمت ما أشرت به الي. قال الشيخ أبو هلال رحمه الله الأصل هو الذي تقدم و انما استعمل الفهم في الاشارة لأن الاشارة تجري مجرى الكلام في الدلالة على المعنى.
(الفرق) بين العلم و الفقه
أن الفقه هو العلم بمقتضى الكلام على تأمله و لهذا لا يقال ان الله يفقه لأنه لا يوصف بالتأمل، و تقول لمن تخاطبه تفقه ما أقوله أي تأمله لتعرفه، و لا يستعمل الا على معنى الكلام قال و منه قوله تعالى (لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا) و أما قوله تعالى (وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) فانه لما أتى بلفظ التسبيح الذي هو قول ذكر الفقه كما قال (سَنَفْرُغُ لَكُمْ) عقب قوله (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) قال الشيخ أبو هلال رحمه الله و سمي علم الشرع فقها لأنه مبني عن معرفة كلام الله تعالى و كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم.
(الفرق) بين العالم و العليم
أن قولنا عالم دال على معلوم لأنه من علمت و هو متعد، و ليس قولنا عليم جاريا على علمية فهو لا يتعدى و إنما يفيد أنه ان صح معلوم علمه، كما أن صفة سميع تفيد انه ان صح «1» مسموع سمعه، و السامع يقتضي مسموعا، و إنما يسمى الانسان و غيره سميعا اذا لم يكن أصم و بصيرا اذا لم يكن أعمى و لا يقتضي ذلك مبصرا و مسموعا ألا ترى أنه يسمى بصيرا و ان كان مغمضا، و سميعا و ان لم يكن بحضرته صوت يسمعه فالسميع و السامع صفتان.
و كذلك المبصر و البصير و العليم و العالم و القدير و القادر لأن كل واحد منهما يفيد ما لا يفيده الآخر فان جاء السميع و العليم و ما يجري مجراهما متعديا في بعض الشعر فان ذلك قد جعل بمعنى السامع و العالم،
__________________________________________________
(1) في نسخة «أنه يصح مسموع» و هو تحريف.
80
الفروق في اللغة
الفرق بين العالم و العليم ص 80
و قد جاء السميع أيضا بمعنى مسمع «1» في قوله:
أ من ريحانة الداعي السميع يؤرقني و أصحابي هجوع
(الفرق) بين الصفة بسامع و الصفة بعالم
أنه يصح عالم بالمسموع بعد نقضه و لا يصح سامع له بعد نقضه.
و مما يجري مع ذلك و ليس من الباب
(الفرق) بين السمع و الإصغاء
أن السمع هو ادراك المسموع و السمع أيضا اسم الآلة التي يسمع بها، و الاصغاء هو طلب ادراك المسموع بامالة السمع اليه يقال صغا يصغو اذا مال و أصغى غيره و في القرآن (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) أي مالت، و صغوك مع فلان أي ميلك.
(الفرق) بين السمع و الاستماع،
أن الاستماع هو استفادة «2» المسموع بالاصغاء اليه ليفهم و لهذا لا يقال ان الله يستمع و أما السماع فيكون اسما للمسموع يقال لما سمعته من الحديث هو سماعي و يقال للغناء سماع، و يكون بمعنى السمع تقول سمعت سماعا كما تقول سمعت سمعا، و التسمع «3» طلب السمع مثل التعلم طلب العلم.
(الفرق) بين العلم و الإدراك
أن الادراك موقوف على أشياء مخصوصة، و ليس العلم كذلك، و الادراك يتناول الشيء على أخص أوصافه و على الجملة، و العلم يقع بالمعدوم و لا يدرك الا الموجود، و الادراك طريق من طرق العلم، و لهذا لم يجز أن يقوى العلم بغير المدرك قوته بالمدرك ألا ترى أن الانسان لا ينسى ما يراه في الحال كما ينسى ما رآه قبل.
(الفرق) بين قولنا يدرك و بين قولنا يحس
أن الصفة بحس مضمنة بالحاسة و الصفة تدرك مطلقة، و الحاسة اسم لما يقع به ادراك شيء مخصوص و لذلك قلنا الحواس أربع: السمع و البصر و الذوق و الشم،
__________________________________________________
(1) في نسخة «مسموع».
(2) في السكندرية «استبعاث».
(3) في النسخ «و السمع».
81
الفروق في اللغة
الفرق بين قولنا يدرك و بين قولنا يحس ص 81
و ادراك الحرارة و البرودة لا تختص بآلة و الله تعالى لم يزل مدركا بمعنى أنه لم يزل عالما و هو مدرك للطعم و الرائحة لأنه مبين لذلك من وجه يصح أن يتبين منه لنفسه. و لا يصح أن يقال انه يشم و يذوق لان الشم ملابسة المشموم للأنف، و الذوق ملابسة المذوق للفم، و دليل ذلك قولك شممته فلم أجد له رائحة و ذقته فلم أجد له طعما، و لا يقال ان الله يحس بمعنى أنه يرى و يسمع اذ قولنا يحس يقتضي حاسة.
(الفرق) بين الإدراك و الإحساس
على ما قال أبو أحمد أنه يجوز أن يدرك الانسان الشيء و ان لم يحس به كالشيء يدركه ببصره و يغفل عنه فلا يعرفه فيقال انه لم يحس به، و يقال انه ليس يحس اذا كان بليدا لا يفطن، و قال أهل اللغة كل ما شعرت به فقد أحسسته و معناه أدركته بحسك و في القرآن (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا) و فيه (فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ) أي تعرفوا باحساسكم.
و قال بعضهم:
(الفرق) بين العلم و الحس
أن الحس هو أول العلم و منه قوله تعالى (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ) أي علمه في أول و هلة، و لهذا لا يجوز أن يقال ان الانسان يحس بوجود نفسه، قلنا و تسمية العلم حسا و احساسا مجاز و يسمى بذلك لأنه يقع مع الاحساس و الاحساس من قبيل الادراك، و الآلات التي يدرك بها حواس كالعين و الأذن و الأنف و الفم، و القلب ليس من الحواس لان العلم الذي يختص به ليس بادراك و اذا لم يكن العلم ادراكا لم يكن محله حاسة، و سميت الحاسة حاسة على النسب لا على الفعل لانه لا يقال منه حسست و انما يقال أحسستهم اذا أبدتهم «1» قتلا مستأصلا، و حقيقته أنك تأتي على احساسهم فلا تبقي لهم حسا.
(الفرق) بين الإدراك و الوجدان
أن الوجدان في أصل اللغة لما ضاع أو لما يجري مجرى الضائع في أن لا يعرف موضعه، و هو على
__________________________________________________
(1) الكلمة في النسخ غير ظاهرة، و التصحيح من لسان العرب.
82
الفروق في اللغة
الفرق بين الإدراك و الوجدان ص 82
خلاف النشدان فأخرج على مثاله يقال نشدت الضالة اذا طلبتها نشدانا فاذا وجدتها قلت وجدتها وجدانا فلما صار مصدره موافقا لبناء النشدان استدل على أن وجدت ههنا انما هو للضالة، و الادراك قد يكون لما يسبقك ألا ترى أنك تقول وجدت الضالة و لا تقول أدركت الضالة و انما يقال أدركت الرجل اذا سبقك ثم اتبعته فلحقته، و أصل الادراك في اللغة بلوغ الشيء و تمامه و منه ادراك الثمرة و ادراك الغلام و ادراكك من تطلب يرجع الى هذا لانه مبلغ مرادك و منه قوله تعالى (قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) و الدرك الحبل يقرن بحبل آخر ليبلغ ما يحتاج الى بلوغه، و الدرك المنزلة لأنها مبلغ من تجعل له، ثم توسع في الادراك و الوجدان فأجريا مجرى واحدا فقيل أدركته ببصري و وجدته ببصري و وجدت حجمه «1» بيدي و أدركت حجمه بيدي و وجدته بسمعي و أدركته بسمعي و أدركت طعمه بفمي و وجدت طعمه بفمي و أدركت ريحه بأنفي و وجدت ريحه بأنفي، و حد المتكلمون الادراك فقالوا هو ما يتجلى به المدرك تجلي الظهور، ثم قيل يجد بمعنى يعلم و مصدره الوجود و ذلك معروف في العربية و منه قول الشاعر:
وجدت اللّه أكبر كل شيء محاولة «2» و أكثرهم جنودا
أي علمته كذلك الا أنه لا يقال للمعدوم موجود بمعنى أنه معلوم و ذلك أنك لا تسمى واجدا لما غاب عنك فان علمته في الجملة فذلك في المعدوم أبعد و قال الله تعالى (يَجِدِ «3» اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً) أي يعلمه كذلك و قيل يجدونه حاضرا فالوجود هو العلم بالموجود، و سمي العالم بوجود الشيء واجدا له لا غير و هذا مما جرى على الشيء اسم ما قاربه و كان من سببه، و من ههنا يفرق بين الوجود و العلم.
__________________________________________________
(1) في نسخة «ختمه».
(2) في السكندرية «مجادلة».
(3) في النسخ «تجد».
83
الفروق في اللغة
الفرق بين العلم و البصيرة ص 84
(الفرق) بين العلم و البصيرة
أن البصيرة هي تكامل العلم و المعرفة بالشيء و لهذا لا يجوز أن يسمى الباري تعالى بصيرة اذ لا يتكامل علم أحد بعظمته و سلطانه.
(الفرق) بين العلم و الدراية
أن الدراية فيما قال أبو بكر الزبيري «1» بمعنى الفهم قال و هو لنفي السهو عما يرد على الانسان فيدريه أي يفهمه، و حكى عن بعض أهل العربية أنها مأخوذة من دريت اذا اختلت و أنشد:
* يصيب فما يدري و يخطي فما درى
* أي ما اختل فيه يفوته و ما طلبه من الصيد بغير ختل يناله فان كانت مأخوذة من ذاك فهو يجري مجرى ما يفطن الانسان له من المعرفة التي تنال غيره فصار ذلك كالختل منه للاشياء، و هذا لا يجوز على الله سبحانه و تعالى، و جعل أبو علي رحمه الله الدراية مثل العلم و أجازها على الله و احتج بقول الشاعر*
لا هم لا أدري و أنت الداري
* و هذا صحيح لان الانسان اذا سئل عما لا يدري فقال لا أدري فقد أفاد هذا القول منه معنى قوله لا أعلم لانه لا يستقيم أن يسأل عما لا يعلم فيقول لا أفهم لان معنى قوله لا أفهم أي لا أفهم سؤالك و قوله لا أدري انما هو لا أعلم ما جواب مسألتك، و على هذا يكون العلم و الدراية سواءا لان الدراية علم يشتمل على المعلوم من جميع وجوهه و ذلك أن الفعالة للاشتمال مثل العصابة و العمامة و القلادة، و لذلك جاء أكثر أسماء الصناعات على فعالة نحو القصارة و الخياطة و مثل ذلك العبارة لاشتمالها على ما فيها فالدراية تفيد ما لا يفيده العلم من هذا الوجه و الفعالة أيضا تكون للاستيلاء مثل الخلافة و الامارة فيجوز أن تكون بمعنى الاستيلاء فتفارق العلم من هذه الجهة.
__________________________________________________
(1) لعله «الزهري».
84
الفروق في اللغة
الفرق بين العلم و الاعتقاد ص 85
(الفرق) بين العلم و الاعتقاد
أن الاعتقاد هو اسم لجنس الفعل على أي وجه وقع اعتقاده و الاصل فيه أنه مشبه «1» بعقد الحبل و الخيط فالعالم بالشيء على ما هو به كالعاقد المحكم لما عقده و مثل ذلك تسميتهم العلم بالشيء حفظا له و لا يوجب ذلك أن يكون كل عالم معتقدا لان اسم الاعتقاد أجري على العلم مجازا و حقيقة العالم هو من يصح منه فعل ما علمه متيقنا «2» اذا كان قادرا عليه.
(الفرق) بين العلم و الحفظ
أن الحفظ هو العلم بالمسموعات دون غيره من المعلومات ألا ترى أن أحدا لا يقول حفظت أن زيدا في البيت و انما استعمل ذلك في الكلام و لا يقال للعلم بالمشاهدات حفظ، و يجوز أن يقال ان الحفظ هو العلم بالشيء حالا بعد حال من غير أن يخلله جهل أو نسيان، و لهذا سمي حفاظ القرآن حفاظا و لا يوصف الله بالحفظ لذلك.
(الفرق) بين العلم و الذكر
أن الذكر و ان كان ضربا من العلم «3» فانه لا يسمى ذكرا الا اذا وقع بعد النسيان، و أكثر ما يكون في العلوم الضرورية و لا يوصف الله به لانه لا يوصف بالنسيان، و قال علي بن عيسى الذكر يضاد السهو، و العلم يضاد الجهل، و قد يجمع الذكر للشيء و الجهل به من وجه واحد.
و أما
(الفرق) بين الذكر و الخاطر
فان الخاطر مرور المعنى على القلب، و الذكر حضور المعنى في النفس.
(الفرق) بين التذكير و التنبيه
أن قولك ذكر الشيء يقتضي أنه كان عالما به ثم نسيه فرده الى ذكره ببعض الاسباب و ذلك أن الذكر هو العلم الحادث بعد النسيان على ما ذكرنا، و يجوز أن ينبه الرجل على الشيء
__________________________________________________
(1) في نسخة «مبدوء» و هو تحريف.
(2) في السكندرية «متسقا».
(3) فى السكندرية «العلوم».
85
الفروق في اللغة
الفرق بين التذكير و التنبيه ص 85
لم يعرفه قط «1» ألا ترى أن الله ينبه على معرفته بالزلازل و الصواعق و فهم من لم يعرفه البتة فيكون ذلك تنبيها له كما يكون تنبيها لغيره، و لا يجوز أن يذكره ما لم يعلمه قط.
(الفرق) بين العلم و الخبر
أن الخبر هو العلم بكنه المعلومات على حقائقها ففيه معنى زائد على العلم، قال أبو أحمد بن أبي سلمة رحمه الله: لا يقال منه خابر لأنه من باب فعلت مثل طرقت و كرمت و هذا غلط لأن فعلت لا يتعدى و هذه الكلمة تتعدى به و انما هو من قولك خبرت الشيء اذا عرفت حقيقة خبره و أنا خابر و خبير من قولك خبرت الشيء اذا عرفت حقيقة خبره و أنا خابر و خبير من قولك خبرت الشيء اذا عرفته مبالغة مثل عليم و قدير ثم كثر حتى استعمل في معرفة كنهه و حقيقته قال كعب الاشقري «2»:
و ما جاءنا من نحو أرضك خابر و لا جاهل إلا يذمك يا عمرو
(الفرق) بين قولنا يحسن و بين قولنا يعلم
أن قولنا فلان يحسن كذا بمعنى يعلمه مجازا، و أصله فيما يأتي الفعل الحسن ألا ترى أنه لا يجيء له مصدر اذا كان بمعنى العلم البتة فقولنا فلان يحسن الكتابة معناه أنه يأتي بها حسنة من غير توقف و احتباس، ثم كثر ذلك حتى صار كأنه العلم و ليس به.
(الفرق) بين العلم و الرؤية
أن الرؤية لا تكون الا لموجود، و العلم يتناول الموجود و المعدوم، و كل رؤية لم يعرض معها آفة فالمرئي بها معلوم ضرورة، و كل رؤية فهي لمحدود أو قائم في محدود كما أن كل احساس من طريق اللمس فانه يقتضي أن يكون لمحدود أو قائم في محدود. و الرؤية في اللغة على ثلاثة أوجه أحدها العلم و هو قوله تعالى (وَ نَراهُ قَرِيباً) أي نعلمه يوم القيامة و ذلك أن كل آت قريب، و الآخر
__________________________________________________
(1) في السكندرية نقص أسطر من هذا الفرق.
(2) في النسخ «الاسقري» بالمهملة، و التصويب من معجم الشعراء للمرزباني و من غيره.
86
الفروق في اللغة
الفرق بين العلم و الرؤية ص 86
بمعنى الظن و هو قوله تعالى (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً) أي يظنونه، و لا يكون ذلك بمعنى العلم لأنه لا يجوز أن يكونوا عالمين بأنها بعيدة و هي قريبة في علم الله، و استعمال الرؤية في هذين الوجهين مجاز، و الثالث رؤية العين و هي حقيقة.
(الفرق) بين العالم بالشيء و المحيط به
أن أصل المحيط المطيف بالشيء من حوله بما هو كالسور الدائر عليه يمنع أن يخرج عنه ما هو منه و يدخل فيه ما ليس فيه، و يكون من قبيل العلم و قبيل القدرة مجازا فقوله تعالى (وَ كانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً) يصلح أن يكون معناه أن كل شيء في مقدوره فهو بمنزلة ما قبض القابض عليه في امكان تصريفه، و يصلح أن يكون معناه أنه يعلم بالاشياء من جميع وجوهها و قال (قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) أي علمه من جميع وجوهه و قوله (وَ أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ) يجوز في العلم و القدرة و قال (قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها) أي قد أحاط بها لكم بتمليككم اياه و قال (وَ اللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) أي لا يفوتونه، و هو تخويف شديد بالغلبة فالمعلوم الذي علم من كل وجه بمنزلة ما قد أحيط به بضرب سور حوله و كذلك المقدور عليه من كل وجه فإذا أطلق اللفظ فالأولى أن يكون من جهة المقدور كقوله تعالى (وَ اللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) و قوله (وَ كانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً) و يجوز أن يكون من الجهتين فاذا قيد بالعلم فهو من جهة المعلوم لا غير، و يقال للعالم بالشيء عالم و ان عرف من جهة واحدة «1» فالفرق بينهما بين، و قد احتطت في الأمر اذا أحكمته كأنك منعت الخلل أن يدخله، و اذا أحيط بالشيء علما فقد علم من كل وجه يصح أن يعلم منه، و اذا لم يعلم الشيء مشاهدة لم يكن علمه إحاطة.
(الفرق) بين قولنا الله أعلم بذاته و لذاته
أن قولنا هو عالم بذاته
__________________________________________________
(1) في السكندرية «من وجه واحد».
87
الفروق في اللغة
الفرق بين قولنا الله أعلم بذاته و لذاته ص 87
يحتمل أن يراد أنه يعلم ذاته كما اذا قلنا انه عالم بذاته لما فيه من الاشكال و نقول هو عالم لذاته لأنه لا اشكال فيه و يقال هو إله بذاته و لا يقال هو إله لذاته احترازا من الاشكال لأنه يحتمل أن يكون قولنا اله لذاته أنه إله ذاته كما يقال انه اله لخلقه أي اله خلقه، و يجوز أن يقال قادر لذاته و بذاته لأن ذلك لا يشكل لكون القادر لا يتعدى بالباء و اللام و انما يتعدى بعلى.
(الفرق) بين العلم و التبيين
أن العلم هو اعتقاد الشيء على ما هو به على سبيل الثقة كان ذلك بعد لبس أو لا، و التبيين علم يقع بالشيء بعد لبس فقط و لهذا لا يقال تبينت أن السماء فوقي كما تقول علمتها فوقي و لا يقال لله متبين لذلك.
(الفرق) بين المعروف و المشهور
أن المشهور هو المعروف عند الجماعة الكبيرة، و المعروف معروف و ان عرفه واحد يقال هذا معروف عند زيد و لا يقال مشهور عند زيد ولكن مشهور عند القوم.
(الفرق) بين العلم و الشهادة
أن الشهادة أخص من العلم و ذلك أنها علم بوجود الأشياء لا من قبل غيرها، و الشاهد نقيض الغائب في المعنى و لهذا سمي ما يدرك بالحواس و يعلم ضرورة شاهدا و سمي ما يعلم بشيء غيره و هو الدلالة غائبا كالحياة و القدرة، و سمي القديم شاهدا لكل نجوى لأنه يعلم جميع الموجودات بذاته فالشهادة علم يتناول الموجود، و العلم يتناول الموجود و المعدوم.
(الفرق) بين الشاهد و المشاهد
أن المشاهد للشيء هو المدرك له رؤية، و قال بعضهم رؤية و سمعا و هو في الرؤية أشهر و لا يقال ان الله لم يزل مشاهدا لأن ذلك يقتضي ادراكا بحاسة و الشاهد لا يقتضي ذلك.
(الفرق) بين الشاهد و الحاضر
أن الشاهد للشيء يقتضي أنه عالم به و لهذا قيل الشهادة على الحقوق لأنها لا تصح الا مع العلم بها و ذلك أن أصل الشهادة الرؤية و قد شاهدت الشيء رأيته، و الشهد العسل على
88
الفروق في اللغة
الفرق بين الشاهد و الحاضر ص 88
ما شوهد في موضعه، و قال بعضهم الشهادة في الأصل إدراك الشيء من جهة سمع أو رؤية فالشهادة تقتضي العلم بالمشهود على ما بينا، و الحضور لا يقتضي العلم بالمحضور ألا ترى أنه يقال حضره الموت و لا يقال شهده الموت اذ لا يصح وصف الموت بالعلم، و أما الاحضار فانه يدل على سخط و غضب، و الشاهد قوله تعالى (ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ).
(الفرق) بين العالم و الحكيم
أن الحكيم على ثلاثة أوجه أحدها بمعنى المحكم مثل البديع بمعنى المبدع و السميع بمعنى المسمع، و الآخر بمعنى محكم و في القرآن (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) أي محكم، و إذا وصف الله تعالى بالحكمة من هذا الوجه كان ذلك من صفات فعله، و الثالث الحكيم بمعنى العالم بأحكام الأمور فالصفة به أخص من الصفة بعالم، و اذا وصف الله به على هذا الوجه فهو من صفات ذاته.
(الفرق) بين الإعلام و الإخبار
أن الاعلام التعريض لأن يعلم الشيء و قد يكون ذلك بوضع العلم في القلب لان الله تعالى قد علمنا ما اضطررنا اليه، و يكون الاعلام بنصب الدلالة و الاخبار و الاظهار للخبر علم به أو لم يعلم، و لا يكون الله مخبرا بما يحدثه من العلم في القلب.
الفرق بين ما يخالف العلم و يضاده
(الفرق) بين العلم و التقليد
أن العلم هو اعتقاد الشيء على ما هو به على سبيل الثقة، و التقليد قبول الأمر ممن لا يؤمن عليه الغلط بلا حجة فهو و ان وقع معتقده على ما هو به فليس بعلم لأنه لائقة معه، و اشتقاقه من قول العرب قلدته الأمانة أي ألزمته اياها فلزمته لزوم القلادة للعنق، ثم قالوا طوقته الأمانة لان الطوق مثل القلادة، و يقولون هذا الامر لازم لك و تقليد عنقك و منه قوله تعالى (وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) أي ما طار له من الخير و الشر. و المراد به عمله يقال طار لي منك كذا أي صار حظي منك، و يقال قلدت فلانا ديني و مذهبي أي
89
الفروق في اللغة
الفرق بين العلم و التقليد ص 89
قلدته إثما ان كان فيه و ألزمته اياه الزام القلادة عنقه، و لو كان التقليد حقا لم يكن بين الحق و الباطل فرق.
(الفرق) بين التقليد و التنحيت،
أن التنحيت هو الاعتقاد الذي يعتد به الانسان من غير أن يرجحه على خلافه أو يخطر بباله أنه بخلاف ما اعتقده، و هو مفارق للتقليد لأن التقليد ما يقلد فيه الغير و التنحيت لا يقلد فيه أحد.
(الفرق) بين النسيان و السهو
أن النسيان انما يكون عما كان، و السهو يكون عما لم يكن تقول نسيت ما عرفته و لا يقال سهوت عما عرفته و انما تقول سهوت عن السجود في الصلاة فتجعل السهو بدلا عن السجود الذي لم يكن و السهو و المسهو عنه يتعاقبان، و فرق آخر أن الانسان «1» انما ينسى ما كان ذاكرا له، و السهو يكون عن ذكر و عن غير ذكر لأنه خفاء المعنى بما يمتنع به ادراكه، و فرق آخر و هو أن الشيء الواحد محال أن يسهى عنه في وقت و لا يسهى عنه في وقت آخر و انما يسهى في وقت آخر عن مثله و يجوز أن ينسى الشيء الواحد في وقت و يذكره في وقت آخر.
(الفرق) بين السهو و الغفلة
أن الغفلة تكون عما يكون، و السهو يكون عما لا يكون تقول غفلت عن هذا الشيء حتى كان و لا تقول سهوت عنه حتى كان لأنك اذا سهوت عنه لم يكن و يجوز أن تغفل عنه و يكون، و فرق آخر أن الغفلة تكون عن فعل الغير تقول كنت غافلا عما كان من فلان و لا يجوز أن يسهى عن فعل الغير.
(الفرق) بين السهو و الإغماء
أن الاغماء سهو يكون من مرض فقط و النوم سهو يحدث مع فتور جسم الموصوف به.
(الفرق) بين الظن و التصور
أن الظن ضرب من أفعال القلوب
__________________________________________________
(1) في التيمورية «الناس» و هو تحريف.
90
الفروق في اللغة
الفروق فى اللغة
يحدث عند بعض الامارات و هو رجحان أحد طرفي التجوز، و اذا حدث عند امارات غلبت و زادت بعض الزيادة فظن صاحبه بعض ما تقتضيه تلك الامارات سمي ذلك غلبة الظن، و يستعمل الظن فيما يدرك و فيما لا يدرك و التصور يستعمل في المدرك دون غيره كأن المدرك اذا أدركه المدرك تصور نفسه، و الشاهد أن الأعراض التي لا تدرك لا تتصور نحو العلم و القدرة، و التمثل مثل التصور الا أن التصور أبلغ لأن قولك تصورت الشيء معناه أني بمنزلة من أبصر صورته، و قولك تمثلته معناه أني بمنزلة من أبصر مثاله، و رؤيتك لصورة الشيء أبلغ في عرفان ذاته من رؤيتك لمثاله.
(الفرق) بين التصور و التوهم
أن تصور الشيء يكون مع العلم به، و توهمه لا يكون مع العلم به لأن التوهم من قبيل التجويز، و التجويز ينافي العلم، و قال بعضهم التوهم يجري مجرى الظنون يتناول المدرك و غير المدرك و ذلك مثل أن يخبرك من لا تعرف صدقه عما لا يخيل العقل فيتخيل كونه فاذا عرفت صدقه وقع العلم بمخبره و زال التوهم، و قال آخر التوهم هو تجويز ما لا يمتنع من الجائز و الواجب و لا يجوز أن يتوهم الانسان ما يمتنع كونه ألا ترى أنه لا يجوز أن يتوهم الشيء متحركا ساكنا في حال واحدة.
(الفرق) بين الظن و الشك
أن الشك استواء طرفي التجويز، و الظن رجحان أحد طرفي التجويز و الشاك يجوز كون ما شك فيه على احدى الصفتين لأنه لا دليل هناك و لا أمارة، و لذلك كان الشاك لا يحتاج في طلب الشك الى الظن، و العلم و غالب الظن يطلبان بالنظر، و أصل الشك في العربية من قولك شككت الشيء اذا جمعته بشيء تدخله فيه، و الشك هو اجتماع شيئين في الضمير، و يجوز أن يقال الظن قوة المعنى في النفس من غير بلوغ حال الثقة الثابتة، و ليس كذلك الشك الذي هو وقوف بين النقيضين من غير تقوية أحدهما على الآخر.
91
الفروق في اللغة
الفرق بين الظن و الحسبان ص 92
(الفرق) بين الظن و الحسبان
أن بعضهم قال: الظن ضرب من الاعتقاد، و قد يكون حسبان ليس باعتقاد ألا ترى أنك تقول أحسب أن زيدا قد مات و لا يجوز أن تعتقد أنه مات مع علمك بأنه حي. قال أبو هلال رحمه الله تعالى أصل الحسبان من الحساب تقول أحسبه بالظن قد مات كما تقول أعده قد مات، ثم كثر حتى سمي الظن حسبانا على جهة التوسع و صار كالحقيقة بعد كثرة الاستعمال «1» و فرق بين الفعل منهما فيقال في الظن حسب و في الحساب حسب و لذلك فرق بين المصدرين فقيل حسب و حسبان، و الصحيح في الظن ما ذكرناه.
(الفرق) بين الشك و الارتياب
أن الارتياب شك مع تهمة «2» و الشاهد أنك تقول إني شاك اليوم في المطر و لا يجوز أن تقول اني مرتاب بفلان اذا شككت في أمره و اتهمته.
(الفرق) بين الريبة و التهمة،
أن الريبة هي الخصلة من المكروه تظن بالانسان فيشك معها في صلاحه، و التهمة الخصلة من المكروه تظن بالانسان أو تقال فيه، ألا ترى أنه يقال وقعت على فلان تهمة اذا ذكر بخصلة مكروهة و يقال أيضا اتهمته في نفسي اذا ظننت به ذلك من غير أن تسمعه فيه فالمتهم هو المقول فيه التهمة و المظنون به ذلك، و المريب المظنون به ذلك فقط، و كل مريب متهم و يجوز أن يكون متهم ليس بمريب.
(الفرق) بين الشك و الامتراء
أن الامتراء هو استخراج الشبه المشكلة، ثم كثر حتى سمي الشك مرية و امتراءا و أصله المري و هو استخراج اللبن من الضرع مرى الناقة يمريها مريا، و منه ماراه مماراة و مراءا اذا استخرج ما عنده بالمناظرة، و امترى امتراءا اذا استخرج الشبه المشكلة من غير حل لها.
__________________________________________________
(1) في التيمورية «و صار كالحقيقة بعد لكثرة الاستعمال».
(2) في التيمورية «شك معه تهمة».
92
الفروق في اللغة
الفرق بين العلم و الظن ص 93
(الفرق) بين العلم و الظن
أن الظان يجوز أن يكون المظنون على خلاف ما هو ظنه و لا يحققه و العلم يحقق المعلوم و قيل جاء الظن في القرآن بمعنى الشك في قوله تعالى (إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)* و الصحيح أنه على ظاهره.
(الفرق) بين الظن و الجهل
أن الجاهل يتصور نفسه بصورة العالم و لا يجوز خلاف ما يعتقده و ان كان قد يضطرب حاله فيه لأنه غير ساكن النفس اليه، و ليس كذلك الظان.
(الفرق) بين التصور و التخيل
أن التصور تخيل لا يثبت على حال و إذا ثبت على حال لم يكن تخيلا فاذا تصور الشيء في الوقت الأول و لم يتصور في الوقت الثاني قيل انه تخيل، و قيل التخيل تصور الشيء على بعض أوصافه دون بعض فلهذا لا يتحقق، و التخيل و التوهم ينافيان العلم كما أن الظن و الشك ينافيانه.
(الفرق) بين التقليد و الظن
أن المقلد و إن كان محسنا للظن بالمقلد لما عرفه من أحواله فهو سيظن أن الأمر على خلاف ما قلده فيه، و من اعتقد فيمن قلده أنه لا يجوز أن يخطئ فذاك لا يجوز كون ما قلده فيه على خلافه فلذلك لا يكون ظانا، و كذلك المقلد الذي تقوى عنده حال ما قلده فيه يفارق الظان لأنه كالسابق الى اعتقاد الشيء على صفة لا ترجيح لكونه عليها عنده على كونه على غيرها، و الظن يكون له حكم اذا كان عن امارة صحيحة و لم يكن الظان قادرا على العلم فأما اذا كان قادرا عليه فليس له حكم، و لذلك لا يعمل بخبر الواحد اذا كان بخلاف القياس و عند وجود النص.
(الفرق) بين الجهل و الحمق
أن الحمق هو الجهل بالأمور الجارية في العادة، و لهذا قالت العرب أحمق من دغة، و هي امرأة ولدت فظنت أنها أحدثت فحمقتها العرب بجهلها بما جرت به العادة من الولادة،
93
الفروق في اللغة
الفرق بين الجهل و الحمق ص 93
و كذلك قولهم أحمق من الممهورة «1» إحدى خدمتيها و هي امرأة راودها رجل عن نفسها فقالت لا تنكحني بغير مهر فقال لها مهرتك إحدى خدمتيك أي خلخاليك فرضيت فحمقها العرب بجهلها بما جرت به العادة في المهور، و الجهل يكون بذلك و بغيره و لا يسمى الجهل بالله حمقا.
و أصل الحمق الضعف و من ثم قيل البقلة الحمقاء لضعفها، و أحمق الرجل اذا ضعف فقيل للأحمق أحمق لضعف عقله.
(الفرق) بين الحماقة و الرقاعة
أن الرقاعة على ما قال الجاحظ حمق مع رفعة و علو رتبة و لا يقال للأحمق اذا كان وضيعا رقيعا و انما يقال ذلك للأحمق اذا كان سيدا أو رئيسا أو ذا مال و جاه.
(الفرق) بين الأحمق و المائق
أن المائق هو السريع البكاء القليل الحزم و الثبات، و الماقة البكاء و في المثل: أنا يئق و صاحبي مئق فكيف تنفق، و قال بعضهم المائق السيء الخلق، و حكى ابن الانباري أن قولهم أحمق مائق بمنزلة عطشان نطشان و جائع نائع «2».
__________________________________________________
(1) في النسخ «المهمورة» و المثل مشهور.
(2) أي هو اتباع.
94
الفروق في اللغة
الباب الخامس في الفرق بين الحياة و النماء و الحي و الحيوان و بين الحياة و العيش و الروح و ما يخالف ذلك و في الفرق بين الحياة و القدرة و الاستطاعة و القوة و القدرة و ما يقرب من ذلك و الفرق بين ما يضاده و يخالفه
الباب الخامس في الفرق بين الحياة و النماء و الحي و الحيوان و بين الحياة و العيش و الروح و ما يخالف ذلك، و في الفرق بين الحياة و القدرة و الاستطاعة و القوة و القدرة و ما يقرب من ذلك، و الفرق بين ما يضاده و يخالفه.
(الفرق) بين الحياة و النماء
أن الحياة هي ما تصير به الجملة كالشيء الواحد في جواز تعلق الصفات بها فأما قوله تعالى (فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) فمعناه أنا جعلنا حالها كحال الحي في الانتفاع بها، و الصفة لله بأنه حي مأخوذة من الحياة على التقدير لا على الحقيقة كما أن صفته بأنه موجود مأخوذة من الوجود على التقدير و قد دل الدليل على أن الحي بعد أن لم يكن حيا حي من أجل الحياة فالذي لم يزل حيا ينبغي أن يكون حيا لنفسه، و النماء يزيد الشيء حالا بعد حال من نفسه لا باضافة اليه فالثبات ينمي و يزيد و ليس بحي و الله تعالى حي و لا ينام، و لا يقال لمن أصاب ميراثا أو أعطى عطية أنه قد نما ماله و انما يقال نما ماله اذا زاد في نفسه، و النماء في الماشية حقيقة لأنها تزيد بتوالدها قليلا قليلا، و في الورق و الذهب مجاز فهذا هو الفرق بين الزيادة و النماء، و يقال للاشجار و النبات نوام لأنها تزيد في كل يوم الى أن تنتهي الى حد التمام.
95
الفروق في اللغة
الفرق بين الحي و الحيوان ص 96
(الفرق) بين الحي و الحيوان
أن الحيوان هو الحي ذو الجنس و يقع على الواحد و الجمع، و أما قوله تعالى (وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) فقد قال بعضهم يعني البقاء يريد أنها باقية، و لا يوصف الله تعالى بأنه حيوان لأنه ليس بذي جنس.
(الفرق) بين الحياة و العيش
أن العيش اسم لما هو سبب الحياة من الأكل و الشرب و ما بسبيل ذلك، و الشاهد قولهم معيشة فلان من كذا يعنون مأكله و مشربه مما هو سبب لبقاء حياته فليس العيش من الحياة في شيء.
(الفرق) بين الحياة و الروح
أن الروح من قرائن الحياة، و الحياة عرض و الروح جسم رقيق من جنس الريح، و قيل هو جسم رقيق حساس، و تزعم الأطباء أن موضعها في الصدر من الحجاب و القلب، و ذهب بعضهم الى أنها مبسوطة في جميع البدن و فيه خلاف كثير ليس هذا موضع ذكره، و الروح و الريح في العربية من أصل واحد و لهذا يستعمل فيه النفخ فيقال نفخ فيه الروح و سمي جبريل عليه السلام روحا لأن الناس ينتفعون به في دينهم كانتفاعهم بالروح و لهذا المعنى سمي القرآن روحا.
(الفرق) بين الروح و المهجة و النفس و الذات،
أن المهجة خالص دم الانسان الذي اذا خرج خرجت روحه و هو دم القلب في قول الخليل، و العرب تقول سالت مهجهم على رماحنا، و لفظ النفس مشترك يقع على الروح و على الذات و يكون توكيدا، يقال: خرجت نفسه أي روحه و جاءني زيد نفسه بمعنى التوكيد، و السواد سواد لنفسه كما تقول لداته، و النفس أيضا الماء و جمعه أنفاس قال جرير:
تعلل و هي ساغبة بنيها بأنفاس من الشبم القراح
و النفس ملء الكف من الدباغ و النفس التي تستعد بمعنى الذات
96
الفروق في اللغة
الفرق بين الروح و المهجة و النفس و الذات ص 96
ما يصح أن تدل على الشيء من وجه يختص به دون غيره، و اذا قلت هو لنفسه على صفة كذا فقد دللت عليه من وجه يختص به دون ما يخالفه، و قال علي بن عيسى الشيء و المعنى و الذات نظائر و بينها فروق فالمعنى المقصود ثم كثر حتى سمي المقصود معنى، و كل شيء ذات و كل ذات شيء الا أنهم ألزموا الذات الاضافة فقالوا ذات الانسان و ذات الجوهر ليحققوا الاشارة اليه دون غيره، قلنا و يعبر بالنفس عن المعلوم في قولهم قد صح ذلك في نفسي أي قد صار في جملة ما أعلمه و لا يقال صح في ذاتي.
و مما يضاد الحياة الموت
(الفرق) بين الموت و القتل
أن القتل هو نقض البنية الحيوانية و لا يقال له قتل في أكثر الحال الا اذا كان من فعل آدمي، و قال بعضهم القتل إماتة الحركة و منه يقال ناقة مقتلة اذا كثر عليها الاتعاب حتى تموت حركتها، و الموت عرض أيضا يضاد الحياة مضادة الروح و لا يكون الا من فعل الله، و الميتة الموت بعينه الا أنه يدل على الحال، و الموت ينفي الحياة مع سلامة البنية، و لا بد في القتل من انتقاض البنية، و يقال لمن حبس الانسان حتى يموت أنه قتله و لم يكن «1» بقاتل في الحقيقة لأنه لم ينقض البنية، و يستعار الموت في أشياء فيقال مات قلبه اذا صار بليدا و مات المتاع أي كسد و مات الشيء بينهم نقص و حظ ميت ضعيف و نبات ميت ذابل و وقع في المال موتان اذا تماوتت و موتان الأرض اذا لم تعمر.
(الفرق) بين القتل و الذبح
أن الذبح عمل معلوم، و القتل ضروب مختلفة و لهذا منع الفقهاء عن الاجارة على قتل رجل قصاصا و لم يمنعوا من الاجارة على ذبح شاة لأن القتل منه لا يدري أيقتله بضربة أو بضربتين أو أكثر و ليس كذلك الذبح.
__________________________________________________
(1) في التيمورية «و ليس بقاتل».
97
الفروق في اللغة
الفرق بين الفناء و النفاد ص 98
(الفرق) بين الفناء و النفاد
أن النفاد هو فناء آخر الشيء بعد فناء أوله، و لا يستعمل النفاد فيما يفنى جملة ألا ترى أنك تقول فناء العالم و لا يقال نفاد العالم و يقال نفاد الزاد و نفاد الطعام لأن ذلك يفنى شيئا فشيئا.
(الفرق) بين الإهلاك و الإعدام
أن الاهلاك أعم من الاعدام لأنه قد يكون بنقض البنية و إبطال الحاسة و ما يجوز أن يصل معه اللذة و المنفعة، و الاعدام نقيض الايجاد فهو أخص فكل اعدام اهلاك و ليس كل إهلاك إعداما.
(الفرق) بين الحياة و القدرة
أن قدرة الحي قد تتناقص مع بقاء حياته على حد واحد ألا ترى أنه قد يتعذر عليه في حال المرض و الكبر كثير من أفعاله التي كانت مناسبة له مع كون ادراكه في الحالين على حد واحد فيعلم أن ما صح به أفعاله قد يتناقض و ما صح به ادراكه غير متناقض، و فرق آخر أن العضو قد يكون فيه الحياة بدليل صحة ادراكه و إن لم تكن فيه القدرة كالأذن ألا ترى أنه يتعذر تحريكها مباشرا و ان كانت منفصلة، و فرق آخر أن الحياة جنس واحد و القدرة مختلفة و لو كانت متفقة لقدرتا بقدرتين على مقدور واحد.
(الفرق) بين القدرة و القهر
أن القدرة تكون على صغير المقدور و كبيره، و القهر يدل على كبر المقدور و لهذا يقال ملك قاهر اذا أريد المبالغة في مدحه بالقدرة، و لا يقال في هذا المعنى ملك قادر لأن اطلاق قولنا قادر لا يدل على عظيم المقدور كما يدل عليه إطلاق قولنا قاهر.
(الفرق) بين القهر و الغلبة
أن الغلبة تكون بفضل القدرة و بفضل العلم يقال قاتله فغلبه و صارعه فغلبه و ذلك لفضل قدرته و تقول حاجه فغلبه و لاعبه بالشطرنج فغلبه بفضل علمه و فطنته، و لا يكون القهر الا بفضل القدرة ألا ترى أنك تقول ناوأه فقهره و لا تقول حاجه فقهره و لا تقول قهره بفضل علمه كما تقول غلبه بفضل علمه
98
الفروق في اللغة
الفرق بين الغلبة و القدرة ص 99
(الفرق) بين الغلبة و القدرة
أن الغلبة من فعل الغالب و ليست القدرة من فعل القادر يقال غلب خصمه غلبا كما تقول طلب طلبا و في القرآن (وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) و قولهم اللَّهُ غالِبٌ من صفات الفعل و قولنا له قاهر من صفات الذات و قد يكون من صفات الفعل و ذلك أنه يفعل ما يصير به العدو مقهورا، و قال علي بن عيسى: الغالب القادر على كسر حد الشيء عند مقاومته باقتداره، و القاهر القادر على المستعصي من الأمور.
(الفرق) بين القادر و المقيت)
أن المقيت على ما قال بعض العلماء يجمع معنى القدرة على الشيء و العلم به قال و الشاهد قول الشاعر:
ألي الفضل أم علي إذا حو سبت اني على الحساب مقيت
قال و لا يمكن المحاسبة لهما مع القدرة عليها و العلم بها و في القرآن (وَ كانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً) أي مقتدرا على كل شيء عالما به، و قال غيره المقيت على الشيء الموقوف عليه و قيل هو المقتدر و أنشد:
و ذي ضغن «1» كففت الضغن عنه و كنت على إساءته مقيتا
و قيل هو المجازي كأنه يجعل لكل فعل قدرة من الجزاء، و القدرة و القوت متقاربان و
قال ابن عباس مُقِيتاً حفيظا و قال مجاهد شهيدا و حفيظا حسيبا.
و قال الخليل المقيت الحافظ و الحفيظ أشبه الوجوه لأنه مشتق من القوت و القوت يحفظ النفس فكان المقيت الذي يعطي الشيء قدر حاجته من الحفظ، و حكى الفراء يقوت و يقيت.
(الفرق) بين القادر و القوي
أن القوي هو الذي يقدر على الشيء و على ما هو أكثر منه و لهذا لا يجوز أن يقال للذي استفرغ قدرته في الشيء أنه قوي عليه و إنما يقال له انه قوي عليه اذا كان في قدرته فضل لغيره، و لهذا قال بعضهم القوي القادر العظيم الشأن فيما يقدر عليه.
__________________________________________________
(1) في النسخ «صغر».
99
الفروق في اللغة
الفرق بين قولك قادر عليه و قادر على فعله ص 100
(الفرق) بين قولك قادر عليه و قادر على فعله
أن قولك قادر عليه يفيد أنه قادر على تصريفه كقولك فلان قادر على هذا الحجر أي قادر على رفعه و وضعه و هو قادر على نفسه أي قادر على ضبطها و منعها فيما تنازع اليه، و قادر على فعله يفيد أنه قادر على ايجاده فبين الكلمتين فرق.
(الفرق) بين القادر على الشيء و المالك له
أن الملك يضاف الى المقدور و غير المقدور نحو زيد مالك للمال و ليس بقادر عليه فالقادر على الشيء قادر على ايجاده و المالك للشيء مالك لتصريفه، و قد يكون المالك بمعنى القادر سواءا و هو قوله تعالى (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) و يوم الدين لم يوجد فيملك و انما المراد أنه قادر عليه، و الملك في الحقيقة لا يكون الا لموجود و القدرة لا تكون على الموجود.
(الفرق) بين القوة و الشدة
أن الشدة في الاصل هي مبالغة في وصف الشيء في صلابة و ليس هو من قبيل القدرة و لهذا لا يقال للّه شديد، و القوة من قبيل القدرة على ما وصفنا، و تأويل قوله تعالى (أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً)* أي أقوى منهم و في القرآن (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) أي العظيم الشأن في القوة و هو اتساع.
(الفرق) بين الشدة و الجلد
أن الجلد صلابة البدن و منه الجلد لأنه أصلب من اللحم، و الجلد الصلب من الارض و قيل يتضمن الجلد معنى القوة و الصبر و لا يقال للّه جليد لذلك «1».
(الفرق) بين الشدة و الصعوبة
أن الشدة ما ذكرناه، و الصعوبة تكون في الأفعال دون غيرها تقول: صعب عليّ الأمر يعني أن فعله صعب عليك و رجل صعب أي مقاساته صعبة، و فيها معنى الغلبة لمن يزاولها، و من ثم سمي الفحل الشديد الغالب مصعبا، فالصعوبة أبلغ من الشدة، و قد يكون شديد غير صعب اذا استعمل فيما يستعمل فيه الصعب و لا
__________________________________________________
(1) تقدم ذكره (و الفرق) بين ذلك و بين الجلادة .. الى آخر الفرق، و لعل موضعه هنا لعدم مناسبته هنالك.
100
الفروق في اللغة
الفرق بين الشدة و الصعوبة ص 100
صعب الا شديد.
(الفرق) بين القوة و المتانة
أن المتانة صلابة في ارتفاع، و المتن من الأرض الصلب المرتفع و الجمع متان، و منه سمي عقب الظهر متنا، و الصلابة قريبة من ذلك، و لا تجوز الصفة بالصلابة و المتانة على الله فأما قوله تعالى (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) فالمتين في أسمائه مبالغة في الوصف بأنه قوي و هو في الله توسع لأن المتانة في الاصل نقيضة الرخاوة فاستعملت في نقيض الضعف للمبالغة في صفة القوة و الله أعلم.
(الفرق) بين القدرة و المنة
أن المنة تفيد أنها قدرة للمبالغة تقطع بها الاعمال الشاقة، و أصل الكلمة القطع، و منه قوله تعالى (أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)* أي مقطوع، و المنون المنية لانها قاطعة عن التصرف بالحياة، و قيل للامتنان بالنعمة امتنان لأنه يقطع الشكر.
(الفرق) بين الشدة و الصلابة
أن الصلابة هي التئام الاجزاء بعضها الى بعض من غير خلل مع يبوسة فيها، و الشدة هي التزاق الاجزاء بعضها ببعض و سواء كان الموصوف بها ملتئما أو متحللا، و الشدة مبالغة في وصف الشيء و الصلابة خلفه و استعمالها في موضع الصلابة استعارة.
(الفرق) بين القوة و الشهامة
أن الشهامة خشونة الجانب مأخوذة من الشيهم و هو ذكر القنافذ و لا يسمى الله شهما لذلك.
(الفرق) بين الشهامة و الجزالة
أن الجزالة أصلها شدة القطع تقول جزلت الشيء اذا قطعته بشدة و قيل حطب جزل اذا كان شديد القطع صلبا و اذا كان كذلك كان أبقى على النار فشبه به الرجل الذي تبقى قوته في الامور فسمي جزلا و لا يوصف الله به.
(الفرق) بين الشجاعة و البسالة
أن أصل البسل الحرام فكأن الباسل حرام أن يصاب في الحرب بمكروه لشدته فيها و قوته، و الشجاعة الجرأة و الشجاع الجريء المقدام في الحرب ضعيفا كان أو قويا، و الجرأة قوة القلب الداعية الى الاقدام على المكاره فالشجاعة تنبئ عن الجرأة و البسالة
101
الفروق في اللغة
الفرق بين الشجاعة و البسالة ص 101
تنبئ عن الشدة و القوة. و يجوز أن يكون الباسل من البسول و هي تكره الوجه مثل البثور و هما لغتان، و سمي باسلا لتكرهه و لا تجوز الصفة بذلك على الله تعالى.
(الفرق) بين الشجاعة و النجدة
أن النجدة حسن البدن و تمام لحمه و أصلها الارتفاع و منه سميت بلادهم المرتفعة نجدا، و قيل للنجاد نجاد لأنه يحشو الثياب فترتفع ثم قيل للشجاعة نجدة لانها تكون مع تمام الجسم في أكثر الحال.
و مما يجري مع ذلك
(الفرق) بين الصلابة و القسوة
أن القسوة تستعمل فيما لا يقبل العلاج و لهذا يوصف بها القلب و ان لم يكن صلبا.
(الفرق) بين القدرة و الصحة
أن الصحة يوصف بها المحل و الآلات و القدرة تتعلق بالجملة، فيقال عين صحيحة و حاسة صحيحة، و لا يقال عين قادرة و حاسة قادرة.
(الفرق) بين الصحة و العافية
أن الصحة أعم من العافية يقال رجل صحيح و آلة صحيحة و خشبة صحيحة اذا كانت ملتئمة لا كسر فيها و لا يقال خشبة معافاة، و تستعار الصحة فيقال صححت القول و صح لي على فلان حق، و لا تستعمل العافية في ذلك، و العافية مقابلة المرض بما يضاده من الصحة فقط و الصحة تنصرف في وجوه على ما ذكرنا، و تكون العافية ابتداءا من غير مرض و ذلك مجاز كأنه فعل ابتداء ما كان من شأنه أن ينافي المرض يقال خلقه الله معافى صحيحا و مع هذا فانه لا يقال صح الرجل و لا عوفي الا بعد مرض يناله، و العافية مصدر مثل العاقبة و الطاغية و أصلها الترك من قوله تعالى (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) أي ترك له، و عفت الدار تركت حتى درست و منه
«اعفوا اللحى».
أي اتركوها حتى تطول و منه العفو عن الذنب و هو ترك المعاقبة عليه و عافاه الله من المرض تركه
102
الفروق في اللغة
الفرق بين الصحة و العافية ص 102
منه بغده من الصحة و عفاه يعفوه و اعتفاه يعتفيه اذا أتاه يسأله تاركا لغيره.
(الفرق) بين الصحة و السلامة
أن السلامة نقيضة الهلاك و نقيض الصحة الآفة من المرض و الكسر و ما بسبيل ذلك ألا ترى أنه يقال سلم الرجل من علته اذا كان يخاف عليه الهلاك منها أو على شيء من جسده، و اذا لم يكن يخاف عليه ذلك منها لم يقل سلم منها و قيل صح منها، هذا على أن السلامة نقيضة الهلاك و ليست الصحة كذلك و في هذا وقوع الفرق بينهما، ثم كثر استعمال السلامة حتى قيل للمتبرئ من العيب سالم من العيب، و السلامة عند المتكلمين زوال الموانع و الآفات عمن يجوز عليه ذلك و لا يقال للّه سالم لأن الآفات غير جائزة عليه و لا يقال له صحيح لأن الصحة تقتضي منافاة المرض و الكسر و لا يجوزان على الله تعالى.
(الفرق) بين القدرة و الطاقة
أن الطاقة غاية مقدرة القادر و استفراغ وسعه في المقدور يقال هذا طاقتي أي قدر إمكاني، و لا يقال للّه تعالى مطيق لذلك.
(الفرق) بين القدرة و الاستطاعة
أن الاستطاعة في قولك طاعت جوارحه للفعل أي انقادت له و لهذا لا يوصف الله بها و يقال أطاعه و هو مطيع و طاع له و هو طائع له إذا انقاد له، و جاءت الاستطاعة بمعنى الاجابة و هو قوله تعالى: (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) أي هل يجيبك الى ما تسأله و أما قوله تعالى (لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) فمعناه أنه يثقل عليهم استماع القرآن ليس أنهم لا يقدرون على ذلك، و أنت تقول لا أستطيع أن أبصر فلانا تريد أن رؤيته تثقل عليك.
(الفرق) بين العزيز و القاهر
أن العزيز هو الممتنع الذي لا ينال بالأذى و لذلك سمي أبو ذؤيب العقاب عزيزة لأنها تتخذ و كرها في أعلى الجبل فهي ممتنعة على من يريدها فقال:
103
الفروق في اللغة
الفرق بين العزيز و القاهر ص 103
حتى انتهيت الى فراش عزيزة سوداء روثة أنفها كالمخصف
و يقال عز يعز إذا صار عزيزا و عز يعز عزا اذا قهر باقتدار على المنع و المثل من عزيز و العزاز الأرض الصلبة لامتناعها على الحافر بصلابتها كالامتناع من الضيم، و الصفة بعزيز لا تتضمن معنى القهر، و الصفة بقاهر تتضمن معنى العز يقال قهر فلان فلانا اذا غلبه و صار مقتدرا على إنفاذ أمره فيه.
(الفرق) بين قولك العزيز و بين قولك عزيزي
أن قولك عزيزي بمعنى حبيبي الذي يعز عليك فقده لميل طبعك اليه، و لا يوصف العظماء به مع الاضافة، و ليس كذلك السيد و سيدي لأن الاضافة لا تقلب معنى ذلك الا بحسب ما تقتضيه الاضافة من الاختصاص.
(الفرق) بين القادر و المتمكن
أن التمكن مضمن بالآلة و المكان الذي يتمكن فيه، و لهذا لا تجوز الصفة به على الله تعالى، و صفة القادر مطلقة لأنه لا يجوز أن يستغني بنفسه عن القدرة كما يستغني بها عن الآلة في الكتابة و نحوها و يقال مكنه و مكن له قال بعضهم معناهما واحد، قال و منه قوله تعالى (مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) قال فجاء باللغتين المتوسع في الكلام، و الصحيح أن مكنت له جعلت له ما يتمكن به و مكنته أقدرته على ملك الشيء في المكان.
(الفرق) بين التمكين و الإقدار
أن التمكين اعطاء ما يصح به الفعل كائنا ما كان من الآلات و العدد و القوى، و الاقدار اعطاء القدرة و ذلك أن الذي له قدرة على الكتابة تتعذر عليه اذا لم يكن له آلة للكتابة و يتمكن منها اذا حضرت الآلة. و القدرة ضد العجز، و التمكن ضد التعذر.
الفرق بين ما يضاد القدرة و يخالفها
(الفرق) بين العجز و المنع
أن العجز يضاد القدرة مضادة التروك و يتعلق بمتعلقها على العكس، و المنع ما لأجله يتعذر الفعل على القادر
104
الفروق في اللغة
الفرق بين العجز و المنع ص 104
فهو يضاد الفعل و ليس يضاد القدرة بل ليس يسمى منعا الا اذا كان مع القدرة فليس هو من العجز في شيء.
(الفرق) بين المنع و الكف
أن المنع ما ذكرنا و الكف على ما ذكر بعضهم يستعمل في الامتناع عما تدعو اليه الشهوة قال و الامساك مثله يقال كف عن زيارة فلان و أمسك عن الافطار، و ليس الأمر كما قال بل يستعمل الامساك و الكف فيما تدعو اليه الشهوة و فيما لا تدعو اليه يقال كف عن القتال كما يقال كف عن شرب الماء و أمسك عن ذلك أيضا، و أصل الامساك حبس النفس عن الفعل و منه الامساك و هو مكان يمسك الماء أي يحبسه و الجمع مسك و المسكة السوار سمي بذلك لانه يلزم المعصم فهو كالمحبوس فيه، و الماسكة جلدة تكون على وجه الولد في بطن أمه لأنها محيطة به كاحاطة الحبس بالمحبوس، و استمسك الشيء و تماسك كأن بعضه احتبس على بعض، و نقيض الاستمساك الاسترسال و نقيض الامساك الارسال، و أصل الكف الانقباض و التجمع و منه سميت الكف كفا لأنها تقبض على الأشياء و تجتمع، و يقال جاءني الناس كافة أي جميعا فالكف عن الفعل هو الامتناع عن موالاة الفعل و ايجاده حالا بعد حال خلاف الانبساط فيه و انما قلنا ذلك لأن أصله الانقباض و خلاف الانقباض الانبساط و الامساك حبس النفس عن الفعل على ما ذكرنا فالفرق بينهما بين.
(الفرق) بين الكف و الترك
أن الترك عند المتكلمين فعل أحد الضدين اللذين يقدر عليهما المباشر، و قال بعضهم: كل شيئين تضادا و قدر عليهما بقدرة واحدة مع كون وقت وجودهما وقتا واحدا و كانا يحلان محل القدرة و انصرف القادر بفعل أحدهما عن الآخر سمي الموجود منهما تركا و ما لم يوجد متروكا، و الترك عند العرب تخليف الشي في المكان الذي هو فيه و الانصراف عنه، و لهذا يسمون بيضة النعامة اذا خرج فرخها تريكة لأن النعامة تنصرف عنها، و التريكة الروضة يغفلها الناس و لا يرعونها.
105
الفروق في اللغة
الفرق بين الترك و التخلية ص 106
(الفرق) بين الترك و التخلية
أن الترك هو ما ذكرنا، و التخلية للشيء نقيض التوكيل به، يقال خلاه اذا أزال التوكيل عنه كأنه جعله خاليا لا أحد معه، ثم صارت التخلية عند المتكلمين ترك الأمر بالشيء و الرغبة فيه و النهي عن خلافه، و يقولون القادر مخلى بينه و بين مقدوره أي لا مانع له منه شبه بمن ليس معه موكل يمنعه من تصرفاته.
(الفرق) بين قولك تركت الشيء و قولك لهيت عنه
أنه يقال لهيت عنه اذا تركته سهوا أو تشاغلا، و لا يقال لمن ترك الشيء عامدا أنه لهي عنه، و قول صاحب الفصيح لهيت عن الشيء اذا تركته غلط ألا ترى أنه لا يقال لمن ترك الأكل بعد شبع أو الشرب بعد الري أنه لهي عن ذلك، و أصله من اللهو ميل الانفعال و المطاوعة.
(الفرق) بين التخلية و الإطلاق
أن الاطلاق عند الفقهاء كالاذن الا أن أصل الاذن أن يكون ابتداءا و الاطلاق لا يكون الا بعد نهي، ثم كثر حتى استعمل أحدهما في موضع الآخر، و الاطلاق مأخوذ من الطلق و هو القيد أطلقه اذا فك طلقه أي قيده كما تقول أنشط اذا حل الأنشوطة، و منه طلق المرأة و ذلك أنهم يقولون للزوجة إنها في حبال الزوج فاذا فارقها قيل طلقها كأنه قطع حبلها و انما قيل في الناقة أطلق و في المرأة طلق للفرق بين المعنيين و الأصل واحد.
(الفرق) بين الكف و الإحجام
أن الاحجام هو الكف عما يسبق فعله خاصة يقال أحجم عن القتال و لا يقال أحجم عن الأكل و الشرب.
(الفرق) بين الإقدام و التقحم
أن التقحم الاقدام في المضيق بشدة يقال تقحم في الغار و تقحم بين الاقران و لا يقال أقدم في الغار، و أصل التقحم الاقدام على القحم و هي الأمور الشديدة واحدها قحمة، و الاقدام هو حمل النفس على المكروه من قدام، و يخالف التقدم في المعنى لان التقدم يكون في المكروه و المحبوب، و الاقدام لا يكون إلا على المكروه.
(الفرق) بين المنع و الصد
أن الصد هو المنع عن قصد الشيء خاصة،
106
الفروق في اللغة
الفرق بين المنع و الصد ص 106
و لهذا قال تعالى (وَ هُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي يمنعون الناس عن قصده، و المنع يكون في ذلك و غيره ألا ترى أنه يقال منع الحائط عن الميل لان الحائط لا قصد له، و يقولون صدني عن لقائك يريد عن قصد لقائك و هذا بين.
(الفرق) بين قولك منعته عن الفعل و بين قولك ثنيته عنه
أن المنع يكون عن ايجاد الفعل، و الثني لا يكون الا المنع عن اتمام الفعل تقول ثنيته عنه اذا كان قد ابتدأه فمنعته عن اتمامه و استبقائه و الى هذا يرجع الاستثناء في الكلام لأنك اذا قلت ضربت القوم إلا زيدا فقد أخبرت أن الضرب قد استمر في القوم دون زيد فكأنك أطلقت الضرب حتى اذا استمر في القوم ثنيته فلم يصل الى زيد.
(الفرق) بين الرد و الرجع
أنه يجوز أن ترجعه من غير كراهة له قال الله تعالى (فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ) و لا يجوز أن ترده الا اذا كرهت حاله، و لهذا يسمى البهرج ردا و لم يسم رجعا، هذا أصله ثم ربما استعملت احدى الكلمتين موضع الاخرى لقرب معناهما.
(الفرق) بين الرد و الرفع
أن الرد لا يكون الا الى خلف، و الرفع يكون الى قدام و الى خلف جميعا.
و مما يجري مع هذا
(الفرق) بين الحصر و الحبس
أن الحصر هو الحبس مع التضييق يقال حصرهم في البلد لأنه اذا فعل ذلك فقد منعهم عن الانفساخ في الرعي و التصرف في الامور و يقال حبس الرجل عن حاجته و في الحبس اذا منعته عن التصرف فيها، و لا يقال حصر في هذا المعنى دون أن يضيق عليه و هو في حصار أي ضيق، و الحصر احتباس النجو كأنه من ضيق المخرج كذا قال أهل اللغة و يجوز أن يقال إن الحبس يكون لمن تمكنت منه و الحصر لمن لم تتمكن منه و ذلك انك اذا حاصرت أهل بلد في البلد فانك لم تتمكن
107
الفروق في اللغة
الفرق بين الحصر و الحبس ص 107
منهم و انما تتوصل بالحصر الى التمكن منهم و الحصر في هذا سبب التمكن و الحبس يكون بعد التمكن.
(الفرق) بين الحصر و الإحصار
قالوا الاحصار في اللغة منع بغير حبس، و الحصر المنع بالحبس قال الكسائي ما كان من المرض قيل فيه احصر، و قال أبو عبيدة ما كان من مرض أو ذهاب نفقة قيل فيه احصر و ما كان من سجن أو حبس قيل فيه حصر فهو محصور، و قال المبرد هذا صحيح و اذا حبس الرجل الرجل قيل حبسه و اذا فعل به فعلا عرضه به لأن يحبس قيل أحبسه و اذا عرضه للقتل قيل أقتله و سقاه اذا أعطاه اناءا يشرب منه و أسقاه اذا جعل له سقيا، و قبره اذا تولى دفنه و أقبره جعل له قبرا فمعنى قوله تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) عرض لكم شيء يكون سببا لفوات الحج.
(الفرق) بين الوهن و الضعف
أن الضعف ضد القوة و هو من فعل الله تعالى كما أن القوة من فعل الله تقول خلقه الله ضعيفا أو خلقه قويا، و في القرآن (وَ خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) و الوهن هو أن يفعل الانسان فعل الضعيف تقول وهن في الأمر يهن وهنا و هو واهن اذا أخذ فيه أخذ الضعيف، و منه قوله تعالى (وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) أي لا تفعلوا أفعال الضعفاء و أنتم أقوياء على ما تطلبونه بتذليل الله إياه لكم، و يدل على صحة ما قلنا أنه لا يقال خلقه الله واهنا كما يقال خلقه الله ضعيفا، و قد يستعمل الضعف مكان الوهن مجازا في مثل قوله تعالى (وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اسْتَكانُوا) أي لم يفعلوا فعل الضعيف، و يجوز أن يقال إن الوهن هو انكسار الحد و الخوف و نحوه، و الضعف نقصان القوة، و أما الاستكانة فقيل هي اظهار الضعف قال الله تعالى (وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اسْتَكانُوا) أي لم يضعفوا بنقصان القوة و لا استكانوا باظهار الضعف عند المقاومة، قال الخليل ان الوهن الضعف في العمل و الأمر و كذلك في العظم و نحوه يقال و هن العظم يهن و هنا و أوهنه موهنة
108
الفروق في اللغة
الفرق بين الوهن و الضعف ص 108
و رجل واهن في الأمر و العمل و موهون في العظم و البدن و الموهن لغة و الوهين بلغة أهل مصر رجل يكون مع الأجير يحثه على العمل.
(الفرق) بين الضُّعف و الضَّعف
أن الضعف بالضم يكون في الجسد خاصة و هو من قوله تعالى (خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) و الضعف بالفتح يكون في الجسد و الرأي و العقل يقال في رأيه ضعف و لا يقال فيه ضعف كما يقال في جسمه ضعف و ضعف.
109
الفروق في اللغة
الباب السادس في الفرق بين القديم و العتيق و الباقي و الدائم و ما يجري مع ذلك
الباب السادس في الفرق بين القديم و العتيق و الباقي و الدائم و ما يجري مع ذلك
(الفرق) بين القديم و العتيق
أن العتيق هو الذي يدرك حديث جنسه فيكون بالنسبة اليه عتيقا أو يكون شيئا يطول مكثه و يبقى أكثر مما يبقى أمثاله مع تأثير الزمان فيه فيسمى عتيقا و لهذا لا يقال إن السماء عتيقة و ان طال مكثها لأن الزمان لا يؤثر فيها و لا يوجد من جنسها ما تكون بالنسبة اليه عتيقا، و يدل على ذلك أيضا أن الأشياء تختلف فيعتق بعضها قبل بعض على حسب سرعة تغيره و بطئه و القائم ما لم يزل موجودا، و القدم لا يستفاد و العتق يستفاد ألا ترى أنه لا يقال سأقدم هذا المتاع كما تقول سأعتقه، و يتوسع في القدم فيقال دخول زيد الدار أقدم من دخول عمرو و لا يقال أعتق منه فالعتق في هذا على أصله لم يتوسع فيه.
(الفرق) بين الموجود و الكائن
أن الموجود من صح له تأثير فتأثير القديم صحة الفعل منه و تأثير الجسم شغله للحيز «1» و تأثير العرض تغييره للجسم و صفة الموجود من الوجود على التقدير و كذلك صفة القديم من القدم و صفة الحادث من الحدوث و انما جرت الصفات على البيان بأصل رجع اليه إما محقق و اما مقدر و قد يكون الكلام المقدر أبلغ منه بالمحقق ألا ترى أن قول امرئ القيس*
بمنجرد قيد الأوابد
__________________________________________________
(1) في النسخ «للخير».
110
الفروق في اللغة
الفرق بين الموجود و الكائن ص 110
هيكل
* أبلغ من مانع الأوابد و هو مقدر تقدير المانع، و الكائن على أربعة أوجه أحدها بمعنى الموجود و يصح ذلك في القديم كما يصح في المحدث، و الناس يقولون إن الله لم يزل كائنا، و الثاني بمعنى وجود الصنع و التدبير و هو قول الناس ان الله تعالى كائن بكل مكان و المراد أنه صانع مدبر بكل مكان و انه عالم بذلك غير غائب عن شيء من أحواله فيكون من هذا الوجه في حكم من هو كائن منه، و الثالث قولنا للجوهر إنه كائن بالمكان و معناه أنه شاغل للمكان، و الرابع قولنا للعرض أنه كائن في الجسم فالمراد حلوله.
(الفرق) بين الكائن و الثابت
أن الكائن لا يكون إلا موجودا و يكون ثابت ليس بموجود و هو من قولهم فلان ثابت النسب معنى ذلك أنه معروف النسب و ان لم يكن موجودا و يقال شيء ثابت بمعنى أنه مستقر لا يزول، و يستعمل الثبات في الاجسام و الاعراض و ليس كذلك الكون.
(الفرق) بين الدوام و الخلود
أن الدوام هو استمرار البقاء في جميع الاوقات و لا يقتضي أن يكون في وقت دون وقت ألا ترى أنه يقال ان الله لم يزل دائما و لا يزال دائما و الخلود هو استمرار البقاء من وقت مبتدأ، و لهذا لا يقال إنه خالد كما انه دائم.
(الفرق) بين الدائم و السرمد
أن السرمد هو الذي لا فصل يقع فيه و هو اتباع الشيء الشيء و الميم فيه زائدة، و العرب تقول شربته سرمدا مبردا كأنه اتباع.
(الفرق) بين الخلود و البقاء
أن الخلود استمرار البقاء من وقت مبتدأ على ما وصفنا، و البقاء يكون وقتين فصاعدا، و أصل الخلود اللزوم و منه أخلد الى الأرض و أخلد الى قوله أي لزم معنى ما أتى به فالخلود اللزوم المستمر و لهذا يستعمل في الصخور و ما يجري مجراه و منه قول لبيد*
حمر خوالد ما يبين كلامها
* و قال علي بن عيسى
111
الفروق في اللغة
الفرق بين الخلود و البقاء ص 111
الخلود مضمر بمعنى في كذا و لهذا يقال خلده في الحبس و في الديوان، و من أجله قيل للاثافي خوالد فاذا زالت لم تكن خوالد، و يقال للّه تعالى دائم الوجود و لا يقال خالد الوجود.
(الفرق) بين القديم و الباقي
و المتقدم أن الباقي هو الموجود لا عن حدوث في حال وصفه بذلك، و القديم ما لم يزل كائنا موجودا على ما ذكرنا و أنت تقول سأبقي هذا المتاع لنفسي و لا تقول سأقدمه و استبقيت الشيء و لا تقول استقدمته، و قال قوم القديم في اللغة مبالغة في الوصف بالتقدم في الوجود و كلما تقدم وجوده حتى سمي قديما فذلك حقيقة فيه، و قال من يرد ذلك لو كان القدم يستفاد لجاز أن تقول لما علمته سيبقى طويلا انه سيقدم كما تقول انه سيبقى، و في بطلان ذلك دلالة على أنه في المحدث توسع و المتقدم خلاف المتأخر و التقدم حصول الشيء قدام الشيء و منه القدوم لتقدمها في العمل و قيل لمضيها في العمل لا تنثني فتوبع لها في الصفة كالمتقدم في الأمر، و منه القدم لأنك تتقدم بها في المكان في المشي، و السابقة في الخير و الشر قدم و في القرآن (قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) و قوادم الريش العشر المتقدمات و يقال قدم العهد و قدم البلى أي طال و كل ما يقدم فهو قديم و قدم و
في الحديث «حتى يضع الجبار فيها قدمه».
أي في النار يريد من سلف في علمه أنه عاص، و يجوز أن يكون من سلف بعصيانه، و القديم على الحقيقة هو الذي لا أول لحدوثه.
(الفرق) بين قولنا الأول و بين قولنا قبل و بين قولنا آخر و قولنا بعد
أن الأول هو من جملة ما هو أوله و كذلك الآخر من جملة ما هو آخره و ليس كذلك ما يتعلق بقبل و بعد و ذلك أنك اذا قلت زيد أول من جاءني من بني تميم و آخره أوجب ذلك أن يكون زيد من بني تميم و اذا قلت جاءني زيد قبل بني تميم أو بعدهم لم يجب أن يكون زيد منهم فعلى هذا يجب أن يكون قولنا الله أول الأشياء في الوجود و آخرها أن يكون الله من الأشياء، و قولنا إنه قبلها أو بعدها لم يوجب أنه منها و لا أنه شيء
112
الفروق في اللغة
الفرق بين قولنا الأول و بين قولنا قبل و بين قولنا آخر و قولنا بعد ص 112
الا أنه لا يجوز أن يطلق ذلك دون أن يقال انه قبل الاشياء الموجودة سواه أو بعدها فيكون استثناؤه من الاشياء لا يخرجه من أن يكون شيئا، و قبل و بعد لا يقتضيان زمانا و لو اقتضيا زمانا لم يصح أن يستعملا في الأزمنة و الأوقات بأن يقال بعضها قبل بعض أو بعده لان ذلك يوجب للزمان زمانا. و غير مستنكر وجود زمان لا في زمان و وقت لا في وقت، و قبل مضمنة بالاضافة في المعنى و اللفظ و ربما حذفت الاضافة إجتزاءا بما في الكلام من الدلالة عليها، و أصل قبل المقابلة فكأن الحادث المتقدم قد قابل الوقت الاول و الحادث المتأخر قد بعد عن الوقت الأول ما يستقبل و الآخر يجيء على تفصيل الاثنين تقول أحدهما كذا و الآخر كذا، و الأول و الآخر يقال بالاضافة يقال أوله كذا و آخره الا في أسماء الله تعالى و الأول الموجود قبل و الآخر الموجود بعد.
(الفرق) بين السابق و الأول
أن السابق في أصل اللغة يقتضي مسبوقا، و الأول لا يقتضي ثانيا ألا ترى أنك تقول هذا أول مولود ولد لفلان و ان لم يولد له غيره، و تقول أول عبد يملكه حر و ان لم يملك غيره و لا يخرج العبد و الابن من معنى الابتداء، و بهذا يبطل قول الملحدين ان الأول لا يسمى أولا إلا بالاضافة الى ثان، و أما تسمية اللّه تعالى بأنه سابق يفيد أنه موجود قبل كل موجود، و قال بعضهم لا يطلق ذلك في الله تعالى الا مع البيان لأنه يوهم أن معه أشياء موجودة قد سبقها و لذلك لا يقال ان الله تعالى أسبق من غيره لأنه يقتضي الزيادة في السبق، و زيادة أحد الموصوفين على الآخر في الصفة يوجب اشتراكهما فيها من وجه أو من وجوه.
(الفرق) بين قولك يقدمه و قولك يسبقه
أن معنى قولك يقدمه يسير قدامه و يسبقه يقتضي أنه يلحق قبله، و قال تعالى (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) قيل انه أراد يمشي على قدمه يقودهم الى النار و ليس كذلك يسبقهم لأن يسبقهم يجوز أن يكون معناه أنه يوجد قبلهم فيها.
113
الفروق في اللغة
الباب السابع في الفرق بين أقسام الارادات و ما يقرب منها و بين اقسام ما يضادها و يخالفها و بين أقسام الأفعال
الباب السابع في الفرق بين أقسام الارادات و ما يقرب منها و بين اقسام ما يضادها و يخالفها و بين أقسام الأفعال
(الفرق) بين الإرادة و المحبة
أن المحبة تجري على الشيء و يكون المراد به غيره، و ليس كذلك الارادة تقول أحببت زيدا و المراد أنك تحب إكرامه و نفعه و لا يقال أردت زيدا بهذا المعنى، و تقول أحب الله أي أحب طاعته و لا يقال أريده بهذا المعنى فجعل المحبة لطاعة الله محبة له كما جعل الخوف من عقابه خوفا منه و تقول الله يحب المؤمنين «1» بمعنى أنه يريد إكرامهم و اثابتهم و لا يقال انه يريدهم بهذا المعنى، و لهذا قالوا ان المحبة تكون ثوابا و ولاية، و لا تكون الارادة كذلك، و لقولهم أحب زيدا مزية على قولهم أريد له الخير و ذلك أنه اذا قال أريد له الخير لم يبين أنه لا يريد له شيئا من السوء و اذا قال أحبه أبان أنه لا يريد له سوءا أصلا و كذلك اذا قال أكره له الخير لم يبين أنه لا يريد له الخير «2» البتة و اذا قال أبغضه أبان أنه لا يريد له خيرا البتة، و المحبة أيضا تجري مجرى الشهوة فيقال فلان يحب اللحم أي يشتهيه و تقول أكلت طعاما لا أحبه أي لا أشتهيه و مع هذا فان المحبة هي الارادة، و الشاهد أنه لا
__________________________________________________
(1) في التيمورية «المؤمن» و ما بعدها بالافراد موافقة لها.
(2) في التيمورية «خيرا».
114
الفروق في اللغة
الفرق بين الإرادة و المحبة ص 114
يجوز أن يحب الانسان الشيء مع كراهته له.
(الفرق) بين المحبة و الشهوة
أن الشهوة توقان النفس و ميل الطباع الى المشتهي و ليست من قبيل الارادة، و المحبة من قبيل الارادة و نقيضها البغضة و نقيض الحب البغض، و الشهوة تتعلق بالملاذ فقط و المحبة تتعلق بالملاذ و غيرها.
(الفرق) بينها و بين الصداقة
أن الصداقة قوة المودة مأخوذة من الشيء الصدق و هو الصلب القوي، و قال أبو علي رحمه الله: الصداقة اتفاق القلوب على المودة و لهذا لا يقال إن الله صديق المؤمن كما يقال إنه حبيبه و خليله.
(الفرق) بين الشهوة و اللذة
أن الشهوة توقان النفس الى ما يلذ و يسر، و اللذة ما تاقت النفس اليه و نازعت الى نيله فالفرق بينهما ظاهر.
(الفرق) بين الإرادة و الشهوة
أن الانسان قد يشتهي ما هو كاره له كالصائم يشتهي شرب الماء و يكرهه، و قد يريد الانسان ما لا يشتهيه كشرب الدواء المر و الحمية و الحجامة و ما بسبيل ذلك، و شهوة القبيح غير قبيحة و ارادة القبيح قبيحة فالفرق بينهما بين.
(الفرق) بين اللذة و الراحة
أن الراحة من اللذة ما تقدمت الشهوة له و ذلك أن العطشان اذا اشتهى الشرب و لم يشرب مليا ثم شرب سميت لذته بالشرب راحة و اذا شرب في أول أوقات العطش لم يسم بذلك، و كذلك الماشي اذا أطال المشي ثم قعد و قد تقدمت شهوته للقعود سميت لذته بالقعود راحة و ليس ذلك من ارادات ولكنه يجري معها و يشكل بها، و عند أبي هاشم رحمه اللّه أن اللذة ليست بمعنى، و في تعيين الملتذ بها و بضروبها الدالة على اختلاف أجناسها دليل على أنها معنى و لو لم تكن معنى مع هذه الحال لوجب أن تكون الارادة كذلك.
(الفرق) بين الحب و الود
أن الحب يكون فيما يوجبه ميل الطباع و الحكمة جميعا و الود من جهة ميل الطباع فقط ألا ترى أنك تقول أحب
115
الفروق في اللغة
الفرق بين الحب و الود ص 115
فلانا و أوده و تقول أحب الصلاة و لا تقول أود الصلاة و تقول أود أن ذاك كان لي اذا تمنيت وداده و أود الرجل ودا و مودة و الود و الوديد مثل الحب «1» و هو الحبيب.
(الفرق) بين المحبة و العشق
أن العشق شدة الشهوة لنيل المراد من المعشوق اذا كان انسانا و العزم على مواقعته عند التمكن منه، و لو كان العشق مفارقا للشهوة لجاز أن يكون العاشق خاليا من أن يشتهي النيل ممن يعشقه الا أنه شهوة مخصوصة لا تفارق موضعها و هي شهوة الرجل للنيل ممن يعشقه و لا تسمى شهوته لشرب الخمر و أكل الطيب عشقا، و العشق أيضا هو الشهوة التي اذا أفرطت و امتنع نيل ما يتعلق بها قتلت صاحبها و لا يقتل من الشهوات غيرها ألا ترى أن أحدا لم يمت من شهوة الخمر و الطعام و الطيب و لا من محبة داره أو ماله و مات خلق كثير من شهوة الخلوة مع المعشوق و النيل منه.
(الفرق) بين الإرادة و الرضا
أن إرادة الطاعة تكون قبلها و الرضا بها يكون بعدها أو معها فليس الرضا من الارادة في شيء، و عند أبي هاشم رحمه الله أن الرضا ليس بمعنى و نحن وجدنا المسلمين يرغبون في رضا الله تعالى و لا يجوز أن يرغب في لا شيء، و الرضا أيضا نقيض السخط و السخط من الله تعالى إرادة العقاب فينبغي أن يكون الرضا منه ارادة الثواب أو الحكم به.
(الفرق) بين التمني و الإرادة
أن التمني معنى في النفس يقع عند فوت فعل كان للمتمني في وقوعه نفع أو في زواله ضرر مستقبلا كان ذلك الفعل أو ماضيا، و الارادة لا تتعلق الا بالمستقبل، و يجوز أن يتعلق التمني بما لا يصح تعلق الارادة به أصلا و هو أن يتمنى الانسان أن الله لم يخلقه و أنه لم يفعل ما فعل أمس و لا يصح أن يريد ذلك، و قال أبو
__________________________________________________
(1) بكسر الحاء.
116
الفروق في اللغة
الفرق بين التمني و الإرادة ص 116
علي رحمه الله: التمني هو قول القائل ليت الأمر كذا فجعله قولا و قال في موضع آخر التمني هو هذا القول و إضمار معناه في القلب، و الى هذا ذهب أبو بكر بن الأخشاد، و التمني أيضا التلاوة قال الله تعالى (إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) و قال ابن الأنباري: التمني التقدير قال و منه قوله تعالى (مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى)، و تمنى كذب، و روي أن بعضهم قال للشعبي أهذا مما رويته أو مما تمنيته أي كذبت في روايته، و أما التمني في قوله تعالى (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)* فلا يكون الا قولا و هو أن يقول أحدهم ليته مات، و متى قال الانسان ليت الآن كذا فهو عند أهل اللسان متمن غير اعتبارهم لضميره و يستحيل أن يتحداهم بأن يتمنوا ذلك بقلوبهم مع علم الجميع بأن التحدي بالضمير لا يعجز أحدا و لا يدل على صحة مقالته و لا فسادها لأن المتحدي بذلك يمكنه أن يقول تمنيت بقلبي فلا يمكن خصمه اقامة الدليل على كذبه، و لو انصرف ذلك الى تمني القلب دون العبارة باللسان لقالوا قد تمنينا ذلك بقلوبنا فكانوا مساوين له فيه و سقط بذلك دلالته على كذبهم و على صحة ثبوته فلما لم يقولوا ذلك علم أن التحدي وقع بالتمني لفظا.
(الفرق) بين التمني و الشهوة
أن الشهوة لا تتعلق الا بما يلذ من المدركات بالحواس، و التمني يتعلق بما يلذ و ما يكره مثل أن يتمنى الانسان أن يموت، و الشهوة أيضا لا تتعلق بالماضي.
(الفرق) بين الهوى و الشهوة
أن الهوى لطف محل الشيء من النفس مع الميل اليه بما لا ينبغي و لذلك غلب على الهوى صفة الذم، و قد يشتهي الانسان الطعام و لا يهوى الطعام.
(الفرق) بين الإرادة و المشيئة
أن الارادة تكون لما يتراخى وقته و لما لا يتراخى، و المشيئة لما لم يتراخ وقته و الشاهد أنك تقول فعلت كذا شاء زيد أو أبى فيقابل بها إباه و ذلك انما يكون عند محاولة الفعل و كذلك مشيئته انما تكون بدلا من ذلك في حاله.
117
الفروق في اللغة
الفرق بين المشيئة و العزم ص 118
(الفرق) بين المشيئة و العزم
أن العزم إرادة يقطع بها المريد رويته في الاقدام على الفعل أو الاحجام عنه و يختص بارادة المريد لفعل نفسه لأنه لا يجوز أن يعزم على فعل غيره.
(الفرق) بين العزم و النية
أن النية إرادة متقدمة للفعل بأوقات من قولك انتوى اذا بعد و النوى و النية البعد فسميت بها الارادة التي بعد ما بينها و بين مرادها و لا يفيد قطع الروية في الاقدام على الفعل، و العزم قد يكون متقدما للمعزوم عليه بأوقات و بوقت، و لا يوصف الله بالنية لأن إرادته لا تتقدم فعله و لا يوصف بالعزم كما لا يوصف بالروية و قطعها في الاقدام و الاحجام.
(الفرق) بين الإرادة و الاختيار
أن الاختيار ارادة الشيء بدلا من غيره و لا يكون مع خطور المختار و غيره بالبال و يكون ارادة للفعل لم يخطر بالبال غيره، و أصل الاختيار الخير فالمختار هو المريد لخير الشيئين في الحقيقة أو خير الشيئين عند نفسه من غير إلجاء و اضطرار و لو اضطر الانسان الى ارادة شيء لم يسمى مختارا له لأن الاختيار خلاف الاضطرار.
(الفرق) بين الاختيار و الإيثار
أن الايثار على ما قيل هو الاختيار المقدم و الشاهد قوله تعالى (قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا) أي قدم اختيارك علينا و ذلك أنهم كلهم كانوا مختارين عند الله تعالى لأنهم كانوا أنبياء، و اتسع في الاختيار فقيل لافعال الجوارح اختيارية تفرقة بين حركة البطش و حركة المجس و حركة المرتعش و تقول إخترت المروى على الكتان أي اخترت لبس هذا على لبس هذا و قال تعالى (وَ لَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) أي اخترنا ارسالهم، و تقول في الفاعل مختار لكذا و في المفعول مختار من كذا، و عندنا أن قوله تعالى (آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا) معناه أنه فضلك الله علينا، و أنت من أهل الأثرة عندي أي ممن أفضله على غيره بتأثير الخير و النفع عنده، و اخترتك أخذتك للخير الذي فيك
118
الفروق في اللغة
الفرق بين الاختيار و الإيثار ص 118
في نفسك و لهذا يقال آثرتك بهذا الثوب و هذا الدينار و لا يقال اخترتك به و انما يقال اخترتك لهذا الأمر فالفرق بين الايثار و الاختيار بين من هذا الوجه.
(الفرق) بين العزم و الزماع
أن العزم يكون في كل فعل يختص به الانسان و الزماع يختص بالسفر يقال أزمعت المسير قال الشاعر*
أزمعت من آل ليلى ابتكارا
* و لا يقال أزمعت الأكل و الشرب كما تقول عزمت على ذلك، و الازماع أيضا يتعدى بعلى فالفرق بينهما ظاهر.
(الفرق) بين الإرادة و المعنى
أن المعنى إرادة كون القول على ما هو موضوع له في أصل اللغة أو مجازها فهو في القول خاصة الا أن يستعار لغيره على ما ذكرنا قبل، و الارادة تكون في القول و الفعل.
(الفرق) بين التيمم و الإرادة
أن أصل التيمم التأمم و هو قصد الشيء من أمام و لهذا لا يوصف الله به لانه لا يجوز أن يوصف بأنه يقصد الشيء من أمامه أو ورائه و المتيمم القاصد ما في أمامه ثم كثر حتى استعمل في غير ذلك.
(الفرق) بين الإرادة و التحري
أن التحري هو طلب مكان الشيء مأخوذ من الحرا و هو المأوى و قيل لمأوى الطير حراها و لموضع بيضها حرا أيضا و منه تحرى القبلة و لا يكون مع الشك في الاصابة و لهذا لا يوصف الله تعالى به فليس هو من الارادة في شيء.
(الفرق) بين الإرادة و التوخي
أن التوخي مأخوذ من الوخي و هو الطريق القاصد المستقيم و توخيت الشيء مثل تطرقته جعلته طريقي ثم استعمل في الطلب و الارادة توسعا، و الاصل ما قلناه.
(الفرق) بين الإرادة و توطين النفس
أن توطين النفس أن توطين النفس على الشيء يقع بعد الارادة له و لا يستعمل الا فيما يكون فيه مشقة ألا ترى أنك لا تقول وطن فلان نفسه على ما يشتهيه.
(الفرق) بين القصد و الإرادة
أن قصد القاصد مختص بفعله دون
119
الفروق في اللغة
الفرق بين القصد و الإرادة ص 119
فعل غيره، و الارادة غير مختصة بأحد الفعلين دون الآخر، و القصد أيضا ارادة الفعل في حال ايجاده فقط و اذا تقدمته بأوقات لم يسم قصدا ألا ترى أنه لا يصح أن تقول قصدت أن أزورك غدا.
(الفرق) بين القصد و الحج
أن الحج هو القصد على استقامة و من ثم سمي قصد البيت حجا لأن من يقصد زيارة البيت لا يعدل عنه الى غيره و منه قيل للطريق المستقيم محجة و الحجة فعلة من ذلك لأنه قصد الى استقامة رد الفرع الى الأصل.
(الفرق) بين الحرد و القصد
أن الحرد قصد الشيء من بعد، و أصله من قولك رجل حريد المحل اذا لم يخالط الناس و لم يزل معهم و كوكب حريد منتح عن الكواكب و في القرآن (وَ غَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ) و المراد أنهم قصدوا أمرا بعيدا و ذلك أن الله أهلك ثمرتهم بعد الانتفاع بها.
(الفرق) بين الإرادة و الإصابة
أن الارادة سميت إصابة على المجاز في قولهم أصاب الصواب و أخطأ الجواب أي أراد، قال الله تعالى (رُخاءً حَيْثُ أَصابَ) و ذلك أن أكثر الاصابة تكون مع الارادة.
(الفرق) بين القصد و النحو
أن النحو قصد الشيء من وجه واحد يقال نحوته اذا قصدته من وجه واحد، و الناس يقولون الكلام في هذا على أنحاء أي على وجوه، و روي أن أبا الأسود عمل كتابا في الاعراب و قال لأصحابه أنحوا هذا النحو أي أقصدوا هذا الوجه من الكلام فسمي الاعراب نحوا، و ناحية الشيء الوجه الذي يقصد منه و هي فاعلة بمعنى مفعولة أي هي منحوة.
(الفرق) بين الهم و الإرادة
أن الهم آخر العزيمة عند مواقعة الفعل قال الشاعر:
هممت و لم أفعل و كدت و ليتني تركت على عثمان تبكي حلائله
و يقال هم الشحم اذا أذابه و ذلك أن ذوبان الشحم آخر أحواله،
120
الفروق في اللغة
الفرق بين الهم و الإرادة ص 120
و قيل الهم تعلق الخاطر بشيء له قدرة في الشدة، و المهمات الشدائد، و أصل الكلمة الاستقصاء و منه هم الشحم اذا أذابه حتى أحرفه و هم المرض إذا هبط.
(الفرق) بين الهم و القصد
أنه قد يهم الانسان بالأمر قبل القصد اليه و ذلك أنه يبلغ آخر عزمه عليه ثم يقصده.
(الفرق) بين الهم و الهمة
أن الهمة اتساع الهم و بعد موقعه و لهذا يمدح بها الانسان فيقال فلان ذو همة و ذو عزيمة، و أما قولهم فلان بعيد الهمة و كبير العزيمة فلأن بعض الهمم يكون أبعد من بعض و أكبر من بعض، و حقيقة ذلك أنه يهتم بالامور الكبار، و الهم هو الفكر في إزالة المكروه و اجتلاب المحبوب و منه يقال أهم بحاجتي، و الهم أيضا الشهوة قال الله تعالى (وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها) أي عزمت هي على الفاحشة و اشتهاها هو و الشاهد على صحة هذا التأويل قيام الدلالة على أن الأنبياء صلوات الله عليهم لا يعزمون على الفواحش و هذا مثل قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) و الصلاة من الله الرحمة و من الملائكة الاستغفار و من الآدميين الدعاء، و قوله تعالى (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ) فالشهادة من الله تعالى إخبار و بيان و منهم اقرار، و الهم أيضا عند الحزن الذي يذيب البدن من قولك هم الشحم اذا أذابه. و سنذكر الفروق بين الهم و الغم و الحزن في بابه إن شاء اللّه.
(الفرق) بين الحسد و الغبط
أن الغبط هو أن تتمنى أن يكون مثل حال المغبوط لك من غير أن تريد زوالها عنه «1»، و الحسد أن تتمنى أن تكون حاله لك دونه فلهذا ذم الحسد و لم يذم الغبط. فأما ما
روي أنه عليه السلام سئل فقيل له أيضر الغبط فقال نعم كما يضر العصا الخبط.
فانه أراد أن تترك ما لك فيه سعة لئلا تدخل في المكروه و هذا مثل قولهم
__________________________________________________
(1) «عنه» غير موجودة في النسخ.
121
الفروق في اللغة
الفرق بين الحسد و الغبط ص 121
ليس الزهد في الحرام إنما الزهد في الحلال، و الاغتباط الفرح بالنعمة، و الغبطة الحالة الحسنة التي يغبط عليها صاحبها.
الفرق بين ما يضاد الارادة و يخالفها
(الفرق) بين الكراهة و الإباء
أن الاباء هو أن يمتنع و قد يكره الشيء من لا يقدر على إبائه و قد رأيناهم يقولون للملك أبيت اللعن و لا يعنون أنك تكره اللعن لأن اللعن يكرهه كل أحد و انما يريدون أنك تمتنع من أن تلعن و تشتم لما تأتي من جميل الأفعال، و قال الراجز*
و لو أرادوا ظلمه أبينا
* أي امتنعنا عليهم أن يظلموا و لم يرد انا نكره ظلمهم إياه لان ذلك لا مدح فيه، و قال الله تعالى (وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) أي يمتنع من ذلك و لو كان الله يأبى المعاصي كما يكرهها لم تكن معصية و لا عاص.
(الفرق) بين الإباء و المضادة
أن الاباء يدل على المنعة ألا ترى أن المتحرك ساهيا لا يخرجه ذلك من أن يكون أتى بضد السكون و لا يصح أن يقال قد أبى السكون، و المضادة لا تدل على المنعة.
(الفرق) بين الكراهة و البغض
أنه قد اتسع بالبغض ما لم يتسع بالكراهة فقيل ابغض زيدا أي ابغض إكرامه و نفعه، و لا يقال أكرهه بهذا المعنى كما اتسع بلفظ المحبة فقيل أحب زيدا بمعنى أحب إكرامه و نفعه و لا يقال أريده في هذا المعنى، و مع هذا فان الكراهة تستعمل فيما لا يستعمل فيه البغض فيقال أكره هذا الطعام و لا يقال أبغضه كما تقول أحبه و المراد إني أكره أكله كما أن المراد بقولك أريد هذا الطعام أنك تريد أكله أو شراءه.
(الفرق) بين الكراهة و نفور الطبع
أن الكراهة ضد الارادة، و نفور الطبع ضد الشهوة و قد يريد الانسان شرب الدواء المر مع نفور طبعه منه، و لو كان نفور الطبع كراهة لما اجتمع مع الارادة، و قد تستعمل الكراهة في موضع نفور الطبع مجازا، و تسمى الأمراض و الاسقام مكاره و ذلك لكثرة ما يكره الانسان ما ينفر طبعه منه، و لذلك تسمى الشهوة
122
الفروق في اللغة
الفرق بين الكراهة و نفور الطبع ص 122
محبة و المشتهى محبوبا لكثرة ما يحب الانسان ما يشتهيه و يميل اليه طبعه، و نفور الطبع يختص بما يؤلم و يشق على النفس، و الكراهة قد تكون كذلك و لما يلذ و يشتهي من المعاصي و غيرها.
(الفرق) بين قولك يبغضه و قولك لا يحبه
أن قولك لا يحبه أبلغ من حيث يتوهم اذا قال يبغضه أنه يبغضه من وجه و يحبه من وجه كما إذا قلت يجهله جاز أن يجهله من وجه و يعلمه من وجه و اذا قلت لا يعلمه لم يحتمل الوجهين.
(الفرق) بين الغضب و الغيظ
أن الانسان يجوز أن يغتاظ من نفسه و لا يجوز أن يغضب عليها و ذلك أن الغضب إرادة الضرر للمغضوب عليه و لا يجوز أن يريد الانسان الضرر لنفسه، و الغيظ يقرب من باب الغم.
(الفرق) بين الغضب و السخط
أن الغضب يكون من الصغير على الكبير و من الكبير على الصغير و السخط لا يكون الا من الكبير على الصغير يقال سخط الأمير على الحاجب و لا يقال سخط الحاجب على الامير و يستعمل الغضب فيها، و السخط اذا عديته بنفسه فهو خلاف الرضا يقال رضيه و سخطه و اذا عديته بعلى فهو بمعنى الغضب تقول سخط الله عليه اذا أراد عقابه.
(الفرق) بين الغضب و الاشتياط
أن الاشتياط خفة تلحق الانسان عند الغضب و هو في الغضب كالطرب في الفرح، و قد يستعمل الطرب في الخفة التي تعتري من الحزن، و الاشتياط لا يستعمل الا في الغضب و يجوز أن يقال الاشتياط سرعة الغضب، قال الاصمعي: يقال ناقة مشياط اذا كانت سريعة السمن، و يقال استشاط الرجل اذا التهب من الغضب كأن الغضب قد طار فيه.
(الفرق) بين الغضب الذي توجبه الحمية و الغضب الذي توجبه الحكمة
أن الغضب الذي توجبه الحمية انتفاض الطبع بحال يظهر في تغير الوجه، و الغضب الذي توجبه الحكمة جنس من العقوبة يضاد الرضا و هو
123
الفروق في اللغة
الفرق بين الغضب الذي توجبه الحمية و الغضب الذي توجبه الحكمة ص 123
الغضب الذي يوصف الله به.
(الفرق) بين الغضب و الحرد
أن الحرد هو أن يغضب الانسان فيبعد عن من غضب عليه و هو من قولك كوكب حريد أي بعيد عن الكواكب و حي حريد أي بعيد المحل، و لهذا لا يوصف الله تعالى بالحرد و هو الحرد بالاسكان و لا يقال حرد بالتحريك و انما الحرد استرخاء يكون في أيدي الابل جمل أحرد و ناقة حرداء، و يجوز أن يقال إن الحرد هو القصد و هو أن يبلغ في الغضب أبعد غاية.
(الفرق) بين العداوة و البغضة
أن العداوة البعاد من حال النصرة، و نقيضها الولاية و هي الهرب من حال النصرة، و البغضة إرادة الاستحقار و الاهانة، و نقيضها المحبة و هو ارادة الاعظام و الاجلال.
(الفرق) بين العدو و الكاشح
أن الكاشح هو العدو الباطن العداوة كأنه أضمر العداوة تحت كشحه و يقال كاشحك فلان اذا عاداك في الباطن و الاسم الكشيحة و المكاشحة.
(الفرق) بين العداوة و الشنآن
أن العداوة هي ارادة السوء لما تعاديه و أصله الميل و منه عدوة الوادي و هي جانبه، و يجوز أن يكون أصله البعد و منه عدواء الدار أي بعدها و عدا الشيء يعدوه اذا تجاوزه كأنه بعد عن التوسط، و الشنآن على ما قال علي بن عيسى طلب العيب على فعل الغير لما سبق من عداوته قال و ليس هو من العداوة في شيء و انما أجري على العداوة لأنها سببه و قد يسمى المسبب باسم السبب و جاء في التفسير (شَنَآنُ قَوْمٍ)* أي بغض قوم فقرئ شنآن قوم بالاسكان أي بغض قوم شنى و هو شنآن كما تقول سكر و هو سكران.
(الفرق) بين المعاداة و المخاصمة
أن المخاصمة من قبيل القول، و المعاداة من أفعال القلوب، و يجوز أن يخاصم الانسان غيره من غير أن يعاديه، و يجوز أن يعاديه و لا يخاصمه.
(الفرق) بين المعاداة و المناوأة
أن مناوأة غيرك مناهضتك له بشدة في
124
الفروق في اللغة
الفرق بين المعاداة و المناوأة ص 124
حرب أو خصومة و هي مفاعلة من النوء و هو النهوض بثقل و مشقة، و منه قوله تعالى (ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) و يقال للمرأة البدينة اذا نهضت انها ناءت و ينوء بها عجزها و هو من المقلوب أي هي تنوء به، وناء الكوكب اذا طلع كأنه نهض بثقل، و قال صاحب الفصيح تقول اذا ناوأت الرجال فاصبر أي عاديت و هي المناوأة، و ليست المناوأة من المعاداة في شيء ألا ترى أنه يجوز أن يعاديه و لا يناوئه.
(الفرق) بين الغضب و ارادة الانتقام
أن الغضب معنى يقتضي العقاب من طريق جنسه من غير توطين النفس عليه و لا يغير حكمه، و ليس كذلك الارادة لأنها تقدمت فكانت عما توطن النفس على الفعل فاذا صحبت الفعل غيرت حكمه، و ليس كذلك الغضب، و أيضا فان المغضوب عليه من نظير المراد و هو مستقل.
و مما يخالف الاختيار المذكور في هذا الباب الاضطرار
(الفرق) بينه و بين الإلجاء
أن الالجاء يكون فيما لا يجد الانسان منه بدا من أفعال نفسه مثل أكل الميتة عند شدة الجوع و مثل العدو على الشوك عند مخافة السبع فيقال إنه ملجأ الى ذلك، و قد يقال انه مضطر اليه أيضا فأما الفعل الذي يفعل في الانسان و هو يقصد الامتاع منه مثل حركة المرتعش فانه يقال هو مضطر اليه و لا يقال ملجأ اليه و اذا لم يقصد الامتناع منه لم يسم اضطرارا كتحريك الطفل يد الرجل القوي، و نحو هذا قول علي بن عيسى: إن الالجاء هو أن يحمل الانسان على أن يفعل، و الضرورة أن يفعل فيه ما لا يمكنه الانصراف عنه من الضر و الضر ما فيه ألم قال و الاضطرار خلاف الاكتساب ألا ترى أنه يقال له باضطرار عرفت هذا أم باكتساب، و لا يقع الالجاء هذا الموقع، و قيل هذا الاصطلاح من المتكلمين قالوا فأما أهل اللغة فان الالجاء و الاضطرار عندهم سواء، و ليس كذلك لأن كل واحد منهما على صيغة و من أصل و اذا اختلفت الصيغ و الأصول اختلفت المعاني لا محالة، و الاجبار يستعمل في الاكراه،
125
الفروق في اللغة
الفرق بينه و بين الإلجاء ص 125
و الالجاء يستعمل في فعل العبد على وجه لا يمكنه أن ينفك منه، و المكره من فعل ما ليس له اليه داع و إنما يفعله خوف الضرر، و الالجاء ما تشتد دواعي الانسان اليه على وجه لا يجوز أن يقع مع حصول تلك الدواعي.
الفرق بين أقسام الافعال
(الفرق) بين الحدوث و الإحداث
أن الاحداث و المحدث يقتضيان محدثا من جهة اللفظ، و ليس كذلك الحدوث و الحادث و ليس الحدوث و الاحداث شيئا غير المحدث و الحادث و انما يقال ذلك على التقدير، و شبه بعضهم ذلك بالسراب و قال هو اسم لا مسمى له على الحقيقة و ليس الأمر كذلك لان السراب سبخة تطلع عليها الشمس فتبرق فيحسب ماءا فالسراب على الحقيقة شيء إلا أنه متصور بصورة غيره و ليس الحدوث و الاحداث كذلك.
(الفرق) بين المحدث و المفعول
أن أهل اللغة يقولون لما قرب حدوثه محدث و حديث يقال بناء محدث و حديث و ثمر حديث و غلام حديث أي قريب الوجود، و يقولون لما قرب وجوده أو بعد مفعول و المحدث و المفعول في استعمال المتكلمين واحد.
(الفرق) بين الفعل و الاختراع
أن الفعل عبارة عما وجد في حال كان قبلها مقدورا سواء كان عن سبب أو لا، و الاختراع هو الايجاد عن غير سبب و أصله في العربية اللين و السهولة فكأن المخترع قد سهل له الفعل فأوجده من غير سبب يتوصل به اليه.
(الفرق) بين الاختراع و الابتداع
أن الابتداع ايجاد ما لم يسبق الى مثله يقال أبدع فلان اذا أتى بالشيء الغريب و أبدعه الله فهو مبدع و بديع و منه قوله تعالى (بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ)* و فعيل من أفعل معروف في العربية يقال بصير من أبصر و حليم من أحلم، و البدعة في الدين مأخوذة من هذا و هو قول ما لم يعرف قبله و منه قوله تعالى (ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) و قال رؤبة
«و ليس وجه الحق أن يبدعا».
126
الفروق في اللغة
الفرق بين الفعل و الفطر ص 127
(الفرق) بين الفعل و الفطر
أن الفطر اظهار الحادث باخراجه من العدم الى الوجود كأنه شق عنه فظهر، و أصل الباب الشق و مع الشق الظهور و من ثم قيل تفطر الشجر اذا تشقق بالورق و فطرت الاناء شققته و فطر الله الخلق أظهرهم بايجاده اياهم كما يظهر الورق اذا تفطر عنه الشجر ففي الفطر معنى ليس في الفعل و هو الاظهار بالاخراج الى الوجود قبل ما لا يستعمل فيه الظهور و لا يستعمل فيه الوجود، ألا ترى أنك لا تقول إن الله فطر الطعام و الرائحة كما تقول فعل ذلك، و قال علي بن عيسى: الفاطر العامل للشيء بايجاده بمثل الانشقاق عنه.
(الفرق) بين الفعل و الإنشاء
أن الانشاء هو الاحداث حالا بعد حال من غير احتذاء على مثال و منه يقال نشأ الغلام و هو ناشئ اذا نما و زاد شيئا فشيئا و الاسم النشوء، و قال بعضهم الانشاء ابتداء الايجاد من غير سبب، و الفعل يكون عن سبب و كذلك الاحداث و هو ايجاد الشيء بعد أن لم يكن و يكون بسبب و بغير سبب، و الانشاء ما يكون من غير سبب و الوجه الأول أجود.
(الفرق) بين المبدئ و المبتدئ
أن المبدئ للفعل هو المحدث له و هو مضمن بالاعادة و هي فعل الشيء كرة ثانية و لا يقدر عليها الا الله تعالى فأما قولك أعدت الكتاب فحقيقته أنك كررت مثله فكأنك قد أعدته، و المبتدئ بالفعل هو الفاعل لبعضه من غير تتمة و لا يكون الا لفعل يتطاول كمبتدئ بالصلاة و بالأكل و هو عبارة عن أول أخذه فيه.
(الفرق) بين الفعل و العمل
أن العمل ايجاد الأثر في الشيء يقال فلان يعمل الطين خزفا و يعمل الخوص زنبيلا و الأديم سقاءا، و لا يقال يفعل ذلك لأن فعل ذلك الشيء هو ايجاده على ما ذكرنا و قال الله تعالى (وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ) أي خلقكم و خلق ما تؤثرون فيه بنحتكم اياه أو صدغكم له، و قال البلخي رحمه الله تعالى: من الافعال ما يقع في علاج و تعب و احتيال و لا يقال للفعل الواحد عمل، و عنده أن الصفة لله بالعمل
127
الفروق في اللغة
الفرق بين الفعل و العمل ص 127
مجاز، و عند أبي علي رحمه الله أنها حقيقة، و أصل العمل في اللغة الدؤوب و منه سميت الراحلة يعملة و قال الشاعر:
و قالوا قف و لا تعجل و إن كنا على عجل
قليل في هواك اليو م ما نلقى من العمل
أي من الدؤوب في السير، و قال غيره*
و البرق يحدث شوقا كلما عملا
* و يقال عمل الرجل يعمل و اعتمل إذا عمل بنفسه و أنشد الخليل:
إن الكريم و أبيك يعتمل إن لم يجد يوما على من يتكل
(الفرق) بين العمل و الصنع
أن الصنع ترتيب العمل و إحكامه على ما تقدم علم به و بما يوصل الى المراد منه، و لذلك قيل للنجار صانع و لا يقال للتاجر صانع لأن النجار قد سبق علمه بما يريد عمله من سرير أو باب و بالأسباب التي توصل الى المراد من ذلك و التاجر لا يعلم اذا اتجر أنه يصل الى ما يريده من الربح أو لا فالعمل لا يقتضي العلم بما يعمل له ألا ترى أن المستخرجين و الضمناء و العشارين من أصحاب السلطان يسمون عمالا و لا يسمون صناعا اذ لا علم لهم بوجوه ما يعملون من منافع عملهم كعلم النجار او الصائغ بوجوه ما يصنعه من الحلى و الآلات، و في الصناعة معنى الحرفة التي يتكسب بها و ليس ذلك في الصنع، و الصنع أيضا مضمن بالجودة، و لهذا يقال ثوب صنيع و فلان صنيعة فلان اذا استخصه على غيره و صنع الله لفلان أي أحسن اليه و كل ذلك كالفعل الجيد.
(الفرق) بين الجعل و العمل
أن العمل هو ايجاد الأثر في الشيء على ما ذكرنا، و الجعل تغيير صورته بايجاد الأثر فيه و بغير ذلك ألا ترى أنك تقول جعل الطين خزفا و جعل الساكن متحركا و تقول عمل الطين خزفا و لا تقول عمل الساكن متحركا لأن الحركة ليست بأثر يؤثر به في الشيء، و الجعل أيضا يكون بمعنى الاحداث و هو قوله تعالى (وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ) و قوله تعالى (وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ)* و يجوز أن يقال إن
128
الفروق في اللغة
الفرق بين الجعل و العمل ص 128
ذلك يقتضي أنه جعلها على هذه الصفة التي هي عليها كما تقول جعلت الطين خزفا، و الجعل أيضا يدل على الاتصال و لذلك جعل طرفا للفعل فتستفتح به كقولك جعل يقول و جعل ينشد قال الشاعر:
فاجعل تحلل من يمينك انما حنث اليمين على الأثيم الفاجر
فدل على تحلل شيئا بعد شيء، و جاء أيضا بمعنى الخبر في قوله تعالى (وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) أي أخبروا بذلك، و بمعنى الحكم في قوله تعالى (أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ) أي حكمتم بذلك، و مثله جعله الله حراما و جعله حلالا أي حكم بتحليله و تحريمه، و جعلت المتحرك متحركا، و له وجوه كثيرة أوردناها في كتاب الوجوه و النظائر، و الجعل أصل الدلالة على الفعل لأنك تعلمه ضرورة و ذلك أنك اذا رأيت دارا مهدمة ثم رأيتها مبنية علمت التغير ضرورة و لم تعلم حدوث شيء إلا بالاستدلال «1».
(الفرق) بين الفعل و الخلق و التغيير
أن الخلق في اللغة «2» التقدير يقال خلقت الأديم اذا قدرته خفا أو غيره و خلق الثوب و أخلق لم يبق منه الا تقديره، و الخلقاء الصخرة الملساء لاستواء أجزائها في التقدير، و اخلو لق السحاب استوى و انه لخليق بكذا أي شبيه به كأن ذلك مقدر فيه، و الخلق العادة التي يعتادها الانسان و يأخذ نفسه بها على مقدار بعينه فان زال عنه الى غيره قيل تخلق بغير خلقه، و في القرآن (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) قال الفراء يريد عادتهم، و المخلق التام الحسن لانه قدر تقديرا حسنا، و المتخلق المعتدل في طباعه، و سمع بعض الفصحاء كلاما حسنا فقال هذا كلام مخلوق، و جميع ذلك يرجع الى التقدير، و الخلوق من الطيب أجزاء خلطت على تقدير، و الناس يقولون لا خالق إلا الله و المراد أن هذا اللفظ لا يطلق الا لله إذ ليس أحد الا و في فعله سهو أو
__________________________________________________
(1) في السكندرية «باستدلال».
(2) في السكندرية «العربية».
129
الفروق في اللغة
الفرق بين الفعل و الخلق و التغيير ص 129
غلط يجري منه على غير تقدير غير الله تعالى كما تقول لا قديم الا الله و إن كنا نقول هذا قديم لأنه ليس يصح قول لم يزل موجودا الا الله.
(الفرق) بين الخلق و الاختلاق
أن الاختلاق اسم خص «1» به الكذب و ذلك اذا قدر تقديرا يوهم أنه صدق، و يقال خلق الكلام اذا قدره صدقا أو كذبا، و اختلقه اذا جعله كذبا لا غير فلا يكون الاختلاق الا كذبا و الخلق يكون كذبا و صدقا كما أن الافتعال لا يكون الا كذبا فالقول يكون صدقا و كذبا.
(الفرق) بين الخلق و الكسب
أن الكسب الفعل العائد على فاعله بنفع أو ضر، و قال بعضهم الكسب ما وقع بمراس و علاج، و قال آخرون الكسب ما فعل بجارحة و هو الجرح و به سميت جوارح الانسان جوارح و سمي ما يصاد به جوارح و كواسب و لهذا لا يوصف الله بأنه مكتسب و الاكتساب فعل المكتسب، و المكتسب اذا كان مصدرا فهو فعل المكتسب و اذا لم يكن مصدرا فليس بفعل يقال اكتسب الرجل مالا و عقلا و اكتسب ثوابا و عقابا، و يكون بمعنى الفعل في قولك اكتسب طاعة فحد المكتسب هو الجاعل لها مكتسبة باحداثها و مكتسب المال هو الجاعل له مكتسبا هو الجاعل للشيء مكتسبا له بحادث اما بنفسه أو غيره فمكتسب الطاعة هو الجاعل لها مكتسبة باحداثها و مكتسب المال هو الجاعل له مكتسبا باحداث ما يملكه به.
(الفرق) بين الكسب و الجرح
أن الجرح يفيد من جهة اللفظ أنه فعل بجارحة كما أن قولك عنته يفيد أنه من جهة اللفظ للاصابة بالعين، و الكسب لا يفيد ذلك من جهة اللفظ.
(الفرق) بين الكسب و الكدح
أن الكدح الكسب المؤثر في الخلال كتأثير الكدح الذي هو الخدش في الجلد، و قال الله تعالى (إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) و هو يرجع الى شدة الاجتهاد في السعي و الجمع
__________________________________________________
(1) في السكندرية «قد خص».
130
الفروق في اللغة
الفرق بين الكسب و الكدح ص 130
و فلان يكدح لدنياه و يكدح لآخرته أي يجتهد لذلك.
(الفرق) بين الذرء و الخلق
أن أصل الذرء الاظهار و معنى ذرأ الله الخلق أظهرهم بالايجاد بعد العدم، و منه قيل للبياض الذرأة لظهوره و شهرته و ملح ذرآني لبياضه و الذر و بلا همز التفرقة بين الشيئين، و منه قوله تعالى (تَذْرُوهُ الرِّياحُ) و ليس من هذا ذريت الحنطة فرقت عنها التبن.
(الفرق) بين البرء و الخلق
أن البرء هو تمييز الصورة و قولهم برأ الله الخلق أي ميز صورهم، و أصله القطع و منه البراءة و هي قطع العلقة و برئت من المرض كأنه انقطعت أسبابه عنك و برئت من الدين و برأ اللحم من العظم قطعه و تبرأ من الرجل اذا انقطعت عصمته منه.
(الفرق) بين الأخذ و الاتخاذ
أن الأخذ مصدر أخذت بيدي و يستعار فيقال أخذه بلسانه اذا تكلم فيه بمكروه، و جاء بمعنى العذاب في قوله تعالى (وَ كَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ) و قوله تعالى (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ)* و أصله في العربية الجمع و منه قيل للغدير و خذ و أخذ جعلت الهمزة واوا و الجمع و خاذ و اخاذ. و الاتخاذ أخذ الشيء لأمر يستمر فيه مثل الدار يتخذها مسكنا و الدابة يتخذها قعدة، و يكون الاتخاذ التسمية و الحكم و منه قوله تعالى (وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) أي سموها بذلك و حكموا لها به.
(الفرق) بين الأخذ و التناول
أن التناول أخذ الشيء للنفس خاصة ألا ترى أنك لا تقول تناولت الشيء لزيد كما تقول أخذته لزيد فالأخذ أعم، و يجوز أن يقال ان التناول يقتضي أخذ شيء يستعمل في أمر من الأمور و لهذا لا يستعمل في الله تعالى فيقال تناول زيدا كما تقول أخذ زيدا و قال الله تعالى (وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ) و لم يقل تناولنا، و قيل التناول أخذ القليل المقصود اليه و لهذا لا يقال تناولت كذا من غير قصد اليه و يقال أخذته من غير قصد.
131
الفروق في اللغة
الباب الثامن في الفرق بين الفرد و الواحد و الوحدانية و ما يجري مع ذلك و في الفرق بين ما يخالفه من الكل و الجمع و ما هو من قبيل الجمع من التأليف و التصنيف و النظم و التنضيد و الممارسة و المجاورة و الفرق بين ما يخالف ذلك من الفرق و الفصل
الباب الثامن في الفرق بين الفرد و الواحد و الوحدانية و ما يجري مع ذلك، و في الفرق بين ما يخالفه من الكل و الجمع، و ما هو من قبيل الجمع من التأليف و التصنيف و النظم و التنضيد و الممارسة و المجاورة، و الفرق بين ما يخالف ذلك من الفرق و الفصل
(الفرق) بين الواحد و الفرد
أن الفرد لا يفيد الانفراد من القرن، و الواحد يفيد الانفراد في الذات أو الصفة ألا ترى أنك تقول فلان فرد في داره و لا تقول واحد في داره و تقول هو واحد أهل عصره تريد «1» أنه قد انفرد بصفة ليس لهم مثلها و تقول الله واحد تريد أن ذاته منفردة عن المثل و الشبه، و سمي الفرد فردا بالمصدر يقال فرد يفرد فردا و هو فارد و فرد و الفرد مثله. و قال علي بن عيسى رحمه الله تعالى: الواحد ما لا ينقسم في نفسه أو معنى في صفته دون جملته كانسان واحد و دينار واحد، و ما لا ينقسم في معنى جنسه كنحو هذا الذهب كله واحد و هذا الماء كله واحد، و الواحد في نفسه و معنى صفته بما لا يكون لغيره أصلا هو الله جل ثناؤه.
(الفرق) بين الانفراد و الاختصاص،
أن الاختصاص انفراد بعض الأشياء بمعنى دون غيره كالانفراد بالعلم و الملك، و الانفراد تصحيح النفس
__________________________________________________
(1) فى نسخة «و تريد» بزيادة واو.
132
الفروق في اللغة
الفرق بين الانفراد و الاختصاص ص 132
و غير النفس، و ليس كذلك الاختصاص لانه نقيض الاشتراك، و الانفراد نقيض الازدواج، و الخاصة تحتمل الاضافة و غير الاضافة لأنها نقيض العامة فلا يكون الاختصاص الا على الاضافة لانه اختصاص بكذا دون كذا.
(الفرق) بين الواحد و الأوحد
أن الأوحد يفيد أنه فارق غيره ممن شاركه في فن من الفنون و معنى من المعاني كقولك فارق فلان أوحد دهره في الجود و العلم تريد أنه فوق أهله في ذلك.
(الفرق) بين الفذ و الواحد
أن الفذ يفيد التقليل دون التوحيد يقال لا يأتينا فلان الا في الفذ أي القليل، و لهذا لا يقال لله تعالى فذ كما يقال له فرد.
(الفرق) بين الواحد و المنفرد
أن المنفرد يفيد التخلي و الانقطاع من القرناء، و لهذا لا يقال لله سبحانه و تعالى منفرد كما يقال إنه متفرد و معنى المتفرد في صفات الله تعالى المتخصص بتدبير الخلق و غير ذلك مما يجوز أن يتخصص به من صفاته و أفعاله.
(الفرق) بين الواحد و الوحيد و الفريد
أن قولك الوحيد و الفريد يفيد التخلي من الاثنين يقال فلان فريد و وحيد يعني أنه لا أنيس له، و لا يوصف الله تعالى به لذلك.
(الفرق) بين قولنا تفرد و بين قولنا توحد
أنه يقال تفرد بالفضل و النبل، و توحد تخلى.
(الفرق) بين الوحدة و الوحدانية
أن الوحدة التخلي، و الوحدانية تفيد نفي الاشكال و النظراء و لا يستعمل في غير الله و لا يقال لله واحد من طريق العدد، و لا يجوز أن يقال إنه ثان لزيد لأن الثاني يستعمل فيما يتماثل، و لذلك لا يقال زيد ثان للحمار و لا يقال أنه أحد الاشياء لما في ذلك من الايهام و التشبيه «1» و لا أنه بعض العلماء و ان كان وصفه بأنه
__________________________________________________
(1) في السكندرية «من ايهام التشبيه».
133
الفروق في اللغة
الفرق بين الوحدة و الوحدانية ص 133
عالم يفيد فيه ما يفيد فيهم.
(الفرق) بين واحد و أحد
أن معنى الواحد أنه لا ثاني له فلذلك لا يقال في التثنية واحدان كما يقال رجل و رجلان ولكن قالوا اثنان حين أرادوا أن كل واحد منهما ثان للآخر، و أصل أحد أوحد مثل أكبر و إحدى مثل كبرى، فلما وقعا اسمين و كانا كثيري «1» الاستعمال، هربوا في احدى الى الكبرى ليخف و حذفوا الواو ليفرق بين الاسم و الصلة و ذلك أن أوحد اسم و أكبر صفة و الواحد فاعل من وحد يحد و هو واحد مثل وعد يعد و هو واعد و الواحد هو الذي لا ينقسم في وهم و لا وجود، و أصله الانفراد في الذات على ما ذكرنا، و قال صاحب العين: الواحد أول العدد، وحد الاثنين ما يبين أحدهما عن صاحبه بذكر أو عقد فيكون ثانيا له بعطفه عليه و يكون الأحد أولا له و لا يقال إن الله ثاني اثنين و لا ثالث ثلاثة لأن ذلك يوجب المشاركة في أمر تفرد به فقوله تعالى (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ) معناه أنه ثاني اثنين في التناصر و قال تعالى (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) لانهم أوجبوا مشاركته فيما ينفرد به من القدم و الالهية فأما قوله تعالى (إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) فمعناه «2» أنه يشاهدهم كما تقول للغلام اذهب حيث شئت فأنا معك تريد أن خبره لا يخفى عليك.
(الفرق) بين الكل و الجمع
أن الكل عند بعضهم هو الاحاطة بالأجزاء، و الجمع الاحاطة بالابعاض، و أصل الكل من قولك تكلله أي أحاط به، و منه الاكليل سمي بذلك لاحاطته بالرأس، قال و قد يكون الاحاطة بالابعاض في قولك كل الناس و يكون الكل ابتداء توكيدا كما يكون أجمعون إلا أنه يبدأ في الذكر بكل كما قال الله تعالى (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ)* لأن كلا تلى العوامل و يبدأ به و أجمعون لا يأتي
__________________________________________________
(1) في نسخة «كثيرين» و هو لحن.
(2) في السكندرية «فمعنى أنه» و لعله تحريف.
134
الفروق في اللغة
الفرق بين الكل و الجمع ص 134
الا بعد مذكور، و الصحيح أن الكل يقتضي الاحاطة بالابعاض، و الجمع يقتضي الاجزاء ألا ترى أنه كما جاز أن ترى جميع أبعاض الانسان جاز أن تقول رأيت كل الانسان و لما لم يجز أن ترى جميع أجزائه لم يجز أن تقول رأيت جميع الانسان، و أخرى فان الابعاض تقتضي كلا و الأجزاء لا تقتضي كلا ألا ترى أن الاجزاء يجوز أن يكون كل واحد منهما شيئا بانفراده و لا يقتضي كلا، و لا يجوز أن يكون كل واحد من الابعاض شيئا بانفراده لأن البعض يقتضي كلا و جملة.
(الفرق) بين البعض و الجزء
أن البعض ينقسم و الجزء لا ينقسم و الجزء يقتضي جمعا و البعض يقتضي كلا، و قال بعضهم يدخل الكل على أعم العام و لا يدخل البعض على أخص الخاص و العموم ما يعبر به الكل و الخصوص ما يعبر عنه البعض أو الجزء و قد يجيء الكل للخصوص بقرينة تقوم مقام الاستثناء كقولك لزيد في كل شيء يد و يجيء البعض بمعنى الكل كقوله تعالى (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) و حد البعض ما يشمله و غيره اسم واحد و يكون في المتفق و المختلف كقولك الرجل بعض الناس و قولك السواد بعض الألوان و لا يقال الله تعالى بعض الاشياء و ان كان شيئا واحدا يجب افراده بالذكر لما يلزم من تعظيمه و في القرآن (وَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) و لم يقل يرضوهما، و قيل حد البعض التناقص عن الجملة، و قال البلخي رحمه الله البعض أقل من النصف، وحد الجزء الواحد من ذا الجنس، و لهذا لا يسمى القديم جزءا كما يسمى واحدا.
(الفرق) بين الجزء من الجملة و السهم من الجملة
أن الجزء منها ما انقسمت عليه فالاثنان جزء من العشرة لانهما ينقسمان عليها و الثلاثة ليست بجزء منها لانها لا تنقسم عليها و كل ذلك يسمى سهما منها كذا حكى بعضهم، و السهم في اللغة السدس كذا حكى عن ابن مسعود و لذلك قسمت عليه الدوانيق لأنه هو العدد التام المساوي لجميع أجزائه، و الجزء هو مقدار من مقدار كالقليل من الكثير اذا كان يستوعب، فدرهم و درهمان
135
الفروق في اللغة
الفرق بين الجزء من الجملة و السهم من الجملة ص 135
و ثلاثة أجزاء الستة و الستة تتم بأجزائها و لو قلت هذا من الثمانية لنقض لأن أجزاء الثمانية هو واحد و اثنان و أربعة و ليست ثلاثة بجزء من الثمانية لان الجزء ما يتم به العدد و الثلاثة لا تتم بها الثمانية فلما كانت الستة هي العدد التام لجميع أجزائه و عليه قسمت الدوانيق فالسهم منه هو السدس لانه جزء العدد التام قالوا فاذا أوصى له بسهم من ماله فان السهم يقع على السدس و يقع على سهام الورثة و ما يدخل في قسمة الميراث فأنصباء الورثة تسمى سهاما فتعطيه مثل أحسن سهام الورثة اذا كان أقل من السدس لأنا لا نعطيه الزيادة على الأخس الا بدلالة و ان كان أنقص من السدس نقصناه من السدس لانه يسمى سهما و لا نزيده على السدس لان السدس يعبر عنه بالسهم فلا نزيده عليه الا بدلالة.
(الفرق) بين الجمع و الحشر
أن الحشر هو الجمع مع السوق، و الشاهد قوله تعالى (وَ ابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) أي ابعث من يجمع السحرة و يسوقهم اليك و منه يوم الحشر لأن الخلق يجمعون فيه و يساقون الى الموقف، و قال صاحب المفصل لا يكون الحشر الا في المكروه، و ليس كما قال لأن الله تعالى يقول (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) و تقول القياس جمع بين مشتبهين يدل الأول على صحة الثاني و لا يقال في ذلك حشر و انما يقال الحشر فيما يصح فيه السوق على ما ذكرنا و أقل الجمع عند شيوخنا ثلاثة، و كذلك هو عند الفقهاء، و قال بعضهم اثنان و احتج بأنه مشتق من اجتماع شيء الى شيء و هذا و إن كان صحيحا فانه قد خص به شيء بعينه، كما أن قولنا دابة و ان كان يوجب اشتقاقه إن جرى على كل ما دب فانه قد خص به شيء بعينه فاما
قوله عليه الصلاة و السلام «الاثنان فما فوقهما جماعة».
فان ذلك ورد في الحكم لا في تعليم الاسم لان كلامه صلى اللّه عليه و سلم يجب أن يحمل على ما يستفاد من جهته دون ما يصح أن يعلم من جهته، و أما قوله تعالى (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا) و قوله تعالى (وَ كُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) يعني داود و سليمان
136
الفروق في اللغة
الفرق بين الجمع و الحشر ص 136
عليهما السلام فان ذلك مجاز كقوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) و لو كان لفظ الجمع حقيقة في الاثنين لعقل منه الاثنان كما يعقل منه الثلاثة، و اذا كان قول الرجل رأيت الرجال لا يفهم منه الا ثلاثة علمنا أن قول الخصم باطل.
(الفرق) بين الجمع و التأليف
أن بعضهم قال لفظ التأليف في العربية يدل على الالصاق و لفظ الجمع لا «1» يدل على ذلك ألا ترى انك تقول جمعت بين القوم في المجلس فلا يدل ذلك على أنك ألصقت أحدهم بصاحبه و لا تقول ألفتهم بهذا المعنى و تقول فلان يؤلف بين الزانيين لما يكون من التزاق أحدهما بالآخر عند النكاح و لذلك لا يستعمل التأليف الا في الاجسام، و الجمع يستعمل في الاجسام و الاعراض فيقال تجتمع في الجسم أعراض، و لا يقال تتألف فيه أعراض، و لهذا يستعار في القلوب لأنها أجسام فيقال ألف بين القلوب كما قال الله تعالى (وَ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) و يقال جمع بين الاهواء و لا يقال ألف بين الاهواء لانها أعراض، و عندنا أن التأليف و الألفة في العربية تفيد الموافقة، و الجمع لا يفيد ذلك ألا ترى أن قولك تألف الشيء و ألفته يفيد موافقة بعضه لبعض و قولك اجتمع الشيء و جمعته لا يفيد ذلك و لهذا قال تعالى (وَ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) لأنها اتفقت على المودة و المصافاة، و منه قيل الالفان و الأليفان لموافقة أحدهما صاحبه على المودة و التواصل و الأنسة، و التأليف عند المتكلمين ما يجب حلوله في محلين فانما قيل يجب ليدخل فيه المعدوم، و الاجتماع عندهم ما صار به الجوهر ان بحيث لا قرب أقرب منه، و قد يسمون التأليف مماسة و اجتماعا، و قال بعضهم الخشونة و اللين و الصقال يرجع الى التأليف، و قال آخرون يرجع الى ذهاب الجسم في جهات.
(الفرق) بين البنية و التأليف
أن البنية من التأليف يجري في استعمال
__________________________________________________
(1) «لا» غير موجودة في النسخ.
137
الفروق في اللغة
الفرق بين البنية و التأليف ص 137
المتكلمين على ما كان حيوانا يقولون القتل نقض البنية و التأليف عندهم عام، و أهل اللغة يجرونها على البناء يقولون بنية و بنية و قال بعضهم بنى بنية من البناء و بنية من المجد و أنشد قول الحطيئة:
أولئك قوم ان بنوا أحسنوا البنا و ان عاهدوا أوفوا و ان عقدوا شدوا
(الفرق) بين التأليف و التصنيف
أن التأليف أعم من التصنيف و ذلك أن التصنيف تأليف صنف من العلم و لا يقال للكتاب إذا تضمن نقض شيء من الكلام مصنف لأنه جمع الشيء و ضده و القول و نقيضه، و التأليف يجمع ذلك كله و ذلك أن تأليف الكتاب هو جمع لفظ الى لفظ و معنى الى معنى فيه حتى يكون كالجملة الكافية فيما يحتاج اليه سواء «1» كان متفقا أو مختلفا و التصنيف مأخوذ من الصنف و لا يدخل في الصنف غيره.
(الفرق) بين الضم و الجمع
أن الضم جمع أشياء كثيرة، و خلافه البث و هو تفريق أشياء كثيرة، و لهذا يقال اضمامة من كتب لأنها أجزاء كثيرة، ثم كثر حتى استعمل في الشيئين فصاعدا و الأصل ما قلنا، و الشاهد
قوله عليه الصلاة و السلام «ضموا مواشيكم حتى تذهب فحمة الليل».
و يجوز أن يقال ان ضم الشيء الى الشيء هو أن يلزقه به، و لهذا يقال ضممته الى صدري، و الجمع لا يقتضي ذلك.
(الفرق) بين المماسة و الكون
أن الكون هو ما يوجب حصول الجسم في المحادثات و يحل في الجزء و المفرد، و المماسة لا توجد الا في الجزئين و أيضا فانك تبطل الكون من الحجر بنقلك اياه من غير أن تبطل مماسته، و تبطل مماسة الجسم بنقل جسم عنه من غير أن يبطل كونه، و أيضا فان الجسم قد تم بين الجسم من الجهات الست و لا يكون كائنا الا في مكان واحد و أيضا فانه يوجد الكون و المكان معدوم و لا توجد المماسة
__________________________________________________
(1) في النسخ «و سواء» بزيادة واو في جميع المواضع السابقة المشابهة لما هنا.
138
الفروق في اللغة
الفرق بين المماسة و الكون ص 138
و المماس معدوم، و أيضا فان المماسة تحل المماس و تحل «1» مكانه، و الكون لا يحل إلا مكانه.
(الفرق) بين المماسة و الاعتماد
أنه يماس الجسم ما فوقه و لا يعتمد على ما فوقه و المماسة تكون في الجهات و الاعتماد لا يكون الا في جهة واحدة و الاعتماد هو المعنى الذي من شأنه في الوجود أن يوجب حركة محله الى احدى الجهات الست مع زوال الموانع.
(الفرق) بين الاعتماد و الكون
أن الاعتماد يحل في غير جهة مكانه و لا يجوز أن يحل الكون في غير جهة مكانه.
(الفرق) بين الاعتماد و السكون
أنه قد يجوز أن يسكن الرجل يده ببسطه اياها في الهواء أو على شيء من غير أن يعتمد عليه، و لذلك قد يحرك يده مباشرة من غير أن يعتمد على شيء.
(الفرق) بين الاعتماد و المصاكة
أن المصاكة لا تكون إلا مع صوت، و الاعتماد قد يكون بلا صوت و ذلك أن المصاكة كون يحصل معه اعتماد و له صوت «2» و لا يكون إلا في جسم صلب.
(الفرق) بين السكون و الحركة
أن السكون يوجد في الجوهر في كل وقت و لا يجوز خلوه منه و ليس كذلك الحركة لأن الجسم يخلو منها الى السكون.
(الفرق) بين الاضطراب و الحركة
أن الاضطراب حركات متوالية في جهتين مختلفتين و هو افتعال من ضرب يقال اضطرب الشيء كأن بعضه يضرب بعضا فيتمحص. و لا يكون الاضطراب الا مكروها فيما هو حقيقة فيه أو غير حقيقة ألا ترى أنه يقال اضطربت السفينة و اضطرب حال زيد و اضطرب الثوب، و كل ذلك مكروه و ليس الحركة كذلك.
(الفرق) بين النقلة و الحركة
أن النقلة لا تكون الا عن مكان و هي
__________________________________________________
(1) في نسخة «و توجد».
(2) في السكندرية «ولد صوتا».
139
الفروق في اللغة
الفرق بين النقلة و الحركة ص 139
التحول منه الى غيره، و الحركة قد تكون لا عن مكان و ذلك أن الجسم قد يجوز أن يحدثه الله تعالى لا في مكان و لا يخلو من الحركة أو السكون في الحال الثاني فان تحرك تحرك لا عن مكان و إن سكن سكن لا في مكان.
(الفرق) بين الانتقال و الزوال
أن الانتقال فيما ذكر علي بن عيسى يكون في الجهات كلها، و الزوال يكون في بعض الجهات دون بعض ألا ترى أنه لا يقال زال من سفل إلى علو كما يقال انتقل من سفل الى علو، قلنا و يعبر عن العدم بالزوال فنقول زالت علة زيد، و الانتقال يقتضي منتقلا اليه و الشاهد أنك تعديه بإلى و الزوال لا يقتضي ذلك، و الزوال أيضا لا يكون الا بعد استقرار و ثبات صحيح أو مقدر تقول زال ملك فلان و لا تقول ذلك إلا بعد ثبات الملك له و تقول زالت الشمس و هذا وقت الزوال و ذلك أنهم كانوا يقدرون أن الشمس تستقر في كبد السماء ثم تزول و ذلك لما يظن من بطء حركتها اذا حصلت هناك. و لهذا قال شاعرهم:
و زالت زوال الشمس عن مستقرها فمن مخبري في أي أرض غروبها
و ليس كذلك الانتقال.
(الفرق) بين الكون و السكون
أن الجوهر في حال وجوده كائن و ليس بساكن، و الكون في حال خلق الله تعالى الجسم يسمى كونا فقط و ما يوجد عقيب ضده منها حركة و يجب أن تحد الحركة بأنها كون يقع عقيب ضده بلا فصل احترازا من أن يوجد عقيب ضده و قد كان عدم، و السكون هو الذي يوجب كون الجسم في المحاذاة التي كان فيها بلا فصل و دخل فيه الباقي و الحادث، و اعلم أن القيام و القعود و الاضطجاع و الصعود و النزول و ما شاكل ذلك عبارات عن أكوان تقع على صفات معقولة.
(الفرق) بين المجاورة و الاجتماع
قال علي بن عيسى المجاورة تكون بين جزءين، و الاجتماع يكون بين ثلاثة أجزاء فصاعدا و ذلك أن أقل الجمع ثلاثة و الشاهد تفرقة أهل اللغة بين التثنية و الجمع كتفرقتهم بين
140
الفروق في اللغة
الفرق بين المجاورة و الاجتماع ص 140
الواحد و التثنية فالاثنان ليس بجمع كما أن الواحد ليس باثنين قال و لا يكاد العارف بالكلام يقول اجتمعت مع فلان إلا إذا كان معه غيره فاذا لم يكن معه غيره قال أحضرته و لم يقل اجتمعت معه كذا قال و الذي يقولونه ان أصل المجاورة في العربية تقارب المحال من قولك أنت جاري و أنا جارك و بيننا جوار، و لهذا قال بعض البلغاء الجوار قرابة بين الجيران ثم استعملت المجاورة في موضع الاجتماع مجازا ثم كثر ذلك حتى صار كالحقيقة.
(الفرق) بين التأليف و الترتيب و التنظيم
أن التأليف يستعمل فيما يؤلف على استقامة أو على اعوجاج، و التنظيم و الترتيب لا يستعملان إلا فيما يؤلف على استقامة، و مع ذلك فان بين الترتيب و التنظيم فرقا و هو أن الترتيب هو وضع الشيء مع شكله و التنظيم هو وضعه مع ما يظهر به، و لهذا استعمل النظم في العقود و القلائد لأن خرزها ألوان يوضع كل شيء منها مع ما يظهر به لونه.
(الفرق) بين قولنا الجمع و قولنا أجمع
أن أجمع اسم معرفة يؤكد به الاسم المعرفة نحو قولك المال لك أجمع و هذا مالك أجمع و لا ينصرف لأنه أفعل معرفة و الشاهد على أنه معرفة أنه لا يتبع نكرة أبدا و يجمع فيقال عندي إخوانك أجمعون و مررت باخوانك أجمعين و لا يكون الا تابعا لا يجوز مررت بأجمعين و جاءني أجمعون و مؤنثه جمعاء يقال طفت بدارك جمعاء و يجمع فيقال مررت بجواريك جمع و جاءني جواريك جمع، و أجمع جمع جمع تقول جاءني القوم بأجمعهم كما تقول جاءني القوم بأفلسهم و أكلبهم و أعبدهم، و ليس هذا الحرف من حروف التوكيد و الشاهد دخول العامل عليه و إضافته و أجمع الذي هو للتوكيد لا يضاف و لا يدخل عليه عامل و من أجاز فتح الجيم في قولك جاءني القوم بأجمعهم فقد أخطأ.
141
الفروق في اللغة
الفرق بين ما يخالف الجمع و التأليف ص 142
الفرق بين ما يخالف الجمع و التأليف
(الفرق) بين التفريق و التفكيك
أن كل تفكيك تفريق و ليس كل تفريق تفكيكا و إنما التفكيك ما يصعب من التفريق و هو تفريق الملتزقات من المؤلفات و التفريق يكون فيها و في غيرها و لهذا لا يقال فككت النخالة بعضها من بعض كما يقال فرقتها، و قيل التفريق تفكيك ما جمع و ألف تقريبا، و هذا يقوله من لا يثبت للالتزاق معنى غير التأليف.
(الفرق) بين الفصل و الفرق
أن الفصل يكون في جملة واحدة، و لهذا يقال فصل الثوب و هذا فصل في الكتاب لأن الكتاب جملة واحدة ثم كثر حتى سمي ما يتضمن جملة من الكلام فصلا و لهذا أيضا يقال فصل الأمر لأنه واحد و لا يقال فرق الامر لان الفرق خلاف الجمع فيقال فرق بين الامرين كما يقال جمع بين الأمرين و قال المتكلمون الحد ما أبان الشيء و فصله من أقرب الأشياء شبها به، لأنه اذا قرب شبهه منه صارا كالشيء الواحد و يقال أيضا فصلت العضو و هذا مفصل الرسغ و غيره لأن العضو من جملة الجسد و لا يقال في ذلك فرقت لأنه ليس بائنا منه، و قال بعضهم ما كان من الفرق ظاهرا و لهذا يقال لما تضمن جنسا من الكلام فصل واحد لظهوره و تجليه و لما كان الفصل لا يكون الا ظاهرا قالوا فصل الثوب و لم يقولوا فرق الثوب ثم قد تتداخل الكلمتان لتقارب معناهما.
(الفرق) بين الفصل و الفتح
أن الفتح هو الفصل بين الشيئين ليظهر ما وراءهما و منه فتح الباب ثم اتسع فيه فقيل فتح الى المعنى فتحا اذ كشفه و سميت الأمطار فتوحا و الفاتح الحاكم و قد فتح بينهما أي حكم و منه قوله تعالى (افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ).
(الفرق) بين القصم و الفصم
أن القصم بالقاف الكسر مع الابانة قال أبو بكر القصم مصدر قصمت الشيء قصما اذا كسرته و القصمة من الشيء القطعة منه و الجمع قصم. و الفصم بالفاء كسر من غير إبانة قال أبو بكر انفصم الشيء انفصاما اذا تصدع و لم ينكسر، قال أبو هلال و منه
142
الفروق في اللغة
الفرق بين القصم و الفصم ص 142
قوله تعالى (لَا انْفِصامَ لَها) و لم يقل لا انفصام لها لأن الانفصام أبلغ فيما أريد به ههنا و ذلك أنه اذا لم يكن لها انفصام كان أحرى أن لا يكون لها انقصام.
(الفرق) بين القط و القد
أن القط هو القطع عرضا و منه قط القلم و المقط بفتح الميم موضع القط من رأس القلم و يكون مصدرا و مكانا، و المقط بكسر الميم ما يقط عليه، و القد القطع طولا و كل شيء قطعته طولا فقد قددته و في الحديث أن عليا عليه السلام كان اذا علا بالسيف قد و اذا اعترض قط.
(الفرق) بين التفريق و الشعب
أن الشعب تفريق الأشياء المجتمعة على ترتيب صحيح ألا ترى أنك اذا جمعته و رتبته ترتيبا صحيحا قلت شعبته أيضا فهو يقع على الشيء و ضده لأن الترتيب يجمعهما.
(الفرق) بين قولك فرقه و بين قولك بثه
أن قولك فرق يفيد أنه باين بين مجتمعين فصاعدا، و قولك بث يفيد تفريق أشياء كثيرة في مواضع مختلفة متباينة و اذا فرق بين شيئين لم يقل انه بث و في القرآن (وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ)*.
(الفرق) بين الفرق و التفريق
أن الفرق خلاف الجمع، و التفريق جعل الشيء مفارقا لغيره حتى كأنه جعل بينهما فرقا بعد فرق حتى تباينا و ذلك أن التفعيل لتكثير الفعل و قيل فرق الشعر فرقا بالتخفيف لأنه جعله فرقتين و لم يتكرر فعله فيه، و الفرق أيضا الفصل بين الشيئين حكما أو خبرا و لهذا قال الله تعالى (فَافْرُقْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) أي أفصل بيننا حكما في الدنيا و الآخرة، و من هذا فرق بين الحق و الباطل.
(الفرق) بين الفلق و الشق
أن الفلق على ما جاء في التفسير هو الشق على أمر كبير و لهذا قال تعالى (فالِقُ الْإِصْباحِ) و يقال فلق الحبة عن السنبلة و فلق النواة عن النخلة و لا يقولون في ذلك شق لأن في الفلق المعنى الذي ذكرناه و من ثم سميت الداهية فلقا و فليقة.
143
الفروق في اللغة
الفرق بين القطع و الفصل ص 144
(الفرق) بين القطع و الفصل
أن الفصل هو القطع الظاهر و لهذا يقال فصل الثوب و القطع يكون ظاهرا و خافيا كالقطع في الشيء الملزق المموه و لا يقال لذلك فصل حتى يبين أحد المفصولين عن الآخر، و من ثم يقال فصل بين الخصمين اذا ظهر الحق على أحدهما فزال تعلق أحدهما بصاحبه فتباينا و لا يقال في ذلك قطع، و يقال قطعه في المناظرة لأنه قد يكون ذلك من غير أن يظهر و من غير أن يقطع شغبه و خصومته.
و مما يجري مع هذا الباب
(الفرق) بين قولنا الجسم لا ينفك من كذا و قولنا لا يبرح و لا يزال و لا يخلو و لا يعرى
أن قولنا لا يخلو يستعمل فيما لا يكون هيئة يشاهد عليها كالطعوم و الروائح و ما جرى مجراها لأن الشيء يخلو من الشيء اذا كان كالطرف له و لهذا يقال خلا البيت من فلان و من كذا و لا يقال عري منه لأن العري إنما هو مما يكون هيئة يشاهد عليها كالالوان و نحوها، و أصله من قولك عري زيد من ثيابه لأن الثياب كالهيئة له و لا يقال خلا منها، و الانفكاك انما يستعمل في المتجاورين أو ما في حكمهما لأن أصله من التفكك و هو انما يكون بين الاشياء الصلبة المؤلفة، و لهذا يستعمل المتكلمون الانفكاك في الاجتماع و الألوان لان ذلك في حكم المجاورة و يستعمل في الافتراق أيضا لأن الافتراق يقع مع الاجتماع في اللفظ كثيرا، و اذا قرب اللفظ من اللفظ في الخطاب أجري مجراه في أكثر الأحوال.
(الفرق) بين قولنا لم ينفك و لم يبرح و لم يزل
أن قولنا لم ينفك يقتضي غيرا لم ينفك منه و هو يستعمل فيما كان الموصوف به لازما لشيء أو مقارنا له أو مشبها بذلك على ما ذكرنا، و لم يبرح يقتضي مكانا لم يبرح منه، و ليس كذلك لم يزل فيما قال علي بن عيسى انما يستعمل فيما يوجب التفرقة به كقولك لم يزل موجودا وحده و لا يقال لم ينفك
144
الفروق في اللغة
الفرق بين قولنا لم ينفك و لم يبرح و لم يزل ص 144
زيد وحده، و قال النحويون: لم حرف نفي و زال فعل نفي و معناه ضد دام فلما دخلت عليه صار معناه دام فقولك لم يزل موجودا بمعنى قولك دام موجودا لأن نفي النفي ايجاب و ما في قولك ما زال حرف نفي و في قولك ما دام اسم مبهم ناقص و دام صلتها.
(الفرق) بين الفصل و الفتق
أن الفتق بين الشيئين اللذين كانا ملتئمين أحدهما متصل بالآخر فاذا فرق بينهما فقد فتقا، و ان كان الشيء واحد ففرق بعضه من بعض قيل قطع و فصل و شق و لم يقل فتق و في القرآن (كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) و الرتق مصدر رتق رتقا إذا لم يكن بينهما فرجة و الرتقاء من النساء التي يمتنع فتقها على مالكها.
145
الفروق في اللغة
الباب التاسع في الفرق بين المثل و الشبه و العديل و النظير و ما يخالف ذلك من المختلف و المتضاد و المتنافي و ما يجري مع ذلك
الباب التاسع في الفرق بين المثل و الشبه و العديل و النظير و ما يخالف ذلك من المختلف و المتضاد و المتنافي و ما يجري مع ذلك
(الفرق) بين الشبه و الشبيه
أن الشبه أعم من الشبيه ألا تراهم يستعملون الشبه في كل شيء و قلما يستعمل الشبيه إلا في المتجانسين تقول زيد يشبه الأسد أو شبه الكلب، و لا يكادون يقولون شبيه الأسد و شبيه الكلب و يقولون زيد شبيه عمرو لان باب فعيل حكمه أن يكون اسم الفاعل الذي يأتي فعله على فعل و لا يأتي ذلك في الصفات فاذا قلت زيد شبيه عمرو فقد بالغت في تشبيهه به و أجريته مجرى ما ثبت لنفسه و اضافته اليه اضافة صحيحة، و إذا قلت زيد شبه عمرو و عمرو شبه الأسد فهو على الانفصال أي شبه لعمرو و شبه للأسد لأنه نكرة و كذلك المثل، و لهذا تدخل عليه رب و إن أضيف الى الكاف قال الشاعر:
يا رب مثلك في النساء عزيزة بيضاء قد متعتها بطلاق
فأدخل رب على مثلك و لا تدخل رب إلا على النكرات، و أما الشبه فمصدر سمي به، يقال الشبه بينهما ظاهر، و في فلان شبه من فلان، و لا يقال فلان شبه، و الشبه عند الفقهاء الصفة التي اذا اشترك فيها الاصل و الفرع وجب اشتراكهما في الحكم، و عند المتكلمين ما اذا اشترك فيه اثنان كانا
146
الفروق في اللغة
الفرق بين الشبه و الشبيه ص 146
مثلين، و كذلك الفرق بين العدل و العديل سواء و ذلك أن العدل أعم من العديل و ما كان أعم فانه «1» أخص بالنكرة فهو للجنس و غير الجنس تقول عمرو عدل و زيد عديله و عدل الأسد و لا يقال عديله، و قال بعض النحويين مثل و غير و شبه و سوى لا تتعرف بالاضافة و إن أضيفت الى المعرفة للزوم الاضافة لمعناها و غلبتها على لفظها و ذلك أنك اذا قلت هذا المثل لم تخرجه عن أن يكون له مثل آخر و لا يكاد يستعمل الا على الاضافة حتى ذكر بعض النحويين أنه لا يجوز الغير انما تقول غيرك و غير زيد و نحو هذا، و شبيهك معرفة و شبهك نكرة تقول مررت برجل شبهك على الصفة و لا يجوز برجل شبيهك لأن شبيها معرفة و رجل نكرة و لا يوصف نكرة بمعرفة و لا معرفة بنكرة، و الدليل على أن شبيهك نكرة و ان أضفته الى الكاف أنه يكون صفة لنكرة و المراد به الانفصال و لا يجوز شبه بك كما يجوز شبيه بك و ذلك أن معنى شبيه بك المعروف بشبهك فأما شبهك فبمنزلة مثلك عرف بشبهه أو لم يعرف.
(الفرق) بين المِثْل و المَثَل
ان المثلين ما تكافآ في الذات «2» و المثل بالتحريك الصفة قال الله تعالى (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ)* أي صفة الجنة، و قولك ضربت لفلان مثلا معناه انك وصفت له شيئا، و قولك مثل هذا كمثل هذا أي صفته كصفته و قال الله تعالى (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) و حاملو التوراة لا يماثلون الحمار ولكن جمعهم و اياه صفة فاشتركوا فيها.
(الفرق) بين المثل و الند
أن الند هو المثل المناد من قولك ناد فلان فلانا اذا عاداه و باعده و لهذا سمي الضد ندا، و قال صاحب العين: الند ما كان مثل الشيء يضاده في أموره و النديد مثله و الندود الشرود و التناد التنافر و أنددت البعير و نددت بالرجل سمعت بعيوبه، و أصل الباب
__________________________________________________
(1) في السكندرية «فهو».
(2) في نسخة «ان المثل ما يكافئ الذات».
147
الفروق في اللغة
الفرق بين المثل و الند ص 147
التشريد فالند لمناداته لصاحبه كأنه يريد تشريده.
(الفرق) بين المثل و الشكل
أن الشكل هو الذي يشبه الشيء في أكثر صفاته حتى يشكل الفرق بينهما، و يجوز أن يقال ان اشتقاقه من الشكل و هو الشمال واحد الشمائل قال الشاعر:
حي الحمول بجانب الشكل اذ لا يلائم شكلها شكلي
أي لا توافق شمائلها شمائلي فمعنى قولك شاكل الشيء الشيء انه أشبهه في شمائله، ثم سمي المشاكل شكلا كما يسمى الشيء بالمصدر، و لهذا لا يستعمل الشكل إلا في الصور فيقال هذا الطائر شكل هذا الطائر، و لا يقال الحلاوة شكل الحلاوة، و مثل الشيء ما يماثله و ذاته.
(الفرق) بين المثل و النظير
أن المثلين ما تكافآ في الذات «1» على ما ذكرنا، و النظير ما قابل نظيره في جنس افعاله و هو متمكن منها، كالنحوي نظير النحوي، و ان لم يكن له مثل كلامه في النحو أو كتبه فيه و لا يقال النحوي مثل النحوي لأن التماثل يكون حقيقة في أخص الأوصاف و هو الذات.
(الفرق) بين المثلين و المتفقين
أن التماثل يكون بين الذوات على ما ذكرنا و الاتفاق يكون في الحكم و الفعل، تقول وافق فلان فلانا في الأمر و لا تقول ماثله في الأمر.
(الفرق) بين المثل و العديل
أن العديل ما عادل أحكامه أحكام غيره و ان لم يكن مثلا له في ذاته و لهذا سمي العدلان عدلين و ان لم يكونا مثلين في ذاتهما ولكن لاستوائهما في الوزن فقط.
(الفرق) بين الشبه و المثل
أن الشبه يستعمل فيما يشاهد فيقال السواد شبه السواد و لا يقال القدرة كما يقال مثلها. و ليس في الكلام شيء يصلح في المماثلة إلا الكاف و المثل فأما الشبه و النظير فهما من جنس
__________________________________________________
(1) في الاصل «ان المثل ما يكافأ في الذات».
148
الفروق في اللغة
الفرق بين الشبه و المثل ص 148
المثل و لهذا قال الله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) فأدخل الكاف على المثل و هما الاسمان اللذان جعلا للمماثلة فنفى بهما الشبه عن نفسه فأكد النفي بذلك.
(الفرق) بين العِدل و العَدل
أن العدل بالكسر المثل تقول عندي عدل جاريتك فلا يكون الا على جارية مثلها، و العدل من قولك عندي عدل جاريتك فيكون على قيمتها من الثمن و منه قوله تعالى (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً).
(الفرق) بين المساواة و المماثلة
أن المساواة تكون في المقدارين اللذين لا يزيد أحدهما على الآخر و لا ينقص عنه و التساوي التكافؤ في المقدار، و المماثلة هي أن يسد أحد الشيئين مسد الآخر كالسوادين.
(الفرق) بين كاف التشبيه و بين المثل
أن الشيء يشبه بالشيء من وجه واحد لا يكون مثله في الحقيقة الا اذا أشبهه من جميع الوجوه لذاته فكأن الله تعالى لما قال (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) أفاد أنه لا شبه له و لا مثل و لو كان قوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) نفيا أن يكون لمثله مثيل لكان قولنا ليس كمثل زيد رجل مناقضة لأن زيدا مثل من هو مثله و التشبيه بالكاف يفيد تشبيه الصفات بعضها ببعض و بالمثل يفيد تشبيه الذوات بعضها ببعض «1» تقول ليس كزيد رجل أي في بعض صفاته لأن كل أحد مثله في الذات، و فلان كالأسد أي في الشجاعة دون الهيئة و غيرها من صفاته و تقول السواد عرض كالبياض و لا تقول مثل البياض.
(الفرق) بين الاستواء و الاستقامة
أن الاستواء هو تماثل أبعاض الشيء و اشتقاقه من السي و هو المثل كأن بعضه سي بعض أي مثله، و نقيضه التفاوت و هو أن يكون بعض الشيء طويلا و بعضه قصيرا و بعضه تاما و بعضه ناقصا. و الاستقامة الاستمرار على سنن واحد و نقيضها
__________________________________________________
(1) هذه الجملة ساقطة من الأصل، و التصويب من السكندرية.
149
الفروق في اللغة
الفرق بين الاستواء و الاستقامة ص 149
الاعوجاج و طريق مستقيم لا اعوجاج فيه.
(الفرق) بين الاستواء و الانتصاب
أن الاستواء يكون في الجهات كلها و الانتصاب لا يكون إلا علوا.
الفرق بين ما يخالف ذلك
(الفرق) بين الاختلاف و التفاوت
أن التفاوت كله مذموم و لهذا نفاه الله تعالى عن فعله فقال (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) و من الاختلاف ما ليس بمذموم ألا ترى قوله تعالى (وَ لَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ) فهذا الضرب من الاختلاف يكون على سنن واحد و هو دال على علم فاعله، و التفاوت هو الاختلاف الواقع على غير سنن و هو دال على جهل فاعله.
(الفرق) بين الاعوجاج و الاختلاف
أن الاعوجاج من الاختلاف ما كان يميل الى جهة ثم يميل الى أخرى و ما كان في الارض و الدين و الطريقة فهو عوج مكسور الأول تقول في الارض عوج و في الدين عوج مثله و العوج بالفتح ما كان في العود و الحائط و كل شيء منصوب.
(الفرق) بين الاختلاف في المذاهب و الاختلاف في الاجناس
أن الاختلاف في المذاهب هو ذهاب أحد الخصمين الى خلاف ما ذهب اليه الآخر، و الاختلاف في الأجناس امتناع أحد الشيئين من أن يسد مسد الآخر و يجوز أن يقع الاختلاف بين فريقين و كلاهما مبطل كاختلاف اليهود و النصارى في المسيح.
(الفرق) بين المختلف و المتضاد
أن المختلفين اللذين لا يسد أحدهما مسند الآخر في الصفة التي يقتضيها جنسه مع الوجود كالسواد و الحموضة، و المتضادان هما اللذان ينتفي أحدهما عند وجود صاحبه اذا كان وجود هذا على الوجه الذي يوجد عليه ذلك كالسواد و البياض فكل متضاد مختلف و ليس كل مختلف متضادا كما أن كل متضاد ممتنع اجتماعه و ليس كل ممتنع اجتماعه متضادا و كل مختلف متغاير و ليس كل متغاير مختلفا،
150
الفروق في اللغة
الفرق بين المختلف و المتضاد ص 150
و التضاد و الاختلاف قد يكونان في مجاز اللغة سواءا يقال زيد ضد عمرو اذا كان مخالفا له.
(الفرق) بين التنافي و التضاد
أن التنافي لا يكون الا بين شيئين يجوز عليهما البقاء، و التضاد يكون بين ما يبقى و بين ما لا يبقى.
(الفرق) بين الضد و الترك
أن كل ترك ضد و ليس كل ضد تركا لأن فعل غيري قد يضاد فعلي و لا يكون تركا له
151
الفروق في اللغة
الباب العاشر في الفرق بين الجسم و الجرم و الشخص و الشبح و ما يقرب من ذلك
الباب العاشر في الفرق بين الجسم و الجرم، و الشخص و الشبح و ما يقرب من ذلك
(الفرق) بين الجسم و الجرم
أن جرم الشيء هو خلقته التي خلق عليها يقال فلان صغير الجرم أي صغير من أصل الخلقة، و أصل الجرم في العربية القطع كأنه قطع على الصغر أو الكبر، و قيل الجرم أيضا الكون و الجرم الصوت أورد ذلك بعضهم و قال بعضهم الجرم اسم لجنس الاجسام و قيل الجرم الجسم المحدود و الجسم هو الطويل العريض العميق و ذلك أنه اذا زاد في طوله و عرضه و عمقه قيل أنه جسم و أجسم من غيره فلا تجيء المبالغة من لفظ اسم عند زيادة معنى الا و ذلك الاسم موضوع لما جاءت المبالغة من لفظ اسمه ألا ترى أنه لا يقال هو أقدر من غيره إلا و المعلومات له أجلى، و أما قولهم أمر جسيم فمجاز و لو كان حقيقة لجاز في غير المبالغة فقيل أمر جسيم و كل ما لا يطلق إلا في موضع مخصوص فهو مجاز.
(الفرق) بين الجسم و الشيء
أن الشيء ما يرسم به بأنه يجوز أن يعلم و يخبر عنه، و الجسم هو الطويل العريض العميق، و الله تعالى يقول (وَ كُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) و ليس أفعال العباد أجساما و أنت تقول لصاحبك لم تفعل في حاجتي شيئا و لا تقول لم تفعل فيها جسما، و الجسم اسم عام يقع على الجرم و الشخص و الجسد و ما بسبيل ذلك، و الشيء
152
الفروق في اللغة
الفرق بين الجسم و الشيء ص 152
أعم لأنه يقع على الجسم و غير الجسم.
(الفرق) بين الجسم و الشخص
أن الشخص ما ارتفع من الأجسام من قولك شخص الى كذا اذا ارتفع و شخصت بصري الى كذا أي رفعته اليه و شخص الى بلد كذا كأنه ارتفع اليه و الاشخاص يدل على السخط و الغضب مثل الاحصار.
(الفرق) بين الشخص و الشبح
أن الشبح ما طال من الأجسام و من ثم قيل هو مشبوح الذراعين أي طويلهما، و هو الشبح و الشبح لغتان.
(الفرق) بين الشخص و الجثة
أن الجثة أكثر ما تستعمل في الناس و هو شخص الانسان اذا كان قاعدا أو مضطجعا و أصله الجث و هو القطع، و منه قوله تعالى (اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ) و المجثاث «1» الحديدة التي يقلع بها الفسيل و يقال للفسيل «2» الجثيث فيسمى شخص القاعد جثة لقصره كأنه مقطوع.
(الفرق) بين الشخص و الآل
أن الآل هو الشخص الذي يظهر لك من بعيد، شبه بالآل الذي يرتفع في الصحارى، و هو غير السراب و انما السراب سبخة تطلع عليها الشمس فتبرق كأنها ماء، و الآل شخوص ترتفع في الصحارى للناظر و ليست بشيء، و قيل الآل من الشخوص ما لم يشتبه و قال بعضهم الآل من الأجسام ما طال و لهذا سمي الخشب آلا.
(الفرق) بين الشخص و الطلل
أن أصل الطلل ما شخص من آثار الديار ثم سمي شخص الانسان طلا على التشبيه بذلك و يقال تطاللت أي ارتفعت لأنظر الى شيء بعيد، و أكثر ما يستعمل الطلل في الانسان اذا كان طويلا جسيما يقال لفلان طل و رواء اذا كان فخم المنظر.
(الفرق) بين الطلل و الجسد
أن الجسد يفيد الكثافة و لا يفيد الطلل و الشخص ذلك و هو من قولك دم جاسد أي جامد، و الجسد أيضا الدم
__________________________________________________
(1) في النسخ «الجثاث» و التصويب من القاموس.
(2) أي النخل الصغير.
153
الفروق في اللغة
الفرق بين الطلل و الجسد ص 153
بعينه قال النابغة:*
دم اهريق على الأنصاب من جسد
* فيجوز أن يقال إنه سمي جسدا لما فيه من الدم فلهذا خص به الحيوان فيقال جسد الانسان و جسد الحمار و لا يقال جسد الخشبة كما يقال جرم الخشبة و إن قيل ذلك فعلى التقريب و الاستعارة و يقال ثوب مجسد اذا كان يقوم من كثافة صبغه و قيل للزعفران جساد تشبيها بحمرة الدم.
(الفرق) بين الجسد و البدن
أن البدن هو ما علا من جسد الانسان و لهذا يقال للزرع القصير الذي يلبس الصدر الى السرة بدن لأنها تقع على البدن و جسم الانسان كله جسد، و الشاهد أنه يقال لمن قطع بعض أطرافه إنه قطع شيء من جسده و لا يقال شيء من بدنه و إن قيل فعلى بعد، و قد يتداخل الاسمان اذا تقاربا في المعنى، و لما كان البدن هو أعلى الجسد و أغلظه قيل لمن غلظ من السمن قد بدن و هو بدين، و البدن الابل المسمنة للنحر ثم كثر ذلك حتى سمي ما يتخذ للنحر بدنة سمينة كانت أو مهزولة.
و مما يدخل في هذا الباب
(الفرق) بين الصفة و الهيئة
أن الصفة من قبيل الاسماء و استعمالها في المسميات مجاز و ليست الهيئة كذلك و لو كانت هيء الشيء صفة له لكان الهيء له واصفا له و يوجب ذلك أن يكون المحرك للجسم واصفا له و هذا خلاف العرف.
(الفرق) بين الحلية و الهيئة
أن الحلية هيئة زائدة على الهيئة التي لا بد منها كحلية السكين و السيف انما هي هيئة زائدة على هيئة السكين و السيف و تقول حليته اذا هيأته هيئة لم تشمله بل تكون كالعلامة فيه و من ثم سمي الحلى الملبوس حليا.
(الفرق) بين الصورة و الهيئة
أن الصورة اسم يقع على جميع هيئات الشيء لا على بعضها، و يقع أيضا على ما ليس بهيئة، ألا ترى أنه يقال صورة هذا الأمر كذا و لا يقال هيئته كذا، و انما الهيئة تستعمل في البنية و يقال تصورت ما قاله و تصورت الشيء كهيئته الذي هو عليه و نهايته من الطرفين
154
الفروق في اللغة
الفرق بين الصورة و الهيئة ص 154
سواء كان هيئة أو لا و لهذا لا يقال صورة الله كذا لأن الله تعالى ليس بذي نهاية.
(الفرق) بين الصورة و الصبغة
أن الصبغة هيئة مضمنة بجعل جاعل في دلالة الصفة اللغوية و ليس كذلك الصورة لأن دلالتها على جعل جاعل قياسية.
و مما يجري مع ذلك
(الفرق) بين القلب و البال
أن القلب اسم للجارحة و سمي بذلك لأنه وضع في موضعه من الجوف مقلوبا، و البال و الحال و حال الشيء عمدته فلما كان القلب عمدة البدن سمي بالا فقولنا بال يفيد خلاف ما يفيده قولنا قلب لأن قولنا بال يفيد أنه الجارحة التي هي عمدة البدن و قولنا قلب يفيد أنه الجارحة التي وضعت مقلوبة أو الجارحة التي تنقلب بالافكار و العزوم، و يجوز أن يقال إن البال هو الحال التي معها و لهذا يقال اجعل هذا على بالك و قال امرؤ القيس:
فأصبحت معشوقا و أصبح أهلها عليه القيام سيء الظن و البال
أي سيء الحال في ذكرها و تقول هو في حال حسنة و لا يقال في بال حسن فيفرق بذلك.
(الفرق) بين الحال و البال
أن قولنا للقلب بال يفيد أنه موضع الذكر و القلب يفيد التقلب بالأفكار و العزوم على ما ذكرنا.
155
الفروق في اللغة
الباب الحادي عشر في الفرق بين الأصل و الأس و الجنس و النوع و الصنف و ما يقرب من ذلك
الباب الحادي عشر في الفرق بين الأصل و الأس، و الجنس و النوع و الصنف، و ما يقرب من ذلك
(الفرق) بين الأصل و الأس
أن الاس لا يكون إلا أصلا و ليس كل أصل أسا و ذلك أن أس الشيء لا يكون فرعا لغيره مع كونه أصلا مثال ذلك أن أصل الحائط يسمى أس الحائط و فرع الحائط لا يسمى أسا لعرفه.
(الفرق) بين الأصل و السنخ
أن السنخ «1» هو أصل الشيء الداخل في غيره مثل سنخ السكين و السيف و هو الداخل في النصاب و سنوخ الانسان ما يدخل منها في عظم الفك فلا يقال سنخ كما يقال أصل ذلك.
و الأصل اسم مشترك يقال أصل الحائط و أصل الجبل و أصل الانسان و أصل العداوة بينك و بين فلان كذا و الأصل في هذه المسألة كذا و هو في ذلك مجاز و في الجبل و الحائط حقيقة، و حقيقة أصل الشيء ما كان عليه معتمده و من ثم سمي العقل أصالة لأن معتمد صاحبه عليه و رجل أصيل أي عاقل، و حقيقة أصل الشيء عندي ما بدىء منه و من ثم يقال ان أصل الانسان التراب و أصل هذا الحائط حجر واحد لأنه بدىء في بنيانه
__________________________________________________
(1) في نسخة «السنج» بالجيم و هو تحريف.
156
الفروق في اللغة
الفرق بين الأصل و السنخ ص 156
بالحجر و الآجر.
(الفرق) بين الأصل و الجذم
أن جذم الشجرة حيث تقطع من أصلها، و أصله من الجذم و هو القطع فلا يستعمل الجذم فيما لا يصلح قطعه ألا ترى أنه لا يقال جذم الكوز و ما أشبه ذلك فان استعمل في بعض المواضع مكان الأصل فعلى التشبيه.
(الفرق) بين الجنس و النوع
أن الجنس على قول بعض المتكلمين أعم من النوع، قال لأن الجنس هو الجملة المتفقة سواء كان مما يعقل أو من غير ما يعقل قال و النوع الجملة المتفقة من جنس ما لا يعقل قال ألا ترى أنه يقال الفاكهة نوع كما يقال جنس و لا يقال للانسان نوع، و قال غيره النوع ما يقع تحته أجناس بخلاف ما يقوله الفلاسفة أن الجنس أعم من النوع، و ذلك أن العرب لا تفرق الأشياء كلها فتسميها بذلك و أصحابنا يقولون السواد جنس و اللون نوع و يستعملون الجنس في نفس الذات فيقولون التأليف جنس واحد و هذا الشيء جنس الفعل و الحركة ليست بجنس الفعل يريدون أنها كون على وجه، و يقولون الكون جنس الفعل و ان كان متضادا لما كان لا يوجد إلا و هو كون و لا يقولون في العلم ذلك لأنه قد يوجد و هو غير علم و يقولون في الأشياء المتماثلة انها جنس واحد و هذا هو الصحيح.
(الفرق) بين الجنس و الصنف
أن الصنف ما يتميز من الاجناس بصفة يقولون السوادات الموجودة صنف على حيالها و ذلك لاشتراكها في الوجود كأنها ما صنف من الجنس فلا يقال للمعدوم صنف لأن التصنيف ضرب من التأليف فلا يجري التأليف على المعدوم و يجري على بعض الموجودات حقيقة و على بعضها مجازا.
(الفرق) بين الضرب و الجنس
أن الضرب اسم يقع على الجنس.
و الصنف، و الجنس قولك الحمر ضرب من الحيوان، و الصنف قولك التفاح الحلو صنف و التفاح الحامض صنف، و يقع الضرب أيضا على
157
الفروق في اللغة
الفرق بين الضرب و الجنس ص 157
الواحد الذي ليس بجنس و لا صنف كقولك الموجود على ضربين قديم و محدث فيوصف القديم بأنه ضرب و لا يوصف بأنه جنس و لا صنف.
(الفرق) بين الجنس و الوجه
أن الجنس يقع على الذوات، و الوجه يتناول الصفات يقال الجواهر جنس من الاشياء و لا يقال وجه منها و انما يقال الشيء على وجوه أي على صفات.
(الفرق) بين الجنس و القبيل
أن الجنس يقتضي الاتفاق، و القبيل لا يقتضيه ألا ترى أنك تقول اللون قبيل و الطعم قبيل و لا يقال لذلك جنس و يقال السواد جنس و البياض جنس، و من الكلام ما يبين قبيلا و هو قولنا لون و منه ما يبين جنسا من جنس و هو قولنا سواد
158
الفروق في اللغة
الباب الثاني عشر في الفرق بين القسم و الحظ و النصيب و بين السخاء و الجود و أقسام العطيات و بين الغنى و الجدة و ما يخالف ذلك من الفقر و المسكنة
الباب الثاني عشر في الفرق بين القسم و الحظ و النصيب، و بين السخاء و الجود و أقسام العطيات و بين الغنى و الجدة و ما يخالف ذلك من الفقر و المسكنة
(الفرق) بين الحظ و القسم
أن كل قسم حظ و ليس كل حظ قسما و إنما القسم ما كان عن مقاسمة و ما لم يكن عن مقاسمة فليس بقسم فالانسان إذا مات و ترك مالا و وارثا واحدا قيل هذا المال كله حظ هذا الوارث و لا يقال هو قسمه لأنه لا مقاسم له فيه فالقسم ما كان من جملة مقسومة و الحظ قد يكون ذلك و قد يكون الجملة كلها.
(الفرق) بين النصيب و الحظ
أن النصيب يكون في المحبوب و المكروه يقال وفاه الله نصيبه من النعيم أو من العذاب و لا يقال حظه من العذاب إلا على استعارة بعيدة لأن أصل الحظ هو ما يحظه الله تعالى للعبد من الخير، و النصيب ما نصب له ليناله سواء كان محبوبا أو مكروها، و يجوز أن يقال الحظ اسم لما يرتفع به المحظوظ، و لهذا يذكر على جهة المدح فيقال لفلان حظ و هو محظوظ، و النصيب ما يصيب الانسان من مقاسمة سواء ارتفع به شأنه أم لا و لهذا يقال لفلان حظ في التجارة و لا يقال له نصيب فيها لأن الربح الذي يناله فيها ليس عن مقاسمة.
159
الفروق في اللغة
الفرق بين النصيب و الحصة ص 160
(الفرق) بين النصيب و الحصة
أن بعضهم قال ان الحصة هي النصيب الذي بين و كشفت وجوهه و زالت الشبهة عنه و أصلها من الحصص و هو أن يحص الشعر عن مقدم الرأس حتى ينكشف، و منه قول ابن الأسكت:
قد حصت البيضة رأسي فما أطعم نوما غير تهجاع
و في القرآن (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ) و لهذا يكتب أصحاب الشروط حصته من الدار كذا و لا يكتبون نصيبه لأن ما تتضمنه الحصة من معنى التبيين و الكشف لا يتضمنه النصيب، و عندنا أن الحصة هي ما ثبت للانسان و كل شيء حركته لتثبته فقد حصحصته و هذه حصتي أي ما ثبت لي و حصته من الدار ما ثبت له منها و ليس يقتضي أن يكون عن مقاسمة كما يقتضي ذلك النصيب.
(الفرق) بين النصيب و الخلاق
أن الخلاق النصيب الوافر من الخير خاصة بالتقدير لصاحبه أن يكون نصيبا له لأن اشتقاقه من الخلق و هو التقدير و يجوز أن يكون من الخلق لأنه مما يوجبه الخلق الحسن.
(الفرق) بين النصيب و القسط
أن النصيب يجوز أن يكون عادلا و جائرا و ناقصا عن الاستحقاق و زائدا يقال نصيب مبخوس و موفور، و القسط الحصة العادلة مأخوذة من قولك أقسط اذا عدل و يقال قسط القوم الشيء بينهم اذا قسموه على القسط، و يجوز أن يقال القسط اسم للعدل في القسم، ثم سمي العزم على القسط قسطا كما يسمى الشيء باسم سببه و هو كقولهم للنظر رؤية، و قيل القسط ما استحق المقسط له من النصيب و لا بد له منه و لهذا يقال للجوهر قسط من المساحة أي لا بد له من ذلك.
(الفرق) بين الرزق و الحظ
أن الرزق هو العطاء الجاري في الحكم على الادرار و لهذا يقال أرزاق الجند لأنها تجري على ادرار، و الحظ لا يفيد هذا المعنى و انما يفيد ارتفاع صاحبه به على ما ذكرنا، قال بعضهم يجوز أن يجعل الله للعبد حظا في شيء ثم يقطعه عنه و يزيله مع حياته
160
الفروق في اللغة
الفرق بين الرزق و الحظ ص 160
و بقائه، و لا يجوز أن يقطع رزقه مع إحيائه، و بين العلماء في ذلك خلاف ليس هذا موضع ذكره، و كل ما خلقه الله تعالى في الارض مما يملك فهو رزق للعباد في الجملة بدلالة قوله تعالى (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) و إن كان رزقا لهم في الجملة فتفصيل قسمته على ما يصح و يجوز من الاملاك، و لا يكون الحرام رزقا لأن الرزق هو العطاء الجاري في الحكم و ليس الحرام مما حكم به، و ما يفترسه الأسد رزق له بشرط غلبته عليه كما أن غنيمة المشركين رزق لنا بشرط غلبتنا عليهم، و المشرك يملك ما في يده أما اذا غلبناه عليه بطل ملكه له و صار رزقا لنا، و لا يكون الرزق الا حلالا فأما قولهم رزق حلال فهو توكيد كما يقال بلاغة حسنة و لا تكون البلاغة الا حسنة.
(الفرق) بين الرزق و الغذاء
أن الرزق اسم لما يملك صاحبه الانتفاع به فلا يجوز منازعته فيه لكونه حلالا له، و يجوز أن يكون ما يغتذيه الانسان حلالا و حراما إذ ليس كل ما يغتذيه الانسان رزقا ألا ترى أنه يجوز أن يغتذي بالسرقة و ليست السرقة رزقا للسارق و لو كانت رزقا له لم يذم عليها و على النفقة منها بل كان يحمد على ذلك و الله تعالى مدح المؤمنين بانفاقهم في قوله تعالى (وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ)*.
(الفرق) بين الإعطاء و الهبة
أن الاعطاء هو اتصال الشيء الى الآخذ له ألا ترى أنك تعطي زيدا المال ليرده الى عمرو و تعطيه ليتجر لك به، و الهبة تقتضي التمليك فاذا و هبته له فقد ملكته إياه، ثم كثر استعمال الاعطاء حتى صار لا يطلق الا على التمليك فيقال أعطاه مالا اذا ملكه إياه و الأصل ما تقدم.
(الفرق) بين الإعطاء و الإنفاق
أن الانفاق هو إخراج المال من الملك، و لهذا لا يقال الله تعالى ينفق على العباد و أما قوله تعالى (يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) فانه مجاز لا يجوز استعماله في كل موضع و حقيقته أنه يرزق العباد على قدر المصالح، و الاعطاء لا يقتضي اخراج المعطى من الملك، و ذلك أنك
161
الفروق في اللغة
الفرق بين الإعطاء و الإنفاق ص 161
تعطي زيدا المال ليشتري لك الشيء و تعطيه الثوب ليخيطه لك و لا يخرج عن ملكك بذلك فلا يقال لهذا انفاق.
(الفرق) بين الهبة و الهدية
أن الهدية ما يتقرب به المهدي الى المهدى اليه، و ليس كذلك الهبة و لهذا لا يجوز أن يقال إن الله يهدي الى العبد كما يقال إنه يهب له، و قال تعالى (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) و تقول أهدى المرؤوس الى الرئيس و وهب الرئيس للمرؤوس، و أصل الهدية من قولك هدى الشيء اذا تقدم و سميت الهدية لأنها تقدم أمام الحاجة.
(الفرق) بين الهبة و المنحة
أن أصل المنحة الشاة أو البعير يمنحها الرجل أخاه فيحتلبها زمانا ثم يردها، قال بعضهم لا تكون المنحة إلا الناقة، و ليس كذلك و الشاهد ما أنشد الأصمعي رحمه الله تعالى:
أعبد بني سهم ألست براجع منيحتنا فيما ترد المنائح
لها شعر داح و جيد مقلص و جسم حدارى و صدغ مجامح
و هذه صفة شاة، و الممانح «1» التي لا ينقطع لبنها مع الجدب، ثم صار كل عطية منحة لكثرة الاستعمال، و قال بعضهم كل شيء تقصد به قصد شيء فقد منحته إياه كما تمنح المرأة وجها للرجل و أنشد*
قد علمت إذ منحتني فاها
* و الهبة عطية منفعة تفضل بها على صاحبك و لذلك لم تكن عطية الدين و لا عطية الثمن هبة، و هي مفارقة للصدفة لما في الصدفة من معنى تضمن فقر صاحبها لتصديق حاله فيما ينبي حاله من فقره.
(الفرق) بين الهبة و النعمة
مضمنة بالشكر لأنها لا تكون إلا حسنة و قد تكون الهبة قبيحة بأن تكون مغصوبة.
(الفرق) بين العطية و النحلة
أن النحلة ما يعطيه الانسان بطيب نفس، و منه قوله تعالى (وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) أي عن طيب أنفس، و قيل نحلة ديانة، و منه قوله نحله الكلام و القصيدة إذا نسبها
__________________________________________________
(1) في النسخ «المجانح» و التصحيح من القاموس.
162
الفروق في اللغة
الفرق بين العطية و النحلة ص 162
إليه طيب النفس بذلك و انتحل هو، و قيل النحلة أن تعطيه بلا استعراض و منه قولهم نحل الوالد ولده، و
في الحديث «ما نحل والد ولده أفضل من أدب حسن».
و قال علي بن عيسى الهبة لا تكون واجبة و النحلة تكون «1» واجبة و غير واجبة، و أصلها العطية من غير معارضة، و منه النحلة الديانة لأنها كالنحلة التي هي العطية.
(الفرق) بين المهر و الصداق
أن الصداق اسم لما يبذله الرجل للمرأة طوعا من غير الزام، و المهر اسم لذلك و لما يلزمه، و لهذا اختار الشروطيون في كتب المهور: صداقها التي تزوجها عليه، و منه الصداقة لأنها لا تكون بالزام و اكراه و منه الصدقة، ثم يتداخل المهر و الصداق لقرب معناهما.
(الفرق) بين المنحة و العربة
أن العربة من النخل، و المنحة في الابل و الشاه و هو أن يعطى الرجل ثمرة نخل سنة أو أكثر من ذلك أو أقل و قد أعراه قال الشاعر*
و لكن عرايا في السنين الجوانح
*. (الفرق) بين ذلك و بين الإفقار
أن الافقار مصدر فقر الرجل ظهر بعيره ليركبه ثم يرده، مأخوذ من الفقار و هو عظم الظهر يقال أفقرته البعير أي أمكنته من فقاره.
(الفرق) بين الإفقار و الإخبال
أن الاخبال أن يعطى الرجل فرسا ليغزو عليه و قيل هو أن يعطيه ماله ينتفع بصوفه و وبره و سمنه قال زهير:
* هنا لك إن يستخبلوا المال يخبلوا*
(الفرق) بين البر و الصلة
أن البر سعة الفضل المقصود اليه، و البر أيضا يكون بلين الكلام، و بر والده اذا لقيه بجميل القول و الفعل قال الراجز:
بني ان البر شيء هين وجه طليق و كلام لين
و الصلة البر المتأصل، و أصل الصلة و صلة على فعلة و هي للنوع
__________________________________________________
(1) في السكندرية «قد تكون».
163
الفروق في اللغة
الفرق بين البر و الصلة ص 163
و الهيئة يقال بار وصول أي يصل بره فلا يقطعه، و تواصل القوم تعاملوا بوصول بر كل واحد منهم الى صاحبه و واصله عامله بوصول البر و في القرآن (وَ لَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ) أي كثرنا وصول بعضه ببعض بالحكم الدالة على الرشد.
(الفرق) بين البر و الصدقة
أنك تصدق على الفقير لسد خلته، و تبرذا الحق لاجتلاب مودته و من ثم قيل بر الوالدين، و يجوز أن يقال البر هو النفع الجليل و منه قيل البر لسعته محلا له نفعة، و يجوز أن يقال البر سعة النفع، و منه فيه البر الشفقة.
(الفرق) بين البر و الخير
أن البر مضمن بجعل عاجل قد قصد وجه النفع به فأما الخير فمطلق حتى لو وقع عن سهو لم يخرج عن استحقاق الصفة به، و نقيض الخير الشر و نقيض البر العقوق.
(الفرق) بين الغنيمة و الفيء
أن الغنيمة اسم لما أخذ من أموال المشركين بقتال، و الفيء ما أخذ من أموالهم بقتال و غير قتال إذا كان سبب أخذه الكفر و لهذا قال أصحابنا ان الجزية و الخراج من الفيء.
(الفرق) بين الغنيمة و النفل
أن أصل النفل في اللغة الزيادة على المستحق و منه النافلة و هي التطوع ثم قيل لما ينفله صاحب السرية بعض أصحابه نفلا و الجمع أنفال و هو أن يقول ان قتلت قتيلا فلك سلبه أو يقول لجماعة لكم الربع بعد الخمس و ما أشبه ذلك، و لا خلاف في جواز النفل قبل إحراز الغنيمة، و قال الكوفيون لا نفل بعد إحراز الغنيمة على جهة الاجتهاد، و قال الشافعي يجوز النفل بعد إحراز الغنيمة على جهة الاجتهاد، و قال ابن عباس في رواية الأنفال ما شذ عن المشركين الى المسلمين من غير قتال نحو العبد و الدابة و لذلك جعلها الله تعالى للنبي صلى الله عليه و سلم في قوله (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ). و
روي عن مجاهد أن الأنفال الخمس جعله الله لأهل الخمس.
و
قال الحسن الانفال من السرايا التي تتقدم أمام الجيش الأعظم.
و أصلها ما ذكرنا ثم أجريت
164
الفروق في اللغة
الفرق بين الغنيمة و النفل ص 164
على الغنائم كلها مجازا.
(الفرق) بين القرض و الدين
أن القرض أكثر ما يستعمل في العين و الورق و هو أن تأخذ من مال الرجل درهما لترد عليه بدله درهما فيبقى دينا عليك الى أن ترده فكل قرض دين و ليس كل دين قرضا و ذلك أن أثمان ما يشترى بالنسأ ديون و ليست بقروض فالقرض يكون من جنس ما اقترض و ليس كذلك الدين، و يجوز أن يفرق بينهما فنقول قولنا يداينه يفيد أنه يعطيه ذلك ليأخذ منه بدله، و لهذا يقال قضيت قرضه و أديت دينه و واجبه، و من أجل ذلك أيضا يقال أديت صلاة الوقت و قضيت ما نسيت من الصلاة لأنه بمنزلة القرض.
(الفرق) بين القرض و الفرض
أن القرض ما يلزم إعطاؤه، و الفرض ما لا يلزم إعطاؤه و يقال ما عنده قرض و لا فرض أي ما عنده خير لمن يلزمه أمره و لا لمن لا يلزمه أمره، و أصل القرض القطع و قد أقرضته إذا دفعت إليه قطعة من المال و منه المقراض «1»، و يجوز أن يقال انه سمي قرضا لتساوي ما يأخذ و ما يرد، و العرب تقول تقارض الرجلان الثناء إذا أثنى كل واحد منهما على صاحبه، و قال الشاعر*
و أيدي الندى في الصالحين قروض
* و قال بعضهم هما يتقارظان و لا يقال يتقارضان، و كلاهما عندنا جيد بل الضاد أكثر من الظاء في هذا و أشهر و رواه علي ابن عيسى في تفسيره.
(الفرق) بين العمرى و الرقبى،
أن العمرى هي أن يقول الرجل للرجل هذه الدار لك عمرك أو عمري، و الرقبى أن يقول إن مت قبلي رجعت إلي و إن مت قبلك فهي لك، و ذلك أن كل واحد منهما وقت موت صاحبه.
(الفرق) بين العطية و الجائزة
أن الجائزة ما يعطاه المادح و غيره
__________________________________________________
(1) في السكندرية «المقراضان».
165
الفروق في اللغة
الفرق بين العطية و الجائزة ص 165
على سبيل الاكرام و لا يكون الا ممن هو أعلى من المعطي، و العطية عامة في جميع ذلك، و سميت الجائزة جائزة لأن بعض الأمراء في أيام عثمان و أظنه عبد الله بن عامر قصد عدوا من المشركين بينه و بينهم جسر فقال لأصحابه من جاز اليهم فله كذا فجازه قوم منهم فقسم فيهم ما لا فسميت العطية على هذا الوجه جائزة.
(الفرق) بين البسلة «1» و الحلوان و الرشوة
أن البسلة أجر الراقي و جاء النهي عنها و ذلك اذا كانت الرقية بغير ذكر الله تعالى فأما اذا كانت بذكر الله تعالى و بالقرآن فليس بها بأس و يؤخذ الأجر عليها، و الشاهد أن قوما من الصحابة رقوا من العقرب فدفعت اليهم ثلاثون شاة فسألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك فقال لهم اقتسموها و اضربوا لي معكم بسهم، و الحلوان أجر الكاهن و قد نهى عنه يقال حلوته حلوانا ثم كثر ذلك حتى سمي «2» كل عطية حلوانا قال الشاعر:
فمن راكب أحلوه رحلي و ناقتي يبلغ عني الشعر إذ مات قائله
و الحلو ان أيضا أن يأخذ الرجل مهر ابنته و ذلك عار عندهم قال الراجز:*
لا نأخذ الحلوان من بناتنا
* و الرشوة ما يعطاه الحاكم و قد نهى عنها
قال النبي صلى الله عليه و سلم «لعن الله الراشي و المرتشي».
و كانت العرب تسميها الاتاوة و قال أبو زيد أتوت الرجل أتوا و هي الرشوة قال زهير:
أ في كل أسواق العراق إتاوة و في كل ما باع امرؤ مكس درهم
قال المكس الخيانة و هو ههنا الضريبة التي تؤخذ في الأسواق و يقال مكسه مكسا اذا خانه و يقال المكس العشر و جاء
في الحديث «لا يدخل الجنة صاحب مكس».
و قال بعضهم الاسلال الرشوة و
في الحديث «لا اغلال و لا اسلال».
و الاغلال الخيانة، و قال أبو عبيدة الاسلال
__________________________________________________
(1) كغرفة.
(2) في السكندرية «سموا».
166
الفروق في اللغة
الفرق بين البسلة و الحلوان و الرشوة ص 166
السرقة، و قال بعضهم الاتاوة الخراج.
(الفرق) بين السخاء و الجود
أن السخاء هو أن يلين الانسان عند السؤال و يسهل مهره للطالب من قولهم سخوت النار أسخوها سخوا اذا ألينتها و سخوت الأديم لينته و أرض سخاوية لينة و لهذا لا يقال الله تعالى سخى، و الجود كثرة العطاء من غير سؤال من قولك جادت السماء اذا جادت بمطر غزير، و الفرس الجواد الكثير الاعطاء للجري و الله تعالى جواد لكثرة عطائه فيما تقتضيه الحكمة فان قيل فلم لا يجوز على الله تعالى الصفة بسخي و جاز عليه الصفة بكير و أصل الكبير كبر الجثة أي كبير الشأن، و السخي مصرف من السخاوة كتصريف الحكيم من الحكمة و كل مصرف من أصله فمعناه فيه، و أما المنقول فليس كذلك لأنه بمنزلة الاسم العلم في أنه لا يكون فيه معنى ما نقل عنه و انما يوافقه في اللفظ فقط، و يجوز أن يكون أصل الجواد اعطاء الخير و منه فرس جواد و شيء جيد كأنه يعطي الخير لظهوره فيه و أجاد في أمره اذا أحكمه لاعطاء الخير الذي ظهر فيه.
(الفرق) بين الجواد و الواسع
أن الواسع مبالغة في الوصف بالجود و الشاهد أنه نقيض قولهم للبخيل ضيق مبالغة في الوصف بالجود و هذا في أوصاف الخلق مجاز «1» لأن المراد أن عطاءه كثير، و قال بعضهم هو في صفات الله تعالى بمعنى أنه المحيط بالأشياء علما من قوله تعالى (وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) و له وجه آخر في اللغة و هو أن يكون مأخوذا من الوسع و هو قدر ما تسع له القوة و هو بمنزلة الطاقة و هو نهاية مقدور القادر فلا يصح ذلك في الله تعالى.
(الفرق) بين الجواد و الندى
أن الندى اسم للجواد الذي ينال القريب و البعيد فيبعد مذهبه مشبه بندى المطر لبعد مذهبه و فلان أندى
__________________________________________________
(1) في السكندرية «فهو في أوصاف الله تعالى و أوصاف الخلق مجاز».
167
الفروق في اللغة
الفرق بين الجواد و الندى ص 167
صوتا من فلان أي أبعد مذهبا و المنديات المخزيات «1» التي يبعد بها الصوت واحدها مندية. و قال الخليل الندى له وجوه ندى الماء و ندى الخير و ندى الشم و ندى الصوت قال الشاعر:
بعيد ندى التغريد أزمع صوته سجيل و أدناه شحيح محشرج
و ندى الخصر و ندى الوجنة كل ذلك من بعد المذهب.
(الفرق) بين الكرم و الجود
أن الجود هو الذي ذكرناه، و الكرم يتصرف على وجوه فيقال لله تعالى كريم و معناه أنه عزيز و هو من صفات «2» ذاته و منه قوله تعالى (ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) أي العزيز الذي لا يغلب، و يكون بمعنى الجواد المفضال فيكون من صفات فعله، و يقال رِزْقٌ كَرِيمٌ* اذا لم يكن فيه إمتهان أي كرم صاحبه، و الكريم الحسن في قوله تعالى (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ)* و مثله (وَ قُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً) أي حسنا و الكريم بمعنى المفضل في قوله تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ) أي أفضلكم و منه قوله تعالى (وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) أي فضلناهم، و الكريم أيضا السيد في
قوله صلى الله عليه و سلم «إذا أتاكم كريم قوم فاكرموه».
أي سيد قوم، و يجوز أن يقال الكرم هو إعطاء الشيء عن طيب نفس قليلا كان أو كثيرا، و الجود سعة العطاء و منه سمي المطر الغزير الواسع جودا، سواء كان عن طيب نفس أو لا، و يجوز أن يقال الكرم هو إعطاء من يريد اكرامه و اعزازه، و الجود قد يكون كذلك و قد لا يكون.
(الفرق) بين المال و النشب
أن المال اذا لم يقيد فانما يراد به الصامت و الماشية، و النشب ما نشب من العقارات قال الشاعر:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به فقد تركتك ذا مال و ذا نشب
__________________________________________________
(1) في النسخ «المحرمات» و التصويب من القاموس.
(2) في الاصل «صفاته» و هو تحريف.
168
الفروق في اللغة
الفرق بين المال و النشب ص 168
و المال أيضا يقع على كل ما يملكه الانسان من الذهب و الورق و الابل و الغنم و الرقيق و العروض و غير ذلك، و الفقهاء يقولون البيع مبادلة «1» مال بمال، و كذلك هو في اللغة فيجعلون الثمن و المثمن من أي جنس كانا مالا، الا أن الأشهر عند العرب في المال المواشي و اذا أرادوا الذهب و الفضة قالوا النقد.
(الفرق) بين الغنى و الجدة و اليسار
أن الجدة كثرة المال فقط يقال رجل واجد أي كثير المال، و الغنى يكون بالمال و غيره من القوة و المعونة و كل ما ينافي الحاجة، و قد غني يغني غنى، و استغنى طلب الغنى، ثم كثر حتى استعمل بمعنى غنى، و الغناء ممدودا من الصوت لامتاعه النفس كإمتاع الغنى، و المغاني المنازل للاستغناء بها في نزولها، و الغانية الجارية لاستغنائها بجمالها عن الزينة، و أما اليسار فهو المقدار الذي تيسر معه المطلوب من المعاش فليس ينبىء عن الكثرة، ألا ترى أنك تقول فلان تاجر موسر و لا تقول ملك موسر لأن أكثر ما يملكه التاجر قليل في جنب ما يملكه الملك.
و مما يوافق «2» السخاء المذكور في هذا الباب
(الفرق) بين التخويل و التمويل
أن التخويل اعطاء الخول يقال خوله اذا جعل له خولا كما يقال موله اذا جعل له مالا و سوده اذا جعل له سوددا، و سنذكر الخول في موضعه، و قيل أصل التخويل الارعاء يقال أخوله إبله اذا استرعاه اياها، فكثر «3» حتى جعل كل هبة و عطية تخويلا كأنه جعل له من ذلك ما يرعاه.
و مما يخالف السخاء في هذا الباب البخل
(الفرق) بينه و بين الضن «4»
أن الضن أصله أن يكون بالعواري،
__________________________________________________
(1) في السكندرية «تبادل».
(2) في الأصل «يخالف».
(3) في السكندرية «ثم كثر».
(4) في نسخة «الضيق» و هو تحريف.
169
الفروق في اللغة
الفرق بينه و بين الضن ص 169
و البخل بالهيئات و لهذا تقول هو ضنين بعلمه و لا يقال بخيل بعلمه لأن العلم أشبه بالعارية منه بالهبة و ذلك أن الواهب اذا وهب شيئا خرج من ملكه، فاذا أعار شيئا لم يخرج أن يكون «1» عالما به فأشبه العلم العارية فاستعمل فيه من اللفظ ما وضع لها و لهذا قال الله تعالى (وَ ما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) و لم يقل ببخيل.
(الفرق) بين الشح و البخل
أن الشح الحرص على منع الخير و يقال زند «2» شحاح اذا لم يور نارا، و ان أشح عليه بالقدح كأنه حريص على منع ذلك، و البخل منع الحق فلا يقال لمن يؤدي حقوق الله تعالى بخيل.
الفرق بين ما يخالف الغنى «3»
(الفرق) بين الفقر و المسكنة
أن الفقر فيما قال الازهري في تأويل قوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ) الفقير الذي لا يسأل و المسكين الذي يسأل، و مثله عن ابن عباس و الحسن و جابر بن زيد و مجاهد و هو قول أبي حنيفة و هذا يدل على أنه رأى المسكين أضعف حالا و أبلغ في جهة الفقر، و يدل عليه قوله تعالى (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) إلى قوله تعالى (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) فوصفهم بالفقر و أخبر مع ذلك عنهم بالتعفف حتى يحسبهم الجاهل بحالهم أغنياء من التعفف و لا يحسبهم أغنياء إلا و لهم ظاهر جميل و عليهم بزة حسنة، و قيل لاعرابي أفقير أنت «4» فقال بل مسكين و أنشد:
أما الفقير الذي كانت حلوبته «5» وفق العيال فلم يترك له سبد
فجعل للفقير حلوبة «5» و المسكين الذي لا شيء له فأما قوله تعالى (فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ) فأثبت لهم ملك سفينة و سماهم مساكين فانه روى أنهم كانوا أجراء فيها و نسبها إليهم لتصرفهم فيها
__________________________________________________
(1) في السكندرية «من أن يكون».
(2) في النسخ «زيد».
(3) أكثر هذه العناوين الفرعية غير موجود في السكندرية اكتفاءا برؤوس الأبواب.
(4) في نسخة «أنت فقير».
(5) في السكندرية «صلوبته» و هو غلط.
170
الفروق في اللغة
الفرق بين الفقر و المسكنة ص 170
و الكون بها «1» كما قال تعالى (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ) ثم قال (وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) و عن أبي حنيفة فيمن قال مالي للفقراء و المساكين أنهما صنفان. و عن أبي يوسف أن نصف المال لفلان و نصفه للفقراء و المساكين، و هذا يدل على أنه جعلهما صنفا واحدا و القول قول أبي حنيفة، و يجوز أن يقال المسكين هو الذي يرق له الانسان اذا تأمل حاله و كل من يرق له الانسان يسميه مسكينا.
(الفرق) بين الفقر و الإعدام
أن الاعدام أبلغ في الفقر، و قال أهل اللغة المعدم الذي لا يجد شيئا، و أصله من العدم خلاف الوجود و قد أعدم كأنه صار ذا عدم، و قيل في خلاف الوجود عدم للفرق بين المعنيين و لم يقل عدمه اللّه و إنما قيل أعدمه الله، و قيل في خلافه قد وجد و لم يقل وجده الله و إنما قيل أوجده الله، و قال بعضهم الاعدام فقر «2» بعد غنى.
(الفرق) بين الفقير و المصرم
أن المصرم هو الذي له صرمة و الصرمة الجماعة القليلة من الابل ثم كثر ذلك حتى سمي كل قليل الحال مصرما و ان لم تكن له صرمة.
(الفرق) بين الفقير و المملق
أن المملق مشتق من الملق و هو الخضوع و التضرع و منه قيل للاجمة المفترشة ملقة و الجمع ملقات فلما كان الفقير في أكثر الحال خاضعا متضرعا سمي مملقا و لا يكون إلا بعد غنى كأنه صار ذا ملق كما تقول أطفلت المرأة اذا صار لها طفل، و يجوز أن يقال إن الاملاق نقل الى عدم التمكن من النفقة على العيال و لهذا قال اللّه تعالى (وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) أي خشية العجز عن النفقة عليهم.
(الفرق) بين الخلة و الفقر
أن الخلة الحاجة و المختل المحتاج و سميت الحاجة خلة لاختلال الحال بها كأنما صار بها خلل يحتاج الى سده و الخلة أيضا الخصلة التي يختل إليها أي يحتاج و الخلة المودة التي تتخلل
__________________________________________________
(1) لعله «لتصرفهم بها و الكون فيها».
(2) في نسخة «يكون فقرا».
171
الفروق في اللغة
الفرق بين الخلة و الفقر ص 171
الأسرار معها بين الخليلين، و سمي الطريق في الرمل خلا لأنه يتخلل لانعراجه، و الخل الذي يصطبغ به لأنه يتخلل ما عين فيه بلطفه وحدته و خللت الثوب خلا و خللا و جمع الخلل خلال و في القرآن (فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ)* و الخلال ما يخل به الثوب و ما يخرج به الشيء من خلل الأسنان فالفقر أبلغ من الخلة لأن الفقر ذهاب المال و الخلة الخلل في المال.
(الفرق) بين الفقر و الحاجة
أن الحاجة هي النقصان و لهذا يقال الثوب يحتاج إلى خزمة و فلان يحتاج إلى عقل و ذلك اذا كان ناقصا و لهذا «1» قال المتكلمون: الظلم لا يكون إلا من جهل أو حاجة، أي من جهل بقبحه أو نقصان زاد جبره بظلم الغير، و الفقر خلاف الغنى فأما قولهم فلان مفتقر إلى عقل فهو استعارة و محتاج إلى عقل حقيقة.
و مما يخالف الحظ الحرمان و الحرف
(الفرق) بينهما
أن الحرمان عدم الظفر بالمطلوب عند السؤال يقال سأله فحرمه، و الحرف عدم الوصول إلى المنافع من جهة الصنائع يقال للرجل اذا لم يصل الى إحراز المنافع في صناعته انه محارف و قد يجعل المحروم خلاف المرزوق في الجملة فيقال هذا محروم و هذا مرزوق.
(الفرق) بين الفقير و البائس
قال مجاهد و غيره البائس الذي يسأل بيده، قلنا و إنما سمي من هذه حاله بائسا لظهور أثر البؤس عليه بمد يده للمسألة و هو على جهة المبالغة في الوصف له بالفقر، و قال بعضهم هو بمعنى المسكين لأن المسكين هو الذي يكون في نهاية الفقر قد ظهر عليه السكون للحاجة و سوء الحال، و هو «2» الذي لا يجد شيئا.
(الفرق) بين المحارف و المحدود
أن المحدود على ما قال بعض أهل العلم هو من لا يصل إلى مطلوبه من الظفر بالعدو عند منازعته إياه و قد يستعمل في غير ذلك من وجوه المنع، و الصحيح أن المحدود هو الممنوع
__________________________________________________
(1) في السكندرية «و لذلك».
(2) في السكندرية «قال و هو».
172
الفروق في اللغة
الفرق بين المحارف و المحدود ص 172
من وجوه الخير كلها من قولك حد إذا منع وحده إذا منعه و حدود اللّه ما منع عنه بالنهي.
(الفرق) بين النقص و الحاجة
أن النقص سبب إلى الحاجة فالمحتاج يحتاج لنقصه، و النقص أعم من الحاجة لأنه يستعمل فيما يحتاج و فيما لا يحتاج.
(الفرق) بين البخس و النقصان
أن البخس النقص بالظلم قال تعالى (وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ)* أي لا تنقصوهم ظلما، و النقصان يكون بالظلم و غيره.
(الفرق) بين النقص و التخفيف
أن النقص الأخذ من المقدار كائنا ما كان، و التخفيف فيما له اعتماد و استعمل التخفيف في العذاب لأنه يجثم على النفوس جثوم ماله ثقل.
و مما يخالف النقصان الزيادة
(الفرق) بينها و بين النماء
أن قولك نما الشيء يفيد زيادة من نفسه و قولك زاد لا يفيد ذلك ألا ترى أنه يقال زاد مال فلان بما ورثه عن والده و لا يقال نما ماله بما ورثه و إنما يقال نمت الماشية بتناسلها، و النماء في الذهب و الورق مستعار و في الماشية حقيقة و من ثم أيضا سمي الشجر و النبات النامي و منه يقال نما الخضاب في اليد و الحبر في الكتاب.
و مما يدخل في هذا الباب
(الفرق) بين القنوع و السؤال
أن القنوع سؤال الفضل و الصلة خاصة، و السؤال عام في ذلك و في غيره. يقال قنع يقنع قنوعا إذا سأل و هو قانع و في القرآن (وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ) قال القانع السائل و المعتر الذي يلم بك لتعطيه و لا يسأل، اعتره يعتره و عره يعره و قيل عره و اعتره و اعتراه إذا جاءه يطلب معروفه، و قال الليث القانع المسكين الطواف،
173
الفروق في اللغة
الفرق بين القنوع و السؤال ص 173
و قال مجاهد القانع هنا جارك و لو كان «1» غنيا، و قال الحسن القانع الذي يسأل و يقنع بما تعطيه، و قال الفراء القانع الذي إن أعطيته شيئا قبله، و قال أبو عبيدة القانع السائل الذي قنع إليك أي خضع، و قال أبو علي هو الفقير الذي يسأل، و قال إبراهيم القانع الذي يجلس في بيته و المعتر الذي يعتريك.
__________________________________________________
(1) في السكندرية «و ان كان».
174
الفروق في اللغة
الباب الثالث عشر في الفرق بين العز و الشرف و الرياسة و السؤدد و بين الملك و السلطان و الدولة و التمكين و النصرة و الاعانة و بين الكبير و العظيم و الفرق بين الحكم و القضاء و القدرة و التقدير و ما يجري مع ذلك
الباب الثالث عشر في الفرق بين العز و الشرف و الرياسة و السؤدد، و بين الملك و السلطان و الدولة و التمكين و النصرة و الاعانة، و بين الكبير و العظيم، و الفرق بين الحكم و القضاء و القدرة و التقدير و ما يجري مع ذلك
(الفرق) بين العز و الشرف
أن العز يتضمن معنى الغلبة «1» و الامتناع على ما قلنا فأما قولهم عز الطعام فهو عزيز فمعناه قل حتى لا يقدر عليه فشبه بمن لا يقدر عليه لقوته و منعته لأن العز بمعنى القلة، و الشرف إنما هو في الأصل شرف المكان و منه قولهم أشرف فلان على الشيء إذا صار فوقه و منه قيل شرفة القصر و أشرف على التلف إذا قاربه، ثم استعمل في كرم النسب فقيل للقرشي شريف و كل من له نسب مذكور عند العرب شريف، و لهذا لا يقال للّه تعالى شريف كما يقال له عزيز.
(الفرق) بين السيد و الصمد
أن السيد المالك لتدبير السواد و هو الجمع و سمي سوادا لأن مجتمعه سواد إذا رؤي من بعيد، و منه يقال للسواد الأعظم و يقال لهم الدهماء لذلك و الدهمة السواد، و قولنا الصمد يقتضي القوة على الأمور «2» و أصله من الصمد و هو الأرض الصلبة، و الجمع صماد و الصمدة صخرة شديدة التمكن في الأرض، و يجوز أن
__________________________________________________
(1) في نسخة: «القلة».
(2) في الأصل: الأصوب.
175
الفروق في اللغة
الفرق بين السيد و الصمد ص 175
يقال إنه يقتضي قصد الناس اليه في الحوائج من قولك صمدت صمدة أي قصدت قصدة، و كيفما كان فانه أبلغ من السيد ألا ترى أنه يقال لمن يسود عشيرته سيد و لا يقال له صمد حتى يعظم شأنه فيكون المقصود دون غيره، و لهذا يقال سيد صمد و لم يسمع صمد سيد.
(الفرق) بين قولك يسوسهم و بين قولك يسودهم
أن معنى قولك يسودهم أنه يلي تدبيرهم و معنى قولك يسوسهم أنه ينظر في دقيق أمورهم مأخوذ من السوس، و لا تجوز الصفة به على اللّه تعالى لأن الأمور لا تدق عنه و قد ذكرنا ذلك قبل.
(الفرق) بين سيد القوم و كبير هم
أن سيدهم هو الذي يلي تدبيرهم، و كبيرهم هو الذي يفضلهم في العلم أو السن أو الشرف و قد قال تعالى (فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ) فيجوز أن يكون الكبير في السن، و يجوز أن يكون الكبير في الفضل و يقال لسيد القوم كبيرهم و لا يقال لكبيرهم سيدهم إلا إذا ولي تدبيرهم، و الكبير في أسماء اللّه تعالى هو الكبير الشأن الممتنع من مساواة الأصغر له بالتضعيف «1» و الكبير الشخص الذي يمكن مساواته للأصغر بالتجزئة «2» و يمكن مساواة الأصغر له بالتضعيف، و الصفة بهذا لا تجوز على اللّه تعالى، و قال بعضهم الكبير في أسماء الله تعالى بمعنى أنه كبير في أنفس العارفين غير أن يكون له نظير.
(الفرق) بين مالك و ملك
أن مالك يفيد مملوكا، و ملكا لا يفيد ذلك و لكنه «3» يفيد الأمر وسعة المقدرة على أن المالك أوسع من الملك لأنك تقول الله مالك الملائكة و الانس و الجن «4» و مالك الأرض و السماء و مالك السحاب و الرياح و نحو ذلك، و مالك لا يحسن إلا في الملائكة و الانس و الجن قال الفرزدق:
__________________________________________________
(1) من قوله «التضعيف» الى «التضعيف» الآتية ساقط من نسخة.
(2) في السكندرية «بالتجربة» و ساقط من غيرها.
(3) في نسخة «ولكن».
(4) هنا زيادة «قال الفرزدق» و ما بعدها الى البيت غير موجود في السكندرية.
176
الفروق في اللغة
الفرق بين مالك و ملك ص 176
سبحان من عنت الوجوه لوجهه ملك الملوك و مالك الغفر
و لو قال ملك «1» العفر لم يحسن.
(الفرق) بين مالك و مليك
أن المليك مبالغة مثل سميع و عليم و لا يقتضي مملوكا و هو بمعنى فاعل إلا أنه يتضمن معنى التكثير و المبالغة، و ليس معنى قولنا فاعل أنه فعل فعلا استحق من أجله الصفة بذلك و إنما يراد به اعمال ذلك في الاعراب على تقدير أسماء الفاعلين.
(الفرق) بين الملك و الملك
أن الملك هو استفاضة الملك وسعة المقدور لمن له السياسة و التدبير و الملك استحقاق تصريف الشيء لمن هو أولى به من غيره.
(الفرق) بين كبير القوم و عظيم القوم
أن عظيم القوم هو الذي ليس فوقه أحد منهم فلا تكون الصفة به إلا مع السؤدد و السلطان فهو مفارق للكبير و
كتب رسول الله صلى الله عليه و سلم الى كسرى عظيم فارس.
و العظيم في أسماء الله تعالى بمعنى عظيم الشأن و الامتناع عن مساواة الصغير له بالتضعيف، و أصل الكلمة القوة و منه سمي العظيم عظيما لقوته، و يجوز أن يقال أن أصله عظيم الجثة ثم نقل لعظيم الشأن كما فعل بالكبير و قال تعالى (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)* فسماه عظيما لعظم ما فيه من الآلام و البلاء «2»، و ما اتسع لأن يكون فيه العظم استحق بأن يوصف أنه عظيم.
(الفرق) بين العظيم و الكبير
أن العظيم قد «3» يكون من جهة الكثرة و من غير جهة الكثرة و لذلك جاز أن يوصف اللّه تعالى بأنه عظيم و ان لم يوصف بأنه كثير، و قد يعظم الشيء من جهة الجنس و من جهة التضاعف. و فرق بعضهم بين الجليل و الكبير بأن قال الجليل في أسماء اللّه تعالى هو العظيم الشأن المستحق للحمد، و الكبير فيما يجب له من
__________________________________________________
(1) في الاصل «مالك».
(2) في الاصل «و الملاذ».
(3) «قد» ساقطة من نسخة.
177
الفروق في اللغة
الفرق بين العظيم و الكبير ص 177
صفة الحمد، و الأجل بما ليس فوقه من هو أجل منه، و أما الأجل من ملوك الدنيا فهو الذي ينفرد في الزمان بأعلى مراتب الجلالة، و الجلال اذا أطلق كان مخصوصا بعظم الشأن و يقال حكم جليلة للنفع بها و يوصف المال الكثير بأنه جليل و لا يوصف الرمل الكثير بذلك لما كان من عظم النفع في المال، و سميت الجلة جلة لعظمها و المجلة الصحيفة سميت بذلك لما فيها من عظم الحكم و العهود.
(الفرق) بين الجلالة و الهيبة
أن الجلالة ما ذكرناه، و الهيبة خوف الاقدام على الشيء فلا يوصف الله بأنه يهاب كما لا يوصف بأنه لا يقدم عليه لأن الاقدام هو الهجوم «1» من قدام فلا يوصف الله تعالى بأن له قداما و وراء، و الهيبة هو أن يعظم في الصدور فيترك الهجوم عليه.
(الفرق) «2» بين الصفة منه عز و جل بأنه علي و بين الصفة للسيد من العباد
بأنه رفيع أن الصفة بعلي منقولة الى علم إنسان بالقهر و الاقتدار و منه (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) أي قهر أهلها و قوله تعالى (وَ لَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) فقيل لله تعالى علي من هذا الوجه، و معناه أنه الجليل بما يستحق من ارتفاع الصفات، و الصفة بالرفيع يتصرف من علو المكان و قد ذكرنا أن في المصرف معنى ما صرف منه فلهذا لا يقال الله رفيع، و الأصل في الارتفاع زوال الشيء عن موضعه الى فوق، و لهذا يقال ارتفع الشيء بمعنى زال و ذهب، و العلو لا يقتضي الزوال عن أسفل و لهذا يقال ارتفع الشيء و ان ارتفع قليلا لأنه زال عن موضعه الى فوق و لا يقال علا اذا ارتفع قليلا، و يجوز أن يقال الصفة برفيع لا تجوز على الله تعالى لأن الارتفاع يقتضي الزوال فأما قوله تعالى (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) فهو كقوله كثير الاحسان في أن الصفة للثاني في الحقيقة.
(الفرق) بين الصعود و الارتفاع
أن الصعود مقصور على الارتفاع في المكان و لا يستعمل في غيره و يقال صعد في السلم و الدرجة و لا يقال
__________________________________________________
(1) في نسخة «العزم».
(2) هذا الفرق غير موجود في السكندرية.
178
الفروق في اللغة
الفرق بين الصعود و الارتفاع ص 178
صعد أمره، و الارتفاع و العلو يشترط فيهما جميع ذلك، و الصعود أيضا هو الذهاب الى فوق فقط و ليس الارتفاع كذلك ألا ترى أنه يقال ارتفع في المجلس و رفعت مجلسه و ان لم يذهب به في علو و لا يقال أصعدته إلا إذا أعليته.
(الفرق) بين الصعود و الرقي
أن الرقي أعم من الصعود ألا ترى أنه يقال رقي في الدرجة و السلم كما يقال صعد فيهما و يقال رقيت في العلم و الشرف الى أبعد غاية و رقي في الفضل و لا يقال في ذلك صعد و الصعود على ما ذكرنا مقصور على المكان، و الرقي يستعمل فيه و في غيره فهو أعم و هو أيضا يفيد التدرج في المعنى شيئا بعد شيء، و لهذا سمي الدرج مراقي و تقول ما زلت أراقيه حتى بلغت به الغاية أي أعلو به شيئا شيئا.
(الفرق) بين الصعود و الإصعاد
أن الاصعاد في مستوى الارض، و الصعود في الارتفاع يقال أصعدنا من الكوفة الى خراسان و صعدنا في الدرجة و السلم و الجبل.
(الفرق) بين الأعلى و فوق
أن أعلى الشيء منه يقال هو في أعلى النخلة يراد أنه في نهاية قامتها و تقول السماء فوق الأرض فلا يقتضي ذلك أن تكون السماء من الارض و أعلى يقتضي أسفل، و فوق يقتضي تحت و أسفل الشيء منه و تحته ليس منه ألا ترى أنه يقال وضعته تحت الكوز و لا يقال وضعته أسفل الكوز بهذا المعنى و يقال أسفل البئر و لا يقال تحت البئر.
(الفرق) بين الرفيع و المجيد
أن المجيد هو الرفيع في علو شأنه، و الماجد هو العالي الشأن في معاني صفاته، و قيل المجيد الكريم في قوله تعالى (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) أي كريم فيما يعطى من حكمه و قيل فيما يرجى من خيره، و أصل المجد العظم إلا أنه جرى على وجهين عظم الشخص و عظم الشأن فيقال تمجدت الابل تمجدا إذا عظمت أجسامها لجودة الكلأ و أمجد القوم ابلهم إذا رعوها كلأ جيدا في أول الربيع،
179
الفروق في اللغة
الفرق بين الرفيع و المجيد ص 179
و يقال في علو الشأن مجد الرجل مجدا و أمجد امجادا اذا عظم شأنه لغتان و مجدت الله تعالى تمجيدا عظمته.
(الفرق) بين الإله و المعبود بحق
أن الاله هو الذي يحق له العبادة فلا إله إلا الله و ليس كل معبود بحق له العبادة ألا ترى أن الاصنام معبودة و المسيح معبود و لا يحق له و لها العبادة.
(الفرق) بين قولنا اللّه و بين قولنا إله
ان قولنا الله اسم لم يسم به غير الله و سمي غير الله الها على وجه الخطأ و هي تسمية العرب الأصنام آلهة و أما قول الناس لا معبود الا الله فمعناه أنه لا يستحق العبادة الا اللّه تعالى.
(الفرق) بين قولنا يحق له العبادة و قولنا يستحق العبادة
أن قولنا يحق له العبادة يفيد أنه على صفة يصح أنه منعم، و قولنا يستحق يفيد أنه قد أنعم و استحق و ذلك أن الاستحقاق مضمن بما يستحق لأجله.
(الفرق) بين قولنا الله و قولنا اللهم
أن قولنا الله اسم و اللهم نداء و المراد به يا الله فحذف حرف النداء و عوض الميم في آخره.
(الفرق) بين الصفة ب رب و الصفة ب سيد
أن السيد مالك من يجب عليه طاعته نحو سيد الأمة و الغلام، و لا يجوز سيد الثوب كما يجوز رب الثوب، و يجوز رب بمعنى سيد في الاضافة، و في القرآن (فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً) و ليس ذلك في كل موضع ألا ترى أن العبد يقول لسيده يا سيدي و لا يجوز أن يقول يا ربي فاما قول عدي بن زيد:
إن ربي لو لا تداركه المل ك بأهل العراق ساء العذير
يعني النعمان بن المنذر، و العذير الحال فان ذلك كان مستعملا ثم ترك استعماله كما ترك أبيت اللعن و عم صباحا «1» و ما أشبه ذلك.
(الفرق) بين الصفة ب رب و الصفة ب مالك
أن الصفة برب أفخم من الصفة بمالك لأنها من تحقيق القدرة على تدبير ما ملك فقولنا رب
__________________________________________________
(1) في السكندرية «و عمر ضياعا» و هو تحريف.
180
الفروق في اللغة
الفرق بين الصفة ب رب و الصفة ب مالك ص 180
يتضمن معنى الملك و التدبير فلا يكون الا مطاعا أيضا و الشاهد قول الله تعالى (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) أي سادة يطيعونهم، و الصفة بمالك تقتضي القوة على تصريف ما ملك و هو من قولك ملكت العجين اذا أجدت عجنه «1» فقوي و منه قول الشاعر:
ملكت بها كفي فأنهرت فتقها يرى قائم من دونها ما وراءها
أي قويت بها كفي، ثم كثر حتى جرى على معنى مالك في الحكم كالصبي المالك لما لا يقدر على تصريفه الا في الحكم أي حكمه حكم القادر على تصريف ماله، و لذلك لم يحسن اطلاق الصفة برب الا على الله تعالى، و الصفة برب أيضا تقتضي معنى المصلح و منه ربيت النعمة اذا أصلحتها باتمامها و أديم مربوب مصلح و يجوز أن يقال ان قولنا رب يقتضي معنى ولاية الأمر حتى يتم و من ثم قيل رب الولد و رب السمسم و شاة ربي و هي مثل النفساء من النساء و قيل لها ذلك لأنها تربي ولدها فالباء في التربية أصلها ياء نقلت الى حرف العلة كما قيل في الظن التظني.
(الفرق) بين الصفة ب رب و الصفة ب قادر
أن الصفة بقادر أعم من حيث تجري على المقدور نحو قادر أن يقوم، و لا يجوز الصفة برب الا في المقدر المصرف المدبر و صفة قادر تجري في كل وجه و هو الأصل في هذا الباب، و قال بعضهم لا يقال الرب الا لله فرده بعضهم و قال قد جاء عن العرب خلاف ذلك و هو قول الحارث بن حلزة:
و هو الرب و الشهيد على يو م الجبارين «2» و البلاء بلاء
و القول الأول هو الصحيح لأن قوله الرب ههنا ليس باطلاق لانه خبر هو و كذلك الشهيد و الشهيد هو الرب و هما يرجعان الى هو فاذا كان الشهيد هو الرب، و قد خص الشهيد بيوم الجبارين، فينبغي أن يكون خصوصه خصوصا للرب لأنه هو، و أما قول عدي بن زيد:
__________________________________________________
(1) في السكندرية: أخذت عجوة، و هو تحريف.
(2) في لسان العرب: الحيارين.
181
الفروق في اللغة
الفرق بين الصفة ب رب و الصفة ب قادر ص 181
و راقد الرب مغبوط بصحته و طالب الوجه يرضي الحال مختارا
فان ذلك من خطابهم، و مثله تسميتهم الصنم إلها و مسيلمة رحمانا «1» و أراد بالوجه وجه الحق.
(الفرق) بين السيد و المالك
أن السيد في المالكين كالعبد في المملوكات فكما لا يكون العبد إلا ممن «2» يعقل فكذلك لا يكون السيد الا ممن يعقل، و المالك يكون كذلك و لغيره فيقال هذا سيد العبد و مالك العبد و يقال هو مالك الدار و لا يقال سيد الدار و يقال للقادر مالك فعله و لا يقال سيد فعله و الله تعالى سيد لانه مالك لجنس من يعقل.
و مما يجري مع ذلك
(الفرق) بين الملك و الدولة
أن الملك يفيد اتساع المقدور على ما ذكرنا، و الدولة انتقال حال سارة من قوم الى قوم، و الدولة ما ينال من المال بالدولة فيتداوله القوم بينهم هذا مرة و هذا مرة، و قال بعضهم الدولة فعل المنتهبين و الدولة الشيء الذي ينتهب، و مثلها غرفة لما في يدك و الغرفة فعلة من غرفت و مثل ذلك خطوة للموضع و خطوة فعلة من خطوت، و جمع الدولة دول مثل غرف، و من قال دول «3» فهي لغة و الأول الأصل.
(الفرق) بين الملك و السلطان
أن السلطان قوة اليد في القهر للجمهور الأعظم و للجماعة اليسيرة أيضا ألا ترى أنه يقال الخليفة سلطان الدنيا و ملك الدنيا و تقول لأمير البلد سلطان البلد و لا يقال له ملك البلد لأن الملك هو من اتسعت مقدرته على ما ذكرنا فالملك هو القدرة على أشياء كثيرة، و السلطان القدرة سواء كان على أشياء كثيرة أو قليلة و لهذا يقال له في داره سلطان و لا يقال له في داره ملك و لهذا يقال هو مسلط علينا
__________________________________________________
(1) سيأتي الكلام على ذلك في الفرق بين الرحيم و الرحمن.
(2) في السكندرية «من جنس ما».
(3) أي بكسر الدال و فتح الواو.
182
الفروق في اللغة
الفرق بين الملك و السلطان ص 182
و ان لم يملكنا، و قيل السلطان المانع المسلط على غيره من أن يتصرف عن مراده و لهذا يقال ليس لك على فلان سلطان فتمنعه من كذا.
(الفرق) بين قولك الملك و قولك ملك اليمين
أن ملك اليمين متى أطلق علم منه الأمة و العبد المملوكان و لا يطلق على غير ذلك لا يقال للدار و الدابة و ما كان من غير بني آدم ملك اليمين و ذلك أن ملك العبد و الأمة أخص من ملك غيرهما ألا ترى أنه يملك التصرف في الدار بالنقض و البناء و لا يملك ذلك في بني آدم و يجوز عارية الدار و غيرها من العروض و لا يجوز عارية الفروج.
(الفرق) بين التمكين و التمليك
أن تمكين الحائز يجوز و لا يجوز تمليكه لأنه إن ملكه الحوز فقد جعل له أن يحوز و ليس كذلك التمكين لانه مكن مع الزجر و دل على أنه ليس له أن يحوز و ليس كل من مكن من الغصب قد ملكه.
(الفرق) بين الولاية و العمالة
أن الولاية أعم من العمالة و ذلك أن كل من ولي شيئا من عمل السلطان فهو وال فالقاضي وال و الأمير وال و العامل وال و ليس القاضي عاملا و لا الأمير و إنما العامل من يلي جباية المال فقط فكل عامل وال و ليس كل وال عاملا و أصل العمالة أجرة من يلي الصدقة ثم كثر استعمالها حتى أجريت على غير ذلك.
(الفرق) بين الإعانة و النصرة
أن النصرة لا تكون الا على المنازع المغالب و الخصم المناوئ المشاغب، و الاعانة تكون على ذلك و على غيره تقول أعانه على من غالبه و نازعه و نصره عليه و أعانه على فقره اذا أعطاه ما يعينه و أعانه على الاحمال «1» و لا يقال نصره على ذلك فالاعانة عامة و النصرة خاصة.
(الفرق) بين الإعانة و التقوية
أن التقوية من الله تعالى للعبد هي اقداره على كثرة المقدور و من العبد للعبد اعطاؤه المال و امداده بالرجال
__________________________________________________
(1) في السكندرية «على حمل الحمل».
183
الفروق في اللغة
الفرق بين الإعانة و التقوية ص 183
و هي أبلغ من الاعانة الا ترى أنه يقال أعانه بدرهم و لا يقال قواه بدراهم و انما يقال قواه بالأموال و الرجال على ما ذكرنا، و قال علي بن عيسى التقوية تكون على صناعة و النصرة لا تكون الا في منازعة.
(الفرق) بين النصير و الولي
أن الولاية قد تكون باخلاص المودة، و النصرة تكون بالمعونة و التقوية و قد لا تمكن النصرة مع حصول الولاية فالفرق بينهما بين.
(الفرق) بين السيد و الهمام
أن الهمام هو الذي يمضي همه في الامور، و لا يوصف الله تعالى به لأنه لا يوصف بالهم.
(الفرق) بين الهمام و القمقام
أن القمقام هو السيد الذي تجتمع له أموره و لا تتفرق عليه شؤونه من قولهم تقمقم الشيء اذا تجمع و قمقم عصبه جمعه و يقال للبحر قمقام لأنه مجمع المياه.
(الفرق) بين الولاية بفتح الواو و النصرة
أن الولاية النصرة لمحبة المنصور لا للرياء و السمعة لانها تضاد العداوة، و النصرة تكون على الوجهين.
(الفرق) بين الحكم و القضاء
أن القضاء يقتضي فصل الأمر على التمام من قولك قضاه اذا أتمه و قطع عمله و منه قوله تعالى (ثُمَّ قَضى أَجَلًا) أي فصل الحكم به (وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) أي فصلنا الاعلام به و قال تعالى (قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ) أي فصلنا أمر موته (فَقَضاهُنَّ «1» سَبْعَ سَماواتٍ) في يومين أي فصل الأمر به، و الحكم يقتضي المنع عن الخصومة من قولك أحكمته اذا منعته قال الشاعر:
أ بني حنيفة أحكموا سفهاءكم إني أخاف عليكم أن أغضبا
و يجوز أن يقال الحكم فصل الأمر على الاحكام بما يقتضيه العقل و الشرع فاذا قيل حكم بالباطل فمعناه أنه جعل الباطل موضع الحق، و يستعمل الحكم في مواضع لا يستعمل فيها القضاء كقولك حكم هذا كحكم هذا
__________________________________________________
(1) في النسخ: و قضاهن، بالواو.
184
الفروق في اللغة
الفرق بين الحكم و القضاء ص 184
أي هما متماثلان في السبب أو العلة أو نحو ذلك و أحكام الاشياء تنقسم قسمين «1» حكم يرد الى أصل و حكم لا يرد الى أصل لانه أول في بابه.
(الفرق) بين الحاكم و الحكم
أن الحكم يقتضي أنه أهل أن يتحاكم اليه، و الحاكم الذي من شأنه أن يحكم. فالصفة بالحكم أمدح و ذلك أن صفة حاكم جار على الفعل فقد يحكم الحاكم بغير الصواب فاما من يستحق الصفة بحكم فلا يحكم الا بالصواب لأنه صفة تعظيم و مدح.
(الفرق) بين القضاء و القدر
أن القدر هو وجود الافعال على مقدار الحاجة اليها و الكفاية لما فعلت من أجله و يجوز أن يكون القدر هو الوجه الذي أردت ايقاع المراد عليه، و المقدر الموجد له على ذلك الوجه، و قيل أصل القدر هو وجود الفعل على مقدار ما أراده الفاعل، و حقيقة ذلك في أفعال الله تعالى وجودها على مقدار المصلحة، و القضاء هو فصل الأمر على التمام.
(الفرق) بين القدر و التقدير
أن التقدير يستعمل في أفعال الله تعالى و أفعال العباد، و لا يستعمل القدر الا في أفعال الله عز و جل «2» و قد يكون التقدير حسنا و قبيحا كتقدير المنجم موت زيد و افقاره و استغناءه، و لا يكون القدر الا حسنا.
(الفرق) بين قولك قضى اليه و قضى به
أن قولك قضى اليه أي أعلمه و قوله تعالى (وَ قَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ) أي أعلمناه ثم فسر الأمر الذي ذكره فقال (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) فكأنه قال و قضينا اليه ان دابر هؤلاء مقطوع، و معنى قولنا قضى به أنه فصل الأمر به على التمام.
(الفرق) بين التقدير و التدبير
أن التدبير هو تقويم الأمر على ما بكون فيه صلاح عاقبته، و أصله من الدبر و أدبار الأمور عواقبها و آخر كل شيء دبره و فلان يتدبر أمره أي ينظر في اعقابه ليصلحه على ما يصلحها،
__________________________________________________
(1) في نسخة «الى قسمين».
(2) في السكندرية «جل اسمه».
185
الفروق في اللغة
الفرق بين التقدير و التدبير ص 185
و التقدير تقويم الأمر على مقدار يقع معه الصلاح و لا يتضمن معنى العاقبة.
(الفرق) بين قولك قدر له كذا و منى له كذا
أن المنى لا يكون الا تقدير المكروه يقال منى له الشر و لا يقال منى له الخير و من ثم سميت المنية منية و يقال أعلمت ما منيت «1» به من فلان، و التقدير يكون في الخير و الشر.
(الفرق) بين السياسة و التدبير
أن السياسة في التدبير المستمر و لا يقال للتدبير الواحد سياسة فكل سياسة تدبير و ليس كل تدبير سياسة، و السياسة أيضا في الدقيق من أمور المسوس على ما ذكرنا قبل فلا يوصف الله تعالى بها لذلك.
__________________________________________________
(1) في السكندرية «منينا».
186
الفروق في اللغة
الباب الرابع عشر في الفرق بين الانعام و الاحسان و بين النعمة و الرحمة و الرأفة و النفع و الخير و بين الحلم و الصبر و الوقار و التؤده و ما بسبيل ذلك
الباب الرابع عشر في الفرق بين الانعام و الاحسان و بين النعمة و الرحمة و الرأفة و النفع و الخير و بين الحلم و الصبر و الوقار و التؤده و ما بسبيل ذلك
(الفرق) بين الإنعام و الإحسان
أن الانعام لا يكون الا من المنعم على غيره لانه متضمن بالشكر الذي يجب وجوب الدين، و يجوز احسان الانسان الى نفسه تقول لمن يتعلم العلم انه يحسن «1» الى نفسه و لا تقول منعم على نفسه، و الاحسان متضمن بالحمد و يجوز حمد الحامد لنفسه، و النعمة متضمنة بالشكر و لا يجوز شكر الشاكر لنفسه لأنه يجري مجرى الدين و لا يجوز أن يؤدي الانسان الدين الى نفسه، و الحمد يقتضي تبقية الاحسان اذا كان للغير، و الشكر يقتضي تبقية النعمة، و يكون من الاحسان ما هو ضرر مثل تعذيب الله تعالى أهل النار، و كل من جاء بفعل حسن فقد أحسن ألا ترى أن من أقام حدا فقد أحسن و ان أنزل بالمحدود ضررا ثم استعمل في النفع و الخير خاصة فيقال أحسن الى فلان اذا نفعه و لا يقال أحسن اليه اذا حده و يقولون للنفع كله احسانا و لا يقولون للضرر كله اساءة فلو كان معنى الاحسان هو النفع على الحقيقة لكان معنى الاساءة الضرر على الحقيقة لأنه ضده، و الأب يحسن الى ولده
__________________________________________________
(1) في السكندرية «محسن».
187
الفروق في اللغة
الفرق بين الإنعام و الإحسان ص 187
بسقيه الدواء المر و بالفصد و الحجامة و لا يقال ينعم عليه بذلك و يقال أحسن اذا أتى بفعل حسن و لا يقال أقبح اذا أتى بفعل قبيح اكتفوا بقولهم أساء، و قد يكون أيضا من النعمة ما هو ضرر مثل التكليف نسميه نعمة لما يؤدي اليه من اللذة و السرور.
(الفرق) بين الإحسان و النفع
أن النفع قد يكون من غير قصد و الاحسان لا يكون الا مع القصد تقول ينفعني العدو بما فعله بي اذا أراد بك ضرا فوقع نفعا و لا يقال أحسن الي في ذلك.
(الفرق) بين الإحسان و الإجمال
أن الاجمال هو الاحسان الظاهر من قولك رجل جميل كأنما يجري فيه السمن و أصل الجميل الودك «1» و اجتمل الرجل اذا طبخ العظام ليخرج و دكها، و يقال أحسن اليه فيعدى بإلى، و أجمل في أمره لانه فعل الجميل في أمره، و يقال أنعم عليه لأنه دخله معنى علو نعمة عليه فهي غامرة له، و لذلك يقال هو غريق في النعمة و لا يقال غريق في الاحسان و الاجمال و يقال أجمل الحساب فيعدي ذلك بنفسه لأنه مضمن بمفعول ينبئ عنه من غير وسيلة، و قد يكون الاحسان مثل الاجمال في استحقاق الحمد به و كما يجوز أن يحسن الانسان الى نفسه يجوز أن يجمل في فعله لنفسه.
(الفرق) بين الفضل و الإحسان
أن الاحسان قد يكون واجبا و غير واجب، و الفضل لا يكون واجبا على أحد و انما هو ما يتفضل به من غير سبب يوجبه.
(الفرق) بين الطول و الفضل
أن الطول هو ما يستطيل به الانسان على من يقصده به و لا يكون الا من المتبوع الى التابع و لا يقال لفضل التابع على المتبوع طول، و يقال طال عليه و تطول وطل عليه اذا سأله ذلك قال الشاعر:
__________________________________________________
(1) أي الدسم.
188
الفروق في اللغة
الفرق بين الطول و الفضل ص 188
* أقر لكي يزداد طولك طولا*
و قال الله تعالى (أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ) أي من معه فضل يستطل به على عشيرته.
(الفرق) بين الآلاء و النعم
أن الألى واحد الآلاء و هي النعمة التي تتلو غيرها من قولك وليه يليه اذا قرب منه و أصله ولى، و قيل واحد الآلاء ألى، و قال بعضهم الألى مقلوب من ألى الشيء اذا عظم على قال فهو اسم للنعمة العظيمة.
(الفرق) بين الإفضال و التفضل
أن الافضال من الله تعالى نفع تدعو اليه الحكمة و هو تعالى يفضل لا محالة لأن الحكيم لا يخالف ما تدعو اليه الحكمة و هو كالانعام في وجوب الشكر عليه، و أصله الزيادة في الاحسان، و التفضل التخصص بالنفع الذي يوليه القادر عليه و له أن لا يوليه و الله تعالى متفضل بكل نفع يعطيه اياه من ثواب و غيره فان قلت الثواب واجب من جهة انه جزاء على الطاعة فكيف يجوز أن لا يفعله قلنا لا يفعله بان لا يفعل سببه المؤدي اليه.
(الفرق) بين المتفضل و الفاضل
أن الفاضل هو الزائد على غيره في خصلة من خصال الخير و الفضل الزيادة يقال فضل الشيء في نفسه اذا زاد و فضله غيره اذا زاد عليه و فضله بالتشديد اذا أخبر بزيادته على غيره و لا يوصف الله تعالى بأنه فاضل لأنه لا يوصف بالزيادة و النقصان.
(الفرق) بين النعمة و الرحمة
أن الرحمة الانعام على المحتاج اليه و ليس كذلك النعمة لأنك اذا أنعمت بمال تعطيه اياه فقد أنعمت عليه و لا تقول انك رحمته.
(الفرق) بين الرحمن و الرحيم
أن الرحمن على ما قال ابن عباس «1» أرق من الرحيم.
يريد أنه أبلغ في المعنى لأن الرقة و الغلظة لا يوصف الله تعالى بهما و الرحمة من الله تعالى على عباده و نعمته عليهم في باب الدين
__________________________________________________
(1) «ابن عباس» غير موجودة في السكندرية.
189
الفروق في اللغة
الفرق بين الرحمن و الرحيم ص 189
و الدنيا، و أجمع المسلمون أن الغيث رحمة من الله تعالى، و قيل معنى قوله رحيم أن من شأنه الرحمة و هو على تقدير يديم، و الرحمن في تقدير بزمان و هو اسم خص به الباري جل و عز، و مثله في التخصيص قولنا لهذا النجم سماك و هو مأخوذ من السمك الذي هو الارتفاع و ليس كل مرتفع سماكا و قولنا للنجم الآخر دبران لأنه يدبر الثريا، و ليس كل ما دبر شيئا يسمى دبرانا فأما قولهم لمسيلمة رحمان اليمامة فشيء وضعه له أصحابه على وجه الخطأ كما وضع غيرهم اسم الالهية لغير الله و عندنا أن الرحيم مبالغة لعدوله و أن الرحمن أشد مبالغة لأنه أشد عدولا و اذا كان العدول على المبالغة كلما كان أشد عدولا كان أشد مبالغة.
(الفرق) بين الرحمة و الرقة
أن الرقة و الغلظة يكونان في القلب و غيره خلقة و الرحمة فعل الراحم و الناس يقولون رق عليه فرحمه يجعلون «1» الرقة سبب الرحمة.
(الفرق) بين الشفيق و الرفيق
أنه قد يرق الانسان لمن لا يشفق عليه كالذي يئد الموءودة فيرق لها لا محالة لأن طبع الانسانية يوجب ذلك و لا يشفق عليها لأنه لو أشفق عليها ما و أدها.
(الفرق) بين الرأفة و الرحمة
أن الرأفة أبلغ من الرحمة و لهذا قال أبو عبيدة إن في قوله تعالى (رَؤُفٌ رَحِيمٌ)* تقديما و تأخيرا أراد أن التوكيد يكون في الأبلغ في المعنى فاذا تقدم الأبلغ في اللفظ كان المعنى مؤخرا.
(الفرق) بين المنفعة و الخير
أن من المعصية ما يكون منفعة و قد شهد الله تعالى بذلك في قوله (قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ) و ما كانت فيه منفعة فهو منفعة و لا تكون المعصية خيرا و قد أجريت الصفة بنافع على الموجب للنفع فقيل طعام نافع و دواء نافع.
(الفرق) بين المنفعة و النعمة
أن المنفعة تكون حسنة و قبيحة كما أن المضرة تكون حسنة و قبيحة و المنفعة القبيحة منفعتك الرجل تنفعه ليسكن
__________________________________________________
(1) في السكندرية «فيجعلون».
190
الفروق في اللغة
الفرق بين المنفعة و النعمة ص 190
اليك فتغتاله، و النعمة لا تكون الا حسنة، و يفرق بينهما أيضا فتقول الانسان يجوز أن ينفع نفسه و لا يجوز أن ينعم عليها.
(الفرق) بين المتاع و المنفعة
أن المتاع النفع الذي تتعجل به اللذة و ذلك إما لوجود اللذة و اما بما يكون معه اللذة نحو المال الجليل و الملك النفيس و قد يكون النفع بما تتأجل به اللذة نحو اصلاح الطعام و تبريد الماء لوقت الحاجة الى ذلك.
(الفرق) بين الإنعام و التمتع
أن الانعام يوجب الشكر، و التمتع كالذي يمتع الانسان بالطعام و الشراب ليستنيم اليه فيتمكن من اغتصاب ماله و الاتيان على نفسه.
(الفرق) بين الخير و النعمة
ان الانسان يجوز أن يفعل بنفسه الخير كما يجوز أن ينفعها و لا يجوز أن ينعم عليها فالخير و النفع من هذا الوجه متساويان، و النفع هو ايجاب اللذة بفعلها أو السبب اليها و نقيضه الضر و هو ايجاب الالم بفعله أو التسبب اليه.
(الفرق) بين النعمة و النعماء
أن النعماء هي النعمة الظاهرة و ذلك أنها أخرجت مخرج الأحوال الظاهرة مثل الحمراء و البيضاء، و النعمة قد تكون خافية فلا تسمى نعماء.
(الفرق) بين اللذة و النعمة
أن اللذة لا تكون الا مشتهاة و يجوز أن تكون نعمة لا تشتهى كالتكليف و انما صار التكليف نعمة لأنه يعود عليها بمنافع و ملاذ، و انما سمي ذلك نعمة لأنه سبب للنعمة كما يسمى الشيء باسم سببه.
(الفرق) بين النعمة و المنة
أن المنة هي النعمة المقطوعة من جوانبها كأنها قطعة منها، و لهذا جاءت على مثال قطعة، و أصل الكلمة القطع و منه قوله تعالى (لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)* أي غير مقطوع، و سمي الدهر منونا لأنه يقطع بين الالف، و سمي الاعتداد بالنعمة منّا لأنه يقطع الشكر عليها.
(الفرق) بين الإحسان و الإفضال
أن الاحسان النفع الحسن،
191
الفروق في اللغة
الفرق بين الإحسان و الإفضال ص 191
و الافضال النفع الزائد على أقل المقدار و قد خص الاحسان «1» بالفضل و لم يجب مثل ذلك في الزيادة لأنه جرى مجرى الصفة الغالبة كما اختص النجم بالسماك و لا يجب مثل ذلك في كل مرتفع.
(الفرق) بين البر و القربان
أن القربان البر الذي يتقرب به الى الله و أصله المصدر مثل الكفران و الشكران.
الفرق بين ما يخالف النفع و الإحسان من الضر و السوء و غير ذلك مما يجري معه
(الفرق) بين الضَّرِّ و الضُّرِّ
أن الضر خلاف النفع و يكون حسنا و قبيحا فالقبيح الظلم و ما بسبيله و الحسن شرب الدواء المر رجاء العافية.
و الضر بالضم الهزال و سوء الحال و رجل مضرور سيء الحال، و من وجه آخر أن الضر أبلغ من الضرر لأن الضرر يجري على ضرت ضرا فيقع على أقل قليل الفعل لأنه مصدر جار على فعله كالصفة الجارية على الفعل، و الضر بالضم كالصفة المعدولة للمبالغة.
(الفرق) بين الضر و الضراء
أن الضراء هي المضرة الظاهرة و ذلك أنها أخرجت مخرج الأحوال الظاهرة مثل الحمراء و البيضاء على ما ذكرنا.
(الفرق) بين الضراء و البأساء
أن البأساء ضراء معها خوف و أصلها البأس و هو الخوف يقال لا بأس عليك أي لا خوف عليك و سميت الحرب بأسا لما فيها من الخوف و البائس الرجل اذا لحقه بأس و اذا لحقه بؤس أيضا و قال تعالى (فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) أي لا يلحقك بؤس و يجوز أن يكون من البأس أي لا يلحقك خوف بما فعلوا و جاء البأس بمعنى الاثم في قولهم لا بأس بكذا «2» أي لا إثم فيه و يقال أيضا لا بأس فيه أي هو جائز شائع.
(الفرق) بين الضر و السوء
أن الضر يكون من حيث لا يعلم المقصود
__________________________________________________
(1) في السكندرية «الانسان».
(2) في السكندرية: في كذا.
192
الفروق في اللغة
الفرق بين الضر و السوء ص 192
به و السوء لا يكون الا من حيث يعلم و معلوم أنه يقال ضررت فلانا من حيث لا يعلم و لا يقال سؤته الا اذا جاهرته بالمكروه.
(الفرق) بين المضرة و الإساءة
أن الاساءة قبيحة و قد تكون مضرة حسنة اذا قصد بها وجه يحسن نحو المضرة بالضرب للتأديب و بالكد للتعلم و التعليم.
(الفرق) بين السُوء و السَوء
أن السوء مصدر أضيف المنعوت اليه تقول هو رجل سوء و رجل السوء بالفتح و ليس هو من قولك سؤته و في المثل لا يعجز مسك السوء عن عرق السوء، أي لا يعجز الجلد الرديء عن الريح الرديئة، و السوء بالضم المكروه يقال ساءه يسوؤه اذا لقي منه مكروها، و أصل الكلمتين الكراهة الا أن استعمالها يكون على ما وصفنا.
(الفرق) بين الإساءة و السوء
أن الاساءة اسم للظلم يقال أساء اليه اذا ظلمه و السوء اسم الضرر و الغم يقال ساءه يسوؤه اذا ضره و غمه و إن لم يكن ذلك ظلما.
(الفرق) بين الضر و الشر،
أن السقم و عذاب «1» جهنم ضر في الحقيقة و شر مجازا، و شرب الدواء المر رجاء العافية ضرر يدخله الانسان على نفسه و ليس بشر، و الشاهد على أن السقم و عذاب جهنم لا يسمى شرا على الحقيقة أن فاعله لا يسمى شريرا كما يسمى فاعل الضر ضارا، و قال أبو بكر بن الاخشاد رحمه الله تعالى السقم و عذاب جهنم شر على الحقيقة و إن لم يسم فاعلهما شريرا لأن الشرير هو المنهمك في الشر القبيح و ليس كل شر قبيحا و لا كل من فعل الشر شريرا كما أنه ليس كل من شرب الشراب شريبا، و إنما الشريب المنهمك في الشرب المحظور، و الشر عنده ضربان حسن و قبيح فالحسن السقم و عذاب جهنم و القبيح الظلم و ما
__________________________________________________
(1) في السكندرية (و عقاب).
193
الفروق في اللغة
الفرق بين الضر و الشر ص 193
يجري مجراه، قال: و يجوز أن يقال للشيء الواحد إنه خير و شر اذا أردت بأحد القولين إخبارا عن عاقبته و انما يكونان نقيضين اذا كانا من وجه واحد.
(الفرق) بين الصبر و الحلم
أن الحلم هو الامهال بتأخير العقاب المستحق، و الحلم من الله تعالى عن العصاة في الدنيا فعل ينافي تعجيل العقوبة من النعمة و العافية، و لا يجوز الحلم اذا كان فيه فساد على أحد من المكلفين و ليس هو الترك لتعجيل العقاب لأن الترك لا يجوز على الله تعالى لأنه فعل يقع في محل القدرة يضاد المتروك و لا يصح الحلم الا ممن يقدر على العقوبة و ما يجري مجراها من التأديب بالضرب و هو ممن لا يقدر على ذلك و لهذا قال الشاعر:
* لا صفح ذل و لكن «1» صفح أحلام و لا يقال لتارك الظلم حليم انما
يقال لتارك الظلم حليم انما يقال حلم عنه اذا أخر عقابه أو عفا عنه و لو عاقبه كان عادلا، و قال بعضهم ضد الحلم السفه، و هو جيد لأن السفه خفة و عجلة و في الحلم أناة و إمهال، و قال المفضل السفه في الاصل قلة المعرفة بوضع الأمور مواضعها و هو ضعف الرأي، قال أبو هلال و هذا يوجب أنه ضد الحلم لأن الحلم من الحكمة و الحكمة وجود الفعل على جهة الصواب، قال المفضل ثم أجرى السفه على كل جهل و خفة يقال سفه رأيه سفها، و قال الفراء سفه غير متعد و انما ينصب رأيه على التفسير، و فيه لغة أخرى سفه يسفه سفاهة، و قيل السفيه في قوله تعالى (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً) هو الصغير و هذا يرجع الى أنه القليل المعرفة، و الدليل على أن الحلم أجرى مجرى الحكمة نقيضا للسفه قول المتلمس:
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا و ما علم الانسان إلا ليعلما
أي لذي المعرفة و التمييز، و أصل السفه الخفة ثوب سفيه أي خفيف، و أصل الحلم في العربية اللين و رجل حليم أي لين في معاملته في الجزاء
__________________________________________________
(1) في النسخ «و لا».
194
الفروق في اللغة
الفرق بين الصبر و الحلم ص 194
على السيئة بالاناة، و حلم في النوم لأن حال النوم حال سكون و هدوء و احتلم الغلام و هو محتلم و حالم يرجع الى قولهم حلم في النوم، و حلمة الثدي الناتئ في طرفه لما يخرج منها من اللبن الذي يحلم الصبي و حلم الأديم ثقل بالحلم و هو قردان عظيمة لينة الملمس و تحلم الرجل تكلف الحلم. و الصبر حبس النفس لمصادفة المكروه، و صبر الرجل حبس نفسه عن إظهار الجزع و الجزع اظهار ما يلحق المصاب من المضض «1» و الغم و
في الحديث (يصبر الصابر و يقتل القاتل).
و الصابر ههنا هو الذي يصبر النفس عن القتل، و لا تجوز الصفة على الله تعالى بالصبر لأن المضار لا تلحقه و تجوز الصفة عليه بالحلم لأنه صفة مدح و تعظيم و اذا قال قائل اللهم حلمك عن العصاة أي امهالك فدلك جائز على شرائط الحكمة من غير أن يكون فيه مفسدة و امهال الله تعالى اياهم مظاهرة عليهم.
(الفرق) بين الصبر و الاحتمال
أن الاحتمال للشيء يفيد كظم الغيظ فيه، و الصبر على الشدة يفيد حبس النفس عن المقابلة عليه بالقول و الفعل، و الصبر عن الشيء يفيد حبس النفس عن فعله و صبرت على خطوب الدهر أي حبست النفس عن الجزع عندها و لا يستعمل الاحتمال في ذلك لأنك لا تغتاظ منه.
(الفرق) بين الحلم و الإمهال
أن كل حلم امهال و ليس كل امهال حلما لأن الله تعالى لو أمهل من أخذه لم يكن هذا الامهال حلما لأن الحلم صفة مدح و الامهال على هذا الوجه مذموم و اذا كان الأخذ و الامهال سواءا في الاستصلاح فالامهال تفضل و الانتقام عدل و على هذا يجب أن يكون ضد الحلم السفه اذا كان الحلم واجبا لأن ضده استفساد فلو فعله لم يكن ظلما الا أنه لم يكن حكمة ألا ترى أنه قد يكون الشيء سفها و إن لم يكن ضده حلما و هذا نحو صرف الثواب عن المستحق الى غيره لأن ذلك يكون ظلما من حيث حرمة من استحقه و يكون سفها من حيث وضع
__________________________________________________
(1) في السكندرية «المضرة».
195
الفروق في اللغة
الفرق بين الحلم و الإمهال ص 195
في غير موضعه و لو أعطى مثل ثواب المطيعين من لم يطع لم يكن ذلك ظلما لأحد ولكن كان سفها لأنه وضع الشيء في غير موضعه، و ليس يجب أن تكون اثابة المستحقين حلما و إن كان خلاف ذلك سفها فثبت بذلك أن الحلم يقتضي بعض الحكمة و ان السفه يضاد ما كان من الحلم واجبا لا ما كان منه تفضلا و أن السفه نقيض الحكمة في كل وجه، و قولنا الله حليم من صفات الفعل و يكون من صفات الذات بمعنى أهل لأن يحلم إذا عصي، و يفرق بين الحلم و الامهال من وجه آخر و هو أن الحلم لا يكون الا عن المستحق للانتقام و ليس كذلك الامهال ألا ترى أنك تمهل غريمك الى مدة و لا يكون ذلك منك حلما، و قال بعضهم لا يجوز أن يمهل أحد غيره في وقت الا ليأخذه في وقت آخر.
(الفرق) بين الإمهال و الإنظار
أن الانظار مقرون بمقدار ما يقع فيه النظر، و الامهال مبهم، و قيل الانظار تأخير العبد لينظر في أمره و الامهال تأخيره ليسهل ما يتكلفه من عمله.
(الفرق) بين الحلم و الوقار
أن الوقار هو الهدوء و سكون الأطراف و قلة الحركة في المجلس، و يقع أيضا على مفارقة الطيش عند الغضب، مأخوذ من الوقر و هو الحمل. و لا تجوز الصفة به على الله سبحانه و تعالى.
(الفرق) بين الوقار و السكينة
أن السكينة مفارقة الاضطراب عند الغضب و الخوف و أكثر ما جاء في الخوف ألا ترى قوله تعالى (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) و قال (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) و يضاف الى القلب كما قال تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) فيكون هيبة و غير هيبة، و الوقار لا يكون الا هيبة.
(الفرق) بين «1» ذلك و بين الرزانة
أن الرزانة تستعمل في الانسان و غيره فهي أعم يقال رجل رزين أي ثقيل و لا يقال حجر وقور.
__________________________________________________
(1) في السكندرية «الفرق بينهما».
196
الفروق في اللغة
الفرق بين الرجاح و الرزانة ص 197
(الفرق) بين الرجاح و الرزانة
أن الرجاح أصله الميل و منه رجحت كفة الميزان اذا مالت لثقل ما فيها و منه زن و أرجح، يوصف الرجل بالرجاح على وجه التشبيه كأنه وزن مع غيره فصار أثقل منه و ليس هو صفة تختص الانسان على الحقيقة ألا ترى أنه لا يجوز أن يقال للانسان ترجح أي كن راجحا ولكن يقال له ترجح أي تمايل، و يجوز أن يقال له ترزن أي كن رزينا و هي أيضا تستعمل في التثبيت و السكون، و الرجاح في زيادة الفضل فالفرق بينهما بين.
(الفرق) بين الوقار و التوقير،
أن التوقير يستعمل في معنى التعظيم يقال وقرته اذا عظمته و قد أقيم الوقار موضع التوقير في قوله تعالى (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) أي تعظيما و قال تعالى (وَ تُعَزِّرُوهُ وَ تُوَقِّرُوهُ) و قال أبو أحمد ابن أبي سلمة رحمه الله: الله جل اسمه لا يوصف بالوقار و يوصف العباد بأنهم يوقرونه أي يعظمونه و لا يقال انه وقور بمعنى عظيم كما يقال انه يوقر بمعنى يعظم لأن الصفة بالوقور ترجع اليه اذا وصف بها، قال أبو هلال و هي غير لائقة به لأن الوقار مما تتغير به الهيبة، قال أبو أحمد و الصفة بالتوفير ترجع الى من توقره، قال أبو هلال أيده الله تعالى عندنا أنه يوصف بالتوفير ان وصف به على معنى التعظيم لا لغير ذلك.
(الفرق) بين الوقار و السمت
أن السمت هو حسن السكوت و قالوا هو كالصمت فأبدل الصاد سينا كما يقال خطيب مسقع و مصقع، و يجوز أن يكون السمت حسن الطريقة و استواؤها من قولك هو على سمت البلد، و ليس السمت من الوقار في شيء.
(الفرق) بين الحلم و الأناة
أن الاناة هي البطء في الحركة و في مقاربة الخطو في المشي و لهذا يقال للمرأة البدينة أناة قال الشاعر:
رمته أناة من ربيعة عامر نؤم الضحى في مأتم أي مأثم
و يكون المراد بها في صفات الرجال المتمهل في تدبير الأمور و مفارقة
197
الفروق في اللغة
الفرق بين الحلم و الأناة ص 197
التعجل «1» فيها كأنه يقاربها مقاربة لطيفة من قولك أنى الشيء اذا قرب و تأنى أي تمهل ليأخذ الأمر من قرب، و قال بعضهم الاناة السكون عند الحالة المزعجة.
(و الفرق) بينها و بين التؤدة
أن التؤدة مفارقة الخفة في الأمور و أصلها من قولك و أده يئده اذا أثقله بالتراب، و منه الموؤودة و أصل التاء فيها واو و مثلها التخمة و أصلها من الوخامة و التهمة و أصلها من وهمت و الترة و أصله من ترت فالتؤدة تفيد من هذا خلاف ما تفيد الاناة و ذلك أن الاناة تفيد مقاربة الأمر و التسبب اليه بسهولة و التؤدة تفيد مفارقة الخفة و لو لا أنا رجعنا الى الاشتقاق لم نجد بينهما فرقا و يجوز أن يقال ان الاناة هي المبالغة في الرفق بالأمور و التسبب اليها من قولك آن الشيء اذا انتهى و منه (حَمِيمٍ آنٍ) و قوله (غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) أي نهايته من النضج.
و مما يخالف ذلك
(الفرق) بين الطيش و السفه
أن السفه نقيض الحكمة على ما وصفنا و يستعار في الكلام القبيح فيقال سفه عليه اذا أسمعه القبيح و يقال للجاهل سفيه، و الطيش خفة معها خطأ في الفعل و هو من قولك طاش السهم اذا خف فمضى فوق الهدف فشبه به الخفيف المفارق لصواب الفعل.
(الفرق) بين السرعة و العجلة
أن السرعة التقدم فيما ينبغي أن يتقدم فيه و هي محمودة و نقيضها مذموم و هو الابطاء، و العجلة التقدم فيما لا ينبغي أن يتقدم فيه و هي مذمومة، و نقيضها محمود و هو الاناة، فأما قوله تعالى (وَ عَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) فان ذلك بمعنى أسرعت.
__________________________________________________
(1) في السكندرية «العجلة».
198
الفروق في اللغة
الباب الخامس عشر في الفرق بين الحفظ و الرعاية و الحراسة و ما يجري مع ذلك و في الفرق بين الضمان و الوكالة و الزعامة و ما يقرب من ذلك
الباب الخامس عشر في الفرق بين الحفظ و الرعاية و الحراسة و ما يجري مع ذلك و في الفرق بين الضمان و الوكالة و الزعامة و ما يقرب من ذلك
(الفرق) بين الحفظ و الرعاية
أن نقيض الحفظ الاضاعة و نقيض الرعاية الاهمال و لهذا يقال للماشية اذا لم يكن لها راع همل و الاهمال هو ما يؤدي الى الضياع، فعلى هذا يكون الحفظ صرف المكاره عن الشيء لئلا يهلك، و الرعاية فعل السبب الذي يصرف المكاره عنه و من ثم يقال فلان يرعى العهود بينه و بين فلان أي يحفظ الأسباب التي تبقى معها «1» تلك العهود و منه راعي المواشي لتفقده أمورها و نفي الاسباب التي يخشى عليها الضياع منها. فأما قولهم للساهر أنه يرعى النجوم فهو تشبيه براعي المواشي لأنه يراقبها كما يراقب الراعي مواشيه.
(الفرق) بين الحفظ و الكلاءة
أن الكلاءة هي إمالة الشيء الى جانب يسلم فيه من الآفة و من ثم يقال كلأت السفينة اذا قربتها من الارض و الكلأ مرفأ السفينة فالحفظ أعم لأنه جنس الفعل فان استعملت «2» احدى الكلمتين في مكان الاخرى فلتقارب معنييهما.
(الفرق) بين الحفظ و الحراسة
أن الحراسة حفظ مستمر، و لهذا
__________________________________________________
(1) في السكندرية «الذي يبقى معه».
(2) في النسخ «استعمل».
199
الفروق في اللغة
الفرق بين الحفظ و الحراسة ص 199
سمي الحارس حارسا لأنه يحرس في الليل أو لأن ذلك صناعته فهو يديم فعله، و اشتقاقه من الحرس و هو الدهر و الحراسة هو أن يصرف الآفات عن الشيء قبل أن تصيبه صرفا مستمرا فاذا أصابته فصرفها عنه سمي تخليصا و هو مصدر و الاسم الخلاص و يقال حرس الله عليك النعمة أي صرف الآفة عنها صرفا مستمرا و الحفظ لا يتضمن معنى الاستمرار و قد حفظ الشيء و هو حافظ و الحفيظ مبالغة و قالوا الحفيظ في أسماء الله بمعنى العليم و الشهيد فتأويله الذي لا يعزب عنه الشيء، و أصله أن الحافظ للشيء عالم به في اكثر الاحوال اذا كان من خفيت عليه أحواله لا يأتي له حفظ، قال أبو هلال أيده الله تعالى و الحفيظ بمعنى عليم توسع ألا ترى أنه لا يقال ان الله حافظ لقولنا و قدامنا على معنى قولنا فلان يحفظ القرآن و لو كان حقيقة لجرى في باب العلم كله.
(الفرق) بين الحفيظ و الرقيب
أن الرقيب هو الذي يرقبك لئلا يخفى عليه فعلك و أنت تقول لصاحبك اذا فتش عن أمورك أرقيب علي أنت و تقول راقب الله أي اعلم أنه يراك فلا يخفى عليه فعلك، و الحفيظ لا يتضمن معنى التفتيش «1» عن الامور و البحث عنها.
(الفرق) بين المهيمن و الرقيب
أن الرقيب هو الذي يرقبك مفتشا عن أمورك على ما ذكرنا و هو من صفات الله تعالى بمعنى الحفيظ و بمعنى العالم لأن الصفة بالتفتيش لا تجوز عليه تعالى. و المهيمن هو القائم على الشيء بالتدبير و منه قول الشاعر:
ألا ان خير الناس بعد نبيهم مهيمنه التأليه في العرف و النكر
يريد القائم على الناس بعده، و قال الاصمعي (وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ) أي قفانا و القفان فارسي معرب، و
قال عمر رضي الله عنه: اني لأستعين بالرجل فيه عيب ثم أكون على قفانه.
أي على تحفظ أخباره و القفان بمعنى المشرف.
(الفرق) بين الوكيل في صفات الله تعالى و بينه «2» في صفات العباد
__________________________________________________
(1) في نسخة «التنقير».
(2) في السكندرية «و بين الوكيل».
200
الفروق في اللغة
الفرق بين الوكيل في صفات الله تعالى و بينه في صفات العباد ص 200
أن الوكيل في صفات الله بمعنى المتولي القائم بتدبير خلقه لأنه مالك لهم رحيم بهم و في صفات غيره انما يعقد بالتوكيل.
(الفرق) بين الحفظ و الحماية
أن الحماية تكون لما لا يمكن احرازه و حصره مثل الارض و البلد تقول هو يحمي البلد و الارض و اليه حماية البلد، و الحفظ يكون لما يحرز و يحصر و تقول هو يحفظ دراهمه و متاعه و لا تقول يحمي دراهمه و متاعه و لا يحفظ الارض و البلد الا ان يقول ذلك عامي لا يعرف الكلام.
(الفرق) بين الحفظ و الضبط
أن ضبط الشيء شدة الحفظ له لئلا يفلت منه شيء، و لهذا لا يستعمل في الله تعالى لأنه «1» لا يخاف الافلات، و يستعار في الحساب فيقال فلان يضبط الحساب اذا كان يتحفظ فيه من الغلط.
(الفرق) بين الكفالة و الضمان
أن الكفالة تكون بالنفس و الضمان يكون بالمال، ألا ترى أنك تقول كفلت زيدا و تريد اذا التزمت «2» تسليمه، و ضمنت الأرض اذا التزمت اداء الأجر عنها و لا يقال كفلت بالأرض لأن عينها لا تغيب فيحتاج الى احضارها فالضمان التزام شيء عن المضمون و الكفالة التزام نفس المكفول به و منه كفلت الغلام اذا ضممته اليك لتعوله و لا نقول ضمنته لأنك اذا طولبت به لزمك تسليمه و لا يلزمك تسليم شيء عنه، و في القرآن (وَ كَفَّلَها زَكَرِيَّا) و لم يقل ضمنها، و من الدليل على أن الضمان يكون للمال و الكفالة للنفس أن الانسان يجوز أن يضمن عمن لا يعرفه، و لا يجوز أن يكفل من لا يعرفه لأنه اذا لم يعرفه لم يتمكن من تسليمه و يصح أن يؤدي عنه و ان لم يعرفه.
(الفرق) بين الضمين و الحميل
أن الحمالة ضمان الدية خاصة تقول حملت حمالة و أنا حميل و قال بعض العرب حملت دماء عولت فيها على
__________________________________________________
(1) في النسخ «بأنه».
(2) في نسخة «كفلت».
201
الفروق في اللغة
الفرق بين الضمين و الحميل ص 201
مالي و آمالي فقدمت مالي و كنت من أكبر آمالي فان حملتها فكم من غم شفيت و هم كفيت و ان حال دون ذلك حائل لم أذم يومك و لم أيأس من غدك. و الضمان يكون في ذلك و في غيره.
(الفرق) بين الرئيس و الزعيم
أن الزعامة تفيد القوة على الشيء و منه قوله تعالى (وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ) أي أنا قادر على أداء ذلك يعني أن يوسف «1» زعيم به لأن المنادي بهذا الكلام كان يؤدي عن يوسف عليه السلام و انما قال أنا قادر على أداء ذلك لأنهم كانوا في زمن قحط لا يقدر فيه على الطعام و من ثم قيل للرياسة الزعامة و زعيم القوم رئيسهم لأنه أقواهم و أقدرهم على ما يريده فان سمي الكفيل زعيما فعلى جهة المجاز و الأصل ما قلناه و الزعامة اسم للسلاح كله و سمي بذلك لأنه يتقوى به على العدو و اللّه أعلم.
__________________________________________________
(1) (يوسف) من زيادات السكندرية.
202
الفروق في اللغة
الباب السادس عشر في الفرق بين الهداية و الصلاح و السداد و ما يخالف ذلك من الغي و الفساد و ما يقرب منه
الباب السادس عشر في الفرق بين الهداية و الصلاح و السداد و ما يخالف ذلك من الغي و الفساد و ما يقرب منه
(الفرق) بين الهداية و الإرشاد
أن الارشاد الى الشيء هو التطريق اليه و التبيين له. و الهداية هي التمكن من الوصول اليه و قد جاءت الهداية للمهتدي في قوله تعالى (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) فذكر انهم دعوا بالهداية و هم مهتدون لا محالة و لم يجيء مثل ذلك في الارشاد و يقال أيضا هداه الى المكروه كما قال الله تعالى (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) و قال تعالى (إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ) و الهدي الدلالة فاذا كان مستقيما فهو دلالة الى الصواب و الايمان هدي لأنه دلالة الى الجنة و قد يقال الطريق هدي و لا يقال أرشده الا الى المحبوب و الراشد هو القابل للارشاد و الرشيد مبالغة من ذلك، و يجوز أن يقال الرشيد الذي صلح بما في نفسه مما يبعث عليه الخير و الراشد القابل لما دل عليه من طريق الرشد و المرشد الهادي للخير و الدال على طريق الرشد و مثل ذلك مثل من يقف بين طريقين لا يدري أيهما يؤدي الى الغرض المطلوب فاذا دله عليه دال فقد أرشده و اذا قبل هو قول الدال فسلك قصد السبيل فهو راشد و اذا بعثته نفسه على سلوك الطريق القاصد فهو رشيد و الرشاد و السداد و الصواب حق من يعمل عليه أن ينجو و حق من يعمل
203
الفروق في اللغة
الفرق بين الهداية و الإرشاد ص 203
على خلافه أن يهلك.
(الفرق) بين الهدي و البيان
أن البيان في الحقيقة اظهار المعنى للنفس كائنا ما كان فهو في الحقيقة من قبيل القول. و الهدي بيان طريق الرشد ليسلك «1» دون طريق الغي، هذا اذا أطلق فاذا قيد استعمل في غيره فقيل هدي الى النار و غيرها.
(الفرق) بين الخير و الصلاح
أن الصلاح الاستقامة على ما تدعو اليه الحكمة و يكون في الضر و النفع كالمرض يكون صلاحا للانسان في وقت دون الصحة و ذلك أنه يؤدي الى النفع في باب الدين فاما الألم الذي لا يؤدي الى النفع فلا يسمى صلاحا مثل عذاب جهنم فانه لا يؤدي الى نفع و لا هو نفع في نفسه و يقال أفعال الله تعالى كلها خير و لا يقال عذاب الاخرة خير للمعذبين به و قيل الصلاح التغير الى استقامة الحال و الصالح المتغير الى استقامة الحال و لهذا لا يقال لله تعالى صالح و الصالح في الدين يجري على الفرائض و النوافل دون المباحات لأنه مرغب فيه و مأمور به فلا يجوز أن يرغب في المباح و لا أن يؤمر به لأن ذلك عبث، و الخير هو السرور و الحسن و اذا لم يكن حسنا لم يكن خيرا لما يؤدي اليه من الضرر الزائد على المنفعة به و لذلك لم تكن المعاصي خيرا و ان كانت لذة و سرورا و لا يقال للمرض خير كما يقال له صلاح فاذا جعلت خيرا أفعل فقلت المرض خير لفلان من الصحة كان ذلك جائزا و يقال الله تعالى خير لنا من غيره و لا يقال هو أصلح لنا من غيره لأن أفعل انما يزيد على لفظ فاعل مبالغة فاذا لم يصح أن يوصف بأنه أصلح من غيره و الخير اسم من أسماء الله تعالى و في الصحابة رجل يقال له عبد خير و قال أبو هشام تسمية الله تعالى بأنه خير مجاز قال و يقال خار الله لك و لم يجيء أنه خائر.
__________________________________________________
(1) «ليسلك» زائدة في السكندرية.
204
الفروق في اللغة
الفرق بين الهداية و النجاة ص 205
(الفرق) بين الهداية و النجاة
أن النجاة تفيد الخلاص من المكروه و الهداية تفيد التمكن من الوصول الى الشيء و لفظهما ينبئ عن معنييهما و هو أنك تقول نجاه من كذا و هداه الى كذا فالنجاة تكون من الشيء و الهداية تكون الى الشيء و انما ذكرناهما و الفرق بينهما لأن بعضهم ذكر أنهما سواء.
(الفرق) بين الفوز و النجاة
أن النجاة هي الخلاص من المكروه، و الفوز هو الخلاص من المكروه مع الوصول الى المحبوب و لهذا سمى الله تعالى المؤمنين فائزين لنجاتهم من النار و نيلهم الجنة و لما كان الفوز يقتضي نيل المحبوب قيل فاز بطلبته و قال تعالى (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) أي أنال الخير نيلا كثيرا.
(الفرق) بين الفوز و الظفر
أن الظفر هو العلو على المناوىء المنازع قال الله تعالى (مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) و قد يستعمل في موضع الفوز يقال ظفر ببغيته و لا يستعمل الفوز في موضع الظفر ألا ترى أنه لا يقال فاز بعدوه كما يقال ظفر بعدوه بعينه فالظفر مفارق للفوز و قال علي بن عيسى الفوز الظفر بدلا من الوقوع في الشر و أصله نيل الحظ من الخير و فوز اذا ركب المفازة و فوز أيضا اذا مات لأنه قد صار في مثل المفازة.
(الفرق) بين النجاة و التخلص
أن التخلص يكون من تعقيد و ان لم يكن أذى و النجاة لا تكون الا من أذى و لا يقال لمن لا خوف عليه نجا لأنه لا يكون ناجيا الا مما يخاف.
(الفرق) بين الصلاح و الفلاح
أن الصلاح ما يتمكن به من الخير أو يتخلص به من الشر. و الفلاح نيل الخير و النفع الباقي أثره و سمي الشيء الباقي الأثر فلحا و يقال للأكار فلاح لأنه يشق الارض شقا باقيا في الارض «1» و الافلح المشقوق الشفة السفلى، يقال هذه علة صلاحه و لا يقال فلاحه بل يقال هي سبب فلاحه و يقال موته صلاحه لأنه يتخلص به
__________________________________________________
(1) في السكندرية «باقي الاثر».
205
الفروق في اللغة
الفرق بين الصلاح و الفلاح ص 205
من الضرر العاجل و لا يقال هو فلاحه لأنه ليس بنفع يناله و يقال أيضا لكل من عقل و حزم و تكاملت فيه خلال الخير قد أفلح و لا يقال صلح الا اذا تغير الى استقامة الحال، و الفلاح لا يفيد التغيير و يجوز أن يقال الصلاح وضع الشيء على صفة ينتفع به سواء انتفع أو لا، و لهذا يقال أصلحنا أمر فلان فلم ينتفع بذلك فهو كالنفع في أنه يجوز أن لا ينتفع به، و يقال فلان يصلح للقضاء و يصلح أمره و لا يستعمل الفلاح في ذلك.
و مما يجري مع هذا
(الفرق) بين التسديد و التقويم
أن التسديد هو التوجيه للصواب فيقال سدد السهم اذا وجهه وجه الصواب، و التقويم ازالة الاعوجاج كتقويم الرمح و القدح ثم يستعار فيقال قوم العمل فالمسدد المقوم لسبب الصلاح، و التسديد يكون في السبب المولد كتسديد السهم للاصابة، و يكون في السبب المؤدي كاللطف الذي يؤدي الى الطاعة، و السبب على وجهين مولد و مؤد، فالمولد هو الذي لا يقع السبب الا به لنقص القادر عن فعله دونه، و المؤدي هو الداعي الى الفعل دعاء الترغيب و الترهيب و التسديد من أكبر الأسباب لأنه يكون في المولد و المؤدي و التسديد للحق لا يكون الا مع طلب الحق فأما مع الاعراض عنه و التشاغل بغيره فلا يصح و الاصلاح تقويم الأمر على ما تدعو اليه الحكمة.
(الفرق) بين الرُشْد و الرَشَد
قال أبو عمرو بن العلاء الرشد الصلاح قال الله تعالى (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) و الرشد الاستقامة في الدين و منه قوله تعالى (أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) و قيل هما لغتان مثل العدم و العدم.
و مما يجري مع ذلك
(الفرق) بين الإحكام و الإتقان
أن اتقان الشيء اصلاحه و أصله من
206
الفروق في اللغة
الفرق بين الإحكام و الإتقان ص 206
التقن و هو الترنوق «1» الذي يكون في المسيل أو البئر و هو الطين المختلط بالحمأة يؤخذ فيصلح به التأسيس و غيره فيسد خلله و يصلحه فيقال أتقنه اذا «2» طلاه بالتقن ثم استعمل فيما يصح معرفته فيقال أتقنت كذا أي عرفته صحيحا كأنه لم يدع فيه خللا، و الاحكام ايجاد الفعل محكما و لهذا قال الله تعالى (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) أي خلقت محكمة و لم يقل أتقنت لأنها لم تخلق و بها خلل ثم سد خللها و حكى بعضهم أتقنت الباب اذا أصلحته قال أبو هلال رحمه الله تعالى و لا يقال أحكمته الا اذا ابتدأته محكما.
(الفرق) بين الإحكام و الرصف
أن الرصف هو جمع شيء الى شيء يشاكله، و احكام الشيء خلقه محكما و لا يستعمل الرصف الا في الأجسام، و الاحكام و الاتقان يستعملان فيها و في الاعراض فيقال فعل متقن و محكم و لا يقال فعل مرصوف الا أنهم قالوا رصف هذا الكلام حسن و هو مجاز لا يتعدى هذا الموضع.
(الفرق) بين إحكام الشيء و إبرامه
أن ابرامه تقويته و أصله في تقوية الحبل و هو في غيره مستعار.
(الفرق) بين الإبرام و التأريب
أن التأريب شدة العقد يقال أرب العقد اذا جعل عقدا فوق عقد، و هو خلاف النشط يقال نشطه اذا عقده بأنشوطة و هو عقد ضعيف و اربه اذا أحكم عقده و أنشطه اذا حل الأنشوطة.
الفرق بين ما يخالف الهداية و غيرها مما يجري في الباب
(الفرق) بين الزيغ و الميل
أن الزيغ مطلقا لا يكون الا الميل عن الحق يقال فلان من أهل الزيغ و يقال أيضا زاغ عن الحق و لا أعرف زاغ عن الباطل لأن الزيغ اسم لميل مكروه و لهذا قال أهل اللغة الفرغ زيغ في
__________________________________________________
(1) في النسخ «الرنوق» و التصويب من القاموس.
(2) في نسخة «أي».
207
الفروق في اللغة
الفرق بين الزيغ و الميل ص 207
الرسغ، و الميل عام في المحبوب و المكروه.
(الفرق) بين المَيْل و المِيل
أن الميل مصدر و يستعمل فيما يرى و فيما لا يرى مثل ميلك الى فلان و مال الحائط ميلا، و ميل بالتحريك اسم يستعمل فيما يرى خاصة تقول في العود ميل و في فلان ميل اذا كان يميل في أحد الجانبين من خلقه.
(الفرق) بين العثو و الفساد
أن العثو كثرة الفساد و أصله من قولك ضبع عثواء اذا كثر الشعر على وجهها و كذلك الرجل و عاث يعيث لغة و عثا يعثو أفصح اللغتين و منه قوله عز و جل (وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)*.
(الفرق) بين الفساد و القبيح
أن الفساد هو التغيير عن المقدار الذي تدعو اليه الحكمة و الشاهد أنه نقيض الصلاح و هو الاستقامة على ما تدعو اليه الحكمة و اذا قصر عن المقدار أو أفرط لم يصلح و اذا كان على المقدار أصلح و القبيح ما تزجر عنه الحكمة و ليس فيه معنى المقدار.
(الفرق) بين الفساد و الغي
أن كل غي قبيح و يجوز أن يكون فساد ليس بقبيح كفساد التفاحة بتعينها و يذهب بذلك الى أنها تغيرت عن الحال التي كانت عليها و اذا قلنا فلان فاسد اقتضى ذلك أنه فاجر و اذا قلت انه غاو اقتضى فساد المذهب و الاعتقاد.
(الفرق) بين الغي و الضلال
أن أصل الغي الفساد و منه يقال غوى الفصيل اذا بشم من كثرة شرب اللبن و اذا لم يرو من لبن أمه فمات هزلا.
فالكلمة من الأضداد، و أصل الضلال الهلاك و منه قولهم ضلت الناقة اذا هلكت بضياعها و في القرآن (إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) أي هلكنا بتقطع أوصالنا فالذي يوجبه أصل الكلمتين أن يكون الضلال عن الدين أبلغ من الغي فيه و يستعمل الضلال أيضا في الطريق كما يستعمل في الدين فيقال ضل عن الطريق اذا فارقه و لا يستعمل الغي الا في الدين خاصة فهذا فرق آخر و ربما استعمل الغي في الخيبة يقال غوى الرجل اذا خاب
208
الفروق في اللغة
الفرق بين الغي و الضلال ص 208
في مطلبه و أنشد قول الشاعر:
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره و من يغو لا يعدم على الغي لائما
و قيل أيضا معنى البيت أن من يفعل الخير يحمد و من يفعل الشر يذم فجعل من المعنى الأول و يقال أيضا ضل عن الثواب و منه قوله تعالى (كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ) و الضلال بمعنى الضياع يقال هو ضال في قومه أي ضائع و منه قوله تعالى (وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) أي ضائعا في قومك لا يعرفون منزلتك و يجوز أن يكون ضالا أي في قوم ضالين لأن من أقام في قوم نسب اليهم كما قيل خالد الحذاء لنزوله بين الحذائين و أبو عثمان المازني لاقامته في بني مازن و لم يكن منهم، و قال أبو علي رحمه الله (وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) أي وجدك ذاهبا الى النبوة فهي ضالة عنك كما قال تعالى (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) و انما الشهادة هي الضلالة عنها و هذا من المقلوب المستفيض في كلامهم و يكون الضلال الابطال و منه (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ)* أي أبطلها، و منه (أَ لَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) و يقال ضللني فلان أي سماني ضالا، و الضلال يتصرف في وجوه لا يتصرف الغي فيها.
(الفرق) بين الحنف و الحيف
أن الحنف هو العدول عن الحق و الحيف الحمل على الشيء حتى ينقصه، و أصله من قولك تحيفت الشيء اذا تنقصته من حافاته.
(الفرق) بين الميل و الميد
أن الميل يكون في جانب واحد و الميد هو أن يميل مرة يمنة و مرة يسرة و منه قوله تعالى (وَ جَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) أي تضطرب يمنة و يسرة و معروف أنه لم يرد أنها تميد في جانب واحد و انما أراد الاضطراب و الاضطراب يكون من الجانبين قال الشاعر:
حبتهم ميالة تميد ملاءة الحسن لها حديد
يريد أنها تميل من الجانبين للين قوامها.
209
الفروق في اللغة
الباب السابع عشر في الفرق بين التكليف و الاختبار و الفتنة و التجريب و بين اللطف و التوفيق و بين اللطف و اللطف و ما يجري مع ذلك
الباب السابع عشر في الفرق بين التكليف و الاختبار و الفتنة و التجريب و بين اللطف و التوفيق و بين اللطف و اللطف و ما يجري مع ذلك
(الفرق) بين التكليف و الابتلاء
أن التكليف إلزام ما يشق ارادة الانسانية عليه، و أصله في العربية اللزوم و من ثم قيل كلف بفلانة يكلف بها كلفا اذا لزم حبها و منه قيل الكلف في الوجه للزومه اياه و المتكلف للشيء الملزم به على مشقة و هو الذي يلتزم ما لا يلزمه أيضا و منه قوله تعالى (وَ ما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) و مثله المكلف. و الابتلاء هو استخراج ما عند المبتلي و تعرف حاله في الطاعة و المعصية بتحميله المشقة و ليس هو من التكليف في شيء فان سمي التكليف ابتلاءا في بعض المواضع فقد يجري على الشيء اسم ما يقاربه في المعنى، و استعمال الابتلاء في صفات الله تعالى مجاز معناه أنه يعامل العبد معاملة المبتلي المستخرج لما عنده و يقال للنعمة بلاء لأنه يستخرج بها الشكر و البلي يستخرج قوة الشيء باذهابه الى حال البال فهذا كله أصل واحد.
(الفرق) بين التكليف و التحميل
أن التحميل لا يكون الا لما يستثقل و لهذا قال تعالى (لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) و الاصر الثقل و التكليف قد يكون لما لا ثقل «1» له نحو الاستغفار تقول كلفه الله الاستغفار و لا
__________________________________________________
(1) في النسخ «يثقل».
210
الفروق في اللغة
الفرق بين التكليف و التحميل ص 210
تقول حمله ذلك.
(الفرق) بين الابتلاء و الاختبار
أن الابتلاء لا يكون الا بتحميل المكاره و المشاق. و الاختبار يكون بذلك و بفعل المحبوب ألا ترى أنه يقال اختبره بالانعام عليه و لا يقال ابتلاه بذلك و لا هو مبتلي بالنعمة كما قد يقال اختبره بالانعام عليه و لا تقول ابتلاه بذلك و لا هو مبتلي بالنعمة كما قد يقال انه مختبر بها، و يجوز أن يقال ان الابتلاء يقتضي استخراج ما عند المبتلي من الطاعة و المعصية، و الاختبار يقتضي وقوع الخبر بحاله في ذلك و الخبر العلم الذي يقع بكنه الشيء و حقيقته فالفرق بينهما بين.
(الفرق) بين الفتنة و الاختبار
أن الفتنة أشد الاختبار و أبلغه، و أصله عرض الذهب على النار لتبين صلاحه من فساده و منه قوله تعالى (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) و يكون في الخير و الشر أ لا تسمع قوله تعالى (أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ)* و قال تعالى (لَأَسْقَيْناهُمْ «1» ماءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) فجعل النعمة فتنة لأنه قصد بها المبالغة في اختبار المنعم عليه بها كالذهب اذا أريد المبالغة في تعرف حاله فيراني أدخل النار، و الله تعالى لا يختبر العبد لتغيير حاله في الخير و الشر و انما المراد بذلك شدة التكليف.
(الفرق) بين الاختبار و التجريب
أن التجريب هو تكرير الاختبار و الاكثار منه و يدل على هذا أن التفعيل هو للمبالغة و التكرير، و أصله من قولك جربه اذا داواه من الجرب فنظر أصلح حاله أم لا و مثله قرد البعير اذا نزع عنه القردان و قرع الفصيل اذا داواه من القرع و هو داء معروف و لا يقال ان الله تعالى يجرب قياسا على قولهم يختبر و يبتلي لأن ذلك مجاز و المجاز لا يقاس عليه.
__________________________________________________
(1) في النسخ «و أسقيناهم».
211
الفروق في اللغة
الفرق بين اللطف و التوفيق و العصمة و اللطف و الرقة و ما يجري مع ذلك ص 212
الفرق بين اللطف و التوفيق و العصمة و اللطف و الرقة و ما يجري مع ذلك
(الفرق) بين اللطف و التوفيق
أن اللطف هو فعل تسهل به الطاعة على العبد و لا يكون لطفا الا مع قصد فاعله وقوع ما هو لطف فيه من الخير خاصة فأما اذا كان ما يقع عنده قبيحا و كان الفاعل له قد أراد ذلك فهو انتقاد و ليس بلطف. و التوفيق فعل ما تتفق معه الطاعة و اذا لم تتفق معه الطاعة لم يسم توفيقا و لهذا قالوا انه لا يحسن الفعل. و فرقا آخر و هو أن التوفيق لطف يحدث قبل الطاعة بوقت فهو كالمصاحب لها في وقته لأن وقته يلي وقت فعل الطاعة و لا يجوز أن يكون وقتهما واحدا لأنه بمنزلة مجيء زيد مع عمرو و ان كان بعده بلا فصل فأما اذا جاء بعده بأوقات فانه لم يجيء معه، و اللطف قد يتقدم الفعل بأوقات يسيرة يكون له معها تأثير في نفس الملطوف له و لا يجوز أن يتقدمه بأوقات كثيرة حتى لا يكون له معها في نفسه تأثير فكل توفيق لطف و ليس كل لطف توفيقا و لا يكون التوفيق ثوابا لأنه يقع قبل الفعل و لا يكون الثواب ثوابا لما لم يقع ولكن التسمية بموفق على جهة المدح يكون ثوابا على ما سلف من الطاعة، و لا يكون للتوفيق الا لما حسن من الافعال يقال وفق فلان للانصاف و لا تقول وفق للظلم و يسمى توفيقا و ان كان منقضيا في حال ما وصف به أنه توفيق فيه كما يقال زيد وافق عمرا في هذا القول و ان كان قول عمرو قد انقضى، و اللطف يكون التدبير الذي ينفذ في صغير الأمور و كبيرها فالله تعالى لطيف و معناه أن تدبيره لا يخفي عن شيء و لا يكون ذلك الا باجرائه على حقه. و الأصل في اللطيف التدبير ثم حذف و أجريت الصفة للمدبر على جهة المبالغة و فلان لطيف الحيلة اذا كان يتوصل الى بغيته بالرفق و السهولة و يكون اللطف حسن العشرة و المداخلة في الأمور بسهولة و اللطف أيضا صغر الجسم خلاف الكثافة و اللطف
212
الفروق في اللغة
الفرق بين اللطف و التوفيق ص 212
أيضا صغر الجسم و هو خلاف الخفاء في المنظر و في اللطيف معنى المبالغة لأنه فعيل و في موفق معنى تكثير الفعل و تكريره لأنه مفعل و العصمة هي اللطيفة التي يمتنع بها عن المعصية اختيارا و الصفة بمعصوم اذا أطلقت فهي صفة مدح و كذلك الموفق فاذا أجري على التقيد فلا مدح فيه و لا يجوز أن يوصف غير الله بأنه يعصم و يقال عصمه من كذا و وفقه لكذا و لطف له في كذا فكل واحد من هذه الأفعال يعدى بحرف و ههنا يوجب أيضا أن يكون بينهما فروق من غير هذا الوجه الذي ذكرناه و شرح هذا يطول فتركته كراهة الاكثار و أصولهما في اللغة و اشتقاقاتهما أيضا توجب فروقا من وجوه أخر فاعلم ذلك.
(الفرق) بين اللطف و اللطف
أن اللطف هو البر و جميل الفعل من قولك فلان يبرني و يلطفني و يسمى الله تعالى لطيفا من هذا الوجه أيضا لأنه يواصل نعمه الى عباده.
(الفرق) بين اللطف و الرفق
أن الرفق هو اليسر في الأمور و السهولة في التوصل اليها و خلافه العنف و هو التشديد في التوصل الى المطلوب، و أصل الرفق في اللغة النفع و منه يقال أرفق فلان فلانا اذا مكنه مما يرتفق به و مرافق البيت المواضع التي ينتفع بها زيادة على ما لا بد منه. و رفيق الرجل في السفر يسمى بذلك لانتفاعه بصحبته و ليس هو على معنى الرفق و اللطف و يجوز أن يقال سمي رفيقا لأنه يرافقه في السير أي يسير الى جانبه فيلي مرفقه.
(الفرق) بين اللطف و المداراة
أن المداراة ضرب من الاحتيال و الختل من قولك دريت الصيد اذا ختلته و انما يقال داريت الرجل اذا توصلت الى المطلوب من جهته بالحيلة و الختل.
213
الفروق في اللغة
الباب الثامن عشر في الفرق بين الدين و الملة و الطاعة و العبادة و الفرض و الوجوب و الحلال و المباح و ما يجري مع ذلك
الباب الثامن عشر في الفرق بين الدين و الملة و الطاعة و العبادة و الفرض و الوجوب و الحلال و المباح و ما يجري مع ذلك
(الفرق) بين الدين و الملة
أن الملة اسم لجملة الشريعة، و الدين اسم لما عليه كل واحد من أهلها ألا ترى أنه يقال فلان حسن الدين و لا يقال حسن الملة، و انما يقال هو من أهل الملة. و يقال لخلاف الذمي الملي نسب الى جملة الشريعة فلا يقال له ديني و تقول ديني دين الملائكة و لا تقول ملتي ملة الملائكة لأن الملة اسم للشرائع مع الاقرار بالله. و الدين ما يذهب اليه الانسان و يعتقد أنه يقربه الى الله و ان لم يكن فيه شرائع مثل دين أهل الشرك و كل ملة دين و ليس كل دين ملة و اليهودية ملة لأن فيها شرائع و ليس الشرك ملة و اذا أطلق الدين فهو الطاعة العامة التي يجارى عليها بالثواب مثل قوله تعالى (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ) و اذا قيد اختلف دلالته و قد يسمى كل واحد من الدين و الملة باسم الآخر في بعض المواضع لتقارب معنييهما و الاصل ما قلناه، و الفرس تزعم أن الدين لفظ فارسي و تحتج بأنهم يجدونه في كتبهم المؤلفة قبل دخول العربية أرضهم بألف سنة و يذكرون أن لهم خطا يكتبون به كتابهم المنزل بزعمهم يسمى دين دوري أي كتابه الذي سماه بذلك صاحبهم زراد شت و نحن نجد للدين أصلا و اشتقاقا صحيحا في العربية و ما كان كذلك لا نحكم عليه بأنه أعجمي و إن
214
الفروق في اللغة
الفرق بين الدين و الملة ص 214
صح ما قالوه فان الدين قد حصل في العربية و الفارسية اسما لشيء واحد على جهة الاتفاق و قد يكون على جهة الاتفاق ما هو أعجب من هذا، و أصل الملة في العربية المل و هو أن يعدو الذئب على شيء ضربا من العدو فسميت الملة ملة لاستمرار أهلها عليها و قيل أصلها التكرار من قولك طريق مليل اذا تكرر سلوكه حتى توطأ و منه الملل و هو تكرار الشيء على النفس حتى تضجر و قيل الملة مذهب جماعة يحمي بعضهم لبعض عند الأمور الحادثة و أصلها من المليلة و هي ضرب من الحمى و منه الملة موضع النار و ذلك أنه اذا دفن فيه اللحم و غيره تكرر عليه الحمى حتى ينضج.
و أصل الدين الطاعة و دان الناس لملكهم أي أطاعوه. و يجوز أن يكون أصله العادة ثم قيل للطاعة دين لأنها تعتاد و توطن النفس عليها.
(الفرق) بين العبادة و الطاعة
أن العبادة غاية الخضوع و لا تستحق الا بغاية الانعام و لهذا لا يجوز أن يعبد غير الله تعالى و لا تكون العبادة الا مع المعرفة بالمعبود و الطاعة الفعل الواقع على حسب ما أراده المريد متى كان المريد أعلى رتبة ممن يفعل ذلك و تكون للخالق و المخلوق و العبادة لا تكون الا للخالق و الطاعة في مجاز اللغة تكون اتباع المدعو الداعي الى ما دعاه اليه و إن لم يقصد التبع كالانسان يكون مطيعا للشيطان و إن لم يقصد أن يطيعه ولكنه اتبع دعاءه و ارادته.
(الفرق) بين الطاعة و موافقة الارادة
أن موافقة الارادة قد تكون طاعة و قد لا تكون طاعة و ذلك اذا لم تقع موقع الداعي الى الفعل كنحو ارادتك أن يتصدق زيد بدرهم من غير أن يشعر بذلك فلا يكون بفعله مطيعا لك و لو علمه ففعله من أجل ارادتك كان مطيعا لك و لذلك لو أحس بدعائك الى ذلك فمال معه كان مطيعا لك.
(الفرق) بين الطاعة و الخدمة
أن الخادم هو الذي يطوف على الانسان متحققا في حوائجه و لهذا لا يجوز أن يقال إن العبد يخدم الله تعالى، و أصل الكلمة الاطافة بالشيء و منه سمي الخلخال خدمة ثم كثر
215
الفروق في اللغة
الفرق بين الطاعة و الخدمة ص 215
ذلك حتى سمي الاشتغال بما يصلح به شأن المخدوم خدمة و ليس ذلك من الطاعة و العبادة في شيء ألا ترى أنه يقال فلان يخدم المسجد اذا كان يتعهده بتنظيف و غيره، و أما الحفد فهو السرعة في الطاعة و منه قوله تعالى (بَنِينَ وَ حَفَدَةً) و قولنا في القنوت و اليك نسعى و نحفد.
(الفرق) بين العبيد و الخول
أن الخول هم الذين يختصون بالانسان من جهة الخدمة و المهنة و لا تقتضي الملك كما تقتضيه العبيد «1» و لهذا لا يقال الخلق خول الله كما يقال عبيده «2».
(الفرق) بين العبد و المملوك
أن كل عبد مملوك و ليس كل مملوك عبدا لأنه قد يملك المال و المتاع فهو مملوك و ليس بعبد و العبد هو المملوك من نوع ما يعقل و يدخل في ذلك الصبي و المعتوه و عباد الله تعالى الملائكة و الانس و الجن.
(الفرق) بين الدين و الشريعة
أن الشريعة هي الطريقة المأخوذ فيها الى الشيء و من ثم سمي الطريق الى الماء شريعة و مشرعة، و قيل الشارع لكثرة الأخذ فيه، و الدين ما يطاع به المعبود. و لكل واحد منا دين و ليس لكل واحد منا شريعة، و الشريعة في هذا المعنى نظير الملة الا أنها تفيد ما يفيده الطريق المأخوذ ما لا تفيده الملة و يقال شرع في الدين شريعة كما يقال طرق فيه طريقا و الملة تفيد استمرار أهلها عليها.
(الفرق) بين التقي و المتقي، و المؤمن
أن الصفة بالتقي أمدح من الصفة بالمتقي لأنه عدل عن الصفة الجارية على الفعل للمبالغة، و المتقي أمدح من المؤمن لأن المؤمن يطلق بظاهر الحال و المتقي لا يطلق الا بعد الخبرة و هذا من جهة الشريعة و الأول من جهة دلالة اللغة، و الايمان نقيض الكفر و الفسق جميعا لأنه لا يجوز أن يكون الفعل ايمانا فسقا كما لا
__________________________________________________
(1) في نسخة «كما يقتضي العبد».
(2) في السكندرية «هم عبيده».
216
الفروق في اللغة
الفرق بين التقي و المتقي و المؤمن ص 216
يجوز أن يكون ايمانا كفرا الا أن يقابل النقيض في اللفظ بين الايمان و الكفر أظهر.
(الفرق) بين الحسن و الحسنة
أن الحسنة هي الأعلى في الحسن لأن الهاء داخلة للمبالغة فلذلك قلنا إن الحسنة تدخل فيها الفروض و النوافل و لا يدخل فيها المباح و إن كان حسنا لأن المباح لا يستحق عليه الثواب و لا الحمد و لذلك رغب في الحسنة و كانت طاعة فيه المباح لأن كل مباح حسن ولكنه لا ثواب فيه و لا حمد فليس هو بحسنة.