×
☰ فهرست و مشخصات
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الاستغناء عن الناس ص 2

[الجزء التاسع‏]
 [تتمة كتاب الإيمان و الكفر]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
 (باب الاستغناء عن الناس)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: شرف المؤمن قيام اللّيل و عزّه استغناؤه عن النّاس.
2- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه و علي بن محمّد القاساني، جميعا، عن القاسم ابن محمّد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربّه شيئا إلّا أعطاه فليأيس من النّاس كلهم و لا يكون له رجاء إلّا عند اللّه فإذا علم اللّه عزّ و جلّ ذلك من قلبه لم يسأل اللّه شيئا إلّا أعطاه‏
__________________________________________________
قوله (شرف المؤمن قيام الليل و عزه استغناؤه عن الناس) الشرف علو القدر و رفعته و العز و العزة بالكسر بمعنى و هو القوة فى الدين أو الغلبة على الامثال فى اليقين و العزيز من لا يعاد له شي‏ء و لا له نظير و الحمل للمبالغة و قيام الليل سبب للشرف و الرفعة و الاستغناء عن الناس سبب للعزة و المنعة لان من استغنى عن الناس ظاهرا بترك السؤال و باطنا بقطع الطمع عنهم صار عزيزا عند الخالق و الخلق و من سألهم و طمع ما فى أيديهم و رفع حاجته إليهم فقد ذل و لذا قال أمير المؤمنين «ع» «و رضى بالذل من كشف ضره» و ذلك لان من كشف القناع عن وجه ضره و سوء حاله علم أنه يرى بعين الحقارة فقد رضى بالذل و الالم يكشفه اختيارا.
قوله (اذا اراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئا الا اعطاه فليأيس من الناس كلهم و لا يكون له رجاء الا عند اللّه) الظاهر أن قوله و لا يكون عطف اخبار على إنشاء و يمكن أن يكون الواو للحال، و اليأس القنوط و قد يئس من الشي‏ء ييأس من باب علم و فيه لغة اخرى يئس ييئس بالكسر فيهما فهو شاذ و رجل يئوس قال المبرد و منهم من يبدل فى المستقبل من الياء الثانية ألفا و يقول يائس و أشار الى بيان الشرطية و التنبيه عليه بقوله: (فاذا علم اللّه عز و جل ذلك من قلبه لم يسأل اللّه شيئا الا اعطاه) اذ العبد انقطع عن الخلق الى اللّه و اتصل به اتصالا روحانيا و قرب منه قربا، معنويا، اذا ناداه لباه و اذا سأله أعطاه بل‏

002
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الاستغناء عن الناس ص 2

3- و بهذا الإسناد، عن المنقري، عن عبد الرزّاق، عن معمر، عن الزهري، عن عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما قال: رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عمّا في أيدي الناس و من لم يرج النّاس في شي‏ء و ردّ أمره إلى اللّه عزّ و جلّ في جميع اموره استجاب اللّه عزّ و جلّ له في كلّ شي‏ء.
4- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلاء، عن عبد الأعلى بن أعين قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: طلب الحوائج إلى النّاس استلاب للعزّ و مذهبة للحياء، و اليأس ممّا في أيدي النّاس عزّ المؤمن في دينه و الطمع هو الفقر الحاضر.
5- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: قلت لأبي الحسن الرّضا عليه السّلام: جعلت فداك اكتب لي إلى إسماعيل بن داود الكاتب لعلّي اصيب منه، قال: أنا أضنّ بك أن تطلب مثل هذا و شبهه و لكن عوّل على مالي.
6- عنه، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن معاوية بن عمّار، عن نجم بن حطيم‏
__________________________________________________
صارت ارادته كارادته و قدرته كقدرته كما دل عليه بعض الروايات.
قوله (رأيت الخير كله قد اجتمع فى قطع الطمع عما فى أيدى الناس) قطع الطمع خير كثير متضمن لغيره من الخيرات كلها لان الاتصاف به يوجب الانقطاع عن الخلق و الاتصال بالحق و هو فى نفسه خير و كل خير غيره اما موقوف عليه أو لازم له غير منفك عنه.
قوله (طلب الحوائج الى الناس استلاب للعز و مذهبة للحياء) اما انه سبب لسلب العز فلانه يجلب الذل و الاحتقار كما قال أمير المؤمنين «ع» «أزرى بنفسه من استشعر الطمع» أى احتقر بنفسه من جعل الطمع شعارا له، و أما انه آلة لذهاب الحياء فلانه فتح باب لوم و هتك حجاب الحياء المانع من ارتكاب ما يلام به (و الياس مما فى ايدى الناس) أى تفريغ القلب عنه و قطع الطمع و الرجاء منه (عز للمؤمن فى دينه) و سبب لرفعته و علو منزلته عند اللّه و عند المؤمنين و الملائكة المقربين.
 (و الطمع هو الفقر الحاضر) لان اللّه تعالى يكله الى نفسه و يحيله الى غيره و هو فقر حاضر، و من العجب أن الطامع يطلب اليسر بالعسر و يغفل أن الشي‏ء ليس بمحصل لضده.
قوله (أنا أضن بك أن تطلب مثل هذا) ضن بالشي‏ء يضن ضنا من باب علم بخل و من باب ضرب لغة (و لكن عول علي مالي) عولت به و عليه استعنت أى استعن بمالى.

003
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الاستغناء عن الناس ص 2

الغنوي. عن أبي جعفر عليه السّلام قال: اليأس ممّا في أيدي الناس عزّ المؤمن في دينه أو ما سمعت قول حاتم:
إذا ما عزمت اليأس ألفيته الغنى             إذا عرفته النفس و الطمع الفقر
 7- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن عمّار الساباطيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يقول: ليجتمع في قلبك الافتقار إلى النّاس و الاستغناء عنهم، فيكون افتقارك إليهم في لين كلامك و حسن بشرك و يكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك و بقاء عزّك.
عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن معبد قال: حدّثني علي بن عمر، عن يحيى بن عمران، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يقول:
ثمّ ذكر مثله.
باب صلة الرحم‏
1- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج قال:
سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه جلّ ذكره: «وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً» قال: فقال: هي أرحام النّاس، إنّ اللّه عزّ و جلّ أمر
__________________________________________________
قوله (او ما سمعت قول حاتم) لم يذكره للاستشهاد بل للشهرة و الدلالة على أن ذلك مما يذعن به العاقل و ان لم يكن من أهل الدين.
 (اذا ما عزمت الياس) العزم العقد المؤكد المعرى من التردد، و ألفيته بمعنى وجدته و الضمير راجع الى الياس و حمل الغنى عليه للمبالغة و اذا ظرف لألفيته و اللام فى الفقر يفيد الحصر كالسابق.
قوله (ليجتمع فى قلبك الافتقار الى الناس و الاستغناء عنهم) أى ليجتمع فى قلبك أمران بالنسبة الى الناس الاول اعتقادك بانك مفتقر إليهم لان الانسان مدنى بالطبع يعاون بعضهم بعضا فى تحصيل المقاصد، و الثانى اعتقادك بأنك مستغن عنهم غير محتاج الى السؤال عنهم لانه تعالى تكفل أرزاق العباد و أمرهم بالسؤال عنه و هو مسبب الاسباب ان شاء هيأ أسباب مقاصدهم، و فائدة الاول حسن المصاحبة و المخالطة معهم بلين الكلام و حسن البشر و الطلاقة و نحوها لان ذلك له مدخل عظيم فى تحصيل المقاصد و تكميل النظام، و فائدة الثانى حفظ العرض و صونه عن النقص و حفظ العز بترك السؤال و الطمع فيما فى أيديهم.
قوله (وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)
 أى حفيظا مطلعا قال‏

004
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب صلة الرحم ص 4

بصلتها و عظّمها، ألا ترى أنّه جعلها منه‏
__________________________________________________
القاضى أى يسأل بعضكم بعضا فيقول: أسألك باللّه و أصله تتساءلون فادغمت التاء لثانية فى السين، و قرأ عاصم و حمزة و الكسائى بطرحها. انتهى، و الظاهر أن ضمير «به» راجع الى اللّه و عوده الى التقوى بعيد و ان الارحام بالجر عطفا على الضمير المجرور و قد قرأ به حمزة و استدل به الكوفيون على جواز العطف على الضمير المجرور بدون اعادة الجار، و منعه البصريون لانه من قبيل العطف على بعض الكلمة، و أجابوا عن الآية بأن الارحام مرفوعة كما فى بعض القراءة على أنه مبتدأ محذوف الخبر تقديره و الارحام كذلك أى مما يتقى أو يتساءل به. أو منصوبة على محل الجار و المجرور كما فى قولك مررت بزيد و عمرا. أو على اللّه أى اتقوا الارحام فصلوها و لا تقطعوها على أن الواو يحتمل أن يكون للقسم أو بمعنى مع. و الجواب أن الكل خلاف الظاهر أما الاول فلان الاصل عدم الحذف. و أما الثانى فلان العطف على المحل نادر فى كلام الفحصاء و المثال المذكور مصنوع و مع ندرته لا يجوز الا مع تعذر العطف على اللفظ و دليل التعذر غير تام لان امتناع العطف على بعض الكلمة اذا كان ذلك البعض أيضا كلمة ممنوع و قد اتفقوا على جواز العطف على الظاهر المجرور بدون اعادة الجار مع قيام الدليل المذكور عليه أيضا و تأثير الفرق بشدة الاتصال فى الضمير دون الظاهر فى جواز العطف و عدمه ممنوع و اثباته مشكل جدا، و أما الثالث فلبعد المسافة و لعدم فهم المسائلة فى الارحام حينئذ. و أما الاخيران فلان الاصل فى الواو هو العطف، و لا يعدل عنه إلا لدليل على أن الارحام حينئذ غير مندرجة تحت الامر بالتقوى ظاهرا و هو خلاف ما نطق به قوله «ع» «ان اللّه عز و جل أمر بصلتها» و معنى المعية فى تعلق السؤال غير ظاهر كما لا يخفى، ان قلت السؤال يتعدى بنفسه و بعن كما يقال سألته الشي‏ء و سألته عن الشي‏ء فما الوجه فى تعلقه هنا بالباء؟
قلت: الباء هنا بمعنى عن كما فى قوله تعالى «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ» أى عن عذاب كما صرح به الجوهرى على أن الظاهر من كلام الاخفش حيث قال: خرجنا نسأل عن فلان و بفلان جواز الاستعمال بالباء أيضا حقيقة. و فيه دلالة على تأكد صلة الارحام لانه سبحانه خصها بالذكر و قرنها باسمه و نسب حفظها و ضبطها إليه جل شأنه دون الملكين و هو دل على عظمة شأنها و رفعة مكانها و إليه يشير قوله «ع» «ألا ترى انه جعلها منه.
بقى شي‏ء ينبغى الاشارة إليه و هو تحقيق معنى الرحم فنقول: قيل الرحم و القرابة نسبة و اتصال بين المنتسبين يجمعها رحم واحدة، و هذا يشبه أن يكون دوريا و قيل الرحم عبارة عن قرابة الرجل من جهة طرفيه آبائه و ان علوا و أبنائه و ان سفلوا و ما يتصل بالطرفين من الاعمام و العمات و الاخوة و الاخوات و أولادهم، و قيل الرحم التى تجب صلتها كل رحم بين اثنين لو كان ذكرا لم يتناكحا فعلى هذا لا يدخل أولاد الاعمام و أولاد الاخوال، و

005
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب صلة الرحم ص 4

2- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن النعمان، عن إسحاق ابن عمّار قال: قال: بلغني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ رجلا أتى النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال:
يا رسول اللّه أهل بيتي أبوا إلّا توثّبا علي و قطيعة لي و شتيمة فأرفضهم؟ قال: إذا يرفضكم اللّه جميعا، قال: فكيف أصنع؟ قال: تصل من قطعك و تعطي من حرمك و تعفو عمّن ظلمك، فإنّك إذا فعلت ذلك كان لك من اللّه عليهم ظهير.
3- و عنه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن محمّد بن عبيد اللّه قال: قال أبو الحسن الرّضا عليه السّلام: يكون الرّجل يصل رحمه فيكون قد بقي من عمره ثلاث سنين فيصيرها اللّه ثلاثين سنة و يفعل اللّه ما يشاء.
4- و عنه، عن علي بن الحكم، عن خطّاب الأعور، عن أبي حمزة قال: قال‏
__________________________________________________
قيل هى عام فى كل رحم من ذوى الارحام المعروفين بالنسب محرمات أو غير محرمات و ان بعدوا، و هذا أقرب الى الصواب و يدل عليه ما رواه على بن ابراهيم فى تفسير قوله تعالى «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ» انها نزلت فى بنى امية و ما صدر منهم بالنسبة الى ائمة أهل البيت عليهم السلام، و يؤيده روايات اخر و الظاهر أنه لا خلاف فى أن صلة الرحم واجبة فى الجملة و أن لها درجات متفاوتة بعضها فوق بعض و أدناها الكلام و السلام و ترك المهاجرة، و تختلف ذلك أيضا باختلاف القدرة عليها و الحاجة إليها، فمن الصلة ما يجب و منها ما يستحب و من وصل بعض الصلة و لم يبلغ أقصاها، و من قصر عما ينبغى أو قصر عما يقدر عليه هل هو واصل أو قاطع فيه تأمل و الاقرب عدم القطع لصدق الصلة فى الجملة.
قوله (و شتيمة اه) الشتيمة دشنام و هى اسم من شتمه شتما من باب ضرب، و رفض اللّه كناية عن سلب الرحمة و النصرة و انزال العقوبة عاجلا و آجلا، و تصل و ما عطف عليه خبر بمعنى الامر و الظهير الناصر و المعين و هو رب العالمين و صالح المؤمنين و جميع المقربين فأى وزن لقطع أهل البيت و اهانتهم لك ان وصلتهم بعد نصرة هؤلاء.
قوله (يكون الرجل يصل رحمه فيكون قد بقى من عمره ثلاث سنين فيصيره اللّه ثلاثين سنة) هذا صريح فى أن العمر يزيد و ينقص و أن صلة الرحم توجب زيادته، و ينبغى أن يراعى الاقرب فالاقرب مع التزاحم و عدم القدرة على بر الجميع و أما مع عدم القدرة فالاولى أن يبر الجميع و لو بالتفاوت. و قوله «يَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ» اشارة الى المحو و الاثبات.

006
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب صلة الرحم ص 4

أبو جعفر عليه السّلام: صلة الأرحام تزكّي الأعمال و تنمي الأموال و تدفع ابلوى و تيسّر الحساب و تنسئ في الأجل.
5- و عنه، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: اوصي الشاهد من أمّتي و الغائب منهم و من في‏
__________________________________________________
قوله (صلة الارحام تزكى الاعمال) تزكى مضارع من باب الافعال أو التفعيل أى تجعلها نامية أو طاهرة من النقص أو من الرد و ان كان فيها نقص ما (و تنمى الاموال) مثله قول أمير المؤمنين «ع» «صلة الرحم مثراة فى المال» قال بعض الشارحين له و ذلك من وجهين أحدهما أن العناية الالهية قسمت لكل حي قسطا من الرزق يناله مدة الحياة، و اذا أعدت شخصا من الناس للقيام بأمر جماعة و كفلته بامدادهم و معونتهم وجب فى العناية افاضة أرزاقهم على يده و ما يقوم بامدادهم على حسب استعداده ذلك، سواء كانوا ذوى الارحام أو مرحومين فى نظره حتى لو نوى قطع أحد منهم فربما نقص ماله بحسب رزق ذلك المقطوع و ذلك معنى كونها مثراة للمال، الثانى أنها من الاخلاق الحميدة التى يستمال بها طباع الخلق فواصل رحمه مرحوم فى نظر الكل فيكون ذلك سببا لامداده و معونته من ذوى الامداد و المعونات كالملوك.
 (و تدفع البلوى) البلاء و البلية و البلوى بمعنى و هو ما يبتلى به الانسان و يمتحن به من النوائب و المصائب و المكاره الثقيلة على النفس.
 (و تيسر الحساب) أى حساب الاموال أو الاعمال أيضا (و تنسئ فى الاجل) مثله فى نهج البلاغة عن على «ع» و فى كتب العامة أيضا عن النبي «ص» قال «من أحب أن ينسأ فى أجله فليصل رحمه» و فى طريق آخر «من سره أن ينسأله فى أثره فليصل رحمه» «1» قال شارح النهج «النساء التأخير و ذلك من وجهين أحدهما أنها توجب تعاطف ذوى الارحام و توازرهم و تعاضدهم لواصلهم فيكون عن أذى الاعداء أبعد و فى ذلك مظنة تأخيره و طول عمره، الثانى أن مواصلة ذوى الارحام توجب همهم ببقاء و اصلهم و امداده بالدعاء، و قد يكون دعاؤهم له و تعلق همهم ببقائه من شرائط بقائه و إنساء أجله».
أقول يمكن أن يكون للصلة بالخاصية تأثيرا فى تأخير الاجل و أن يكون تأخير الاجل عناية من اللّه تعالى للواصل ليصل فيضه و بره الى عباد اللّه فيستريحوا بظل حمايته، و قال عياض الاثر الاجل سمى بذلك لانه تابع للحياة. و المراد بنساء الاجل يعنى تأخيره هو بقاء الذكر الجميل بعده فكانه لم يمت و الا فالاجل لا يزيد و لا ينقص، و قال بعضهم: يمكن حمله على ظاهره لان الاجل يزيد و ينقص، اذ قد يكون فى أم الكتاب أنه ان وصل رحمه فأجله‏
__________________________________________________
 (1) صحيح مسلم ج 8 ص 8.

007
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب صلة الرحم ص 4

أصلاب الرّجال و أرحام النساء إلى يوم القيامة أن يصل الرّحم و إن كانت منه على مسيرة سنة، فإنّ ذلك من الدّين.

6- و منه، عن عليّ بن الحكم، عن حفص، عن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: صلة الأرحام تحسن الخلق و تسمّح الكف و تطيّب النفس و تزيد في الرّزق و تنسئ في الأجل.

7- الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشاء، عن عليّ ابن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: إنّ‏

______________________________
كذا و ان لم يصل فأجله كذا، و قال المازرى: و قيل معنى الزيادة فى عمره أنه بالبركة فيه بتوفيقه الى أعمال الطاعة و عمارة أوقاته بما ينفعه فى الآخرة و التوجيه ببقاء ذكره بعد الموت ضعيف، و قال الطيبى بل التوجيه به أظهر فان أثر الشي‏ء هو حصول ما يدل على وجوده، فمعنى يؤخر فى أثره يؤخر ذكره الجميل بعد موته، قال اللّه تعالى‏ «وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ» و منه قول الخليل «ع» «وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ».

قوله (و ان كان منه على مسيرة سنة) فينبغى الارتحال لزيارتهم أو ارسال الكتاب و الهدايا إليهم و فى بعض النسخ «و لو كانت منه» بالتأنيث و كلاهما جائز لان الرحم يذكر و يؤنث.

قوله (صلة الارحام تحسن الخلق) ذكر للصلة خمسة أوصاف الاول أنها تحسن الخلق و هو ملكة تصدر منها الافعال بسهولة مثل الصدق و اللطف و الالفة و حسن الصحبة و العشرة و الطلاقة و البشاشة و نحوها، و ذلك لان الصلة من حسن الخلق و سبب لزيادته و رسوخه و كماله و الثانى أنها: (تسمح الكف) أى توجب جوده و بذله بالنسبة الى عموم الخلق لان الجود يصير عادة و يتكامل بالتدريج حتى يزيل مادة البخل و الثالث أنها (تطيب النفس) أى تبسطها و تشرحها حتى تطهرها من خوف الفقر للبر و الانفاق و من سائر الخبائث مثل الغلظة و الحقد و نحوهما، و الرابع أنها (تزيد فى الرزق) أو توجب بسطه وسعته و البركة فيه، و الخامس انها (تنسئ فى الاجل) و تؤخره كما مر.

قوله (ان الرحم معلقة بالعرش تقول اللهم صل من وصلنى و اقطع من قطعنى) فيه اخبار عن تأكد صلة الرحم و أنه سبحانه نزلها منزلة من استجار به فأجاره و جار اللّه غير مخذول، و القول محمول على الظاهر اذ لا يبعد من قدرة اللّه أن يجعلها ناطقة كما ورد أمثال ذلك فى بعض الاعمال أنه يقول أنا عملك، و المراد بصلة اللّه تعالى من وصلها رحمته لهم و عطفه بنعمته عليهم أو صلته لهم بأهل ملكوته و الرفيق الاعلى، أو قربه منهم و شرح صدورهم لمعرفته، أو جميع أنواع الاكرام و الافضال فان صلة الرحم تجلب خير الدنيا و الآخرة، و قيل المشهور

008
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب صلة الرحم ص 4

الرّحم معلّقة بالعرش تقول: اللّهمّ صل من وصلني و اقطع من قطعني. و هي رحم آل محمّد و هو قول اللّه عزّ و جل: «الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ» و رحم كلّ ذي رحم.
8- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن يونس بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أوّل ناطق من الجوارح يوم القيامة تقول: يا ربّ من وصلني في الدّنيا فصل اليوم ما بينك و بينه و من قطعني في الدنيا فاقطع اليوم ما بينك و بينه.
9- عنه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: صل رحمك و لو بشربة من ماء، و أفضل ما توصل به الرّحم كفّ الأذى عنها، و صلة الرّحم منسأة في الأجل، محببة في الأهل.
10- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن عبد اللّه، عن فضيل بن يسار قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: إنّ الرّحم معلّقة يوم القيامة بالعرش‏
__________________________________________________
من تفاسير الرحم أنها قرابة الرجل من جهة طرفيه و هى أمر معنوى و المعانى لا تتكلم و لا تقوم فكلام الرحم و قيامها و قطعها و وصلها استعارة لتعظيم حقها و صلة واصلها و اثم قاطعها و لذلك سمى قطعها عقوقا، و أصل العق الشق فكأنه قطع ذلك السبب الّذي يصلهم، و قيل يحتمل أن الّذي تعلق بالعرش ملك من ملائكة اللّه و تكلم بذلك عنها من أمر اللّه سبحانه فأقام اللّه ذلك الملك يناضل عنها و يكتب ثواب و اصلها و اثم قاطعها و كل الحفظة يكتب الاعمال و فيه أن جميع ذلك خلاف الظاهر، و الحمل على الظاهر غير بعيد بالنظر الى القدرة القاهرة و أراد بقوله (و هى رحم آل محمد) أن رحمهم عليهم السلام متصله بجميع الامة لا بالاتصال النسبي بل بالاتصال المعنوى و قرابة أولى النعمة و الايمان، و بالجملة كونهم عليهم السلام أصلا للايمان صار ذلك باعثا لقرابة المؤمنين معهم كما أن أصل الدين سبب لاخوة المؤمنين، فالمراد برحمهم عليهم السلام رحم الايمان، فالرحم رحمان: خاصة و هى رحم قرابة و عامة و هى رحم الايمان، و الظاهر أن قوله تعالى: (أَنْ يُوصَلَ)
 بدل من ضمير «به» و أن قول «ع» (و رحم كل ذى رحم) عطف على رحم آل محمد للدلالة على التعميم.
قوله (و صلة الرحم منسأة فى الاجل و محبة فى الاهل) أى آلة لتأخير أجل الواصل و سبب لزيادة عمره و محبة أهله لان الانسان مجبول بحب من أحسن إليه، و من ثم قيل الانسان عبيد الاحسان.

009
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب صلة الرحم ص 4

تقول: اللّهمّ صل من وصلني و اقطع من قطعني.
11- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال أبو ذر رضي اللّه عنه، سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يقول: حافّتا الصراط يوم القيامة الرحم و الأمانة، فإذا مرّ الوصول للرّحم، المؤدّي للأمانة نفذ إلى الجنّة و إذا مرّ الخائن للأمانة، القطوع للرّحم لم ينفعه معهما عمل و تكفأ به الصراط في النار.
12- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن قرط، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: صلة الأرحام تحسن الخلق و تسمّح الكفّ و تطيّب النفس و تزيد في الرزق و تنسئ في الأجل.
13- عنه، عن عثمان بن عيسى، عن خطّاب الأعور، عن أبي حمزة قال:
قال أبو جعفر عليه السّلام: صلة الأرحام تزكّي الأعمال و تدفع البلوى و تنمي الأموال و تنسئ له في عمره و توسع في رزقه و تحبّب في أهل بيته، فليتّق اللّه و ليصل رحمه.
14- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن الحكم الحنّاط قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام صلة الرحم و حسن الجوار يعمران الدّيار و يزيدان في الأعمار.
15- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن عبد اللّه بن ميمون. القدّاح، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إنّ أعجل الخير ثوابا صلة الرّحم.
16- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي‏
__________________________________________________
قوله (صلة الرحم و حسن الجوار) قيل حسن الجوار فضيلة تنشعب الى فضيلتين لان حفظه يكون بالكف عن اذاه و ذلك فضيلة تحت العدل و يكون الاحسان إليه و مصادقته و مسامحته و مواساته و تلك الامور تحت العفة.
قوله (ان اعجل الخير ثوابا صلة الرحم) لان كثيرا من ثوابها يصل الى الواصل في الدنيا مثل زيادة العمر و الرزق و محبة الاهل و نحوها.

010
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب صلة الرحم ص 4

عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من سره النساء في الأجل و الزّيادة في الرّزق فليصل رحمه.
17- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمّار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما نعلم شيئا يزيد في العمر إلّا صلة الرّحم، حتّى أن الرّجل يكون أجله ثلاث سنين فيكون وصولا للرّحم فيزيد اللّه في عمره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثا و ثلاثين سنة، و يكون أجله ثلاثا و ثلاثين سنة، فيكون قاطعا للرّحم فينقصه اللّه ثلاثين سنة و يجعل أجله إلى ثلاث سنين.
الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام، مثله.
18- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لمّا خرج أمير المؤمنين عليه السّلام يريد البصرة، نزل بالرّبذة فأتاه رجل من محارب، فقال: يا أمير المؤمنين إنّي تحمّلت في قومي حمالة و إنّي سألت في طوائف منهم المؤاساة و المعونة فسبقت إليّ ألسنتهم بالنكد فمرهم‏
__________________________________________________
قوله (ما نعلم شيئا يزيد فى العمر إلا صلة الرحم) دل على أن غيرها ليس سببا لزيادة العمر و الا كان هو «ع» عالما به و لعل المراد أنها أكمل أفراد ما يوجب زيادة العمر مثل الصدقة و حسن الجوار و غيرهما و يمكن ادراج غيرها فيها بوجه و فيه و فى ما مر من حديث أبى الحسن الرضا «ع» دلالة واضحة على أن المراد بالنساء فى الاجل زيادة العمر لا ما ذهب إليه بعض العامة من بقاء الذكر الجميل بعد موته و لا ما ذهب إليه بعضهم أيضا من البركة فى العمر بمعنى توفيقه للطاعة و العبادة كما ذكرناه سابقا و ما ذهبوا إليه و ان كان صحيحا يوجبه الصلة لكنه غير مراد من النساء فى الاجل.
قوله (نزل بالربذة) الربذة بالتحريك قرية معروفة قرب المدينة بها قبر أبى ذر الغفارى (فأتاه رجل من محارب) هى قبيلة (انى تحملت فى قومى حمالة) هى بالفتح ما يتحمله الانسان عن غيره من دية أو غرامة مثل أن يقع حرب بين الفريقين سفك فيها الدماء فيدخل بينهم رجل فيتحمل ديات القتلى ليصلح ذات البين.
 (و انى سألت فى طوائف منهم المواساة و المعونة) فى أداء الحمالة و يحتمل الاعم (فسبقت الى ألسنتهم بالنكد) أى بالشدة و الغلظة و العسر (قال فنص راحلته) أى استحثها و استخرج أقصى ما عندها من السير و أصل النص بالصاد المهملة أقصى الشي‏ء و غايته ثم سمى به‏

011
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب صلة الرحم ص 4

يا أمير المؤمنين بمعونتي و حثّهم على مواساتي، فقال: أين هم؟ فقال: هؤلاء فريق منهم حيث ترى، قال: فنصّ راحلته فأدلفت كأنّها ظليم فأدلف بعض أصحابه في طلبها فلأيا بلأي ما لحقت، فانتهى إلى القوم فسلّم عليهم و سألهم ما يمنعهم من مؤاساة صاحبهم فشكوه و شكاهم، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: وصل امرئ عشيرته، فإنّهم أولى ببرّه و ذات يده و وصلت العشيرة أخاها إن عثر به دهر و أدبرت عنه دنيا فإنّ المتواصلين المتباذلين مأجورون، و إنّ المتقاطعين المتدابرين موزورون، [قال‏] ثمّ بعث راحلته و قال: حل.
19- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عثمان بن عيسى، عن يحيى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لن يرغب المرء عن عشيرته و إن كان ذا مال و ولد و عن مودّتهم و كرامتهم و دفاعهم بأيديهم و ألسنتهم، هم أشدّ الناس‏
__________________________________________________
ضرب من السير سريع (فادلفت كانها ظليم) الظليم ذكر النعام و ادلفت من باب الافتعال أو التفعل و الاخير أشهر من الدليف و هو المشى مع تقارب الخطو و الاسراع و كانه الوخدان، قال الثعالبى فى سر الادب الوخدان نوع من سير الابل و هو أن ترمى بقوائمها كمشى النعام.
 (فدلف بعض أصحابه فى طلبها) أى فى طلب راحلته و أثرها و فى بعض النسخ فادلف (فلأيا بلأي ما لحقت) اللأي كالسعى الجهد و المشقة أى فجهد جهدا بعد جهد و مشقة بعد مشقة ما لحقت الراحلة (و صل امرئ عشيرته فانهم أولى ببره و ذات يده) الاظهر أنه خبر بمعنى الامر و كذا ما عطف عليه أى و ليصل امرئ عشيرته و قومه فانهم أولى ببره أى بافاضة خيره عليهم و احسانه إليهم و اعطاء ما فى يده اياهم و كذا العكس ان احتاج الى احسانهم.
 (ثم بعث راحلته و قال حل) حل بفتح الحاء المهملة و سكون اللام زجر للناقة اذا حثها للسير، قال ابن عباس ان حل لتوطئ الناس و تؤذى و تشغل عن ذكر اللّه تعالى يعنى ان كلمة حل و زجرك بها ناقتك عند الافاضة من عرفات توطئ الناس و تؤذيهم و تشغل قلبك عن ذكر اللّه فسر على هينك.
قوله (لن يرغب المرء عن عشيرته و ان كان ذا مال و ولد) المراد به النهى المؤبد و المنع المؤكد يعنى لا يعرض المرء عن عشيرته و عونهم باليد و اللسان و ان كان ذا مال و ولد، فانه محتاج الى العشيرة من جهات شتى و ماله و ولده لا يغنيانه عنهم فكيف اذا لم يكن له مال و ولد فان احتياجه إليهم حينئذ أشد و أكمل، و فيه ترغيب فى صلة العشيرة على كل حال. (و عن مودتهم و كرامتهم) الاضافة الى الفاعل أو المفعول و الاول أنسب بقوله:

012
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب صلة الرحم ص 4

حيطة من ورائه و أعطفهم عليه و ألمّهم لشعثه، إن أصابته مصيبة أو نزل به بعض مكاره الامور، و من يقبض يده عن عشيرته فإنّما يقبض عنهم يدا واحدة و يقبض عنه منهم أيدي كثيرة، و من يلن حاشيته يعرف صديقه منه المودّة، و من بسط يده بالمعروف إذا وجده يخلف اللّه له ما أنفق في دنياه و يضاعف له في آخرته، و لسان الصدق للمرء يجعله اللّه في النّاس خيرا من المال يأكله و يورّثه، لا يزدادنّ أحدكم كبرا و عظما في نفسه و نأيا عن عشيرته، إن كان موسرا في المال، و لا يزدادنّ أحدكم في أخيه زهدا
__________________________________________________
 (و دفاعهم بأيديهم و ألسنتهم) لان الاضافة فيها الى الفاعل (هم أشد الناس حيطة) أى حفظا و رعاية له (من ورائه) أى فى غيبته (و أعطفهم عليه) فى الغيبة و الحضور (و المهم لشعثه) الشعث محركة انتشار الامور و تفرقها و اللم الاصلاح تقول لممت شعثه لما من باب قتل اذا أصلحت من حاله ما تشعث و تفرق (ان اصابته مصيبة أو نزل به بعض مكاره الامور) قيده بهذه الشرط لان الاحتياج إليهم حينئذ أظهر، و يناسب هذا ما روى عن أمير المؤمنين «ع» قال: «و اكرم عشيرتك فانهم جناحك الّذي به تطير و أصلك الّذي إليه تصير و يدك التى بها تصول» امر باكرامهم و رغبه فيه بذكر المنافع الدنيوية و هى انه يتقوى بهم حيث انهم يصيرون اعوانا له و بهم يتحقق كما له و قوته (و من يقبض يده عن عشيرته فانما يقبض عنهم يدا واحدة و يقبض عنه منهم ايدى كثيرة) لانهم يهجرونه و لا يعاونونه فيما ينزل به من مصائب الدنيا و نوائب الدهر و غلبة الاعادى و قد مر شرحه مفصلا فى آخر باب المداراة.
 (و من يلن حاشيته يعرف صديقه منه المودة) يعنى لين الجانب و حسن الصحبة مع العشيرة و غيرهم موجب لمعرفتهم المودة منه و من البين ان ذلك موجب لمودتهم له فلين الجانب مظهر للمودة من الجانبين و بها يتم النظام فى الدارين.
 (و من بسط يده بالمعروف) تخصيصه بالمندوب محتمل و تعميمه أولى (اذا وجده يخلف اللّه له ما انفق فى دنياه) سواء انفق على ذوى الارحام أو على غيرهم (و يضاعف له فى آخرته) حتى أن الرجل للتصدق بالتمرة او بشق التمرة فيربيها اللّه تعالى فيلقاها يوم القيامة و هو مثل أحد أو أعظم منه هذا اذا اكتسب المال من حله و أنفقه فى حله لوجه اللّه تعالى كما دلت عليه الرواية و تشهد عليه التجربة.
 (و لسان الصدق للمرء يجعله اللّه فى الناس خيرا من المال يأكله و يورثه) يعنى مدح الناس له بالجميل و ذكرهم بالخير و دعاؤهم له بالمغفرة خير من المال يأكله و يورثه اذ ليس فى الماكل مدح و كمال مع انقطاع نفعه و التوريث انما هو بغير اختيار مع أن الوارث أن صرفه فى وجوه البر كان الثواب له لا للمورث (لا يزدادن أحدكم كبرا و عظما فى‏

013
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب صلة الرحم ص 4

و لا منه بعدا، إذا لم ير منه مروّة و كان معوزا في المال و لا يغفل أحدكم عن القرابة بها الخصاصة أن يسدّها بما لا ينفعه إن أمسكه و لا يضرّه إن استهلكه.
20- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن عثمان بن عيسى، عن سليمان بن هلال قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ آل فلان يبرّ بعضهم بعضا و يتواصلون، فقال: إذا تنمى أموالهم و ينمون، فلا يزالون في ذلك حتّى يتقاطعوا، فإذا فعلوا ذلك انقشع عنهم.
21- عنه، عن غير واحد، عن زياد القندي، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إنّ القوم ليكونون فجرة و لا يكونون بررة، فيصلون أرحامهم فتنمى أموالهم و تطول أعمارهم، فكيف إذا كانوا أبرارا بررة.
22- و عنه، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي‏
__________________________________________________
نفسه و نأيا عن عشيرته ان كان موسرا فى المال) لما كان أعظم أسباب كبر الرجل و عظمته و بعده عن العشيرة هو يسره و كونه ذا مال قيد النهى عن تلك الامور به و ليس المراد جواز هذه الامور مع العسر بل تعلق النهى بها مع العسر اولى.
 (و لا يزدادن أحدكم فى أخيه زهدا و لا منه بعدا اذا لم ير منه مروة و كان معوزا فى المال) المروة كمال الرجولية بالاحسان و نحوه و المعوز بكسر الواو المفتقرة الّذي لا شي‏ء له من أعوز الرجل اعوازا افتقر و بفتحها الفقير من اعوزه الدهر أفقره و أحوجه. و فيه مبالغة فى النهى عن الاعراض من الاخ و البعد منه فانه اذا قبح ذلك مع عدم مروة الاخ فقد قبح مع مروته بطريق اولى (لا يغفل أحدكم عن القرابة بها الخصاصة أن يسدها بما لا ينفعه ان أمسكه و لا يضره ان استهلكه) الظاهر أن بها الخصاصة مبتدأ و خبر و الجملة حال عن القرابة، و أن يسدها بدل عنها أو متعلق بلا يغفل بتقدير من أى لا يغفل أحدكم من أن يسد خصاصة القرابة و احتياجها بمال لا ينفعه ان أمسكه بالمنع و لا يضره ان استهلكه بالاعطاء و غيره و فيه ترغيب للمرء فى صرف فضل ماله فى الاقرباء لان الفضل لا ينفعه حفظه و لا يضره دفعه قوله (فلا يزالون فى ذلك) اى نمو اموالهم و زيادتها و نموهم بزيادة أعمارهم و تكثر أعدادهم قوله (ان القوم ليكونون فجرة و لا يكونون بررة) اشارة الى أن الفوائد الدنيوية للصلة تصل الى المؤمن و الفاسق و الكافر، و ان المؤمن الصالح أولى بذلك.

014
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب صلة الرحم ص 4

بصير، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: صلوا أرحامكم و لو بالتسليم، يقول اللّه تبارك و تعالى: وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً.

23- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن صفوان الجمّال قال: وقع بين أبي عبد اللّه عليه السّلام و بين عبد اللّه بن الحسن كلام حتّى وقعت الضوضاء بينهم و اجتمع النّاس فافترقا عشيّتهما بذلك و غدوت فى حاجة، فإذا أنا بأبي عبد اللّه عليه السّلام على باب عبد اللّه بن الحسن و هو يقول: يا جارية قولي لأبي محمّد [يخرج‏] قال: فخرج فقال: يا أبا عبد اللّه ما بكّر بك؟ قال: إنّي تلوت آية من كتاب اللّه عزّ و جلّ البارحة فأقلقتني، قال: و ما هي؟ قال: قول اللّه جلّ و عزّ ذكره: «الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ» فقال: صدقت لكأنّي لم أقرأ هذه الآية من كتاب اللّه قطّ فاعتنقا و بكيا.

24- و عنه، عن علي بن الحكم، عن عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ لي ابن عمّ أصله فيقطعني و أصله فيقطعني حتّى لقد هممت لقطيعته إيّاي أن أقطعه، أ تأذن لى قطعه؟ قال: إنّك إذا وصلته و قطعك وصلكما اللّه جميعا و إن قطعته و قطعك قطعكما اللّه.

25- عنه، عن عليّ بن الحكم، عن داود بن فرقد قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام‏

______________________________
قوله (صلوا أرحامكم و لو بالتسليم) دل على أنه ينبغى المبادرة بالسلام على ذوى الارحام و ان ظن أنهم لا يردون عليه و القول بأنه لا يسلم عليهم حينئذ لانه يدخلهم فى حرام كما ذهب إليه بعض العامة ليس بشي‏ء لامكان توبتهم وردهم فلا يترك تلك الخصلة العظيمة و الفضيلة الشريفة لمجرد الظن.

قوله (حتى وقعت الضوضاء بينهم) الضؤضؤ أصوات الناس ضوضئوا أى ضجوا.

قوله (ما بكر بك) بكر الى الشي‏ء بكورا من باب قعد أسرع أى وقت كان و بكرت عجلت و بكر تبكيرا مثله، و فى بعض النسخ ما يكر بك من الاكراب و هو الاسراع.

قوله (انك اذا وصلته و قطعك وصلكما اللّه) لان وصلتك اياه قد يرقق قلبه و يجعله محبا لك و مائلا أليك فيترك القطيعة بتوفيق اللّه كما يدل عليه قول أمير المؤمنين «ع» «و خذ على عدوك بالفضل فانه أحد الظفرين» يريد أن الظفر على العدو اما بالسنان و اما بالافضال.

015
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب صلة الرحم ص 4

إنّي أحبّ أن يعلم اللّه أنّي قد أذللت رقبتي في رحمي و إنّي لابادر أهل بيتي، أصلهم قبل أن يستغنوا عنّي.

26- عنه، عن الوشّاء، عن محمّد بن الفضيل الصيرفي، عن الرّضا عليه السّلام قال: إنّ رحم آل محمد- الأئمّة عليهم السّلام- لمعلّقة بالعرش تقول: اللّهمّ صل وصلني و اقطع من قطعني ثمّ هي جارية بعدها في أرحام المؤمنين، ثمّ تلا هذه الآية: وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ‏.

27- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جل: الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ‏ فقال: قرابتك.

28- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان و هشام ابن الحكم و درست بن أبي منصور، عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام‏ «الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ»؟ قال: نزلت في رحم آل محمّد عليه و آله السلام و قد تكون في قرابتك، ثمّ قال فلا تكوننّ ممّن يقول للشي‏ء: إنّه في شي‏ء واحد.

29- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن محمّد بن عليّ، عن أبي جميلة، عن الوصّافي، عن علي بن الحسين عليهما السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من سرّه أن يمدّ اللّه في عمره و أن يبسط له في رزقه فليصل رحمه، فإنّ الرّحم لها لسان يوم القيامة ذلق تقول: يا ربّ صل من وصلني و اقطع من قطعني، فالرّجل ليرى بسبيل خير إذا أتته‏

______________________________
قوله (انى احب ان يعلم اللّه انى قد أذللت رقبتى فى رحمى) أى أحب ان يطابق علمه بالمعلوم او احب أن يعلم الاذلال بعد الكون كما علمه قبله او احب ان يجزينى بالاذلال فاطلق العلم و اراد الجزاء كناية لان الجزاء تابع للعلم.

قوله (فقال قرابتك) أراد أن الآية شاملة لقرابة المؤمنين، لا أنها مختصة بها لدلالة الخبر السابق و الخبر الآتي على أنها شاملة لقرابة محمد «ص» أيضا.

قوله (فلا تكونن ممن يقول للشى‏ء انه فى شي‏ء واحد) يعنى أن الآية شاملة لارحام المؤمنين و ان نزلت فى رحم آل محمد «ص» فلا تقولن باختصاصها بها.

قوله (فان الرحم لها لسان يوم القيامة ذلق) أي فصبح بليغ و ذلق بضم الذال و اللام‏

016
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب صلة الرحم ص 4

الرحم الّتي قطعها فتهوي به إلى أسفل قعر في النّار.

30- عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن الحسن بن عليّ، عن صفوان، عن الجهم بن حميد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: تكون لي القرابة على غير أمري، ألهم عليّ حقّ؟ قال: نعم حقّ الرّحم لا يقطعه شي‏ء و إذا كانوا على أمرك كان لهم حقّان: حقّ الرّحم، و حقّ الإسلام.

31- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ صلة الرّحم و البرّ ليهوّنان الحساب و يعصمان من الذّنوب، فصلوا أرحامكم، و برّوا بإخوانكم و لو بحسن السلام و ردّ الجواب.

32- علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن عبد الصمد بن بشير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: صلة الرّحم تهوّن الحساب يوم القيامة و هي منساة في العمر و تقي مصارع السوء و صدقة اللّيل تطفئ غضب الربّ.

33- عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حسين بن عثمان، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ صلة الرّحم تزكّي الأعمال و تنمي الأموال و تيسّر الحساب و تدفع البلوى و تزيد في الرّزق.

(باب البر بالوالدين)

1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، و عليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولّاد الحنّاط قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام‏

______________________________
أو فتحها أو سكونها مع فتح الذال، و فيه دلالة واضحة على أن قول الرحم محمول على الحقيقة و قد مر الخلاف فيه.

قوله (فتهوى به الى أسفل قعر فى النار) الاضافة فى أسفل قعر بيانية و هو يدل على أن قاطع الرحم و ان فعل جملة من الاعمال الصالحة يدخل النار و نحن لا نكفر بالذنوب فلا بد من التأويل و لعل المراد بالدخول الدخول مع عدم الدوام. أو المراد بالقاطع القاطع المستحل.

قوله (و تقى مصارع السوء و صدقة الليل تطفئ غضب الرب) أى الصلة تقى صاحبها من الوقوع فى المكاره و الذنوب و سوء الحساب كما علم ذلك من صريح الروايات السابقة و انما خص صدقة الليل مع أن سائر العبادات كذلك لكونها أبعد من الرياء و أقرب الى‏

017
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البر بالوالدین ص 17

عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً* ما هذا الإحسان؟ فقال: الإحسان أن تحسن صحبتهما و أن لا تكلّفهما أن يسألاك شيئا ممّا يحتاجان إليه و إن كانا مستغنيين أ ليس يقول اللّه عزّ و جلّ: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ‏ قال:

ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: و أمّا قول اللّه عزّ و جل: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَ لا تَنْهَرْهُما قال: إن أضجراك فلا تقل لهما: افّ، و لا تنهرهما إن ضرباك، قال: وَ قُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً قال: إن ضرباك فقل لهما:

غفر اللّه لكما، فذلك منك قول كريم، قال‏ وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ «قال:

لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلّا برحمة و رقّة و لا ترفع صوتك فوق أصواتهما و لا يدك‏

______________________________
الاخلاص فكان أولى بالتقرب منه تعالى و اطفاء غضبه.

قوله (فقال الاحسان أن تحسن صحبتهما) بالتلطف و حسن العشرة و الطلاقة و البشاشة و التواضع و الترحم و غيرها مما يوجب سرورهما و انبساطهما، و الحاق الاجداد و الجدات بهما محتمل و صرح به عياض من العامة، و قال بعضهم انهم أخفض منهما لانهم ليسوا بآباء و أمهات حقيقة (و ان لا تكلفهما أن يسألاك شيئا مما يحتاجان إليه) بل تبادر الى قضاء حوائجهما قبل المسألة لانه تمام البر.

(و ان كانا مستغنيين) قادرين على القيام بحاجاتهما (أ ليس يقول اللّه عز و جل‏ لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ‏) البر شامل لبر الوالدين و بهذا الاعتبار وقع الاستشهاد به‏ (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَ لا تَنْهَرْهُما) الأف فى الاصل وسخ الاظفار، ثم استعمل فيما يستقذر. ثم فى الضجر و هو نكرة ان نون و معرفة ان لم ينون، و معنى النكرة لا تقل لهما قولا قبيحا، و معنى المعرفة لا تقل لهما القول القبيح و قيل معناه الاحتقار أخذ من الأفف و هو القليل كذا قال محى الدين، و النهى الزجر و فعله من باب نفع اذا عرفت هذا فنقول لا ريب فى أن هذا القول منهى عنه و انما الكلام فى أنه عقوق أم لا قال الصدوق فى باب الجماعة و فضلها سأل عمر بن يزيد أبا عبد اللّه «ع» عن امام لا بأس به فى جميع اموره عارف غير أنه يسمع أبويه الكلام الغليظ الّذي يغيظهما أقرأ خلفه؟ قال: لا تقرأ ما لم يكن عاقا قاطعا، و يفهم منه أن مثل ذلك القول ليس عقوقا و ان العقوق الّذي عدوه من الكبائر هو الّذي يورث القطع منهما أو من أحدهما و ان ما يوجب غيظهما نادرا لا يبلغ حد العقوق و لا يوجب الفسق الرافع للعدالة.

(و لا ترفع صوتك فوق أصواتهما) للتواضع و التعظيم هكذا ينبغى بالنسبة الى كل ذى نعمة أو معزز من عند اللّه تعالى كما قال تعالى شأنه‏ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُم‏

018
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البر بالوالدین ص 17

فوق أيديهما و لا تقدم قدامهما.

2- ابن محبوب، عن خالد بن نافع البجليّ، عن محمّد بن مروان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ رجلا أتي النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال يا رسول اللّه أوصني فقال: لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ‏ شيئا و إنّ حرّقت بالنّار أو عذّبت إلا و قلبك مطمئنّ بالإيمان، و والديك فأطعهما و برّهما حيّين كانا أو ميّتين و إن أمراك أن تخرج من أهلك و مالك فافعل فإنّ ذلك من الإيمان.

3- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سيف، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام‏

______________________________
فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ‏- الآية».

(و لا يدك فوق ايديهما) عند الاعطاء لما فيه من الدلالة على التحقير و الاهانة، و قيل:

المراد باليد القدرة كما فى قوله تعالى‏ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ‏.

(و لا تقدم قدامهما) فى المشى و المجالس لانه مناف للتعظيم و خلاف الآداب الا أن يريدا ذلك على احتمال. و التفصيل أن رفع الصوت و اليد و التقدم ان أوجب اذيهما و ضجرهما فهو حرام و الا فلا يبعد القول بأن تركه من الآداب المستحبة و الاحتياط واضح.

قوله (الا و قلبك مطمئن بالايمان) دل على أن التلفظ بما يوجب الشرك و الكفر عند التقية مع استقرار القلب على الايمان لا يضر بل يوجب ثوابا لان التقية واجبة و أن الايمان أمر قلبى كما هو الحق و المشهور (و والديك فاطعهما) الظاهر أن والديك منصوب بفعل مقدر يفسره الفعل المذكور، و الكلام يفيد الحصر و التأكيد ان قدر المحذوف بعده، و التأكيد فقط ان قدر قبله‏ (و برهما حيين كان أو ميتين) برهما حيين عبارة عن الاحسان إليهما و الطاعة لهما و الرفق بهما و التحرى لمحابهما و التوقى عن مكارههما، و برهما ميتين عبارة عن طلب المغفرة لهما و قضاء الصوم و الصلاة و الديون عنهما و فعل الخيرات لهما و غيرهما مما يوجب وصول النفع و الثواب إليهما. و يفهم منه أن العقوق كما يكون فى حال حياتهما كذلك يكون بعد موتهما أيضا و سيصرح به.

(و ان أمراك أن تخرج من أهلك و مالك فافعل فان ذلك من الايمان) أى من كمال الايمان، و الظاهر أن طاعتهما فيما أمرا به لازمة اذا لم يكن معصية سواء كان مباحا أو مندوبا أو واجبا اذا علم أن تركه يوجب أذيهما و ضجرهما لظواهر الآيات و الروايات و إليه ميل أكثر العامة، و قال بعضهم اذا أمر بالمباح صار مندوبا و اذا أمر بالمندوب صار مؤكدا، و يفهم منه أن أحدهما لو كره زوجته و أمره بطلاقها كان عليه أن يطلقها كما طلق إسماعيل امرأته بأمر أبيه عليهما السلام، و يؤيده ما فى الترمذي عن ابن عمر قال «كانت لى‏

019
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البر بالوالدین ص 17

قال: يأتي يوم القيامة شي‏ء مثل الكبّة فيدفع في ظهر المؤمن فيدخله الجنّة، فيقال: هذا البرّ.

4- الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت: أيّ الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة لوقتها و برّ الوالدين و الجهاد في سبيل اللّه.

5- علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن درست بن أبي منصور، عن أبي الحسن موسى عليه السّلام قال: سأل رجل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ما حقّ الوالد على ولده؟ قال: لا يسميه باسمه، و لا يمشي بين يديه، و لا يجلس قبله و لا يستسبّ له‏

______________________________
زوجة أحبها و كان أبى يكرهها فأمرنى بطلاقها فأبيت فذكر ذلك لرسول اللّه «ص» فقال: يا عبد اللّه طلقها» قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.

قوله (مثل الكبة) الكبة بالفتح الجماعة من الناس و البر قد يراد به كمال الايمان قال اللّه تعالى‏ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى‏ و قد يراد به العفة، و يقابله الفجور و قد يراد به الاحسان و الطاعة للوالدين و الرفق بهما و طلب ما يوجب سرورهما و ترك ما يوجب حزنهما و هو داخل تحت العفة و مراد هنا.

قوله (أى الاعمال أفضل قال الصلاة) اريد بالاعمال الاعمال البدنية، فلا يرد أن معرفة اللّه و معرفة شرائعه أفضل كما دل عليه بعض الروايات و صرح به الاصحاب ثم الاعمال المذكورة المتقدم منها أفضل من المتأخر بدليل خارج.

قوله (لا يسميه باسمه) لما فيه من التحقير و ترك التعظيم و التوقير عرفا بل يسميه بالاب فيقول يا أبه أو أخبرنى أبى أو باللقب و الكنية و غير ذلك من الالفاظ الدالة على التوقير.

قوله (و لا يمشى بين يديه و لا يجلس قبله) فى المجالس أو عند أرادتهما الجلوس لما فيهما من التحقير و خلاف الآداب‏ (و لا يستسب) أى لا يعرضه للسب و لا يجر السب إليه و ذلك بأن يسب أبا زيد فيسب زيد أباه مجازاة، و حكم الام فى جميع ذلك حكم الأب، و يدل على ذلك أيضا قوله تعالى‏ وَ لا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ‏ و لا ريب فى أن ذلك فسق من وجوه أحدها أنه سب أبا زيد و ثانيها أنه صار سببا لسب أبيه، و ثالثها أنه صار سببا لفعل زيد و البادى أظلم، و هل صدر منه كبيرة باعتبار سب أبيه أم لا قيل يحتمل الاول لان سب‏

020
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البر بالوالدین ص 17

6- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن عبد اللّه بن بحر عن عبد اللّه بن مسكان، عمّن رواه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال و أنا عنده لعبد الواحد الأنصاري في برّ الوالدين في قول اللّه عزّ و جلّ: وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً* فظننّا أنّها الآية الّتي في بني إسرائيل‏ وَ قَضى‏ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً] فلمّا كان بعد سألته فقال: هي التي في لقمان‏ «وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ (حُسْناً) «وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى‏ أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما» فقال: إنّ‏

______________________________
الاجنبى كبيرة و سب الأب أقبح منه فيكون كبيرة بالطريق الاولى و فيه نظر لانا لا نسلم أن سب الاجنبى مطلقا كبيرة و لا دلالة على ذلك فى الاخبار و لو سلم فلا نسلم أنه سب الأب لانه لم يقصد من ذلك سبه و ليس فعل السبب كفعل المسبب، و قوله «لا يستسب» لا يدل عليه نعم يدل على تحريم ايجاد السبب و لا يمكن أن يستدل به على تحريم بيع العنب لمن يعصرها خمرا و بيع الحرير لمن لا يحل له لبسه كما زعم لانه قياس و نحن لا نعمل به.

قوله (فى قول اللّه عز و جل‏ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً*) أى فى تفسيره للترغيب فى بر الوالدين و صلتهما و تعظيمهما و انجر كلامه الى والدى العلم و الحكمة. و قال الراوى:

(فظننا انها) أى الآية التى فسرها «ع» للترغيب فى بر الوالدين (الآية التى فى بنى اسرائيل‏ «وَ قَضى‏ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ» [و بالوالدين احسانا]) إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَ لا تَنْهَرْهُما وَ قُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (فلما كان بعد سألته) و قلت هل الآية التى ذكرتها فى بر الوالدين هى التى فى بنى اسرائيل‏ (فقال) صلوات اللّه عليه‏ (هى التى فى لقمان‏ وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ‏) حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى‏ وَهْنٍ وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. «وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى‏ أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» و انما قال «ع» هى التى فى لقمان لان مراده بالوالدين والدى العلم و الحكمة و لا يمكن تأويل الوالدين فى آية بنى اسرائيل بهما كما لا يخفى بخلاف آية لقمان فانه يمكن تأويل آخرها بهما. و فيه مناقشة أما أولا فلان قوله «ع» أولا «وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً»* غير مذكور فى آية لقمان، و أما ثانيا فلان آية لقمان ليست على الوجه المذكور و ليس فيها أيضا لفظ حسنا و يمكن دفع الكل بأن المقصود هو الاشارة إليها بالنقل بالمعنى أو بأن ذلك من تغيير الراوى و تصرفه، و دفع الاول بأن قوله‏ «وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً»* متعلق بقال و أنا عنده، لا بقول اللّه. فيكون كلامه «ع». و دفع الاخير بأنه يمكن أن يكون لفظ حسنا

021
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البر بالوالدین ص 17

ذلك أعظم أن يأمر بصلتهما و حقّهما على كلّ حال‏ «وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى‏ أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ»؟ فقال: لا بل يأمر بصلتهما و إن جاهداه على الشرك ما زاد حقّهما إلّا عظما

______________________________
فى أصل النزول‏ «وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى‏ أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما» (فقال ان ذلك أعظم أن يأمر بصلتهما و حقهما على كل حال) الظاهر أن ضمير قال راجع الى أبى عبد اللّه «ع» و ذلك اشارة الى قوله تعالى‏ وَ إِنْ جاهَداكَ‏ و أعظم فعل ماض تقول أعظمته و عظمته بالتشديد اذا جعلته عظيما و أن يأمر مفعوله بتأويل المصدر، و المراد بالامر بالصلة هو الامر السابق على هذا القول و اللاحق له أعنى قوله‏ «اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ» و قوله‏ «وَ صاحِبْهُما» و اتبع فأفاد (ع) بعد قراءة قوله تعالى‏ وَ إِنْ جاهَداكَ‏ أن هذا القول أعظم الامر بصلة الوالدين و حقهما على كل حال حيث يفيد أنه تجب صلتهما و طاعتهما مع الزجر و المنع منها فكيف بدونه.

(وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى‏ أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) فلا تطعهما (فقال: لا بل يأمر بصلتهما و ان جاهداه على الشرك ما زاد حقهما إلا عظما) ثم قرأ هذا القول و هو قوله تعالى‏ وَ إِنْ جاهَداكَ‏ و أفاد بقوله «لا» انه ليس المراد منه ظاهره و هو مجاهدة الوالدين على الشرك و نهى الولد عن اطاعتهما عليه بل يأمر الولد بصلة الوالدين و ان منعه المانعان عنها و ما زاد هذا القول حقهما إلا عظما و فخامة و هذا الحديث بعد مبهم، و هم عليهم السلام قد يتكلمون بكلام مبهم للتقية أو لغرض آخر و توضيحه أن صدر الآية فى الحث على صلة الابوين حقيقة و آخرها و هو قوله تعالى‏ أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ‏- الى آخره) فى الحث على صلة الوالدين مجازا، و هو العالم الربانى المعلم للعلم و الحكمة، و ضمير التثنية فى جاهداك و لا تطعمها راجع الى أبى بكر و عمر، و المراد بالشرك بالرب ترك أمره بمتابعة ذلك العالم الربانى، يدل على ذلك ما رواه المصنف فى باب نكت التنزيل، عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن بسطام بن مرة عن إسحاق بن حسان، عن الهيثم بن واقد عن على بن الحسين العبدى، عن سعد الاسكاف عن الاصبغ بن نباته أنه سأل أمير المؤمنين «ع» عن قوله تعالى‏ أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ فقال: الوالدان اللذان أوجب اللّه تعالى الشكر لها اللذان ولدا العلم و ورثا الحكم و أمر الناس بطاعتهما، ثم قال اللّه تعالى‏ إِلَيَّ الْمَصِيرُ فمصير العباد الى اللّه تعالى و الدليل على ذلك الوالدان، ثم عطف القول على ابن حنتمة و صاحبه- أقول حنتمة بالحاء المهملة اسم أم عمر بن الخطاب و هى بنت هشام اخت أبى جهل- فقال فى الخاص و العام و ان جاهداك على ان تشرك بى يقول فى الوصية و تعدل عمن أمرت بطاعته فلا تطعهما و لا تسمع قولهما. ثم عطف القول على الوالدين فقال‏ «وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً»

022
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البر بالوالدین ص 17

7- عنه، عن محمّد بن علي عن الحكم بن مسكين، عن محمّد بن مروان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما يمنع الرّجل منكم أن يبرّ والديه حيين و ميّتين، يصلّي عنهما، و يتصدّق عنهما، و يحجّ عنهما، و يصوم عنهما، فيكون الذي صنع لهما و له مثل ذلك فيزيده اللّه عزّ و جلّ ببرّه وصلته خيرا كثيرا.

8- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن معمر بن خلّاد قال: قلت لأبي الحسن الرّضا عليه السّلام: أدعو لوالديّ إذا كانا لا يعرفان الحقّ؟ قال: ادع لهما و تصدّق عنهما، و إن كانا حيّين لا يعرفان الحقّ فدارهما، فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال: إنّ اللّه بعثني بالرّحمة لا بالعقوق.

9- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: جاء رجل إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله: فقال: يا رسول اللّه من أبرّ؟ قال:

أمّك، قال: ثمّ من؟ قال أمّك، قال: ثمّ من؟ قال: أمّك، قال: ثمّ من؟

قال: أباك‏

______________________________
يقول عرف الناس فضلهما و ادع الى سبيلهما و ذلك قوله‏ «وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ» فقال الى اللّه ثم إلينا فاتقوا اللّه و لا تعصوا الوالدين فان رضاهما رضا اللّه و سخطهما سخط اللّه. و يمكن جعل آخر الآية أيضا لبر الوالدين المعروفين و ارجاع الضمير فى لا تطعهما و جاهداك إليهما و قال عليه السلام: ان ذلك أعظم الامر بصلتهما و حقهما على كل حال أى على حال الشرك و عدمه فقال الراوى» وَ إِنْ جاهَداكَ‏ «الى قوله- فَلا تُطِعْهُما» دل على عدم اطاعتهما فى حال الشرك فكيف يدل على الامر بصلتهما و حقهما على كل حال فقال «ع» «لا» أى ليس الامر كما زعمت من النهى عن اطاعتهما فى حال الشرك بل يأمر بصلتهما و احسانهما و مصاحبتهما و ان جاهداه على الشرك نعم المنهى عنه اطاعتهما فى الشرك.

قوله (يصلى عنهما و يتصدق عنهما و يحج عنهما و يصوم عنهما) دل على أن ثواب هذه الاعمال و غيرها يصل الى الميت و هو مذهب علمائنا، و أما العامة فقد اتفقوا على أن ثواب الصدقة يصل إليه، و اختلفوا فى عمل الابدان فقيل يصل قياسا على الصدقة و قيل لا يصل لقوله تعالى‏ وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى‏ الا الحج لان فيه شأئبة عمل البدن و انفاق المال فغلب المال.

قوله (فقال يا رسول اللّه من أبر؟ قال امك قال: ثم من؟ قال امك قال: ثم من؟ قال امك قال ثم من قال أباك) ذكر الأب فى المرتبة الرابعة يشعر بأن للام ثلاثة أرباع البر هذا اذا لم يخرج تكرار

023
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البر بالوالدین ص 17

10- أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن سالم، عن أحمد بن النضر، عن عمر و بن شمر عن جابر، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أتى رجل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه إنّي راغب في الجهاد نشيط قال: فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله: فجاهد في سبيل اللّه، فإنّك إن تقتل تكن حيّا عند اللّه ترزق و إن تمت فقد وقع أجرك على اللّه و إن رجعت رجعت من الذّنوب كما ولدت، قال: يا رسول اللّه إنّ لي والدين كبيرين يزعمان أنّهما يأنسان بي و يكرهان خروجي، فقال: رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: فقرّ مع والديك فو الذي نفسي بيده لأنسهما بك يوما و ليلة خير من جهاد سنة.

11- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب، عن زكريا بن إبراهيم قال: كنت نصرانيّا فأسلمت و حججت‏

______________________________
البر بالام مخرج التأكيد و المبالغة و الا فالمقصود تفضيل الام بالبر و لعل وجه ذلك كثرة ما تلقى من ألم الحمل و مشقة الوضع و مقاساة الرضا و التربية و شدة المحبة، و اختلفت العامة فى ذلك فمشهور ما لك أن الام و الأب سواء فى ذلك، و قال بعضهم تفضيل الام مجمع عليه، و قال بعضهم للام ثلثا البر مستندا بما رواه مسلم قال قال رجل: يا رسول اللّه من أحق الناس بحسن الصحبة قال أمك، ثم امك، ثم أبوك» و قال بعضهم لها ثلاثة أرباع البر مستند بما رواه مسلم أيضا قال «قال رجل: يا رسول اللّه من أحق بحسن الصحبة؟ قال امك، قال: ثم من قال أمك، قال: ثم من؟ قال: امك قال ثم من؟ قال أبوك».

قوله (فانك ان تقتل تكن حيا عند اللّه ترزق و ان تمت فقد وقع أجرك على اللّه) كما قال عز و جل‏ «وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ‏- الآية» و قال: «وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ».

قوله (فقال رسول اللّه «ص» فقر مع والديك فو الّذي) دل على أن أجر القيام على الوالدين طلبا لرضاهما يزيد على أجر الجهاد، و اطلاق الوالدين مع عدم الاستفسار و التفصيل يشمل الكافرين ثم ان توقف الجهاد على اذنهما مشروط بعدم تعينه عليه و يفهم منه أنه لا يجوز له السفر بدون اذنهما مطلقا الا أن يكون واجبا عليه عينا و هل يلحق الاجداد و الجدات بالوالدين فى هذا الحكم أم لا، لم يحضرنى الآن نص صحيح، و لا قول صريح من أصحابنا و ذهب مالك الى لحوقهم حيث قال الجدان كالابوين لا يخرج الى الجهاد بدون اذنهما.

024
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البر بالوالدین ص 17

فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت: إنّي كنت على النصرانيّة و إنّي أسلمت. فقال و أي شي‏ء رأيت في الإسلام؟ قلت: قول اللّه عزّ و جلّ: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ فقال: لقد هداك اللّه، ثمّ قال:

اللّهمّ اهده- ثلاثا- سل عمّا شئت يا بنيّ! فقلت: إنّ أبي و أمّي على النصرانيّة و أهل بيتي، و أمّي مكفوفة البصر فأكون معهم و آكل في آنيتهم؟ فقال: يأكلون لحم الخنزير؟ فقلت: لا و لا يمسّونه، فقال: لا بأس فانظر أمّك فبرّها، فإذا ماتت فلا تكلها إلى غيرك، كن أنت الّذي تقوم بشأنها و لا تخبرنّ أحدا أنّك أتيتني حتّى تأتيني بمنى إن شاء اللّه قال: فأتيته بمنى و النّاس حوله كأنّه معلّم صبيان، هذا يسأله و هذا يسأله، فلمّا قدمت الكوفة ألطفت لامّي و كنت اطعمها و افلّي ثوبها و رأسها و أخدمها فقالت لي: يا بنيّ ما كنت تصنع بي هذا و أنت على ديني فما الّذي أرى منك منذ هاجرت فدخلت في الحنيفيّة؟ فقلت: رجل من ولد نبيّنا أمرني بهذا، فقالت: هذا الرّجل هو نبيّ؟ فقلت: لا و لكنّه ابن نبيّ، فقالت: يا بنيّ إنّ هذا نبيّ إنّ هذا نبيّ إنّ هذه وصايا الأنبياء، فقلت: يا أمّه إنّه ليس يكون بعد نبيّنا نبيّ و لكنّه ابنه، فقالت: يا بنيّ دينك خير دين، اعرضه علي فعرضته عليها فدخلت في الاسلام و علّمتها، فصلّت الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة، ثمّ عرض لها عارض في اللّيل، فقالت: يا بنيّ أعد عليّ ما علّمتني فأعدته عليها، فأقرّت به و ماتت، فلمّا أصبحت كان المسلمون الّذين غسّلوها و كنت أنا الّذي صلّيت عليها و نزلت في قبرها

______________________________
قوله (و أى شي‏ء رأيت فى الاسلام) فصار سببا لهدايتك فتلا الآية المذكورة الدالة على أن الهداية موهبية كما دل عليه أيضا كثير من الروايات للاشعار بأنها أثرت فى نفسه حتى صارت سببا لهدايته فلذلك قال «ع» «لقد هداك اللّه ثم قال اللهم اهده- «ثلثا»- أى زد هدايته أو ثبته عليها و تجويزه «ع» له الاكل فى آنية أهل الكتاب معهم لا يدل على طهارتهم و طهارة طعامهم مع مباشرتهم له بالرطوبة و لا عدم سراية النجاسة لإمكان أن يأكل فى آنيتهم طعاما طاهرا مع عدم مباشرتهم لما يأكله برطوبة و ان كان خلاف الظاهر فلا ينافى ما هو المشهور فتوى و رواية من نجاستهم و نجاسة ما باشروه برطوبة. و الفلى «شپش جستن از سر و جامه» و فعله من باب رمى.

025
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البر بالوالدین ص 17

12- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن الحكم، و عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن إسماعيل بن مهران، جميعا، عن سيف بن عميرة، عن عبد اللّه بن مسكان، عن عمّار بن حيّان قال: خبّرت أبا عبد اللّه عليه السّلام ببرّ إسماعيل ابني بي، فقال: لقد كنت احبّه و قد ازددت له حبّا، إنّ رسول اللّه أتته اخت له من الرضاعة فلمّا نظر إليها سرّ بها و بسط ملحفته لها فأجلسها عليها ثمّ أقبل يحدّثها و يضحك في وجهها، ثمّ قامت و ذهبت و جاء أخوها، فلم يصنع به ما صنع بها، فقيل له: يا رسول اللّه صنعت باخته ما لم تصنع به و هو رجل؟! فقال:

لأنّها كانت أبرّ بوالديها منه.

13- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن سيف ابن عميرة، عن عبد اللّه بن مسكان، عن إبراهيم بن شعيب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام إنّ أبي قد كبر جديا و ضعف فنحن نحمله إذا أراد الحاجة؟ فقال: إن استطعت أن تلي ذلك منه فافعل و لقّمه بيدك فإنّه جنّة لك غدا.

14- عنه، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي الصبّاح، عن جابر قال: سمعت رجلا يقول لابي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ لي أبوين مخالفين؟ فقال:

برّهما كما تبرّ المسلمين ممّن يتولانا.

15- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، جميعا، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن عنبسة بن مصعب، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: ثلاث لم يجعل اللّه عزّ و جلّ لأحد فيهنّ رخصة: أداء الأمانة إلى البرّ و الفاجر و الوفاء، بالعهد للبرّ و الفاجر و برّ الوالدين برّين كانا أو فاجرين‏

______________________________
قوله (فقال برهما كما تبر المسلمين ممن يتولانا) دل على ان بر الوالدين الكافرين واجب و أن المقام معهما أفضل من الجهاد كالمقام مع المسلمين و أن الجهاد اذا لم يتعين عليه يتوقف على اذنهما و هو أيضا مذهب جماعة من العامة، و قال الشافعى:

له الغزو دون اذنهما.

قوله (و الوفاء بالعهد) الوفاء ملكة تنشأ من لزوم العهد و الميثاق كما ينبغى و البقاء عليه و هو فضيلة مقابلة للعذر و داخلة تحت العفة و قد شبهة أمير المؤمنين «ع» بالجنة فى أنه وقاية فى الآخرة من النار و فى الدنيا من العار.

026
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البر بالوالدین ص 17

16- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من السنّة و البر أن يكنّى الرّجل باسم أبيه.

17- الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، و عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد جميعا، عن الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة سالم بن مكرم، عن معلّى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: جاء رجل و سأل النبيّ صلى اللّه عليه و آله عن برّ الوالدين فقال: ابرر أمّك ابرر أمّك ابرر أمّك، أبرر أباك ابرر أباك ابرر أباك و بدأ بالامّ قبل الأب.

18- الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

جاء رجل إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال: إنّي قد ولدت بنتا و ربّيتها حتّى إذا بلغت فألبستها و حليتها ثمّ جئت بها إلى قليب فدفعتها في جوفه و كان آخر ما سمعت منها و هي تقول: يا أبتاه فما كفّارة ذلك؟ قال: أ لك أمّ حيّة؟ قال: لا، قال: فلك خالة حيّة؟ قال:

نعم، قال: فابررها فإنّها بمنزلة الامّ يكفّر عنك ما صنعت، قال أبو خديجة: فقلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: متى كان هذا؟ فقال: كان في الجاهليّة و كانوا يقتلون البنات مخافة أن يسبين فيلدن في قوم آخرين.

19- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن حنان ابن سدير، عن أبيه قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: هل يجزي الولد والده؟ فقال:

ليس جزاء إلّا في خصلتين يكون الوالد مملوكا فيشتريه ابنه فيعتقه أو يكون عليه دين فيقضيه عنه.

20- علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن عمرو بن شمر، عن جابر قال: أتى رجل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فقال: إنّي رجل شابّ نشيط و احبّ الجهاد ولي والدة تكره ذلك؟ فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله: ارجع فكن‏

______________________________
قوله (فلك خالة حية) دل على ان المتقرب بالام أولى بالبر من المتقرب بالاب.

قوله (ان العبد ليكون بارا بوالديه فى حياتهما) البر بالوالدين غير مختص بحال الحياة و كذا العقوق بل البر و العقوق بعد الموت آكد لشدة احتياجهما، فعلى هذا يمكن أن يكون بارا فى حال الحياة فيصير عاقا بعد الموت، و بالعكس، كما يمكن أن يكون بارا فى حال الحياة فى وقت فيصير عاقا فى وقت آخر، و بالعكس، و كذا بعد الموت.

027
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البر بالوالدین ص 17

مع والدتك فو الّذي بعثي بالحقّ [نبيّا] لانسها بك ليلة خير من جهادك في سبيل اللّه سنة.

21- الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن عبد اللّه بن سنان، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ العبد ليكون بارّا بوالديه في حياتهما ثمّ يموتان فلا يقضي عنهما ديونهما و لا يستغفر لهما فيكتبه اللّه عاقا، و إنّه ليكون عاقّا لهما في حياتهما غير بارّ بهما فإذا ماتا قضى دينهما و استغفر لهما فيكتبه اللّه عزّ و جلّ بارّا.

(باب) الاهتمام بامور المسلمين و النصيحة لهم و نفعهم‏

1- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من أصبح لا يهتمّ بامور المسلمين فليس بمسلم.

2- و بهذا الإسناد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أنسك الناس نسكا أنصحهم جيبا و أسلمهم قلبا لجميع المسلمين.

3- عليّ بن إبراهيم، عن عليّ بن محمّد القاساني، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان ابن داود المنقري، عن سفيان بن عيينة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: عليك بالنصح للّه في خلقه، فلن تلقاه بعمل أفضل منه‏

______________________________
قوله (قال قال رسول اللّه «ص» من اصبح لا يهتم بامور المسلمين) أن لا يعزم على القيام بها و لا يقوم بها مع القدرة (فليس بمسلم) أى ليس بكامل فى الاسلام و لا يعبؤ باسلامه، و المراد بامورهم أعم من الامور الدنيوية و الاخروية و لو لم يقدر عليها فالعزم حسنة يثاب به و كمال له.

قوله (قال قال رسول اللّه «ص» أنسك الناس نسكا أنصحهم جيبا) رجل ناصح الجيب أى ناصح الصدر و القلب أمين لا غش فيه و أسلمهم قلبا من الحقد و الحسد و العداوة لجميع المسلمين فكل من كان نصحه لهم أحسن و أقوم و كان قلبه لهم أصفى و أسلم كان أنسك الناس و أعبدهم و أكثرهم طاعة و أجهدهم، و فيه اشارة الى نوع واحد من العدالة و هو رعاية رجل حقوق ما بينه و بين الخلق من النصح و المعاملات و المعاوضات و الامانات و حسن‏

028
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الاهتمام بامور المسلمین و النصیحة لهم و نفعهم ص 28

4- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن محمّد ابن القاسم الهاشمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من لم يهتمّ بامور المسلمين فليس بمسلم.
5- عنه، عن سلمة بن الخطّاب، عن سليمان بن سماعة، عن عمّه عاصم الكوزي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال: من أصبح لا يهتمّ بامور المسلمين فليس منهم و من سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم.
6- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: الخلق عيال اللّه فأحبّ الخلق إلى اللّه من نفع عيال اللّه و أدخل على أهل بيت سرورا.
7- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة قال: حدّثني من سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من أحبّ الناس إلى اللّه؟ قال: أنفع النّاس للنّاس.
8- عنه، عن عليّ بن الحكم، عن مثنّى بن الوليد الحنّاط، عن فطر بن خليفة
__________________________________________________
الخلق و الشفقة و الارشاد و غيرها و النوع الاخر رعايته حقوق ما بينه و بين الرب من معرفته و تعظيمه و غير ذلك. و الاول أفضل لانه أشق و أحسن من عند اللّه تعالى و ان كان الثانى أفضل باعتبار آخر.
قوله (من أصبح لا يهتم بامور المسلمين فليس منهم) أى لا يعزم دفع الاذى و الكرب عنهم و لا يقصد اعانتهم فى أمر الدنيا و الآخرة و قضاء حوائجهم و ايصال الخير إليهم و ارشادهم الى مصالحهم (و من سمع رجلا ينادى يا للمسلمين) للاستغاثة لدفع المكاره و المصائب و رفع الشرور و النوائب و الاستعانة فى أمر من الامور.
قوله (الخلق عيال اللّه) عيال الرجل من تجب عليه مئونته و نفقته و تدبير اموره و رعاية مصالحه، و استعار لفظ العيال للخلق بالنسبة الى الخالق الرازق المقدر لاقواتهم و المدبر لاحوالهم فى معاشهم و معادهم (فأحب الخلق الى اللّه) و أرفعهم منزلة و أشرفهم مرتبة و أعلاهم درجة (من نفع عيال اللّه) بنعمة يسد بها خلتهم و يرفع بها جوعتهم، أو باعانة يدفع بها بليتهم، أو بارشاد يزيد به هدايتهم. أو بغير ذلك من منافع الدين و الدنيا، و منافع الدين أشرف قدرا و أبقى و أدوم نفعا و أو فى سيما اذا أخلص فى نفعهم و طلب به رضا المولى كما روى «أن للّه عبادا خلقهم لمنافع الناس أولئك الآمنون من عذاب اللّه».

029
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الاهتمام بامور المسلمین و النصیحة لهم و نفعهم ص 28

عن عمر بن عليّ بن الحسين، عن أبيه صلوات اللّه عليهما قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من ردّ عن قوم من المسلمين عادية [ماء] أو نارا وجبت له الجنّة.
9- عنه، عن ابن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ و جلّ: وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً قال: قولوا للناس حسنا و لا تقولوا إلا خيرا حتّى تعلموا ما هو؟.
10- عنه، عن ابن أبي نجران، عن أبي جميلة المفضّل بن صالح، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عليه السّلام قال في قول اللّه عزّ و جلّ: وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً قال:
قولوا للناس أحسن ما تحبّون أن يقال فيكم.
11- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد اللّه ابن جبلة عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال في قول اللّه عزّ و جلّ: وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ قال: نفّاعا.
 «باب اجلال الكبير»
1- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من إجلال اللّه إجلال ذي الشيبة المسلم.
__________________________________________________
قوله (من رد عن قوم من المسلمين عادية [ماء] او نار وجبت له الجنة) لفظة ماء ليست فى كثير من النسخ، و العادية المتجاوز عن الحد، و التاء للمبالغة، و عدوانهما يشمل الغرق و الحرق و تخريب البناء و الاموال و غير ذلك من أنواع الضرر.
قوله (وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً)
 يشمل الامر بالمعروف و النهى عن المنكر و تعليم المسائل و الارشاد الى منافع الدنيا و الآخرة و كل ذلك يندرج فى قوله (و لا تقولوا الا خيرا حتى تعلموا ما هو) و لما كانت بادرة اللسان كثيرة نهى عن القول من غير تفكر و أمر باحضار القلب و هو التفاته الى معرفة حقيقة الشي‏ء أولا ثم التكلم بما هو الحق الخالص.
قوله (قال نفاعا) المبالغة لكونه نافعا فى الدين و الدنيا على وجه الكمال. قوله (من اجلال اللّه اجلال ذى الشيبة المسلم) أى تعظيمه و توقيره و تواضعه و احترامه و رعاية الادب معه و الاعراض عن مساوى الاخلاق و الآداب ان صدرت منه و عدم معارضته بمثلها لكبر سنه و ضعف قوته و قرب رجوعه الى المولى الحق و شدة تأثره من الواردات و كل هذا يقتضي اجلاله خصوصا اذا كان اكثر تجربة و أفضل علما و أكيس حزما و أقدم ايمانا و أحسن عبادة و أنور قلبا.

030
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب اجلال الکبیر ص 30

2- عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، رفعه، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

ليس منّا من لم يوقّر كبيرنا و يرحم صغيرنا.

3- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن أبان، عن الوصّافي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: عظّموا كباركم و صلوا أرحامكم، و ليس تصلونهم بشي‏ء أفضل من كفّ الأذى عنهم.

«باب» اخوة المؤمنين بعضهم لبعض‏

1- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن المفضّل بن عمر، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ بنو أب و أمّ و إذا ضرب على رجل منهم عرق سهر له الآخرون.

2- عنه، عن أبيه، عن فضالة بن أيّوب، عن عمر بن أبان، عن جابر الجعفي قال: تقبّضت بين يدي أبي جعفر عليه السّلام فقلت: جعلت فداك ربّما حزنت من غير مصيبة

______________________________
قوله (ليس منا من لم يوقر كبيرنا و يرحم صغيرنا) الكبير سنا أو شأنا مستحق للتوقير و التعظيم، و الصغير لقرب عهده بالحق و ضعف عقله و قلة تجربته لعواقب الامور و شدة تأثره بأدنى ما يولم أهل للرحمة و العفو عنه و الستر عليه و الرفق به و لين القول معه و عدم النظر إليه بالهيبة و نحوها خصوصا اذا كان يتيما فلتكن بالنسبة الى الكبير ابنا، و بالنسبة الى الصغير أبا، و يمكن أن يراد بهما كبير الشيعة و صغيرهم أيضا لان الاختصاص و النسبة كافية فى الاضافة قوله (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ بنو أب و أم) أى مثل الاخوة النسبية فى لزوم التعاطف و التوازر و التراحم أو المراد بالاب مادتهم و هى الطينة الجنانية و بالام روحهم المربية لهم كما سيجي‏ء و اطلاق الأب و الام عليهما مجاز و حملهما على آدم و حواء بعيد لاشتراك جميع الناس فى ذلك، ثم رغب فى رعاية الاخوة بقوله:

(و اذا ضرب على رجل منهم عرق سهر له الآخرون) ضرب العرق ضربا و ضربانا تحرك بقوة و هذا كناية عن الالم المخصوص أو مطلقا و فيه تنبيه على أن المؤمنين لما كانوا من أصل واحد بمنزلة شخص واحد لزم أن يتألم الجميع بتألم واحد منهم كما يتألم سائر أعضاء الجسد بتألم بعضها، و سهر اما خبر بحسب المعنى أيضا أوامر، و على الاول دل على أن من لم يتصف بذلك ليس بمؤمن لفقده ما هو من أخص صفات المؤمن.

قوله (قال تقبضت بين يدى ابى جعفر «ع») التقبض الانضمام و الانقباض و هو خلاف‏

031
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب اخوة المؤمنین بعضهم لبعض ص 31

تصيبني أو أمر ينزل بي حتّى يعرف ذلك أهلي في وجهي، و صديقي، فقال: نعم يا جابر إنّ اللّه عزّ و جلّ خلق المؤمنين من طينة الجنان و أجرى فيهم من ريح روحه فلذلك المؤمن أخو المؤمن لأبيه و أمّه فإذا أصاب روحا من تلك الأرواح فى بلد من البلدان حزن حزنت هذه لأنّها منها.

3- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المؤمن أخو المؤمن، عينه و دليله، لا يخونه و لا يظلمه و لا يغشّه و لا يعده عدة فيخلفه.

4- محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، و عدّة من أصحابنا، عن سهل ابن زياد، جميعا، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي بصير قال: سمعت‏

______________________________
البسط و يحصل كثيرا ما بحضور ما يستكرهه الطبع و قد يحصل لا عن سبب ظاهر و ان كان لا يخلو فى الواقع عن سبب كما أشار إليه «ع» بقوله:

(يا جابر ان اللّه عز و جل خلق المؤمنين من طينة الجنان و اجرى فيهم من ريح روحه) الريح هى التى تهب و قد يجي‏ء بمعنى النفخ و الروح بالضم الّذي يقوم به الجسد و يكون بها الحياة و هى النفس الناطقة المستعدة للبيان و فهم الخطاب و لا تفنى بفناء الجسد و الجمع الارواح. و لعل المراد بالاب تلك الطينة لانها مادة وجودهم كالاب و بالام تلك الفائضة منه تعالى عليهم لانها بمثابة الام فى التربية و التدبير، لا يقال السبب الّذي ذكره «ع» لحزن سببه غير معلوم يقتضي أن يكون كل مؤمن محزونا دائما اذ لا يخلو مؤمن من اصابة حزن قطعا لانا نقول يجوز أن يتفاوت ذلك بسبب تفاوت القرب و الاتصال فى الشدة و الضعف.

قوله (قال المؤمن اخو المؤمن عينه) أى نفسه و ذاته من باب المبالغة للمشاركة فى الطينة، أو فى الصفات، أو عينه الباصرة فيجب عليه حفظه كحفظها أو حافظه أو طليعته يتعرف الامور النافعة له و يوصل خبرها إليه‏ (و دليله) الى المنافع و المضار و الخيرات الدنيوية و الاخروية (لا يخونه) فى عهده و امانته المالية و السرية (و لا يظلمه) فى نفسه و ماله و اهله و ساير حقوقه (و لا يغشه) فى النصيحة و المشورة و الارشاد الى مصالحه.

(و لا يعده عدة فيخلفه) لان خلف الوعد مذموم عقلا و شرعا، و فيه رذالة و خساسة و حقارة و خفة و ايذاء للمؤمن و تكدر لخاطره و النفى بمعناه، أو بمعنى النهى و فى الاول اشارة الى أنه لو أتى بالمنفى لم يتصف بالاخوة و الايمان.

032
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب اخوة المؤمنین بعضهم لبعض ص 31

أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيئا منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، و أرواحهما من روح واحدة، و إنّ روح المؤمن لأشدّ اتّصالا بروح اللّه من اتّصال شعاع الشمس بها.

5- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن مثنّى الحنّاط، عن الحارث بن المغيرة، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: المسلم أخو المسلم هو عينه و مرآته و دليله. لا يخونه و لا يخدعه و لا يظلمه و لا يكذّبه و لا يغتابه.

6- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام و دخل عليه رجل فقال لي: تحبّه؟ فقلت: نعم فقال لي: و لم لا تحبّه و هو أخوك و شريكك في دينك و عونك على عدوّك و رزقه‏

______________________________
قوله (المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد ان اشتكى شيئا منه وجد ألم ذلك فى ساير جسده) هذا تمثيل و تقريب للفهم حيث شبههم بالواحد لاتحادهم فى المادة و الروح و اتفاقهم فى صفة الايمان و تناسبهم فى التوحيد و العرفان فكان كل واحد منهم نفس صاحبه معنى و ان تفرقت بهم الصور و الاعيان، فيقتضى هذا النوع من الاتحاد و النسب من الايمان ان يتألم كل بتألم الاخر و يفرح بفرحه. و فيه ترغيب فى التناصر و التعاون و التراحم و التعاطف فى الواجبات و المندوبات و المباحات و الضروريات و قضاء الحاجات و دفع البليات ثم رغب فى رعاية المؤمن و الفرح بفرحه و التألم بحزنه و التجنب عن أذاه بقوله:

(و ان روح المؤمن لاشد اتصالا بروح اللّه) أى بذاته المقدسة. (من اتصال شعاع الشمس بها) المراد بالاتصال الاتصال المعنوى، و شبهه بالاتصال الحسى الجسمانى لايضاح المقصود و تقريبه الى الفهم و وجه الاشدية أن المؤمن مرآة الحق يرى فيه صفاته و لو ظهر ذلك الاتصال ليرى كأنه هو و لا يفرق بينهما الا العارفون الذين يعلمون بنور البصيرة و العرفان أن هذا خلق اتصف بصفات الخالق، و أما الجاهلون فيزعمون أنه هو بخلاف اتصال الشعاع بالشمس فانه يفرق بينهما العالم و الجاهل.

قوله (هو عينه و مرآته و دليله) أما أنه مرآته فلان فى كل واحد صفات الاخر مثل الايمان و أركانه و لواحقه و آثاره و الاخلاق و الآداب فكان كل واحد مظهرا لصفات الاخر و مرآة له، و اما أنه دليله فلانه يهديه الى ما ينفعه فى الدنيا و الآخرة فيعلمه أمر الدين و يزجره عن المنهيات و يرغبه فى الخيرات و ينبهه عن الغفلات و يظهر عليه قبح اللذات و الشهوات‏ قوله (و لم لا تحبه و هو أخوك و شريكك في دينك و عونك علي عدوك و رزقه علي‏

033
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب اخوة المؤمنین بعضهم لبعض ص 31

على غيرك.

7- أبو عليّ الأشعري، عن الحسين بن الحسن، عن محمّد بن اورمة، عن بعض أصحابه، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن فضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

سمعته يقول: المؤمن أخو المؤمن لأبيه و أمّه لأنّ اللّه عزّ و جل خلق المؤمنين من طينة الجنان و أجرى في صورهم من ريح الجنّة، فلذلك هم إخوة لأب و أمّ.

8- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحجّال، عن علي بن عقبة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ المؤمن أخو المؤمن، عينه و دليله، لا يخونه و لا يظلمه و لا يغشّه و لا يعده عدة فيخلفه.

9- أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن رجل، عن جميل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: المؤمنون خدم بعضهم لبعض، قلت: و كيف يكونون خدما بعضهم لبعض؟ قال: يفيد بعضهم بعضا الحديث.

10- علي بن إبراهيم، عن أبيه، و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن إسماعيل البصري، عن فضيل بن يسار قال. سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: إنّ نفرا من المسلمين خرجوا إلى سفر لهم فضّلوا الطريق فأصابهم عطش شديد فتكفنوا و لزموا اصول الشجر فجاءهم شيخ و عليه ثياب بيض فقال قوموا فلا بأس عليكم فهذا الماء، فقاموا و شربوا و ارتووا، فقالوا: من‏

______________________________
غيرك) رغب فى المحبة بذكر الفوائد و البواعث و رفع المانع أما الباعث فثلثه تعود الى المحب، و أما المانع فانما هو تكفل مئونته و رزقه، و ليس ذلك الاعلى اللّه عز و جل، و قوله «فى دينك» متعلق بأخوك و شريكك على سبيل التنازع، و الظاهر أن المراد بالعدو الانسان المخالف له و يحتمل الاعم منه و من الشيطان و النفس الامارة.

قوله (و اجرى فى صورهم من ريح الجنة) الريح بمعنى الرائحة عرض يدرك بحاسة الشم و رائحة الجنة التى جرت فى أبدانهم جامعة لهم و بها يعودون إليها و يتطيبون حتى يجد طيبهم مشام العارفين كما قال يعقوب «ع» «إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ».

قوله (يفيد بعضهم بعضا الحديث) كما يفيد الخادم المخدوم، و الظاهر أن الحديث مفعول «يفيد» ففيه اشارة الى بعض أنواع الاكرام و هو تعليم الحديث و نشر علم الدين.

قوله (فتكفنوا) أى اتخذوا الكفن و البسوه و في بعض النسخ «فتكنفوا» بتقديم‏

034
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب اخوة المؤمنین بعضهم لبعض ص 31

أنت يرحمك اللّه؟ فقال: أنا من الجنّ الّذين بايعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، إنّي سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يقول: المؤمن أخو المؤمن، عينه و دليله، فلا تكونوا تضيّعوا بحضرتي.

11- علي بن إبراهيم، عن أبيه، و محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي، عن فضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

المسلم أخو المسلم، لا يظلمه و لا يخذله [و لا يغتابه و لا يخونه و لا يحرمه‏] قال ربعي:

فسألني رجل من أصحابنا، بالمدينة فقال: سمعت فضيلا يقول ذلك؟ قال فقلت له:

نعم، فقال: [ف] انّي سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه و لا يغشّه و لا يخذله و لا يغتابه و لا يخونه و لا يحرمه.

(باب) فيما يوجب الحق لمن انتحل الايمان و ينقضه‏

1- عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول و سئل عن إيمان من يلزمنا حقّه و اخوّته كيف هو و بما يثبت و بما يبطل؟ فقال: إنّ الايمان قد يتّخذ على وجهين أمّا أحدهما فهو الّذي يظهر لك من صاحبك فإذا ظهر لك منه مثل الّذي تقول به أنت، حقّت ولايته و اخوّته إلّا أن يجي‏ء منه نقض للّذي وصف من نفسه و أظهره لك، فإن جاء منه ما تستدلّ به‏

______________________________
النون أى اختاروا الكنف و هو الجانب.

و قوله (بحضرتى) معناه عندى و حضرة الرجل قربه.

قوله (و لا يخذله) أى لا يترك اعانته و نصرته فى الحق أو لا يتكبر عليه و لا يستصغره.

قوله (اما احدهما فهو الّذي يظهر لك من صاحبك) لم يذكر الوجه الاخر هنا و توضيح الوجه المذكور أن الايمان أمر قلبى كما مر، و الامر القلبى لا يعلم ثبوته و تحققه الا بدليل و هو القول و العمل المخبران عنه، فاذا شهدا عليه حكمنا ظاهرا بثبوته و أجرينا عليه أحكام الايمان و الولاية و الاخوة، و نتوقع الاجر بذلك مع احتمال عدم ثبوته عند اللّه تعالى لان دلالتهما ليست بقطعية غير محتملة للتخلف، و ان شهدا بعدمه بأن يكونا منافيين له حكمنا بعدمه ظاهرا الا أن يدعى أن صدورهما من باب التقية مع امكانها في شأنه فانا نحكم بثبوته أيضا.

035
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حق المؤمن على أخیه و أداء حقه ص 37

(باب) (حق المؤمن على أخيه و أداء حقه)

1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من حقّ المؤمن على أخيه المؤمن أن يشبع جوعته و يواري عورته و يفرّج عنه كربته و يقضي دينه، فإذا مات خلفه في أهله و ولده.

2- عنه، عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّه بن بكير الهجري، عن معلّى بن خنيس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: ما حقّ المسلم على المسلم؟ قال له: سبع حقوق واجبات ما منهنّ حقّ إلّا و هو عليه واجب، إن ضيّع منها شيئا خرج من ولاية اللّه و طاعته و لم يكن للّه فيه من نصيب، قلت له: جعلت فداك و ما هي؟ قال: يا معلّى إنّي‏

______________________________
قوله (من حق المؤمن على اخيه المؤمن ان يشبع جوعته) أشبعته أطعمته حتى شبع و جاع الرجل جوعا اشتهى الطعام و اشتقاق إليه، و الجوع بالضم و الجوعة بالفتح اسم منه و نسبة الاشباع الى الجوعة و تعليقه بها مجاز أو باعتبار تضمين معنى الدفع و نحوه.

(و يوارى عورته) العورة كل ما يستحيى منه اذا ظهر و هى من الرجل القبل و الدبر و من المرأة جميع الجسد الا ما استثنى، و الامة كالحرة الا الرأس، و يحتمل أن يراد بها العيوب و التعميم أظهر (و يفرج عنه كربته) الكربة اسم من كربه الامر فهو مكروب أى أهمه و أحزنه فأقلقه و شق عليه‏ (و يقضى دينه) فى حياته و بعد موته و قد نقل أنه كان بين رجلين صداقة و كان على كل واحد دين و قضى كل واحد دين الاخر من غير علم أحدهما بقضاء الاخر (فاذا مات خلفه فى اهله و ولده) خلفت فلانا على أهله صرت خليفة و خلفته جئت بعده و المقصود أنه ينبغى ان يقوم مقامه فى مهمات أهله و ولده فيأتيهم و يسألهم عن حوائجهم من اللباس و الطعام و الشراب و غيرها، ثم يعزم بقضائها و هكذا يفعل فى كل صباح و مساء و لا يتضجر فى رعايتهم بطول الزمان و كثرة الحاجات، و اعلم أن اللّه تعالى خلق الانسان و جعله مدنيا بالطبع يحتاج الى التعاون و المعاشرة مع الغير فألزم عليه حقوقا بعضها من الواجبات العينية و بعضها من الكفائية و بعضها من السنن اللازمة و بعضها من الآداب، و تفصيلها يعلم من أحاديث هذا الباب و غيرها من الاحاديث المتفرقة.

قوله (ما حق المسلم على المسلم؟ قال له سبع حقوق واجبات ما منهن حق الا و هو عليه واجب ان ضيع منها شيئا خرج من ولاية اللّه و طاعته و لم يكن للّه فيه من نصيب) قال فى‏

037
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حق المؤمن على أخیه و أداء حقه ص 37

عليك شفيق أخاف أن تضيّع و لا تحفظ و تعلم و لا تعمل، قال: قلت له: لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ‏ قال: أيسر حقّ منها أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك و تكره له ما تكره لنفسك، و الحقّ الثاني أن تجتنب سخطه و تتّبع مرضاته و تطيع أمره، و الحقّ الثالث أن تعينه‏

______________________________
المصباح: الولاية بالفتح و الكسر النصرة، و ينبغى أن يعلم أن المؤمن لا يخرج من أصل الايمان و لا يسلب عنه النصيب حقيقة الا بالكفر و ان ترك الاخلاق المذكورة لا يوجب الكفر بالاجماع و الروايات و أنها ليست بواجبة بل هى من الادب المطلوبة المرغبة فيها، فينبغى ارتكاب التأويل و صرف الكلام عن ظاهره، فنقول: لعل المراد بالوجوب التأكد و المبالغة أو وجوب الاقرار بأن تلك الامور من حقوق الاخوة، و بالولاية الكاملة برعاية تلك الحقوق، و بالنصيب النصيب الكامل الّذي فى خلص أولياء اللّه تعالى.

(قلت له جعلت فداك و ما هى) حتى أعلمها و أعملها (قال يا معلى انى عليك شفيق أخاف أن تضيع و لا تحفظ و تعلم و لا تعمل) دل على أن الجاهل بها معذور فى تركها الا أن يقال ليس بمعذور و لكن عذر العالم أضعف من عذره و لومه أشد.

(قال قلت له‏ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ‏) أى لا قوة لنا فى أداء الحقوق أو مطلقا الا باللّه و نصرته و لما استعان فى أدائها باللّه تعالى و المستعين به غير ذليل فصلها «ع» و قال:

(أيسر حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك و تكره له ما تكره لنفسك) هذا النوع من الاتحاد يتوقف على أن يطلع عن أفق خاطرك أنوار الاسرار الالهية و تغلق عليه أبواب الوساوس الشيطانية، فانه اذا حصلت لك تلك المعارف و زالت عنك تلك الوساوس لاحظت قرب المؤمن من الحق و وجدت بينك و بينه اتحادا فى الذات و تناسبا فى الصفات حتى كانه و أنت سواء فى المعنى و كنفس واحدة، و هذا النوع من الاتحاد و التناسب و القرب يقتضي الحق المذكور (و الحق الثانى ان تجتنب سخطه و تتبع مرضاته و تطيع امره) أى تجتنب ما يوجب سخطه و تتبع ما يوجب رضاه و تطيع أمره ان كان موافقا للشرع و الا فانصحه برفق حتى يرجع‏ (و الحق الثالث أن تعينه بنفسك) بأن تفكر فى جلب ما ينفعه و دفع ما يضره أو بأن تقوم مقامه فى قضاء حوائجه، و يندرج فيه انقاذه من يد ظالم و قد روى عن الرضا «ع» قال «أفضل ما يقدمه العالم من محبينا و موالينا امامه ليوم فقره و فاقته و ذله و مسكنته أن يغيث فى الدنيا مسكينا من محبينا من يد ناصب عدو للّه و لرسوله فيقوم من قبره و الملائكة صفوف من شفير قبره الى موضع محله من جنان اللّه فيحملونه على أجنحتهم و يقولون: طوباك طوباك يا دافع الكلاب عن الابرار و يا أيها المتعصب للائمة الاخيار».

038
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حق المؤمن على أخیه و أداء حقه ص 37

بنفسك و مالك و لسانك و يدك و رجلك، و الحقّ الرّابع أن تكون عينه و دليله و مرآته، و الحقّ الخامس [أن‏] لا تشبع و يجوع و لا تروى و يظمأ و لا تلبس و يعرى، و الحقّ السادس: إن يكون لك خادم و ليس لأخيك خادم فواجب أن تبعث خادمك فيغسل ثيابه و يصنع طعامه و يمهّد فراشه، و الحقّ السابع أن تبرّ قسمه و تجيب دعوته، و تعود مريضه، و تشهد جنازته، و إذا علمت أنّ له حاجة تبادره إلى قضائها و لا تلجئه أن يسألكها و لكن تبادره مبادرة، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته و ولايته بولايتك.

3- عنه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن سيف، عن أبيه سيف، عن عبد الأعلى بن أعين قال: كتب [بعض‏] أصحابنا يسألون أبا عبد اللّه عليه السّلام عن أشياء و

______________________________
(و مالك) بأن تعينه بالمواساة و الايثار و قضاء الدين قبل السؤال و بعده و الاول أفضل لما فى الثانى من نقص الآخرة (و لسانك) بأن تعينه بطلب الحاجة و الدعاء له و دفع الغيبة عنه و ذكر محاسنه و تعليمه امور الدين و نحو ذلك.

(و يدك و رجلك) بأن تستعملهما فى طلب كل خير و دفع كل شر يتوقفان عليهما.

(و الحق الرابع أن يكون عينه و دليله و مرآته) فتنظر الى مقاصده كما ينظر هو و تدله عليها ان غفل عنها و تقبل عليه بصفاء الظاهر و الباطن حتى يرى فيك صور حاجاته.

(و الحق الخامس [أن‏] لا تشبع و يجوع و لا تروى و يظمأ و لا تلبس و يعرى) بل عليك تشريكه فى الطعام و الشراب و اللباس‏ (و الحق السادس ان تكون لك خادم) الخادم يطلق على الذكر و الانثى و الخادمة بالهاء فى المؤنث قليل و الجمع خدم و خدام.

(و الحق السابع ان تبر قسمه) الظاهر أن قسمه بفتحتين و هو اسم من الاقسام و أن المراد ببر قسمه قبوله، و أصل البر الاحسان ثم استعمل فى القبول، يقال بر اللّه عمله اذا قبله كانه أحسن الى عمله بأن قبله و لم يرده كذا فى الفائق، و قبول قسمه و ان لم يكن واجبا شرعا لكنه مؤكد لئلا يكسر قلبه و لا يضيع حقه، و احتمال إرادة احسان القسم بالكسر و هو الحصة و النصيب بعيد و اللّه اعلم، ثم أشار الى ما يقتضيه كمال الاخوة بقوله:

(و اذا علمت ان له حاجة تبادره الى قضائها و لا تلجئه الى أن يسألكها) لان الالجاء الى السؤال يوجب الاهانة و المذلة، و يدل على نقص فى الاخوة و المحبة و حق الاخوة أن تقضى حاجته المعلومة لك و أن تمشى إليه و تسأله عن حاجته و تسعى فى قضاء جميع ما يحتاج إليه لنفسه و لعياله حتى الحطب و الخبز و الملح و قد كان سيد العابدين «ع» يحمل على ظهره فى جوف الليل قوتا لفقراء الشيعة و يوصله إليهم.

039
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حق المؤمن على أخیه و أداء حقه ص 37

أمروني أن أسأله عن حقّ المسلم على أخيه، فسألته فلم يجبني، فلمّا جئت لاودّعه فقلت: سألتك فلم تجبني؟ فقال: إنّي أخاف أن تكفروا، إنّ من أشدّ ما افترض اللّه على خلقه ثلاثا: إنصاف المرء من نفسه حتّى لا يرضى لأخيه من نفسه إلّا بما يرضى لنفسه منه، و مؤاساة الأخ في المال، و ذكر اللّه على كلّ حال، ليس سبحان اللّه و الحمد للّه و لكن عند ما حرّم اللّه عليه فيدعه.

4- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن جميل، عن مرازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما عبد اللّه بشي‏ء أفضل من أداء حقّ المؤمن.

5- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: حقّ المسلم على المسلم أن لا يشبع و يجوع أخوه، و لا يروى و يعطش أخوه، و لا يكتسي و يعرى أخوه، فما أعظم حقّ المسلم على أخيه المسلم و قال: أحبّ لأخيك المسلم ما تحبّ لنفسك، و إذا احتجت فسله و إن سألك فأعطه، لا تمله خيرا و لا يمله لك، لكن له ظهرا فإنّه لك ظهر، إذا غاب فاحفظه في غيبته و إذا

______________________________
قوله (و ذكر اللّه على كل حال) أصل الذكر مبدأ لجميع الخيرات ثم الخيرات مبدأ لرسوخه و ثبوته فى القلب حتى لا يغفل طرفة عين الى أن يبلغ مقام المحبة ثم مقام الرضا ثم مقام الفناء فى اللّه بحيث لا يرى فى الوجود الا اياه. و هذا غير متعلق بالسؤال لان السؤال عن حق المسلم على أخيه و لعل الغرض من ذكره هو التنبيه بأن المهم للمؤمن فى الدنيا أمران أحدهما استقامة حاله مع المؤمنين و هى تحصل برعاية الاولين، و الثانى استقامة حاله مع رب العالمين و هى تحصل بالذكر.

قوله (ما عبد اللّه بشي‏ء افضل من اداء حق المؤمن) يعنى أداء حق المؤمن أفضل من أداء جميع العبادات و الائمة عليهم السلام أفضل المؤمنين و رؤساؤهم فأداء حقوقهم رأس جميع العبادات قال أمير المؤمنين «ع» «فضل حرمة المسلم على الحرم كلها» يريد ان اللّه تعالى جعل حرمة المسلم فوق كل حرمة و قال أيضا «و شد بالاخلاص و التوحيد حقوق المسلمين فى معاقدها» يعنى أن اللّه تعالى ربطها بهما فأوجب على المخلصين المعترفين بالوحدانية المحافظة على حقوق المسلمين و مراعاة موضعها و قرن بتوحيده حتى صار فضلها كفضل التوحيد. قوله (و اذا احتجت فسله) أى فسله عن حاله و عن ذات يده و عما أكله همو و عياله البارحة الى غير ذلك من ضرورياته فان احتجاج الى شي‏ء فبادر الى قضائه.

(لا تمله خيرا و لا يمله لك) الظاهر أنه من أمليته بمعنى تركته و أخرته و الاملاء

040
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حق المؤمن على أخیه و أداء حقه ص 37

شهد فزره و أجلّه و أكرمه فانّه منك و أنت منه، فإن كان عليك عاتبا فلا تفارقه حتّى تسأل سميحته و إن أصابه خير فاحمد اللّه، و إن ابتلي فأعضده و إن تحمّل له فأعنه و إذا قال الرّجل لأخيه: افّ انقطع ما بينهما من الولاية و إذا قال: أنت عدوّي كفر أحدهما، فإذا اتّهمه انماث الايمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء، و قال: بلغني أنّه قال إنّ المؤمن ليزهر نوره لأهل السماء كما تزهر نجوم السّماء لأهل الأرض، و قال: إنّ المؤمن ولي اللّه يعينه، و يصنع له، و لا يقول عليه إلّا الحقّ، و لا يخاف غيره‏

______________________________
فروگذاشتن و مهلت دادن و دراز كشيدن مدت و لامه ياء، و أما الاملال بمعنى ملول كردن فبعيد و اللّه أعلم‏ (كن له ظهرا) أى معينا ناصرا فى جميع الامور فانه لك ظهر و بذلك يتم نظام اموركم فى الدنيا و الآخرة.

(اذا غاب) بالسفر أو الاعم‏ (فاحفظه فى غيبته) فى نفسه بالذكر الجميل و الدعاء و ترك الغيبة و زجر الغير عنها و فى ماله و أهله برعايتهم و قضاء حاجتهم و تكفل امورهم.

(فان كان عليك عاتبا فلا تفارقه حتى تسأل سميحته) أى جوده بالعفو عن التقصير و مساهلته بالتجاوز لئلا يستقر في قلبه فيوجب التنافر و التباغض، و فى بعض النسخ «سخيمته» بالخاء المعجمة قبل الياء أى حتى تسأل عن سبب سخيمته و هى الحقد و البغض، فاذا ظهر لك فتداركه حتى تزول السخيمة عنه فيخلص لك المودة فان استمر فأعذر إليه حتى يقبل منك‏ (و ان تمحل له فاعنه) أى و ان احتال لدفع البلاء عن نفسه بحيلة نافعة فأعنه فى امضائه‏ (و اذا قال أنت عدوى كفر أحدهما) لان المؤمن عدو للكافر دون المؤمن فالمخاطب ان كان مؤمنا فالقائل كافر و ان كان كافرا فالقائل مؤمن و أيضا هذا القول اما صادق أو كاذب و على التقديرين يلزم كفر أحدهما فليتأمل.

(فاذا اتهمه انماث الايمان فى قلبه) اتهمه من باب الافعال أو الافتعال أى من أدخل التهمة على المؤمن ذاب الايمان فى قلبه، و التهمة «دروغ بستن بر كسى» ثم بالغ فى مؤاخاة المؤمن و حبه و رعاية حقوقه و رغب فيها بقوله:

(ان المؤمن ليزهر نوره لاهل السماء) أى ليزهر ايمانه أو أعماله الصالحة و أخلاقه الفاضلة أو نفسه الناطقة الكاملة أو نور إلهى يغشاه بسبب صفاء ذاته و حسن صفاته.

(و قال ان المؤمن ولى اللّه يعينه و يصنع له) الولى فعيل بمعنى فاعل أى المؤمن محب اللّه و ناصره و قائم بأمره، و فى المصباح الولى فعيل بمعنى مفعول فى حق المطيع فيقال المؤمن ولى اللّه و المراد باعانته للّه تعالى اعانة دينه و نصرة أوليائه و الحماية لهم و الذب‏

041
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حق المؤمن على أخیه و أداء حقه ص 37

6- أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: للمسلم على أخيه المسلم من الحقّ أن يسلّم عليه إذا لقيه و يعوده إذا مرض، و ينصح له إذا غاب، و يسمّته إذا عطس، و يجيبه إذا دعاه، و يتبعه إذا مات.

عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة مثله.

7- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي المأمون الحارثي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما حقّ المؤمن على المؤمن؟

قال: إنّ من حقّ المؤمن على المؤمن المودة له في صدره، و المواساة له في ماله، و الخلف له في أهله، و النصرة له على من ظلمه، و إن كان نافلة في المسلمين و كان غائبا أخذ له بنصيبه و إذا مات الزّيارة إلى قبره، و أن لا يظلمه و أن لا يغشّه و أن لا يخونه و أن لا يخذله و أن لا يكذّبه و أن لا يقول له افّ، و إذا قال له: افّ فليس بينهما ولاية و إذا قال له: أنت عدوّي فقد كفر أحدهما، و إذا اتّهمه انماث الايمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء.

8- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن أبي عليّ صاحب الكلل، عن أبان بن تغلب قال: كنت أطوف مع أبي عبد اللّه عليه السّلام فعرض لي رجل من أصحابنا كان سألني الذهاب معه في حاجة فأشار إلي فكرهت أن أدع أبا- عبد اللّه عليه السّلام و أذهب إليه، فبينا أنا أطوف إذا أشار إليّ أيضا فرآه أبو عبد اللّه عليه السّلام فقال:

______________________________
عنهم، و بصنعه له العمل بأوامره و نواهيه و آدابه و التسليم و الرضا بحكمه قاصدا بذلك وجهه تعالى.

قوله (و يسمته اذا عطس) تسميت العاطس الدعاء له و الشين المعجمة مثله و كلاهما مروى و قال أبو عبيد الشين المعجمة أعلا و أفشى و قال ثعلب المهملة هى الاصل اخذ من السمت و هو القصد و الهدى و الاستقامة و كل داع بخير فهو مسمت أى داع بعوده و البقاء الى سمته، و قيل اشتقاق المهملة من السمت و هو الهيئة الحسنة أى جعلك اللّه على هيئة حسنة لان هيئته تنزعج للعطاس و اشتقاق المعجمة من الشوامت كانه دعاء له بالثبات على طاعة اللّه أو ببعده عما يشمت به عليه.

042
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حق المؤمن على أخیه و أداء حقه ص 37

يا أبان إيّاك يريد هذا؟ قلت: نعم، قال: فمن هو؟ قلت: رجل من أصحابنا، قال:

هو على مثل ما أنت عليه، قلت: نعم، قال: فاذهب إليه، قلت: فأقطع الطواف؟ قال:

نعم، قلت: و إن كان طواف الفريضة؟ قال: نعم، قال: فذهبت معه، ثمّ دخلت عليه بعد فسألته، فقلت: أخبرني عن حقّ المؤمن على المؤمن فقال: يا أبان دعه لا ترده، قلت:

بلى جعلت فداك فلم أزل اردّد عليه، فقال: يا أبان تقاسمه شطر مالك، ثمّ نظر إلي فرأى ما دخلني. فقال: يا أبان أ ما تعلم أنّ اللّه عزّ و جلّ قد ذكر المؤثرين على أنفسهم، قلت: بلى جعلت فداك، فقال: أمّا إذا أنت قاسمته فلم تؤثره بعد، إنّما أنت و هو سواء إنّما تؤثره إذا أنت أعطيته من النصف الاخر.

9- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن فضالة بن أيّوب عن عمر بن أبان، عن عيسى بن أبي منصور قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام أنا و ابن أبي يعفور و عبد اللّه بن طلحة فقال: ابتداء منه يا ابن أبي يعفور قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:

ستّ خصال من كنّ فيه كان بين يدي اللّه عزّ و جلّ و عن يمين اللّه فقال ابن أبي يعفور و ما هنّ جعلت فداك؟ قال: يحبّ المرء المسلم لأخيه ما يحبّ لأعزّ أهله. و

______________________________
قوله (فقال: يا أبان أ ما تعلم أن اللّه عز و جل قد ذكر المؤثرين على أنفسهم) الايثار الاختيار مصدر آثر على افعل و هو أشد من السخاوة و الاقتصاد لان السخى يبذل ما زاد عن قدر حاجته و المؤثر يبذل ما يحتاج إليه و قد دل بعض الآيات و الروايات على الايثار و بعضها على الاقتصاد مثل قوله تعالى‏ «وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى‏ عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ الآية» و مثل ما روى «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى» قيل معناه ما كان يعد كفاية النفس و العيال و غنائمهما عنه، و لعل الوجه فيه أن البذل يتفاوت بتفاوت الازمان و المقامات و أحوال الطرفين و طيب النفوس فقد يكون الاقتصاد أرجح من الايثار كما فى عامة المؤمنين و قد يكون الامر بالعكس كما فى الصديقين. و أمر النبي «ص» تعليم للمؤمنين.

قوله (قال رسول اللّه «ص» ست خصال من كن فيه كان بين يدى اللّه عز و جل و عن يمين اللّه) هذا تمثيل لقصد الايضاح أو اليد مجاز عن الرحمة من باب الارسال أو المكنية و التخييلية و اليمين الجانب الاشرف و الاقوى و لعل كونه عن يمينه كناية عن كرامته و عظمته و علو منزلته و رفعته باعتبار أن من عظمت منزلته تبوء عن يمين الملك، و كل ما جاء فى القرآن من اضافة اليد و اليمين الى اللّه تعالى فهو على سبيل التمثيل أو المجاز و الاستعارة و الكناية لانه تعالى منزه عن ظاهرهما.

043
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حق المؤمن على أخیه و أداء حقه ص 37

يكره المرء المسلم لأخيه ما يكره لأعزّ أهله، و يناصحه الولاية، فبكي ابن أبي يعفور و قال: كيف يناصحه الولاية؟ قال: يا ابن أبي يعفور إذا كان منه بتلك المنزلة بثّه همّه ففرح لفرحه إن هو فرح و حزن لحزنه إن هو حزن، و إن كان عنده ما يفرّج عنه فرّج عنه و إلّا دعا اللّه، قال: ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ثلاث لكم و ثلاث لنا أن تعرفوا فضلنا و أن تطئوا عقبنا، و أن تنظروا عاقبتنا، فمن كان هكذا كان بين يدي اللّه عزّ و جلّ فيستضي‏ء بنورهم من هو أسفل منهم و أمّا الّذين عن يمين اللّه فلو أنّهم يراهم من دونهم لم يهنّئهم العيش ممّا يرون من فضلهم، فقال ابن أبي يعفور: و ما لهم لا يرون و هم عن يمين اللّه؟ فقال: يا ابن أبي يعفور إنّهم محجوبون بنور اللّه أ ما بلغك الحديث أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كان يقول: إنّ للّه خلقا عن يمين العرش بين يدي اللّه و عن يمين اللّه وجوههم أبيض من الثلج و أضوأ من‏

______________________________
قوله (بثه همه) كان المراد بالبث التهييج و الاثارة و بالهم العزم و الإرادة أو الحزن أى هيجه و أثاره عزمه و ارادته خير المؤمن أو حزنه فى أمره. و اراد «ع» بقوله:

(ثلث لكم) ما ذكره قبل، و بقوله (ثلاث لنا) ما يذكر بعد و هى معرفة فضلهم على غيرهم بالعلم و العمل و قرب النبي و وطأ عقبهم و اقتفاء اثرهم فى العلم و العمل و التمسك بدين الحق و و انتظار عاقبتهم فى الدنيا بظهور القائم «ع» و فى الآخرة بالكرامة و الشفاعة، ثم أشار الى بعض فضائلهم للترغيب فى تحصيلها و الحث على محبة أهلها و حفظ حقوقهم بقوله. (فمن كان هكذا) أى متصفا بالخصال المذكورة. (كان بين يدى اللّه عز و جل) و هو سبحانه ناظر إليهم بنور رحمته و احسانه.

(فيستضى‏ء بنورهم من هو أسفل منهم) من المؤمنين الذين لم يتصفوا بتلك الخصال و حرموا عن نيل هذا الكمال يستضي‏ء بنور الشمس كل من هو أسفل منها، و هذا النور كما يكون لهم فى الآخرة يكون لهم فى الدنيا أيضا كما مر من أن المؤمن ليزهر نوره لاهل السماء كما تزهر نجوم السماء لاهل الارض، الا أن هذه الابصار قاصرة عن ادراكه.

(و أما الذين عن يمين اللّه) دل على أنهم غير من كانوا بين يدى اللّه عز و جل و كان المراد بهم الائمة عليهم السلام‏ (فلو أنهم يراهم من دونهم لم يهنئهم العيش مما يرون من فضلهم) لانهم يبهتون من ملاحظة فضلهم و كمالهم و يتحيرون من مشاهدة حسنهم و جمالهم و بين سبب عدم رؤيتهم‏ (أنهم محجوبون بنور اللّه) و النور الساطع و الضوء اللامع اذا بلغا حد الكمال يمنعان من المشاهدة كما يشهد له النظر الى الشمس مع أن نورهم أشد من نورها بل لا نسبة بينهما.

044
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حق المؤمن على أخیه و أداء حقه ص 37

الشمس الضّاحية، يسأل السائل ما هؤلاء؟ فقال هؤلاء الّذين تحابّوا في جلال اللّه.

10- عنه، عن عثمان بن عيسى، عن محمّد بن عجلان قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فدخل رجل فسلّم، فسأله كيف من خلّفت من إخوانك؟ قال: فأحسن الثناء و زكّى و أطرى، فقال له: كيف عيادة أغنيائهم على فقرائهم؟ فقال: قليلة؟ قال: و كيف مشاهدة أغنيائهم لفقرائهم قال: قليلة، قال فكيف صلة اغنيائهم لفقرائهم في ذات أيديهم؟

فقال: إنّك لتذكر أخلاقا قلّ ما هي فيمن عندنا، قال: فقال: فكيف تزعم هؤلاء أنّهم شيعة.

11- أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن سالم، عن أحمد بن النضر، عن أبي إسماعيل قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: جعلت فداك إنّ الشيعة عندنا كثير فقال: [ف] هل يعطف الغنيّ على الفقير؟ و هل يتجاوز المحسن عن المسي‏ء؟ و يتواسون؟ فقلت: لا، فقال ليس هؤلاء شيعة، الشيعة من يفعل هذا.

12- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن العلاء بن فضيل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان أبو جعفر صلوات اللّه عليه يقول: عظّموا أصحابكم و وقّروهم و لا يتجهّم بعضكم بعضا و لا تضارّوا و لا تحاسدوا و إيّاكم و البخل كونوا عباد اللّه المخلصين.

13- أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن الجبّار، عن ابن فضّال، عن عمر بن أبان، عن سعيد بن الحسن قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: أ يجي‏ء أحدكم إلى أخيه فيدخل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه؟ فقلت: ما أعرف ذلك فينا، فقال أبو جعفر عليه السّلام: فلا شي‏ء إذا، قلت: فالهلاك إذا، فقال: إنّ القوم لم يعطوا أحلامهم بعد.

14- علي بن إبراهيم، عن الحسين بن الحسن، عن محمّد بن أورمة، رفعه، عن‏

______________________________
قوله (و لا يتجهم بعضكم بعضا) تجهمه و تجهم له استقبله بوجه كريه عبوس.

قوله (فقال أبو جعفر «ع» فلا شي‏ء اذا) أى لا اعتناء به و بدينه، و لعل المراد أن حق الاخوة كما هو غير متحقق فيهم لا أنه منتف عنهم بالمرة و كان السائل حمله على الثانى لانه الموجب للهلاك و العقوبة لا على الاول الموجب لرفع الكمال، و قوله «ع» «ان القوم لم يعطوا أحلامهم» أى عقولهم اشارة الى عدم هلاكهم بذلك لعدم كمال عقولهم اذ التكليف متفاوت باعتبار تفاوت العقول و جعله رمز الى خطاء السائل في ذلك الحمل بعيد.

045
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حق المؤمن على أخیه و أداء حقه ص 37

معلّى بن خنيس قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن حقّ المؤمن، فقال: سبعون حقّا لا اخبرك إلّا بسبعة، فإنّي عليك مشفق أخشى ألّا تحتمل، فقلت: بلى إن شاء اللّه، فقال: لا تشبع و يجوع و لا تكتسي و يعرى، و تكون دليله و قميصه الّذي يلبسه و لسانه الّذي يتكلّم به و تحبّ له ما تحبّ لنفسك و إن كانت لك جارية بعثتها لتمهّد فراشه و تسعى في حوائجه باللّيل و النّهار، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايتنا و ولايتنا بولاية اللّه عزّ و جلّ.

15- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن أبي المغراء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه و لا يخذله و لا يخونه و يحقّ على المسلمين الاجتهاد في التواصل و التعاون على التعاطف و المواساة لأهل الحاجة و تعاطف بعضهم على بعض حتّى تكونوا كما أمركم اللّه عزّ و جلّ: «رحماء بينكم» متراحمين مغتمين لما غاب عنكم من أمرهم على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد

______________________________
قوله (و تكون دليله و قميصه الّذي يلبسه) أى يكون دليله الى منافعه الدنيوية و الاخروية التى أعظمها العلم بأمور الدين و مكارم الاخلاق و محاسن الآداب و تكون قميصه أى بطانته و صاحب سره و أهل معاشرته و خاصته و يمكن أن يعتبر تشبيهه بالقميص في دفع المكاره عنه كما أن القميص يدفع الحر و البرد. و ضمير تسعى فى قوله «و تسعى فى حوائجه بالليل و النهار» راجع الى الجارية فلا يلزم زيادة الحق على السبعة بواحد.

قوله (و التعاقد على التعاطف) التعاقد التعاهد. و التعاطف «با همديگر مهربانى كردن» و فى بعض النسخ «التعاون» بدل التعاقد و هو الموافق لما فى الباب الآتي من رواية أبى المغراء عن أبى عبد اللّه «ع».

(و المواساة لاهل الحاجة) بتسويته باعطاء النصف و قد يراد بها التشريك مطلقا فى النصف أو أقل أو أكثر.

(و تعاطف بعضهم على بعض حتى تكونوا كما أمركم اللّه عز و جل رحماء بينكم) فيه التفات من الغيبة الى الخطاب و ايماء الى أن الآية أمر فى المعنى بتلك الخصال لكونها فى مقام المدح المستلزم للامر بها و الى أن الامر بها غير مختص بالصحابة و ان نزلت الآية فى شأنهم بل يجرى فى الامة الى يوم القيامة، و الظاهر أن متراحمين خبر ثان لتكونوا.

(و مغتمين- الخ) خبر ثالث مع احتمال نصبها على الحال، و الظاهر أن ضمير من أمرهم راجع الى المسلمين و أن المراد بذلك الامر الغائب أى الفائت هو التعاطف و المساواة و التراحم‏

046
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حق المؤمن على أخیه و أداء حقه ص 37

رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله.

16- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: حقّ على المسلم إذا أراد سفرا أن يعلم إخوانه و حقّ على إخوانه إذا قدم أن يأتوه.

«باب التراحم و التعاطف»

1- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن شعيب العقرقوفي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لأصحابه: اتّقوا اللّه و كونوا إخوة بررة، متحابّين في اللّه، متواصلين، متراحمين، تزاوروا و تلاقوا و تذاكروا أمرنا و أحيوه.

2- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن كليب الصيداوي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: تواصلوا و تبارّوا و تراحموا و كونوا إخوة بررة كما أمركم اللّه عزّ و جلّ.

3- عنه، عن محمّد بن سنان، عن عبد اللّه بن يحيى الكاهلي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: تواصلوا و تبارّوا و تراحموا و تعاطفوا

______________________________
و غيرهما من حقوقهم، و قد كانت رعاية ذلك وصف الانصار فانهم كانوا لا يرى منهم مؤمن إلا سلمه و صافحه و عانقه و راعى حقوقه، و أن الاغتمام بفواتها توبة و ندامة توجب التدارك و التلافى فى مستقبل الاوقات و ذكر التعاطف لا يخلو من شائبة التكرار الا أن يراد به هنا ايقاعه و فى الاول العزم به و التأكيد المشعر بالاهتمام به محتمل. و اللّه أعلم.

قوله (سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول لاصحابه اتقوا اللّه و كونوا اخوة بررة) شبه المؤمنين بالاخوة فى الخصال المذكورة على الاطلاق من غير تفاوت بين الغنى و الفقير و القوى و الضعيف و الكبير و الصغير و الشريف و الوضيع و مراعاة هذه الخصال لا تمكن الا ممن امتحن اللّه قلبه للايمان و التقوى و أخلصه من الكبر و الغين و الحقد و نحوها من الاخلاق الذميمة فيؤثر عند ذلك مرضات اللّه تعالى على متابعة الهوى، و التواصل من الوصل و هو ضد القطع و التدابر و كثيرا ما يجعل كناية عن الاحسان الى الاخوة فى الدين و الافضال على الاقربين و التعطف عليهم و الرفق بهم و الرعاية لاحوالهم. و الامر بتذاكر أمرهم عليهم السلام بعد الامر بملاقاة المؤمنين اشارة الى أنه الغرض الاهم منها، و المراد بأمرهم تقدمهم و خلافتهم و فضلهم على جميع الامة أو الاعم منه و من نشر أحاديثهم و علومهم.

047
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب التراحم و التعاطف ص 47

4- عنه، عن عليّ بن الحكم، عن أبي المغراء، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: يحقّ على المسلمين الاجتهاد في التواصل و التعاون على التعاطف و المؤاساة لأهل الحاجة و تعاطف بعضهم على بعض حتّى تكونوا كما أمركم اللّه عز و جلّ: «رُحَماءُ بَيْنَهُمْ» متراحمين، مغتمين لما غاب عنكم من أمرهم على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله.

(باب زيارة الاخوان)

1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن [عليّ‏] ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من زار أخاه للّه لا لغيره التماس موعد اللّه و تنجّز ما عند اللّه و كلّ اللّه به سبعين ألف ملك ينادونه ألا طبت و طابت لك الجنّة.

2- عنه، عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان، عن خيثمة قال: دخلت على أبي جعفر عليه السّلام اودّعه فقال: يا خيثمة أبلغ من ترى من موالينا السّلام و أوصهم بتقوى اللّه العظيم و أن يعود غنيّهم على فقيرهم و قويّهم على ضعيفهم و أن يشهد حيّهم‏

______________________________
قوله (من زار أخاه للّه لا لغيره) كالالفة بسبب حسن الصورة أو الصوت أو الكلام أو بسبب قرب الجوار أو السعى فى الحوائج أو نيل الجاه أو المال أو غير ذلك مما لا يتعلق بأمر دينى فان هذه الامور قد تتحقق فى غير من أحبه اللّه بل فى غير المؤمن فلا تكون سببا للوعد المذكور و انما السبب له أن يكون الزيارة للّه و هى على وجهين الاول أن يزوره من أجل أنه عبد أحبه اللّه كزيارة المتعلم للمعلم للملاحظة حق التعليم و الارشاد. و بالعكس لملاحظة حق التعليم و الاسترشاد و زيارة الصالح و العابد و الزاهد مثلا للصلاح و العبادة و الزهد فان الزيارة لاجل هذه الامور أيضا زيارة للّه لا لغيره.

(وكل اللّه سبعين ألف ملك) الظاهر إرادة هذا العدد و المبالغة فى الكثرة محتملة.

(ينادونه الا طبت و طابت لك الجنة) أى انشرح صدرك بازالة الخبائث و صفت ذاتك من أدناس الذنوب و حلت لك الجنة و لذّ لك نعيمها.

قوله (و أوصهم بتقوى اللّه العظيم و أن يعود غنيهم على فقيرهم) الوصية بالشي‏ء الامر بأن يفعله. و التقوى التحرز من سخط اللّه و المتقى من يجعل بينه و بين اللّه تعالى وقاية تقيه منه و هو ينشأ من مشاهدة عظمته و لذلك وصفه بها. و العود الفضل و الاسم منه العائدة و هى المعروف‏

048
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب زیارة الاخوان ص 48

جنازة ميّتهم و أن يتلاقوا في بيوتهم، فانّ لقيا بعضهم بعضا حياة لأمرنا، رحم اللّه عبدا أحيا أمرنا، يا خيثمة أبلغ موالينا أنّا لا نغني عنهم من اللّه شيئا إلّا بعمل و أنّهم لن ينالوا ولايتنا إلّا بالورع و أنّ أشدّ النّاس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا ثمّ خالفه إلى غيره.

3- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: حدّثني جبرئيل عليه السّلام أنّ اللّه عزّ و جلّ أهبط إلى الأرض ملكا، فأقبل ذلك الملك يمشي حتّى دفع إلى باب عليه رجل يستأذن على ربّ الدار: فقال له الملك: ما حاجتك إلى ربّ هذه الدّار؟

قال: أخ لي مسلم زرته في اللّه تبارك و تعالى، قال: له الملك: ما جاء بك إلّا ذاك؟ فقال ما جاء بي إلّا ذاك. فقال: إنّي رسول اللّه إليك و هو يقرئك السّلام و يقول: وجبت لك الجنّة و قال الملك: إنّ اللّه عز و جلّ يقول: أيّما مسلم زار مسلما فليس إيّاه زار. إيّاي زار و ثوابه عليّ الجنّة.

4- عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عليّ النهدي، عن الحصين، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من زار أخاه في اللّه قال اللّه عزّ و جلّ: إيّاي زرت و ثوابك عليّ‏

______________________________
و الصلة و العطف و المنفعة (و هذا أعود) أى أنفع، و اللقيا بكسر اللام أو ضمها و شد الياء و الاصل على فعول مصدر لقيه كرضيه اذا رآه، و وصف العدل و مخالفته مذموم. و قد ورد الآيات و الرواية على ذمه و هو الاعتقاد بالحق و التكلم بالصواب و التعلم بالدين و ترك العمل به و العمل بخلافه.

قوله (حتى دفع الى باب عليه رجل) قال فى النهاية دفعت الى كذا بالبناء للمفعول انتهيت إليه، و قول الملك له ما حاجتك الى رب هذه الدار دل ظاهرا على أن الثواب الموعود ليس لاهل الحاجة، و قال الغزالى ليس أيضا للزائر من أجل القرابة و لا من أجل مكافاة الاحسان لما رووه عن رسول اللّه «ص» و هو مثل هذه الرواية الا أن الملك قال: أ لك حاجة، قال لا، قال: أ لك قرابة؟ قال لا، قال: لمكافاة احسان أليك؟ قال: لا فبشره بالجنة كما نقل هنا. (فليس اياه زار اياى زار) لما كانت زيارته اياه فى اللّه و طلبا لقربه و رضاه كان هو المطلوب حقيقة بتلك الزيارة و المقصود بالذات من تلك الوصلة فلذلك نسب زيارته الى زيارة ذاته المقدسة للتنبيه على أنه المقصود بالذات من كل وصل و فصل و أنه الغاية لكل طالب و المرجع‏

049
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب زیارة الاخوان ص 48

و لست أرضى لك ثوابا دون الجنّة.

5- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة عن يعقوب بن شعيب قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من زار أخاه في جانب المصر ابتغاء وجه اللّه فهو زوره، و حقّ على اللّه أن يكرم زوره.

6- عنه، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من زار أخاه في بيته قال اللّه عز و جلّ له: أنت ضيفي و زائري، علي قراك و قد أوجبت لك الجنّة بحبّك إيّاه.

7- عنه، عن عليّ بن الحكم، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي غرّة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من زار أخاه في اللّه في مرض أو صحّة، لا يأتيه خداعا و لا استبدالا، و كلّ اللّه به سبعين ألف ملك ينادون في قفاه: أن طبت و طابت لك الجنّة فأنتم زوّار اللّه و أنتم وفد الرحمن حتّى يأتي منزله، فقال له يسير: جعلت فداك و إن كان المكان بعيدا؟ قال: نعم يا يسير و إن كان المكان مسيرة سنة، فإنّ اللّه جواد و الملائكة كثيرة، يشيّعونه حتّى يرجع إلى منزله‏

______________________________
لكل سالك و المراد بزيارة العبد له عرض نفسه عليه و القيام بين يديه و الانابة و الرجوع إليه بقلب خالص و عزم صادق‏ (و لست ارضى لك ثوابا دون الجنة) لعل المراد ان شيئا من خيرات الدنيا و نعمها لا يصلح أن يكون ثوابا لهذا العمل لانقطاعه و انما ثوابه الجنة لدوامها و دوام نعيمها.

قوله (من زار أخاه فى جانب المصر ابتغاء وجه اللّه فهو زوره) ترغيب فى الزيارة و ان كانت المسافة بعيدة، و الزور بالفتح الزائر و هو فى الاصل مصدر وضع موضع الاسم كصوم و نوم بمعنى صائم و نائم و قد يكون الزور جمع الزائر كركب و راكب و حمله هنا على المفرد يمنع حمله على الجمع‏ (و حق على اللّه ان يكرم زوره) الكرم من صفاته و كل صفة له فى غاية الكمال فكرمه فى غاية الكمال و انما المانع من قبل العبد فاذا أزال العبد من نفسه ذلك المانع بتوفيقه رأى من آثار كرمه ما لا عين رأت و لا اذن سمعت و لذلك حذف متعلق الكرم لقصور العبارة عن بيانه.

قوله (لا يأتيه خداعا و لا استبدالا) أى لا يريد مخادعة المزور و لا يطلب بدل زيارته زيارة المزور له، أو الظاهر أن قوله «فان كان المكان بعيدا» جزاؤه محذوف و هو يشيعه هذا العدد

050
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب زیارة الاخوان ص 48

8- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عليّ [بن‏] النهدي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من زار أخاه في اللّه و للّه جاء يوم القيامة يخطر [يخطو خ ل‏] بين قباطى من نور. و لا يمرّ بشي‏ء إلّا أضاء له حتّى يقف بين يدي اللّه عزّ و جلّ فيقول اللّه عزّ و جلّ له: مرحبا، و إذا قال: مرحبا أجزل اللّه عزّ و جلّ له العطيّة.

9- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد و الحسين ابن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبيّ، عن بشير، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ العبد المسلم إذا خرج من بيته زائرا أخاه للّه لا لغيره، التماس وجه اللّه، رغبة فيما عنده، و كلّ اللّه عزّ و جلّ به سبعين ألف ملك ينادونه من خلفه إلى أن يرجع إلى منزله: ألا طبت و طابت لك الجنّة.

10- الحسين بن محمّد [عن أحمد بن محمّد] عن أحمد بن إسحاق، عن بكر بن محمّد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما زار مسلم أخاه المسلم في اللّه و للّه إلّا ناداه اللّه عزّ و جلّ أيّها الزائر طبت و طابت لك الجنّة.

11- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، و عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، جميعا، عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ للّه عزّ و جلّ جنّة لا يدخلها إلّا ثلاثة: رجل حكم على نفسه بالحقّ، و رجل زار أخاه المؤمن في اللّه، و رجل آثر أخاه المؤمن في اللّه.

12- محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن عبد اللّه بن محمّد الجعفي، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ المؤمن ليخرج‏

______________________________
الكثير من الملائكة أو يطلب زيارته.

قوله (من زار اخاه فى اللّه و للّه) الاخ فى اللّه من تمسك بدين الحق و عمل به و اتصف بالطاعة و الصلاح، و للّه اشارة الى أن الكرامة المذكورة تترتب على زيارته اذا كانت طلبا لوجه اللّه و مرضاته لا لامر آخر (يخطو بين قباطى من نور) فى بعض النسخ يخطر بالراء أى يتبختر فى مشيته و يتمايل كمشية المعجب المتكبر، و القباطى جمع القبطية و هى ثوب من ثياب مصر بيضاء و كانها منسوبة الى قبط من أهل مصر شبه بها النور لقصد الايضاح.

051
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب زیارة الاخوان ص 48

إلى أخيه يزوره فيوكّل اللّه عزّ و جلّ به ملكا فيضع جناحا في الأرض و جناحا في السّماء يظلّه، فإذا دخل إلى منزله نادى الجبّار تبارك و تعالى أيّها العبد المعظّم لحقّي المتّبع لآثار نبيّي. حقّ عليّ إعظامك، سلني اعطك، ادعني اجبك، اسكت أبتدئك. فإذا انصرف شيّعه الملك يظلّه بجناحه حتى يدخل [ه‏] إلى منزله، ثمّ يناديه تبارك و تعالى أيها العبد المعظّم لحقّي حقّ عليّ إكرامك قد أوجبت لك جنّتي و شفّعتك في عبادي.

13- صالح بن عقبة، عن عقبة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لزيارة المؤمن في اللّه خير من عتق عشر رقاب مؤمنات، و من أعتق رقبة مؤمنة وقى كلّ عضو عضوا من النّار حتّى أنّ الفرج يقي الفرج.

14- صالح بن عقبة، عن صفوان الجمّال، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أيّما ثلاثة مؤمنين اجتمعوا عند أخ لهم، يأمنون بوائقه و لا يخافون غوائله و يرجون ما عنده. إن دعوا اللّه أجابهم و إن سألوا أعطاهم و إن استزادوا زادهم و إن سكتوا ابتدأهم.

15- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب قال: سمعت أبا حمزة يقول: سمعت العبد الصالح عليه السّلام يقول: من زار أخاه المؤمن للّه لا لغيره، يطلب به ثواب اللّه و تنجّز ما وعد اللّه عزّ و جلّ و كلّ اللّه عزّ و جلّ به سبعين ألف‏

______________________________
قوله (فيضع جناحا فى الارض و جناحا فى السماء) ليحيطه بجناحيه و ليكون و طاء له اذا مشى، و قيل هو كناية عن التعظيم و التواضع له.

قوله (أيما ثلاثة مؤمنين اجتمعوا عند أخ لهم يأمنون بوائقه و لا يخافون غوائله) البوائق جمع الباقية و هى النازلة إلى الداهية و الشر الشديد و باقتهم البائقة تبوقهم بوقا إذا أصابتهم و نزلت بهم. و الغوائل جمع الغائلة و هى الخديعة و الفساد و الشر و الخصلة المهلكة و القيد يفيد أنه ينبغى ترك زيارة من لا يؤمن بوائقه و غوائله بالنسبة الى الزائر و غيره من المؤمنين، و من ثم قيل لا يجوز لاحد زيادة السلطان الجائر و أمراءه الا لضرورة كدفع الضرر عن نفسه أو عن أحد من المسلمين و قد روى «أبغض الخلق الى اللّه عالم زار سلطانا و ان العلماء أمناء ما لم يزوروا سلطانا جائرا فاذا زاروهم خانوا فى الدين و لزم الفرار منهم» و من طريق العامة «ان فى جهنم واديا لا يدخل فيه إلا عالم زار سلطانا جائرا».

052
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب زیارة الاخوان ص 48

ملك من حين يخرج من منزله حتّى يعود إليه ينادونه: ألا طبت و طابت لك الجنّة تبوّأت من الجنّة منزلا.

16- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لقاء الإخوان مغنم جسيم و إن قلّوا.

(باب المصافحة)

1- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن يحيى بن زكريّا، عن أبي عبيدة قال: كنت زميل أبي جعفر عليه السّلام و كنت أبدأ بالرّكوب» ثمّ يركب هو فإذا استوينا سلّم و ساءل مساءلة رجل لا عهد له بصاحبه و صافح، قال: و كان إذا نزل نزل قبلي فإذا استويت أنا و هو على الأرض سلّم و ساءل مساءلة من لا عهد له بصاحبه، فقلت: يا ابن رسول اللّه إنّك لتفعل شيئا ما يفعله أحد من قبلنا و إن فعل مرّة فكثير، فقال: أ ما علمت ما في المصافحة، إنّ المؤمنين‏

______________________________
قوله (قال أمير المؤمنين «ع» لقاء الاخوان مغنم جسيم و ان قلوا) المغنم الغنيمة و هى الفائدة و فيه اشارة الى أن الاخوان فى الدين الذين يقومون بأمر اللّه و يعملون له و هم أخوان الثقة قليلون و لو وجدوا فلا بد من لقائهم و زيارتهم و تعظيمهم و رعاية حقوقهم سرا و جهرا فان فيه منافع جزيلة و فوائد جميلة لا يعلم قدرها الا اللّه عز و جل.

قوله (قال كنت زميل أبى جعفر «ع» و كنت أبدأ بالركوب ثم يركب هو) الزميل كامير: العديل الّذي حمله مع حملك على البعير و قد زاملك عادلك و الزميل أيضا الرديف و الرفيق فى السفر الّذي يعينك على امورك. و لعل تأخره «ع» فى الركوب تواضع منه لصاحبه و اراحة للمركوب بعدم المبادرة الى الركوب و منه يفهم وجه تقدمه فى النزول و قد رغب فى المصافحة بعد فعلها بقوله له أ ما علمت ما فى المصافحة الى آخره و هى أخذ اليد باليد و الاولى الصاق صفح الكف بالكف و الغمز يسيرا و اقبال الوجه بالوجه و الاولى بعد ذلك اشتباك الاصابع فى الاصابع و فضلها كثير و ثوابها جزيل، من ذلك سقوط الذنوب عنهما و نظر اللّه إليهما بعين الرحمة و الشفقة و الاحسان حتى يفترقا و قد يتركها المبتلى بالوسواس تحرزا عن نجاسة أخيه المؤمن التى توهمها و لم يعلم أن المؤمن طاهر مطهر و طيب مبارك و أن ما توهمه خصلة شنيعة توجب ترك السنة و أذى المؤمن و متابعة الشيطان و هذا الجاهل يسميه احتياطا و لا يعلم أن هذا الاحتياط بدعة مخالفة للشريعة.

053
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المصافحة ص 53

يلتقيان، فيصافح أحدهما صاحبه، فلا تزال الذّنوب تتحاتّ عنهما كما يتحاتّ الورق عن الشجر، و اللّه ينظر إليهما حتّى يفترقا.

2- عنه، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أبي خالد القمّاط، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ المؤمنين إذا التقيا و تصافحا أدخل اللّه يده بين أيديهما، فصافح أشدّهما حبّا لصاحبه.

3- ابن فضّال، عن علي بن عقبة، عن أيّوب، عن السميدع، عن مالك بن أعين الجهني، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أدخل اللّه عزّ و جلّ يده بين أيديهما و أقبل بوجهه على أشدّهما حبّا لصاحبه، فإذا أقبل اللّه عزّ و جلّ بوجهه عليهما تحاتت عنهما الذّنوب كما يتحاتّ الورق من الشجر.

4- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم عن أبي عبيدة الحذّاء، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أقبل اللّه عزّ و جلّ عليهما بوجهه و تساقطت عنهما الذّنوب كما يتساقط الورق من الشجر.

5- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن صفوان الجمّال، عن أبي عبيدة الحذّاء قال: زاملت أبا جعفر عليه السّلام في شقّ محمل من المدينة إلى مكّة، فنزل في بعض الطريق، فلمّا قضى حاجته و عاد قال: هات يدك يا أبا عبيدة فناولته يدي فغمزها حتّى وجدت الأذى في أصابعي، ثمّ قال: يا أبا عبيدة ما من مسلم لقى أخاه المسلم فصافحه و شبّك أصابعه في أصابعه إلّا تناثرت عنهما ذنوبهما كما يتناثر الورق من الشجر في اليوم الشاتي.

6- علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن يحيى الحلبيّ، عن مالك الجهني قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: يا مالك أنتم شيعتنا [أ] لا ترى أنّك‏

______________________________
قوله (ادخل اللّه يده بين ايديهما) أى يد وليه الغائب عن الابصار أو اليد مجازا عن الرحمة أو النعمة و الاحسان و تمثيل لقربها من المتصافحين حتى كانهما يتناولانها و الوجه فى الخبر الاخر مستعار للجود.

قوله (قال قال أبو جعفر «ع» يا مالك أنتم شيعتنا ألا ترى أنك تفرط فى أمرنا انه لا يقدر

054
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المصافحة ص 53

تفرّط في أمرنا إنّه لا يقدر على صفة اللّه فكما لا يقدر على صفة اللّه كذلك لا يقدر على صفتنا و كما لا يقدر على صفتنا كذلك لا يقدر على صفة المؤمن، إنّ المؤمن ليلقى المؤمن فيصافحه، فلا يزال اللّه ينظر إليهما و الذّنوب تتحاتّ عن وجوههما كما يتحاتّ الورق من الشّجر، حتّى يفترقا، فكيف يقدر على صفة من هو كذلك.

7- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عمر بن عبد العزيز، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال: زاملت أبا جعفر عليه السّلام فحططنا الرّحل، ثمّ مشى قليلا ثمّ جاء فأخذ بيدي فغمزها غمزة شديدة، فقلت: جعلت فداك أو ما كنت معك في المحمل؟! فقال: أ ما علمت أنّ المؤمن إذا جال جولة ثمّ أخذ بيد أخيه نظر اللّه إليهما بوجهه فلم يزل مقبلا عليهما بوجهه و يقول: للذّنوب تحاتّ عنهما، فتتحاتّ يا أبا حمزة- كما يتحاتّ الورق عن الشجر، فيفترقان و ما عليهما من ذنب.

8- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن حدّ المصافحة، فقال: دور نخلة.

9- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن عمرو بن الأفرق، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: ينبغي للمؤمنين إذا توارى أحدهما عن صاحبه بشجرة ثمّ التقيا أن يتصافحا.

10- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن بعض أصحابه، عن محمّد ابن المثنّى، عن أبيه، عن عثمان بن زيد، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال‏

______________________________
على صفة اللّه) لا ريب فى أن أحدا لا يقدر على أن يصف اللّه تعالى كما هو أهله و ان بالغ و انتقل من وصف الى ما هو أعلى منه فى نظره حتى انتهى الى غاية قدرته منه اذ لا يصل عقل البشر الى كنه صفاته كما لا يصل الى كنه ذاته و انما غاية كمال البشر أن يذعن بأنه موجود عالم قادر مثلا و أما العلم بحقيقة وجوده و علمه و قدرته، فمما لا سبيل له إليه و لا يمكن وقوفه عليه و كذلك لا يمكن ادراك ذات الرسول و الائمة و المؤمنين و صفاتهم و كمالاتهم و فضائلهم لكمال قربهم بالحق و علو مرتبتهم و بعد منزلتهم عن منتهى العقول، ألا ترى انك لا تقدر على أن تصف نفسك فكيف تقدر على أن تصف ذات اللّه و صفاته و نفوس أولياء اللّه و كمالاتهم.

قوله (فحططنا الرحل) الرحل كل شي‏ء يعد للرحيل من وعاء للمتاع و المركب للبعير و حلس و رسن و جمعه أرحل و رحال مثل افلس و سهام.

055
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المصافحة ص 53

رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إذا لقى أحدكم أخاه فليسلّم عليه و ليصافحه، فإنّ اللّه عزّ و جلّ أكرم بذلك الملائكة فاصنعوا صنع الملائكة.

11- عنه، عن محمّد بن علي، عن ابن بقّاح، عن سيف بن عميرة، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إذا التقيتم فتلاقوا بالتسليم و التصافح و إذا تفرّقتم فتفرّقوا بالاستغفار.

12- عنه. عن موسى بن القاسم، عن جده معاوية بن وهب أو غيره، عن رزين، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان المسلمون إذا غزوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و مروا بمكان كثير الشجر ثمّ خرجوا إلى الفضاء نظر بعضهم إلى بعض فتصافحوا.

13- عنه، عن أبيه، عمّن حدّثه، عن زيد بن جهم الهلالي، عن مالك ابن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا صافح الرّجل صاحبه فالّذي يلزم التصافح أعظم أجرا من الّذي يدع، ألا و إنّ الذّنوب لتتحاتّ فيما بينهم حتّى لا يبقى ذنب.

14- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد اللّه بن جبلة، عن إسحاق بن عمّار قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام، فنظر إليّ بوجه قاطب فقلت: ما الّذي غيّرك لي؟ قال: الذي غيّرك لاخوانك، بلغني يا إسحاق أنّك أقعدت ببابك بوّابا، يردّ عنك فقراء الشيعة، فقتل: جعلت فداك إنّي خفت الشهرة، فقال: أ فلا خفت البليّة، أو ما علمت أنّ المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أنزل اللّه عزّ و جلّ الرحمة عليهما فكانت تسعة و تسعين لأشدّهما حبّا لصاحبه، فإذا توافقا غمرتهما الرحمة فإذا قعدا يتحدّثان قال الحفظة بعضها لبعض: اعتزلوا بنا فلعلّ لهما سرا و قد ستر اللّه عليهما، فقلت: أ ليس اللّه عزّ و جلّ يقول: «ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ»؟ فقال: يا إسحاق إن كانت الحفظة لا تسمع فإنّ‏

______________________________
قوله (اذا لقى احدكم أخاه فليسلم عليه و ليصافحه) دل على أنه ينبغى التسليم و التصافح لكل مؤمن عند كل لقاء و ما اشتهر بين العوام من أنهم لا يسلمون الا فى أول مرة لمن هو معروف عندهم حتى أنه لو سلم أحد نادرا مرتين أو على غير المعروف ذموه فهو من سنن الجهلة.

قوله (و اذا تفرقتم فتفرقوا بالاستغفار) بأن تقول غفر اللّه لى و لك أو تقول غفر اللّه لك أو تقول اللهم اغفر للمؤمنين.

056
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المصافحة ص 53

عالم السرّ يسمع و يرى.

15- عنه، عن إسماعيل بن مهران، عن أيمن بن محرز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما صافح رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله رجلا قطّ فنزع يده حتّى يكون هو الّذي ينزع [يده‏] منه.

16- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن ربعي، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سمعته يقول: إنّ اللّه عزّ و جلّ لا يوصف و كيف يوصف و قال في كتابه: «وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ»* فلا يوصف بقدر إلّا كان أعظم من ذلك. و إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله لا يوصف و كيف يوصف عبد احتجب اللّه عزّ و جلّ بسبع و جعل طاعته‏

______________________________
قوله (فقال يا اسحاق ان كانت الحفظة لا تسمع فان عالم السر يسمع و يرى) فعموم الآية بحاله لان اللّه تعالى رقيب.

قوله (ما صافح رسول اللّه «ص» رجلا قط فنزع يده حتى يكون هو الّذي ينزع [يده‏] منه) فيه اخبار بفعل النبي «ص» للحث على الاقتداء به و لا خلاف من الخاصة و العامة فى جواز الاقتداء بفعله و انما اختلفوا فى حكمه هل واجب أو مندوب أو مباح فقال مالك و بعض أصحابه و أكثر الشافعية واجب، و قال بعضهم مندوب و قالت طائفة مباح و الحق أن أفعاله اما جبلية كالقيام و القعود و الاكل و الشرب فهو مباح منا و منه، و أما غيرها فان دل دليل على اختصاصه كوجوب الوتر و التهجد فالاشتراك ينافى الاختصاص و الا فان علمت صفته من وجوب أو ندب او إباحة فالاتباع فيه بحسب ما علم، و ان لم تعلم صفته فالظاهر ثبوت الرجحان المطلق.

قوله (و كيف يوصف عبد احتجب اللّه عز و جل بسبع) لعل المراد أنه لا يمكن ان يوصف عبد اتخذه اللّه عز و جل حجابا فى سبع سماوات و سبع ارضين وجهه إليه يستفيض منه و وجهه الى الممكنات يفيض عليها، أو اتخذه حجابا بسبع صفات الذات لكونه مظهرها و انكشافها له و هى حجب نورانية لو انكشف وصف منها لاضاء بأنوار الهداية كل ملتبس فصار «ص» بانكشافها له حجابا نورانيا مثلها أو أزال عنه الحجاب بسبع سماوات و سبع أرضين على أن تكون الهمزة للسلب فقد ترفع قدره عن المجردات الملكوتية و الملائكة اللاهوتية و تنزه قلبه عن العوائق البشرية و العلائق الناسوتية، و يمكن أن يكون اشارة الى ما وصل إليه من حجب المعراج و هذا الّذي ذكرنا من باب الاحتمال و اللّه أعلم بحقيقة الحال‏ (و فوض إليه) لعل المراد فوض إليه كثيرا من الاحكام و بيان كيفيتها و حدودها كما دل عليه بعض الروايات و

057
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المصافحة ص 53

في الأرض كطاعته فقال: «وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا و من أطاع هذا فقد أطاعني و من عصاه فقد عصاني، و فوّض إليه، و إنّا لا نوصف و كيف يوصف قوم رفع اللّه عنهم الرّجس و هو الشكّ، و المؤمن لا يوصف و إنّ المؤمن ليلقى أخاه فيصافحه فلا يزال اللّه ينظر إليهما و الذّنوب تتحاتّ عن وجوههما كما يتحاتّ الورق عن الشجر.

17- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن النعمان، عن فضيل بن عثمان، عن أبي عبيدة قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: إذا التقى المؤمنان فتصافحا أقبل اللّه بوجهه عليهما و تتحاتّ الذّنوب عن وجوههما حتّى يفترقا.

18- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السّكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: تصافحوا فإنّها تذهب بالسخيمة.

19- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القدّاح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لقى النبيّ صلى اللّه عليه و آله حذيفة، فمدّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله يده فكفّ حذيفة يده، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: يا حذيفة بسطت يدي إليك فكففت يدك عنّي؟ فقال حذيفة: يا رسول اللّه بيدك الرّغبة و لكنّي كنت جنبا فلم احبّ أن تمسّ يدي يدك و أنا جنب، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: أ ما تعلم أنّ المسلمين إذا التقيا فتصافحا تحاتت ذنوبهما كما يتحاتّ ورق الشجر

______________________________
هذا التفويض غير التفويض الّذي ذهب إليه الفرقة المفوضة الغالية و هو أن اللّه تعالى خلق محمدا و عليا و قيل سائر الائمة أيضا و فوض إليهم خلق السموات و الارض و ما بينهما و تقدير الرزق و الآجال و الاحياء و الاماتة، و يتمسكون بظاهر الاخبار و هو عند غيرهم مؤول بالسببية كما فى الحديث القدسى «لولاك لما خلقت الافلاك» لان اللّه تعالى لما خلق الاشياء لاجلهم صحت نسبة الخلق إليهم تجوزا، و اللّه اعلم.

قوله (تصافحوا فانما تذهب بالسخيمة) أى بسخيمة صاحبه المصافح له أو مطلقا و السخيمة الحقد و الضغينة و الموجدة فى النفس.

قوله (أ ما تعلم أن المسلمين اذا التقيا) دل على أن الجنابة لا تمنع المصافحة و ما فعله حذيفة كان فى غاية التعظيم و رعاية الادب ظاهرا.

058
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المصافحة ص 53

20- الحسين بن محمّد، عن محمّد بن إسحاق، عن بكر بن محمّد، عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام إنّ اللّه عزّ و جلّ لا يقدر أحد قدره و كذلك لا يقدر قدر نبيّه و كذلك لا يقدر قدر المؤمن، إنّه ليلقى أخاه فيصافحه فلينظر اللّه إليهما و الذّنوب تتحاتّ عن وجوههما حتّى يفترقا، كما تتحاتّ الرّيح الشديدة الورق عن الشجر.

21- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن رفاعة، قال: سمعته يقول: مصافحة المؤمن أفضل من مصافحة الملائكة.

(باب المعانقة)

1- محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح ابن عقبة، عن عبد اللّه بن محمّد الجعفي، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قالا: أيّما مؤمن خرج إلى أخيه يزوره عارفا بحقّه كتب اللّه له بكلّ خطوة حسنة و محيت عنه سيّئة

______________________________
قوله (مصافحة المؤمن أفضل من مصافحة الملائكة) أى مصافحة المؤمنين أفضل من مصافحة الملكين أو مصافحة المؤمن مع المؤمن أفضل من مصافحته مع الملائكة، و لعل السر فيه أن مصافحة المؤمن متوقفة على مجاهدات نفسانية و الملائكة منزهة عنها.

قوله (أيما مؤمن خرج الى أخيه يزوره عارفا بحقه كتب اللّه له بكل خطوة حسنة و محيت عنه سيئة) قد عرفت حق المؤمن آنفا و المراد بمعرفته معرفته مع أدائه و بالزيارة الزيارة خالصا للّه لا لغرض آخر و بمحو السيئة محوها من باب الاحباط أو التفضل أو من أجل أن الخطوة كما هى سبب لحسنة كذلك سبب لمحو سيئة و المعانقة جعل الرجل يديه على عنق صاحبه و ضمه الى نفسه و فضلها كثير عندنا و عند جماعة من العامة و أبو حنيفة كرهها و مالك رآها بدعة و أنكر سفيان قول مالك و احتج عليه بمعانقته «ص» جعفرا حين قدم من الحبشة فقال مالك هو خاص بجعفر فقال سفيان ما يخص جعفرا يعمنا، فسكت ما لك. قال الابى: سكوته يدل على ظهور حجة سفيان حتى يقوم دليل على التخصيص، و قال القرطبى هذا الخلاف انما هو فى معانقة الكبير و أما معانقة الصغير فلا أعلم خلافا فى جوازها و يدل على ذلك أن النبي «ص» عانق الحسن رضى اللّه عنه. و لعل المراد بقوله «ص» «فاذا انصرف شيعه ملائكة عدد نفسه و خطاه و كلامه» عدد النفس و الخطا و الكلام عند العود مع احتمال تعميمه بالذهاب و العود جميعا.

059
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المعانقة ص 59

و رفعت له درجة و إذا طرق الباب فتحت له أبواب السّماء فإذا التقيا و تصافحا و تعانقا أقبل اللّه عليهما بوجهه، ثمّ باهى بهما و الملائكة، فيقول: انظروا إلى عبدىّ تزاورا و تحابّا فيّ، حقّ عليّ ألّا اعذّبهما بالنّار بعد هذا الموقف، فإذا انصرف شيّعه الملائكة عدد نفسه و خطاه و كلامه، يحفظونه من بلاء الدّنيا و بوائق الآخرة إلى مثل تلك اللّيلة من قابل فإن مات فيما بينهما اعفي من الحساب و إن كان المزور يعرف من حقّ الزّائر ما عرفه الزّائر من حقّ المزور كان له مثل أجره.

2- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إن المؤمنين إذا اعتنقا غمرتهما الرّحمة، فإذا التزما لا يريدان بذلك إلّا وجه اللّه و لا يريدان غرضا من أغراض الدّنيا قيل لهما: مغفورا لكما فاستأنفا، فاذا أقبلا على المساءلة قالت الملائكة بعضها لبعض: تنحّوا عنهما، فإنّ لهما سرّا و قد ستر اللّه عليهما. قال إسحاق: فقلت: جعلت فداك فلا يكتب عليهما لفظهما و قد قال اللّه عزّ و جلّ: «ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ»؟ قال:

فتنفّس أبو عبد اللّه عليه السّلام الصعداء ثمّ بكى حتّى اخضلّت دموعه لحيته و قال: يا إسحاق إنّ اللّه تبارك و تعالى إنّما أمر الملائكة أن تعتزل عن المؤمنين إذا التقيا إجلالا لهما و إنّه و إن كانت الملائكة لا تكتب لفظهما و لا تعرف كلامهما فإنّه يعرفه و يحفظه عليهما عالم السرّ و أخفى.

(باب التقبيل)

1- أبو عليّ الأشعري، عن الحسن بن عليّ الكوفي، عن عبيس بن هشام، عن الحسين بن أحمد المنقري، عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ لكم لنورا تعرفون به في الدّنيا، حتى أنّ أحدكم إذا لقى أخاه قبّله في موضع النّور من جبهته‏

______________________________
قوله (فتنفس أبو عبد اللّه «ع» الصعداء ثم بكى حتى اخضلت دموعه لحيته) الصعداء «ناليدن و نفس كشيدن» و الاخضال «تر كردن» كذا فى كنز اللغة.

قوله (ان لكم لنورا تعرفون به فى الدنيا) هو نور المعرفة و اليقين و الايمان و الاخلاق و الاعمال و العارفون به الملائكة و أهل السماوات أهل الصلاح من بنى نوعه يعرفونه بسيماه و فيه دلالة على أن القبلة على الجبهة، و فى خبر على بن جعفر على انها على الخد و كلاهما جائز و الجمع‏

060
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب التقبیل ص 60

2- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن رفاعة بن موسى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يقبّل رأس أحد و لا يده إلّا [يد] رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أو من اريد به رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله.

3- عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زيد النرسي عن علي بن مزيد صاحب السابري قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فتناولت يده فقبّلتها، فقال:

أما إنّها لا تصلح إلّا لنبيّ أو وصيّ نبيّ.

4- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحجّال، عن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ناولني يدك اقبّلها فأعطانيها، فقلت: جعلت فداك رأسك ففعل فقبّلته، فقلت: جعلت فداك رجلاك، فقال: أقسمت، أقسمت، أقسمت- ثلاثا- و بقي شي‏ء، و بقي شي‏ء، و بقي شي‏ء.

5- محمّد بن يحيى، عن العمركيّ بن عليّ، عن عليّ بن جعفر، عن أبي- الحسن عليه السّلام قال: من قبّل للرّحم ذا قرابة فليس عليه شي‏ء. و قبلة الأخ على‏

______________________________
أحسن. و قال النيشابورى فى عصر الصحابة لا يرى مؤمن مؤمنا الا صافحه و عانقه و قبله. و المصافحة جائزة بالاتفاق، و أما المعانقة و التقبيل فكرههما أبو حنيفة و ان كان التقبيل من اليد.

قوله (أو من اريد به رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله) اريد به الوصى و سيصرح به فى الخبر التالى و يحتمل إرادة الاعم منه و ممن يقرب منه.

قوله (أما انها لا تصلح الا لنبى أو وصى نبى) ظاهره عدم جواز قبلة اليد لغيرهما.

قوله (فقلت جعلت فداك رجلاك: فقال: أقسمت أقسمت أقسمت- ثلاثا- و بقى شي‏ء و بقى شي‏ء و بقى شي‏ء) لعل المعنى أقسمت أن لا أفعل و ليبق شي‏ء مما يجوز ان يقبل و انما منع منه و أتى بالامر فى صورة الخبر تقية من بعض الحاضرين و صرفا لوهمه الى إرادة الانكار، و ذلك لان تقبيل اليد و الرأس كان شايعا عند العرب فلم يكن فيه تقية، و أما تقبيل الرجل فكان مختصا بالسلطان مع احتمال إرادة المنع و الانكار فى نفس الامر و الاشارة الى عدم جواز ذلك كاحتمال أن يكون أقسمت على صيغة الخطاب من القسم بالكسر و هو الحظ و النصيب أن أخذت حظك و نصيبك و ما بعده على الاحتمالين المذكورين، و نقل عن خليل الفضلاء أن معناه أقسمت أنت أن تقبل الاعضاء الثلاثة و قبلت اثنين منها و بقى شي‏ء و هو الرجل فقبلها لتبر بقسمك فقبلها.

061
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب التقبیل ص 60

الخدّ و قبلة الإمام بين عينيه.

6- و عنه، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن سنان، عن أبي الصبّاح مولى آل سام، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ليس القبلة علي الفم إلّا للزّوجة و الولد الصغير.

(باب تذاكر الاخوان)

1- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن فضالة بن أيّوب، عن عليّ بن أبي حمزة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: شيعتنا الرّحماء بينهم، الّذين إذا خلوا ذكروا اللّه [إنّ ذكرنا من ذكر اللّه‏] إنّا إذا ذكرنا ذكر اللّه و إذا ذكر عدوّنا ذكر الشيطان.

2- محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن يزيد بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: تزاوروا فإنّ في زيارتكم إحياء لقلوبكم و ذكرا لأحاديثنا و أحاديثنا تعطف بعضكم على بعض فإن‏

______________________________
لكن ينبغى أن يراد به تقبيل غير اليد و الرجل لما مر.

قوله (شيعتنا الرحماء بينهم الذين اذا خلوا ذكروا اللّه) الرحماء جمع رحيم كالكرماء جمع كريم يعنى ان شيعتنا هم الذين يتراحمون يرحم بعضهم بعضا و الحصر المستفاد من تعريف الخبر باللام للمبالغة و الاشعار بأن من لم يتصف منهم بهذه الصفة كأنه ليس بشيعة و ربما يدل عليه لفظ الشيعة أيضا لانها من المشايعة و هى المتابعة فمتى لم يتحقق معنى المتابعة لهم فى الاعمال و الصفات لم يتحقق بمعنى التشيع حقيقة، و الموصول خبر بعد خبر للاشارة الى وصف آخر لهم و هو ذكر اللّه تعالى بالقلب و اللسان فى حال خلوتهم ثم أشار بقوله «انا اذا ذكرنا ذكر اللّه» الى أن ذكرهم (ع) ذكر اللّه عز و جل حقيقة لان ذكرهم عبارة عن ذكر شرف ذواتهم و صفاتهم و كمالاتهم التى هى أفضل نعمائه تعالى عليهم و نقل أحاديثهم المرغبة فى الرجوع إليه جل شأنه فهو عين ذكره تعالى، أو مجازا باعتبار أن ذكرهم مستلزم لذكره تعالى، أو باعتبار كمال الايصال بينهم و بينه تعالى حتى كان ذكرهم ذكره و يعرف من هذه الوجوه بالمقايسة أن ذكر عدوهم ذكر الشيطان.

قوله (تزاوروا فان فى زيارتكم احياء لقلوبكم و ذكرا لاحاديثنا) لان زيارة المؤمنين بعضهم بعضا لوجه اللّه تعالى يوجب سرور القلب و قربه من الحق و كل ما يوجب ذلك فهو سبب لحياته و فيه ترغيب فى ذكر أحاديثهم و التفاوض فيها عند التلاقى و المراد بها أحاديثهم مطلقا

062
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب تذاکر الاخوان ص 62

أخذتم بها رشدتم و نجوتم، و إن تركتموها ضللتم و هلكتم، فخذوا بها و أنا بنجاتكم زعيم.

3- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الوشّاء، عن منصور بن يونس، عن عباد بن كثير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي مررت بقاصّ يقصّ و هو يقول:

هذا المجلس الّذي لا يشقى به جليس، قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: هيهات هيهات، أخطأت أستاههم الحفرة: إنّ للّه ملائكة سيّاحين سوى الكرام الكاتبين، فإذا مروا بقوم يذكرون محمّدا و آل محمّد قالوا: قفوا فقد أصبتم حاجتكم، فيجلسون فيتفقّهون، معهم فإذا قاموا عادوا مرضاهم و شهدوا جنائزهم و تعاهدوا غائبهم، فذلك المجلس الّذي لا يشقى به جليس‏

______________________________
سواء تعلقت بالاعمال أو الاخلاق و ان كان‏ قوله (و أحاديثنا تعطف بعضكم عن بعض) بأحاديث الاخلاق أنسب. و الزعيم الكفيل.

قوله (قال: قلت لابى عبد اللّه «ع» انى مررت بقاص يقص و هو يقول هذا المجلس الّذي لا يشقى به جليس) القص البيان و الاخبار و القصص بالفتح الاسم و بالكسر جمع قصة و القاص الّذي يأتى بالقصة و يخبر بها و هى تطلق على الوعظ و الخطبة و أحوال الامم السابقة سواء كان لها حقيقة أم لا، و يحتمل إرادة كل واحد من هذه المعانى أما الاخر فظاهر و أما الاولان فالمراد الوعظ المحرك الى اتباع الفرق الضالة و الاقوال و الاعمال الباطلة، و الخطبة المشتملة على أوصاف المنتحلين للخلافة و قوله «هذا» مبتدأ و ما بعده خبر و يحتمل ان يكون «هذا المجلس» مبتدأ و الموصول مع صلته خبرا.

قوله (فقال أبو عبد اللّه «ع» هيهات هيهات أخطأت استاههم الحفرة) الخطأ و الخطاء و الخطأ بفتح الخاء فى الجميع و سكون الطاء أو فتحها مع القصر أو المد ضد الصواب و الاخطاء عند أبى عبيد الذهاب الى خلاف الصواب مع قصد الصواب يقال أخطأ اذا أراد الصواب فصار الى غيره فان أراد غير الصواب و فعله: قيل قصده و تعمده و عند غيره الذهاب الى غير الصواب مطلقا عمدا و غير عمد، و الاستاه بفتح الهمزة و الهاء اخيرا جمع الاست بالكسر و هى حلقة الدبر و العجز أيضا و أصل الاست سته بالتحريك و قد يسكن التاء حذفت الهاء و عوضت منها الهمزة و هذا مثل يضرب لمن بعد عن الحق أو أخطأ فى القول أو جلس مجلسا لا ينبغى له الجلوس فيه، و لا يبعد أن يشبه أفواههم بالاستاه و المواضع الباطلة من الاقوال بالحفرة تقبيحا لحالهم. و تكرير هيهات أى بعد هذا القول عن الصواب للمبالغة فى البعد عن الحق.

063
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب تذاکر الاخوان ص 62

4- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن المستورد النخعي، عمّن رواه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ من الملائكة الّذين في السماء ليطلعون إلى الواحد و الاثنين و الثلاثة و هم يذكرون فضل آل محمّد قال:

فتقول: أ ما ترون إلى هؤلاء في قلّتهم و كثرة عدوّهم يصفون فضل آل محمّد صلى اللّه عليه و آله؟

قال: فتقول الطائفة الاخرى من الملائكة: ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم.

5- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ابن مسكان، عن ميسّر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال لي: أ تخلون و تتحدّثون و تقولون ما شئتم؟ فقلت إي و اللّه إنّا لنخلو و نتحدّث و نقول ما شئنا، فقال: أما و اللّه لوددت أنّي معكم في بعض تلك المواطن، أما و اللّه إنّي لاحبّ ريحكم و أرواحكم، و إنّكم على دين اللّه و ملائكته فأعينوا بورع و اجتهاد.

6- الحسين بن محمّد، و محمّد بن يحيى، جميعا، عن عليّ بن محمّد بن سعد، عن محمّد بن مسلم، عن أحمد بن زكريّا، عن محمّد بن خالد بن ميمون، عن عبد اللّه بن سنان، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما اجتمع ثلاثة من المؤمنين فصاعدا إلّا حضر من الملائكة مثلهم، فإنّ دعوا بخير أمّنوا و إن استعاذوا من شرّ دعوا اللّه ليصرفه عنهم و إن سألوا حاجة تشفّعوا إلى اللّه و سألوه قضاها و ما اجتمع ثلاثة من الجاحدين إلّا حضرهم عشرة أضعافهم من الشياطين، فإنّ تكلّموا تكلّم الشيطان‏

______________________________
قوله (أما و اللّه لوددت انى معكم فى بعض تلك المواطن أما و اللّه انى لاحب ريحكم و أرواحكم) للمؤمن ريح أطيب من المسك الاذفر يشمها المجردون و يدركها العارفون سيما اذا كان فى بعض تلك المواطن التى أفضلها مدارس العلوم الشرعية و مواضع نشر فضائل الائمة الطاهرة المرضية، فانظر أيها الطالب الى كثرة فضلها و رفعة شرفها حتى أنه «ع» تمنى أن يكون جليسك فيها بل هو «ع» و الملائكة المقربون جلساؤك فيها و لو كشف الغطاء لرأيت منزلا شريفا و أمرا غريبا، و لما كان مجرد التحدث و التقول بالحق غير نافع بل النافع هو مع العمل حث «ع» بعده على العمل بقوله «فأعينوا بورع و اجتهاد» فأعينوا بعضكم بعضا أو فأعينونى لانه «ع» زعيم بنجاتهم فطلب منهم الورع عن المنهيات و الاجتهاد فى الطاعات ليكون له الخروج من عهدة الضمان أسهل، و أيضا طلب منهم ذلك لئلا يخجل عند اللّه لانه‏

064
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب تذاکر الاخوان ص 62

بنحو كلامهم و إذا ضحكوا ضحكوا معهم و إذا نالوا من أولياء اللّه نالوا معهم، فمن ابتلى من المؤمنين بهم فاذا خاضوا في ذلك فليقم و لا يكن شرك شيطان و لا جليسه، فانّ غضب اللّه عزّ و جلّ لا يقوم له شي‏ء و لعنته لا يردّها شي‏ء، ثمّ قال صلوات اللّه عليه: فإن لم يستطع فلينكر بقلبه و ليقم، و لو حلب شاة أو فواق ناقة.

7- و بهذا الإسناد، عن محمّد بن سليمان، عن محمّد بن محفوظ، عن أبي المغراء قال: سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: ليس شي‏ء أنكى لإبليس و جنوده من زيارة الاخوان في اللّه بعضهم لبعض، قال: و إنّ المؤمنين يلتقيان فيذكر ان اللّه ثمّ يذكران فضلنا أهل البيت فلا يبقى على وجه إبليس مضغة لحم إلّا تخدّد حتّى أن روحه لتستغيث‏

______________________________
«ع» أمير من اللّه عليهم و فساد الرعية بسوء الأعمال و الطغيان يوجب خجالة الامير عند السلطان.

قوله (فمن ابتلى من المؤمنين بهم فاذا خاضوا فى ذلك) أى دخلوا فيه‏ (فليقم و لا يمكن شرك شيطان و لا جليسه) الشرك اما بفتح الشين و كسر الراء مصدر شركه فى الامر يشركه من باب علم شركا و شركة وزان كلم و كلمة بفتح الاول و كسر الثانى اذا صار له شريكا أو بفتحتين و هو حبالة الصيد و ما ينصب للطير. أو بكسر الاول و سكون الثانى و هو النصيب و الشريك أيضا، و ظاهر هذا الخبر و نحوه و ظاهر قوله تعالى‏ «وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَ يُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَ الْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً» دل على وجوب قيام المؤمن و مفارقته عن أعداء الدين و على لحوق الغضب و اللعنة به مع القعود معهم، بل دل ظاهر الآية على أنه مثلهم فى الفسق و النفاق و الكفر و لا ريب فيه مع اعتقاد جواز ذلك و أما مع عدمه فظاهر بعض الروايات أن العذاب بالهلاك يحيط به أيضا اذا نزل و لكن قد ينجو فى الآخرة بفضل اللّه تعالى، ثم أشار الى حكمه عند عدم قدرته على المفارقة بالكلية للتقية أو غيرها بقوله:

(فان لم يستطع فلينكر بقلبه و ليقم و لو حلب شاة أو فواق ناقة) أى و لو كان قيامه بقدر زمان حلب شاة أو بقدر زمان فواق ناقة و الفواق بفتح الفاء و ضمها الزمان الّذي بين الحلبتين من الناقة لانها تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدر ثم تحلب و كذلك يفعل بالبقرة أيضا.

قوله (ليس شي‏ء انكى لابليس و جنوده) نكى العدو و فيهم من باب رمى نكاية بالكسر قتل و جرح حتى وهنوا، و نكأ القرحة ينكأ مهموزا من باب منع قشرها و هو كناية عن الايلام‏

065
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب تذاکر الاخوان ص 62

من شدّة ما يجد من الألم فتحسّ ملائكة السماء و خزّان الجنان فيلعنونه حتّى لا يبقى ملك مقرّب إلّا لعنه، فيقع خاسئا حسيرا مدحورا.

«باب ادخال السرور على المؤمنين»

1- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من سرّ مؤمنا فقد سرّني و من سرّني فقد سرّ اللّه.

2- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن رجل من أهل الكوفة يكنّى أبا محمّد، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

تبسم الرّجل في وجه أخيه حسنة و صرف القذى عنه حسنة، و ما عبد اللّه بشي‏ء أحبّ إلى اللّه من إدخال السّرور على المؤمن.

3- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن عبد اللّه بن مسكان، عن عبيد اللّه بن الوليد الوصافي قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: إنّ فيما

______________________________
الشديد (فلا يبقى على وجه ابليس مضغة لحم إلا تخدد) المضغة القطعة. و التخدد الهزال و النقص و التشنج و ذلك من شدة غمه و تألمه.

(فيقع خاسئا حسيرا مدحورا) الخاسى‏ء البعيد من الناس أو من نيل المقصود من خسأ الكلب اذا بعد و فى القاموس الخاسى‏ء من الكلاب و الخنازير المبعد لا يترك أن يدنو من الناس. و الحسير اما من حسر البعير و هو حسير من باب ضرب اذا أعيا. أو من حسر على الشي‏ء حسرة و هو حسير من باب علم اذا تلهف و تأسف أو من حسر البصر حسرا و هو حسير من باب نصر اذا كل و انقطع، و المدحور المطرود من الدحر أو الدحور و هو الطرد و الابعاد و الدفع، و فى كنز اللغة حسير (كند شده و مانده شده، و مدحور دور كرده شده).

قوله (قال رسول اللّه «ص» من سر مؤمنا فقد سرنى و من سرنى فقد سر اللّه) سرور المؤمن يتحقق بفعل موجباته مثل أداء دينه أو تكفل مئونته أو ستر عورته أو رفع جوعته أو تنفيس كربته أو قضاء حاجته أو اجابة مسألته و السرور من السر و هو الضم و الجمع لما تشتت و المؤمن اذا مسته فاقة أو عرضته حاجة أو لحقته شدة فاذا سددت فاقته و قضيت حاجته و دفعت شدته فقد جمعت عليه ما تشتت من امره و ضممت ما تفرق من سره ففرح بعد همه و استبشر بعد غمه و يسمى ذلك الفرح سرورا.

066
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ادخال السرور على المؤمنین ص 66

ناجى اللّه عزّ و جلّ به عبده موسى عليه السلام قال: إنّ لي عبادا ابيحهم جنّتي و احكّمهم فيها قال: يا ربّ و من هؤلاء الّذين تبيحهم جنّتك و تحكّمهم فيها؟ قال: من أدخل على مؤمن سرورا، ثمّ قال: إنّ مؤمنا كان في مملكة جبّار فولع به فهرب منه إلى دار الشرك، فنزل برجل من أهل الشرك فأظلّه و أرفقه و أضافه فلمّا حضره الموت أوحى اللّه عزّ و جلّ إليه و عزّتي و جلالي لو كان [لك‏] في جنّتي مسكن لاسكنتك فيها و لكنّها محرمة على من مات بي مشركا و لكن يا نار هيديه و لا تؤذيه و يؤتى برزقه طرفي النهار، قلت: من الجنة؟ قال: من حيث شاء اللّه.

4- عنه، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن عليّ، عن عبد اللّه بن إبراهيم، عن عليّ بن أبي عليّ، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهم قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إنّ أحبّ الأعمال إلى اللّه عزّ و جلّ إدخال السرور على المؤمنين.

5- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: قال: قال: أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى داود عليه السّلام أنّ العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فابيحه جنّتي، فقال داود: يا ربّ و ما تلك الحسنة؟ قال:

يدخل على عبدي المؤمن سرورا و لو بتمرة، قال داود: يا ربّ حقّ لمن عرفك أن‏

______________________________
قوله (ان فيما ناجى اللّه عز و جل به عبده موسى «ع» قال: ان لى عبادا أبيحهم جنتى و أحكمهم فيها) الظاهر أن ابيحهم من الاباحة بالباء الموحدة أى جعلت الجنة مباحة لهم و أذنت لهم فى التبوء حيث يشاءون و قد أخبر اللّه عز و جل عنهم بقوله‏ «وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ». و يحتمل أن يكون من الاتاحة بالتاء المثناة الفوقانية يقال أتاحه اللّه لفلان أى هيأه و قدره و يسره له و المتاح المقدر، و المراد بتحكيمهم فيها جعل الحكم إليهم فيشفعون و يدخلون فيها من شاءوا حيث شاء (فولع به) ولع به كوجل ولعا محركة و ولوعا بالفتح استخف و بحقه ذهب.

(و لكن يا نار هيديه و لا تؤذيه) هيدى أمر من تهيدين تقول هاده الشي‏ء يهيده هيدا و هادا اذا أزعجه و حركه و أفزعه و كربه و أصلحه، و لعل المراد تخويفه لكفره و عدم أذاه بالاحراق لادخاله السرور على المؤمن و يفهم منه ان ادخال السرور يورث أجرا و ان لم يقع لوجه اللّه تعالى.

قوله (و لو بتمرة) ترغيب فى الانفاق و اطعام الجائع و ان كان يسيرا فان اللّه كريم‏

067
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ادخال السرور على المؤمنین ص 66

لا يقطع رجاءه منك.

6- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن خلف ابن حمّاد، عن مفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يرى أحدكم إذا أدخل على مؤمن سرورا أنّه عليه أدخله فقطّ بل و اللّه علينا، بل و اللّه على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله.

7- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سمعته يقول: إنّ أحبّ الأعمال إلى اللّه عزّ و جلّ إدخال السرور على المؤمن:

شبعة مسلم أو قضاء دينه.

8- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن سدير الصيرفي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في حديث طويل: إذا بعث اللّه المؤمن من قبره خرج معه مثال يقدم أمامه، كلّما رأى المؤمن هؤلاء من أهوال يوم القيامة قال له المثال لا تفزع و لا تحزن و أبشر بالسرور و الكرامة من اللّه عزّ و جلّ، حتّى يقف بين يدي اللّه عزّ و جلّ فيحاسبه حسابا يسيرا و يأمر به إلى الجنّة و المثال أمامه فيقول له المؤمن: يرحمك اللّه نعم الخارج خرجت معي من قبري و ما زلت تبشّرني بالسرور و الكرامة من اللّه حتّى رأيت ذلك، فيقول من أنت؟ فيقول:

أنا السرور الّذي كنت أدخلت على أخيك المؤمن في الدّنيا خلقني اللّه عزّ و جلّ منه لا بشّرك‏

______________________________
يجعل الجزاء كثيرا و يعطى للقليل جزيلا.

قوله (اذا بعث اللّه المؤمن من قبره خرج معه مثال يقدم أمامه) قال الشيخ فى الاربعين المثال الصورة. و يقدم على وزن يكرم أى يقويه و يشجعه من الاقدام فى الحرب و هو الشجاعة و عدم الخوف و يجوز أن يقرأ على وزن ينصر و ماضيه قدم كنصر أى يتقدمه كما قال اللّه تعالى‏ «يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ» و لفظ أمامه حينئذ تأكيد.

(نعم الخارج خرجت معى) أى نعم الخارج أنت و خرجت مفسر لنعم الخارج أو بدل عنه أو حال بتقدير قد (فيقول أنا السرور الّذي كنت ادخلت على أخيك المؤمن فى الدنيا) ظاهره أن السرور يصير مثالا فيدل كما صرح به الشيخ على تجسم الاعمال فى النشأة الاخروية

068
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ادخال السرور على المؤمنین ص 66

9- محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن السيّاري، عن محمّد بن جمهور قال:

كان النجاشي و هو رجل من الدّهاقين عاملا على الأهواز و فارس فقال بعض أهل‏

______________________________
«و قد ورد فى بعض الاخبار تجسم الاعتقادات أيضا فالاعمال الصالحة و الاعتقادات الصحيحة تظهر صورا نورانية مستحسنة موجبة لصاحبها كمال السرور و الابتهاج، و الاعمال السيئة و الاعتقادات الباطلة تظهر صورا ظلمانية مستقبحة توجب غاية الحزن و التألم، كما قاله جماعة المفسرين عند قوله تعالى‏ «يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً» و يرشد إليه قوله تعالى‏ «يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» و من جعل التقدير ليروا جزاء أعمالهم و لم يرجع ضمير يره الى العمل فقد أبعد، و انما قلت ظاهره [1] ذلك لانه يحتمل أن يخلق اللّه مثالا لاجل السرور و الحمل فى قوله «أنا السرور» للمبالغة فى السببية و يؤيده بعض روايات هذا الباب كرواية الحكم بن مسكين عن أبى عبد اللّه «ع» و قول أمير المؤمنين «ع» «ما من أحد أودع قلبا سرورا الا و خلق له من ذلك لطفا فاذا نزل نائبة جرى إليه كالماء فى انحداره حتى يطرده عنه» قال بعض المحققين: معناه خلق اللّه تعالى بدل ذلك السرور و عوضه ملكا ذا لطف و يبعث ذلك الملك اللطيف عند كل بلية على عجلة ليخلصه منها.

قوله (كان النجاشى و هو رجل من الدهاقين) النجاشى بفتح النون و كسرها و تشديد الياء و تخفيفها- و هو أفصح- الأب التاسع [2] لاحمد بن على بن أحمد بن العباس صاحب كتاب‏

______________________________
[1] قوله «و انما قلت ظاهره» لما كان تجسم الاعمال فى دار الآخرة مبنيا على أصول حكمية لا يسهل تصورها على كثير من الظاهريين استدرك ما قرره أولا من التحقيق بهذا الكلام للتقريب الى اذهانهم و لا يخفى أن تجسم العمل أيضا بصورة يخلق اللّه تعالى و ليس وجود مادة يخلق فيه الصورة مناقضا لنسبة الخلق إليه تعالى و لا لاطلاق صيغة التحول و الصيرورة، كما أن صيرورة الماء هواء لا يناقض الحكم بكون الهواء مخلوقا للّه تعالى من الماء، و لكن فى مسئلة تجسم العمل لا يعترف أهل الظاهر بصيرورة العمل فى صورة رجل من غير مادة مشتركة تتبدل عليها الصور كالماء و الهواء، و نحن نوافقهم فى عالم واحد لا فى عوامل مختلفة فالعلم يصير فى المنام فى صورة اللبن لكون العلم من عالم و اللبن من عالم آخر من غير أن يكون للعلم مادة بخلاف تبدل صورة جسمانية فى عالم الاجسام الى صورة جسمانية اخرى فى عالم الاجسام أيضا. و قد سبق الكلام فى تجسم الاعمال فى المجلد الاول فى الصفحة 91 و 155. (ش)

[2] قوله «و هو الأب التاسع» و هو صاحب الرسالة المذكورة فى كتب الفقه عن أبى‏

069
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ادخال السرور على المؤمنین ص 66

عمله لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ في ديوان النجاشي عليّ خراجا و هو مؤمن يدين بطاعتك فإن رأيت أن تكتب لي إليه كتابا، قال: فكتب إليه أبو عبد اللّه عليه السّلام «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* سرّ أخاك يسرّك اللّه» قال: فلمّا ورد الكتاب عليه دخل عليه و هو في مجلسه، فلمّا خلا و ناوله الكتاب و قال: هذا كتاب أبي عبد اللّه عليه السّلام فقبّله و وضعه على عينيه و قال له: ما حاجتك؟ قال: خراج عليّ في ديوانك، فقال له: و كم هو؟ قال: عشرة آلاف درهم، فدعا كاتبه و أمره بأدائها عنه ثمّ أخرجه منها و أمر أن يثبتها له لقابل، ثمّ قال له: سررتك؟ فقال: نعم جعلت فداك ثمّ أمر له بمركب و جارية و غلام و أمر له بتخت ثياب في كلّ ذلك يقول له: هل سررتك؟ فيقول: نعم جعلت فداك، فكلّما قال: نعم زاده حتّى فرغ ثمّ قال له: احمل فرش هذا البيت الّذي كنت جالسا فيه حين دفعت إليّ كتاب مولاي الّذي ناولتني فيه و ارفع إليّ حوائجك، قال: ففعل و خرج الرّجل فصار إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام بعد ذلك فحدّثه الرّجل بالحديث على جهته فجعل يسرّ بما فعل، فقال الرجل: يا ابن رسول اللّه كأنّه قد سرّك ما فعل بي؟ فقال: إي و اللّه لقد سرّ اللّه و رسوله.

10- أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن الحسن بن عليّ بن فضّال عن منصور، عن عمّار بن أبي اليقظان، عن أبان بن تغلب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن حقّ المؤمن على المؤمن، قال: فقال: حقّ المؤمن على المؤمن أعظم من ذلك، لو حدّثتكم لكفرتم إنّ المؤمن إذا خرج من قبره، خرج معه مثال من قبره. [1] يقول له: أبشر بالكرامة من اللّه و السّرور، فيقول له: بشّرك اللّه بخير، قال: ثمّ يمضي معه يبشّره بمثل ما قال و إذا مرّ بهول قال: ليس هذا لك و إذا مرّ

______________________________
الرجال، و الدهقان معرب يطلق على رئيس القرية، و على التاجر، و على من له مال و عقار، و داله مكسورة. و فى لغة تضم. و الجمع دهاقين، و دهقن الرجل و تدهقن كثر

______________________________
عبد اللّه «ع». ثم ان الشارح لم يشرح عدة أحاديث بعد هذه الرواية اكتفاء بما سبق فى نظائرها و نحن نذكر جملة منه تذكارا و تأييدا. (ش)

[1] قوله «خرج معه مثال من قبره» المثال صورة أو شاخص يحكى شيئا، و الحكاية مأخوذة فى مفهومه و لما كان السرور فى الدنيا أمرا معنويا غير محسوس و لا مقدر و فى الآخرة أمرا محسوسا يرى مقدرا اطلق عليه المثال اذ يحكى شيئا غيره، و مفاد الحديث‏

070
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ادخال السرور على المؤمنین ص 66

بخير قال: هذا لك فلا يزال معه يؤمنه ممّا يخاف و يبشّره بما يحبّ حتّى يقف معه بين يدي اللّه عزّ و جلّ فإذا أمر به إلى الجنّة قال له المثال: أبشر فإنّ اللّه عزّ و جلّ قد أمر بك إلى الجنّة، قال: فيقول: من أنت رحمك اللّه تبشّرني من حين خرجت من قبري و آنستني في طريقي و خبّرتني عن ربّي؟ قال: فيقول: أنا السرور الّذي كنت تدخله على إخوانك في الدّنيا خلقت منه‏ لابشّرك و أونس وحشتك.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال مثله.

11- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن مالك بن عطيّة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أحبّ الأعمال إلى اللّه السرور الّذي تدخله على المؤمن، تطرد عنه جوعته، أو تكشف عنه كربته.

12- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحكم بن مسكين، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أدخل على مؤمن سرورا خلق اللّه عزّ و جلّ من ذلك السرور خلقا فيلقاه عند موته، فيقول له: أبشر يا وليّ اللّه بكرامة من اللّه و رضوان ثمّ لا يزال معه حتّى يدخله قبره [يلقاه‏] فيقول له مثل ذلك، فإذا بعث يلقاه فيقول له‏

______________________________
ماله. كذا فى المصباح.

______________________________
أنه يراه بعد الخروج من القبر و يأتى فى رواية اخرى أنه يراه قبل ادخاله فى القبر و يونسه أيضا و لا منافاة. (ش)

______________________________
(1) قوله «خلقت منه» قال أولا انا السرور ثم قال خلقت منه و لا منافاة أيضا بينهما اذ يصدق على ما كانت له صورة تبدلت الى صورة اخرى كالماء يصير هواء انه هو باعتبار اشتراك المادة و انه ليس هو بل خلق منه باعتبار تغير الصورة، فالمثال المرئى يصدق عليه انه عين السرور بناء على تجسم الاعمال و انه خلق منه يعنى تغير عنه. (ش).

(2) قوله «من ذلك السرور خلقا» الخلق عبارة اخرى عن المثال فى الرواية السابقة. و قال المجلسى- رحمه اللّه- ان هذا دليل على ان اللّه يخلقه بسبب ادخال السرور لا أن العمل يتجسم. و هو بعيد جدا لان آخر الكلام صريح فى أنه نفس السرور لا خلق مناسب له مخلوق بسببه و الحق أن لا منافاة بين كونه نفس السرور و كونه مخلوقا منه كما قلنا الا أن يتوهم متوهم أن تغير الصور ليس بفعل اللّه تعالى و لا ينسب إليه و ان فعله منحصر فى ايجاد شي‏ء لا من شي‏ء ابتداء و هو غلط فان كل تغير و صيرورة بفعله تعالى كاصل الايجاد و الابداع. (ش).

( 1) قوله« خلقت منه» قال أولا انا السرور ثم قال خلقت منه و لا منافاة أيضا بينهما اذ يصدق على ما كانت له صورة تبدلت الى صورة اخرى كالماء يصير هواء انه هو باعتبار اشتراك المادة و انه ليس هو بل خلق منه باعتبار تغير الصورة، فالمثال المرئى يصدق عليه انه عين السرور بناء على تجسم الاعمال و انه خلق منه يعنى تغير عنه.( ش).

( 2) قوله« من ذلك السرور خلقا» الخلق عبارة اخرى عن المثال فى الرواية السابقة. و قال المجلسى- رحمه اللّه- ان هذا دليل على ان اللّه يخلقه بسبب ادخال السرور لا أن العمل يتجسم. و هو بعيد جدا لان آخر الكلام صريح فى أنه نفس السرور لا خلق مناسب له مخلوق بسببه و الحق أن لا منافاة بين كونه نفس السرور و كونه مخلوقا منه كما قلنا الا أن يتوهم متوهم أن تغير الصور ليس بفعل اللّه تعالى و لا ينسب إليه و ان فعله منحصر فى ايجاد شي‏ء لا من شي‏ء ابتداء و هو غلط فان كل تغير و صيرورة بفعله تعالى كاصل الايجاد و الابداع.( ش).

071
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ادخال السرور على المؤمنین ص 66

مثل ذلك، ثمّ لا يزال معه عند كلّ هول يبشّره و يقول له مثل ذلك، فيقول له: من أنت رحمك اللّه؟ فيقول: أنا السّرور الّذي أدخلته على فلان.

13- الحسين بن محمّد، عن أحمد بن إسحاق، عن سعدان بن مسلم، عن عبد اللّه بن سنان، قال: كان رجل عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فقرأ هذه الآية وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً» قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: فما ثواب من أدخل عليه السرور؟ فقلت: جعلت فداك عشر حسنات، فقال: إي و اللّه و ألف ألف حسنة.

14- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن اورمة، عن عليّ بن يحيى، عن الوليد بن العلاء، عن ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أدخل السّرور على مؤمن فقد أدخله على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و من أدخله على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فقد وصل ذلك إلى اللّه و كذلك من أدخل عليه كربا.

15- عنه، عن إسماعيل بن منصور، عن المفضّل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

أيّما مسلم لقى مسلما فسره سرّه اللّه عزّ و جلّ.

66- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أحبّ الأعمال إلى اللّه عزّ و جلّ إدخال السّرور على المؤمن إشباع جوعته أو تنفيس كربته أو قضاء دينه.

«باب قضاء حاجة المؤمن»

1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن علي، عن بكار بن‏

______________________________
قوله (فما ثواب من أدخل عليه السرور؟ فقلت جعلت فداك عشر حسنات) لعل الغرض من السؤال اعداد المخاطب للحق و الاخبار بما لا يعلم أو استعلام مبلغه من العلم فأجاب بأن له عشر حسنات و كأنه استند بقوله تعالى‏ «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها» فصدقه «ع» بقوله «أى و اللّه» ثم قال: (و ألف ألف حسنة) لان اللّه تعالى يزيد لمن يشاء و لديه مزيد.

قوله (سره اللّه عز و جل) أى بالكرامة التى لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر. قوله (أو تنفيس كربته) أى كشفها و ازالتها و الكرب بالفتح و الكربة بالضم الحزن يأخذ بالنفس و جمع الكربة كرب مثل غرفة و غرف.

072
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب قضاء حاجة المؤمن ص 72

كردم، عن المفضّل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال لي: يا مفضّل اسمع ما أقول لك و اعلم أنّه الحقّ و افعله و أخبر به علية إخوانك، قلت: جعلت فداك و ما علية إخواني؟ قال: الرّاغبون في قضاء حوائج إخوانهم، قال: ثمّ قال: و من قضى لأخيه المؤمن حاجة قضى اللّه عزّ و جلّ له يوم القيامة مائة ألف حاجة من ذلك أوّلها الجنّة و من ذلك أن يدخل قرابته و معارفه و إخوانه الجنّة بعد أن لا يكونوا نصّابا و كان المفضّل إذا سأل الحاجة أخا من إخوانه قال له: أ ما تشتهي أن تكون من عليه الإخوان.

2- عنه، عن محمّد بن زياد قال: حدّثني خالد بن يزيد، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ خلق خلقا من خلقه انتجبهم لقضاء حوائج فقراء شيعتنا ليثيبهم على ذلك الجنّة، فإن استطعت أن تكون منهم فكن، ثمّ قال:

لنا و اللّه ربّ نعبده لا نشرك به شيئا.

3- عنه، عن محمّد بن زياد، عن الحكم بن أيمن، عن صدقة الأحدب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قضاء حاجة المؤمن خير من عتق ألف رقبة و خير من حملان ألف فرس في سبيل اللّه. عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن زياد، مثل الحديثين.

4- عليّ، عن أبيه، عن محمّد بن زياد، عن صندل، عن أبي الصباح الكناني قال:

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لقضاء حاجة امرئ مؤمن أحبّ إلى من عشرين حجّة كلّ حجّة ينفق فيها صاحبها مائة ألف‏

______________________________
قوله (و أخبر به علية اخوانك) علية الناس و عليهم جلتهم.

قوله (لنا و اللّه رب [1]) مبتدأ و خبر و جملة «نعبده» صفة لرب و القسم تأكيد لمضمون الصفة قدم على رب لئلا يفصل بينه و بين صفته و لا تشرك صفة ثانية أو حال عن فاعل نعبده و لعل نفى الشرك كناية عن قضائهم حوائج الفقراء و هو أيضا مراد بالعبادة بقرينة المقام ففيه دلالة على أن كل ما خالف إرادة اللّه تعالى فهو شرك به.

قوله (لقضاء حاجة امرئ مؤمن أحب الى [2] من عشرين حجة كل حجة ينفق‏

______________________________
[1] قوله (لنا و اللّه رب) المفضل راوى الخبر متهم بالغلو عند كثير من أصحاب الرجال و هذا الكلام لجسم مادته عنه. (ش)

[2] قوله «الى» تشديد الياء للمتكلم فاذا كان أحب إليه «ع» كان أحب عند اللّه تعالى‏

073
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب قضاء حاجة المؤمن ص 72

5- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن هارون بن الجهم، عن إسماعيل بن عمّار الصيرفي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك المؤمن رحمة على المؤمن؟ قال: نعم، قلت: و كيف ذاك؟ قال: أيّما مؤمن أتى أخاه في حاجة فإنّما ذلك رحمة من اللّه ساقها إليه و سبّبها له، فإن قضى حاجته، كان قد قبل الرّحمة بقبولها و إن ردّه عن حاجته و هو يقدر على قضائها فإنّما ردّ عن نفسه رحمة من اللّه عزّ و جلّ ساقها إليه و سبّبها له و ذخر اللّه عزّ و جلّ تلك الرّحمة إلى يوم القيامة حتّى يكون المردود عن حاجته هو الحاكم فيها، إن شاء صرفها إلى نفسه و إن شاء صرفها إلى غيره، يا إسماعيل فإذا كان يوم القيامة و هو الحاكم في رحمة من اللّه قد شرعت له فإلى من ترى يصرفها؟ قلت: لا أظنّ يصرفها عن نفسه، قال:

لا تظنّ و لكن استيقن فإنّه لن يردّها عن نفسه. يا إسماعيل من أتاه أخوه في حاجة يقدر على قضائها فلم يقضها له سلّط اللّه عليه شجاعا ينهش إبهامه في قبره إلى يوم القيامة، مغفورا له أو معذّبا

______________________________
فيها صاحبها مائة ألف) أي مائة ألف دينار أو مائة ألف درهم، و لعل المراد انفاقها فى قضاء حوائج نفسه أو أحج بها لا فى قضاء حوائج الرفقاء المؤمنين و غيرهم و الا لزم تفضيل الشي‏ء على نفسه.

قوله (و سببها له) أى جعلها سببا لغفران ذنوبه و رفع درجته و السبب ما يتوصل به الى أمر من الامور. قال بعض الاكابر ان الحاجة اذا عرضت للرجل عندى أبادر الى قضائها خوفا من أن يستغنى عنى.

قوله (سلط اللّه عليه شجاعا ينهش ابهامه فى قبره الى يوم القيامة مغفورا له أو معذبا) شجاع كغراب و كتاب الحية أو الذكر منها أو ضرب منها أو ضرب صغير و قد يوصف بالاقرع و هو المتمعط شعر رأسه لكثرة سمه، و النهس بالسين المهملة و الشين المعجمة أخذ اللحم بمقدم الاسنان و لسعه و نتفه، و فعل الاول من بابى منع و علم و فعل الثانى من باب منع و ظاهر كثير من أرباب اللغة أن المهملة و المعجمة تكونان لكل ذى ناب مثل الكلب و الذئب و الحية و غيرها، و هو منقول عن الاصمعى، و قال بعضهم المعجمة للحية و المهملة للكلب و الذئب و السبع، و قال ثعلب: المهملة تكون بأطراف الاسنان و المعجمة بالاسنان و بالاضراس و هذا عكس‏

______________________________
أيضا و لا ينبغى أن يصير هذا الكلام عذرا للملاحدة المتظاهرين بالاسلام لترك الحج أصلا كما نرى منهم كثيرا و على كل حال فلا يجوز ترك الواجب بعذر فعل المستحب. (ش)

074
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب قضاء حاجة المؤمن ص 72

6- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحكم بن أيمن، عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من طاف بالبيت اسبوعا كتب اللّه عزّ و جلّ له ستّة آلاف حسنة و محى عنه ستّة آلاف سيّئة، و رفع له ستّة آلاف درجة، قال: و زاد فيه إسحاق بن عمّار: و قضى له ستّة آلاف حاجة. قال:
ثمّ قال: و قضاء حاجة المؤمن أفضل من طواف و طواف حتّى عدّ عشرا
__________________________________________________
الثانى بحسب الظاهر، و المراد بالابهام اما ابهام الرجل أو ابهام اليد، و بالشجاع المعنى الحقيقى مع احتمال أن يراد به المعنى المجازى لان كل صفة ذميمة كالشجاع فى النهش بعد فراق الدنيا و صيرورة الابهام ترابا لا يتأبى عن قبول النهش لان تراب الابهام كالابهام فى قبوله «1» و لعل اللّه تعالى يخلق فيه ما يجد به الالم، و اللّه يعلم.
قوله (و رفع له ستة آلاف درجة) يحتمل أن يراد بتلك الدرجات درجات القرب منه تعالى و ان يراد بها درجات الجنة «2» لان فى الجنة درجات بعضها فوق بعض كما قال اللّه تعالى «غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ» قال القرطبى أهل السفل من الجنة ينظرون الى من فوقهم على تفاوت منازلهم كما ينظر من بالارض درارى السماء و عظام نجومها فيقولون هذا فلان و هذا فلان كما يقال هذا المشترى و هذه الزهرة، و يدل على ما ذكره ان النبي «ص» قال «ان أهل الجنة ليتراءون الغرفة كما تراءون الكواكب فى السماء».
__________________________________________________
 (1) قوله «كالابهام فى قبوله» و قال المجلسى رحمه اللّه: يحتمل أن يكون النهش فى الجسم المثالى و هو الظاهر. و ما ذكره الشارح تكلف جدا، اذ جميع ما روى فى عذاب القبر و ثوابه و السؤال فيه و الضغطة نظير النهش. و يجب أن يبين وجه دفع الشبهة عن جميع ذلك من جميع الوجوه و يندفع بكلام المجلسى رحمه اللّه جميع الشبه ان شاء اللّه. و قوله مغفورا له يدل على النهش و لو مع كونه منعما. (ش).
 (2) قوله «و ان يراد بها درجات الجنة») لا فرق بين الاحتمالين فى المعنى لان درجات الجنة بحسب درجات القرب من اللّه تعالى، و أما سر هذا العدد فخفى عنا و هو من علم الآخرة و لا يمكن أن يعد من التخمين و المبالغة كما توهمه بعض لان اختيار عدد خاص من بين الاعداد لبيان الكثرة لا يخلو من نكتة فى كلام المعصوم «ع» و أما تضعيف ثواب قضاء حاجة المؤمن عشر مرات فيحتمل أن يكون الوجه فيه أن العشرة أول مراتب تضعيف لان العشرات بعد الآحاد و المئات بعد العشرات، و اذا ذهب الذهن الى التضعيف فأول ما يسنح له عشر مرات و اما زيادة الآحاد على الآحاد فلا يعد شيئا يعتد به غالبا. (ش).

075
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب قضاء حاجة المؤمن ص 72

7- الحسين بن محمّد، عن أحمد [بن محمّد] بن إسحاق، عن بكر بن محمّد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما قضى مسلم لمسلم حاجة إلّا ناداه اللّه تبارك و تعالى، عليّ ثوابك و لا أرضى لك بدون الجنّة.

8- عنه، عن سعدان بن مسلم، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

قال: من طاف بهذا البيت طوافا واحدا كتب اللّه عزّ و جلّ له ستّة آلاف حسنة و محى عنه ستّة آلاف سيّئة، و رفع له ستّة آلاف درجة حتّى إذا كان عند الملتزم فتح اللّه له سبعة أبواب من أبواب الجنّة، قلت له: جعلت فداك هذا الفضل كلّه في الطواف؟

قال: نعم و أخبرك بأفضل من ذلك، قضاء حاجة المسلم أفضل من طواف و طواف و طواف حتّى بلغ عشرا.

9- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن إبراهيم الخارقي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من مشي في حاجة أخيه المؤمن يطلب بذلك ما عند اللّه حتى تقضى له كتب اللّه عزّ و جلّ له بذلك مثل أجر حجّة و عمرة مبرورتين و صوم شهرين من أشهر الحرم و اعتكافهما في المسجد الحرام، و من مشي فيها بنيّة و لم تقض كتب اللّه له بذلك مثل حجّة مبرورة. فارغبوا في الخير.

10- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن اورمة، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: تنافسوا في المعروف لإخوانكم و كونوا من أهله، فانّ للجنة بابا يقال له: المعروف، لا يدخله إلّا من اصطنع المعروف في الحياة الدّنيا، فانّ العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن فيوكّل اللّه عزّ و جلّ به ملكين: واحدا عن يمينه و آخر عن شماله، يستغفران له ربّه و يدعوان بقضاء حاجته، ثم قال: و اللّه لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أسرّ بقضاء حاجة المؤمن إذا وصلت إليه من صاحب الحاجة

______________________________
قوله (ثم قال و اللّه لرسول اللّه «ص» أسر بقضاء حاجة المؤمن اذا وصلت إليه من صاحب الحاجة) لعل وجه التفضيل أن سرور صاحب الحاجة لقضاء حاجته و سروره «ص» لسرور صاحبها و لقضاء حاجته «ص» لان صاحب الحاجة عياله و لتمسك القاضى بآدابه.

076
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب قضاء حاجة المؤمن ص 72

11- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن خلف بن حمّاد، عن بعض أصحابه، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: و اللّه لأن أحجّ حجّة أحبّ إليّ من أن اعتق رقبة و رقبة [و رقبة] مثلها و مثلها حتّى بلغ عشرا و مثلها و مثلها حتّى بلغ السبعين و لأن أعول أهل بيت من المسلمين أسدّ جوعتهم و أكسو عورتهم فأكفّ وجوههم عن الناس أحبّ إليّ من أن أحجّ حجّة و حجّة [و حجّة] و مثلها و مثلها حتّى بلغ عشر أو مثلها و مثلها حتّى بلغ السبعين.

12- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي عليّ صاحب الشعير عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى موسى عليه السّلام أنّ من عبادي من يتقرّب إليّ بالحسنة فاحكّمه في الجنّة، فقال موسى: يا ربّ و ما تلك الحسنة؟ قال: يمشي مع أخيه المؤمن في قضاء حاجته قضيت أو لم تقض.

13- الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه، عن عليّ بن جعفر قال: سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: من أتاه أخوه المؤمن في حاجة فانّما هي رحمة من اللّه تبارك و تعالى ساقها إليه، فان قبل ذلك فقد وصله بولايتنا و هو موصول بولاية اللّه و إن ردّه عن حاجته و هو يقدر على قضائها سلّط اللّه عليه شجاعا من نار ينهشه في قبره إلى يوم القيامة، مغفورا له أو معذّبا، فان عذره الطالب كان أسوأ حالا.

14- محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن عبد اللّه بن محمّد الجعفي، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ المؤمن لترد عليه الحاجة لأخيه فلا تكون عنده فيهتمّ بها قلبه، و يدخله اللّه تبارك و تعالى بهمّه الجنّة.

«باب السعى فى حاجة المؤمن»

1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن محمّد بن‏

______________________________
قوله (و لان أعول أهل بيت من المسلمين) عالهم يعولهم أى قاتهم و أنفق عليهم و قام بحوائجهم‏ قوله (فان عذره الطالب كان أسوأ حالا) عذرته فيما صنع عذرا من باب ضرب رفعت عنه اللوم فهو معذور أى غير ملوم و الاسم العذر و تضم الدال للاتباع و تسكن.

077
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب السعى فى حاجة المؤمن ص 77

مروان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: مشي الرّجل في حاجة أخيه المؤمن يكتب له عشر حسنات و يمحى عنه عشر سيّئات، و يرفع له عشر درجات، قال: و لا أعلمه إلّا قال:
و يعدل عشر رقاب و أفضل من اعتكاف شهر في المسجد الحرام.
2- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن معمر بن خلّاد قال: سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول إنّ للّه عبادا في الأرض يسعون في حوائج النّاس، هم الآمنون يوم القيامة. و من أدخل على مؤمن سرورا فرح اللّه قلبه يوم القيامة.
3- عنه، عن أحمد، عن عثمان بن عيسى، عن رجل، عن أبي عبيدة الحذّاء قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: من مشى في حاجة أخيه المسلم أظلّه اللّه بخمسة و سبعين ألف ملك و لم يرفع قدما إلّا كتب اللّه له حسنة و حطّ عنه بها سيّئة و يرفع له بها درجة، فاذا فرغ من حاجته كتب اللّه عزّ و جلّ له بها أجر حاج و معتمر
__________________________________________________
قوله (مشى الرجل فى حاجة أخيه المؤمن يكتب له عشر حسنات) الاجر الموعود فى الباب السابق لقضاء الحاجة و فى هذا الباب للسعى إليها سواء قضاها أم لا و الاعتكاف اما واجب بالالتزام أو يؤول الى واجب. و قضاء حاجة المؤمن سنة مؤكدة فقوله و أفضل من اعتكاف شهر دل على أن السنة أفضل من الفرض و هو غير عزيز.
قوله (ان للّه عبادا فى الارض يسعون فى حوائج الناس هم الآمنون يوم القيامة) يمكن أن يكون هذا الاجر مترتبا على السعى كما هو الظاهر أو عليه و على قضاء الحاجة جميعا على احتمال و ان كان للسعى وحده أجر، و الحصر المستفاد من اللام مع تأكيده بضمير الفصل على سبيل المبالغة أو اضافى بالنسبة الى من تركه أو الى بعض الاعمال. و تفريج القلب كشف الغم عنه و ادخال السرور فيه.
قوله (أظله اللّه بخمسة و سبعين ألف «1» ملك) أى يجعلهم طائرين فوق رأسه حتى يظلوه لو كان لهم ظل «2» أو يجعله فى ظلهم أى فى كنفهم و حمايتهم لان الظل يكنى به عن الكنف و الناحية، و يدل ظاهر قوله (فاذا فرغ من حاجته كتب اللّه عز و جل له بها أجر حاج و معتمر) على أن الاجر المذكور قبله للمشى فى قضاء الحاجة و أجر الحاج و المعتمر لقضاء الحاجة
__________________________________________________
 (1) قوله «بخمسة و سبعين ألف» لا نعلم سر هذا العدد فانه من علوم الآخرة كما مر (ش).
 (2) و قوله «لو كان لهم ظل» لا يبعد أن يكون لاجسام عالم الآخرة و ما هو من سنخها كالملائكة ظل لا من جهة الظلمة و الكثافة المانعة من النور اذ ليس هناك ظلمة و كثافة بل من جهة الراحة الحاصلة للمستجير بالظل من الهجير قال اللّه تعالى أُكُلُها دائِمٌ وَ ظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا. (ش).

078
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب السعى فى حاجة المؤمن ص 77

4- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن محمد بن سنان، عن هارون بن خارجة، عن صدقة عن رجل من أهل حلوان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لأن أمشي في حاجة أخ لي مسلم أحبّ إليّ من أن اعتق ألف نسمة و أحمل في سبيل اللّه على ألف فرس مسرّجة ملجمة.

5- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما من مؤمن يمشي لأخيه المؤمن في حاجة إلّا كتب اللّه عزّ و جلّ له بكلّ خطوة حسنة، و حطّ عنه بها سيّئة، و رفع له بها درجة، و زيد بعد ذلك عشر حسنات و شفّع في عشر حاجات.

6- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من سعى في حاجة أخيه المسلم طلب وجه اللّه كتب اللّه عزّ و جلّ له ألف ألف حسنة، يغفر فيها لأقاربه و جيرانه و إخوانه و معارفه و من صنع إليه معروفا في الدّنيا فإذا كان يوم القيامة قيل له: ادخل النار فمن وجدته فيها صنع إليك معروفا في الدّنيا فأخرجه بإذن اللّه عزّ و جلّ إلّا أن يكون ناصبا.

7- عنه، عن أبيه، عن خلف بن حمّاد، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي-

______________________________
و يحتمل أن يكون للمشى أيضا كما سيجي‏ء.

قوله (و زيد بعد ذلك عشر حسنات) أى لكل خطوة أو للجميع و يؤيد الاول قوله تعالى‏ «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها» و الحاجات فى قوله «و شفع فى عشر حاجات» أعم من الحاجات الدنيوية و الاخروية كالسؤال عن التجاوز من الذنوب و الجرائم يقال: شفع يشفع شفاعة فهو شافع و شفيع و المشفع بالكسر من يقبل الشفاعة و بالفتح من تقبل شفاعته.

قوله (كتب اللّه عز و جل له الف الف حسنة) الروايات مختلفة فى الاجر ففى هذه الرواية هذا العدد و فى بعض ما تقدم عشر حسنات و فى بعضه لكل خطوة حسنة و فى بعض ما يأتى حجة و عمرة و اعتكاف شهرين فى المسجد الحرام و فى بعضه خير من اعتكاف شهر، و لعل الاختلاف باعتبار حال الساعى و فضله أو اهتمامه به أو باعتبار حال المحتاج و صلاحه أو شدة احتياجه أو باعتبار أن هذا الاحسان من باب التفضل و اللّه تعالى يزيد لمن يشاء.

079
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب السعى فى حاجة المؤمن ص 77

بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من سعى في حاجة أخيه المسلم فاجتهد فيها فأجرى اللّه على يديه قضاءها كتب اللّه عزّ و جلّ له حجّة و عمرة و اعتكاف شهرين في المسجد الحرام و صيامهما و إن اجتهد فيها و لم يجر اللّه قضاءها على يديه كتب اللّه عزّ و جلّ له حجّة و عمرة.

8- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن جميل ابن درّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كفى بالمرء اعتمادا على أخيه أن ينزل به حاجته.

9- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن صفوان الجمّال قال:

كنت جالسا مع أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ دخل عليه رجل من أهل مكّة يقال له: ميمون فشكا إليه تعذّر الكراء عليه فقال لي: قم فأعن أخاك، فقمت معه فيسّر اللّه كراه، فرجعت إلى مجلسي، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما صنعت في حاجة أخيك؟ فقلت: قضاها اللّه- بأبي أنت و أمّي- فقال: أما إنّك ان تعين أخاك المسلم أحبّ إليّ من طواف اسبوع بالبيت مبتديا ثم قال: إنّ رجلا أتى الحسن بن علي عليهما السّلام فقال: بأبي أنت و أمّي أعنّي على قضاء حاجة، فانتعل و قام معه فمرّ على الحسين صلوات اللّه عليه و

______________________________
قوله (كفى بالمرء اعتمادا على أخيه أن ينزل به حاجته) لا ريب فى أن المحتاج حريص فى قضاء حاجته و أنه يحتال و يتفكر فيه و فى سببه و انه اذا رأى أن للخلق مد خلا فيه يقصد من له كمال اعتماد عليه فيما بينهم، و فيه ترغيب بليغ على قضاء حاجة الرافع لئلا يفسد ظنه و لا يرد عن نفسه تلك الفضيلة و قال أفلاطون: اذا بلغ المستور الى كشف حاله لك فاحذر رده فانه قد اطلعك على سره مع باريه.

قوله (فشكا إليه تعذر الكراء عليه) الكراء بالكسر و المد أجر المستأجر عليه و هو مصدر و فى الاصل من كاريته من باب قاتل، الكرى كالغنى المكارى و هو الّذي يكرى الدواب.

قوله (فقال أما انك ان تعين أخاك المسلم أحب الى من طواف أسبوع بالبيت مبتديا) مبتديا اما حال عن فاعل قال أى قال «ع» ذلك مبتديا قبل أن أسأله عن أجر من قضى حاجة أخيه أو قبل أن يتكلم بكلام آخر و ذلك لشدة الاهتمام به أو عن فاعل تعين أى تعين مبتديا قبل السؤال أو عن الطواف فيدل على أن الطواف الاول أفضل و ان قضاء الحاجة أفضل منه أو تميز عن‏

080
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب السعى فى حاجة المؤمن ص 77

هو قائم يصلّي فقال له: أين كنت عن أبي عبد اللّه عليه السّلام تستعينه على حاجتك، قال:
قد فعلت- بأبي أنت و أمّي- فذكر أنّه معتكف، فقال له: أما إنّه لو أعانك كان خيرا له من اعتكافه شهرا
__________________________________________________
نسبة أحب الى الاعانة أى الاعانة أحب من حيث الابتداء يعنى قبل الشروع فى الطواف لا بعده، و اعلم أن ظاهر الاخبار المعتبرة دل على جواز القطع بل على رجحانه مطلقا و البناء من موضع القطع [1] فرضا كان أو نفلا، جاوز النصف أولا، و التفصيل حسن و هو رجحان القطع و البناء مطلقا فى النفل و رجحان البقاء على الطواف مع جواز القطع و البناء ان جاوز النصف فى الفرض لما رواه الشيخ عن احدهما عليهما السلام أن الرجل يقطع الطواف لحاجته أو حاجة غيره فان كان نافلة بنى على الشوط و الشوطين و ان كان طواف فريضة لم يبن الظاهر أنه لم يبن على ما ذكر و ما رواه الشيخ فى الصحيح عن صفوان، عن يحيى الازرق، و الظاهر أنه يحيى بن عبد الرحمن الازرق الثقة قال: «سألت أبا الحسن «ع» عن الرجل يسعى بين الصفا و المروة فيسعى ثلاثة أشواط أو أربعة أشواط فيلقاه الصديق فيدعوه الى الحاجة او الى الطعام؟ قال ان أجابه فلا بأس و لكن يقضى حق اللّه أحب الى من أن يقضى حاجة صاحبه» و التعليل يفيد تعدية الحكم الى الطواف بل هو فيه أولى.
قوله (أما انه لو أعانك كان خيرا له من اعتكافه شهرا) هذا من المواضع التى جوز العلماء خروج المعتكف فيها عن معتكفه الا أنه لا يجلس عند الخروج و لا يمشى تحت الظل اختيارا على المشهور و لا يجلس تحته على قول، و لا ريب فى أن قضاء حاجة المؤمن من المرغبات الكفائية و قد ظهر للحسين أن أخاه الحسن عليهما السلام يسعى فيه فآثره لاخيه تكريما و تعظيما له [2].
__________________________________________________
 [1] قوله «و البناء من موضع القطع» دلالة الروايات المعتبرة على البناء من موضع القطع فى الفريضة ممنوعة نعم لا ريب فى جواز القطع و رجحانه لقضاء حاجة المؤمن و لا ينافى ذلك وجوب الاستيناف كما صرح به فى رواية أبان بن تغلب «عن الصادق «ع» فى رجل طاف شوطا أو شوطين ثم خرج مع رجل فى حاجة قال ان كان طواف نافلة بنى عليه و ان كان طواف فريضة لم يبن»- انتهى- فالحكم فى قطع الفريضة لحاجة المؤمن كالحكم فيه لغيرها، يبنى على ما فعل بعد كمال الاربعة و يستأنف قبلها و ان لم يكن فيه رواية صريحة لكن لا خلاف فيه بين علمائنا و لو لم يكن فتاويهم لقلنا بوجوب الاستيناف مطلقا و لو مع رجحان القطع لقضاء حاجة المؤمن كقطع الصلاة لما يجوز له قطعها. (ش)
 [2] قوله «تكريما و تعظيما له» لا يدفع كلام الشارح الاستبعاد عن مضمون الحديث‏

081
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب السعى فى حاجة المؤمن ص 77

10- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن عليّ، عن أبي جميلة، عن ابن سنان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: قال اللّه عزّ و جلّ: الخلق عيالي، فأحبّهم إليّ ألطفهم بهم و أسعاهم في حوائجهم.
11- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن بعض أصحابه عن أبي عمارة قال: كان حمّاد بن أبي حنيفة إذا لقيني قال: كرّر علي حديثك، فاحدّثه، قلت: روّينا أنّ عابد بني إسرائيل كان إذا بلغ الغاية في العبادة صار مشّاء في حوائج النّاس عانيا بما يصلحهم.
 (باب تفريج كرب المؤمن)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن زيد الشحّام قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من أغاث أخاه المؤمن اللّهفان اللّهثان عند جهده فنفّس كربته و أعانه على نجاح حاجته كتب اللّه عزّ و جلّ‏
__________________________________________________
قوله (قال اللّه عز و جل الخلق عيالى فأحبهم الى ألطفهم بهم و أسعاهم فى حوائجهم) كما أن أحب الخلق الى الرجل ألطفهم بعياله و أسعاهم فى قضاء حوائجهم فى حضوره و غيبته و هو يكافيه يوما ما خصوصا اذا كان كريما ذا ثروة و استعار لفظ العيال للخلق بالنسبة إليه عز و جل و وجه المشابهة كما ذكرنا سابقا أن عيال الرجل من جمعهم ليقيتهم و يصلح حالهم كذلك الخلق انما خلقهم اللّه تعالى و جمعهم تحت عنايته ليصلح أحوالهم فى معاشهم و معادهم و التدبير فى أقواتهم و أرزاقهم.
قوله (أن عابد بنى اسرائيل كان اذا بلغ الغاية فى العبادة صار مشاء فى حوائج الناس) و ذلك لانه لا يصل الى هذا المطلب العظيم الا من تنزهت نفسه بالعبادات و الرياضات عن الصفات الرذيلة فانه حينئذ يعرف قدر قضاء الحوائج و فضله و أنه أفضل العبادات و يتمكن من حمل نفسه عليه و الاشتغال به. و قوله «عانيا بما يصلحهم» من العناية أى الإرادة و الاهتمام.
قوله (من أغاث أخاه المؤمن اللهفان اللهثان عند جهده) الاغاثة النصرة و الاعانة و اللهفان المكروب يقال لهف من باب منع لهفا فهو لهفان و لهف فهو ملهوف و اللهثان و العطشان يقال لهث الكلب من باب منع أيضا لهثا فهو لهثان اذا أخرج لسانه من شدة العطش‏
__________________________________________________
لان قوله «ع» «اما انه لو أعانك كان خيرا له من اعتكافه شهرا» لو كان قوله حقيقة و لم يحرفه الراوى كان عتابا و تخطئة لا يناسب شأن الائمة عليهم السلام، فالاولى حمله على وهم الراوى و تصرفه خصوصا مع جهالته. (ش)

082
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب تفریج کرب المؤمن ص 82

له بذلك ثنتين و سبعين رحمة من اللّه، يعجّل له منها واحدة يصلح بها أمر معيشته و يدّخر له إحدى و سبعين رحمة لأفزاع يوم القيامة و أهواله.
2- علي بن إبراهيم، عن [أبيه، عن‏] النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من أعان مؤمنا نفّس اللّه عزّ و جلّ عنه ثلاثا و سبعين كربة واحدة في الدّنيا و ثنتين و سبعين كربة عند كربته العظمى، قال: حيث يتشاغل النّاس بأنفسهم.
3- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حسين بن نعيم، عن مسمع أبي سيّار، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من نفّس عن مؤمن كربة نفّس اللّه عنه كرب الآخرة و خرج من قبره و هو ثلج الفؤاد، و من أطعمه من جوع أطعمه اللّه من ثمار الجنّة، و من سقاه شربة سقاه اللّه من الرّحيق المختوم.
4- الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن الرّضا عليه السّلام قال: من فرّج عن مؤمن فرج اللّه قلبه يوم القيامة.
5- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن ذريح المحاربي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام أيّما مؤمن نفّس عن مؤمن كربة و هو معسر يسّر اللّه له حوائجه في الدّنيا و الآخرة، قال: و من ستر على مؤمن عورة يخافها ستر اللّه عليه سبعين عورة من عورات الدّنيا و الآخرة،
__________________________________________________
و الحر. و الجهد بالفتح و الضم المشقة، و قيل بالضم الطاقة و بالفتح المشقة و الكربة و الشدة و المشقة للنفس عند طريان الحاجة و نحوها و التنفيس أعم من ازالة كلها أو بعضها و الثواب الموعود حاصل فى كليهما و فى أحاديث هذا الباب و الابواب السابقة دلالة واضحة على ان من سعى فى حاجة المؤمن حتى قضاها كان له من الاجر لتنفيس كربته ما ذكر فى هذا الباب و للسعى فى حاجته ما ذكر فى باب قبله و لقضاء حاجته و ادخال السرور عليه ما ذكر فى بابيهما.
قوله (واحدة فى الدنيا) يحتمل أن يراد بالوحدة الشخصية و النوعية فتشمل كرب الدنيا كلها. قوله (و هو ثلج الفؤاد) ثلجت نفسى كنصر ثلوجا و ثلجا اطمأنت إليه و سكنت و وثقت به، و الرحيق الخمر أطيبها أو أفضلها أو الخالص أو الصافى و المراد به خمر الجنة و المختوم المصون الّذي لم يتبدل لاجل ختامه.

083
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب تفریج کرب المؤمن ص 82

قال: و اللّه في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه، فانتفعوا بالعظة و ارغبوا في الخير.
 (باب اطعام المؤمن)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبي يحيى الواسطي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أشبع مؤمنا وجبت له الجنّة و من أشبع كافرا كان حقّا على اللّه أن يملأ جوفه من الزّقوم، مؤمنا كان أو كافرا
__________________________________________________
قوله (و من ستر على مؤمن عورة) من طرق العامة «من ستر مسلما ستره اللّه فى الدنيا و الآخرة» و ليس من لوازم ذلك عدم التعبير بل يعير و يستر فمن وجد مؤمنا يشتغل بحرام يمنعه عنه و لا يذيع ذلك و يمكن تخصيص العورة بالعيوب و الزلات التى لا توجب هتك الشريعة و الا فالامر بالمعروف و النهى عن المنكر واجب و سيجي‏ء فى باب التعيير زيادة توضيح لمثل هذا ان شاء اللّه تعالى. قوله (من أشبع مؤمنا وجبت له الجنة) و هو مع كونه سببا لحياة المؤمن و سد مجاعته و موجبا للتودد و التآلف المطلوبين فى نظام الاسلام و المسلمين من آداب الصالحين و خلق النبيين و لكن ينبغى أن لا يكون معه تكلف و تصنع ممن شقت عليه الزيادة على القدرة المعتادة كما دلت عليه الروايات، و لا فرق فى ذلك بين البادى و الحاضر خلافا لبعض العامة فانه يخص ذلك باطعام أهل البادى لان فى الحضر مرتفقا و سوقا و لا يخفى ضعفه. و لما أشار الى منافع اطعام المؤمن أشار الى مضار اطعام الكافر بقوله (و من أشبع كافرا كان حقا على اللّه أن يملأ جوفه من الزقوم مؤمنا كان أو كافرا) الزقوم شجرة تخرج فى أصل الجحيم، طلعها كأنه رءوس الشياطين، منبتها قعر جهنم و أغصانها ترتفع فى دركاتها و لها ثمرة فى غاية القبح، و ظاهره عدم جواز اطعام الكافر مطلقا حربيا كان أو ذميا. قريبا كان أو بعيدا، غنيا كان أو فقيرا مشرفا بالموت أولا، لكن عموم بعض الاخبار مثل «أفضل الصدقة ابراد كبد حرى» و صريح خبر مصادف عن أبى عبد اللّه «ع» فى سقيه نصرانيا غلبه العطش «1» و اطعام الاسير الكافر، و أخبار بر الوالدين و صلة الارحام مطلقا و ان كانوا كافرين، و جواز الوقف على الذمى يدل على‏
__________________________________________________
 (1) قوله «نصرانيا غلبه العطش» يكفى فى ذلك قوله تعالى لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ و كذلك سورة هل أتى و عمل أهل بيت رسول اللّه صلوات اللّه عليهم فى اطعامهم لوجه اللّه مسكينا و يتيما و أسيرا لان أسير المسلمين كان كافرا لا محالة. (ش).

084
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب اطعام المؤمن ص 84

2- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لأن اطعم رجلا من المسلمين أحبّ إليّ من أن اطعم افقا من النّاس، قلت: و ما الافق؟ قال: مائة ألف أو يزيدون.
3- عنه، عن أحمد، عن صفوان بن يحيى، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من أطعم ثلاثة نفر من المسلمين أطعمه اللّه من ثلاث جنان في ملكوت السّماوات الفردوس و جنّة عدن و طوبى [و] شجرة تخرج في جنّة عدن، غرسها ربّنا بيده‏
__________________________________________________
جواز اطعام الكافر فى الجملة سيما اذا كان ذميا خصوصا اذا كان ذا رحم. و ما يتخيل من أن اطعامهم اعانة لهم على المعصية لانه موجب لقوتهم المقتضية لطغيانهم فيها يمكن دفعه بمثل ما ذكره الشهيد الثانى فى الوقف من أن الغرض من اطعامهم ليس هو معصيتهم و طغيانهم فيها بل من حيث الحاجة و أنهم عباد اللّه و من جملة بنى آدم و من جهة أنه يمكن أن يتولد منهم المسلمون، نعم اطعامهم بقصد الاعانة على المعصية أو لمحبتهم أو لكفرهم لا يجوز قطعا، و يمكن حمل هذا الخبر عليه و اللّه يعلم.
قوله (لان أطعم رجلا من المسلمين أحب الى من أن اطعم افقا من الناس) الطعام عام فى كل ما يقتات به من الحنطة و الشعير و الارز و التمر و الزبيب و اللبن و نحوها و لعل المراد بالرجل من المسلمين المؤمن و بالافق من الناس المخالفون و فيه دلالة على جواز اطعامهم، و الافق بضمتين اسم جمع و ليس منحصرا فى عدد معين و لهذا فسره «ع» هنا بمائة ألف أو يزيدون و فسره أبوه «ع» فى خبر عبيد اللّه الوصافى عنه بعشرة آلاف.
قوله (من أطعم ثلاثة نفر من المسلمين أطعمه اللّه من ثلاث جنان فى ملكوت السماوات الفردوس و جنة عدن و طوبى و شجرة تخرج فى جنة عدن غرسها ربنا بيده) فى ملكوت السماوات صفة لجنان أو متعلق بأطعمه، و الملكوت فعلوت من الملك بالكسر و خص بملك اللّه تعالى و قد يطلق على المجردات و الاضافة على الاول بيانية و على الثانى بتقدير فى. و الفردوس البستان الّذي فيه الكرم و الاشجار و ضروب من النبت، قال الفراء: هو عربى و اشتقاقه من الفردسة و هى السعة، و قيل منقول الى العربية و أصله رومى. و قيل سريانية، ثم سمى به جنة الفردوس، و العدن الاقامة يقال عدن بالمكان يعدن عدنا و عدونا من بابى ضرب و قعد اذ أقام فيه و لزم و لم يبرح، و منه جنة عدن أى جنة اقامة، و طوبى اسم للجنة مؤنث أطيب من الطيب و أصلها طيبى ضمت الطاء و ابدلت الياء بالواو، و قد تطلق على الخير و على شجرة فى الجنة.
و شجرة عطف على ثلاث جنان و اشارة الى نعمة اخرى بعد ثلاثة، و اليد بمعنى القدرة مجازا، و

085
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب اطعام المؤمن ص 84

4- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما من رجل يدخل بيته مؤمنين فيطعمهما شبعهما إلّا كان أفضل من عتق نسمة.
5- عنه، عن أبيه، عن حماد، عن إبراهيم. عن أبي حمزة، عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال: من أطعم مؤمنا من جوع أطعمه اللّه من ثمار الجنّة، و من سقى مؤمنا من ظمأ سقاه اللّه من الرّحيق المختوم.
6- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أطعم مؤمنا حتّى يشبعه لم يدر أحد من خلق اللّه ما له من الأجر في الآخرة، لا ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل إلّا اللّه ربّ العالمين، ثمّ قال: من موجبات المغفرة إطعام المسلم السغبان‏
__________________________________________________
الغرس ترشيح و القول بأن كل شي‏ء بقدرته فلا وجه لذكرها لا وجه له لان التأكيد و البيان شايع و أيضا لذكرها وجه وجيه و هو التنبيه على أن غرسها ليس كغرس أشجار جنات الدنيا عن وسائط و استعمال آلات بل بمجرد ايجادها بقوله «كُنْ» و يحتمل أن يكون الكلام من باب التمثيل تشبيها لفعل الغائب بالحاضر لقصد الايضاح.
قوله (الا كان أفضل من عتق نسمة) كمية الزيادة غير معلومة لنا، و النسمة محركة نفس الريح، ثم سمى بها الانسان و المملوك ذكرا أو اثنى. و لعل السر فى كون اطعامهما أفضل أن اطعامهما احياؤهما و ليس عتق نسمة من باب الاحياء فالفضل بينهما ظاهر. قوله (من أطعم مؤمنا حتى يشبعه لم يدر أحد من خلق اللّه ما له من الاجر) لعل المراد بهذا المؤمن من بلغ جوعه حدا يوجب هلاكه فان اطعامه حينئذ احياء لنفسه و قد قال اللّه تعالى «وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً» و حينئذ فلا بعد فى ترتب هذا الاجر العظيم عليه و التعميم ممكن و عدم علم الملك و الرسل بما له من الاجر اما لعظمة الاجر او لان تعيين قدره انما هو فى علم اللّه تعالى و لم يظهره عليهم، و الاول أظهر لان المقصود من الحديث افادة عظمته.
قوله (اطعام المسلم السغبان) سغب سغبا و سغبانا بالتسكين و التحريك و سغابة بالفتح و سغوبا بالضم و مسبغة من بابى فرح و نصر جاع فهو ساغب و سغبان أى جائع، و قيل:
لا يكون السغب الا أن يكون الجوع مع تعب، و أشار بالآية الشريفة الى أن الاطعام من المنجيات التى رغب اللّه تعالى فيها و المسغبة و المقربة و المتربة مصادر على وزن مفعلة من سغب اذا

086
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب اطعام المؤمن ص 84

ثمّ تلا قول اللّه عزّ و جلّ: أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ. يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ. أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ.
7- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من سقى مؤمنا شربة من ماء حيث يقدر على الماء أعطاه اللّه بكلّ شربة سبعين ألف حسنة و إن سقاه من حيث لا يقدر على الماء فكأنّما أعتق عشر رقاب من ولد إسماعيل.
8- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن حسين بن نعيم الصحاف قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أ تحبّ إخوانك يا حسين؟ قلت:
نعم، قال: تنفع فقراءهم؟ قلت: نعم، قال: أما إنّه يحقّ عليك أن تحبّ من يحبّ اللّه، أما و اللّه لا تنفع منهم أحدا حتّى تحبّه، أ تدعوهم إلى منزلك؟ قلت: نعم ما آكل إلّا و معي منهم الرّجلان و الثلاثة و الأقلّ و الأكثر، فقال: أبو عبد اللّه عليه السّلام:
أما إنّ فضلهم عليك أعظم من فضلك عليهم، فقلت: جعلت فداك اطعمهم طعامي و أوطئهم رحلي، و يكون فضلهم علي أعظم؟ قال: نعم إنّهم إذا دخلوا منزلك دخلوا بمغفرتك و مغفرة عيالك و إذا خرجوا من منزلك خرجوا بذنوبك و ذنوب عيالك.
9- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي محمّد الوابشي قال:
ذكر أصحابنا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت: ما أتغدّي و لا أتعشّي إلّا و معي منهم الاثنان و الثلاثة و أقلّ و أكثر، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: فضلهم عليك أعظم من فضلك عليهم، فقلت: جعلت فداك كيف و أنا اطعمهم طعامي و انفق عليهم من مالي و أخدمهم عيالي؟! فقال: إنّهم إذا دخلوا عليك دخلوا برزق من اللّه عزّ و جلّ كثير و إذا خرجوا
__________________________________________________
جاع و قرب فى النسب و ترب اذا افتقر و التصق بالتراب. و وصف اليوم بذى مسغبة مجاز باعتبار صاحبه مثل نهاره صائم.
قوله (أعطاه اللّه بكل شربة سبعين ألف حسنة) الظاهر أنه اذا شرب ثلاث مرات كما هو مندوب يستحق الساقى ذلك الاجر ثلاث مرات لصدق الشربة على كل واحدة منها.
قوله (اما و اللّه لا تنفع منهم أحدا حتى تحبه) دل ظاهرا على أن النفع تابع للمحبة أو مستلزم لها و منه يعلم وجه ما سبق من أن من أشبع كافرا كان حقا على اللّه أن يملأ جوفه‏

087
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب اطعام المؤمن ص 84

خرجوا بالمغفرة لك.
10- عنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن مقرن، عن عبيد اللّه الوصّافي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لأن اطعم رجلا مسلما أحبّ إليّ من أن اعتق افقا من الناس، قلت: و كم الافق؟ فقال: عشرة آلاف.
11- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعيّ قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من أطعم أخاه في اللّه كان له من الأجر مثل من أطعم فئاما من الناس، قلت: و ما الفئام [من الناس‏]؟ قال: مائة ألف من النّاس.
12- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن سدير الصيرفي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما منعك أن تعتق كلّ يوم نسمة؟ قلت:
لا يحتمل مالي ذلك، قال: تطعم كلّ يوم مسلما، فقلت: موسرا أو معسرا؟ قال:
فقال: إنّ الموسر قد يشتهي الطعام.
13- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن صفوان الجمّال، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اكلة يأكلها أخي المسلم عندي أحبّ إلى من أن اعتق رقبة.
14- عنه، عن إسماعيل بن مهران، عن صفوان الجمّال، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لأن اشبع رجلا من إخواني أحبّ إليّ من أن أدخل سوقكم هذا فأبتاع منها رأسا فاعتقه.
15- عنه، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لأن آخذ خمسة دراهم [و] أدخل إلى سوقكم هذا فأبتاع بها الطعام و أجمع نفرا من المسلمين أحبّ إليّ من أن اعتق نسمة
__________________________________________________
من الزقوم. قوله (اذا دخلوا عليك دخلوا برزق من اللّه عز و جل كثير) وصف الرزق بالكثير لدفع توهم تخصيصه بقدر ما أكلوا فيدل على أن الانفاق موجب لزيادة الرزق كما يدل عليه روايات كثيرة.
قوله (قال أكلة يأكلها أخى المسلم عندى أحب الى من أن اعتق رقبة) الاكلة بالفتح المرة و بالضم اللقمة و القرصة و إرادة اللقمة أنسب بما مر من أن اطعام المسلم أحب الى من أن أعتق افقا من الناس و لا اختلاف لما ذكرناه آنفا.

088
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب اطعام المؤمن ص 84

16- عنه، عن الوشّاء، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل محمّد بن علي صلوات اللّه عليهما ما يعدل عتق رقبة؟ قال: إطعام رجل مسلم.
17- محمّد بن يحيى. عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن أبي شبل قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما أرى شيئا يعدل زيارة المؤمن إلّا إطعامه و حقّ على اللّه أن يطعم من أطعم مؤمنا من طعام الجنّة.
18- محمّد، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لأن اطعم مؤمنا محتاجا أحبّ إليّ من أن أزوره و لأن أزوره أحبّ إليّ من أن اعتق عشر رقاب.
19- صالح بن عقبة، عن عبد اللّه بن محمّد و يزيد بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أطعم مؤمنا موسرا كان له يعدل رقبة من ولد إسماعيل ينقذه من الذّبح، و من أطعم مؤمنا محتاجا كان له يعدل مائة رقبة من ولد إسماعيل ينقذها من الذّبح.
20- صالح بن عقبة، عن نصر بن قابوس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لإطعام مؤمن أحبّ إلي من عتق عشر رقاب و عشر حجج، قال: قلت: عشر رقاب و عشر حجج؟ قال: فقال: يا نصر إن لم تطعموه مات أو تدلونه فيجي‏ء إلى ناصب فيسأله و الموت خير له من مسألة ناصب، يا نصر من أحيا مؤمنا فكأنّما أحيا النّاس جميعا، فإن لم تطعموه فقد أمتّموه و إن أطعمتموه فقد أحييتموه.
 (باب من كسا مؤمنا)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من كسا أخاه كسوة شتاء أو صيف كان حقّا على اللّه أن يكسوه من ثياب الجنّة و أن يهوّن عليه سكرات الموت و أن يوسّع عليه‏
__________________________________________________
قوله (أو تدلونه) دلوته أدلوه أرسلته و كذا أدليته أدليه فتدلونه يحتمل فتح التاء و ضمها و أصله على تقدير الضم تدليونه.
قوله (و أن يهون عليه من سكرات الموت) أى من شدته وهمه و غشيته ثوبا من‏

089
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب من کسا مؤمنا ص 89

في قبره و أن يلقى الملائكة إذا خرج من قبره بالبشرى و هو قول اللّه عزّ و جلّ في كتابه: «وَ تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ، هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ».

2- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن عليّ، عن عبد اللّه ابن جعفر بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من كسا أحدا من فقراء المسلمين ثوبا من عرى أو أعانه بشي‏ء ممّا يقوته من معيشته و كلّ اللّه عزّ و جلّ به سبعة آلاف ملك من الملائكة، تستغفرون لكلّ ذنب عمله إلى أن ينفخ في الصور.

3- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن صفوان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من كسا أحدا من فقراء المسلمين ثوبا من عرى أو أعانه بشي‏ء ممّا يقوته على معيشته و كلّ اللّه عزّ و جلّ به سبعين ألف ملك من الملائكة يستغفرون لكلّ ذنب عمله إلى أن ينفخ في الصور.

4- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر، عن أبي حمزة الثمالي، عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام [قال:] من كسا مؤمنا كساه اللّه من الثياب الخضر. و قال في حديث آخر: لا يزال في ضمان اللّه ما دام عليه سلك.

5- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه كان يقول: من كسا مؤمنا ثوبا من عرى كساه اللّه من استبرق الجنّة و من كسا مؤمنا ثوبا من غنى لم يزل في ستر من اللّه ما بقي من الثوب خرقة.

(باب) (فى الطاف المؤمن و اكرامه)

1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن الحسين‏

______________________________
عرى العرى بالضم خلاف اللبس يعنى «برهنه شدن» و فعله من باب رضى، و المعيشة مكسب الانسان الّذي يعيش به و هى من عاش من باب سار صار ذا حياة فالميم زائدة و وزنها مفعلة. و قيل من معش فالميم أصلية و وزنها فعيلة.

قوله (ما دام عليه سلك) أى على ذلك الثوب و ان خرج عن حد اللبس و الانتفاع.

قوله (من كسا مؤمنا ثوبا من غنى لم يزل فى ستر من اللّه) يستره من الذنوب أو من العقوبة أو من النوائب أو من الجميع و يفهم منه أن كساء المؤمن الغنى يوجب هذه‏

090
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

بابفى الطاف المؤمن و اکرامه ص 90

ابن هاشم، عن سعدان بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أخذ من وجه أخيه المؤمن قذاة كتب اللّه عزّ و جلّ له عشر حسنات، و من تبسّم في وجه أخيه كانت له حسنة.
2- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من قال لأخيه المؤمن: مرحبا كتب اللّه تعالى له مرحبا إلى يوم القيامة.
3- عنه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أتاه أخوه المسلم فأكرمه فإنّما أكرم اللّه عزّ و جلّ.
4- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن نصر بن إسحاق، عن الحارث ابن النعمان، عن الهيثم بن حمّاد، عن أبي داود، عن زيد بن أرقم قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ما في أمّتي عبد ألطف أخاه في اللّه بشي‏ء من لطف إلّا أخدمه اللّه من خدم الجنّة.
5- و عنه، عن أحمد بن محمّد، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن عليّ، عن عبد اللّه بن جعفر بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من‏
__________________________________________________
الكرامة فكيف الفقير.
قوله (من أخذ من وجه أخيه المؤمن قذاة) القذى ما يقع فى العين من تراب أو تبن أو وسخ أو غير ذلك و المراد به كل ما يؤذى المؤمن أو يجرح قلبه أو يكسر قدره و ان قل شبهه يقذى العين. قوله (من قال لاخيه المؤمن مرحبا كتب اللّه تعالى له مرحبا الى يوم القيامة) فكانه قال له مرحبا الى يوم القيامة فيكتب له ذلك و يعطى أجره أو يقال له مرحبا الى يوم القيمة مقابلا لقوله، و الرحب بالضم السعة و بالفتح الواسع و مرحبا منصوب بفعل لازم الحذف سماعا أى أتيت رحبا وسعة أو مكانا واسعا و فيه تسلية له و اظهار للسرور بملاقاته و مجيئه.
قوله (من أتاه أخوه المسلم فأكرمه) بأن أكرمه بنوع من أنواع الاكرام و أحسن إليه بنحو من أنحاء الاحسان بأن بسط له رداءه أو تبسم فى وجهه أو قال له مرحبا أو أظهر سرورا و بشاشة أو أحضر طعاما أو أعطاه شيئا يفرح به قلبه أو نحو ذلك.
قوله (ما فى امتى عبد ألطف أخاه فى اللّه بشي‏ء من لطف الا أخدمه اللّه من خدم الجنة) المراد بالعبد المؤمن و الظرف أعنى فى اللّه متعلق بالطف أى بر أو حال عن أخاه او وصف له و اللطف الرفق و الاحسان و ايصال المنافع و البر و الاخدام اعطاء الخادم.

091
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

بابفى الطاف المؤمن و اکرامه ص 90

أكرم أخاه المسلم بكلمة يلطفه بها و فرّج عنه كربته لم يزل في ظلّ اللّه الممدود عليه الرحمة ما كان في ذلك.
6- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: إنّ ممّا خصّ اللّه عزّ و جلّ به المؤمن أن يعرّفه برّ إخوانه و إن قلّ، و ليس البرّ بالكثرة و ذلك أنّ اللّه عزّ و جلّ يقول في كتابه:
 «وَ يُؤْثِرُونَ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ (ثمّ قال:) وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» و من عرفه اللّه عزّ و جلّ بذلك أحبّه اللّه و من أحبّه اللّه تبارك و تعالى وفّاه أجره يوم القيامة بغير حساب، ثمّ قال: يا جميل ارو هذا الحديث لإخوانك، فإنّه ترغيب في البرّ.
7- محمّد بن يحيى. عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة عن المفضّل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ المؤمن ليتحف أخاه التحفة، قلت: و
__________________________________________________
قوله (لم يزل فى ظل اللّه الممدود عليه الرحمة) أى لم يزل فى رحمته أو جوده على سبيل التشبيه و الاستعارة حيث أنه يستريح بهما من الاذى و العذاب و التألم الجسمانى و الروحانى كما يستريح الملتجئ بالظل من حر الشمس أو فى جنبه و اطلاق الظل عليها اما من باب الارسال أو الاستعارة على نحو ما ذكر و وصفه بالممدود للاشعار بثباته و اتساعه.
قوله (و ذلك أن اللّه عز و جل يقول فى كتابه وَ يُؤْثِرُونَ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ- الآية) أى يختارون غيرهم من المحتاجين على أنفسهم و يقدمونه «وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ» أى حاجة و فقر عظيم «وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ» بوقاية اللّه و توفيقه و يحفظها عن البخل و الحرص «فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» أى الفائزون و التأكيدات ظاهرة للمتدبر و المشهور أن الآية نزلت فى الانصار و ايثارهم المهاجرين على أنفسهم فى أموالهم و قيل روى من طريق العامة أنها نزلت فى أمير المؤمنين «ع» و أنه مع بقية أهل بيته لم يطعموا شيئا منذ ثلاثة أيام فاقترض دينارا ثم رأى المقداد فتفرس فى وجهه أنه جائع فأعطاه الدينار فنزلت الآية مع المائدة من السماء و الحكاية طويلة، و على التقديرين يجرى الحكم فى غير من نزلت فيه ممن يفعل مثل فعله أو ما يقرب منه و مما يناسب المقام ما روى عن أمير المؤمنين «ع» من أنه بات به ضيف و كان عنده طعام قليل فأطفأ المصباح عند احضاره و أراه انه يأكل معه. و فيه غاية بر الضيف و الايثار و حسن السياسة فى الامور اذ لو لم يطفأه لرأى الضيف أنه لا يأكل و أنه آثره فربما امتنع من الاكل أو أكل قليلا.

092
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

بابفى الطاف المؤمن و اکرامه ص 90

أيّ شي‏ء التحفة؟ قال: من مجلس و متّكأ و طعام و كسوة و سلام، فتطاول الجنّة مكافاة له و يوحي اللّه عزّ و جلّ إليها. أنّي قد حرّمت طعامك على أهل الدّنيا إلّا على نبي أو وصيّ نبيّ، فإذا كان يوم القيامة أوحى اللّه عزّ و جلّ إليها: أن كافئ أوليائي بتحفهم، فيخرج منها و صفاء و وصايف معهم أطباق مغطّاة بمناديل من لؤلؤ، فإذا نظروا إلى جهنم و هولها و إلى الجنّة و ما فيها طارت عقولهم و امتنعوا أن يأكلوا فينادي مناد من تحت العرش أنّ اللّه عزّ و جلّ قد حرّم جهنّم على من أكل من طعام جنّته، فيمد القوم أيديهم فيأكلون.
8- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: يجب للمؤمن على المؤمن أن يستر عليه سبعين كبيرة.
9- الحسين بن محمّد، و محمّد بن يحيى، جميعا، عن علي بن محمّد بن سعد، عن محمّد بن أسلم، عن محمّد بن علي بن عدي قال: أملأ عليّ محمّد بن سليمان، عن إسحاق بن عمّار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أحسن يا إسحاق إلى أوليائي ما استطعت، فما أحسن مؤمن إلى مؤمن و لا أعانه إلّا خمش وجه إبليس و قرح قلبه‏
__________________________________________________
قوله (فتطاول الجنة مكافاة له) اى امتدت و ارتفعت لارادة مكافاته و اطعامه فى الدنيا عجالة. قوله (فتخرج منها و صفاء و وصائف) قال صاحب المصباح الوصيف الغلام المراهق، و الوصيفة الجارية كذلك و الجمع و صفاء و وصائف مثل كريم و كرماء و كرائم. و لعل طيران العقول و تحيرها بسبب مشاهدة الجنة و نعيمها و ما فيها من الحور و القصور و الامتناع من الاكل لكثرة الهم و الخوف بسبب مشاهدة جهنم و أهوالها و زفيرها و الهم المفرط قد يمنع من الاكل كما يقطع فى الدنيا أيضا.
قوله (يجب للمؤمن على المؤمن أن يستر عليه سبعين كبيرة) هى أفعال قبيحة شرعا و قبحها عظيم، و المراد بسترها عدم اذاعتها و هذا لا ينافى وجوب الامر بالمعروف و النهى عن المنكر لان الامر بالرجوع عنها لا يستلزم الاذاعة و لا يتوقف عليها و يفهم منه جواز الافشاء اذا تجاوز عن السبعين مع امكان إرادة المبالغة فى الستر، و يحتمل أن يراد بالكبيرة اساءة ذلك المؤمن و فعل ما يؤذيه من الامور العظام و فيه حينئذ ترغيب فى الصفح عن المؤذى، و اللّه يعلم.
قوله (فما أحسن مؤمن الى مؤمن و لا أعانه إلا خمش وجه ابليس و قرح قلبه) خمش وجهه من باب ضرب خدشه و لطمه و ضربه و جرح ظاهر بشرته و قطع عضوا منه و قرح قلبه‏

093
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى خدمته ص 94

 (باب فى خدمته)
1- محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطّاب، عن إبراهيم بن محمّد الثّقفي، عن إسماعيل ابن أبان، عن صالح بن أبي الأسود، رفعه، عن أبي المعتمر قال: سمعت أمير- المؤمنين عليه السّلام يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أيّما مسلم خدم قوما من المسلمين إلّا أعطاه اللّه مثل عددهم خدّاما في الجنّة.
 (باب نصيحة المؤمن)
1- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن عمر بن أبان، عن عيسى بن أبي منصور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه‏
__________________________________________________
اذا غمه و أقرحه اذا أثقله و حقيقته أزال عنه الفرح كأشكيته، و يجوز أن يقرأ بالقاف يقال قرحه من باب منع أى جرحه.
قوله (محمد بن يحيى عن سلمة بن الخطاب عن ابراهيم بن محمد الثقفي) الحديث ضعيف «1» من وجوه شتى اذ فى السند رفع و رجاله كلهم غير محمد بن يحيى العطار مجهولون و أبو المعتمر اسمه غير معلوم و ليس هو حامد بن عمير أبو المعتمر الهمدانى الكوفى لانه من أصحاب الصادق «ع»، و الظاهر أن «الا» فى قوله الا أعطاه اللّه زائدة و قد صرح صاحب القاموس بجواز زيادتها فى الكلام و حملها على الاستثناء بتقدير المستثنى منه بعيد جدا، و يدخل فى خدمته المسلم خدمته بنفسه و بخدمه و اعانته للمسلمين فى امور الدنيا و الدين.
قوله (يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه) نصحه و له كمنعه نصحا و نصاحة و نصاحية و هو ناصح و نصيح و نصاح، و الاسم النصيحة و هى فعل أو كلام يراد بهما الخير للمنصوح و اشتقاقها من نصحت العسل اذا صفيته لان الناصح يصفى فعله و قوله من الغش أو من نصحت الثوب اذا خطته لان الناصح يلم خلل أخيه كما يلم الخياط خرق الثوب، و المراد بنصيحة المؤمن للمؤمن ارشاده الى مصالح دينه و دنياه و عونه عليها، و تعليمه اذا كان جاهلا، و تنبيهه اذا كان غافلا، و الذب عنه و عن أعراضه اذا كان ضعيفا و توقيره فى صغره و كبره و ترك حسده و غشه و دفع الضرر عنه و جلب النفع إليه و بالجملة كما يريد لنفسه يريد لاخيه المؤمن و
__________________________________________________
 (1) قوله «الحديث ضعيف» لم أعرف وجه اصرار الشارح و تأكيده فى تضعيف الخبر مع أن هذه الامور غير محتاجة الى تصحيح الاسناد و الحديث الضعيف في هذه الابواب كثير جدا و الاعتماد فيها على المعنى. (ش).

094
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب نصیحة المؤمن ص 94

2- عنه، عن ابن محبوب، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة له في المشهد و المغيب.
3- ابن محبوب، عن ابن رئاب. عن أبي عبيدة الحذّاء، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة.
4- ابن محبوب، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: لينصح الرّجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه.
5- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إنّ أعظم النّاس منزلة عند اللّه يوم القيامة أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه.
6- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن المنقري، عن سفيان بن عيينة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: عليكم بالنصح للّه في خلقه فلن تلقاه بعمل أفضل منه.
 (باب الاصلاح بين الناس)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن حمّاد بن أبي طلحة
__________________________________________________
لو لم يسمع نصيحته سلك به طريق الرفق حتى يقبلها و لو كانت متعلقة بأمر الدين سلك به طريق الامر بالمعروف و النهى عن المنكر على الوجه المشروع و يمكن إرادة النصيحة للرسول و الائمة عليهم السلام أيضا لانهم أفضل المؤمنين. و المراد بالنصيحة لهم القول فى شأنهم ما يليق بهم و الانقياد لهم فى أوامرهم و نواهيهم و آدابهم و أعمالهم و الاطاعة لهم فى جميع ذلك و حفظ شرائعهم و أجراء أحكامهم على الامة و فى الحقيقة النصيحة للاخ المؤمن نصيحة لهم.
قوله (يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة له فى المشهد و المغيب) أى فى وقت حضوره بنحو ما مر و فى غيبته بالاعلام بالكتابة أو الرسالة أو بحفظ عرضه و الزجر عن غيبته و دفع العادى عنه و طلب المصالح له.
قوله (عليكم بالنصح للّه فى خلقه فلن تلقاه بعمل أفضل منه) النصح يتعدى الى المنصوح بنفسه فيقال نصحه و باللام فيقال نصح له و الاول أفصح و لا يتعدى إليه بفى و على هذا فظاهر الكلام أنه تعالى منصوح أى يجب عليكم النصيحة للّه فيما بين خلقه و معنى النصيحة للّه هو الايمان و الاقرار بوحدانيته و بما يصح له و يمتنع عليه و التزام تكاليفه و العمل بها على‏

095
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب نصیحة المؤمن ص 94

عن حبيب الأحوال قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: صدقة يحبّها اللّه إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا و تقارب بينهم إذا تباعدوا.
عنه، عن محمّد بن سنان، عن حذيفة بن منصور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله.
2- عنه، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم. عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لأن اصلح بين اثنين أحبّ إليّ من أنّ أتصدّق بدينارين.
3- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن ابن سنان، عن مفضّل قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام إذا رأيت بين اثنين من شيعتنا منازعة فافتدها من مالي.
4- ابن سنان، عن أبي حنيفة سابق الحاجّ قال: مرّ بنا المفضّل و أنا و ختني‏
__________________________________________________
الوجه المطلوب من اخلاص النية و غيره، و يحتمل أن يكون المراد عليكم بنصيحة خلق اللّه لوجه اللّه تعالى و تقربا إليه لا للرياء و السمعة و نحوهما و هذا بعنوان الباب أنسب.
قوله (صدقة يحبها اللّه اصلاح بين الناس اذا تفاسدوا و تقارب بينهم اذا تباعدوا) فيه حث بليغ للمؤمن على شي‏ء كثير من منافع الدنيا و الآخرة، منها أن يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر بوعظ بليغ نافع، و منها أن يصلح بين الناس اذا وقعت المنازعة بينهم بان ينظر برأيه الصائب و يميز بين الظالم و المظلوم و ينصح الظالم بنصائح بليغة زاجرة له عن الظلم، و منها أن يصل الرحم و ان اختاروا فراقه و تباعده، و منها أن يأمر بصلة الارحام اذا وقع التفارق و التباغض بينهم بموعظة حسنة، و منها أن يأمر المؤمنين بالتواصل و التعاون اذا وقع التدابر و التقاطع بينهم، و منها الاصلاح بين القبيلتين اذ وقع التقابل بينهم، و منها الاصلاح بين المرء و زوجه.
قوله (اذا رأيت بين اثنين من شيعتنا منازعة فافتدها من مالى) الظاهر أن الاذن بالافتداء للمفضل خاصة مع احتمال شموله لكل من عنده مال له «ع».
قوله (عن أبى حنيفة سابق الحاج) «1» اسمه سعيد بن بيان الهمدانى وثقه النجاشى‏
__________________________________________________
 (1) قوله «سابق الحاج» هو الّذي يقطع المسافة بين بلده و مكة فى اقل زمان ممكن و يسبق سائر الحجاج فى الوصول الى مكة و روى أن أبا حنيفة رأى هلال ذى الحجة فى القادسية و أدرك عرفات يوم عرفة و قطع المسافة فى تسعة أيام و هو أقل من نصف الزمان الّذي قطع فيه سيدنا الحسين «ع» فانه خرج يوم التروية و وصل الى حوالى الكوفة أول المحرم و كان هو «ع» متسرعا مستعجلا و أما ذم سابق الحاج فباعتبار أن جهده فى السير يمنعه من النوم و الغذاء و الصلاة بطمأنينة و راحة المركوب و كان فائدته الشهرة. (ش).
                       

096
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب نصیحة المؤمن ص 94

نتشاجر في ميراث، فوقف علينا ساعة ثمّ قال لنا: تعالوا إلى المنزل فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم فدفعها إلينا من عنده حتّى إذا استوثق كلّ واحد منّا من صاحبه، قال: أما إنّها ليست من مالي و لكن أبو عبد اللّه عليه السّلام أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شي‏ء أن اصلح و أفتديها من ماله، فهذا من مال أبي- عبد اللّه عليه السّلام.
5- على بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المصلح ليس بكاذب.
6- عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عليّ بن إسماعيل، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ قال: إذا دعيت لصلح بين اثنين فلا تقل عليّ يمين ألّا أفعل.
7- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن محبوب، عن معاوية ابن وهب أو معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: أبلغ عنّي كذا و كذا- في أشياء أمر بها- قلت: فابلّغهم عنك و أقول عنّي ما قلت لي و غير الذي قلت؟ قال:
نعم إنّ المصلح ليس بكذّاب [إنّما هو الصلح ليس بكذب‏]
__________________________________________________
وعده ممن روى عن أبى عبد اللّه «ع» و ورد ذمه في بعض الروايات، و السابق بالباء الموحدة، و الختن بالتحريك زوج بنت الرجل و زوج اخته أو كل من كان من قبل المرأة كالاب و الاخ و نحوه.
قوله (المصلح ليس بكاذب) كما اذا بلغ زيدا من عمرو كلام يسوؤه و يوجب تهييج العداوة و أنت سمعته منه فتلقى زيدا و تقول قد سمعت من عمرو قال: فيك من الخير كذا و كذا خلاف ما سمعته منه، و هذا و ان كان كذبا فى اللغة لانه خلاف الواقع و ليس فيه تورية الا أنه لما كان القصد منه الاصلاح كان جائزا بل قد يكون واجبا فهو ليس بكذب شرعا، و الحاصل أن هذا الكلام صلح لا صدق و لا كذب اصطلاحا و سيجي‏ء أن الكلام ثلاثة صدق و كذب و اصلاح بين الناس، و القسم الاخير و ان كان كذبا لغة لكنه ليس بكذب اصطلاحا لان المراد بالكذب فى الشرع ما لا يطابق الواقع و يذم قائله و هذا لا يذم قائله شرعا فالأولى أن لا يسمي كذبا و لا يطلق الكاذب على المصلح لئلا يتوهم أنه مذموم.

097
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى احیاء المؤمن ص 98

 «باب فى احياء المؤمن»
1- عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: قول اللّه عزّ و جلّ: «مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ ... فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً»؟ قال:
من أخرجها من ضلال إلى هدى فكأنّما أحياها و من أخرجها من هدى إلى ضلال فقد قتلها.
2- عنه، عن علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن فضيل بن يسار قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: قول اللّه عزّ و جلّ في كتابه: «وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً» قال: من حرق أو غرق، قلت: فمن أخرجها من ضلال إلى هدى؟ قال:
ذاك تأويلها الأعظم.
محمّد بن يحيى، عن أحمد و عبد اللّه ابني محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن أبان، مثله.
3- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبيّ، عن أبي خالد القمّاط، عن حمران قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أسألك- أصلحك اللّه-؟ فقال: نعم، فقلت: كنت على حال و أنا اليوم على حال اخرى كنت أدخل الأرض فأدعو الرّجل و الاثنين و المرأة فينقذ اللّه من شاء و أنا اليوم لا أدعو أحدا؟ فقال: و ما عليك أن تخلّي بين النّاس و بين ربهم فمن أراد اللّه‏
__________________________________________________
قوله (من أخرجها من ضلال الى هدى فكأنما أحياها) الحياة الحقيقية عند أهل العرفان هى حياة النفس الانسانية و هى اتصافها بالهداية و العلم و الايمان و الاخلاق المرضية و سائر الكمالات الانسانية، و المراد باحيائها جعلها متصفة بهذه الصفات، و الاحياء فى الآية و ان لم يكن مختصا به لكنه من أفراده تأويلا بل هو من أعظم أفراده كما يرشد إليه الحديث الآتي.
قوله (من حرق أو غرق) ذكر من جملة الاسباب المزيلة للحياة هذين الامرين على سبيل التمثيل، و الضلال يشمل الكفر و الجهل بالولاية و غيرها من القوانين الشرعية و الاحكام النبوية قوله (و ما عليك أن تخلى بين الناس و بين ربهم فمن أراد اللّه أن يخرجه من ظلمة الى نور أخرجه) المراد بالظلمة الكفر و الضلالة و بنور الايمان و الهداية على‏

098
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى احیاء المؤمن ص 98

أن يخرجه من ظلمة إلى نور أخرجه، ثمّ قال: و لا عليك إن آنست من أحد خيرا أن تنبذ إليه الشي‏ء نبذا، قلت: أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً قال: من حرق أو غرق، ثمّ سكت، ثمّ قال: تأويلها الأعظم أن دعاها فاستجاب له.
 (باب) (فى الدعاء للاهل الى الايمان)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن النعمان، عن عبد اللّه ابن مسكان، عن سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ لي أهل بيت و هم يسمعون منّي أ فأدعوهم إلى هذا الأمر؟ فقال: نعم إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول في كتابه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ.
 «باب فى ترك دعاء الناس»
1- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن كليب بن معاوية الصيداوي قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: إيّاكم و الناس، إنّ اللّه عزّ و جلّ إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة فتركه و هو يجول لذلك و يطلبه، ثمّ قال: لو أنّكم إذا كلّمتم الناس‏
__________________________________________________
سبيل التشبيه و الاستعارة و لما كان الناس فى ذلك العصر معاندين للحق و أهله حتى كانوا يقتلونهم لو عرفوا حالهم أشار «ع» أولا الى ترك دعائهم الى الحق لما فيه من صلاح الفرقة الناجية و صلاح أئمتهم و علله بأن من أراد اللّه تعالى أن يخرجه باللطف و التوفيق و الهداية من الباطل الى الحق أخرجه سواء دعاء أهل الحق أم لا و أشار ثانيا الى جواز دعاء من كان قابلا للخير و مستعدا لقبوله و ظن منه ذلك لان فيه أمرا بالمعروف مع انتفاء الظن بالضرر و امكان قبوله.
قوله (فقال نعم ان اللّه عز و جل يقول فى كتابه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ) دل على انه يجب وقاية الاهل من موجبات النار كما يجب وقاية النفس منها. و الوقود بالفتح الحطب و فيه اشارة الى القسمين من الحكمة العملية:
السياسة البدنية و السياسة المنزلية و خص الخطاب بالمؤمنين لانهم المنتفعون به.
قوله (اياكم و الناس ان اللّه عز و جل اذا أراد بعبد خيرا نكت فى قلبه نكتة) دل على ترك دعوة المخالف و الكافر الى الايمان و أركانه و لوازمه و الجهاد معهم لا للجهاد شروطا

099
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى ترک دعاء الناس ص 99

قلتم: ذهبنا حيث ذهب اللّه و اخترنا من اختار اللّه، و اختار اللّه، محمّدا و اخترنا آل محمّد صلّى اللّه عليه و عليهم.
2- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل، عن أبي إسماعيل السرّاج، عن ابن مسكان، عن ثابت أبي سعيد قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا ثابت ما لكم و للناس، كفّوا عن الناس و لا تدعوا أحدا إلى أمركم، فو اللّه لو أنّ أهل السماء و أهل الأرض اجتمعوا على أن يضلّوا عبدا يريد اللّه هداه ما استطاعوا، كفّوا عن النّاس و لا يقول أحدكم: أخي و ابن عمّي و جاري، فإنّ اللّه عزّ و جلّ إذا أراد
__________________________________________________
منها قيام الامام أو نائبه به و هى مفقودة فى عصرهم و عصرنا هذا الى قيام الصاحب «ع» و هذا بالنظر الى الشديد المتصلب المنكر للحق أو مع قيام التقية ظاهر و أما المستعد لقبوله مع عدم التقية فالدعوة باظهار الحق عليه راجحة كما دل عليه بعض الروايات و ارادته تعالى خير العبد اما من باب اللطف به و التفضل عليه فانه عز و جل قد يتفضل عليه و يخرجه من الشقاوة الى السعادة أو لعلمه تعالى بميله الى الحق و استعداده لقبول الخير و على التقديرين نكت فى قلبه نكتة نورانية تؤثر فيه فيضطرب من الباطل و يجول و يطلب الحق حتى يستقر عليه، ثم قال للاشارة الى أقل مراتب الدعوة و اظهار الحق حيث يجوز لو أنكم اذا كلمتم الناس العادلين عن الائمة الطاهرين أو الاعم قلتم ذهبنا حيث ذهب اللّه أى اخترنا طريقا اختاره اللّه تعالى للوصول إليه و التقرب منه اختار اللّه محمدا فاخترناه و قلنا بنبوته و اخترنا آل محمد صلى اللّه عليه و عليهم و فضلناهم على غيرهم، ثم اذا قالوا لم اخترتموهم ذكرتم البراهين من غير مجادلة و هذا القدر كاف فى دعائهم لان القلوب القابلة المشروحة تقبله ان شاء اللّه تعالى.
قوله (يا ثابت ما لكم و الناس كفوا عن الناس و لا تدعوا أحدا الى أمركم) نهى «ع» عن مخاصمة الناس فى أمر الدين و أمر بكف النفس عن الوقوع فيهم و مناظرتهم و عن دعائهم الى أمر الامامة لكون ذلك أصلح للفرقة الناجية ثم أشار الى أن المجادلة لا يترتب عليها أثر مؤكدا بالقسم و قال: لو أن أهل السموات و أهل الارضين لو اجتمعوا و تظاهروا على أن يهدوا عبدا يريد اللّه ضلالته أى عذابه و سلوكه فى الآخرة طريق جهنم بسبب كفره و عصيانه أو يعلم ضلالته عن طريق الخير و أرادوا أن يوصلوه الى طريق الحق طوعا أو كرها ما استطاعوا أن يهدوه لضرورة أن مراد اللّه تعالى و معلومه واقعان لا مرد لهما، و كذا لو اجتمعوا على أن يضلوا عبدا عن طريق الحق يريد اللّه هداه أى اثابته بالجنة أو سلوكه فى الآخرة طريقها بسبب الايمان و الطاعة أو يعلم هدايته و سلوكه طريق الحق ما استطاعوا أن يضلوه لما مر، ثم أمر

100
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى ترک دعاء الناس ص 99

بعبد خيرا طيّب روحه، فلا يسمع بمعروف إلّا عرفه و لا بمنكر إلّا أنكره، ثمّ يقذف اللّه في قلبه كلمة يجمع بها أمره.
3- أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن محمّد بن مروان، عن الفضيل قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ندعو الناس إلى هذا الأمر؟ فقال:
يا فضيل إن اللّه إذا أراد بعبد خيرا أمر ملكا فأخذ بعنقه حتّى أدخله فى هذا الأمر طائعا أو كارها
__________________________________________________
بالكف عن الناس حتى عن الاقارب و دعائهم الى الحق على سبيل التأكيد دفعا للحمية العصبية و علل بأن اللّه اذا أراد بعبد خيرا لطفا و تفضلا أو بواسطة رجوعه إليه و استعداده لقبوله طيب روحه عن العقائد الخبيثة و طهره عن الجهل المركب فلا يسمع بعد ذلك معروفا الا عرفه و أقربه و لا منكرا الا أنكره و عدل عنه، ثم يقذف اللّه فى قلبه لحسن استعداده كلمة يجمع بها أمره و هى أمير المؤمنين و أولاده الطاهرين لانهم كلمات اللّه العليا و آياته الكبرى، و يحتمل أن يراد بها ملك موكل بالقلب لتسديده و ان اردت زيادة التوضيح لهذا الحديث و غيره من أحاديث هذا الباب فارجع الى ما ذكرنا فى باب الهداية من آخر كتاب التوحيد.
قوله (ندعو الناس الى هذا الامر فقال يا فضيل) كان الفضيل توهم بملاحظة كثرة شيعته «ع» أنه يجوز لهم دعوة الخلق علانية الى خلافته «ع» و أنه يجوز له اظهار إمامته على رءوس الاشهاد فمنعه «ع» لانه لم يكن ذلك الزمان ابان ظهور دولة الحق و أخبره بأن الهداية موهبية يدخل فى هذا الامر بدون الدعوة الظاهرة المثيرة للفتن الموجبة لاستيصال الشيعة من شاء اللّه كما هو المشاهد فى هذا العصر و المعلوم فى غيره من الاعصار.
و اعلم أن الانسان مركب من أمرين أحدهما ما يرى و هو هذا البدن و الثانى ما لا يرى و يقال له الروح و النفس الناطقة و القلب و هو حقيقة الانسان عند استكماله و ليس من هذا العالم الجسمانى بل نزل من العالم الروحانى [1] و تعلق بهذا البدن تعلق تصرف و تدبير و البدن‏
__________________________________________________
 [1] قوله «بل نزل من العالم الروحانى» اختلف الحكماء فى وجود النفس قبل البدن فقال بعضهم كانت النفس مجردة غير متعلقة بجسم ثم أهبطها اللّه لحكمة و أسكنها فى البدن ثم يفارقه و يرجع الى عالمه، و قال بعضهم: بل وجدت بعد حصول استعداد البدن و لم يكن قبل ذلك بوجودها الشخصى موجودا بل كان الموجود علتها و هى العقل الفعال المفيض للصور على المواد المستعدة و على هذا فالنزول تعبير عن الصدور عن العلة فان العلة أشرف و أعلى من المعلول و يصح التعبير عن صدور المعلول عنها بالنزول مثل قوله تعالى «وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ» و قوله تعالى وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ و الا

101
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى ترک دعاء الناس ص 99

4- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة عن أبيه قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: اجعلوا أمركم هذا للّه و لا تجعلوه للناس، فإنّه ما كان للّه فهو للّه و ما كان للناس فلا يصعد إلى السّماء و لا تخاصموا بدينكم الناس‏
__________________________________________________
و قواه و آلاته و حواسه خدمة له يحصل له بسببها معرفة صنع اللّه تعالى و آثاره فى عالم المحسوسات و قرب الحق و صفات الملائكة اذا طاب و قهر على خدمه و استعملها فيما هو مطلوب لربه، و أما اذا خبث بغلبة الخدمة عليه بعد عن ربه و اتصف بصفات الشياطين و أنكر المعروف و أهله و أقر بالمنكر و أهله. و اللّه سبحانه رقيب شاهد عليه يلقى إليه المعروف و يوكل إليه ملكا ينفخ فيه الخير و يأمره به فاذا مال إليه ميلا ما و خطر فيه قبوله و علم اللّه منه ذلك طيبه من الرذائل و أيده بالنصرة و التوفيق و أراد به ذلك الخير فيأخذ الملك بأمر اللّه يده و عنقه و يصرفه عن مسلك الباطل الى منهج الخير و عن ولاية الكاذبين الى ولاية الصادقين فيصير غالبا بعد ما كان مغلوبا و يتوجه الى المعروف و يعرض عن المنكر و يثبت فيه كلمة الحق و اللّه يهدى من يشاء الى صراط مستقيم. قوله (اجعلوا أمركم هذا للّه و لا تجعلوه للناس فانه ما كان للّه فهو للّه و ما كان للناس فلا يصعد الى السماء) [1] أى اجعلوا أيتها الفرقة
__________________________________________________
فالحق أن اللّه تعالى جعل مخلوقه فى السير الى الكمال و أن يكون كل يوم أفضل و أكمل من اليوم السابق فكيف يرجع المجرد المحض الى المادة بل المادة تتحرك بالحركة الجوهرية الى التجرد فيصير الجماد نباتا و حيوانا و انسانا مجردا روحانيا يزيد به موجودات العالم العقل، بالجملة فالنزول من العالم الروحانى عبارة عن صدوره عنه بعد استعداد المادة بالحركة الجوهرية لان تصير حاملة لنفس قدسية، فان قيل أ ليست العقول القدسية تباشر أفعالا فى مواد الاجسام و مذهبهم أن ما تحت فلك القمر تحت تدبير العقل الفعال مع تجويزهم أن يكون عقول كثيرة لتدبير المواليد و العناصر فما المانع من أن يكون النفس قبل البدن عقلا لتدبيره كتدبير العقول لعالم الاجسام؟ قلنا كيفية تعلق النفس بالبدن غير تعلق العقول باجسام العالم و يستحيل على العقل المجرد تعلقه بنحو تعلق النفس بل له تعلق آخر نظير تعلق نفوس الاولياء باجسام غير أبدانهم. (ش)
 [1] «فلا يصعد الى السماء» يعنى الى الآخرة و قد يعبر بالسماء و يراد بها ملكوت السماء كما يطلق الانسان و يراد روحه و عقله لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ و قال تعالى لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ و علاقة الاطلاق اشتراكهما فى العلو فالآخرة أعلى من الدنيا و السماء أعلى من الارض، و أما السماء الدنيا

102
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى ترک دعاء الناس ص 99

فإن المخاصمة ممرضة للقلب إنّ اللّه عزّ و جلّ قال لنبيّه صلى اللّه عليه و آله: «إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ» و قال: «أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ»

__________________________________________________
الناجية أمركم فى القول و الفعل و العقد خالصا للّه و لا تجعلوه للناس طلبا للرياء و السمعة فانه ما كان للّه فى الدنيا فهو للّه فى الآخرة و يصعد إليه و ما كان للناس فلا يصعد الى السماء كما يصعد إليها ما كان للّه، و لا تخاصموا بدينكم الناس فان المخاصمة ممرضة للقلب فان كل واحد من المتخاصمين يلقى شبهة على صاحبه و الشبهة مرض القلب و هلاكه و انكم لا تقدرون على هدايتهم ان أراد اللّه تعالى ضلالتهم كيف ان اللّه عز و جل قال لنبيه «إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ» أى لا توصله الى المطلوب أو لا تعينه باللطف و التوفيق «وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ» فاذا لم يكن النبي قادرا على هدايتهم فانتم أولى بعدم القدرة عليها و قال أيضا لنبيه «أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» أنكر اللّه تعالى اكراه نبيه و اجباره اياهم على الايمان تحقيقا لمعنى التكليف و الثواب و الجزاء و تنبيها على عدم قدرته عليه فأنتم أولى بذلك فلا تتعرضوا لهم ذروا الناس و اتركوهم بحالهم و لا تقصدوا مخالطتهم فى دينهم فان الناس اخذوا دينهم عن الناس بما يقتضيه آراؤهم الفاسدة و انكم أخذتم دينكم عن رسول اللّه «ص» و عن على «ع» و لا سواء بينهما و بينهم و لا بينكم و بينهم لانكم حزب اللّه و هم حزب الشيطان فليس فى تركهم مضرة لكم و لا فى مخالطتهم منفعة لكم، ثم أشار الى أن من كتب ايمانه بقلم التقدير و كان مؤمنا فى علم اللّه فهو
__________________________________________________
و هى التى نراها بأبصارنا و زينت بالكواكب كما قال اللّه تعالى «زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ» فليست أقرب الى اللّه تعالى من الارض أما مكانا فواضح و أما فضلا و شرفا فلان الآخرة أقرب إليه تعالى مرتبة، لحياتها و تجردها عن كثافات الدنيا و كونها عالم العقل و الادراك و أما الاجسام الفلكية و الكواكب الثابتة و السيارة فلا فرق من هذه الجهة بينها و بين الارض، و الشرف للموجود المجرد العاقل على المادة الجامدة المقهورة و قد مر فى باب اطعام المؤمن فى الحديث الثالث «من أطعم ثلاثة نفر من المسلمين أطعمه اللّه من ثلاث جنان فى ملكوت السماوات فقيد بالملكوت و الملكوت أصرح فى تجردها، و أما أصل كون الجنة فى السماء فلعله متواتر فى الروايات و يدل عليه قوله تعالى وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى‏ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى‏ عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى‏ و فى حديث المعراج «فلما صرت الى الحجب أخذ جبرئيل بيدى فأدخلنى الجنة فاذا الشجرة من نور فى أصلها ملكان يطويان الحلى و الحلل الى يوم القيامة، فقلت حبيبى جبرئيل لمن هذه الشجرة؟ فقال هذه لاخيك على بن أبى طالب» و عن أبى سعيد الخدرى عن النبي «ص» قال: «ليلة أسرى بى الى السماء أخذ جبرئيل بيدى فادخلنى الجنة» و بالجملة يصعد الاعمال الى الجنة حتى يهيأ للعاملين ثواب على طبقه. (ش)

103
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى ترک دعاء الناس ص 99

ذروا الناس فإنّ الناس أخذوا عن الناس و إنّكم أخذتم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و عليّ عليه السّلام و لا سواء، و إنّي سمعت أبي يقول: إذا كتب اللّه على عبد أن يدخله في هذا الأمر كان أسرع إليه من الطير إلى وكره.
5- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عن ابن اذينة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ خلق قوما للحقّ فإذا مرّ بهم الباب من الحقّ قبلته قلوبهم و إن كانوا لا يعرفونه و إذا مرّ بهم الباب من الباطل أنكرته قلوبهم و إن كانوا لا يعرفونه و خلق قوما لغير ذلك فإذا مرّ بهم الباب من الحقّ أنكرته قلوبهم و إن كانوا لا يعرفونه و إذا مرّ بهم الباب من الباطل قبلته قلوبهم و إن كانوا لا يعرفونه.
6- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الحميد بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة من نور فأضاء لها سمعه و قلبه حتّى يكون أحرص على ما في أيديكم منكم و إذا أراد بعبد سوءا نكت في قبله نكتة سوداء، فأظلم لها سمعه و قلبه، ثمّ تلا هذه الآية
__________________________________________________
يؤمن دعى أم لم يدع بقوله (اننى سمعت أبى يقول ان اللّه اذا كتب على عبد أن يدخل فى هذا الامر كان أسرع إليه من الطير الى و كره) و هو بفتح الواو و سكون الكاف عش الطائر و موضعه الّذي يبنيه من دقاق العيدان و نحوها للتفريخ.
قوله (ان اللّه عز و جل خلق قوما للحق فاذا مر بهم الباب من الحق قبلته قلوبهم) قبول الحق و الباطل و انكارهما ليسا باعتبار أنه خلقهم على ذلك بل باعتبار انهم كانوا كذلك فخلقهم لذلك كما أشرنا إليه سابقا فلا يلزم الجبر فتأمل.
قوله (ان اللّه عز و جل اذا أراد بعيد خيرا نكت فى قلبه نكتة من نور) يعنى اذا أراد اللّه تعالى بعبد خيرا لصفاء قلبه و ميله إليه أو علم منه ذلك نكت فى قلبه نكتة من نور العلم و الايمان أو اللطف و التوفيق و الفيض و هى هدايته الخاصة (فأضاء لها) أى لاجل تلك النكتة النورانية (سمعه و قلبه) و سائر أعضائه فيهتدى كل عضو الى ما هو مطلوب منه و يتوجه إليه و يعرض عن غيره حتى يكون حرصه على الايمان و الولاية أشد من حرصكم عليها كزيادة حرص الجوعان فى الطعام على حرص الشعبان.
 (و اذا أراد بعبد سوءا) لميله الى الباطل و ابطاله لاستعداده الفطرى (نكت فى قلبه نكتة سوداء) هى نكتة الجهل و الكفر و الخذلان الّذي هو سلب اللطف و التوفيق فأظلم لها

104
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى ترک دعاء الناس ص 99

 «فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ».
7- عنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن حمران، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة بيضاء و فتح مسامع قلبه و وكّل به ملكا يسدّده و إذا أراد بعبد سوءا نكت في قلبه نكتة سوداء و سدّ مسامع قلبه و وكّل به شيطانا يضلّه‏
__________________________________________________
 (سمعه و قلبه) فلا يسمع الحق و لا يعقل الخير و هو الختم المانع من ادراك الخير (ثم تلا «ع» هذه الآية) استشهادا لما ذكر (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ)
 أى فمن يرد اللّه أن يهديه الى طريق الجنة فى الآخرة و الى الخيرات [فى الدنيا لميله إليها يشرح صدره للاسلام و يوسعه لقبول أحكامه و معارفه حتى يتأكد عزمه عليها و يقوى الداعى على التمسك بها و ذلك لطف من اللّه تعالى عليه (وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ)
 عن طريق الجنة الى طريق النار و عن سبيل الخيرات و الشرور لابطال استعداده الفطرى بسلب لطفه عنه (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً)
 لانقباضه بقبض الكفر و العصيان و تقيده بقيد الظلمة و الطغيان فهو فى قبول الايمان و لوازمه (كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ)
 فيمتنع دخول الايمان فى قلبه كما يمتنع الصعود فى السماء.
قوله (اذا أراد اللّه بعبد خيرا نكت فى قلبه نكتة بيضاء و فتح مسامع قلبه) اذا أراد اللّه بعبد خيرا و هو الاحسان إليه فى الآخرة بدخول الجنة و فى الدنيا بالهدايات الخاصة مثل اللطف و التوفيق و نحوهما بسبب ميله الى الخيرات و اختيار سبيلها نكت فى قلبه نكتة بيضاء نورانية من هداياته الخاصة و فتح مسامع قلبه و أبواب الحق فيدخل فيه الانوار الربانية و المعارف الايمانية و وكل به ملكا يسدده بالهام الحق و نفخ الصواب فيستضى‏ء جميع جوارحه و يهتدى كل الى عمله و ذلك التسديد يسمى لمة الملك و اذا أراد بعبد سوءا و هو تعذيبه بالنار و سلب اللطف و التوفيق عنه بسبب ميله الى الشرور و سلوك سبيلها نكت فى قلبه نكتة سوداء ظلمانية و سلب اللطف عنه و سد مسامع قلبه التى بها يسمع كلمات الحق و هو الختم و وكل به شيطانا يضله عن سبيل الحق و يلهمه الباطل و تركه معه و خلى بينه و بين اضلاله و هذا الاضلال يسمى لمة الشيطان و قد نقلنا سابقا من طريق العامة ان للشيطان لمة بابن آدم و للملك لمة فأما لمة الشيطان فايعاد بالشر و تكذيب بالحق، و أما لمة الملك فايعاد بالخير و تصديق بالحق فمن وجد ذلك فليحمد اللّه و من وجد الاخرى فليتعوذ من الشيطان الرجيم.

105
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ان الله انما یعطى الدین من یحبه ص 106

 (باب) (ان الله انما يعطى الدين من يحبه)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن حمزة بن حمران، عن عمر بن حنظلة قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: يا أبا- الصّخر إنّ اللّه يعطي الدّنيا من يحبّ و يبغض و لا يعطي هذا الأمر إلّا صفوته من خلقه، أنتم و اللّه على ديني و دين آبائي إبراهيم و إسماعيل، لا أعني عليّ بن الحسين و لا محمّد بن علي و إن كان هؤلاء على دين هؤلاء.
2- الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن عاصم بن حميد، عن مالك بن أعين الجهني قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: يا مالك إنّ اللّه يعطي الدّنيا من يحبّ و يبغض و لا يعطي دينه إلّا من يحبّ.
3- عنه، عن معلّى، عن الوشّاء، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، عن عمر بن حنظلة، و عن حمزة بن حمران، عن حمران. عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ هذه الدّنيا يعطيها اللّه البرّ و الفاجر و لا يعطي الإيمان إلّا صفوته من خلقه.
4- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن النعمان، عن أبي سليمان، عن ميسر قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنّ الدّنيا يعطيها اللّه عزّ و جلّ من أحبّ و من أبغض و إنّ الإيمان لا يعطيه إلّا من أحبّه‏
__________________________________________________
قوله (ان اللّه يعطى الدنيا من يحب و يبغض و لا يعطى هذا الامر الا صفوته من خلقه) المحبوب يجعل الدنيا وسيلة للآخرة و يتزود منها لها و المبغوض قلبه متعلق بالدنيا معرض عن الآخرة و ماله فى الآخرة من خلاق. و مفعول يحب و يبغض محذوف عائد الى الموصول و فاعلهما عائد الى اللّه أو بالعكس و معنى محبة اللّه للعبد كشف الحجاب عن قلبه و تمكينه على أن يطأ بساط قربه و علامة حبه له توفيقه للتجافى عن دار الغرور و الترقى الى عالم النور، و الانس باللّه و الوحشة عما سواه قال بعض العارفين: اذا اردت أن تعرف مقامك فانظر فيما إمامك و معنى بغضه و علامته ضد ذلك و معنى محبة العبد له راجع الى دوام الذكر و الطاعة و الانقياد له و بغضه له ضد ذلك كما صرح به بعض علمائنا و علماء العامة، و صفو الشي‏ء بالفتح لا غير خالصة و الصفوة بالهاء مثله الا أنه يجوز فى الصاد الحركات الثلاث قوله (و لا يعطى دينه الا من يحب) اريد بالدين الايمان الّذي لا يتحقق الا بالولاية

106
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب سلامة الدین ص 107

 (باب سلامة الدين)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النعمان، عن أيّوب بن الحرّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا فقال: أما لقد قسطوا عليه و قتلوه و لكن أ تدرون ما وقاه؟ وقاه أن يفتنوه في دينه.
2- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن أبي جميلة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: كان في وصيّة أمير المؤمنين عليه السّلام لأصحابه: اعلموا أنّ القرآن هدى اللّيل و النهار و نور اللّيل المظلم على ما كان من جهد و فاقة، فإذا حضرت بليّة فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم، و إذا نزلت نازلة فاجعلوا أنفسكم دون دينكم، و اعلموا أنّ‏
__________________________________________________
و هذا الحديث و نظيره فى اللفظ خبر و فى المعنى أمر بطلب الدين و حث على الغبطة بأهله لا بأهل الدنيا.
قوله (فى قول اللّه عز و جل فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا)
 أى شدائد مكرهم و خدعهم و الضمير فى وقاه راجع الى مؤمن آل فرعون. و فى تفسير النيشابورى الاصح أنه كان قبطيا ابن عم لفرعون و اسمه سمعان أو حبيب أو جبرئيل و قيل كان اسرائيليا، و قيل الضمير راجع الى موسى «ع» و يرده قوله «ع» (اما لقد قسطوا عليه و قتلوه) لانهم لم يقتلوا موسى «ع» كما يرد قول من قال من المفسرين انهم لم يقتلوا مؤمن آل فرعون و انه هرب منهم الى الجبل فلم يقدروا عليه. و القسط بالفتح و السكون، و القسوط بالضم الجور يقال: قسط قسطا و قسوطا من باب ضرب جار و عدل عن الحق.
قوله (اعلموا ان القرآن هدى الليل و النهار) ترغيب فى تلاوته فيهما و اقتباس العلوم و الاحكام و الاخلاق منه لانه يهدى الى جميع المقاصد.
 (و نور الليل المظلم على ما كان من جهد و فاقة) يمكن أن يراد بالليل المظلم القلب الجاهل أو المنكدر بظلمة الجهد و الفاقة لان القرآن نوره و الناظر إليه المتدبر بما فيه من الاسرار و الاخلاق و النصائح و المواعظ يعلم كيفية التخلص منها.
 (فاذا حضرت بلية) يمكن دفعها بالاموال (فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم) و وقاية لها لئلا يفوت عنكم النفس و المال جميعا.
 (و اذا نزلت بكم نازلة) توجب فساد الدين لو اخترتم حياة النفس.
 (فاجعلوا أنفسكم دون دينكم) و فداء له و اختاروا البقاء على الدين و الاعتقاد به و ان أوجب ذلك القتل. و فى جعل المال فداء للنفس و جعل النفس فداء للدين ايماء الى ترجيح طلب الدين على طلب المال كيف لا، و المال ينفع فى الدنيا و الدين ينفع فى الآخرة

107
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب سلامة الدین ص 107

الهالك من هلك دينه و الحريب من حرب دينه، ألا و إنّه لا فقر بعد الجنّة، ألا و إنّه لا غنى بعد النّار، لا يفكّ أسيرها و لا يبرأ ضريرها.
3- عليّ، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعيّ بن عبد اللّه، عن فضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سلامة الدّين و صحّة البدن خير من المال و المال زينة من زينة الدّنيا حسنة.
محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد، عن ربعي، عن الفضيل، عن‏
__________________________________________________
و الفضل بينهما كالفضل بين الدنيا و الآخرة ثم أشار الى ان الهلاك منحصر فى هلاك الدين ترغيبا فى تحصيله و الثابت عليه بقوله:
 (و اعلموا أن الهالك من هلك دينه) اما بفواته بالمرة، أو بعدم رعاية ما فيه من الاوامر و النواهى و غيرها.
 (و الحريب من حرب دينه) فى المصباح حرب حربا من باب تعب أخذ جميع ماله فهو حريب و حرب للبناء للمفعول كذلك فهو محروب، و فى القاموس حربه حربا كطلبه طلبا سلب ماله فهو محراب و حريب و الجمع حربى و حرباء، و حريبته ماله الّذي سلب أو ماله الّذي يعيش به (ألا و انه لا فقر بعد الجنة ألا و انه لا غنى بعد النار) أى لا فقر بعد فعل ما يوجب الجنة فان فاعله غنى. و لا غنى بعد فعل ما يوجب النار فان فاعله فقير، و نظيره ما روى عنه «ع» قال: «الفقر و الغنى يظهران بعد العرض و أمثاله من الروايات كثيرة، ثم أشار الى دوام عذاب النار تحذيرا بقوله:
 (لا يفك أسيرها و لا يبرأ ضريرها) أسيرها أسير الشهوات كما روى «حفت النار بالشهوات» أو الداخل فيها المقيد بسلاسلها، و ضريرها من عميت بصيرته و سلك سبيلها و لا يرى سبيل النجاة منها.
قوله (سلامة الدين و صحة البدن خير من المال) أما سلامة الدين فظاهرة لان زواله و فساده يوجب المشقة الاخروية الابدية و عدم المال يوجب المشقة الدنيوية الزائلة. و أما صحة البدن فلانها تنفع بدون المال و المال لا ينفع بدونها و أيضا الغرض من المال حفظ البدن و تدبير صحته و غاية الشي‏ء خير منه، و يمكن أن يراد بصحة البدن صحته عن أمراض الاعمال القبيحة و فيه ترغيب للمؤمن المسكين فى الرضا عن اللّه بهاتين النعمتين و الحمد للّه عليها و أشار بقوله (و المال زينة من زينة الدنيا حسنة) الى وجه التفضيل و الى أن المراد بالمال المال الصالح و هو و ان كان زينة كما قال اللّه عز و جل الْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا لكنه يزول سريعا و الزائل لا عبرة به.

108
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب سلامة الدین ص 107

أبي جعفر عليه السّلام مثله.
4- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن فضّال، عن يونس بن يعقوب، عن بعض أصحابه قال: كان رجل يدخل على أبي عبد اللّه عليه السّلام من أصحابه فغبر زمانا لا يحجّ فدخل عليه بعض معارفه، فقال له: فلان ما فعل؟
قال: فجعل يضجّع الكلام يظنّ أنّه إنّما يعني الميسرة و الدّنيا فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:
كيف دينه؟ فقال: كما تحبّ، فقال: هو و اللّه الغنيّ.
 (باب التقية)
1- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم و غيره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا (قال: بما صبروا على التقيّة) و يدرءون بالحسنة السيّئة» قال: الحسنة التقيّة و السيّئة الإذاعة
__________________________________________________
 (فغبر زمانا لا يحج) غبر غبورا مكث (فدخل عليه بعض معارفه) معارف الرجل شناختهاى أو. واحدها كمقعد (فقال) أبو عبد اللّه «ع» (له) أى لبعض معارفه (فلان ما فعل) و لم تقاعد عن الحج (قال) بعض أصحاب يونس (فجعل) بعض المعارف (يضجع الكلام) أى يقصر فيه و فى أداء المقصود صريحا من ضجع فى الامر تضجيعا اذا وهن فيه و قصر.
 (يظن انما يعنى الميسرة و الدنيا) يعنى تقاعد عن الحج لفقدهما (فقال أبو عبد اللّه «ع» كيف دينه؟ فقال كما تحب فقال هو و اللّه الغنى) تعريف الخبر باللام المفيد للحصر و تأكيده بالقسم للتنبيه على أن الغنى هو الغنى الاخروى الحاصل بسلامة الدين و استقامته. لا ما هو المعروف عند أبناء الدنيا فرب فقير عندهم غنى عند اللّه و بالعكس، و قد روى عنه «ع» أنه قال:
 «الفقر الموت الاحمر فقيل له الفقر من الدينار و الدرهم؟ فقال لا و لكن من الدين».
قوله (بما صبروا على التقية) لعل أحد الاجرين السلامة فى الدنيا و الاخر الثواب فى الآخرة، أو أحدهما للعمل بالتقية ظاهرا و الاخر للاعتقاد بالحق باطنا، و تفسير الحسنة هنا بالتقية و السيئة بالاذاعة أى اذاعة الحديث و غيره من الحقوق اذا ظن لحوق الضرر بأهل الحق لا ينافى تفسيرهما بالعفو و الاخذ لان آيات القرآن تتضمن معانى كثيرة لا تحصى و لا يعلمها الا أهل العصمة عليهم السلام.

109
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب التقیة ص 109

2- ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عمر الأعجمي قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا أبا عمر إنّ تسعة أعشار الدّين في التقيّة و لا دين لمن لا تقيّة له و التقيّة في كلّ شي‏ء إلّا في النبيذ و المسح على الخفّين.
3- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: التقيّة من دين اللّه. قلت: من دين اللّه؟ قال:
إي و اللّه من دين اللّه و لقد قال يوسف: «أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ» و اللّه ما كانوا
__________________________________________________
قوله (أن تسعة أعشار الدين فى التقية) لقلة الحق و أهله و كثرة الباطل و أهله حتى أن الحق عشر و الباطل تسعة أعشار و لا بد لاهل الحق من المماشاة مع أهل الباطل فيها حال ظهور دولتهم ليسلموا من بطشهم و لعل المراد بقوله:
 (و لا دين لمن لا تقية له) نفى الكمال لدلالة بعض الروايات على أن المؤاخذ بترك التقية لا يخرج من الايمان و أن ثوابه أنقص من ثواب العالم بها، و وجوب التقية و الاثم بتركها لا ينافى أصل الايمان و انما ينافى كماله، و أشار بقوله:
 (و التقية فى كل شي‏ء الا فى النبيذ و مسح الخفين) الى أن التقية غير مختص بالاحكام و الاعمال الدينية، بل تكون فى الافعال العرفية أيضا مثل الخلطة بهم و عيادة مرضاهم و نحوها، و أما عدم التقية فى شرب النبيذ و مسح الخفين فقال الشهيد فى الذكرى لعدم وقوع الانكار فيهما من العامة غالبا لان أكثرهم يحرمون المسكر و لا ينكرون خلع الخف و غسل الرجلين بل الغسل اولى منه و اذا قدر خوف ضرر نادرا جازت التقية. و قال الشيخ لا تقية فيهما لاجل مشقة يسيرة لا تبليغ الى الخوف على النفس أو المال و ان بلغت أحدهما جازت و يقرب منه قول من قال لا ينبغى الاتقاء فيهما و ان حصل ضرر عظيم ما لم يؤد الى الهلاك و قيل عدم الاتقاء مختص بالمعصوم عليهم السلام باعتبار أن الاتقاء لا ينفعه لكون الحكم فيها معروفا من مذهبه.
قوله (التقية من دين اللّه قلت: من دين اللّه؟ قال: اى و اللّه من دين اللّه) أى من دين اللّه الّذي أمر عباده بالتمسك به لان أكثر الخلق فى كل عصر لما كانوا من أهل البدع قرر اللّه التقية فى الاقوال و الافعال و السكوت عن الحق لخلص عباده حفظا لنفوسهم و دمائهم و أعراضهم و أموالهم و سبى ذراريهم و ابقاء لدينه الحق، و لو لا التقية بطل دينه بالكلية و انقرض أهله لاستيلاء أهل الجور فللتقية فائدتان: توجب بقاء دين الحق و تحفظ أهله فهى مطلوبة بالعرض و أهلها يقولون ما لا يعتقدون فيسبون مثلا أمير المؤمنين «ع» و يعتقدون خلافته و يغسلون أرجلهم و يعتقدون أن حكمها هو المسح و لا تقية فى العقائد الحقة باعتقاد

110
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب التقیة ص 109

سرقوا شيئا و لقد قال إبراهيم: «إِنِّي سَقِيمٌ» و اللّه ما كان سقيما.
4- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد، و الحسين بن سعيد، جميعا: عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبيّ، عن حسين بن أبي العلاء، عن حبيب بن بشر قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: سمعت أبي يقول: لا و اللّه ما على وجه الأرض شي‏ء أحبّ إليّ من التقيّة، يا حبيب إنّه من كانت له تقيّة
__________________________________________________
خلافها لان العقائد من الاسرار التى لا يعلمها الاعلام الغيوب، و استشهد لجواز وقوع التقية بالآية فقال: (و لقد قال يوسف أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ و اللّه ما كانوا سرقوا شيئا) نسب القول الى يوسف باعتبار أنه أمر به و الفعل ينسب الى الامر كما ينسب الى الفاعل و العير بالكسر القافلة مؤنثة و هذا القول مع انهم لم يسرقوا السقاية ليس بكذب لانه صدر منه لمصلحة يعلمها هو. و قد قيل ان المصلحة هى حبس أخيه عنده بأمر اللّه تعالى لغرض من الاغراض الصحيحة، و يحتمل أن يكون اطلاق السارق عليهم من باب التشبيه فى مجرد اذهاب مال الغير، أو فى مجرد أن صورتهم بعد ظهور السقاية عندهم كصورة السارق و حالة و لذا قالوا:
ان سرق فقد سرق أخ له من قبل» مع ما فيه من تنبيههم بعد علمهم بالقضية على أن ما زعموه من سرقة يوسف مثل هذه فكما لم تكن هذه سرقة عندهم و فى الواقع فكذلك ما زعموه، أو من باب التورية و المعاريض و المقصود انكم لسارقون يوسف من أبيه كما قيل، و ان كان بعيدا لفظا و معنى و لعل الاستشهاد بهذه الآية على التقية هو أن التقية و هى اظهار خلاف الواقع لغرض من الاغراض الصحيحة جائزة كما فى هذا الآية.
 (و لقد قال ابراهيم إِنِّي سَقِيمٌ و اللّه ما كان سقيما) هذا القول مع عدم سقمه ليس بكذب لانه أراد من باب التورية بسقمه حزن القلب و همه من عناد القوم و عبادتهم للاصنام، و مما علمه بالنظر الى النجوم من قتل الحسين «ع» كما روى أو أراد أنه سيصير سقيما كما قيل و لعل الاستشهاد على التقية أنه كان مبغضا و معاندا لهم و كارها للخروج معهم و لم يظهر ذلك عليهم خوفا و تقية و تمسك فى مفارقتهم بما ذكر و اللّه يعلم.
قوله (لا و اللّه ما على وجه الارض شي‏ء أحب الى من التقية) لان بالتقية يعبد الرحمن و يبقى على وجه الارض أهل الايمان.
 (يا حبيب انه من كانت له تقية رفعه اللّه) فى الدنيا بعلمه و بقائه و بقاء أهله و عشيرته و امامه و مجاهدته مع أعداء الحق و غلبته عليهم و عدم ذله بالضرب و القتل و النهب و السبى لان التقية باب من أبواب المجاهدة و جنة فى دفع شرهم و فى الآخرة بالاجر الجميل و الثواب الجزيل لابقاء نفسه و دينه و غيرهما بتلك الحيلة.

111
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب التقیة ص 109

رفعه اللّه، يا حبيب من لم تكن له تقيّة وضعه اللّه، يا حبيب إنّ الناس إنّما هم في هدنة فلو قد كان ذلك كان هذا.
5- أبو عليّ الأشعري، عن الحسن بن عليّ الكوفي، عن العبّاس بن عامر، عن جابر المكفوف، عن عبد اللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اتّقوا على دينكم فاحجبوه بالتقيّة، فإنّه لا إيمان لمن لا تقيّة له، إنّما أنتم في الناس كالنحل في الطير، لو أنّ الطير تعلم ما في أجواف النحل ما بقي منها شي‏ء إلّا أكلته و لو أنّ الناس علموا ما في أجوافكم أنّكم تحبّونا أهل البيت لأكلوكم بألسنتهم و لنحلوكم في السرّ و العلانية، رحم اللّه عبدا منكم كان على ولايتنا.
6- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عمّن أخبره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: «وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لَا السَّيِّئَةُ» قال:
الحسنة: التقيّة و السيّئة: الإذاعة و قوله عزّ و جلّ: «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (السَّيِّئَةَ)» قال: الّتي هي أحسن التقيّة، «فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.
7- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن هشام ابن سالم، عن أبي عمرو الكناني قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا أبا عمرو أ رأيتك لو حدّثتك بحديث أو أفتيتك بفتيا ثمّ جئتني بعد ذلك فسألتني عنه فأخبرتك بخلاف ما
__________________________________________________
 (يا حبيب ان الناس انما هم فى هدنة فلو قد كان ذلك كان هذا) لعل المراد بالناس الفرقة الناجية و الهدنة بالضم الاسم من هدن اذا صلح، و بالفارسية «آشتى» و المقصود أن الفرقة الناجية فى عصر ينبغى لهم الهدنة و المماشاة و التقية مع أهله فمتى كانت هدنة كانت لهم تقية، و اذا زالت الهدنة بخروج القائم «ع» فى ظهور دولة الحق زالت التقية.
قوله (لاكلوكم بألسنتهم و لنحلوكم فى السر و العلانية) أى لاذوكم فالاكل مستعار للايذاء و سابوكم و حسموكم. يقال نحل فلانا اذا سابه و حسمه.
قوله (لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لَا السَّيِّئَةُ)
 فى اللفظ اخبار بعدم المساواة بينهما و فى المعنى أمر باختيار الحسنة على السيئة و فسرهما بالتقية و الاذاعة لانهما من أعظم أفرادهما.
 (قال التى هِيَ أَحْسَنُ التقية) و السيئة على هذا التفسير اما الاذاعة و الضرر الحاصل على تقدير ترك التقية و تفسيرها بالتقية بناء على أن التقية من أفرادها فلا ينافى تفسيرها سابقا بالعفو عن مؤاخذة المسي‏ء.

112
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب التقیة ص 109

كنت أخبرتك أو أفتيتك بخلاف ذلك بأيّهما كنت تأخذ؟ قلت: بأحدهما و أدع الاخر، فقال: قد أصبت يا أبا عمرو أبى اللّه إلّا أن يعبد سرّا أما و اللّه لئن فعلتم ذلك إنّه [ل] خير لي و لكم، [و] أبى اللّه عزّ و جلّ لنا و لكم في دينه إلّا التقيّة.
8- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ عن درست الواسطي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما بلغت تقيّة أحد تقيّة أصحاب الكهف إن كانوا ليشهدون الأعياد و يشدّون الزنانير فأعطاهم اللّه أجرهم مرّتين.
9- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن حمّاد بن واقد اللّحّام قال: استقبلت أبا عبد اللّه عليه السّلام في طريق فأعرضت عنه بوجهي و مضيت، فدخلت عليه بعد ذلك، فقلت: جعلت فداك إنّي لألقاك فأصرف وجهي كراهة أن أشقّ عليك فقال لي: رحمك اللّه و لكن رجلا لقيني أمس في موضع كذا و كذا فقال: عليك السلام يا أبا عبد اللّه، ما أحسن و لا أجمل.
10- علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال: قيل لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ الناس يروون أنّ عليّا عليه السّلام قال على منبر الكوفة: أيّها الناس إنّكم ستدعون إلى سبّي فسبّوني، ثمّ تدعون إلى البراءة منّي فلا تبرّءوا منّي فقال: ما أكثر ما يكذب الناس على عليّ عليه السّلام، ثمّ قال: إنّما قال: إنّكم‏
__________________________________________________
قوله (او افتيتك بفتيا) أفتاه فى الامر أبانه له و الفتيا و الفتوى و يفتح ما أفتى به الفقيه (قلت باحدثهما و ادع الاخر فقال قد اصبت) الاخذ بالاحدث متعين لان الاول ان كان تقية فالاحدث رافع لها و حكم بحسب الواقع و ان كان حكما فى الواقع فالاحدث تقية و العمل بها عند الحاجة متعين و بالجملة الاحدث أصلح للمخاطب فالاخذ به متعين.
 (يا أبا عمرو أبى اللّه الا أن يعبد سرا) أى ابى اللّه فى دولة الباطل أن يعبد الا أن يعبد سرا و العبادة فى السر هى الاعتقاد بالحق قلبا، و اما الظاهر فهو يخالفه كثيرا بالتقية و هى و ان كانت عبادة لكنها عبادة بالعرض كما مر.
قوله (ما بلغت تقية أحد تقية أصحاب الكهف) أى ما بلغت فى الامم السابقة أو فى هذه الامة أيضا لان أعظم التقية فى هذه الامة مع أهل الاسلام المشاركين فى كثير من الاحكام و لا تبلغ التقية منهم الى حد اظهار الشرك، و الزنانير جمع الزنار وزان التفاح و هو ما على وسط النصارى و المجوس. و تزنروا شدوا الزنار على وسطهم.
قوله (انما قال انكم ستدعون الى سبى فسبونى) فيه علمه «ع» بالمغيبات فانه أخبر

113
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب التقیة ص 109

ستدعون إلى سبّي فسبّوني، ثمّ ستدعون إلى البراءة منّي و إني لعلى دين محمّد، و لم يقل: و لا تبرّءوا منّي، فقال له السائل: أ رأيت إن اختار القتل دون البراءة؟ فقال و اللّه ما ذلك عليه و ما له إلّا ما مضى عليه عمّار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكّة وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ، فأنزل اللّه عزّ و جلّ فيه «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ» فقال له: النبيّ صلى اللّه عليه و آله عندها: يا عمّار إن عادوا فعد فقد أنزل اللّه عزّ و جلّ عذرك و أمرك أن تعود إن عادوا
__________________________________________________
بما سيقع و قد وقع لان بنى امية لعنهم اللّه أمروا الناس بسبه «ع» و كتبوا الى عمالهم فى البلاد أن يأمروهم بذلك و قد شاع ذلك حتى أنهم سبوه فى رءوس المنابر. روى مسلم باسناده عن أبى حازم عن سهل بن سعد قال استعمل على المدينة رجل من آل مروان فدعا سهل بن سعد فامره أن يشتم عليا قال: فأبى سهل قال فقال له: اما اذ أبيت فقل لعن اللّه أبا تراب فقال سهل: ما كان لعلى اسم أحب إليه من أبى تراب و انه كان ليفرح اذا دعى به، و عن عامر بن سعد بن أبى وقاص عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبى سفيان سعدا فقال ما منعك أن تسب أبا تراب فقرأ عليه آية المباهلة و حديث أنت منى بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا بنى بعدى و حديث الراية.
 (ثم ستدعون الى البراءة منى و انى لعلى دين محمد و لم يقل و لا تبرءوا «1» منى) أخبر «ع» بأن دينه دين محمد «ص» فلا ينبغى البراءة منه باطنا و لم ينهاهم عن البراءة منه ظاهرا عند الحاجة لحفظ النفس فكما يجوز السب عند الضرورة كذلك يجوز البراءة عندها.
قوله (و ما له الا ما مضى عليه عمار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكة و قلبه مطمئن بالايمان) نقلوا ان قريشا أكرهوا عمارا و أبويه ياسرا و سمية على الارتداد فلم يقبله أبواه‏
__________________________________________________
 (1) قوله «و لم يقل لا تبرءوا» و لكن كلامه يدل عليه لتفصيله بين السب و البراءة و الاولى التوجيه الثانى لان البراءة تطلق على فعل القلب و السب على الكلام و فعل اللسان فلا يقال لمن خطر بباله معنى السب أنه سب اذا لم يتلفظ كما يقال لمن نوى الاعراض عن طريقة على «ع» بقلبه انه تبرأ منه، و هذا نظير الحلف و العزم فالحلف فعل اللسان و العزم فعل القلب و مثله التسبيح و التوحيد فالتسبيح قول سبحان اللّه و هو فعل اللسان و التوحيد الاعتقاد بالوحدانية و هو فعل القلب و التعظيم كذلك فعل القلب اذ لم يعهد ذكر، اللّه أعظم، بخلاف التكبير فانه فعل اللسان و هو قول اللّه أكبر فالسب فعل اللسان و هو مجوز و البراءة فعل القلب و هو غير جائز لان التبرى من على «ع» يساوق التبرى من دين محمد «ص» و اما التلفظ بالبراءة فجائز من غير اعتقاد القلب كما يأتى. (ش).

114
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب التقیة ص 109

11- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن هشام الكندي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إيّاكم أن تعملوا عملا يعيرونا به، فإنّ ولد السوء يعيّر والده بعمله، كونوا لمن انقطعتم إليه زينا و لا تكونوا عليه شينا، صلّوا في عشائرهم و عودوا مرضاهم و اشهدوا جنائزهم و لا يسبقونكم إلى شي‏ء من الخير فأنتم أولى به منهم و اللّه ما عبد اللّه بشي‏ء أحبّ إليه من الخب‏ء قلت: و ما الخب‏ء؟
قال: التقيّة.
12- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن معمر بن خلّاد قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن القيام للولاة، فقال: قال أبو جعفر عليه السّلام: التقيّة من ديني و دين آبائي و لا إيمان لمن لا تقيّة له.
13- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن ربعي، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: التقيّة في كلّ ضرورة و صاحبها أعلم بها حين تنزل به‏
__________________________________________________
فقتلوهما و أعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا مكرها فقيل: يا رسول اللّه ان عمارا كفر فقال كلا ان عمارا ملئ ايمانا من قرنه الى قدمه و اختلط الايمان بلحمه و دمه فاتى رسول اللّه «ص» عمارا و هو يبكى فجعل رسول اللّه (ص) يمسح عينيه و قال مالك ان عادوا فعدلهم بما قلت، و التقية عندنا واجبة و المخالفون قالوا تركها أفضل اعزازا للدين.
قوله (اياكم أن تعملوا عملا يعيرونا به فان ولد السوء يعير والده بعمله) العمل يشمل الدينى و العرفى و ترك التقية فى الاول يوجب القتل و نحوه غالبا، و فى الثانى و يوجب التعيير و اللوم و فيه دلالة على أن المعلم الربانى والد روحانى للمتعلم و أن السبب للفعل بمنزلة فاعله و أنه ينبغى رعاية حقوق المخالفين و حسن صحبتهم تقية اذا كان تركها موجبا لتعييرهم للمعلم الربانى بأنه معلم سوء و ذلك نقص لهم بحسب العرف و لعل قوله:
 (و لا يسبقونكم الى شي‏ء من الخير) خبر بمعنى النهى أى لا يغلبوكم على فعل شي‏ء من الخير فانكم أولى بالخير منهم لانكم أهل الخير و هو ينفعكم. و الخب‏ء و الاخفاء و الستر تقول: خبأت الشي‏ء خبأ من باب منع أخفيته و سترته، و المراد به هنا التقية فيها لان اخفاء الحق استاره.
قوله (سالت أبا الحسن «ع» عن القيام للولاة) أى القيام لولاة الجور تواضعا لهم و يفهم جواز القيام للصلحاء و عدم جوازه للاشقياء الا للتقية.
قوله (التقية فى كل ضرورة) و ان لم تكن من الامور الدينية و ان كانت من‏

115
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب التقیة ص 109

14- عليّ، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن محمّد بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: [كان‏] أبي عليه السّلام يقول: و أيّ شي‏ء أقرّ لعيني من التقيّة إنّ التقيّة جنّة المؤمن.
15- عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن محمّد بن مروان قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما منع ميثم رحمه اللّه من التقيّة، فو اللّه لقد علم أنّ هذه الآية نزلت في عمّار و أصحابه «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ».
16- أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن شعيب الحدّاد عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّما جعلت التقيّة ليحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فليس تقيّة.
17- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كلّما تقارب هذا الأمر كان أشدّ للتقيّة.
18- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن إسماعيل الجعفي و معمر بن يحيى بن سام و محمّد بن مسلم و زرارة قالوا: سمعنا أبا جعفر عليه السّلام يقول التقيّة في كلّ شي‏ء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه له.
19- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: التقيّة ترس اللّه بينه و بين خلقه.
20- الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن أحمد بن حمزة، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: خالطوهم بالبرّانيّة و خالفوهم بالجوّانيّة إذا كانت الإمرة صبيانيّة
__________________________________________________
أهل الايمان. قوله (فاذا بلغ الدم فليس تقية) فلا يجوز لاحد قتل معصوم الدم تقية لحفظ نفسه من القتل.
قوله (كلما تقارب هذا الامر كان أشد للتقية) لعل المراد أن التقية فى آخر الزمان قريبا من ظهور القائم «ع» أشد لكثرة الفسوق و الظلم فيه و قلة أهل الصلاح و ضعفهم عن اجراء الاحكام و على ذلك روايات اخر.
قوله (خالطوهم بالبرانية و خالفوهم بالجوانية اذا كانت الإمرة صبيانية) البرانية العلانية من البر و هو الصحراء و الألف و النون من زيادات النسب، و الجوانية السر من الجو

116
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب التقیة ص 109

21- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن زكريّا المؤمن، عن عبد اللّه ابن أسد، عن عبد اللّه بن عطاء قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: رجلان من أهل الكوفة اخذا فقيل لهما: أبرئا من أمير المؤمنين فبرئ واحد منهما و أبى الاخر، فخلّي سبيل الذي برئ و قتل الاخر؟ فقال: أمّا الّذي برئ فرجل فقيه في دينه و أمّا الّذي لم يبرأ فرجل تعجّل إلي الجنّة.
22- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن صالح قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: احذروا عواقب العثرات‏
__________________________________________________
و هو داخل البيت و نحوه، و الإمرة بالكسر الامارة و لعل المراد بكونها صبيانية ميل صاحبها الى اللغو و الباطل و الفتنة كامراء الجور، و فيه حث على التقية و الاخذ بها الى زمان ظهوره القائم عليه السلام.
قوله (أما الّذي برئ فرجل فقيه فى دينه و أما الّذي لم يبرأ فرجل تعجل الى الجنة) فى وصف العامل بالتقية بأنه فقيه فى دينه دلالة واضحة على انه افضل و اجره اكمل لان الفقهاء ورثة الأنبياء ففضله على غيره كفضل الأنبياء، و يؤيده ما رواه أبو عبيدة عن أبى جعفر «ع» قال قال: «يا زياد ما تقول لو أفتينا رجلا ممن يتولانا بشي‏ء من التقية قال:
قلت له أنت أعلم جعلت فداك قال: ان أخذ به فهو خير له و أعظم أجرا و أما التارك للتقية فهو يدخل الجنة و ان كان آثما» لهذا الخبر. و لما روى أنه ان أخذ بها أو جر، و ان تركها أثم و لا منافاة بين الاثم و دخول الجنة «1» على أنه يمكن أن يراد بالاثم قلة الاجر بالنسبة الى الاخذ بها و فى الرواية التى نقلناها اشعار به، و اللّه يعلم.
قوله (احذروا عواقب العثرات) العثرات الزلات و منها ترك التقية و الامر بالحذر من عاقبته التى هى المؤاخذة به أمر بالاخذ بها لان ترك سبب المؤاخذة سبب لعدم المؤاخذة و هو مطلوب‏
__________________________________________________
 (1) قوله «و لا منافاة بين الاثم و دخول الجنة» هذا تحكم بين لان الاثم معصية لا يرضى بها اللّه تعالى فكيف يكون سببا لدخول الجنة و المراد هنا اقتضاء الفعل لا تفضل اللّه تعالى أو كثرة أعماله الحسنة بحيث يستحق العفو و الحق أن التقية تنقسم بانقسام الاحكام الخمسة فان كان تركها موجبا لقتل النفوس و نهب الاموال و ضرر غيره أياما كان، حرم قطعا و صار موجبا لدخول النار، و ان كان سببا لضرر الفاعل فقط و رضى هو به و ترك التقية جاز له، و ان كان موجبا لغلبة الكفار و هدم الدين و تسلط الظلمة و اخفاء حكم اللّه تعالى وجب ترك التقية و هكذا يقال فى المستحب و المكروه (ش).

117
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب التقیة ص 109

23- أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن محمّد بن إسماعيل، عن عليّ بن النعمان، عن ابن مسكان، عن عبد اللّه بن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:
التقيّة ترس المؤمن و التقيّة حرز المؤمن، و لا إيمان لمن لا تقيّة له، إنّ العبد ليقع إليه الحديث من حديثنا فيدين اللّه عزّ و جلّ به فيما بينه و بينه، فيكون له عزّا فى الدّنيا و نورا فى الآخرة، و إنّ العبد ليقع إليه الحديث من حديثنا فيذيعه فيكون له ذلّا في الدّنيا و ينزع اللّه عزّ و جلّ ذلك النور منه.
 (باب الكتمان)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين عليهما السّلام قال: وددت و اللّه أنّي افتديت خصلتين في الشيعة لنا ببعض لحم ساعدي: النزق و قلّة الكتمان.
2- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن أبي اسامة زيد الشحّام قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: امر النّاس بخصلتين فضيّعوهما فصاروا منهما على غير شي‏ء: الصبر و الكتمان.
3- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن يونس بن عمّار، عن‏
__________________________________________________
شرعا و عقلا قوله (و ان العبد ليقع إليه الحديث من حديثنا فيذيعه فيكون له ذلا فى الدنيا و ينزع اللّه عز و جل ذلك النور منه) ذله بالقتل و الضرب و نحوهما و المراد بذلك النور النور الّذي نشأ من كتمان الحديث و العمل بالتقية و لا ينافى ذلك ثبوت نور الايمان و غيره له و هو يدخل بذلك الجنة و يفهم منه أنه أقل أجرا من العامل بالتقية كما مر.
قوله (وددت و اللّه أنى افتديت خصلتين فى الشيعة لنا ببعض لحم ساعدى النزق و قلة الكتمان) افتدى به أعطاه شيئا فأنقذه و ذلك الشي‏ء المعطى الفداء. و نزق كسمع و ضرب طاش و خف و كتم السر و الحديث اذا أخفاهما و لما كانت التقية شديدة فى عصرهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بكتمان أسرارهم و إمامتهم و أحاديثهم و أحكامهم المختصة بمذهبهم عن المعاندين و غيرهم ممن لا يعرفونه ليحفظوا من بطشهم و قد بالغ «ع» فى ذلك و رغب فيه حتى أنه عد ضررهم أشد من قطع لحم الساعد مع أنه يقتل غالبا.
قوله (الصبر و الكتمان) أى الصبر عن اذى الاعداء أو الاعم منه و كتمان الدين عن غير أهله و فيه ترغيب فى الاخذ بهما لانه سبب عظيم لحفظ الدين و أهله.

118
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکتمان ص 118

سليمان بن خالد قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا سليمان إنّكم على دين من كتمه أعزّه اللّه و من أذاعه أذلّه اللّه.
4- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّه بن بكير عن رجل، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: دخلنا عليه جماعة، فقلنا: يا ابن رسول اللّه إنّا نريد العراق فاوصنا، فقال أبو جعفر عليه السّلام: ليقوّ شديدكم ضعيفكم و ليعد غنيّكم على فقيركم و لا تبثّوا سرّنا و لا تذيعوا أمرنا و إذا جاءكم عنّا حديث فوجدتم عليه شاهدا أو شاهدين من كتاب اللّه فخذوا به و إلّا فقفوا عنده، ثمّ ردّوه إلينا حتّى‏
__________________________________________________
قوله (يا سليمان انكم على دين من كتمه أعزه اللّه و من اذاعه أذله اللّه) تنكير دين للتعظيم لانه عظيم فى الواقع و عند أهله أو للتحقير باعتبار أنه حقير عند الناس. و المراد أن من كتمه و صانه من غير أهله و من لا يعرف حاله أعزه اللّه تعالى فى الدنيا و الآخرة و من أذاعه و أفشاه أذله اللّه تعالى فيهما بالاخذ و العقوبة. و هو اما دعاء أو خبر و أما من عرف حاله و أمانته و حفظه للسر فلا يجب الكتمان منه كما يدل عليه ما يجي‏ء من خبر عبد الاعلى من أبى عبد اللّه «ع» و يدل عليه أيضا قول أمير المؤمنين «ع» و الطمأنينة الى كل أحد قبل الاختبار عجز» أراد «ع» النهى عن طمأنينة الشخص الى آخر بالاعتماد عليه قبل الاختبار و اظهار السر عنده لان الاخلاق الذميمة من الحسد و الكفر و اعتقاد خلاف الحق و غيرها غالبة فى أكثر الناس و نقل عنه‏
لا تودع السر الا عند ذى كرم             و السر عند كرام الناس مكتوم‏
السر عندى فى بيت له غلق             قد ضاع مفتاحه و الباب مختوم.

قوله (ليقو شديدكم ضعيفكم) بالاغاثة و الاعانة و رفع الظلم (و ليعد غنيكم على فقيركم) عاد بمعروفه من باب قال، أفضل، و الاسم العائدة و هى المعروف و الصلة و العطف و المنفعة (و لا تبثوا سرنا) و هو الاحكام المخالفة لمذهب العامة و نحوها (و لا تذيعوا أمرنا) و هو أمر الامامة و الخلافة و غيرها من صفات كمالهم و آثار جلالهم و اذاعتها كانت موجبة لأذاهم و قتلهم و قتل شيعتهم اذ كانوا فى زمان شديد و كان الناس يفتشون أحوالهم و يقتلون أشياعهم و أتباعهم و من دان بسيرتهم بل كثيرا ما كانوا بصفة المنافقين يظهرون الانقياد و التسليم و يخفون خبائث قلوبهم و يمشون مع أهل الحق ظاهرا ليأخذوا منهم الاسرار و ينقلوها الى الاشرار كما سيظهر سر ذلك لمن نظر فى كتب السير و الاخبار فلذلك بالغوا عليهم السلام فى كتمان السر و الايمان من أهل البغى و العدوان، و أما اظهاره عند الامناء و أهل التسليم فأمر مطلوب لئلا يندرس الدين بمرور الازمنة و الايام و يبقى آثاره الى ظهور الامام «ع».
قوله (و إلا فقفوا عنده ثم ردوه إلينا) أى لا تنكروه و لا تردوه لعله صدر منا و نزل‏

119
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکتمان ص 118

يستبين لكم، و اعلموا أنّ المنتظر لهذا الأمر له مثل أجر الصائم القائم، و من أدرك قائمنا فخرج معه فقتل عدوّنا كان له مثل أجر عشرين شهيدا، و من قتل مع قائمنا كان له مثل أجر خمسة و عشرين شهيدا.

5- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن عبد الأعلى قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّه ليس من احتمال أمرنا التصديق له و القبول فقطّ، من احتمال أمرنا ستره و صيانته من غير أهله فأقرئهم السّلام و قل لهم: رحم اللّه عبدا اجترّ مودّة النّاس إلى نفسه، حدّثوهم بما يعرفون و استروا عنهم ما ينكرون، ثمّ قال: و اللّه ما الناصب لنا حربا بأشدّ علينا مئونة من الناطق علينا بما نكره، فاذا عرفتم من عبد إذاعة فامشوا إليه و ردّوه عنها، فإن قبل منكم و إلّا فتحمّلوا عليه بمن يثقل عليه و يسمع منه، فانّ الرّجل منكم يطلب الحاجة فيلطف فيها حتّى تقضى له، فالطفوا في حاجتي كما تلطفون في حوائجكم فإن هو قبل منكم و إلّا فادفنوا كلامه تحت أقدامكم و لا تقولوا: إنّه يقول و يقول. فإنّ ذلك يحمل عليّ و عليكم، أما و اللّه لو كنتم‏

______________________________
من اللّه على نبيه فيخرجكم انكاره الى الكفر هذا اذا لم يعلم أصول مذهبهم عليهم السلام و لم يعلم وجه صحته و لا وجه فساده كما يرشد إليه قول أبى عبد اللّه «ع» «انما الامور ثلاثة أمر بين رشده فيتبع، و أمر بين غية فيجتنب، و أمر مشكل يرد علمه الى اللّه و الى رسوله «ص» (و من أدرك قائمنا فخرج معه فقتل عدونا كان له مثل أجر عشرين شهيدا) دل على أن ضرر المخالفين من هذه الامة و اثمهم أعظم من ضرر المنكرين لمحمد «ص» و اثمهم. ألا ترى أن ضرر العدو الداخلي أعظم من ضرر العدو الخارجى.

قوله (من احتمال أمرنا ستره و صيانته من غير أهله) و هو الّذي علم انكاره أو جهل حاله مع احتمال عدم قبوله لهذا الامر. و بهذا الخبر يجمع بين الروايات المختلفة فما دل على الكتمان يحمل على الكتمان من غير أهله و ما دل على الاعلان يحمل على الاعلان بأهله ثم أشار الى أن الكتمان انما هو مطلوب فى الامور المنكرة عند اهل الخلاف دون المعروفة بقوله (حدثوهم بما يعرفون و استروا عنهم ما ينكرون) و ذلك أن الامور الدينية و الاحكام الشرعية بعضها مشترك بين الفريقين و بعضها مختص بالفرقة الناجية و هم يعرفونها دون غيرهم فأمر «ع» بتحديث الاول لينتشر علم الدين و استار الثانى تحفظا عن ضرر المعاندين ثم أشار «ع» الى شرفه بحسب النسب و العلم للحث على اتباعه فيما يقول و يأمر بقوله:

120
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکتمان ص 118

تقولون ما أقول لأقررت أنّكم أصحابي، هذا أبو حنيفة له أصحاب، و هذا الحسن البصري له أصحاب، و أنا امرؤ من قريش، قد ولدني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و علمت كتاب اللّه و فيه تبيان كلّ شي‏ء بدء الخلق و أمر السماء و أمر الأرض و أمر الأوّلين و أمر الآخرين و أمر ما كان و أمر ما يكون، كأنّي أنظر إلى ذلك نصب عيني.
6- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم. عن الرّبيع بن محمّد المسلي، عن عبد اللّه بن سليمان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال لي: ما زال سرّنا مكتوما حتّى صار في يد [ي‏] ولد كيسان فتحدّثوا به في الطريق و قرى السّواد
__________________________________________________
 (و أنا امرئ من قريش قد ولدنى رسول اللّه «ص» و علمت كتاب اللّه) قد ذكرنا فى باب تاريخ مولد النبي «ص» أن قريشا من أين تقرشت و وجه التسمية و أن سائر العرب ليسوا بكفو القريش و فيه دلالة على أن ابن بنت الرجل ابن له حقيقة كما فى قوله «ص» عن الحسنين عليهما السلام «هذان ابناى امامان» لان الاصل فى الاطلاق الحقيقة و هو مذهب بعض أصحابنا و قال بعض الاصحاب أنه ابن مجازا لاستعمال اللغة و للرواية عن الكاظم «ع» و هو «ع» علم جميع ما فى كتاب اللّه تعالى بتأييد ربانى و إلهام لدنى و تعليم أبوى و اعلام نبوى.
 (و فيه تبيان كل شي‏ء) تبيان بالكسر و الفتح شاذ مصدر الثلاثى المجرد بمعنى واضح گردانيدن و آشكار كردن بر وجه كمال.
 (بدء الخلق و أمر السماء و أمر الارض و أمر الاولين و أمر الآخرين و أمر ما كان و أمر ما يكون) البدء بالفتح و السكون الابتداء يعنى آغاز كردن و أول آفريدن و أول كارى كردن و هو و ما عطف عليه بدل أو بيان لكل شي‏ء أو مبتداء آخر بترك العاطف أى فيه ابتداء كل خلق و كيفية ايجاده من الملائكة المقربين و المجردات الروحانيين و السموات و الارضين و الجن و الناس أجمعين و كل ما كان و ما يكون الى يوم الدين من الحوادث اليومية و الوقائع الجزئية و الآثار العلوية و السفلية و كل يجرى فى هذا العالم. (كانى أنظر الى ذلك نصب عينى) تأكيد لقوله «و علمت كتاب اللّه» و تقرير له بتشبيه الادراك العقلى بالادراك الحسى لزيادة الايضاح و فيه تنبيه على وجوب رجوع الخلق إليه فى جميع الامور و قد مر مثل ذلك فى آخر باب الرد الى الكتاب و السنة.
قوله (ما زال سرنا مكتوما حتى صار فى يد [ى‏] ولد كيسان فتحدثوا به فى الطريق و قرى السواد) كناية عن تشهيره بين الخلائق، و كيسان لقب مختار بن أبي عبيد

121
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکتمان ص 118

7- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي عبيدة الحذّاء قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: و اللّه إنّ أحبّ أصحابي إليّ أورعهم و أفقههم و أكتمهم لحديثنا، و إنّ أسوأهم عندي حالا و أمقتهم للّذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا و يروى عنّا فلم يقبله اشمأزّ منه و جحده و كفّر من دان به و هو لا يدري لعلّ الحديث من عندنا خرج و إلينا اسند، فيكون بذلك خارجا عن ولايتنا.
8- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن عبد اللّه بن يحيى، عن حريز، عن معلّى بن خنيس قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا معلّى اكتم أمرنا و لا تذعه، فانّه من كتم أمرنا و لم يذعه أعزّه اللّه به في الدّنيا و جعله نورا بين عينيه في الآخرة، يقوده إلى الجنّة، يا معلّى من أذاع أمرنا و لم يكتمه أذله اللّه بد في الدّنيا و نزع النور من بين عينيه في الآخرة و جعله ظلمة تقوده إلى النّار، يا معلّى إنّ التقيّة من ديني و دين آبائي و لا دين لمن لا تقيّة له، يا معلّى إنّ اللّه يحبّ أن يعبد في السرّ كما يحبّ أن يعبد في العلانية، يا معلّى إنّ المذيع لأمرنا كالجاحد له.
9- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن مروان بن مسلم عن عمّار قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام، أخبرت بما أخبرتك به أحدا؟ قلت: لا إلّا سليمان بن خالد، قال: أحسنت أ ما سمعت قول الشاعر:
__________________________________________________
المنسوب إليه الكيسانية.
قوله (و جعله ظلمة تقوده الى النار) اذاعة أمرهم و عدم كتمانه من الخصال الذميمة و كل خصلة ذميمة ظلمة تظلم بها مرآة القلب و تظهر هذه الظلمة فى الآخرة لان الآخرة محل بروز السرائر و تقود صاحبها الى النار كما أن خصال الخير نور يقود صاحبه الى الجنة.
قوله (يا معلى ان التقية من دينى و دين آبائى) التقية، و هى ما يقى صاحبه عن اللائمة و العقوبة، من دين اللّه الى يوم القيامة و من صفات أهل الايمان أن يعلم حقيقتها و حقيقتها و موارد الحاجة إليها. فيقول و يعمل عند الحاجة بخلاف ما يعتقده حفظا لنفسه و ماله و غيره من المؤمنين عن الضرر.
قوله (أحسنت أ ما سمعت قول الشاعر الخ) احسنت للتوبيخ و التقريع كما دل‏

122
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکتمان ص 118

فلا يعدون سرّي و سرّك ثالثا             ألا كلّ سرّ جاوز اثنين شائع‏
 10- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن الرّضا عليه السّلام عن مسألة فأبي و أمسك، ثمّ قال: لو أعطيناكم كلّما تريدون كان شرّا لكم و اخذ برقبة صاحب هذا الأمر، قال أبو جعفر عليه السّلام: ولاية اللّه أسرّها إلى جبرئيل عليه السّلام و أسرّها جبرئيل إلى محمّد صلى اللّه عليه و آله و أسرّها محمّد إلى علي و أسرّها عليّ إلى من شاء اللّه، ثمّ أنتم تذيعون ذلك، من الّذي أمسك حرفا سمعه؟ قال أبو جعفر عليه السّلام: في حكمة آل داود ينبغي للمسلم أن يكون مالكا لنفسه. مقبلا على شأنه، عارفا بأهل زمانه، فاتّقوا اللّه و لا تذيعوا حديثنا، فلو لا أنّ اللّه يدافع عن أوليائه و ينتقم لأوليائه‏
__________________________________________________
عليه ما بعده. قوله (لو أعطيناكم كلما تريدون كان شرا لكم و أخذ برقبة صاحب هذا الامر) الظاهر ان اخذ بصيغة المجهول عطفا على كان و يحتمل أن يقرأ آخذ على صيغة التفضيل عطفا على شرا أى أشد مؤاخذة.
قوله (قال أبو جعفر «ع» ولاية اللّه أسرها الى جبرئيل «ع») الظاهر أنه من كلام أبى- الحسن الرضا نقلا عن جده عليهما السلام و يحتمل أن يكون من المصنف نقلا لحديث آخر بحذف الاسناد و الموصول فى قوله. (و أسرها على الى من شاء اللّه) من اولاده الطاهرين و أهل السر من المؤمنين و قوله (ثم أنتم تذيعون ذلك) اخبار لفظا و معنى و الغرض منه ذمهم للاذاعة و حمله على الانكار بعيد و الاستفهام فى قوله: (من الّذي امسك حرفا سمعه) للانكار أى لم يوجد أحد أمسك كلاما سمعه. و فيه تنبيه على أن الناس كلهم من أهل الاذاعة و انه لا بد من اخفاء السر عنهم.
قوله (ينبغى للمسلم أن يكون مالكا لنفسه) فيبعثها الى ما ينبغى و يمنعها عما لا ينبغى و منه اظهار السر.
 (مقبلا على شأنه) فيتفكر فيما ينفعه و ما يضره ليمكن له طلب الاول و ترك الثانى و فيهما اشارة الى رعاية السياسة البدنية و الحكمة المتعلقة بنفس كل أحد. (عارفا بأهل زمانه) فيعرف حال كل شخص بحسن فراسته و يعلم وصف كل أحد بنور درايته و يميز بين أهل الديانة و أهل الخيانة و يفرق بين صاحب السر و الكتمان و الايمان و بين أهل الاذاعة و الغدر و العدوان (فاتقوا اللّه و لا تذيعوا حديثنا) أى لا تذيعوا حديثنا فى الولاية و الامور المختصة بين من يتصور منهم الضرر اما اذاعة الامور المشتركة، أو المختصة بين من يقبلها و يكتمها من غير أهلها فقد مر أنه لا منع فيها.

123
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکتمان ص 118

من أعدائه، أما رأيت ما صنع اللّه بآل برمك و ما انتقم اللّه لأبي الحسن عليه السّلام و قد كان بنو الأشعث على خطر عظيم فدفع اللّه عنهم بولايتهم لأبي الحسن و أنتم بالعراق ترون أعمال هؤلاء الفراعنة و ما أمهل اللّه لهم فعليكم بتقوى اللّه، و لا تغرّنّكم [الحياة] الدّنيا، و لا تغترّوا بمن قد امهل له، فكأنّ الأمر و قد وصل إليكم‏
__________________________________________________
 (فلو لا أن اللّه يدافع عن أوليائه و ينتقم لاوليائه من أعدائه) كان جواب لو لا محذوف بقرينة المقام أى لم يتخلص أحد من الاولياء من شرهم او لتضرروا منهم و أشار الى الانتقام و الدفع على غير ترتيب اللف بقوله (أما رأيت ما صنع اللّه بآل برمك و ما انتقم اللّه لابى الحسن «ع») دعا أبو الحسن الرضا «ع» عليهم لكمال عداوتهم و شدة عتوهم فأجاب اللّه تعالى دعاءه و انتقم منهم كما هو المشهور (و قد كان بنو الاشعث) أشعث قيس بن الكندى ساكن الكوفة ارتد بعد النبي «ص» فى ردة أهل ياسر و زوجه أبو بكر اخته أم فروة و كانت عوراء فولدت له محمدا و كان من أصحاب على «ع» ثم صار خارجيا ملعونا شديد العداوة لاهل البيت عليهم السلام (على خطر عظيم) من سلطان عصرهم (فدفع اللّه عنهم) شره (بولايتهم لابى الحسن «ع») كما هو المعروف فى السير.
 (و أنتم بالعراق ترون أعمال هؤلاء الفراعنة و ما أمهل اللّه لهم) العراق بالكسر يذكر و يؤنث و هو اقليم معروف محدود من عبادان الى الموصل طولا و من القادسية الى حلوان عرضا و وجه التسمية مذكور فى القاموس و غيره. و العراقان البصرة و الكوفة، و الفراعنة جمع الفرعون و هو كل متمرد عات. و الفرعنة الدهاء و النكر. و فى المصباح هو فعلون أعجمى. و المراد بأعمالهم قتلهم العلماء و الصلحاء و أهل الدين و الايمان و نهبهم أموال الناس و غير ذلك من أعمالهم القبيحة و أفعالهم الشنيعة، و ما مصدرية و الامهال التأخير و لما كان مقتضى ذلك التقية منهم و عدم الاغترار بالدنيا مثلهم أشار «ع» إليهما بقوله.
 (فعليكم بتقوى اللّه و لا تغرنكم [الحياة] الدنيا) أى لا تغلبنكم الدنيا بزهراتها عن مقامكم على الورع و الاقتصاد. و لا يزيلنكم بثمراتها من ثباتكم على التقوى و الاجتهاد لان الدنيا ظاهرها زينة معجبة و باطنها سموم مهلكة. و من التقوى التقية من أهل العناد و اخفاء الحق من أهل الشراد و لما كان ضعفاء العقول قد يغترون بامهال اللّه تعالى أهل المعصية و عدم مؤاخذتهم بها عجالة و يميلون إليها مثلهم نهى «ع» عن ذلك بقوله. (و لا تغتروا بمن أمهل له فكان الامر قد وصل إليكم) أى لا تصيروا مغرورين بمن أمهل اللّه له فى البقاء على المعصية و الركون الى الدنيا و لم يؤاخذهم بها عجالة فكان أمر الآخرة و عقوبتهم فيها أو أمر اهلاكهم أو أمر الصاحب و ظهوره و استيلاؤه على الظلمة أو الجميع و قد وصل إليكم و ليس بينه و بينكم زمان يعتد به.

124
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکتمان ص 118

11- الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن عمر بن أبان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: طوبى لعبد نومة، عرفه اللّه و لم يعرفه الناس، اولئك مصابيح الهدى و ينابيع العلم ينجلي عنهم كلّ فتنة مظلمة، ليسوا بالمذاييع البذر و لا بالجفاة المرائين.
12- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أبي الحسن الاصبهاني‏
__________________________________________________
قوله (طوبى لعبد نومة عرفه اللّه و لم يعرفه الناس) نومة كهمزة الخامل أى الجنة أو طيب العيش أو الحسنى أو الخير لعبد خامل الذكر عرفه اللّه فى مقام طاعته و عبوديته و لم يعرفه الناس فى مشهدهم و فيه ترغيب فى ذكر اللّه تعالى فى جميع الاحوال و الفرار من الناس ليتخلص من أذيهم و لا يكتسب الشرور منهم. (أولئك مصابيح الهدى) لشروق نور المعارف الالهية على مرآة سرهم، و هو ثمرة الاستعداد بالحزن و الخوف و العزلة و مثمر الاهتداء به، و استعار لفظ المصباح لنور معرفتهم لاشتراكهما فى كون كل منهما سببا للهدى استعارة لفظ المحسوس للمعقول و الهداية على درجات منها معرفة طريق الخير و الشر و إليه يرشد قوله تعالى «وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ» و منها هداية الخاص و هى تحصل بالمجاهدات الحسنة و إليها يرشد قوله تعالى «وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا» و منها هداية خاص الخاص و هى من عند اللّه تعالى و لا مدخل للعبد فيها و هى للانبياء و الأوصياء و الاولياء و إليها يرشد قوله تعالى «إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى‏»*.
 (و ينابيع العلم) يخرج منهم العلم الى اراضى القلوب القابلة لبذر المعرفة و الحكمة و زرع الاخلاق الفاضلة و الاعمال الصالحة، و الينابيع جمع الينبوع و هو العين الّذي يخرج منه الماء ففيه استعارة مكنية تخييلية بتشبيه العلم بالماء فى الاحياء و اثبات إلينا بيع له.
 (ينجلى عنهم كل فتنة مظلمة) الفتنة بلا و فساد و آزمايش و جنك و آشوب و عذاب و محنت و وصفها بالمظلمة لانها تسود وجه القلب و تظلم طريق الحق و تمنع من مشاهدته كالظلمة و الانجلاء و التجلى وا اشدن غم و ابر و مانند آن. و المراد ذهاب الفتنة و بعدها عنهم.
 (ليسوا بالمذاييع البذر) المذاييع جمع المذياع بالكسر و هو من لا يكتم سره و البذر بضمتين جمع البذور كصبر جمع صبور، أو جمع بذير كالنذر جمع نذير و هما النمام و من لا يستطيع كتمان سره فيفشيه و ينادى به بين الناس. يقال بذرت الكلام بين الناس كما تبذر الحبوب و تتفرق فى الارض (و لا بالجفاة المرائين) الجفاة جمع الجافى و هو غليظ القلب و الطبع و البعيد عن الصلة و البر و الخير، و المرائين جمع المرائى و هو من يقصد بأعماله من الفعل و القول و المناظرة إراءة الناس لاظهار كماله و اشتهار حاله.

125
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکتمان ص 118

عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: طوبى لكلّ عبد نومة لا يؤبه له، يعرف الناس و لا يعرفه الناس، يعرفه اللّه منه برضوان، اولئك مصابيح الهدى ينجلي عنهم كلّ فتنة مظلمة و يفتح لهم باب كلّ رحمة، ليسوا بالبذر المذاييع و لا الجفاة المرائين و قال: قولوا الخير تعرفوا به و اعملوا الخير تكونوا من أهله و لا تكونوا عجّلا مذاييع، فانّ خياركم الّذين إذا نظر إليهم ذكر اللّه و شراركم المشّاءون بالنميمة، المفرقون بين الأحبّة، المبتغون للبرآء المعايب.
13- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عمّن أخبره قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: كفّوا ألسنتكم و ألزموا بيوتكم، فإنّه لا يصيبكم أمر تخصّون به أبدا و لا تزال الزيديّة لكم وقاء أبدا
__________________________________________________
قوله (طوبى لكل عبد نومة لا يؤبه له) أى لا يبالى به يقال ما وبهت له من باب علم و فى لغة من باب وعد أى ما باليت و ما احتفلت و لا اهممت بشأنه.
 (يعرف الناس و لا يعرفه الناس) أى يعرف أحوال الناس و قبح أعمالهم و سوء أفعالهم و فساد ضمائرهم و خبث عقائدهم بصفاء طبيعته و نور سريرته و ضياء قريحته فيعتزل عنهم و لا يعرفه الناس لذلك (يعرفه اللّه منه برضوان) الظاهر أن «منه» متعلق برضوان، و الضمير عائد الى اللّه و التقديم للحصر، و قوله «برضوان» حال عن ضمير يعرفه أى يعرفه اللّه حال كونه متلبسا برضوان عظيم من اللّه و الرضا و الرضوان ضد السخط.
 (و يفتح لهم باب كل رحمة) أى باب كل أسباب الرحمة و الاحسان من الاعمال و غيرها (و لا تكونوا عجلا) العجل بضم العين و تشديد الجيم المفتوحة جمع عاجل كطلب جمع طالب و جهل جمع جاهل من عجل فلان الى الامر من باب علم سبق إليه و اسرع فهو عاجل و عجل بكسر الجيم و ضمها و عجلان و فيه ترغيب فى التدبر فى الامور و العواقب (المبتغون للبرآء المعايب) البرآء و البراء جمع بري‏ء كالكرماء و الكرام جمع كريم.
قوله (كفوا ألسنتكم و ألزموا بيوتكم فانه لا يصيبكم أمر تخصون به أبدا) أمر بكف اللسان عما لا ينبغى عن اظهار السر عند غير أهله و بلزوم البيت و الاعتزال عن الناس و ترك مخالطتهم و بين فائدتهما بأنه لا يصيبكم مكروه تخصون به أبدا لاجل دينكم لان المكروه لاجل الدين انما يكون مع مخالطة المخالفين و افشاء السر عندهم (و لا تزال الزيدية لكم وقاء أبدا) و ذلك لان الزيدية لا يجوزون التقية و يوجبون الخروج بالسيف و يدعون الخلافة لعلى «ع» فالمخالفون يتعرضون لهم لا لكم اذا اتقيتم و بالجملة هم يظهرون ما تريدون‏

126
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکتمان ص 118

14- عنه، عن عثمان بن عيسى، عن أبي الحسن صلوات اللّه عليه قال: إن كان في يدك هذه شي‏ء فان استطعت أن لا تعلم هذه فافعل، قال: و كان عنده إنسان فتذاكروا الاذاعة، فقال: احفظ لسانك تعزّ و لا تمكّن النّاس من قياد رقبتك فتذلّ.
15- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن خالد بن نجيح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ أمرنا مستور مقنّع بالميثاق فمن هتك علينا أذلّه اللّه.
16- الحسين بن محمّد، و محمّد بن يحيى، جميعا، عن عليّ بن محمّد بن سعد، عن محمّد بن مسلم، عن محمّد بن سعيد بن غزوان، عن عليّ بن الحكم، عن عمر بن أبان عن عيسى بن أبي منصور قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: نفس المهموم لنا المغتمّ لظلمنا تسبيح و همّه لأمرنا عبادة و كتمانه لسرّنا جهاد في سبيل اللّه، قال لي محمّد بن سعيد: اكتب هذا بالذّهب، فما كتبت شيئا أحسن منه.
 (باب) (المؤمن و علاماته و صفاته)
1- محمّد بن جعفر، عن محمّد بن إسماعيل، عن عبد اللّه بن داهر، عن الحسن‏
__________________________________________________
اظهاره فلا حاجة لكم الى اظهاره حتى تلقوا بايديكم الى التهلكة.
قوله (ان كان فى يدك هذه شي‏ء فان استطعت أن لا تعلم هذه فافعل) هذه غاية المبالغة فى كتمان سرك من أقرب الناس أليك فانه و ان كان من خواصك ليس بأحفظ لسرك منك.
 (فقال احفظ لسانك تعز) فان أكثر المذلة و الخذلان ينشأ من ارسال اللسان و اظهار ما فى الجنان. و لذلك قال أمير المؤمنين «ع» «حفظ ما فى الوعاء بشد الوكاء» و هذا مثل، و المراد منه هنا ان ما فى القلب ان اريد أن لا يطلع غيره مما سوى اللّه المطلع على خفيات الصدور وجب أن يحفظ اللسان. فانه آلة تلف الانسان و مظهر مكنون الجنان.
 (و لا تمكن الناس من قياد رقبتك فتذل) هذا كناية عن الحبس و الاذلال و الاخذ الشديد و نحوها، و كل ذلك مترتب على افشاء السر و ترك التقية. و القياد حبل يشد على عنق البهيمة و تقاد به.
قوله (ان أمرنا مستور مقنع بالميثاق فمن هتك علينا أذله اللّه) أى أخذ اللّه عهدا على‏

127
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

ابن يحيى، عن قثم أبي قتادة الحرّاني، عن عبد اللّه بن يونس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قام رجل يقال له: همّام- و كان عابدا، ناسكا، مجتهدا- إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و هو يخطب، فقال: يا أمير المؤمنين صف لنا صفة المؤمن كأنّنا ننظر إليه؟ فقال:
يا همّام المؤمن هو الكيّس الفطن، بشره في وجهه و حزنه في قلبه، أوسع شي‏ء
__________________________________________________
المقرين بأمرنا على استتاره و كتمانه على المنكرين له فمن هتك علينا باظهاره و رفع الحجاب عنه أذله اللّه لنقض عهده المتضمن للاضرار علينا و الجملة اما دعائية أو اخبارية.
قوله (قام رجل يقال له همام) همام ككشاف و هو همام بن سريح بن بريد بن مرة ابن عمرو بن جابر بن عوف الاصهب. و كان من شيعة على «ع» و أوليائه و كان عابدا ناسكا مجتهدا فى الدين و الاخلاق و الاعمال. قال السيد رضى الدين رضى اللّه عنه روى أنه قال يا أمير المؤمنين صف لى المتقين حتى كانى انظر إليه فتثاقل عن جوابه ثم قال «ع» يا همام اتق اللّه و احسن فان اللّه مع الذين اتقوا و الذين هم يحسنون. فلم يقنع همام بذلك القول حتى عزم عليه، و قال بعض الاعلام تثاقله «ع» عن جوابه لما رأى من استعداد نفسه لاثر الموعظة و خوفه عليه أن يخرج به خوف اللّه الى انزعاج نفسه و صعقها و أمره بتقوى اللّه أى فى نفسه أن يصيبها فادح بسبب سؤاله، و أمره بالاحسان إليها بترك تكليفها فوق طاقتها، و لذلك قال «ع» حين صعق همام «اما و اللّه لقد كنت اخافها عليه» (فقال يا همام المؤمن هو الكيس الفطن) تعريف الخبر باللام و توسيط الضمير لقصد الحصر و التأكيد، و الكيس وزان فلس جودة القريحة. قال ابن الانبارى: العقل و يقال أنه مخفف كيس مثل هين و هين و الاول أصح لانه مصدر من كاس كيسا من باب باع، و اما المثقل و هو المراد هنا فاسم فاعل و الجمع أكياس مثل جيد و أجياد، و الفطنة ذكاء النفس، و رجل فطن بأحواله و امور الدين عالم بوجوههما حاذق و انما قدمهما لانهما مبدءان للمحاربة مع النفس الامارة و آلتان للغلبة عليها (بشره فى وجهه و حزنه فى قلبه) اذ لا يطمئن من اضطرابه لما فات و وقوع التقصير فيه و لا يسكن من روعته لما هوات و توقع التقصير فيه حتى يرفع الحجاب و يدخل الجنة لان الانسان و ان بلغ حد الكمال لا يأمن من النقص و الوقوع فى الخسران، و أما بشره و هو بالكسر طلاقة الوجه و البشاشة و اظهار السرور فلانه من حسن العشرة و كمال الرأفة بالاخوان المؤمنين بخلاف العبوس فانه من علامات الغلظة و التجبر و أمارات أهل النار.
 (أوسع شي‏ء صدرا و أقل شي‏ء نفسا) سعة الصدر و انفراجه عبارة عن انكشافه لقبول ما فى السموات و الارضين و عالم الملك و الملكوت من الاسرار اللاهوتية و الآثار الربوبية و

128
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

صدرا و أذلّ شي‏ء نفسا، زاجر عن كلّ فان، حاضّ على كلّ حسن، لا حقود و لا حسود، و لا وثاب، و لا سبّاب، و لا عيّاب، و لا مغتاب، يكره الرّفعة، و
__________________________________________________
تجليات أنوار الحق. و ذل النفس اشارة الى الاخذ بزمامها و المنع عن مرامها كيلا تتجاوز عن الحدود الشرعية و الآداب العرفية الموافقة للقوانين النبوية أو الى مذلتها و هونها عنده فالاذل على الاول من الذل بالكسر بمعنى السهولة و الانقياد. يقال ذلت الدابة ذلا بالكسر أى سهلت و انقادت فهى ذلول. و على الثانى من الذل بالضم بمعنى الهون و الضعف يقال:
ذل ذلا بالضم و مذلة اذا ضعف و هان.
 (زاجر عن كل فان حاض على كل حسن) أى زاجر نفسه أو غيره أو الاعم و كذا حاض و الحض الحث و التحريض و ذلك لعلمه بأن نفع الاول زائل لا يبقى و نفع الثانى باق لا يفنى و فيه اعلام بصرف همته الى مولاه و اعراضه بالكلية عما سواه طلبا لرضاه.
 (لا حقود و لا حسود و لا وثاب و لا سباب و لا عياب و لا مغتاب) الحقد امساك العداوة، و البغض فى القلب و التربص لفرصتها. و الحقود الكثير الحقد و «لا» للمبالغة فى النفى لا لنفى المبالغة كما قيل فى قوله تعالى وَ ما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ و نحوه و قد صرح به التفتازانى فى شرح التلخيص فلا يلزم ثبوت أصل الفعل و كذا فى البواقى. و الحسد اكراه الرجل نعمة الغير و فضيلته و تمنى زوالها منه مطلقا أو منه إليه و هو من توابع الجهل بالحكمة الالهية و عدم الرضا بالقسمة الربانية. و الوثب و الوثوب بر جستن و العامة تستعمله بمعنى المبادرة و المسارعة الى الامر و الاخذ و هو من لوازم الحمق و خفة العقل، و السب القطع و الطعن و الفحش و الشتم و هو من توابع الانحراف عن الاعتدال فى القوة الغضبية، و العيب النقص و النسبة إليه أيضا فهو لازم و متعد يقال عاب المتاع عيبا فهو عائب و عابه صاحبه فهو معيب و معيوب و الفاعل من هذا عائب و عياب للمبالغة، و الاغتياب ذكر الغائب بما يكرهه و هو فيه و ان لم يكن فيه فهو التهمة و هما من توابع الطغيان فى القوة الشهوية و القوة الغضبية و خفة العقل اذ الشهوية اذا لم تنل من أحد ما ارادت منه تحركت القوة الغضبية الى الانتقام منه و هما من أفراده و العقل لخفته لا يعلم أن الوبال عائد إليه حقيقة.
 (يكره الرفعة و يشنأ السمعة) الشنأ دشمن داشتن شنأه كمنعه و سمعه شنئا و يثلث ابغضه، و السمعة بالضم أو الفتح أو التحريك كارى كه براى شنيدن مردم كنند و آن مانند ريا است أى يكره رفعة القدر و هى بالكسر مصدر رفع ككرم أى شرف و علا قدره فهو رفيع و يشنأ أن يعمل ليرى و يسمع فينوه بذكره، و أما اذا عمل فسمعه الناس و احبوه و اثنوه من غير أن يقصد بعلمه ذلك فقد أعطاه اللّه أجره مرتين.

129
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

يشنأ السمعة، طويل الغمّ، بعيد الهمّ، كثير الصمت، وقور، ذكور، صبور شكور، مغموم بفكره، مسرور بفقره، سهل الخليقة، ليّن العريكة، رصين الوفاء، قليل الأذى، لا متأفّك و لا متهتّك، إن ضحك لم يخرق، و إن غضب لم‏
__________________________________________________
 (طويل الغم بعيد الهم كثير الصمت) طول غمه بسبب تذكر اهوال القيامة و عدم عامه بمآل حاله و بعد همه أى حزنه الّذي يذيبه و يقلقله بسبب تصور التقصير فى العبودية و يمكن أن يراد بالهم القصد و العزم و طول قصده بسبب تعلقه بالاخرة لا بالدنيا، و كثرة صمته بسبب علمه أن الاقوال أكثره فاسدة متعلقة بما لا يعنى و أن الكلام يشغل السر عن التجرد لذكر اللّه و يمنع استكماله بالمعارف و الحكمة و أن الصمت يلحقه بها.
 (وقور ذكور صبور شكور) أى وقور فى الامور العظام الموجبة لاضطراب القلوب و ذكور للّه تعالى و ما يقربه إليه و ما ينفعه فى الآخرة، و صبور فى مكاره الدنيا لثبات قلبه و علو همته عن أحوالها، و شكور فى الضراء و السراء.
 (مغموم بفكره مسرور بفقره) لان فكره فى المبدأ و المعاد و ما يرد على الانسان بعد الموت و عدم علمه بما يفعل به يورث الغم و علمه بمنافع الفقر و مضار الغنى و صعوبة نجاة الاغنياء الا من رحم اللّه يوجب السرور.
 (سهل الخليقة لين العريكة رصين الوفاء قليل الاذى) سهل كضرب و كتف هموار و خوش و نرم. و الخليقة الطبيعة كالعريكة. يقال لانت عريكته اذا انكسرت نخوته و تكبره عند معاملات الناس و هو من اجزاء التواضع. و الرصين بالصاد المهملة المحكم الثابت و الحفى بحاجة صاحبه و فعله مثل كرم يقال رصنه و أرصنه أى أكمله و أحكمه، و فى الاول اشارة الى سهولة طبيعته فى قبول الحق و الاقبال إليه، و فى الثانى الى لين عريكته و عدم نخوته مع الخلق، و فى الثالث الى الثبات على العهد و الوفاء به، و فى الرابع الى عدم وصول اذاه و ضرره الى الخلق.
 (لا متأفك و لا متهتّك) التأفك و التهتك للمطاوعة تقول أفكه- من باب ضرب و علم- فائتفك و تأفك أى لا يبالى ما نسب إليه من الافك و هو الكذب و هتك الستر و غيره من باب ضرب خرقه أو جذبه حتى نزعه من مكانه أو شقه حتى يظهر ما وراه فانتهك و تهتك. و رجل منهتك و متهتك لا يبالى ان يهتك ستره. و ذلك من خفة العقل و سفاهة الرأى كما هو شأن الاجلاف و السقاط الذين لا يبالون بنسبة القبائح إليهم و لا بفعلهم لها.
 (ان ضحك لم يخرق و ان غضب لم ينزق) الخرق بالفتح و السكون الشق. و فعله من باب نصر و ضرب، و بالضم و السكون و بالتحريك الحمق، و فعله من باب علم و كرم، و النزق الخفة و الطيش عند الغضب، و فعله من باب علم و ضرب يعنى ان ضحك لم يشق فاه و لم يفتحه كثيرا حتى‏

130
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

ينزق، ضحكه تبسم، و استفهامه تعلم، و مراجعته تفهم، كثير علمه، عظيم حلمه، كثير الرحمة، لا يبخل، و لا يعجل، و لا يضجر، و لا يبطر، و لا يحيف في حكمه، و لا يجور في علمه، نفسه أصلب من الصلد، و مكادحته أحلى من الشهد، لا جشع، و لا
__________________________________________________
يبلغ القهقهة كما هو شأن الكرماء، أو لم يحمق و لم يضحك كضحك الاحمق الاخرق، و ان غضب على أحد لم يخرجه الغضب الى حد الخفة و الطيش كما هو حال الجهلاء.
 (ضحكه تبسم و استفهامه تعلم و مراجعته تفهم) يعنى ضحكه تبسم غير مشتمل على الصوت لشرف ذاته و غلبة ذكر الموت و ما بعده على قلبه كما نقل من صفاته «ص» انه كان أكثر ضحكه التبسم، و قد يفتر أحيانا و لم يكن من أهل القهقهة، و استفهامه عن الشي‏ء تعلم له لا تعنت، و مراجعته الى الشي‏ء و مذاكرته فيه تفهم له و لآثاره و لوازمه، و الفهم ملكة سرعة الانتقال من الملزومات الى اللوازم من غير مكث.
 (كثير علمه عظيم حلمه كثير الرحمة) الاول اشارة الى صرف همته بالكلية فى تحصيل كمالاته العقلية و النقلية من المعارف اليقينية و الشرائع النبوية و احياء العقل النظرى بها، و الثانى اشارة الى كمال مبالغته فى تعديل قوته الغضبية التى من شأنها الاخذ و البطش و الطغيان و الترفع و التسلط و الغلبة على الاقران حتى حصلت له بذلك ملكة الحلم المقتضية للصفح و الستر و العفو و الاناة و الحنان و الاستكانة، و الثالث اشارة الى بعض لوازم الاول و ملزوم الثانى فان العلم بقباحة الطغيان و شناعة العدوان و سوء عاقبتهما يستلزم الرحمة بعباد اللّه أى الشفقة و الرأفة بهم، و رقة القلب و التعطف عليهم و هى يستلزم الحلم و الصفح عن زلاتهم.
 (لا يبخل و لا يعجل و لا يضجر و لا يبطر) لعلمه بأن البخل و هو منع الواجبات المالية و منع المستحق و السائل مما يفضل عنده من أحسن الاخلاق المهلكة و فعله من باب علم و كرم و ان العجل و هو السرعة الى الامر من غير تفكر فيه و تدبر فى عاقبته يوجب الندامة و الحيرة و فعله من باب علم، و أن الضجر من الحق و هو التبرم و القلق و الاغتمام منه يوجب البعد عنه و الانحراف الى ضده. و فعله من باب علم. و أن البطر و هو بالتحريك النشاط و الاشر و الدهش عن الحق و الحيرة فيه و الطغيان بالنعمة و كراهة الشي‏ء من غير أن يستحق الكراهة و التكبر عند الحق و عدم قبوله يوجب كفران النعمة و سخط الرب و البعد منه، و فعله من باب علم.
 (و لا يحيف فى حكمه و لا يجور فى علمه) لان الحيف فى الحكم بالميل الى الباطل فى فتواه و الجور فى العلم بترك العمل بمقتضاه من توابع النقص فى القوة النظرية و العملية و قوته النظرية فى أقصى مراتب الاعتدال و قوته العملية فى أعلى مراتب الكمال.
 (نفسه أصلب من الصلد و مكادحته أحلى من الشهد) الصلد و يكسر الحجر الصلب‏

131
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

هلع، و لا عنف و لا صلف و لا متكلف و لا متعمق، جميل المنازعة، كريم المراجعة عدل إن غضب، رفيق إن طلب، لا يتهور و لا يتهتك و لا يتجبر، خالص الودّ، وثيق العهد
__________________________________________________
الاملس، و الكدح العمل و السعى فيه، و الشهد بالفتح و يضم العسل وصف نفسه بأنها أصلب من الصلد لانه لا يد للشيطان عليها و لا تنفذ سهام وسوسته فيها، و وصف عمله و مبالغته فى الخيرات بأنه أحلى من العسل فى مذاقه و ميل طبعه اللطيف إليه.
 (لا جشع و لا هلع و لا عنف و لا صلف و لا متكلف و لا متعمق) الجشع بفتح الجيم و كسر الشين الحريص الشديد فى حرصه و هو الّذي يأخذ نصيبه و يطمع فى نصيب غيره. و فعله من باب علم و الهلع بفتح الهاء و كسر اللام. و الهلوع من يجزع فى المصائب و يفزع من الشر و النوائب جزعا شديدا و فزعا عظيما و يطلق على الحريص و الشحيح أيضا. و فعله من باب علم و العنف ككتف و العنيف من لا رفق له فى القول و الفعل. و فعله من باب كرم و يتعدى بالباء و على. و الصلف ككتف من يتكلم بما يكرهه صاحبه و يمدح نفسه و لا خير عنده و يجاوز قدره و يدعى فوق ذلك تكبرا و يكثر القول بما لا يفعل، و فعله من باب علم. و المتكلف المتعرض لما لا يعنيه، و المتعمق المبالغ فى الامور المتشدد فيها و المتنطع فى الكلام الغالى فيه.
 (جميل المنازعة كريم المراجعة) اذ مراجعته من ضروريات الدنيا الى اللّه و طلب رضاه و منازعته مع بنى نوعه اما فى امور الدنيا على وجه لا يؤذيهم، أو فى ترويج مكارم الاخلاق و محامد الافعال و محاسن الامور التى تفاضلت فيها الا ماجد بالحكمة و الموعظة الحسنة (عدل ان غضب رفيق ان طلب) اشارة الى أنه عدل فى القوة الغضبية فلا يكون مفرطا مقصرا بحيث يبطل حدا من حدود اللّه و لا مفرطا متجاوزا فيها عن الحد بحيث يكون ظالما لنفسه و لغيره و بالجملة مالك لزمام تلك القوة يصرفها فيما ينبغى و يمنعها عما لا ينبغى و الى أنه رفيق ان طلب حقه من الغير فلا يعنف به و لا يشدد عليه أو ان طلب الغير منه حقه فلا يماطله و لا يماكسه فطلب على الاول معلوم و على الثانى مجهول.
 (لا يتهور و لا يتهتك و لا يتجبر) التهور الوقوع فى الامر بقلة مبالاة يعنى بى‏باكانه كار كردن. و التهتك خرق الستر يعنى پرده دريدن و پرده برداشتن. و التجبر التكبر.
 (خالص الود وثيق العهد و فى العقد) الود بالحركات الثلاث الحب و العهد الموثق و الذمة و الامانة التى منها الولاية، و العقد الضمان و المقرر بالعقود مثل النذر و غيره يعنى حبه للمؤمنين خالص للّه غير مشوب بغرض آخر و عهده فى الولاية و الامانة و غيرهما محكم لا يعتريه النقص، و عقده مقرون بالوفاء لا يعترضه العذر.
 (شفيق وصول حليم خمول) أى وصول بنفسه الى المؤمنين غير معتزل عنهم أو وصول بنعمته‏

132
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

و في العقد، شفيق، وصول، حليم، خمول. قليل الفضول. راض عن اللّه عز و جل مخالف لهواه، لا يغلظ على من دونه، و لا يخوض فيما لا يعنيه، ناصر للدين، محام عن المؤمنين، كهف للمسلمين، لا يخرق الثناء سمعه و لا ينكي الطمع قلبه، و لا
__________________________________________________
الى الاقربين و ذوى القربى و المساكين. و حليم ذو أناة و تثبت فى الامور كما هو من شعار العقلاء و دثار الكرماء، و خمول ليس من أبناء الدنيا المشهورين بنعيمها.
 (قليل الفضول راض عن اللّه عز و جل مخالف لهواه) أى ليس فى فعله و قوله فضول كثيرة فربما يفعل قليلا من المباحات و يتقول بها لحسن المعاشرة و راض عن اللّه عز و جل بما أعطاه من قسمه و رزقه، و مخالف لهواه بقهره نفسه الامارة و تطويعها بالحياء و حسن السياسة للنفس المطمئنة فنجى عن الهواء و خلص عن الردى و لم يتجاوز فى المأكول و الملبوس و المنكوح و نحوها عن الحدود الشرعية.
 (لا يغلظ على من دونه و لا يخوض فيما لا يعنيه) غلظ الرجل اشتد فهو غليظ و فعله كضرب و كرم. و أغلظ له فى القول اغلاظا خشن عليه و عنفه. و غلظ عليه فى اليمين تغليظا شدد عليه. و الخوض الدخول فى الامر أى لا يغلظ على من دونه فى العلم و العمل و الدنيا و لا يشدد عليه و لا يعنفه و لا يدخل فيما لا يعنيه إذ همته متعلقة بالاخرة و الملاء الاعلى و ما لا يعنيه يضاد ذلك و يمنعه عن الوصول الى مقصده فلذلك يرفضه بالكلية.
 (ناصر للدين محام عن المؤمنين كهف للمسلمين) أى ناصر للدين يروجه بين المؤمنين و يدفع عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و كيد الكائدين و محام عن المؤمنين يحفظهم عن شر المعاندين و يحرسهم عن ظلم الظالمين و جور الماكرين، و كهف للمسلمين لانهم يلجئون إليه فى المكاره و النوائب، و اطلاق الكهف عليه و هو بيت منقور فى الجبل على سبيل الاستعارة، (و لا يخرق الثناء سمعه) أى لا يشقه و لا يدخل فيه لانه يتأبى من استماعه و يستكرهه لعلمه بأن استماعه و الرضا به يوجب اهتزاز النفس و الاعتراف بكمالها و الادلال بخروجها عن حد التقصير و العجب بكمالها و كل ذلك مهلك، و لم يرض أمير المؤمنين «ع» بالثناء عليه مع كمال تقدسه. فقال حين مدحه قوم فى وجهه «اللهم انك أعلم بى من نفسى و انى أعلم بنفسى منهم اللهم اجعلنا خيرا مما يظنون و اغفر لنا ما لا يعلمون».
 (و لا ينكى الطمع قلبه) أى لا يقتل أو لا يجرح الطمع فى الدنيا أو فيما فى أيدى الناس قلبه لسده باب الطمع فلا يدخل فيه حتى يميته أو يجرحه.
 (و لا يصرف اللعب حكمه) اذ ليس له لعب معروف و لا ميل الى الدنيا حتى يصرف حكمه و قضاءه عن اصلاح نفسه و دينه و دين اخوانه المؤمنين.

133
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

يصرف اللعب حكمه، و لا يطلع الجاهل علمه، قوال، عمال، عالم، حازم، لا بفحّاش و لا بطياش، وصول في غير عنف، بذول في غير سرف، لا بختال و لا بغدار و لا يقتفي أثرا، و لا يحيف بشرا، رفيق بالخلق، ساع في الأرض، عون للضعيف، غوث للملهوف، لا يهتك سترا، و لا يكشف سرا، كثير البلوى، قليل الشكوى، إن‏
__________________________________________________
 (و لا يطلع الجاهل علمه) أى لا يعلم الجاهل علمه يقال اطلعه على افتعله اذا علمه او لا يعلو الجاهل علمه و لا يبلغ مبلغه من طلع الجبل كمنع و نصر و علم اذا علاه. و ذلك لانه حكيم يضع علمه و حكمته فى موضعه و يمنعه عن غير أهله.
 (قول عمال عالم حازم) أى كثير القول فى امور الدين و هداية الخلق و كثير العمل لما بعد الموت لان مخالفة القول للعمل عند الخلق قبيح و عند اللّه أقبح و لذلك عابت بقوله «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ» و عالم بالكتاب و السنة و أحوال المبدأ و المعاد و حازم ضابط لامره متقن له آخذ فيه بالثقة لا يرتكب ما يضره فى الدنيا و الآخرة فهو كامل فى قوته النظرية و العقلية و العملية.
 (لا بفحاش و لا بطياش) الفحش القول السيئ و عدوان الجواب و ما يشتد قبحه من الذنوب و كل ما نهى اللّه عز و جل عنه، و الطيش النزق و الخفة و ذهاب العقل. و الطياش من لا يقصد وجها واحدا و ذلك ينشأ بتجاوز القوة الغضبية عن حد الاعتدال و المبالغة فى النفى كما مر و لو اريد نفى المبالغة فللاشارة الى أن الانسان ليس بمعصوم الا من عصمه اللّه تعالى.
 (وصول فى غير عنف بذول فى غير سرف) أى وصول بالمؤمنين فى غير أن يعنف عليهم و يؤذيهم بالقول و الفعل، و العنف مثلثة العين ضد الرفق، و جواد فى اقتصاد و هو من كمال العقل، و السرف بفتحتين ضد القصد و هو اسم من اسرف اسرافا اذا جاوز القصد بالتبذير أو الانفاق فى غير طاعة اللّه.
 (لا بختال و لا بغدار) الغدار من ينقض عهده و لا يفى به، و الختال من يخادع صاحبه، و فى بعض النسخ و لا بختار بالراء و هو الغدار و الخداع.
 (و لا يقتفى أثرا و لا يحيف بشرا) أى لا يتبع أثرا لجهلة لانهم فى واد و هو فى واد آخر أو نقل أخبارهم لانه لغو. و لا يجور بشرا و لا يظلمهم لقيامه على العدل.
 (رفيق بالخلق ساع فى الارض عون للضعيف غوث للملهوف) رفقه بالخلق من توابع سكون قوته الغضبية و الشهوية و وقوفهما على العدل، و سعيه فى الارض لقضاء حوائج المؤمنين و عونه للضعيف و غوثه للملهوف الحزين فى دفع الضر عنهما، و تحصيل النفع لهما من لوازم الكمال فى قوته العقلية (لا يهتك سترا و لا يكشف سرا) أى لا يهتك ستر غيره و فيما

134
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

رأى خيرا ذكره، و إن عاين شرا ستره، يستر العيب، و يحفظ الغيب، و يقيل العثرة، و يغفر الزلة، لا يطلع على نصح فيذره، و لا يدع جنح حيف فيصلحه، أمين، رصين، تقي، نقي، زكي، رضي، يقبل العذر و يجمل الذكر، و يحسن بالناس الظن، و يتهم على الغيب نفسه، يحب في اللّه بفقه و علم، و يقطع‏
__________________________________________________
مر ستر نفسه و التأكيد محتمل و لا يكشف سر غيره أو سر نفسه أو الاعم لعلمه بأن كشفه ليس من صفات العقلاء و سمات الكرماء. و بأنه اذا لم يحفظ سره فغيره أولى بأن لا يحفظه.
 (كثير البلوى قليل الشكوى) البلوى و البلية اسمان من بلاه اللّه بخير أو شر اذا اختبره و امتحنه بهما لانهما شاقان على النفوس، يدل الرضا بهما و الصبر عليهما و ترك الشكاية، على الخلوص فى مقام العبودية كما هو شأن الأنبياء و الأوصياء و من يقتفى أثرهم.
 (ان رأى خيرا ذكره و ان عاين شرا ستره يستر العيب و يحفظ الغيب) لعلمه بأن ذكر خير الغير مطلقا و ان لم يصل إليه و ستر شره و ان وصل إليه، و ستر عيبه و حفظ غيبه من صفات الكرام و خلاف ذلك من نعوت اللئام.
 (و يقيل العثرة و يغفر الزلة) و هما متقاربان و يمكن تخصيص الزلة بالمنطق و العثرة بغيره من الافعال أو تخصيص العثرة بنقض العهد و الوعد و حمل الزلة على غيره و الاقالة فى الاصل فسخ البيع تقول: قلته البيع و أقلته اذا فسخته. و المراد هنا التجاوز عن التقصير على سبيل التشبيه و الاستعارة (لا يطلع على نصح فيذره و لا يدع جنح حيف فيصلحه) أى لا يترك النصح فى موضع ينبغى النصح فيه و لا يدع الميل الى الجور بل يصلحه كما هو شأن الامر بالمعروف و الناهي عن المنكر (أمين رصين تقى نقى زكى رضى) أى أمين لا يضيع ما استحفظه الخلق و الخالق من دينه و كتابه و حدوده. رصين لكونه محكما ثابتا فى أمره و دينه. تقى بالفضائل. نقى عن الرذائل. زكى لكمال قوته العقلية بحيث يدرك المطالب العلية من المبادى الخفية بسهولة لكثرة مزاولتها. رضى عن اللّه بما قسم له أو مرضى عند الخالق و الخلائق.
 (يقبل العذر و يجمل الذكر) قبول عذر الاخوان و ان ضعف من صفات السمحاء و أرباب الايمان و اجمال ذكرهم و تحسينه و تكثيره من سمات الصلحاء و أصحاب العرفان.
 (و يحسن بالناس الظن و يتهم على الغيب نفسه) حسن الظن بالمؤمنين أمر مطلوب كما نطق به القرآن الكريم، و اساءة الظن بهم من وسوسة الشيطان الرجيم و الامر بالحزم منهم كما فى بعض الروايات لا ينافيه لان بناء الحزم على التجويز و الامكان و الغيب على ما صرحوا به يطلق على ما جاء به النبي «ص» و على الايمان به و على الآخرة و ثوابها و عقابها و على قبول الاعمال، و اتهام النفس راجع الى الخوف من تقصيرها و هو محرك‏

135
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

في اللّه بحزم و عزم، لا يخرق به فرح، و لا يطيش به مرح، مذكر للعالم، معلم للجاهل، لا يتوقع له بائقة، و لا يخاف له غائلة، كل سعي أخلص عنده من سعيه، و كل نفس أصلح عنده من نفسه، عالم بعيبه، شاغل بغمه، لا يثق بغير
__________________________________________________
لها الى رعاية الحقوق على وجه الكمال و الى رد ما تحكم به النفس باستعانة الوهم من حسن العقائد و الاعمال و كونها مقبولة واقعة على الوجه المطلوب للّه تعالى و هذا الوهم مبدأ للعجب بالعبادة و عدم التقصير فيها و هو من المهلكات.
 (يحب فى اللّه بفقه و علم و يقطع فى اللّه بحزم و عزم) الفقه هو البصيرة القلبية كما صرح به كثير من أهل العرفان، و العلم هو معرفة الشرائع و بينهما عموم مطلق، و الحزم ضبط الامر و الاخذ فيه بالثقة و الاتقان، و العزم عقد الضمير على الفعل و الاجتهاد و الجد فى الامر و فيه اشارة الى أن حبه و وصله فى اللّه. و بغضه و قطعه فى اللّه لا فى أمر آخر من الاغراض الدنياوية و الهواجس النفسانية و الى أن ذلك لا يتحقق الا فى العالم البصير فى طلب اليقين و فى الحازم العازم فى أمر الدين (لا يخرق به فرح و لا يطيش به مرح) فى المصباح الفرح يستعمل فى معان: أحدهما الاشر و البطر و عليه قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ و الثانى الرضى و عليه قوله تعالى كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ* و الثالث السرور و عليه قوله تعالى فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ و يقال فرح بشجاعته و بنعمة اللّه و بمصيبة عدوه فهذا الفرح لذة القلب بنيل ما يشتهى، و المرح مثل الفرح وزنا و معنى، و قيل أشد من الفرح و فى القاموس الفرح محركة السرور و البطر، و المرح الاشر و البطر و الاختيال و النشاط و التبختر. و فى كنز اللغة فرح شاد شدن و بافراط شادى نمودن كما قال اللّه تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ و مرح از حد در گذشتن به شادى.
 (مذكر للعالم معلم للجاهل) يذكر العالم و يخرجه عن الغفلة. و يعلم الجاهل و يهديه الى طريق الحق و هو ما يصلح له من أمر المعاش و المعاد فهو لنورية ذاته و فعلية صفاته يحتاج إليه الخلائق كلهم (لا يتوقع له بائقة و لا يخاف له غائلة) أى لا يتوقع و لا يخاف لاجل وجوده، و فى المصباح البائقة النازلة و هى الداهية و الشر الشديد و باقت الداهية اذا نزلت و الجمع البوائق. و الغائلة الفساد و الشر، و غائلة العبد إباقه و فجوره و نحو ذلك و الجمع الغوائل و قال الكسائى الغوائل الدواهى و الغول من السعالى و الجمع غيلان و أغوال و كل ما اغتال الانسان فأهلكه فهو غول.
 (كل سعى أخلص عنده من سعيه و كل نفس أصلح عنده من نفسه) و هو تواضع للّه و اعتراف بالتقصير و دليل على تمام عقله و قد مر فى صدر الكتاب انه لا يتم عقل امرئ حتى يرى الناس‏

136
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

ربه، غريب وحيد جريد [حزين‏]، يحب في اللّه و يجاهد في اللّه ليتبع رضاه و لا ينتقم لنفسه بنفسه، و لا يوالي في سخط ربه مجالس لأهل الفقر، مصادق لأهل‏
__________________________________________________
كلهم خيرا منه و انه شرهم فى نفسه.
 (عالم بعيبه شاغل بغمه لا يثق بغير ربه) أما علمه بعيبه فلرجوعه الى نفسه و تفتيشه لاحوالها المذمومة و ليس حاله كحال الجاهل الّذي يجب نفسه فيغفل عن عيبه كما قيل: حبك للشى‏ء يعمى و يصم. و لو قلع عن نفسه علاقة المحبة يرى عيبه كما يرى عيب غيره، و اما شغله بغمه فلعلمه بما يستقبله من المقامات الهائلة و صعاب الامور و عدم علمه بما يفعل به فيه و يورث ذلك غمه باصلاح مآله و شغله بتحسين حاله، و اما عدم وثوقه بغير ربه فلعلمه بأن كل شي‏ء فقير لديه، محتاج إليه، متضرع بين يديه، و أن الوثوق بغيره فى الامر الحقير و الخطير كالوثوق فى الدلالة على الطريق بالاصم الابكم الضرير، أو كالوثوق فى قضاء الحوائج و كشف المضيق بالسائل المستعير أو لانه لا يرى فى الوجود الا اياه فسد عنه طريق الوثوق بما سواه.
 (قريب وحيد جريد) أى قريب بالخلق. وحيد منفرد عنهم. جريد خال عن الرذائل أو عن الميل الى اخلاقهم و صنايعهم، و هذا من أعجب صفات العارف و كالجمع بين الضدين حيث أنه مع اتصافه بكونه مع الكثرة متصف بكونه مع الوحدة الا أن الاول باعتبار كونه من العالم الجسمانى، و الثانى باعتبار كونه من العالم الروحانى فهو بالاعتبار الاول ظفر بالمخالطة و تحمل كلفتها فى مكاسبته و بالاعتبار الثانى صفا فكرته فى امور دينه و آخرته و جرد نفسه عن الاتصاف بأخلاقهم بمداهنته. و فى بعض النسخ حزين بدل جريد.
 (يحب فى اللّه و يجاهد فى اللّه ليتبع رضاه) أشار الى أن حبه لاخوانه المؤمنين و قربات الحق فى اللّه و جهاده بماله و نفسه فى العلم و العمل و تهذيب نفسه فى اللّه لمجرد أن يتبع رضاه و يطأ بساط قربه و يتشرف باكرامه الّذي لاوليائه، و أشار فى السابق الى أن حبه فى اللّه مقرون بالفقه و العلم على أن تكرير بعض الصفات فى المواعظ قد يقصد للتأكيد و المبالغة فى رعايته (و لا ينتقم لنفسه بنفسه و لا يوالى فى سخط ربه) أى لا ينتقم من المتعدى لنفسه بنفسه بل يكله الى ربه، أو يعفو و لا يوالى أحدا فيما فيه سخط ربه و عقوبته لما فيه من العلم و الحلم و الصبر و الكرم، و فى قوله «لنفسه» اشارة الى أنه ينتقم لربه لما فيه من القوة على القيام بالحق و هذا هو الخلق الحسن المحمود لانه لو ترك القيام فى حق اللّه تعالى كان فيه مهانة و لو انتقم لنفسه لم يكن فيه صبر و كان هذا الخلق بطشا فانتفى عنه الطرفان المذمومان و بقى الوسط و خير الامور أوسطها، و فى قوله «بنفسه» اشارة الى أنه ينتقم له ربه عاجلا أو آجلا، (مجالس لاهل الفقر مصادق لاهل الصدق) مجالسته لاهل الفقر الصابرين على الفقد و

137
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

الصدق، موازر لأهل الحق، عون للغريب، أب لليتيم، بعل للأرملة، حفي بأهل المسكنة، مرجو لكل كريهة، مأمول لكل شدة، هشاش، بشاش، لا بعباس و لا بجساس، صليب، كظام، بسام، دقيق النظر، عظيم الحذر، [لا يجهل و إن جهل عليه يحلم‏] لا ينجل و إن نجل عليه صبر، عقل فاستحيى، و قنع فاستغنى، حياؤه يعلو
__________________________________________________
السمل، و مجالسته لاهل الصدق الكاملين فى القول و العمل من دلائل عقله و كمال فضله حيث أنه مع صفاء ذاته و حسن صفاته طلب البركة و الفيض بصحبة الفقراء الصابرين و مصادقة أرباب الصدق و اليقين (موازر لاهل الحق) الموازر الوزير أى يحمل ثقلهم و يعينهم برأيه.
 (عون للغريب أب لليتيم بعل للارملة) لعلمه بأن هؤلاء عاجزون عن تحصيل مطالبهم و ترتيب مقاصدهم و مآربهم. فقام بلطفه الطبيعى و رفقه الجبلى على قضاء حوائجهم، و الغريب من خروج عن وطنه و بعد عن أقربائه و مسكنه. و اليتيم من لا أب له و المؤمنون كلهم غرباء و ايتام فى هذا الاوان عند غيبة صاحب الزمان فاعانتهم مثل اعانة الغريب و اليتيم فى استحقاق الاجر من اللّه الملك الديان.
 (حفى لاهل المسكنة) حفى مهربان و نيك پرسنده (مرجو لكل كريهة مأمول لكل شدة) لكونه معروفا بدفع المكاره و الشدائد و مشهورا به لجريانه على يديه كثيرا و تكرره منه فيتعلق رجاء الخلق و أملهم به عند نزول المكاره و الشدائد عليهم و هذه الخصلة من علامات تثبته بالايمان لانه متى قوى الايمان فى القلب ظهرت آثاره فى الجوارح فيتوجه الى دفع المكاره و الشدائد عن أهلها لكمال الشفقة عليهم.
 (هشاش بشاش لا بعباس و لا بجساس) الهشاش من الهش و هو الارتياح و الرخو و اللين و التبسم و الخفة و النشاط و الفرح عند السؤال عنه و سهولة الشأن فيما يطلب منه. و البشاش من البش و هو طلاقة الوجه و اللطف فى المسألة و الاقبال على أخيك و الضحك إليه و الانس به، و فرح الصديق بالصديق، و العباس من العبس و هو الكلوح يعنى ترش روى شدن، و الجساس من الجس و هو تفحص الاخبار كالتجسس و منه الجاسوس.
 (صليب كظام بسام) الصليب كأمير الشديد أى شديد فى الامور التى ينبغى له حفظها لكونه شجاعا، و كظام يكظم غيظه كثيرا من الّذي له الانتقام منه. بسام يكثر التبسم فى وجه أخيه.
 (دقيق النظر عظيم الحذر) أى دقيق النظر فى الامور خيرها و شرها بدايتها و نهايتها عظيم الحذر مما ينبغى الحذر منه لما فيه من الحدة فى القوة النظرية و الجودة فى القوة العملية.
 (لا ينجل و ان نجل عليه صبر) الظاهر ان لا ينجل بالنون و الجيم من النجل و هو اظهار العيب و نحوه و الطعن و ضرب الرجل بمقدم الرجل ليسقطه كما يفعله المصارع و

138
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

شهوته، و وده يعلو حسده، و عفوه يعلو حقده، لا ينطق بغير صواب، و لا يلبس إلا الاقتصاد مشيه التواضع، خاضع لربه بطاعته، راض عنه في كل حالاته، نيته خالصة، أعماله ليس فيها غش و لا خديعة، نظره عبرة، سكوته فكرة، و كلامه حكمة،
__________________________________________________
الرمى بشي‏ء (عقل فاستحيى و قنع فاستغنى) أى أدرك الخير و الشرك و الطاعة و المعصية فترك الشر و المعصية استحياء من اللّه تعالى و قنع بما رزقه اللّه تعالى فاستغنى عن الخلق أو عن الطلب.
 (حياؤه يعلو شهوته، و وده يعلو حسده، و عفوه يعلو حقده) أى حياؤه من اللّه أو من الخلق أيضا يغلب شهوته و يمنعه من متابعتها، و وده للخلق يغلب حسده عليهم لان بناء الحسد على البغض و العداوة، و عفوه للمسي‏ء يغلب حقده عليه لان الحقد متولد من احتقان الغضب فاذا وقع العفو زال الغضب فيزول الحقد و الحاصل أنه ترك الشهوة بالحياء و الحسد بالود و الحقد بالعفو (لا ينطق بغير صواب) الصواب فضيلة العدل المتعلقة باللسان و هى تقتضى أن يسكت عما ينبغى أن لا يقال، و يقول ما ينبغى أن لا يسكت عنه، و يضع كل قول فى موضعه اللائق به فهو فى مقام العدل دون الافراط و التفريط، و الصواب أخص من الصدق لجواز أن يصدق الانسان فيما لا ينبغى من القول.
 (و لا يلبس الا الاقتصاد) أى لباسه التوسط فى جميع الاحوال و شعاره الاقتصاد فى جميع الاعمال فلا يلبس مثلا ما يلحقه بأهل الخسة و التبذير و لا يأكل ما يدخله فى أهل الاسراف و التقصير و يمكن أن يكون المراد باللباس المعنى المعروف.
 (مشيه التواضع) لكونه على سكون و وقار دون تبختر و اختيال كما هو مشى المتكبرين. و قد نهى اللّه تعالى عن ذلك بقوله «وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا- الآية» و يمكن أن يراد بمشى التواضع المشى للطاعة دون المعصية و قد روى أن اللّه تعالى فرض على الرجلين ان تنقلهما فى طاعته و أن لا تمشى بهما مشية عاص.
 (خاضع لربه بطاعته) اشارة الى أنه راض نفسه بطاعة ربه و عبادته و هى غاية الخضوع و التذليل (راض عنه فى كل حالاته) أى فى حال الشدة و الرخاء، و حال الصحة و النعمة، و حال السقم و البلاء و ذاك من علامات المحبة ضرورة ان المحب راض بجميع ما يرد عليه من الحبيب (نيته خالصة أعماله ليس فيها غش و لا خديعة) خلوص نيته اشارة الى توجه سره الى اللّه تعالى و رفض جميع ما عداه عنه بعد القيام بطاعته الكاسرة للنفس الامارة و هو باب عظيم من أبواب الوصول و سبب تام لاستشراق لوامع الانوار و ظهور بروق الاسرار. و عدم الغش فى اعماله اشارة الى مراعاته جميع الامور المعتبرة فيها، و عدم اخراجه ما هو داخل فيها، و عدم ادخاله ما هو خارج عنها، و عدم الخديعة اشارة الى التوافق بين ظاهره‏

139
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

مناصحا متباذلا متواخيا، ناصح في السر و العلانية، و لا يهجر أخاه، و لا يغتابه، و لا يمكر به، و لا يأسف على ما فاته، و لا يحزن على ما أصابه، و لا يرجو ما لا يجوز له الرجاء، و لا يفشل في الشدة، و لا يبطر في الرخاء، يمزج الحلم بالعلم، و العقل‏
__________________________________________________
و باطنه، و عدم قصده اظهار العبادة و ابطان خلافها كما هو شأن المنافقين المخادعين الذين ليست صلاتهم و ساير عباداتهم الا مكاء و تصدية.
 (نظره عبرة، سكوته فكرة، و كلامه حكمة) العبرة پند گرفتن. و الفكرة بسيار انديشه كردن، و الحكمة تطلق على معان محصولها العلم بالامور النافعة فى الدين و الحمل فى الجميع للمبالغة فى السببية فان النظر الى الدنيا و نعيمها و تصرفها و تقلبها على أهلها و الى أحوال الماضين و انقطاعهم عما كان فى أيديهم و انتقالهم من دار الغرور الى وحشة القبور و اشتغال كل واحد بعمله مثلا سبب للعبرة و السكوت عما لا يعنى سبب للفكرة فى الامور النافعة و الاسرار اللامعة من افق الغيب فان المفهومات الفاسدة المستفادة من الكلمات الباطلة اذا وردت على القلب تمنعه من الفكر فى الحقائق و الكلام سبب لظهور الحكمة و انتشارها فى قلوب المستعدين لها و فيه اشارة الى أنه ساكت عن اللغو متكلم بالحق و ذلك لاستقامة لسانه التابعة لاستقامة قلبه و كماله فى القوة العقلية.
 (مناصحا متباذلا متواخيا) الظاهر أنه حال عن ضمير نظره و فيه اشارة الى سياسته المنزلية و المدنية كما أن فى السابق اشارة الى سياسته البدنية ففيهما اشارة الى أنه حكيم بجميع أقسام الحكمة العملية.
 (ناصح فى السر و العلانية) اشارة الى انه حكيم يعرف موارد النصح و كيفيته فينصح فى السر أن اقتضته المصلحة و ينصح فى العلانية ان اقتضته الحكمة، و يحتمل أن يراد بالسر القلب و بالعلانية اللسان فيكون اشارة الى أن نصحه خالص غير مشوب بالخدعة.
 (لا يهجر أخاه و لا يغتابه و لا يمكر به) هجر المؤمن و اغتيابه بما يكرهه أو يشينه أو يهينه فى الاعين و مكره بإرادة ايصال المكروه إليه من حيث لا يعلم ينشأ من الغيظ و الغضب و الحسد و ميل الطبع الى قطع رحم الاخوة و شي‏ء من ذلك ليس من صفات المؤمن.
 (و لا يأسف على ما فاته و لا يحزن على ما أصابه و لا يرجو ما لا يجوز له الرجاء) الاسف محركة أشد الحزن و فعله من باب علم أى لا يحزن على ما فاته من امور الدنيا أو الاعم و لا على ما أصابه من الفقر و نوائب الدهر و غيرهما مما يثقل على النفس و لا يرجو ما لا يجوز له رجاؤه اما لعدم كونه لائقا به، أو لعدم امكان حصوله لان هذه الخصال ليست من صفات أهل الكمال (و لا يفشل فى الشدة و لا يبطر فى الرخاء) الفشل و الفشل بالتسكين و التحريك الضعف و

140
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

بالصبر، تراه بعيدا كسله، دائما نشاطه، قريبا أمله، قليلا زلله، متوقّعا لأجله، خاشعا قلبه، ذاكرا ربّه قانعة نفسه، منفيّا جهله، سهلا أمره، حزينا لذنبه، ميتة
__________________________________________________
الجبن و فعله من باب علم أى لا يضعف و لا يجبن على الشدة و لا يضطرب منها. بل يكون شجاعا يقدم عليها و يتقبلها بقبول حسن، و لا يبطر أى لا يطغى و لا يتكبر بالرخاء و كثرة النعمة بل يشكر عليه. فمقامه فى الحالين مقام الصبر و الشكر. و هذا غاية كمال النفس فى السكون و التفويض (يمزج الحلم بالعلم و العقل بالصبر) العقل العلم بالاشياء و صفاتها من حسنها و قبحها و كمالها و نقصانها، أو قوة للانسان بها يميز بين الحسن و القبيح، أو هيئة محمودة له فى حركاته و كلامه و الحق أنه روحانى تدرك بها النفس العلوم الضرورية و النظرية و ابتداء وجوده عند اجتنان الولد ثم لا يزال ينمو الى أن يكمل عند البلوغ. و المقصود من هذا الكلام انه عالم حليم و عاقل صبور، و انما ذكر هذين الخلقين أعنى الحلم و الصبر لانهما يستلزمان سائر الاخلاق النفسانية بل جميع الاعمال الصالحة البدنية أيضا. أما الحلم فلانه من اعتدال القوة الغضبية و اعتدالها يستلزم الاعتدال فى القوة الشهوية لان القوة الغضبية معينة للشهوية فى جلب المنافع و دفع المضار فاذا اعتدلت تلك اعتدلت هذه و اعتدالهما تابع لكمال القوة العقلية و استيلائها على الظاهر و الباطن فيضع كل عضو فيما يليق به، و أما الصبر فلان توقف الاخلاق- مثل الورع و التقوى و العفو و حسن الخلق و كظم الغيظ و غيرها- و الاعمال- مثل الصوم و الصلاة و الحج و نحوها و تروك المناهى- عليه أظهر من أن يحتاج الى البيان.
 (بعيدا كسله دائما نشاطه) الكسل محركة التثاقل عن الشي‏ء و الفتور و فعله كفرح، و النشاط بالفتح و يكسر طيب النفس للعمل و غيره و فيه تنبيه على ثباته فى طاعة اللّه و سلوك سبيله، و منشأ ذلك قوة اعتقاده فيما وعد اللّه للعاملين و التصديق بشرف غاية العبادة.
 (قريبا أمله قليلا زلله) أى ليس له طول أمل لاكثاره و ذكر الموت و الوصول الى اللّه تعالى حتى أنه يترقبه آنا فآنا و ليس له زلل و لو وقع لضرورة أو سهوا أو من باب ترك الاولى وقع قليلا نادرا.
 (متوقعا لاجله خاشعا قلبه) اذا خشع قلبه خشعت جوارحه، و الخشوع ثمرة الفكر فى جلال المعبود و ملاحظة عظمته التى هى روح العبادة، و انتظار الاجل من أشد الجواذب عن الدنيا الى اللّه تعالى و الشوق الى لقائه و الحزن من ألم فراقه حتى يبلغ ذلك الى غاية لا يستقر روحه فى جسده لو لا الاجل الّذي كتب له و هذا الشوق اذا بلغ حد الملكة يستلزم دوام ذكره لربه و قناعة نفسه بقليل من الدنيا و هو قدر الضرورة كما قال.
 (ذاكرا ربه قانعة نفسه) و يعين على ذلك تصور الفرق بين الحاضرة و الغائبة و التصديق‏

141
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

شهوته، كظوما غيظه، صافيا خلقه، آمنا منه جاره، ضعيفا كبره، قانعا بالّذي قدّر له، متينا صبره، محكما أمره كثيرا ذكره، يخالط الناس ليعلم، و يصمت ليسلم‏
__________________________________________________
بعدم المساواة بين الذاكر و الغافل و بين القانع و الحريص فى الآخرة.
 (منفيا جهله سهلا أمره) لاتصاف نفسه بالعلوم و ظهور آثار الحكمة فيه و عدم تكلفه لاحد و عدم تكلف أحد له لان المؤمن خفيف المئونة.
 (حزينا لذنبه ميتة شهوته) حزنه ثمرة الخوف من اللّه و التقصير فى رعاية حقوقه، و لفظ الموت مستعار لخمود شهوته عما حرم عليه و ما لا يليق به و هو العفة.
 (كظوما غيظه صافيا خلقه) كظم الغيظ رده و حبسه من فضائل القوة الغضبية و أعظم الخصائل البشرية، و صفاء الخلق أعنى خلوصه من الغش و الامتزاج بضده من أعظم صفات الايمان و أفخم سمات الايقان.
 (آمنا منه جاره ضعيفا كبره) أمن جاره من ضره و شره و بوائقه و غوائله لكونه أمينا صالحا حافظا لوصية اللّه و وصية رسوله فى الجار و ضعف كبره و سلبه عن نفسه لعلمه بأن الكبر صفة أهل الجور و خلق أهل النار، و أن التواضع و التذلل من وصف الصالحين و حال أهل الجنة و شأن المؤمنين كما قال اللّه تعالى «قالُوا أَ نُؤْمِنُ لَكَ وَ اتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ» و قال تعالى «أَ هؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا».
 (قانعا بالذى قدر له متينا صبره محكما أمره كثيرا ذكره) قناعته بما قدر له تابع لعلمه بأن فيها راحة الدارين و انقياده لحكمة اللّه تعالى فى تقدير المعاش و تقسيم الارزاق، و صرف نفسه عن الهوى و كسر حرصه فى الدنيا و متانة صبره و قوته على أثقال النفس من الاعمال و التروك و المصائب و النوائب لتوطينه عليها حتى صار الصبر ملكة له بحيث لا يضعفه شي‏ء من المكاره و احكام أمره لقوة رأيه و كمال عقله و شدة عزمه لان خفيف الرأى و سخيف العقل و ضعيف العزم أمره مضطرب و كثرة ذكره بالقلب و اللسان و سائر الاركان لتوجهه بالكلية الى مولاه و تطهير قلبه عن نقش ما سواه.
 (يخالط الناس ليعلم و يصمت ليسلم و يسأل ليفهم و يتجر ليغنم) أى يخالط الناس ليعلم القوانين الشرعية و الآداب النبوية أو ليعلم أحوالهم و خيرهم و شرهم للعبرة، و يصمت عن الحق أو الاعم منه ليسلم من شرهم، و يسأل العالم ليفهم ما لم يعلم امتثالا لقوله تعالى فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ* و يتجر فى الدنيا بالعلم و العمل و الجهاد بالنفس و المال ليغنم فى الآخرة كما قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى‏ تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْر

142
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

و يسأل ليفهم و يتجر ليغنم، لا ينصت للخبر ليفجر به، و لا يتكلّم ليتجبّر به على من سواه، نفسه منه في عناء و الناس منه في راحة، أتعب نفسه لآخرته، فأراح النّاس من نفسه، إن بغي عليه صبر حتّى يكون اللّه الّذي ينتصر له، بعده ممّن تباعد منه بغض و نزاهة، و دنوّه ممّن دنا منه لين و رحمة، ليس تباعده تكبّرا و لا عظمة، و لا دنوّه خديعة و لا خلابة، بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير، فهو إمام لمن بعده من أهل البرّ
__________________________________________________
لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ يُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ و بالجملة فيه اشارة الى جميع ما يحتاج إليه السالك و هو العلم و العمل و التعلم و السكوت فى مواضع الضرر.
 (لا ينصت للخبر ليفخر به و لا يتكلم ليتجبر على من سواه) أى لا ينصت للخبر و الحديث لقصد الافتخار به على الناس بل ليعلم و يعمل فيكمل بالعلم و العمل و لا يتكلم به ليتجبر و يتكبر على من سواه كما هو شأن علماء السوء بل لينشر العلم بين أهله، و فى بعض النسخ لا ينصت للخبر ليفجر به بالجيم و لعل المراد بالفجور الفخر أو الافتاء مع عدم كونه أهلا له.
 (نفسه منه فى عناء و الناس منه فى راحة) فسر هذا بقوله:
 (أتعب نفسه لآخرته) للقيام بالطاعات و الانتهاض لوظائف العبادات.
 (فأراح الناس من نفسه) أى من شر نفسه و مكائدها لان مبدأ الشرور طغيان النفس و محبة الدنيا و هو بمعزل عنهما، و يحتمل أن يراد بالفقرة الاولى أن نفسه الامارة منه فى عناء و تعب لمنعها عن هواها و زجرها عن رداها و مقاومته لها و قهره عليها و مراقبتها اياها. و الناس فى راحة من شر نفسه و مناقشته و منازعته فى أمر الدنيا و لعله أولى لان التأسيس خير من التأكيد (ان بغى عليه صبر حتى يكون اللّه الّذي ينتصر له) أى ان ظلم لم ينتقم هو بنفسه من الظلم بل يكل أمره الى اللّه لينتصر منه. و الانتصار دادستاندن و كينه كشيدن و بازداشتن و ذلك منه نظر الى ثمرة الصبر و الوعد الصادق قال اللّه تعالى «ذلِكَ وَ مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ- الآية».
 (بعده ممن تباعد منه بغض و نزاهة و دنوه ممن دنا منه لين و رحمة ليس تباعده تكبرا و لا عظمة و لا دنوه خديعة و لا خلابة) خلبه كنصره خلبا و خلابا و خلابة بكسرهما خدعه و فى كنز اللغة خلابة فريفتن بزبان و بريدن يعنى بعده ممن تباعد منه بغض لما انهمكوا فيه من الدنيا و الاعمال القبيحة و نزاهة عن التلوث به و بمشاهدته لا عن كبر و تعظم عليه كما هو شأن المتكبرين المتباعدين من الصلحاء و غيرهم و دنوه ممن دنا منه لين و رحمة منه لهم لا مكر بهم و لا خديعة كما هو حال خبيث الاخلاق.

143
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

قال: فصاح همّام صيحة، ثمّ وقع مغشيّا عليه، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: أما و اللّه لقد كنت أخافها عليه و قال: هكذا تصنع الموعظة البالغة بأهلها، فقال له قائل:
فما بالك يا أمير المؤمنين؟ فقال: إنّ لكلّ أجلا لا يعدوه و سببا لا يجاوزه، فمهلا لا تعد فإنّما نفث على لسانك شيطان‏
__________________________________________________
 (بل يقتدى بمن كان قبله من أهل الخير) كالانبياء و الأوصياء و غيرهم ممن عرف بالخير و اشتهر به (فهو امام لمن بعده من أهل البر) البر الصلة و الجنة و الخير و الاتساع فى الاحسان و الصدق و الطاعة، و قد يطلق على العفة و بهذا الاعتبار يقابله الفجور و يمكن أن يراد بالبر هنا ما دل عليه القرآن الكريم «وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ- الى قوله- أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ». وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى‏» فان المراد بالبر فى هاتين الآيتين كمال الايمان و التقوى و الاعمال الجميلة و الاخلاق الحسنة.
 (قال فصاح همام صيحة ثم وقع مغشيا عليه) فى نهج البلاغة «فصعق صعقة كانت فيها نفسه» يعنى غشى عليه و مات رحمه اللّه. قال بعض الافاضل لم يكن يغلب على ظنه «ع» الا الصعقة من الوجد الشديد. فأما ان فيها موته فلم يكن مظنونا له فلا تحم حول ما قيل انه كيف جاز منه «ع» أن يجيبه مع غلبة ظنه بهلاكه و هو كالطبيب انما يعطى كلا من المرضى بحسب احتمال طبيعته من الدواء و الحق أنه «ع» كان عالما بما يرد عليه و ربما يشعر به ما نقلناه فى اوّل الباب عن بعض الاعلام كما يشعر به ما نقله الراوى بقوله:
 (فقال أمير المؤمنين «ع» أما و اللّه لقد كنت أخافها عليه) و عدم جواز اجابته بعد مبالغته فى السؤال و عزمه عليه مع غلبة ظنه بهلاكه ممنوع لجواز علمه «ع» بأنه تعالى جعل موته بسماع هذه الموعظة البليغة فما فعله الا بأمر ربه، أو بأن فيه حكمة و ان لم نعلمها و خفاء الحكمة لا تقتضى نفيها.
 (و قال هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها) و كان همام لاستعداد نفسه القدسية لاستشراق لوامع الانوار الالهية من أهلها فلذلك فعلت به ما فعلت.
 (فقال له قائل فما بالك يا أمير المؤمنين فقال ان لكل أجلا لن يعدوه و سببا لا يجاوزه فمهلا لا تعد فانما نفث على لسانك شيطان) اعلم أن هذه الصفات اذا اجتمعت فى مؤمن تنور قلبه و تزيد رقته و تجلو رينه و تزيل قسوته و ترفع الحجاب بينه و بين ربه و تفتح باب المكاشفة فيلوح فيه جمال الحق و أنوار الربوبية و عالم الملك و آثار القهر و الجبروت كما ينتقش الصور فى المرآة الصافية المجلوة و هذا على سبيل التشبيه و الا فقد ترتفع الامثلة و الاشباح من البين و يتصل هو بالحق اتصالا معنويا فيكون الحق حينئذ سمعه و بصره و يده و لسانه كما ورد فى الحديث‏

144
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

2- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن عبد اللّه بن غالب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثمان خصال: وقور عند الهزاهز، صبور عند البلاء، شكور عند الرّخاء، قانع بما رزقه اللّه، لا يظلم الأعداء و لا يتحامل للأصدقاء، بدنه منه في تعب و الناس منه في راحة، إن العلم خليل المؤمن و الحلم وزيره و الصبر أمير جنوده و الرّفق أخوه و اللّين والده.
3- أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار عن ابن فضّال، عن منصور بن يونس، عن أبي حمزة، عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال: المؤمن يصمت ليسلم، و ينطق‏
__________________________________________________
و هذه الحالة هى الفناء فى اللّه و انما يعرف حقيقتها المستعدون المجتهدون الواصلون دون السامعين و لذا أنكرها كثير منهم و لما كان همام مستعدا مجتهدا و اصلا لمعت فى قلبه حقيقة هذه الحالة عند سماع هذه الموعظة البالغة التى هى معارج الحق و مدارج النور و لم يقدر أن يملك نفسه فصاح و وقع مغشيا عليه و سؤال ذلك القائل و سوء أدبه انما نشأ من سوء فهمه و ضعف عقله و قلة علمه بأن القلوب تتفاوت فى تحمل الامور العظام و الاهوال الجسام و مشاهدة العجائب و ملاحظة الغرائب بسبب كثرة الممارسة و قلتها و قوة نور اليقين و التأيد بالتمكين و ضعفه كما لا يخفى على الاعلام. و ظاهر أن أمير المؤمنين «ع» كان غريقا فى بحر المكاشفة و اليقين بل كان قلبه نورا من نور رب العالمين فكيف يدهش من مشاهدة نوره، و انما لم يجب «ع» بهذا الجواب لاستلزامه تفضيل نفسه أو لقصور فهم السائل بل أجاب بما هو أقرب الى فهم السائل من الجواب المقنع له و هو أن بقاءه لعدم حضور أجله المحكوم به فى القضاء الالهى، و بالجملة سبب عدم تأثير هذه الموعظة فيه «ع» بالموت أمران: أحدهما عدم حضور أجله و ثانيهما الفرق بين همام و بينه «ع» و أجاب «ع» بالاول دون الثانى.
قوله (على بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن عبد اللّه ابن غالب) هو عبد اللّه بن غالب الاسدى الشاعر الثقة الراوى عن أبى جعفر و أبى عبد اللّه و أبى الحسن عليهم السلام، و هذا الحديث من غير تغيير فى المتن الا فى البر والده مروى فى باب بعد باب نسبة الاسلام عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب عن جميل بن صالح، عن عبد الملك بن غالب، عن أبى عبد اللّه «ع» و مر شرحه فلا تعيدوا لظاهر أن عبد الملك سهو من النساخ و هو غير مذكور فيما رأينا من كتب الرجال.
قوله (أبو على الاشعرى، عن محمد بن عبد الجبار عن ابن فضال، عن منصور بن يونس عن أبي حمزة، عن على بن الحسين عليهما السلام قال المؤمن) هذا الحديث مع تغيير يسير فى‏

145
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

ليغنم، لا يحدّث أمانته الأصدقاء و لا يكتم شهادته من البعداء و لا يعمل شيئا من الخير رياء و لا يتركه حياء، إن زكّي خاف ما يقولون و يستغفر اللّه لما لا يعلمون، لا يغرّه قول من جهله و يخاف إحصاء ما عمله.
4- عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن بعض من رواه، رفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المؤمن له قوّة في دين و حزم في لين و إيمان في يقين و حرص‏
__________________________________________________
المتن مروى فى باب الحلم عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن على بن النعمان، عن ابن مسكان، عن أبى حمزة قال المؤمن- الخ- و لعل المقول كلام المعصوم و هو على بن الحسين عليهما السلام لا كلام أبى حمزة و قد ذكرنا شرحه ثمة فلا نعيده.
قوله (المؤمن له قوة فى دين) أى له قوة نظرية و عملية فيه فيعلمه و يعمل به و يقاوم فيه الوسواس و لا يدخل فيه خداع الناس.
 (و حزم فى لين) أى له ضبط و تيقظ فى اموره الدينية و الدنيوية ممزوجا بلين الطبع و عدم الفظاظة و الخشونة مع معامليه و هو فضيلة العدل فى المعاملة مع الخلق. و قد يكون عن تواضع. و قد يكون عن مهانة و ضعف نفس، و الاول هو المطلوب و هو المقارن للحزم فى الامور و مصالح النفس، و الثانى رذيلة لا يمكن معه الحزم لانفعال المهين عن كل حادث، و بيان الظرفية على ما استفدنا من كلام بعض الافاضل ثلاثة أوجه: الاول أن الظرفية مجازية بتشبيه ملابسة الحزم للين طبع فى الاجتماع معه بملابسة المظروف للظرف. فيكون لفظة «فى» استعارة تبعية. الثانى أن تعتبر تشبيه الهيئة المنتزعة من الحزم و اللين و مصاحبة أحدهما الاخر بالهيئة المنتزعة من المظروف و الظرف، و مصاحبتهما فيكون الكلام استعارة تمثيلية لكنه لم يصرح من الالفاظ التى هى بإزاء المشبه به الا بكلمة فى فان مدلولها هو العمدة فى تلك الهيئة و ما اعده تبع له يلاحظ معه فى ضمن ألفاظ منوية فلا يكون لفظة فى استعارة بل هى على معناها الحقيقى. الثالث ان تشبيه اللين بما يكون محلا و ظرفا للشى‏ء على طريقة الاستعارة بالكناية. و يكون كلمة فى قرينة و تخييلا.
 (و ايمان فى يقين) الايمان و هو التصديق قابل للشدة و الضعف فتارة يكون عن تقليد و تارة يكون عن دليل مع العلم بأنه لا يكون معه غيره و هو علم اليقين و السالكون لا يقفون عند هذه المرتبة بل يطلبون عين اليقين بالمشاهدة بعد طرح حجب الدنيا و الاعراض عنها، و اليقين فى كلامه «ع» يمكن حمله على أحد هذين المعنيين.
 (و حرص فى فقه) الحرص فى امور الدين مطلوب و أعظمها الفقه و العلم فميل القلب إليه و طلب زيادته من صفة أهل الايمان و كمال حقيقة الانسان، و لذلك قال اللّه تعالى لنبيه «ص»

146
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

في فقه و نشاط في هدى و برّ في استقامة و علم في حلم و كيس في رفق و سخاء في حقّ و قصد في غنى و تجمّل في فاقة و عفو في قدرة و طاعة للّه في نصيحة و انتهاء فى شهوة و ورع في رغبة و حرص في جهاد و صلاة في شغل و صبر في شدّة، و في الهزاهز وقور و في المكاره صبور و في الرّخاء شكور، و لا يغتاب و لا يتكبّر، و لا
__________________________________________________
 «قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً» (و نشاط فى هدى) أى نشاط و سرور فى سلوك سبيل اللّه و هو ينشأ من قوة الاعتقاد فيما وعد اللّه لمن سلك سبيله و التصديق بشرف غايته و هى الفلاح فى الآخرة.
 (و بر فى استقامة) أى خير و طاعة فى استقامة بأن لا يتركه أو لا يمزجه بشر و معصية.
 (و علم فى حلم) فلا يجهل شيئا من امور الدين و لا يطيش على أحد من الناس (و كيس فى رفق) الكيس الفطنة و الظرافة و الغلبة و الرفق خلاف العنف و الخرق.
 (و سخاء فى حق) و هو صرف المال فى وجوه البر على قدر يجوز شرعا (و قصد فى غنى) و هو الاعتدال فى طلب الدنيا و طلب فضولها.
 (و تجمل فى فاقة) بترك الشكاية الى الخلق و الطلب منهم و اظهار الغنى عنهم و ينشأ من القناعة و الرضا بالقضاء و علو الهمة و يعين عليه ملاحظة قرب الاجل و ما أعد للصابرين (و عفو فى قدرة) العفو مع القدرة ممدوح و أما بدونها فلا يمدح بل لا يتحقق.
 (و طاعة للّه فى نصيحة) للّه و لرسوله و للمؤمنين و قد مر معنى النصيحة لهم (و انتهاء فى شهوة) الى أمر مشروع لاعتداله فى القوة الشهوية (و ورع فى رغبة) أى ورع عن المحارم مع الرغبة فيها و ميل النفس إليها، أو مع الرغبة عنها و عدم الميل إليها و كلاهما من صفات المؤمن الا أن الاول أشق و الثانى أكمل لقمع الشهوة و كسر النفس الامارة حتى زالت عنها الإرادة و الميل (و حرص فى جهاد) مع الكفار أو مع النفس الامارة أو الاعم منهما و من الاجتهاد فى الخيرات كلها لان كلها من صفات أهل الايمان.
 (و صلاة فى شغل) الشغل بالضم و بضمتين و بالفتح و بفتحتين ضد الفراغ، و الجمع اشغال و شغول و القيام الى الصلاة فى أوقاتها مع وجود الاشغال من أعظم صفات المؤمن قال اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ.
 (و صبر فى شدة) من الفاقة و المصيبة و غيرهما مما يثقل على النفس و يشق عليها، و منشؤه العفة و تصور الاجر المعد للصابرين (و فى الهزاهز وقور) عطف على قوله له قوة فى دين أى المؤمن فى الهزاهز وقور رزين لا يحركه الفتن و لا تضطربه، و الهزاهز تحريك البلايا و الحروب الناس و هزهزه ذلّله و حركه، و يطلق على الفتن التى يهتز فيها الناس و تضطرب بها القلوب، و الوقور مبالغة في الوقار و هو ملكة تحت الشجاعة.

147
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

يقطع الرّحم و ليس بواهن، و لا فظّ و لا غليظ، و لا يسبقه بصره، و لا يفضحه بطنه، و لا يغلبه فرجه، و لا يحسد النّاس، يعيّر و لا يعيّر، و لا يسرف، ينصر المظلوم و يرحم المسكين، نفسه منه في عناء، و النّاس منه في راحة، لا يرغب في عزّ الدّنيا و لا يجزع من ذلّها، للنّاس همّ قد أقبلوا عليه و له همّ قد شغله، لا يرى في حكمه نقص و لا في رأيه و هو و لا في دينه ضياع، و يرشد من استشاره، و يساعد من ساعده، و يكيع عن الخنى و الجهل.
5- عنه، عن بعض أصحابنا، رفعه، عن أحدهما عليهما السّلام قال: مرّ أمير- المؤمنين عليه السّلام بمجلس من قريش، فإذا هو بقوم بيض ثيابهم، صافية ألوانهم، كثير ضحكهم يشيرون بأصابعهم إلى من يمرّ، ثمّ مرّ بمجلس للأوس و الخزرج فإذا قوم بليت منهم الأبدان و دقّت منهم الرّقاب و اصفرّت منهم الألوان و قد تواضعوا بالكلام، فتعجّب عليّ عليه السّلام من ذلك و دخل على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فقال بأبي أنت و أمّي‏
__________________________________________________
 (و فى المكاره صبور) لثبات نفسه و علو همته عن الجزع و هذا كالتأكيد لما مر أو تعميم بعد تخصيص ان اريد بالشدة الفقر و الفاقة (و فى الرخاء شكور) لمحبة المنعم فيزداد شكره فى الرخاء و ان قل (لا يغتاب و لا يتكبر و لا يقطع الرحم) لكونه مشفقا على ذوى الارحام و الاقربين (و ليس بواهن و لا فظ و لا غليظ) لقيام قوته الغضبية على حد الاعتدال بحكم العقل فخرجت عن حد التفريط الموجب للوهن، و عن حد الافراط الموجب لفظ القلب و غلظته على الغير بالتعدى و الضرب و الشتم و أمثالها، و الفظّ الغليظ الجانب السيئ الخلق القاسى الخشن الكلام. فظ يفظ من باب علم فظاظة اذا غلظ حتى يهاب غيره فى غير موضعه، و الغليظ خلاف الرقيق و فعله من باب كرم (و لا يسبقه بصره و لا يفضحه بطنه و لا يغلبه فرجه و لا يحسد الناس) النفس الناطقة اذا غلبت على القوة الشهوية و اعطتها حظها و زجرتها عن غيره انقادت لها جميع الجوارح و لا تتجاوز عن القدر اللائق بها شرعا و عقلا فتمنع البصر و البطن و الفرج و النفس الامارة عما حرم اللّه على كل واحد منها.
 (لا يرغب فى عز الدنيا) لان مبدأ الرغبة فيه محبة الدنيا و هو بمعزل عنها.
 (للناس هم قد اقبلوا عليه و له هم قد شغله) هم الناس شغل الدنيا و همه أمر الآخرة و النجاة من أهوالها و التوصل بما يوجب قرب الحق من الاعمال الصالحة و الاخلاق الفاضلة. و الغرض الفرق بينه و بين أهل الدنيا اذ أهل الدنيا لا يرون لهم كما لا الا هذه اللذات الحاضرة و المقتنيات الظاهرة (و يكيع عن الخنى و الجهل) الخنى الفحش و المراد بالجهل نفسه، أو آثاره و الكيع و الكيعوعة

148
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

إنّي مررت بمجلس لآل فلان ثمّ وصفهم و مررت بمجلس للأوس و الخزرج فوصفهم، ثمّ قال: و جميع مؤمنون فأخبرني يا رسول اللّه بصفة المؤمن؟ فنكس رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، ثمّ رفع رأسه فقال: عشرون خصلة في المؤمن فإن لم تكن فيه لم يكمل إيمانه، إنّ من أخلاق المؤمنين يا علي الحاضرون الصلاة و المسارعون إلى الزكاة و المطعمون المسكين، الماسحون رأس اليتيم، و المطهّرون أطمارهم، المتزرون على أوساطهم، الّذين إن حدّثوا لم يكذبوا و إذا وعدوا لم يخلفوا و إذا ائتمنوا لم يخونوا و إذا تكلّموا صدقوا، رهبان باللّيل، اسد بالنّهار، صائمون النّهار، قائمون اللّيل، لا يؤذون جارا و لا يتأذّى بهم جار، الّذين مشيهم على الأرض هون و خطاهم إلى بيوت الأرامل و على أثر الجنائز. جعلنا اللّه و إيّاكم من المتّقين‏
__________________________________________________
الجبن تقول كعت عنه أكيع و أكاع كيعا و كيعوعة اذا هبته و جبنت عنه.
قوله (فان لم تكن فيه لم يكمل ايمانه) دل على أن الايمان نفس التصديق و أن الخصال و الاعمال توجب كماله. (الحاضرون الصلاة) لعل المراد حضور صلاة الجماعة مع احتمال أن يراد محافظة أوقات الصلاة مطلقا.
 (المطهرون أطمارهم) الاطمار جمع الطمر بالكسر و هو الثوب الخلق و الكساء البالى، و المراد بتطهيرها تطهيرها بالماء من الدنس و النجاسة، أو تقصيرها كما فى بعض الروايات لان تطويلها كثيرا مذموم يدل عند العرب على التكبر و الخيلاء.
 (و اذا تكلموا صدقوا) كأنه تأكيد لقوله ان حدثوا لم يكذبوا مع احتمال أن يراد بالتحديث نقل الاحاديث و الاخبار و بالتكلم غيره (رهبان بالليل اسد بالنهار) الاسد بالضم و السكون جمع اسد بالتحريك، و الرهبان جمع الراهب من الرهبة و هى الخوف و هو من ترك الدنيا و ملاذها و زهد فيها و اعتزل عن أهلها و اشتغل بالعبادة لاستيلاء الخوف على سره (لا يؤذون جارا و لا يتأذى بهم جار) لعل المراد بالاول عدم ايذائهم بلا واسطة، و بالثانى عدم ايذائهم بواسطة بأن لا يتسببوا للايذاء أو المراد بالاول عدم الايذاء مطلقا، و بالثانى عدم توقع الجار ايذاءهم لكونهم معروفين بالخير و الصلاح فيأمن الجار من ايذائهم.
 (و خطاهم الى بيوت الارامل) لقصد ايصال النفع إليها و التفقد لاحوالها ليعرف حاجاتها فيتداركها بقدر الامكان (جعلنا اللّه و اياكم من المتقين) ضم الكلام بالدعاء لنفسه و للسامعين- أن يجعلهم اللّه من المتقين الذين يسلكون سبيله الموصول الى منازل الابرار، و هى درجات الجنة و مقاماتها- للتنبيه على أن الامتثال بأعمال الخير و الاجتناب عن أعمال‏

149
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

6- علي بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن القاسم بن عروة، عن أبي العباس قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من سرّته حسنته و ساءته سيّئته فهو مؤمن.
7- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن الحسن بن [ز] علان، عن أبي إسحاق الخراساني، عن عمرو بن جميع العبدي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
شيعتنا الشّاحبون، الذّابلون، النّاحلون، الّذين إذا جنّهم اللّيل استقبلوه بحزن.
8- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: شيعتنا أهل الهدى و أهل التقى و أهل الخير و أهل الإيمان و أهل الفتح و الظفر
__________________________________________________
الشر لا يمكن الا بتوفيق اللّه و هو الموفق و المعين.
قوله (من سرته حسنة و ساءته سيئة فهو مؤمن) هذا خبر لفظا و أمر معنى بالاتصاف بهاتين الخصلتين و كذا الخبران الاتيان و أمثالهما.
قوله (شيعتنا الشاحبون الذابلون الناحلون) تعريف الخبر باللام للحصر. و الشاحب المتغير اللون من هزال أو جوع، و فعله من باب منع و نصر و كرم و الذابل من قل ماء بشرته و نداوته و ذهبت نضارته من ذبل النبات كنصر و كرم ذبلا و ذبولا ذوى أى يبس من الحر، و الناحل المهزول من نحل جسمه كمنع و علم و نصر و كرم نحو لا ذاب من مرض أو سفر و نحوهما (الذين اذا جنهم الليل) أى سترهم. (استقبلوه بحزن) فى تفكر أمر الآخرة و أهوالها، و استقبال الليل كناية عن قطعة بالعبادة امتثالا لقوله تعالى وَ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَ سَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا و انما خص الليل بالذكر لانها محل للخلوة مع اللّه و الفراغ من الناس و المغفرة و الخلوص فى العبادة كما قيل اذا كثرت الذنوب منك فداوها برفع يد فى الليل المظلم.
قوله (شيعتنا أهل الهدى و أهل التقى و أهل الخير و أهل الايمان و أهل الفتح و الظفر) أى أهل لفتح أبواب البر و الاسرار، و أهل للظفر بالمقصود، ففى الاول اشارة الى كمالهم فى القوة النظرية، و فى الثانى اشارة الى كمالهم فى القوة العملية حتى بلغوا الى غايتهما و هو فتح أبواب الاسرار و الفوز بقرب الحق. و فيه حث لهم على تحصيل هذه الخصال أعنى الهداية اذ سلوك سبيل الحق لا يمكن بدونها ثم التقوى أى الاجتناب عن المنهيات، ثم الخير و هو القيام على الطاعات، ثم الايمان الكامل الّذي يتوقف عليهما فلذلك أخره عنهما، ثم الفتح و الظفر بالمعنى المذكور. و انما أخرهما لتوقفهما على الامور المذكورة، و يمكن أن‏

150
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

9- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل، عن منصور بزرج، عن مفضّل قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إيّاك و السفلة، فإنّما شيعة عليّ من عفّ بطنه و فرجه، و اشتدّ جهاده و عمل لخالقه و رجا ثوابه و خاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر.
10- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ شيعة عليّ كانوا خمص البطون، ذبل الشفاه، أهل رأفة و علم و حلم، يعرفون بالرّهبانيّة، فأعينوا على ما أنتم عليه بالورع و الاجتهاد
__________________________________________________
يكون الفتح و الظفر اشارة الى المجاهدات النفسانية و غلبة جنود العقل على الجنود الشيطانية فانه اذا تقابل الجندان فثبات العقل و محارباته مع العدو هو الاجتهاد و غلبته عليه هو الفتح و الظفر.
قوله (و اياك و السفلة فانما شيعة على من عف بطنه و فرجه و اشتد جهاده و عمل لخالقه و رجاء ثوابه و خاف عقابه فاذا رأيت اولئك فاولئك شيعة جعفر) أى شيعتى ففيه التفات على قول من جوزه ابتداء، و المراد بالسفلة التابعون للقوة للشهوية و الغضبية، التاركون لما يقتضيه القوة العقلية و هو الصفات المذكورة، و انما سموا سفلة لاستقرارهم كسائر الحيوانات فى السافل و عدم ارتقائهم الى الدرجة الانسانية. و عفة البطن و الفرج عما لا يجوز تناوله اشارة الى كسر القوة الشهوية و ضبطها عن التجاوز الى حد الافراط فانها تدعو الى الشرور و المفاسد التى لا تحصى، و اشتداد الجهاد اشارة الى السعى فى طلب زيادة العلم و المبالغة فى تنزيه الظاهر و الباطن عن الاعمال و الاخلاق القبيحة. و العمل الخالص للخالق موقوف عليهما. فلذلك ذكره بعدهما. ثم الخوف و الرجاء انما يعتبران بعد العمل لانهما بدونه من أثر الحماقة كما مر، و لذا أخرهما و الخوف بعد العمل منشؤه جواز التقصير فيه و امكان عدم قبوله.
قوله (ان شيعة على «ع» كانوا خمص البطون و ذبل الشفاه) شيعة الرجل بالكسر أتباعه و أنصاره، و يقع على الواحد و الاثنين و الجمع و المذكر و المؤنث و قد غلب هذا الاسم على كل من يتولى عليا «ع» و أهل بيته حتى صار اسما لهم خاصا. و الخمص بالفتح و السكون لاغر و گرسنه شدن. يقال خمص البطن مثلثة الميم خمصا اذا خلا و جاع، و الخمص و الخامص و الخميص مرد لاغر و گرسنه، و الذبل كذلك خشك شدن لب و بدن و مانند آن و الذبل و

151
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

11- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن صفوان الجمّال، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنّما المؤمن الّذي إذا غضب لم يخرجه غضبه من حقّ و إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل و إذا قدر لم يأخذ أكثر ممّا له.
12- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن النعمان، عن ابن مسكان، عن سليمان بن خالد، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: يا سليمان أ تدري من المسلم؟ قلت: جعلت فداك أنت أعلم، قال: المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده، ثمّ قال: و تدري من المؤمن؟ قال: قلت: أنت أعلم، قال:
 [إنّ‏] المؤمن من ائتمنه المسلمون على أموالهم و أنفسهم و المسلم حرام على المسلم أن يظلمه أو يخذله أو يدفعه دفعة تعنّته.
13- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب،
__________________________________________________
الذابل مرد خشك لب و بدن، و هما هنا اما مصدران و الحمل للمبالغة، أو صفتان و الافراد لاسنادهما الى الظاهر، و أما قراءة خمص بضمتين جمع خميص كرغف جمع رغيف و قراءة ذبل بالضم و فتح الباء المشددة جمع ذابل كطلب جمع طالب فبعيدة. و الشفاه جمع شفة بالفتح و قد يكسر و شفتا الانسان طبقتا فمه، و ذلك منهم لما علموا من أن فى البطنة زوال الفطنة و فوات الرقة و حدوث القسوة و الكسل عن العمل و صرف العمر فى تحصيل الزائد و يمكن أن يكون كناية عن كثرة صيامهم.
قوله (انما المؤمن الّذي اذا غضب لم يخرجه غضبه من حق و اذا رضى لم يدخله رضاه فى باطل) أى اذا غضب على أحد لم يتجاوز عما يجوز له من حقه و اذا رضى عن أحد لم يدخله رضاه فى باطل بالحماية عنه، أو اعطائه ما لا يستحقه أو منع الغير عما يستحقه عليه كما يفعله قضاة السوء و حكام الجور و المؤمن لا يأثم بشي‏ء من ذلك مع قيام الداعى و هو الغضب و الرضا بل يكون على فضيلة العدل فى الكل على سواء.
قوله (قال المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده) أى من شره و انما خص اليد و اللسان بالذكر لانهما أظهر الجوارح فى الكسب و ليس المقصود حصر المسلم على الموصوف بالصفة المذكورة و نفى الاسلام عن غيره لان المعنى على الفضل و الكمال لا على الحصر (المؤمن من ائتمنه المؤمنون على أموالهم و أنفسهم) لانه عرف بالامانة و الديانة و الصلاح و كمال الايمان بالتجربة و اشتهر بها حتى صار أمينا عندهم فى أموالهم و أنفسهم.
 (أو يدفعه دفعة تعنته) كان المراد يدفعه عن خير و يرده الى شر يوجب عنته و هو الفساد

152
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّما المؤمن الّذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم و لا باطل و إذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحقّ، و الّذي إذا قدر لم تخرجه قدرته إلى التعدّي إلى ما ليس له بحقّ.
14- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد. عن أبيه، عن أبي البختري رفعه قال: سمعته يقول: المؤمنون هينون لينون كالجمل الألف إذا قيد انقاد، و إن انيخ على صخرة استناخ.
15- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ثلاثة من علامات المؤمن: العلم باللّه و من يحبّ و من يكره‏
__________________________________________________
و الاثم و المشقة و الشدة و العناء و الهلاك و الوهى و الانكسار و الخطاء و عنت اذا وقع فى هذه الامور و أعنته غيره تعنيتا شدد عليه و ألزمه ما يصعب عليه. و فى كنز اللغة الدفع بازداشتن و دور كردن و چيزى را فرا كسى دادن و دافع بازدارنده و بدرآرنده. و فى المصابيح الدفع التنحية و الدفعة بالفتح المرة و بالضم اسم لما يدفع بمرة.
قوله (المؤمنون هينون لينون كالجمل الانف اذا قيد انقاد، و ان انيخ على صخرة استناخ) هان الشي‏ء هونا بالفتح من باب قال و هو هين بالتخفيف و التثقيل على فيعل و عينه واو و جمعه هينون كذلك و الهون السهل و السكينة و الوقار، و فى الفائق قال ابن الاعرابى العرب تمدح بالتخفيف و تذم بالتشديد، و قيل هما واحد. أقول كأنه أراد أن المخفف من الهون بالفتح و المثقل من الهون بالضم. يقال هان الشي‏ء يهون هونا بالضم و هوانا أى ذل و حقر، و فى التنزيل «أ يمسكه على هون». و لان الشي‏ء يلين لينا و ليانا بالفتح و تلين فهو لين و الجمع لينون بالتخفيف و التشديد فيهما و هما بمعنى واحد أو المخفف للمدح و المثقل للذم كما مر، و المقصود بيان حسن أخلاقهم و أنهم سهل الانقياد لحكم اللّه تعالى فيما أمر و نهى قد سمحوا بأنفسهم له فيما قدر و قضى و تلقوا بقبول ما أجرى عليهم و تنزهوا عن مخالفة ما أراد منهم كجمل آلف أى أليف ذلول غير وحشى صعب ان قيد انقاد لصاحبه من غير اباء للقيد، و ان انيخ و أبرك على صخرة استناخ و برك، و المنقول من طريق العامة و كتب اللغة مثل الصحاح و النهاية كالجمل الانف بالنون من أنف البعير و هو آنف أى اشتكى أنفسه من البرة و هى حلقة من صفر تجعل فى لحم أنف البعير فصار لذلك الوجع الّذي به ذلولا منقادا.
قوله (من علامات المؤمن العلم باللّه و من يحب و من يكره) أى من علاماته معرفة اللّه تعالى و معرفة من يحبه و من يكرهه فان من عرف اللّه تعالى آمن به و من عرف من يحبه مثل‏

153
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

16- و بهذا الإسناد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: المؤمن كمثل شجرة لا يتحاتّ ورقها في شتاء و لا صيف، قالوا: يا رسول اللّه و ما هي؟ قال: النخلة.
17- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن اورمة، عن [أبي‏] إبراهيم الأعجميّ، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المؤمن حليم لا يجهل، و إن جهل عليه يحلم، و لا يظلم و إن ظلم غفر، و لا ينجل و إن نجل عليه صبر.
18- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن منذر بن جيفر، عن آدم أبي الحسين اللّؤلؤي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
المؤمن من طاب مكسبه، و حسنت خليقته، و صحّت سريرته و أنفق الفضل من ماله. و
__________________________________________________
النبي و الائمة عليهم السلام و اتباعهم تابعه و من عرف من يكرهه اللّه تعالى اعتزل عنه و هذه المعارف أصل لجميع الخيرات و أعظم علامات المؤمن.
قوله (و بهذا الاسناد قال: قال رسول اللّه «ص» المؤمن كمثل شجرة لا يتحات ورقها فى شتاء و لا صيف قالوا يا رسول اللّه و ما هى؟ قال النخلة) نظير ذلك ورد من طرق العامة ففى مسلم عن عبد اللّه بن عمر قال قال رسول اللّه «ص» «ان من الشجرة شجرة لا يسقط ورقها و أنها مثل المسلم فحدثونى ما هى فوقع الناس فى شجر البوادى قال عبد اللّه وقع فى نفسى انها النخلة فاستحييت ثم قالوا حدثنا ما هى يا رسول اللّه؟ قال فقال هى النخلة» و انما شبه المؤمن بالنخلة لكثرة خيرها و دوام ظلها و طيب ثمرها و وجوده على الدوام فانه من حين يطلع لا يزال يوكل حتى ييبس و بعد ان ييبس و فيها منافع كثيرة جذوعها خشب فى البناءات و الآلات و جرائدها حطب و عصى و محابر و حصر و ليفها حبال و حطب و حشوها للوسائد و غير ذلك من وجوه نفعها و جمال نباتها و حسن هيآتها كما أن المؤمن خير كله من كثرة طاعته و كرم أخلاقه. هذا الصحيح فى وجه التشبيه و قيل وجه التشبيه انه اذا قطع رأسها ماتت بخلاف غيرها من الشجر، و قيل أنها لا تحمل حتى تلقح و لذلك سماها فى الحديث عمة فقال «أكرموا عماتكم النخل» و قيل لان أحوالها من حين تطلع الى تمام ثمرها سبعة كأحوال المؤمن من التوبة الى قرب الحق سبعة:
التوبة ثم الاجتهاد ثم الخوف ثم الرجاء ثم الإرادة ثم المحبة ثم الرضا و ثمر النخل طلع ثم اغريص ثم بلح ثم بسر ثم زهو ثم تمر ثم رطب.
قوله (و لا ينجل و ان نجل عليه صبر) النجل بالنون و الجيم الطعن و الشق و نجل الناس بثارهم و تناجلوا تنازعوا يعنى ان طعنه أحد و سفه عليه صبر و لم يقابله بمثله.
قوله (المؤمن من طاب مكسبه) ذكر فيه من خصال المؤمن سبعة أوصاف: الاول طيب‏

154
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

أمسك الفضل من كلامه، و كفى الناس شرّه، و أنصف الناس من نفسه.
19- أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن الحسن بن عليّ، عن أبي كهمس، عن سليمان بن خالد، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أ لا أنبّئكم بالمؤمن؟ من ائتمنه المؤمنون على أنفسهم و أموالهم، أ لا أنبّئكم بالمسلم؟ من سلم المسلمون من لسانه و يده، و المهاجر من هجر السيّئات و ترك ما حرّم اللّه، و المؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه أو يخذله أو يغتابه أو يدفعه دفعة.
20- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن مفضّل بن عمر، عن أبي أيّوب العطّار، عن جابر قال: قال أبو جعفر عليه السّلام:
إنّما شيعة عليّ الحلماء، العلماء، الذبل الشفاة، تعرف الرّهبانيّة على وجوههم‏
__________________________________________________
كسبه أو محل كسبه و هو يشمل طيب مكسبه للدنيا و الآخرة بأن يطلب المعيشة من طريق يجوز شرعا و عقلا و لا يطلب زائدا على الكفاف و لا يفنى عمره فيما لا يحتاج إليه و يجعل أعماله موافقة للقوانين الشرعية و يصونها عن العلائق البشرية و الشواغل القلبية خالصا للّه. الثانى حسن الخليقة و الطبيعة بالتحلى بالفضائل و التخلى عن الرذائل مثل الحقد و الحسد و الغضب و غيرها.
الثالث صحة السريرة أى القلب باتصافه بصحة العقائد و تيقظه فى جميع الحالات و مراقبته فى جميع الحركات و السكنات، و الرابع انفاق الفضل من المال و هو ينشأ من تصور فضل الانفاق و التصديق بأن امساك الفضل لا ينفعه و انفاقه لا يضره. الخامس امساك الفضل من الكلام و هو ما لا ينفع فى الآخرة سواء يضره أم لا، فيشمل المباح و أكثر كلام الناس فى المجالس من هذا القبيل. السادس كفاية الناس من شره و لا يتم ذلك الا بالعدالة التابعة للاعتدال في القوة العقلية و الشهوية و الغضبية. السابع انصاف الناس من نفسه بأن يحب للناس ما يحب لنفسه، و يكره لهم ما يكره لنفسه، و لا يتصف بالانصاف الا من لمعت فى قلبه الاسرار الالهية، و انغلقت عنه أبواب الوساوس الشيطانية فانه حينئذ لا يرجح نفسه على غيره اذا كان الحق مع ذلك الغير بل هو حاكم له على نفسه قوله (و المهاجر من هجر السيئات) أى المهاجر الّذي مدحه اللّه تعالى هو هذا يعنى أنه الفرد الكامل منه و الا فالمهاجر يطلق أيضا على من هاجر من مكة الى المدينة قبل الفتح و على من هاجر من البدو الى المدينة و على من هاجر من بلاد كفر عند خوف الجور و الفساد و عدم التمكن من اظهار شعائر الاسلام كما قيل فى قوله تعالى يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ.
قوله (انما شيعة على «ع» العلماء الحلماء الذبل الشفاه تعرف الرهبانية على‏

155
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

21- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن معروف بن خرّبوذ، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: صلّى أمير المؤمنين عليه السّلام بالناس الصبح بالعراق، فلمّا انصرف و عظهم فبكى و أبكاهم من خوف اللّه، ثمّ قال: أما و اللّه لقد عهدت أقواما على عهد خليلي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و إنّهم ليصبحون و يمسون شعثا غبرا خمصا، بين أعينهم كركب المعزى، يبيتون لربّهم سجّدا و قياما يراوحون بين أقدامهم و جباههم، يناجون ربّهم و يسألونه فكاك رقابهم من النّار و اللّه لقد رأيتهم مع هذا و هم خائفون مشفقون.
22- عنه، عن السندي بن محمّد. عن محمّد بن الصلت، عن أبي حمزه، عن عليّ بن‏
__________________________________________________
وجوههم) العلماء اشارة الى كمال قوتهم النظرية بالعلم النظرى و هو معرفة الصانع و صفاته و دينه و غير ذلك. و الحلماء اشارة الى كمالهم فى القوة الغضبية لان الحلم ملكة تحت الشجاعة الحاصلة من اعتدال تلك القوة، و الذبل الشفاه و ما بعده اشارة الى كمالهم فى القوة العملية، و الراهب من انقطع للعبادة و مصدره الرهبة و الرهبانية.
قوله (لقد عهدت أقواما على عهد خليلى) العهد ديدن و ياد داشتن و منهم سلمان و أبو ذر و عمار و ابن التيهان- بتشديد الياء و سكونها- و ذو الشهادتين و هؤلاء الثلاثة قتلوا فى صفين و غيرهم من اخوانهم الذين تعاقدوا على المنية فى صفين فقاتلوا حتى قتلوا.
 (شعثا غبرا خمصا بين أعينهم كركب المعزى) كان الاخير جمع الخميص و هو الجائع و الاولين مؤنث الاشعث و الاغبر كحمراء و أحمر و التأنيث بتأويل الجماعة و الاشعث المنتشر أمره و المتغير لونه و المتلبد شعره لقلة تعهده بالدهن و المتسخ ثوبه من غير استحداد و لا تنظف و الاغبر المتلطخ بالغبار، و الركب جمع الركبة كالغرف جمع الغرفة و المغر اسم جنس لا واحد له من لفظه و هى ذوات شعر من الغنم الواحدة شاة و تفتح العين و تسكن و المعزى ألفها للالحاق لا للتأنيث و لهذا تنون فى النكرة و الذكر ماعز و الانثى ماعزة، و المقصود من هذا التشبيه هو وصفهم بكثرة السجود لانه يحصل بها فى الجبهة صلابة و خشونة لكثرة وضعها على الارض (يراوحون بين أقدامهم و جباههم) أى اذا تعبت أقدامهم بطول القيام يراوحون بينها و بين الجباه فيضعون الجباه على التراب تواضعا للّه و تذللا له:
 (و اللّه لقد رأيتهم مع هذا و هم خائفون مشفقون) أى و هم خائفون من رد أعمالهم، مشفقون من عذاب النار و خوفهم من ذلك يعود الى الخوف مما يحكم به الاوهام من حسن العبادة و كمالها و وقوعها على الوجه المطلوب الموصل الى اللّه تعالى قطعا مع انقياد النفس الامارة

156
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

الحسين عليهما السّلام قال: صلّى أمير المؤمنين عليه السّلام الفجر ثمّ لم يزل في موضعه حتّى صارت الشمس على قيد رمح و أقبل على الناس بوجهه، فقال: و اللّه لقد أدركت أقواما يبيتون لربّهم سجّدا و قياما يخالفون بين جباههم و ركبهم، كأنّ زفير النار في آذانهم اذا ذكر اللّه عندهم مادوا كما يميد الشجر، كأنّما القوم باتوا غافلين، قال: ثمّ قام فما رئي ضاحكا حتّى قبض صلوات اللّه عليه.
23- عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن المفضّل بن عمر قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا أردت أن تعرف أصحابي فانظر إلى من اشتدّ ورعه و خاف خالقه و رجا ثوابه و إذا رأيت هؤلاء فهؤلاء أصحابي 24- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون عن عبد اللّه بن عمرو بن الأشعث، عن عبد اللّه بن حمّاد الأنصاري، عن عمرو بن أبي‏
__________________________________________________
بالسوء لها و هذا الوهم و الانقياد مبدءان للتعجب بالعبادة و التقاصر عن الازدياد، و الخوف من ذلك باعث على العمل و السعى فيه و فى تجويده، و كاسر للعجب و مبدئه. و العجب من المهلكات.
قوله (حتى صارت الشمس على قدر رمح) فى بعض النسخ على قيد رمح. القيد القدر.
 (يخالفون بين جباههم و ركبهم) أى يضعون جباههم على التراب خلف وضع ركبهم عليه يأتون بأحدهما عقب الاخر.
 (كأن زفير النار فى آذانهم) أشار به الى سبب تمرنهم بالطاعات و احياء الليالى بالعبادات و هو كون علمهم بأحوال الجنة و النار فى مرتبة عين اليقين.
 (و اذا ذكر اللّه عندهم مادوا كما يميد الشجر) أى مالوا و تحركوا و اضطربوا و فيه تلميح الى قوله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ.
 (كانما القوم باتوا غافلين) اللام للعهد و المراد أنهم مادوا و اضطربوا عند ذكره تعالى خشية منه كأنهم باتوا غافلين عنه تاركين لعبادته لعدم اعتدادهم بها نظرا الى كمال عظمته تعالى و الغرض من هذا الحديث هو الحث على الاقتداء به.
 (فما رئى ضاحكا حتى قبض صلوات اللّه عليه) لاستيلاء الخوف على قلبه الطاهر و الخوف الشديد يوجب الحزن الدائم.
قوله (اذا أردت أن تعرف أصحابى فانظر الى من اشتد ورعه و خاف خالقه و رجا ثوابه) أشار به الى أن أصحابه من أقربه و تبعه فى العمل و اتصف بالخوف و الرجاء المستلزمين للزهد فى الدنيا و الاقبال الى الآخرة و قد دلت عليه روايات اخر و كان المراد بهم الخلص‏

157
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

المقدام، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: شيعتنا المتباذلون في ولايتنا، المتحابّون في مودّتنا، المتزاورون في إحياء أمرنا، الّذين إن غضبوا لم يظلموا و إن رضوا لم يسرفوا، بركة على من جاوروا، سلم لمن خالطوا.
25- عنه، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن سنان، عن عيسى النهريري. عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من عرف اللّه و عظّمه منع فاه من الكلام و بطنه من الطعام و عفى نفسه بالصيام و القيام، قالوا: بآبائنا و أمّهاتنا يا
__________________________________________________
من الشيعة و هم الذين دلت الروايات على أنهم لا يدخلون النار.
قوله (شيعتنا المتباذلون فى ولايتنا) ذكر «ع» للشيعة سبع خصال: الاولى التباذل أى بذل بعضهم فضل ماله و لفظة «فى» اما للسببية أو لاحد المعانى الثلاثة المذكورة قبيل ذلك الثانية التحابب أى حب بعضهم بعضا و لا يتحقق ذلك الا بتحقيق آثاره. الثالثة التزاور أي زيارة بعضهم بعضا لقصد احياء أمر الائمة عليهم السلام و ذكر شرفهم و فضلهم. الرابعة رفض الظلم عند سورة الغضب و هو مسبب عن كمال الاعتدال فى القوة الغضبية. الخامسة عدم الاسراف أى عدم التجاوز عن القصد و رفض الميل الى الباطل و ترك التعصب و الحمية عند الرضا عن أحد و هو من توابع العدل. السادسة كونهم بركة على الجار لايصال النفع إليه و دفع الضر عنه، السابعة كونهم سلما لمن خالطوه و هو بكسر السين و فتحها الصلح و يذكر و يؤنث.
قوله (عن عيسى البهريرى) هكذا بالباء الموحدة قبل الياء الاولى فى بعض النسخ، و فى بعضها النهرى، و فى بعضها الجريرى و هو الموافق لما ذكره الشيخ فى الاربعين و قال فى حاشيته الجريرى بضم الجيم منسوب الى جرير بن عباد بالضم و التخفيف، و فى كتاب الرجال عيسى بن أعين الجريرى الاسدى مولى كوفى ثقة روى عن أبى عبد اللّه «ع».
 (من عرف اللّه و عظمته) فى بعض النسخ و عظمه من التعظيم عطفا على عرف و المراد بمعرفته معرفة صفاته الجلالية و الجمالية بقدر طاقة الانسان، و اما معرفة حقيقة ذاته و صفاته فمما لا سبيل إليه لمن اتصف بصفة الامكان.
 (منع فاه من الكلام و بطنه من الطعام) بأن حفظ اللسان عن الفضول باب النجاة و حفظ البطن من الطعام مفتاح الخيرات لان الفضول من الكلام يسود لوح النفس و يفسد العمل و الاكثار من الطعام يوجب زوال الرقة و حدوث القسوة و الكسل.
 (و عفى نفسه بالصيام و القيام) أى جعلها صافية خالصة أو جعلها مندرسة ضعيفة ذليلة لان الصيام و القيام بوظائف الطاعات يكسران شهوة النفس، و فى بعض النسخ عنا نفسه بالعين المهملة و النون المشددة أى أتعب و العناء بالفتح و المد التعب.

158
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

رسول اللّه هؤلاء أولياء اللّه؟ قال: إنّ أولياء اللّه سكتوا فكان سكوتهم ذكرا. و نظروا فكان نظرهم عبرة، و نطقوا فكان نطقهم حكمة، و مشوا فكان مشيهم بين الناس بركة، لو لا الآجال الّتي قد كتبت عليهم لم تقرّ أرواحهم في أجسادهم خوفا من العذاب و شوقا إلى الثواب‏
__________________________________________________
 (قالوا بآبائنا و امهاتنا يا رسول اللّه هؤلاء أولياء اللّه) أى نفديك بآبائنا و امهاتنا فالباء للتفدية بحذف الفعل و هى فى الحقيقة باء العوض نحو خذ هذا بهذا، و قولهم هؤلاء أولياء اللّه استفهام. و يحتمل أن يكون خبرا قصد به لازم الحكم و هو علمهم بذلك.
 (قال ان أولياء اللّه سكتوا فكان سكوتهم ذكرا) لاشتغال قلوبهم الطاهرة بذكر اللّه تعالى و ذكر علمه و قدرته و حكمته بملاحظة آثاره الغريبة و أفعاله العجيبة و حمل الذكر على السكوت للمبالغة فى السببية و الاشعار بكونه لازما غير منفك و كذا فى القرائن الآتية و هذا اما رد لقولهم هؤلاء أولياء اللّه يعنى أولياء اللّه صنف آخر صفاتهم فوق الصفات الثلاثة المذكورة أو تصديق له، و وصف للاولياء بصفات اخرى زيادة على الصفات المذكورة، و أمر التأكيد على الاول ظاهر لكون المخاطب مترددا أو حاكما بخلافه و أما على الثانى مع أن المخاطب قائل بالحكم مصدق له فلصدوره عنه «ص» عن كمال الرغبة و وفور النشاط لانه فى وصف أولياء اللّه بأعظم الصفات فكان مظنة التأكيد، كما ذكره الشيخ فى الاربعين و صاحب الكشاف عند قوله تعالى وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَ إِذا خَلَوْا إِلى‏ شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ.
 (و نظروا فكان نظرهم عبرة) نظروا الى الاشياء كلها و عبروا من أخسها الى أحسنها مثلا نظروا الى الدنيا و الآخرة فرأوا بعين البصيرة ان الدنيا دار الغرور و الآخرة دار القرار فطلبوا الآخرة و اشتغلوا باصلاحها و تركوا الدنيا باسرها و نظروا الى أحوال الصالحين و أحوال الفاسقين، و عرفوا التفاوت بينهما فطلبوا الاسوة بالصالحين (و نطقوا فكان نطقهم حكمة) و هى ما ينفع فى الآخرة من العلوم و المعارف و العقائد الصحيحة و الاخلاق الحسنة و الاعمال الصالحة، و هداية الخلق إليها و حثهم عليها، و ذلك لكمال اعتدالهم فى القوة العقلية.
 (و مشوا فكان مشيهم بين الناس بركة) لان قصدهم رفع الحوائج عن الناس و طلب المنافع لهم و دفع المضار عنهم مع أن وجودهم سبب لسعة أرزاقهم و رفع البلاء عنهم.
 (لو لا الآجال التى قد كتبت عليهم لم تقر أرواحهم فى أجسادهم خوفا من العذاب و شوقا الى الثواب) أراد أن غلبة الشوق الى ثواب اللّه و الخوف من عقابه على نفوسهم القدسية الى‏

159
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

26- عنه، عن بعض أصحابه من العراقيّين، رفعه قال: خطب النّاس الحسن بن علي صلوات اللّه عليهما فقال: أيّها الناس أنا اخبركم عن أخ لي كان من أعظم الناس في عيني و كان رأس ما عظم به في عيني، صغر الدّنيا في عينه، كان خارجا من سلطان بطنه، فلا يشتهي ما لا يجد و لا يكثر إذا وجد، كان خارجا من‏
__________________________________________________
غاية أن أرواحهم لا تستقر فى أجسادهم من ذلك، لو لا الآجال التى قد كتبت عليهم و هذا الخوف و الشوق يستلزمان دوام الجد فى العمل و الاعراض عن الدنيا، و مبدؤهما تصور عظمة الخالق و بحسب قوة ذلك التصور يكون قوة الخوف و الرجاء و هما بابان عظيمان للجنة. و ينبغى أن يعلم أن جوهر البسيط الانسانى اذا صفا عن الكدورات الجسمانية و خلا عن اللذات الطبيعية اتصل بعالم القدس و شاهد بنور البصيرة جمال الحق و استغرق فى تجلياته و قطع عنه علائق الكثرة. و هذه المرتبة هى مرتبة حق اليقين و ليست عند صاحب هذه المرتبة زيادة فرق بين تعلق جوهره ببدنه و تجرده عنه لان استعمال القوى البدنية لا يمنعه من النظر الى الكمال الحقيقى الا أن ذلك النظر بعد تجرده التام و مفارقته بالكلية عن ذلك التعلق أصفى و أتم اذ هو ما دام التعلق لا يخلو من خوف فوات تلك المرتبة بمقتضيات التعلق و الشهود التام، و الا من من الخوف انما يحصلان بعد التجرد التام و زوال التعلق بالكلية فلذلك صاحبها يترقب رفع هذا الحجاب و كشف هذا النقاب خوفا من العذاب، و أشده فوات هذه المرتبة و شوقا الى الثواب و أعظمه شهود جمال الحق.
قوله (أنا اخبركم عن أخ لى كان من أعظم الناس فى عينى) اريد بالاخ أبو ذر الغفارى على احتمال و بالاعظم الاعظم قدرا و منزلة.
 (و كان رأس ما عظم به فى عينى صغر الدنيا فى عينه) الرأس الاصل، و الصغر وزان قفل الذل و الهوان و هو خبر كان، و فاعل عظم ضمير الاخ و ضمير «به» عائد الى الموصول و الباء للسببية (كان خارجا من سلطان بطنه) أى لم يكن لبطنه سلطنة و غلبة حيث أمات قوته الشهوية و ذكر لهذا علامتين فقال:
 (فلا يشتهى ما لا يجد و لا يكثر اذا وجد) أى فلا يشتهى ما لا يجد من نعم الدنيا و لا يشتاق إليها و لا يكثر اذا وجد شيئا منها و ذلك لانه ترك الدنيا لهوانها. و الدرجة العليا و الغاية القصوى من ترك الدنيا قطع المألوفات و ترك المستحسنات و عدم صرف الهمة الى تحصيل ما لم يجد من المشتهيات و اكثار ما وجد من الزهرات.
 (كان خارجا من سلطان فرجه) أى لم يكن لفرجه عليه سلطنة أصلا أو فيما لا يجوز

160
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

سلطان فرجه، فلا يستخفّ له عقله و لا رأيه، كان خارجا من سلطان الجهالة فلا يمدّ يده إلّا على ثقة لمنفعة، كان لا يشتهي و لا يتسخّط و لا يتبرّم، كان أكثر دهره صمّاتا، فإذا قال بذّ القائلين كان لا يدخل في مراء، و لا يشارك في دعوى، و لا يدلي بحجّة حتّى يرى قاضيا، و كان لا يغفل عن إخوانه، و لا يخصّ نفسه بشي‏ء
__________________________________________________
استعماله فيه و ذكر لهذا أيضا علامتين فقال:
 (فلا يستخف له عقله و لا رأيه) استخفه خلاف استثقله، و معناه طلب منه الخفة يعنى فلا يطلب لاجل فرجه و قضاء شهوته الخفة من عقله و رأيه أو تدبيره فى اطاعتهما له و الحاصل أنه لا يجعل عقله و رأيه خفيفين سريعين مطيعين له فى قضاء حوائج الفرج بل عقله رزين و رأيه متين لا يحركهما عواصف اللذات، و ارجاع الضمير فى له الى الاخ، و رفع عقله و ما عطف عليه بعيد (كان خارجا من سلطان الجهالة) لكونه كاملا فى القوة العقلية فلا سلطنة للجهل عليه و ذكر لهذا علامة فقال:
 (فلا يمد يده الاعلى ثقة لمنفعة) لان العاقل العالم الكامل لا يتناول شيئا الا على ثقة و يقين بكونه منفعة لكونه عارفا بحقائق الاشياء و مباديها و مآلها و منافعها و مضارها بخلاف الجاهل فان أكثر ما يتناوله مضر فى الدنيا و الآخرة.
 (كان لا يشتهى و لا يتسخط و لا يتبرم) أى كان لا يحب الدنيا و لا يرغب فيها و لا يتسخط بنصيبه منها و ان قل، أو لا يستقله من تسخط عطاءه اذا استقله أو لا يغضب لاجلها و لا يضجر و لا يغتم بفواتها (كان أكثر دهره صماتا) أى كثير السكوت الا عن الخير، و المراد بالدهر هنا مدة العمر (فاذا قال بذا القائلين) أى فاذا تكلم بالحق غلب على القائلين و سبقهم لكمال عقله و كثرة علمه و صيرورة المعارف ملكة فى جوهر نفسه.
 (كان لا يدخل فى مراء و لا يشارك فى دعوى و لا يدلى بحجة حتى يرى قاضيا) فى المصباح ماريته أماريه مماراة و مراء جادلته، و يقال ماريته أيضا اذا طعنت فى قوله تزييفا للقول و تصغيرا للقائل. و لا يكون المراء الا اعتراضا بخلاف الجدال فانه يكون ابتداء و اعتراضا و أدلى بحجته احتج بها و أثبتها فوصل بها الى دعواه. يعنى كان لا يتعرض للمجادل و تزييف قوله و لا يتصدى للمدعى و ابطال دعواه و لا يتمسك بحجته فى اثبات مدعاه حتى يرى قاضيا بالحق قاطعا للنزاع و هذا من كمال النفس و رزانة العقل و التكلم فى هذه الامور قبل وجدان الحاكم العادل المميز بين الحق و الباطل من آداب السفهاء و سنن الجهلاء.
 (و كان لا يغفل عن اخوانه و لا يخص نفسه بشي‏ء دونهم) هذا من كمال شفقته ورقة قلبه و لينة طبعه حيث أنه لا يغفل عن تفقد أحوال اخوانه المؤمنين فى جميع الحالات و لا يخص‏

161
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

دونهم، كان ضعيفا مستضعفا فإذا جاء الجدّ كان ليثا عاديا، كان لا يلوم أحدا فيما يقع العذر في مثله حتّى يرى اعتذارا، كان يفعل ما يقول و يفعل ما لا يقول، كان إذا ابتزّه أمران لا يدري أيّهما أفضل نظر إلى أقربهما إلى الهوى فخالفه، كان لا يشكوا
__________________________________________________
نفسه دونهم بشي‏ء من الخيرات بل يريد لهم ما يريد لنفسه. و يكره لهم ما يكره لنفسه.
و وجه تخصيص كان هنا بالعطف خفى فليتأمل.
 (كان ضعيفا مستضعفا) منشأ الاول كثرة الصيام و القيام بالصلاة و سائر العبادات و السهر و خشونة المطعم و الملبس و هجر الملاذ و الشهوات الدنيوية. حتى صار ضعيفا فى بدنه و منشأ الثانى تواضعه للمؤمنين و عدم مجادلته و تغلبه عليهم حتى استضعفوه و عدوه ضعيفا و ان كان قويا فى نفس الامر كما أشار إليه بقوله، (فاذا جاء الجد كان ليثا عاديا) الجد الاجتهاد فى الامر و المراد به هنا المحاربة و المجاهدة، و السبع العادى الظالم الّذي يفترس الناس. يعنى ان كان وقت المجاهدة مع أعداء الدين فهو بمنزلة الاسد فى الهيبة و القوة و الصولة و هذا مقتبس من قوله تعالى فى وصف أمير المؤمنين و الائمة من أولاده الطاهرين عليهم السلام «أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ» و قرء «غاديا» بالغين المعجمة أيضا و انما وصف الاسد به لان الاسد اذا غدى كان جائعا فصولته أشد (كان لا يلوم أحدا فيما يقع العذر فى مثله حتى يرى اعتذارا) أى كان من عادته الحسنة أن لا يسرع بملامة أحد اذا قصر فى حقه لامكان أن يكون له عذر، و ليس المقصود اللوم بعد الاعتذار نظيره قولك لا أطلب رزقى حتى يأتينى لانك لم تقصد الطلب بعد اتيانه.
 (كان يفعل ما يقول و يفعل ما لا يقول) أى كان يفعل كل ما يقول و يأمر به غيره و يفعل ما لا يقوله، و فيه مبالغة لكمال عنايته بالتقرب الى اللّه تعالى، و تلميح الى تشبثه بقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ.
 (كان اذا ابتزه أمران لا يدرى أيها أفضل نظر الى أقربهما الى الهوى فخالفه) البز و الابتزاز: القهر و الغلبة و أخذ الشي‏ء بجفاء و قهر، و انما خالف ما تهواه النفس و تميل إليه و هو الاخف الاسهل لطلب الاثقل الاشق عليها.
 (كان لا يشكو وجعا الا عند من يرجو عنده البرء) و هو اللّه تعالى أو غيره أيضا، و ذلك لقوة صبره و احاطة علمه بأن الشكاية عند غيره شكاية من اللّه تعالى، و هذا ليس من دأب العارفين، و أما عند من يرجو البرء عنده فليس بشكاية بل طلب لعلاجه و هو ممدوح عقلا و شرعا. هذا حال الشكاية عن الوجع حال وجوده. و أما الشكاية عند بعد الصحة فقيل تجوز لانها نوع من الشكر. هذا يتم اذا قال مثلا كان بى وجع كذا فمن اللّه على بالصحة. أما لو قال مثلا كان بى وجع هو لم‏

162
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

وجعا إلّا عند من يرجو عنده البرء. و لا يستشير إلّا من يرجو عنده النصيحة، كان لا يتبرّم و لا يتسخّط و لا يتشكّى و لا يتشهّى و لا ينتقم و لا يغفل عن العدوّ فعليكم بمثل هذه الأخلاق الكريمة إن أطقتموها. فإن لم تطيقوها كلّها فأخذ القليل خير من ترك الكثير و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه.
27- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن مهزم، و بعض أصحابنا، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن إسحاق الكاهليّ، و أبو عليّ الأشعري، عن الحسين بن عليّ الكوفيّ، عن العبّاس بن عامر، عن ربيع بن محمّد، جميعا، عن مهزم الأسدي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا مهزم شيعتنا من لا يعد و صوته سمعه، و لا شحناؤه يديه و لا يمتدح بنا معلنا و لا يجالس لنا عائبا و لا يخاصم لنا قاليا، إن‏
__________________________________________________
يكن بأحد فالظاهر أنه شكاية من اللّه.
 (و لا يستشير الا من يرجو عنده النصيحة) لانه بنور بصيرته و كمال فطنته يعرف أحوال الناس و يميز بين الناصح و الغاش فلا يستشير فى أمر من اموره الا من يعلم أو يظن أنه ينصحه و يرشده الى مصالحه.
 (كان لا يتبرم و لا يتسخط و لا يتشكى) أى من الوجع فلا تكرار و التشكى شكوه و گله كردن (و لا يتشهى و لا ينتقم) تشهى آرزو كردن. انتقام كينه كشيدن از كسى، و فيه اشارة الى اعتداله فى القوة الشهوية و الغضبية و جعله اياهما تحت حكم العقل.
 (و لا يغفل عن العدو) الداخل و الخارج أما الداخل فكافراط القوتين المذكورتين و الاخلاق الذميمة و أهواء النفس الامارة بالسوء، و أما الخارج فكالشياطين من الجن و الانس و أفعال الجوارح الخارجة عن القوانين الشرعية، و فيه اشارة الى كماله فى القوة العقلية.
قوله (شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه) لخفاء صوته الدال على لين طبعه فان الصوت الشديد دال على غلظته و لذلك يكون مذموما كما قال عز و جل «إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ» و فى بعض النسخ «من لا يعلو».
 (و لا شحناؤه يديه) الشحناء العداوة و البغضاء يعنى أنهما تحت يده و قدرته يدفعهما باللطف و الرفق (و لا يمتدح بنا معلنا) امتداح ستودن من المدح و هو ثناء أحد بما فيه من الصفات الجميلة خلقية كانت أو اختيارية، و الظاهران الباء فى «بنا» للتعدية، و لعل وجه ذلك أن اعلان مدحهم مضر لهم و للمادح.
 (و لا يجالس لنا عائبا) لئلا يماثله و لا يشاركه فى الاثم و العقوبة و قد أمر اللّه تعالى‏

163
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

لقي مؤمنا أكرمه و إن لقي جاهلا هجره. قلت: جعلت فداك فكيف أصنع بهؤلاء المتشيّعة قال: فيهم التمييز و فيهم التبديل، و فيهم التمحيص، تأتي عليهم سنون تفنيهم و طاعون يقتلهم و اختلاف يبدّدهم. شيعتنا من لا يهرّ هرير الكلب و لا يطمع‏
__________________________________________________
بالاعراض عنه و نهى عن مجالسته بقوله «وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ» و قوله «قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَ يُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ» و الآيات الائمة عليهم السلام (و لا يخاصم لنا قاليا) أى مبغضا معاندا لان مخاصمته لا تثمر الا الضرر و زيادة العداوة و البغض (ان لقى مؤمنا أكرمه) لايمانه بأنحاء من الاكرام و الاعظام.
 (و ان لقى جاهلا هجره) لجهله و هو انه و للتحرز من أثر جهله و يندرج فى الجاهل العاصى و العالم الّذي لا يعمل بعلمه بل الهجر عنه اولى لان له قوة راى يغلب بها على صاحبه بالحيل و التزوير (قلت جعلت فداك فكيف اصنع بهؤلاء المتشيعة) أى الذين يدعون التشيع و ليس لهم معناه و علاماته.
 (قال فيهم التمييز و فيهم التبديل و فيهم التمحيص تأتى عليهم سنون تفنيهم و طاعون يقتلهم و اختلاف يبددهم) ذكر «ع» امورا توجب خروجهم من الفرقة الناجية أو هلاكهم بالاعمال و الاخلاق الشنيعة فى الدنيا و الآخرة. أحدهما التمييز بين الثابت الراسخ و غيره يقال مزته ميزا من باب باع بمعنى عزلته و فصلته من غيره، و الثقيل مبالغة و ذلك يكون فى المشتبهات نحو «لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ» و فى المختلطات نحو «وَ امْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ» و تميز الشي‏ء انفصاله من غيره، و ثانيها التبديل أى تبديل حالهم بحال أحسن أو تبديلهم بقوم آخرين لا يكونوا أمثالهم و اللّه يعلم، و ثالثها التمحيص و هو الابتلاء و الاختبار و التخليص تقول محصت الذهب بالنار اذا خلصته مما يشوبه، و بذلك التميز و الاختبار يخرج خلق كثير كما يدل عليه ما روى عن ابن أبى يعفور قال «سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: ويل لطغاة العرب من أمر قد اقترب، قلت: جعلت فداك كم مع القائم من العرب؟ قال نفر يسير، قلت: و اللّه ان من يصف هذا الامر منهم لكثير، قال: لا بدّ للناس من أن يمحصوا و يميزوا و يغربلوا و يستخرج فى الغربال خلق كثير» «1». و رابعها السنون و هى الجدب و القحط قال اللّه تعالى وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ و الواحد السنة و هى محذوفة اللام، و فيها لغتان أحدهما جعل اللام هاء و الاصل سنهة و تجمع على سنهات مثل سجدة و سجدات و تصغر على سنيهة و أرض سنهاء أصابتها السنهة أى الجدب، و الثانية جعلها واوا و الاصل سنوة و تجمع على سنوات مثل‏
__________________________________________________
 (1) تقدم فى المجلد السادس ص 320.

164
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

طمع الغراب و لا يسأل عدوّنا و إن مات جوعا. قلت: جعلت فداك فأين أطلب هؤلاء؟
قال: في أطراف الأرض، اولئك الخفيض عيشهم، المنتقلة ديارهم، إن شهدوا لم يعرفوا و إن غابوا لم يفتقدوا، و من الموت لا يجزعون، و في القبول يتزاورون، و إن‏
__________________________________________________
شهوة و شهوات و تصغر على سنية. و ارض سنواء أصابتها السنوة و تجمع فى اللغتين كجمع المذكر السالم أيضا فيقال: سنون و سنين و تحذف النون للاضافة، و فى لغة تثبت الياء فى الاحوال كلها و تجعل النون حرف اعراب تنون فى التنكير و لا تحذف مع الاضافة كانها من اصول الكلمة و على هذه اللغة قوله «ص» اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف. و خامسها الطاعون و هو الموت من الوباء و الجمع الطواعين و طعن الانسان بالبناء للمفعول أصابه الطاعون فهو مطعون.
و سادسها اختلاف يبددهم أى اختلاف بينهم بالتدابر و التقاطع و التنازع أو غيرها يبددهم و يفرقهم تفريقا شديدا تقول بددت الشي‏ء بدا من باب قتل اذا فرقته و التثقيل مبالغة و تكثير.
 (شيعتنا من لا يهر هرير الكلب و لا يطمع طمع الغراب) الهرير صوت الكلب و هو دون النباح و هو مصدر هريهر من باب ضرب و به يشبه نظر الكماة بعضهم الى بعض، و منه ليلة الهرير و هى وقعة كانت بين على «ع» و معاوية بظاهر الكوفة، و فيه اشارة الى أن الشيعة من كسر قوته الشهوية و الغضبية فان افراط القوة الغضبية فى رجل يجعله شبيها بالكلاب و افراط القوة الشهوية يجعله شبيها بالغراب.
 (و لا يسأل عدونا و ان مات جوعا) كانه من باب المبالغة أو مع امكان سؤال غير العدو و الا فالظاهر أن السؤال مطلقا عند ظن الموت من الجوع واجب، ثم المراد بالسؤال السؤال بلا عوض، و أما معه كالاقتراض فالظاهر أنه جائز.
 (قلت جعلت فداك فأين أطلب هؤلاء) لقلة وجود من اتصف بالصفات المذكورة.
 (قال فى أطراف الارض) لانهم يستوحشون من الناس لما رأوا منهم ما يوجب تنفر القلوب عنهم (أولئك الخفيض عيشهم) العيش زندگانى و الخفض الراحة، و وجه كون عيشهم خفيضا أنهم تركوا الدنيا و لم يحملوا على أنفسهم ثقل ملاذها و نزهوا قلوبهم عن لوث همومها و غمومها (المنتقلة ديارهم) لانهم سائحون فى الارض و ليس لهم مسكن معين لان طلب الفيض المستعد لقبوله لا بدّ له من رفع الموانع و أعظمها صحبة الناس، الذين طبائعهم معوجة و قلوبهم منكوسة، و عقولهم ضعيفة، و شهواتهم قوية، و رفع هذا المانع لا يمكن الا بالفرار من ديارهم، و رفض الميل الى أطوارهم.
 (ان شهدوا لم يعرفوا) لعدم شهرتهم و خمول ذكرهم بين الناس.
 (و ان غابوا لم يفتقدوا) أى لم يطلبوا الاستنكاف الناس من صحبتهم و عدم اعتنائهم بشأنهم‏

165
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

لجأ إليهم ذو حاجة منهم رحموه، لن تختلف قلوبهم و إن اختلف بهم الديار، ثمّ قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أنا المدينة و عليّ الباب، كذب من زعم أنّه يدخل المدينة لا من قبل الباب و كذب من زعم أنّه يحبّني و يبغض عليّا صلوات اللّه عليه.
28- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: من عامل الناس فلم يظلمهم و حدّثهم فلم يكذبهم و وعدهم فلم يخلفهم كان ممّن حرّمت غيبته و كملت مروءته و ظهر عدله و وجبت اخوّته‏
__________________________________________________
و قد روى عن النبي «ص» أنه قال: «ان اللّه يحب من خلقه الاصفياء الاخفياء الشعثة رءوسهم، المغبرة وجوههم الخمصة بطونهم الذين اذا استأذنوا على الامراء لم يؤذن لهم، و و ان خطبوا المتنعمات لم ينكحوا، و ان غابوا لم يفتقدوا، و ان طلعوا لم يفرح بطلعتهم، و ان مرضوا لم يعادوا، و ان ماتوا لم يشهدوا».
 (و من الموت لا يجزعون) لان أولياء اللّه يحبون الموت و يتمنونه لرفع الحجاب و التخلص من ألم الفراق فكيف يجزعون منه.
 (و فى القبور يتزاورون) أى يزور بعضهم بعضا فى البرزخ الى يوم يبعثون و هم أحياء مرزوقون، أو يزور احياؤهم أمواتهم فى المقابر و الاموات لا يؤذون الزائر و لا يغتابون الغائب و يعظون الحاضر بلسان الحال بل بلسان المقال.
 (و ان لجأ إليهم ذو حاجة منهم رحموه) لنزاهة نفوسهم و طهارة قلوبهم و رفق صدورهم و احاطة علمهم بأن قضاء حوائج المضطر الملتجئ من صفات الكرام و رده مع الاقتدار من سمات اللئام (لن تختلف قلوبهم و ان اختلفت بهم الديار) أى قلوبهم متوافقة غير مختلفة و ان كانت ديارهم مختلفة متباعدة لان مقصدهم واحد و طريقتهم واحدة بخلاف غيرهم فان قلوبهم مختلفة لانهم تابعون للنفس الامارة بالسوء و أهوائها و طرقها مختلفة أو قلب كل واحد غير مختلف و لا متغير من حال الى حال و ان اختلفت دياره و منازله، لانسه باللّه و عدم تعلقه بغيره فلا يستوحش بالوحدة و الغربة و اختلاف الديار، لان مقصوده و أنيسه واحد حاضر معه فى الديار كلها بخلاف غيره لان قلبه لما كان متعلقا بغيره تعالى يأنس به اذا وجده و يستوحش اذا فقده. هذا من باب الاحتمال و اللّه يعلم.
قوله (من عامل الناس فلم يظلمهم و حدثهم فلم يكذبهم- الخ) دخل فى المعاملة البيع و الشراء و الخلطة و غيرها و فى الحديث نقل الروايات و غيرها و فى الوعد وعد الاعطاء و غيره، و حرمة غيبته أعظم و أفحش، و الظاهر أن المفهوم و هو جواز غيبة غيره غير مراد، و زجره بالنهى‏

166
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

29- عنه، عن ابن فضّال، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن عبد اللّه بن الحسن، عن أمّه فاطمة بنت الحسين بن عليّ عليهما السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ثلاث خصال من كنّ فيه استكمل خصال الإيمان: إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، و إذا غضب لم يخرجه الغضب من الحقّ، و إذا قدر لم يتعاط ما ليس له‏
__________________________________________________
عن المنكر أمر آخر غير الغيبة، و المروة آداب نفسانية تحمل مراعاتها الانسان على الوقوف عند محاسن الاخلاق و جميل العادات، يقال مرأ الانسان فهو مرى‏ء مثل قرب فهو قريب أى ذو مروة، قال الجوهرى و قد تشدد فيقال: مروة. و العدل ملكة تحصل بتعديل القوى كلها و اقامتها على قانون الشرع و العقل و توجب صدور الافعال الجميلة بسهولة فصدور تلك الافعال دائما دليل على وجوده و ظهوره، و المراد بوجوب الاخوة وجوب رعاية حقوقها التى مر بعضها.
قوله (ثلاث خصال من كن فيه استكمل [1] خصال الايمان) لان هذه الثلاث امهات‏
__________________________________________________
 [1] قوله «ثلاث خصال من كن فيه استكمل» يشير الى ما ذكره علماء الاخلاق عند ضبط الفضائل و الرذائل قالوا أصل الفضيلة الاعتدال و أصل الرذيلة الخروج منه الى الافراط او التفريط و ذلك اما بالنسبة الى القوة الشهوية التى آتاها اللّه تعالى الحوان لجذب ما ينفعه أو الى القوة الغضبية التى آتاها اللّه اياه لدفع ما يضره و اما بالنسبة الى قوة تميز خيره من شره. و الاعتدال فى الاولى هو العفة و فى الثانية الشجاعة و فى الثالثة الحكمة. و الرذيلة فى القوة الشهوية الخمود و الرهبانية و التقشف و أمثالها أو الافراط فى الاكل و الوقوع و اقتناء الملاهى و التجمل فوق ما ينبغى و أمثال ذلك. و فى القوة الغضبية عدم الغيرة و الجبن و الخوف و التذلل أو الافراط فى اظهار العداوة و الضرب و الشتم و الحسد و الغيبة و التهور و الاستشاطة باقل شي‏ء لا ينبغى أن يستشاط به و الرذيلة فى التميز السفاهة و البلاهة و الخلابة و حسن الظن بمن لا ينبغى أن يحسن الظن به ثم الافراط فى الحيلة و المكر و الجربزة لسوء الظن بالناس أكثر مما ينبغى و التحذر مما لا يجوز التحذر عنه و بالجملة فكل الرذائل يرجع الى الافراط أو التفريط فى احدى هذه القوى الثلاث و يشير «ع» الى الاعتدال فى الشهوة بقوله اذا رضى لم يدخله رضاه فى باطل. و الى الاعتدال فى الغضب بقوله و اذا غضب لم يخرجه الغضب من الحق. و الى الاعتدال فى التميز بقوله و اذا قدر لم يتعاط ما ليس له. فان قيل هذا لا يدل على كون السفاهة و البلاهة رذيلة بل على الجربزة فقط إذ بها يتعاطى ما لا يستحقه و أما البلاهة فتقتضى ترك ما يستحقه قلنا لعل البلاهة نقص لا يكلف بالتحذر عنه لعدم القدرة.

167
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

30- عنه، عن أبيه، عن عبد اللّه بن القاسم، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام‏
__________________________________________________
يتولد منها خصال الايمان كلها اذ هى اذا تحققت تحقق العدل و العدل ملزوم لجميع الخصال.
__________________________________________________
اذا عرفت ذلك فيمكنك أن تنظر فى جميع ما سبق و يأتى من روايات هذا الباب و هى تسعة و ثلاثون حديثا فتعرف أن مرجع جميع ما ذكر فيهما من الفضائل و الرذائل الى ما فى هذا الحديث، فابتدأ بحديث همام و أوله على ما فى الكافى «المؤمن هو الكيس الفطن» فثبت منه أن البلاهة رذيلة. قوله «بشره فى وجهه و حزنه فى قلبه» اشارة الى تملكه قوته الغضبية فان العبوس غاضب على من لا يستحق و أكثر فقره راجعة الى القوة الغضبية و الحكمة فى تحصيل المعرفة و العمل بها و اوّل هذا الحديث فى نهج البلاغة فى وصف المتقين «هم أهل الفضائل منطقهم الصواب و ملبسهم الاقتصاد و مشيهم التواضع».
فقوله «منطقهم الصواب» اشارة الى التوسط بين البلاهة و الجربزة و ملبسهم الاقتصاد ناظر الى التوسط فى القوة الشهوية و مشيهم التواضع الى التوسط فى القوة الغضبية و هكذا ساير فقرات الخطبة ينطبق على الاعتدال فى احدى القوى. و مما يناسب التنبه له هاهنا أن حديث همام فى الكافى و نهج البلاغة مختلفان جدا فى أكثر عباراتهما بل لا يتفقان الا فى جمل قليلة، بل ورد فى الامالى بألفاظ يخالفهما أيضا و الاعتماد على المعنى و كون مضامين جميعها موافقة لما نعلم ثبوته فى الدين الحنيف من محاسن الاخلاق و مساويها و لا حاجة فى أمثال هذه الامور الى الاسناد البتة.
و مما يناسب التنبيه عليه أن الاعتدال فى كل شي‏ء حسن و الافراط و التفريط مزلة حتى فى الاعتماد على الروايات و الاسانيد و ممن افرط فى الاعتماد من يزعم أن جميع الفاظ الاحاديث بخصوصياتها صادرة عن المعصوم علما أو ظنا اطمينانيا فيحتجون بكل شي‏ء حتى بكلمة انما و الا و التقديم و التأخير و المعرف باللام و غيره. و ممن فرط فى الانكار من زعم أن جميع الاحاديث أو اكثرها مصنوعة مختلقة لا يعتمد عليها و لا حجة فيها و الاعتدال ان يعتقد حفظ أكثر المضامين و المعانى و عدم امكان نقل عين الالفاظ و الشاهد فى ذلك حديث همام و أمثاله حسبما أشرنا إليه فان الفاظها و عباراتها لا يتفق فى الروايات و لو كانت عين الالفاظ محفوظة لم تختلف و نقل الرواة كلام المعصوم نظير نقل التلاميذ مذهب أساتيدهم و نقل المستمعين ما سمعوه من خطبائهم و نقل كل رسالة من أحد الى غيره شفاها فى الامور الدنيوية و الحوائج المعاشية و التعدى عن ذلك افراط أو تفريط اللهم الا فى جوامع الكلم‏

168
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّ لأهل الدّين علامات يعرفون بها: صدق الحديث و أداء الأمانة و وفاء بالعهد و صلة الأرحام و رحمة الضعفاء و قلّة المراقبة للنساء- أو قال، قلّة المواتاة للنساء- و بذل المعروف و حسن الخلق و سعة الخلق و اتّباع العلم و ما يقرّب إلى اللّه عزّ و جلّ زلفى، طُوبى‏ لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ، و طوبى شجرة في الجنّة أصلها في دار النبيّ محمّد صلى اللّه عليه و آله و ليس من مؤمن إلّا و في داره غصن منها لا يخطر على قلبه شهوة شي‏ء إلّا أتاه به ذلك و لو أنّ راكبا مجدا سار في ظلّها مائة عام ما
__________________________________________________
قوله (و قلة المراقبة- للنساء او قال قلة المواتاة للنساء-) مراقبة چيزى را چشم داشتن و لعل المراد بها النظر الى النساء الاجنبيات و أدبارهن، و يمكن أن يراد محافظة آرائهن من رقبته أرقبة من باب قتل اذا حفظته و المواتاة موافقت كردن با كسى در كارى تقول و اتيته على كذا مواتاة اذا وفقته و طاوعته و أصل و اتيته آتيته، و أهل اليمين يبدلون الهمزة واوا و اشتهرت لغتهم على ألسنة الناس و لعل المراد الحث على مخالفة آرائهن كما روى «شاوروهن و خالفوهن» (و بذل المعروف) أى الخير و هو الاحسان بالفضل من المال الى الغير.
 (و حسن الخلق وسعة الخلق و اتباع العلم) لعل المراد بحسن الخلق حسن الهيئة و هو كون كل عضو على حد يليق به فان ذلك دليل على استقامة المزاج و لين الطبع و صحة الافعال غالبا الا أنه ليس من صنع العبد و أنه يوجد فى غير أهل الدين كما قال عز و جل فى وصف المنافقين «وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ» و يمكن أن يراد به حسن الاعضاء الظاهرة بالاعمال الفاضلة فانه من علامات أهل الدين. و بسعة الخلق تحققه بالنسبة الى الناس كلهم من غير فرق بين القريب و البعيد و الشريف و الوضيع أو صفحه عن الزلات كلها صغارها و كبارها و باتباع العلم تعلمه أو العمل به أو الاعم.
 (و لو أن راكبا مجدا سار فى ظلها مائة عام ما خرج منه) كان هذه الشجرة هى التى فى رواية مسلم عن أبى سعيد الخدرى عن النبي «ص» قال ان فى الجنة لشجرة يسير راكب الجواد المضمر السريع فى ظلها مائة عام» و فى اخرى «يسير الراكب فى ظلها مائة سنة» قال عياض ظلها كنفها و هو ما يستره أغصانها و قد يكون ظلها نعيمها و راحتها من قولهم عيش ظليل، و احتيج الى تأويل الظل بما ذكر هربا عن الظل فى العرف لانه ما بقى حر الشمس فى الجنة و لا برد
__________________________________________________
و قصارها التى تقتضى حسن تركيب ألفاظها ان تثبت فى أذهان الناقلين مثل «الرضاع لحمة كلحمة النسب. و لا ضرر و لا ضرار» و قد تنتخب الرواة من أمثال هذه الالفاظ الواقعة فى كلام النبي «ص» و أمير المؤمنين «ع» فى خطبهم نحو عشرها أو أقل فى أسطر قليلة لا يمكن أن تكون الخطبة مقصورة عليها لقصرها. (ش)

169
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

خرج منه، و لو طار من أسفلها غراب ما بلغ أعلاها حتّى يسقط هرما، ألا ففي هذا فارغبوا، إنّ المؤمن من نفسه في شغل و الناس منه في راحة، إذا جنّ عليه اللّيل افترش وجهه و سجد للّه عزّ و جلّ بمكارم بدنه يناجي الذي خلقه في فكاك رقبته، ألا [ف] هكذا فكونوا.
31- عنه، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عن سليمان بن عمرو النخعي قال: و حدّثني الحسين بن سيف، عن أخيه عليّ، عن سليمان عمّن ذكره، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سئل النبي صلى اللّه عليه و آله عن خيار العباد فقال: الذين إذا أحسنوا استبشروا و إذا أساءوا استغفروا و إذا اعطوا شكروا و إذا ابتلوا صبروا و إذا غضبوا غفروا.
32- و بإسناده، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: إنّ خياركم أولو النهى، قيل: يا رسول اللّه و من أولو النهى، قال: هم أولو الأخلاق الحسنة و الأحلام الرزينة و صلة الأرحام و البررة بالامّهات و الاباء و المتعاهدون للفقراء و الجيران و اليتامى و يطعمون الطعام و يفشون السلام في العالم و يصلّون و الناس نيام غافلون.
33- عنه، عن الهيثم النهدي، عن عبد العزيز بن عمر، عن بعض أصحابه، عن يحيى بن عمران الحلبيّ قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أيّ الخصال بالمرء أجمل؟
فقال: وقار بلا مهابة و سماح بلا طلب مكافاة و تشاغل بغير متاع الدّنيا
__________________________________________________
و انما نور يتلألأ. انتهى. و قال المازرى المضمر بفتح الضاد و شد الميم و رواه بعضهم بكسر الميم الثانية صفة للراكب المضمر فرسه.
قوله (و يصلون و الناس نيام غافلون) نام ينام من باب علم نوما و مناما فهو نائم و الجمع نائمون و نوم و نيام أيضا و النوم غشية ثقيلة تهجم على القلب فتقطعه عن المعرفة بالاشياء و لهذا قيل هو أخو الموت و يقال أيضا نام عن حاجته اذا لم يهتم بها. و قوله «غافلون» خير بعد خبر للدلالة على التعميم أو تفسير للنيام و تنبيه على أن المراد بالنوم الغفلة للمشاركة فى التسبب لعدم الادراك كما قال أمير المؤمنين «ع» «الناس نيام اذا ماتوا انتبهوا».
قوله (وقار بلا مهابة) الوقار الرزانة و العظمة، و المهابة بزرگى كردن و خشم‏آورى داشتن و ترسيدن و هى صفة تحصل بفساد القوة الغضبية. و تجاوزها عن حدها. و أما المهابة

170
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

34- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولّاد الحنّاط، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام يقول:
إنّ المعرفة بكمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه و قلّة مرائه، و حلمه و صبره و حسن خلقه.
35- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن محمّد بن عرفة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: ألا اخبركم بأشبهكم بي؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه قال: أحسنكم خلقا و ألينكم كنفا، و أبرّكم بقرابته، و أشدّكم حبّا لإخوانه في دينه، و أصبركم على الحقّ، و أكظمكم للغيظ، و أحسنكم عفوا، و أشدّكم من نفسه إنصافا في الرّضا و الغضب.
36- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن أبي حمزة، عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال: من أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الإقتار، و التوسّع على قدر التوسّع، و إنصاف الناس، و ابتداؤه إيّاهم بالسّلام عليهم.
37- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: المؤمن أصلب من الجبل، الجبل يستقلّ منه‏
__________________________________________________
من الاولياء فهى من قبله تعالى لا للفساد فى تلك القوة (و سماح بلا طلب مكافاة) أى مكافاة عوض أو ثناء و شكر، و السماحة على هذا الوجه هى السخاوة و الجود حقيقة و هى فى البشر قليلة (و تشاغل بغير متاع الدنيا) أى تشاغل باللّه و بما يقرب منه لا بمتاع الدنيا و زهراتها.
قوله (و ألينكم كنفا) الكنف الجانب. و لين الجانب سبب لميل الخلق إليه كما قال عز و جل وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ.
قوله (من اخلاق المؤمن الانفاق على قدر الإقتار و التوسع على قدر التوسع) كما نطقت به الآية الكريمة فالمؤمن لا يمنع أهله من الانفاق ما يقدر عليه و لا يرتكب منه ما لا يقدر عليه (و ابتداؤه اياهم بالسلام عليهم) لما فيه من التواضع و التعظيم و جلب المودة و المحبة و الاجر العظيم.
قوله (المؤمن أصلب من الجبل الجبل يستقل منه و المؤمن لا يستقل من دينه شي‏ء)

171
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

و المؤمن لا يستقلّ من دينه شي‏ء.
38- عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المؤمن حسن المعونة، خفيف المئونة، جيد التدبير لمعيشته، لا يلسع من جحر مرّتين‏
__________________________________________________
أى الجبل ينقص و يؤخذ منه بعضه بالفأس و المعول و نحوهما، و المؤمن لا ينقص شي‏ء من دينه بمعول الشبهات نظيره ما روى عنه «ص» «المؤمن كالجبل لا تحركه العواصف» أى هو كالجبل لا تحركه ريح الهوى و لا شهوة المنى.
قوله (المؤمن حسن المعونة خفيف المئونة) المعونة يارى دادن. و المئونة رنج و سختى كشيدن و گران‏بار بودن، و ذلك لانه رفيق زاهد فبرفقه بخلق اللّه حسنت معونته، و بزهده فى الدنيا خفت مئونته.
 (جيد التدبير لمعيشته) المعيشة مكسب الانسان الّذي يعيش به و ذلك باختياره طريقا مشروعا غير مذموم عقلا و شرعا و عرفا مقتصرا على قدر الكفاف.
 (لا يلسع من جحر مرتين) اللسع گزيدن مار و كژدم. و الجحر بتقديم الجيم المضمومة على الحاء المهملة الساكنة ثقبة الحية أو اليربوع أو الضب و هو استعارة هاهنا أى لا يخدع المؤمن من جهة واحدة مرتين فانه بالاولى يعتبر و مثله رواه مسلم عن النبي «ص» قال الخطابى يروى بضم العين و سكونها فالضم على وجه الخبر و معناه أن المؤمن هو الكيس الحازم الّذي لا يؤتى من جهة الغفلة فيخدع مرة بعد مرة و هو لا يفطن لذلك و لا يشعر به، و المراد به الخداع فى أمر الدين لا أمر الدنيا، و أما الكسر فعلى وجه النهى أى لا يخدعن المؤمن و لا يؤتين من ناحية الغفلة فيقع فى مكروه أو شر و هو لا يشعر به، و ليكن فطنا حذرا و هذا التأويل يصلح أن يكون لامر الدين و الدنيا معا، و ذكر عياض هذين الوجهين و رجح الخبر بأن سبب قوله «ص» هذا أن أبا قرة الشاعر أخا مصعب بن عمير كان اسر يوم بدر فسأل النبي «ص» أن يمن عليه ففعل و عاهده أن لا يحرض عليه و لا يهجوه فلما لحق بأهله عاد الى ما كان عليه ثم انه اسر يوم احد فسئله أيضا أن يمن عليه فقال «ص» هذا الكلام البليغ الجامع الّذي لم يسبق إليه و فيه تنبيه عظيم على أنه اذا رأى الاذى من جهة لا يعود إليها ثانية. و قال الابى:
رجح الخطابى النهى بعد ذكر الوجهين و كانه لم يبلغه أى الخطابى سبب قوله «ص» هذا الكلام و لو بلغه لم يحمله على النهى و أجاب الطيبى بأنه و ان بلغه السبب فلا يبعد النهى بل هو أولى من الخبر و ذلك أنه لما دعته نفسه «ص» الزكية الكريمة الى الحلم و الصلح جرد من نفسه مؤمنا حازما فطنا و نهاه أن ينخدع لهذا المتمرد الخائن و كان مقام الغضب للّه‏

172
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

39- عليّ بن محمّد بن بندار، عن إبراهيم بن إسحاق، عن سهل بن الحارث، عن الدلهاث مولى الرضا عليه السّلام قال: سمعت الرضا عليه السّلام يقول: لا يكون المؤمن مؤمنا حتّى يكون فيه ثلاث خصال: سنّة من ربّه و سنّة من نبيّه و سنّة من وليّه، فأمّا السنّة من ربّه فكتمان سرّه، قال اللّه عزّ و جلّ: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى‏ غَيْبِهِ أَحَداً. إِلَّا مَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ و أما السنّة من نبيّه فمداراة الناس فإنّ اللّه عزّ و جلّ أمر نبيّه صلى اللّه عليه و آله بمداراة الناس فقال: «خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ» و أمّا السنّة من وليّه فالصبر فى البأساء و الضرّاء.
 (باب فى قلة المؤمن)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن قتيبة الأعشى قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: المؤمنة أعزّ من المؤمن و المؤمن أعزّ من الكبريت الأحمر، فمن رأى منكم الكبريت الأحمر
__________________________________________________
تعالى فأبى الا الانتقام من أعداء اللّه لان الانتقام منهم مطلوب و التجريد أحد ألقاب البديع و محسناته، و بيان أنه أولى أنه اذا حمل على الخبر تفوت دلالة الحديث على طلبه الانتقام.
قوله (وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ)
 العرف الجود و كل ما يبذله و يعطيه (فالصبر فى البأساء و الضراء) كالفقر و الفاقة و المرض و الصعوبة و القحط و أمثالها و هما متقاربان و قيل البأساء ما يتعلق بالمال كالفقر و التلف و غيرهما و الضراء ما يتعلق بالبدن كالمرض و العمى و نحوهما، قوله (المؤمنة اعز من المؤمن و المؤمن أعز من الكبريت الاحمر) أى المؤمنة أقل وجودا من المؤمن لان المرأة الصالحة الكاملة فى غاية الندرة لضعف عقولهن و شدة ميلهن الى الدنيا و زينتها و كمال بعدهن عن أحكام اللّه تعالى، و المراد بالمؤمن المؤمن الكامل و هو الّذي تشبث بالمنجيات و تحرز عن المهلكات بتهذيب الظاهر و الباطن عن الرذائل و تحليتها بالفضائل و شاهد جمال الاسرار بعين اليقين بكشف الحجاب و رفع النقاب فاطمأن لها قلبه و استراح بها روحه، و لا ريب فى أن مثله نادر (فمن رأى منكم الكبريت الاحمر) فيه مبالغة فى قلة وجوده لا فى نفيه مع احتماله و الكبريت فعليت معروف «1».
__________________________________________________
 (1) قوله (و الكبريت معروف) و لكن الكبريت الاحمر غير معروف و يقال انه جوهر و معدنه خلف بلاد التبت و القدر المسلم انه كان شيئا نادر الوجود سواء كان من جنس الجواهر الكريمة او نوعا من الذهب او من اليواقيت الحمراء و لا حاجة الى تحقيق ذلك. (ش).

173
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى قلة المؤمن ص 173

2- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نجران، عن مثنّى الحنّاط، عن كامل التمّار قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: النّاس كلّهم بهائم- ثلاثا- إلّا قليل من المؤمنين و المؤمن غريب- ثلاث مرّات-.
3- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لأبي بصير: أما و اللّه لو أنّي أجد منكم ثلاثة مؤمنين يكتمون حديثي ما استحللت أن أكتمهم حديثا.
4- محمّد بن الحسن، و عليّ بن محمّد بن بندار، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد اللّه ابن حمّاد الأنصاري، عن سدير الصيرفي قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت له: و اللّه ما يسعك القعود، فقال: و لم يا سدير؟ قلت: لكثرة مواليك و شيعتك و أنصارك و اللّه لو كان لأمير المؤمنين عليه السّلام ما لك من الشيعة و الأنصار و المولي ما طمع فيه تيم و لا عديّ. فقال: يا سدير و كم عسى أن يكونوا؟ قلت: مائة ألف، قال: مائة ألف؟ قلت:
نعم و مائتي ألف، قال: مائتي ألف؟ قلت: نعم و نصف الدّنيا، قال: فسكت عنّي ثمّ قال يخفّ عليك أن تبلغ معنا إلى ينبع قلت: نعم فأمر بحمار و بغل أن يسرجا، فبادرت‏
__________________________________________________
قوله (الناس كلهم بهائم) فى عدم العقل و ادراك الحق لان المطاعم الحاضرة و المنافع الداثرة و اللذات الظاهرة أعمت بصائر قلوبهم عن ادراك الايمان و نيل العرفان و مشاهدة الايقان، و أبعدتهم من الكمالات النفسانية و الحقيقة الانسانية و المقامات الروحانية فصاروا يأكلون و يشربون و ينكحون غاية همهم بطونهم و نهاية قصدهم فروجهم و هم عن مآل أحوالهم غافلون و عن قبح أعمالهم جاهلون كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون.
قوله (المؤمن عزيز) فى بعض النسخ غريب. الغريب من سكن فى منزل غيره و بعد عن الاهل و الاقران و المؤمن كذلك لانه بعد عن أهل الايمان و سكن فى منزل أهل الكفر و العصيان قوله (أما و اللّه لو أنى أجد منكم ثلاثة مؤمنين يكتمون حديثى ما استحللت أن أكتمهم حديثا) دل على أن المؤمن الكامل الّذي يستحق أن يكون صاحب السر قليل و ان التقية و اخفاء السر صدرا منه «ع» و أنهما كانا من أكثر من يدعى الايمان كما كانا من أهل الكفر و الطغيان و أخبار شكايتهم عليهم السلام و اخفاء علومهم و أسرارهم عن المتشيعين أكثر من أن تحصى.
قوله (يخف عليك أن يبلغ معنا الى ينبع) ينبع بفتح الياء و سكون النون و ضم‏

174
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى قلة المؤمن ص 173

فركبت الحمار، فقال: يا سدير أ ترى أن تؤثرني بالحمار؟ قلت: البغل أزين و أنبل، قال: الحمار أرفق بي، فنزلت فركب الحمار و ركبت البغل فمضينا فحانت الصلاة، فقال: يا سدير أنزل بنا نصلّي، ثم قال: هذه أرض سبخة لا تجوز الصّلاة فيها فسرنا حتّى صرنا إلى أرض حمراء و نظر إلى غلام يرعى جداء فقال: و اللّه يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود و نزلنا و صلّينا فلمّا فرغنا من الصّلاة عطفت على الجداء فعددتها فإذا هي سبعة عشر.
5- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان عن سماعة بن مهران قال: قال لي عبد صالح صلوات اللّه عليه: يا سماعة أمنوا على فرشهم و أخافوني أما و اللّه لقد كانت الدّنيا و ما فيها إلّا واحد يعبد اللّه و لو كان معه غيره لأضافه اللّه عزّ و جلّ إليه حيث يقول:
__________________________________________________
الباء الموحدة قرية بها حصن على سبع مراحل من المدينة من جهة البحر بين مكة و المدينة (قلت البغل أزين و أنبل) أى أكبر و أفضل فهو لذوى الشرف أجدر و أجمل و انما فعل ذلك تواضعا له عليه السلام و رعاية للادب و اختار عليه السلام الحمار تواضعا و هضما لنفسه مع سهولة الركوب و النزول (فقال يا سدير انزل بنا نصلى. ثم قال هذه أرض سبخة لا تجوز الصلاة فيها) الامر بالنزول أولا ثم الاعراض عنه للتنبيه على أنه لا يجوز الصلاة فى السبخة و هو محمول على الكراهة.
 (و نظر الى غلام يرعى جداء) قال بعض أهل اللغة الجدى الذكر من أولاد المعز و الانثى عناق و قيده بعضهم بكونه فى السنة الاولى و الجمع أجد و جداء مثل دلو و ادل و دلاء و الجدى بالكسر لغة ردية (فقال و اللّه يا سدير لو كان لى شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعنى القعود) يظهر منه أن الصاحب (ع) مع كثرة المنتسبين إليه من الشيعة لا يكون له شيعة فى الواقع بهذا العدد و الا لما وسعه القعود لعدم الفرق بينه و بينه عليهما السلام.
قوله (يا سماعة أمنوا على فرشهم و أخافونى) شكاية من الفرقة المتشيعة حيث أذاعوا الاسرار و أخافوه من الامراء الاشرار، و أشار الى قلة وجود عبد خالص للّه بقوله:
 (أما و اللّه لقد كانت الدنيا و ما فيها الا واحد يعبد اللّه) الواو للحال «و ما» نافية.
 (و لو كان معه غيره) من أهل الايمان لاضافة اللّه عز و جل إليه لان الغرض ذكر أهل الايمان التارك للشرك فلو كان معه غيره لذكره.
 (حيث يقول «إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَ لَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ») الامة الجماعة

175
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى قلة المؤمن ص 173

 «إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَ لَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» فغبر بذلك ما شاء اللّه ثمّ إنّ اللّه آنسه بإسماعيل و إسحاق فصاروا ثلاثة أما و اللّه إنّ المؤمن لقليل و إنّ أهل الكفر لكثير أ تدري لم ذاك؟
فقلت: لا أدري جعلت فداك فقال: صيّروا انسا للمؤمنين، يبثّون إليهم ما في صدورهم فيستريحون إلى ذلك و يسكنون إليه‏
__________________________________________________
من الناس و أتباع الأنبياء عليهم السلام و الجمع امم مثل غرفة و غرف، و يطلق على عالم دهره، المنفرد بعلمه، الجامع للخير. المقتدى لغيره. كما فى المصباح و كنز اللغة و غيرهما، و هذا هو المراد هنا، و القنوت الدعاء و العبادة، و الحنيف المسلم لانه مائل الى الدين المستقيم و الناسك أيضا (فغبر بذلك ما شاء اللّه) غبر غبورا من باب قعد مضى و قد يستعمل فيما بقى أيضا فيكون من الاضداد. و قال الزبيدى: غير غبورا مكث و فى لغة بالمهملة للماضى و بالمعجمة للباقى (أما و اللّه ان المؤمن لقليل و ان أهل الكفر لكثير) المراد بالمؤمن المؤمن الكامل و بأهل الكفر من سواهم فان ادعوا الايمان ظاهرا فان غير المؤمن الكامل لا يخلو من كفر ما، ثم بين وجه ايمانهم مع اتصافهم بالكفر بأن اللّه تعالى صيرهم أنسا للمؤمنين الكاملين و أما كثرتهم فهو لغرورهم بالدنيا و وغولهم فيها و الدنيا تخدع أكثر من فيها، و الغرض من هذا الحديث بيان قلة أهل الايمان و الحمل على الصبر عليها و عدم الاستيحاش من الوحدة كما يرشد إليه قول أمير المؤمنين «ع» «أيها الناس لا تستوحشوا فى طريق الهدى لقلة أهله فان الناس اجتمعوا على مائدة شيعتها قصيرة و جوعها طويل» قال بعض الافاضل لما كانت العادة أن يستوحش الناس من الوحدة و قلة الرفيق فى طريق طويل صعب، نهى «ع» عن الاستيحاش فى تلك الطريق و كنى به عما عساه يعرض لبعضهم من الوسوسة بأنهم ليسوا على حق لقلتهم و كثرة مخالفيهم لان قلة العدد فى الطريق مظنة الهلاك و السلامة مع الكثرة فنبههم على انهم فى طريق الهدى و ان كانوا قليلين ثم نبه على قلة عدد أهل طريق الهدى و هى اجتماع الناس على الدنيا فقال «فان الناس- الى آخره» و استعار للدنيا المائدة بملاحظة تشبيهها فى كونها مجتمع اللذات، و كنى عن قصر مدتها بقصر شبعتها عن استعقاب الانهماك فيها للعذاب الطويل فى الآخرة بطول جوعها و لفظ الجوع مستعار للحاجة الطويلة بعد الموت الى المطاعم الحقيقية الباقية من الكمالات النفسانية و هو بسبب الغفلة فى الدنيا فلذلك نسب الجوع إليها و فى قوله عليه السلام:
 (صيروا انسا للمؤمن يبثون إليهم ما فى صدورهم فيستريحون الى ذلك و يسكنون إليه) دلالة على أن القلب يضيق بحفظ السر فاذا أظهره استراح منه فلذلك جعل بعض الناس‏

176
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى قلة المؤمن ص 173

6- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن اورمة، عن النضر، عن يحيى بن أبي خالد القمّاط، عن حمران بن أعين قال: قلت لابي جعفر عليه السّلام: جعلت فداك ما أقلّنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها؟ فقال: ألا احدّثك بأعجب من ذلك المهاجرون و الانصار ذهبوا إلّا- و أشار بيده- ثلاثا قال حمران: فقلت: جعلت فداك ما حال عمّار؟ قال: رحم اللّه عمّارا أبا اليقظان بايع و قتل شهيدا، فقلت: في نفسي ما شي‏ء أفضل من الشهادة فنظر إليّ فقال: لعلّك ترى أنّه مثل الثلاثة أيهات أيهات.
7- الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه، عن عليّ بن جعفر قال: سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: ليس كلّ من قال بولايتنا مؤمنا و لكن جعلوا انسا للمؤمنين.
 (باب) الرضا بموهبة الايمان و الصبر على كل شي‏ء بعده‏
1- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ابن بكير،
__________________________________________________
من أهل الايمان الناقص ليظهر المؤمن الكامل سره لهم و يستريح من ضيق صدره.
قوله (الا احدثك باعجب من ذلك المهاجرون و الانصار ذهبوا الا- و اشار بيده- ثلاثا) وجه زيادة التعجب أن ذهابهم يمينا و شمالا و خروجهم من الدين مع ادراكهم صحبة النبي «ص» و قرب العهد به و بالوحى أعجب من خروج من فقد جميع ذلك و لعل المراد بالثلاثة سلمان و أبو ذر و المقداد روى الكشى عن على بن الحكم عن سيف بن عميرة عن أبى بكر الحضرمى قال قال أبو جعفر «ع» «ارتد الناس الا ثلاثة نفر سلمان و أبو ذر و المقداد فقلت فعمار قال كان جاض جيضة ثم رجع، ثم قال ان أردت الّذي لم يشك فالمقداد» «1» و روى أيضا عن أبى الحسن موسى «ع» قال «اذا كان يوم القيامة نادى مناد أين حوارى محمد بن عبد اللّه رسول اللّه الذين لم ينقضوا العهد و مضوا عليه فيقوم سلمان و المقداد و أبو ذر- الحديث».
 (أيهات أيهات) فى بعض النسخ هيهات هيهات و هى كلمة تبعيد و التاء مفتوحة و ناس يكسرونها و قد تبدل الهاء همزة فيقال أيهات و ربما قالوا أيهان بالنون كالتثنية.
__________________________________________________
 (1) قوله «ان اردت الّذي لم يشك فالمقداد» يدل هذا الحديث على ان المراد بالمؤمن فى هذا الباب البالغ أكمل درجات الايمان و التسليم لا الايمان فى مقابل الكفر فان أبا ذر و سلمان و عمارا لم يشكوا شكا بخرجهم من حد الايمان قطعا و قد سبق أحاديث فى ان الايمان درجات. (ش).

177
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الرضا بموهبة الایمان و الصبر على کل شی‏ء بعده ص 177

عن فضيل بن يسار، عن عبد الواحد بن المختار الأنصاري قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: يا عبد الواحد ما يضرّ رجلا- إذا كان على ذا الرّأي- ما قال النّاس له و لو قالوا: مجنون، و ما يضرّه و لو كان على رأس جبل يعبد اللّه حتّى يجيئه الموت.
2- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن معلّى ابن خنيس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: قال اللّه تبارك و تعالى: لو لم يكن في الارض إلّا مؤمن واحد لاستغنيت به عن جميع خلقي و لجعلت له من إيمانه انسانا لا يحتاج إلى أحد.
3- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن‏
__________________________________________________
قوله (ما يضر رجلا- اذا كان على ذا الرأى- ما قال الناس له و لو قالوا مجنون) ما قال فاعل ما يضر و لعل المراد بذى الرأى الامام «ع» أو الاعم منه و من أهل العلم و الصلاح مطلقا و يكون الرجل عليه متابعته و الاعراض عن غيره و فيه دلالة على أن الجنون أعظم ما يقال فى مقام الذم و التحقير و هو كذلك اذ بالعقل يمتاز الانسان عن غيره من الحيوانات. و الجنون يوجب زواله فيوجب دخوله فى الحيوانات بل كونه أخس منها لانه فاقد لكماله (و ما يضره و لو كان على رأس جبل يعبد اللّه حتى يجيئه الموت) أى ما يضره اذا كان على ذى الرأى ما قال الناس له و لو كان على رأس جبل لان له مع وحدته ظاهرا انسا باللّه باطنا، و لا يضره شي‏ء مع الانس به كما لا ينفعه شي‏ء مع البعد عنه، و فيه شي‏ء لان عدم الضرر و هو فيما بين الناس أخفى من عدمه و هو على رأس جبل فكيف يصح العكس، و يمكن أن يقال معنى قوله «و ما يضره» أنه ما يضره شي‏ء سواء كان قول الناس أم غيره مثل الوحشة و نحوها و حينئذ عدم الضرر فى الثانى أخفى. اذ فى عدم الضرر بالوحشة حينئذ كمال خفاء. أو المراد أنه لا يضره قول الناس بأنه مجنون اذا الجنون حينئذ أظهر فعدمه أخفى.
قوله (قال اللّه تبارك و تعالى لو لم يكن فى الارض الا مؤمن واحد لاستغنيت به عن جميع خلقى) أى اكتفيت بعبادته عن عبادتهم. و فيه اشارة الى كمال فضيلة الايمان و تمام نعمته، فينبغى لمن يؤمن باللّه أن لا يحتقر تلك النعمة، و لا يهمل أداء شكرها الّذي من جملته أداء وظائف الطاعات و أن لا يجزع على فقد غيرها و أن يصبر على نوائب الدنيا و أن لا يؤذى أحدا من المؤمنين. لان المؤمن حبيب اللّه و من آذاه فقد اذى اللّه.
 (و لجعلت له من ايمانه انسا لا يحتاج الى احد) لان الايمان باللّه سبب للتفكر فيه و

178
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الرضا بموهبة الایمان و الصبر على کل شی‏ء بعده ص 177

الحسين بن موسى، عن فضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: ما يبالي من عرّفه اللّه هذا الأمر أن يكون على قلة جبل يأكل من نبات الأرض حتّى يأتيه الموت.
4- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن كليب بن معاوية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: ما ينبغي للمؤمن أن يستوحش إلى أخيه فمن دونه، المؤمن عزيز في دينه.
5- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن فضالة بن أيّوب، عن عمر بن أبان و سيف بن عميرة، عن فضيل بن يسار قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام في مرضة مرضها لم يبق منه إلّا رأسه فقال: يا فضيل إنّني كثيرا ما أقول: ما على رجل عرّفه اللّه هذا الأمر لو كان في رأس جبل حتّى يأتيه الموت، يا فضيل بن يسار إنّ النّاس‏
__________________________________________________
الالتفات الى فضله و الشوق الى قربه و الوثوق بلطفه و العزلة عن شرار خلقه و الانس به فلا يعرضه وحشة فلا يحتاج الى صحبة أحد لدفع الوحشة.
قوله (ما يبالى من عرفه اللّه هذا الامر أن يكون على قلة جبل) لان من عرفه اللّه تعالى أمر الامامة و الدين و وفقه للايمان به فقد أعطاه نعمة عظيمة مستعقبة لنعم اخروية أبدية و أكرمه بقربه فلا يبالى على فوات خسائس الدنيا الفانية التى توجب الغرور و البعد عن مولاه و الحرمان فى عقباه.
قوله (ما ينبغى للمؤمن أن يستوحش الى أخيه فمن دونه) أى ما ينبغى له أن يستوحش من اللّه و من الايمان به الى أخيه فكيف من دونه اذ للمؤمن انس بالايمان و قرب الحق من غير وحشة فلو انتفى الانس و تحققت الوحشة انتفى الايمان و القرب، و لعل قوله: (المؤمن عزيز فى دينه) استيناف لبيان السبب للحكم المذكور لان العزيز عند اللّه له انس به غير مستوحش عنه و العزيز هو الخطير الّذي يقل وجود مثله و يشتد الحاجة إليه و يصعب الوصول إليه و المؤمن كذلك. لانه بعظمة صفاته يقل وجود مثله و يشتد حاجة الخلق إليه فى امور الدين و تعلمها و يصعب الوصول الى مرتبته لانها لا يتحقق إلا برياضات بدنية و مجاهدات نفسانية لا يلقاها الا الصابرون قوله (فى مرضة مرضها لم يبق منه الا رأسه) أى مرض بها و كانها للنوع و ان المراد أنه نحف جميع اعضائه و هزلت حتى كانه لم يبق منه شي‏ء الا رأسه فانه لقلة لحمه لا يعتريه الهزال كثيرا. أو المراد أنه لم يبق قوة فى الحركة فى شي‏ء من اعضائه الا فى رأسه (فقال يا فضيل اننى كثيرا ما أقول: ما على رجل عرفه اللّه هذا الامر) أى ما وحشة عليه أو ما ضرر عليه من قول الناس له بأنه مجنون و نحوه.

179
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الرضا بموهبة الایمان و الصبر على کل شی‏ء بعده ص 177

أخذوا يمينا و شمالا و إنّا و شيعتنا هدينا الصراط المستقيم، يا فضيل بن يسار إنّ المؤمن لو أصبح له ما بين المشرق و المغرب كان ذلك خيرا له و لو أصبح مقطّعا أعضاؤه كان ذلك خيرا له، يا فضيل بن يسار إنّ اللّه لا يفعل بالمؤمن إلّا ما هو خير له، يا فضيل ابن يسار لو عدلت الدّنيا عند اللّه عزّ و جلّ جناح بعوضة ما سقى عدوّه منها شربة ماء، يا فضيل‏
__________________________________________________
 (يا فضيل بن يسار ان المؤمن لو أصبح له ما بين المشرق و المغرب كان ذلك خيرا له و لو أصبح مقطعا أعضاؤه كان ذلك خيرا له) لان اللّه تعالى عالم بسرائر العباد و أحوالهم و يفعل ما هو الاصلح بحال كل واحد منهم فمنهم من يصلح له الغنى و يفسده الفقر و يشقيه و يورده فى المهالك فيفنيه، و منهم على عكس ذلك فيفقره و هكذا فى الاحوال المتقابلة مثل الصحة و السقم و نحوهما و أكد ذلك بقوله: (يا فضيل بن يسار ان اللّه لا يفعل بالمؤمن الا ما هو خير له) و فيه حث على الصبر فى جميع الاحوال بعد الايمان و نوع من الشكر لما أصابه «ع»، ثم حذر الاغنياء عن الفخر و رغب الفقراء فى الصبر بقوله:
 (يا فضيل بن يسار لو عدلت الدنيا عند اللّه عز و جل جناح بعوضة ما سقى عدوه منها شربة ماء) أى ليس لجملة الدنيا و ما ينتفع به فيها قدر و لا وزن كقدر جناح بعوضة عندكم، و لهذا أقطعها الاعداء و أولاها الاشقياء و متع بها الجهلاء، و لو كان لها قدر عنده لم يعطهم منها شربة ماء. ألا ترى الجنة لما جعل لها قدرا عنده كيف ولاها الاولياء و حرمها الاشقياء فلم يعطهم منها طعاما و لا شربة ماء فينادون من عطشهم و جوعهم أهل الجنة «أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ» و يدل على هو ان قدر الدنيا روايات غير محصورة و آيات غير معدودة. و منها قوله تعالى وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ و فيه تنفير عن الدنيا و تحذير [1] عن الركون إليها فلا ينبغى للمؤمن أن يشغل قلبه بها و يحزن بفواتها و لا للغنى أن‏
__________________________________________________
 [1] قوله «و فيه تنفير عن الدنيا و تحذير» ملاحدة زماننا يعيبون ذلك على الاسلام و يقولون عدم الاعتناء بالدنيا و زخارفها أوجب ضعف المسلمين و ذلتهم. و هو غلط من وجوه الاول ان المسلمين فى عصر تشبثهم بالدين و تمسكهم به فى العصور الاول حيث كان عهدهم قريبا و العمل باحكامه فى جميع شئون حياتهم من معاملاتهم و سياساتهم و أحوالهم الشخصية و النوعية رائجا كانوا أعز الناس و أقوى الامم، و كان الملك فيهم و الدولة لهم و القت الدنيا ازمتها بايديهم و انما ضعفوا بعد أن تركوا أحكام دينهم و أدخلوا أهواء ساير الامم فى أعمالهم و رجحوا قوانين الجاهلية على قواعد الاسلام كما ترى. الثانى ان التنفير عن الدنيا فى الاسلام ليس بمعنى تركها بتا، بل بمعنى عدم الركون إليها و عدم الاعتناء بها كشى‏ء مقصود بذاته. بل‏

180
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الرضا بموهبة الایمان و الصبر على کل شی‏ء بعده ص 177

ابن يسار إنّه من كان همّه همّا واحدا كفاه اللّه همّه، و من كان همّه في كلّ واد لم يبال اللّه بأيّ واد هلك‏
__________________________________________________
يفتخر بها لانها مال الفراعنة و متاع الجبابرة، ثم رغب فى الايمان و الصبر على تقويم أركانه بذكر ثمرته و ذم متاع الدنيا و الميل إليه بذكر غايته فقال.
 (يا فضيل بن يسار انه من كان همه هما واحدا كفاه اللّه همه، و من كان همه فى كل واد لم يبال اللّه بأى واد هلك) الهم القصد و العزم و الحزن، و لعل المراد بالهم الواحد هم الآخرة و الدين، و بكفايته عز و جل اعانته و نصرته عليه، و المراد بمقابله هم الدنيا و أهواء النفس الامارة بالسوء و بعدم مبالاته صرف لطفه و توفيقه عنه و تركه مع نفسه و المراد بكل واد كل واد من أودية جهنم أو كل واد من‏
__________________________________________________
يجب المعاملة معها معاملة المقدمات و الآلات للوصول الى شي‏ء آخر مقصود بالذات كمن يحب دابته ليركب عليها و يصل بها الى مقاصدها و يتعاهدها و يطعمها و يعتنى بها و ان كانت مقدمة لسائر مقاصدها. كذلك الدنيا عند المسلمين وسيلة للوصول الى الآخرة يتعاهدها كما يتعاهد الدابة و اذا دار الامر بين عمارة الدنيا بخراب الآخرة أو عمارة الآخرة بخراب الدنيا يختار الثانى كما فعل أبو ذر و المجاهدون فى سبيل اللّه من الصحابة، و ساير المعرضين و الزاهدين اذا رأوا أنه لا يمكن عمارة دنياهم الا بالقتل و الظلم و السرقة و الخيانة و معاونة الظلمة و تصويب أعمالهم الباطلة و قال تعالى «مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» الثالث ان اعداء الاسلام كلما أرادوا تضعيف قوم و ابطال شوكتهم و تفرقة كلمتهم و اضمحلال استقلالهم رجوا بينهم الفساد و الفسوق و استخدموا الملاحدة و طردوا أهل الديانة و الامانة من أمر العامة و حذروهم من الامرين بالمعروف و الناهين عن المنكر و ليس ذلك الا لانهم علموا ان الاسلام و تمسك المسلمين بأحكامهم و اعتقادهم باصولها يوجب قوتهم و ضعف أعدائهم، و قد رأينا نجاحهم فى ما أرادوا، و ربما كانت دولة من دول الاسلام فى العزة بحيث لم يؤثر فى وهنها الحروب الناهكة و لا فى شوكتها الهزيمة الفاضحة لتمسكهم ظاهرا بظواهر الاسلام، و كانوا يعدون من الاعضاء الرئيسة للجامعة الانسانية و يحتال غيرهم لموافقتها لهم فى مقاصدهم، و كانت المسألة الشرقية من أهم المسائل السياسية الى ان تنبهوا الحيلة و هى تقوية الملاحدة و استخدامهم و ايجاد التشكيك و توهين العقائد، و تضعيف التمسك باحكام الاسلام، و تفريق الكلمة، فوفقوا بها لما لم يوفقوا له مدة خمسمائة سنة بالحروب فرأسهم الملاحدة فازالوا الخوف عن قلوب أعدائهم و اراحوهم و انحطوا الى التقليد بعد أن كانوا صاحب الرأى و يعتد برأيهم و لم يكن يتجرأ احد ان يقطع أمرا دون تنفيذهم. (ش)

181
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الرضا بموهبة الایمان و الصبر على کل شی‏ء بعده ص 177

6- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان، عن منصور الصيقل و المعلّى بن خنيس قالا: سمعنا أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:
قال اللّه عزّ و جلّ: ما تردّدت في شي‏ء أنا فاعله كتردّدي في موت عبدي المؤمن، إنّني لاحبّ لقاءه و يكره الموت، فأصرفه عنه و إنّه ليدعوني فاجيبه و إنّه ليسألني فاعطيه، و لو لم يكن في الدّنيا إلّا واحد من عبيدي مؤمن لاستغنيت به عن‏
__________________________________________________
أودية الدنيا و كل شعبة من شعب النفس و هواها و هى كثيرة منها حب المال و الجاه و الشرف و العلو و لين المطاعم و المشارب و الملابس و المناكح الى غير ذلك من متعلقات الهوى و مقتضيات الطبع، فمن أرسل نفسه الى هواها و لم يصرفها عن مقتضاها الى دين الحق و الايمان و أركانه لم يبال اللّه به و بما ذهب من دينه و لم يمدده بنصره و توفيقه و لم يكن له عنده قدر يحفظه بتأييده و لا وزن يحرسه بتسديده. و لم يبال به فى أى واد هلك و لا فى أى طريق سلك و يمكن أن يراد بالهم الواحد القصد الى اللّه و التوكل عليه فى جميع الامور فانه تعالى يكفيه هم الدنيا و الآخرة. بخلاف من كان قصده الدنيا و سلب عن نفسه علاقة التوكل فانه تعالى لم يبال بأى واد هلك، و يؤيده ما روى من جعل الهم هما واحدا كفاه اللّه هم الدنيا و الآخرة.
قوله (قال رسول اللّه «ص» قال اللّه عز و جل ما ترددت فى شي‏ء أنا فاعله كترددى فى موت عبدى المؤمن، اننى لاحب لقاءه و يكره الموت فاصرفه عنه) هذا الحديث من الاحاديث المشهورة بين الخاصة و العامة، و من المعلوم عند الموحد أنه لم يرد التردد المعهود من الخلق فى الامور التى يقصدونها فيترددون فى امضائها اما لجهلهم بعواقبها أو لقلة ثقتهم بالتمكن منها لمانع و نحوه، و لهذا قال أنا فاعله أى لا محالة أنا أفعله لحتم القضاء بفعله و لنقل العبد من دار الغرور الى دار السرور التى هى غاية مأموله و نهاية مقصوده، فلا بد فيه من تأويل، و فيه وجوه عند الخاصة و العامة. أما وجوهه عند الخاصة فثلاثة ذكرها الشيخ فى الاربعين: الاول أن فى الكلام اضمارا و التقدير لو جاز على التردد ما ترددت فى شي‏ء كترددى فى وفات المؤمن، الثانى أنه لما جرت العادة بأن يتردد «1» الشخص فى مساءة من يحترمه و يوقره كالصديق و ان لا يتردد فى مساءة من ليس له عنده قدر و لا حرمة كالعدو، بل يوقعها من غير تردد و تأمل صح أن يعبر عن توقير الشخص و احترامه بالتردد و عن اذلاله و احتقاره بعدمه، فالمعنى ليس لشي‏ء من مخلوقاتى عندى قدر
__________________________________________________
 (1) قوله «لما جرت العادة بأن يتردد» نسبة التردد الى اللّه تعالى كنسبة سائر الحالات الدالة على التغير و الاستحالة يتنزه عنه البارى كالغضب و الرضا و الاسف و المراد بأمثالها شأنية المقام لعروض هذه الحالات لو كان المورد انسانا. (ش).

182
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الرضا بموهبة الایمان و الصبر على کل شی‏ء بعده ص 177

و لا حرمة كقدر عبدى المؤمن و حرمته فالكلام من قبيل الاستعارة التمثيلية. الثالث أنه ورد من طرق الخاصة و العامة أن اللّه سبحانه يظهر للعبد المؤمن عند الاحتضار من اللطف و الكرامة و البشارة بالجنة ما يزيل عنه كراهة الموت و يوجب رغبته فى الانتقال الى دار القرار فيقل تأذيه به و يصير راضيا بنزوله و راغبا فى حصوله فاشبهت هذه المعاملة معاملة من يريد أن يؤلم حبيبه ألما يتعقبه نفع عظيم، فهو يتردد فى أنه كيف يوصل ذلك الالم إليه على وجه يقل تأذيه فلا يزال يظهر له ما يرغبه فيما يتعقبه من اللذة الجسمية و الراحة العظيمة الى أن يتلقاه بالقبول و يعده من الغنائم المؤدية الى ادراك المأمول فيكون الكلام من الاستعارة التمثيلية. و أما وجوهه عند العامة فأيضا ثلاثة الاول أن معناه ما تردد عبدى المؤمن فى شي‏ء أنا فاعله كتردده فى قبض روحه فانه متردد بين ارادته للبقاء و ارادتى للموت فأنا ألطفه و أبشره حتى أصرفه عن كراهة الموت، فأضاف سبحانه تردد نفس وليه الى ذاته المقدسة كرامة و تعظيما له كما يقول غدا يوم القيامة لبعض من يعاتبه من المؤمنين فى تقصيره عن تعهد ولى من أوليائه «عبدى مرضت فلم تعدنى، فيقول: كيف تمرض و أنت رب العالمين، فيقول:

مرض عبدى فلان فلم تعده و لو عدته لوجدتنى عنده» فكما أضاف مرض وليه و سقمه الى عزيز ذاته المقدسة عن نعوت خلقه اعظاما لقدر عبده و تنويها بكرامة منزلته كذلك أضاف التردد الى ذاته لذلك.

الثانى أن ترددت فى اللغة بمعنى رددت مثل قولهم فكرت و تفكرت و دبرت و تدبرت فكأنه يقول ما رددت ملائكتى و رسلى فى أمر حكمت بفعله مثل ما رددتهم عند قبض روح عبدى المؤمن فارددهم فى اعلامه بقبضى له و تبشيره بلقائى و بما أعددت له عندى كما ردد ملك الموت «ع» الى ابراهيم و موسى عليهما السلام فى القضيتين المشهورتين الى أن اختارا الموت فقبضهما كذلك خواص المؤمنين من الاولياء يرددهم إليهم رفقا و كرامة ليميلوا الى الموت و يحبوا لقاء المولى.

الثالث أن معناه ما رددت الاعلال و الامراض و البر و اللطف و الرفق حتى يرى بالبر عطفى و كرمى فيميل الى لقائى طمعا، و بالبلاء و العلل فيتبرم بالدنيا و لا يكره الخروج منها و اللّه أعلم بحقيقة كلامه.

و ما دل هذا الحديث من أن المؤمن يكره الموت لا ينافى ما دل عليه الروايات المتكثرة من أن المؤمن يحب لقاء اللّه و لا يكرهه اما لما ذكره الشهيد فى الذكرى من أن حب لقاء اللّه غير مقيد بوقت فيحمل على حال الاحتضار و معاينة ما يحب فانه ليس شي‏ء حينئذ أحب إليه من الموت و لقاء اللّه أو لانه يكره الموت من حيث التألم به لالقاء اللّه و هما متغايران و كراهة

183
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى سکون المؤمن الى المؤمن ص 184

جميع خلقي و لجعلت له من إيمانه انسا لا يستوحش إلى أحد.
 (باب فى سكون المؤمن الى المؤمن)
1- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ المؤمن ليسكن إلى المؤمن، كما يسكن الظمآن إلى الماء البارد.
 (باب فيما يدفع اللّه بالمؤمن)
1- محمّد بن يحيى، عن عليّ بن الحسن التيمي، عن محمّد بن عبد اللّه بن زرارة، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ اللّه ليدفع بالمؤمن الواحد عن القرية الفناء.
2- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن‏
__________________________________________________
أحد المتغايرين لا يوجب كراهة الاخر أو لان حب لقاء اللّه يوجب حب كثرة العمل النافع وقت لقائه و هو يستلزم كراهة الموت القاطع له و اللازم لا ينافى الملزوم.
 (و لجعلت له من ايمانه انسا لا يستوحش الى أحد) انسه باللّه و بالايمان به من أجل الايمان و لوازمه موجب لعدم الوحشة بالكلية اذ تحقق احد الضدين يوجب رفع الاخر، و اذا كان كذلك فلا يستوحش منه الى أحد اذ ليس له طبع مستوحش.
قوله (ان المؤمن ليسكن الى المؤمن كما يسكن الظمآن الى الماء البارد) كما أن للظمآن اضطرابا فى فراق الماء و كمال ميل الى طلبه و سكونا و استقرارا عند وجدانه و انتفاعا به فى حياة روحه كذلك للمؤمن بالنسبة الى المؤمن، و فيه تشبيه للمعقول بالمحسوس لزيادة الايضاح و هذا السكون ينشأ من أمرين أحدهما الاتحاد فى الجنسية للتناسب فى الطبيعة و الروح كما مر، و المتجانسان يميل أحدهما الى الاخر و كل ما كان التناسب و التجانس أكمل كان الميل أعظم كما نقل: «الارواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف» و ثانيهما المحبة لان المؤمن لكمال صورته الظاهرة و الباطنة بالعلم و الايمان و الاخلاق و الاعمال محبوب القلوب و تلك الصورة قد تدرك بالبصر و البصيرة، و قد يكون سببا للمحبة و السكون باذن اللّه تعالى و بسبب العلاقة فى الواقع و ان لم يعلم تفصيلها.
قوله (ان اللّه ليدفع بالمؤمن الواحد عن القرية الفناء) أى عن أهل القرية بحذف المضاف أو المراد بالقرية أهلها مجازا، و ذلك الدفع اما بدعائه أو ببركة وجوده فيهم أو لئلا يلحق الفناء به لان الفناء قد يلحق البري‏ء بشوم الجري‏ء.

184
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فیما یدفع الله بالمؤمن ص 184

سنان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لا يصيب قرية عذاب و فيها سبعة من المؤمنين.
3- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قيل له في العذاب إذا نزل بقوم يصيب المؤمنين؟ قال: نعم و لكن يخلصون بعده.
 (باب فى ان المؤمن صنفان)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن نصير أبي الحكم الخثعمى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المؤمن مؤمنان فمؤمن صدق بعهد اللّه و وفى بشرطه و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فذلك الّذي لا تصيبه‏
__________________________________________________
قوله (لا يصيب قرية عذاب و فيها سبعة من المؤمنين) أى لا يصيب غالبا أو حتما و المفهوم غير معتبر و على تقدير اعتباره لا ينافى منطوق السابق لإمكان حمله على جواز الاصابة، و هو لا ينافى عدمها على أن الايمان و المعصية مراتبهما متفاوتة فقد يدفع بمؤمن واحد فى معصية و قد يدفع بسبعة فى معصية اخرى أشد و لا يدفع بواحد و اثنين فيها.
قوله (قيل له في العذاب اذا نزل بقوم يصيب المؤمنين، قال: نعم و لكن يخلصون بعده) أى يخلصون بعده من العذاب الاخروى لايمانهم الموجب للنجاة منه، و أما العذاب الدنيوى فانما لحقهم بالعرض من أجل مجاورة الفاسقين و لا ينافى ذلك ما مر لان البر و الفاجر اذا اختلطا فقد يصل خير البر الى الفاجر و قد يصل شر الفاجر الى البر، هذا فى الدنيا و أما فى الآخرة فكل يعامل بعمله.
قوله (فمؤمن صدق بعهده اللّه و وفى بشرطه) لعل المراد بالعهد عهد الربوبية و الايمان باللّه و برسوله و بما جاء به و بالوفاء بالشرط الاتيان بالمأمورات و الانتهاء عن المنهيات و هذا المؤمن هو الناظر بعين بصيرته الى مبادى جميع حركاته و سكناته و مآلهما، و المشاهد لاحوال نفسه فى الفعل و الترك فيعلم كل ماله فيقدم عليه، و كل ما عليه فيبعد عنه، و بالجملة هو الحارس الناظر الى صلاح أحواله ظاهرا و باطنا.
 (فذلك الّذي لا تصيبه اهوال الدنيا و لا اهوال الآخرة) أما الآخرة فلحسن استعداده لها و هو يقتضي الفراغ و الأمن من أهوالها، و أما الدنيا فلعل المراد بأهوالها الهموم من فوات نعيمها لان الدنيا و نعيمها لم تخطر بباله فيكف الهموم من فواتها، أو المراد أعم منها و من عقوباتها و مكارهها و مصائبها لانها عنده نعمة مرغوبة لا أهوال مكروهة، أو لانها لا تصيبه لاجل‏

185
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى ان المؤمن صنفان ص 185

أهوال الدّنيا و لا أهوال الآخرة و ذلك ممّن يشفع و لا يشفع له، و مؤمن كخامة الزرع، تعوج أحيانا و تقوم أحيانا، فذلك ممّن تصيبه أهوال الدّنيا و أهوال الآخرة و ذلك ممّن يشفع له و لا يشفع.
2- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عبد اللّه، عن خالد العمّي عن خضر بن عمرو، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: المؤمن مؤمنان: مؤمن و فى للّه بشروطه الّتي شرطها عليه، فذلك مع النبيّين و الصدّيقين و الشهداء و الصّالحين و حسن اولئك رفيقا، و ذلك من يشفع و لا يشفع له، و ذلك ممّن لا تصيبه أهوال الدّنيا و لا أهوال الآخرة، و مؤمن زلت به قدم فذلك كخامة الزرع كيفما كفئته الرّيح انكفأ و ذلك ممّن تصيبه أهوال الدّنيا و الآخرة و يشفع له و هو على خير.
3- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن يونس بن يعقوب، عن أبي مريم الأنصاري، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قام رجل بالبصرة إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الإخوان، فقال:
__________________________________________________
المعصية فلا ينافى اصابتها لرفع الدرجات.
 (و ذلك ممن يشفع و لا يشفع له) لانه من المقربين الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون فلا يحتاج الى أن يشفع له و له درجة الشفاعة لغيره من أهل العصيان.
 (و مؤمن كخامة الزرع تعوج أحيانا و تقوم أحيانا) شبه المؤمن بالخامة و هى الغضة اللينة من الزرع، و ألفها منقلبة عن واو، و أشار الى وجه التشبيه بقوله «يعوج أحيانا و يقوم أحيانا» و المراد باعوجاجه ميله الى الباطل و هو متاع الدنيا و المعصية و هواء النفس و رداها. و بقيامه ميله الى الحق و هو الآخرة و الطاعة و مخالفة النفس فى هواها و ذلك تصيبه أهوال الدنيا و مكارهها مثل الامراض و سكرات الموت لتخفيف ذنوبه و أهوال الآخرة مثل المناقشة فى الحساب و غيرها و يندرج فيها أهوال البرزخ و لكن ينجو بالشفاعة له و ليست له درجة الشفاعة لغيره الا أن يشاء اللّه بمجرد التفضل دون الاستحقاق.
قوله (كيفما كفئته الريح انكفأ) أى قلبته و أمالته و هو اشارة الى وجه تشبيهه بخامة الزرع، و التشبيه تمثيل لامالة أهواء نفسه و ريح خاطراته اياه من حال الى حال فتارة يعوج و أخرى يقوم و يعتدل.
قوله (فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الاخوان) أراد بالاخوان المؤمنين كما

186
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى ان المؤمن صنفان ص 185

الإخوان صنفان: إخوان الثقة و إخوان المكاشرة، فأمّا إخوان الثقة فهم الكفّ و الجناح و الأهل و المال، فإذا كنت من أخيك على حدّه الثقة فابذل له مالك و بدنك و صاف من صافاه و عاد من عاداه و اكتم سرّه و عيبه و أظهر منه الحسن، و اعلم أيها السّائل أنّهم أقلّ من الكبريت الأحمر، و أمّا إخوان المكاشرة فإنّك‏
__________________________________________________
قال عز و جل إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ.
 (فقال الاخوان صنفان اخوان الثقة و اخوان المكاشرة) الثقة مصدر بمعنى الامانة و الاعتماد، و المراد باخوان الثقة أهل الامانة و الاعتماد فى الدين و أرباب الثبوت و القوة فى اليقين، و هم المؤمنون المتصفون بالفضائل، المقدسون عن الرذائل. و المكاشرة المضاحكة من الكشر و هو ظهور الاسنان للضحك. و كاشره اذ ضحك فى وجهه و باسطه، و الاسم الكشرة كالعشرة، و المراد باخوان المكاشرة أهل الحق و الباطل الذين جمعوا بين شي‏ء من الفضائل و الرذائل يعملون تارة بمقتضى الايمان و أخرى بحكم النفس و الشيطان، ثم أشار «ع» الى شي‏ء من أحوال الفريقين و كيفية المعاشرة معهما بقوله:
 (فاما اخوان الثقة فهم الكف و الجناح و الاهل و المال) الكف الراحة مع الاصابع سميت بذلك لانها تكف الاذى عن صاحبها و عن غيره، و الجناح للطير معروف و يطلق على العضد و الابط و الجانب و العصا أيضا، و الاهل أهل البيت و يطلق على الاقرباء و الاتباع أيضا، و الحمل فى الاكثر من باب المبالغة أو بتقدير مضاف أى أهل الكف.
 (فاذا كنت من أخيك على حد الثقة) أى الاعتماد و الديانة و الرسوخ فى الدين.
 (فابذل له مالك و بدنك) بذل المال للاخ عند حاجته سأل أو لم يسأل ناظر الى الكف و المال. و بذل البدن بالسعى فى حاجته ناظر الى الجناح و الاهل.
 (و صاف من صافاه و عاد من عاداه، و اكتم سره و عيبه و أظهر منه الحسن) أمر «ع» بالتزام الصداقة على جميع أنواعها، الاول أن يكون صديقا له، و الثانى أن يكون صديقا لصديقه، و الثالث أن يكون عدوا لعدوه، فان الصداقة لصديقه و العداوة لعدوه صداقة له كما يرشد إليه أيضا ما روى عنه «ع» «أصدقاؤك ثلاثة و أعداؤك ثلاثة، فأصدقاؤك:
صديقك، و صديق صديقك، و عدو عدوك. و أعداؤك: عدوك، و عدو صديقك، و صديق عدوك» و الحسن بالتحريك أو بالضم و التسكين.
 (و اعلم أيها السائل أنهم أقل من الكبريت الاحمر) يعنى أن اخوان الثقة فى غاية القلة و نهاية الندرة لان جواهر ذواتهم نفيسة و كل نفيس نادر الوجود، و اما اخوان المكاشرة ففى غاية الكثرة لان أكثر الناس يتبع اللذات الجسمانية و المشتهيات النفسانية

187
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى ان المؤمن صنفان ص 185

تصيب لذّتك منهم، فلا تقطعنّ ذلك منهم و لا تطلبنّ ما وراء ذلك من ضميرهم و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه و حلاوة اللّسان.
 (باب) (ما اخذه الله على المؤمن من الصبر على ما يلحقه فيما ابتلى به)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن النعمان، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أخذ اللّه ميثاق المؤمن على أن تصدّق مقالته و لا ينتصف من عدوّه و ما من مؤمن يشفي نفسه إلّا بفضيحتها لأنّ كلّ مؤمن ملجم‏
__________________________________________________
و الوساوس الشيطانية و لكن لا بدّ من الاختلاط و حسن المعاشرة معهم لاجل الضرورة و استكمال النظام و القطع منهم يوجب تبدده كما أشار إليه عليه بقوله:
 (و أما اخوان المكاشرة فانك تصيب لذتك منهم) لعل المراد باللذة اللذة الدنيوية مثل حسن المعاشرة و المعاملة و تحصيل منافع الدنيا و نحوها.
 (فلا تقطعن ذلك منهم) لعل ذلك اشارة الى اصابة اللذة منهم، و فيه ترغيب فى حسن المعاشرة معهم لان اعتزالك عمن يريدك و يعينك نقص حظ، كما أن ميلك الى من لا يريدك و لا يعينك ذل نفس كما يرشد إليه ما روى عنه «ع» «زهدك فى راغب فيك نقصان حظ، و رغبتك فى زاهد فيك ذل نفس» و ذلك لان الراغب فى شخص يبذل ماله بجهاته و يعينه فى حاجاته و له منه نصيب و حظ اذا لم يزهد فيه و ان زهد فيه فلا يبذل و لا يعين فيكون ناقص الحظ، و الراغب فى الشخص المعرض عنه المستكره لصحبته و يصير عنده حقيرا ذليلا، اما بالذات أو بحسب أفعاله المذلة فى اعتقاده (و لا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم) أى لا تطلبن سوى ما أصبت منهم من اللذة الدنيوية من ضميرهم شيئا لتعلق ضميرهم بالعقائد الفاسدة و الخاطرات الكاسدة و الاهواء الباطلة (و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه و حلاوة اللسان) بمنزلة التأكيد لما ذكره أولا من قوله «فانك تصيب- الى آخره» و فيه ترغيب فى التأنيس بالجهال و استجلاب طباعهم الى الحق لئلا يزيد نفارهم و لا ينقطع نظام أحوالهم.
قوله (أخذ اللّه ميثاق المؤمن على أن لا تصدق مقالته [1]) ألا ترى أن جميع الأنبياء
__________________________________________________
 [1] قوله «على أن لا يصدق مقالته» المراد عدم تصديق مقاله فى الحكومات الباطلة و الدول الجائرة من اناس طبعوا على اتباع الايدى القوية لا مطلقا. فان المؤمن يقول الحق و الحق مصدق به لكل أحد حتى السارق فى سرقته، و الزانى عند الفحشاء يصدق بأن عمل الصلحاء خير من عمله. و كذلك قوله: لا ينتصف من عدوه: يعنى يعجز عن الانتصاف‏

188
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ما اخذه الله على المؤمن من الصبر على ما یلحقه فیما ابتلى به ص 188

2- عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، جميعا، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إنّ اللّه أخذ ميثاق المؤمن على بلايا أربع أيسرها عليه مؤمن يقول بقوله يحسده، أو منافق يقفوا أثره، أو شيطان يغويه، أو كافر يرى جهاده فما بقاء المؤمن بعد هذا
__________________________________________________
و الأوصياء كانوا كذلك و المراد عدم تصديق أكثر الخلق اذ بعضهم قد يصدقه، و ما من متكلم صادق الا و له مصدق (و لا ينتصف من عدوه) أى لا ينتقم. (و ما من مؤمن يشفى نفسه الا بفضيحتها) شفاه يشفيه من باب ضرب فاشتفى هو، و هو من الشفاء بمعنى البرء من الامراض و يستعمل فى شفاء القلب من الامراض النفسية و المكاره القلبية كما يستعمل فى شفاء الجسم من الامراض البدنية و كون شفاء نفسه من غيظ العدو موجبا لفضيحتها ظاهر لان الانتقام من العدو مع عدم القدرة عليه يوجب الفضيحة و الذلة و زيادة الاهانة و الاذى (لان كل مؤمن ملجم) تعليل لجميع ما ذكر.
قوله (ان اللّه أخذ ميثاق المؤمن على بلايا أربع أيسرها عليه مؤمن يقول بقوله يحسده أو منافق يقفو أثره أو شيطان يغويه) أى يريد أن يغويه و يضله عن سبيل الحق بالوسوسة و الخاطرات كما حكى عنه الكتاب الكريم «لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ» و هو كناية عن جذبهم من طريق الحق الى الطريق الباطل.
 (أو كافر يرى جهاده) لازما فيجاهده و يضره من كل وجه يمكنه (فما بقاء المؤمن بعد هذا) و لهذا قل أهل الايمان، و المقصود من الحديث أن المؤمن لا يكون الا و معه هذه البلايا كلها أو بعضها، فلا ينافى الترديد الدال على منع الخلو، و أيسرها صفة لبلايا أربع و فيه اشعار بأن للمؤمن بلايا أخر أشد منها، و فى بعض النسخ أشدها بدل أيسرها فيفيد أن هذه الاربع أشد بلاياه، و قوله «مؤمن» خبر مبتدأ محذوف أى هى مؤمن و ربما يزعم أن أيسرها مبتدأ و مؤمن خبره، و أن أشدها أولى من أيسرها لئلا ينافى قوله «ع» فيما بعد و مؤمن يحسده و هو أشدهم عليه، و فيه ان ايسرها أو أشدها صفة لما تقدم فلا يتم ما ذكر، و كون هذه الاربع أيسر من غيرها لا ينافى ان يكون بعضها أشد من بعض و لو جعل مبتدأ كما زعم لزم أن لا يكون‏
__________________________________________________
لغلبة أهل الباطل لا أنه يحرم عليه الانتصاف بالحق اذا قدر، و قوله «لا يشفى نفسه الا بفضيحتها» هذا أيضا فى دولة الباطل و الفضيحة بلسان أهل زمانها و ان من رام ترويج الحق و دفع الباطل فى زمانهم و لم يقدر، غلب عليه و افتضح بالمغلوبية، و صار ذلك موجبا ليأس أهل الحق و ضعف أرادتهم. (ش)

189
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ما اخذه الله على المؤمن من الصبر على ما یلحقه فیما ابتلى به ص 188

3- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما أفلت المؤمن من واحدة من ثلاث و لربما اجتمعت الثلاثة عليه، إما بغض من يكون معه في الدّار يغلق عليه بابه يؤذيه، أو جار يؤذيه أو من في طريقه إلى حوائجه يؤذيه، و لو أنّ مؤمنا على قلة جبل لبعث اللّه عزّ و جلّ إليه شيطانا يؤذيه، و يجعل اللّه له من إيمانه انسا لا يستوحش معه إلى أحد.
4- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن داود بن سرحان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: أربع لا يخلو منهنّ المؤمن‏
__________________________________________________
المؤمن الحاسد أشد من المنافق و ما بعده و هو مناف لما يأتى فليتأمل.
قوله (ما أفلت المؤمن من واحدة من ثلاث و لربما اجتمعت الثلاثة عليه اما بعض من يكون معه فى الدار يغلق عليه بابه يؤذيه) أفلت افلاتا اذا تخلص و أفلته اذا خلصه لازم و متعد، و هنا لازم، و من لطف اللّه بعباده أنه اذا أحب عبدا صب عليه البلاء صبا، و من جملته أن يسلط عليه بعضا من شرار خلقه يؤذيه، و يتفاوت ذلك بحسب تفاوت الدرجات و المقامات كما يرشد إليه ايذاء الامة للانبياء و الأوصياء و الاولياء من لدن آدم «ع» الى الآن، و قوله «ص» «ما اوذى أحد فى اللّه ما اوذيت» و قد ذكروا لذلك وجوها من الحكمة منها أنه لكفارة ذنوبه، و منها أنه لاختبار صبره و ادراجه فى الصابرين، و منها أنه لتزهيده فى الدنيا و تبريدها فى قلبه لئلا يفتتن بها و لا يطمئن إليها فلا يشق عليه الخروج منها، و منها لاضعاف نفسه عن الصفات البشرية و القطع عنها مواد العلائق الجسمانية لينقطع علاقته بدنياه و يرجع بكله الى مولاه و يألف الاقبال عليه فى السراء و يستديم المثول بين يديه فى الضراء الى أن يرتقى بذلك الى أعلى درجة الاحباب و الاولياء. و منها لتنفيره بذلك عن مصاحبتهم، و ايحاشه منهم بواسطة أذيتهم ليؤنسه بحضرة ربوبيته و يقتطعه إليه عن بريته، و منها لاكرامه برفع الدرجة التى لا يبلغها الانسان قط بكسبه، لانه ممنوع من ايلام نفسه شرعا و طبعا فاذا سلط عليه فى ذلك غيره أدرك ما لا يصل إليه بفعله كدرجة الشهادة لا يبلغها المؤمن قط بقتل نفسه، و انما يبلغها بقتل العدو له فى اللّه فيكرم اللّه عليه بدرجة الشهادة على يد غيره. و منها لتشديد عقوبة العدو فى الآخرة فانه يوجب سرور المؤمنين به. و الغرض من هذا الحديث و أمثاله حث المؤمن على الاستعداد لتحمل أنواع النوائب و الاذى بالصبر و الرضا بقضاء اللّه، و باللّه الاستعانة و التوفيق.

190
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ما اخذه الله على المؤمن من الصبر على ما یلحقه فیما ابتلى به ص 188

أو واحدة منهنّ، مؤمن يحسده و هو أشدّ هنّ عليه، و منافق يقفو أثره أو عدوّ يجاهده، أو شيطان يغويه.
5- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن سنان، عن عمار بن مروان، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ جعل وليه في الدّنيا غرضا لعدوّه.
6- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن محمّد بن عجلان قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فشكا إليه رجل الحاجة، فقال له: اصبر فانّ اللّه سيجعل لك فرجا، قال: ثمّ سكت ساعة، ثمّ أقبل على الرّجل فقال:
أخبرني، عن سجن الكوفة كيف هو؟ فقال:- أصلحك اللّه- ضيّق منتن و أهله بأسوإ حال، قال: فإنّما أنت في السجن فتريد أن تكون فيه في سعة، أ ما علمت أنّ الدّنيا سجن المؤمن.
7- عنه، عن محمّد بن عليّ، عن إبراهيم الحذّاء، عن محمّد بن صغير، عن جدّه شعيب قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: الدّنيا سجن المؤمن فأيّ سجن جاء منه خير
__________________________________________________
قوله (مؤمن يحسده و هو أشدهن) لان صدور الشر من القريب المجانس أشد و أعظم من صدوره من البعيد المخالف، لتوقع الخير من الاول دون الثانى.
قوله (اصبر فان اللّه سيجعل لك فرجا) دلت الفاء على أن الفرج مترتب على الصبر كما اشتهر «الصبر مفتاح الفرج» و كما قيل: «من صبر ظفر فاصبر تظفر» ثم قال تسلية له فى تحمل المشاق و البليات رجاء لما بعد الدنيا من الخيرات:
 (أ ما علمت أن الدنيا سجن المؤمن) قد ورد من طرق الخاصة و العامة «أن الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر» يعنى أن المؤمن فى الدنيا ممنوع من الشهوات المحرمة و مكلف بالاعمال و الاخلاق الشاقة، و ممتحن بالبلايا و الرياضات التامة، فاذا مات استراح من جميع ذلك و انقلب الى ما أعد اللّه له من النعيم المقيم، و أما الكافر فانما له الدنيا حسب، و اذا مات انقلب الى ما أعد اللّه له من العذاب الجحيم، فالدنيا جنة له و ان كان ذا مشقة فيها، قيل ان يهوديا رث الهيئة و الحالة رأى فقيها و عليه لباس حسن فقال: أ لستم تروون عن نبيكم «ان الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر» فأين ذلك من حالى و حالك؟ فأجابه بأنه اذا مت و صرت الى ما أعد اللّه لك من العذاب علمت أن الدنيا كانت جنة لك، و اذا مت أنا و صرت‏

191
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ما اخذه الله على المؤمن من الصبر على ما یلحقه فیما ابتلى به ص 188

8- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحجّال، عن داود بن أبي يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المؤمن مكفّر.
و في رواية اخرى و ذلك أنّ معروفه يصعد إلى اللّه فلا ينشر في النّاس و الكافر مشكور
__________________________________________________
الى ما أعد اللّه لى من النعيم علمت أن الدنيا كانت سجنا لى.
قوله (المؤمن مكفر «1» و فى رواية اخرى و ذلك ان معروفه يصعد الى اللّه فلا ينشر فى الناس و الكافر مشكور) الرواية الاخرى تفسر الاولى، و لعل بناء هذا التفسير على أن المؤمن يخفى معروفه من الناس و لا يفعله رياء و سمعة فيصعد الى اللّه فلا ينشر فيهم و الا فالصعود الى اللّه مع الاعلان به لا يستلزم عدم نشره فيهم، و على هذا فكون الكافر مشكورا معناه أن معروفه لكونه واقعا اعلانا لا لوجه اللّه ينشر فى الناس و لا يصعد الى اللّه و للاولى‏
__________________________________________________
 (1) قوله «المؤمن مكفر» الناس مفطورون على طلب منافعهم الفردية و التمتع باللذات الدنيوية و ان استلزم الظلم و الاجحاف بغيرهم فبعث اللّه النبيين عليهم السلام لتحديد اراداتهم و منع استرسالهم. حتى يقتصروا على ما لا يضر بالغير، و لا يمنع أحد أحدا عن أرادته المباحة و حوائجه المشروعة، و أشد أعداء الأنبياء و الشرائع الجبابرة و أصحاب الدول الظالمة فان قدرتهم غير محدودة يريدون أن يفعلوا ما يرون صلاحا لهم من غير أن يمنعهم مانع و لا يحد قدرتهم محدد، و الأنبياء يحددون قدرتهم، و يمنعهم من أفعالهم فيحدث بينهم العداوة و البغضاء و المنافرة قهرا، و يأخذ جماعة من الناس جانب الظلمة و هم أصحاب الشهوات و اللذات لاشتراكهم فى طلب حرية أنفسهم و عدم المبالاة بالضعفاء، و جماعة جانب الأنبياء و هم أصحاب النفوس الآبية و أرباب العقول الراجحة و المبغضون للظلم و الاجحاف الكارهون لمساءات الخلق. لا يرون لائقا بكرامتهم أن يروا جماعة فى الضر و البأس ممنوعين عما يريدون من الاستمتاع بحوائجهم لمنع الاقوياء اياهم، و لا بدّ فى دولة الباطل من المصادمة بين الفريقين، و يكون الغلبة لغير المؤمن قطعا لانهم لا يبالون بالظلم و ايذاء الخلق و مصادرة الاموال و القتل و الحبس و التشريد لتحقيق مقاصدهم أيا ما كان، و المؤمن فى دولتهم منفوران صدر منه فعل حسن شكره أهل الحق و لا يرضى به أهل الباطل فان ما يرون منه من منه الباطل لا يكافى فعله الحسن و يذمونه على كل حال، و قد رأينا جماعة من المثرين بذلوا أموالا عظيمة فى سبيل اللّه تعالى، و مع ذلك يكرههم المبطلون و يبغضونهم و ينسبونهم الى كل سوء لانهم مؤمنون غير موافقين لهم فى اتباع الشهوات و اعتقاد الكفر و الالحاد. أعاذ اللّه الناس من شرورهم. (ش).

192
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ما اخذه الله على المؤمن من الصبر على ما یلحقه فیما ابتلى به ص 188

9- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما من مؤمن إلّا و قد و كل اللّه به أربعة: شيطانا يغويه، يريد أن يضلّه، و كافرا يغتاله، و مؤمنا يحسده و هو أشدّهم عليه، و منافقا يتتبّع عثراته.
10- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سمعته يقول: إذا مات المؤمن خلّي على جيرانه من الشياطين عدد ربيعة و مضر، كانوا مشتغلين به.
11- سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد اللّه بن جبلة، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما كان و لا يكون و ليس بكائن مؤمن إلّا و له جار يؤذيه، و لو أنّ مؤمنا في جزيرة من جزائر البحر لابتعث اللّه له من يؤذيه.
12- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن أبي أيّوب، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما كان فيما مضى و لا فيما بقي و لا فيما أنتم فيه مؤمن إلّا و له جار يؤذيه.
13- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: ما كان و لا يكون إلى أن تقوم الساعة مؤمن إلّا و له جار يؤذيه‏
__________________________________________________
تفسير آخر أنسب بعنوان الباب و لعل المصنف باعتباره ذكره فيه و هو أن المؤمن مكفر أى مرزأ فى نفسه و ماله و مصاب بمصيبة لتكفر خطاياه و ذنوبه بخلاف الكافر.
قوله (و كافرا يغتاله) غاله غولا من باب قال أهلكه، و اغتاله قتله على غرة و هى بالكسر الغفلة و الخفية و الاسم الغيلة بالكسر.
قوله (اذا مات المؤمن خلى على جيرانه عدد ربيعة و مضر) هما فى النسب أخوان ابنا نزار بن معد بن عدنان، و مضر الجد السابع عشر للنبى «ص» و قبيلتاهما كانتا مشهورتين فى كثرة العدد و قساوة القلوب و غلظ الافئدة و معاندتهما للنبى «ص» و كفرهما أشهر من كفر ابليس.
قوله (ما كان و لا يكون و ليس بكائن مؤمن الا و له جار يؤذيه) ليس المراد به الجار المعروف فقط بل كل من يجاوره و يقاربه و رآه أو لم ير، فليس أحد يخلو من جار

193
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

 (باب شدة ابتلاء المؤمن)
1- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير عن، هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ أشدّ النّاس بلاء الأنبياء، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الأمثل فالأمثل.
2- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الرّحمن بن الحجّاج قال: ذكر عند أبي عبد اللّه عليه السّلام البلاء و ما يخصّ اللّه عزّ و جلّ به المؤمن، فقال: سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من أشدّ الناس بلاء في الدّنيا؟
__________________________________________________
و أقله الشيطان فالحصر كلى.
قوله (ان أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الامثل فالامثل) البلاء ما يختبر به و يمتحن به من خير أو شر و أكثر ما يأتى مطلقا فى الشر و اذا اريد به الخير يأتى مقيدا كما قال تعالى بَلاءً حَسَناً و أصله المحنة و اللّه تعالى بلا عبدا بالصنع الجميل ليمتحن شكره، و بما يكره ليمتحن صبره، يقال: بلاه اللّه بخير أو شر يبلوه بلوا و أبلاه ابلاء و ابتلاه ابتلاء بمعنى امتحنه، و الاسم البلاء مثل سلام و البلواء و البلية مثله، و المراد بالامثل فالامثل الاشرف فالاشرف و الا على فالاعلى فى المرتبة و المنزلة، يقال: هذا أمثل من هذا أى أفضل و أشرف و أدنى الى الخير، و أماثل الناس خيارهم. و فى هذا الحديث و غيره من الاحاديث المتكثرة من طرق الخاصة و العامة دلالة واضحة على أن الأنبياء فى الامراض الحسية و البلايا الجسمية كغيرهم بل هم أولى بها من الغير تعظيما لاجرهم الّذي يوجب التفاضل فى الدرجات و لا يقدح ذلك فى رتبتهم. بل هو تثبيت لامرهم و أنهم بشر اذ لو لم يصبهم ما أصاب البشر مع ما يظهر من أيديهم من خرق العادة لقيل فيهم ما قالت النصارى فى نبيهم، و استثنى بعض من ذلك ما هو نقص كالجنون و الجذام و البرص و حمل استعاذة النبي «ص» منها على أنها تعليم للخلق، و قال محى الدين الأنبياء «ع» منزهون عن النقص فى الخلق و الخلق سالمون من المعايب و لا يلتفت الى ما نسب بعض الى بعضهم من العاهات فان اللّه تعالى رفعهم عن كل ما هو عيب ينقص العيون و ينفر القلوب، و قال الابى فى كتاب إكمال الاكمال ان الأنبياء و الناس فى الامراض سواء و الأنبياء منزهون عن المعايب و يسمى هذا الابتلاء تنبيه الغافلين و تذكير الصالحين و تنويه الذاكرين، و له فوائد غير محصورة ذكرنا بعضها فى باب أن المؤمنين صنفان و ابتلاء الأنبياء و المقربين تحفة لهم لرفع الدرجات التى لا يمكن الوصول إليها بشي‏ء من العمل إلا ببلية كمان أن بعض الدرجات لا يمكن الوصول إليها الا بالشهادة فيمن اللّه سبحانه على من أحب من عباده بهما تعظيما و تكريما له.
                       

194
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

فقال: النبيون ثمّ الأمثل فالأمثل و يبتلى المؤمن بعد على قدر إيمانه و حسن عمله فمن صحّ إيمانه و حسن عمله اشتدّ بلاؤه، و من سخف إيمانه و ضعف عمله قلّ بلاؤه.
3- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن زيد الشحّام، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ عظيم الأجر لمع عظيم البلاء، و ما أحبّ اللّه قوما إلّا ابتلاهم.
4- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي بن عبد اللّه، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: أشدّ الناس بلاء الأنبياء، ثمّ الأوصياء ثمّ، الأماثل فالأماثل.
5- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ للّه عزّ و جلّ عبادا في الأرض من‏
__________________________________________________
قوله (و يبتلى المؤمن بعد على قدر ايمانه و حسن عمله فمن صح ايمانه و حسن عمله اشتد بلاؤه) كلما زاد ايمان رجل زاد قربه من اللّه، و كلما زاد قربه زاد حبه و كلما زاد حبه زاد استحقاقه لعطاياه و أعظم عطاياه البلية. لانها توجب رفع الذنوب و الخطايا و سلب الميل الى الدنيا و التضرع بين يدى المولى و الوصول الى الدرجة العليا و الاختصاص بأعلى مقام الشرف و الزلفى و النجاة من أهوال العقبى حتى توصله الى أعلى درجات المحبين و أقصى مراتب المقربين نعم ما قيل:
أبليت من أحببت يا حسن البلاء             و خصصت بالبلوى رجالا خشع‏
أحببت بلواهم و طول حنينهم             و أطلت ضرهم لكى يتخضعوا
 (و من سخف ايمانه) سخف الشي‏ء سخفا بالضم و سخافة بالفتح من باب قرب قربا و قرابة أى رق و نقص (و ضعف عمله) بالكمية و الكيفية. (قل بلاؤه) لضعف محبته و هو يقتضي قلة عطيته لانه تعالى اذا أحب عبدا حبا صب عليه البلاء صبا.
قوله (ان عظيم الاجر لمع عظيم البلاء) يعنى أن البلاء و الاجر متوازنان فان زاد البلاء زاد الاجر و ان نقص نقص (و ما أحب اللّه قوما الا ابتلاهم) بأنواع المشاق الدنيوية من العلل و الامراض و الاوجاع و الفقر و الخوف و المصائب فى النفس و الاهل و المال لينفرهم عن الدنيا و يعدهم للاقبال إليه و التضرع بين يديه حتى يبلغ كمال محبته و ينال ما عنده من الاجر الجميل و الثواب الجزيل.

195
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

خالص عباده ما ينزل من السّماء تحفة إلى الأرض إلّا صرفها عنهم إلى غيرهم و لا بليّة إلّا صرفها إليهم.
6- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أحمد بن عبيد، عن الحسين بن علوان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال- و عنده سدير-: إنّ اللّه إذا أحبّ عبدا غتّه بالبلاء غتّا، و إنّا و إيّاكم يا سدير لنصبح به و نمسي.
7- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن الوليد بن علاء، عن حمّاد، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ اللّه تبارك و تعالى إذا أحبّ عبدا غتّه بالبلاء غتّا و ثجّه بالبلاء ثجّا، فإذا دعاه قال: لبّيك عبدي لئن عجّلت لك ما سألت إنّي على ذلك لقادر، و لئن ادّخرت لك، فما ادّخرت لك فهو خير لك‏
__________________________________________________
قوله (ما ينزل من السماء تحفة الى الارض الا صرفها عنهم .... و لا بلية الا صرفها إليهم) المراد بالتحفة التحفة الدنيوية التى يتم بها عيش الدنيا و زينتها و هى التى يفر منها الاولياء و الصلحاء فرار الجبان من الاسد، و بالبلية البلية الدنيوية و هى التى يستقبلها الصلحاء و العرفاء الفحول و يتلقونها بالرحب و القبول علما بأنها أبواب لفضله و اسباب لعفوه و ذرائع الى جنانه و وسائل الى رضوانه.
قوله (غته بالبلاء غتا) أى عصره بسبب البلاء عصرا شديدا حتى يجد منه المشقة الشديدة كما يجدها من يغمس فى الماء قهرا أو غمسه فيه غمسا متتابعا على ان يكون الباء بمعنى فى، أوكده يقال غته بالامر أى كده و الكد: رنجانيدن و كوفتن (و انا و اياكم يا سدير لنصبح به و نمسى) لانهم كانوا خائفين و جلين من الاعداء و الخوف منهم من أعظم البلاء. قوله (وثجه بالبلاء ثجا) أى أسأل دم قلبه بالبلاء و هو كناية عن أخذه بالشدائد تقول ثججت الماء من باب قتل اذا صببته و اسلته، و الثلج أيضا اسالة دم الهدى.
 (فاذا دعاه) أى لرفع البلاء أو لغيره من المطالب أيضا (قال لبيك عبدى لئن عجلت لك ما سألت) ان كانت فى التعجيل مصلحة. (أنى على ذلك لقادر و لئن ادخرت لك) ان لم تكن فى التعجيل مصلحة (فما ادخرت لك) من أجر الدعاء سوى اجر الابتلاء.
 (خير لك) مما سألت لانه ينفع فى الآخرة و كل ما ينفع فى الآخرة خير مما ينفع فى الدنيا و ما ينفع فيها داثرة زائلة. و فيه تعظيم لامر الابتلاء و تفخيم لشأن الداعى و الدعاء

196
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

8- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن زيد الزرّاد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إنّ عظيم البلاء يكافأ به عظيم الجزاء، فإذا أحبّ اللّه عبدا ابتلاه بعظيم البلاء، فمن رضي فله عند اللّه الرّضا و من سخط البلاء فله عند اللّه السخط.
9- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن زكريّا بن الحرّ، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّما يبتلى المؤمن في الدّنيا على قدر دينه- أو قال:- على حسب دينه.
10- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن بعض أصحابه، عن محمّد بن المثنّى الحضرميّ، عن محمّد بن بهلول بن مسلم العبدي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّما المؤمن بمنزلة كفّة الميزان، كلّما زيد في إيمانه زيد في بلائه‏
__________________________________________________
حيث يقول اللّه تعالى له لبيك أى أقيم بخدمتك اقامة بعد اقامة و الزم على طاعتك لزوما بعد لزوم و اصل لبيك لبين لك حذفت اللام ثم النون للاضافة.
قوله (ان عظيم البلاء يكافأ به عظيم الجزاء) الكف‏ء النظير و منه كافأه اذا ساواه و كل شي‏ء ساوى شيئا حتى صار مثله فهو مكافئ له، و المكافاة بين الناس من هذا و معناه أن عظيم البلاء يساويه عظيم الجزاء (فاذا احب اللّه عبدا ابتلاه بعظيم البلاء) أى اذا أراد اللّه أن يوصل الخير الى عبده و أن يرحمه و يرضى عنه و يدخله الجنة و يرفع درجته فيها و هو نقى عن الذنوب ابتلاه ببلاء عظيم اما بأمراض جسمانية أو بمكاره روحانية.
 (فمن رضى فله عند اللّه الرضا و من سخط البلاء فله عند اللّه السخط) أى فمن رضى عن اللّه بما قضى عليه من البلاء و صبر و شكر فله رضاه تعالى و رضوانه و احسانه عند اللقاء فى دار البقاء و من سخط البلاء و كره القضاء و لم يرض بحكم اللّه فيه و اجراء البلاء عليه جرى عليه حكم اللّه و سخط فيلقاه و هو محروم عما أعده اللّه للصابرين الشاكرين من أهل البلاء و انما لم ينسب السخط إليه تعالى كما نسب إليه الرضا للتنبيه على أن السخط ليس من صفاته تعالى و مرادا له تعالى حقيقة، بل انما هو جزاء عمل العبد، و فيه تنبيه على أن الاجر للبلاء انما يكون لمن رضى و صبر، و تحريص للعبد على الصبر و الرضاء الموجبين للاكرام و الاصطفاء. قوله (انما المؤمن بمنزلة كفة الميزان) الظاهر أنه تشبيه تمثيلى متضمن لتشبيه الايمان بالجنس المرغوب الموزون، و قوله (كلما زيد فى ايمانه زيد فى بلائه) اشارة الى وجه التشبيه و الى أن الايمان و البلاء متساويان.

197
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

11- عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: المؤمن لا يمضي عليه أربعون ليلة إلا عرض له أمر يحزنه، يذكّر به.
12- محمد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان، عن معاوية بن عمّار، عن ناجية قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ المغيرة يقول: إنّ المؤمن لا يبتلى بالجذام و لا بالبرص و لا بكذا و لا بكذا؟ فقال: إن كان لغافلا عن صاحب ياسين إنّه كان مكنّعا- ثمّ ردّ أصابعه- فقال: كأنّي أنظر إلى تكنيعه أتاهم فأنذرهم، ثمّ عاد
__________________________________________________
قوله (المؤمن لا يمضى عليه اربعون ليلة الاعرض له أمر يحزنه يذكر به) حزن حزنا من باب علم و الاسم الحزن بالضم فهو حزين و يتعدى فى لغة قريش بالحركة يقال حزننى الامر يحزننى من باب قتل قاله ثعلب و الازهرى، و فى لغة تميم بالالف و منع أبو زيد استعمال الماضى من الثلاثى فقال لا يقال حزنه و انما يستعمل المضارع من الثلاثى فيقال يحزنه عروض أمر يوجب حزن المؤمن فى تلك المدة من لطف اللّه تعالى عليه لتنفيره عن الدنيا و تنبيهه عن الغفلة و تذكيره للآخرة و اصلاحه لنفسه و اقباله الى اللّه تعالى و ينبعث من ذلك التفكر فيما فات من عمره فى الخيالات و ما فرط منه من الهفوات الموجبة لدوام الحسرات و القلب بذلك يرق و يصفو و يتدارك ما فات و يستعد لما هو آت و قد روى أن اللّه تعالى أوحى الى داود «ع» طهر قلبك بالهموم و الاحزان على ما يفوت منى و قال بعض السلف القلب الّذي لا حزن فيه كالبيت الخراب قوله (أن المغيرة يقول ان المؤمن لا يبتلى بالجذام و لا بالبرص و لا بكذا و كذا فقال ان كان لغافلا عن صاحب ياسين انه كان مكنعا) ان فى «أن كان» مخففة بدليل دخول اللام على خبر كان. لا يقال صاحب ياسين هو مؤمن آل فرعون لما سيأتى في هذا الباب من رواية يونس بن عمار عن أبى عبد اللّه «ع» قال لقد كان مؤمن آل فرعون كمنع الاصابع فكان يقول هكذا و يمد يديه و يقول «يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ» و هذا ينافى ما صرح به علماء التفسير من انه غيره و صرح به السيوطى (كذا؟) فى العرائس أيضا قال كان مؤمن آل فرعون اسمه خربيل من أصحاب فرعون و كان نجارا و هو الّذي نجر التابوت لام موسى حين قذفته فى البحر، و قيل انه كان خازنا لفرعون قد خزن له مائة سنة و كان مؤمنا مخلصا يكتم ايمانه فاخذ يومئذ مع السحرة و قتل صلبا، و هو الّذي ذكره اللّه تعالى فى قوله «وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ الآية» و روى عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن أبيه أن رسول اللّه «ص» قال: «سباق الامم ثلاثة لم يكفروا باللّه طرفة عين على بن أبى طالب «ع»، و صاحب ياسين، و مؤمن آل فرعون فهم الصديقون حبيب النجار مؤمن آل ياسين، و خربيل مؤمن آل فرعون، و على بن أبى طالب أفضلهم» و يخالف الواقع أيضا لان‏

198
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

إليهم من الغد فقتلوه، ثمّ قال: إنّ المؤمن يبتلى بكلّ بليّة و يموت بكلّ ميتة إلّا أنّه لا يقتل نفسه.
13- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن إبراهيم بن محمّد الأشعري، عن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ المؤمن من اللّه عزّ و جلّ لبأفضل مكان- ثلاثا- إنّه ليبتليه بالبلاء ثمّ ينزع نفسه عضوا عضوا من جسده و هو يحمد اللّه على ذلك.
14- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن فضيل ابن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ في الجنّة منزلة لا يبلغها عبد إلّا بالابتلاء
__________________________________________________
صاحب ياسين كان من امة عيسى «ع» فلا يكون هو مؤمن آل فرعون موسى «ع» لانا نقول المراد بفرعون من رواية يونس فرعون عيسى «ع» و هو كان مكنع الاصابع و المكنع من تشنجت أصابعه حتى رجعت الى كفه و ظهرت رواجبه أى اصول الاصابع أو بواطن مفاصلها (ثم قال ان المؤمن يبتلى بكل بلية و يموت بكل ميتة الا أنه لا يقتل نفسه) الميتة بالكسر للحال و الهيئة و فيه دلالة على أن الموت بكل وجه من الوجوه يجامع الايمان و لا ينافيه الا الموت على الوجه الخاص و هو قتل نفسه فانه ينافى الايمان و لا يجامعه فيفهم منه كفر من قتل نفسه بأى وجه كان سواء قتلها بالسيف أو السكين أو نحوهما أو بشرب السم و نحوه أو بترك الاكل أو مداواة جراحة أو مرض علم نفعها أما لو أحرق العدو السفينة فألقى جالس السفينة نفسه فى البحر فمات فالظاهر أنه داخل فى هذا الحكم خلافا لبعض العامة فانه أخرجه منه لانه فر من موت الى موت و هو ضعيف لا مستند له و يمكن حمل كفره على ما اذا استحل قتل نفسه، أو على أنه ليس بمؤمن كامل يستحق الجنة ابتداء و اللّه اعلم.
قوله (ان المؤمن من اللّه لبافضل مكان) هو مكان غاية القرب و نهاية الغزو لو رأيته لرأيت مقاما رفيعا و مكانا عليا.
 (ثم ينزع نفسه عضوا عضوا من جسده) النزع القلع و التفريق تقول نزعته من موضعه نزعا من باب ضرب اذا قلعته و انتزعته مثله و النفس اسم لجملة البدن و للروح أيضا.
 (و هو يحمد اللّه على ذلك) لان كل شي‏ء من الحبيب حبيب و لعلمه بأنه أصلح له و ان فيه رفع الدرجة و نعمة التطهير من الذنوب كما قال أمير المؤمنين «ع» ان اللّه تعالى فى السراء نعمة الفضل، و فى الضراء نعمة التطهير.
قوله (ان فى الجنة منزلة لا يبلغها عبد الا بالابتلاء فى جسده) فى الجنة منازل و

199
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

في جسده.
15- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن إبراهيم بن محمّد الأشعري، عن أبي يحيى الحنّاط، عن عبد اللّه بن أبي يعفور قال: شكوت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام ما ألقي من الأوجاع- و كان مسقاما- فقال: لي يا عبد اللّه لو يعلم المؤمن ماله من الأجر في المصائب لتمنّى أنّه قرض بالمقاريض.
16- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن يونس بن رباط قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ أهل الحقّ لم يزالوا منذ كانوا في شدّة أما إنّ ذلك إلى مدّة قليلة و عافية طويلة.
17- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن الحسين بن المختار، عن أبي اسامة، عن حمران، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ ليتعاهد
__________________________________________________
درجات بعضها يبلغها العبد بكسبه و سعيه و بعضها لرفعته و علوه خارج عن قدرة البشر و بلوغه إليه بالكسب و انما يبلغه بالابتلاء و لذلك الابتلاء عند المحبين أحلى من الشهد.
قوله (و كان مسقاما) مسقام آنكه بسيار رنج شود (لو يعلم المؤمن ماله من الاجر فى المصائب) فى لفظة لو و الموصول المشعر بالابهام دلالة واضحة على أن أجر المصائب فى العظمة و الفخامة على حد لا يصل إليه عقول البشر.
 (لتمنى انه قرض بالمقاريض) قرضت الشي‏ء قرضا من باب ضرب قطعته بالمقراض و يجمع المقراض بالمقاريض، و فيه تبشير للمؤمن بالصبر على الامراض و البلايا لما له من الاجر العظيم الّذي لا يبلغ كنهه عقول العارفين و لا يقدر على وصفه فحول الواصفين.
قوله (ان أهل الحق لم يزالوا منذ كانوا فى شدة) يعنى ان أهل الحق و الايمان من أول زمانهم الى هذا كانوا فى شدة كما يشهد له النظر فى حال الأنبياء و الأوصياء و التفكر فى القرآن العزيز و التأمل فى السنة و السير. و فيه حث للمؤمن على الصبر بالشدائد و البلايا تأسيا بهؤلاء الكبراء الذين صبروا للّه على قضائه و شكروا له على بلائه ثم حث على الصبر مبالغة بقوله:
 (ان ذلك الى مدة قليلة و عافية طويلة) فان زمان البلاء و الصبر مدة العمر و هى قليلة فانية و زمان العافية مدة الآخرة و هى طويلة باقية. و من البين أن العاقل يرجح العافية الباقية على العافية فانية.
قوله (ان اللّه عز و جل ليتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرجل اهله بالهدية من‏

200
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرّجل أهله بالهديّة من الغيبة و يحميه الدّنيا كما يحمي الطبيب المريض.
18- عليّ، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن محمّد بن يحيى الخثعمي، عن محمّد بن بهلول العبدي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لم يؤمن اللّه المؤمن من هزاهز الدّنيا و لكنّه آمنه من العمى فيها و الشقاء في الآخرة.
19- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حسين بن نعيم الصحّاف عن ذريح المحاربي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان علي بن الحسين عليهما السّلام يقول: إنّي لأكره للرّجل أن يعافي في الدّنيا فلا يصيبه شي‏ء من المصائب.
20- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن نوح بن شعيب، عن أبي داود المسترقّ، رفعه قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: دعي النبيّ صلى اللّه عليه و آله إلى طعام فلمّا دخل منزل الرّجل نظر إلى دجاجة فوق حائط قد باضت فتقع البيضة على وتد في حائط فثبتت عليه و لم تسقط و لم تنكسر، فتعجّب النبيّ صلى اللّه عليه و آله منها فقال له الرّجل: أعجبت من هذه البيضة فو الّذي بعثك بالحقّ ما رزئت شيئا قط، [قال:]
__________________________________________________
الغيبة) شبه تعاهده و حفظه للمؤمن بالبلاء و ارساله إليه بتعاهد الرجل الغائب و حفظه لاهله بالهدية و ارسالها إليه و فيه تشبيه البلاء بالهدية و الغرض هو النفع و هو و ان كان فى المشبه أدوم و أوفر لكنه فى المشبه به أجلى و أظهر.
 (و يحميه الدنيا كما يحمى الطبيب المريض) الحمى المنع أى يمنعه عن الدنيا و يزوى عنه فضولها و يقطع عنه اسبابها و يبعد عنه المهلك من لذاتها كيلا يتدنس بها و لا يسكن قلبه إليها و لا تقف نفسه عليها كما يمنع الطبيب المريض عن تناول ما يضره من الاطعمة و الاشربة شفقة عليه و محبة له فينبغى للمؤمن الّذي حماه اللّه تعالى عنها أن يعد ذلك من أجل نعماء اللّه و يفرح بذلك و يشكره به و يفرغ قلبه عنها الى ذكره و يصير و يسعى فى طريق محبته حتى يدخل فى اعلى منازل المقربين و اقصى درجات المحبين.
قوله (لم يؤمن اللّه المؤمن من هزاهز الدنيا و لكنه آمنه من العمى فيها و الشقاء فى الآخرة) هرزته أى حركته و الهزاهز الفتن يهتز فيها الناس «أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ» و العمى عمى القلب الموجب للجهل باللّه و التنفر عن الحق و البعد من الايمان و كل ذلك يوجب الشقاء فى الآخرة.
قوله (فو الّذي بعثك بالحق ما رزئت شيئا قط) الرزية النقص و المصيبة و أصلها

201
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

فنهض رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و لم يأكل من طعامه شيئا و قال: من لم يرزأ فما للّه فيه من حاجة.
21- عنه، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرحمن، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و أبي بصير، «1» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: لا حاجة للّه فيمن ليس له في ماله و بدنه نصيب.
22- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن عثمان النوا، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ يبتلي المؤمن بكلّ بليّة و يميته بكلّ ميتة و لا يبتليه بذهاب عقله. أ ما ترى أيّوب كيف سلّط إبليس على ماله و
__________________________________________________
الهمزة و الاسم الرزء مثال قفل و رزأته أنا اذا اصبت بمصيبته فرزئت بالهمزة و قد يأتى بغير الهمزة و هو من التخفيف الشاذ (فنهض رسول اللّه «ص» و لم يأكل من طعامه شيئا) نهوضه «ص» و عدم أكله من طعامه مع كونه من أهل الايمان ظاهرا كما يشعر به الحديث دليل على ان من لم يرزأ و لم يصب فى نفسه و ماله و أهله بشي‏ء من النقص و المصائب فهو مبغوض ممقوت عند اللّه و من بغضه اياه و مقته له أنه زوى عنه مصائب الدنيا كلها و ذلك لامرين أحدهما الاستدراج له ليتمادى فى بغيه و طغيانه و يغتر بدوام صحته و سلامة ماله فيزيد فى غيه و عصيانه كما قال تعالى «سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ»* قيل فى تفسيره كلما أحدثوا معصية جددنا لهم نعمة و الاخر أنه لم يصبه بمصيبة لئلا يكفر عنه شيئا من معاصيه و ذنوبه حتى يأتى فى الآخرة بجميعها فيكبه فى النار بسببها و بضد هذا المؤمن الخالص المتقى فانه تعالى شأنه يخصه بالبلاء فى الدنيا اما تكفيرا لذنوبه أو رفعا لدرجته التى لا يصل إليها الا بالبلاء أو لغير ذلك.
 (و قال من لم يرزأ فما للّه فيه من حاجة) أى فى اعلان دينه و الاتيان بتكاليفه و لفظ الحاجة مستعار فى حقه تعالى باعتبار طلبه للعبادات بالاوامر و غيرها كطلب ذى الحاجة ما يحتاج إليه أو سلب الحاجة كناية عن سلب اللطف به و ترك الاقبال إليه لان اللطف و الاقبال متلازمان للحاجة فنفى الملزوم و اراد نفى اللازم.
قوله (لا حاجة للّه فيمن ليس له فى ماله و بدنه نصيب) ضمير له راجع الى من أو الى اللّه، قوله (لا يبتليه بذهاب عقله) لان فائدة الابتلاء التصبر و التذكر و الرضا و نحوها و لا يتصور شي‏ء من ذلك بذهاب العقل و فساد القلب و لا ينافى ذهاب العقل لا لغرض الابتلاء على‏
__________________________________________________
 (1) كذا فى النسخ و الظاهر «عن أبان بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبى عبد اللّه و أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام- الحديث» كما فى الوافى.

202
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

على ولده و على أهله و على كلّ شي‏ء منه و لم يسلّط على عقله، ترك له ليوحّد اللّه به.
23- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّه ليكون للعبد منزلة عند اللّه فما ينالها إلّا بإحدى خصلتين إمّا بذهاب ماله أو ببليّة في جسده.
24- عنه، عن ابن فضّال، عن مثنّى الحنّاط، عن أبي اسامة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال اللّه عزّ و جلّ: لو لا أن يجد عبدي المؤمن في قلبه لعصبت رأس الكافر بعصابة حديد، لا يصدع رأسه أبدا.
25- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حسين بن عثمان، عن عبد اللّه بن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:
مثل المؤمن كمثل خامة الزرع تكفئها الرّياح كذا و كذا و كذلك المؤمن تكفئه الأوجاع و الأمراض، و مثل المنافق كمثل الإرزبّة المستقيمة الّتي لا يصيبها شي‏ء حتّى يأتيه الموت فيقصفه قصفا
__________________________________________________
أن الموضوع هو المؤمن و المجنون ليس بمؤمن.
قوله (انه ليكون للعبد منزلة عند اللّه فما ينالها الا باحدى خصلتين) المراد بالعبد العبد المحبوب للّه تعالى فاذا احبه ابتلاه باحدى الخصلتين ليشرفه بتلك المنزلة التى لا مدخل لكسبه فيها. قوله (قال اللّه عز و جل لو لا ان يجد عبدى المؤمن فى قلبه لعصبت رأس الكافر بعصابة حديد لا يصدع رأسه أبدا) الوجد الحزن و العصابة بالكسر العمامة و كل ما يعصب به الرأس. يقال عصبت رأسه بعصابة تعصيبا و عصبته بها عصبا أى شددته بها، و الصداع وجع الرأس يقال منه صدع تصديعا بالبناء للمفعول و لعل المراد ان نزول البلية فى الدنيا على الكافر لئلا يحزن المؤمن بصحته و فراغ خاطره دائما و لو لا ذلك تنزل عليه البلية ما دام فى الدنيا. قوله (مثل المؤمن كمثل خامة الزرع تكفئها الرياح كذا و كذا و كذلك المؤمن تكفئه الاوجاع و الامراض) مر شرحه فى باب أن المؤمنين صنفان.
 (و مثل المنافق كمثل الارزبة المستقيمة التى لا يصيبها شي‏ء حتى يأتيه الموت فيقصفه قصفا) الارزبة بكسر الهمزة مع التثقيل و الجمع أرازب و فى لغة مرزبة بميم مكسورة

203
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

26- عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: يوما لأصحابه ملعون كلّ مال لا يزكّى، ملعون كلّ جسد لا يزكّى و لو في كلّ أربعين يوما مرّة، فقيل: يا رسول اللّه‏
__________________________________________________
مع التخفيف و العامة تثقل مع الميم قال ابن السكيت و هو خطاء و الجمع مرازب بالتخفيف أيضا و هى عصية من حديد يكسر بها الحجر و المدر و القصف الكسر تقول قصفت العود قصفا فانقصف مثل كسرته فانكسر وزنا و معنى و ربما استعمل لازما أيضا فقيل قصفته فقصف و المقصود من هذا التمثيل أن المنافق يؤخذ بغتة أخذا شديدا و هو أشد أنواع الاخذ و مثل هذه الرواية رواها مسلم عن النبي «ص» قال «مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع تكفئها الرياح تصرعها مرة و تعدلها حتى يأتيه أجله، و مثل المنافق مثل الارزة المجذية التى لا تصيبها حتى يكون انجعافها مرة واحدة» و فى رواية اخرى «مثل الكافر» قال عياض الخامة هى الزرع أول ما ينبت، و معنى تكفيها بضم التاء تميلها الريح و تلقيها بالارض كالمصروع ثم تقيمه يقوم على سوقه و معنى المجذية الثابتة يقال اجذى يجذى، و الانجعاف الانقطاع يقال جعفت الرجل صرعته. و قال محى الدين الارزة بفتح الهمزة و سكون الراء شجر معروف بالشام و يسمى بالعراق الصنوبر و الصنوبر انما هو ثمره و سمى الشجر باسم ثمره و حكى الجوهرى فى راء الارزة بالفتح و قال بعضهم هى الارزة بالمد و كسر الراء على وزن فاعلة و أنكره أبو عبيد قال أهل اللغة الارزة بالمد النابتة و هذا المعنى صحيح هاهنا فانكار أبى عبيد انكار الرواية لا انكار اللغة و قال أبو عبيد شبه المؤمن بالخامة التى تميلها الريح لانه يرزأ فى نعمته و أهله و ماله، و شبه الكافر بالارزة لانه لا يرزأ فى شي‏ء حتى يموت و ان رزئ لم يوجر حتى يلقى اللّه تعالى بذنوب جمة.
قوله (قال قال رسول اللّه «ص» يوما لاصحابه) هذا الحديث شرحه الشيخ «ره» فى الاربعين و نحن نذكر شرحه تيمنا (ملعون كل مال لا يزكى) أى بعيد عن الخير و البركة يعنى لا خير فيه لصاحبه و لا بركة، و يجوزان يراد ملعون و صاحبه على حذف مضاف أى مطرود مبعد عن رحمة اللّه تعالى و قس عليه قوله (ملعون كل جسد لا يزكى) ذكر الزكاة هنا من باب المشاكلة و يجوز أن يكون استعارة تبعية و وجه الشبه أن كلا منهما و ان كان نقصا بحسب الظاهر الا أنه موجب لمزيد الخير و البركة فى نفس الامر. أقول كل مال يمكن حمله على العموم سواء كانت الزكاة فيه واجبة أم لا لان فى كل مال حقا للسائل و المحروم.
 (و لو فى كل أربعين يوما مرة) اقول هذه غاية المدة المضروبة للحوق اللعن اما قبلها فلا لعن و اما بعدها فيشتد و يضعف اللعن بحسب زيادة الزمان و نقصانه.

204
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

أمّا زكاة المال فقد عرفناها فما زكاة الأجساد؟ فقال لهم: أن تصاب بآفة، قال:
فتغيّرت وجوه الّذين سمعوا ذلك منه، فلمّا رآهم قد تغيّرت ألوانهم قال لهم:
أ تدرون ما عنيت بقولي، قالوا: لا يا رسول اللّه، قال: بلى الرّجل يخدش الخدشة و ينكب النكبة و يعثر العثرة و يمرض المرضة و يشاك الشوكة و ما أشبه هذا- حتّى ذكر
__________________________________________________
 (فقيل يا رسول اللّه أما زكاة المال فقد عرفناها) أقول: عرفوها لعلمهم بانها قدر معين من مال معين واجبة كانت أم مندوبة و قدر يقدره الباذل فى ماله الفاضل على تقدير التعميم (فما زكاة الاجساد؟ فقال لهم ان تصاب بآفة) أقول زكاة الجسد و ان كانت أعم من الآفة لشمولها الاعمال الصالحة و الاخلاق الفاضلة أيضا الا أنها غير مرادة هنا.
 (قال فتغيرت وجوه الذين سمعوا ذلك منه) لانهم ظنوا أن مراده «ص» بالآفة هنا العاهة و البلية الشديدة التى كثيرا ما يخلو عنها الانسان سنين عديدة فضلا عن أربعين يوما.
 (فلما رآهم قد تغيرت ألوانهم قال لهم أ تدرون ما عنيت بقولى) أقول يدل هذا على جواز تأخير البيان الى وقت الحاجة لا يقال ليس فيه تأخير البيان لان الخبر ليس فيه تكليف بعمل، غاية ما فى الباب هناك تكليف باعتقاد فيما يقول لانا نقول. لم نعلم ان أحدا فرق فى تأخير البيان بين المسائل العلمية و العملية و أدلتهم فى المسألة تدل على عدم الفرق و قد أشرنا إليه فى اصول الفقه (قالوا لا يا رسول اللّه قال بلى الرجل يخدش الخدشة) يخدش بالبناء للمفعول و كذا ينكب، و الخدشة تفرق اتصال فى الجلد من ظفر و نحوه سواء خرج معه دم أولا.
 (و ينكب النكبة) أقول النكبة هى ما يصيب الانسان من حوادث الدهر و الجمع النكبات مثل السجدة و السجدات.
 (و يعثر العثرة) المراد بها عثرة الرجل و يجوز أن يراد بها ما يعم عثرة اللسان أيضا لكنه بعيد، أقول العثار و العثرة بالفارسية بسر در آمدن و لغزيدن، الا أن العثرة للمرة و الفعل من باب قتل و فى لغة من باب ضرب و يقال للزلة عثرة لانها سقوط فى الاثم.
 (و يمرض المرضة) أقول هى للمرة و الفعل من باب علم لازم يقال مرض الانسان مرضا و يعدى بالالف فيقال أمرضه اللّه و المرض حالة خارجة عن الطبع ضارة بالفعل و قيل المرض كل ما خرج به الانسان عن حد الصحة من علة أو نفاق أو تقصير فى أمر.
 (و يشاك الشوكة) يقال شاكته الشوكة تشوكه شوكة و شيكة اذا دخلت فى جسده و انتصاب الشوكة بالمفعولية المطلقة كانتصاب الخدشة و النكبة و العثرة، فان قلت:
تلك المصادر بخلاف الشوكة فانها واحدة الشوك و هو من الشجر معروف فكيف يكون مفعولا مطلقا؟ قلت: يجي‏ء المفعول المطلق غير مصدر اذا لابس المصدر بالالية و نحوها نحو ضربته‏

205
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

في حديثه اختلاج العين-.
27- أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن فضّال، عن ابن بكير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام أ يبتلى المؤمن بالجذام و البرص و أشباه هذا؟ قال:
فقال: و هل كتب البلاء إلّا على المؤمن.
28- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عمّن رواه، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ المؤمن: ليكرم على اللّه حتّى لو سأله الجنّة بما فيها أعطاه ذلك من غير أن ينقص من ملكه شيئا و إنّ الكافر ليهون على اللّه حتّى لو سأله الدّنيا بما فيها أعطاه ذلك من غير أن ينقص من ملكه شيئا و إنّ اللّه ليتعاهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الغائب أهله بالطرف و إنّه ليحميه الدّنيا كما يحمي الطبيب المريض.
29- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ في كتاب علي عليه السّلام أنّ أشدّ الناس بلاء النبيّون، ثمّ الوصيّون، ثمّ الأمثل فالأمثل: و إنّما يبتلي المؤمن على قدر أعماله الحسنة
__________________________________________________
سوطا، و ان أبيت فاجعل انتصابها بنزع الخافض أى يشاك بالشوكة. (و ما أشبه هذا) يحتمل أن يكون من كلام النبي صلى اللّه عليه و آله و ان يكون من كلام الراوى.
 (حتى ذكر فى حديثه اختلاج العين) عده «ص» من جملة الافات لان اختلاج العين مرض من الامراض و قد ذكره الاطباء و هو حركة سريعة متواترة غير عادية تعرض لجزء من البدن كالجلد و نحوه بسبب رطوبة غليظة لزجة تنحل فتصير ريحا بخاريا غليظا يعسر خروجه من المسام و تزاول الدافعة دفعه فيقع بينهما مدافعة و اضطراب- اقول فسر «ص» تسلية للمؤمنين الآفة على وجه يعم الافات المذكورة و دونها و أمثال هذه الافات لا يخلو المؤمن عنها فى المدة المذكورة و لو فرض خلوه عنها فهو ملعون لا بمعنى أنه بعيد عن الرحمة الواسعة الربانية مطلقا بل عن هذه الرحمة التى تصل إليه من جهة هذه الآفة لان الآفة رحمة من اللّه يرفع بها بعض الذنوب و يكفره و يرفع الدرجة و اللّه أعلم.
قوله (ان المؤمن ليكرم على اللّه حتى لو سأله الجنة بما فيها أعطاه ذلك من غير أن ينقص من ملكه شيئا و ان الكافر ليهون على اللّه حتى لو سأله الدنيا بما فيها اعطاه ذلك من غير ان ينتقص من ملكه شيئا) انتقاص كم كردن و كم شدن فهو معتد و لازم و الاول هو المراد هنا

206
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

فمن صحّ دينه و حسن عمله اشتدّ بلاؤه، و ذلك أنّ اللّه عزّ و جلّ لم يجعل الدّنيا ثوابا لمؤمن و لا عقوبة لكافر و من سخف دينه و ضعف عمله قلّ بلاؤه، و إنّ البلاء أسرع إلى المؤمن التقيّ من المطر إلى قرار الأرض.
30- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن مالك بن عطيّة، عن يونس بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ هذا الّذي ظهر بوجهي يزعم النّاس أنّ اللّه لم يبتل به عبدا له فيه حاجة، قال: فقال لي، لقد كان مؤمن آل فرعون مكنّع الأصابع فكان يقول هكذا- و يمدّ يديه- و يقول: «يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ» ثمّ قال لي: إذا كان الثلث الاخير من اللّيل‏
__________________________________________________
يفهم منه أن المؤمن لو سأل تمام الدنيا أو بعضها لم يعطه لانه يحميه عنها لمصلحة عائدة إليه و لان الدنيا مبغوضة و المؤمن محبوب و المبغوض لا يناسب المحبوب و انه لا يسأل تمام الجنة لعلمه بأن لغيره من المؤمن نصيبا فيها فطلب الاختصاص محال، لا يقال: الشرطية تقتضى تحقق الاعطاء على تقدير وقوع السؤال و وقوع السؤال أمر ممكن فيلزم تحقق الاعطاء عند سؤال مؤمن ذلك لانا نقول وقوع السؤال و ان كان ممكنا فى نفسه الا أنه ممتنع بالغير و هو العلم باستحالة الاختصاص و الموقوف على الممتنع بالغير ممتنع بالغير أيضا على أن الشرطية خرجت مخرج المبالغة فى تعظيم المؤمن و أن الدنيا مبغوضة لا قدر لها عند اللّه حيث يعطيها عدوه و أن الكافر لو سأل الجنة لا يجيبه لانها محرمة على الكافرين و أنه لا يسأل تمام الدنيا لعلمه بأن غيره من الخلق مرزوق فيها و اعتبر فيه سائر ما ذكرناه، و اللّه أعلم و قد مر شرح باقى الحديث فى هذا الباب.
قوله (و ذلك ان اللّه عز و جل لم يجعل الدنيا ثوابا لمؤمن و لا عقوبة لكافر) و لو جعلها كذلك لما منع المؤمن من الدنيا و لما اختبره بالبلاء و لما سقى الكافر فيها شربة من الماء و انما جعل الآخرة كذلك فلذلك يعطى المؤمن فيها ما تقربه عينه من الثواب و يعاقب الكافر فيها بأنواع من العقاب و لا ينبغى للمؤمن الفقير الممتحن بالبلاء أن يغتم لانه مشارك للانبياء و الاولياء و لا للغنى الخلى منه أن يغتر و يفتخر لانه مشارك للكفرة و الجهلاء (و ان البلاء أسرع الى المؤمن التقى من المطر الى قرار الارض) شبه البلاء النازل الى المؤمن بالمطر النازل الى الارض للايضاح و الوجه متعدد و هو السرعة و الاستقرار بعد النزول و كثرة النفع و التسبب للحياة فان البلاء سبب للحياة الابدية و المطر سبب للحياة الارضية.
قوله (فقال لى لقد كان مؤمن آل فرعون مكنع الاصابع فكان يقول هكذا- و يمد يديه- و يقول «يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ») لعل المراد بهذا المؤمن صاحب ياسين المذكور سابقا

207
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

في أوّله فتوض و قم إلى صلاتك الّتي تصلّيها فإذا كنت في السجدة الأخيرة من الركعتين الاوليين فقل و أنت ساجد: «يا عليّ يا عظيم يا رحمن يا رحيم يا سامع الدّعوات يا معطي الخيرات صلّ على محمّد و آل محمّد و أعطني من خير الدّنيا و الآخرة ما أنت أهله و اصرف عنّي من شرّ الدنيا و الآخرة ما أنت أهله و أذهب عنّي بهذا الوجع- و تسميه- فإنّه قد غاظني و أحزنني» و ألحّ في الدّعاء. قال: فما وصلت إلى الكوفة حتّى أذهب اللّه به عنّي كلّه.
 (باب فضل فقراء المسلمين)
1- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن محمّد بن سنان، عن العلاء، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ فقراء المؤمنين يتقلّبون في رياض الجنّة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا ثمّ قال: سأضرب لك مثل ذلك إنّما
__________________________________________________
و بفرعون فرعون عيسى (ع) و هو حاكم الانطاكية لا فرعون موسى (ع) و الفرعون يطلق على كل جبار متكبر، نعم شاع اطلاقه على ثلاثة فرعون الخليل و اسمه سنان و فرعون يوسف و اسمه الريان بن الوليد و فرعون موسى و اسمه الوليد بن مصعب. و يؤيد ما قلنا قوله يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ فان مؤمن آل فرعون موسى قال: «يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ» و اضافته الى فرعون عيسى باعتبار أدنى الملابسة و هو كونه فيهم و اشتغاله بانذارهم أو باعتبار كونه منهم فى نفس الامر، و اللّه أعلم (و ألح فى الدعاء) إلحاح مبالغه كردن و ايستادن و دائم باريدن سحاب، قال فى المصباح ألح السحاب إلحاحا دام مطره و منه ألح الرجل على الشي‏ء اذا أقبل عليه مواظبا.
قوله (ان فقراء المؤمنين يتقلبون فى رياض الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا) روى مسلم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «ان فقراء المهاجرين يسبقون الاغنياء يوم القيمة الى الجنة بأربعين خريفا» قال صاحب النهاية الخريف الزمان المعروف من فصول السنة ما بين الصيف و الشتاء و يريد به أربعين سنة لان الخريف لا يكون فى السنة الا مرة واحدة فاذا انقضى أربعون خريفا فقد مضت أربعون سنة و فسره صاحب المعالم بأكثر من ذلك كثيرا و فى بعض رواياتنا أنه ألف عام و اللّه أعلم، ثم الظاهر أن التفاوت بهذه المدة اذا كان الاغنياء من أهل الصلاح و السداد و التزموا الحقوق المالية و لم يكتسبوا من وجه الحرام فيكون حبسهم لمجرد خروجهم عن عهدة الحساب و السؤال عن مكسب المال و مخرجه و حقوقه و رعاية الفقراء

208
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فضل فقراء المسلمین ص 208

مثل ذلك مثل سفينتين مرّ بهما على عاشر فنظر في إحداهما فلم ير فيها شيئا، فقال:
أسربوها و نظر في ا [لا] خرى فاذا هي موقرة فقال: احبسوها.
2- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن سعدان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: المصائب منح من اللّه و الفقر مخزون عند اللّه.
3- و عنه رفعه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: يا عليّ إنّ اللّه جعل الفقر أمانة عند خلقه، فمن ستره أعطاه اللّه مثل أجر الصائم القائم و من أفشاه إلى من يقدر على قضاء حاجته فلم يفعل فقد قتله، أما إنّه ما قتله بسيف و
__________________________________________________
الايتام و الارامل و الارحام و الجار و عن التقصير فى بعض العبادات لاشتغال قلبه بكسبه و حفظه و الا فهم على خطر عظيم و نجاتهم فى مشية اللّه. و يفهم منه ان الفقر أفضل من الغنى و من الكفاف للصابر و ما وقع فى بعض الروايات من استعاذتهم عليهم السلام من الفقر يمكن حمله على الاستعاذة من الفقر الّذي لا يكون معه صبر و لا ورع يحجز عما لا يليق بأهل الدين و المروة أو من فقر القلب و فقر الآخرة و قد صرح به بعض العلماء و دل عليه بعض الروايات. و للعامة فى تفضيل الفقر على الغنى و الكفاف أو العكس أربعة أقوال ثالثها الكفاف أفضل و رابعها الوقف و معنى الكفاف أن لا يحتاج و لا يفضل و قال بعضهم الغنى و الفقر أفضل من الكفاف و لكل واحد استدلال لا يناسب المقام ذكره (ثم قال ساضرب لك ذلك) اى دخول الفقراء فى الجنة قبل الاغنياء (انما مثل ذلك مثل سفينتين مر بهما على عاشر) هو من يأخذ عشر المال و يقال له العشار أيضا مبالغة و فعله من باب قتل (فنظر فى إحداهما فلم ير فيها شيئا فقال أسربوها) اى ارسلوها من اسربه اذا ارسله و بعثه و هكذا حال الفقراء (و نظر فى الاخرى فاذا هى موقرة) بالاسباب و الاحمال، و الموقرة على صيغة الفاعل أو المفعول من باب الافعال يقال أو قرت النخلة اذا كثر حملها فهى موقرة و اوقرت بالبناء للمفعول صار عليها حمل ثقيل (فقال احبسوها) الى أن يخرج من عهدة ما عليه و هكذا حال الاغنياء.
قوله (المصائب منح من اللّه) المنح العطاء منحته منحا من باب نفع و ضرب اعطيته و الاسم المنحة بالكسر و هى فى الاصل الشاة التى يعطيها صاحبها رجلا ليشرب لبنها ثم يردها اذا انقطع اللبن ثم كثر استعماله حتى اطلق على كل عطاء و فيه تنبيه على انه ينبغى أن يفرح صاحب المصائب بها كما يفرح صاحب العطية بها حيث عد المصائب عطية لان العطية ما ينتفع به و المصائب كذلك و ان كانت فى المذاق مرة كما أن الدواء النافع للمريض عطية و ان كان فى مذاقه مرا (و الفقر مخزون عند اللّه) لخواصه و أوليائه يوصله إليهم تحفة لهم و يحتمل أن يكون التقدير و جزاء الفقر مخزون و فيه تنبيه على كمال منزلته و منزلة أهله.

209
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فضل فقراء المسلمین ص 208

لا رمح و لكنّه قتله بما نكأ من قلبه.
4- عنه عن محمّد بن عليّ، عن داود الحذّاء، عن محمّد بن صغير، عن جدّه شعيب، عن مفضّل قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: كلّما ازداد العبد إيمانا ازداد ضيقا في معيشته.
5- و بإسناده قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لو لا إلحاح المؤمنين على اللّه في طلب الرّزق لنقلهم من الحال الّتي هم فيها إلى حال أضيق منها.
6- عنه، عن بعض أصحابه، رفعه، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما اعطي عبد من الدّنيا إلّا اعتبارا و ما زوي عنه إلا اختبارا
__________________________________________________
قوله (و لكنه قتله بما نكأ من قلبه) نكأت القرحة أنكؤها مهموز بفتحتين قشرتها و نكأت فى العدو نكأ من باب نفع أيضا و فى لغة نكيت فيه أنكى من باب رمى و الاسم النكاية بالكسر اذا قطعت و اثخنت.
قوله (كلما ازداد العبد ايمانا ازداد ضيقا فى معيشته) نظيره قول أمير المؤمنين (ع) «و كل الرزق بالحمق و وكل الحرمان بالعقل» و قوله:
كم من أديب عالم فطن             مستكمل العقل مقل عديم‏
و كم من جهول مكثر ماله             ذلك تقدير العزيز العليم‏
 و لعل سر ذلك ان الاكثار موجب للتكبر و الخيلاء و الاحتقار الناس و الجفاء و الخشونة و القسوة و الغفلة بسبب اشتغال المكثرين بأموالهم مع كثرة ما وجب عليهم من الحقوق التى قل من يؤديها و بذلك يتعرضون لسخط اللّه و بعدهم عن رحمته فلذلك جعل اللّه عز و جل ازدياد الايمان الموجب لازدياد المحبة سببا لضيق معيشة المحبين لطفا و اكراما ليحفظهم من المفاسد المذكورة. فطب أيها العاقل اللبيب نفسك بما رضى اللّه لك من المعاش و اكتف بالحلال عن الحرام و بما رزقك اللّه عما لم يعطك فانه خير لك و كاف لسد جوعتك و لا تضيع عمرك فى طلب ما زاد.
قوله (لو لا إلحاح المؤمنين على اللّه فى طلب الرزق لنقلهم من الحال التى هم فيها الى حال أضيق منها) لان اللّه تعالى يحبهم و يحب تقربهم منه. و الدنيا على تفاوت درجاتها مانعة من قربة فيمنعهم منها لئلا يشغل قلوبهم بها، ثم انه يستجيب دعاءهم فى طلب الزيادة لئلا تنكسر قلوبهم و قد يصرف قلوبهم عن الثقة بها و يميلها الى الثقة به و ذلك أيضا من توابع المحبة قوله (ما اعطى عبد من الدنيا الا اعتبارا و لا زوى عنه الا اختبارا) جعل الغنى غنيا ليرى ما دونه فيشكر و جعل الفقير فقيرا ليرى ما فوقه فيصبر و الكل ممتحن بامتحانات اخر و

210
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فضل فقراء المسلمین ص 208

7- عنه، عن نوح بن شعيب و أبي إسحاق الخفّاف، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ليس لمصاص شيعتنا في دولة الباطل إلّا القوت، شرّقوا إن شئتم أو غرّبوا لن ترزقوا إلا القوت.
8- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن الأشعري، عن بعض مشايخه، عن إدريس بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال النبي صلى اللّه عليه و آله: يا عليّ الحاجة أمانة اللّه عند خلقه، فمن كتمها على نفسه أعطاه اللّه ثواب من صلّى، و من كشفها إلى من يقدر أن يفرّج عنه و لم يفعل فقد قتله، أما إنّه لم يقتله بسيف و لا سنان و لا سهم و لكن قتله بما نكأ من قلبه.
9- عنه، عن أحمد، عن عليّ بن الحكم، عن سعدان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:
إنّ اللّه عزّ و جلّ يلتفت يوم القيامة إلى فقراء المؤمنين، شبيها بالمعتذر إليهم، فيقول و عزّتي و جلالي ما أفقرتكم في الدّنيا من هوان بكم عليّ و لترونّ ما أصنع بكم‏
__________________________________________________
مختبر باختبارات أخفى و أظهر، و بالجملة كل ما فى الدنيا فهو لاختبار العبد و حقيقة الاختبار طلب الخبر و معرفته لمن لا يكون عارفا به و لما كان اللّه عز و جل عالما بمضمرات القلوب و خفيات الغيوب كان عالما بالمطيع و العاصى فليس نسبة الاختبار إليه بحقيقة بل مجاز باعتبار ان فعله ذلك مع عباده ليترتب عليه الجزاء مشابه بفعل المختبر منا مع صاحبه.
قوله (ليس لمصاص شيعتنا فى دولة الباطل الا القوت) المصاص خالص كل شي‏ء يقال فلان مصاص قومه أى خالصهم نسبا يستوى فيه الواحد و الاثنان و الجمع و المذكر و المؤنث، و القوت ما يؤكل ليمسك الرمق قاله ابن الفارس و الازهرى و قيل هو البلغة يعنى قدر ما يبلغ به من العيش و يسمى ذلك أيضا كفافا لانه قدر يكفه عن الناس و يغنيه عن سؤالهم و هذا القدر يدفع الفاقة و يوجب الراحة كما قال أمير المؤمنين «ع» «و لا مال أذهب للفاقة من الرضا بالقوت» و الوجه فيه أن من رضى بالقوت و توكل على الحى الّذي لا يموت لم يفتقر الى غيره لاجل المسكنة. و قال أيضا «من اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة و تبوء خفض الدعة و الرغبة فى الزائد مفتاح النصب و مطية التعب» ثم بالغ فى أن نصيبهم القوت بقوله (شرقوا ان شئتم او غربوا لن ترزقوا الا القوت) و هو كناية عن الجد فى الطلب و السير فى أطراف الارض فانه تعالى يمنع خلصهم عن الزائد من القوت لطفا بهم و حفظا لهم عن مفاسد الزائد و ينبغى للعاقل الطالب للحق أن يترك طلب الزيادة و يتصور أن كل أحد انما يأكل قوته و يكفيه ذلك فى البقاء و التعيش و أن الزيادة وبال عليه.

211
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فضل فقراء المسلمین ص 208

اليوم فمن زود منكم في دار الدّنيا معروفا فخذوا بيده فأدخلوه الجنّة قال: فيقول رجل منهم: يا ربّ إنّ أهل الدّنيا تنافسوا في دنياهم فنكحوا النساء و لبسوا الثياب اللّينة و أكلوا الطعام و سكنوا الدّور و ركبوا المشهور من الدّوابّ فأعطني مثل ما أعطيتهم. فيقول تبارك و تعالى: لك و لكلّ عبد منكم مثل ما أعطيت أهل الدّنيا منذ كانت الدّنيا إلى أن انقضت الدّنيا سبعون ضعفا.
10- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن إبراهيم بن عقبة، عن إسماعيل ابن سهل و إسماعيل بن عبّاد، جميعا يرفعانه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما كان من ولد آدم مؤمن إلّا فقيرا و لا كافر إلّا غنيّا حتّى جاء إبراهيم عليه السّلام فقال: «رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا» فصيّر اللّه في هؤلاء أموالا و حاجة و في هؤلاء أموالا و حاجة
__________________________________________________
قوله (ما افقرتكم فى الدنيا من هوان بكم) و يعلم بحكم المقابلة أنه تعالى ما أغنى أحدا للتعظيم و التكريم به، و بالجملة اعطاء المال و غيره ليس تكريما و تعظيما و منعه ليس اهانة و تحقيرا بل كل واحد من المنع و الاعطاء اختبار و امتحان و لكن الفقر خير من الغنى مع الصبر على مشاقه لما فيه من قطع التعلق بغيره تعالى. و فيه رد على من زعم من الجهلة من أن الفقراء لو كانوا من خواص اللّه و أوليائه و أهل كرامته لم يبتلهم بالشدائد و المكاره، و هل يرى أحد يبتلى محبه كما قال فرعون لموسى «ع» «فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ» و قال كفرة قريش «أَوْ يُلْقى‏ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها» قالوا ذلك لجهلهم بمصالح الفتنة و الاختبار و مواضع الغنى و الاقتار و للفقراء أن يقولوا لو كان الاغنياء من خواص اللّه و أوليائه لم يمنحهم بالمال الّذي يذكر الدنيا و يقسو القلب و ينسى الآخرة فالمال بلية عظيمة لا أنه خيرات عجل اللّه تعالى لهم كيف و قد قال اللّه تعالى «أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ» ثم أشار الى أنه تعالى يشرف الفقراء بشرف درجة الشفاعة لمن أحسن إليهم من الاغنياء و الناس فى الحساب بقوله:
 (فمن زود منكم فى دار الدنيا معروفا) أى اعطاه (فخذوا بيده فادخلوه الجنة) فياخذون بيد من اطعمهم بطعام و سقاهم بماء و ألبسهم بلباس و أعانهم فى حاجة و يدخلون الجنة و الناس فى الحساب فعلم أن احتياج الاغنياء الى الفقراء أشد من العكس.
قوله (فصير اللّه فى هؤلاء اموالا و حاجة و فى هؤلاء اموالا و حاجة) فصار الناس أربعة اصناف موسع عليه فى الدنيا و الآخرة و هو المؤمن الصالح الغنى الشاكر. و مقتور عليه‏

212
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فضل فقراء المسلمین ص 208

11- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: جاء رجل موسر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله نقيّ الثوب فجلس إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فجاء رجل معسر درن الثوب فجلس إلى جنب الموسر، فقبض الموسر ثيابه من تحت فخذيه، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أخفت أن يمسّك من فقره شي‏ء؟ قال: لا، قال: فخفت أن يصيبه من غناك شي‏ء؟ قال: لا، قال: فخفت أن يوسّخ ثيابك؟ قال: لا، قال: فما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا رسول اللّه إنّ لي قرينا يزيّن لي كلّ قبيح و يقبّح لي كلّ حسن. و قد جعلت له نصف مالي، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله للمعسر: أتقبل؟ قال: لا، فقال له الرّجل: و لم؟ قال: أخاف أن يدخلني ما دخلك‏
__________________________________________________
فيهما و هو الكافر الفقير. و موسع عليه فى الدنيا فقط و هو الكافر الغنى و موسع عليه فى الآخرة فقط و هو المؤمن الفقير الصابر.
قوله (فجلس الى رسول اللّه «ص») أى مع رسول اللّه أو عنده (فجاء رجل معسر درن الثوب) درن بفتح الدال و كسر الراء صفة مشبهة من الدرن بفتحهما و هو الوسخ درن الثوب درنا من باب تعب فهو درن مثل وسخ وسخا فهو وسخ وزنا و معنى:
 (فقبض الموسر ثيابه من تحت فخذيه) قال الشيخ ضمير فخذيه يعود الى الموسر أى جمع الموسر ثيابه تحت فخذيه و ضمها تحت فخذى نفسه لئلا يلاصق ثياب المعسر و يحتمل عوده الى المعسر و من على الاول اما بمعنى فى أو زايدة على القول بجواز زيادتها فى الاثبات و على الثانى لابتداء الغاية و العود الى الموسر اولى كما يرشد إليه قوله «ص» (فخفت ان يوسخ ثيابك) لان ثيابه لو كانت تحت فخذى المعسر لامكن ان يكون قبضها من تحت فخذيه خوفا من ان يوسخها فى نفس الامر فلا يكون هذا التقريع فى مرتبة الكمال كما يكون التقريعان السابقان فى مرتبته (فقال يا رسول اللّه ان لى قرينا يزين لى كل قبيح و يقبح لى كل حسن) أى ان لى شيطانا يغوينى و يجعل فى نظرى القبيح حسنا و الحسن قبيحا و هذا العمل الشنيع من جملة اغوائه و فى النهاية ما من أحد إلا وكل به قرينة أى مصاحبه من الملائكة و الشياطين فقرينه من الملائكة يأمره بالخير و قرينه من الشياطين يأمره بالشر و المراد بالقرين هاهنا هو الثانى.
 (قد جعلت له نصف مالى) مقابلا لكسرى قلبه و زجرا لنفسى عن مثل هذه الزلة (قال اخاف ان يدخلنى ما دخلك) من الكبر و الغرور و الترفع على الناس و احتقارهم و غيرها من الاخلاق الذميمة اللازمة للمال، و الغرض من الحديث بيان لما لزم المال من القبائح و

213
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فضل فقراء المسلمین ص 208

12- عليّ بن إبراهيم، عن عليّ بن محمّد القاساني، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان ابن داود المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: في مناجات موسى عليه السّلام: يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل: مرحبا بشعار الصالحين، و إذا رأيت الغنى مقبلا فقل: ذنب عجّلت عقوبته.
13- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال النّبيّ صلى اللّه عليه و آله: طوبى للمساكين بالصبر و هم الّذين يرون ملكوت السماوات و الأرض.
14- و بإسناده قال: قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: يا معشر المساكين طيبوا نفسا و أعطوا اللّه الرّضا من قلوبكم يثبكم اللّه عزّ و جلّ على فقركم، فإن لم تفعلوا فلا ثواب لكم‏
__________________________________________________
المفاسد و اظهار أن اللائق بحال الفقراء رده للفرار من مفاسده.
قوله (اذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين) الشعار ما ولى الجسد من الثياب و الشعار العلامة أيضا و الفقر من شعار الصالحين و صفاتهم مثل الأنبياء و الاولياء و الغنى من شعار الظالمين و المتكبرين مثل الفراعنة و أشياعهم و الامر بترحيبه اشارة الى التلقى بقبوله و الرضا به من صميم القلب لانه يوجب دخول أهله فى حزب الصالحين و حسن اولئك رفيقا (و اذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته) لعل المراد بالذنب الغنى و بالعقوبة البعد عن الحق فى الدنيا و هو من أعظم العقوبات و قد شبه أمير المؤمنين «ع» أهل الدنيا تارة بالكلاب و الذئاب و اخرى بالانعام و الدواب فى أنهم يزرعون أياما قليلة فى مزرع الدنيا و يتركون عنان الطبيعة فى أيدى الهوى و يعرضون عن حقوق المولى فيحشرون يوم القيامة أعمى، و يحتمل أن يراد بالذنب غير الغنى و بالعقوبة الغنى.
قوله (طوبى للمساكين بالصبر و هم الذين يرون ملكوت السماوات و الارض) لعل المراد أن المساكين الزاهدين فى الدنيا الراغبين عن زهراتها، الصابرين فى البأساء و الضراء، الشاكرين لخالق الارض و السماء يفتح اللّه عيون قلوبهم و يرون ملكوت السماوات و الارض و ينظرون فى الظلمات البشرية الى الاسرار الالهية، و يشاهدون فى الابدان الناسوتية الاشراقات اللاهوتية و ربما يتفاوت ذلك التجلى بتفاوت حالاتهم فى الصبر و الشكر و السير الى اللّه سبحانه و بذلك يتفاوت نور الايمان فى قلوبهم و بذلك يتفاوت الرؤية و اللّه يؤيد بنصره من يشاء.

214
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فضل فقراء المسلمین ص 208

15- عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عيسى الفرّاء، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إذا كان يوم القيامة أمر اللّه تبارك و تعالى مناديا ينادي بين يديه أين الفقراء؟ فيقوم عنق من النّاس كثير، فيقول: عبادي! فيقولون: لبّيك ربّنا، فيقول: إنّي لم افقركم لهوان بكم عليّ و لكنّي إنّما اخترتكم لمثل هذا اليوم تصفّحوا وجوه الناس فمن صنع إليكم معروفا لم يصنعه إلّا في فكافوه عنّي بالجنّة.
16- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن إبراهيم الحذّاء، عن محمّد بن صغير، عن جدّه شعيب، عن مفضّل قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لو لا إلحاح هذه الشيعة على اللّه في طلب الرّزق لنقلهم من الحال الّتي هم فيها إلى ما هو أضيق منها.
17- أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن فضّال، عن محمّد بن الحسين ابن كثير الخزّاز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال لي: أ ما تدخل السوق؟ أ ما ترى الفاكهة تباع؟ و الشي‏ء ممّا تشتهيه؟ فقلت: بلى، فقال: أما إنّ لك بكلّ ما تراه فلا تقدر على شرائه حسنة.
18- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن عليّ ابن عفّان، عن مفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه جلّ ثناؤه ليعتذر إلى عبده المؤمن المحوج في الدّنيا كما يعتذر الأخ إلى أخيه، فيقول: و عزّتي و جلالي ما أحوجتك في الدّنيا من هوان كان بك عليّ، فارفع هذا السجف‏
__________________________________________________
قوله (و اعطوا اللّه الرضا من قلوبكم يثبكم اللّه عز و جل على فقركم فان لم تفعلوا فلا ثواب لكم) الفقر نعمة من اللّه على عبده فاذا رضى به كان رضاه شكرا يستحق به الاجر و الثواب و ان سخط منه كان سخطه كفرانا لتلك النعمة فلا يستحق الثواب نعم لو كان عدم الرضا عبارة عن ميل قلبه الى الغنى دون السخط و الاعتراض على قسمة الحق فالظاهر أن له ثوابا دون ثواب الراضى و ملخص القول أن للفقير ثلاثة أحوال أحدها الرضا بالفقر و الفرح به و هو شأن الاولياء و الاصفياء، و ثانيهما الرضا به دون الفرح و له أيضا ثواب دون الاول، و ثالثها عدم الرضا به و الكراهة فى القسمة و هذا لا ثواب له أصلا.
قوله (فارفع هذا السجف) السجف بالفتح و يكسر و ككتاب: الستر.

215
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فضل فقراء المسلمین ص 208

فانظر إلي ما عوّضنك من الدّنيا، قال: فيرفع فيقول: ما ضرّني ما منعتني مع ما عوّضتني.
19- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا كان يوم القيامة قام عنق من الناس حتّى يأتوا باب الجنّة فيضربوا باب الجنّة، فيقال لهم: من أنتم؟ فيقولون: نحن الفقراء، فيقال لهم: أقبل الحساب؟ فيقولون: ما أعطيتمونا شيئا تحاسبونا عليه، فيقول اللّه عزّ و جلّ: صدقوا ادخلوا الجنّة.
20- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن مبارك غلام شعيب قال: سمعت أبا الحسن موسى عليه السّلام يقول: إنّ اللّه عزّ و- جلّ يقول إنّي: لم اغن الغنيّ لكرامة به عليّ و لم أفقر الفقير لهوان به عليّ و هو ممّا ابتليت به الاغنياء بالفقراء و لو لا الفقراء لم يستوجب الأغنياء الجنّة.
21- علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن إسحاق بن عيسى، عن إسحاق بن عمّار و المفضّل بن عمر قالا: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: مياسير شيعتنا أمناؤنا على محاويجهم، فاحفظونا فيهم يحفظكم اللّه‏
__________________________________________________
قوله (و هو مما ابتليت به الاغنياء بالفقراء) جملة ما فى الدنيا خيرها و شرها، عسرها و يسرها، و منافعها و مضارها جعلت اختبارا و امتحانا للخلق سبحانه كما ابتلى بعضهم بالفقر اختبارا لصبره على المكاره و غيره. كذلك اختبر بعضهم بالغنى امتحانا لشكره و صبره على ما يثقل عليه من رعاية حال الفقراء بشي‏ء من أمواله، و قوله:
 (و لو لا الفقراء لم يستوجب الاغنياء الجنة) اشارة الى كثرة مفاسد الغنى و الى أن نجاة الاغنياء منحصرة فى رعاية أحوال الفقراء الذين هم عيال اللّه و عيال رسوله و التفاتهم الى تدارك ما يحتاجون إليه ببذل شي‏ء من أموالهم و سد خلتهم و رفع حاجتهم.
قوله (مياسير شيعتنا أمناؤنا على محاويجهم) المفعال يجمع على مفاعيل كالمثقال على مثاقيل (فاحفظونا فيهم يحفظكم اللّه) أى يحفظكم اللّه فى أموالكم و أنفسكم فدل على أن الاغنياء لو لم يراعوا حال الفقراء سلبت منهم النعمة لانه اذا ظهرت الخيانة من المؤتمن استحق أن يؤخذ ما فى يده. يرشد إليه قوال امير المؤمنين عليه السلام «ان للّه تعالى عبادا يختصهم بالنعم لمنافع العباد فيقرها فى أيديهم ما بذلوها فاذا منعوها نزعها ثم حولها الى غيرهم، أقول:

216
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فضل فقراء المسلمین ص 208

22- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: الفقر أزين للمؤمن من العذار على خدّ الفرس.
23- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه ابن غالب، عن أبيه، عن سعيد بن المسيّب قال: سألت علي بن الحسين عليهما السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً قال: عنى بذلك أمّة محمّد صلى اللّه عليه و آله أن يكونوا على دين واحد كفّارا كلّهم «لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ» و لو فعل اللّه ذلك بأمّة محمّد صلى اللّه عليه و آله لحزن المؤمنون و غمّهم ذلك و لم يناكحوهم و لم يوارثوهم.
 (باب)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن أبان بن عبد الملك قال: حدّثني بكر الأرقط، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أو عن شعيب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه دخل عليه واحد فقال: أصلحك اللّه إنّي رجل منقطع إليكم بمودّتي و
__________________________________________________
فاللائق بحال ذى القدرة ان يشترى درجات الجنة و صحته و بقاء ثروته بمواساة ذوى الحاجات و يحتمل ان يكون «يحفظكم اللّه» جملة دعائية.
قوله (الفقر أزين للمؤمن من العذار على خد الفرس) أى فى الحسن أو الحفظ و المنع لان الفقر يحفظ النفس من الطغيان كما ان العذار يمنع الفرس من العصيان، و العذار بالكسر من الفرس كالعارض من وجه الانسان، ثم سمى السير الّذي على خده من اللجام عذارا باسم موضعه، و فى المهذب العذار سر افسار و العذاران دوال از دو سوى روى اسب قوله (عنى بذلك امة محمد «ص») أريد بذلك هنا الناس و بالامة الامة المدعوة و المستجيبة جميعا و اريد بالامة فى قوله (و لو فعل ذلك بامة محمد «ص») غير المستجيبة و بذلك الجعل المذكورة و اشير بقوله (و لم يناكحوهم و لم يوارثوهم) الى أن كونهم امة واحدة كفرة على تقدير الجعل المذكور من جهة انقطاع النسل و الايمان لعدم التناكح و التناسل دون الارتداد، و الغرض ان منع الكفار من بعض الدنيا لاسترضاء المؤمنين لئلا يحزنوا بمشاهدة عدوهم فى النعمة و الزينة الكاملة فيهلكهم الحزن أو ينقطع النسل فيصير كل الامة كفارا، و اللّه أعلم.

217
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ص 217

قد أصابتني حاجة شديدة و قد تقرّبت بذلك إلى أهل بيتي و قومي فلم يزدني بذلك منهم إلّا بعدا، قال: فما آتاك اللّه خير ممّا أخذ منك. قال: جعلت فداك ادع اللّه لي أن يغنيني عن خلقه، قال: إنّ اللّه قسّم رزق من شاء على يدي من شاء و لكن سل اللّه أن يغنيك عن الحاجة الّتي تضطرّك إلى لئام خلقه.
2- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: الفقر الموت الأحمر، فقلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الفقر من الدّينار و الدّرهم؟ فقال: لا و لكن من الدّين‏
__________________________________________________
قوله (فما اتاك اللّه خير مما اخذ منك) المراد بالموصول الاول اما الفقر أو حب الائمة عليهم السلام و الانقطاع إليهم، و أما الموصول الثانى فالمراد به الغنى و متاع الدنيا.
 (و لكن سل اللّه ان يغنيك عن الحاجة التى تضطرك الى لئام خلقه) اللئام جمع اللئيم و هو البخيل و من ليس له مروة و فتوة و ذلك لانه لا يقضى حاجة أحد و ربما يلومه فى رفع الحاجة إليه أو يمنه بقضائها و مثله الظالم و الفاسق المعلن بفسقه و فى الادعية «اللهم لا تجعل لظالم و لا فاسق على يدا و لا منة» و ذلك لان القلب مجبول على حب من أحسن إليه و فى حب الظالم معاصى كثيرة و لذلك قال اللّه تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ.
قوله (الفقر الموت الاحمر) شبه الفقر بالموت فى الكرب و الشدة، و وصفه بالاحمر مبالغة فى شدته لان أشد الموت ما كان بالقتل و سفك الدم.
 (فقلت لابى عبد اللّه «ع» الفقر من الدينار و الدرهم؟ فقال لا و لكن من الدين) نظيره قول أمير المؤمنين «ع» «الفقر و الغنى بعد العرض على اللّه» و المعنى أنهما يتبينان و يظهران بعد العرض على اللّه و الفراغ من الحساب و هو ما أشار إليه رسول اللّه «ص» بقوله «أ تدرون ما المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له و لا متاع له فقال المفلس من امتى من يأتى يوم القيامة بصلاة و صيام و زكاة و يأتى قد شتم هذا و قذف هذا و أكل مال هذا و سفك دم هذا و ضرب هذا فيعطى هذا من حسناته و هذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه اخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح فى النار «1»، بل قد يقال أن المفلس حقيقة هو هذا و أما من ليس له مال أو من قل ماله فالناس يسمونه مفلسا و ليس هو بمفلس و فقير حقيقة لان هذا الافلاس ينقطع بموته و ربما ينقطع بيسار فى حياته بخلاف ذلك المفلس الفقير فانه هالك دائما و يحتمل أن يراد بقوله «ع» «و لكن من الدين» الفقر القلبى و ضده الغنى القلبى فالفقير على هذا من ليس له فى الدين معرفة و علم باحكامه و لا تقوى و ورع و غير ذلك من الصفات الحسنة و هذا أيضا أشد من الفقر المتعارف بل لا نسبة بينهما.
__________________________________________________
 (1) أخرجه مسلم فى صحيحه ج 8 ص 18 من حديث أبى هريرة.

218
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ان للقلب اذنین ینفث فیهما الملک و الشیطان ص 219

«باب» (ان للقلب اذنين ينفث فيهما الملك و الشيطان)
1- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما من قلب إلّا و له اذنان، على إحداهما ملك مرشد و على الاخرى شيطان مفتّن، هذا يأمره و هذا يزجره، الشيطان يأمره بالمعاصي و الملك‏
__________________________________________________
ما أحسن الدين و الدنيا اذا اجتمعا             لا بارك اللّه فى الدنيا بلا دين‏
 قوله (ما من قلب الا و له اذنان على إحداهما ملك مرشد و على الاخرى شيطان مفتن) الظاهر أن المراد بالقلب النفس الناطقة و هى جوهر روحانى متوسط بين العالمين عالم روحانى صرف و عالم جسمانى يفعل فيما دونه و ينفعل عما فوقه و اثبات الاذن له من باب الاستعارة و التشبيه فى ادراك الاقوال و هو بمثابة مرآة تجتاز عليه أصناف الصور المختلفة أما من طرق الحواس الظاهرة و الباطنة أو من العالم الروحانى [1] فهو دائما محل للحوادث‏
__________________________________________________
 [1] قوله «أو من العالم الروحانى» هذا ظاهر مشهود فى النفوس الانسانية اذ ليست ادراكاتها منحصرة فيما يأتى إليها من الحواس الظاهرة و الباطنة بل لها ادراكات يأتى إليها من عالم آخر غير العالم المشهود، و بالجملة النفس برزخ بين عالمى الغيب و الشهادة فيدرك الانسان عالم الشهادة و هو عالم الاجسام باعضائه الجسمانية و يدرك عالم الغيب بقوة غير جسمانية، و لو كان ادراكه بالحس فقط لكانت معلوماته قليلة جدا فاعتبر ذلك بحال الصبى الرضيع و الرجل البالغ المحنك كلاهما مشتركان فى الحسن، فالصبى يرى الالوان و الاضواء و يرى أمه و من حوله و يسمع الصوت نداء كما يرى و يسمع البالغ و كلما يدرك البالغ زائدا على الرضيع فانما يدركه بغير حسه مثل أن الصورة فى المرآة لا حقيقة لها و أن اللون ليس موجودا جوهريا قائما بنفسه بل هو فى جسم حامل له و أن الكواكب و الاجسام البعيدة أعظم مما يرى منها و غير ذلك، فكل المعلومات و المعقولات الحاصلة له مدركات بغير حسه. ملاك الفرق و الامتياز بين الحس و غير الحس ان كل قوة تزيد و تنقص و تشتد و تضعف بضعف مزاج بعض أعضاء البدن و قوته فهى حسية و كل قوة لا يتغير لتغير العضو فهى غير جسمانية مثال الاول الابصار فان ضعفه تابع لضعف العين و قوته تابعة لقوتها و السمع فانه تابع للاذن كذلك و مثال الثانى التعقل فانه لا يضعف بضعف أى عضو فى البدن فالمهندس فى زمان شيخوخته يتعقل المثلث كما كان يتعقل فى شبابه و ليس معنى المثلث أخفى عند عقله بخلاف الابصار فان الخطوط و النقوش عند بصره فى الشيخوخة أخفى عنده منها فى أيام شبابه بل التعقل بعكس الابصار يشتد عند ضعف البدن و بالجملة ادراك الانسان تلك المعقولات الكثيرة التى‏

219
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ان للقلب اذنین ینفث فیهما الملک و الشیطان ص 219

يزجره عنها، و هو قول اللّه عزّ و جلّ: «عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ»

__________________________________________________
الادراكية و موضوع للاحوال النفسانية فدائما ينتقل من حال الى حال و تلك الحوادث و الاحوال المسماة بالخواطر محركات للارادة و الاشواق و هى محركات للعزم و النية و هى محركة للقوة و القدرة و هى محركة للاعضاء فيصدر الفعل خيرا كان أو شرا عنهما عن هذه المبادى المترتبة و هذا معنى ما روى «أبى اللّه أن يجرى الاشياء الا بأسبابها [1]» ثم تلك الخواطر المحركة للارادة تنقسم الى قسمين [2] قسم يدعو الى الخيرات و قسم يدعو
__________________________________________________
تزيد على محسوساته أضعافا مضاعفة (بل نسبة المحسوسات إليها اقل من نسبة الواحد الى آلاف آلاف كنسبة معلومات الرضيع الى معلومات أعاظم الحكماء) ليس ادراك هذه المعلومات الكثيرة بالحس من عالم الشهادة بل بالعقل من عالم الغيب و الحس معد لصاحب العقل لا لفاقده كالرضيع، و لا ريب أن الاعدام لا تمايز بينها فلو لم يكن قوة مسماة بالعقل موجودة فى الانسان الحكيم لم يكن تمايز بينه و بين الرضيع اذ كلاهما واجدان للحس و عادمان للعقل ان فرض عدم قوة مسماة بالعاقلة.
و يمكنك أن تجرى كلامنا فى القوى الباطنة أيضا مثلا الواهمة معنى واحد يعرض للحيوان وقتا ما و يزول من غير ان يكسب منه علما فالرضيع يحزن لفقد أمه و يسر بحضورها و هذا الحزن أو السرور حالة واحدة تعرض له فى وقت واحد ثم يزول و خيال المرئى مثلا كذلك لا يوجب كسب علم بل هو جزئى يوجد وقتا ما حافظة لما أدركه جزئيا مثله، بل نقول ذلك فى الفكر أيضا فانه حالة جسمانية غير العقل عارضة للدماغ لو لم يكن قوة مسماة بالعاقلة مستعملة اياه لم يتحرك للتتبع المعقولات و تركيبها و تفصيلها بل كان يقتصر على تركيب المحسوسات فقط.
و بالجملة فهذه القوة العاقلة باب مفتوح على الانسان من العالم الروحانى به يطلع على عالم الغيب ان لم يدنسها بالاقتصار على الكليات المتعلقة بالموجودات الدنيوية و لم يشتغل بالتفكر فى الدنيا عن الآخرة و الا فهو بمنزلة طائر يطير عن المزبلة ثم يهبط إليها.
ثم اعلم و تفطن انا نتمسك لاثبات تجرد العاقلة بعدم حصول الضعف لا بكثرة المعقولات فى الشيخوخة فان ضعف البصر يدل على جسمانيته و ان كثر به المبصرات كما يأتى قريبا ان شاء اللّه. (ش)
 [1] تقدم فى كتاب الحجة باب معرفة الامام ج 5 ص 167.
 [2] قوله «تلك الخواطر المحركة للارادة تنقسم الى قسمين» يعنى ان كل ما يأتى إليها من طرق حواسه خاطر داع الى الشر و كل ما يأتى إليها من غير حواسه خاطر داع الى الخير

220
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ان للقلب اذنین ینفث فیهما الملک و الشیطان ص 219

2- الحسين بن محمّد، عن أحمد بن إسحاق، عن سعدان، عن أبي بصير،
__________________________________________________
الى الشرور فهما خاطران مختلفان فافتقرا الى اسمين مختلفين فالخاطر الداعى الى الخير يسمى الهاما و الخاطر الداعى الى الشر يسمى وسواسا، و هما لما كانا حادثين و الحادث يحتاج الى سبب وجب أن تكون أسبابهما القريبة مختلفة فسبب الالهام يسمى ملكا [1] و سبب الوسواس‏
__________________________________________________
لان العقل لا يدعو الى الشر البتة فان رأيت بعض أفراد الانسان استعمل عاقلته فى جمع حطام الدنيا و تحصيل علوم لا ينفع الا فى الدنيا و يضر بالاخرة فانما دعاه الى ذلك حبه للمحسوسات و ركونه إليها و عاد الشر الى الحس بالاخرة (ش)
 [1] قوله «فسبب الالهام يسمى ملكا» سبق من الشارح ان داعى الخير يأتى الى القوة العاقلة من العالم الروحانى و هو عالم الملائكة فلا بد ان يكون سبب الالهام ملكا و أما داعى الشر فمن الحواس و لا يدعو الحس نفسه الى شي‏ء فاذا أبصر الرجل شيئا فربما لا يتشوق الى القرب منه و لا الى الهرب عنه. فالشوق أمر زائد على الحس غير حاصل للحواس الظاهرة و يسمون القوة التى بها يتشوق الحيوان الواهمة، و الواهمة قوة جسمانية و لا شي‏ء من الجسم يتغير عن حاله الا أن يغيره غيره. فلو خلى جسم و نفسه بقى على حاله مستمرا فالواهمة لا تتغير عن حالها و لا تحصل فيها حالة الشوق بعد العدم الا بسبب، و ليس هذا بسبب الحس الظاهر و الا لكان كل من أحس شيئا اشتاق إليه او تنفر عنه و ليس كذلك فلا بد أن يكون السبب شيئا آخر ينضم الى الحس و باجتماعها يحصل الشوق فان كان ذلك لسبب هو العقل فهو داع الى الخير بالهام الملك، و خارج عن موضوع بحثنا فلا بد أن يكون السبب الداعى الى الشر شيئا آخر غير العقل و هو الشيطان. و لا بد من هذا التفصيل هنا لان كلام الشارح يوهم أن الشيطان هو نفس الحواس الظاهرة و الباطنة و ليس مراده ذلك قطعا بل الشيطان موجود آخر مسلط على الحواس غير مسلط على العقل و له سبيل الى باطن العروق و لا سبيل له الى داخل القلب و لما كان أصل كلام الشارح مقتبسا من كلام صدر المتألهين قدس سره ننقل كلامه هاهنا توضيحا و تأييدا لما فصلناه قال فى مفاتيح الغيب: انك تعلم أن هذه الخواطر حادثة و كل حادث لا بد له من سبب و مهما اختلفت الحوادث دل على اختلاف الاسباب لكن الاختلاف ان كان بحسب العوارض و الخارجيات فيحتاج الى اختلات القوابل و الاستعدادات و ان كان الاختلاف بحسب الحقائق و المنوعات فيفتقر الى اختلاف العلل الفاعليات و لما كان اختلاف الخواطر بحسب الخيرات و الشرور و كان الاختلاف بينهما اختلافا حقيقيا ذاتيا فيكون الاختلاف بين مبدأ الالهام و مبدأ الوسواس أيضا كذلك و هذا مما يشاهد من سنة اللّه فى ترتيب المسببات على الاسباب فمهما استنار حيطان البيت بنور النار و اظلم سقفه بسواد الدخان علمت أن سبب الاسوداد غير سبب‏
                       

221
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ان للقلب اذنین ینفث فیهما الملک و الشیطان ص 219

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ للقلب اذنين فإذا همّ العبد بذنب قال له روح الإيمان: لا تفعل، و قال له الشيطان: افعل و إذا كان على بطنها نزع منه روح الإيمان‏
__________________________________________________
يسمى شيطانا. و الامر الّذي به يتهيأ القلب لقبول إلهام الملك يسمى توفيقا و هداية، و الامر الّذي به يتهيأ لقبول وسوسة الشيطان يسمى اغواء و خذلانا فالملك عبارة عن خلق خلقه اللّه تعالى لالهام الحق و الشيطان عبارة عن خلق شأنه ضد ذلك فالشيطان فى مقابلة الملك و الوسواس فى مقابلة الالهام و الاغواء و الخذلان فى مقابلة التوفيق و الهداية فالقلب دائما متجاذب بين الملك و الشيطان، الشيطان يأمره بالمعاصي و الملك يزجره عنها و يأمره بالخيرات فان تبع أمر الشيطان بامضاء القوة الشهوية و الغضبية و اختبار الاخلاق الذميمة و الاعمال القبيحة ظهرت تسلطه على الملك و صار القلب ملكه يتصرف فيه ما يشاء كيف شاء و ان تبع أمر الملك و سلك سبيل الخيرات و ترك الهوى و الشهوات و اتصف بالعلم و الطهارة و التقوى و الاشتياق الى الآخرة و الزهد فى الدنيا ظهر تسلطه على الشيطان و صار القلب ملكا له و مهبطا للالهامات و معدنا للمعارف و الكرامات و موردا للانوار و الإشراقات و مندرجا فى زمرة الروحانيين و الملائكة المقربين و اللّه يؤيد بنصره من يشاء و هو على كل شي‏ء قدير.
قوله (أن للقلب اذنين فإذا هم العبد بذنب قال له روح الايمان لا تفعل و قال له الشيطان أفعل و اذا كان على بطنها نزع منه روح الايمان) للنفس طريق الى الخير و طريق الى الشر و للخير مشقة حاضرة زائلة و لذة غائبة دائمة، و للشر لذة حاضرة فانية و مشقة غائبة باقية و النفس‏
__________________________________________________
الاستنارة كذلك لانوار القلب و ظلماته سببان مختلفان فسبب الخاطر الداعى الى الخير يسمى ملكا و سبب الخاطر الداعى الى الشر يسمى شيطانا، و اللطف الّذي به يتهيأ القلب لقبول إلهام الملك يسمى توفيقا و الّذي يتهيأ لقبول وسوسة الشيطان يسمى خذلانا و الملك عبارة عن جوهر روحانى نورانى خلقه اللّه، شأنه افاضة الخير و افادة العلم و كشف الحق و الوعد بالمعروف و قد سخره اللّه لذلك، و الشيطان عبارة عن موجود روحانى ظلمانى شأنه ضد ذلك و هو الوعد بالشر و الامر بالمنكر و التخويف عند الهم بالخير بالفقر و نحوه. انتهى ما أردنا نقله و الشارح كما ترى حذف فى تعريف الشيطان قوله موجود روحانى ظلمانى و اكتفى عن ذلك بقوله خلق فصار كلامه موهما (و عذره انصراف لفظ الروحانى الى الخير) و قالوا يجب الاجتناب فى التعريفات عن الكلام المشتبه و المشترك، و الخلق يشمل كل شي‏ء حتى المحسوسات و الروحانى خاص بالمجردات. و ان امر بالشر (ش)

222
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ان للقلب اذنین ینفث فیهما الملک و الشیطان ص 219

3- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما من مؤمن إلّا و لقلبه اذنان‏
__________________________________________________
يطلب اللذة و يهرب عن المشقة فهو دائما متردد بين الخير و الشر فإذا هم بخير قال له روح الايمان و هو الملك الموكل به: افعل و أوحى إليه منافعه. و قال له الشيطان: لا تفعل و ألقى إليه بواعثه، و اذاهم بذنب له قال له روح الايمان لا تفعل و قال له الشيطان أفعل فيقع بينهما تدافع فيقول له الشيطان عند ذلك ما هذا الزهد و لم تمتنع عن هذه اللذة الحاضرة، و هل ترى أحدا يخالف هواه و يترك نفعه الحاضر و مبتغاه و هل تريد أن يزيد صلاحك على فلان و فلان و قد فعلوا ما تمتنع منه و ان خفت من العقوبة الاجلة فان باب التوبة و الانابة مفتوح و اللّه غفور رحيم، الى غير ذلك من البواعث على مطلبه فيميل النفس الى الشيطان و يصغى الى زخرف أقواله و عند ذلك يقوم الملك بالارشاد و يقول لم تسمع ما ألقى أليك عدوك و هل هلك الا من اتبع اللذة الحاضرة و نسى سوء العاقبة و قنع بلذة يسيرة فى مدة قليلة و ترك السعادة الابدية و اللذة الباقية و لو وقع الناس فى المهالك أ فتقع فيها و ترك الذنب أهون من طلب التوبة أ فما ترى أن كثيرا من المذنبين يموتون بلا توبة و للتوبة شرائط قلما تحصل و مغفرة الرب لمن يشاء فلعل مشيته لا تتعلق بك و رحمته للمحسن فلعلك لا تكون من المحسنين و هكذا يقع بينهما مقاولات و يتلو كل واحد فصلا مشبعا من مطالبه و لا يزال النفس يتردد بينهما حتى يستقر على ما شاء اللّه و على ما هو أشد مناسبة له فان كان الغالب فيه الصفات الملكية صار من حزب اللّه و جرى على جوارحه الطاعة و دخل فى زمرة المقربين و ان كان الغالب فيه الصفات الشيطانية ظهر على جوارحه الاعمال الشنيعة كالزناء و غيره فعند ذلك يفر منه روح الايمان لئلا يشاهد معصية الجبار تعظيما له، أو ليتباعد عمن يستحق العذاب كما خرج لوط عن القرية التى امطرت عليها مطر السوء بعد التقليب، أو لغلبة غيظه على ذلك المحل، ثم انه يعود بعد الفراغ كما دل عليه بعض الروايات ان بقى ايمانه و يقع بينهما مقاولة مرة بعد اخرى و قد لا يعود ان كان الذنب موجبا لزوال الايمان بالكلية، و بالجملة الانسان مريض و المعصية بمنزلة المرض و الطاعة بمنزلة الدواء و الملك بمنزلة طبيب يدله على الدواء و الشيطان بمنزلة عدو يأمره بتناول الداء و المريض اذا لم يعمل بما يأمره الطبيب الحاذق المشفق و عمل بما يأمر به العدو الجاهل تركه الطبيب بحاله و يصرف عنه عنان عنايته و اقباله، اللهم انى أسألك نصرة الملك و صلاح العمل و اطلب منك الدراية و الهداية، و أعوذ بك من اغواء الشيطان فى البداية و النهاية، انك قريب مجيب.
قوله (ما من مؤمن الا و لقلبه اذنان فى جوفه اذن ينفث فيها الوسواس الخناس و أذن‏

223
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ان للقلب اذنین ینفث فیهما الملک و الشیطان ص 219

في جوفه: اذن ينفث فيها الوسواس الخنّاس و اذن ينفث فيها الملك. فيؤيّد اللّه المؤمن بالملك، فلذلك قوله: «وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ».
 (باب الروح الّذي أيد به المؤمن)
1- الحسين بن محمّد، و محمّد بن يحيى، جميعا، عن عليّ بن محمّد بن سعد، عن محمّد بن مسلم، عن أبي سلمة، عن محمّد بن سعيد بن غزوان، عن ابن أبي نجران، عن محمّد بن‏
__________________________________________________
ينفث فيه الملك) فى طريق العامة «ان الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم» قال الازهرى معناه أنه لا يفارق ابن آدم ما دام حيا كما لا يفارقه دمه، و قال هذا على طريق ضرب المثل و جمهورهم حملوه على ظاهره و قالوا ان الشيطان جعل له هذا القدر من التطرق الى باطن الآدمي بلطافة هيئته فيجرى فى العروق [1] التى هى مجارى الدم الى أن يصل الى قلبه فيوسوسه على حسب ضعف ايمان العبد و قلة ذكره و كثرة غفلته و يبعد عنه و يقل تسلطه و سلوكه الى باطنه بمقدار قوته و يقظته و دوام ذكره و اخلاص توحيده.
و نقل عن ابن عباس انه تعالى جعله بحيث يجرى من بنى آدم مجرى الدم و صدور بنى آدم‏
__________________________________________________
 [1] قوله «بلطافة هيئته فيجرى فى العروق» كل لفظ لا يقبل الحمل على المعنى المادى الجسمانى يأول عند بعض أهل الظاهر و الثابت فى ذهن الجمهور أن الشيطان موجود جسمانى كافراد الانسان و الحيوان فان قيل لهم كيف لا يرى قالوا أنه لطيف كالهواء و ان قيل كيف يدخل من الباب المسدود فى البيت الّذي لا منفذ له الى الخارج قالوا انه للطافته يقدر على النفوذ من المنافذ الضيقة كالدخان فان قيل ان فرض عدم المنافذ أصلا بحيث لا يكون دخول الهواء و الدخان بل الرائحة ممكنا قالوا يمكنه للطائفة أن يعبر الجدر من غير أن يشقها للطافته و لا يستحيل تداخل الجسمين من غير خرق و التيام فان قيل الجسم اللطيف بهذه اللطافة كيف يقدر على الافعال الشديدة التى يعجز عنه أقوياء الانس كما فعلوا السليمان قالوا لا منافاة بين اللطافة و القدرة و هكذا يقال فيما لو اعترضوا على دخوله فى العروق و أنه يزاحم الدم الجارى و الروح البخارى السارى فى العروق قالوا انه للطافته لا يزاحم الاجسام الاخر و أهل المعرفة أيضا يوافقون الجمهور فى جميع ذلك فأنهم يقولون ليس سنخ أجسام الشياطين من سنخ هذه الاجسام المشهودة و لذلك ينفذون فى الحس المشترك فى النوم من غير طريق الحواس الظاهرة و هذا النفوذ غير ممكن فى الاجسام المادية و لكن المتوسطين من أهل الظاهر يتحيرون و لا يجدون طريقا للتخلص الا بانكار بعض ما ورد فى الاخبار المستفيضة أو تأويلها بوجه متعسف بعيد نظير ما نقله الشارح عن الازهرى و هذا طريق خطر و السلامة فى التسليم. (ش)

224
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الروح الذی أید به المؤمن ص 224

سنان، عن أبي خديجة قال: دخلت على أبي الحسن عليه السّلام فقال لي: إنّ اللّه تبارك و تعالى أيّد المؤمن بروح منه تحضره في كلّ وقت يحسن فيه و يتّقي و تغيب عنه في كلّ وقت يذنب فيه و يتعدى، فهي معه تهتزّ سرورا عند إحسانه و تسيخ في الثرى عند إساءته، فتعاهدوا عباد اللّه نعمه بإصلاحكم أنفسكم تزدادوا يقينا و تربحوا نفيسا
__________________________________________________
مسكن له كما قال «مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ» و الجنة الشياطين و كما قال النبي «ص» «ان الشيطان ليجثم على قلب بنى آدم له خرطوم كخرطوم الكلب اذا ذكر العبد اللّه عز و جل خنس أى رجع على عقبيه و اذا غفل عن ذكر اللّه وسوس» فاشتق له اسمان من فعليه الوسواس من وسوسته عند غفلة العبد و الخناس من خنوسه عند ذكر العبد، و قيل الناس عطف على الجنة و الانسى لا يصل فى وسوسته بذاته الى باطن الآدمي فكذا الجنة فى وسوسته و اجيب بأن الانس ليس له ما للجن من اللطافة فعدم وصول الانس الى الجوف لا يستلزم عدم وصول الجن إليه.
ثم ان اللّه تعالى بلطفه جعل للانسان حفظة من الملائكة و أعطاهم قوى الالهام و الالمام بهم فى بواطن الانسان فى مقابلة لمة الشيطان كما روى «ان للملك لمة بابن آدم و للشيطان لمة، لمة الملك ايعاد بالخير و تصديق بالحق فمن وجد ذلك فليحمد اللّه، و لمة الشيطان ايعاد بالشر و تكذيب بالحق فمن وجد من ذلك شيئا فليستعذ باللّه من الشيطان الرحيم قوله (ان اللّه تبارك و تعالى أيد المؤمن بروح منه تحضره فى كل وقت يحسن فيه و يتقى) لعل المراد بالروح هنا الملك كما مر، و بالاحسان الاتيان بالطاعات و بالاتقاء الاجتناب عن المنهيات (و تغيب عنه فى كل وقت يذنب فيه و يعتدى) أى يتجاوز عن حدود الشريعة و يظلم على نفسه أو على غيره (فهى معه تهتز) أى تتحرك (سرورا عند احسانه) سروره لمشاهدة طاعة الرب و تعظيمه و صلاح العبد و قربه.
 (و تسيخ فى الثرى عند اساءته) أى تدخل فيه دخول الرجل فى الماء فاذا فرغ عاد و فيه ترغيب فى اجتناب الذنوب و تخويف بمفارقة هذه النعمة الجليلة لامكان أن لا تعود أصلا لسد النفس الامارة مسالك عودها بزبر الشهوات.
 (فتعاهدوا عباد اللّه نعمه باصلاحكم أنفسكم) بترك الرذائل من الاخلاق و الاعمال و تحصيل الفضائل منهما فانكم ان تعاهدتم بذلك. (تزدادوا يقينا) فان الانسان باصلاح النفس و محاسبتها و تزكيتها كما ينبغى يترقى عن درجة علم اليقين و يبلغ مرتبة حق اليقين التى يشاهد فيها جمال الاسرار اللاهوتية [1] و كمال الانوار الملكوتية (و تربحوا نفيسا ثمنيا) و هى‏
__________________________________________________
 [1] قوله «يشاهد فيها جمال الاسرار اللاهوتية» اللذة الحاصلة للانسان بعد موته‏

225
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الروح الذی أید به المؤمن ص 224

ثمينا، رحم اللّه امرأ همّ بخير فعمله أو همّ بشرّ فارتدع عنه، ثمّ قال: نحن نؤّد الرّوح بالطاعة للّه و العمل له.
 (باب الذنوب)
1- محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن‏
__________________________________________________
الجنة و درجاتها العالية و السعادة الباقية و قرب الاخيار فى دار القرار.
 (رحم اللّه امرأ هم بخير فعمله) بلا تأخير لئلا يفوته باغواء الشيطان و مكايد النفس و طريان النسيان (أوهم بشر فارتدع عنه) تعظيما للّه و رجاء فى ثوابه و خوفا من عقابه (ثم قال نحن نؤيد الروح بالطاعة للّه و العمل له) اشارة الى أن الروح لاتفاقهم آنا من الاناث لانهم لا يعصون اللّه وقتا، من الاوقات فى بعض النسخ «نزيد» بالزاى المعجمة و له وجه ظاهر أن اريد بالروح نور الايمان، و اللّه أعلم.
__________________________________________________
أعظم و أشد بكثير مما يحصل له فى الدنيا من الشهوات فانها خالية عن الكدورة أولا و مأمونة من الزوال ثانيا و لانه لا يعقل أن يكون الموجود الدنيوى كالحمار أسعد من الروحانيين و أن يكون الموجود الروحانى محروما من السعادات، ثم يمكنك أن تتأمل فى كلامهم هنا و تعرف منه أن الكمال بشدة العقل و الادراك لا بكثرة المعقول و بينهما فرق كما أن قوة الابصار و كماله ليس بكثرة المبصرات فرب شيخ ضعيف البصر رأى أمورا كثيرة فى بلاد كثيرة طول عمره و شاب حديد البصر لم ير الا ما حوله فى بلده و يستدل بضعف بصر الشيخ على أن الابصار جسمانى و ان كثر مبصراته، و يستدل فى الشيخ على عدم كون عقله جسمانيا بقوة عقله لا بكثرة معقولاته لان كثرة المعقولات مع ضعف العقل لا يدل على تجرده و عين اليقين أكمل من علم اليقين من جهة شدة وضوح المعقول لا من جهة كثرته و كذلك حق اليقين بالنسبة الى عين اليقين و حصول عين اليقين و حق اليقين للانسان يدل على كون النفس مجردة اذ لا يحصل هذه الامور من ادراك الحس البتة. ثم اعلم أن من أهم مبادى علم الاخلاق اثبات بقاء النفس و بقاء ملكاتها الحسنة أو السيئة معها و قد سبق منا مكررا و انما يشتبه على الجاهل قوى النفس الجسمانية بذات النفس اذ يرى الجاهل أن السمع و البصر و الذاكرة و المتخيلة تضعف بضعف البدن و تضمحل بانحلال المزاج و الموت فيتوهم أن النفس ذاتها أيضا تضمحل و لا يعرف اذ لا يدقق النظر فى أن الحس شي‏ء و الشعور بالحس شي‏ء آخر و الحافظة شي‏ء و التذكر شي‏ء و الفكر شي‏ء و التعقل الّذي لا يضعف و لا يضمحل بفناء البدن شي‏ء غير ذلك كلها و كثرة المعقولات شي‏ء و وضوح التعقل شي‏ء آخر و الاستدلال على تجرد النفس بالاخير. (ش)

226
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الذنوب ص 226

طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان أبي عليه السّلام يقول: ما من شي‏ء أفسد للقلب من خطيئة إنّ القلب ليواقع الخطيئة فما تزال به حتّى تغلب عليه فيصيّر أعلاه أسفله‏
__________________________________________________
قوله (ما من شي‏ء افسد للقلب من خطيئة) ان قلت كل ما يفسد القلب فهو خطيئة فما معنى التفضيل و أى شي‏ء المفضل عليه قلت لا نسلم ذلك [1] فان كثيرا من المباحات و الامراض و الآلام يفسد القلب و ليس بخطيئة و هى اعم من الخطايا الظاهرة مثل الاعمال القبيحة اذا للظاهر تأثير فى الباطن و من الخطايا القلبية كالعقائد الفاسدة و الهم بالمعصية و قوله:
 (ان القلب ليواقع الخطيئة) كما يناسب الثانية ظاهرا يناسب الاولى أيضا كما لا يخفى (فما تزال به حتى تغلب عليه) ان لم ترفع بالتوبة الخاصة و الاستغفار.
 (فيصير أعلاه أسفله) أى تكدره و تسوده لان الاعلى صاف و الاسفل دردى من باب التمثيل فاذا صيرت أعلاه أسفله لزم ما ذكرناه، أو تصيره مائلا الى الباطل بكله لان أعلاه طرفه المائل الى الحق و أسفله طرفه المائل الى الباطل. فاذا جعلت أعلاه أسفله جعلت كله مائلا الى الباطل، أو جعلته كالكوز المنكوس [2] لا يدخل فيه شي‏ء من الحق، و خرج ما
__________________________________________________
 [1] قوله «قلت لا نسلم ذلك» قال العلامة المجلسى- رحمه اللّه- قلت: لا نسلم ذلك فان كثيرا من المباحات تفسد القلب بل بعض الامراض و الآلام (و) الهموم و الوساوس أيضا تفسده و ان لم تكن مما تستحق عليه العذاب و هى أعم من الخطايا الظاهرة اذ للظاهر تأثير فى الباطن (بل عند المتكلمين الواجبات البدنية لطف فى الطاعات القلبية) و من الخطايا القلبية كالعقائد الفاسدة و الهم بالمعصية (و الصفات الذميمة كالحقد و الحسد و العجب و أمثالها) انتهى و ما جعلناه بين الهلالين مما زاده العلامة المجلسى «ره» على عبارة الشارح. و أما قوله عند المتكلمين الواجبات البدنية لطف فى الطاعات القلبية فالظاهر أنه سهو أو مسامحة و انما و قال المتكلمون: «التكاليف الشرعية ألطاف فى الواجبات العقلية» و هو حق و كلا التكليفين الشرعى و العقلى أعم من أن يكون بدنيا أو قلبيا. و أما قوله «و الصفات الذميمة» ففيه مسامحة أيضا لان الصفة تتبادر منها الذهن الى الثابتة بغير اختيار و ليس مثلها خطيئة و مراد المجلسى «ره» الجرى على مقتضى الحسد و الحقد فى العمل لا أن وجود الصفة خطيئة. (ش)
 [2] قوله «كالكوز المنكوس» تمثيل لما ذكره بقوله أو تصيره مائلا الى الباطل و العلامة المجلسى «ره» جعله وجها ثالثا. قال فيصير أعلاه أسفله أى يصير منكوسا كالاناء المقلوب المكبوب لا يستقر فيه شي‏ء من الحق و لا يؤثر فيه شي‏ء من المواعظ، ثم قال هذا

227
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الذنوب ص 226

2- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن عبد اللّه بن مسكان، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: «فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ» فقال: ما أصبرهم على فعل ما يعلمون أنّه يصيّرهم إلى النّار.
3- عنه عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أما إنّه ليس من عرق يضرب و لا نكبة و لا صداع و لا مرض إلّا بذنب، و ذلك‏
__________________________________________________
دخل فيه فيصير خاليا من الحق و المعارف، مظلما قابلا لجميع المفاسد نعوذ باللّه من ذلك.
قوله (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ فقال ما أصبرهم على فعل ما يعلمون أنه يصيرهم الى النار) هذا التأويل يحتمل أمرين أحدهما حذف المضاف أى على سبب النار و هو الفعل المذكور، و ثانيهما اطلاق المسبب على المسبب.
قوله (أما انه ليس من عرق يضرب و لا نكبة و لا صداع و لا مرض الا بذنب) ان قلت لزم من هذا أن لا ترد الآلام على الأنبياء و الأوصياء لعدم تحقق سببها و هو الذنب فيهم و اللازم باطل بالاتفاق، و لما مر، قلت لا نسلم انتفاء السبب فيهم فان الذنوب متفاوتة بالذات و بالنسبة الى الاشخاص فترك الاولى ذنب بالنسبة إليهم فلذلك قيل: حسنات الابرار سيئات المقربين، و يؤيده ما أصاب آدم و يونس و غيرهما بسبب تركهم ما هو أولى بهم و لئن سلم فقد يصاب البري‏ء بذنب الجرى كما مر على أنه يمكن تخصيص ذلك بغيرهم جمعا بينه و بين ما دل على أن الغرض من ابتلائهم رفع درجاتهم التى لا مدخل لكسب الانسان فيها.
 (و ما يعفو اللّه أكثر مما يؤاخذ به) الذنوب كما تدفعها التوبة و الآلام، يدفعها أيضا العفو، و الاصل فيه أنه كما لا يرجع إليه سبحانه نفع لطاعة العباد كذلك لا يرجع إليهم ضرر بمعصيتهم. و قد وصف نفسه بأنه غفور و غفار و أنه يغفر الذنوب جميعا الا الشرك، و انه لذو- مغفرة للناس على ظلمهم، و أخبر بأنه يغفر الذنوب مطلقا فلا بد من أن يقع مغفرتها اما بالتوبة، أو بالآلام، أو بالعفو و لا قصور فى وصفه بالمغفرة حتى يتوقف ظهورها منه على الاولين و من تاب أو تألم خرج من الذنب فلا بد من وقوع العفو عنه فى غيرهما ليبقى الآية على عمومها، و أيضا من المعلوم فى وصف الكريم أن يعفو فى حقه و أيضا قد أمرنا فى مواضع بالعفو و يبعد أن لا يعفو هو و بالجملة فى الآيات و الروايات حث بليغ على دوام الرجاء لمغفرته تعالى و أن كثرت الذنوب و حسم مادة الاياس و القنوط من رحمته. اذ فيهما جحد لكرمه و انكار لمغفرته و رحمته و ذلك خروج عن التوحيد.
__________________________________________________
الّذي خطر بالبال أظهر الاقوال من جهة الاخبار انتهى و الفرق بينه و بين كلام الشارح تبديل الكوز بالاناء و اما كونه وجها مخالفا له او للوجوه الاخر التى نقلها ففيه خفاء و كون ما خطر بباله أظهر الاقوال أخفى. (ش)

228
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الذنوب ص 226

قول اللّه عزّ و جلّ في كتابه: «وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ» قال: ثمّ قال: و ما يعفو اللّه أكثر ممّا يؤاخذ به.
4- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: ما من نكبة يصيب العبد إلّا بذنب و ما يعفو اللّه عنه أكثر.
5- عليّ، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: لا تبدينّ عن واضحة و قد عملت الأعمال الفاضحة و لا يأمن البيات من عمل السيّئات.
6- عنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي اسامة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: تعوّذوا باللّه من سطوات اللّه باللّيل و النّهار، قال: قلت له: و ما سطوات اللّه؟ قال: الأخذ على المعاصي.
7- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن سليمان الجعفري‏
__________________________________________________
قوله (لا تبدين عن واضحة و قد عملت الاعمال الفاضحة) الابداء الاظهار و تقول أبديته اذا أظهرته، و تعديته بعن لتضمنه معنى الكشف، و الوضوح الانجلاء و الانكشاف. يقال وضح من باب وعد أى انجلى و انكشف. و فى المصباح الواضحة الاسنان تبدوا عند الضحك.
و فيه ردع عن الضحك و زجر عن الاعمال القبيحة و حث على محاسبة النفس. فان من حاسبها و عرف قبح أفعالها و شناعة أعمالها و استولت عليه الخشية و الهيبة. و انقطعت عنه الراحة و اللذة و داس فى قلبه عساكر الهموم فاستحق أن يبكى بحاله دون أن يضحك، و يؤيده ما روى عنه «ص» «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا» اشارة الى علمه بما فى عالم الغيب من أحوال البرزخ و أهوال القيامة و النار و دركاتها و شدائدها فان عرفها حق المعرفة بنور الايمان لا بد من أن يبكى على نفسه.
 (و لا يأمن البيات من عمل السيئات) البيات الاغارة ليلا و هو اسم من بيته تبييتا اذا دبره فى الليل و تبييت العدو هو أن يقصد فى الليل من غير أن يعلم فيؤخذ و هو بالفارسية شبيخون كردن و بشب كار ساختن و فيه وعيد للمذنب بالعقوبات العاجلة.
قوله (تعوذوا باللّه من سطوات اللّه) سطا عليه و به يسطو سطوا و سطوة قهره و أذله و هو البطش بشدة (قال الاخذ على المعاصى) يعنى عاجلا و الاخذ عليها أعم من الاهلاك و الابتلاء ببلية.

229
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الذنوب ص 226

عن عبد اللّه بن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: الذّنوب كلّها شديدة و أشدّها ما نبت عليه اللّحم و الدّم، لأنّه إمّا مرحوم و إمّا معذّب، و الجنّة لا يدخلها إلّا طيّب‏
__________________________________________________
قوله (قال الذنوب كلها شديدة [1]) و ان كان بعضها أشد من بعض و وجه شدتها أنها مخالفة لامر الرب الجليل و موجبة للعذاب الوبيل.
 (و أشدها ما نبت عليه اللحم و الدم) يشمل أكل حرام و الاصرار على معصية من غير تكفيرها بالتوبة (لانه اما مرحوم و اما معذب) لعل المرحوم من كفرت ذنوبه بالتوبة أو البلايا أو العفو، و المعذب من لم تكفر ذنوبه بأحد هذه الوجوه.
 (و الجنة لا يدخلها الا طيب) أى طاهر خالص من الذنوب. و يشكل هذا بما دل على أن العصاة من المؤمنين يدخلون الجنة بالشفاعة أو بالعفو و يمكن أن يأول ذلك بأنه لا يدخلها بدون الشفاعة أو العفو الا طيب أو بانه لا يدخلها ابتداء بلا مجازاة الا طيب، أو بأنه تعالى ينزع عنهم الذنوب فيدخلونها و هم طيبون من الذنوب و يؤيده قوله تعالى «وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ*- الآية».
__________________________________________________
 [1] «الذنوب كلها شديدة» قال علماؤنا ان الذنوب جميعها معصية و مخالفة لامر الرب و موجب لاستحقاق العقاب و لا فرق بينها من هذه الجهات و الكبائر و الصغائر نسبية، فقد يكون بعض الذنوب بالنسبة الى ذنب كبيرة بالنسبة الى غيره صغيرة كالجرح بالنسبة الى القتل صغيرة و بالنسبة الى اللطم كبيرة و الزناء بالنسبة الى القبلة كبيرة و بالنسبة الى اللواط صغيرة، و ليس بين الكبر و الصغر حد فاصل يميز بينهما بحيث يكون الكبائر محدودة فى حد خاص لا يتجاوزها و ما اوعد اللّه عليها النار فى الكتاب صريحا أكبر مما لم يوعد عليه و ما صرح بحرمته فيه أكبر مما لم يصرح لان ذكر معصية بالخصوص فى الكتاب يدل على اهميتها نظيره فى عرف الناس البلد الصغير و البلد الكبير و الدار الواسعة و الدار الضيقة و المشهور و الخامل و أعاظم القوم و أصاغرهم و المتاع الغالى و الرخيص و المثرى و المقل و غير ذلك مما لاحد فاصل بين مراتبها و لذلك لم يعدد فى الشرع عدا جازما و على هذا فاللمم الّذي لا يقدح فى العدالة هو الذرى يتفق اتفاقا للانسان من غير أن يصير عليه كما يدل عليه لفظ اللمم و أما الكبائر التى وعد اللّه عليها النار فى القرآن فيقدح فى العدالة و ان كان لمما أى اتفاقا نادرا من غير اصرار بدليل خاص كالآية المصرحة بان القذف يوجب الفسق و أنه لا يقبل من صاحبه الشهادة الا أن يتوب و الصحيح أن العدل فى صفة الشاهد فى القرآن أى الرجل المستوى عند اللّه لا يشمل من ارتكب ذنبا مطلقا و ان كان اتفاقا و من ارتكب فقد مال عن الاستواء و هو الاصل فى الباب يخرج‏

230
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الذنوب ص 226

8- الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان، عن الفضيل ابن يسار، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ العبد ليذنب الذّنب فيزوى عنه الرّزق.
9- عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن محمّد بن إبراهيم النوفليّ، عن الحسين بن مختار، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ملعون ملعون من عبد الدّينار و الدّرهم. ملعون ملعون من كمه أعمى، ملعون ملعون من نكح بهيمة.
10- الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن عليّ بن أبي حمزة، عن‏
__________________________________________________
قوله (أن العبد ليذنب الذنب فيزوى عنه الرزق) لعل السر في ذلك ان الحكمة البالغة اقتضت تطهير المذنب بالمصائب و البلايا، و صرف الرزق عنه من أعظم المصائب لان الفقر من كاسرات الظهر فان قلت قد نرى كثيرا من الفسقة و الكفرة مرزوقين فى سعة. قلت هذا أيضا تعذيب و استدراج كما دلت عليه الآيات و الروايات و للّه أن يعذب عباده بما يشاء على أنه يمكن أن يقال ذلك الصرف و المنع مختص بمن أراد اللّه تعالى انصرافه من الذنوب و استيقاظه عن الغفلة من المؤمنين الذين استعدوا لقبول الخير.
قوله (ملعون ملعون من عبد الدينار و الدرهم) اللعن الطرد، و الابعاد من الخير.
و الرجل لعين و ملعون، و لعل المراد بعبادة الدينار و الدرهم حبهما و المحبوب إله كما قال سبحانه «أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ» و لعل المراد بالحب الحب المانع من أداء الحقوق المالية و صلة الارحام و رعاية حال الفقراء و الارامل و الجيران و لا يبعد أن يكون حكم غيرهما كحكمهما، و تخصيصهما بالذكر لان التعلق بهما أعظم و أكثر و لا ينافى هذا الخبر الاخبار الدالة على وجوب حفظ المال و تحريم تضييعه اذ ليست فيها دلالة على جواز المحبة، و التعلق به و الوثوق و الركون إليه كما يتكلون عليه أبناء الدنيا.
 (ملعون ملعون من كمه اعمى) كمه يكمه من باب علم عمى، و الاكمه الّذي يولد أعمى.
و ربما يقال للذى عمى بعد، و كمه أيضا حار حيرة، و منه الكامه الّذي يركب فرسه لا يدرى أين يتوجه و فلان يتكمه فى الارض، و كمهه بالتشديد أعماه و حيره أيضا و لعل المراد هنا من حير الاعمى بأن يضله عن طريقه أو لا يهديه إليها، و يمكن أن يراد بالاعمى أعمى القلب الّذي لا يهتدى الى الحق فيكون وعيدا لمن أخرجه منه أو لم يهده إليه و اللّه يعلم.
__________________________________________________
عنه اللمم فى الصغائر بالدليل القطعى و مع الشك فالاصل الخروج من العدالة و أراد بعضهم حصر الكبائر فى عدد معدود بحد فاصل بين الصغر و الكبر و هو تكلف غير ممكن البتة بحسب الادلة. (ش)

231
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الذنوب ص 226

أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سمعته يقول: اتّقوا المحقّرات من الذّنوب فإنّ لها طالبا، يقول أحدكم، أذنب و أستغفر، إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: «وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ»، و قال عزّ و جلّ: إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ، إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ».

__________________________________________________
قوله (اتقوا المحقرات من الذنوب فان لها طالبا) لا يغفل عنها و يؤاخذ بها (يقول أحدكم اذنب و استغفر) فى المصباح الذنب الاثم و الجمع ذنوب و أذنب صار ذا ذنب بمعنى تحمله، و الظاهر أن هذا بيان و مثال للمحقرات فان هذا القائل يحقر ذنبه و يقول انه سهل يرفعه الاستغفار و لا يدرى أن الذنب من حيث أنه معصية اللّه العظيم عظيم، و لا ينبغى للمؤمن أن يحقر شيئا من ذنوبه و قد لا يغفر اللّه تعالى لاجل تحقيره اياه كما روى زيد الشحام عن أبى عبد اللّه «ع» قال «اتقوا المحقرات من الذنوب فانها لا تغفر قلت: و ما المحقرات؟ قال الرجل يذنب الذنب فيقول طوبى لى لو لم يكن لى غير ذلك» ثم أشار الى بيان قوله فان لها طالبا و الى بعض ما يصنعه الطالب تحذيرا عن الذنوب و هو أنه يكتبها و يحفظها ليشاهدها فاعلها بعد الخروج من الدنيا بقوله (ان اللّه عز و جل يقول وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا) من الاعمال مطلقا صالحة كانت أم فاسدة.
 (وَ آثارَهُمْ)
 من حسنة أذاعوها و سيئة أظهروا و بقى أثرهما بعدهم كتعليم علم و تأسيس ظلم مثلا، و قبل اريد بالآثار آثار أقدام المشائين الى المساجد، و قيل: اريد بها الاعمال و بما قدموا النيات المقدمة عليها و على التقادير فيه حث بليغ على الخير، و زجر عظيم عن الشر فان الثبت معلوم و المحو بالاستغفار و غيره غير معلوم.
 (وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ)
 فيه تنبيه على أن الكتابة مقرونة بالحفظ و الاحصاء إذ رب مكتوب غير محفوظ و لا مضبوط و تعميم بعد تخصيص. فكأنه قيل: الكتابة غير مختصة بأعمالهم و آثارهم. بل هى لكل شي‏ء حتى أنه كتب أنهم سيفعلون كذا فاذا فعلوا كتب عليهم فعلوا كذا و الامام اللوح المحفوظ قيل سمى به لان الملائكة يتبعون ما كتب فيه من أجل و رزق و إماتة و احياء، و وصفه بالمبين لانه مظهر للامور و فارق بين أحوال الخلق.
 (و قال عز و جل) حكاية لقول لقمان فى نصيحته ابنه ناتان: (إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)
 ضمير انها للخصلة من الاساءة أو الاحسان، و ضمير ان تك راجع إليها، و المثقال وزنه درهم و ثلاثة اسباع درهم فكل سبعة مثاقيل عشرة دراهم، و مثقال الشي‏ء ميزانه، و هو المراد هنا يعنى أن تلك الخصلة ان تك فى الصغر كحبة خردل و تك فى أخفى مكان من المذكور و غيره كفوق السموات و قعر البحار و تحت الارضين يأت بها اللّه. و

232
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الذنوب ص 226

11- أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن فضّال، عن ثعلبة، عن سليمان بن طريف، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: إنّ الذّنب يحرم العبد الرّزق.
12- محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن الفضيل، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ الرّجل ليذنب الذّنب فيدرأ عنه الرّزق و تلا هذه الآية: «إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَ لا يَسْتَثْنُونَ فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَ هُمْ نائِمُونَ».
13- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إذا أذنب الرّجل خرج في قلبه نكتة سوداء،
__________________________________________________
يحضره ليحاسب عليها ان اللّه لطيف عالم بلطائف الامور و أمكنتها، نافذ قدرته فيها، خبير بدقائق الاشياء و حقائقها، و قال بعض المحققين: خفاء الشي‏ء اما لغاية صغره، و اما لاحتجابه، و اما لكونه بعيدا، و اما لكونه فى ظلمة فأشار الى الاول بقوله: «مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ» و الى الثانى بقوله «فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ» و الى الثالث بقوله «أَوْ فِي السَّماواتِ» و الى الرابع بقوله «أَوْ فِي الْأَرْضِ».
قوله (ان الرجل ليذنب الذنب فيدرأ عنه الرزق و تلا هذه الآية «إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَ لا يَسْتَثْنُونَ فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَ هُمْ نائِمُونَ)
 اللام فى الذنب للجنس باعتبار تحققه فى ضمن أى فرد كان و ان كان صغيرا بل و ان كان خلاف مروة كما يدل عليه ظاهر الآية و تفسيرها كما ذكره الطبرسى فى جامع الجوامع «إِنَّا بَلَوْناهُمْ» أى أهل مكة بالجوع و القحط بدعاء الرسول «ص» كما بلونا أصحاب الجنة و هم اخوة كان لابيهم هذه الجنة دون صنعاء يمن بفرسخين فكان يأخذ منها قوت سنة و يتصدق بالباقى و كان يترك للمساكين ما أخطأه المنجل و ما فى أسفل الاكداس و ما أخطاؤه القطاف من العنب و ما بقى من البساط الّذي يبسط تحت النخلة اذ أصرمت فكان يجتمع له شي‏ء كثير فلما مات قال بنوه ان فعلنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الامر، و نحن أولو عيال ليصر منها مصبحين داخلين فى وقت الصباح خفية عن المساكين و لا يستثنون أى لم يقولوا ان شاء اللّه فى يمينهم فأحرق اللّه جنتهم. و انما سمى ذلك استثناء و هو شرط لان معنى قولك لا خرج ان شاء اللّه و لا اخرج الا أن يشاء اللّه واحد فطاف طائف أى هلاك أو بلاء و هم نائمون أى فى حال نومهم.
قوله (اذا اذنب الرجل خرج فى قلبه نكتة سوداء فان تاب انمحت و ان زاد زادت‏

233
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الذنوب ص 226

فإن تاب انمحت و إن زاد زادت حتّى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبدا.
14- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب، عن محمّد ابن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ العبد يسأل اللّه الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب أو إلى وقت بطي‏ء، فيذنب العبد ذنبا فيقول اللّه تبارك و تعالي: للملك لا تقض حاجته و احرمه إيّاها، فإنّه تعرّض لسخطي و استوجب الحرمان منّي.
15- ابن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال سمعته يقول: إنّه ما من سنة أقلّ مطرا من سنة و لكن اللّه يضعه حيث يشاء، إنّ اللّه‏
__________________________________________________
حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبدا) النكتة النقطة و كل نقطة فى شي‏ء بخلاف لونه فهى نكتة، و اعلم أن اللّه تعالى خلق قلب المؤمن نورانيا قابلا للصفات النورانية فان أذنب خرج فيه نقطة سوداء فان تاب بأن ندم و عزم أن لا يعود زالت تلك النقطة و عاد محلها الى نورانيته و ان زاد فى الذنب سواء كان من نوع ذلك الذنب أم من غيره زادت نقطة اخرى سوداء و هكذا حتى تغلب النقاط السود على جميع قلبه فلا يفلح بعدها أبدا. لان القلب حينئذ لا يقبل شيئا من الصفات النورانية و الظاهر أنه ان تاب من ذنب ثم عاد لم تبطل التوبة الاولى و أنه ان تاب من بعض الذنوب دون بعض فهى صحيحة على أحد القولين فيها.
قوله (ان العبد يسأل اللّه الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها الى أجل قريب أو الى وقت بطي‏ء فيذنب العبد ذنبا فيقول اللّه تعالى للملك لا تقض حاجته و أحرمه اياها فانه تعرض لسخطى و استوجب الحرمان منى) هذا صريح فى أن للذنوب و الاعمال الخارجة عن طور الشريعة تأثيرا فى سلب الرحمة، و ذلك لان الفيض الالهى لا بخل و لا منع من قبله و انما ذلك بحسب عدم الاستعداد، و ظاهر أن المذنب معرض عنه غير معترض لرحمته. بل مستعد لضد ذلك أعنى سخطه و عذابه فاستحق بذلك أن لا ينال رحمته و يحرم من الاجابة، لا يقال هذا ينافى ما فى بعض الروايات من أن العاصى اذا دعاه أجابه بسرعة كراهة من سماع صوته لانا نقول لا منافاة بينهما لان هناك شيئان: أحدهما المعصية و هى تناسب عدم الاجابة، و الثانى كراهة من سماع صوته و هى تناسب سرعة الاجابة فربما ينظر الى الاول فلا يجبيه و ربما ينظر الى الثانى فيجيبه و ليس فى الاخبار ما يدل على أن العاصى يجاب دائما و لو سلم لامكن حمل هذا الخبر على أن المؤمن الصالح ان أذنب و تعرض لسخط ربه استوجب الحرمان و لا يقضى اللّه حاجته تأديبا لينزجر عما فعله كما هو المعروف بين المحبين.

234
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الذنوب ص 226

عزّ و جلّ إذا عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدّر لهم من المطر في تلك السنة إلى غيرهم و إلى الفيافي و البحار و الجبال و إنّ اللّه ليعذّب الجعل في جحرها بحبس المطر عن الأرض الّتي هي بمحلّها بخطايا من بحضرتها و قد جعل اللّه لها السبيل في مسلك سوى محلّة أهل المعاصي. قال: ثمّ قال أبو جعفر عليه السّلام: فاعتبروا يا اولي الأبصار.
16- أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ الرّجل يذنب الذّنب فيحرم صلاة اللّيل و إنّ‏
__________________________________________________
قوله (و ان اللّه ليعذب الجعل فى جحرها بحبس المطر عن الارض التى هى بمحلها بخطايا من بحضرتها و قد جعل اللّه لها السبيل فى مسلك سوى محلة أهل المعاصى قال ثم قال أبو جعفر «ع» فاعتبروا يا اولى الابصار) الاعتبار الاتعاظ و التفكر فى العواقب و قبول الموعظة و النصح. و فيه دلالة واضحة على وجوب المهاجرة عن بلاد المعاصى و سيجي‏ء فى باب عقوبات المعاصى العاجلة مثله فان قلت الجعل لا تعلم وجوب المهاجرة عليها فكيف تعذب على تركها. قلت بم عرفت أنها لا تعرفه؟ لعل اللّه تعالى ألهمها و لا استبعاد فى ذلك و يؤيده حكاية نملة سليمان «ع» و اذا تأملت أيها اللبيب معاملة ربك جل و عز مع هذا الحيوان الضعيف الّذي لا يقدر على قطع الفيافى و المنازل البعيدة أزيد من قدرة قطع الطفل اياها حبوا و لا يقدر على حمل ما تحتاج إليه من الطعام و الشراب لاجل معصية بنى نوعك، علمت أنك لو عصيته أو سكنت مع أهل المعصية كانت معاملته معك شديدة و مؤاخذته اياك عظيمة اذ صورك بأحسن صورة و قدرك بأحسن تقدير و سخر لك السماوات و الارض و الشمس و القمر و سائر ما يطول الكلام بذكره فيحصل لك حالة شريفة مانعة عن المعصية و الميل الى أهلها.
قوله (ان الرجل يذنب الذنب فيحرم صلاة الليل) هذا التأديب كثيرا ما يقع بالنسبة الى الصالحين و قد كان بعضهم معتادا بقيام الليل مع خضوع و ابتهال و صدرت منه صغيرة يوما فاستغفر و استرجع فلما نام الليلة رأى أنه مسافر الى بيت اللّه الحرام و انقطع عن الرفقاء فاذا رجل قبيح المنظر شديد الاهبة ظهر قبال وجهه فتكلم بلسان و هو لا يعرفه و ظن أنه لسان ترك فقال: انا ما أعرف هذا اللسان فتكلم بلسان الفرس و قال ما معناه أعطنى جميع ما يكون معك و ما لى على حياتك سبيل فوقع فى نفسه أنه شيطان فاستفزع و استيقظ فاذا الفجر طالع فصلى الصبح بتضرع و خشوع و بكاء فدفع عنه ذلك و لا تنظر أيها الاخ الصالح الى بعض الظالمين المشتغلين بأخذ أموال الناس و سفك دمائهم و هم مع ذلك يصلون صلاة الليل فان حرمانها للتأديب و التنبيه و هم بما عملوا خرجوا عن أهلية ذلك. ألا ترى أن كثيرا ممن خرجوا من الدين يسعون فى‏

235
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الذنوب ص 226

العمل السيّئ أسرع في صاحبه من السكّين في اللّحم.
17- عنه، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من همّ بسيئة فلا يعملها فإنّه ربما عمل العبد السيّئة فيراه الرّبّ تبارك و تعالى فيقول: و عزّتي و جلالي لا أغفر لك بعد ذلك أبدا.
18- الحسين بن محمّد، عن محمّد بن أحمد النهدي، عن عمرو بن عثمان، عن رجل، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: حقّ على اللّه أن لا يعصى في دار إلّا أضحاها للشمس حتى تطهّرها.
19- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصمّ، عن مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إنّ العبد ليحبس على ذنب من ذنوبه مائة عام و إنّه لينظر إلى أزواجه في الجنّة يتنعّمن.
20- أبو علي الأشعريّ، عن عيسى بن أيّوب، عن عليّ بن مهزيار، عن‏
__________________________________________________
العبادات أشد من سعى المؤمنين. ثم أشار الى أن العمل القبيح مهلك بقوله:
 (و ان العمل السيئ أسرع فى صاحبه من السكين فى اللحم) شبه السيئة بالسكين فى سرعة النفوذ و قوة التأثير و الغرض من هذا التشبيه هو الاهلاك و هو فى المشبه به أجلى و ان كان فى المشبه أقوى اذ بالمشبه به هلاك الدنيا و بالمشبه هلاك الآخرة.
قوله (من هم بسيئة فلا يعملها فانه ربما عمل العبد السيئة فيراه الرب تبارك و تعالى) فى مقام معصيته و اشتغاله بها (فيقول و عزتى و جلالى لا أغفر لك بعد ذلك) اذا وقع هذا القسم و كله الى نفسه و خلى بينه و بين شيطانه فيعمل ما يعمل حتى يصير من اخوان الشياطين و هو يخرج عن الدنيا بغير ايمان فلا تدركه شفاعة الشافعين، فلا يرد أنه اذا خرج هذا مع ايمان كيف لا يغفر له و الغفران معد للمؤمنين، و فيه تنفير عن السيئة كلها فان كل سيئة يمكن أن يكون هذه السيئة.
قوله (حق على اللّه أن لا يعصى فى دار الا أضحاها للشمس حتى تطهرها) ضحى الشي‏ء ظهر و أضحاه أظهره و هو كناية عن أن المعاصى تخرب الديار.
قوله (ان العبد ليحبس على ذنب من ذنوبه مائة عام) نظيره ما روى عن أمير المؤمنين «ع» «قال لا تتكلوا بشفاعتنا فان شفاعتنا لا تلحق بأحدكم الا بعد ثلاثمائة سنة» و فيه دلالة على أن الذنب يمنع من الدخول فى الجنة فى تلك المدة و لا دلالة فيه على أنه فى تلك المدة

236
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الذنوب ص 226

القاسم بن عروة، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: [قال:] ما من عبد إلّا و في قلبه نكتة بيضاء، فإذا أذنب ذنبا خرج في النكتة نكتة سوداء، فإن تاب ذهب ذلك السواد، و إن تمادى في الذّنوب زاد ذلك السواد حتّى يغطّى البياض فإذا تغطّى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا و هو قول اللّه عزّ و جلّ:
 «كَلَّا بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ»

__________________________________________________
فى النار أو فى شدائد القيامة و أما من لا ذنب له فلا يحبس فى القيامة و يدخل الجنة بغير حساب.
قوله (ما من عبد الا و فى قلبه نكتة بيضاء فاذا أذنب ذنبا خرج فى النكتة نكتة سوداء) نظيره قول أمير المؤمنين «ع» «ان الايمان يبدو لمظة فى القلب كلما ازداد الايمان ازدادت اللمظة هذا و ان مر شرحه الا أنه لا بأس أن نفسره ثانيا لزيادة التوضيح و التقرير فنقول قال بعض المحققين: اللمظة مثل النكتة أو نحوها من البياض و منه قيل فرس لمط اذا كان بجحفلته شي‏ء من البياض، و توضيح الكلام أن بأصل الايمان يظهر نكتة أبيض فى قلب من آمن أول مرة ثم اذا أقر باللسان ازدادت تلك النكتة و اذا عمل بالجوارح عملا صالحا ازدادت و هكذا حتى يصير قلبه نورانيا كالنير الاعظم و بعكس ذلك فى العمل السيئ، و تحقيق الكلام فى هذا المقام ان المقصود بالقصد الاول بالاعمال الظاهرة و الامر بمحاسنها و النهى عن مقابحها هو ما تكتسب النفس منها من الاخلاق الفاضلة و الصفات الفاسدة فمن عمل صالحا أثر فى نفسه و بازدياد العمل يزداد الضياء و الصفا حتى يصير كمرآة مجلوة صافية، و من أذنب ذنبا أثر ذلك أيضا و أورث لها كدورة فان تحقق قبحه و تاب عنه زال الاثر و صارت النفس مصقولة صافية و ان أصر عليه زاد الاثر الميشوم و فشا فى النفس و استعلى عليها و صار من أهل الطبع و لم يرجع الى خير أبدا إذ دواء هذا الداء هو الانكسار و هضم النفس و الاعتراف بالتقصير و الرجوع الى اللّه بالتوبة و الاستغفار و الانقلاع عن المعاصى و لا محل لشي‏ء من ذلك فى هذا القلب المظلم. لا حول و لا قوة الا باللّه العلى العظيم.
ثم أشار الى أن ذلك هو الرين المذكور فى الآية الكريمة بقوله (و هو قول اللّه عز و جل كَلَّا بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ ما كانوا يكسبون) أى غلب على قلوبهم ما كانوا يكسبون حتى قبلت الطبع و الختم على وجه لا يدخل فيها شي‏ء من الحق و المراد بما كانوا يكسبون الاعمال الظاهرة القبيحة و الاخلاق الباطنة الخبيثة فان ذلك سبب لرين القلب و صداه و موجب لظلمته و عماه فلا يقدر أن ينظر الى وجوه الخيرات و لا يستطيع أن يشاهد صور المعقولات كما أن‏

237
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الذنوب ص 226

21- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لا تبدينّ عن واضحة و قد عملت الأعمال الفاضحة و لا تأمن البيات و قد عملت السيّئات.
22- محمّد بن يحيى، و أبو عليّ الأشعري، عن الحسين بن إسحاق، عن علي بن مهزيار، عن حمّاد بن عيسى، عن أبي عمرو المدائني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: كان أبي عليه السّلام يقول: إنّ اللّه قضى قضاء حتما ألّا ينعم على العبد بنعمة فيسلبها إيّاه حتّى يحدث العبد ذنبا يستحقّ بذلك النقمة.
23- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن سدير قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: قالوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ- الآية فقال: هؤلاء قوم كانت لهم قرى متّصلة
__________________________________________________
المرآة اذا القيت فى مواضع الندى ركبها الصدا، و أذهب صفاءها و أبطل جلاءها فلا ينتقش فيها صور المحسوسات و بالجملة يشبه القلب فى قسوته و غلظته و زوال نوره بما يعلوه من الذنوب و الهوى و ما يكسوه من الغفلة و الردى بالمرآة المتكدرة من الندى و كما أن هذه المرآة يمكن ازالة ظلمتها بالعمل المعلوم كذلك هذا القلب يمكن تصفيته من ظلمات الذنوب و كدورات الاخلاق بدوام الذكر و التوبة الخالصة و الاعمال الصالحة و الاخلاق الفاضلة حتى ينظر الى عالم الغيب بنور الايمان و يشاهده كمشاهدة العيان الى أن يبلغ الى أعلى درجة الاحسان فيعبد اللّه كأنه يراه و يرى الجنة و ما أعد اللّه فيها لاوليائه، و يرى النار و ما أعد اللّه فيها لاعدائه.
قوله (فقال هؤلاء قوم كانت لهم قرى متصلة) هؤلاء كانوا من أولاد سبأ و كانت لهم قرى متصلة متقاربة من مواضع سكناهم باليمن الى الشام ينظر بعضهم الى بعض لغاية القرب و كمال الاتصال و أنهار جارية فيها و فيما بينهما و أموال ظاهرة لابناء السبيل و المسافرين فى كل ما يحتاجون إليه بلا تعب فى تحصيله و حمله و كانوا يسيرون فيها ليالى و أياما آمنين من غير خوف و أمروا بأن يأكلوا رزق ربهم و يشكروا له بإزاء تلك النعمة الجليلة فأعرضوا عن الشكر و كفروا انعم اللّه عز و جل و غيروا ما بأنفسهم من العافية و الخير و قالوا ربنا باعد بين أسفارنا طالبين أن يجعل بينهم و بين الشام مفاوز و برارى ليتطاولوا فيها على الفقراء بركوب الرواحل و تزود الزاد فغير اللّه ما بهم من نعمة فارسل عليهم سيل العرم ففرق قراهم و خرب‏

238
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الذنوب ص 226

ينظر بعضهم إلى بعض و أنهار جارية و أموال ظاهرة فكفروا نعم اللّه عزّ و جل و غيّروا ما بأنفسهم من عافية اللّه فغيّر اللّه ما بهم من نعمة. و إنّ اللّه لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم، فأرسل اللّه عليهم سيل العرم فغرّق قراهم و خرّب ديارهم و أذهب أموالهم و أبدلهم مكان جنّاتهم جنّتين ذواتى أكل خمط و أثل و شي‏ء من سدر قليل، ثمّ قال: «ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَ هَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ».
24- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمد بن سنان، عن سماعة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ما أنعم اللّه على عبد نعمة فسلبها إيّاه حتّى يذنب ذنبا يستحقّ بذلك السّلب.
25- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، و عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا عن ابن محبوب، عن الهيثم بن واقد الجزري قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ اللّه عزّ و جلّ بعث نبيّا من أنبيائه إلى قومه و أوحى إليه أن قل لقومك: إنّه ليس من أهل قرية و لا [ا] ناس كانوا على طاعتي فأصابهم فيها سرّاء فتحوّلوا عمّا احبّ إلى ما أكره إلّا تحوّلت لهم عمّا يحبّون إلى ما يكرهون و ليس من أهل قرية و لا
__________________________________________________
ديارهم و اذهب بأموالهم الصامت و الناطق و أبدلهم جناتهم التى كانت عن يمين بلدهم و شماله و عن يمين مسكن كل رجل و شماله «جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ» و هو ثمرة بشع أو نوع من شجر أراك به حمل يؤكل و ذواتى أثل» و هو نوع من الشجر شبيه بالطرفا لا ثمر له «وَ شَيْ‏ءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ» و ثمرة و هو النبق يطيب أكله و لذا وصفه بالقلة و تسمية البدل جنتين من باب المشاكلة أو التهكم ثم قال جل شأنه «ذلِكَ» أى الّذي فعلناه بهم و قضينا عليهم «بِما كَفَرُوا» أى بسبب كفرانهم بتلك النعم الجليلة «وَ هَلْ نُجازِي» بذلك الجزاء أو بمثل ما فعلنا بهم «إِلَّا الْكَفُورَ» أى المبالغ فى الكفر و الاستفهام للتقرير.
و المفسرون نقلوا فى العرم أقوالا الاول أنه السد الّذي يحبس الماء و كان له ثلاثة أبواب بعضها فوق بعض فيسقون من الباب الا على ثم من الثانى ثم من الثالث بقدر الاحتياج. و أضاف السيل الى العرم لانه بخرابه جاء السيل. الثانى أنه اسم الوادى و أضاف السيل إليه لانه جاء من قبله. الثالث أن العرم صفة السيل من العرام و هو الشدة أى سيلان لا يمنع منه.
الرابع أنه الخلد و هو الجرذ الاعمى فنقب السكر من أسفله فسال منه فخرب جناتهم و الاضافة لادنى ملابسة.
قوله (فتحولوا عما احب الى ما أكره الا تحولت لهم عما يحبون الى ما يكرهون) يشهد

239
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الذنوب ص 226

أهل بيت كانوا على معصيتي فأصابهم فيها ضراء فتحوّلوا عمّا أكره إلى ما احبّ إلّا تحوّلت لهم عما يكرهون إلى ما يحبّون، و قل لهم: إنّ رحمتي سبقت غضبي فلا تقنطوا من رحمتي فإنّه لا يتعاظم عندي ذنب أغفره و قل لهم: لا يتعرّضوا معاندين لسخطي و لا يستخفّوا بأوليائي فإنّ لي سطوات عند غضبي، لا يقوم لها شي‏ء من خلقي.
26- علي بن إبراهيم الهاشمي، عن جدّه محمد بن الحسن بن محمّد بن عبيد اللّه.
عن سليمان الجعفري، عن الرّضا عليه السّلام قال: أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى نبيّ من الأنبياء إذا اطعت و إذا رضيت باركت و ليس لبركتي نهاية و إذا عصيت غضبت و إذا غضبت لعنت و لعنتي تبلغ السابع من الورى.
27- محمّد بن يحيى، عن علي بن الحسن بن عليّ، عن محمّد بن الوليد، عن يونس ابن يعقوب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام [أنّه‏] قال: إنّ أحدكم ليكثر به الخوف من السلطان و ما ذلك إلّا بالذّنوب فتوقّوها ما استطعتم و لا تمادوا فيها.
28- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، رفعه قال: قال أمير المؤمنين‏
__________________________________________________
للفريقين الخبر المشهور و هو «كما تدين تدان» ثم بشر المذنبين بقوله (و قل لهم ان رحمتى سبقت غضبى الخ) اذا اشتد سبب الغضب و كان هناك سبب الرحمة و لو كان ضعيفا تعلقت الرحمة ان شاء اللّه و هو المراد سبقها أو المراد به انه تعالى خلق الانسان برحمته لادراجهم فى ظلها و الغضب انما تشأ من سوء أعمالهم و قبح أفعالهم و لذلك لا يتغاظم عنده غفران ذنوبهم ان بقيت علاقة المغفرة فى الجملة و فيه ترغيب فى التوبة و الرجوع عن المعصية و وعد بقبولها و وعيد عن القنوط من رحمته بسبب معصيته و ان عظمت كما فى قوله:
 (و قل لهم لا يتعرضوا معاندين لسخطى و لا يستخفوا بأوليائى) فان فيه وعيدا على المعصية و البقاء عليها و الاستخفاف بالاولياء شامل للاستهزاء بهم و قتلهم و حبسهم و ضربهم و شتمهم و غيرها مما ينافى تعظيمهم، و السطوة و القهر الاذل و البطش الشديد.
قوله (و لعنتى تبلغ السابع من الورى) وراء الرجل أولاد أولاده و كل من جاء خلفه، و لعل المراد قد تبلغ و ذلك اذا رضوا بفعل أبيهم أو اقتدوا به و اللّه يعلم.
قوله (ان أحدكم ليكثر به الخوف من السلطان و ما ذلك الا بالذنوب) فكذا بالنسبة الى السلطان الاعظم و فيه تشبيه للخفى بالظاهر الجلى للتقرير و الايضاح ثم أمر بالوقاية عن الذنوب بقدر الاستطاعة و نهى عن الاصرار عليها و التمادى فيها و المداومة عليها على تقدير الوقوع‏

240
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الذنوب ص 226

عليه السّلام: لا وجع أوجع للقلوب من الذّنوب و لا خوف أشدّ من الموت، و كفى بما سلف تفكّرا، و كفى بالموت واعظا.
29- أحمد بن محمّد الكوفي، عن عليّ بن الحسن الميثمي، عن العباس بن هلال الشامي مولى لأبي الحسن موسى عليه السّلام قال: سمعت الرّضا عليه السّلام يقول: كلما أحدث العباد من الذّنوب ما لم يكونوا يعملون أحدث اللّه لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون.
30- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عباد بن صهيب، عن‏
__________________________________________________
و بالجملة يجب حفظ النفس من الذنب و لو صدر وجب التدارك بالتوبة و عدم الاصرار عليه.
قوله (لا وجع أوجع للقلوب من الذنوب) اذ كل وجع يفرض لا يوجب بعد القلب من اللّه المطلوب لكل سالك الا الذنوب فى العقائد و الاعمال و أيضا كل وجع لا يوجب هلاك القلب أبدا و سواده الا الذنوب.
 (و لا خوف أشد من الموت) أى من خوف الموت اذ كل شي‏ء يخاف منه وقوعه غير متيقن بخلاف الموت و لان الخوف انما هو من ألم و الموت ألم شديد مع ما يعقبه من الآلام التى لا علم بالنجاة منها قطعا (و كفى بما سلف تفكرا) فان من تفكر فيما سلف من أحوال القرون و فيمن أنس بالدنيا فغرتهم و وثقوا بها فصرعتهم و عصوا فيها فدمرتهم فأخرجوا من دورهم و حملوا الى قبورهم فأنزلوا شر الدار و أدخلوا بئس القرار و ألبسوا سرابيل القطران و عذبوا بمقطعات النيران حصلت له ملكة الصبر على الطاعة و فضيلة التحرز عن المعصية فيتذكر ما كانوا عنه يغفلون و يحذر عما كانوا به يعلمون.
 (و كفى بالموت واعظا) لانه يقرع الاذان بحديث الفناء و يخبر الانسان بعدم البقاء و يقبح الشغل بالدنيا لسرعة زوالها و يشنع معصية المولى لشدة نكالها و يتعظ بمواعظها من هو سديد أو ألقى السمع الى زواجرها و هو شهيد.
قوله (كلما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون أحدث اللّه لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون) يدل عليه «1» أيضا قول أمير المؤمنين «ع» «من صارع الحق صرعه» يجوز أن يراد بالحق ذات اللّه تعالى و المراد بالمصارعة حينئذ مخالفة أوامره و نواهيه، و أن يراد به الصواب أى من عدل عن طريق الصواب صرعه فى مهاوى البلاء و العتاب.
__________________________________________________
 (1) قوله «يدل عليه» معنى الحديث أن الناس اذا اخترعوا فى المعاصى وجوها لم يكن يعرفها أحد قبلهم كآلات اللهو و القمار و غيرها أحدث اللّه لهم بلاء لم يكونوا يعرفون كامراض خطرة و وسائل للقتل و السلب و الظلم و لا ادرى ما فهم منه الشارح. (ش).

241
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الذنوب ص 226

أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: يقول اللّه عزّ و جلّ: إذا عصاني من عرفني سلّطت عليه من لا يعرفني.
31- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عن ابن عرفة عن أبي الحسن عليه السّلام قال: إنّ للّه عزّ و جلّ في كلّ يوم و ليلة مناديا ينادي: مهلا مهلا عباد اللّه عن معاصي اللّه، فلو لا بهائم رتّع و صبية رضّع و شيوخ ركّع لصبّ عليكم العذاب صبّا، ترضّون به رضّا.
 (باب الكبائر)
1- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن أبي جميلة، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً»

__________________________________________________
قوله (اذا عصانى من عرفنى سلطت عليه من لا يعرفنى) لعل المراد به الجاحد له من الانسان أو المعاند له كالشيطان.
قوله (مهلا مهلا عباد اللّه) المهل بالتسكين و التحريك لغة الرفق و التأنى و التأخر أى رفقا رفقا يا عباد اللّه عن معاصى اللّه يعنى تأن فيها و لا تعجل أو تأخر عنها و لا تقربها و هو للواحد و الاثنين و الجماعة و المؤنث بلفظ واحد. و رتع و رضع و ركع بضم الاول و فتح الثانى مع الشد جمع راتع و راضع و راكع كطلب جمع طالب، و الرض الكسر و الدق الجريش و فعله من باب قتل، و المراد بالعذاب العذاب الدنيوى و أما العذاب الاخروى فلا دافع له الا التوبة أو العفو أو الشفاعة.
قوله (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ)
 هذا على مذهب من قال بان الذنوب بعضها كبائر و بعضها صغائر [1] ظاهر فان الكبائر تكفر الصغائر و أما على مذهب من قال ان الذنوب كلها كبائر فى ذواتها و ان كان بعضها أكبر من بعض كما هو مذهب‏
__________________________________________________
 [1] قوله «بعضها كبائر و بعضها صغائر» لا استحسن تعبير الشارح فى نقل القولين اذ لا ينكر أحد تقسيم المعاصى الى كبيرة و صغيرة كما ورد فى القرآن الا أنهم اختلفوا فى كون كل منهما محدودة فى عدد خاص، أو أن الكبر و الصغر نسبى اضافى كالامثلة التى ذكرناها، و الحق هو ما نقله عن الطبرسى و لا يعتبر ذلك بالنسبة الى ما هم به العبد بل الى ايجاب سخط اللّه و عقابه فكلما هو اشد كراهة عند اللّه و سخطه فيه أعظم و عذابه آلم و أدوم فهو أكبر. و روى «أن أكبر الكبائر الشرك باللّه تعالى» و فى القرآن الكريم «الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ» مع كون القتل كبيرة، و أيضا أن القتال فى الشهر الحرام كبير و صد عن سبيل اللّه و المسجد الحرام، و مع ذلك‏

242
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبائر ص 242

قال: الكبائر الّتي أوجب اللّه عزّ و جلّ عليها النّار.
2- عنه، عن ابن محبوب قال: كتب معي بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه السّلام يسأله عن الكبائر كم هي و ما هي، فكتب: الكبائر من اجتنب ما وعد اللّه عليه النّار كفّر عنه سيّئاته إذا كان مؤمنا و السبع الموجبات قتل النفس الحرام و عقوق الوالدين‏
__________________________________________________
الامامية على ما نقله الشيخ أبو على الطبرسى فى مجمع البيان ففيه خفاء اذ ليس ذنب غير الكبائر حتى يكون اجتنابها كفارة له، و اجيب عنه بأن من عن له ذنبان أحدهما أكبر من الاخر و دعت نفسه إليهما بحيث لا يتمالك فترك الاكبر و فعل الاصغر فانه يكفر عنه الاصغر لما استحقه من الثواب على ترك الاكبر كمن عن له التقبيل و النظر بشهوة فكف عن التقبيل و ارتكب النظر و هذا الجواب مذكور فى كنز العرفان و أورده البيضاوى فى تفسيره، و نقله الشيخ فى الاربعين و أمر بالتأمل فيه، و بين وجه التأمل فى الحاشية بأنه يلزم منه أن من كف نفسه عن قتل شخص و قطع يده مثلا يكون مرتكبا للصغيرة و تكون مكفرة عنه اللهم الا أن يراد بالاصغر ما لا أصغر منه و هو فى هذا المثال أقل ما يصدق عليه الضرر لا قطع اليد، ثم قال: و فيه ما فيه فليتأمل، ثم أشار الى تعريف الكبائر بقوله:
 (الكبائر التى أوجب اللّه عز و جل عليها النار) يعنى أن الكبائر ما تعلق به الوعيد بالنار فى القرآن الكريم و له أفراد كثيرة يعرفها من تفكر فى القرآن و عرف زواجره و نواهيه. قوله (كم هى و ما هى) العطف اما للتفسير أو الاول سؤال عن عدد الكبائر و الثانى عن حدها، و الواو لا تفيد الترتيب و الا فالسؤال عن حد الشي‏ء مقدم على السؤال عن عدد أفراده، فأشار «ع» الى تعريفها بأنها ما تعلق به الوعيد بالنار، و الى بعض خواصها بأنها مكفرة لما دونها من السيئات. و الى شرائط التكفير بأنه اذا كان مؤمنا، و الى أفرادها بأنها السبع الموجبات للنار، و الظاهر أن قوله «الكبائر» فى قوله فكتب «الكبائر» مفعول كتب كما بعدها أى كتب لفظ الكبائر فى صدر الكتاب ليعلم أن ما بعدها متعلق ببيانها كما هو المتعارف فى ذكر الشي‏ء محملا، ثم مفصلا. و أن قوله:
 (و السبع الموجبات) عطف على ما وعد اللّه أى من اجتنب السبع الموجبات للنار كفر عنه‏
__________________________________________________
اخراج أهل المسجد الحرام منه أكبر كما فى القرآن. و بالجملة كما هو أقبح عند اللّه فهو أعظم و انما الكلام فى تقييد اسم الكبائر بعدة معدودة و هو ممنوع، و يعرف كون بعض المعاصى أعظم عند اللّه و قباحته أشد بان يذكره فى القرآن مع الوعيد و لو لم يكن شدة قبحه لم يخصصه تعالى بالذكر. و أما تكفير السيئات الصغيرة ففيه كلام ليس هنا موضع تفصيله. (ش)

243
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبائر ص 242

و أكل الرّبا و التعرّب بعد الهجرة و قذف المحصنة و أكل مال اليتيم و الفرار
__________________________________________________
سيئاته من باب عطف الخاص على العام لان الكبائر أكثر منها كما سنشير إليه أو من باب عطف المفصل على المجمل، و يحتمل أن يكون عطفا على من اجتنب أى الكبائر السبع الموجبات و هى (قتل النفس الحرام) سواء كانت نفس القاتل أو ولده أو غيرهما و قد وقع النهى المشدد عن الكل.
 (و عقوق الوالدين) و هو ترك ما يجب لهما من البر و فعل ما يتأذيان به و مخالفتهما فيما ليس بمعصية، و فى جواز المخالفة فى الشبهات نظر و الاقرب عدم الجواز.
 (و أكل الربا) الربا من أعظم الكبائر و هو حرام مطلقا بالبيع و غيره نقدا و نسية اقتناء و أكلا و غيرهما من التصرفات و انما خص الاكل بالذكر لانه أعظم ما يكتسب له حقيقة و عادة على أنه شاع فى العرف اطلاق الاكل على جميع وجوه التصرفات و قيد الخبر الاخر تحريم أكله بكون أخذه بعد البينة أى بعد البيان النبوى و الدليل الشرعى فيفيد كظاهر الآية جواز التصرف فيما أخذه قبلها و ان كانت العين باقية و أما ما لم يأخذه قبلها فلا يجوز أخذه و الاحتياط هو الرد مع بقاء العين.
 (و التعرب بعد الهجرة) قال ابن الاثير هو أن يعود الى البادية بعد أن كان مهاجرا و كان من رجع بعد الهجرة الى موضعه من غير عذر يعدونه كالمرتد، أقول وجوب المهاجرة الى المدينة قبل الفتح لنصرة النبي «ص» و تحريم التعرب قبله مما أجمع عليه الامة، و أما التعرب بعده فالظاهر أنه حرام أيضا للاستصحاب و لظاهر هذا الخبر و نحوه و يحتمل العدم لقوة الدين و كثرة الناصر بعده و كذا الحكم فى وجوب المهاجرة بعده و تحريم التعرب بعد هذه المهاجرة (و قذف المحصنة) أى رميها بالزنا و كذا رمى المحصن به أو باللواط و المراد بها العفيفة سواء كانت ذات بعل أم لا.
 (و أكل مال اليتيم) الاكل يعم جميع وجوه التصرف عرفا و اليتم لغة الانفراد و هو فى الناس من فقد أباه و فى البهائم من فقد أمه بشرط الصغر فيهما و الزمخشرى لا يشترطه لوجود الانفراد فى الكبير أيضا الا أنه غلب استعماله فى الصغير و قال حديث «لا يتم بعد البلوغ» تعليم شريعة لا تعليم لغة، و المراد هنا الصغير و يمكن إرادة الاعم منه و من الشيعة مطلقا لانهم أيتام أهل البيت عليهم السلام كما دل عليه بعض الروايات، و الحديث نص فى تحريم أكل ماله على كل أحد حتى الوصى و الولى و جوز بعض الاصحاب أكل الولى بالمعروف لقوله تعالى فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ و أجاب المانع بأنه أمر الولى بأن يأكل من مال نفسه بالمعروف و لا يبذر خوف‏

244
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبائر ص 242

من الزّحف.
3- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن عبد اللّه بن مسكان، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: الكبائر سبع: قتل المؤمن متعمّدا
__________________________________________________
أن يحتاج فيمد يده الى مال اليتيم، أو أمره بأن يختار الاقتصاد فى صرفه لليتيم أو بأن يأكل على قصد الاداء و الكل ضعيف بل غير مناسب لسوق الآية. ثم تحريم أكل ماله مقيد بما اذا أكل من ماله وحده و أما اذا خلط ماله مع مال نفسه و أكلا منه فهو جائز بشرط رعاية الغبطة كما فى بعض الروايات (و الفرار من الزحف) الزحف المشى يقال زحف إليه زحفا و زحوفا من باب منع اذا مشى و يطلق على الجيش الكبير تسمية بالمصدر، و الفرار من العدو بعد الالتقاء بشرط أن لا يزيدوا على الضعف كبيرة الا فى التحرف لقتال أو التحيز الى فئة، و المراد بالتحرف لقتال الاستعداد له بأن يصلح آلات الحرب أو يطلب الطعام أو الماء لجوعه أو عطشه أو يجتنب عن مواجهة الشمس و الريح أو يطلب مكانا أحسن لثبات القدم أو نحو ذلك، و المراد بالتحيز الى فئة الرجوع إليهم للاستعانة مع صلاحيتهم لها و عدم البعد المفرط بحيث يعد الرجوع إليهم فرارا. قوله (الكبائر سبع قتل المؤمن معتمدا) الروايات فى عدد الكبائر مختلفة ففى رواية عبد العظيم بن عبد اللّه الحسنى المذكورة فى آخر هذا الباب احدى و عشرون و فى رواية أبى بصير عن أبى عبد اللّه «ع» سبعة و فى رواية مسعدة بن صدقه عنه عليه السلام عشرة و فى هذه الرواية سبعة الا أن السابعة كل ما أوجب اللّه عليه النار. و هو كالتعميم بعد التخصيص لانه يشمل غير ما ذكر امورا كثيرة مثل عقوق الوالدين و الشرك باللّه و اليأس من رحمة اللّه و الأمن من مكر اللّه و نحوها، و فى الروايتين المذكورتين قبل ما نحن فيه أيضا دلالة على انها كثيرة جدا و هذا هو الحق و لعل المعينات فى الروايات محمولة على أنها أكبر من البواقى أو على أن الوقوع فيها أكثر فوقع الاهتمام بذكرها ليحترزوا عنها مع أن فى أكثرها اشارة اجمالية الى غيرها لاشتراكها فى العلة و هى الوعيد، و مما يؤيده ما نقل عن ابن عباس ان الكبيرة ما نهى اللّه سبحانه عنه، قيل أ هى سبع؟ قال هى الى السبعين أقرب، و يروى الى السبعمائة و عنه أيضا هى ما توعد اللّه تعالى عليه بعذاب أو قرن بلعنة أو غضب، و قيل هى ما توعد عليه بعذاب أو رتب عليه حد و قيل هى كل ذنب يؤذن بقلة اعتناء فاعله بالدين و قيل هى كل ذنب علم حرمته بدليل قاطع، و قال الغزالى هى ما فعل دون استشعار خوف و لا اعتقاب ندم لان الّذي يفعل الذنب بدون احدهما مجتر متهاون و ما وقع مع احدهما صغيرة و هذا التفصيل لم نجد عليه دليلا مع انه لا يخلو من غرابة كما لا يخفى، و قيل يعرف الفرق بان تعرض مفسدة الذنب فان‏

245
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبائر ص 242

و قذف المحصنة و الفرار من الزّحف و التعرّب بعد الهجرة و أكل مال اليتيم ظلما و أكل الرّبا بعد البيّنة و كلّ ما أوجب اللّه عليه النّار
__________________________________________________
نقصت عن مفسدة أقل الكبائر المنصوص عليها فهى صغيرة و ان ساوتها او كانت أعظم فهى كبيرة فالشرك كبيرة بالنص، و تلطيخ الكعبة بالقذر و القاء المصحف فيه مساوله و الزنا و القتل كبيرتان بالنص و حبس امرأة ليزنى بها أو ليقبلها لم ينص عليه لكنه أعظم مفسدة من أكل مال اليتيم المنصوص عليه، و الفرار من الزحف كبيرة و الدلالة على عورة المسلمين مع العلم بانهم يسبون أموالهم و ذراريهم لم ينص عليه و لكنه أعظم من الفرار من الزحف و كذلك لو كذب على مسلم كذبة يعلم أنه يقتل بها. و قال جماعة: الذنوب كلها كبائر لاشتراكها فى مخالفة الامر و النهى لكن قد يطلق الصغير و الكبير على الذنب بالإضافة الى ما فوقه و ما تحته فالقبلة صغيرة بالنسبة الى النظر بشهوة قال الشيخ الطبرسى فى مجمع البيان بعد نقل هذا القول: و الى هذا ذهب أصحابنا رضى اللّه عنهم فانهم قالوا المعاصى كلها كبيرة لكن بعضها أكبر من بعض و ليس فى الذنوب صغيرة و انما يكون صغيرا بالإضافة الى ما هو أكبر [1] و يستحق العقاب عليه أكثر، قال الشيخ فى الاربعين لا يخفى أن كلام الشيخ الطبرسى مشعر بأن القول بأن الذنوب كلها كبائر متفق عليه بين علماء الامامية و كفى بالشيخ ناقلا.
اذا قالت حذام فصدقوها             فان القول ما قالت حذام‏
 و لكن صرح بعض أفاضل المتأخرين [2] منهم بأنهم مختلفون و ان بعضهم قائل ببعض الاقوال السالفة و نسب هذا القول الى رئيس الطائفة الشيخ المفيد و ابن البراج و أبى الصلاح و المحقق محمد بن ادريس و الشيخ أبى على الطبرسى رضوان اللّه عليهم.
__________________________________________________
 [1] «و انما يكون صغيرا بالإضافة الى ما هو أكبر» هذا تعبير حسن لا يرد عليه ما أوردنا فى الحاشية السابقة (ش)
 [2] قوله «لكن صرح بعض أفاضل المتأخرين» لعل هذا البعض فهم من اختلاف العلماء فى هذه المسألة غير ما هو المقصود و تحليل المطلب أن من قال مثلا الكبائر سبع: الشرك و القتل و الزنا- الخ. هل يكون مقصوده تساوى هذه المعاصى فى القبح و كراهة اللّه تعالى اياها و استحقاق جميعها عقابا واحدا أو يكون مقصوده عدم تساويها فى هذه الامور و لا يتوقع منه الاعتقاد بالتساوى فلا بد أن يكون بعضها أكبر و بعضها أصغر، ثم ننقل الكلام الى ما سوى هذه السبع و ما سواها صغائر فى اصطلاحه هل يكون مقصوده تساويها فى ما ذكر من القباحة و السخط و العذاب او عدم تساويها، و لا يتوهم فى حقه ان يعتقد تساوى جميع الذنوب ما سوى السبع الكبائر. فيكون بعضها أقبح و حينئذ فمرتكب هذه الصغائر فى اعتقاد القائل به هل يستحق‏

246
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبائر ص 242

4- يونس، عن عبد اللّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ من الكبائر عقوق الوالدين و اليأس من روح اللّه و الأمن لمكر اللّه. و قد روي [أنّ‏] أكبر الكبائر الشرك باللّه 5- يونس، عن حمّاد، عن نعمان الرّازي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:
من زنى خرج من الإيمان و من شرب الخمر خرج من الإيمان و من أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا خرج من الإيمان‏
__________________________________________________
قوله (و اليأس من روح اللّه و الأمن لمكر اللّه) الياس من رحمة اللّه الواسعة المريحة من الشدائد انكار لاعظم صفاته تعالى و هى الرحمة المبتنية عليها افاضة جميع الخيرات دنيوية كانت أم اخروية و لو عده الصادق بمغفرة الذنوب و ان كثرت و اساءة الظن به و الأمن لمكر اللّه تعالى و سكون القلب من عقوبته و عدم الخوف من معصيته جرأة عليه و انكار لوعيده و جلالته و استخفاف لعظمته و عزته فينبغى للعبد أن يكون دائما بين الخوف و الرجاء (و قد روى [أن‏] اكبر الكبائر الشرك [1] باللّه) لان عقوبته أشد لقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ*، و الشرك أعم من اتخاذ الشريك له فى الالوهية كما فى عبدة الاوثان و الغلاة و من تشبيهه بالخلق كما فى المصورة و المجسمة.
قوله (من زنى خرج من الايمان و من شرب الخمر خرج من الايمان و من أفطر يوما من شهر رمضان معتمدا خرج من الايمان) الروايات الدالة على أن العاصى يخرج من الايمان حين المعصية كثيرة فمنهم من حملها على ظاهرها و منهم من حملها على نفى الكمال و زواله من باب نفى الشي‏ء بنفى صفته نحو «لا علم الا ما نفع» و منهم من حملها على المستحل و منهم من حملها على أنه ليس آمنا من عقوبة اللّه، و يرد عليهما أنه لا وجه لتخصيص هذه المعاصى بذلك بل الجميع كذلك و لا للتخصيص بوقت الفعل كما فى بعض الروايات و قد
__________________________________________________
العذاب أولا؟ فان قالوا لا يستحق العقاب فليست معصية لا كبيرة و لا صغيرة، و ان استحق العقاب فلا بد ان يكون العفو عنه تفضلا و يمكن العفو تفضلا عن الكبائر أيضا. فان فتشنا القائل بكون الكبائر سبعا وجدناه موافقا لمن قال بقول الطبرسى رحمه اللّه الا أن يظن باحد من العلماء تساوى الكبائر فى القباحة و تساوى الصغائر فيها و كون القبح ذا مرتبتين فقط و أن الصغائر ليست معصية أصلا و هم بريئون من هذا الظن. (ش)
 [1] قوله «أكبر الكبائر الشرك» يدل على قول الامامية على ما سبق عن الطبرسى رحمه اللّه. (ش)

247
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبائر ص 242

6- عنه، عن محمّد بن عبده قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: لا يزني الزاني و هو مؤمن؟ قال: لا، إذا كان على بطنها سلب الإيمان فإذا قام ردّ إليه فإذا عاد سلب، قلت: فإنّه يريد أن يعود؟ فقال: ما أكثر من يريد أن يعود فلا يعود إليه أبدا.
7- يونس، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ:
__________________________________________________
يجاب عن الاول بأن الحكم غير مختص بهذه المعاصى لانه نبه بالزنا على جميع ما حرمه اللّه من الشهوات و بالخمر على جميع ما يشغل عن اللّه و بالسرقة على الرغبة فى الدنيا و أخذ الشي‏ء من غير وجهه و يؤيده ما سيأتى من رواية محمد بن حكيم قال «قلت لابى الحسن «ع» الكبائر تخرج من الايمان؟ قال: نعم و ما دون الكبائر» «1» و منهم من حملها على نفس اسم المدح أى لا يقال له مؤمن بل يقال له زان و شارب الخمر و تارك للصوم و سارق. و يقرب منه قول المعتزلة أن الفاسق لا يسمى مؤمنا، و منهم من حملها على زوال النور الناشئ من الايمان و هو منقول عن ابن عباس و أيده بقول رسول اللّه «ص» «من زنى نزع اللّه نور الايمان من قلبه فان شاء رده إليه» و منهم من حملها على زوال استحضار الايمان أى لا يزنى الزانى و هو مستحضر الايمان، و يقرب منه قول الفخر الرازى «لا يزنى الزانى و هو عاقل» لان المعصية مع استحضار العقوبة مرجوحة و الحكم بالمرجوح خلاف المعقول، و منهم من حملها على نفى الحياء أى لا يزنى الزانى و هو مستحى من اللّه و الحياء خصلة من الايمان و هذا راجع الى التأويل الاول و هو أقرب التأويلات و ان كان الخبر كاد أن يكون من المتشابهات فترك تأويله الى العالم «2» بها أولى.
قوله (قلت فانه يريد ان يعود- الخ) توهم أن إرادة العود الى الفعل مثله فدفعه «ع» بأنه ليس كذلك و هو لا ينافى أن هم العود معصية باعتبار ترك التوبة.
__________________________________________________
 (1) قوله «نعم و ما دون الكبائر» يعنى الصغائر فانها أفعال غير مرضية للّه تعالى و يستحق فاعلها العقاب فان ثبت العفو عنها فهو تفضل و هذا يدل على قولنا أيضا. (ش).
 (2) قوله «فترك تأويله الى العالم» هذا حسن بالنسبة الى المسألة من حيث أنها مسئلة اعتقادية اصولية اما من جهة العمل فلا لان الفساق يعاشرون مع الصلحاء و ينكحون فيهم و يؤاكلونهم و يدخلون فى مساجدهم فان خرج أحد بالفسق عن الايمان نجس بدنه و يعامل معه معاملة الكافر و هو خلاف الاجماع فلا بد من تأويل هذا الخبر بوجه لا ينافى الحكم المعلوم و خروج الفاسق عن الايمان بفسقه مذهب الوعيدية من الخوارج. (ش).

248
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبائر ص 242

 «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ» قال: الفواحش الزّنا و السّرقة و اللّمم: الرّجل يلمّ بالذّنب فيستغفر اللّه منه. قلت: بين الضّلال و الكفر منزلة؟
فقال: ما أكثر عرى الايمان.
8- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرّحمن بن الحجّاج، عن عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكبائر، فقال: هنّ في كتاب عليّ عليه السّلام سبع: الكفر باللّه و قتل النّفس و عقوق الوالدين و أكل الرّبا بعد البيّنة و أكل مال اليتيم ظلما و الفرار من الزّحف و التعرّب بعد الهجرة، قال: فقلت: فهذا أكبر المعاصي؟ قال: نعم، قلت: فأكل درهم من مال اليتيم ظلما أكبر أم ترك الصّلاة؟
قال: ترك الصلاة، قلت: فما عددت ترك الصلاة في الكبائر؟ فقال: أيّ شي‏ء أوّل ما قلت لك؟ قال: قلت: الكفر؟ قال: فإنّ تارك الصلاة كافر يعني من غير علّة
__________________________________________________
قوله (الفواحش الزنا و السرقة) الزنا بالكسر و القصر و السرقة مثل كلمة و الفعل من باب ضرب و الفاحشة منها كل ما اشتد قبحه من الكبائر كالزنا بالمحارم أو مطلقا و تخصيصها بالذكر بعد ذكر الكبائر الشاملة لها للاهتمام بالزجر عنهما لكونهما أشد قبحا و أكثر وقوعا (و اللمم) بفتحتين مقاربة الذنب و قيل هو الصغائر و قيل هو أن يفعل الصغيرة ثم لا يعاوده كالقبلة و الوطي بين الفخذين و غيرها مما تكفره الصلاة و قيل هو أن يلم بالشي‏ء و لا يفعله (قلت بين الضلال و الكفر منزلة فقال ما أكثر عرى الايمان) كان المراد اثبات المنزلة بينهما بأن الضال من دخل فى الاسلام و لم يدخل فى الايمان و الكافر من لم يدخل فى الاسلام فبينهما منزلة عريضة هى الايمان [1] و له مراتب كما أشار إليه بقوله «ما أكثر عرى الايمان» و هى أركان الايمان و آثاره التى بها يكمل الايمان و يستقر على سبيل تشبيهها بعروة الكوز فى احتياج حمله الى التمسك بها فالايمان بجميع مراتبه منزلة بينهما، و يحتمل أن يراد بالكفر أعم من الخروج من الايمان و ترك رعاية شي‏ء من آثاره و اطلاقه على هذا المعنى الاعم شايع كما سيجي‏ء و حينئذ الايمان الحقيقى و هو المقرون بجميع آثاره منزلة بينهما، و اللّه يعلم.
قوله (فان تارك الصلاة كافر يعنى من غير علة) تاركها من غير علة مستخفا بها كافر
__________________________________________________
 [1] قوله «منزلة عريضة هى الايمان» اثبات المنزلة بين الكفر و الايمان مذهب بعض المعتزلة و غيرهم على نفيها و لما كان لفظ الرواية يوهم موافقة قول المعتزلة اولها الشارح‏

249
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبائر ص 242

9- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن حبيب، عن عبد اللّه ابن عبد الرّحمن الأصمّ، عن عبد اللّه بن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: ما من عبد إلّا و عليه أربعون جنّة حتّى يعمل أربعين كبيرة فإذا عمل أربعين كبيرة انكشفت عنه الجنن فيوحي اللّه إليهم أن استروا عبدي باجنحتكم فتستره الملائكة بأجنحتها. قال: فما يدع شيئا من القبيح إلّا قارفه حتّى يمتدح إلى النّاس بفعله القبيح، فيقول الملائكة: يا ربّ هذا عبدك ما يدع شيئا إلّا ركبه و إنّا لنستحيي ممّا يصنع، فيوحي اللّه عزّ و جلّ إليهم أن ارفعوا أجنحتكم عنه فإذا فعل ذلك أخذ في بغضنا أهل البيت فعند ذلك ينهتك ستره في السماء و ستره في الأرض، فيقول الملائكة: يا ربّ هذا عبدك قد بقي مهتوك الستر فيوحي اللّه عزّ و جلّ إليهم:
لو كانت للّه فيه حاجة ما أمركم أن ترفعوا أجنحتكم عنه.
و رواه ابن فضّال، عن ابن مسكان‏
__________________________________________________
جاحد و غير مستخف بها كافر مخالف لاعظم الاوامر، و اطلاق الكفر على مخالفة الاوامر و النواهى شايع كما سيجي‏ء و الظاهر أن «يعنى» كلام المصنف.
قوله (ما من عبد الا و عليه أربعون جنة) الجنة بالفتح الساتر و بالضم الترس و قد يراد بها الساتر على سبيل الاستعارة و الاولى تجمع على جنن بكسر الجيم و فتح النون و الثانية على جنن بضم الجيم و فتح النون، و هذه الجنن يحتمل أن تكون أجنحة الملائكة و أن تكون غيرها و الاول أظهر، و لعل الغرض من الستر أن لا يرى معصيته طائفة من المقربين.
 (حتى يمتدح الى الناس بفعله القبيح) أى يمدح نفسه عند الناس بفعله القبيح أو يريد أن يمدحه الناس به كذلك زين له الشيطان سوء عملة فيراه حسنا، و فى كنز اللغة تمدح خويشتن را ستودن و ستايش خواستن.
 (فيقول الملائكة يا رب هذا عبدك قد بقى مهتوك الستر- الخ) لا يقال قول الملائكة هذا بناء على أنهم يريدون ستره و هذا ينافى قولهم المذكور قبله لاشعاره بانهم يريدون هتك ستره، لانا نقول دلالة قولهم الاول على ذلك ممنوع لاحتمال أن يكون طلبا لاصلاحه و لو سلم فيحتمل أن يكون طلبهم هتك الستر أولا نظر الى عظمة معصية الرب عندهم ثم بدا لهم طلب الستر له نظرا الى شفقتهم ببنى آدم، و يمكن أن يراد بالملائكة ثانيا غير من رفع أجنحتهم فلا
__________________________________________________
بوجه لا يخالف اجماع الشيعة و أكثر العامة لانا لم نر أحدا من علمائنا يثبت واسطة بين الايمان و الكفر فقال جميع المراتب المتصورة هى من الايمان و للايمان درجات. (ش)

250
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبائر ص 242

10- عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: الكبائر القنوط من رحمة اللّه و اليأس من روح اللّه و الأمن من مكر اللّه و قتل النفس الّتي حرّم اللّه و عقوق الوالدين و أكل مال اليتيم ظلما و أكل الرّبا بعد البيّنة و التعرّب بعد الهجرة و قذف المحصنة و الفرار من الزّحف، فقيل‏
__________________________________________________
منافاة بين القولين لاختلاف القائلين لكن يأباه قوله «ما أمركم أن ترفعوا أجنحتكم عنه» الا أن يراد بالخطاب جنس الملائكة.
قوله (الكبائر القنوط من رحمة اللّه و اليأس من روح اللّه) الظاهر أن القنوط و اليأس مترادفان «1» فالجمع بينهما للتأكيد و المبالغة مع احتمال أن يكون النظر فى القنوط الى قصور الرحمة و فى اليأس الى عظمة المعصية و حرمان صاحبها من الرحمة أو يكون الروح غير الرحمة كالتنفيس من الكرب و العقوبة و قد ذكرنا ما يتعلق به سابقا و لا بأس أن نشير إليه ثانيا مبالغة لترك هذه الخصلة الذميمة فنقول اليأس و هو ضد الرجاء من الكبائر الموبقة لان فيه جحدا للرحمة و المغفرة و خروجا من التوحيد و قد جاء فى كثير من الآيات الدالة على شمول الرحمة للمذنبين مثل «رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ» «و لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ» «و يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» و تقييد المغفرة بالتوبة فى قوله تعالى وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ لا ينافى ثبوتها بلا توبة و لا يوجب تقييد الآيات و الروايات المطلقة بها اذ لا قصور فى الرحمة حتى لا يتحقق بدونها على أن من تاب فقد خرج من الذنوب فلو قصرت المغفرة على التائب تعطل معنى الآيات و الروايات و ذهبت فائدة الرحمة وسعتها فلا بد من أن لا ييأس العاصى و أن يكون بين الخوف و الرجاء بل يكون طمعه بالرجاء أوثق و قلبه بشمول العناية أعلق كما قيل و بالجملة وجب على العاصى أن يتوب و يرجع و ان لم يتب وجب عليه أن لا يقنط لئلا يزيد على كبيرة كبيرة اخرى.
اذا كثرت منك الذنوب فداوها             برفع يد فى الليل و الليل مظلم‏
و لا تيأسن من رحمة اللّه انما             قنوطك منها من ذنوبك أعظم‏

__________________________________________________
 (1) «القنوط و اليأس مترادفان» و سره ان الآيسين من روح اللّه يتمادون فى المعاصى و يزيد شرهم بالنسبة الى أنفسهم و الى غيرهم، أما بالنسبة الى غيرهم فواضح فان السارق و القاتل اذا أيس من رحمة اللّه سرق و قتل أكثر مما فعل، و اما بالنسبة الى نفسه فيزيد ظلمة على ظلمة فى قلبه و انحطاطا أكثر من انحطاطه عن السعادة الاخروية كفقير يسرف و مريض يشرب السم. (ش).

251
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبائر ص 242

له: أ رأيت المرتكب للكبيرة يموت عليها، أ تخرجه من الإيمان، و إن عذّب بها فيكون عذابه كعذاب المشركين، أوله انقطاع؟ قال: يخرج من الإسلام إذا زعم أنّها حلال و لذلك يعذّب أشدّ العذاب و إن كان معترفا بأنّها كبيرة و هي عليه حرام و أنّه يعذّب عليها و أنّها غير حلال فإنّه معذّب عليها و هو أهون عذابا من الأوّل و يخرجه من الايمان و لا يخرجه من الإسلام.
11- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ابن بكير قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام في قول رسول اللّه: صلى اللّه عليه و آله: إذا زنى الرّجل فارقه روح الإيمان؟ قال:
هو قوله: «وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ» ذاك الّذي يفارقه‏
__________________________________________________
 (و يخرجه من الايمان و لا يخرجه من الاسلام) قد شاع عند أهل البيت عليهم السلام اطلاق الايمان على الايمان الّذي لا كرب معه و لا عقوبة بعد الدنيا و هو الايمان الكامل و اطلاق الاسلام على ما دونه و هو يجامع أصل الايمان فهذا العاصى يخرج من كمال الايمان و لا يخرج من أصله فتدركه الرحمة أو الشفاعة ان شاء اللّه، و اللّه أعلم.
قوله (قال قلت لابى جعفر «ع» فى قول رسول اللّه «ص» اذا زنى الرجل فارقه روح الايمان؟ قال هو قوله «وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ» ذلك الّذي يفارقه) أصل الايمان و هو التصديق بالربوبية و الرسالة و الولاية حق و له حقيقة و هى موافقة الظاهر و الباطن فى التعلق بما ينبغى و إليه يشير قوله «ص» «فما حقيقة ايمانكم» مخاطبا لقوم قالوا «نحن مؤمنون» و قوله لحارثة- حين سأله عن حاله فقال مؤمن حقا-: «ان لكل شي‏ء حقيقة فما حقيقة قولك» و قوله «ان لكل يقين حقيقة» و قول أمير المؤمنين «ع» «أن على كل حق حقيقة» و هذا جار بعمومه فان كل عبادة مثل الصلاة و الصوم و الحج و غيرها حق و له حقيقة و كل خلق من الاخلاق الحسنة حق و له حقيقة هو أولها و هى غايته و هو ظاهرها و هى كماله و بطانته كالتوكل و التقوى مثلا فان التوكل حق بضرورة عقد الايمان مع التعلق بالاسباب و حقيقته ينتهى إليها الخاص بقطع الاسباب و سكون قلبه الى مسبب الاسبات و التقوى حق تشمل عوام المؤمنين و هى تقوى الشرك و حقيقتها غاية يبلغها خواص الاولياء كما قال عز و جل «اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ» ثم للحقيقة علامات منها الاعراض عن الدنيا و عدم الميل الى شهواتها و تسمى تلك الحقيقة التى لا كرب معها و لا عقوبة بالايمان و كمال الايمان و نور الايمان اذ بها يهتدى الطالب الى المطلوب و يعرف بين أهل السماوات و الارضين، و روح الايمان اذ بها حياة الايمان و حياة قلب المؤمن أبدا، و قد يطلق روح الايمان على ملك موكل بقلب المؤمن يعينه و يهديه فى مقابل شيطان يضله و يغويه و على نصرة ذلك الملك أيضا و حينئذ لا ريب فى أنه اذا زنى المؤمن‏

252
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبائر ص 242

12- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن ربعي، عن الفضيل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: يسلب منه روح الإيمان ما دام علي بطنها فإذا نزل عاد الإيمان. قال: قلت [له‏]: أ رأيت إن همّ؟ قال: لا، أ رأيت إن همّ أن يسرق أ تقطع يده؟.
13- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن صباح بن سيابة قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال له محمّد بن عبده: يزني الزّاني و هو مؤمن؟ قال: لا إذا كان على بطنها سلب الإيمان منه فإذا قام ردّ عليه، قلت: فانّه أراد أن يعود؟ قال: ما أكثر ما يهمّ أن يعود ثمّ لا يعود.
14- الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: الكبائر سبعة: منها قتل النفس متعمّدا و الشرك‏
__________________________________________________
فارق عنه حقيقة الايمان و كماله و نوره كما دل عليه بعض الروايات و روحه بالمعانى الثلاثة ثم اذا تاب عاد الى محله، و قد يعود الروح بالمعنيين الآخرين قبل التوبة أيضا، و الضمير المجرور فى قوله «بِرُوحٍ مِنْهُ» راجع الى اللّه أو الى الايمان. و من هذا الاجمال يظهر حقيقة المقال، و اللّه أعلم.
قوله (قال يسلب منه روح الايمان ما دام على بطنها فاذا نزل عاد الايمان) الظاهر أن المراد بروح الايمان هنا أحد المعنيين الاخيرين المذكورين حيث لم يقيد العود بالتوبة و يمكن أن يراد بها حقيقته بقرينة قوله عاد الايمان، و لعل المراد أنه يسلب منه شعبة من شعب الايمان و هى ايمان أيضا فان المؤمن يعلم أن الزنا مهلك و يزهر نور هذا العلم فى قلبه و يبعثه على كف الآلة عن الفعل المخصوص و كل واحد منهما أعنى العلم و الكف ايمان و شعبة من الايمان أيضا فاذا غلبت الشهوة على العقل و أحاطت ظلمتها بالقلب زال عنه نور ذلك العلم و اشتغلت الآلة بذلك الفعل فانتقصت من الايمان شعبتان، و اذا انتقصت الشهوة و عاد العقل الى ممالكه و علم وقوع الفساد فيها و شرع فى اصلاحها بالندامة عن الغفلة صار ذلك الفعل كالعدم أو زالت تلك الظلمة عن القلب و يعود نور ذلك العلم فيعود ايمانه و يصير كاملا بعد ما صار ناقصا (قال قلت [له‏] أ رأيت ان هم) أى أخبرنى ان هم أن يزنى هل هو مثل أن يزنى فى العقوبة (قال: لا) أى ليس هم الزنا مثل فعله فيها.
 (أ رأيت ان هم أن يسرق أ تقطع يده) ليس المقصود منه اثبات الحكم بالقياس بل المقصود منه تقوية الحكم بالتماثل و ان كان كل مستندا الى نص.

253
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبائر ص 242

باللّه العظيم و قذف المحصنة و أكل الرّبا بعد البيّنة و الفرار من الزّحف و التعرّب بعد الهجرة و عقوق الوالدين و أكل مال اليتيم ظلما، قال: و التعرّب و الشرك واحد.
15- أبان، عن زياد الكناسي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: و الّذي إذا دعاه أبوه لعن أباه و الّذي إذا أجابه ابنه يضربه.
16- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، رفعه، عن محمّد بن داود الغنوي، عن الاصبغ بن نباتة قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه فقال: يا أمير المؤمنين إنّ ناسا زعموا أنّ العبد لا يزني و هو مؤمن و لا يسرق و هو مؤمن و لا يشرب الخمر و هو مؤمن و لا يأكل الرّبا و هو مؤمن و لا يسفك الدّم الحرام و هو مؤمن، فقد ثقل عليّ هذا و حرج منه صدري حين أزعم أنّ هذا العبد يصلّي صلاتي و يدعو دعائي و يناكحني و اناكحه و يوارثني و أوارثه و قد خرج من الإيمان من أجل ذنب يسير أصابه، فقال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: صدقت سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يقول و الدّليل عليه كتاب اللّه: خلق اللّه عزّ و جلّ النّاس على ثلاث طبقات و أنزلهم ثلاث منازل و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ في الكتاب: أصحاب‏
__________________________________________________
قوله (قال و التعرب و الشرك واحد) أى واحد فى الكبر و الاثم لا فى الحقيقة و الصدق. قوله (و الّذي اذا دعاه أبوه لعن أباه- الخ) يريد أن لعن الأب عند دعائه و ضرب الابن بدون ذنب من الكبائر و الاول داخل فى العقوق و الثانى قريب منه.
قوله (و قد خرج من الايمان من أجل ذنب يسير أصابه) اليسير فى مقابل الكثير لا فى مقابل الحقير فلا ينافى عظمة الذنوب المذكورة.
 (خلق اللّه الناس على ثلاث طبقات) «1» الخلق بمعنى الايجاد أو التقدير و وجه الحصر أن الناس اما كافر أو مؤمن، و المؤمن اما أن يكون له قوة قدسية مقتضية للعصمة أو لم تكن و الاول أصحاب المشأمة و الاخير أصحاب الميمنة و الثانى السابقون و يفهم منه أن غير المؤمن من أهل الاسلام داخلون فى أصحاب المشأمة، و قد مر نظير هذا الحديث فى كتاب الحجة فى باب ذكر الارواح التى فى الائمة عليهم السلام، و ذكرنا شرحه مفصلا فلا نعيده و لا
__________________________________________________
 (1) قوله «خلق اللّه الناس على ثلاث طبقات» حديث شريف مشتمل على معان دقيقة و انما لم يتعرض لشرحها كثيرا لان معناه سبق فى حديث أورد فى كتاب الحجة (الصفحة 60 و ما بعدها من الجزء السادس) و ذكر الشارح فيه ما ينبغى أن يذكره و غنى عن الاعادة. (ش).

254
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبائر ص 242

الميمنة و أصحاب المشأمة و السابقون، فأمّا ما ذكر من أمر السّابقين فانّهم أنبياء مرسلون و غير مرسلين، جعل اللّه فيهم خمسة أرواح: روح القدس و روح الإيمان و روح القوّة و روح الشهوة و روح البدن، فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين و غير مرسلين و بها علموا الأشياء و بروح الإيمان عبدوا اللّه و لم يشركوا به شيئا و بروح القوّة جاهدوا عدوّهم و عالجوا معاشهم و بروح الشهوة أصابوا لذيذ الطعام و نكحوا الحلال من شباب النساء و بروح البدن دبّوا و درجوا فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم، ثمّ قال: قال اللّه عزّ و جلّ: «تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ» ثمّ قال: في جماعتهم «وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ» يقول: أكرمهم بها ففضّلهم على من سواهم، فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم، ثمّ ذكر أصحاب الميمنة و هم المؤمنون حقّا بأعيانهم، جعل اللّه فيهم أربعة أرواح: روح الإيمان و روح القوّة و روح الشهوة و روح البدن فلا يزال العبد يستكمل هذه الأرواح الأربعة حتّى تأتي عليه حالات، فقال الرّجل: يا أمير المؤمنين ما هذه الحالات؟ فقال: أمّا أولاهنّ فهو كما قال اللّه عزّ و جلّ: «وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى‏ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً»

__________________________________________________
نتعرض الا بعض ما ينبغى التعرض له (فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم) ذنوبهم عبارة عن خلاف الاولى (و هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا*) هم الذين حققوا ايمانهم بيقين أو اتصفوا بمقتضاه من الاعمال الصالحة و الاخلاق الفاضلة.
 (وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى‏ أَرْذَلِ الْعُمُرِ)*
 أى أخسه و أحقره و هو خمس سبعون سنة [1] قاله‏
__________________________________________________
 [1] قوله «أخسه و أحقره و هو خمس و سبعون سنة» ان قيل لا يزال العلماء يحتجون على بقاء النفس الناطقة بعد فناء البدن ببقاء العقل مع ضعف آلات الاحساس و هو من مبادى علم الاخلاق و هذا الكلام ينافيه. قلنا أشرنا فيما مر الى ما فيه كفاية لدفع الشبهة و نزيد توضيحا و بيانا: ان كل قوة تتوقف على وجود البدن و آلاته تفنى بخراب البدن و فساده و كل قوة لا تتوقف عليه لا تفنى كما قلنا فى قوة الابصار فانا نعلم أنها قوة جسمانية متوقفة على عين صحيحة فاذا فسد مزاج العين بطل الابصار و لكن الّذي كان أكثر عمره بصيرا و رأى أشياء كثيرة و اختزنت فى ذهنه، ثم عمى آخر عمره لم تزل عن ذهنه ما كان رآه سابقا فنعلم بذلك أن حفظ ما رآه ليس متوقفا على العين و لا تفنى بفساد العين بخلاف الابصار فانه لا يستطيع‏

255
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبائر ص 242

فهذا ينتقص منه جميع الأرواح و ليس بالّذي يخرج من دين اللّه لأنّ الفاعل به ردّه إلى أرذل عمره فهو لا يعرف للصّلاة وقتا و لا يستطيع التهجّد باللّيل و لا.
__________________________________________________
ان يجدد ابصارا، و هكذا نقول فى جميع ما يحصل من الحواس و يجتمع عند النفس طول عمر الانسان لا يجب أن يبطل بزوال الحواس فلا تزول المسموعات و ما ترتب عليها من العلوم المكتسبة اذا فسد الاذن و صار صاحبها أصم فاحدس من هذا أن ما اختزنت من العلوم للانسان لا تزول بزوال حواسه جميعا اذ لا يحتاج بقاؤها الى الحواس و انما يحتاج فى حدوثها فقط.
فبقى احتمال واحد و هو أن يكون اختزان العلوم المكتسبة فى جسم غير الآلات الحسية الظاهرة كالدماغ مثلا و هو احتمال مردود بان كل عضو من أعضاء البدن له قوة و قدرة على فعل فانما يصدر عنه فعل بعد فعل متدرجا و لا يجتمع الجميع فيه دفعة واحدة فلا يستطيع الاذن أن تسمع آلافا من الاصوات دفعة واحدة بل يؤثر فيها صوت فتسمعه و ينتفى أثره فلا نسمعه و يؤثر فيها بعد ذلك صوت آخر فتسمعه بعد الاول، و هكذا الابصار بل الفكر الّذي هو جسمانى فى الدماغ لا يستطيع أن يتكفر فى مسئلة لاحقة الا بعد أن يعرض عن مسئلة سابقة و لا يقدر أن يفكر دفعة واحدة فى مسئلة رياضية و إلهية معا. و الذاكرة أيضا جسمانية لا تقدر أن يتفحص عن شعر و آية و عبارة و مسئلة دفعة واحدة، و هذا يدل على أن الدماغ أيضا لا يقدر الا على فعل بعد فعل تدريجا. و أما العلماء بعد أن بلغوا خمسا و سبعين سنة بل و أكثر و ضعفت قواهم الجسمانية جميعا فهم ذوو ملكة علمية جامعة للمسائل الكثيرة الحاصلة لهم طول عمرهم يرجعونها من عند أنفسهم من غير تعلم جديد و ليسوا مساوين لانفسهم حال صغرهم قبل البلوغ و التعلم قطعا و حينئذ فنسأل عن ملاك الفرق بين الحالتين المتمايزتين: حالة الصغر قبل التعلم و حالة الكبر بعد الحنكة، فان قيل لا فرق. قلنا هذا باطل بالحس و ان قيل بينهما فرق بشي‏ء موجود فى دماغ الشيخ الكبير دون الطفل الصغير. قلنا هذا أيضا باطل غير معقول لانا نعلم ان العلوم الكثيرة التى اجتمعت للعلماء و الحكماء لا يمكن ان تكون آثارا جسمانية نظير الخطوط و النقوش و الالوان مجتمعة حاصلة فى دماغ اذ يبطل كل أثر منها الاثر الاخر و الجسم لا يقوى الاعلى فعل واحد فى آن واحد و على أفعال كثيرة متدرجة فى أزمنة متعاقبة لا فى زمان واحد فبقى أن يكون حامل تلك العلوم موجودا غير جسمانى غير محتاج فى وجوده الى البدن و لا يضمحل بفساده و نحن نعترف بان الدماغ آلة للفكر أعنى لتحصيل المعقولات لا لتعقلها و حفظها كما أن البصر آلة لتحصيل المبصرات لا لحفظها و تجريدها (راجع الصفحة 226 من هذا الجزء). (ش)

256
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبائر ص 242

بالنّهار و لا القيام في الصف مع الناس، فهذا نقصان من روح الإيمان و ليس يضرّه شيئا، و منهم من ينتقص منه روح القوّة فلا يستطيع جهاد عدوّه و لا يستطيع طلب المعيشة و منهم من ينتقص منه روح الشهوة فلو مرّت به أصبح بنات آدم لم يحنّ إليها و لم يقم و تبقى روح البدن فيه فهو يدبّ و يدرج حتّى يأتيه ملك الموت فهذا الحال خير لأنّ اللّه عزّ و جلّ هو الفاعل به و قد تأتي عليه حالات في قوّته و شبابه فيهمّ بالخطيئة فيشجّعه روح القوّة و يزيّن له روح الشهوة و يقوده روح البدن حتّى توقعه في الخطيئة، فإذا لامسها نقص من الإيمان و تفصّى منه فليس يعود فيه حتّى يتوب، فإذا تاب تاب اللّه عليه و إن عاد أدخله اللّه نار جهنّم، فأمّا أصحاب المشأمة فهم اليهود و النصارى يقول اللّه عزّ و جلّ: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ* يعرفون محمّدا و الولاية في التوراة و الإنجيل كما يعرفون أبناءهم في منازلهم «وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ. الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ (إنّك الرسول إليهم) فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ» فلمّا جحدوا ما عرفوا ابتلاهم [اللّه‏] بذلك فسلبهم روح الإيمان و أسكن أبدانهم ثلاثة أرواح روح القوّة و روح الشهوة و روح البدن، ثمّ أضافهم إلى الأنعام، فقال: «إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ» لأنّ الدابّة إنّما تحمل بروح القوّة و تعتلف بروح الشهوة و تسير بروح البدن، فقال [له‏] السائل أحييت قلبي بإذن اللّه يا أمير المؤمنين‏
__________________________________________________
فى الكشاف و نقله عن على «ع» (و تبقى روح البدن) لم يرد به بقاءه على كماله لعروض النقص فيه أيضا (فاذا لامسها نقص من الايمان و تفصى منه) الايمان يطلق على التصديق و على الاخلاق و الاعمال و على الاول بشرط وجود الثانى و على المجموع من حيث هو و الاول أفضل من الثانى و الاخيران أفضل منهما و بين الاخيرين تفاوت و تفاضل حتى يبلغ الى غاية الكمال اذا عرفت هذا فنقول اذا انتفى التصديق سواء كان هو الايمان وحده او هو مع العمل أو بشرط وجوده تحقق الكفر و الجحود و اذا تحقق التصديق و تحققت المخالفة فى العمل تحقق النقص من الايمان و الخروج من كماله.
 (فاذا تاب تاب اللّه عليه) أى قبل توبته و لا يعذبه و صارت التوبة كفارة لذنبه و سببا لاستقامته فيعود الايمان الى حاله و ان لم يتب أو عاد بعد التوبة الى المعصية مستمرا عليها أدخله اللّه نار جهنم ان لم تدركه الرحمة أو الشفاعة. ثم بعد الدخول لا يكون‏

257
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبائر ص 242

17- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن داود قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إذا زنى الرّجل فارقه روح الإيمان؟
قال: فقال: هو مثل قول اللّه عزّ و جلّ [: «وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ» ثمّ قال: غير هذا أبين منه، ذلك قول اللّه عزّ و جلّ‏]: «وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ» هو الّذي فارقه.
18- يونس، عن ابن بكير، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
 «إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ»* الكبائر فما سواها قال:
قلت: دخلت الكبائر في الاستثناء قال: نعم.
19- يونس، عن إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الكبائر فيها استثناء أن يغفر لمن يشاء؟ قال: نعم.
20- يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول «وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً» قال: معرفة الإمام و اجتناب الكبائر
__________________________________________________
مخلدا ان شاء اللّه.
قوله (اذا زنى الرجل فارقه روح الايمان) مر تفسيره فى هذا الباب (قال فقال هو مثل قول اللّه عز و جل وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) أى لا تقصدوا الخبيث من المال و تنفقون حال مقررة لفاعل تيمموا و يحتمل أن يتعلق منه به و يكون الضمير المجرور للخبيث و الجملة حال منه و لعل وجه المماثلة أن ايمان الزانى ناقص لا أنه معدوم بكله كما أن الانفاق من المال الخبيث ناقص لا أنه ليس بانفاق أصلا.
 (ثم قال غير هذا أبين منه ذلك قول اللّه عز و جل وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ هو الّذي فارقه) أى المفارق روح الايمان و هو الملك الموكل به لهدايته أو قوة الايمان أو نوره أو حقيقته على ما مر تفصيله دون الايمان كله.
قوله (قال قلت دخلت الكبائر فى الاستثناء؟ قال: نعم) المراد بالاستثناء مغفرة ما دون الشرك لمن يشاء و انما سمى استثناء لانه فى قوة لا يغفر الا ما دون الشرك، و هذا السؤال بعد تفسيره «ع» ما دون الشرك بالكبائر فما سواها نشأ من نشاط النفس و انبساطها و فيه دلالة واضحة على أنه جل و عز يغفر الكبائر بدون التوبة و لكن قال لمن يشاء لئلا يجترى العبد بالمعصية لجواز أن لا تتعلق به المشيئة.
قوله (قال معرفة الامام و اجتناب الكبائر) فسر الحكمة بهما لانهما من أعظم‏

258
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبائر ص 242

الّتي أوجب اللّه عليها النّار 21- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن حكيم قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: الكبائر تخرج من الإيمان؟ فقال: نعم و ما دون الكبائر، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: لا يزني الزّاني و هو مؤمن و لا يسرق السارق و هو مؤمن.
22- ابن أبي عمير، عن عليّ [بن‏] الزّيّات، عن عبيد بن زرارة قال:
دخل ابن قيس الماصر و عمرو بن ذرّ- و أظنّ معهما أبو حنيفة- على أبي جعفر عليه السّلام فتكلّم ابن قيس الماصر فقال: إنّا لا نخرج أهل دعوتنا و أهل ملّتنا من الإيمان في المعاصي و الذّنوب، قال: فقال له أبو جعفر عليه السّلام: يا ابن قيس أمّا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فقد قال: لا يزني الزّاني و هو مؤمن و لا يسرق السّارق و هو مؤمن، فاذهب أنت و أصحابك حيث شئت.
23- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يرتكب الكبيرة من الكبائر فيموت، هل‏
__________________________________________________
أفرادها لا لانحصارها فيها، و لعل السر فيه أن الحكمة و هى معرفة ما ينبغى معرفته نور القلب، به يعرف المشروعات و المحظورات و المعقولات و المستحيلات و أعظم ذلك النور معرفة الامام لانها أصل لجميع الخيرات و أعظم ثمراته اجتناب الكبائر لكونه أفخم القربات و اشتماله على أعظم الواجبات.
قوله (قلت لابى الحسن عليه السلام الكبائر تخرج من الايمان فقال نعم و ما دون الكبائر) لا يخفى أن ما دون الكبائر هو الصغائر و لا يقول أحد بأن الصغائر تخرج من الايمان و تزيله بكله، غاية ما فى الباب انها تنقصه و منه يفهم أن الكبائر تنقصه أيضا لا تنفيه بالمرة فهذا الخبر و نحوه يمكن أن يكون تفسير الاخبار المجملة الدالة على أن الكبائر تخرج من الايمان (قال رسول اللّه «ص» لا يزنى الزانى و هو مؤمن و لا يسرق السارق و هو مؤمن) قد مر كلام الاكابر فى تأويله و تأويل مثله، و منهم من حمل نظيره على النهى دون الخبر تحرزا عما يفيد ظاهره و من أحاط علما بالاخبار يعلم أن هذا الحمل لا يحسم مادة الاشكال.
قوله (فتكلم ابن قيس الماصر فقال انا لا نخرج أهل دعوتنا و أهل ملتنا من الايمان فى المعاصى و الذنوب) كأنه أراد أن المعاصى لا تضر الايمان أصلا كما هو مذهب طائفة من المبتدعة فأجاب «ع» بأنها تضره‏

259
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبائر ص 242

يخرجه ذلك من الإسلام و إن عذّب كان عذابه كعذاب المشركين أم له مدّة و انقطاع؟ فقال: من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنّها حلال أخرجه ذلك من الإسلام و عذّب أشدّ العذاب و إن كان معترفا أنّه أذنب و مات عليه أخرجه من الإيمان و لم يخرجه من الإسلام و كان عذابه أهون من عذاب الأوّل.
24- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني قال: حدّثني أبو جعفر صلوات اللّه عليه قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبي موسى بن جعفر عليهما السّلام يقول: دخل عمرو بن عبيد على أبي عبد اللّه عليه السّلام فلمّا سلّم و جلس تلا هذه الآية: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ* ثم أمسك. فقال له أبو- عبد اللّه عليه السّلام: ما أسكنك؟ قال: احبّ أن أعرف الكبائر من كتاب اللّه عزّ و جلّ فقال: نعم يا عمرو أكبر الكبائر الإشراك باللّه، يقول اللّه: مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ و بعده الإياس من روح اللّه، لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ ثمّ الأمن لمكر اللّه، لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ و منها عقوق الوالدين، لأنّ اللّه سبحانه جعل العاقّ جبّارا شقيّا و قتل النفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ، لانّ اللّه‏
__________________________________________________
قوله (فقال من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنها حلال أخرجه ذلك من الاسلام و عذب أشد العذاب) لان المحلل لكبيرة راد على اللّه و الراد عليه كافر خارج من الاسلام فيستحق الخلود فى النار و أشد العذاب لان تحليل الحرام بعد العلم به أقبح من تحليله بدون العلم و المعرفة و يفهم منه أن عذاب المرتد أشد من عذاب غيره.
 (و كان عذابه أهون من عذاب الاول) لعل المراد أن عذابه أهون بحسب الكم لعدم الخلود، و بحسب الكيف لاعترافه بالمعصية و عدم رده الشريعة المعلومة.
قوله (أكبر الكبائر الاشراك باللّه) يدخل فى المشرك عبدة الاوثان و الملاحدة و عبدة النيران و المصورة و المجسمة و الغلاة و أضرابهم.
 (و بعده الاياس من روح اللّه) دل على أن الاياس بعد الاشراك أكبر من البواقى و على أن ترك الرجاء كبيرة كما دل قوله «ثم الأمن لمكر اللّه» أى لعقوبته على أن عدم الخوف كبيرة فوجب الجمع بين الخوف و الرجاء.
 (و قتل النفس الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ*) لا ريب فى أن قتل النفس المحرمة كبيرة

260
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبائر ص 242

عزّ و جلّ يقول: فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها- إلى آخر الآية و قذف المحصنة، لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ و أكل مال اليتيم. لأن اللّه عزّ و جلّ يقول: إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً و الفرار من الزّحف، لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً

__________________________________________________
و أما انه سبب للخلود فى النار كما دلت عليه الآية الكريمة فاما أن يراد بالقتل القتل مستحلا أو لاجل دينه و ايمانه فيكون كافرا خارجا عن الاسلام مستحقا للنار أبدا، و يدل عليه رواية سماعة عن أبى عبد اللّه «ع» قال: «سألته عن قول اللّه عز و جل وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها قال من قتل مؤمنا على دينه فذلك المتعمد الّذي قال اللّه عز و جل وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً قال قلت: فالرجل. يقع بينه و بين الرجل شي‏ء فيضربه بسيفه فيقتله قال:
ليس ذاك المتعمد الّذي قال اللّه عز و جل. و اما أن يراد بالخلود الزمان الطويل دون الابد لان ذا الكبيرة يخرج من النار كما دلت عليه الاخبار و صرح به بعض الاصحاب.
 (و أكل مال اليتيم) يمكن أن يدخل فى الوعيد أيضا أكل مال الشيعة بغير حق فان الشيعة أيتام آل محمد «ع» كما دل عليه بعض الروايات.
 (لان اللّه عز و جل يقول:) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى‏ ظُلْماً (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً)
 قيل أى سببا للنار أو أكلها كناية «1» من دخولها أو المراد به أكلها يوم القيامة و ظلما حال أو تميز أى ظالمين أو من جهة الظلم و هو اما للبيان و الكشف فان أكل أموالهم انما يكون ظلما كما فى «يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ» أو للتقييد لانه يجوز أكل مالهم بالحق مثل الاكل أجرة بالمعروف أو عوضا عما اقترضه آباءهم أو مستقرضا من مالهم و حكم غير الاكل من التصرفات حكمه و ذكر البطون للتأكيد مثل «يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ» و نظرت بعينى (وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)
 صلى بالنار و صليها من باب علم وجد حرها و السعير فعيل بمعنى مفعول من سعرت النار سعرا من باب منع اذا أوقدتها أى يلزمون النار المسعورة الموقدة و يقاسون حرها و شدائدها، و قيل فيه اعادة لما سبق ليعلم أن أكل مال اليتيم سبب تام لدخول-
__________________________________________________
 (1) قوله «أو أكلها كناية» لا ريب أن للامور صورا مختلفة بالنسبة الى النشآت و العوالم المختلفة فما هو مأكول و مشروب من مال اليتيم هو بعينه نار بصورة اخروية كما أن اللبن الّذي يشربه النائم هو بعينه علم فى الدنيا، و الآخرة محيط بالدنيا كالدنيا بالرحم فما هو فى الدنيا فهو فى الآخرة و من أكل مال اليتيم فانما أكل النار حقيقة من غير حاجة الى تأويل و توجيه كما ورد فى القرآن الكريم فى وصف الكفار «فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ». (ش).

261
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبائر ص 242

لقتال أو متحيّزا إلى فئة فقد باء بغضب من اللّه و مأواه جهنّم و بئس المصير» و أكل الرّبا لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ و السحر لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول:
__________________________________________________
النار لا أنه سبب ناقص صغير بل هو كبير من الكبائر.
 (و أكل الربا لان اللّه عز و جل يقول: «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ») المس الجنون و هو متعلق بلا يقومون أو بيقوم أو يتخبطه أى لا يقومون من القبور الا قياما مثل قيام الشخص الّذي يتخبطه الشيطان و يجعله مصروعا من الجنون و هذا بناء على زعم العرب [1] أن الشيطان يخبط الانسان فيصرعه و الخبط حركة على غير النحو الطبيعى و على غير اتساق كخبط العشواء و حاصله كما صرح به بعض الاصحاب أنهم لا يقومون من قبورهم بسبب الربا و وزره و ثقله عليهم قياما مثل قيام صحيح العقل بل مثل قيام المجانين فيسقطون تارة و يمشون على غير الاستقامة اخرى و لا يقدرون على القيام اخرى فكان ما أكلوا من الربا أربى فى بطونهم و صار شيئا ثقيلا على ظهورهم فلا يقدرون على القيام و المشى على الاستقامة، و قيل يكون علامة لهم يوم القيامة [2] يعرفون بها كما أن لبعض المعاصى علامة يعرف صاحبه بها و كذا الطاعات (و السحر) الظاهر أن تعليمه و تعلمه و العمل به كبيرة
__________________________________________________
 [1] قوله «بناء على زعم العرب» قد يقع فى كلام العرب كلمات و تعبيرات لا يراد بها اثبات حقائقها بل اعطاء مفاهيمها مثل قول امرئ القيس «و مسنونة زرق كانياب أغوال» و فى القرآن «طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ» و لا يستدل به على أن العرب كان عندهم شي‏ء معروف يسمى برءوس الشياطين بل اريد به غاية القبح و الشر و اذا اطلق النبي «ص» على جده اسم عبد مناف لا يدل على ان جده كان عبدا لغير اللّه بل هو اسم يعرف به و عبد الشمس كذلك و لعل من سماهما بهذه التسمية أيضا كان موحدا فأول كما نسمى بكلب على و غلام حسين و رأينا فى اطباء عصرنا من لا يعتبر الكيفيات الاربع الحار و البارد و الرطب و اليابس فى الادوية و يتكلم بلسان المرضى يقول اجتنب عن كل مأكول حار او استكثر من البرودة و هكذا. و اللّه العالم. (ش)
 [2] قوله «يكون علامة لهم يوم القيامة» توجه الانسان الى شي‏ء واحد بعينه و عدم تصرف فكره فى الامور المختلفة يورث نوعا من الجنون يسمى مانيا و كل أهل حرفة سواء كان تاجرا أو صانعا أو زارعا يتفكر فى امور كثيرة متعلقة بشغله و أما آكل الربا فذهنه متوجه الى شي‏ء واحد لا يلتفت الى غيره و ليس شغله متشعبا الى أفعال مختلفة كثيرة كالتجار و الصناع ففكرهم يشبه فكر المجانين هذا النحو من الجنون فربما يستمر ساعات بل اياما يتفكر

262
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبائر ص 242

وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ» و الزّنا. لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً. يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً و اليمين الغموس الفاجرة لأن اللّه عزّ و جلّ يقول: الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ و الغلول لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ و منع الزّكاة المفروضة لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول:
فَتُكْوى‏ بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ و شهادة الزور و كتمان الشهادة لأنّ اللّه‏
__________________________________________________
و جوز بعضهم تعلمه ليبطل على مدعيه و ليفرق بينه و بين المعجزة.
 (و الزنا) لا يبعد الحاق اللواط و المساحقة به (و اليمين الغموس الفاجرة) هى اليمين الكاذبة على ما مضى و ليس فيها كفارة لشدة الذنب فيها فكأنه مغموس فى الذنب لحلفه كاذبا على علم منه (و الغلول) هو لغة الخيانة و عرفا الخيانة فى المغنم و السرقة من الغنيمة قبل القسمة و كل من خان فى شي‏ء خفية فقد غل يقال غل غلولا من باب قعد و أغل اغلالا فى المغنم و قال ابن السكيت: لم يسمع فى المغنم الاغل ثلاثيا و هو متعد فى الاصل لكن أميت مفعوله فلم ينطق به، و قال نفطويه: سمى غلولا لان الايدى منها مغلولة محبوسة كانها مجعول فيها غل و هو بالضم طوق من حديد يجمع أيدى الاسير الى عنقه و لا يبعد الحاق الغصب و السرقة به لانه اذا كان كبيرة مع الشركة فهما أولى منه بذلك مع عدم الشركة.
 (و منع الزكاة المفروضة) أما غير المفروضة فلا عقوبة فى منعه و انما الغبن فيه هو الحرمان من ثوابه (لان اللّه عز و جل يقول:) وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمى‏ عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ (فَتُكْوى‏ بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ) هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ» الكنز لغة جمع المال و ادخاره و عرفا المال المذخور المحفوظ تحت الارض أو فوقها و بعض الاصحاب خصه بالاول لكن قال:
لعل المراد هنا حفظه مطلقا و عدم انفاقه فيكون وَ لا يُنْفِقُونَها بيانا للمقصود و قوله «فَبَشِّرْهُمْ» خبر للموصول و الفاء لتضمن الموصول معنى الشرط، و يوم تحمى منصوب على الظرف بعامل محذوف على أنه صفة لعذاب أى بعذاب أليم كائن يوم يحمى و الضمائر المؤنثة اما راجعة الى الكنوز المفهومة من سياق الكلام أو الى كل واحد من الذهب و الفضة و التأنيث باعتبار
__________________________________________________
فى شي‏ء واحد يأخذ مجامع ادراكه و يسكت و لا يتكلم و لا ينام ثم يهيج به فيغضب و يريد أن يثب و يحمل و لا يقدر أحد أن يصرفه عما هو فيه و فيه سبعية و كلب و هكذا أصحاب الربا يشبهون هؤلاء لعلة المذكورة، هذا مقتضى نفس العمل فان وجدوا بخلاف ذلك فهو لتعارض سائر الاعمال و الاشغال المخالفة له. (ش)

263
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبائر ص 242

عزّ و جلّ يقول: وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ و شرب الخمر لأنّ اللّه عزّ و جلّ نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان و ترك الصّلاة متعمّدا أو شيئا ممّا فرض اللّه، لأنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال: من ترك الصلاة متعمّدا فقد برئ من ذمّة اللّه و ذمّة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و نقض العهد و قطيعة الرّحم، لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ قال: فخرج عمرو و له صراخ من بكائه و هو يقول: هلك من قال برأيه و نازعكم في الفضل و العلم.
 (باب استصغار الذنب)
1- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي اسامة زيد الشحّام، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: اتّقوا المحقّرات من الذّنوب فإنّها لا تغفر،
__________________________________________________
الفضة أو باعتبار الكثرة أو الى الفضة لقربها و فهم حكم الذنب بالطريق الاولى، و قال بعض الاصحاب اختيار هذه الاعضاء لان الجبهة كناية عن الاعضاء المقاديم المواجهة و الجنوب كناية عن الايمان و الشمائل و الظهور كناية عن الاعضاء المتأخرة فاستوعب الكى البدن كله و فيه أقوال اخر، و لعل الاستشهاد بالآية باعتبار أن المراد بالكنز و عدم الانفاق منع الزكاة فيكون فيها اشارة اجمالية الى وجوب الزكاة فى الذهب و الفضة و تفصيل شرائط الوجوب و النصاب و قدر المخرج مذكور فى محله.
 (و شهادة الزور) و هى الشهادة بغير علم عمدا سواء طابقت الواقع أم لا و تفسيرها بالشهادة بالكذب ليس بشي‏ء لانه تفسير بالاخص و لو استندت بالشهادة الى شبهة كرؤيتهم اياه و قد ظهرت فيه آثار الموت و علاماته فظنوا أنه مات فشهدوا بموته فالظاهر أنها ليست شهادة زور تعد من الكبائر و ان كانت فسقا لان العلم معتبر فى أداء الشهادة، ثم ان شهادة الزور لما كانت مفضية الى اتلاف النفس و المال و تحريم الحلال و عكسه و اجراء الحدود كانت مفسدة عظيمة حتى قيل انه ليس بعد الشرك أعظم منها، ثم الظاهر من الحديث أنها كبيرة و ان كان المشهود به يسيرا و قال بعض العامة هى كبيرة قطعا اذا تلف به خطير و ضبطه بنصاب السرقة فان نقص عنه احتمل أن تكون كبيرة و أن لا تكون و الاول أظهر، سدا لباب المفسدة كما أن شرب قطرة من الخمر كبيرة لاجل ذلك.
قوله (اتقوا المحقرات من الذنوب فانها لا تغفر) أى لا تغفر لاجل تحقيرها و قال الباقر «ع» لمحمد بن مسلم «يا محمد لا تستصغرن سيئة تعمل بها فانك تراها حيث تسوؤك»

264
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب استصغار الذنب ص 264

قلت: و ما المحقّرات؟ قال: الرّجل يذنب الذّنب فيقول: طوبى لي لو لم يكن لي غير ذلك.
2- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال:
سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: لا تستكثروا كثير الخير و لا تستقلّوا قليل الذّنوب، فانّ قليل الذّنوب يجتمع حتّى يكون كثيرا و خافوا اللّه في السرّ حتّى تعطوا من أنفسكم النصف.
3- أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن فضّال و الحجال، جميعا عن ثعلبة، عن زياد قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله نزل بأرض قرعاء فقال لأصحابه: ائتوا بحطب، فقالوا: يا رسول اللّه نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب قال: فليأت كلّ إنسان بما قدر عليه، فجاءوا به حتّى‏
__________________________________________________
 (قلت: و ما المحقرات قال الرجل يذنب الذنب فيقول طوبى لى لو لم يكن لى غير ذلك) أى غير ذلك الذنب فقد عده محقرا و لم يحصل له خوف منه، و الواجب عليه استشعار الخوف منه و عدم تحقيره له و ان كان صغيرا فى نفسه لانه عظيم فى مخالفة الرب تبارك و تعالى.
قوله (لا تستكثروا كثير الخير و لا تستقلوا قليل الذنوب) الظاهر من القلة القلة بحسب العدد سواء كان فى نفسه كبيرا و صغيرا و يحتمل أن يراد بها القلة بحسب الكيف و المقدار فيختص بالاخير و المقصود أن العمل الصادر من العبد ان كان طاعة و خيرا فليعد نفسه مقصرة فى الكم و الكيف. و ان كان كثيرا بالنسبة الى وسعه لان ذلك أدخل فى تعظيم الرب و أبعد من العجب و الاعتماد على عمله و أقرب الى البقاء عليه و السعى فيه و مقام العبودية المبنية على التذلل و الاعتراف بالتقصير و ان كان ذنبا فليعده كثيرا عظيما و ان كان قليلا حقيرا فى نفسه لانه بالنظر الى مخالفة الرب عظيم كثير أو تقليله موجب لعدم المبالاة به و الاعتناء بشأنه و سبب للوقوع فيه و الاتيان به مرة بعد اخرى تجتمع عليه ذنوب كثيرة و يبلغ حد الكبيرة (و خافوا اللّه فى السر حتى تعطوا من أنفسكم النصف) الخوف من اللّه مطلوب فى السر و العلانية الا أنه فى السر أعظم و أفضل اذ لا زاجر له سوى ذكره عز و جل فلذلك خصه بالذكر مع أن حصول الخوف فى السر مستلزم لحصوله فى العلانية، و النصف و النصفة بفتحين اسم من الانصاف و هو لزوم العدل فى المعاملات مع الرب و غيره.
قوله (نزل بأرض قرعاء) هى ارض لا شجر فيها و لا نبات و منه الرجل الاقرع الّذي لم يبق على رأسه شعر اما أصالة أو لذهابه من آفة، و فعله من باب علم.

265
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب استصغار الذنب ص 264

رموا بين يديه، بعضه على بعض، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: هكذا تجتمع الذّنوب، ثمّ قال: إيّاكم و المحقّرات من الذّنوب، فإنّ لكلّ شي‏ء طالبا، ألا و إنّ طالبها يكتب ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ.
 (باب الاصرار على الذنب)
1- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عبد اللّه بن محمّد النهيكي، عن عمّار بن مروان القندي، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا صغيرة مع الإصرار و لا كبيرة مع الاستغفار
__________________________________________________
 (فان لكل شي‏ء طالبا) أى لكل شي‏ء من الطاعات و الذنوب طالب يطلب حفظه و ضبطه صغيرا كان أو كبيرا ليجزى صاحبه.
 (و ان طالبها يكتب ما قدموا و آثارهم) أى طالب الذنوب يكتب ما قدموا منها و آثارهم التى بقيت بعدهم من البدع مثل اذاعة باطل و تأسيس ظلم.
 (وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ)
 من الاعمال و غيرها (أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ)
 أى فى اللوح المحفوظ أو فى القرآن أو فى دفتر الاعمال و قد مر توضيحه، و فيه حث بليغ على ترك الذنوب كلها و فعل الخيرات لان الانسان اذا علم و استيقن بأن عليه حافظا رقيبا يكتب كل ما عمله ليحاسبه و يجزيه ان خيرا فخيرا و ان شرا فشرا، يجود عمله و يحاسب نفسه قبل أن يحاسب.
قوله (لا صغيرة مع الاصرار و لا كبيرة مع الاستغفار) ظاهره أن الكبيرة تصير صغيرة أو تزول بالكلية مع الاستغفار و الصغيرة تصير كبيرة مع الاصرار و هو مع ذلك يستلزم الجرأة على الكبيرة غالبا و لذلك ألحق العلماء بالكبائر الاصرار على الصغائر و استدلوا بهذا الحديث و توضيحه أنه «ع» دعا الى الاستغفار عن كبائر الذنوب و صغائرها و بين أن الصغيرة مع الاصرار لا يبقى صغيرة على حالها، لان الاصرار بها معصية اخرى تنضم الى الاولى فاذا دام على الاصرار توالت المعاصى و تكاثرت و تراكمت حتى تعد كبيرة لا سيما اذا كان الاصرار يتضمن الاستهانة و الاحتقار و قد قيل فى تفسير قوله تعالى يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ يعذب من يشاء على الصغيرة للاصرار بها و يغفر لمن يشاء الكبيرة لاستعظامه اياها و خوفه من اللّه. و قوله عليه السلام «و لا كبيرة» مع الاستغفار معناه ان الكبيرة لا تبقى كبيرة بل تذوب و تصغر بأمر اللّه تعالى اذا قارنها الاستغفار و هو طلب المغفرة من الغفار و ذلك لان الاستغفار يتضمن التوبة مع طلب المغفرة و المستغفر يشاهد قبح فعله و شناعة ذنبه و استحقاقه للعقوبة فيندم بقلبه و الندم توبة، ثم يسأل بصدق النية المغفرة منه مستعظما له فتصغر بذلك كبيرته عند اللّه تعالى بل ربما تزول‏

266
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الاصرار على الذنب ص 266

2- أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن سالم، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى‏ ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ قال: الإصرار هو أن يذنب الذّنب فلا يستغفر اللّه و لا يحدّث نفسه بتوبة فذلك الإصرار.
3- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا و اللّه لا يقبل اللّه شيئا من طاعته على الاصرار على شي‏ء من معاصيه‏
__________________________________________________
عن أصلها و يوافق الفقرتين قول بعض العارفين متى عظمت المعصية فى قلب العاصى صغرت عند اللّه تعالى و متى صغرت فى قلبه عظمت عنده تعالى.
قوله (الاصرار هو ان يذنب الذنب فلا يستغفر اللّه و لا يحدث نفسه بتوبة فذلك الاصرار) دل على أن الاصرار يتحقق بالذنب مع عدم الاستغفار و التوبة سواء أذنب ذنبا آخر من نوع ذلك الذنب أو من غير نوعه أو عزم على ذنب آخر أم لا اما تحققه فى غير الاخير فظاهر و اما فى الاخير فلان التوبة واجبة فى كل آن فتركها ذنب منضاف الى الذنب الاول فيتحقق الاصرار و قسم الشهيد فى قواعده الاصرار الى فعلى و حكمى و قال الفعلى هو الدوام على نوع واحد من الصغائر بلا توبة و الاكثار من جنس الصغائر بلا توبة، و الحكمى هو العزم على تلك الصغيرة بعد الفراغ منها، اما لو فعل الصغيرة و لم يخطر بباله بعدها توبة و لا عزم على فعلها فالظاهر أنه غير مصر، و قال الشيخ فى الاربعين تخصيصه الاصرار الحكمى بالعزم على تلك الصغيرة بعد الفراغ منها يعطى أنه لو كان عازما على صغيرة اخرى بعد الفراغ مما هو فيه لا يكون مصرا و الظاهر أنه مصر أيضا و تقييده ببعد الفراغ منها يقتضي بظاهره أن من كان عازما مدة سنة على لبس الحرير مثلا لكن لم يلبسه أصلا لعدم تمكنه لا يكون فى تلك المدة مصرا و هو محل نظر، و قال بعض: الاصرار هو ادامة الفعل و العزم على ادامته يصح معها اطلاق وصف العزم عليه، و قال بعضهم هو تكرار الصغيرة تكرارا يشعر بقلة المبالاة اشعار الكبيرة بذلك، أو فعل صغائر من أنواع مختلفة بحيث يشعر بذلك قوله (لا و اللّه لا يقبل اللّه شيئا من طاعته على الاصرار على شي‏ء من معاصيه) لعل السر فيه ان سبب قبول اطاعة هو دلالتها على تعظيم الرب، و الاصرار على المعصية و ان كانت صغيرة يستلزم تحقيره و ان لم يقصده العاصى، و التحقير ينافى التعظيم، أو أن قبول الطاعة عبارة عن تقريب المطيع الى ذاته المقدسة، و الاصرار على المعصية يوجب تبعيده عنه و حمل عدم القبول على وجه الكمال محتمل.

267
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى اصول الکفر و أرکانه ص 268

 (باب فى اصول الكفر و أركانه)
1- الحسين بن محمّد عن أحمد بن إسحاق، عن بكر بن محمّد، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: اصول الكفر ثلاثة: الحرص و الاستكبار و الحسد، فأمّا الحرص فانّ آدم عليه السّلام حين نهي عن الشجرة، حمله الحرص على أن أكل منها و أمّا الاستكبار فإبليس حيث امر بالسجود لآدم فأبى، و أمّا الحسد فابنا آدم حيث قتل أحدهما صاحبه.
2- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السّكونيّ، عن أبي-
__________________________________________________
قوله (اصول الكفر ثلاثة الحرص و الاستكبار و الحسد) أصل الشي‏ء أساسه و ما يستند إليه وجود ذلك الشي‏ء، و الحرص على الدنيا و جمع زهراتها جدا و تناولها من كل وجه، و الاستكبار عن الخلق و طلب العظمة عليهم و عن الخالق فى الاوامر و النواهى و ترك التسليم و الحسد على الخلق فى نعماء اللّه الفائضة عليهم ظاهرة و باطنة، اصول الكفر بجميع أنواعه اذ بها تضعف القوة العقلية و ينطمس نورها و تقوى القوة الشهوية و الغضبية و سائر القوى الحيوانية، و تستولى على الظاهر و الباطن فتنمو أخلاق ذميمة، و تصدر أفعال قبيحة بعضها كفر بالرب، و بعضها كفر بالحق مع العلم بأنه حق، و بعضها كفر بالنعم لاستحقارها و ترك الشكر عليها، و بعضها كفر المعصية بترك الاوامر و فعل النواهى بخلاف الزهد فى الدنيا و التذلل و الخشوع لدى الحق و الرضا بقسمة الرب فانها اصول الايمان اذ منها يتولد جميع الخيرات و يرتقى الانسان الى أرفع الدرجات. ثم أشار الى تفصيل بعض ما نشأ من هذه الخصال الذميمة بقوله:
 (فأما الحرص- الى آخره) و الغرض من هذا التفصيل بيان أول المخالفة، و المعصية الصادرة من هذا النوع و بسببه، بسبب هذه الخصال الشنيعة. ثم نشأت و تنشأ منها المخالفات و المعاصى الكثيرة التى بعضها كفر، و بعضها وسيلة الى الكفر، و بعضها ذنوب صغيرة، و بعضها ذنوب كبيرة فيها شائبة من الكفر، فتلك الخصال هى امهات المعاصى تتولد منها الى يوم القيامة. و قد كان اباء ابليس لعنه اللّه من السجود عن حسد و استكبار و انما خص الاستكبار بالذكر لانه تمسك به حيث «قال أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ*» أو لان الاستكبار أقبح من الحسد لان المتكبر يدعى مشاركة البارى فى أخص صفاته و القاتل من ابنى آدم قابيل و المقتول هابيل، و كان قابيل أكبر سنا منه و تقربا قربانا فتقبل اللّه من هابيل، و لم يتقبل منه لخبث نيته و خساسة قربانه فحسد على أخيه فقتله.

268
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى اصول الکفر و أرکانه ص 268

عبد اللّه عليه السّلام قال: قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: أركان الكفر أربعة: الرّغبة و الرّهبة و السخط و الغضب.
3- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن نوح بن شعيب، عن عبد اللّه الدّهقان، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إنّ أوّل ما عصي اللّه عزّ و جلّ به ستّ: حبّ الدّنيا و حبّ الرّئاسة و حبّ الطعام و حبّ النوم و حبّ الرّاحة و حبّ النساء.
4- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ رجلا من خثعم جاء إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال: أيّ الأعمال أبغض إلى اللّه عزّ و جلّ؟ فقال: الشرك باللّه، قال: ثمّ ما ذا؟ قال: قطيعة الرّحم، قال: ثمّ ما ذا؟
__________________________________________________
قوله (أركان الكفر أربعة: الرغبة، و الرهبة، و السخط، و الغضب) لعل المراد بالرغبة الرغبة فى الدنيا، و الحرص عليها، و سعة الامل و طلب الكثير منها. و بالرهبة الخوف من فواتها، و الهم من زوالها و هو يوجب صرف العمر فى حفظها، و المنع من أداء حقوقها، أو الخوف من اجراء الاحكام و الحدود و هو الجبن الموجب لفوات كثير من الحقوق الشرعية. و بالسخط- مثال القفل- عدم الرضا بقضاء اللّه و انقباض النفس فى حكمه. و بالغضب ثوران النفس نحو الانتقام عند مشاهدة ما لا يلائمها من المكاره و الآلام، و انما شبه هذه الامور الاربعة التى هى مواد الكفر و أسباب ستر الحق بالاركان لابتناء الكفر عليها بل لتركبه منها اذ الكفر عبارة عن جحد الحق أو جحد شي‏ء مما قرره، و هذه الامور اما نفسه، أو أعظم سبب من أسبابه و اللّه يعلم.
قوله (ان أول ما عصى اللّه عز و جل به ست: حب الدنيا، و حب الرئاسة، و حب الطعام و حب النوم، و حب الراحة، و حب النساء) هذه الامور معاصى قلبية تسود لوح القلب و تسد عنه طرق الحق و تعزل القوة العاقلة عن التصرف فيه و هى مبادى الطغيان فى القوة الشهوية الجالبة للمنافع الحاضرة الزائلة، الطالبة للفوائد الظاهرة و الباطلة و تجاوزها عن الحد اللائق بها عقلا و نقلا و تنهض حينئذ أيضا النفس الامارة الى تحصيل مقتضاها، و تستعين بالقوة الغضبية فى دفع الموانع و تحرك الظاهر و الباطن الى نحو المطلوب، و تحصيله بأى وجه كان فيقع الظلم و الكفر و المخالفة و المعصية التى لا تعد و لا تحصى من هذه المبادى. فهى أوائل المعاصى و امهات القبائح.
قوله (أى الاعمال أبغض الى اللّه عز و جل) المراد بالاعمال ما يعم أعمال القلب و الجوارح‏

269
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى اصول الکفر و أرکانه ص 268

قال: الأمر بالمنكر و النهي عن المعروف.
5- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حسن بن عطيّة، عن يزيد الصائغ قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل على هذا الأمر إن حدّث كذب، و إن وعد أخلف، و إن ائتمن خان، ما منزلته؟ قال: هي أدنى المنازل من الكفر و ليس بكافر.
6- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من علامات الشقاء جمود العين و قسوة القلب و شدّة الحرص في طلب الدّنيا و الاصرار على الذّنب‏
__________________________________________________
و أبغضها ما هو أفسد للدين و كون الامور المذكورة بهذه الصفة ظاهر و الظاهر أن قطع الرحم شامل لقطع رحم آل محمد «ص» بل هو أولى بالقصد عند الاطلاق كما مر.
قوله (هى أدنى المنازل من الكفر و ليس بكافر) هى أدنى منازل الكفر بحيث لو تجاوزه بأن أحل ذلك دخل فى الكفر» و لعل المراد بالكفر هنا انكار الرب، أو الاعم منه و من انكار الحق مطلقا بدليل قوله (و ليس بكافر) لانه ليس بكافر بالمعنى المذكور، و الا فهو كافر بمعنى كونه تاركا للحق و سيجي‏ء فى باب وجوه الكفر اطلاق الكافر عليه.
قوله (من علامة الشقاء جمود العين، و قسوة القلب، و شدة الحرص فى طلب الدنيا، و الاصرار على الذنب) الشقاء بدبخت شدن شقى يشقى شقاء ضد سعد فهو شقى، و الشقوة بالكسر، و الشقاوة بالفتح اسم منه و أشقاه اللّه بالالف، و جمود العين كناية عن بخلها بالدموع من جمد الماء جمدا و جمودا من باب نصر خلاف ذاب و هو من توابع قسوة القلب و هى غلظته و شدته، و السعادة و الشقاوة و قرب الحق و البعد منه و استحقاق الجنة و النار و ان كانت امورا معنوية لا يعلمها الا اللّه عز و جل لكن لها علامات تدل عليه فمن علامة الشقاوة هذه الخصال المذكورة كما أن أضدادها و هى البكاء للخوف من اللّه و التأمل فى أمر الآخرة و رقة القلب و الزهد فى الدنيا و عدم الاصرار على الذنب بالتوبة و الاستغفار من علامة السعادة، و فيه تحريص على ترك تلك الخصال و الامراض المهلكة، و طلب أضدادها بالمعالجات النافعة مثلا يتأمل فى سبب الاصرار على الذنب بأنه اما لعدم الايقان باليوم الاخر، أو للغفلة عنه بسبب غلبة الشهوة و استيلاء شوق اللذات الحاضرة على النفس بحيث يتعسر عليها الانصراف عنها، أو لكون امور الآخرة غائبة و لذات الدنيا حاضرة، و النفس الى اللذات الحاضرة أميل منها الى اللذات الغائبة كما قيل «كلما بعد عن العين بعد عن القلب» أو لكونه قاصدا للتوبة و لكن يؤخرها الى غد و بعد غد، أو لاعتماده على عفو اللّه ثم يشتغل بالمعالجة اما علاج الاول‏

270
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى اصول الکفر و أرکانه ص 268

7- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عن داود بن النعمان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: خطب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله الناس فقال: ألا اخبركم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه، قال: الّذي يمنع رفده و يضرب عبده و يتزوّد وحده. فظنّوا أنّ اللّه لم يخلق خلقا هو شرّ من هذا، ثمّ قال: ألا اخبركم بمن هو شرّ من ذلك؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه، قال: الّذي لا يرجى خيره و لا يؤمن شرّه فظنّوا أنّ اللّه لم يخلق خلقا هو شرّ من هذا، ثمّ قال: ألا اخبركم بمن هو شرّ من ذلك؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه، قال: المتفحّش اللّعّان الّذي إذا ذكر عنده المؤمنون لعنهم و إذا ذكروه لعنوه‏
__________________________________________________
فبأن يعلم أن الأنبياء و الرسل قد أخبروا باليوم الاخر و هم أولى بالاتباع من اتباع أهواء النفس، و لو لم يحصل له يقين بقولهم فالاحتياط يقتضي أن لا يترك متابعتهم كما لا يترك قول الطبيب بأن أكل هذا الطعام يضر مع أنه لا يحصل له علم بقوله، و أما علاج الثانى فبأن يعلم أن الصبر على الشهوة أسهل من الصبر على النار، و أما علاج الثالث فبأن يعلم أن امور الآخرة آتية قطعا و عقوبتها باقية أبدا، و أما علاج الرابع فبأن يعلم أن وصوله الى غد ليس منوطا بقدرته و ارادته. فيمكن أن يموت قبله مع أن تحقق التوبة قبله أسهل من تحققها بعده لان المعصية اذا قويت كانت ازالتها أصعب، و أما علاج الخامس و هو الاعتماد على العفو فبأن يعلم أن الايمان يضعف بالمعاصي فلعل ايمانه بسبب نقصانه يزول عند السكرات و لو بقى أمكن أن يعاقب بل العقوبة مظنونة لاخبار الصادقين بها فكيف يعمل عمل أهل النار و هو يتوقع أو يستيقن أنه من أهل الجنة.
قوله (الّذي يمنع رفده و يضرب عبده و يتزود وحده) الرفد بالكسر: العطاء و الصلة، و هو اسم من رفده رفدا من باب ضرب أعطاه، أو أعانه بعطاء أو قول أو غير ذلك و منه الرفادة لا طعام الحاج. و لعل المراد بضرب العبد ضربه من غير ذنب، أو زائدا على القدر المشروع، أو مطلقا و كان مضمون الحديث محمول على المبالغة، و على أن المؤمن ينبغى أن يكون فى نظره كل واحدة من المعاصى و خلاف الآداب أعظم من الاخرى حتى اذا رأى عاصيا يظن أنه من حيث هو عاص شر خلق اللّه، و اذا رأى عاصيا آخر يظن فيه أيضا ذلك ففيه مبالغة فى شرارتهم و خبثهم، و ليس القصد فيه معنى التفضيل حقيقة، كما فى قولك: هذه الطائفة كل واحد منهم شر من الاخر. فانك قصدت به المبالغة فى شرهم دون التفضيل، و فى قوله فظنوا دون اعلموا ايماء إليه و اللّه أعلم، و التفحش بد و ناسزا گفتن، و اللعان للمبالغة فى اللعن و هو من اللّه الطرد و الابعاد من الرحمة و من الخلق السب و الدعاء على أحد.

271
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى اصول الکفر و أرکانه ص 268

8- عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن بعض أصحابه، عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ثلاث من كنّ فيه كان منافقا و إن صام و صلّى و زعم أنّه مسلم: من إذا ائتمن خان و إذا حدّث كذب و إذا وعد أخلف، إنّ اللّه عزّ و جلّ قال: في كتابه: «إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ» و قال: «أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ» و في قوله عزّ و جلّ: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ [1] وَ كانَ رَسُولًا نَبِيًّا.
9- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ألا اخبركم بأبعدكم منّي شبها؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه، قال: الفاحش المتفحّش البذي‏ء البخيل المختال الحقود الحسود القاسي القلب، البعيد من كلّ خير يرجى، غير المأمون من كلّ شرّ يتّقى‏
__________________________________________________
قوله (الفاحش المتفحش البذي‏ء) الفحش القول السيئ و الكلام الردى‏ء، و كل شي‏ء جاوز الحد فهو فاحش و منه غبن فاحش اذا جاوزت الزيادة ما يعتاد مثله و التفحش كذلك مع زيادة تكلف و تصنع، و من طرق العامة «ان اللّه يبغض الفاحش المتفحش» قال الزمخشرى فى الفائق الفاحش ذو الفحش فى كلامه و المتفحش الّذي يتكلف ذلك و لا يبعد أن يراد بالمتفحش الّذي يقبل الفحش من غيره. فالفاحش المتفحش الّذي لا يبالى ما قال و لا ما قيل له و البذى على فعيل قد يطلق على السفيه، و هو الّذي لا رزانة له و على الفاحش فى المنطق و ان كان كلامه صدقا كما صرح به فى المصباح.
 (البخيل المختال الحقود الحسود) لمن شق عليه بذل المال أوصاف مرتبة، باعتبار كل وصف اسم ذكره الثعالبى فى سر الادب الاول البخيل اذا كان ضد الكريم، ثم لحز اذا كان ضيق النفس شديد البخل، ثم شحيح اذا كان مع بخله حريصا، ثم فاحش اذا كان متشددا فى بخله، ثم حلز اذا كان فى نهاية البخل، و المختال المتكبر المعجب بنفسه. و الحقد و الحسد يعنى اضمار عداوة المؤمن و تمنى زوال نعمته مع كونهما من أعظم القبائح يستلزمان مفاسد كثيرة غير محصورة.
 (القاسى القلب البعيد من كل خير يرجى غير المأمون من كل شر يتقى) القلب اذا قسى‏
__________________________________________________
 [1] قوله: فى متن الحديث «إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ» صرح أكثر فقهاء زماننا بان الوفاء بالوعد مستحب الا اذا كان شرطا فى عقد لازم و هو مستبعد جدا مع هذه التأكيدات فى القرآن‏

272
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى اصول الکفر و أرکانه ص 268

10- الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد عن منصور بن العبّاس، عن عليّ بن أسباط، رفعه إلى سلمان قال: إذا أراد اللّه عزّ و جلّ هلاك عبد نزع منه الحياء، فاذا نزع منه الحياء لم تلقه إلّا خائنا مخونا فإذا كان خائنا مخونا نزعت منه الأمانة، فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلّا فظّا غليظا، فإذا كان فظّا غليظا نزعت منه ربقة الإيمان، فاذا نزعت منه ربقة الايمان لم تلقه إلّا شيطانا ملعونا
__________________________________________________
و غلظ بطل استعداده للخيرات و استعد للشرور و وصف الخير بيرجى اما للتوضيح، أو للتقييد لان بعض الخير لا يرجى منه.
قوله (اذا أراد اللّه عز و جل هلاك عبد نزع منه الحياء) الحياء خلق يمنع من القبائح و التقصير فى حقوق الخلق و الخالق و هو اذا تحقق تحققت الامانة الدينية و الدنيوية فى الحقوق كلها للتحرز من اللوم فى تركها، و تحقق لين الطبع و رقة القلب فيصدر عن الاعضاء الظاهرة و الباطنة ما هو مطلوب منها بسهولة فيكمل الايمان لان الايمان الكامل متوقف على استقامة جميع الاعضاء و قيامها بوظائفها. و اذا انتفى الحياء انتفى جميع هذه الامور و تحققت أضدادها فتحقق الخيانة فى الحقوق كلها و شدة الطبع و غلظة القلب و نقص الايمان لانه يصعب حينئذ على الاعضاء قبول وظائفها. اذا عرفت هذا فنقول اذا أراد اللّه عز و جل هلاك عبد و عقوبته لابطاله الاستعداد الفطرى بسوء معاملته نزع منه الحياء بسلب لطفه و توفيقه عنه. فاذا نزع منه الحياء لم تلقه الا خائنا فى حقوق الغير و مخونا فى حق نفسه اذ فى كل خيانة خيانتان، و الخيانة رذيلة تحت الفجور و جارية فى جميع الاعضاء، فان للقلب خيانة و هى التفكر فى الامور الباطلة، و لليد خيانة و هى تناول ما لا يجوز مثلا، و للرجل خيانة و للعين خيانة و هكذا فى الجميع فاذا كان خائنا مخونا نزعت منه الامانة لانها ضد الخيانة، و تحقق الشي‏ء سبب لذهاب ضده. فاذا نزعت منه الامانة لم تلقه إلا فظا غليظا لان الامانة لازمة للرقة و اللينة و انتفاء اللازم دليل على انتفاء الملزوم. فاذا انتفت الرقة تحققت الغلظة فاذا كان فظا غليظا نزعت منه ربقة الايمان لانتفاء مقوماته، و لعل المراد زوال كماله و اللعن فى قوله «فاذا نزعت منه ربقة الايمان لم تلقه الا شيطانا ملعونا» لا يدل على زوال ايمانه بكله حتى يكون كافرا كما أن لعن المتغوط فى ظل النزال فى الخبر الآتي لا يدل على ذلك.
__________________________________________________
و الحديث حتى ان مخلف الوعد عد منافقا. و الّذي اعتقده و التزم به ان الوفاء واجب و المخلف فاسق و مراد من يعتد بقوله منهم عدم ثبوت حق بالوعد للموعود له ثبوتا دنيويا بحيث يمكن مطالبته عند القضاة و المرافعة بل يجب وجوبا حكيما يطالب به فى الآخرة نظير الخمس و الزكاة و نذر التصدق لرجل بعينه. (ش)

273
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى اصول الکفر و أرکانه ص 268

11- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن زياد الكرخيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ثلاث ملعونات ملعون من فعلهنّ: المتغوّط في ظلّ النزّال، و المانع الماء المنتاب، و السادّ الطّريق المقربة.
12- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن إبراهيم الكرخي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ثلاث ملعون من فعلهنّ: المتغوّط في ظلّ النزال، و المانع الماء المنتاب، و السّاد الطريق المسلوك.
13- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، و عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي حمزة، عن جابر بن عبد اللّه قال:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ألا اخبركم بشرار رجالكم؟ قلنا: بلى يا رسول اللّه، فقال:
__________________________________________________
قوله (ثلاث ملعونات) كان لعنها كناية عن ذمها و قبحها أو مجاز بجعل سبب اللعن ملعونا مطرودا.
 (ملعون من فعلهن) دل على أنه يجوز لنا أن نلعنه (المتغوط فى ظل النزال) هو الظل الّذي يستظل به الناس و يتخذونه مقيلا و مناخا.
 (و المانع الماء المنتاب) الماء المفعول أول للمانع اما مجرور بالإضافة من باب الضارب الرجل أو منصوب على المفعولية. و المنتاب أى صاحب نوبة منصوب على أنه مفعول ثان من الانتياب افتعال من النوبة. و جوز بعضهم أن يكون اسم مفعول صفة للماء من انتاب فلان القوم أى أتاهم مرة بعد اخرى، و الماء المنتاب هو الماء الّذي يرد عليه الناس متناوبة و متبادلة لعدم اختصاصه بأحدهم كالماء المملوك المشترك بين جماعة فلعن المانع لاحدهم فى نوبته.
و الماء المباح الّذي ليس ملكا لاحدهم كالغدران فى البوادى. فاذا ورد عليه الواردون كانوا فيه سواء فيحرم لاحدهم منع الغير فى التصرف فيه على قدر الحاجة لان فى المنع تعريض مسلم للتلف فلو منع حل قتاله فان لم يقو الممنوع على دفع المانع حتى مات عطشا فهو فى حكم من حبس ظلما حتى مات جوعا أو عطشا.
 (و الساد الطريق المقربة) المقربة بفتح الميم و سكون القاف و فتح الراء، و نظيره من طريق العامة «من غير المقربة فعليه لعنة اللّه» و من طريقهم أيضا «ثلاث لعينات رجل عور طريق المقربة» قال الزمخشرى فى الفائق المقربة المنزل و أصلها من القرب و هو السير الى الماء، و نقل عن صاحب النهاية أن المقربة طريق صغير ينفذ الى طريق كبير، و جمعها المقارب و هو هنا أنسب من الاول و تأنيث ضمير الطريق هنا و تذكيره فى الخبر الآتي باعتبار أن‏

274
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى اصول الکفر و أرکانه ص 268

إنّ من شرار رجالكم البهّات الجري‏ء الفحّاش، الاكل وحده، و المانع رفده، و الضارب عبده، و الملجئ عياله إلى غيره.
14- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ميسّر، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: خمسة لعنتهم و كلّ نبيّ مجاب: الزّائد في كتاب اللّه، و التارك لسنّتي، و المكذّب بقدر اللّه و المستحلّ من عترتي ما حرّم اللّه، و المستأثر بالفي‏ء المستحلّ له‏
__________________________________________________
الطريق يؤنث و يذكر.
قوله (البهات الجري‏ء الفحاش) البهات الّذي يبهت غيره أى يقذفه بالباطل و يفترى عليه الكذب و الاسم البهتان، و الجرى بالياء المشددة و بالهمزة أيضا على فعيل و هو المقدام على القبيح من غير توقف و الاسم الجرأة. و الفحاش ذو الفحش و هو كل ما يشتد قبحه من الاقوال و الافعال و كثيرا ما يراد به الزنا.
 (و المانع رفده) يفهم منه و مما سبقه أن ترك المندوب و ما هو خلاف المروة شر، فالمراد بشرار الرجال فاقد الكمال سواء كان فقده موجبا للعقوبة أم لا.
 (و الملجئ عياله الى غيره) بترك الانفاق عليهم و عدم القيام بحوائجهم، و قد روى «أن الكد للعيال أفضل من الزهد فى الدنيا».
قوله (و كل نبى مجاب) قيل يحتمل أن يكون عطفا على فاعل لعنتهم و مجاب حينئذ صفة لنبى. و يحتمل أن يكون كل نبى مبتدأ و مجاب خبره، و الجملة حال لافادة ان دعاءه عليهم و لعنه اياهم مستجابة قطعا.
 (و المكذب بقدر اللّه) كالمفوضة حيث قالوا ليس للّه قدر، أى تدبير فى أفعالنا أصلا، بل أقدرنا عليها و فوض أمرها و تدبيرها إلينا كذا قال بعض الاصحاب.
 (و المستحل من عترتى ما حرم اللّه) العترة نسل الانسان قال الازهرى، و روى ثعلب عن ابن الاعرابى أن العترة ولد الرجل و ذريته و عقبه من صلبه، و لا تعرف العرف من العترة غير ذلك و اللعن يشمل قاتلهم و موذيهم و ضاربهم و مانع حقوقهم و آخذ أموالهم.
 (و المستأثر بالفي‏ء المستحيل له) فى بعض النسخ «و المستحل له» بالعطف للتفسير أو للتغاير، و الفي‏ء يطلق على الغنيمة و هو ما أخذ من أموال الكفار بحرب و غلبة كما صرح به المصنف فى آخر كتاب الحجة فى باب الفي‏ء و الانفال و خمسة للّه تعالى و لمن سماه تعالى فى كتابه الكريم، و الباقى للمجاهدين على نحو ما ذكر فى موضعه، و يطلق أيضا على الانفال كما يشعر به اللغة، و صرح به ابن الاثير، و دلت عليه رواياتنا الكثيرة، و أشرنا الى بعضها فى‏

275
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الریاء ص 276

(باب الرياء)
1- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القدّاح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال لعبّاد بن كثير البصري في المسجد: ويلك يا عبّاد إيّاك و الرّياء فإنّه من عمل لغير اللّه و كله اللّه إلى من عمل له.
2- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أبيه قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: اجعلوا أمركم هذا للّه و لا تجعلوه للنّاس فإنّه ما كان للّه فهو للّه و ما كان للنّاس فلا يصعد إلى اللّه‏
__________________________________________________
ذلك الباب و هو حينئذ ما اخذ بغير قتال فهو للرسول «ص» خاصة و لمن بعده من الائمة عليهم السلام.
قوله (يا عباد اياك و الرياء) حذره عن الرياء و هو من تسويلات الشيطان و النفس الامارة الطالبة للدنيا بأى وجه كان، فربما تخيل الى الانسان أن الناس اذا عظموا أحدا و مالوا الى توقيره لامر يقتضيه كالعلم و العبادة و سائر الخيرات بذلوا له أنفسهم و أموالهم طوعا و رغبة فيتمسك بالخيارات رياء و سمعة، و يطلب بها صرف قلوبهم إليه و قيامهم بوظائف الخدمة بين يديه، و يجعلها وسيلة لاعانتهم له بالنفس و المال، و ذريعة لكفايتهم مهماته فى جميع الاحوال. و للرياء طرق واسعة و مسالك كثيرة، و لا يحترز منها الا العارفون المالكون لزمام أنفسهم بالمراقبة و المحاسبة فانه قد يتعلق بالعبادات كتحسين القراءة، و تطويل القنوت و الركوع و تكثير الصوم و الصلاة و السجود مثلا لاظهار أنه عابد مبالغ فى العبادة، و قد يتعلق بتغيير الصورة كاصفرار الوجه لاظهار السهر، و قلة النوم، و تضعيف البدن لاظهار المجاهدة و قلة الاكل و اخفاء الصوت لاظهار الرزانة و الوقار، و قد يتعلق باللسان كالتكلم بالمقالات العالية لاظهار أنه عالم ماهر. و تحريك اللسان عند لقاء الناس لاظهار أن قلبه حاضر ذاكر و قد يتعلق باللباس كلبس الصوف و الخشن و المرقع لاظهار الزهد فى الدنيا.
 (فانه من عمل لغير اللّه و كله اللّه الى من عمل له) أى من عمل عملا ينبغى أن يكون للّه خالصا أو من عمل لغير اللّه خالصا أو بالتشريك و كله اللّه الى ذلك الغير يوم القيامة، و يقول خذ أجرك منه، أو وكل ذلك العمل الى الغير و لا يقبله أصلا، و قد روى عن النبي «ص» أنه قال:
 «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الاصغر قالوا: و ما الشرك الاصغر يا رسول الله؟ قال الرياء يقول اللّه عز و جل يوم القيامة اذا جازى العباد بأعمالهم اذهبوا الى الذين كنتم تراءون فى الدنيا هل تجدون عندكم ثواب أعمالكم».
قوله (اجعلوا أمركم هذا للّه) أى اجعلوا أمركم هذا للّه خالصا و لا تجعلوه للناس‏

276
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الریاء ص 276

3- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي المغراء، عن يزيد ابن خليفة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: كلّ رياء شرك، إنّه من عمل للنّاس كان ثوابه على الناس و من عمل للّه كان ثوابه على اللّه.
4- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن جرّاح المدائني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً قال: الرّجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه اللّه إنّما يطلب تزكية النّاس يشتهي أن يسمع به النّاس، فهذا الّذي أشرك بعبادة ربّه، ثمّ قال: ما من عبد أسرّ خيرا فذهبت الأيّام أبدا حتّى يظهر اللّه له خيرا، و ما من عبد يسرّ شرّا فذهبت الأيّام أبدا حتّى يظهر اللّه له شرّا.
5- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن محمّد بن عرفة قال: قال لي الرّضا عليه السّلام: ويحك يا ابن عرفة اعملوا لغير رياء و لا سمعة، فإنّه من عمل لغير
__________________________________________________
بالانفراد و الاشتراك. فان ما كان للّه خالصا فهو للّه و يصعد إليه و عليه أجره، و ما كان للناس و لو بالشركة فلا يصعد الى اللّه لانه لا يصعد إليه الا العمل الخالص له.
قوله (قال ما من عبد أسر خيرا فذهبت الايام أبدا حتى يظهر اللّه له خيرا) من عمل للّه خالصا و أخفاه خوفا من الرياء و طلبا لرضاه تعالى أظهره اللّه و أظهره حاله يوما لعباده و صرف قلوبهم إليه ليمدحوه و يوقروه و يعظموه. فيحصل له مع ثناء اللّه تعالى ثناء الناس و بحكم المقابلة لو أظهره طلبا لرضاهم صرف اللّه عنه قلوبهم و جعلها مبغضة له، و الظاهر أن إظهار الخير الخفى كلى بدليل قوله: «ما من عبد» و لا يستلزم ذلك اظهاره لجميع الخلق لجواز اظهاره للخواص من الملائكة و الناس. فلا ينافى ما روى «طوبى لعبد يعرف الناس و لا يعرفه الناس» و يفهم من هذا الحديث و نحوه أن اسرار الخير أحسن من اظهاره و لكن فائدة، أما فائدة الاسرار فللتحرز من الرياء و اما فائدة الاظهار فترغيب الناس فى الاقتداء به و تحريكهم الى فعل الخير و لذلك أثنى اللّه تعالى على كليهما بقوله «إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ» و فى هذا المقام تفصيل مذكور فى محله.
 (و ما من عبد يسر شرا فذهبت الايام أبدا حتى يظهر اللّه له شرا) فيه وعيد لمن عمل رياء أو عمل شرا و أخفاه خوفا من لوم الناس و ذمهم فانه تعالى يرتب على اخفائه نقيض مقصوده فيظهره على عباده و يظهر سوء حاله ليذموه و يعاندوه و يحقروه.

277
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الریاء ص 276

اللّه و كله اللّه إلى ما عمل. ويحك ما عمل أحد عملا إلّا ردّاه اللّه إن خيرا فخير و إن شرّا فشرّ.
6- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عمر بن يزيد قال:
إنّي لأتعشّى مع أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ تلا هذه الآية بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‏ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ. وَ لَوْ أَلْقى‏ مَعاذِيرَهُ يا أبا حفص ما يصنع الإنسان أن يتقرّب إلى اللّه عزّ و جلّ بخلاف ما يعلم اللّه تعالى، إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كان يقول: من أسرّ سريرة ردّاه اللّه رداءها إن خيرا فخير و إن شرّا فشرّ
__________________________________________________
قوله (ما عمل احد عملا الا رداه اللّه) التردية رداء بر كسى افكندن، شبه العمل بالرداء فى الاحاطة و الشمول.
 (ان خيرا فخيرا و ان شرا فشرا) أى ان كان عمله خيرا فكان جزاؤه خيرا، و ان كان عمله شرا فكان جزاؤه شرا. و جاء الخبر الاخر برفع الاخيرين أى ان كان عمله خيرا فجزاؤه خير و أن كان عمله شرا فجزاؤه شر.
قوله (انى لا تعشى مع أبى عبد اللّه «ع») العشاء بالكسر و المد أول ظلام الليل، و بالفتح و المد الطعام الّذي يتعشى به وقت العشاء و تعشيت أنا أكلت العشاء.
 (اذ تلا هذه الآية «بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‏ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ») قال القاضى أى حجة بينة على أعمالها لانه شاهد بها، وصفها بالبصارة على المجاز، أو عين بصيرة بها فلا يحتاج الى الانباء. أقول:
التوجيه الاول لاكثر المفسرين. و الثاني نقله النيشابورى عن الاخفش فانه جعل الانسان بصيرة كما يقال فلان كرم، و ذلك لانه يعلم بالضرورة متى رجع الى عقله ان طاعة خالقه واجبة و عصيانه منكر فهو حجة على نفسه بعقله السليم، و نقل عن أبى عبيدة أن التاء للمبالغة كعلامة (وَ لَوْ أَلْقى‏ مَعاذِيرَهُ)
 قال القاضى و لو جاء بكل ما يعتذر به. جمع معذار و هو العذر أو جمع معذرة على غير قياس فان قياسه معاذر، و قال النيشابورى هذا تأكيد أى و لو جاء بكل معذرة يحاج بها عن نفسه فانها لا تنفعه لانها لا تخفى شيئا من أفعاله فان نفسه و أعضاءه تشهد عليه. ثم قال: قال الواحدى و الزمخشرى: المعاذير اسم جمع للمعذرة كالمناكير للمنكر و لو كان جمعا لكان معاذر بغير ياء، و نقل عن الضحاك و السدى ان المعاذير جمع المعذار و هو الستر، و المعنى أنه و ان أسبل الستور لن يخفى شي‏ء من عمله قال الزمخشرى ان صح هذا النقل فالسبب فى التسمية أن الستر يمنع رؤية المحتجب كما يمنع المعذرة عقوبة المذنب.
 (يا أبا حفص ما يصنع الانسان أن يتقرب الى اللّه بخلاف ما يعلم اللّه) لاهل الرياء ظاهر و باطن، ظاهره مع اللّه للتقرب منه، و باطنه مع الخلق لطلب المنزلة و التعظيم و التوقير منه،

278
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الریاء ص 276

7- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: إنّ الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به فاذا صعد بحسناته يقول اللّه عزّ و جلّ: اجعلوها في سجّين إنّه ليس إيّاى أراد بها.
8- و بإسناده قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: ثلاث علامات للمرائي:
ينشط إذا رأى النّاس، و يكسل إذا كان وحده، و يحبّ أن يحمد في جميع اموره.
9- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن عليّ بن سالم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: قال اللّه عزّ و جلّ: أنا خير شريك، من أشرك معي غيري في عمل عمله لم أقبله إلّا ما كان لي خالصا.
10- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن داود، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أظهر للنّاس ما يحب اللّه و بارز اللّه بما كرهه لقى اللّه و هو ماقت له‏
__________________________________________________
و اللّه سبحانه يعلم أن باطنه مخالف لظاهره و أن العمل الموجب للقرب منه هو العمل الخالص له دون المشترك بينه و بين غيره فالتقرب بهذا العمل المشترك الى اللّه تعالى تقرب بخلاف ما يعلم اللّه أنه موجب للتقرب، و هو سفه و استهزاء، و قوله ما يصنع للتقريع و التوبيخ و التنبيه على أنه مع كونه غير نافع مضر و اللّه أعلم.
قوله (اجعلوها فى سجين أنه ليس اياى اراد) سجين موضع فيه كتاب الفجار و دواوينهم و قيل واد فى جهنم قال اللّه تعالى «إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ».
قوله (ينشط اذا رأى الناس) سواء كان النشاط قبل العمل و باعثا للشروع فيه أم بعد الشروع فيه و سببا لتجويده.
 (و يحب أن يحمدوه فى جميع اموره) سواء كان من أمور الدين كفعل الطاعات و ترك المنهيات فانه قد يترك الزنا، و شرب الخمر ليمدحه الناس بالصلاح، أم من امور الدنيا كالتشبع بالمال و التحلى باللباس لثناء الناس عليه، و إليه اشار النبي «ص» بقوله «ان لكل حق حقيقة و ما بلغ عبد حقيقة الاخلاص حتى لا يحب ان يحمده على شي‏ء من عمل اللّه».
قوله (قال عز و جل أنا خير شريك- الخ) اطلق الشريك على ذاته المقدسة بزعم من اشرك معه غيره، و اطلق الخير عليها باعتبار أنه يترك نصيبه مع شريكه و لا يساهمه كسائر الشركاء و انما يقبل ما كان له خالصا من الرياء و العجب و الادلال كما قال فى حديث «انى أغنى الشركاء من الشرك فمن عمل عملا ثم شرك فيه غيرى فأنا منه بري‏ء، و هو للذى أشرك بى دونى».
قوله (من أظهر للناس ما يحب اللّه و بارز اللّه بما كرهه لقى اللّه و هو ماقت له) مبارزه‏

279
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الریاء ص 276

11- أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن فضل أبي العباس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما يصنع أحدكم أن يظهر حسنا و يسر سيّئا، أ ليس يرجع إلى نفسه فيعلم أنّ ذلك ليس كذلك و اللّه عزّ و جلّ يقول: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‏ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ إنّ السّريرة إذا صحّت قويت العلانية.
الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن فضالة، عن معاوية، عن الفضيل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله.
12- عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما من عبد يسرّ خيرا إلّا لم تذهب الأيّام حتّى يظهر اللّه له خيرا و ما من عبد يسرّ شرّا إلّا لم تذهب الأيّام حتّى يظهر اللّه له شرّا.
13- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن يحيى بن بشير، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أراد اللّه عزّ و جلّ بالقليل من عمله‏
__________________________________________________
با كسى جنگ كردن و نبرد جستن. و المبارز المحارب الّذي لا يبالى باقدام صاحبه، و من أسباب المقت و العقوبة و الخزى فى الدنيا و الآخرة اظهار الطاعة لخلق اللّه طلبا للرفعة و المنزلة عندهم. و الاقدام بمعصية اللّه.
قوله (ما يصنع أحدكم أن يظهر حسنا و يسر سيئا- الخ) لعل المراد بالحسن الاعمال و العبادات الظاهرة، و بالسيئ قصد الرياء و نية التقرب بها عند الناس و لو رجع هذا الى نفسه و عقله علم أن ذلك العمل ليس بعمل حسن يترتب عليه الثواب و التقرب الى اللّه بل علم أنه معصية لان الانسان عالم بحال نفسه من الخير و الشر فيجب عليه الاجتناب من الشر و ما يضره، و السبب لذلك القصد فساد القلب و ميله الى الدنيا و طلب العزة من أهلها، و اذا صح عن الفساد و مال الى الحق و قصد التقرب إليه و السعادة الابدية قويت العلانية. و صحت الجوارح و الاعضاء الظاهرة، و صدرت منها الاعمال الصالحة كما روى «ان فى الجسد مضغة اذا صلحت صلح لها سائر الجسد، ألا و هى القلب».
قوله (من أراد اللّه عز و جل بالقليل من عمله أظهر اللّه له أكثر مما أراد) أى أكثر مما أراد اللّه عز و جل به من العمل، و لعل المراد باظهاره اظهاره على الخلق كما دل عليه بعض الروايات ليعرفوه بالتقوى و الصلاح فيجمع له خير الدنيا و الآخرة، و يمكن أن يراد به اظهاره له يوم فقره و فاقته كما دل عليه قوله تعالى «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها» و

280
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الریاء ص 276

أظهر اللّه له أكثر ممّا أراد، و من أراد الناس بالكثير من عمله في تعقب من بدنه و سهر من ليله أبى اللّه عزّ و جلّ إلّا أن يقلّله في عين من سمعه.
14- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: سيأتي على الناس زمان تخبث فيه سرائرهم و تحسن فيه علانيتهم، طمعا في الدّنيا، لا يريدون به ما عند ربّهم، يكون دينهم رياء، لا يخالطهم خوف، يعمّهم اللّه بعقاب، فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجيب لهم.
15- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عمر بن يزيد قال: إنّي لأتعشّى مع أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ تلا هذه الآية
__________________________________________________
إرادة الاعم أولى. (و من أراد الناس بالكثير من عمله فى تعب من بدنه و سهر من ليله أبى اللّه عز و جل الا أن يقلله فى عين من سمعه) كان تقليله فى أعينهم كناية عن تحقيرهم و بغضهم له كما دل عليه ما روى «ان رجلا من بنى اسرائيل قال لاعبدن اللّه عبادة أذكر بها، فمكث مدة مبالغا فى الطاعات و جعل لا يمر بملاء من الناس الا قالوا متصنع مرائى، فاقبل على نفسه و قال قد أتعبت نفسك و ضيعت عمرك فى لا شي‏ء فينبغى ان تعمل للّه سبحانه فغير نيته و أخلص عمله للّه فجعل لا يمر بملاء من الناس الا قالوا ورع تقى».
قوله (سيأتى على الناس زمان تخبث فيه سرائرهم و تحسن فيه علانيتهم طمعا فى الدنيا) هكذا حال المرائى فانه يحسن علانيته مع الخلق و يفسد سريرته بقصد الرياء و طلب المنزلة عندهم و سبب ذلك حب الدنيا و شهواتها و نسيان الآخرة و عقباتها و هو رأس كل خطيئة و منبع كل ذنب، و هو الّذي يحول بين القلب و بين تفكره فى أمر العاقبة، و يبعثه على تحصيل الدنيا بأى وجه كان و أى طريق يمكن حتى أنه يجعل العبادة التى تجب أن تكون للّه خالصة وسيلة الى المنافع الموهومة الزائلة.
 (لا يريدون به ما عند ربهم) من الثواب الجزيل و الاجر الجميل، و ضمير به راجع الى حسن العلانية، أو الى العمل المعلوم من سياق الكلام.
 (يكون دينهم رياء) لطلب الجاه و المنزلة فى قلوب الناس و الرغبة فى نعيم الدنيا.
 (لا يخالطهم خوف) من اللّه و لو كان لهم خوف لزهدوا فى الدنيا و أقبلوا الى الآخرة و أخلصوا سريرتهم (يعمهم اللّه بعقاب فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجيب لهم) دل على ان المرائى و غيره من أهل العصيان مستحقون للعقوبة و على أن من شرائط استجابة الدعاء الصلاح و الخوف و الرجوع من المخالفة بالتوبة و الاستغفار و الانابة، و ذلك لان الاستجابة حق لهم على اللّه. و الخوف و الصلاح و خلوص العبادة حق للّه عليهم، فاذا منعوا حقه تعالى‏

281
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الریاء ص 276

 «بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‏ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَ لَوْ أَلْقى‏ مَعاذِيرَهُ» يا أبا حفص ما يصنع الإنسان أن يعتذر إلى النّاس بخلاف ما يعلم اللّه منه، إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كان يقول: من أسرّ سريرة ألبسه اللّه رداءها إن خيرا فخير و إن شرّا فشرّ.
16- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن بعض أصحابه، عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال: الإبقاء على العمل أشدّ من العمل، قال:
و ما الإبقاء على العمل؟ قال: يصل الرّجل بصلة و ينفق نفقة للّه وحده لا شريك له فكتب له سرّا ثمّ يذكّرها فتمحى فكتب له علانية، ثمّ يذكّرها فتمحى و تكتب له رياء
__________________________________________________
فله أن يمنع حقهم، و ذلك عدل و ليس بظلم كما تدين تدان.
قوله (يا أبا حفص ما يصنع الانسان أن يعتذر الى الناس بخلاف ما يعلم- الخ) ذكر هذا الحديث سندا و متنا قبيل ذلك «1» من غير تفاوت الا قوله «أن يعتذر الى الناس» الاعتذار اظهار العذر و طلب قبوله، و لعل المراد به هو الحث على التسوية بين السريرة و العلانية بحيث لا يفعل سرا ما لو ظهر لاحتاج الى العذر، و من البين أن الخير لا يحتاج الى العذر، و انما المحتاج إليه هو الشر ففيه ردع عن تعلق السر بالشر مخالفا للظاهر، و هذا كما قيل لبعضهم عليك بعمل العلانية. قال: و ما عمل العلانية؟ قال: ما اذا اطلع اللّه الناس عليك لم يستحى منه، و هذا مأخوذ من كلام أمير المؤمنين «ع» على ما ذكره صاحب العدة رحمه اللّه يقول «ع» «اياك و ما تعتذر منه و انه لا يعتذر من خير، و اياك و كل عمل فى السر تستحيى منه فى العلانية، و اياك و كل عمل اذا ذكر لصاحبه أنكره».
قوله (الا بقاء على العمل أشد من العمل) كما يتحقق الرياء فى أول العبادة و وسطها
__________________________________________________
 (1) قوله «متنا قبيل ذلك» فى الحديث السادس و هذا يدل على جواز نقل الحديث بالمعنى دون اللفظ و ليس المراد بحفظ المعنى حفظ جميع خصوصيات الاصل بل حفظ حاصل المضمون مثلا فى الحديث السابق «ما يصنع الانسان ان يتقرب الى اللّه» و فى هذا الحديث بدله «ما يصنع الانسان ان يعتذر الى الناس» و فى السابق «رداه اللّه رداءها» و هنا «ألبسه اللّه رداءها» و العجب أن كثيرا من أهل زماننا يدعون حصول الظن الاطمينانى بصدور الاحاديث بجميع ألفاظها و يزعمون أنه علم فى العرف و العادة و يستنبطون الاحكام من خصوصيات الالفاظ التى نعلم قطعا عدم امكان حفظها للرواة كما هى، و من تمسك فى حجية ألفاظ الاحاديث بالأدلّة التعبدية كآية النبإ كما عمل به العلامة و سائر الفقهاء لم يتوجه عليهم ما أوردنا على التمسك بالظن الاطمينانى. (ش).

282
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الریاء ص 276

17- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القدّاح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: اخشوا اللّه خشية ليست بتعذير، و اعملوا للّه في غير رياء و لا سمعة، فإنّه من عمل لغير اللّه و كله اللّه إلى عمله.
18- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن الرّجل يعمل الشي‏ء من الخير فيراه إنسان فيسرّه ذلك؟ فقال: لا بأس، ما من أحد إلّا و هو يحبّ أن يظهر له في الناس الخير، إذا لم يكن صنع ذلك لذلك‏
__________________________________________________
كذلك يتحقق بعد الفراغ منها الى آخر العمر فيجعل ما فعل للّه خالصا فى حكم ما فعل لغيره فيبطلها كالاولين عند علمائنا، بل يوجب الاستحقاق للعقوبة أيضا عند الجميع، و انما كان الابقاء أشد لانه يحتاج الى مراقبة النفس و محافظة العمل من المفسد فى زمان أطول من زمان الاولين، و قال الغزالى لا يبطلها لان ما وقع صحيحا فهو صحيح لا ينتقل من الصحة الى الفساد، نعم الرياء بعده حرام يوجب استحقاق العقوبة.
قوله (قال أمير المؤمنين «ع» اخشوا اللّه خشية ليست بتعذير) فى المصباح عذر فى الامر تعذيرا اذا قصر و لم يجتهد أى اخشوا اللّه خشية ليست متلبسة بتقصير و هى الخشية المستلزمة للتوافق بين السر و العلانية و ترك محارم اللّه الظاهرة و الباطنة، و لزوم حدوده الجاذبة الى الزهد الحقيقى، و قال الفاضل الامين الأسترآبادي على ما نقل عنه، اذا فعل أحد فعلا من باب الخوف و لم يرض به فخشيته خشية تعذير و خشية كراهية، و ان رضى به فخشيته خشية رضاء و خشية محبة.
قوله (قال سألته عن الرجل يعمل الشي‏ء من الخير فيراه انسان فيسره ذلك؟ فقال:
لا بأس ما من أحد الا و هو يحب أن يظهر له فى الناس الخير اذا لم يكن صنع ذلك لذلك) نظيره من طريق العامة عن أبى ذر «قيل لرسول اللّه «ص» أ رأيت الرجل يعمل العمل من الخير و يحمده الناس عليه قال تلك عاجل بشرى المؤمن يعنى البشرى المعجلة له فى الدنيا، و البشرى الاخرى قوله سبحانه «بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ» و هذا ينافى ما روى من طريقنا «ما بلغ عبد حقيقة الاخلاص حتى لا يحب أن يحمد على شي‏ء من عمل للّه» و ما روى من طريقهم عن سعيد بن جبير قال «جاء رجل الى النبي «ص» فقال: انى أتصدق و أصل الرحم و لا أصنع ذلك الا للّه فيذكر منى و أحمد عليه فيسرنى ذلك و اعجب به فسكت رسول اللّه «ص» و لم يقل شيئا فنزل قوله تعالى قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى‏ إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً»

283
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب طلب الرئاسة ص 284

(باب طلب الرئاسة)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن معمر بن خلّاد، عن أبي الحسن عليه السّلام أنّه ذكر رجلا فقال: إنّه يحبّ الرّئاسة، فقال: ما ذئبان ضاريان في غنم قد تفرّق رعاؤها بأضرّ في دين المسلم من الرّئاسة
__________________________________________________
و طرق الجمع ما ذكره صاحب العدة رحمه اللّه و هو أنه ان كان سروره باعتبار أنه تعالى أظهر جميله عليهم، أو باعتبار أنه استدل باظهار جميلة فى الدنيا على اظهار جميله فى الآخرة «1» على رءوس الاشهاد أو باعتبار أن الرائى قد يميل قلبه بذلك الى طاعة اللّه تعالى أو باعتبار أنه يسلب ذلك اعتقادهم بصفة ذميمة له فليس ذلك السرور رياء و سمعة و ان كان سروره باعتبار رفع المنزلة و توقع التعظيم و التوقير و المدح بأنه عابد زاهد و تزكيتهم له الى غير ذلك من التدليسات النفسانية و التلبيسات الشيطانية فهو رياء ناقل للعمل من كفة الحسنات الى كفة السيئات و اللّه هو المستعان.
قوله (عن أبى الحسن «ع» أنه ذكر رجلا فقال انه يحب الرئاسة فقال ما ذئبان ضاريان فى غنم قد تفرق رعاؤها بأضر فى دين المسلم من الرئاسة) فى بعض النسخ «عن أبى الحسن الرضا (ع)» و الرئاسة الشرف و العلو على الناس، رأس الرجل يرأس مهموز بفتحتين‏
__________________________________________________
 (1) «على اظهار جميلة فى الآخرة» لا شك أن النبي «ص» كان يفرح بغلبة دينه على الاديان و ظهور ملته على الملل و اشتهار ذكره و هزم أعدائه و عزة أوليائه فى الدنيا و كان داعيه على ذلك الآخرة لا الدنيا كما فى سائر الملوك و السلاطين فالاصل فى الرياء أن يكون قصد الفاعل بفعله الدنيا لا ظهور عمله للناس فمن أظهر عمله ليراه الناس و كان قصده الآخرة لم يكن ذلك رياء مبغوضا. فان قيل الرئاء من الرؤية و الفعل الخالص من الرياء أن يخفيه بحيث لا يراه الناس، قلنا المتبادر من النهى هو كون إراءة الناس مقصودا لذاته الصلاح فاعله و اما ان لم يكن ذلك مقصودا لذاته بل كان غرضه ترغيبهم فى العمل الصالح و تعليمهم و ارشادهم و أمثال ذلك كان مرغوبا فيه و يجب على الفاعل أن يمتحن نفسه بامور يعلم بها حاله واقعا فلا يشتبه عليه الامر مثلا اذا كان عمله الارشاد و التعليم و أراد أن يعرف غرضه واقعا فكر فى نفسه ان فرض تصدى غيره لتعليم العباد و كان ذلك الغير أعلم و أنطق بحجته و أكثر ممارسة فى عمله هل يرضى و يفرح بان الناس وجدوا وسيلة أقوى للرشاد أو يحسده و يبغضه و يكرهه فان وجد من نفسه الثانى علم أنه بارشاده مراء و ان وجده راضيا به و أشد سرورا بوجود غيره الاعلم من نفسه فهو غير مراء و هكذا. (ش).

284
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب طلب الرئاسة ص 284

2- عنه، عن أحمد، عن سعيد بن جناح، عن أخيه أبي عامر، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من طلب الرئاسة هلك‏
__________________________________________________
رئاسة شرف و علا قدره و هو رئيس، و الجمع رؤساء، مثل شريف و شرفاء، و الضارى السبع الّذي اعتاد بالصيد و اهلاكه، و الرعاء بالكسر و المد جمع راع اسم فاعل، و بالضم جمع صرح بالاول صاحب المصباح و بالثانى القاضى و فيه تبعيد للمسلم من طلب الرئاسة لانها تهلك دينه و تفسده و سبب ذلك أن الرئاسة متوقفة على العلم بالامور الشرعية و الاخلاق النفسانية و تهذيب الظاهر و الباطن من الاعمال و الاخلاق الباطلة و تحليتهما بالاعمال و الاخلاق الفاضلة، و تطويع النفس الامارة للنفس المطمئنة، و تعديل القوة الشهوية و الغضبية و رعاية العدل فى جميع الامور و هذه الامور لا توجد الا فى المعصوم، و من وفقه اللّه تعالى من أوليائه، و قد سأل بعض موالى على بن الحسين أبا عبد اللّه «ع» «أن يكلم بعض الولاة على أن يوليه فى بعض البلاد و أقسم بأيمان مغلظة أن يعدل و لا يظلم و لا يجور فرفع أبو عبد اللّه «ع» رأسه الى السماء فقال تناول السماء أيسر عليك من ذلك» و روى مسلم باسناده عن أبى ذر رحمه اللّه قال: «قلت يا رسول اللّه ألا تستعملنى فقال: فضرب بيده على منكبى ثم قال يا أبا ذر انك ضعيف و انها أمانة «1» و انها يوم القيامة خزى و ندامة الا من أخذها بحقها و أدى الّذي عليه فيها».
قوله (من طلب الرئاسة هلك) طلب الرئاسة قصدا و لا تفوقه على الخلق و استيلاؤه عليهم بحكم النفس الامارة و قضاء القوة الشهوية و الغضبية، و علم أن ذلك لا يتيسر له الا بالرئاسة المقتضية لتوجه الخلق إليه و احتياجهم لديه فلذلك طلبها مع علمه بأن فيها هلاكه لكونها حقا للعالم الربانى ضرورة أن التصرف و التدبير فى أمر الخلق، و اقامة المعدلة بينهم‏
__________________________________________________
 (1) قوله «انك ضعيف و أنها أمانة» كأنه من مجعولات رواة السوء في دولة بنى امية فان أبا ذر رحمه اللّه كان مضادا لهم لظلمهم و اسرافهم و كانوا يزعمون العدل و التسوية التى يريدها أبو ذر ضعفا و هكذا الجبابرة القدرة عندهم مرادفة للظلم و العدل مساوق للضعف و عند الحكماء المعتنين بالعلوم الاجتماعية العدل مساوق للقدرة و الظلم للضعف و روى عن النبي «ص» «الملك يبقى مع الكفر و لا يبقى مع الظلم» و لا يبقى الشي‏ء الا لقوته و لا يفنى الا لضعفه، و السر فيه أن الظالم يبغض الخلق و الخلق يبغضونه و كل همه أن يحارب رعيته و يمنعهم من كل شي‏ء يوجب تقويتهم حتى لا يبارزوه و لا يظهر من أحد من رعاياه ما أودعه اللّه فيه من ابداع الحرف و الصنائع و العلوم و أنواع آثار العمران و ذكر ابن مسكويه أن ارتفاع البلاد قل فى زمن الحجاج جدا لظلمه و زاد و كثر فى عهد عمر بن عبد العزيز لعدله (ش).

285
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب طلب الرئاسة ص 284

3- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن عبد اللّه ابن المغيرة، عن عبد اللّه بن مسكان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إيّاكم و هؤلاء الرّؤساء الّذين يترأسون، فو اللّه ما خفقت النعال خلف رجل إلّا هلك و أهلك.
4- عنه، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع و غيره رفعوه قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام ملعون من ترأّس، ملعون من همّ بها، ملعون من حدّث بها نفسه.
5- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن أيّوب، عن أبي عقيلة الصيرفي قال: حدّثنا كرّام، عن أبي حمزة الثمالي قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: إيّاك و الرّئاسة و إيّاك أن تطأ أعقاب الرّجال، قال: قلت: جعلت فداك أمّا الرّئاسة فقد عرفتها و أمّا أن أطأ أعقاب الرّجال فما ثلثا ما في يدي إلّا ممّا وطئت أعقاب‏
__________________________________________________
قبل تحقق العلم و المعرفة و الوقوف على مراتب حالاتهم و قدر حقوقهم و حقوق اللّه تعالى من الاوامر و النواهى و غيرها محال.
قوله (عن عبد اللّه بن مسكان قال سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول اياكم و هؤلاء الرؤساء الذين يترأسون) فيه تحذير عن متابعتهم، و الرجوع إليهم كما فى اياك و الاسد و الاتيان بصيغة التفاعل ليدل على أنهم أظهروا أن أصل الفعل و هو الرئاسة حاصل لهم و هو منتف عنهم كما فى تجاهل و تغافل، و رواية عبد اللّه بن مسكان هذا الحديث عن أبى عبد اللّه «ع» دل على أن ما ذكره بعض أصحاب الرجال من أن عبد اللّه بن مسكان لم يرو عن أبى عبد اللّه «ع» و ما ذكره بعضهم من أنه لم يرو عنه الا حديثا واحدا و هو حديث من أدرك المشعر فقد أدرك الحج خطأ. ثم علل التحذير بقوله (فو اللّه ما خفقت النعال خلف رجل الا هلك و أهلك) نظيره ما رواه المصنف فى كتاب الروضة باسناده عن جويرية بن مسهر قال: اشتددت خلف أمير المؤمنين «ع» فقال لى: «يا جويرية انه لم يهلك هؤلاء الحمقى الا بخفق النعال خلفهم» الخفق صوت النعل أما هلاكه فلانه يورث الفخر و العجب و التكبر و غيرها من المهلكات، و أما اهلاكه فلان الرئيس المقدم و الامير المعظم اذا ضل عن العدل و عدل عن طريق الحق يتبعه كافة العوام خوفا من بطشه و طمعا فى جاهه و ماله فضلوا بمتابعته و أضلهم عن سبيل الرشد بسيرته القبيحة هذا اذا كان الرئيس جاهلا ظاهر و كذا اذا كان عالما غير عادل فانه كثيرا ما تعتريه شبهة و تعرضه زلة فيضل بها عوام المؤمنين فانهم يقلدونه فى ظاهر أحواله و يعتمدون عليه فى أقواله و أفعاله بل ربما يقولون فى أنفسهم اذا فعل هو هذا فنحن أولى به منه، و من ثم قال النبي «ص» «أخاف على امتى زلة عالم».

286
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب طلب الرئاسة ص 284

3- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن عبد اللّه ابن المغيرة، عن عبد اللّه بن مسكان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إيّاكم و هؤلاء الرّؤساء الّذين يترأسون، فو اللّه ما خفقت النعال خلف رجل إلّا هلك و أهلك.
4- عنه، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع و غيره رفعوه قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام ملعون من ترأّس، ملعون من همّ بها، ملعون من حدّث بها نفسه.
5- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن أيّوب، عن أبي عقيلة الصيرفي قال: حدّثنا كرّام، عن أبي حمزة الثمالي قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: إيّاك و الرّئاسة و إيّاك أن تطأ أعقاب الرّجال، قال: قلت: جعلت فداك أمّا الرّئاسة فقد عرفتها و أمّا أن أطأ أعقاب الرّجال فما ثلثا ما في يدي إلّا ممّا وطئت أعقاب‏
__________________________________________________
قبل تحقق العلم و المعرفة و الوقوف على مراتب حالاتهم و قدر حقوقهم و حقوق اللّه تعالى من الاوامر و النواهى و غيرها محال.
قوله (عن عبد اللّه بن مسكان قال سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول اياكم و هؤلاء الرؤساء الذين يترأسون) فيه تحذير عن متابعتهم، و الرجوع إليهم كما فى اياك و الاسد و الاتيان بصيغة التفاعل ليدل على أنهم أظهروا أن أصل الفعل و هو الرئاسة حاصل لهم و هو منتف عنهم كما فى تجاهل و تغافل، و رواية عبد اللّه بن مسكان هذا الحديث عن أبى عبد اللّه «ع» دل على أن ما ذكره بعض أصحاب الرجال من أن عبد اللّه بن مسكان لم يرو عن أبى عبد اللّه «ع» و ما ذكره بعضهم من أنه لم يرو عنه الا حديثا واحدا و هو حديث من أدرك المشعر فقد أدرك الحج خطأ. ثم علل التحذير بقوله (فو اللّه ما خفقت النعال خلف رجل الا هلك و أهلك) نظيره ما رواه المصنف فى كتاب الروضة باسناده عن جويرية بن مسهر قال: اشتددت خلف أمير المؤمنين «ع» فقال لى: «يا جويرية انه لم يهلك هؤلاء الحمقى الا بخفق النعال خلفهم» الخفق صوت النعل أما هلاكه فلانه يورث الفخر و العجب و التكبر و غيرها من المهلكات، و أما اهلاكه فلان الرئيس المقدم و الامير المعظم اذا ضل عن العدل و عدل عن طريق الحق يتبعه كافة العوام خوفا من بطشه و طمعا فى جاهه و ماله فضلوا بمتابعته و أضلهم عن سبيل الرشد بسيرته القبيحة هذا اذا كان الرئيس جاهلا ظاهر و كذا اذا كان عالما غير عادل فانه كثيرا ما تعتريه شبهة و تعرضه زلة فيضل بها عوام المؤمنين فانهم يقلدونه فى ظاهر أحواله و يعتمدون عليه فى أقواله و أفعاله بل ربما يقولون فى أنفسهم اذا فعل هو هذا فنحن أولى به منه، و من ثم قال النبي «ص» «أخاف على امتى زلة عالم».

287
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب اختتال الدنیا بالدین ص 288

(باب اختتال الدنيا بالدين)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن يونس بن ظبيان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: ويل للّذين يختلون الدّنيا بالدّين، و ويل للّذين يقتلون الّذين يأمرون بالقسط من النّاس، و ويل للذين يسير المؤمن فيهم بالتقيّة، أبي يغترون أم عليّ يجترءون، فبي حلفت لاتيحنّ لهم فتنة تترك الحليم منهم حيران.
 (باب من وصف عدلا و عمل بغيره)
1- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن يوسف البزّاز، عن معلّى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام [أنّه‏] قال: إنّ [من‏] أشدّ الناس حسرة
__________________________________________________
نصح الخلق و مصالحهم كما ينبغى، و بالكذاب السلطان المدعى للخلافة و أمارة الخلق كذبا و كل سلطان الى زمان القائم «ع» كذاب فاجر لا بدّ للخلق منه فى ضبط نظام أحوالهم فى الجملة كما أشار إليه أمير المؤمنين «ع» بقوله «و انه لا بدّ للناس من أمير بر أو فاجر» و حيث لم يكن أمير قاهر بعده الى عهد القائم «ع» برا من جميع الوجوه كان كل أمير بعده فاجرا كذابا. قوله (ويل للذين يختلون الدنيا بالدين) أى يطلبون الدنيا بعمل الآخرة يقال:
ختله يختله اذا خدعه (أبى يغترون) أى يظنون الا من و لا يتحفظون من الذنب. تقول: اغتررت به اذا ظننت الا من و لم يتحفظ (أم على يجترءون) اجترأ عليه بالهمز أسرع بالهجوم عليه من غير توقف و الاسم الجرأة و هو جري‏ء بالهمزة أيضا على فعيل.
 (فبى حلفت لاتيحن) أى لا قدرن من الاتاحة و هى التقدير (لهم فتنة تترك الحليم منهم حيران) الحلم الاناة، و الحليم من لا يستحقه شي‏ء من مكاره النفوس و لا يستفزه الغضب و الفتنة المحنة و الابتلاء و أصلها من قولهم فتنت الذهب و الفضة اذا احرقته بالنار لتبين الجيد من الردى و هى قد تكون فى حال الحياة الدنيا، و فسرها السهروردى بأنها الابتلاء مع ذهاب الصبر و الرضا و الوقوع فى الافات و المهلكات و الاصرار على الفساد، و ترك اتباع طريق الهدى، و قد تكون فى الممات و فسرها بعضهم بأنها ما يرد فى حال الاحتضار من سوء الخاتمة الّذي يضطرب منه قلوب العارفين، و بعضهم بأنها ما يرد فى البرزخ و ما بعده من الشدائد و العذاب و سوء المعاملة و المضايقة فى الحساب و غيرها.
قوله (ان [من‏] أشد الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا ثم عمل بغيره) شمل الوعيد من‏

288
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب من وصف عدلا و عمل بغیره ص 288

يوم القيامة من وصف عدلا ثمّ عمل بغيره.
2- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن قتيبة الأعشى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: إنّ [من‏] أشدّ الناس عذابا يوم القيامة من وصف عدلا و عمل بغيره.
3- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ من أعظم النّاس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا ثمّ خالفه إلى غيره.
4- محمّد بن يحيى، عن الحسين بن إسحاق، عن علي بن مهزيار، عن عبد اللّه ابن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال في قول اللّه عزّ و جلّ: «فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَ الْغاوُونَ» قال: يا أبا بصير هم قوم وصفوا عدلا بألسنتهم ثمّ خالفوه إلى غيره.
5- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن عليّ بن عطيّة، عن خيثمة قال: قال لي أبو جعفر عليه السّلام: أبلغ شيعتنا أنه لن ينال ما عند اللّه إلّا بعمل، و أبلغ شيعتنا أنّ أعظم الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا ثمّ يخالفه إلى غيره.
 (باب) «المراء و الخصومة و معاداة الرجال»
1- عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي-
__________________________________________________
وصف إماما عادلا اعتراف بحقه و خالفه، و من وصف حقيقة العدل و منافعه و جار، و من وصف أعمالا و أخلاقا حسنة و عمل بغيرها. و من وصف أعمالا و أخلاقا قبيحة و عمل بها، و من وعظ الناس و لم يتعظ و هو بالقول مدل واثق، و بالعمل مقل فاسق، و من أمر بالمعروف و تركه و نهى عن المنكر و فعله. و دل على ذم هؤلاء أيضا قوله «أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ» و قوله تعالى كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ و ما روى عن النبي «ص» قال؟ «مررت ليلة أسري بى بقوم تقرض شفاهم بمقاريض من نار فقلت من أنتم؟ فقالوا كنا نأمر بالخير و لا نأتيه و ننهى عن الشر و نأتيه» و ما رواه العامة «انه يؤتى برجل يوم القيامة فيلقى فى النار فيندلق‏

289
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المراء و الخصومة و معاداة الرجال ص 289

عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إيّاكم و المراء و الخصومة فإنّهما يمرضان القلوب على الإخوان و ينبت عليهما النفاق.
2- و بإسناده قال: قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: ثلاث من لقي اللّه عزّ و جلّ بهنّ دخل الجنّة من أيّ باب شاء: من حسن خلقه، و خشي اللّه في المغيب و المحضر، و ترك المراء و إن كان محقّا
__________________________________________________
قباب بطنه أى تخرج امعاؤه فيدور كما يدور الحمار بالرحى و يقول كنت آمر بالخير و لا آتيه و أنهى عن الشر و آتيه». و انما كانت حسرته أشد لوقوعه فى الهلكة مع العلم و هو أشد من الوقوع فيها بدونه، و لمشاهدته نجاة الغير بقوله و عدم نجاته به.
قوله (اياكم و المراء و الخصومة) المراء بالكسر مرادف للمجادلة تارة و أخص منها اخرى تقول ماريته أماريه مماراة و مراء اذا جادلته، و تقول أيضا ماريته اذا طعنت فى قوله تزييفا للقول و تصغيرا للقائل فلا تكون المراء الا اعتراضا بخلاف الجدال فانه يكون ابتداء و اعتراضا، و الجدال أخص من الخصومة. يقال جدل الرجل من باب علم فهو جدل اذا اشتدت خصومته، و جادل مجادلة و جدالا اذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحق و وضوح الصواب و الخصومة لا يعتبر فيها الشدة و لا الشغل، و قال الغزالى يندرج فى المراء كل ما يخالف قول صاحبه مثل أن يقول هذا حلو فيقول ملح، أو يقول من كذا الى كذا فرسخ فيقول ليس بفرسخ أو يقول شيئا فيقول أنت أحمق، أو أنت كاذب. و يندرج فى الخصومة كل ما يوجب تأذى خاطر الاخر و يزداد القول بينهما، و اذا اجتمعا يمكن تخصيص المراء بالامور الدينية و الخصومة بغيرها، أو بالعكس. و ينبغى لمن يخاصم أن لا يبالغ فيها و قد قيل لبعض الاشراف بم نلت هذا السؤدد؟ فقال لم يخاصمنى أحد الا و قد أبقيت بينى و بينه موضعا للصلح. ثم أشار الى بعض آثارهما المذمومة مبالغة فى التنفير عنهما بقوله:
 (فانهما يمرضان القلوب على الاخوان و ينبت عليهما النفاق) لا ريب فى أنهما يوجبان تغير كل واحد و عداوته و بغضه و غيظه على الاخر و يورثان التفاوت بين ظاهر كل واحد منهما و باطنه بالنسبة الى صاحبه، و هذا نفاق يقتضي زوال الالفة و ارتفاع الوحدة و تبدد النظام و انقطاع الالتيام.
قوله (و ترك المراء و ان كان محقا) لان مفاسد المراء لا تتخلف عنه و ان كان صاحبه محقا على أن المحق المجادل كثيرا ما لا يكتفى بسلوك سبيل الدفع. و لا يقتصر على سلوك سبيل الحق بل يتجاوز عنه فيقع فى الاثم، و لذلك قال أمير المؤمنين «ع» «من بالغ فى الخصومة أثم» و المراء قبيح سيما من أهل الدين و الورع و ان كان لا بد فلا بد من أن يصدق و لا يؤذى‏

290
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المراء و الخصومة و معاداة الرجال ص 289

3- و بإسناده قال: من نصب اللّه غرضا للخصومات أوشك أن يكثر الانتقال.
4- عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن عمّار بن مروان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا تمارينّ حليما و لا سفيها، فإنّ الحليم يقليك و السفيه يؤذيك.
5- عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسن بن عطيّة، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ما كاد جبرئيل عليه السلام يأتيني إلّا قال: يا محمّد اتّق شحناء الرّجال و عداوتهم.
6- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن الحسن بن الحسين الكندي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال جبرئيل عليه السّلام للنبيّ صلى اللّه عليه و آله: إيّاك و ملاحاة الرّجال.
7- عنه، عن عثمان بن عيسى، عن عبد الرّحمن بن سيابة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إيّاكم و المشارّة فانّها تورث المعرّة و تظهر المعورة
__________________________________________________
و لا يتكلم الا بقدر الضرورة.
قوله (من نصب اللّه غرضا للخصومات أوشك أن يكثر الانتقال) الخصومة مع الخلق خصومة مع الخالق و النصب الاقامة، و الغرض بالغين المعجمة الهدف و بالمهملة الجانب و أوشك من أفعال المقاربة بمعنى القرب و الدنو، و قال الفارابي: الا يشاك الاسراع. و الانتقال التحول من حال الى حال كالتحول من الخير الى الشر و من حسن الافعال الى قبح الاعمال المقتضية فساد النظام و زوال الالفة و الالتيام.
قوله (اتق شحناء الرجال و عداوتهم) الشحناء العداوة و البغضاء، و شحنت عليه شحنا من باب علم حقدت و أظهرت العداوة و من باب منع لغة قوله (اياك و ملاحاة الرجال) ملاحاة يكديگر را دشنام دادن و با يكديگر نزاع كردن و فى المثل من لاحاك فقد عاداك.
قوله (اياكم و المشارة) مشارة با كسى بدى كردن و با همديگر خصومت كردن، و أصلها مشاررة ادغمت احدى الرائين فى الاخرى، و لما حذر منها اشار الى بعض غوائلها و مفاسدها للمبالغة فى التحذير بقوله (فانها تورث المعرة) العر بضم العين و فتحها الحرب و المعرة المساءة و المكروه و الاثم، وعره بالشر يعره من باب قتل لطخه به.
 (و تظهر المعورة) اسم فاعل من أعور الشي‏ء اذا صار ذا عورة و هى العيب و القبح و كل‏

291
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المراء و الخصومة و معاداة الرجال ص 289

8- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن عنبسة العابد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إيّاكم و الخصومة، فإنّها تشغل القلب و تورث النفاق و تكسب الضغائن.
9- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسن بن عطيّة، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ما كاد جبرئيل عليه السلام يأتيني إلّا قال: يا محمّد اتّق شحناء الرّجال و عداوتهم.
10- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن مهران، عن عبد اللّه ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ما أتاني جبرئيل عليه السّلام قطّ إلّا وعظني فآخر قوله لي: إيّاك و مشارّة الناس فإنّها تكشف العورة و تذهب بالعزّ «1»

__________________________________________________
شي‏ء يستره الانسان أنفة أو حياء فهو عورة. و المراد بها هنا القبيح من الاخلاق و الافعال و غيرها فان الخصومة سبب لاظهار الخصم قبح خصمه لبغض منه و ليضع قدره بين الناس كما هو غالب عادات أهل الدنيا الا من عصمه بالتقوى و قليل ما هم.
قوله (اياكم و الخصومة فانها تشغل القلب) أى تشغل القلب عن ذكر اللّه و تورث النفاق و الضغائن للخلق، و كل ذلك من المهلكات الدينية و الدنيوية و يدخل فيها الخصومة بين يدى الحكام فى الاموال و غيرها و ان احتاج إليها وجب أن لا يغلظ القول و لا يكذب و لا يزيد على قدر الحاجة و لا يقصد ايذاء صاحبه.
قوله (على بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبى عمير- الخ) مر هذا متنا و سندا قبيل ذلك، و الظاهر أنه تكرار من الناسخ.
قوله (فآخر قوله لى اياك و مشارة الناس فانها تكشف العورة و تذهب بالغر) الغر بالغين المعجمة جمع الاغر من الغرة و هى البياض فى جبهة الفرس فوق الدرهم، و كل شي‏ء ترفع قيمته كما يقال غرة ماله، و المراد بها هنا محاسن الامور و الاعمال الصالحة و الاخلاق الفاضلة على سبيل التشبيه و الاستعارة. فقد حذر من الخصومة فانها سبب لاظهار المخاصم عورة خصمه أى معايبه و قبائحه و ذهابه بمحاسن أمره و اخفائه فضائل أعماله و أخلاقه، و يحتمل أن يقرأ العز بالعين المهملة و الزاى المعجمة، و يؤيد الاول ما روى من طرق العامة «اياك و مشارة الناس فانها تظهر العرة و تدفن الغرة» قالوا العرة القبيح من الاخلاق و الافعال، و الغرة العمل الصالح شبهه بغرة الفرس.
__________________________________________________
 (1) فى بعض النسخ (الغر) بتقديم المعجمة.

292
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المراء و الخصومة و معاداة الرجال ص 289

11- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن الوليد بن صبيح قال:
سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ما عهد إليّ جبرئيل عليه السّلام في شي‏ء ما عهد إلي في معاداة الرّجال.
12- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن بعض أصحابه، رفعه، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من زرع العداوة حصد ما بذر.
باب الغضب‏
1- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخلّ العسل‏
__________________________________________________
قوله (ما عهد الى جبرئيل «ع» فى شي‏ء ما عهد الى فى معاداة الرجال) لما كانت المعاداة منافية للمصالح الكلية و المقاصد المهمة المطلوبة للحكيم جل شأنه و هى النظام الكلى و اجتماع النفوس على طريقة واحدة هى سلوك سبيل اللّه بسائر وجوه الاوامر و النواهى و الآداب الّذي لا يتم بدون التعاون و التعاضد و التلاطف بين أبناء النوع كرر جبرئيل «ع» العهد فيها، و بالغ فى الحث على تركها من بين سائر المعاصى و هى و ان كانت أيضا قبيحة لكن قبحها لكونها مستلزمة لمفاسد جزئية أقل من قبح المعاداة المستلزمة لمفاسد كلية.
قوله (الغضب يفسد الايمان كما يفسد الخل العسل) غضب خشم گرفتن و مبدؤه قوة للانسان بها يرتكب الاهوال العظام، و يتحرك نحو الانتقام و له فيها حالات ثلاثة لانه ان لم يستعملها فيما هو محمود عقلا و شرعا مثل دفع الضرر عن نفسه على وجه سائغ و الجهاد مع أعداء الدين و البطش عليهم و اقامة الحدود على الوجه المعتبر، و الامر بالمعروف و النهى عن المنكر حصلت له ملكة الجبن و هو مذموم معدود من الرذائل النفسانية، و ان استعملها فيما هو محمود و لم يتجاوز عن حكم العقل و الشرع حصلت له ملكة الشجاعة التى هى من الفضائل النفسانية التى وقع الحث عليها فى كتب العلماء و زبر الحكماء و أن أفرط فيها بالاقدام على ما ليس بجميل و استعملها فيما هو مذموم مثل الضرب و البطش و الشتم و النهب و القتل و القذف و أمثال ذلك مما لا يجوزه العقل و الشرع حصلت له ملكة التهور المعدودة من الرذائل النفسانية أيضا و تلك الملكة و ما يتولد منها من الافعال الشنيعة و الاقوال القبيحة و الاخلاق الذميمة و الحركات الخارجة من القوانين العقلية و النقلية تظلم الظاهر و الباطن، و تختلط بالاعمال الصالحة و الاخلاق الفاضلة و العقائد الكاملة التى‏

293
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الغضب ص 293

2- أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أبيه، عن ميسّر قال: ذكر الغضب عند أبي جعفر عليه السّلام فقال: إنّ الرّجل ليغضب فما يرضى أبدا حتّى يدخل النّار، فأيّما رجل غضب على قوم و هو قائم فليجلس من فوره ذلك، فانّه سيذهب عنه رجز الشيطان، و أيّما رجل غضب على‏
__________________________________________________
هى أنوار الايمان و حقائق العرفان فيفسد الايمان و سواء كان الايمان عين تلك العقائد أم هى مع الاعمال كما يفسد الخل العسل اذا المركب مما ذكر ليس بايمان كما أن المركب من الخل و العسل ليس بعسل بل قد يزيله بالكلية كالخل الكثير للعسل القليل و فيه تشبيه المعقول بالمحسوس لزيادة الايضاح و التقرير.
قوله (ان الرجل ليغضب فما يرضى أبدا حتى يدخل النار) الرضى خشنود شدن و فيه اشارة الى بعض مفاسد الغضب و الاستمرار عليه و تنبيه على أنه ينبغى أن لا يغضب، و على أنه لو غضب ينبغى أن لا يستمر عليه بل يزيله بالرضى عن المغضوب اذا لو استمر عليه اشتد غضبه آنا فانا شيئا فشيئا و صدر منه قبائح متكثرة بعضها فوق بعض، و هكذا حتى يدخل النار، و اعلم أن علاج الغضب أمران: علمى و فعلى أما العلمى فبأن يتفكر فى الآيات و الروايات التى وردت فى ذم الغضب و مدح العفو و الحلم الّذي هو ضده و يتفكر فى توقعه عفو اللّه عن ذنبه و رفع غضبه عنه، و كذلك كل صفة ذميمة تعالج بمثل ذلك، و بالصبر على تحمل ضدها حتى يصير بالتكلف ملكة. مثلا علاج التكبر التواضع و الصبر عليه و علاج البخل اعطاء المال بالتكلف حتى يصير صفة راسخة، و على هذا القياس، و اما الفعلى فأمران أشار الى الاولى بقوله (فأيما رجل) «ما» زائدة (غصب على قوم و هو قائم فليجلس من فوره ذلك) الضمير اما للرجل أو للغضب، و هو من فار الماء فورا نبع و جرى، أو من فارت القدر فورا، و فى المصباح قولهم الشفعة على الفور من هذا أى على الوقت الحاضر الّذي لا تأخير فيه. ثم استعمل فى الحالة التى لا بطوء فيها. يقال جاء فلان فى حاجته ثم رجع من فوره أى حركته التى وصل فيها و لم يسكن بعدها و حقيقته أن يصل ما بعد المجى‏ء بما قبله من غير لبث.
 (فانه سيذهب عنه رجز الشيطان) الرجز العذاب و الخبث و الرجس المنتن و المراد به هنا نزغات الشيطان و وساوسه فان الخبيث ينفخ فى الانسان الكبر و العجب و الغضب، و الاولان يوجبان تغيره بأدنى شي‏ء لا يلائم طبعه، و الثالث ينتهض للانتقام فيحركه الى ما لا يليق بذوى العقول. و ما ذكره «ع» من ذهاب رجز الشيطان و وساوسه و صولته بالجلوس عند ظهور الغضب مجرب كما أن من جلس عند حملة الكلب وجده ساكنا لا يحوم حوله، و فيه سر

294
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الغضب ص 293

ذي رحم فليدن منه فليمسّه، فإنّ الرّحم إذا مسّت سكنت.
3- علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن داود بن فرقد قال:
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: الغضب مفتاح كلّ شرّ.
4- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعت أبي عليه السّلام يقول:
أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: رجل بدويّ فقال: إنّي أسكن البادية فعلّمني جوامع الكلام، فقال: آمرك أن لا تغضب، فأعاد عليه الأعرابيّ المسألة ثلاث مرّات حتّى رجع الرجل إلى نفسه، فقال: لا أسأل عن شي‏ء بعد هذا، ما أمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إلّا بالخير قال: و كان أبي يقول: أي شي‏ء أشدّ من الغضب، إنّ الرّجل ليغضب فيقتل النفس الّتي حرّم اللّه و يقذف المحصنة.
5- عنه، عن ابن فضّال، عن إبراهيم بن محمّد الأشعري، عن عبد الأعلى قال:
قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: علّمني عظمة أتّعظ بها، فقال: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أتاه رجل‏
__________________________________________________
لا يعلمه الا اللّه و الراسخون فى العلم، و ربما يقال السر فيه هو الاشعار بأنه من التراب، و عبد ذليل لا يليق به الغضب، أو التوسل بسكون الارض و ثبوتها، و ألحق بعض الافاضل الاضطجاع و القيام اذا كان جالسا و الوضوء بالماء البارد و شربه بالجلوس فى ذهاب الرجز و اشار الى الثانى بقوله:
 (و ايما رجل غضب على ذى رحم) و ان بعد (فليدن منه فليمسه فان الرحم اذا مست سكنت) هذا اذا مسه لاجل كسر سورة الغضب و صح قصده لا لاجل امضائه فان المس على هذا الوجه لا يكسره، و لذلك قد يأخذه و يضربه أو يقتله مع تحقق المس هنا و الظاهر أن مس المغضوب للغضوب أيضا يدفع الغضب كما دل عليه بعض الروايات.
قوله (الغضب مفتاح كل شر) اذ يتولد منه الحقد و الحسد و الشماتة و التحقير و الاقوال الفاحشة و هتك الاستار و السخرية و الطرد و الضرب و القتل و النهب و منع الحقوق الى غير ذلك مما لا يحصى، و فيه حث على معالجته بحكمة نظرية و عملية.
قوله (فعلمنى جوامع الكلام) أى علمنى كلاما قليل الالفاظ كثير المعانى. كذا فى المصباح. قوله (و يقذف المحصنة) القذف الرمى بالزنا. و المحصنة بالكسر و بالفتح أيضا على غير قياس و هى العفيفة يقال أحصنت المرأة اذا عفت. و أحصنت نفسها بعقلها التام.

295
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الغضب ص 293

فقال له: يا رسول اللّه علّمني عظة أتّعظ بها، فقال له: انطلق و لا تغضب، ثمّ أعاد إليه فقال له: انطلق و لا تغضب- ثلاث مرّات-.
6- عنه، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عمّن سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من كفّ غضبه ستر اللّه عورته.
7- عنه، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن حبيب السّجستاني، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: مكتوب في التوراة فيما ناجى اللّه عزّ و جلّ به موسى عليه السّلام: يا موسى أمسك غضبك عمّن ملّكتك عليه أكفّ عنك غضبي.
8- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عبد الحميد، عن يحيى بن عمرو، عن عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى بعض أنبيائه يا ابن آدم اذكرني في غضبك أذكرك في غضبي لا أمحقك فيمن أمحق و ارض بي منتصرا فإنّ انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك‏
__________________________________________________
قوله (علمنى عظة أتعظ بها) العظة مصدر و غير مصدر، و المراد هنا غير المصدر، و يقال لها بالفارسية پند و الاتعاظ قبول العظة و كف النفس عن المخالفة.
قوله (من كف غضبه ستر اللّه عورته) أى عيوبه، أو ذنوبه فى القيامة فيكون كفارة عنها، و اختلفوا فى أن من كف نفسه عن الغضب و من لا يغضب أصلا لكونه حليما بحسب الخلقة أيهما أفضل؟ فقيل الثانى، و قيل الاول لان الاجر على قدر المشقة، و فيه جهاد النفس و هو أفضل من جهاد العدو، و غضب النبي «ص» مشهور الا أن غضبه لم يكن من مس الشيطان و رجزه، و انما كان من بواعث الدين.
قوله (يا موسى أمسك غضبك عمن ملكتك عليه أكف عنك غضبى) المراد بالموصول اما العبيد و الاماء، أو الرعية أو الاعم و هو أولى، و غضب الخلق ثوران النفس و حركتها بسبب تصور المؤذى و الضار الى الانتقام و المدافعة، و غضب الخالق عقابه التابع لعلمه بمخالفة أمره و نواهيه و غيرهما، و فيه اشارة الى نوع من معالجة الغضب و هو ان يذكر الانسان عند غضبه على الغير غضبه تعالى عليه. فان ذلك يبعثه على الرضى و العفو طلبا لرضاه تعالى و عفوه لنفسه.
و المراد بذكره تعالى له في غضبه كما فى الخبر الاخر عدم المعاقبة و العذاب بزلاته و معاصيه جزاء بما صنع فى أخيه من العفو عنه.
قوله (و ارض بى منتصرا فان انتصارى لك خير من انتصارك لنفسك) لما كان الغرض من امضاء الغضب غالبا هو الانتصار أى الانتقام من الظالم رغب فى تركه بأنه تعالى منتقم من‏

296
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الغضب ص 293

9- أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن فضّال، عن علي بن عقبة، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله، و زاد فيه و إذا ظلمت بمظلمة فارض بانتصاري فإنّ انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك.
10- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن إسحاق ابن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ في التوراة مكتوبا: يا ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك عند غضبي، فلا أمحقك فيمن أمحق، و إذا ظلمت بمظلمة فارض بانتصاري لك، فإنّ انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك.
11- الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، و عليّ بن محمد، عن صالح بن أبي حمّاد جميعا، عن الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة، عن معلّى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رجل للنبيّ صلى اللّه عليه و آله: يا رسول اللّه علّمني، قال: اذهب و لا تغضب، فقال الرّجل: قد اكتفيت بذاك فمضي إلى أهله فإذا بين قومه حرب قد قاموا صفوفا و لبسوا السلاح، فلمّا رأى ذلك لبس سلاحه، ثمّ قام معهم ثمّ ذكر قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «لا تغضب» فرمى السلاح، ثمّ جاء يمشي إلى القوم الّذين هم عدوّ قومه، فقال: يا هؤلاء ما كانت لكم من جراحة أو قتل أو ضرب ليس فيه أثر فعليّ في مالي أنا أوفيكموه فقال القوم: فما كان فهو لكم، نحن أولى بذلك منكم، قال:
فاصطلح القوم و ذهب الغضب.
12- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، و عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السّلام قال:
__________________________________________________
الظالم لك و علله بأن انتقامه خير من انتقامك لان انتقامه على قدر الظلم و انتقامك قد يتعدى. و أيضا انتقامك قد يؤدى الى المفاسد الكلية و الجزئية بانتهاض الخصم للمعاداة بخلاف انتقامه تعالى.
قوله (و زاد فيه و اذا ظلمت بمظلمة فارض بانتصارى لك) لعل المراد بالزيادة وقوع هذه العبارة فقط بدل قوله فى الرواية السابقة «و ارض بى منتصرا» كما فى الرواية الآتية. قوله (ما كانت لكم من جراحة أو قتل أو ضرب ليس فيه أثر) الاثر بالتحريك العلامة و بالضم و بالضمتين: أثر الجراح يبقى بعد البرء و «ليس فيه أثر» صفة لضرب و يريد به ضرب‏

297
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الغضب ص 293

إنّ هذا الغضب جمرة من الشيطان توقد في قلب ابن آدم و إنّ أحدكم إذا غضب احمرّت عيناه و انتفخت أوداجه و دخل الشيطان فيه، فإذا خاف أحدكم ذلك من نفسه فليلزم الأرض، فإنّ رجز الشيطان ليذهب عنه عند ذلك.
13- عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن بعض أصحابه، رفعه قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: الغضب ممحقة لقلب الحكيم، و قال: من لم يملك غضبه لم يملك عقله.
14- الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من كفّ نفسه عن أعراض النّاس أقال اللّه نفسه يوم القيامة، و من كفّ غضبه عن النّاس كفّ اللّه تبارك‏
__________________________________________________
ليس فيه جراحة لانه قسيمه، فأشار الى جميع أقسام الضرب و ضمن الوفاء بجميعها فى ماله.
قوله (ان هذا الغضب جمرة من الشيطان توقد فى قلب ابن آدم و أن أحدكم اذا غضب احمرت عيناه) الجمرة القطعة الملتهبة من النار شبه بها الغضب فى الاحراق و الاهلاك، و نسبها الى الشيطان لان بنفخ نزغاته و وساوسه تحدث و تشتد و توقد فى قلب ابن آدم و تلتهب التهابا عظيما، و يغلى بها دم القلب غليانا شديدا كغلى الحميم فيحدث منه دخان بتحليل الرطوبات و ينتشر فى العروق و يرتفع الى أعالى البدن و الوجه كما يرتفع الماء و الدخان فى القدر فلذلك تحمر العين و الوجه و البشرة و تنتفخ الاوداج و العروق و حينئذ يتسلط عليه الشيطان كمال التسلط، و يدخل فيه و يحمله على ما يريد فيصدر منه أفعال شبيهة بأفعال المجانين. و لزوم الارض يشمل الجلوس و الاضطجاع و السجود.
قوله (الغضب ممحقة لقلب الحكيم) ممحقة بكسر الميم اسم آلة للمحق، و هو الابطال و ذلك لان ثوران نار الغضب و انبعاث دخانه فى ساحة القلب، و غليان الرطوبات القلبية يوجب محق نور القلب و يصيره مظلما بحيث لا يدرك شيئا من الحق و عند ذلك يستولى عليه الشيطان و يحمله على أن يفعل ما يفعل، و انما خص قلب الحكيم بالذكر لان المحق الّذي هو ازالة النور انما يتعلق بقلب له نور، و قلب غير الحكيم مظلم ليس له نور، أو لان قلب غير الحكيم يعلم بالاولوية، و اذا عرفت أن الغضب يمحق قلب الحكيم يعنى عقله ظهر لك حقيقة قوله «و من لم يملك غضبه لم يملك عقله» و ذلك لان من لم يملك غضبه و لم يمنعه من الانبعاث عند وجود سببه بطل نور عقله و حكمه. و صار مأسورا فى يد النفس الامارة و اذا بطل حكمه صدرت عنه أفعال و حركات غريبة مثل المجانين.

298
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الغضب ص 293

و تعالى عنه عذاب يوم القيامة.
15- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من كفّ غضبه عن النّاس كفّ اللّه عنه عذاب يوم القيامة.
 (باب الحسد)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: إنّ الرجل ليأتي بأيّ بادرة فيكفر و إنّ الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النّار الحطب‏
__________________________________________________
قوله (من كف نفسه عن اعراض الناس أقال اللّه نفسه يوم القيامة) و الغرض منه هو الترغيب فى ترك الغيبة و البهتان و مواجهتهم بما يكرهونه و كشف عيوبهم و أذيهم بأن اللّه تعالى يقيل عيوبه و يستر ذنوبه و لا يكشفها يوم القيامة.
قوله (ان الرجل ليأتى بأى بادرة فيكفر) البادرة الخطأ و ما يبدر من الحدة فى الغضب من قول او فعل.
 (و ان الحسد ليأكل الايمان كما تأكل النار الحطب) تقول حسدته على النعمة مآلا كان أو حالا مثل العلم و غيره، و حسدته النعمة حسدا بفتح السين، او كسرها على قلة يتعدى الى الثانى بنفسه و بالحرف اذا كرهتها عنده و تمنيت زوالها عنه سواء قصدت انتقالها أليك أم لا، و هو من طغيان القوة الشهوية المقتضية لحب الدنيا و حب البخل و حب الرئاسة و حب الفخر و حب التعزز و من طغيان القوة الغضبية المقتضية لالتذاذ النفس بمضار ترد على عباد اللّه و العداوة لهم، و من نقصان القوة العقلية حيث لا يعلم أن ذلك لا ينفعه بل يضره و يوجب عقوبته و أنه لا يضر المحسود بل يوجب علو درجته لكونه مظلوما و أنه مضاد لحكمة اللّه تعالى و ارادته و فضله و قضائه و مصالحه و قسمته لكل ما يليق به، و مفاسده كثيرة منها أنه يفسد الايمان و يفنيه كما تفسد النار الحطب و تفنيه، و ذلك لان الحسد مع كونه فى نفسه صفة منافية للايمان مضر بالنفس و الجسد. أما بالنفس فلانه يصرف فكرها الى الاهتمام بأمر المحسود حتى لا يفرغ للتصرف فيما يعود نفعه إليها فتغفل عن الملكات الخيرية و الصور العقلية المنقوشة فيها، و اذا دام الحسد و اشتغل الفكر فى أمر المحسود، و طال الحزن و الهم له اضمحل نور العقائد و انقطع الوقت عن تحصيل الحسنات بالكلية، و اما بالجسد فلانه يعرض له عند عروض هذه الامراض للنفس طول السهر و سوء الاغتذاء و رداءة اللون و سوء السجية و فساد المزاج. فتنقطع عنه القوة للاعمال، و اذا فسد الجسد و النفس و أعمالهما فسد الايمان على أى معنى كان، و تشبيه كل واحد من الحسد و النار

299
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الحسد ص 299

2- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد؛ و الحسين بن سعيد، عن النضر ابن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن جراح المدائني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النّار الحطب.
3- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن محبوب، عن داود الرّقّي قال: سمعت أبا عبد اللّه يقول: اتّقوا اللّه و لا يحسد بعضكم بعضا، إنّ عيسى بن مريم كان من شرائعه السيح في البلاد، فخرج في بعض سيحه و معه رجل من أصحابه قصير و كان كثير اللّزوم لعيسى عليه السّلام، فلمّا انتهى عيسى إلى البحر قال: بسم اللّه،
__________________________________________________
بالشخص الاكل فى الافساد و الازالة مكنية و اثبات الاكل لهما تخييلية و تشبيه أكل الحسد بأكل النار فى الافناء تشبيه معقول بمحسوس لزيادة الايضاح، أو تشبيه افساد الحسد الايمان و افساد النار الحطب بافساد الاكل الطعام، و استعارة الاكل لهما تبعية، و تشبيه الاول بالثانى لقصد الايضاح.
قوله (اتقوا اللّه و لا يحسد بعضكم بعضا) لان الحسد أعظم الادواء و أعضلها، و أقبح المعاصى و أكبرها و سبب لخراب العالم و بطلان نظامه لتعلقه بأرباب الفضائل و أصحاب الشرف و الاموال الذين يتم بوجودهم عمارة الارض و كثيرا ما يسعى الحاسد ازالة المحسود عن مرتبته و يبتغى الحيلة فى زوال نعمته بظلم أو سعاية الى ظالم الى غير ذلك من أسباب البغى و لذلك قال «ص» «اذا حسدتم فلا تبغوا» قال ذلك لعلمه بأن الحسد يتعقبه البغى و البغى شؤم يضر بالحاسد و المحسود و الدين و الدنيا جميعا ألا ترى أن ابليس اللعين لما حسد آدم كفر و استحق عذاب الابد و بطلت رفاهة عيش آدم، و دخلت البلية فى ذريته، و أن أرباب الطغيان فى صدر الايمان لما حسدوا الامام العالم العادل أزالوه عن مرتبته فبطل بذلك نظام الدنيا و الدين و أحاطت البلية بالخلق أجمعين و بالجملة كل بلية فى العالم فهى من الحسد بواسطة أو بغيرها، و قال بعض الافاضل اذا كان لظالم أو فاسق مال يصرفه فى غير وجهه و يجعله آلة للظلم و الفسق يجوز الحسد عليه و تمنى زوال ماله و هو فى الحقيقة تمنى زوال الظلم و الفسق، و يصدقه أنه يزول ذلك التمنى بتوبتهما، و قال بعضهم كراهة نعمة أحد بالطبع بحيث لا يقدر دفعها عن نفسه ليست بحسد. لان دفعها خارج عن التكليف و لكن يجب عليه أمران أحدهما عدم اظهارها بالقول و الفعل، و ثانيهما انكار تلك الكراهية و إرادة زوالها، و لو انتفى أحدهما تحقق الحسد.
 (ان عيسى بن مريم كان من شرائعه السيح فى البلاد) ساح فى الارض يسيح سيحا اذا سار و ذهب فيها، و منه المسيح بن مريم «ع».

300
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الحسد ص 299

بصحّة يقين منه فمشى على ظهر الماء فقال الرّجل القصير حين نظر إلى عيسى عليه السّلام: جازه بسم اللّه بصحّة يقين منه فمشى على الماء و لحق بعيسى عليه السّلام، فدخله العجب بنفسه، فقال: هذا عيسى روح اللّه يمشي على الماء، و أنا أمشي على الماء فما فضله عليّ، قال: فرمس في الماء فاستغاث بعيسى فتناوله من الماء فأخرجه. ثمّ قال له: ما قلت يا قصير؟ قال:
قلت: هذا روح اللّه يمشي على الماء و أنا أمشي على الماء فدخلني من ذلك عجب، فقال له عيسى: لقد وضعت نفسك في غير الموضع الّذي وضعك اللّه فيه فمقتك اللّه على ما قلت فتب إلى اللّه عزّ و جلّ ممّا قلت، قال: فتاب الرجل و عاد إلى مرتبته الّتي وضعه اللّه فيها، فاتّقوا اللّه و لا يحسدنّ بعضكم بعضا.
4- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: كاد الفقر أن يكون كفرا و كاد الحسد أن‏
__________________________________________________
 (فدخله العجب بنفسه فقال: هذا عيسى روح اللّه يمشى على الماء و أنا أمشى على الماء فما فضله على) هذا عجب كما قال هو فدخلنى من ذلك عجب، و قال «ع» فدخله العجب بنفسه و شبيه بالغبطة من وجه حيث تمنى منزلة روح اللّه، و ليس له أن يتمناها كما يرشد إليهما قوله «ع» «لقد وضعت نفسك فى غير الموضع الّذي وضعك اللّه فيه فمقتك اللّه على ما قلت» و بالحسد من وجه آخر اما لانه نفى زيادة فضل روح اللّه عليه و أنزله منزلة نفسه، أو لان كل واحد من الحاسد و المعجب يضع نفسه فى غير موضعه، و بهذا الاعتبار ذكره فى هذا الباب فلا يرد أن العجب غير الحسد فلا يناسب ذكره فى هذا الباب.
 (فرمس فى الماء) أى غمس فيه على صيغة المجهول فيهما من رمست الميت اذا دفنته فى التراب. ان قلت هذا دل على المؤاخذة بالافعال القلبية، و سيجي‏ء فى باب من يهتم بالحسنة و السيئة أنه لا مؤاخذة بها، قلت هذا من الافعال القلبية و اللسانية بدليل قوله فقال «هذا عيسى روح اللّه- الى آخره» و لو اريد بهذا القول القول القلبى لامكن أن يقال الافعال القلبية التى لا مؤاخذة بها هى التى ليست من العقائد مثل قصد شرب الخمر و نحوه، و أما العقائد ففيها مؤاخذة قطعا و هذا منها.
 (ثم قال ما قلت يا قصير) الظاهر أن قصيرا كان وصفا له لا اسما له، ففيه دلالة على جواز تخاطب الرجل ببعض أوصافه الظاهر المشتهر به لا على قصد الاستهزاء.
قوله (قال قال رسول اللّه «ص» كاد الفقر أن يكون كفرا) من طريق العامة عنه «ص» قال «لو لا رحمة ربي لكاد الفقر أن يكون كفرا» لعل المراد به الفقر القاطع لعنان‏

301
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الحسد ص 299

يغلب القدر.
5- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن معاوية بن وهب قال:
قال: أبو عبد اللّه عليه السّلام: آفة الدّين الحسد و العجب و الفخر.
6- يونس، عن داود الرّقّي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: قال اللّه عزّ و جلّ لموسى بن عمران عليه السّلام قال: يا ابن عمران لا تحسدنّ النّاس على ما آتيتهم من فضلي و لا تمدّنّ عينيك إلى ذلك و لا تتبعه نفسك فإنّ الحاسد ساخط لنعمي، صادّ لقسمي الّذي قسمت بين عبادي و من يك كذلك فلست منه و ليس منّي.
7- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن المنقري، عن الفضيل ابن عياض، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ المؤمن يغبط و لا يحسد و المنافق يحسد و لا يغبط
__________________________________________________
الاصطبار و قد وقع الاستعاذة منه، و اما الفقر الممدوح فهو الفقر المقرون بالصبر. و قال الغزالى، سبب ذلك ان الفقير اذا نظر الى شدة حاجته و حاجة عياله و رأى نعمة جزيلة مع الظلمة و الفسقة و غيرهم. ربما يقول ما هذا الانصاف من اللّه و ما هذه القسمة التى لم تقع على العدل فان لم يعلم شدة حاجتى ففى علمه نقص، و ان علم و منع مع القدرة على الاعطاء ففى وجوده نقص، و ان منع لثواب الآخرة، فان قدر على اعطاء الثواب بدون هذه المشقة الشديدة فلم منع؟ و ان لم يقدر عليه ففى قدرته نقص، و مع هذا يضعف اعتقاده بكونه عدلا جوادا رحيما كريما مالكا لخزائن السموات و الارض و حينئذ يتسلط عليه الشيطان و يذكر له شبهات حتى يسب الفلك و الدهر و غيرهما و كل ذلك كفر أو قريب منه، و انما يتخلص من هذه الامور من امتحن اللّه قلبه بالايمان، و رضى عن اللّه بالمنع و الاعطاء، و علم أن كل ما فعله بالنسبة إليه فهو خير له و قليل ما هم.
 (و كاد الحسد أن يغلب القدر) فيه مبالغة فى تأثير الحسد فى فساد النظام المقدر للعالم فانه كثيرا ما يبعث صاحبه على قتل النفوس و نهب الاموال و سبى الاولاد و ازالة النعم حتى كأنه غير راض بقضاء اللّه و قدره و يطلب الغلبة عليهما و هو حد الشرك باللّه.
قوله (ان المؤمن يغبط و لا يحسد و المنافق يحسد و لا يغبط) و هو بحسب اللفظ اخبار بأن الحاسد منافق لان ظاهره الايمان و باطنه النفاق مع المؤمنين، و بحسب المعنى أمر بطلب الغبطة و ترك الحسد، و ذلك لان الحسد و هو تمنى زوال النعمة حرام، و أما الغبطة هو تمنى‏

302
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب العصبیة ص 303

 (باب العصبية)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن داود بن النعمان، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من تعصّب أو تعصّب له فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه.
2- علي بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم و درست ابن أبي منصور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من تعصب أو تعصّب له فقد خلع ربق الإيمان من عنقه.
3- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من كان في قلبه حبّة من خردل من عصبيّة بعثه اللّه يوم القيامة مع أعراب الجاهليّة
__________________________________________________
مثلها فان كانت فى امور الدنيا فمباحة، و ان كانت فى امور الدين فمطلوبة لا يقال المغتبط يتمنى فوق مرتبته و الافضل من نعمته فهو ساخط بالنعمة و غير راض بالقسمة كالحاسد و الا فما الفرق لانا نقول الفرق ان الحاسد غير راض بالقسمة تمنى أن يكون قسمته و نصيبه للغير و نصيب الغير له فهو راد للقسمة قطعا و أما المغتبط فقد رضى أن يكون نصيب الغير له و رضى أيضا بنصيبه الا أنه لما جوز أن يكون له أيضا مثل نصيب ذلك الغير و كان ذلك ممكنا فى نفسه و لم يعلم امتناعه بحسب التقدير الازلى و لم يدل عدم حصوله على امتناعه لجواز أن يكون حصوله مشروطا بشرط كالتمنى و نحوه تمناه، و هذا مثل من وجد درجة من الكمال يسأل اللّه تعالى و يطلب منه التوفيق لما فوقها.
قوله (من تعصب أو تعصب له فقد خلع ربقة الايمان من عنقه) الربق بالكسر جمع الربقة و هى فى الاصل عروة فى حبل تجعل فى عنق البهيمة أو يدها تمسكها و المراد بها ما يشد المسلم به نفسه من عرى الاسلام أى حدوده و أحكامه و أوامره و نواهيه، و التعصب المحاماة و المدافعة و اعانة القوم و العصبة و ذوى القرابة على الظلم و هو من الحمية الجاهلية التى تحدث من طغيان النفس الامارة و نفثات الشيطان فيها بأن تقاعدك أنفة و عار عليك و على قومك فتقدم حينئذ على ما يوجب خروجه من الايمان و خلع ربقة من عنقه و هذا من المتعصب ظاهر، و أما من المتعصب له فلا بد من تقييده بما اذا كان هو الباعث عليه و الراضى به و الا فلا اثم عليه.
قوله (من كان فى قلبه حبة من خردل من عصبية بعثه اللّه يوم القيامة مع أعراب الجاهلية)

303
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب العصبیة ص 303

4- أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن خضر، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من تعصّب عصبه اللّه بعصابة من نار.
5- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن صفوان بن مهران، عن عامر بن السمط، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال: لم يدخل الجنّة حميّة غير حميّة حمزة بن عبد المطّلب- و ذلك حين أسلم- غضبا للنبيّ صلى اللّه عليه و آله في حديث السلا الّذي القي على النبي صلى اللّه عليه و آله.
6- عنه، عن أبيه، عن فضالة، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
الملائكة كانوا يحسبون أنّ إبليس منهم، و كان في علم اللّه أنّه ليس منهم، فاستخرج ما في نفسه بالحميّة و الغضب فقال: «خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ»*

__________________________________________________
لتشبهه بهم فى العصبية و الحمية و الخروج من طاعة اللّه تعالى و محاسن الاخلاق و محامد الاعمال و من تشبه بقوم فهو منهم.
قوله (من تعصب عصبه اللّه بعصابة من نار) العصب الشد، و منه عصابة الرأس بالكسر و هى ما يشد به من عمامة و غيرها.
قوله (لم تدخل الجنة حمية غير حمية حمزة بن عبد المطلب) الحمية الانفة و العار و الغيرة و هى من أسباب الحماية أى المنع و الدفع و من لوازم الغضب و الفخر و العجب و الكبر لانها تنشأ من تصور المؤذى مع الترفع على فاعله و اعتقاد الشرف عليه و لما ذم الحمية أشار الى الحمية المحمودة و هى الحمية فى الدين التى هى من مكارم الاخلاق و محاسن الاعمال التى بتفاضل فيها أهل المجد و الشرف. (و السلا) مقصورا الجلدة الرقيقة التى يكون فيها الولد من المواشى.
قوله (فاستخرج ما فى نفسه) أى أظهر ما فى نفس ابليس.
 (بالحمية و الغضب فقال خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ*) فاخذته الحمية و افتخر و تكبر على آدم بأن أصله من نار و أصل آدم من طين و النار أشرف من الطين فصار بذلك امام المتعصبين، و مقتدى المتكبرين فابعده اللّه من رحمته، و قال «فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ» و اذا كان حاله مع كثرة عبادته حتى قيل انه عبد اللّه ستة آلاف سنة لا يدرى أ من سنى الدنيا او من سنى الآخرة و حتى ظن الملائكة أنه منهم كذلك لاجل تكبر و عصبية واحدة على شخص واحد فى ساعة واحدة فما ظنك أيها المتعصب المتكبر على كثير من ذرية آدم، و

304
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب العصبیة ص 303

7- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و علي بن محمّد القاساني، عن القاسم بن محمّد، عن المنقري، عن عبد الرزّاق، عن معمر، عن الزّهري قال: سئل عليّ بن الحسين عليهما السّلام عن العصبيّة، فقال: العصبيّة الّتي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرّجل شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين و ليس من العصبية أن يحبّ الرجل قومه و لكن من العصبيّة أن يعين قومه على الظلم.
باب الكبر
1- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أبان، عن حكيم قال:
سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن أدنى الإلحاد فقال: إنّ الكبر أدناه‏
__________________________________________________
كيف آمنت أن تكون مع قصر مدة عبادتك و كثيرة معصيتك مثله و اللّه هو المستعان.
قوله (قال سألت أبا عبد اللّه «ع» عن أدنى الالحاد فقال ان الكبر أدناه) لما كان السائل طالبا استحسن التأكيد فى جوابه. و الالحاد الميل عن الحق، و المراد به اما نفى الصانع أو اثبات الشريك له أو الاعم منهما، و الكبر العظمة و هى هيئة نفسانية تنشأ من تصور الانسان نفسه أعظم من غيره و أعلى رتبة منه و هى رذيلة تحت الفجور مقابل التواضع. و انما كان أدنى الالحاد لان المتكبر يلزمه انكار الرب أو إثبات الشريك له من حيث لا يعلم و ذلك لان الكبر من الصفات المخصوصة بالرب باعتبار أنه متوقف على كمال الذات فى الوجود و الصفات و الافعال و جميع ذلك له تعالى لا لغيره بالضرورة فاذن ليس المستحق للكبر الا هو و أما غيره فهو ذليل فقير عاجز مضطر من جهات شتى. فاذا تكبر لزمه القول بأنه شريك له و ان لم يقل به صريحا فيلزم الالحاد بالمعنى الثانى. و كذلك لزمه القول بنفيه تعالى لان الصانع الّذي له شريك ليس بصانع فيلزم الالحاد بالمعنى الاول و لما لم يكن من باب الالحاد صريحا حكم بانه أدناه و قريب منه، و اعلم أن الكبر من المهلكات و منشؤه الجهل، و ازالته و هى فرض العين يحتاج الى معالجة علمية و عملية. أما العلمى فهو أن يعرف نفسه و يعرف ربه و يكفيه ذلك فى ازالته فانه اذا عرف نفسه حق المعرفة عرف أنه أذل الاشياء، و أن عليه التواضع و الذلة و المسكنة، و اذا عرف ربه علم أنه لا يليق العظمة و الكبرياء الا به و أن كل من سواه عاجز مضطر عبد مملوك لا يقدر على شي‏ء و لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا. فتنقطع عنه مواد البطر و الكبرياء، و بواعث الفخر و الخيلاء و أما العملى فهو الاشتغال بأنواع العبادات و الطاعات و المداومة لذكر اللّه و الابتهال إليه و التضرع بين يديه و تفويض الامر إليه و حسن المكالمة و المجالسة و المعاشرة مع الفقراء و غيرهم.

305
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبر ص 305

2- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: الكبر قد يكون في شرار النّاس من كلّ جنس، و الكبر رداء اللّه فمن نازع اللّه عزّ و جلّ رداءه لم يزده الله إلّا سفالا، إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله مرّ في بعض طرق المدينة و سوداء تلقط
__________________________________________________
قوله (الكبر قد يكون فى شرار الناس من كل جنس) أى من كل صنف من أصناف الناس و ان كان دنيا كما يشعر به تكبر سوداء أو من كل جنس من أجناس السبب كالعلم و العبادة و الزهد و المال و الجاه و النسب و الصورة و الشهرة و نحوها و الاول أظهر.
 (و الكبر رداء اللّه) فى الخبر الاخر «العز رداء اللّه، و الكبر ازاره» و روى مثلهما من طرق العامة قال الابى. الازار الثوب الّذي يشد على الوسط، و الرداء الّذي يمد على الكتفين و قال محى الدين: هما لباس، و اللباس من خواص الاجسام و هو سبحانه ليس بجسم فهما استعارة للصفة التى هى العزة و العظمة و وجه الاستعارة ان هذين الثوبين لما كانا مختصين بالناس و لا يستغنى عنهما، و لا يقبلان الشركة، و هما جمال عبر عن العز بالرداء، و عن الكبر بالازار على وجه الاستعارة المعروفة عند العرب كما يقال فلان شعاره الزهد و دثاره التقوى لا يريدون الثوب الّذي هو شعار و دثار بل صفة الزهد كما يقولون فلان غمر الرداء واسع العطية فاستعاروا لفظ الرداء للعطية انتهى. أقول يجوز أن يكون من باب التشبيه البليغ بحذف الاداة و الوجه الاختصاص لان العزة و الكبر مختصان به سبحانه، كما أن الرداء و الازار مختصان بصاحبهما، أو الاحاطة لوجودها فى العزة و الكبر تخييلا. و فى الرداء و الازار تحقيقا بل التشبيه أولى لان المشبه ينبغى أن لا يكون مذكورا و هو هنا مذكور، و المقصود من هذا التشبيه هو الايضاح لانه أخرج المعقول الى المحسوس تقريبا للافهام، فان قلت هل فى تشبيه العز بالرداء و الكبر بالازار وجه؟ قلت نعم لان العزة أمر اضافى كما قيل: هى الامتناع من أن ينال، و قيل هى الصفة التى تقتضى عدم وجود مثل الموصوف بها. و قيل: هى الغلبة على الغير، و الامر الاضافى أمر ظاهر، و الرداء من الاثواب الظاهرة فبينهما مناسبة من جهة الظهور و الكبر بمعنى العظمة، و هى صفة حقيقية اذ التعظيم قد يتعاظم فى نفسه من غير ملاحظة الغير فهى أخفى من العزة و الازار ثوب خفى لانه قد يستر بغيره فبينهما مناسبة من هذه الجهة، و فى الحديث الاول شبه الكبر بالرداء، و له أيضا وجه ظاهر لان الكبر كثيرا ما يفتقر الى ملاحظة متكبر عليه فهو بهذا الاعتبار أمر اضافى ظاهر يناسب الرداء.
 (فمن نازع اللّه عز و جل رداءه لم يزده اللّه إلا سفالا) قد عرفت أن الكبر و العظمة

306
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبر ص 305

السرقين فقيل لها: تنحي عن طريق رسول اللّه، فقالت: إن الطريق لمعرض فهمّ بها بعض القوم أن يتناولها، فقال رسول اللّه، صلى اللّه عليه و آله: دعوها فانّها جبارة.
3- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن عثمان بن عيسى، عن العلاء ابن الفضيل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: العزّ رداء اللّه و الكبر إزاره، فمن تناول شيئا منه أكبّه اللّه في جهنّم.
4- أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن فضّال، عن ثعلبة، عن معمر بن عمر بن عطاء، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: الكبر رداء اللّه و المتكبّر ينازع اللّه رداءه.
5- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن عليّ، عن أبي جميلة، عن ليث المرادي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: قال: الكبر رداء اللّه فمن نازع اللّه شيئا من ذلك أكبّه اللّه في النّار.
6- عنه، عن أبيه، عن القاسم بن عروة، عن عبد اللّه بن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قالا: لا يدخل الجنّة من في قلبه مثقال ذرّة من كبر
__________________________________________________
و الرفعة على الخلق من الصفات المختصة باللّه سبحانه فمن نازعه فيها لم يزده اللّه الا سفالا فى أعين العارفين و نظر الصالحين أو فى القيامة كما سيجي‏ء «أن المتكبرين يجعلون فى صورة الذر يتوطأهم الناس حتى يفرغ اللّه من الحساب» فلا يرد «أن كثيرا من المتكبرين ليسوا من أهل السفال قال بعض المحققين: الانسان مركب من جوهرين أحدهما أعظم من الاخر و هو الروح التى من أمر الرب و بينها و بين الرب قرب تام لو لا عنان العبودية لقال كل واحد: أنا ربكم الاعلى فكل أحد يحب الربوبية و لكن يدفعها هو عن نفسه بالاقرار بالعبودية، و يطلب باعتبار الجوهر الاخر المركوز فيه القوة الشهوية و الغضبية آثار الربوبية و خواصها، و هى أن يكون فوق كل شي‏ء و أعلى رتبة منه، و يغفل عن أن هذا فى الحقيقة دعوى الربوبية. و كذلك كل صفة من الصفات الرذيلة تتولد من ادعاء آثار الربوبية كالغضب و الحسد و الحقد و الرياء و العجب، فان الغضب من جهة الاستيلاء اللازم للربوبية و الحسد من جهة أنه يكره أن يكون أحد أفضل منه فى الدين و الدنيا و هو أيضا من لوازمها، و الحقد يتولد من احتقان الغضب فى الباطن، و الرياء من جهة أنه يريد ثناء الخلق و العجب من جهة أنه يرى ذاته كاملة و كل ذلك من آثار الربوبية و قس عليه سائر الرذائل فانك ان فتشتها وجدتها مبنية على ادعاء الربوبية و الترفع.

307
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبر ص 305

7- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام قال: لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من الكبر، قال: فاسترجعت فقال: ما لك تسترجع؟ قلت: لما سمعت منك، فقال: ليس حيث تذهب إنّما أعني الجحود، إنّما هو الجحود.
8- أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أيّوب بن الحرّ، عن عبد الأعلى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: الكبر أن تغمص‏
__________________________________________________
قوله (لا يدخل الجنة من فى قلبه مثقال ذره من كبر) هذا الحديث مذكور فى صحيح مسلم باسناده عن ابن مسعود عن النبي «ص» قال الخطابى المراد بالكبر الكبر عن الايمان لقوله «و لا يدخل النار من فى قلبه مثقال ذرة من ايمان» فقابل الايمان بالكفر، و يحتمل أن يريد به نزع الكبر عن داخل الجنة لقوله تعالى: وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ*» أقول التأويل الاول موافق لما فى الخبر الآتي من أن المراد بالكبر الجحود، و أما التأويل الاخر فلا يخفى بعده لان المقصود ذم المتكبر و تحذيره لا تبشيره برفع الاثم و العقاب عنه. و يمكن أن يراد به المستحل، أو يخصص عدم الدخول ببعض الاوقات و هو أن لا يدخلها ابتداء بل بعد المجازاة، و قيل انما صار الكبر حجابا عن الجنة لانه يحول بين العبد و بين فضائل الاخلاق التى هى أبواب الجنة فان الكبر يغلق تلك الابواب كلها لان المتكبر لا يقدر أن يحب للمؤمن ما يحب لنفسه و لا يتمكن من ترك الرذائل كالحقد و الحسد و التقدم فى الطرق و المجالس و طرد الفقراء عن المجالسة و المؤاكلة و العنف و الغلظة و الغيبة و التطاول، و عدم الرفق بذوى الحاجات و فعل أضدادها من الفضائل كالتواضع و كظم الغيظ و قبول الحق و سماعه و الرفق فى القول و غيرها، و ما من خلق فاضل الا و هو عاجز عنه خوفا من أن يفوته عزه فلذلك «لا يدخل الجنة من [كان‏] فى قلبه مثقال ذرة من كبر».
قوله (انما أعنى الجحود انما هو الجحود) أى المراد بالكبر انكار الحق، أو انكار أمره و حكمه مثل كبر ابليس فانه لما كان مقرونا بالجحود و الاباء عن طاعة اللّه و الاستصغار لامره كما دل عليه قوله «أ أسجد لبشر خلقته من صلصال» كان لا محالة مستلزما لكفره و الكفر يوجب الحرمان من الجنة أبدا هذا أحد التأويلات للروايات الدالة على أن من فى قلبه كبر لا يدخل الجنة، و المقصود أن هذا الوعيد مختص بكبر الجحود لا أن غيره لا يتعلق به الوعيد مطلقا.
قوله (الكبر أن تغمص الناس و تسفه الحق) غمصه- كضربه، و سمعه- غمصا

308
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبر ص 305

الناس و تسفه الحقّ.
9- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن عبد الأعلى بن أعين قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إنّ أعظم الكبر غمص الخلق و سفه الحقّ، قال: قلت: ما غمص الخلق و سفه الحقّ؟ قال: يجهل الحقّ و يطعن على أهله، فمن فعل ذلك فقد نازع اللّه عزّ و جلّ رداءه.
10- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن بكير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ في جهنّم لواديا للمتكبّرين يقال له: سقر شكا إلى اللّه عزّ و جلّ شدة حرّة و سأله أن يأذن له أن يتنفّس فتنفّس فأحرق جهنّم‏
__________________________________________________
احتقره و استصغره و عابه و لم يره شيئا، و سفه سفها من باب علم و سفه سفاهة من باب شرف اذا نقص عقله و سفهه تسفيها اذا نسبه الى السفه، و المراد به هنا لازمه و هو الجهل بالحق و طعن أهله.
قوله (ان أعظم الكبر غمص الخلق و سفه الحق) قد عرفت أن الكبر عظمة مخصوصة و هى هيئة نفسانية تنشأ من تصور الانسان أنه أعلى من غيره، و هذه الهيئة بعد رسوخها ان كملت و اشتدت حتى دلت صاحبها على تحقير الخلق بأن لا يراه شيئا و جهل الحق بأن لا يقبله من صميم القلب و الطعن على من قبله و رآه حقا حصل نوع آخر من الكبر أعظم من الاول و هى الهيئة المذكورة مجردة عن التحقير و الجهل المذكورين، و منه يظهر حقيقة قوله «أعظم الكبر غمص الخلق و سفه الحق» و نقل عن الزمخشرى أن سفه الحق اسم مضاف الى الحق، و أن فيه وجهين أحدهما أن يكون على حذف الجار و الايصال كان الاصل سفه على الحق، و الثانى أن يتضمن معنى فعل متعد كجهل و المعنى الاستخفاف به و أن لا يراه على ما هو عليه من الرجحان.
 (فمن فعل ذلك نازع اللّه عز و جل رداءه) ان قلت الغمص و السفه بالتفسير المذكور ليسا من صفات اللّه تعالى و ردائه فما معنى هذا القول قلت الغمص و السفه أثر من آثار الكبر و لازم من لوازمه ففاعل ذلك منازع للّه من حيث الملزوم على أنه لا يبعد أن يراد بهما الملزوم مجازا و هو الكبر البالغ الى هذه المرتبة المقتضية لهذا الفعل الشنيع.
قوله (فتنفس فاحرق جهنم) لعل المراد بتنفسه خروج لهب منه و باحراق جهنم تسخينها أشد ما كان لها من السخونة و احداث حرارة زائدة فيها.

309
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبر ص 305

11- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن داود بن فرقد، عن أخيه قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ المتكبّرين يجعلون في صور الذّرّ، يتوطّأهم الناس حتّى يفرغ اللّه من الحساب.
12- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن غير واحد، عن عليّ ابن أسباط، عن عمّه يعقوب بن سالم، عن عبد الأعلى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
قلت له: ما الكبر؟ فقال: أعظم الكبر أن تسفه الحقّ و تغمص النّاس، قلت: و ما سفه الحقّ قال: يجهل الحقّ و يطعن على أهله.
13- عنه، عن يعقوب بن يزيد. عن محمّد بن عمر بن يزيد، عن أبيه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّني آكل الطعام الطيّب و أشمّ الرّيح الطيّبة و أركب الدّابة الفارهة و يتبعني الغلام فترى في هذا شيئا من التجبّر فلا أفعله؟ فأطرق أبو عبد اللّه عليه السّلام ثمّ قال: إنّما الجبّار الملعون من غمص الناس و جهل الحقّ قال:
عمر: فقلت: أمّا الحقّ فلا أجهله و الغمص لا أدري ما هو، قال: من حقّر النّاس و تجبّر عليهم فذلك الجبّار.
14- محمّد بن جعفر، عن محمّد بن عبد الحميد، عن عاصم بن حميد، عن أبي‏
__________________________________________________
قوله (ان المتكبرين يجعلون فى صورة الذر- الخ) عوملوا بهذا لانه مقابل لتكبرهم و ترفعهم فعوملوا بمقابل مقصودهم و نقيض مطلوبهم.
قوله (قال قلت لابى عبد اللّه «ع» اننى آكل الطعام الطيب و اشم الريح الطيبة و أركب الدابة الفارهة) أى النشيطة الحادة و الخفيفة القوية.
 (و يتبعنى الغلام فترى فى هذا شيئا من التجبر فلا أفعله- الخ) كأن السائل توهم أو شك فى أن محبة هذه الامور تجبر و تكبر فأجاب «ع» بأنها ليست تجبرا و تكبرا و انهما انكار الحق و تحقير الناس كيف و قد نقل فى باب التجمل «ان اللّه جميل يحب الجمال» يعنى أنه تعالى جميل الفعال يحب منكم التجمل و التزين و اظهار نعمه و عدم الحاجة الى الغير. ثم ان الامور المذكورة و نحوها و ان لم تكن فى ذواتها تجبرا الا أنها فى أكثر الناس مفضية إليه. فلذلك أطرق «ع» و لم يجبه بأنها تجبر أولا و أتى بجواب على وجه كلى يشعر بأنها من حيث هى ليست تجبرا و لو تبعها فرد من هذا الكلى فانما هى مذمومة لاجل ذلك لا لذاتها.

310
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبر ص 305

حمزة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ثلاثة لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ: شيخ زان، و ملك جبّار و مقلّ مختال.
15- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن مروك بن عبيد، عمّن حدّثه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ يوسف عليه السّلام لمّا قدم عليه الشيخ يعقوب عليه السّلام‏
__________________________________________________
قوله (ثلاثة لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ شيخ زان و ملك جبار و مقل مختال) معنى لا يكلمهم أنه لا يكلمهم كلام رضى بل كلام سخط مثل «اخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ» و قيل لا يكلمهم بلا واسطة، و قيل هو كناية عن الاعراض و الغضب فان من غضب على أحد قطع كلامه و معنى لا ينظر إليهم أنه لا ينظر إليهم نظر الكرامة و العطف و البر و الرحمة و الاحسان لضعتهم و حقارتهم عنده و قلة قدرهم لديه، و ليس المراد نفى الرؤية لانه تعالى يراهم كما يرى غيرهم و لا نفى تقليب الحدقة إليهم لانه من صفات الاجسام و فى قوله «يَوْمَ الْقِيامَةِ» اشعار بأن المعاصى المذكورة بل غيرها أيضا لا تمنع من ايصال الخير و النعمة إليهم فى الدنيا لان افضاله فيها يعم الابرار و الفجار تأكيدا للحجة عليهم و معنى قوله «وَ لا يُزَكِّيهِمْ» أنه لا يطهرهم من ذنوبهم أو لا يقبل عملهم أو لا يثنى عليهم و من لا يثنى اللّه سبحانه عليه يعذبه. و تخصيص الثلاثة بالذكر ليس لاجل أن غيرهم معذور بل لاجل أن عقوبتهم أعظم و أشد لان المعصية مع وجود الصارف عنها أقبح و أشنع و الصارف للشيخ عن الزنا انكسار قوته و انطفاء شهوته و طول اعذاره و مدته و قرب الانتقال الى اللّه فلا بد من أن يتدارك ما فات و يستعد لما هو آت فاذا شغل بالزنا دل ذلك على أنه غير مقر بالدين و مستخف بنهى رب العالمين. فلذلك استحق العذاب المهين. و يمكن أن تستدل بهذا على أن الشيخ فى جميع المعاصى أشد عقوبة من الشاب و على أن الشاب بالعفة أمدح من الشيخ و الصارف للملك عن كونه جبارا مشاهدة كمال نعمه تعالى عليه حيث سلطه على عباده و بلاده و جعلهم تحت يده و قدرته فاقتضى ذلك أن يشكر نعمه و يعدل بين خلق اللّه و يرتدع عن الظلم و الفساد و يشاهد ضعفه بين يدى الملك المنان فاذا قابل كل ذلك بالكفران استحق عذاب النيران و الصارف للمقل الفقير عن الاختيال و الاستكبار فقره لان الاختيال انما هو بالدنيا و ليست عنده فاختياله عناد و من عاند ربه العظيم يصير محروما من رحمته و له عذاب أليم و لا يبعد أن يكون المدح فى أضداد هذه الانواع متفاوتا فالشاب بالعفة امدح من الشيخ كما ذكرنا و دل عليه أيضا الآثار و التواضع من الغنى أمدح منه من الفقير كما دل عليه بعض الاخبار، و أما العدل من غير الملك ففى كونه أمدح منه من الملك محل نظر.

311
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبر ص 305

دخله عزّ الملك، فلم ينزل إليه، فهبط جبرئيل عليه السّلام فقال: يا يوسف أبسط راحتك فخرج منها نور ساطع، فصار في جوّ السّماء، فقال: يوسف يا جبرئيل ما هذا النور الّذي خرج من راحتي؟ فقال: نزعت النبوّة من عقبك عقوبة لما لم تنزل إلى الشيخ يعقوب فلا يكون من عقبك نبيّ.
16- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما من عبد إلّا و في رأسه حكمة و ملك يمسكها فإذا تكبّر قال له: اتّضع وضعك اللّه، فلا يزال أعظم النّاس في نفسه و أصغر النّاس في أعين الناس و إذا تواضع رفعه اللّه عزّ و جلّ، ثمّ قال له: انتعش نعشك اللّه فلا يزال أصغر النّاس في نفسه و أرفع النّاس في أعين النّاس‏
__________________________________________________
قوله (لما قدم عليه الشيخ يعقوب «ع» دخله عز الملك فلم ينزل إليه- الخ) الملك بضم الميم و سكون اللام السلطنة و بفتح الميم و كسر اللام السلطان و بكسر الميم و سكون اللام ما يملك و اضافة العز إليه لامية و لم يكن ما دخله تكبرا تحقيرا للشيخ فانه كان منزها عنه بل كان حفظا لعزه عند عامة الناس اذ كان نزول الملك عندهم لغيره موجبا لذله و هذا شبيه بالتكبر من جهة و بالعجب من اخرى فانظر الى ما ورد على الرجل الصالح من خروج نور النبوة من يده لاجل صدور أمر شبيه بالتكبر منه و حرمان عقبه من تلك الفضيلة و الكرامة و احذر عن التكبر فانه يخرج نور الايمان من قلبك و ربما يسرى شوم ذلك و ذله فى عقبك.
قوله (ما من عبد الا و فى رأسه حكمة و ملك يمسكها فاذا تكبر قال له اتضع وضعك اللّه- الخ) حكمت عليه بكذا اذا منعته من خلافه فلم يقدر على الخروج من ذلك و منه الحكمة و زان قصبة للدابة سميت بذلك لانها تذللها لراكبها حتى يمنعها الجماع و نحوه و منه أيضا اشتقاق الحكمة لانها تمنع صاحبها من أخلاق الارذال و لعل المراد بالحكمة هنا الحالة المقتضية لسلوكه سبيل الهداية على سبيل الاستعارة. و بامساك الملك اياها ارشاده الى ذلك السبيل و نهيه عن العدول عنه (و اذا تواضع رفعه اللّه عز و جل) انما لم يقل و اذا تواضع قال له ارفع رفعك اللّه على وفق قوله فيما سبق فاذا تكبر قال له اتضع وضعك اللّه للتنبيه على أن الرفع مترتب على التواضع من غير حاجة الى دعاء الملك له بالرفع بخلاف الوضع فانه غير مترتب على التكبر ما لم يدع الملك عليه بالوضع و هو الّذي سبقت رحمته غضبه.
 (ثم قال له انتعش نعشك اللّه) نعشه اللّه كمنعه و أنعشه اللّه أقامه و رفعه و نعشه فانتعش أى رفعه فارتفع و قوله نعشك اللّه اما اخبار بما وقع من الرفع او دعاء له به على سبيل التأكيد او دعاء له بالثبات و الاستمرار (فلا يزال أصغر الناس فى نفسه و ارفع الناس فى أعين الناس) لانه تعالى‏

312
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکبر ص 305

17- محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن بعض أصحابه، عن النهدي، عن يزيد بن إسحاق شعر، عن عبد اللّه بن المنذر، عن عبد اللّه بن بكير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما من أحد يتيه إلّا من ذلّة يجدها في نفسه. و في حديث آخر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما من رجل تكبّر أو تجبّر إلّا لذلّة وجدها في نفسه.
باب العجب‏
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن أسباط، عن رجل من أصحابنا من أهل خراسان من ولد إبراهيم بن سيّار، يرفعه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه علم أنّ الذّنب خير للمؤمن من العجب و لو لا ذلك ما ابتلي‏
__________________________________________________
يعظمه فى أعين الناس و يجرى ذكره بالصلاح و الخير على ألسنتهم قيل روى عنه «ص» «ان اللّه اذا أحب عبدا يدعو جبرئيل فيقول انى أحب فلانا فأحبه قال فيحبه جبرئيل ثم ينادى فى السماء فيقول ان اللّه يحب فلانا فأحبوه فيحبونه (كذا) أهل السماء ثم يوضع له القبول فى الارض.
قوله (ما من أحديته الا من ذلة يجدها فى نفسه) تاه فلان يتيه اذا تكبر و لعل من للابتداء فيفيد أن التكبر لا ينفك من الذلة حتى كأنه نشأ منها و فى بعض النسخ «ينبه» بالنون بعد الياء قبل الباء الموحدة و له أيضا وجه يقال نبه بالضم نباهة شرف فهو نبيه يعنى أن الشرف و النباهة من ذلة التواضع.
قوله (ما من رجل تكبر أو تجبر الا لذلة وجدها فى نفسه) أى الذلة فى الدنيا و الآخرة سبب للتكبر لان العزيز عند اللّه لا يتكبر أو غايته و عاقبته فاللام مثلها فى قوله تعالى «فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً» فى كونها للعاقبة.
قوله (ان اللّه عز و جل علم أن الذنب خير للمؤمن من العجب) قيل حقيقة العجب استعظام العمل الصالح و استكثاره و الابتهاج له و الادلال به و أن يرى نفسه خارجا عن حد التقصير و أما السرور به مع التواضع للّه تعالى و الشكر له على التوفيق لذلك و طلب الاستزادة منه فهو حسن ممدوح و توضيحه ما ذكره الشيخ فى الاربعين بقوله لا ريب أن من عمل أعمالا صالحة من صيام الايام و قيام الليالى و أمثال ذلك يحصل لنفسه ابتهاج فان كان من حيث كونها عطية من اللّه له و نعمة منه تعالى عليه و كان مع ذلك خائفا من نقصها مشفقا من زوالها طالبا من اللّه الازدياد منها لم يكن ذلك الابتهاج عجبا. و ان كان من حيث كونها صفته و قائمة به و مضافة إليه فاستعظمها و ركن إليها و رأى نفسه خارجا عن حد التقصير بها و صار كأنه يمن على اللّه سبحانه بسببها فذلك هو العجب المهلك و هو من أعظم الذنوب. و قيل العجب هيئة نفسانية تنشأ

313
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب العجب ص 313

مؤمن بذنب أبدا.
2- عنه، عن سعيد بن جناح، عن أخيه أبي عامر، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام‏
__________________________________________________
من تصور الكمال [1] فى النفس و الفرح به و الركون إليه من حيث أنه قائم به و صفة له مع الغفلة عن قياس النفس الى الغير بكونها أفضل منه، و بهذا القيد ينفصل عن الكبر اذ لا بد فى الكبر أن يرى الانسان لنفسه مرتبة و لغيره مرتبة ثم يرى مرتبته فوق مرتبة الغير و هذا التعريف أعم من المذكور اذ الكمال أعم من أن يكون كمالا فى نفس الامر أو لم يكن كسوء العمل اذا رآه حسنا فابتهج به و الاول أعم من أن يكون فعله كالاعمال الصالحة، أو لا كالصورة الحسنة و النسب الرفيع. و قيل العجب أن يرى الانسان نفسه بعين الاستحسان لافعالها و ما يصدر عنها من عادة أو عبادة او كثرة و زيادة فى أمر و ذلك مذموم لانه حجاب للقلب عن روية منقه فان أعجب بنفسه فى صورة أو عادة أثار كبرا و ان كان فى عبادة ففيه عمى عن رؤية توفيق اللّه و أصل ذلك من الشرك الخفى و الشرك الجلى لا يغفر و الخفى منه لا يهمل بل يؤاخذه اللّه به صاحبه.
 (و لو لا ذلك ما ابتلى مؤمنا بذنب أبدا) فجعل الذنب له فداء عن عجبه بنفسه ليبقى‏
__________________________________________________
 [1] قوله «هيئة نفسانية تنشأ من تصور الكمال» قال هيئة تنشأ من تصور الكمال لا نفس تصور الكمال لان الانسان العاقل اذا كان واجدا لكمال كعلم و كرم و تقوى فلا بد أن يكون متصورا لكماله و مدركا له و ليس هذا منقصة و قيل رحم اللّه امرئ عرف قدره أو عرف نفسه. و ذكر الائمة عليهم السلام و العلماء فضائل أنفسهم و قال رسول اللّه «ص» «أنا سيد ولد آدم و لا فخر. و أنا أفصح من نطق بالضاد» بل لعل من لا يعرف قدر نفسه و يجعل نفسه دون مرتبته يرتكب شرورا و قبائح و لا يرى لنفسه مندوحة فى ارتكابها و ورد فى الشرائع الالهية تعظيم مقام الانسان و شرفه و كونه خليفة اللّه و مخلوقا بيدى الرب لامر عظيم و قال «لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ» ليعتقدوا شرف ذاتهم و يعرفوا أنهم فوق رتبة الحيوانات و لا يليق بهم الانهماك فى الشهوات و الاقتصار على الحياة الدنيا، و بالجملة فاعتراف الانسان بكمال نفسه و شرفه و علوه يوجب ارتداعه عن الفواحش و من لا يعرف لنفسه قيمة يرتكب ملاذه و شهواته و لا يبالى فالعجب المذموم و التكبر المنهى ليسا نفس العلم بالكمال و اظهاره و اعتقاد علو النفس فى حد ذاته و كان أعداء أمير المؤمنين «ع» يرمونه بالعجب و التكبر و لا يعرفون هذه النكتة و انما القبيح إذلال الغير و توهين الناس و كسر قلوبهم فى التكبر و تحقير نعم اللّه تعالى و فضله و انعامه فى مقابل العبادة فى العجب و هما من آثار الوهم و أفعاله و الوهم رائد الشيطان فكما ان العلم بجمال انسان من غير أن يتلذذ بالنظر إليه بشهوة ليس مذموما لان العلم للقوة العاقلة و التشهى للواهمة كذلك قياس العلم بالكمال النفسانى و التكبر و

314
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب العجب ص 313

قال: من دخله العجب هلك.
3- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن أسباط، عن أحمد بن عمر الحلّال، عن عليّ بن سويد، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن العجب الّذي يفسد العمل، فقال: العجب درجات منها أن يزيّن للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه و يحسب أنّه يحسن صنعا، و منها أن يؤمن العبد بربّه فيمنّ على اللّه عزّ و جلّ و للّه عليه فيه المنّ.
4- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرّحمن بن‏
__________________________________________________
له فضيلة الايمان و ثواب الاعمال و استحقاق الاحسان و لو لم يذنب لدخل فيه العجب و افسد قلبه و حجبه عن ربه و مننه و منعه عن رؤية توفيقه و معونته و صده عن الوصول الى حقيقة توحيده و أحبط عمله الّذي صدر منه فى مدة طويلة بخلاف الذنب فانه لا يبطل العبادات السالفة و فيه متابعة للهوى. و فى العجب شركة بالمولى و يفهم منه أن ارتكاب أقل القبيحين أولى من الاخر و ان ذنب المؤمن مصلحة له و انه يغفر له قطعا.
قوله (من دخله العجب هلك) قيل العجب يدخل الانسان بالعبادة و ترك الذنوب و الصورة و النسب و الافعال العادية مثل الاحسان الى الغير و غيره و هو من أعظم المهلكات و أشد الحجب بين القلب و الرب و الشرك باللّه و سلب الاحسان و الافضال و الاعانة و التوفيق عنه تعالى و ادعاء الاستقلال لنفسه و يبطل به الاعمال و الاحسان و أجرهما كما قال تعالى لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذى‏ و ليس المن بالعطاء و أذى الفقير باظهار الفضل و التعبير عليه الا من عجبه بعطية و عماه عن منة ربه و توفيقه.
قوله (العجب درجات منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه و يحسب أنه يحسن صنعا) أكثر الجهلة على هذه الصفة فانهم يفعلون أعمالا قبيحة عقلا و نقلا و يعتادون عليها حتى تصير تلك الاعمال بتسويل أنفسهم و تزيين قرينهم من صفات الكمال عندهم فيذكرونها و يتفاخرون بها و يقولون انا فعلنا كذا و كذا. اعجابا بشأنهم و إظهارا لكمالهم.
قوله (و منها أن يؤمن العبد بربه فيمن على اللّه عز و جل و للّه عليه فيه المن) كما قال تعالى يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.
__________________________________________________
العجب به و الاول ممدوح و الثانى مبغوض و بالجملة قد تبين لنا من تتبع كلام العلماء أن كل كمال حاصل سبب القوة العاقلة و كل فعل يعمل بهدايتها فهو حسن و كل ما يكون بسبب العواطف و الشهوات و أمثالها اعنى بالقوة الواهمة فهو شر قبيح. (ش)

315
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب العجب ص 313

الحجّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ الرّجل ليذنب الذّنب فيندم عليه و يعمل العمل فيسره ذلك فيتراخى عن حاله تلك فلأن يكون على حالة تلك خير له ممّا دخل فيه.
5- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن نضر بن قرواش، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أتى عالم عابدا فقال له: كيف صلاتك فقال: مثلي يسأل عن صلاته؟! و أنا أعبد اللّه منذ كذا و كذا: قال: فكيف بكاؤك؟ قال: أبكي حتّى تجرى دموعي، فقال له العالم: فإنّ ضحكك و أنت خائف أفضل من بكائك و أنت مدلّ، إنّ المدلّ لا يصعد من عمله شي‏ء.
6- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن أبي داود، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليهما السّلام قال: دخل رجلان المسجد أحدهما عابد و الاخر فاسق فخرجا من المسجد و الفاسق صدّيق و العابد فاسق و ذلك أنّه يدخل العابد المسجد مدلا بعبادته يدلّ بها فتكون فكرته في ذلك و تكون فكرة الفاسق في التندّم على فسقه و يستغفر اللّه عزّ و جلّ ممّا صنع من الذّنوب.
__________________________________________________
قوله (ان الرجل ليذنب الذنب فيندم عليه) ندامته مقام عجز و تقصير و هو مقام عال للسالكين (و يعمل العمل فيسره ذلك) المراد بالسرور بالعمل هنا الادلال به و استعظامه و اخراج نفسه عن حد التقصير و اما السرور به مع التواضع للّه و الشكر له على التوفيق لذلك العمل فليس عجبا كما مر.
 (فيتراخى عن حاله تلك) أى تصير حاله بسبب هذا السرور و العجب أدون من حاله وقت الندامة و يفهم منه أن العجب يبطل الاعمال السابقة أيضا.
 (فلان يكون على حاله تلك خير له مما دخل فيه) نظيره قول أمير المؤمنين «ع» «سيئة تسوءك خير من حسنة تعجبك» و الظاهر أن الفاء للتفريع و «خير» خبر لان يكون أى كونه على تلك الحالة أعنى حالة الندامة خير له مما دخل فيه من الحسنة مع العجب بها لان هذا ابطل تلك الحالة أيضا.
قوله (فقال مثلى يسأل عن صلاته و أنا أعبد اللّه منذ كذا و كذا- الخ) عظم العابد نفسه بكثرة العبادة و طول زمانها و كثرة البكاء و دوام الخشوع فأخرج نفسه عن مقام العبودية المبنية على المذلة و الاعتراف بالتقصير و العجز عن الاتيان بحق العبادة و أدخلها فى مهاوى العجب و مهالكه فلذلك حكم العالم بأن اضداد الامور المذكورة الباعثة للمذلة و ما بعدها أفضل‏

316
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب العجب ص 313

7- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن عبد الرّحمن بن الحجّاج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرّجل يعمل العمل و هو خائف مشفق ثمّ يعمل شيئا من البرّ فيدخله شبه العجب به؟ فقال: هو في حاله الاولى و هو خائف أحسن حالا منه في حال عجبه.
8- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: بينما موسى عليه السّلام جالسا إذ أقبل إبليس و عليه برنس ذو ألوان، فلمّا دنا من موسى عليه السّلام خلع البرنس و قام إلى موسى فسلّم عليه فقال له موسى: من أنت؟ فقال: أنا إبليس، قال: أنت فلا قرّب اللّه دارك قال: إنّي إنّما جئت لا سلّم عليك لمكانك من اللّه، قال: فقال له موسى عليه السّلام: فما هذا البرنس؟ قال: به أختطف قلوب بني آدم، فقال موسى: فأخبرني بالذّنب الّذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه؟ قال: أعجبته نفسه و استكثر عمله و اصغر في عينه ذنبه. و قال: قال اللّه عزّ و جلّ لداود عليه السّلام يا داود بشّر المذنبين و أنذر الصّدّيقين قال: كيف أبشّر المذنبين و انذر الصّدّيقين؟ قال: يا داود بشّر المذنبين أنّي‏
__________________________________________________
له منها و يعلم منه أن العلم أفضل من العبادة إذ به يحصل الاهتداء الى المقابح و المحاسن.
و الادلال نازيدن بعمل خود و المدل المنبسط المسرور الّذي لا خوف له من التقصير فى العمل و نقصانه و لا تذلل له فى مقام العبودية كما هو شأن المعجب بنفسه.
قوله (الرجل يعمل العمل و هو خائف مشفق ثم يعمل شيئا من البر فيدخله شبه العجب به؟ فقال: هو فى حاله الاولى و هو خائف أحسن حالا منه فى حال عجبه) يمكن أن يراد بالعمل العمل البر و بالخوف الخوف من التقصير أو من عدم القبول و الاولى أن يراد به العمل الشر او اللغو و بالخوف الخوف من العقوبة لان التفضيل فى الاول ظاهر ليس لبيانه كثير فائدة قوله (اذ أقبل ابليس و عليه برنس- الخ) البرنس بضم الباء و النون و سكون الراء قلنسوة طويلة أو كل ثوب رأسه منه ملتزق به دراعة كان أو جبة أو ممطرا أو غيره (فلا قرب اللّه دارك) لعله كناية عن حيرته أو بعد منزله عن المؤمن.
 (به اختطف قلوب بنى آدم) اختطاف ربودن يقال خطفه من باب علم و ضرب و اختطفه اذا استلبه و أخذه بسرعة و من طريق العامة «ان الشيطان ليجثم على قلب ابن آدم له خرطوم كخرطوم الكلب اذا ذكر العبد اللّه عز و جل خنس و اذا غفل عن ذكر اللّه وسوس» و استحواذ الشيطان على العبد غلبته و استمالته الى ما يريد منه.

317
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب العجب ص 313

أقبل التوبة و أعفو عن الذّنب، و أنذر الصّدّيقين ألّا يعجبوا بأعمالهم فإنّه ليس عبد أنصبه للحساب إلّا هلك.
باب حب الدنيا و الحرص عليها
1- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن درست بن أبي منصور عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و هشام، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: رأس كلّ خطيئة حبّ الدّنيا
__________________________________________________
 (و أنذر الصديقين ألا يعجبوا بأعمالهم) أى لا يتبهجوا بها و لا يتكلوا عليها و لا يعتقدوا انهم بسببها خرجوا عن حد التقصير فانه ليس عبد انصبه أى أقيمه و فعله من باب ضرب.
 (للحساب الا هلك) اذ كل عبد مقصر فى أداء حقوقه تعالى و كل عمل ناقص فى جنب عظمته و لا قدر له فى مقابل نعمته فاذا وقع التقابل بين الاعمال و النعماء بقى أكثر النعماء لا مقابل لها من الاعمال فعلم أن احسانه تعالى الى العباد و اثابته انما هو بالتفضل لا بالعمل «1» فينبغى أن لا يعجبوا به مع كماله فى النقص فحاصل التعليل الردع عن العجب بالعمل لعدم الاعتداد به و عدم دخوله تحت الحساب و عدم الوزن له فى مقابلة احسانه تعالى.
قوله (رأس كل خطيئة حب الدنيا) لان كل خصال الشر مطوية فى حب الدنيا و كل ذمائم القوة الشهوية و الغضبية مندرجة فى الميل إليها و لذا قال اللّه عز و جل مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ»
__________________________________________________
 (1) قوله «انما هو بالتفضل لا بالعمل» مذهب أهل العدل أن كل مشقة تصل الى العبد بسبب اطاعة أمر المولى استحق ثوابا بمقتضى عدله و حكمته و هذا حكم العقل و لو لم يكن المولى عادلا أو حكيما احتمل فى حقه تخلف عن الواجب لا اذا كان حكيما عادلا و لو بنى الامر على تخطئة العقل فى هذه الاحكام بطل قاعدة اللطف و اثبات النبوة و الامامة و المعاد و سائر اصول الدين و المذهب، و لعل مراد الشارح أن هذا الثواب المستحق الّذي يجب على العادل الحكيم اثابة المكلف به اقل كثيرا مما يصل إليه فعلا فى الآخرة فاصله مستحق واجب و مقداره زائدا على مقدار الاستحقاق تفضل و قد ذكر علماؤنا ان كل مشقة و مصيبة و ألم و مرض و نقص تعرض المكلف سواء كان مؤمنا أو كافرا أو حيوانا يدرك الآلام يستحق بها على العادل الحكيم عوضا اذا كان بسببه لا من قبل العبد و قد ورد «أن لكل كبد حرى أجرا» و ان لم يكن هناك تكليف و امتثال و عبادة و من قال أن المكلف لا يستحق أجرا على مقدمات العبادات كالسير الى الحج اذا لم يترتب عليها نفس الحج و مات فى الطريق فهو جاهل باصول المذهب. (ش).

318
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حب الدنیا و الحرص علیها ص 318

2- عليّ، عن أبيه، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن حمّاد بن بشير قال:
سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ما ذئبان ضاريان في غنم قد فارقها رعاؤها، أحدهما في أوّلها و الاخر في آخرها بأفسد فيها من حبّ المال و الشرف في دين المسلم.
3- عنه، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: ما ذئبان ضاريان في غنم ليس لها راع، هذا في أولها و هذا في آخرها بأسرع فيها من حبّ المال و الشرف في دين المؤمن.
4- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن يحيى، الخزّاز، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ الشيطان يدير ابن آدم في كلّ شي‏ء فإذا أعياه جثم له عند المال فأخذ برقبته.
5- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النعمان، عن أبي اسامة زيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من لم يتعزّ بعزاء اللّه تقطّعت نفسه حسرات‏
__________________________________________________
و لا يمكن التخلص من حبها الا بالعلم بمقابحها و منافع الآخرة و تصفية النفس و تعديل القوتين.
قوله (ما ذئبان ضاريان فى غنم قد فارقها رعاؤها أحدهما فى أولها و الاخر فى آخرها بأفسد فيها من حب المال و الشرف فى دين المسلم) شبه حب المال و الشرف و الجاه بالذئب الضارى المهلك المعتاد باكل اللحوم فى الافساد و الاهلاك لقصد الايضاح لان حبهما يشغل القلب عن ذكر اللّه و ما يوجب القرب منه و يقيده بلذة الاقبال الى الخلق و اقبالهم إليه و يبعثه على ملازمة الفساق من أهل الدنيا و أمراء الجور و المداراة معهم و مخالفة ظاهره لباطنه و لذلك قال النبي «ص» «حب الجاه و المال ينبتان فى القلب النفاق كما ينبت الماء البقل» و يتولد منه جميع الاخلاق الذميمة كالحقد و الحسد و العداوة و الرياء و الكبر و العجب و نحوها. قوله (ان الشيطان يدير ابن آدم فى كل شي‏ء) من أحوال المبدأ و المعاد و الايمان و الطاعة و المعصية و الاخلاق (فاذا أعياه جثم له) أى لزم مكانه و لم يبرح (عند المال فاخذ برقبته) فالمال مصيدة عظمى و مكيدة كبرى للشيطان فى صيد الخلق و جذبهم الى الباطل و اضلالهم عن طريق الحق و حملهم على الجمع من طريق الحلال و الحرام بالحيلة و الخدعة و الظلم و بعثهم على الاعمال و الاخلاق الخارجة عن القوانين العقلية و الشرعية.
قوله (من لم يتعز بعزاء اللّه) عزى يعزى من باب علم صبر على ما نابه و عزيته‏

319
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حب الدنیا و الحرص علیها ص 318

على الدّنيا و من أتبع بصره ما في أيدي النّاس كثر همّه و لم يشف غيظه و من‏
__________________________________________________
تغرية قلت له أحسن اللّه عزاك أى رزقك الصبر الحسن و العزاء مثل سلام اسم من ذلك و تعزى هو تصبر و شعاره أن يقول «إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ» كما أمر اللّه تعالى و معنى قوله بعزاء اللّه أى بتعزية اللّه اياه فأقام الاسم مقام المصدر (تقطعت نفسه حسرات على الدنيا) لعل المراد بالنفس الروح الانسانى اعنى النفس الناطقة المدبرة للروح الحيوانى الّذي به يتحقق الموت اذا فسد و هى باقية أبدا [1] اما مسرورة بما حصلت من أسباب السعادة أو متحسرة بما حصلت من أسباب الشقاوة فلها بذاتها جنة و جحيم جنتها كمالاتها و جحيمها رذائلها من حب الدنيا و ما يتولد منه و باعتبار البدن جنة و جحيم تعود الى إحداهما بعد الحشر اذا عرفت هذا فنقول من أحب الدنيا و لم يصبر على ما نابه فيها و ترك ما يتوقع منها فهو فى حسرة دائما أما على الاول فظاهر و أما على الثانى فلانه ان لم يحصل له فهو فى حسرة لفوات محبوبه و ان حصل له فهو فى حسرة على فواته و اخذه منه قهرا عند الموت و بعد كالعاشق اذا لم يجد المعشوق او وجده و اخذه منه قهرا.
 (و من اتبع بصره ما فى أيدى الناس كثر همه و لم يشف غيظه) فيه حث على النظر الى‏
__________________________________________________
 [1] قوله «به يتحقق الموت اذا فسد و هى باقية أبدا» لعلك عرفت بما كررنا لك فى هذه التعليقات من الادلة و الشواهد على تجرد النفس الناطقة و بقائها ما يغنيك عن تأسيس الكلام فى هذا المقام لكن لا بأس بالاشارة الى حاصل ما مضى بتعبير اوضح لتقريب ذهن المبتدى ان شاء اللّه تعالى فنقول كل موجود ان أمكن فى حقه الفساد و الفناء انما يتصور فنائه اما بفناء علته الفاعلية كزوال نور الشمس بافولها و انتفاء نور السراج بانتفاء نفس السراء و أما بزوال الموضوع و المادة ان توقف وجوده عليهما كزوال الطعم و الرائحة عن الاشياء بتحلل مزاج الموضوع و تفرق عناصره كاللحم و الفاكهة اذا فسد او اما ان لم يحتج الشي‏ء الى الموضوع و المادة أصلا كنور الشمس على الجدران فانه غير محتاج إليها، أو احتاج إليهما فى أول الحدوث لا فى البقاء كالدخان المتصاعد من الحطب و الجزل المتحرق فربما يبقى الدخان بعد أن صار الجزل رمادا، و انما يحتاج الدخان فى حدوثه فقط الى احتراق الحطب، و أما النفس الناطقة الانسانية لما ثبت تجردها و عدم احتياجها الى المادة بعد وصولها الى رتبة العقل بالفعل و ادراك الكليات فى الجملة و ان احتاجت الى حصول المزاج الخاص بالانسان فى الجنين أول حدوثها كانت بمنزلة الدخان الساطع يحتاج فى اوّل حدوثه لا فى بقائه و البدن بالنسبة إليها كالعلل المعدة دون الفاعلة و مثله البناء و البناء حيث يحتاج البيت إليه فى حدوثه لا فى بقائه فلا وجه لبطلان النفس الناطقة بفساد البدن‏

320
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حب الدنیا و الحرص علیها ص 318

من دونه فانه يوجب الرضا بقسمته و معرفة قدر نعمته و الشكر لربه و منع من النظر الى من فوقه من أهل الدنيا و ما هم فيه من النعماء فان من نظر إليهم زاغ قلبه و كثر همه و زاد غمه و لم يشف غيظه بل يوجب زيادة غيظه لكثرة حظهم و قلة حظه و يبعثه على تمنى مثل حالهم و هو لا يعلم حقيقة مآلهم كما قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً وَ لا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ. فلما خسف اللّه به و بداره الارض أَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ يَقْدِرُ لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ و انتفاء الخسف بأهل الاموال و التجبر من هذه الامة لا يوجب انتفاء عقوبتهم فى‏
__________________________________________________
من جهة فساد البدن بخلاف القوى البدنية كالباصرة و السامعة فانها من الروح الحيوانى الّذي يؤثر الموت فى فنائها و هى بمنزلة آلات للنفس الناطقة كالمنشار للتجار و المنظار للبصر الضعيف.
فان قيل سلمنا ان النفس الناطقة لا يجب أن تفنى بفناء البدن كالدخان حيث لا يفنى بفناء الحطب فما الدليل على انها لا تفنى بنفسه و لا تتلاشى كما يتلاشى الدخان لا بسبب فناء الحطب بل بسبب آخر و هذا من التشكيكات الفخرية و أجاب عنه المحقق الطوسى فى شرح الاشارات بما حاصله أن النفس الناطقة ليست جسما مركبا من أجزاء مقدارية أو من عناصر مختلفة [كالدخان حتى تتلاشى كما بتلاشى الدخان و انما شبهنا النفس به فى عدم الاحتياج الى البدن بعد الوجود فقط] و أيضا النفس ليست مركبة من جزءين أحدهما كالهيولى و الاخر كالصورة حتى يتعقل تبدل النفسية بصورة اخرى لان الشي‏ء الّذي يمكن ان يتصور جزء من النفس كالهيولى لا بدّ أن يكون مجردا غير ذى وضع و غير متمكن فى مكان و لا متحيزا فى حيز و الشي‏ء المتصف بهذه الصفات لا بدّ أن يكون عاقلا و ان سميناه هيولى فهى بنفسها من غير أن يلحقها تلك الصورة تدرك و هى باقية كسائر الهيوليات و ان احتمل أن للهيولى المفروضة صورة تكون ادراكها و تعقلها بتلك الصورة نلتزم حينئذ بعدم امكان انفكاك تلك الصورة عن تلك الهيولى و تبدلها بصورة اخرى لان هذه الحالات الطارية لا بدّ أن تكون حادثة زمانية معلولة لتغيرات استعداد و هذه كلها غير ممكنة فى غير الاجسام المادية.
ثم لما اوهم كلام الشارح هذا روحانية المعاد فقط استدركه بقوله و باعتبار البدن جنة و جحيم تعود الى إحداهما بعد الحشر فاثبت صيرورة الكمالات و الرذائل أجساما بعد الحشر على ما سبق مرارا من تجسم الاعمال، و قد سبق أيضا ان كل كمال لا يتوقف استمرار وجوده على الجوارح يبقى مع النفس و ان كان متوقفا على البدن اوّل حصوله. (ش)

321
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حب الدنیا و الحرص علیها ص 318

لم ير للّه عزّ و جلّ عليه نعمة إلّا في مطعم أو مشرب أو ملبس فقد قصر عمله و دنا عذابه.
6- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن يعقوب بن يزيد، عن زياد القندي، عن أبي وكيع، عن أبي إسحاق السبيعيّ، عن الحارث الأعور، عن أمير- المؤمنين عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إنّ الدّينار و الدّرهم أهلكا من كان قبلكم و هما مهلكاكم.
7- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يحيى بن عقبة الأزدي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: مثل الحريص على الدّنيا مثل دودة القزّ، كلّما ازدادت من القزّ على نفسها لفّا كان أبعد لها من الخروج حتّى تموت غمّا
__________________________________________________
الآخرة فينبغى للمؤمن أن لا ينظر الى أموالهم و لا يتمنى مثل أحوالهم.
 (و من لم ير للّه عز و جل عليه نعمة الا فى مطعم أو مشرب أو ملبس فقد قصر عمله و دنا عذابه) لان نعم اللّه عليه غير المذكورات التى وجدها أو فقدها كثيرة جليلة باطنة و ظاهرة فيجب أن ينظر إليها و يرضى عن ربه و يشكر له و أن لا يغفل عنها و لا يسلبها فان سلبها فقد كفر و قصر فى شكرها الّذي من أعظم أعماله و استحق بذلك نزول العذاب.
قوله (ان الدينار و الدرهم اهلكا من كان قبلكم و هما مهلكاكم) حبهما و صرف العمر فى تحصيلهما و تحصيل ما يتوقف عليهما من أمتعة الدنيا و مشتهياتها و لذاتها و فى حفظ جميع ذلك من المهلكات العظيمة التى أهلكت كثيرا من السابقين لانه صرف قلوبهم و جوارحهم عن التفكر فى أمر الآخرة و الاعمال النافعة فيها و بعثهم على الاخلاق و الاعمال الرذيلة كالظلم و الحسد و الحقد و العداوة و الفخر و الكبر و البخل و منع الحقوق الى غير ذلك مما لا يحصى و اذا أخذا منهم قهرا بالموت و أعطيا غيرهم بقواها لكين مغمومين أما أولا فللفراق عن محبوبهم و أما ثانيا فلمصاحبة رذائل الاخلاق و الاعمال التى بمنزلة الحيات تؤذيهم و تنهشهم أبدا، و أما ثالثا فلفوات الاخلاق و الاعمال النافعة الموجبة للسعادة أبدا و ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة و فعلهما بكم كفعلهما بهم لان أفعالهما متشابهة و آثارهما متقاربة، و قيل: أول درهم و دينار ضرب أخذه ابليس و وضعه على عينه و قبله و قال من أحبك فهو عبدى.
قوله (مثل الحريص على الدنيا مثل دودة القز كلما ازدادت من القز على نفسها لفا كان ابعد لها من الخروج حتى يموت غما) شبه حال الحريص بحال الدودة فانه يفعل على نفسه‏

322
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حب الدنیا و الحرص علیها ص 318

و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أغنى الغنى من لم يكن للحرص أسيرا. و قال: لا تشعروا قلوبكم الاشتغال بما قد فات فتشغلوا أذهانكم عن الاستعداد لما لم يأت.
8- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و عليّ بن محمّد، جميعا، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان المنقري، عن عبد الرزّاق بن همّام، عن معمر بن راشد، عن الزّهري محمّد بن مسلم بن عبيد اللّه قال: سئل عليّ بن الحسين عليهما السّلام أيّ الأعمال أفضل عند اللّه؟
__________________________________________________
ما يوجب هلاكه من الاغشية و الاغطية المانعة من الخروج من سجن الشقاوة الى جنة السعادة و مناطه الجهل بأحوال الدنيا و اضرارها فى أمر الآخرة فيشغل قلبه بها و يسعى فى تحصيلها حتى يموت غما بفوات الدنيا و الآخرة.
قوله (اغنى الغنى من لم يكن للحرص اسيرا) الحرص طرف الافراط فى القوة الشهوية الطالبة لشهوات الدنيا و اذا وقع الافراط فيها طلبت ما يضر بالدين و لا يليق بأهله و هو مع كونه رذيلة سبب لرذيلة اخرى هى الافراط فى القوة الغضبية لان الحريص اذا منع مما أراد تشبث لدفع المانع بالغضب و اذا غضب أفرط و اذا افرط صدر منه ما لا يمكن وصفه فهو دائما يؤلم و يتألم فلا يكون غنيا لان الغنى من رفه باله و لم تتفرق حاله و الاسير للحرص عبد له يستعمله فى امور تحصيلها ألم و هم و فواتها حزن و غم بخلاف الحر و هو غير الحريص فانه فارغ عن جميع ذلك فهو أغنى من الحريص و أيضا الغنى ما ينفع و لغير الحريص ما ينفعه فى الدنيا و الآخرة بخلاف الحريص فهو أغنى منه.
قوله (لا تشعروا قلوبكم الاشتغال بما قد فات فتشغلوا أذهانكم عن الاستعداد لما لم يأت) اشعار بيم در دل انداختن و جامه اندرونى پوشانيدن أى لا تدخلوا الاشتغال بما قد فات من الدنيا فى قلوبكم أو لا تجعلوه شعار قلوبكم فان اشتغال القلب بالفائت من امور الدنيا يوجب دوام تفكره فيها و فى تداركها و صرف العمر فى تحصيلها و هو يوجب اشتغاله عن الاستعداد لامر الآخرة و ما ينفع فيها لان الدنيا ضد الآخرة و الاشتغال بأحد الضدين يمنع من الاشتغال بالآخر.
قوله (عن الزهرى محمد بن مسلم بن عبيد اللّه) هو محمد بن مسلم بن عبيد اللّه بن عبد اللّه ابن الحرث بن شهاب بن زهرة بن الكلاب و هو بدل عن الزهرى و فى بعض النسخ «عن الزهرى عن محمد بن مسلم» و الظاهر ان لفظة «عن» زائدة من قلم الناسخ و يؤيده ان هذا الحديث ذكر متنا و سندا فى باب ذم الدنيا و الزهد فيها و ليست فيه هذه اللفظة، و الزهرى على تقدير وجودها مشترك بين ستة رجال [1] أكثرهم ضعيف و هم ابراهيم بن سعد و سعد بن ابراهيم بن عبد.
__________________________________________________
 [1] قوله «مشترك بين ستة رجال» لا وجه لترديد الشارح و تتعتعه و الزهرى محمد

323
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حب الدنیا و الحرص علیها ص 318

قال: ما من عمل بعد معرفة اللّه عزّ و جلّ و معرفة رسوله صلى اللّه عليه و آله أفضل من بغض الدّنيا فإنّ لذلك لشعبا كثيرة و للمعاصي شعب فأوّل ما عصي اللّه به الكبر، معصية إبليس حين أبي و استكبر و كان من الكافرين، ثمّ الحرص و هي معصية آدم و حوّاء عليهما السّلام حين قال اللّه عزّ و جلّ لهما: كلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ فأخذا ما لا حاجة بهما إليه، فدخل ذلك على ذرّيّتهما إلى يوم القيامة و ذلك أنّ أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه ثمّ الحسد و هى معصية ابن آدم حيث حسد
__________________________________________________
الرحمن، و مسور بن مخرمة، و محمد بن قيس، و عبد اللّه بن أيوب و مطلب بن زياد و الاخيران ثقتان، بقى شي‏ء و هو ان فى باب الذم محمد بن مسلم بن شهاب و هذا مع كونه غير مذكور فى كتاب الرجال على ظنى غير موافق لما هو فى هذا السند و لعله نسبة الى جده السابق، و اللّه أعلم.
 (ما من عمل بعد معرفة اللّه عز و جل و معرفة رسوله «ص» أفضل من بغض الدنيا) دل على أن المعرفة أفضل لانها أصل لجميع الاعمال و الاصل أفضل من الفرع و يدخل فى معرفة الرسول معرفة الامام و اريد ببغض الدنيا تحقيرها و كراهتها و الاعراض عن متاعها و زينتها (فان لذلك لشعبا كثيرة و للمعاصى شعب) الظاهر أنه تعليل لكون بغض الدنيا بعد المعرفة أفضل الاعمال. و أن ذلك اشارة الى بغض الدنيا و أن المراد بالشعب الاولى أنواع الاخلاق و الاعمال الفاضلة، و بالشعب الثانية أنواع المعاصى و الاولى مندرجة تحت بغض الدنيا و الثانية مندرجة تحب حبها، فبغضها أفضل الاعمال لاشتماله على محاسن كثيرة مثل التواضع المقابل للكبر و القنوع المقابل للحرص، و قس على هذا، و بحكم المقابلة حب الدنيا أقبح الاعمال لاشتماله على رذائل كثيرة و هى الكبر الى آخر ما ذكر، و لذلك قال أمير المؤمنين «ع»: «و اللّه لدنياكم أهون فى عينى من عراق خنزير فى يد مجذوم» العراق بضم العين جميع عرق بفتح العين و سكون الراء و هو عظم أكل لحمه تقول عرقت العظم عرقا من باب قتل اذا أكلت ما عليه من اللحم و فى الفائق أنه العظم عليه اللحم و هذا جمع غريب لان فعلا لا يجمع على فعال و قال ابن فارس لم يسمع للعرق جمع.
 (و ذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه) ذمهم فى طلب غير المحتاج إليه لانه يوجب ضياع العمر فيما لا يعنى و تهيج قوتى الشهوة و الغضب و افسادهما فى ملك البدن‏
__________________________________________________
ابن مسلم تابعى من مشاهير رجال العامة و فقهائهم مع ميله الى زين العابدين «ع»، و عدوه من الفقهاء السبعة و روى فى بعض الروايات ما يدل على نصبه و هو بعيد. كانت ولادته سنة اثنتين و خمسين و مات سنة أربع و عشرين و مائة. (ش)

324
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حب الدنیا و الحرص علیها ص 318

أخاه فقتله، فتشعّب من ذلك حبّ النّساء و حبّ الدّنيا و حبّ الرئاسة و حبّ الرّاحة و حبّ الكلام و حبّ العلوّ و الثروة، فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهنّ في حبّ الدّنيا فقال الأنبياء و العلماء بعد معرفة ذلك حبّ الدّنيا رأس كلّ خطيئة و الدّنيا دنياءان دنيا بلاغ و دنيا ملعونة.
9- و بهذا الإسناد، عن المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
في مناجاة موسى عليه السّلام: يا موسى إنّ الدنيا دار عقوبة، عاقبت فيها آدم عند خطيئته و جعلتها ملعونة، ملعون ما فيها إلّا ما كان فيها لي، يا موسى إنّ عبادي الصالحين زهدوا
__________________________________________________
بل فى نظام العالم و استيلاءهما على العقل و على عزله فى التدبير و تولد الرذائل غير محصورة موجبة للشقاوة الابدية و الغفلة عن الحق و ما يقرب منه مثل العلوم الكاملة و الاعمال الصالحة و الاخلاق الفاضلة الموجبة للسعادة الابدية التى هى مشاهدة جلال اللّه و القرب منه و أما طلب المحتاج إليه و هو القدر الضرورة من الطعام و اللباس و المسكن و نحوها فليس بمذموم بل ممدوح لانه لا يمكن بدونه تكميل النفس بالعلم و العمل.
 (حيث حسد أخاه فقتله) قيل قتله حسدا فى قبول قربانه و قيل حب النساء و قيل فى حب الدنيا لئلا يكون له نسل يعيرون أولاده فى رد قربانه.
 (فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهن فى حب الدنيا) يمكن أن يكون المراد بها الكبر و الحرص و حب النساء و حب الرئاسة و حب الراحة و حب الكلام و حب العلو و الثروة و هما شعبة واحدة بقرينة عدم ذكر الحب فى المعطوف كما ذكر فى السوابق، و أما الحسد فقد اكتفى عنه بذكر شعبه و أنواعه اذ الجنس لا وجود له الا فى ضمن أنواعه و اللّه أعلم.
 (و الدنيا دنياءان دنيا بلاغ و دنيا ملعونة) المراد بالاولى قدر الكفاف و تحصيله من طريق مشروع ممدوح و بالثانية الزائد عليه و هو الّذي ينبغى التحرز عنه و لا وجه لتخصيصه بالحرام بل ينبغى منع النفس عن كثير من المباح أيضا لان فى تسمينها به و تحريك القوة الشهوية إليه مضرة كثيرة.
قوله (و جعلتها ملعونة) اللعن الطرد و الابعاد و السب و كان المراد بلعنها لعن أهلها أو كراهتها أو اجراء الكلام على قانون العرب و العرب تقول لكل شي‏ء ضار ملعون، و الشجرة الملعونة عندهم هى كل من ذاقها كرها و لعنها و كذلك حال الدنيا فان كل من ذاق شهواتها لعنها اذا أحس بضررها (ملعون ما فيها الا ما كان فيها لى) أى كل ما فى الدنيا من الخلق و العمل كائنا ما كان ملعون الا ما كان للّه تعالى و هو المؤمن و معرفة اللّه و معرفة رسله و أوليائه و العلم بأحكامه و شرائعه و العمل بطاعته و ترك معصيته و تحصيل الكفاف و رعاية عباده لقصد قربته‏

325
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حب الدنیا و الحرص علیها ص 318

في الدّنيا بقدر علمهم و سائر الخلق رغبوا فيها بقدر جهلهم و ما من أحد عظّمها فقرّت عيناه فيها و لم يحقّرها أحد إلّا انتفع بها.
10- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن أبي جميلة، عن محمّد الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما ذئبان ضاريان في غنم قد فارقها رعاؤها، واحد في أوّلها و هذا في آخرها بأفسد فيها من حبّ المال و الشرف في دين المسلم.
11- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن منصور بن العباس، عن سعيد بن جناح، عن عثمان بن سعيد، عن عبد الحميد بن عليّ الكوفي، عن مهاجر الأسدي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: مرّ عيسى بن مريم عليه السّلام على قرية قد مات أهلها
__________________________________________________
الى غير ذلك من القربات التى تبقى بعد الدنيا و تنفع فى الآخرة، و ينبغى أن يعلم أن ما يقع فى الدنيا من الاعمال أربعة أقسام: الاول ما يكون ظاهره و باطنه للّه كالطاعات و الخيرات الخالصة، الثانى ما يكون ظاهره و باطنه للدنيا كالمعاصى و المباحات أيضا لانها مبدأ البطر و الغفلة الا ما شذ، الثالث ما يكون ظاهره للّه و باطنه للدنيا كأعمال المرائى و طاعاته، الرابع عكس الثالث كطلب الكفاف لقصد حفظ بقاء البدن و القوة على العبادة و تكميل النفس بالعلم و العمل.
 (يا موسى ان عبادى الصالحين زهدوا فى الدنيا بقدر علمهم [1]) لعلمهم بأنها سجن المؤمنين و محبس الصالحين و فى حلالها حساب و فى حرامها عقاب و خيرها مقترن بشرها و حياتها بموتها و حلوها بمرها و خيرها قليل و شرها كثير و متاعها سراب و عامرها خراب فلذا صرفوا قلوبهم عنها و زهدوا فيها و لم يركنوا إليها.
 (و سائر الخلق رغبوا فيها بقدر جهلهم) فكل من كان جهلة أتم و أكثر كانت رغبته فيها أشد و أوفر (و ما من أحد عظمها فقرت عينه فيها) كيف يسر و يفرح من عظمها و علق قلبه بنعيمها و هو يعلم أن أولها العناء و أوسطها البلاء و آخرها الفناء و أنها تختلس و تسوق بالفناء سكانها و تحدوا بالموت حيرانها.
 (و لم يحقرها أحد الا انتفع بها) لانها توصل إليه ما عندها من حظه المقدر و نصيبه المقرر.
__________________________________________________
 [1] قوله «زهدوا فى الدنيا بقدر علمهم» الانسان يعرف الدنيا بحواسه و يشترك الناس جميعهم فى وجود الحواس و ادراك الاجسام و لكن يعرف الحقائق و المعانى بعقله و كلما كان عقله أكمل كان اعتناؤه بالمعانى أشد و أقوم و كلما كان عقله انقص كانت معرفته بالاجسام و المواد المحسوسة أظهر و اعتناؤه بالدنيا أشد فزهد الانسان فى الدنيا بقدر علمه. (ش)

326
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حب الدنیا و الحرص علیها ص 318

و طيرها و دوابّها فقال: أمّا إنّهم لم يموتوا إلّا بسخطة و لو ماتوا متفرّقين لتدافنوا، فقال الحواريّون يا روح اللّه و كلمته ادع اللّه أن يحييهم لنا فيخبرونا ما كانت أعمالهم فنجتنبها، فدعا عيسى عليه السّلام ربه فنودي من الجوّ أن نادهم، فقام عيسى عليه السّلام باللّيل على شرف من الأرض فقال: يا أهل هذه القرية! فأجابه منهم مجيب: لبّيك يا روح اللّه و كلمته، فقال: ويحكم ما كانت أعمالكم؟ قال: عبادة الطاغوت و حبّ الدنيا مع‏
__________________________________________________
قوله (أما أنهم لم يموتوا الا بسخطة) السخط بالتحريك و بالضم و السكون الغضب.
 (و لو ماتوا متفرقين لتدافنوا) قال الشيخ فى الاربعين، الظاهر أن التفاعل هنا بمعنى فعل كتوانى، و يمكن ابقاؤه على أصل المشاركة بتكلف.
 (فنودى من الجو أن نادهم) الجو بالفتح و التشديد ما بين السماء و الارض، و الشرف المكان العالى و الموضع المرتفع.
 (فقال ويحكم) ويح اسم فعل بمعنى الترحم كما ان ويل كلمة العذاب و بعض اللغويين يستعمل كلا منهما مكان الاخرى.
 (ما كانت أعمالكم؟ قال: عبادة الطاغوت) أصله طغيوت من الطغيان و هو تجاوز الحد فى تقدير فعلوت بفتح العين قدمت الياء على خلاف القياس و قيل طيغوت فى تقدير فلعوت ثم قلبت الياء ألفا فصار طاغوت و هو يذكر و يؤنث و يطلق على الكاهن و الشيطان و الصنم و على كل رئيس فى الضلالة و على كل ما يصعد من عبادة اللّه تعالى و على كل ما عبد من دون اللّه و على المفرد و الجمع، قال الشيخ رحمه اللّه لعلك تظن أن ما تضمنه هذا الحديث من أن الطاعة لاهل المعاصى عبادة لهم جار على ضرب من التجوز لا الحقيقة و ليس كذلك بل هو حقيقة فان العبادة ليست الا الخضوع و التذلل و الطاعة و الانقياد و لهذا جعل سبحانه اتباع الهوى و الانقياد عبادة للهوى فقال تعالى أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ و جعل طاعة الشيطان عبادة له فقال «أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ» و ذكر بعض الروايات الدالة عليه ثم قال: و اذا كان اتباع الغير و الانقياد إليه عبادة له فأكثر الخلق عند التحقيق مقيمون على عبادة أهواء نفوسهم الخسيسة الدنية و شهواتهم البهيمية و السبعية على كثرة أنواعها و اختلاف أجناسها و هى أصنامهم التى عليها عاكفون و الانداد التى هم لها من دون اللّه عابدون و هذا هو الشرك الخفى نسأل اللّه سبحانه أن يعصمنا عنه و يطهر نفوسنا بمنه و كرمه.
 (و حب الدنيا) هو منبع جميع الرذائل من الاعمال و الاخلاق و هو نار فى جوهر النفس تحرق جميع الخيرات و يظهر أثرها كما هو بعد الفراق من الدنيا.
 (مع خوف قليل و امل بعيد) طول الامل من أشد الخصال المذمومة فانه يورث القساوة

327
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حب الدنیا و الحرص علیها ص 318

خوف قليل و أمل بعيد و غفلة في لهو و لعب، فقال: كيف كان حبّكم للدّنيا، قال:
كحبّ الصّبي لامّه إذا أقبلت علينا فرحنا و سررنا و إذا أدبرت عنّا بكينا و حزنا، قال كيف كانت عبادتكم للطّاغوت؟ قال: الطّاعة لأهل المعاصي، قال: كيف كان عقابة أمركم؟ قال: بتنا ليلة في عافية و أصبحنا في الهاوية، فقال: و ما الهاوية؟ فقال: سجّين قال: و ما سجّين؟ قال: جبال من جمر توقد علينا إلى يوم القيامة، قال: فما قلتم و ما قيل لكم‏
__________________________________________________
و يعمى البصيرة و ينسى الآخرة و يزيد الشوق الى الدنيا و الفرح بحصولها.
 (و غفلة فى لهو و لعب) عطف على خوف و عطفه على عبادة الطاغوت بعيد. و اللهو بازى كردن و زن و فرزند و باطل و چيزى كه از عمل خير بازدارد. و اللعب بفتح اللام و كسر العين بازى كردن و بفتحها بازى كردن و يمكن تخصيص الاول بالطبل و القمار و نحوها و تخصيص الثانى بغير ذلك و الغفلة سبب لهما و هما سببان لثباتها و رسوخها في جوهر النفس قال الشيخ «فى» اما للظرفية المجازية كما فى نحو «النجاة فى الصدق» أو بمعنى «مع» كما فى قوله تعالى ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ أو للسببية كقوله تعالى فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ.
 (قال: كحب الصبى لامه اذا أقبلت علينا فرحنا و سررنا و اذا أدبرت علينا بكينا و حزنا) قال الشيخ الشرطيتان واقعتان موضع أى المفسرة لحب الصبى و أمه.
 (قال: الطاعة لاهل المعاصى) سمى الطاعة لهم و الانقياد لحكمهم و الاتباع لامرهم و نهيهم عبادة لانه ظهر له بعد الموت أن طاعة أهل المعاصى عبادة لهم حقيقة قال الشيخ ما ذكره هذا الرجل المتكلم لعيسى على نبينا و عليه السلام فى وصف أصحاب تلك القرية و ما كانوا عليه من الخوف القليل و الامل البعيد و الغفلة و اللهو و اللعب و الفرح باقبال الدنيا و الحزن باد بارها هو بعينه حالنا و حال أهل زماننا بل أكثرهم خال عن ذلك الخوف القليل أيضا نعوذ باللّه من الغفلة و سوء المنقلب.
 (قال: كيف كانت عاقبة أمركم؟ قال بتنا ليلة فى عافية و أصبحنا فى الهاوية، فقال: و ما الهاوية؟ فقال سجين قال: ما سجين؟ قال: جبال من جمر توقد علينا الى يوم القيامة) قال الشيخ ما تضمنه هذا الحديث من كون أهل تلك القرية فى جبال جمر توقد عليهم الى يوم القيامة صريح فى وقوع العذاب فى مدة البرزخ أعنى ما بين الموت و البعث و قد انعقد عليه الاجماع و نطقت به الاخبار و دل عليه القرآن العزيز و قال به أكثر الملل و ان وقع الاختلاف فى تفاصيله، و الّذي يجب علينا هو التصديق المجمل بعذاب واقع بعد الموت و قبل الحشر فى الجملة. و أما كيفياته و تفاصيله فلم نكلف بمعرفتها على التفصيل و أكثره مما لا تسعه عقولنا [1] فينبغى ترك البحث و
__________________________________________________
 [1] قوله «مما لا تسعة عقولنا» الانسان مجبول على قياس ما لم يعرفه بما يعرف و

328
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حب الدنیا و الحرص علیها ص 318

قال: قلنا ردّنا إلى الدّنيا فنزهد فيها، قيل لنا: كذبتم، قال: ويحك كيف لم يكلّمني غيرك من بينهم؟ قال: يا روح اللّه إنهم ملجمون بلجام من نار بأيدي ملائكة غلاظ شداد و إنّي كنت فيهم و لم أكن منهم، فلمّا نزل العذاب عمّني معهم فأنا معلّق بشعرة على شفير جهنّم لا أدري اكبكب فيها أم أنجو منها، فالتفت عيسى عليه السّلام إلى الحواريّين فقال:
يا أولياء اللّه! أكل الخبز اليابس بالملح الجريش و النوم على المزابل خير كثير مع عافية الدّنيا و الآخرة
__________________________________________________
الفحص عن تلك التفاصيل و صرف الوقت فيما هو أهم أعنى فيما يصرف ذلك العذاب و يرفعه عنا كيف ما كان و على أى نوع حصل، و هو المواظبة على الطاعات و اجتناب المنهيات لئلا يكون حالنا فى الفحص عن ذلك و الاشتغال به عن الفكر فيما يدفعه و ينجى منه كحال شخص أخذه السلطان و حبسه ليقطع فى غد يده و جدع أنفه فترك الفكر فى الحيل المؤدية الى خلاصه و بقى طول ليله متفكرا فى أنه هل يقطع بالسكين أو بالسيف و هل القاطع زيد أو عمرو (قيل لنا كذبتم) دل على أنهم لو ردوا لعادوا كما نطقت به الآية.
 (و انى كنت فيهم و لم أكن منهم فلما نزل العذاب عمنى معهم) قال الشيخ هذا يشعر بأنه ينبغى المهاجرة عن أهل المعاصى و أن المقيم معهم شريك لهم فى العذاب و محترق بنارهم و ان لم يشاركهم فى أفعالهم و أقوالهم.
 (فأنا معلق بشعرة على شفير جهنم) قال الشيخ: هذا كناية عن أنه مشرف على الوقوع فيها و لا يبعد أن يراد معناه الصريح أيضا. و الشفير حافة الشي‏ء و جانبه.
 (لا أدرى اكبكب فيها) على صيغة المبنى للمفعول أى أطرح على وجهى.
 (أكل الخبز اليابس بالملح الجريش) أى الّذي لم ينعم دقه تقول جرشت الشي‏ء
__________________________________________________
لذلك يشكل عليه كثير من امور البرزخ و الآخرة. مثلا يقيس الانسان دور مكة و سككها و أبنيتها بما رآه فى بلده فالعجمى يتصور فى مكة دارا واسعة فيها صحن كبير و بركة يغتسل فيها كل يوم مرات و يدفع عن نفسه حرارة الهواء و لا يختلج بباله ان الدار هناك ليس لها صحن و بركة و اذا نشأ أحد فى بلد الجبارين و اعتاد الخوف و الاطاعة لاهواء الامراء مقيدا بقيود الظلمة بحيث يحسب كل صيحة عليه هى للعدو ثم خرج من بلاده الى غيرها يتعجب من الناس و حريتهم و اختيارهم و عدم التزامهم بالطاعة امرائهم الا بالحق و كذلك الانسان فى الدنيا يزعم جميع امور البرزخ كالدنيا ففى بعض الروايات أن ارواح الاشقياء فى برهوت و فى هذه الرواية أنها فى سجين و فى بعضها أن الميت يعذب فى قبره. و لم يعرف فى الدنيا شيئا كذلك فى أمكنة متعددة فيقيس الآخرة بالدنيا و يصعب على عقله فهمه. (ش)

329
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حب الدنیا و الحرص علیها ص 318

12- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما فتح اللّه على عبد بابا من أمر الدّنيا إلّا فتح اللّه عليه من الحرص مثله.
13- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال عيسى بن مريم صلوات اللّه عليه: تعملون للدّنيا و أنتم ترزقون فيها بغير عمل و لا تعملون للآخرة و أنتم لا ترزقون فيها إلّا بالعمل، ويلكم علماء سوء، الأجر تأخذون، و العمل تضيّعون، يوشك ربّ العمل أن يقبل عمله و يوشك أن يخرجوا من ضيق الدنيا إلى ظلمة القبر، كيف يكون من أهل العلم من هو في مسيرة إلى آخرته و هو مقبل على دنياه و ما يضرّه أحبّ‏
__________________________________________________
اذا لم تنعم دقه فهو جريش.
قوله (ما فتح اللّه على عبد بابا من أمر الدنيا الا فتح اللّه عليه من الحرص مثله) دل على أن أهل الدنيا لا يشبعون منها بل لو أعطى كل واحد مثل الدنيا مرة طلبها مرتين لان طلبها على قدر الحرص دون الحاجة و مراتب الحرص غير محصورة.
قوله (قال عيسى بن مريم صلوات اللّه عليه تعملون للدنيا و أنتم ترزقون فيها بغير عمل و لا تعملون للآخرة و أنتم لا ترزقون فيها الا بالعمل) قال اللّه تعالى لاهل الدنيا «وَ ما مِنْ دَابَّةٍ (فِي الْأَرْضِ) إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها» و لاهل الآخرة «وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى‏» فطلب العمل للدنيا مع أنها تنال بدونه و ترك العمل للآخرة مع أنها لا تنال الا به دل على نقص الايمان و أنه مجرد التقول باللسان. قال بعض العارفين لرجل كيف طلبك للدنيا قال شديد. فقال هل أدركت ما تريد؟ قال لا قال فهذه التى تطلبها شديدا لم تدرك منها ما تريد فكيف بالتى لم تطلبها.
 (ويلكم علماء سوء، الاجر تأخذون. و العمل تضيعون) خاطب علماء الدين بالنداء و و ذمهم بترك العمل بعلومهم و توقع الاجر انكارا لذلك و حثهم على العمل بقوله. (يوشك رب العمل ان يقبل عمله) ان خيرا فخير و ان شرا فشر، و فيه اشارة الى ما يرد عليه بعد الموت من الصور الحسنة و القبيحة من جهة الاعمال فهو اما فى راحة روحانية أو فى عقوبة نفسانية الى يوم البعث ثم يرجع الى جنة عالية أو الى نار حامية.
 (و يوشك أن يخرجوا من ضيق الدنيا الى ظلمة القبر) فيجدوا ما كانوا فيه من خير و شر حاضرا. و فيه ترغيب فى ترك الدنيا لقلة مدتها و سرعة زوال شدتها، و تحريص على العمل لما بعدها و الاعمال الصالحة انوار تدفع ظلمات القبر و القيامة.
 (كيف يكون من أهل العلم من هو فى مسيرة الى آخرته و هو مقبل على دنياه و ما يضره‏

330
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حب الدنیا و الحرص علیها ص 318

إليه ممّا ينفعه.
14- عنه، عن أبيه، عن محمّد بن عمرو- فيما أعلم- عن أبي عليّ الحذّاء، عن حريز، عن زرارة و محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أبعد ما يكون العبد من اللّه عزّ و جلّ إذا لم يهمّه إلّا بطنه و فرجه.
15- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان و عبد العزيز العبدي، عن عبد اللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أصبح و أمسى و الدّنيا أكبر همّه جعل اللّه تعالى الفقر بين عينيه و شتّت أمره و لم ينل من‏
__________________________________________________
أحب إليه مما ينفعه) ما يضره الدنيا و أعمالها المطلوب منها متاعها و ما ينفعه هو الآخرة و أعمالها المستلزمة لرفيع درجاتها، و من أدبر عن الثانى و أقبل الى الاول و أحب الدنيا و الاستكثار منها و صحبة أهلها للجاه و المال فليس بعالم و انما العالم من عرف اللّه و عظمته و عزه و قهره و غلبته و دينه و كتابه و سنته و بعثه ذلك على الورع و التقوى و الزهد فى الدنيا و دوام الهيبة و الخشية و العمل للّه و هو الّذي وصفه اللّه تعالى بقوله «إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ» قوله (أبعد ما يكون العبد من اللّه عز و جل اذا لم يهمه الا بطنه و فرجه) للبطن و الفرج نصيب عقلا و شرعا و هو ما يحتاج إليه فى قوام البدن و اكتساب العلم و العمل و بقاء النوع و دفع الشهوة المضرة، و أما الزائد عليه فمن طغيان القوة الشهوية و أعظم المهلكات و جواذب النفس عن سبيل الخيرات الى الشهوات و الشبهات و أبلغ أسباب البعد من اللّه تعالى و من دار القرار و اكمل اسباب القرب من الفراعنة و الدخول فى النار و لذلك حذر «ع» من صرف الهمة الى تحصيل مقاصدهما لكثرة مفاسدهما. و يدخل فى هم البطن البطنة و الاكل و الشرب من الحرام و صرف الجوارح فى تحصيل مقاصده و فى هم الفرج الزنا و ما يشبهه و النظر و اللمس و استماع الحركات إليه و جميع مقدماته المعينة عليه.
قوله (من أصبح و أمسى و الدنيا أكبر همه جعل اللّه الفقر بين عينيه) فهو فقير فى الآخرة لتقصيره فيما ينفعه فيها و فى الدنيا لانه يطلبها شديدا و الغنى من لا يحتاج الى الطلب و لان مطلوبه كثيرا ما يفوت عنه و الفقر عبارة عن فوات المطلوب و أيضا يبخل عن نفسه و عياله خوفا من فوات الدنيا و هو فقر حاضر.
 (و شتت أمره) فى الآخرة لكونه فائت المقصود فيها و فى الدنيا لتفرق قلبه فى طرق تحصيلها لعدم عمله بما هو المقدر منها.
 (و لم ينل من الدنيا الا ما قسم له) قال اللّه تعالى نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا و ما جعله الحكيم قسما لكل واحد و هو ما يأكله و يحتاج إليه ما دام العمر يأتيه قطعا و ان‏

331
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حب الدنیا و الحرص علیها ص 318

الدّنيا إلّا ما قسم اللّه له و من أصبح و أمسى و الآخرة أكبر همّه جعل اللّه الغنى في قلبه و جمع له أمره.
16- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن ابن سنان، عن حفص بن قرط، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من كثر اشتباكه بالدّنيا كان أشد لحسرته عند فراقها.
17- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عبد العزيز العبدي، عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من تعلّق قلبه بالدّنيا تعلّق قلبه بثلاث خصال: همّ لا ينفى و أمل لا يدرك و رجاء لا ينال‏
__________________________________________________
لم يبالغ فى تحصيله و رفض الكد فى طلب الدنيا، و أما ما يجمعه و يتركه فليس قسما له بل لغيره و هو حمال الحطب (و من أصبح و أمسى و الآخرة أكبر همه جعل اللّه الغنى فى قلبه) فيصرف قلبه الى اللّه معرضا عما عداه و يعطف فكره الى احسانه غافلا عما سواه و يثق بوصول رزقه معتمدا على وعد مولاه و لا يحتاج فى شي‏ء من اموره الى الانام و لا يطلب قضاء حوائجه من الخواص و العوام و الغنى عبارة عن هذه الامور.
 (و جمع له امره) فى الآخرة لكونه عاملا لها و فى الدنيا لتفرغ خاطره عنها فضلا عما فيها مما يغتر به المفتونون بها، و بالجملة تفرق القلب فى الدنيا و تزلزله انما هو لطلب الرزق و عدم العلم بموضعه و اللّه سبحانه رفع عنه ذلك التفرق و التزلزل و أمر الدنيا بخدمته فيأتيه رزقه من حيث لا يحتسب بل زائد عليه كما قيل اترك الدنيا كلها و خذها كلها فان تركها فى أخذها و أخذها فى تركها.
قوله (من كثر اشتباكه بالدنيا كان أشد لحسرته عند فراقها) اشتباك بهم در رفتن يقال اشتبكت النجوم اذا كثرت و انضمت و كل متداخلين مشتبكان و منه تشبيك الاصابع لدخول بعضها فى بعض، و فيه ترغيب فى رفض الدنيا و ترك محبتها لئلا يشتد الحزن و الحسرة فى مفارقتها فان من أحب شيئا تحزن و تحسر من مفارقته و كلما زاد المحبوب زاد الحزن و الحسرة كما أشار إليه أيضا أمير المؤمنين «ع» بقوله «و كلما عظم قدر الشي‏ء المتنافس فيه عظمت الرزية لفقده» و ذلك لشدة المحبة و من ثم قيل و من أكبر المصالح ترك محبوب لا بدّ من مفارقته تركا باستدراج النفس و استغفالها كى لا يقدحه مفارقته دفعة مع تمكن محبته من جوهرها فيبقى كما نقل من معشوقه الى موضع ظلمانى شديد الظلمة.
قوله (من تعلق قلبه بالدنيا تعلق قلبه بثلاث خصال: هم لا يغنى و أمل لا يدرك و رجاء لا ينال) لا يغنى بالغين أى لا ينفع أو بالفاء أى لا يزول لبقائه بعد الموت. و لعل المراد أن‏

332
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الطمع ص 333

باب الطمع‏
1- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن علي بن حسّان، عمّن حدّثه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رغبة تذلّه.
2- عنه، عن أبيه، عمّن ذكره، بلغ به أبا جعفر عليه السّلام: قال: بئس العبد عبد له طمع يقوده و بئس العبد عبد له رغبة تذلّه.
3- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن المنقري، عن عبد الرزاق عن معمر، عن الزّهري قال: قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام: رأيت الخير كلّه قد اجتمع في قطع الطمع عمّا في أيدي النّاس.
4- محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن بعض أصحابنا، عن عليّ بن سليمان بن رشيد، عن موسى بن سلام، عن سعدان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: [ما] الّذي‏
__________________________________________________
المقدر من الدنيا لكل احد يأتيه و ان لم يبالغ فى طلبه، و غير المقدر لا يأتيه و ان طلبه فتعلق القلب به تعلق بهم لا ينفع أى لا يزول و بامل و رجاء لا يدرك و لا ينال.
يا طالب الرزق فى دنياك مجتهدا             اقصر عنانك ان الرزق مقسوم‏
لا تحرصن على ما لست تدركه             ان الحريص على الامال محروم‏
 أو المراد أن من تعلق قلبه بالدنيا و دخل حبها فيه يهتم بفراقها و يأمل أن يكون هو معها و يرجى أن تكون هى معه، و من البين أن الدنيا فانية فلا يدرك أمله و رجاءه و يبقى مع هم لا يفنى و لا يزول و اللّه أعلم.
قوله (ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رغبة تذله) رغبت اراده داشتن و هى من اللّه عزة و من غيره ذلة فقوله تذله صفة مخصصة و الذلة لازمة سواء حصل له المرغوب أم لم يحصل و عدم الحصول أكثر فيكون مع ذله و رفع وقاره بين الانام فاقدا للمرام و مبغوضا لرب العالمين فاكتسب خسران الدنيا و الآخرة و ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ*.
قوله (رأيت الخير كله قد اجتمع فى قطع الطمع عما فى أيدى الناس) طمع اميد داشتن به چيزى. و هو يورث الذل و الاستخفاف و الحسد و الحقد و العداوة و الغيبة و الوقيعة و ظهور الفضائح و الظلم الكثير و المداهنة و النفاق و الرياء و الصبر على باطل الخلق و الاعانة عليه و عدم التوكل على اللّه و الوثوق به و التضرع إليه و الرضا بقسمه و التسليم لامره الى غير ذلك من المفاسد و قطع الطمع يورث أضداد هذه الامور التى كلها خيرات.
قوله (قال قلت له [ما] الّذي يثبت الايمان فى العبد؟ قال: الورع، و الّذي يخرجه منه؟ قال‏

333
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الطمع ص 333

يثبت الإيمان في العبد؟ قال: الورع، و الّذي يخرجه منه؟ قال: الطّمع.
 (باب الخرق)
1- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عمّن حدّثه، عن محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلي، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من قسم له الخرق حجب عنه الإيمان.
2- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن النعمان، عن عمرو ابن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: لو كان الخرق خلقا يرى ما كان شي‏ء مما خلق اللّه أقبح منه.
 (باب سوء الخلق)
1- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخلّ العسل‏
__________________________________________________
الطمع) الورع و هو لزوم الاعمال الجميلة المسعدة فى الدنيا و الآخرة يقوى نور الايمان و يزيد العقائد و يثبتها فى القلب لما مر مرارا أن بين الظاهر و الباطن تناسبا بها يصل اثر كل منها الى الاخر، و الطمع يخرجه من الايمان لما عرفت من كثرة مفاسده، و المفاسد يبطل الايمان و يضعفه و هو المراد باخراجه منه، و فيه دلالة على أن الايمان نفس الاعتقاد.
قوله (من قسم له الخرق حجب عنه الايمان) الخرق بالتحريك درشتى كردن و هو مصدر خرق من باب علم اذا عمل شيئا فلم يرفق فيه و الاسم الخرق بالضم و السكون، و قد روى «أن الرفق يمن و الخرق شوم» و من شومه انه يحجب عن صاحبه الايمان و يوجب فساد أمره فى الدين لان الايمان لا يستقر الا فى قلب سليم عنه و عن آفاته التى يشتبك بعضها فى بعض كما لا يخفى على ذوى البصائر الثاقبة و من شومه أنه يوجب تنفر الطبائع عمن يصف به و فساد أمره فى الدنيا ثم الخرق شوم ان لم يقع فى موضعه و الا فهو يمن كما يرشد إليه قول أمير المؤمنين «ع» «و ارفق ما كان الرفق ارفق» أى أصلح «و اعتزم» بالشدة «حين لا يغنى عنك» أى الرفق «الا الشدة» و فيه تنبيه على سلوك سبيل الرفق بقدر الامكان.
قوله (لو كان الخرق خلقا يرى ما كان شي‏ء مما خلق اللّه أقبح منه) فيه تنفير عن الخرق لتنفر الطبع عن الصورة القبيحة و سيراها المتصف به بعد الموت و هى رفيقة أبدا و يفتضح بها عند الابرار.
قوله (ان سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل) سوء الخلق وصف للنفس يوجب‏

334
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب سوء الخلق ص 334

2- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي- عبد اللّه عليه السّلام قال: قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: أبي اللّه عزّ و جلّ لصاحب الخلق السيّئ بالتوبة. قيل: و كيف ذاك يا رسول اللّه؟ قال: لأنّه إذا تاب من ذنب وقع في ذنب أعظم منه.
3- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ سوء الخلق ليفسد الإيمان كما يفسد الخلّ العسل.
4- عنه، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن عبد اللّه بن عثمان، عن الحسين ابن مهران، عن إسحاق بن غالب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من ساء خلقه عذّب نفسه‏
__________________________________________________
للنفس فسادها و انقباضها و تغيرها على أهل الخلطة و المعاشرة و ايذائهم بسب ضعيف أو بلا سبب و لرفض حقوق المعاشرة و عدم احتمال ما لا يوافق طبعه منهم و قيل هو كما يكون مع الخالق أيضا بعدم تحمل ما لا يوافق طبعه من النوائب و الاعتراض عليه، و مفاسده و آفاته فى الدنيا و الدين كثيرة منها أنه يفسد العمل بحيث لا يترتب عليه ثمرته المطلوبة منه كما يفسد الخل العسل و فيه تشبيه معقول بمحسوس للايضاح و اذا أفسد العمل أفسد الايمان أيضا كما صرح به فى الخبر الآتي.
قوله (قال النبي «ص» أبى اللّه عز و جل لصاحب الخلق السيئ بالتوبة. قيل:
و كيف ذاك يا رسول اللّه؟ قال: لانه اذا تاب من ذنب وقع فى ذنب أعظم منه) الاباء بالتوبة يحتمل الاباء بوقوعها و الاباء بقبولها و السائل سأل عن حاله و سببه مع أن باب التوبة مفتوح للمذنبين و اللّه عز و جل يقبل التوبة عن عباده، و الجواب أن الخلق السيئ يمنع صاحبه من التوبة و البقاء عليها و لو تاب من ذنب وقع عقبه بلا مهلة فى ذنب أعظم منه لان نقض التوبة ذنب مقرون بذنب آخر و هما أعظم من الاول أو لأن ذلك الخلق اذا لم يعالج يعظم و يشتد قوته آنا فآنا و قوة المؤثر و عظمته مستلزمة لقوة الاثر و عظمته فالذنب الاخر أعظم من الاول و انما يتحقق تخلصه من هذه الذنوب بالتوبة من هذه الخلق و رفعه بمعالجات علمية و علمية كما هو المقرر فى علاج جميع الصفات الذميمة.
قوله (من ساء خلقه عذب نفسه) لان نفسه منه فى تعب كالناس و لانهم قد لا يحتملون منه فيؤذونه كما يؤذيهم و لما كان هو الباعث لذلك كأنه عذب نفسه.

335
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب سوء الخلق ص 334

5- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عبد الحميد، عن يحيى بن عمرو، عن عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى بعض أنبيائه: الخلق السيّئ يفسد العمل كما يفسد الخلّ العسل.
 (باب السفه)
1- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن شريف بن سابق، عن الفضل بن أبي قرّة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ السفه خلق لئيم، يستطيل على من [هو] دونه و يخضع لمن [هو] فوقه.
2- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن بعض أصحابه، عن أبي المغراء، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تسفهوا فإنّ أئمّتكم ليسوا بسفهاء.
و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من كافأ السفيه بالسفه فقد رضي بما أتى إليه‏
__________________________________________________
قوله (ان السفه خلق لئيم يستطيل على من دونه و يخضع لمن فوقه) السفه قد يقابل الحكمة الحاصلة بالاعتدال فى القوة العقلية و هو وصف للنفس يبعثها على السخرية و الاستهزاء و الاستخفاف و الجزع و التملق و اظهار السرور عند تألم الغير و الحركات الغير المنتظمة و الاقوال و الافعال التى لا تشابه أقوال العقلاء و أفعالهم منشؤه الجهل و سخافة الرأى و نقصان العقل و قد يقال الحلم الحاصل بالاعتدال فى القوة الغضبية و هو وصف للنفس يبعثها على البطش و الضرب و الشتم و الخشونة و التسلط و الغلبة و الترفع و منشؤه الفساد فى تلك القوة و ميلها الى طرف الافراط و لا يبعد أن ينشأ من فساد القوة الشهوية أيضا و هو خلق لئيم يستطيل أى يقهر من دونه و يخضع لمن فوقه طلبا لرضاه و طمعا فى ماله و جاهه و الاستطالة من فساد القوة العقلية و الغضبية و الخضوع من فساد القوة العقلية و الشهوية، و الظاهر جر لئيم بالإضافة اذ رفعه بالوصف يوجب ارتكاب نوع تجوز فى وصف الخلق باللئيم و الاستطالة.
قوله (لا تسفهوا فان أئمتكم ليسوا بسفهاء) نقل عن المبرد و ثعلب أن سفه بالكسر متعد و بالضم لازم فان كسرت الفاء هنا كان المفعول محذوفا أى لا تسفهوا أنفسكم، و الخطاب للشيعة كلهم و الغرض من التعليل هو الترغيب فى الاسوة و الغرض أنكم ان سفهتم نسب من خالفكم السفه الى أئمتكم كما ينسب الفعل الى المؤدب و أئمتكم ليسوا بسفهاء فينبغى أن لا تسفهوا لئلا ينسب ذلك الى أئمتكم.

336
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب السفه ص 336

حيث احتذى مثاله.
3- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عبد الرّحمن بن الحجّاج عن أبي الحسن موسى عليه السّلام في رجلين يتسابّان فقال: البادي منهما أظلم و وزره و وزر صاحبه عليه ما لم يتعدّ المظلوم.
4- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن صفوان، عن عيص بن القاسم، عن‏
__________________________________________________
قوله (و قال أبو عبد اللّه «ع») الظاهر أنه رواية اخرى بحذف الاسناد.
 (من كافأ السفيه بالسفه فقد رضى بما آتى إليه حيث احتذى مثاله) حيث تعليل للرضا بما اتى السفيه إليه، و الاحتذاء الاقتداء. و فيه زجر عن مكافأة السفيه بالسفه و ترغيب فى تركها كما هو شأن الكرام قال اللّه تعالى فى وصفهم «وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً» و قال «وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً».
قوله (عن أبى الحسن موسى «ع» فى رجلين يتسابان فقال: البادى منهما أظلم و وزره و وزر صاحبه عليه ما لم يتعد المظلوم) مثله ما رواه مسلم عن النبي «ص» قال «المستبان ما قالا فعلى البادى ما لم يعتد المظلوم» يعنى اثم سباب المتسابين على البادى أما اثم ابتدائه فلان السب حرام و فسق لحديث «سباب المؤمن فسق و قتاله كفر» و أما اثم سب الراد فلان البادى هو الحامل له على الرد و ان كان منتصرا فلا اثم على المنتصر لقوله تعالى وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ- الآية لكن الصادر منه هو سب مترتب عليه الاثم الا أن الشرع اسقط منه المؤاخذة و جعلها على البادى للعلة المتقدمة و انما أسقطها عنها ما لم يتعد أى يتجاوز فانه ان تعدى كان هو البادى فى القدر الزائد و التعدى فى الرد قد يكون بالتكرار مثل أن يقول البادى يا كلب فيرد عليه مرتين و قد يكون بالافحش كما لو قال له يا سنور فيقول فى الرد يا كلب، و انما كان هذا تعديا لان الرد بمنزلة القصاص و القصاص انما يكون بالمثل، ثم الراد أسقط حقه على البادى و يبقى على البادى حق اللّه تعالى لقدومه على ذلك و لا يبعد تخصيص تحمل البادى اثم الراد بما اذا لم يكن الرد كذبا أو الاول قذفا فانه اذا كان الرد كذبا مثل أن يقول البادى: يا سارق و هو سارق فيقول الراد: بل أنت سارق و هو كاذب أو يكون الاول قذفا مثل أن يقول يا زانى فيقول الراد بل أنت الزانى فالظاهر أن اثم الرد على الراد و بالجملة انما يكون الانتصار اذا كان السب مما تعارف السب به عند التأديب كالاحمق و الجاهل و الظالم و أمثالها فامثال هذه اذا رد بها لا اثم على الراد و يعود اثمه على البادى و اللّه أعلم.

337
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب السفه ص 336

أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ أبغض خلق اللّه عبد اتّقى النّاس لسانه.
 (باب البذاء)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن أبي المغراء، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: [إنّ‏] من علامات شرك الشيطان الّذي لا يشكّ فيه أن يكون فحّاشا، لا يبالي ما قال و لا ما قيل فيه.
2- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إذا رأيتم الرجل لا يبالي ما قال و لا ما قيل له فإنّه لغيّة أو شرك شيطان.
3- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن عمر بن اذينة، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس، عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إنّ اللّه حرّم الجنّة على كلّ فحّاش بذيّ، قليل الحياء
__________________________________________________
قوله (ان أبغض خلق اللّه عبد اتقى الناس لسانه) ذكر هذا الحديث فى باب من يتقى شره أنسب و لعل ذكره فى هذا الباب باعتبار أنه مبدأه السفه.
قوله (من علامات شرك الشيطان) الشرك و الشركة مثال السمك و السمكة دام صياد و مثال الكلم و الكلمة انباز كردن كسى را در كارى و هما مصدرا شركته فى الامر من باب علم اذا صرت له شريكا فيه و اقتصر الشيخ فى الاربعين على ذكر المصدر و قال هو بمعنى اسم المفعول أو اسم الفاعل أى مشاركا فيه مع الشيطان أو مشاركا فيه الشيطان، و الفحاش من يبالغ فى الفحش و يعتاد به و هو القول السيئ.
قوله (اذا رأيتم الرجل لا يبالى ما قال و لا ما قيل له فانه لغية او شرك شيطان) لغية بكسر الغين المعجمة و تشديد الياء المفتوحة ولد الزنا و اللغى كالغنى الدنى الساقط عن الاعتبار كذا قال الجوهرى و غيره، و لم يذكره الشيخ و انما ذكر احتمالين آخرين فقال يحتمل أن يكون بضم اللام و اسكان الغين المعجمة و فتح الياء المثناة من تحت أى ملغى و الظاهر أن المراد به المخلوق من الزنا، و يحتمل أن يكون بالعين المهملة المفتوحة أو الساكنة و النون أى من دأبه أن يلعن الناس أو يلعنوه قال فى كتاب أدب الكاتب فعله بضم الفاء و اسكان العين من صفات المفعول و بفتح العين من صفات الفاعل يقال رجل همزة للذى يهزأ به و همزة لمن يهزأ بالناس و كذلك لعنة و لعنة انتهى كلامه.
قوله (ان اللّه حرم الجنة على كل فحاش بذى قليل الحياء) البذى بشد الياء

338
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البذاء ص 338

لا يبالي ما قال و لا ما قيل له فانّك إن فتّشته لم تجده إلّا لغيّة أو شرك شيطان فقيل: يا رسول اللّه و في النّاس شرك شيطان؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أ ما تقرأ قول اللّه عزّ و جلّ: وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ»
__________________________________________________
و زان القوى من البذاء بالفتح و المد بمعنى الفحش فى القول يقال فلان بذى اللسان أى فحاش، و المراد بقلة الحياء اما المعنى الظاهرى، أو عديمه كما يقال فلان قليل الخير أى عديمه، و لعله «ص» أراد أن الجنة مجرمة عليهم زمانا طويلا لا محرمة تحريما مؤبدا أو المراد جنة خاصة معدة لغير الفحاش و الا فظاهره مشكل فان العصاة من هذه الامة مآلهم الى الجنة و ان طال مكثهم فى النار كما قاله الشيخ رحمه اللّه.
 (قيل يا رسول اللّه و فى الناس شرك شيطان؟ فقال رسول اللّه «ص»: أ ما تقرأ قول اللّه عز و جل «وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ») قال الشيخ قال المفسرون ان مشاركة الشيطان لهم فى الاموال حملهم على تحصيلها و جمعها من الحرام و صرفها فيما لا يجوز و بعثهم على الخروج فى انفاقها عن حد الاعتدال اما بالاسراف و التبذير أو البخل و التقتير و أمثال ذلك و أما المشاركة فى الاولاد فحثهم على التوصل إليها بالاسباب المحرمة من الزنا و نحوه أو حملهم على تسميتهم اياهم بعد العزى و عبد اللات، أو تضليل الاولاد بالحمل على الاديان الزائغة و الافعال القبيحة هذا كلام المفسرين، و قد روى الشيخ الجليل ثقة الاسلام أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسى قدس اللّه سره حديثا يتضمن معنى آخر للمشاركة فى الاولاد روى فى باب الاستخارة للنكاح من تهذيب الاحكام عن أبى بصير عن أبى عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام أنه قال «اذا تزوج أحدكم كيف يصنع؟ قال: قلت له: ما أدرى جعلت فداك قال: فإذا هم بذلك فليصل ركعتين و يحمد اللّه و يقول: اللهم انى اريد أن أتزوج فاقدر لى من النساء أعفهن فرجا و احفظهن لى فى نفسها و فى مالى و أوسعهن رزقا و أعظمهن بركة و قدر لى منها ولدا طيبا تجعله خلفا صالحا فى حياتى و بعد موتى» فاذا ادخلت عليه فليضع يده على ناصيتها و يقول: «اللهم على كتابك تزوجتها و فى أمانتك أخذتها و بكلماتك استحللت فرجها فان قضيت فى رحمها ولدا فاجعله مسلما سويا و لا تجعله شرك شيطان» قلت و كيف يكون شرك شيطان؟ فقال لى أن الرجل اذا دنا من المرأة و جلس مجلسه حضره الشيطان فان هو ذكر اسم اللّه تنحى الشيطان عنه، و ان فعل و لم يسم أدخل الشيطان ذكره فكان العمل منهما جميعا و النطفة واحدة. قلت فبأى شي‏ء يعرف هذا؟ قال بحبنا و بغضنا» و هذا الحديث يعضد ما قاله المتكلمون من أن الشيطان أجسام شفافة تقدر على الولوج في بواطن الحيوانات و يمكنها التشكل بأى شكل شاءت و به يضعف ما قال بعض‏

339
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البذاء ص 338

قال: و سأل رجل فقيها هل في الناس من لا يبالي ما قيل له؟ قال: من تعرّض للناس يشتمهم و هو يعلم أنّهم لا يتركونه، فذلك الّذي لا يبالي ما قال و لا ما قيل فيه.
4- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن أبي جميلة، يرفعه، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ اللّه يبغض الفاحش المتفحّش.
5- أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن سالم، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن نعمان الجعفي قال: كان لأبي عبد اللّه عليه السلام صديق لا يكاد يفارقه إذا ذهب مكانا، فبينما هو يمشي معه في الحذّائين و معه غلام له سنديّ يمشي خلفهما إذا التفت الرّجل يريد غلامه ثلاث مرّات فلم يره فلمّا نظر في الرّابعة قال: يا ابن الفاعلة أين كنت؟ قال: فرفع أبو عبد اللّه عليه السّلام يده فصكّ بها جبهة نفسه، ثمّ قال: سبحان اللّه تقذف أمّه، قد كنت أرى أنّ لك ورعا فإذا ليس لك ورع، فقال: جعلت فداك إن أمّه سنديّة مشركة، فقال: أ ما علمت أنّ لكلّ أمّة نكاحا، تنحّ عنّي، قال: فما رأيته يمشي معه حتّى فرّق الموت بينهما. و في رواية اخرى: إنّ لكلّ أمّة نكاحا يحتجزون به من الزنا
__________________________________________________
الفلاسفة من أنها النفوس الارضية المدبرة للعناصر أو النفوس الناطقة الشريرة التى فارقه أبدانها و حصل لها نوع تعلق و ألفة بالنفوس الشريرة المتعلقة بالابدان فتمدها و تعينها على الشر و الفساد. انتهى كلامه أعلى اللّه مقامه.
قوله (و سأل رجل فقيها هل فى الناس من لا يبالى ما قيل له) يريد أنه لا يوجد ذلك فان طبع الانسان مجبول على أن يبالى ما قيل له و يستكرهه فأجاب الفقيه بأن من شتم مثلا رجلا يقدر على شتمه و هو يعلم أنه لا يترك فهو من لا يبالى ما قيل له و ان كان يستكرهه فى الواقع.
قوله (فبينما هو يمشى معه فى الحذائين) الحذاء مثل كتاب النعل و الحذاء بالتشديد صانعها و الحذائين جمع الحذاء.
 (فقال: أ ما علمت أن لكل امة نكاحا تنح عنى- الخ) دل على امور: الاول ان مثل ذلك القول المستند الى الجهل لا يعذر، لا يقال انه لم يعذر لعلمه بأن لكل امة نكاحا و عقدا كما يرشد إليه الاستفهام للتقرير و التوبيخ فى قوله «ع». «أ ما علمت أن لكل امة نكاحا» لانا نقول علمه بذلك لا يخرجه عن الجهل لانه توهم أن النكاح المبيح للوطى هو النكاح الشرعى المستند الى نبى من الأنبياء و أن نكاح المشرك لا يبيح الثانى أنه لا يجوز أن يقال لاحد من أفراد

340
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البذاء ص 338

6- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة. عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إنّ الفحش لو كان مثالا لكان مثال سوء.
7- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان في بني إسرائيل رجل فدعا اللّه أن يرزقه غلاما ثلاث سنين فلمّا رأى أنّ اللّه لا يجيبه قال: يا ربّ أ بعيد أنا منك فلا تسمعني أم قريب أنت‏
__________________________________________________
الانسان الا مع القطع بأنه متولد من الزنا لاحتمال أن يكون تولده من نكاح بل لا يجوز ذلك القول مع القطع أيضا، الثالث أنه لا يجوز مصاحبة الفاسق و ان كان قريبا أو صديقا لوجوب البغض للّه و انما فارقه «ع» الى آخر العمر لانه كان فاسقا فى مدة عمره اذ هذا الذنب لكونه من حق الام لا يدفعه الا الحد بعد طلبها أو العفو و شي‏ء منهما لم يكن مقدورا.
قوله (ان الفحش لو كان مثالا لكان مثال سوء) أى لو كان شخصا مجسدا «1» فى هذه النشأة و أما فى النشأة الآخرة فالظاهر أنه مثال قبيح يرى و يتأذى به صاحبه و الفرق ان هذه النشأة دار التكليف و دار الكمون و النشأة الآخرة دار الجزاء و دار البروز فيظهر فيها صور الاخلاق و الاعمال أن خيرا فخيرا و ان شر فشرا.
قوله (قال يا رب أ بعيد أنا منك فلا تسمعنى أم قريب أنت منى فلا تجيبنى) الظاهر أن مراده بالبعد البعد المعنوى دون المكانى لان تجويز ذلك كفر فكان أولى بالجرح و اللوم و انما نسب البعد الى نفسه و القرب إليه عز و جل للتنبيه على أن البعد اذا تحقق كان من‏
__________________________________________________
 (1) قوله «أى لو كان شخصا مجسدا» شأن الأنبياء تقريب الحقائق الى افهام الناس و شأن الحكماء بيان الحقائق لاهل الفضل و المستعدين و ان لم ينله الناس. فالحكمة كسائر الفنون الخاصة باهل الخبرة و العالمين باصطلاحهم كالنحو و الصرف و الطب و الهندسة و يحصل فهمه بالتمرن و التدريج، و أما الدين فأكثر مسائله لعامة الناس و ان كان فيها مسائل دقيقة لاهل الذوق و العرفان و مما ألهمه اللّه الأنبياء لتقريب الناس الى الحقائق الغير المحسوسة تشبيهها بالمحسوسات و هذا الخبر مصرح بذلك و لو كان الفحش مجسدا لكان فى صورة سيئة قبيحة و قد سبق مثله فى الصفحة 334 «لو كان الخرق خلقا يرى ما كان شي‏ء مما خلق اللّه اقبح منه» و هذا مبنى تجسم الاعمال فى الآخرة كما ذكره الشارح رحمه اللّه تعالى فيظهر فيها صور الاخلاق و الاعمال، و قال أيضا فى الصفحة 320 «جنتها اى جنة النفس كمالاتها و جحيمها رذائلها من حب الدنيا و ما يتولد منه و باعتبار البدن جنة و جحيم تعود الى إحداهما بعد العود الى الحشر» و بين ذلك أتم بيان فى الصفحة 154 و 155 من الجزء الاول فراجع. (ش).

341
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البذاء ص 338

منّي فلا تجيبني قال: فأتاه آت في منامه فقال: إنّك تدعو اللّه عزّ و جلّ منذ ثلاث سنين بلسان بذي و قلب عات غير تقيّ و نيّة غير صادقة، فاقلع عن بذائك و ليتّق اللّه قلبك لتحسّن نيّتك، قال: ففعل الرّجل ذلك ثمّ دعا اللّه فولد له غلام.
8- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إنّ من شرّ عباد اللّه من تكره مجالسته لفحشه.
9- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: البذاء من الجفاء و الجفاء في النار.
10- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمد بن سنان، عن ابن مسكان‏
__________________________________________________
جانب العبد و القرب ان تحقق كان من فضله عز و جل لان العبد و ان بلغ فى اخلاص العبودية لا يصلح أن يعد نفسه قريبا منه. و قوله «فلا تجيبنى» معناه فلا تجيبنى بسبب من الاسباب و الجواب ظاهر الانطباق على الشق الثانى مع امكان انطباقه على الاول أيضا.
 (قال فأتاه آت فى منامه فقال: انك تدعو اللّه عز و جل منذ ثلاث سنين بلسان بذى و قلب عات غير تقى و نية غير صادقة- الخ) البذى الفحاش. و عات اسم فاعل من عتى عتوا اذا استكبر و جاوز الحد، و التقوى التنزه عن رذائل الاعمال و الاخلاق و عما يشغل القلب عن الحق و النية الصادقة توجه القلب الى اللّه تعالى وحده و انبعاث النفس نحو الطاعة غير ملحوظ فيه سوى وجه اللّه و يفهم منه أن الفسق يمنع الاجابة و لا ينافيه ما روى من أن دعاء الفاسق أسرع اجابة لكراهة استماع صوته لان سرعة اجابة دعائه ليست كلية على أن سرعة الاجابة يمكن أن يكون لمن كان مبغوضا بذاته، و أما من كان محبوبا بذاته و مبغوضا بفعله فربما تبطى‏ء الاجابة نظر الى الاول و ربما تسرع نظر الى الثانى و قد يكون البطوء نظرا الى الثانى لا لكراهة استماع صوته بل لغرض آخر كتنبيهه بالقبائح كما فى هذا الرجل و اللّه أعلم.
قوله (ان من شر عباد اللّه من تكره مجالسته لفحشه) هو الّذي عرف بالفحش من القول و اشتهر به لما يجرى من لسانه من أنواع البذاء و يتكرر منه فيكره الناس مجالسته خوفا من فحشه لعدم أمنهم منه و مثله من لزم مجالسته لفحشه و من لزم اكرامه لاتقاء شره.
قوله (البذاء من الجفاء) من اما تبعيضية او ابتدائية أى البذاء ناش من الجفاء و الجفاء فى الاصل الجهل ثم أطلق على الغلظة و الفظاظة و الاعراض عن الحق و طرده.

342
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البذاء ص 338

عن الحسن الصيقل قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنّ الفحش و البذاء و السلاطة من النفاق.
11- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النعمان، عن عمرو بن شمر، عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه عليه السّلام: إنّ اللّه يبغض الفاحش البذي‏ء و السائل الملحف.
12- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لعائشة: يا عائشة إنّ الفحش لو كان ممثّلا لكان مثال سوء
__________________________________________________
قوله (ان الفحش و البذاء و السلاطة من النفاق) السلاطة دراز زبان شدن، و هى مصدر سلط بالضم يقال امرأة سليطة أى صخابة و رجل سليط حديد اللسان شديد الكلام و هذه الصفات متقاربة و انما كانت من النفاق لان النفاق مرض قلبى يغيره على المؤمنين و يبعثه على ايذائهم و أيضا أصحاب هذه الصفات يتلونون ألوانا و يتغيرون فى أقوالهم و أفعالهم من حال الى حال بحسب أغراضهم الفاسدة و تتشعب أقوالهم و أفعالهم بحسب تشعب أغراضهم و يؤذون المؤمنين كالمنافق اذ المنافق لا يلزم خلقا واحدا بل تارة يكون صادقا و تارة يكون كاذبا و تارة يكون وفيا و تارة يكون غادرا و مع الظالمين ظالم و مع العادلين عادل.
قوله (ان اللّه يبغض الفاحش البذي‏ء و السائل الملحف) الحف السائل فى المسألة إلحافا اذا ألح فيها و لزمها و كرر السؤال من الخلق بدلا عن السؤال من الرب فيبغضه اللّه تعالى لدناءة همته و نقصان عقيدته حتى أعرض عن الغنى الكريم و سأل الفقير اللئيم و أنشد بعضهم:
         اللّه يبغض ان تركت سؤاله             اما ابن آدم حين يسأل يغضب‏
 و ترى فى عرف الناس ان عبد الانسان اذا سأل غير مولاه يمقته مولاه لجره إليه عارا بسؤال غيره و لهذا المعنى أو لغيره ورد فى المسألة و تحريمها و كراهتها ما ورد من الاخبار الدالة على ذم السائل و لو مرة واحدة فكيف بالسائل اذا كان ملحفا فى السؤال مبرما فى الطلب جاعلا له حرفة فانه أشد مقتا و أعظم بغضا لقوة حرصه و عماه عن ربه حتى اشتغل عن مسئلة كريم يحب الملحين فى الدعاء و ألحف بسؤال لئيم يكلح وجهه عند السؤال و يبخل بالبذل و العطاء و فيه ذل لنفسه و عار لمولاه.
قوله (قال رسول اللّه «ص» لعائشة يا عائشة ان الفحش لو كان ممثلا لكان مثال سوء) روى المصنف فى باب التسليم على أهل الملل باسناده عن زرارة عن أبى جعفر «ع» قال: «دخل‏

343
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البذاء ص 338

13- الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن بعض رجاله قال: قال من فحش على أخيه المسلم نزع اللّه منه بركة رزقه و وكله إلى نفسه و أفسد عليه معيشته.
14- عنه، عن معلّى، عن أحمد بن غسّان، عن سماعة قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال لي مبتدئا: يا سماعة ما هذا الّذي كان بينك و بين جمّالك؟! إيّاك أن تكون فحّاشا أو صخّابا أو لعّانا، فقلت: و اللّه لقد كان ذلك، إنّه ظلمني، فقال: إن كان ظلمك لقد أربيت عليه إنّ هذا ليس من فعالي و لا آمر به شيعتي، استغفر ربّك و لا تعد، قلت: أستغفر اللّه، و لا أعود.
 (باب من يتقى شره)
1- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله بينا هو ذات‏
__________________________________________________
يهودى على رسول اللّه «ص» و عائشة عنده فقال: السام عليكم فقال رسول اللّه «ص» عليكم ثم دخل آخر فقال مثل ذلك فرد عليه كما رد على صاحبه. ثم دخل آخر فقال مثل ذلك فرد رسول اللّه «ص» كما رد على صاحبه فغضبت عائشة فقالت عليكم السام و الغضب و اللعنة يا معشر اليهود يا اخوة القردة و الخنازير. فقال لها رسول اللّه «ص»: يا عائشة ان الفحش لو كان ممثلا لكان مثال سوء ان الرفق لم يوضع على شي‏ء قط الا زانه و لم يرفع عنه قط الا شانه قالت يا رسول اللّه أ ما سمعت الى قولهم السام عليكم؟ فقال: بلى أ ما سمعت ما رددت عليهم قلت عليكم؟ فاذا سلم عليكم مسلم فقولوا سلام عليكم فاذا سلم عليكم كافر فقولوا عليك» أقول فيه دلالة على كمال خلقه «ص» و أمر عام بترك الجفاء فى الكلام بالنسبة الى كافة الناس و بالتثبت و الرفق و عدم الاستعجال باللعن و الطعن و غيرهما و قد كان «ص» يستألف الكفار بالاموال الطائلة فكيف بالكلام الحسن.
قوله (اياك أن تكون فحاشا أو صخابا أو لعانا) الصخب محركة الصياح و شدة الصوت (فقال ان كان ظلمك لقد أربيت عليه) أى ان كان جمالك ظلمك لقد أربيت أى زدت عليه و إلا رباء افزون شدن و افزون كردن.
قوله (بينا هو ذات يوم) بين ظرف مبهم لا يبين معناه الا باضافته الى شيئين فصاعدا و ألفه للاشباع و عامله الفعل الواقع بعد اذا المفاجاة، و ذات الشي‏ء نفسه أى استأذن عليه رجل بين ساعات يوم من الايام هو عند عائشة.

344
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب من یتقى شره ص 344

يوم عند عائشة إذا استأذن عليه رجل فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: بئس أخو العشيرة، فقامت عائشة فدخلت البيت و أذن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله للرّجل، فلمّا دخل أقبل عليه بوجهه و بشره يحدّثه حتّى إذا فرغ و خرج من عنده قالت عائشة: يا رسول اللّه بينا أنت تذكر هذا الرّجل بما ذكرته به إذا أقبلت عليه بوجهك و بشرك؟
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عند ذلك: إنّ من شرّ عباد اللّه من تكره مجالسته لفحشه.
2- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: شرّ النّاس عند اللّه يوم القيامة الّذين يكرمون اتّقاء شرّهم.
3- عنه، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن عبد اللّه بن سنان، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من خاف النّاس لسانه فهو في النّار.
4- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب،
__________________________________________________
 (فقال رسول اللّه «ص» بئس أخو العشيرة) أى هو و المراد بالعشيرة القبيلة و العرب تقول أخو العشيرة و تعنى قومه و نظير هذا الحديث رواه مخالفونا عن عروة بن الزبير قال «حدثنى عائشة أن رجلا استأذن على النبي «ص» فقال ائذنوا له فلبئس ابن العشيرة، فلما دخل عليه ألان له القول. قالت عائشة فقلت يا رسول اللّه قلت له الّذي قلت ثم ألنت له القول قال: يا عائشة ان شر الناس منزلة عند اللّه يوم القيامة من و دعه الناس أو تركه اتقاء فحشه» قال عياض قوله لبئس ذم فى الغيبة و الرجل هو عيينة بن حصين الفزارى و لم يكن أسلم حينئذ ففيه أنه لا غيبة فى فاسق و مبتدع و ان كان قد أسلم فيكون «ع» أراد أن يبين حاله و فى ذلك الذم يعنى لبئس علم من اعلام النبوة فانه ارتد و جى‏ء به الى أبى بكر و له مع عمر خبر و فيه أيضا أن المداراة مع الفسقة الكفرة مباحة و تستحب فى بعض الاحوال بخلاف المداهنة المحرمة، و الفرق بينهما أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدين أو الدنيا و المداهنة بذل الدين لصلاح الدنيا، و النبي «ص» بذل له من دنياه حسن العشرة و طلاقة الوجه و لم يرد انه مدحه حتى يكون ذلك خلاف قوله لعائشة، و لا من ذى الوجهين، و هو «ع» منزه عن ذلك و حديثه هذا أصل فى جواز المداراة و غيبة أهل الفسق و البدع، و قال القرطبى قيل أسلم هو قبل الفتح، و قيل بعده و لكن الحديث دل على أنه شر الناس منزلة عند اللّه تعالى و لا يكون كذلك حتى يختم له بالكفر و اللّه سبحانه أعلم بما ختم له و كان من المؤلفة و جفاة الاعراب، و قال النخعى «دخل على النبي «ع» بغير اذن فقال له النبي «ع» و اين الاذن فقال ما استأذنت على‏

345
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب من یتقى شره ص 344

عن أبي حمزة، عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: شرّ الناس يوم القيامة الّذين يكرمون اتّقاء شرّهم.
 «باب البغى»
1- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القدّاح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إنّ أعجل الشرّ عقوبة البغي.
2- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام‏
__________________________________________________
أحد من مضر. فقالت عائشة: من هذا يا رسول اللّه؟ قال: هذا أحمق مطاع و هو على ماتر بن سيد قومه» و خبره مع عمر هو أنه كان له ابن اخ يجالس عمر فقال لابن أخيه ألا تدخلنى على هذا فقال أخاف أن تتكلم بما لا ينبغى فقال لا أفعل فأدخله فقال يا ابن الخطاب ما تقسم بالعدل و لا تعطى الجزل فغضب عمر غضبا شديدا حتى هم أن يوقع به فقال ابن أخيه انه تعالى يقول «خُذِ الْعَفْوَ» و هذا من الجاهلين فخلا عنه و معنى اتقاء فحشه لاجل اتقاء قبيح كلامه لانه من جهال العرب و حمقائها و سادتها، و كان يسمى الاحمق المطاع، و قال الابى هذا منه «ص» تعليم لغيره لانه ارفع من أن يتقى فحش كلامه.
قوله (قال رسول اللّه «ص» ان أعجل الشر عقوبة البغى) بغى فى مشيته اختال، و بغى على الناس ظلم و اعتدى و عدل عن الحق و استطال و كذب و افترى و هو باغ. و الجمع بغاة و بغى سعى فى الفساد، و منه الفرقة الباغية لانها عدلت عن القصد. و بغت المرأة تبغى بغا و بالكسر و المد فجرت و زنت فهى بغى و الجمع البغايا و هو وصف مختص بالمرأة فلا يقال للرجل بغى. قال الازهرى و قال بعضهم: البغى طلب تجاوز الاقتصاد و هو على ضربين:
محمود و هو تجاوز العدل الى الاحسان، و الفرض الى التطوع. و مذموم و هو تجاوز الحق الى الباطل أو تجاوزه الى الشبه كما ورد الحق بين و الباطل بين و بين ذلك امور مشتبهات و من رتع حول الحمى أوشك أن يقع فيه، و الثانى هو المعروف عند الاطلاق بين أرباب الاحاديث و مما يدل على تعجيل عقوبته ما روى عن أبى عبد اللّه «ع» قال: «ما من ذنب أجدر أن يعجل اللّه لصاحبه العقوبة فى الدنيا مع ما يدخر له فى الآخرة من البغى و قطيعة الرحم ان الباطل كان زهوقا» و ما روى عن أمير المؤمنين «ع» «من سل سيف البغى قتل به» و سر ذلك ان الناس لا يتركونه بل ينالونه بمثل ما نالهم أو بأشد و تلك عقوبة حاضرة جلبها الى نفسه من وجوه متكثرة.

346
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البغى ص 346

قال: يقول إبليس لجنوده: ألفوا بينهم الحسد و البغى، فإنّهما يعدلان عند اللّه الشرك 3- عليّ، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن مسمع أبي سيّار أنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام كتب إليه في كتاب: انظر أن لا تكلّمن بكلمة بغي أبدا و أن أعجبتك نفسك و عشيرتك.
4- عليّ، من أبيه، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب و يعقوب السرّاج، جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: أيّها النّاس إنّ البغي يقود أصحابه إلى النّار و إنّ أوّل من بغى على اللّه عناق بنت آدم، فأوّل قتيل قتله اللّه عناق و كان مجلسها جريبا في جريب و كان لها عشرون إصبعا في كلّ إصبع ظفران مثل المنجلين‏
__________________________________________________
قوله (يقول ابليس لجنوده: ألقوا بينهم الحسد و البغى فانهما يعدلان عند اللّه الشرك) فى الاخراج من الدين و العقوبة و التأثير فى فساد نظام الخلق قال اللّه تعالى لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا و الحسد حمل أكثر المشركين على انكار الحق و الرسول و ترك التوحيد.
قوله (و ان أول من بغى على اللّه عناق بنت آدم) الظاهر أنها كانت علما لها و يمكن أن يكون اطلاقها عليها «1» من باب الاستعارة تشبيها بعناق الارض و هى دابة خبيثة نحو الكلب تصيد الوحوش و الحيوانات و لا تأكل الا اللحم (فاول قتيل قتله اللّه عناق) قتلها لبغيها على المؤمنين و فيه وعيد للباغى بتعجيل عقوبته.
 (و كان مجلسها جريبا فى جريب) فى المغرب الجريب بالفتح ستون ذراعا فى ستين‏
__________________________________________________
 (1) قوله «و يمكن أن يكون اطلاقها عليها» الحديث قاصر عن الصحة عند أصحاب الرجال و صحة معناه المقصود بالبيان مما لا ريب فيه فان البغى شؤم يقود صاحبه الى النار و المثل الّذي يذكر لتقريب المعنى شاهدا عليه لا يجب صحته فان كان اسناد الحديث غير صحيح و الشاهد غير واقع و نسبته الى الامام غير ثابتة لا يضر بالمقصود، و أول نبى قام بالسيف موسى «ع» و أول من بغى و غلب عليه أصحاب موسى «ع» و قتلوه (على ما فى التوراة و روايات اليهود) ملك باشان من نواحى فلسطين و كان يسمى عوج و كان قويا شديدا ذا قامة طويلة و كان من قوم أقوياء معروفين بالشدة و عظم الجسم و طول القد يقال لهم: بنو عناق و عناق اسم رجل كان أبا قبيلتهم على ما فى التوراة. و قد روى الثعلبى فى العرائس ان عوج كان ابن عناق و عناق بنت آدم. و التحديد الّذي ذكره فى جثتهما كانه من مبالغات العامة الداخلة فى كل شي‏ء و قوله «جريب فى جريب» كانه تعبير بعض الرواة و لا يليق بأن يكون كلام أمير- المؤمنين «ع» اذ لا معنى له مع أن فى أصل الاسناد كلاما. (ش).

347
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البغى ص 346

فسلّط اللّه عليها أسدا كالفيل و ذئبا كالبعير و نسرا مثل البغل، فقتلنها و قد قتل اللّه الجبابرة على أفضل أحوالهم و آمن ما كانوا.
 (باب الفخر و الكبر)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن هشام ابن سالم، عن أبي حمزة الثمالي قال: قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام: عجبا للمتكبّر الفخور، الّذي كان بالأمس نطفة ثمّ هو غدا جيفة
__________________________________________________
قال قدامة الاشل اذا ضرب فى مثله فهو جريب و الاشل طول ستين ذراعا و الذراع ست قبضات، و القبضة أربع أصابع قال و عشر هذا الجريب يسمى قفيزا و عشر هذا القفيز عشيرا (المنجلين) المنجل كمنبر حديدة يحصد بها الزرع.
 (و نسرا مثل البغل) النسر طائر معروف له قوة فى الصيد و يقال لا مخلب له و انما له ظفر كظفر الدجاجة (و قد قتل اللّه الجبابرة) أى الذين جبروا خلق اللّه على ما أرادت نفوسهم الخبيثة من الاوامر و النواهى و بغوا عليهم و لم يرفقوا بهم، و قتلهم و هم على أحسن الاحوال و الشوكة و القدرة لفسادهم، و بغيهم على عباد اللّه فى القرآن و الاخبار مذكور و فى السير و الآثار مسطور و فيه زجر لمن يدعى القوة و الاقتدار عن البغى لان اللّه تعالى أشد قوة منه ينتصر منه لعباده و هو القوى العزيز.
قوله (عجبا للمتكبر الفخور الّذي كان بالامس نطفة ثم هو غدا جيفة) و فى الخبر الآتي عن أبى جعفر «ع» «عجبا للمختال الفخور و انما خلق من نطفة ثم يعود جيفة و هو فيما بين ذلك لا يدرى ما يصنع به» و قال أمير المؤمنين «ع» «ما لابن آدم و الفخر أوله نطفة و آخره جيفة لا يرزق نفسه و لا يدفع حتفه» و فى طريق العامة عن رسول اللّه «ص» قال:
 «قال اللّه تعالى خلقتكم من التراب و مصيركم الى التراب فلا تتكبروا على عبادى فى حسب و لا مال فتكونوا على أهون من الذر و انما تجزون يوم القيامة باعمالكم لا بأحسابكم و ان المتكبرين فى الدنيا أجعلهم يوم القيامة مثل الذر يطأهم الناس» و معنى الجميع ان فى الانسان كثيرا من صفات النقصان فلا يليق بشخص أن يفتخر على غيره من الاخوان و فيه اشعار بأن دفع هذا المرض المهلك واقع تحت اختيار العبد و علاجه مركب من أجزاء علمية و عملية أما العلمية فبأن يعرف اللّه و توحيده فى ذاته و صفاته و أفعاله و أن يعلم ان كل موجود سواه مقهور مغلوب عاجز لا وجود له الا بفيض جوده و رحمته، و أن الانسان مخلوق من أكثف الاشياء و أخسها و هو التراب ثم النطفة النجسة القذرة ثم العلقة ثم المضغة ثم العظام ثم الجنين الّذي غذاه دم الحيض ثم يصير فى القبر جيفة منتنة يهرب منه أقرب الناس إليه‏
                      

348
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الفخر و الکبر ص 348

2- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام‏
__________________________________________________
و هو فيما بين ذلك ينقلب من طور الى طور، و من حال الى حال. من مرض الى صحة و من صحة الى مرض الى غير ذلك من الاحوال المتبادلة و هو لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا، و أن يعلم أنه يبقى فى البرزخ وحيدا فريدا منقطعا لا يدرى ما يفعل به و أنه يقوم من مرقده عند قيام الساعة بين يدى العليم الخبير الّذي لا يعزب عنه مثقال ذرة فينبئه بما عمله من صغير و كبير و انه لا يدرى مآل أمره هناك هل هو الى الجنة أو الى النار و أن يعلم أن استكمال كل شي‏ء سواء كان طبيعيا أو اراديا لا يتحقق الا بالانكسار و الاضعف فان العناصر ما لم تنكسر سورة كيفياتها الصرفة لم تقبل صورة كمالية حيوانية أو إنسانية، و البذر ما لم يقع فى التراب و لم يقرب من التعفن و الفساد لم يقبل صورة نباتية و لم تخرج منه سنبلة ذات حبات و ثمرة و ماء الظهر ما لم يصر منيا منتنا لا يقبل صورة انسانية قابلة للخلافة الربانية فمن حصل له هذه العلوم و المعارف و أمثالها و صارت ملكة له أمكنة التحرز من التكبر و الفخر. و أما العملية فهى المداومة على التواضع لكل عالم و جاهل و صغير و كبير، و المواظبة على الانكسار و العجز و الاقتداء بطريقة المتواضعين من الأنبياء و المرسلين و الاهتداء بسنة الائمة الطاهرين (ع) و غيرهم من الاخيار الصالحين، فان من تتبع سيرتهم و حسن معاشرتهم مع الخلائق وجد أنهم كانوا متواضعين فى جميع الاحوال ثم الّذي يبعث المتكبر على التكبر امور:
الاول النسب فان كان افتخاره به باعتبار ان أباه كان حاكما فليعلم أن كل حاكم غير معصوم فهو طاغوت كما ورد به الخبر، و كل طاغوت من أهل النار فوجب البراءة منه فكيف يفتخر به، و ان كان باعتبار أنه كان ذا مال فليعلم أن المال ليس من الكمالات التى يقع بها الافتخار بل ورد ذمه فى كثير من الاخبار، و على تقدير أن يكون كمالا كان ذلك الكمال لابيه لا له، و العاقل لا يفتخر بكمال غيره. و ان كان باعتبار أنه كان خيرا أو فاضلا عالما فليعلم أن ذلك الكمال كان لابيه و هو بري‏ء منه و يتوجه إليه ما قيل:
پسر كو ندارد نشان پدر             تو بيگانه خوانش مخوانش پسر
 على أنه لو حضر أبوه و قال له: الشرف الّذي تدعيه و تفتخر به كان لى فما لك من شرف تفتخر به فهو يعجز عن الجواب و يسود وجهه و يستحق أن يقال له:
ان افتخرت بآباء مضوا سلفا             قلنا صدقت و لكن بئس ما ولدا
 ثم لما كان نظره الى الاصل كان أصله القريب أولى بالنظر إليه و هو النطفة القذرة النجسة المنتنة، و قد أشار سبحانه الى اصل الانسان و نسبه بقوله «ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ» فمن كان هذا أصله و نسبه لا يليق به التكبر و الافتخار.

349
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الفخر و الکبر ص 348

الثانى الحسن و الجمال و هو صفاء ظاهر البدن بالتناسب فى الصور و الاشكال فان افتخر به فليعلم أنه قد يزول بأدنى الامراض و الاسقام و ما هو فى عرضة الزوال ليس بكمال يفتخر به و لينظر أيضا الى أصله مما خلق منه من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة، و الى ما يصير إليه فى القبر من جيفة منتنة و الى ما فى باطنه من الخبائث المكدرة لطبعه مثل الاقذار التى فى جميع اعضائه و الرجيع الّذي فى أمعائه و البول الّذي فى مثانته و المخاط الّذي فى أنفه و الوسخ الّذي فى اذنيه و الدم الّذي فى عروقه و الصديد الّذي تحت بشرته الى غير ذلك من المقابح و الفضائح فاذا عرف هذا لم يفتخر بجماله الّذي هو كخضراء الدمن.
الثالث القوة و الشجاعة فمن افتخر بها فليعلم أن الّذي خلقه هو أشد منه قوة و ان الاسد و الفيل أقوى منه و ان أدنى العلل و الامراض تجعله أعجز من كل عاجز، و أذل من كل ذليل و أن البعوضة لو دخلت فى أنفه أهلكته و لم يقدر على دفعها فاذا عرف هذه الامور حق المعرفة علم أنه لا يليق به الافتخار بالقوة. الرابع الغنى و الثروة.
الخامس كثرة الاتباع و الانصار و العشيرة و قرب السلاطين و الاقتدار من جهتهم و الكبر و الفخر بهذين السببين أقبح لانه بأمر خارج عن ذات الانسان و صفاته فمن تكبر و افتخر فليعلم أنه لو تلف ماله أو غضب أو نهب أو تغير عليه السلطان و عزله لبقى ذليلا عاجزا و ان الفرقة اليهودية و الفرنكية و أضرابهم أكثر منه أموالا و جاها فاذا علم هذا علم أن التكبر بهما فى غاية الجهل و قد حكى أن رجلا من رؤساء اليونان افتخر على عبد حكيم فقال: العبد سبب افتخارك على ان كانت هذه الاثواب الفاخرة التى لبستها فالحسن و الزينة فيها لا فيك، و ان كان هذا الفرس الّذي أنت عليه فالفراهة و الكمال فيه لا فيك، و ان كان فضل آبائك فالفضل ان كان كان فيهم لا فيك فلو أخذ كل ذى فضل فضله بقيت لا شي‏ء و بلا فضيلة فمن انت حتى تفتخر على.
السادس العلم و هذا السبب أعظم الاسباب و أقواها فانه كمال نفسانى له قدر عظيم [1]
__________________________________________________
 [1] قوله «فانه كمال نفسانى له قدر عظيم» الملاك فى ما يجوز أن يفتخر به الانسان و ما لا يجوز على ما ذكر الشارح فى الامور الخمسة أن كل ما لا يبقى للانسان و ليس له فى نفسه لا يجوز الفخر به كالمال و الجمال و النسب و قوة البدن و أمثال ذلك و هو حق لان النفس تبقى و البدن يفنى و كل ما يفنى بفناء البدن لا يجوز للعاقل أن يسر به و يعتمد عليه، و أما العلم فكمال للنفس لا للبدن نعم كل ادراك حاصل لحاسة من الحواس الحالة فى الجوارح و الاعضاء البدنية فانه يزول بزوال البدن و لا فخر به كالمحسوسات، و ينبغى أن يتأمل الانسان و

350
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الفخر و الکبر ص 348

عند اللّه تعالى و عند الخلائق و صاحبه معظم عند جميع المخلوقات كما دل عليه صريح الروايات، و لهذا قيل، اذا ذل العالم، ذل بذله العالم، فاذا تكبر العالم و افتخر فليعلم ان خطر أهل العلم أكثر من خطر أهل الجهل و أن اللّه تعالى يحتمل من الجاهل ما لا يحتمل من العالم، و ان العصيان مع العلم أفحش من العصيان مع الجهل. و ان عذاب العالم أشد من عذاب الجاهل، و أنه تعالى شبه العالم الغير العامل تارة بالحمار و تارة بالكلب، و أن الجاهل أقرب الى السلامة من العالم لكثرة آفاته و ان الشياطين أكثرهم على العالم، و سوء العاقبة و حسنها أمر لا يعلمه الا اللّه سبحانه فلعل الجاهل يكون أحسن عاقبة من العالم و أن العالم ينبغى أن يكون مستغرقا فى شهود الحق لا يلاحظه غيره فضلا أن يتكبر و يفتخر عليه، و ان الكبرياء رداء اللّه و مختص به و ان المتكبر ممقوت عند اللّه تعالى و معذب فى الآخرة كما قال تعالى «أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ» و أن الكلب و الخنزير أحسن حالا من أهل جهنم فاذا علم هذه الامور بعين اليقين و تأمل فيها تأملا صادقا أنيقا و نظر إليها نظرا دقيقا أمكن له التخلص من رذيلة الافتخار و النجاة من معصية الاستكبار.
السابع العبادة و الورع [1] و الزهادة و هى أيضا فتنة عظيمة و علاجها صعب لكن من‏
__________________________________________________
 [1] يدقق النظر حتى يتحقق لديه أن العلوم الحاصلة للانسان التى بها يمتاز عن سائر الحيوانات كعلم الحساب و الهندسة و خواص النبات و الحيوان و المعارف الالهية و غيرها جميعا امور كلية عقلية غير مدركة بالحواس الجسمانية بل بقوة مجردة عقلية و ان كانت أول حدوثها محتاجة الى الاحساس لكن لا يحتاج إليها فى البقاء كما قلنا آنفا فى مراتب النفس و أن المزاج الخاص علة معدة لوجود النفس كالحطب للدخان لا علة فاعلة فتبقى العلوم للانسان بعد ان صار أعمى و أصم و ان كانت أول حدوثها حاصلة من السمع و البصر و لكن هاهنا شيئا و هو أن بعض العلوم و ان كانت كلية لكن غايتها الاستعانة بها على المعاش و اتقان الصنائع و لا يفيد فائدة كلية للنفس بعد الفراق عن البدن كالحساب فانه للتجارة، و الهندسة فانها للصنائع و البناء و الطب لمعالجة المرضى و اختزان أمثال هذه العلوم للنفس و ان كان يبقى بعد الموت بمنزلة اختزان النجار آلاته بعد قطع يده و زوال قدرته، و أما العلم الّذي يفيد الانسان بعد الموت فهو العلم الّذي لا يتوقف الاستفادة منه على البدن و ليس لنظم أمر الدنيا و معاشه و ينبغى التأمل و البحث فى الفرق بين حالة الانسان و علومه المكتسبة فى الدنيا و بينهما فى الآخرة و الميز بينهما و لعلنا نعود إليه فى موضع لائق ان شاء اللّه تعالى.
 [1] قوله «السابع العبادة و الورع» هذا أقوى ما يفيد النفس و يوجب سعادته بعد

351
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الفخر و الکبر ص 348

كان ذاته لطيفا و طبعه شريفا و ذهنه زكيا و عقله نقيا أمكنه أن يعالجها بحسن التدبير و لطف التصوير بأن يتصور أنه لا ينبغى له الفخر و التكبر على من تقدمه فى العلم لما فيه من فضيلة العلم الّذي قال اللّه تعالى فى تعظيمه «هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ» و قال رسول اللّه «ص» «و لا يبلغ جميع العابدين فى فضل عبادتهم ما بلغ العاقل» و لا على من تأخر عنه فى العلم اذ لعل قليل علمه يكون مقبولا و كثير علمه يكون مردودا و لا على الجاهل و الفاسق اذ قد يكون لهما خصلة خفية و صفة قلبية موجبة لمحبة الرب و رحمته، و لو فرض خلوهما عن جميع ذلك بالفعل فلعل الاحوال فى العاقبة تنعكس و قد وقع أمثال ذلك كثيرا و لو فرض عدم ذلك‏
__________________________________________________
الفراق عن البدن و لو كان العلم فقط يوجب السعادة لكان أبو ذر و مقداد و أمّ ايمن أشقياء فى الآخرة بل الّذي ثبت لنا ان العلم الموجب للسعادة هو ما يوجب الورع و الورع ما يوجب الاعراض عن الدنيا و الاعراض عن الدنيا يوجب فراغ الخاطر حتى يلتفت النفس الى جوهر ذاته و ما أودع فيه اذ لا يمكن الالتفات الى وجهين فى حال واحدة، و يستحيل التوجه الى جهتين فى زمان واحد و اذا التفتت الى استعداد ذاتها و ما أودعها اللّه فيها من قوة الكمال و الترقى الى معرفة ذى الجلال و سعى فى الوصول الى ما أعد له حصل له السعادة و السعادة كل السعادة فى الوصول الى اللّه تعالى و الرجوع إليه. كما أشار إليه فى مواضع كثيرة من الكلام الالهى مثل قوله «فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ» و قوله «إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ» «أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ» و ليس تحصيل ادراك ذلك سهلا فتفاوت مراتب الانسان كتفاوت الجماد و النبات و الحيوان فرب انسان تراه فى صورة انسانية و انسانا آخر فى صورته بعينها مع أن تفاوت الرتبة بينهما كالتفاوت بين جماد و حيوان و انسان كما أن الحيوان لا يعرف ما فى نفس الانسان من العلوم الكثيرة و لا يعلم انه أقرب الى اللّه تعالى منه كذا زيد لا يعرف رتبة عمرو و كونه أقرب الى اللّه فمثله عنده كمثل جماد عند انسان و الكافر الملحد المادى لا يعرف ما عند أبى على بن سينا و نصير الدين الطوسى و لا يعلم انهما أقرب الى اللّه و الآخرة و ليس التقرب الى اللّه بالزمان و لا بالمكان بل بالتشبه فى الكمال كما قيل تخلقوا بأخلاق اللّه تعالى و كلما حصل فى الانسان من صفاته تعالى كالعلم و الحلم و الرحمة و البر ما هو أكمل بالرياضة و الزهد كان القرب أشد و روى عن عيسى بن مريم «ع» خطابا للحواريين كونوا كاملين كما أن اللّه ربكم فى السماء كامل. و بالجملة مع حب الدنيا و الاستغراق فى شهواتها و مهالكها لا يمكن الالتفات الى باطن النفس و تحصيل‏

352
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الفخر و الکبر ص 348

قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: آفة الحسب الافتخار و العجب.
3- أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن محمّد بن إسماعيل، عن حنان عن عقبة بن بشير الأسدي قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: أنا عقبة بن بشير الأسدي و أنا في الحسب الضخم من قومي قال: فقال: ما تمنّ علينا بحسبك؟ إنّ اللّه رفع بالإيمان من كان النّاس يسمّونه و ضيعا إذا كان مؤمنا و وضع بالكفر من كان الناس يسمّونه شريفا إذا كان كافرا، فليس لأحد فضل على أحد إلّا بالتقوى‏
__________________________________________________
فليتصور أن تكبره فى نفسه شرك فيحبط عمله فيصير هو فى الآخرة مثلهم بل أقبح منهم و اللّه هو المستعان و انما بسطنا الكلام لان فى أحاديث هذا الباب اشارة اجمالية الى ما ذكرنا يظهر لمن تأمل فيها تأملا دقيقا.
قوله (آفة الحسب الافتخار و العجب) الحسب بفتحتين مصدر حسب وزان شرف شرفا و كرم كرما و معناه بالفارسية شمردن، و كثيرا ما يطلق على ما يعده الرجل من مآثر آبائه و مفاخرهم و مناقبهم مثل الشجاعة و الجود و الشرف و المجد و الحماية و نحوها، و قيل الحسب و الكرم يكونان فى الرجل و ان لم يكن له آباء لهم شرف و الشرف و المجد لا يكونان الا بالآباء و يشهد له قول الشاعر:
و من كان ذا نسب كريم و لم يكن             له حسب كان اللئيم المذمما
 و لعل المراد ان الحسب يستتبع آفة الافتخار و يوجبها لان آفة الافتخار بالحسب تضيعه و ان كان محتملا.
قوله (و أنا فى الحسب الضخم من قومى) فى المصباح ضخم الشي‏ء- بالضم- ضخما مثال عنب و ضخامة عظم فهو ضخم، و الجمع ضخام مثل سهم و سهام. افتخر الرجل بالحسب و هو من صفات الجاهلية و لم يعلم أن اللّه سبحانه جعل النسب سببا للتعارف و التواصل و ان اشتهار بعض الانسان دون بعض لا يقتضي كرامة المشهور عند اللّه تعالى و ان كمال الرجل‏
__________________________________________________
و التشبه بالخالق و التقرب إليه و تحصيل علم الآخرة، فالورع أقوى ما يفيد النفس البتة، و أما ما ذكره الشارح من عدم جواز الفخر بالعلم و الورع و عدم الغرور بهما فلان الفخر و الغرور ينشئان من حب الدنيا و الجاه و الترأس و ليس من الآخرة فى شي‏ء. بل التوسل بالعلم و التظاهر بالورع لحصول الجاه و تحصيل المال أشنع و أقبح من التوسل بالاسباب الدنيوية، اذ ليس فيه توهين للعلم و الدين، فمثل من يكتسب بالغناء و الملاهى مثل من يضع صندوقا تحت رجليه لتصل يده الى الطعام فى الرف، و مثل من يكتسب بالعلم و الورع مثل من يجعل القرآن و كتب الحديث نعوذ باللّه من الضلالة. (ش)

353
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الفخر و الکبر ص 348

4- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، من عيسى بن الضحّاك قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: عجبا للمختال الفخور و إنّما خلق من نطفة ثمّ يعود جيفة و هو فيما بين ذلك لا يدري ما يصنع به.
5- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله رجل فقال: يا رسول اللّه أنا فلان بن فلان حتّى عدّ تسعة فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أما إنك عاشرهم في النار.
6- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: آفة الحسب الافتخار.
 «باب القسوة»
1- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عمرو بن عثمان، عن عليّ بن عيسى رفعه، قال: فيما ناجى اللّه عزّ و جلّ به موسى عليه السّلام: يا موسى لا تطوّل في الدّنيا أملك فيقسو قلبك و القاسي القلب منّي بعيد
__________________________________________________
بحسب الايمان و التقوى كما قال اللّه عز و جل: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ و ان العبد الحبشى المتقى أفضل و أكرم من الحر القرشى الغير المتقى.
قوله (قال: أتى رسول اللّه «ص» رجل فقال يا رسول اللّه أنا فلان بن فلان حتى عد تسعة فقال له رسول اللّه «ص»: أما انك عاشرهم فى النار) تكبر هذا الرجل و تفاخر بسمو النسب و علو الحسب فرد عليه النبي «ص» بأنه و آباءه كلهم فى النار و كان ذلك باعتبار أن آباءه كانوا أيضا موصوفين بوصف التكبر، أو باعتبار أن كلهم كانوا كفارا أو باعتبار أن هذا الرجل كان متكبرا و آباءه كانوا كفارا و هو الاظهر.
قوله (فيما ناجى اللّه عز و جل به موسى «ع» يا موسى لا تطول فى الدنيا أملك فيقسو قلبك و القاسى القلب منى بعيد) طول الامل و الرجاء فى امور الدنيا سيما ما يستبعد حصوله و صرف الفكر فيها يوجب قساوة القلب أى غلظته و صلابته حتى يصير كالحجر، و يورث موته و كدرته حتى يصير كالمرآة المظلمة فلا يستقر فيه بعد ذلك روح التفكر فيما ينبغى أن يعتقد أو يفعل أو يترك ثم يزداد هذا المرض بوسوسة الخبيث فيتبع الهوى و يشغل عن العمل و ذكر اللّه تعالى و يضل عن سبيل الحق كما قيل من ركب مطية الامال سلك أو دية الضلال و من أطال الامل أساء العمل فلذلك كان قاسى القلب بعيدا من اللّه و لعل هذا كان تعليما للامة و الا فكليم اللّه كان أرفع من أن يتدنس قلبه بطول الامل.

354
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب القسوة ص 354

2- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن حفص، عن إسماعيل بن دبيس عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا خلق اللّه العبد في أصل الخلقة كافرا لم يمت حتّى يحبّب اللّه إليه الشرّ فيقرب منه فابتلاه بالكبر و الجبريّة فقسا قلبه و ساء خلقه و غلظ وجهه و ظهر فحشه و قلّ حياؤه و كشف اللّه ستره و ركب المحارم فلم ينزع عنها، ثمّ ركب معاصي اللّه و أبغض طاعته و وثب على النّاس، لا يشبع من‏
__________________________________________________
قوله (اذا خلق اللّه العبد فى اصل الخلقة كافرا- الخ) كافرا حال عن العبد فلا يلزم أن يكون كفره مخلوقا للّه تعالى نعم يلزم اتصافه بالكفر حين خلقه و هو كذلك كما دلت عليه الروايات المتكثرة و هذا موافق لما هو المشهور من أن السعيد سعيد فى بطن أمه و الشقى شقى فى بطن أمه و من كان شقيا فى العلم الازلى يكون شقيا فى العالم الظلى و هو عالم الارواح و فى عالم الارحام حين تعلقه بالابدان و هكذا فى كل موطن الى يوم الفصل و هو فى هذا الموطن أعنى موطن الغربة و المصيبة و دار التكليف و البلية و ان صدرت منه الخيرات فى الجملة لم يمت حتى يخلى بينه و بين الشر فيميل إليه و يحبه و يعانقه و يعود خاتمته إليه و ان كان سعيدا كان الامر بالعكس فيرجع كل الى ما سبق له فى العلم الازلى لوجوب المطابقة بين العلم و المعلوم [1] (و قل حياؤه) اريد به ظاهره أو ذهابه بالكلية.
 (و كشف اللّه ستره) أى رفع ستره الحاجز عن مشاهدة أعماله القبيحة [2] فيراه المقربون على أخس أحواله أو ستره الحاجز بينه و بين القبائح و هو الجياء فيكون تفسيرا لما قبله.
 (و ركب المحارم فلم ينزع عنها ثم ركب معاصى اللّه و ابغض طاعته) لعل المراد
__________________________________________________
 [1] قوله «لوجوب المطابقة بين العلم و المعلوم» سبق تحقيق الكلام فى القضاء و الطينة و العلم الازلى بحيث لا يلزم منه الجبر، و لا بد أن يكون مراد الشارح ذلك فانه قدس سره لم يكن جبريا قطعا، و الجبر خلاف مذهب أئمتنا عليهم السلام فراجع الجزء الخامس. (ش)
 [2] قوله «عن مشاهدة أعماله القبيحة» من المسائل التى تعد فى معجزات نبينا العلمية، «ص» و الاولياء من خلفائه المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين كلامهم فى أحوال النفوس و أدوائها و علاجاتها، و كيفية انطواء ملكاتها فيها و خفائها فى الدنيا و نحو مشاهدتها ظاهرة فى البرزخ و القيامة، و تلك امور لم يعهد فى أشعار العرب و خطبهم و سائر أقسام كلامهم مثلها و لم ير فيهم من حام حول هذه المسائل و قد رأينا فى كلامهم ذكر اللّه تعالى و يوم الحساب و الجزاء و العقاب و الثواب و أسماء بعض الأنبياء عليهم السلام. اما الدقائق التى لم يتنبه لها المسلمون الا بعد أجيال، فكيف الجاهلون، فاشتمال القرآن و السنة عليها يدل على رابط

355
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب القسوة ص 354

بالمحارم الصغائر و بالمعاصي الكبائر لان الصغائر قنطرة الكبائر أو المراد بها الذنوب مطلقا و بالمعاصي حبها أو استحلالها بقرينة قوله «و أبغض طاعته» لان بغض الطاعة يستلزم حب المعصية أو المراد بها ذنوبه بالنسبة الى الخلق.
__________________________________________________
باطنى بين المعصومين عليهم السلام و بين منبع جميع الحقائق، و هذا الرابط الخاص المسمى بروح القدس هو الّذي كان سببا لعلمهم، و قد رأينا فى أشعار زهير بن أبى سلمى فى معلقته الجاهلية:
فلا تكتمن اللّه ما فى صدوركم             ليخفى و مهما يكتم اللّه يعلم‏
يؤخر فيوضع فى كتاب فيدخر             ليوم الحساب أو يعجل فينقم‏
 و فى أشعار النابغة و امية بن أبى الصلت و الاعشى ذكر بعض الأنبياء عليهم السلام.
و اما مثل قوله تعالى: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ و قوله تعالى: وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها. فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها. وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها و مثل قوله تعالى: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ و مثل قوله تعالى خطابا للناس يوم القيامة، «لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ» فيصعب على فهم أهل الجاهلية بل يتعذر عليهم ادراك هذه المعانى و يرون تناقضا بين هذه الآية و قوله تعالى: وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى‏. قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى‏ وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً. قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَ كَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى‏ فنبه على أن البصيرة مبدؤها الذكر، و العمى مبدؤها النسيان و عدم الاعتناء. فربما ينسى الانسان شيئا و يذكر شيئا فى الدنيا كذلك فى الآخرة يرى شيئا و لا يرى شيئا و هو بالنسبة الى الاول بصره حديد، و بالنسبة الى الاخر أعمى، و لا يجب أن يكون صفة البصر فى الآخرة صفته فى الدنيا حتى يكون أعمى بالنسبة الى كل شي‏ء، أو بصيرا بالنسبة الى كل شي‏ء.
ثم ان الحكماء ذكروا: أن الشعور بالشي‏ء لا يستلزم الشعور بالشعور فربما ينطوى صور عقلية كثيرة فى النفس، و هى موجودة فيها لا محالة، و الانسان يغفل عن جميعها، و الّذي يبين ذلك امور: الاول ان العالم العاقل قد يكون نائما أو مغشيا عليه أو غافلا عن علمه أو مشتغلا بشي‏ء آخر.
و لا يمكن أن يكون علومه مسلوبة عنه فى هذه الاحوال اذ يتساوى هو و الجاهل بتلك العلوم حينئذ و لا يتمايز الاشياء بالاعدام. فلو لم يكن شي‏ء موجودا فى نفس العالم لم يكن فرق بينه حال الغفلة و بين الجاهل و هو مستحيل. الثانى ان الانسان يرى فى منامه مركوزات ذهنه، و لا بدّ أن تكون موجودة حال اليقظة و هو غافل عنها باشتغال حواسه الظاهرة بالامور الخارجة عنه فاذا هدأت الحواس بالنوم فرغ النفس لمشاهدة ما هو موجود فيه. و لو لم يكن فى ذهنه شي‏ء لتساوى جميع الناس فى الرؤيا و ليس كذلك. الثالث ان جميع ما فى القوة الحافظة موجودة

356
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب القسوة ص 354

الخصومات، فاسألوا اللّه العافية و اطلبوها منه.
3- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ. عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لمّتان: لمّة من الشيطان و لمّة من الملك، فلمّة الملك: الرّقّة و الفهم و لمّة الشيطان السّهو و القسوة
__________________________________________________
 (فاسألوا اللّه العافية و اطلبوها منه) فى بعض النسخ العاقبة بالقاف و فيه تنبيه على ان النفس الامارة بالسوء لا تنزجر عن أمثال هذه الحركات الشنيعة الا بعصمة اللّه و الاستعانة منه.
قوله (قال: قال أمير المؤمنين «ع»: لمتان لمه من الشيطان و لمة من الملك) أى للناس لمتان و اللمة بفتح اللام و شد الميم الهمة تقع فى القلب و المراد ان لكل من الشيطان و الملك الماما بالقلب و قربا منه و القاء شي‏ء إليه.
 (فلمة الملك الرقة و الفهم) [1] لمة الملك القاء الخير و التصديق بالحق الى القلب و ثمرته رقة القلب و صفاؤه و انعطافه الى الخير و فهم الحقائق و الاذعان بالحق لمن وجد ذلك فى نفسه فليحمد اللّه ليزداد له (و لمة الشيطان السهو و القسوة) لمة الشيطان القاء الشر
__________________________________________________
فيها مع الغفلة عنها بل ربما يصعب على الانسان استرجاعها بحيث لا يوفق له الا بعد أيام مع أنها موجودة عنده البتة و الا لم ترجع أبدا و لكن لا نعلم كيفية وجودها و ان كان أصل وجودها مما لا ريب فيه، و على هذا فيتضح علة كون ملكات النفس فى الدنيا خفية على صاحبها ظاهرة فى الآخرة و ان التذاذها بوجودها فرع الشعور بشعوره اياها، و يظهر معنى قوله تعالى:
فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ثم ان الملكات الخبيثة او الطيبة ربما كانت قوية راسخة بحيث يظهر آثارها على الجوارح كرجل شديد الغضب يعرف غضبه فى عينه و وجهه.
و ربما كانت ضعيفة يستطيع الانسان أن يخفيها، و هذا سر قوله «ع» «قل حياؤه و كشف اللّه ستره و ركب المحارم فلم ينزع عنها» مع ما قبله و ما بعده. (ش)
 [1] قوله «فلمة الملك الرقة و الفهم» قال الحكماء: لا يخرج شي‏ء من القوة الى الفعل الا بعلة مخرجة اياه و لا تصير القوة فعلا بنفسه، و لا شك أن نفس الانسان فيها قوة الخير و الشر، و ليس صيرورته عاقلا عالما خيرا فهما ذا فضائل مقتضى ذاته و الا لاستوى جميع أفراد الانسان فيها فهو بالنسبة الى جميع ذلك بالقوة. و أما مخرجه من القوة الى الفعل فلا بد أن يكون موجودا عاقلا مفارقا عنه و يسمى فى عرفهم بالعقل الفعال، و فى اصطلاح الدين الملك كما قال أمير- المؤمنين «ع» لمة الملك، و يزعم الجاهل أن الانسان يعقل بنفسه و العلة الموجدة للتعقلات هى الحواس الظاهرة و هو باطل لان جميع أفراد الحيوان و الانسان الرضيع و غيره مشتركون فى وجدان الحس. و كلما يمتاز الانسان البالغ العاقل به عن غيره من العقل و المعقولات لها علة

357
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الظلم ص 358

«باب الظلم»
1- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن هارون بن الجهم، عن المفضّل بن صالح، عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: الظلم ثلاثة: ظلم يغفره اللّه و ظلم لا يغفره اللّه و ظلم لا يدعه اللّه، فأمّا الظلم الّذي لا يغفره فالشرك و أمّا الظلم الّذي يغفره فظلم الرّجل نفسه فيما بينه و بين اللّه، و أمّا الظلم الّذي لا يدعه فالمداينة بين العباد.
2- عنه، عن الحجّال، عن غالب بن محمّد، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ قال: قنطرة على الصراط لا يجوزها
__________________________________________________
و التكذيب بالحق الى القلب و تزيين الباطل له، و ثمرته السهو عن الحق و الغفلة عن ذكر اللّه و قساوة القلب و غلظته بحيث يتأبى عن استماع النصائح و قبول لمة الملك و من وجد فى قلبه ذلك فليتعوذ باللّه من الشيطان فان الاستعاذة يدفعه ان شاء اللّه.
قوله (الظلم ثلاثة) الظلم وضع الشي‏ء فى غير موضعه، و فى المثل من استرعى الذنب فقد ظلم فالمشرك ظالم لانه جعل غير اللّه تعالى شريكا له و وضع العبادة فى غير محلها و العاصى ظالم لانه وضع المعصية موضع الطاعة.
 (فاما الظلم الّذي لا يغفره فالشرك) كما قال عز و جل إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ* و لعل الشرك بالعبادة داخل فيه و ان كان دون الشرك بانكار التوحيد قال اللّه تعالى فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً.
 (و أما الظلم الّذي يغفره فظلم الرجل نفسه فيما بينه و بين اللّه) بفعل المعصية و ترك الطاعة و هذا يغفر له بالتوبة قطعا على شرائطها و بدونها لمن يشاء.
 (و أما الظلم الّذي لا يدعه فالمداينة بين العباد) كان ذكر المداينة على سبيل التمثيل لان الظاهر أن حقوق الخلق كلها كذلك.
قوله (فى قول اللّه عز و جل إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) فى المصباح الرصد الطريق و الجمع ارصاد مثل سبب و أسباب و رصدته رصدا من باب قتل قعدت له على الطريق و الفاعل‏
__________________________________________________
اخرى غير الحس، و لو كان الحس علة للتعقل لكان جميع افراد الحيوان مساوية لافلاطون و أرسطو فان قيل علة امتياز الانسان الحس مع القابلية قلنا: أما الحس فقد بان عدم غنائه، و أما القابلية فمحال أن يكون سببا من غير فاعل كقابلية الخشب للاحتراق لا توجب احتراقا بلا مس نار و هذا سر كلام أمير المؤمنين «ع». و نظير ما ذكرنا فى الملك يجرى فى الشيطان و لمة الشر. (ش)

358
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الظلم ص 358

عبد بمظلمة.
3- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن وهب بن عبد ربّه و عبيد اللّه الطويل، عن شيخ من النخع قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: إنّي لم أزل واليا منذ زمن الحجّاج إلى يومي هذا فهل لي من توبة؟ قال: فسكت ثمّ أعدت عليه، فقال: لا حتّى تؤدّي إلى كلّ ذي حقّ حقّه‏
__________________________________________________
راصد، و الرصدى نسبة الى الرصد و هو الذي يقعد على الطريق ينتظر الناس ليأخذ شيئا من أموالهم ظلما و عدوانا و قعد فلان بالمرصد و زان جعفر و بالمرصاد بالكسر و بالمرتصد أيضا أى بطريق الارتقاب و الانتظار «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ» أى مراقبك فلا يخفى عليه شي‏ء من أفعالك و لا تفوته. (قال قنطرة على الصراط) القنطرة ما يبنى على الماء للعبور عليه فنعلة و الجسر اعم لانه يكون بناء و غير بناء.
 (لا يجوزها عبد بمظلمة) هى بفتح الميم و كسر اللام اسم لما يطلب عند الظلم كالظلامة بالضم. قوله (عن شيخ من النخع) «1» النخع بفتحتين قبيلة من اليمن من مذحج.
__________________________________________________
 (1) قوله «شيخ من النخع» هذه الاخبار قاصمة الظهر نعوذ باللّه من موبقات الآثام و نفثات الشيطان و وساوسه، و ربما يختلج ببال أهل الدين و الشرع أن الولاية من قبل الجائر جائزة فى مذهب فقهاء أهل البيت، و ربما دخل فيها جماعة من أعاظم الرواة فى عهد الائمة عليهم السلام و لم يعبئوا بما ورد من المنع عن اعانة الظالمين و لم يعرفوا أن الوالى من قبل الجائر قد يكون مختارا فيما يفعل و له أن يعمل بمقتضى حكم الشرع على مذهب أهل الحق فهو وال من قبل الجائر و ليس معينا للظالم، و قد يكون مأمورا بأمر الظالم يفعل ما يأمره أو يعاونه فى فعله و بين الولاية و اعانة الظالم عموم و خصوص من وجه، و مورد الاجتماع وال لا يمكنه الا العمل بما يأمره الظالم، و ليس له أن يفعل باختياره شيئا كما هو الحال فى ولاة زماننا و مورد الافتراق وال بغير اعانة و معين بغير ولاية أما الوالى بغير اعانة فهو من يوليه الظالم عملا فى صقع من الاصقاع يعمل بما يقتضيه دينه و عقله فى القضاء و جباية الاموال و لا يعين له دستورا خاصا لا يتجاوزه و كان المتولون للاعمال فى عهد الائمة عليهم السلام كذلك و هذا جائز، و فى أخبار بعض الملوك انه كتب الى وال له يجب عليك ان تعمل فى عملك بما يأمرك به الفقيه الفلانى و يجب على الفقيه أن يأمرك بما أمر به رسول اللّه «ص» و من هذا القبيل ولاية المحقق الكركى على العراق من قبل الشاه طهماسب الصفوى. بل ليس مثل هذا ولاية حقيقة من جانب الجائر بل تقلد للامر باذن صاحب الولاية و تولية الجائر رفع للمحذور و المزاحمة هذا. أما الاعانة للظالم من غير ولاية من قبله فواضح. (ش)

359
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الظلم ص 358

4- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن إبراهيم ابن عبد الحميد، عن الوليد بن صبيح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما من مظلمة أشدّ من مظلمة لا يجد صاحبها عليها عونا إلّا اللّه عزّ و جلّ.
5- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن إسماعيل بن مهران، عن درست بن أبي منصور، عن عيسى بن بشير، عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لمّا حضر عليّ بن الحسين عليهما السّلام الوفاة ضمّني إلى صدره، ثمّ قال: يا بنيّ اوصيك بما أوصاني به أبي عليه السّلام حين حضرته الوفاة و بما ذكر أنّ أباه أوصاه به، قال: يا بنيّ إياك و ظلم من لا يجد عليك ناصرا إلّا اللّه.
6- عنه، عن أبيه، عن هارون بن الجهم، عن حفص بن عمر، عن أبي- عبد اللّه عليه السّلام قال: قال قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: من خاف القصاص كفّ عن ظلم الناس.
7- أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن إسحاق بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من أصبح لا ينوي ظلم أحد غفر اللّه له ما أذنب ذلك‏
__________________________________________________
قوله (ما من مظلمة أشد من مظلمة لا يجد صاحبها عليها عونا الا اللّه عز و جل) قال أمير المؤمنين «ع» «ظلم الضعيف أفحش» و قال أيضا «يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم» و قال «أيضا من ظلم عباد اللّه كان اخصمه اللّه فى الدنيا و الآخرة و يوم الظالم الدنيا فقط و هى تنقطع، و يوم المظلوم الدنيا و الآخرة و المنتقم هو اللّه تعالى وَ اللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ*» و روى عن النبي «ص» قال «قال اللّه عز و جل: اشتد غضبى على من ظلم أحدا لا يجد ناصرا غيرى» و روى أيضا عنه «ص» «العبد اذا ظلم فلم ينتصر و لم يكن له من ينصره رفع طرفه الى السماء فدعا اللّه تعالى قال جل جلاله لبيك عبدى أنصرك عاجلا و آجلا اشتد غضبى على من ظلم أحدا لا يجد ناصرا غيرى» و قد حكى أن ظالما ظلم على ضعيف أعواما قال المظلوم للظالم يوما ان ظلمك على قد طاب بأربعة اشياء ان الموت يعمنا، و القبر يضمنا، و القيامة تجمعنا، و الديان يحكم بيننا.
قوله (من خاف القصاص كف عن ظلم الناس) لان من خاف القصاص و هو قتل القاتل و جرح الجارح و قطع القاطع و بالجملة المعاملة بالمثل تحرز عن ظلم الناس الموجب للقصاص و هذا بحسب الحقيقة تحذير عن الظلم للتحرز من العاملة بمثله.
قوله (من أصبح لا ينوى ظلم أحد غفر اللّه له ما أذنب ذلك اليوم ما لم يسفك دما أو

360
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الظلم ص 358

اليوم ما لم يسفك دما أو يأكل مال يتيم حراما.
8- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من أصبح لا يهمّ بظلم أحد غفر اللّه له ما اجترم.
9- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من ظلم مظلمة اخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده.
10- ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: اتّقوا الظلم فإنّه ظلمات يوم القيامة
__________________________________________________
يأكل مال يتيم حراما) دل على أن من دخل فى اصبح غيرنا و لظلم أحد و لم يسفك دما حراما أو لم يأكل مال يتيم غفر له ذنوب ذلك اليوم كائنا ما كان، و على أن من انتفى عنه هذه الامور بان نوى أو سفك أو أكل لم يغفر له فكأن الامور المذكورة كفارة لذنوب يومه. و يفهم من ظاهر الخبر أن ذنوبه تغفر مطلقا سواء كانت من حقوق اللّه تعالى أم من حقوق الناس مثل الضرب و الشتم و الغيبة و نحوها، و هذا ينافى رواية النخعى المذكورة و غيرها من الروايات الدالة على المؤاخذة بحقوق الناس، و يمكن تخصيص الذنوب هنا بالذنوب التى بينه و بين اللّه تعالى جمعا بين الروايات، و أما تخصيص عموم الروايات بهذا الخبر و القول بأن اللّه تعالى لا يؤاخذ العبد بظلم الناس، بعد ما أصبح غيرنا و لظلمهم و أنه يرضى المظلوم بوجه آخر فبعيد قوله (من أصبح لا يهم بظلم أحد غفر اللّه له ما اجترم) أى ما اكتسب من الجرم و الاثم فى ذلك اليوم بقرينة السابق، أو مطلقا على احتمال، و فيما بينه و بين اللّه عز و جل أو فيما بينه و بين الخلق أيضا احتمال بعيد و عدم قصد ظلم أحد أولا لا ينافى قصد ظلمة ثانيا.
قوله (من ظلم مظلمة أخذ بها فى نفسه أو فى ماله أو فى ولده) نظيره ما سيأتى من رواية مولى آل سام عن أبى عبد اللّه «ع» و فيه تنبيه للظالم المغرور بعدم المؤاخذة بالفعل بأنها لا محالة يكون و لو فى ولده الّذي هو بمنزلة نفسه و بحكم المقابلة خير صلاح الأب قد يصل الى ولده، و قد ذكرناه مشروحا و يؤيده قوله تعالى حكاية «إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ» و لا ينافى الاول قوله تعالى وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‏* لخروجه بهذا النص و غيره من عموم الآية كخروج مؤاخذة العاقلة فى الخطاء، و الأب هو الّذي أدخل على نفسه و ولده هذه الخصلة المسرية الى أعقابه و هو الّذي ظلمهم أيضا و ما اللّه بظلام للعبيد.
قوله (اتقوا الظلم فانه ظلمات يوم القيامة) ظلمات جميع ظلمة و هى خلاف النور و حملها على الظلم باعتبار تكثره معنى أو للمبالغة. و فيه تحذير من الظلم على النفس و

361
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الظلم ص 358

11- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى [عن محمّد بن عيسى‏] عن منصور، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: اتّقوا الظلم فإنّه ظلمات يوم القيامة.
12- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: ما من أحد يظلم بمظلمة إلّا أخذه اللّه بها في نفسه و ماله و أمّا الظلم الّذي بينه و بين اللّه فإذا تاب غفر اللّه له.
13- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن أبي نجران؟
عن عمّار بن حكيم، عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:
مبتدئا: من ظلم سلّطه اللّه عليه من يظلمه أو على عقبه أو على عقب عقبه، قال: قلت:
هو يظلم فيسلّط اللّه على عقبه أو على عقب عقبه؟! فقال: إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول:
 «وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً».
14- عنه، عن ابن محبوب، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ أوحى إلى نبيّ من أنبيائه في مملكة جبّار من الجبّارين‏
__________________________________________________
على الغير و المراد بالظلمة اما الحقيقة لما قيل من ان الهيئات النفسانية التى هى ثمرات الاعمال الموجبة للسعادة و الشقاوة أنوار و ظلمات مصاحبة للنفس و هى تنكشف لها فى القيامة التى هى محل بروز الاسرار و ظهور الخفيات فتحيط بالظالم على قدر مراتب ظلمه ظلمات متراكمة حين يكون المؤمنون فى نور يسعى بين أيديهم و بأيمانهم، أو المراد بها الشدائد و الاهوال كما قيل فى قوله تعالى قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ.
قوله (ان اللّه عز و جل يقول: وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً») لعله أمر للاوصياء بالخشية و العدل فى أموال اليتامى و عدم ظلمهم فيها خوفا من أن يرجع ظلمهم الى أولادهم، و أمر لهم بالقول السديد للايتام بأن يكلموهم كما يكلمون أولادهم بالادب الحسن و الترحيب و يدعوهم بيا بنى و يا ولدى و لا يقولوا ما يؤذيهم، و للمفسرين فيه أقوال.
قوله (ان اللّه عز و جل أوحى الى نبى من أنبيائه فى مملكة جبار من الجبارين أن ائت هذا الجبار فقل له: اننى لم أستعملك على سفك الدماء) يجب على الحاكم أمران أحدهما أن يلاحظ نفسه مع مالك الملوك و يعلم أنه المالك لا غيره و ان كل من سواه عبد له متقلد

362
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الظلم ص 358

أن ائت هذا الجبّار فقل له: إنّي لم أستعملك على سفك الدّماء و اتّخاذ الأموال و إنّما استعملتك لتكفّ عنّي أصوات المظلومين، فانّي لم أدع ظلامتهم و إن كانوا كفّارا.
15- الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن عليّ ابن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من أكل مال أخيه ظلما و لم يردّه إليه أكل جذوة من النار يوم القيامة.
16- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: العامل بالظلم و المعين له و الرّاضي به شركاء ثلاثتهم.
17- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن هشام بن‏
__________________________________________________
بربقة العبودية لئلا يغيره فضل ماله من نعم اللّه تعالى عليه من الامارة و غيرها و لا طول خص به بل يزيده ذلك قربا و عبادة و تواضعا، و ثانيهما أن ينظر الى من دونه و يعلم أنهم ودائع اللّه عز و جل فى أرضه و ذرية أبيه آدم «ع» قد سلطه عليهم لاعانتهم و اغاثتهم و حفظ صورتهم و سيرتهم ليزداد عليهم شفقة و رأفة سواء كانوا مؤمنين أم كافرين معاهدين، و أنت تعلم أن كل واحد من الامرين أمر صعب لا يتأتى الا لمن حفظه اللّه تعالى بلطفه و عنايته و لذلك ورد روايات كثيرة على ذم الرئاسة. (فانى لم أدع ظلامتهم) الظلامة بالضم اسم لما تطلبه عند الظالم كالمظلمة بفتح الميم و كسر اللام.
قوله (أكل جذوة من النار يوم القيامة) الجذوة الجمرة الملتهبة و تضم الجيم و تفتح و تجمع جذى مثل مدى و قرى و تكسر أيضا فتكسر فى الجمع أيضا مثل جزية و جزى قوله (العامل بالظلم- الخ) أى العامل بالظلم على نفسه أو على غيره، و المعين له على الظلم أو مطلقا على احتمال لعموم بعض الروايات و الراضى به مظلوما كان أو غيره شركاء فى الاثم، و اذا كان الميل القليل الى من وجد منه ظلم ما حراما موجبا للدخول فى النار لقوله تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ فكيف حال الظالم و حال من أعانه و حال من رضى به، قال فى الكشاف النهى متناول للانحطاط فى هواهم و الانقطاع إليهم و مصاحبتهم و مجالستهم و زيارتهم و مداهنتهم و الرضا بأعمالهم و التشبه بهم و التزيى بزيهم و مد العين الى زمرتهم و ذكرهم بما فيه تعظيم لهم. و ذكر الفقيه فى باب جمل من مناهى النبي «ص» أنه قال «من مدح سلطانا جائزا أو تخفف و تضعضع طمعا فيه كان قرينه فى النار» و قال «ع» «من ولى جائرا على جوره كان قرين هامان فى جهنم». و ان شئت زيادة المعرفة بأحوالهم فارجع الى ما ذكره المفسرون و اللّه هو المستعان.

363
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الظلم ص 358

سالم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ العبد ليكون مظلوما فما يزال يدعو حتّى يكون ظالما.
18- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن أبي نهشل عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: من عذر ظالما بظلمه سلّط اللّه عليه من يظلمه، فإن دعا لم يستجب له و لم يأجره اللّه على ظلامته.
19- عنه، عن محمّد بن عيسى، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال ما انتصر اللّه من ظالم إلّا بظالم، و ذلك قوله عزّ و جلّ: وَ كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً.
20- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النّوفليّ، عن السّكونيّ، عن أبي- عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من ظلم أحدا ففاته فليستغفر اللّه فإنّه‏
__________________________________________________
قوله (ان العبد ليكون مظلوما فما يزال يدعو حتى يكون ظالما) كان المراد من يدعو لظالم يكون ظالما لانه رضى بظلمه قيل: قال رسول اللّه «ص» «من دعا الظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى اللّه فى أرضه».
قوله (من عذر ظالما بظلمه سلط اللّه عليه من يظلمه) «1» عذرته فيما صنع عذرا من باب ضرب رفعت عنه اللوم فهو معذور أى غير ملوم و الاسم العذر بضم الذال للاتباع و تسكن و الجمع أعذار و المعذرة بمعنى العذر، و أعذرته بالالف لغة.
 (فان دعا لم يستجب له) أى دعا اللّه تعالى أن يدفع عنه ظلم من يظلمه، أو مطلقا لم يستجب له لانه بسبب عذره صار ظالما خرج عن استحقاق الاستجابة و دخل فى زمرة الظلمة (و لم يأجره اللّه تعالى على ظلامته) لانها وقعت مجازاة.
__________________________________________________
 (1) قوله «سلط اللّه عليه من يظلمه» الظالم غير مقيد نفسه بما يقيد به أصحاب الوفاء و المروة انفسهم و الناس مفطورون على أن الاحسان يجب أن يكافى بالاحسان و ربما يزعم بعضهم أنه اذا داهن الظالم و صحح أعماله و أظهر له عذرا فى مظالمه لا بدّ أن يكافئه الظالم بهذا الاحسان و يكف عنه أو يحسن إليه و هذا زعم باطل لان الظالمين خارجون عما يقتضيه العقل الحاكم بالحسن و القبح و غير ملتزمين بما يلتزم به أصحاب المروة فاذا رأوا مصلحتهم فى قتل أعز الناس عليهم و مصادرة أموال أكثرهم إحسانا إليه و أخدمهم له فعلوا من غير مراعاة و التواريخ مملوءة بأمثال هذه الاخبار و لو كان الوالى ممن يراعى لوازم المروة و قواعد الانسانية لم يكن ظالما بل عادلا. (ش).

364
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الظلم ص 358

كفّارة له.
21- أحمد بن محمّد الكوفي، عن إبراهيم بن الحسين، عن محمّد بن خلف، عن موسى بن إبراهيم المروزي، عن أبي الحسن موسى عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من أصبح و هو لا يهمّ بظلم أحد غفر اللّه له ما اجترم.
22- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: دخل رجلان على أبي عبد اللّه عليه السّلام في مداراة بينهما و معاملة، فلمّا أن سمع كلامهما قال: أما إنّه ما ظفر أحد بخير من ظفر بالظلم أما إنّ المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر ممّا يأخذ الظالم من مال المظلوم، ثمّ قال‏
__________________________________________________
قوله (أما انه ما ظفر أحد بخير من ظفر بالظلم أما ان المظلوم يأخذ من دين ظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم) الخير مضاف الى «من» و فيه تنبيه على أن المظلومية أفضل الخيرات و بين ذلك بأن المظلوم يأخذ يوم القيامة من حسنات الظالم عوضا مما أخذه الظالم من ماله، و ما يأخذه المظلوم أكثر منفعة و أعظم مقدارا لان منفعته و هى الفوز بالسعادة الاخروية أبدية بخلاف ذلك المال فان نفعه قليل فى زمان يسير. و فيه تحذير للظالم من سوء عاقبة الظلم و تسلية للمظلوم بأن الظالم يسعى فى مضرة نفسه [1] و نفع المظلوم كما أشار
__________________________________________________
 [1] قوله «فانه يسعى فى مضرة نفسه» و قد روى عن النبي «ع» «الملك يبقى مع الكفر و لا يبقى مع الظلم» و سر قبح الظلم أنه يمنع افراد الانسان عن السعى و العمل و اظهار ما أبدع اللّه تعالى فى قريحتهم من الاستعداد للصنائع و العلوم و عن تأديب الناس و سوقهم الى الآخرة و الكمالات الانسانية، و الناس فى دولة الظلمة خامدون جامدون آيسون من الحياة غير ناشطين للعمل يرون قبالهم فى كل شي‏ء مانعا يمنعهم من فعلهم مجبولون على الاطاعة جبرا لغيرهم مسلوبو الإرادة و الهمة. و الانسان خلق مختارا مريدا فاذا سلب عنه الاختيار و الإرادة قسرا كان كشجرة تحت قبة مظلمة تمنعها نور الشمس و الهواء و لا تنبت و لا تثمر. و اللّه تعالى مع أنه خالق للانسان لم يجبرهم على الخير و الدين بل تركهم و ما يختارون «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى‏ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ» و اكتفى بالاعذار و الانذار، و الظلمة يجبرون الناس على الشر و القبائح و هو خلاف حكمة اللّه تعالى و قد روى فى الحكايات المصنوعة على ألسنة الحكماء ان نية الظلم تدفع بركة الارض و يمثلون ذلك بملك مر على قرية و كان عطشانا فطلب من بعض أهله ماء فجاءه بشربة من عصير قصبة السكر فسأله الملك عن هذا المقدار من العصير من كم قصبة؟ أجابه بأنه من قصبة واحدة، فنوى الملك أن يزيد الخراج على القصب اذا اعجبه كثرة ارتفاعه ثم ذهب و رجع ثانيا و عطش و طلب العصير من ذلك‏

365
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الظلم ص 358

من يفعل الشرّ بالنّاس فلا ينكر الشرّ إذا فعل به، أما إنّه إنّما يحصد ابن آدم ما يزرع و ليس يحصد أحد من المرّ حلوا و لا من الحلو مرّا. فاصطلح الرّجلان قبل أن يقوما.
23- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من خاف القصاص كفّ عن ظلم النّاس.
 (باب اتباع الهوى)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن أبي-
__________________________________________________
إليه أيضا أمير المؤمنين «ع» بقوله «و لا يكبرن أى لا يعظمن عليك ظلم من ظلمك فانه يسعى فى مضرته و نفعك».
قوله (و ليس يحصد أحد من المر حلوا و لا من الحلو مرا) هذا تمثيل و المقصود أن عامل الشر لا يجد خيرا و ثوابا و عامل الخير لا يجد شرا و عقابا. و فيه تقبيح للشر و تبعيد عنه. و تحسين للخير و ترغيب فيه.
__________________________________________________
القروى بعينه فجاءه بالعصير و كان أقل من الاول فسأله هذا من كم قصبة؟ اجاب من ثلاث قصبات فسأله الملك كيف كان عصير قصبة واحدة فى المرة الاولى أكثر من عصير ثلاث فى هذه المرة و ما سره؟ قال الرجل لان الملك نوى الظلم فزالت البركة، و ربما يزعم الجاهل أنها حكاية خرافية و لكنها تعليم حكمى فلسفى وضعه أحد من أعاظم الحكماء قطعا لتمثيل أصل عقلى اجتماعى كما هو شأنهم. و اما علاج الظلم و مداواته فقد جاء به الأنبياء عليهم السلام فى مقابل الجبابرة و هو تعظيم قدر أفراد الانسان و أنهم موجودون مكرمون معظمون و لكل واحد واحد منهم حق فردى لا يجوز أن يتعدى عنه، و ليس للجبابرة منع أحد عن حقه كلما كان الظالم قادرا و المظلوم ضعيفا و كذلك كان ابراهيم «ع» و موسى و عيسى و سائر الأنبياء عليهم السلام فى قبال جبابرة زمانهم. فرسخ هذا الاصل فى القلوب و العقول. و فى هذه العصور وضع النصارى قواعد مبنية على هذا الاصل الالهى و نزعوا من الولاة حق العمل بما يسنح لهم و قيدوهم بما يرضى به الناس و ليس لاحد أن يحمل على غيره ما لا يرضاه. و رجع بعضهم الى مذهب الجبابرة المعاندين للانبياء و رخصوا لجماعة من الناس جبر غيرهم على خلاف رضاهم و بالجملة مباحث هذا الباب دنيوية و اخروية يليق أن يتكلم فيها و يحقق مسائلها لكن المجال ضيق. و التفصيل فى موضع خاص به أليق و ليس لمسلم أن يعرض عن طريقة الأنبياء و يركن الى الجبابرة لانه اذا سلب نور الاسلام عن القلوب هوى فى ظلمات الجهل الى المهالك و لا ينفع اسم الاسلام مع اختيار طريقة الجبابرة الكافرين (ش).

366
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب اتباع الهوى ص 366

محمّد الوابشي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: احذروا أهواءكم كما تحذرون أعداءكم فليس شي‏ء أعدى للرّجال من اتّباع أهوائهم و حصائد ألسنتهم.
2- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن عبد اللّه بن القاسم، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: يقول اللّه عزّ و جلّ: و عزّتي و جلالي و عظمتي و كبريائي و نوري و علوّي و ارتفاع مكاني‏
__________________________________________________
قوله (احذروا أهواءكم كما تحذرون أعداءكم) هويته من باب علم اذا أحببته و علق به قلبك ثم أطلق على ميل النفس و انحرافها نحو الشي‏ء ثم استعمل فى ميل مذموم فيقال اتبع هواه و هو من أهل الاهواء و الهوى ميل النفس الى مشتهياتها و الوغول فيها و صرف الفكر فى تحصيلها يوجب الغفلة عن ذكر اللّه تعالى و الاعراض عن أمر الآخرة و موت القلب و فساد الدين و البعد من اللّه و العاقل يحذر منه كما يحذر من الاعداء لقصد الفرار من الضرر بل ضرره أفخم و أعظم و الحذر منه أولى و أهم كما أشار إليه بقوله:
 (فليس شي‏ء أعدى للرجال من اتباع أهوائهم) لان ضرر العدو على فرض تحققه راجع الى الدنيا الفانية و ضرر الهوى مع تيقنه راجع الى الآخرة الباقية و الفرق بينهما كالفرق بين الدنيا و الآخرة، و قد رغب اللّه عز و جل فى ترك الهوى و رتب عليه دخول الجنة فقال: «وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى‏ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى‏» و حث أمير المؤمنين «ع» بقوله «الهوى شريك العمى» يريد أن الهوى مثل عمى القلب يلقى صاحبه فى جب الغوى فهو شريك له فى الاهلاك و فى تركه مراتب كثيرة لا يقدر عليه الا العالم الماهر العارف بمكائد النفس أو التابع له اذا النفس مكارة قد تلبس الباطل بلباس الحق فيظن الجاهل أنه حق. ثم أشار الى أن صرف اللسان فيما لا يعنى، و ما قيل فى الناس و القطع به عليهم مشارك للهوى فى الاضرار و الافساد بقوله:
 (و حصائد ألسنتهم) حصدت الزرع حصدا من باب ضرب و قتل و هو محصود و حصيد، و حصد بفتحتين و الحصيدة موضع الحصاد و الحصائد جمع حصيد، و المراد بها ما يقتطفونه من الكلام الّذي لا خير فيه تشبيها له بما يحصد من الزرع و تشبيها للسان بحد المنجل الّذي يحصد به و هذا الخطاب أعظم وقعا فى القلوب و أتم منعا للسان من التسرع فى الكلام فليتق اللّه عبد عند إرادة نطقه و ليتأمل فى خيره و شره.
قوله (قال رسول اللّه «ص»: يقول اللّه عز و جل: و عزتى و جلالى و عظمتى و كبريائى و نورى و علوى و ارتفاع مكانى) أقسم عز و جل تأكيدا لتحقيق مضمون الخطاب المبين و تثبيتا لمفهومه فى قلوب السامعين أو لا بعزته و هى القوة و الغلبة و خلاف الذلة و عدم المثل و النظير، و ثانيا بجلاله و هو التنزه من النقائص، و العظمة فى القدرة التى تصغر لديها قدرة كل ذى قدرة، و

367
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب اتباع الهوى ص 366

لا يؤثر عبد هواه على هواي إلّا شتّت عليه أمره و لبّست عليه دنياه و شغلت قلبه بها و لم اوته منها إلّا ما قدّرت له، و عزّتي و جلالي و عظمتي و نوري و علوّي و ارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواي على هواه إلّا استحفظته ملائكتي و كفّلت السّماوات و الأرضين رزقه و كنت له من وراء تجارة كلّ تاجر و أتته الدّنيا و
__________________________________________________
ثالثا بعظمته و هى تنصرف الى عظمة الشأن و القدر التى يذل عندها شأن كل ذى شأن، و رابعا بكبريائه و هى العظمة التى تتأبى من وقوف الافهام عليها و بلوغ الاوهام إليها، و خامسا بنوره و هو هدايته التى بها يهتدى أهل السماوات و الارضين إليه و الى مصالحهم و مراشدهم كما يهتدى بالنور، و سادسا بعلوه و هو كونه فوق الممكنات بالعلية و الايجاد أو تعاليه عن الاتصاف بصفات المخلوقين كما يقول من لا يعتد به من فرق الجاهلين، و سابعا بارتفاع مكانه و هو ارتفاع مرتبته من أن يناله وصف الواصفين، أو يبلغه نعت الناعتين.
 (لا يؤثر عبد هواه على هواى) ان كان هوى العبد فى الفعل كان هواه تعالى فى الترك و بالعكس و قد يكون متعلقهما فعلين.
 (الا شئت عليه أمره) أى فرقت عليه حاله كما تشاهد من أهل الاهواء فان أحوالهم متفرقة و قلوبهم متشتتة و هم فى سبل الضلالة يهيمون و فى طرق الغواية يتيهون.
 (و لبست عليه دنياه) أى خلطتها أو أشكلتها عليه حتى يكون مضطربا فى طلب المعيشة متحيرا فى طريقها تقول لبست الامر لبسا من باب ضرب اذا خلطته، و فى التنزيل «وَ لَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ» و التشديد مبالغة و فى الامر لبس بالضم و لبسة أيضا أى اشكال و التبس الامر أشكل (و شغلت قلبه بها) فهو دائما فى ذكر منها و فكر لطرق تحصيلها فارغا عن ذكر الآخرة و لذلك قال اللّه تعالى وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى‏ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ.
 (و لم اوته منها الا ما قدرت له) كما تشهد عليه التجربة فانك تجد الخلائق كلهم الا من عصمه اللّه من أهل الاهواء مشغولين بالدنيا و لا يجدونها كما يطلبونها.
 (لا يؤثر عبد هواى على هواه الا استحفظته ملائكتى) أى طلبت منهم أن يحفظونه من الضياع و الفساد و الانحراف عن طريق السداد (و كفلت السموات و الارضين رزقه) أى جعلتها متحملة لرزقه فيأتيه رزقه بوعد العليم القادر الكريم بلا تعب من حيث لا يحتسب فلا بد لك أيها الاخ فى اللّه اذا ورد عليك أمران فى أحدهما رضاك و فى الاخر رضاه تعالى أن تختار ما فيه رضاه فان فعلت ذلك فاللّه كفيلك و ولى امورك فى الدنيا و الآخرة نعم من كان للّه كان اللّه له (و كنت له ما وراء تجارة كل تاجر) كل أحد فى الدنيا تاجر

368
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب اتباع الهوى ص 366

هي راغمة.
3- الحسين بن محمّد عن معلّى بن محمد، عن الوشّاء، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن يحيى بن عقيل قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّما أخاف عليكم اثنتين اتّباع الهوى و طول الأمل أمّا اتّباع الهوى فإنّه يصدّ عن الحقّ، و أمّا طول الأمل فينسي الآخرة
__________________________________________________
يطلب نفعا فى تجارة، و اللّه عز و جل هو النفع و المقصد لهذا العبد من وراء تجارته.
 (و أتته الدنيا و هى راغمة) أى أتته على كره منه. أو أتته و هى ذليلة عنده من رغم أنفه من باب قتل و علم اذا ذل كأنه لصق بالرغام و هو بالفتح التراب.
قوله (قال أمير المؤمنين «ع»: انما أخاف عليكم اثنتين اتباع الهوى و طول الامل أما اتباع الهوى فانه يصدعن الحق «1» و أما طول الامل فينسى الآخرة) لان اتباع الهوى و هو ميل النفس الى الشهوات الدنية و انحرافها عن حدود الشريعة النبوية أشد جاذب للانسان عن‏
__________________________________________________
 (1) قوله «أما اتباع الهوى فانه يصدعن الحق» ان اللّه تعالى بحكمته البالغة ركب فى طبيعة الحيوان قوة يميل بها الى جلب مصالحه و التحرز من مضاره غريزة ملزمة فيميل الى الطعام و السفاد، و يفر من الحر و البرد الضارين و كل مؤذ و مهلك، و يحب اولاده و يبنى مسكنه و غير ذلك و يسمون هذه القوة القوة الواهمة و لا يخلو عنها الانسان من بين الحيوانات، لكن لما كان الحيوان لم يخلق لكسب الفضائل لم يركب فى طبيعته قوة مضادة لواهمته فهو مجبور فى اتباع هواه، و لا يؤاخذ عليه، و أما الانسان صاحب النفس الناطقة المستعدة لتحصيل الكمال و الفضائل «فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها» و لم يخلها و الواهمة تميل بها الى كل جانب، و الحق الّذي يصد عنه اتباع الهوى هو مقتضى حكم العقل و النطق. فقد يقع المعارضة بين الواهمة و العقل و يستحسن كل منهما ما يستقبحه الاخر فاذا اتباع هواه و ميله و لم يلاحظ العقل لم يعرف ما هو الحق، و التجربة شاهدة بأن من يتوجه ذهنه الى بعض قواه يغفل عن الاخرى كمن صرف ذهنه الى استماع صوت لا يبين له ما هو حاضر عند بصره، بل ربما غمض عينه ليسمع أحسن، و من يشتغل بعمل بيده و كلمه احد ترك شغله حتى يفهم كلام القائل. ثم يشتغل بعد الاستماع و هكذا حكم الواهمة و العاقلة. فكلما أمعن الانسان فى الالتفات الى مدركات الواهمة المجبرة له الى هواه غفل عن الالتفات الى مدركات العاقلة، و ليس خلق الواهمة فى الانسان بغير حكمة و مصلحة. لكن يجب ان يكون العقل مهيمنا عليها حتى يصونها عن الانهماك فى الشر فالشهوة و الغضب و سائر العواطف خير بشرط كونها تحت تدبير العاقلة، و هذا أصل يبتنى عليه مسائل علم الاخلاق. (ش).

369
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب اتباع الهوى ص 366

4- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن الأصمّ، عن عبد الرّحمن بن الحجّاج قال: قال لي أبو الحسن عليه السّلام: اتّق المرتقى السهل إذا كان منحدره و عرا، قال: و كان أبو عبد اللّه عليه السّلام يقول:
لا تدع النّفس و هواها فإنّ هواها [في‏] رداها و ترك النفس و ما تهوى أذاها و كفّ النفس عمّا تهوى دواها
__________________________________________________
قصد الحق و ملاحظة آثاره و أقوى صاد له عن سلوك سبيله و مشاهدة مناره. و طول الامل و هو صرف عنان الهمة الى البقاء و زمام العزيمة الى النعماء و عطف القلب الى زخارف الدنيا و تفكر زهراتها و تكميل أسبابها و تصور مقتنياتها و دوام اشتغاله بكيفية تحصيلها و كيفية العمل بها بعد حصولها يستلزم نسيان الآخرة و مثوباتها و الغفلة عن ذكر اللّه و ذكر الموت و ما بعده من أهوال القيامة و مقاماتها. و وجه حصر الخوف فيهما أنهما أعظم المهلكات حتى كأنه لا مهلك سواهما. و ذلك لان الانسان اما سالك طريق الخير، أو سالك طريق الشر. أو واقف بين الطريقين و الاول يسمى بالرشد و الهداية، و الثانى يسمى بالهوى و الغواية، و من البين أن الخوف من الثانى أعظم من الخوف من الثالث و قس عليه حال طول الامل، و انما أضاف «ع» الخوف منهما الى نفسه القدسية لانه لما كان هو المتولى لاصلاح حال الخلق و الراعى لهم فى امور معاشهم و معادهم، و الاولى بهم من أنفسهم كان الاهتمام بصلاحهم منوطا بهمته العالية فلا جرم نسب الخوف الى نفسه.
قوله (اتق المرتقى السهل اذا كان منحدره و عرا) المرقى و المرتقى و المرقاة موضع الرقى و الصعود من رقيت السلم و السطح و الجبل علوته، و المنحدر و الحدور- وزان رسول- المكان الّذي ينحدر منه أى ينزل من الانحدار و هو النزول تقول حدرت الشي‏ء حدورا من باب قعد فانحدر أى أنزلته فنزل. و الوعر الصعب وزنا و معنى و هذا الكلام البليغ تمثيل لمتابعة النفس فى أهوائها و الترقى من بعضها الى بعض و ان كانت صغائر و سهولة ذلك عليها و صعوبة عاقبتها و الخروج من عهدتها و أولها بالاخرة الى الهلاك، بمن يصعد الجبل و يسهل عليه الصعود ثم يصعب عليه النزول بل قد يهلك و الغرض أيضا حينئذ سوء العاقبة.
قوله (لا تدع النفس و هواها فان هواها [فى‏] رداها و ترك النفس و ما تهوى اذاها و كف النفس عما تهوى دواها) النفس مائلة الى هواها و هى منافع حاضرة و لذات ظاهرة تقتضيها القوتان الشهوية و الغضبية مثل الشره و الحرص و حب المال و الجاه و الرئاسة و الغلبة و النهب و الفخر و الكبر الى غير ذلك من الاخلاق الذميمة و الاعمال القبيحة، و هى و ان كانت لذات بحسب الظاهر لكنها حيات مؤذية و أمراض ردية مهلكة بحسب الباطن، و حجب‏

370
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المکر و الغدر و الخدیعة ص 371

باب المكر و الغدر و الخديعة
1- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم رفعه قال:
قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لو لا أنّ المكر و الخديعة فى النار لكنت أمكر النّاس.
2- عليّ، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: يجي‏ء كلّ غادر يوم القيامة بإمام مائل شدقه حتّى يدخل النّار، و يجي‏ء كلّ ناكث بيعة إمام أجذم حتى يدخل النّار
__________________________________________________
مانعة للنفس مما هو المقصود منها و هو اتصافها بالصفات الملكية و الاخلاق الروحانية و الاعمال الحسنة الجسمانية و سيرها الى الحضرة الربوبية و مشاهدتها جمال الاسرار الالهية. و دواء تلك الامراض كف النفس عنها بالمعالجة المقررة عند أطباء النفوس بأن يدفع كل صفة من الصفات الذميمة و كل عمل من الاعمال القبيحة بتحصيل ضدها و لا يمكن ذلك الا بالعلم المحيط بالمضار و المنافع و الصبر على الشدائد و كسر القوتين المذكورتين و اعطاء كل واحدة منهما ما هو المجوز لها عقلا و شرعا فاذا تحققت هذه المعالجة صحت هاتان القوتان و صحت بصحتهما سائر القوى و الاعضاء و اشتغل كل شي‏ء بما هو المقصود منه، و تمت أمارة النفس فى هذا البدن و وصلت الى سعادتها الابدية و هى التقرب الى الحضرة الربوبية.
قوله (لو لا أن المكر و الخديعة فى النار لكنت أمكر الناس) أى أهل المكر و أهل الخديعة على حذف المضاف أو اريد بهما الماكر و الخادع مجازا، أو كونهما فى النار كناية عن كون المتصف بهما فيها. و المكر و الخديعة متحدان. تقول: مكر مكرا من باب قتل اذا خدع فهو ماكر، و مكار للمبالغة و أمكر بالالف لغة. و قد ينسب المكر الى اللّه تعالى و يراد به المجازاة و يسمى جزاء المكر مكرا كما يسمى جزاء السيئة سيئة مجازا على سبيل مقابلة اللفظ باللفظ، و خدعته خدعا فانخدع، و الخدع بالكسر اسم منه و الخديعة مثله، و الفاعل خدوع مثل رسول و خداع و خادع. و الخدعة بالضم ما يخدع به الانسان مثل اللعبة لما يلعب به و يمكن الفرق بينهما حيث اجتمعا بأن يراد بالمكر احتيال النفس و استعمال الرأى فيما يراد فعله مما لا ينبغى، و إرادة اظهار غيره و صرف الفكر فى كيفية ترويجه، و بالخديعة ابراز ذلك فى الوجود و اجراؤه على من يريد و كونه «ع» أمكر الناس على تقدير جواز المكر و عدم العقوبة به ظاهر. لان مناط المكر على استعمال الفكر فى درك الحيل و معرفة طرق المكروهات و معرفة كيفية ايصالها الى الغير على وجه لا يشعر به و هو «ع» كان أعلم الناس بجميع الامور.
قوله (قال رسول اللّه «ص» يجي‏ء كل غادر يوم القيامة بامام مائل شدقه حتى يدخل النار- الخ) الغدر نقض العهد و البيعة و ايقاد نار الحرب و إرادة ايصال السوء الى الغير بالحيلة

371
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المکر و الغدر و الخدیعة ص 371

3- عنه، عن أبيه، عن النوفليّ عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ليس منّا من ماكر مسلما
__________________________________________________
بسبب خفى، و فعله من باب ضرب، و قوله «بامام» متعلق بغادر، و الشدق بكسر الشين و فتحها جانب الفم، و لما كان الغادر غالبا يتشبث بسبب خفى لاخفاء غدره ذكر «ع» أنه يعاقب بضد ما فعله و هو تشهيره بهذه البلية التى تتضمن خزيه على رءوس الاشهاد ليعرفوه بقبح عمله و ينبغى أن يعلم أن الغدر قد يلتبس بالكيس عند الجهلة [1] كما أشار إليه أمير المؤمنين «ع» بقوله «و لقد أصحابنا فى زمان اتخذ أكثر أهل الغدر كيسا، و نسبهم اهل الجهل الى حسن الحيلة» قال بعض الافاضل فى تفسير كلامه: و ذلك لجهل الفريقين بثمرة الغدر و عدم تمييزهم بينه و بين الكيس فانه لما كان الغدر هو التفطن بوجه الحيلة، و ايقاعها على المغدور به و كان الكيس هو التفطن بوجه الحيلة و المصالح فيما ينبغى، كانت بينهما مشاركة فى التفطن بالحيلة و استخراجها بالآراء الا أن تفطن الغادر بالحيلة التى غير موافقة للقوانين الشرعية و المصالح الدينية، و الكيس هو التفطن بالحيلة الموافقة لهما و لدقة الفرق بينهما يلبس الغادر غدره بالكيس و ينسبه الجاهلون الى حسن الحيلة كما نسب ذلك الى معاوية و عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة و أضرابهم [2]، و لم يعلموا أن حيلة الغادر تخرجه الى رذيلة الفجور و
__________________________________________________
 [1] قوله «قد يلتبس بالكيس عند الجهلة» الغدر يشبه الظلم فى ملاك قباحته خصوصا فى الامراء و الولاة. و ذلك لان الغدر يسلب الاختيار و النشاط فى أفراد الانسان فلا يتجرأ أحد على إظهار كماله و ما أودعه اللّه فيه من الاستعداد، و قلنا ان الانسان خلق مختارا و الاختيار مقتضى طبعه، و سلب الاختيار عنه بالقسر على خلاف مقتضى طبعه كجعل النبات تحت اناء يمنعه من النمو، و الانسان المسلوب الإرادة لا يفعل شيئا فان فرض أكثر أفراد البشر عاطلين بسلب الإرادة عنهم لم يتكون جامعة بشرية فاذا خاف الناس كل واحد منهم الاخر و لم يأمن أحد أحدا، و لم يعتمدوا على عهودهم و أقوالهم، و احتمل كل فى حق الاخر الغدر و الخيانة لم يعمل أحد عملا لغيره أصلا و أمير المؤمنين «ع» رضى بترك الغدر مع معاوية مع أنه كان قادرا و كان فى ذلك حسم مادة فتنته و لم يفعل لانه رأى فى غدره ترخيصا للغدر و اشاعته فى الناس و استحسانهم اياه، و فى ذلك فساد عظيم يصغر عنده فساد فتنة معاوية، و امتنع مسلم بن عقيل من الفتك بعبيد اللّه بن زياد لتلك العلة بعينها. (ش)
 [2] قوله «و المغيرة بن شعبة و أضرابهم» كالمأمون مكر بالرضا «ع» و غدر حيث استحضره و ولاه عهده جهرا ثم قتله «ع» سرا و ذكرت ذلك فى هذا الموضع لان فى مثل هذه الايام (10 ع 2) اتفقت مصيبة من مصائب مشهده الشريف الحت على الاحشاء بالزفرات و الشي‏ء بالشي‏ء يذكر لعن اللّه الظالمين‏

372
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المکر و الغدر و الخدیعة ص 371

4- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن يحيى، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن قريتين من أهل الحرب لكلّ واحد منهما ملك على حدة، اقتتلوا ثمّ اصطلحوا، ثمّ إنّ أحد الملكين غدر بصاحبه فجاء إلى المسلمين فصالحهم على أن يغزو معهم تلك المدينة؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا ينبغي للمسلمين أن يغدروا و لا يأمروا بالغدر و لا يقاتلوا مع الّذين غدروا و لكنّهم يقاتلون المشركين حيث وجدوهم و لا يجوز عليهم ما عاهد عليه الكفّار.
5- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون عن عبد اللّه بن عمرو بن أشعث، عن عبد اللّه بن حمّاد الأنصاري، عن يحيى بن عبد اللّه بن الحسن،
__________________________________________________
انه لا حسن لحيلة جرت الى رذيلة. بخلاف حيلة الكيس و مصلحته فانه تجر الى العدل.
قوله (لكل واحدة منهما ملك على حدة) وحد يحد حدة من باب وعد انفرد بنفسه، و كل شي‏ء على حدة أى متميز من غيره.
 (و لا يأمروا بالغدر) عطف على يغدروا و «لا» لتأكيد النفى. أى لا ينبغى أن يأمروا بالغدر لان الغدر عدوان و ظلم، و الامر بهما غير جائز و ان كان المغدور به كافرا. [1] (و لا يقاتلوا مع الذين غدروا) أى لا ينبغى لهم أن يقاتلوا مع الحربين الذين غدروا بالحربيين و نقضوا عهدهم و صلحهم.
 (و لكنهم يقاتلون المشركين حيث وجدوهم) سواء كان المشركون من أهل هاتين القريتين، أو غيرهم. و فيه دلالة على جواز قتالهم فى حال الغيبة [2].
 (و لا يجوز عليهم ما عاهد عليه الكفار) فى بعض النسخ ما عهد، و معنى لا يجوز لا ينفذ و لا يصح، تقول جاز العقد و غيره اذا نفذ و مضى على الصحة. يعنى عهد المشركين و صلحهم معهم على غزو فريقهم غير نافذ و لا صحيح. فلهم أن يقاتلوهم حيث وجدوهم و اللّه أعلم.
__________________________________________________
و قطع دابرهم و رضى اللّه عن شهداء الفتنة، و حشر أرواحهم مع مو إليهم و أشركنا معهم فى ثواب حزننا لحزن آل محمد صلوات اللّه عليهم. و بالجملة ليس التهجم على الغافل الغير المستعد للدفاع و التحرز من مذهب أصحاب المروة فكيف بأهل الدين و حكم شارع الاسلام بعدم جواز التعرض للكافر المستأمن اذا توهم غلطا أنه مأمون فى دار الاسلام فدخلها بظن الأمن و للامام أن يبلغه مأمنه سالما، فكيف يقاس ذلك بعمل من يأمن مسلما صالحا حتى يحضره عنده و يغتاله بعد الأمن. ثم كيف حال من غدر بالامام الحق. (ش).
 [1] هنا سؤال و جواب يأتى الاشارة إليهما ان شاء اللّه (ص).
 [2] بل لا دلالة (ش).

373
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المکر و الغدر و الخدیعة ص 371

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: يجي‏ء كلّ غادر بإمام يوم القيامة مائلا شدقه حتّى يدخل النّار.
6- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عن عمّه يعقوب بن سالم عن أبي الحسن العبدي، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير- المؤمنين عليه السّلام ذات يوم و هو يخطب على المنبر بالكوفة: يا أيّها النّاس لو لا كراهية الغدر كنت من أدهى النّاس ألا إنّ لكلّ غدرة فجرة و لكلّ فجرة كفرة ألا و إنّ الغدر و الفجور و الخيانة في النّار.
 (باب الكذب)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن إسحاق‏
__________________________________________________
قوله (لو لا كراهية الغدر كنت من ادهى الناس) الدهاء زيرك شدن، و المراد به هنا طلب الدنيا بالحيلة و استعمال الرأى فى غير المشروع مما يوجب الوصول الى المطالب الدنيوية و تحصيلها و طالبها على هذا النحو يسمى داهيا و داهية للمبالغة. و هو مستلزم للغدر بمعنى نقض العهد و ترك الوفاء و الوصول إليها بهذا الطريق، و أشار «ع» بهذا الكلام الى نفى الدهاء عن نفسه المقدسة بنفى لازمه الّذي هو الغدر لان نفى اللازم يستلزم نفى الملزوم، ثم أشار الى أن الغدر مستلزم للفجور بقوله.
 (ان لكل غدرة فجرة) لان الوفاء لما كان فضيلة تحت العفة كان الغدر الّذي هو ضده رذيلة تحت ما يقابل العفة و هو الفجور، و الظاهر أن اللام في «لكل» مفتوحة للمبالغة فى التأكيد «و غدرة» بالتحريك جمع غادر، ثم أشار الى أن الفجور مستلزم للكفر بقوله:
 (و لكل فجرة كفرة) و هو ظاهر مع استحلال الفجور كما فيما فى معاوية و عمرو بن العاص و أضرابهما من رؤساء الغادرين الفاجرين حيث أنكروا ما هو ضرورى دين نبينا «ص» و غدروا بامام الزمان حتى فعلوا ما فعلوا، و أما مع عدم الاستحلال فالظاهر أن المراد بالكفر كفر نعم اللّه تعالى و سترها و كفر مخالفته باظهار معصيته و الحمل على الاعم محتمل و تنتج المقدمتان أن كل غدرة كفرة. ثم أشار بقوله:
 (و ان الغدر و الفجور و الخيانة فى النار) الى سوء عاقبة أهلها تحذيرا لعباد اللّه عز و جل منها و تبعيدا لهم عنها، و الخيانة مصدر خانه اذا ترك رعاية ما ائتمن عليه من حقوق الحق و الخلق، و قصر فى أدائه كما هو و هى تدخل فى أفعال القلب و الجوارح كلها.

374
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکذب ص 374

ابن عمّار، عن أبي النعمان قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: يا أبا النعمان لا تكذب علينا كذبة فتسلب الحنيفيّة و لا تطلبنّ أن تكون رأسا فتكون ذنبا و لا تستأكل النّاس بنا فتفتقر فإنّك موقوف لا محالة و مسئول، فإن صدقت صدّقناك و إن‏
__________________________________________________
قوله (قال أبو جعفر «ع» يا أبا النعمان لا تكذب علينا كذبة «1» فتسلب الحنيفية) الكذب هو الاخبار عن الشي‏ء بخلاف ما هو سواء فيه العمد و الخطأ اذ لا واسطة بينه و بين الصدق، و الظاهر أن الاثم يتبع العمد. و الكذب عليهم يشمل افتراء الحديث عليهم و صرف حديثهم الى غير مرادهم و الجزم به، و نسبة فعل لا ينبغى إليهم و نفى الولاية عنهم، و يفهم منه أن الكذب عليهم يوجب سلب الحنيفية أى الملة المستقيمة و السنة النبوية و يورث زوال الايمان و الخروج من الدين، و لعل السر فيه أن استقرار الدين و الايمان فى القلب موقوف على استقامة اللسان. فمتى لم يستقم اللسان فى نطقه و نسب الى رؤساء الدين ما لا يليق بهم علم أن القلب سقيم و لم يستقم فى مراقبة الدين و أهله.
 (و لا تطلبن أن تكون رأسا فتكون ذنبا) مدخول الفاء متفرع على الطلب، و لعل الذنب كناية عن الذل و الهوان عند اللّه تعالى و عند الصالحين من عباده لكثرة مفاسد الرئاسة الموجبة لفساد الدين.
 (و لا تستأكل الناس بنا فتفتقر) لعل المراد هو النهى عن أكل أموال الناس بسبب العلوم المستفادة منهم عليهم السلام و جعلها ذريعة الى تحصيل الدنيا كما هو شأن قضاة الجور.
ذلك يوجب الافتقار فى الآخرة «2».
__________________________________________________
 (1) قوله «لا تكذب علينا كذبة» الكذب مطلقا قبيح و هو أعم من الغدر لان الغدر نوع من الكذب يتخصص بكونه بعد العهد و الميثاق و التأمين، و الكذب على الأنبياء و الائمة عليهم السلام أشد عقوبة. (ش).
 (2) قوله «فى الآخرة» بل فى الدنيا أيضا فان الغرض المقصود بالكلام النوع لا الاشخاص كما روى أن الجالب مرزوق، و المراد نوع التجار الذين يحملون حوائج الناس من بلد الى بلد. و المستأكل بعلمه فقير نوعا و التاجر الجالب غنى نوعا، و ربما يتفق أن يكون جالب فقيرا و لا يضر بالمقصود. فمن أراد تتبع الاغنياء فى البلد تتبعه فى التجار لا فى العلماء و الزراع، و أهل الصنعة محتاجون الى التجار و ان كثرت أموالهم لان رءوس أموالهم راكدة غالبا لا تنتقل سريعا كما تنتقل أموال التجار. و فى الحديث ترغيب فى أن لا يجعل العلماء علمهم وسيلة الى رزقهم لان من احتاج الى ما فى أيدى الناس يفتى مطابقا لهواهم و لا يبين لهم حقائق أمر الدين اذا أحس منهم عدم الرضا و ربما يتكلف لتوجيه أعمالهم الفاسدة و ابداء حيل لتصحيحها. (ش).

375
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکذب ص 374

كذبت كذّبناك.
2- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عمّن حدّثه. عن أبي جعفر عليه السّلام قال: كان علي بن الحسين صلوات اللّه عليهما يقول لولده: اتّقوا الكذب، الصغير منه و الكبير في كلّ جدّ و هزل، فإنّ الرجل إذا كذب في الصغير اجترى على الكبير، أ ما علمتم أنّ‏
__________________________________________________
 (فانك موقوف لا محالة و مسئول) تعليل للنواهي المذكورة و حث على الامتثال فان تذكر الوقوف بين يدى اللّه تعالى و السؤال عن الافعال الصادرة من اللسان و غيره يحرك الى ترك أمثال هذه المناهى.
 (فان صدقت صدقناك) أى فان صدقت بحفظ اللسان بل الجوارح كلها عما لا ينبغى لما ذكره بعض الاعلام من أن الصدق يتحقق أيضا فى الجوارح باستعمالها فيما خلقت له صدقناك فتكون مع الصادقين الذين امر اللّه عز و جل بالكون معهم.
 (و ان كذبت كذبناك) و نسبناك الى الكذب و نقول انك كاذب فتكون من الخاسرين فى يوم ينفع الصادقين صدقهم، و ذلك لانهم عليهم السلام شهداء يشهدون للناس و عليهم يوم القيامة كما نطقت به الآية الكريمة.
قوله (قال كان على بن الحسين صلوات اللّه عليهما يقول لولده اتقوا الكذب الصغير منه و الكبير فى كل جد و هزل) جد فى الامر يجد جدا من بابى ضرب و قتل. اجتهد فيه و الاسم الجد بالكسر و منه يقال فلان محسن جدا أى نهاية و مبالغة و جد فى الكلام جدا من باب ضرب هزل و الاسم منه الجد بالكسر أيضا. و الاول هو المراد هنا لان التأسيس خير من التأكيد، و هزل فى كلامه هزلا من باب ضرب مزح و لعب و الفاعل هازل، او هزال مبالغة، و الظاهر أن كل واحد من الجد و الهزل متعلق بالصغير و الكبير و تخصيص الاول بالكبير و الثانى بالصغير بعيد، و الحاصل أنه كما لا يجوز الكذب جدا مطلقا كذلك لا يجوز هزلا و هو اللعب و المزاح و ما يوجب الضحك من الكلام قال أمير المؤمنين: «و اياك أن تذكر من الكلام ما يكون مضحكا و ان حكيت ذلك عن غيرك» و قال رسول اللّه «ص» «ويل للذى يحدث فيكذب ليضحك ويل له ويل له» و روى أنه «ص» يمزح و لا يقول الا حقا و لا يؤذى قلبا و لا يفرط فيه. فالمزاح على حد الاعتدال مع عدم الكذب و الاذى لا حرج فيه بل هو من خصال الايمان، و الكذب فى الصغير ينبغى أن لا يساهل فيه فانه مع كونه قبيحا فى نفسه كثيرا ما يؤدى الى ما هو أقبح منه كما أشار إليه «ع» بقوله (فان الرجل اذا كذب فى الصغير اجترى على الكبير) أى على الكبير من الكذب، و لعله الكذب على اللّه و على رسوله أو مطلقا أو على الكبير من الذنوب فان‏

376
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکذب ص 374

رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال: ما يزال العبد يصدق حتّى يكتبه اللّه صدّيقا و ما يزال العبد يكذب حتّى يكتبه اللّه كذّابا.
3- عنه، عن عثمان بن عيسى، عن ابن مسكان، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ جعل للشرّ أقفالا و جعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب و الكذب شرّ من الشراب.
4- عنه، عن أبيه، عمّن ذكره، عن محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن أبيه عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ الكذب هو خراب الإيمان‏
__________________________________________________
الكذب كثيرا ما يؤدى الى ذنوب غيره كما أن ضده و هو الصدق يؤدى الى البر و الخير و العمل الصالح (أ ما علمتم أن رسول اللّه «ص» قال: ما يزال العبد يصدق حتى يكتبه اللّه صديقا و ما يزال العبد يكذب حتى يكتبه اللّه كذابا) صديق بالكسر و التثقيل كثير الصدق و الملازم له، و الّذي يطابق قوله فعله، و منه يفهم أن الصدق يؤدى الى العمل الصالح و الكذب خلافه، و فيه ترغيب فى تحرى الصدق دائما و ترك التساهل فى الكذب حتى يعرف به فانه اذا تساهل فى الكذب كثر منه و جر بعضه الى بعض حتى يعتاد به فيكتب اللّه الاول لمبالغته فى الصدق صديقا و يدخله فى زمرة الصديقين، و يكتب الثانى كذابا و يدخله فى جملة الكاذبين، و لعل معنى يكتب على ظاهره يكتب فى اللوح المحفوظ أو فى دفتر الاعمال، أو فى غيرهما أن فلانا صديق و فلانا كذاب ليعرفهما الناظرون إليه بهذين الوصفين، أو معناه يحكم لهما بذلك أو يوجب لهما استحقاق الوصف بصفة الصديقين و ثوابهم و صفة الكذابين و عقابهم، أو معناه أنه يلقى ذلك فى قلوب المخلوقين و يشهره بين المقربين و الا فالقضاء سبق بما كان و ما يكون و اللّه أعلم.
قوله (و الكذب شر من الشراب) يفيد أن الكذب شر مبدأ لجميع الشرور مثل خراب الدين و الدنيا و ثوران الفتنة و صب الدماء و نهب الاموال و تهيج العداوة و البغضاء و التفرق بين الاحبة الى غير ذلك من أنواع المفاسد و أنحاء الظلم، و لذلك اتفق أرباب الملل و غيرهم على تحريمه و ادعى المعتزلة أن قبحه بالضرورة لذاته و هو رذيلة مقابلة للصدق داخلة تحت رذيلة الفجور و الصدق بحكم المقابلة خير مبدأ لجميع الخيرات، و من طريق العامة عن النبي «ص» «قال: «ان الكذب فجور و ان الفجور يهدى الى النار، و ان الصدق بر و ان البر يهدى الى الجنة» و الفجور اسم جامع للشر كله و البراسم جامع للخير كله، و أما كونه شرا من الشراب فلعل الوجه فيه أن الشرور التابعة للشراب تصدر بلا شعور بخلاف الشرور التابعة للكذب. قوله (ان الكذب هو خراب الايمان) الحمل للمبالغة فى السببية لان الكذب يخرب‏

377
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکذب ص 374

5- الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، و عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد جميعا، عن الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
الكذب على اللّه و على رسوله صلى اللّه عليه و آله من الكبائر.
6- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن أبان الأحمر، عن فضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ أوّل من يكذّب الكذّاب اللّه عزّ و جلّ ثم المكان اللّذان معه. ثمّ هو يعلم أنّه كاذب.
7- عليّ بن الحكم، [عن أبان‏] عن عمر بن يزيد قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ الكذّاب يهلك بالبيّنات و يهلك أتباعه بالشبهات.
8- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي نجران، عن معاوية ابن وهب قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ آية الكذّاب بأن يخبرك خبر
__________________________________________________
ايمان الكاذب و يذهب بصالح دينه و يورث النفاق و يمنع أن ينتقش فى النفس صورة الحق و الصدق و يسد باب الخير و كل ذلك سبب لزوال الايمان أو نقصانه.
قوله (الكذب على اللّه و على رسوله «ص» من الكبائر) من الكذب على اللّه عز و جل انكاره و تشبيهه بالخلق و وصفه بصفة المخلوقين و اعتقاد الشريك و زيادة الصفات له و نسبة الجهل إليه، و تفسير كلامه بالرأى الناقص و نسبة عدم النص بالامام إليه. و على رسوله انكار رسالته، و وضع الحديث عليه و تفسير متشابهات كلامه و القطع به، و يدخل فيه الكذب على أمير المؤمنين و أولاده الطاهرين و فاطمة عليهم السلام و قد وقع جميع ذلك.
قوله (ان أول من يكذب الكذاب- الخ) فكل كذب عليه أربعة شهود أعظمهم هو اللّه سبحانه و كفى به شهيدا و فيه تنفير من الكذب و تقبيح له فليحذر الكاذب عن خجالة يوم تقام على كذبه شهادة مقبولة، و لو لم يشهد عليه لسانه لشهدت جوارحه، و الظاهر أن المراد بالكذب الكذب عن عمد بقرينة آخر الحديث.
قوله (ان الكذاب يهلك بالبينات و يهلك أتباعه بالشبهات) ألا ترى أن الكذابين الاولين هلكوا بالبينات الدالة على أن الخلافة لعلى «ع» و أتباعهم الى يوم القيامة هلكوا بالشبهات التى دخلت عليهم و كذا كل كذاب واضع للاحاديث و غيره فانهم يقولون كذبا مع ظهور بطلانه عندهم. ثم يتقول به من يشتبه عليه و هم يظنون أنه هين و هو عند اللّه عظيم.
قوله (ان آية الكذاب بأن يخبرك) الباء زائدة فى الخبر كما فى قولك حسبك‏

378
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکذب ص 374

السماء و الأرض و المشرق و المغرب فإذا سألته عن حرام اللّه و حلاله لم يكن عنده شي‏ء.
9- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ الكذبة لتفطّر الصائم، قلت: و أيّنا لا يكون ذلك منه؟! قال: ليس حيث ذهبت إنّما ذلك الكذب على اللّه و على رسوله و على الائمّة صلوات اللّه عليه و عليهم.
10- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى. عن بعض أصحابه رفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: ذكر الحائك لأبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه ملعون فقال: إنّما ذاك الّذي يحوك الكذب على اللّه و على رسوله صلى اللّه عليه و آله.
11- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن القاسم بن عروة عن عبد الحميد الطائي، عن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لا يجد عبد طعم الإيمان حتّى يترك الكذب هزله و جدّه.
12- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرّحمن بن‏
__________________________________________________
بزيد أى آية الكذاب فى دعوى الدين و الايمان أن يخبرك خبر السماء و الارض و المشرق و المغرب فاذا سألته عن حلال اللّه و حرامه لم يكن عنده شي‏ء، و فيه ذم لمن يصرف عمره فى القصص و الحكايات و التواريخ و طلب علم النجوم و الرياضى و الهندسة و نحوها و تركه طلب المعارف الشرعية و العلوم الدينية النافعة فى الآخرة مثل علم الاحكام و الاخلاق و مراقبة النفس قوله (ان الكذبة لتفطر الصائم- الخ) دل على أن الكذب على اللّه و على رسوله و على الائمة عليهم السلام يفسد الصوم كما هو مذهب جماعة من الاصحاب و هم اختلفوا فقيل: يجب به القضاء و الكفارة، و قيل يجب به القضاء خاصة و المشهور أنه لا يفسد و ان تضاعف به العقاب.
قوله (قال أمير المؤمنين «ع» لا يجد عبد طعم الايمان حتى يترك الكذب هزله وجده) ان اريد بالايمان الكامل فالامر واضح لان الصدق من أجزائه فالكذب ينافيه و ان اريد به الاعتقاد الحق. فالمراد بذلك نفى استقراره و رسوخه فى القلب لان الكذب و هو من أعظم الرذائل يشعر بعدم ثبوته و رسوخه و عدم استقامة القلب فكان الكاذب ليس بمؤمن كما أشار إليه النبي و أمير المؤمنين صلوات اللّه عليهما بقولهما «جانبوا الكذب فانه مجانب للايمان».

379
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکذب ص 374

الحجّاج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الكذّاب هو الّذي يكذب في الشي‏ء، قال: لا، ما من أحد إلّا أن يكون ذلك منه و لكنّ المطبوع على الكذب.
13- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن الحسن بن ظريف، عن أبيه، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال عيسى بن مريم عليه السّلام: من كثر كذبه ذهب بهاؤه.
14- عنه، عن عمرو بن عثمان، عن محمّد بن سالم، رفعه قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: ينبغي للرّجل المسلم أن يجتنب مؤاخاة الكذّاب، فإنّه يكذب حتّى يجي‏ء بالصّدق فلا يصدّق.
15- عنه، عن ابن فضّال، عن إبراهيم بن محمّد الأشعري، عن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ ممّا أعان اللّه [به‏] على الكذّابين النسيان.
16- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبي يحيى الواسطي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: الكلام ثلاثة صدق و كذب و إصلاح بين الناس قال: قيل له: جعلت فداك ما الاصلاح بين النّاس؟ قال: تسمع من الرّجل كلاما يبلغه فتخبث نفسه فتلقاه فتقول: سمعت من فلان قال فيك من الخير كذا و كذا خلاف ما سمعت منه‏
__________________________________________________
قوله (من كثر كذبه ذهب بهاؤه) أى ذهب حسنه و جماله و وقره عند الخلق فان الخلق و ان لم يكونوا من أهل الملة يكرهون الكذب و يقبحونه و يتنفرون من أهله.
قوله (فانه يكذب حتى يجي‏ء بالصدق فلا يصدق) و من كان كذلك فلا خير فى مواخاته مع أنه جذاب لطبع الجليس الى طبعه.
قوله (ان مما اعان اللّه [به‏] على الكذابين النسيان) و لذلك يأتون كثيرا ما بالاخبار المتضادة و الاقوال المتخالفة و يفتضحون بذلك عند العامة و الخاصة.
قوله (فتقول قد سمعت من فلان قال فيك من الخير كذا و كذا خلاف ما سمعت منه) هذا الخبر و ان كان كذبا لغة و عرفا لا تورية و لا تعريض فيه أصلا جائز لقصد الاصلاح بين الناس، و الظاهر أنه لا خلاف فيه عند أهل الاسلام. و من طريق العامة «ليس بالكاذب من أصلح بين اثنين فقال خيرا و نمى خيرا» و قد اتفقت الامة على أنه لو جاء ظالم يطلب رجلا مختفيا ليقتله ظلما أو يطلب وديعة إنسان ليأخذها غصبا وجب الاخفاء على من علم ذلك فأمثال هذا الكذب‏

380
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکذب ص 374

17- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن حمّاد بن عثمان، عن الحسن الصيقل قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّا قد روّينا، عن أبي جعفر عليه السّلام في قول يوسف عليه السّلام: «أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ»؟ فقال: و اللّه ما سرقوا و ما كذب، و قال إبراهيم عليه السّلام: «بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ»؟
فقال: و اللّه ما فعلوا و ما كذب، قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما عندكم فيها يا صيقل؟ قال: فقلت: ما عندنا فيها إلّا التسليم، قال: فقال: إنّ اللّه أحبّ اثنين و أبغض اثنين أحبّ الخطر فيما بين الصفّين و أحبّ الكذب في الإصلاح، و أبغض الخطر في الطرقات و أبغض الكذب في الإصلاح، إنّ إبراهيم عليه السّلام إنّما قال:
__________________________________________________
ليست بمذمومة فى نفس الامر بل اما واجبة أو مندوبة لان الكذب انما يذم و يترك للّه تعالى فاذا كان للّه تعالى انقلب حكمه نعم الاولى أن لا يسمى ذلك كذبا لاشتهاره بكونه مذموما بل يسمى اصلاحا فهذا قسم ثالث واسطة بين اسمى الصدق و الكذب كما نطق به «ع».
قوله (أنه قد روينا عن أبى جعفر «ع» فى قول يوسف «ع» أيتها العير انكم لسارقون) هذا لم يكن قول يوسف «ع» و انما كان قول مناديه و نسب إليه لوقوعه بأمره، و العير بالكسر الابل تحمل الميرة ثم غلب على كل قافلة.
 (و قال ابراهيم «ع» «بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ»؟ فقال: و اللّه ما فعلوا و ما كذب) أريد بالكبير الكبير فى الخلقة أو التعظيم، قيل كانت لهم سبعون صنما مصطفة و كان ثمة صنم عظيم مستقبل الباب من ذهب و فى عينيه جوهرتان تضيئان بالليل، و لعل ارجاع ضمير جمع المذكر العاقل الى الاصنام من باب التهكم أو باعتبار أنها يعقلون و يفهمون و يجيبون بزعم عبادها، و أما ضمير الجمع فى قوله «ع» و اللّه ما فعلوا فراجع الى الكبير باعتبار إرادة الجنس الشامل للمتعدد، و لو فرضا أو الى الاصنام للتنبيه على اشتراك الجميع فى عدم صلاحية صدور ذلك الفعل منه و اللّه أعلم.
 (أحب الخطر فيما بين الصفين) أى اهتزاز الرجل و تبختره فى المشى كمشى المتكبر المعجب بنفسه (ان ابراهيم «ع» انما قال: «بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا» إرادة الاصلاح و دلالة على أنهم لا يفعلون) لعل المراد إرادة اصلاح حال قومه برجوعهم عن عبادة الاصنام وجه الدلالة أن العاقل اذا تفكر فى نسبة الكسر إليها و علم أنه لا يصح ذلك الا من ذى شعور عاقل قادر و علم أن هذه الاوصاف منتفية فيها و علم أنها لا تقدر على دفع الاستخفاف و الضرر عن نفسها علم أنها ليست بمستحقة للالوهية و العبادة و يكون ذلك داعيا الى الرجوع عنها، و رفض‏

381
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکذب ص 374

«بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا»
 إرادة الإصلاح و دلالة على أنّهم لا يفعلون، و قال: يوسف عليه السّلام إرادة الإصلاح‏
__________________________________________________
العبادة لها و للعلماء فيه وجوه اخر:
الاول أنه من المعاريض التى يقصد بها الحق و الزام الخصم و تبكيته فلم يكن قصده «ع» أن ينسب الفعل الصادر عنه الى الصنم و انما قصده أن يقرره لنفسه على اسلوب تعريضى و هذا كما لو قال صاحبك و قد كتبت كتابا بخط حسن و أنت مشهور بحسن الخط أنت كتبت هذا؟ و صاحبك امى لا يحسن الخط و لا يقدر فقلت بل كتبته أنت، كان قصدك بهذا الجواب تقريره لك مع الاستهزاء به لا نفيه عنك و اثباته لصاحبك الامى و التعريض مما يجوز عقلا و نقلا لمصلحة كجلب نفع أو دفع ضرأ أو استهزاء فى موضعه أو نحوها.
الثانى أنه «ع» غاظته الاصنام حين رآها مصطفة مرتبة و كان غيظ كبيرها أشد لما رأى من زيادة تعظيمهم و توقيرهم له فاسند الفعل إليه لانه هو السبب فى استهانته و كسره لها، و الفعل كما يسند الى المباشر يسند الى السبب أيضا.
الثالث ان ذلك حكاية لما يقود إليه مذهبهم كأنه قال: ما تنكرون أن يفعله كبيرهم فان من حق من يعبد و يدعى إلها أن يقدر على أمثال هذه الافعال سيما الكبير الّذي يستنكف أن يعبد معه هذه الصغار.
الرابع ما روى عن الكسائى أنه كان يقف عند قوله «بَلْ فَعَلَهُ» ثم يبتدأ «كَبِيرُهُمْ هذا» أى فعله من فعله، و هذا من باب التورية اذ له ظاهر و باطن. باطنه ما ذكر و ظاهره اسناد الفعل الى الكبير و فهمهم تعلق به، و مراده «ع» هو الباطن.
الخامس ما روى عن بعضهم أنه كان يقف عند قوله «كَبِيرُهُمْ» ثم يبتدى بقوله «هذا فَسْئَلُوهُمْ» و أراد بالكبير نفسه لان الانسان أكبر من كل صنم، و هذا أيضا من باب التورية، و أنت خبير بانه يتم حينئذ بدون الوقف أيضا بأن يكون هذا اشارة الى نفسه المقدسة و المغايرة بين المشير و المشار إليه بحسب الاعتبار كاف فى الاشارة.
السادس أن فى الكلام تقديما و تأخيرا و التقدير بل فعله كبيرهم ان كانوا ينطقون فاسألونهم فيكون اضافة الفعل الى كبيرهم مشروطا بكونهم ناطقين فلما لم يكونوا ناطقين لم يكونوا فاعلين و الغرض منه تسفيه القوم و تقريعهم و توبيخهم لعبادة من لا يسمع و لا ينطق و لا يقدر على أن يخبر عن نفسه بشي‏ء. (و قال يوسف «ع» إرادة الاصلاح) كان المراد إرادة الاصلاح بينه و بين اخوته فى حبس أخيه بنيامين عنده و الزامهم على ذلك بحيث لا يكون لهم محل منازعة فيه و لم يتيسر

382
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکذب ص 374

18- عنه، عن أبيه، عن صفوان، عن أبي مخلّد السّراج، عن عيسى بن حسّان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: كلّ كذب مسئول عنه صاحبه يوما إلّا [كذبا] في ثلاثة: رجل كائد في حربه فهو موضوع عنه، أو رجل أصلح بين اثنين يلقى هذا بغير ما يلقى به هذا، يريد بذلك إصلاح ما بينهما، أو رجل وعد أهله شيئا و هو لا يريد أن يتمّ لهم‏
__________________________________________________
له ذلك الا بأمر بن أحدهما نسبة السرقة إليه، و ثانيهما التمسك بحكم آل يعقوب فى السارق و هو استرقاق السارق سنة و كان حكم ملك مصر أن يضرب السارق و يغرم ما سرق فلم يتمكن من أخذ أخيه فى دين الملك فلذلك أمر فتيانه بأن يدسوا الصاع فى رحل أخيه و أن ينسبوا السرقة إليه و ان يستفتوا فى جزاء السارق منهم فقالوا جزاؤه من وجد فى رحله فهو جزاؤه أى أخذ السارق نفسه هو جزاؤه لا غير فلما فتشوا وجدوا الصاع فى رحل أخيه فأخذوا برقبته و حكموا برقيته و لم يبق لاخوته محل منازعة فى حبسه الا أن قالوا على سبيل التضرع أو الالتماس «فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ» فزدهم بقوله «مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ» قيل: أراد أنا اذا أخذنا غيره لظالمون فى مذهبكم لان استعباد غير من وجد الصاع فى رحله ظلم عندكم او أراد ان اللّه أمرنى و أوحى الى ان آخذ بنيامين فلو أخذت غيره كنت عاملا بخلاف الوحى.
و للعلماء فيه أيضا وجوه اخر:
الاول ان ذلك النداء لم يكن بأمره بل نادوا من عند أنفسهم لانهم لما لم يجدوا الصاع غلب على ظنهم أنهم أخذوه.
الثانى أنهم لم ينادوا أنكم سرقتم الصاع فلعل المراد أنكم سرقتم يوسف من أبيه يدل عليه ما رواه الصدوق فى كتاب العلل باسناده عن أبى عبد اللّه «ع» أنه قال: فى تفسير هذه الآية انهم سرقوا يوسف من أبيه، ألا ترى أنهم حين قالوا ما ذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك. و لم يقولوا سرقتم صواع الملك.
الثالث لعل المراد من قولهم إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ الاستفهام كما فى قوله تعالى حكاية «هذا رَبِّي»* و ان كان ظاهره الخبر و أيد ذلك بأن فى مصحف ابن مسعود «أ إنكم» بالهمزتين.
قوله (قال سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول كل كذب مسئول عنه صاحبه يوما الا [كذبا] فى ثلاثة: رجل كائد فى حربه فهو موضوع عنه، او رجل أصلح بين اثنين يلقى هذا بغير ما يلقى به هذا يريد بذلك الاصلاح ما بينهما. أو رجل وعد أهله شيئا و هو لا يريد أن يتم لهم) ظاهره يفيد جواز الكذب في هذه الثلاثة من غير تورية و لا ريب فى أنها أولى مع الامكان‏

383
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکذب ص 374

19- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن عبد اللّه بن مغيرة، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المصلح ليس بكذّاب.
20- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّه بن يحيى الكاهليّ، عن محمّد بن مالك، عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: حدّثني أبو عبد اللّه عليه السّلام بحديث، فقلت له: جعلت فداك أ ليس زعمت لي السّاعة كذا و كذا؟ فقال‏
__________________________________________________
و هى أن تطلق لفظا ظاهرا فى معنى و تريد آخر يتناوله ذلك اللفظ. و لكنه خلاف ظاهره و مضمون الحديث متفق عليه بين الخاصة و العامة ففى الترمذي عن النبي «ص» «لا يحل الكذب الا فى ثلاث يحدث الرجل امرأته ليرضاها، و الكذب فى الحرب و الكذب فى الاصلاح بين الناس» و في كتاب مسلم. قال ابن شهاب و هو احد رواته لم اسمع يرخص فى شي‏ء مما يقول الناس كذب الا فى ثلاث: الحرب، و الاصلاح بين الناس، و حديث الرجل امرأته و حديث المرأة زوجها قال عياض لا خلاف فى جوازه فى الثلاث و انما يجوز فى صورة ما يجوز منه فيها فأجاز قوم فيها صريح الكذب و ان يقول ما لم يكن لما فيه من المصالح و يندفع فيها الفساد. قالوا و قد يجب لنجاة مسلم من القتل و قال بعضهم لا يجوز فيها التصريح بالكذب، و انما يجوز فيها التورية بالمعاريض «1» و هى شي‏ء يخلص من المكروه و الحرام الى الجائز اما القصد الاصلاح بين الناس أو لدفع ما يضر أو لغير ذلك و تأول المروى على ذلك، و قال مثل ان يعده زوجته ان يفعل لها و يحسن إليها و نيته ان قدر اللّه تعالى أو يأتيها فى هذا بلفظ محتمل و كلمة مشتركة يفهم من ذلك ما يطيب قلبها، و كذلك فى الاصلاح بين الناس ينقل لهؤلاء الكلام المحتمل و الغدر
__________________________________________________
 (1) قوله «و انما يجوز فيها التورية بالمعاريض» و هنا نكتة يجب التنبيه عليها و هى ان الجاهل يتوهم التورية مخرجة للكذب عن موضوعه فاذا تكلم بكلام ظاهره كاذب و قصد به معنى صادقا فكلامه ليس بكذب موضوعا و هذا يوجب تجويز كل كذب بالتورية و ان لم يكن من الامور الثلاثة اعنى الكيد فى الحرب او الاصلاح بين الناس و وعد الاهل و هذا غير مراد قطعا و انما المجوز تلك الامور الثلاثة لا التورية و الكاذب لغير تلك الاعذار معاقب و ان ورى لكن الغرض من التورية فى موارد الاعذار تأديب النفس حتى لا يعتاد الكذب مطلقا بتكراره فى موارد العذر فان الانسان اذا تكرر عليه الفعل و لو لعذر سلب عنه الاستيحاش عن القبائح مثلا من شرب المسكر مكررا للضرورة لم يستوحش منه كمن لم يشرب منه قط و بالجملة ليت التورية بنفسها من مجوزات الكذب اذا لم يمكن عذر آخر (ش).

384
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکذب ص 374

لا، فعظم ذلك عليّ، فقلت: بلى و اللّه زعمت، فقال: لا و اللّه ما زعمته، قال: فعظم عليّ فقلت: جعلت فداك بلى و اللّه قد قلته، قال: نعم قد قلته أ ما علمت أنّ كلّ زعم في القرآن كذب.
21- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عن أبي إسحاق الخراساني قال: كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يقول: إيّاكم و الكذب فإنّ كلّ‏
__________________________________________________
المحتمل، و كذلك فى الحرب مثل أن يقول لعدوه: انحل حزام سرجك و يريد فيما مضى، و يقول لجيش عدوه: مات أميركم ليذعر قلوبهم و يعنى النوم أو يقول لهم غدا يأتينا مدد و قد أعد قوما من عسكره ليأتوا فى صورة المدد أو يعنى بالمدد الطعام فهذا نوع من الخدع الجائزة و المعاريض المباحة، و قال القرطبى: لعل هذا القائل استند فى منعه التصريح بقاعدة حرمة الكذب و تاويله الاحاديث بحملها على المعاريض ما يعضده دليل. و أما الكذب ليمنع مظلوما من الظلم عليه فلم يختلف فيه احد من الامم لا عرب و لا عجم، و من الكذب الّذي يجوز بين الزوجين الاخبار بالمحبة و الاغتباط و ان كان كذبا لما فيه من الاصطلاح و دوام الالفة.
قوله (نعم قد قلته أ ما علمت أن كل زعم فى القرآن كذب) «1» فى الزعم ثلاث لغات فتح الزاى، للحجاز، و ضمها لاسد، و كسرها لبعض قيس. اى نعم قد قلت ذلك لا زعمته لان الزعم هو الكذب و ما كذبت يدل على ذلك أن كل زعم فى القرآن كذب مثل قوله تعالى حكاية «أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ» و قوله تعالى «زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا» و قد صرح به أيضا أرباب اللغة قال الازهرى: أكثر ما يكون الزعم فيما يشك فيه، و لا يتحقق، و قال بعضهم هو كناية عن الكذب، و قال المرزوقى أكثر ما يستعمل فيما كان باطلا أو فيه ارتياب، و قال ابن القوطية زعم زعما قال خبرا لا يدرى أحق هو أو باطل. قال الخطابى و لهذا قيل: زعم مطية الكذب و زعم غير مزعم أى قال غير مقول صالح و ادعى ما لم يمكن. و اذا كان كذلك لم يصح اسناده الى من علم صدق قوله قطعا.
قوله (قال كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يقول: اياكم و الكذب فان كل راج طالب و كل خائف هارب) حذر من الكذب على اللّه و على رسوله و على غيرهما و فى ادعاء الدين مع ترك العمل به و رغب فى الصدق بأن الكذب ينافى الايمان و ذلك لان الكاذب لم يطلب الثواب‏
__________________________________________________
 (1) قوله «كل زعم فى القرآن كذب» مناسبة هذا الخبر لهذا الباب خفية و مقصود الامام «ع» تنبيه الراوى على استعمال كلمة فى غير معناه و لم ينسب الراوى الى الامام «ع» كذبا و لم يعاتبه الامام على ذلك حتى يناسب الباب (ش).

385
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکذب ص 374

راجع طالب و كلّ خائف هارب.
22- أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن الحجّال، عن ثعلبة، عن معمر بن عمرو، عن عطاء، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: لا كذب على مصلح، ثمّ تلا «أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ» ثمّ قال: و اللّه ما سرقوا و ما كذب، ثمّ تلا «بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ» هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ» ثمّ قال: و اللّه ما فعلوه و ما كذب.
 (باب ذى اللسانين)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن عون القلانسي عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من لقي المسلمين بوجهين و لسانين جاء يوم القيامة و له لسانان من نار
__________________________________________________
و كل من لم يطلب الثواب فهو ليس براج بحكم المقدمة الاولى و لم يهرب من العقاب و كل من لم يهرب من العقاب فهو ليس بخائف بحكم المقدمة الثانية. و من انتفى فيه الخوف و الرجاء فهو ليس بمؤمن كما هو المقرر عند أهل الايمان و دلت عليه الروايات و اللّه يعلم حقيقة كلام وليه.
قوله (قال من لقى المسلمين بوجهين و لسانين جاء يوم القيامة و له لسانان من نار) قال الشهيد الثانى: كونه ذا اللسانين و ذا الوجهين من الكبائر للتوعد عليه بخصوصه، و يتحقق هذا الوصف بامور: منها أن يتردد بين اثنين سيما المتعاديين و يكلم كل واحد منهما بكلام يوافقه و ذلك عين النفاق، و منها ان ينقل كلام كل واحد الى الاخر و هو مع ذلك نميمة و زيادة فان النميمة تتحقق بالنقل من أحد الجانبين فقط و هو من شر خلق اللّه كما روى عن النبي «ص» «تجدون من شر عباد اللّه يوم القيامة ذا الوجهين الّذي يأتى هؤلاء بحديث هؤلاء و هؤلاء بحديث هؤلاء» و فى حديث آخر «الّذي يأتى هؤلاء بوجه و هؤلاء بوجه» و منها أن يحسن لكل واحد منهما ما هو عليه من المعاداة مع صاحبه و ان لم ينقل بينهما كلاما، و منها أن يعد كل واحد منهما بأن ينصره و يساعده، و منها أن يثنى على كل واحد منهما فى معاداته و أولى منه أن يثنى عليه فى وجهه و اذا خرج من عنده ذمه و الّذي ينبغى أن يسكت أو يثنى على المحق منهما فى حضوره و غيبته و بين يدى عدوه، و منها أن يطرى أخاه شاهدا و يأكله غائبا ان اعطى حسده و ان ابتلى خذله كما سيجي‏ء من الرواية عن أبى جعفر «ع» و يوافقه ما روى عنه «ع» أيضا قال: «بئس العبد همزة لمزة يقبل بوجه و يدبر بآخر» و اختلاف اللسانين مع اعداء الدين و الامراء الظالمين و الدخول‏

386
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ذى اللسانین ص 386

2- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي شيبة، عن الزهري، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: بئس العبد عبد يكون ذا وجهين و ذا لسانين: يطري أخاه شاهدا و يأكله غائبا، إن اعطي حسده و إن ابتلي خذله.
3- عليّ بن إبراهيم. عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عن عبد الرّحمن بن حمّاد رفعه قال: قال اللّه تبارك و تعالى لعيسى بن مريم عليه السّلام: يا عيسى لكن لسانك في السرّ و العلانيّة لسانا واحدا و كذلك قلبك: إنّي احذّرك نفسك و كفى بي خبيرا، لا يصلح لسانان في فم واحد و لا سيفان في غمد واحد و لا قلبان في صدر واحد، و كذلك الأذهان.
 «باب الهجرة»
1- الحسين بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن القاسم بن الرّبيع، و عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، رفعه قال: في وصيّة المفضّل: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام‏
__________________________________________________
عليهم ان كان لضرورة أو دفع مضرة أو تقية فجائز بقدر الحاجة، و ان كان لحب الجاه و المال أو لغيرهما فهو ذو لسانين منافق تحت الوعيد.
قوله (قال اللّه تبارك و تعالى لعيسى بن مريم «ع» يا عيسى ليكن لسانك فى السر و العلانية لسانا واحدا- الخ) أمره اللّه تعالى بثلاثة أشياء هى امهات جميع الخصال الفاضلة و الاعمال الصالحة.
الاول أن يكون لسانه فى جميع الاحوال واحدا يقول الحق و يتكلم به فلا يقول فى السر خلاف ما يقول فى العلانية كما هو شأن الجهال لان ذلك خدعة و نفاق و حيلة و تفريق بين العباد و اغراء بينهم، و قد يجوز ذلك لغرض صحيح من غير مفسدة كما مر فى باب من يتقى شره و غيره.
الثانى أن يكون قلبه واحد قابلا للحق وحده غير متلون بالحيل و لا متلوث بالمكر و الختل فان ذلك يميت القلب و يبعده من الحق و يورثه أمراضا مهلكة و يميله الى الجور فى الحكم.
الثالث أن يكون ذهنه واحدا و هو الذكاء و الفطنة، و لعل المراد به هنا الفكر فى الامور الحقة النافعة و مباديها و بوحدته خلوصه عن الفكر فى الباطل و الشرور و تحصيل بماديها و كيفية الوصول إليها، و بالجملة أمره أن يكون لسانه واحدا و قلبه واحدا و ذهنه واحدا و مطلبه واحدا، و لما كان سبب التعدد و الاختلاف أمرين أحدهما تسويل النفس، و الثانى الأمن من المؤاخذة و اللوم لعدم علم أحد به قال تبارك و تعالى انى احذرك نفسك و كفى بى خبيرا فحذره من تسويلات النفس و امره بمراقبتها و اعلمه بانه تعالى عالم بالسرائر و كفى‏

387
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ذى اللسانین ص 386

يقول: لا يفترق رجلان على الهجران إلّا استوجب أحدهما البراءة و اللّعنة و ربما استحقّ ذلك كلاهما، فقال له معتب: جعلني اللّه فداك هذا الظالم فما بال المظلوم؟
قال: لأنّه لا يدعو أخاه إلى صلته و لا يتغامس له عن كلامه، و سمعت أبي يقول إذا تنازع اثنان فعازّ أحدهما الاخر فليرجع المظلوم إلى صاحبه حتّى يقول لصاحبه:
أي أخي أنا الظالم، حتّى يقطع الهجران بينه و بين صاحبه، فإنّ اللّه تبارك و تعالى حكم عدل يأخذ للمظلوم من الظالم.
2- علي بن إبراهيم، عن أبيه، و محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لا هجرة فوق ثلاث‏
__________________________________________________
به خبيرا فيجزى كل أحد بما عمل.
قوله (لا يفترق رجلان على الهجران الا استوجب أحدهما البراءة و اللعنة و ربما استحق ذلك كلاهما) الهجر و الهجران خلاف الوصل يقال هجر أخاه من باب قتل هجرا و هجرانا فهو هاجر و الاخ مهجور اذا تركه و قطع كلامه، و التغامس بالغين المعجمة التغافل، و أصل الغمس الاخفاء و أن تظهر أنك لا تعرف الامر و انت تعرفه و المعازة الغلبة. يقال عازه فى الخطاب بتشديد الزاى اذا غلبه و اشتد كعزه، و فى بعض النسخ بدل فعاز فعال من العول و هو الجور و الظلم، و لما كان الخير فى الاجتماع و الالفة و المحبة حتى يصيروا كشخص واحد و به يتم نظام الدين و الدنيا و كان فى الفرقة أضداد ذلك حذر «ع» من الاصرار على العداوة و العدوان و من القطع و الهجران بذكر مفاسده و سوء عاقبته، و اختصاص أحدهما بالبراءة و اللعنة من أجل أنه الباعث أو غير قابل لعذر الاخر، و استحقاق كليهما باعتبار أنهما الباعثان و القاصدان لاستمراره القطع.
قوله (قال رسول اللّه «ص» لا هجرة فوق ثلاث) المؤمنون متساوون فى كونهم عباد اللّه و ملتهم ملة واحدة و تعاونهم فى الامور الدينية و الدنيوية مطلوب للشارع فوجب عليهم أن يكونوا اخوة بررة متواصلين متآلفين غير مفترقين كما قال عز و جل وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا و لو وقع بينهم موجدة أو تقصير فى حقوق العشرة و الصحبة و أفضى ذلك الى الهجرة فالواجب عليهم أن لا يبقوا عليها فوق ثلاث ليال و أما الهجر فى الثلاث فظاهر الحديث بحسب المفهوم أنه معفو عنه و سببه أن البشر لا يخلو من غضب و سوء خلق فسومح فى تلك المدة مع احتمال أن يكون حكمها مسكوتا عنه، و انما قلنا فى حقوق العشرة لان هجر أهل الاهواء و البدع مطلوب‏

388
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ذى اللسانین ص 386

3- حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يصرم ذوي قرابته ممّن لا يعرف الحقّ قال: لا ينبغي له أن يصرمه.
4- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن عليّ بن حديد، عن عمّه مرازم ابن حكيم قال: كان عند أبي عبد اللّه عليه السّلام رجل من أصحابنا يلقب شلقان و كان قد صيّره في نفقته و كان سيّئ الخلق فهجره، فقال: لي يوما يا مرازم [و] تكلّم عيسى؟ فقلت: نعم، فقال: أصبت لا خير في المهاجرة.
5- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن أبي سعيد القمّاط عن داود بن كثير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: قال أبي عليه السّلام: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أيّما مسلمين تهاجرا فمكثا ثلاثا لا يصطلحان إلّا كانا خارجين من الإسلام و لم يكن بينهما ولاية، فأيّهما سبق إلى كلام أخيه كان السّابق إلى الجنّة يوم الحساب.
6- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ الشيطان يغري بين المؤمنين ما لم يرجع أحدهم عن دينه فإذا فعلوا ذلك استلقى على قفاه و تمدّد، ثمّ قال: فزت، فرحم اللّه امرأ ألّف بين وليّين لنا، يا معشر المؤمنين تألّفوا و تعاطفوا.
7- الحسين بن محمّد، عن عليّ بن محمّد بن سعيد، عن محمّد بن مسلم، عن محمّد بن محفوظ
__________________________________________________
ما لم يظهر منه التوبة و الرجوع الى الحق فان ذلك من أقسام الامر بالمعروف و النهى عن المنكر.
قوله (كان عند أبى عبد اللّه «ع» رجل من أصحابنا يلقب شلقان) شلقان لقب عيسى بن أبى منصور و قد ذكر أصحاب كتب الرجال فى مدحه روايات كثيرة، و الظاهر أن ضمير المنصوب) [1] فى قوله فهجره راجع الى مرازم، و كان مرازم يقوم بكثير من خدمات أبى عبد اللّه «ع» و ارجاعه الى أبى عبد اللّه «ع»، و قراءة و نكلم على صيغة المتكلم مع الغير دون الخطاب محتمل لكنه بعيد.
قوله (ان الشيطان يغرى بين المؤمنين) دل على ان الهجران من اغراء الشيطان و ان الشيطان مع المؤمنين و أنه لا يفارقهم حتى يخرجهم عن دينهم فانه غاية مناه و نهاية تمناه. فاذا حصل حصلت له الراحة و الفوز بالمطلوب و بحكم المقابلة كان المؤلف بين المؤمنين مرحوما فلذلك قال: (فرحم‏
__________________________________________________
 [1] قوله و الظاهر أن الضمير المنصوب» عبارة الخبر غير مستقيمة لا تفسر بغير تكلف لان القائل اما مرازم أو على بن حديد. فان كان الاول كان الواجب أن يقول هجرنى لا هجره و ان كان الثانى وجب أن يقول قال له يوما يا مرازم لا قال لى. و روى الخبر فى رجال أبى على بغير كلمة «لى» و الاظهر ما فى الوافى فى تفسيره يعنى هجر عيسى أبا عبد اللّه «ع» و خرج من عنده بسبب سوء خلقه مع أصحاب أبى عبد اللّه «ع» و كون مرازم منهم و هذا يستقيم من غير تكلف و لا يحتاج الى قراءة تكلم على صيغة المتكلم مع الغير لان الظاهر أن شلقان لما هجر الامام و خرج عن داره أبغضه خدامه «ع» و كانوا فى معرض الهجر فنبههم الامام على أن يعفوا عن سوء خلقه و لا يهاجروه. (ش)

389
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ذى اللسانین ص 386

عن عليّ بن النعمان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يزال إبليس فرحا ما اهتجر المسلمان، فاذا التقيا اصطكّت ركبتاه و تخلّعت أوصاله و نادى يا ويله، ما لقي من الثبور.
باب قطعية الرحم‏
1- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: في حديث:
ألا إنّ في التباغض الحالقة، لا أعني حالقة الشعر و لكن حالقة الدّين.
2- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن الفضيل عن حذيفة بن منصور قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: اتّقوا الحالقة فإنّها تميت الرّجال، قلت: و ما الحالقة؟ قال: قطعية الرّحم.
3- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عثمان بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: إنّ إخوتي و بني عمّي قد ضيقوا عليّ الدّار و ألجئوني منها إلى بيت و لو تكلّمت أخذت ما في أيديهم، قال: فقال لي: اصبر
__________________________________________________
اللّه) مصدرا بالفاء قوله (فاذا التقيا اصطكت ركبتاه و تخلعت أوصاله) أى اضطربت ركبتاه أو ضربت إحداهما الاخرى عند المشى و تفككت أوصاله. و ثبر اللّه الكافر ثبورا من باب قعد أهلكه و ثبر هو ثبورا يتعدى و لا يتعدى.
قوله (ألا ان فى التباغض الحالقة لا أعنى حالقة الشعر و لكن حالقة الدين) الحالقة الآلة القاطعة للشعر كالموسى، و المراد بها الخصلة التى من شأنها أن تحلق أى تهلك و تستأصل الدين كما تستأصل الموسى الشعر أى فى تباغض بعضهم بعضا هلاك دينهم و فساده و حمل هذا على النهى عن الامور الموجبة للتباغض و التجانب مثل قطع الرحم و غيره ممكن، و بغض الفاسق لاجل فسقه خارج عنه بدليل خارج.
قوله (اتقوا الحالقة فانها تميت الرجال قلت و ما الحالقة؟ قال: قطيعة الرحم) قطع الرحم ضد صلتها و هو ترك الاحسان الى الاقربين و التعطف عليهم و الرفق بهم و الرعاية لاحوالهم. و الرحم فى الاصل منبت الولد و وعاؤه فى البطن ثم سميت القرابة من جهة الولادة رحما، و منها ذو الرحم خلاف الاجنبى و المراد باماتة الرجال إماتة قلوبهم و دينهم أو افناء حياتهم و آجالهم أو الاعم منهما.

390
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب قطعیة الرحم ص 390

فإنّ اللّه سيجعل لك فرجا، قال: فانصرفت و وقع الوباء في سنة إحدى و ثلاثين [و مائة] فماتوا و اللّه كلّهم فما بقي منهم أحد، قال: فخرجت فلمّا دخلت عليه قال:
ما حال أهل بيتك؟ قال: قلت له: قد ماتوا و اللّه كلّهم، فما بقي منهم أحد، فقال: هو بما صنعوا بك و بعقوقهم إيّاك و قطع رحمهم بتروا أ تحبّ أنّهم بقوا و أنّهم ضيّقوا عليك؟
قال: قلت: إي و اللّه.
4- عنه، عن أحمد، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: في كتاب عليّ عليه السّلام: ثلاث خصال لا يموت صاحبهنّ أبدا حتّى يرى و بالهنّ: البغي و قطيعة الرّحم و اليمين الكاذبة يبارز اللّه بها، و إنّ أعجل الطّاعة ثوابا لصلة الرّحم و إنّ القوم ليكونون فجّارا فيتواصلون فتنمى أموالهم و يثرون و إنّ اليمين الكاذبة و قطيعة الرّحم لتذران الدّيار بلاقع من أهلها و تنقل الرحم و إنّ نقل الرّحم انقطاع النسل‏
__________________________________________________
قوله (و وقع الوباء فى سنة احدى و ثلاثين) أى فى سنة أحدى و ثلاثين و مائة حذف لفظ مائة لوضوح الامر أو سقط من قلم الناسخ الاول.
و الباء فى قوله: (و بعقوقهم اياك و قطع رحمهم) متعلق بقوله (بتروا) و سبب للتبتير و هو الاهلاك، و التقديم لقصد الحصر.
قوله (و ان أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم) الثواب الرجوع و العود، و الثواب الجزاء و أجر المطيع لانه نفع يعود إليه و هو اسم من الاثابة أو التثويب و أعظم عوده إليه فى الآخرة، و قد يعود إليه فى الدنيا أيضا من غير أن ينقص منه شي‏ء فى الآخرة مثل نفع التقوى و هو الفوز فى الآخرة، و وصول الرزق الموعود فى الدنيا و نفع الصلة و هو ما ذكر من طول العمر و غيره وصوله أعجل من وصول نفع التقوى و غيرها، و الثروة كثرة المال، و أثرى الرجل أثرا استغنى، و الاسم منه الثراء، و لما أشار الى أن نفع صلة الرحم يأتى صاحبها عاجلا أشار الى أن ضر قطعها أيضا يأتى عاجلا بقوله:
 (و ان اليمين الكاذبة و قطيعة الرحم لتذران الديار بلاقع من أهلها) أى كل واحدة منهما تذر الديار خالية من أهلها، و الديار بالكسر البلاد لانها جامعة لاهلها كالدار، و منه قولهم ديار ربيعة و ديار مضر، و يفهم منه سراية شومهما و يمكن أن يراد بالديار دور صاحبهما، و هذا الكلام فى اللفظ خبر، و فى المعنى نهى عنهما، و تخويف بسوء عاقبتهما فى الدنيا مع فخامة أمرهما فى الآخرة، ثم أشار الى أن قطع الرحم يوجب انقطاع النسل تأكيدا لما سبق بقوله:

391
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب قطعیة الرحم ص 390

5- عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السنديّ، عن جعفر بن بشير، عن عنبسة العابد قال: جاء رجل فشكا إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام أقاربه، فقال له: أكظم غيظك و افعل، فقال: إنّهم يفعلون و يفعلون، فقال: أ تريد أن تكون مثلهم فلا ينظر اللّه إليكم.
6- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: لا تقطع رحمك و إن قطعتك.
7- عدّة من أصحابنا، محمّد أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه رفعه، عن أبي حمزة الثمالي قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبته: أعوذ باللّه من الذّنوب الّتي تعجّل‏
__________________________________________________
 (و تنفل الرحم و ان نقل الرحم انقطاع النسل) فاعل تنقل ضمير يعود الى قطيعة الرحم و الواو اما للحال عنها، أو للعطف على قوله «و ان اليمين الكاذبة» ان جوز عطف الفعلية على الاسمية و الا فليقدر و أن قطيعة الرحم تنقل بقرينة المذكورة لا على قوله «لتذران» و أن هذا مختص بالخطيئة و لعل المراد بنقل الرحم نقلها من القرابة الى الغرابة، و من الوصلة الى الفرقة، و من التعاون و المحبة الى التدابر و العداوة، و هذه الامور من أسباب نقص العمر و انقطاع النسل كما صرح به على سبيل التأكيد و المبالغة بقوله «و ان نقل الرحم انقطاع النسل» من باب حمل المسبب على السبب مبالغة فى السببية، و فيه أيضا تحذير عن القطيعة بسوء عاقبتها فى الدنيا أيضا.
قوله (جاء رجل فشكا الى أبى عبد اللّه عليه السلام أقاربه فقال له: أكظم غيظك و افعل فقال:
انهم يفعلون و يفعلون فقال: أ تريد أن تكون مثلهم فلا ينظر اللّه إليكم) أمره «ع» بكظم الغيظ و عدم اجراء الغضب، و هو من فضائل القوة الغضبية و داخل تحت الشجاعة، ثم أمره بالوصل و الاحسان إليهم حيث قال «و افعل» فاعتذر السائل بأنهم يقطعون و يظلمون و يستمرون حيث قال «أنهم يفعلون و يفعلون» فكيف يستحقون الوصل و الاحسان فى مقابلة القطع و العدوان فزجره «ع» عن ذلك بقوله «أ تريد أن تكون مثلهم» فى القطع و الظلم و الطغيان «فلا ينظر اللّه إليكم» جميعا أى يسلب عنكم رحمته و اثابته فى الآخرة و احسانه و افضاله فى الدنيا، و اذا وصلت فربما يصير وسيلة لرجوعهم الى الوصل و لو لم يرجعوا اختص عدم النظر بهم.
قوله (قال رسول اللّه «ص» لا تقطع رحمك و ان قطعتك) فكيف اذا وصلتك و مقابلة الاساءة بالاكرام من صفات الكرام سيما اذا كان المسي‏ء قريبا و فيه مبالغة فى صلة الرحم، و حث عليها فانك اذا قطعتك و قطعتها آل الامر الى القطع بالكلية، و أوجب ذلك قصر العمر و

392
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب قطعیة الرحم ص 390

الفناء، فقام إليه عبد اللّه بن الكوّاء، اليشكري فقال: يا أمير المؤمنين أو تكون ذنوب تعجّل الفناء؟ فقال: نعم و تلك قطيعه الرّحم، إنّ أهل البيت ليجتمعون و يتواسون و هم فجرة فيرزقهم اللّه، و إنّ أهل البيت ليتفرّقون و يقطع بعضهم بعضا فيحرمهم اللّه و هم أتقياء. [1] 8- عنه، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إذا قطعوا الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار.
 (باب العقوق)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن حديد بن حكيم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أدنى العقوق افّ و لو علم اللّه عزّ و جل شيئا أهون منه لنهى عنه‏
__________________________________________________
ضيق الرزق و ضنك العيش و تسلط الاعداء بخلاف ما اذا قطعتك و وصلتها، فان وصلك يوجب زوال قطعها بالاخرة و لو فرض بقاؤها على القطع كان الاثم و النكال عليه لا عليك.
قوله (و ان أهل البيت ليتفرقون و يقطع بعضهم بعضا فيحرمهم اللّه و هم أتقياء) أى فيحرمهم اللّه من طول الاعمار و سعة الارزاق و رفاهة العيش و ان كان معهم التقوى التى من شأنها التوسعة و الاخراج من الضيق كما قال تبارك و تعالى: وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ و ذلك لان التقوى لها تأثير فى ذلك اذا لم يمنعها مانع و قطع الرحم من أشد الموانع، و يفهم منه أن صلة الرحم أقوى فى تيسير المعاش و توسيع الرزق من التقوى. قوله (قال أمير المؤمنين «ع» اذا قطعوا الارحام جعلت الاموال فى أيدى الاشرار) الارحام تشمل أرحام رسول اللّه «ص» و الناس قطعوها قديما فجعلوا أموالهم فى أيدى أعدائهم الذين هم أشرار الناس و لو وصولها لاكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم، و كذلك قطع الناس أرحامهم سبب لتسلط الاعداء و الاشرار عليهم و على أموالهم.
قوله (أدنى العقوق اف و لو علم اللّه عز و جل شيئا أهون منه لنهى عنه) اذ المقصود نهى الادنى ليعلم منه نهى الاعلى بالاولوية. و الأف كلمة تضجر و قد أفف تأفيفا اذا قال ذلك، و المراد بعقوق الوالدين ترك الادب لهما و الاتيان بما يؤذيهما قولا و فعلا و مخالفتهما فى أغراضهما الجائزة عقلا و نقلا، و قد عد من الكبائر و دل على حرمته الكتاب و السنة و أجمع عليها الخاصة و العامة.
__________________________________________________
 [1] قوله «فيحرمهم اللّه و هم أتقياء» من لوازم التعاون و التواسى بين الارحام كثرة المال وسعة الرزق سواء كان المتواسون أتقياء أو فجرة و لازم العكس العكس، كما أن من لوازم البطالة و الكسل الحرمان و من لوازم الجد و الكسب كثرة المال نوعا سواء كان التاجر مؤمنا أو كافرا، و على هذا فلا يدل الخبر على جواز الموادة و المعاشرة مع الفجرة و الفساق خصوصا اذا خاف من سراية أخلاقهم الفاسدة و أعمالهم القبيحة الى نفسه و الى أهل بيته فانا مكلفون بمحادة من حاد اللّه و ان كان من أقرب الاقرباء قال اللّه تعالى لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ و مع ذلك لا أرى تجويز قطع الرحم مطلقا حينئذ بل كل صلة لا تستلزم موادة و لا تنافى النهى عن المنكر مثلا ان كانوا فقيرا فأحسن إليهم و أعطاهم شيئا يسد خلتهم من غيران يظهر مودة قلبية تغريهم أو كانوا فى مهلكة نجاهم منها لنفوسهم المحترمة أو كانوا مظلومين و قدر على دفع الظلم عنهم فدفع و أمثال ذلك لم يكن به بأس و ان كانوا فساقا و هذه صلتهم أو كما أن قولهم عليهم السلام تسعة أعشار الرزق فى التجارة يشمل ظاهره كل تجارة و لا يدل على تجويز التجارة المحترمة كذلك الحث على صلة الرحم و كونها منماة للمال لا يوجب جواز كل معاشرة محرمة مع الفساق كالحضور فى مجلس لهوهم و شربهم و ان كان التعاون يوجب كثرة الرزق فتدبر. كان فى أصحاب الرسول «ص» من يقاتل أقاربه كأبيه و أخيه، و قد قتل كعب بن الاشرف اليهودى من بنى النضير أخوه من الرضاعة و هو مسلم قتله غيلة على ما هو مشهور فان قيل كيف هذا و قد منع الاسلام عن القتل غيلة و قد ذكرت سابقا (ص 373) أن أصحاب المروات أيضا يستقبحون قتل المستأمن و الغافل و من لا يحتمل الخيانة فلا يحترز فكيف قتل كعب بن الاشرف غيلة.
قلنا هنا كانت الحرب قائمة و لم يكن أحد منهم يتوقف الفتك بالمسلمين مهما أمكنهم و كان مقام تحرز و مكيدة و لو كان أحد منهم استجار بالمسلمين لم يتعرضوا له حتى يبلغوه مأمنه. (ش)

393
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب العقوق ص 393

2- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: كن بارّا و اقتصر على الجنّة و إن كنت عاقّا [فظّا] فاقتصر على النّار.
3- أبو عليّ الأشعري، عن الحسن بن عليّ الكوفي، عن عبيس بن هشام، عن صالح الحذّاء، عن يعقوب بن شعيب. عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا كان يوم القيامة كشف غطاء من أغطية الجنّة فوجد ريحها من كانت له روح من مسيرة خمسمائة عام إلّا صنف واحد، قلت: و من هم؟ قال: العاقّ لوالدين.
4- علي بن إبراهيم، عن أبيه. عن النوفليّ، عن السّكونيّ، عن أبي عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: فوق كلّ ذي بر برّ، حتى يقتل الرّجل في سبيل اللّه فإذا قتل في سبيل اللّه فليس فوقه برّ، و إنّ فوق كلّ عقوق عقوقا حتّى يقتل الرّجل أحد والديه فإذا فعل ذلك فليس فوقه عقوق.
5- عدّة من أصحابنا. عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من نظر إلى أبويه نظر ماقت و هما ظالمان له لم يقبل اللّه له صلاة.
6- عنه، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن فرات، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول-
__________________________________________________
قوله (قال رسول اللّه «ع» كن بارا و اقتصر على الجنة و ان كنت عاقا [فظا] فاقتصر على النار) أى اكتف بها، تقول اقتصرت على كذا اذا اكتفيت به، و فى بعض النسخ اقتصر و فيه تعظيم أجر البر حتى أنه يوجب الجنة، و يفهم منه أنه يكفر كثيرا من السيئات و يرجح عليها فى ميزان الحسنات.
قوله (العاق لوالدية) أى لواحد منهما و ذلك ظاهر أن اريد بالعقوق الفرد الكامل منه كالقتل. اذ الظاهر أنه يوجب سلب الايمان و الا فالحمل على التشديد محتمل و اللّه أعلم.
قوله (فوق كل ذى بربر) البر الثانى بفتح الباء أو بكسرها مع حذف مضاف و هو ذو مع احتمال عدمه.
قوله (من نظر الى أبويه نظر ماقت و هما ظالمان له لم يقبل اللّه له صلاة) فكيف اذا كانا بارين محقين و هما أيضا آثمان لانهما حملاه على العقوق، و لعل المراد بعدم قبول الصلاة عدم الثواب عليها كاملا و عدم كونها وسيلة للقرب منه تبارك و تعالى الا أن يرضيهما

394
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب العقوق ص 393

اللّه صلى اللّه عليه و آله في كلام له: إيّاكم و عقوق الوالدين فإنّ ريح الجنّة توجد من مسيرة ألف عام و لا يجدها عاقّ و لا قاطع رحم و لا شيخ زان و لا جارّ إزاره خيلاء إنّما الكبرياء للّه ربّ العالمين.
7- عنه، عن يحيى بن إبراهيم بن أبي البلاد [السلميّ‏]، عن أبيه، عن جدّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لو علم اللّه شيئا أدنى من افّ لنهى عنه و هو من أدنى العقوق و من العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيحدّ النظر إليهما.
8- عليّ، عن أبيه، عن هارون بن الجهم، عن عبد اللّه بن سليمان، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ أبي نظر إلى رجل و معه ابنه يمشي و الابن متّكئ على ذراع الأب،
__________________________________________________
لا عدم الخروج من التكليف.
قوله (فان ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام) لا ينافى ما مر من أن ريح الجنة توجد من مسيرة خمسمائة عام لانه يختلف ذلك باختلاف كشف الاغطية. فلعل هذا من كشف غطائين و السابق من كشف غطاء واحد كما هو المصرح به. ثم الظاهر أن الرجل بسبب هذه الذنوب لا يخرج عن الايمان بالكلية فلا بد فيه من التأويل بأنه يفعل ذلك مستحلا أو بأنه لا يجد ريحها ابتداء حتى يمضى فيه الوعيد او بغيرهما، و الظاهر أن خيلاء حال عن فاعل جار أى جار ثوبه على الارض متبخترا متكبرا مختالا أى متمايلا فى جانبيه و أصله من المخيلة، و هى القطعة من السحاب تميل فى جو السماء هكذا و هكذا كذلك المختال يتمايل لعجبه بنفسه و كبره و هى مشية المطيطا و منه قوله تعالى «ذَهَبَ إِلى‏ أَهْلِهِ يَتَمَطَّى» أى يتمايل مختالا متكبرا كما قيل. و اما اذا لم يقصد باطالة الثوب و جره على الارض الاختيال و التكبر بل جرى فى ذلك على رسم العادة. فالظاهر أنه أيضا غير جائز لوجوه اخر منها مخالفة السنة و شعار المؤمنين المتواضعين كما روى عن النبي «ص» قال: «ازرة المؤمنين الى نصف الساق فان أبى فالى ما فوق الكعبين فما زاد على ذلك ففى النار» و منها الاسراف فى الثوب بما لا حاجة فيه و منها أنه لا يسلم الثوب الطويل من جره على النجاسة تكون بالارض غالبا فيختل أمر صلاته و دينه فان تكلف رفع الثوب اذا مشى تحمل كلفة كان غنيا عنها ثم يغفل عنه فيسترسل، و منها أنه يسرع البلى الى الثوب بدوام جره على التراب و الارض فيخرقه وسخها ان لم ينجس.
قوله (و من العقوق أن ينظر الرجل الى والديه فيحد النظر إليهما) يحتمل أن يكون هذا من الادنى و يساوى الأف فى المرتبة و أن يكون الأف أدنى بحسب القول و هذا أدنى بحسب الفعل.

395
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب العقوق ص 393

قال: فما كلّمه أبي عليه السّلام مقتا له حتّى فارق الدّنيا.
9- أبو علي الأشعري، عن أحمد بن محمّد، عن محسن بن أحمد، عن أبان بن عثمان، عن حديد بن حكيم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أدنى العقوق افّ و لو علم اللّه أيسر منه لنهى عنه.
باب الانتفاء
1- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كفر باللّه من تبرّأ من نسب و إن دقّ.
2- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن أبي المغراء، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كفر باللّه من تبرّأ من نسب و إن دقّ.
3- علي بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن ابن أبي عمير، و ابن فضّال، عن رجال شتّى عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام أنّهما قالا: كفر باللّه العظيم الانتفاء من حسب و إن دقّ.
 «باب من اذى المسلمين و احتقرهم»
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم قال:
__________________________________________________
قوله (فما كلمه أبى «ع» مقتا له حتى فارق الدنيا) الظاهر أن الضمير راجع الى الابن و أنه اتكاء على الأب بدون رضاه أو أنه «ع» علم أن الابن فعل ذلك تكبرا و اختيالا، و من هذا يعلم أن العقوق أمره دقيق.
قوله (كفر باللّه من تبرأ من نسب و ان دق) اى و ان دق ثبوته أو خفض لا ريب فى أن الحاق كل رجل بنسبه واجب، و لكن الظاهر أن ترك الواجب ليس بكفر مخرج عن أصل الايمان فلعل ذلك بما اذا كان مستحلا لان مستحل قطع الرحم كافر، و مما يدل على هذا التأويل ما سيجي‏ء فى باب الكفر عن الصادق «ع» قال: «ان اللّه عز و جل فرض على العباد فرائض موجبات على العباد فمن ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها و جحدها كان كافرا و أمر رسول اللّه «ص» بامور فليس من ترك بعض ما أمر اللّه عز و جل به عباده من الطاعة بكافر و لكنه تارك للفضل منقوص من الخير» و يمكن أن يراد بالكفر كفر النعمة لان قطع النسب كفر لنعمة المواصلة أو يراد به أنه شبيه بالكفر لان هذا الفعل يشبه فعل أهل الكفر لانهم كانوا يفعلونه فى الجاهلية و لا فرق فى ذلك بين تبرى الوالد من الولد أو بالعكس، او تبرى بعض الاقارب من بعض،

396
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب من اذى المسلمین و احتقرهم ص 396

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: قال اللّه عزّ و جلّ: ليأذن بحرب منّي من أذى عبدي المؤمن و ليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن. و لو لم يكن من خلقي في الأرض فيما بين المشرق و المغرب إلّا مؤمن واحد مع إمام عادل لاستغنيت بعبادتهما عن جميع ما خلقت في أرضي و لقامت سبع سماوات و أرضين بهما و لجعلت لهما من إيمانهما انسا لا يحتاجان إلى انس سواهما.
2- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن ابن سنان، عن منذر بن يزيد، عن المفضّل بن عمر قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الصدود لأوليائي فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم، فيقال: هؤلاء الّذين آذوا المؤمنين و نصبوا لهم و عاندوهم و عنّفوهم في دينهم، ثمّ يؤمر بهم إلى جهنّم.
3- أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن حمّاد بن بشير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: قال اللّه تبارك و تعالى: من أهان لي وليّا فقد أرصد لمحاربتي‏
__________________________________________________
و سيجي‏ء نظير ذلك فى كتاب الديات ان شاء اللّه تعالى.
قوله (قال اللّه عز و جل ليأذن بحرب منى من أذى عبدى المؤمن- الخ) أى ليعلم من أذنت بالشي‏ء علمت به، و المراد بالعبد المؤمن شيعة على و أولاده الطاهرين عليهم السلام كما فى رواية معاوية الآتية عن أبى عبد اللّه «ع» و بالاذى الاذى الّذي لم يجوزه الشارع و أما ما جوزه من باب الامر بالمعروف و النهى عن المنكر فهو خارج عنه بدليل خارج، و بالاكرام الاكرام خلقا و قولا و فعلا، و منه جلب النفع له و دفع الضر عنه و بالاستغناء بعبادة مؤمن واحد مع امام عادل «مع أنه عز و جل غنى مطلق لا حاجة له الى عبادة أحد» قبول عبادتهما و جعلها ذخرا لهما و سببا لنظام العالم.
قوله (اذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الصدود لاوليائى فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم- الخ) أى اين المعرضون عن الاولياء المعادون لهم أو أين المانعون لهم عن حقوقهم أو أين المستهزءون بهم، و الصد جاء لهذه المعانى كما يظهر من مصباح اللغة و لعل المراد بخلو وجوههم عن اللحم لاجل أنه ذاب من الغم و خوف العقوبة، أو من خدشه بايديهم تحسرا و تأسفا، و يؤيده ما رواه العامة عن النبي «ص» قال: «مررت ليلة اسرى بقوم لهم أصفار من نحاس يخدشون وجوههم و صدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبرئيل؟ قال: هم الذين يأكلون لحوم الناس و يقعون فى أعراضهم».

397
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب من اذى المسلمین و احتقرهم ص 396

4- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن عثمان، عن محمّد بن أبي حمزة، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من حقر مؤمنا مسكينا أو غير مسكين لم يزل اللّه عزّ و جلّ حاقرا له ماقتا حتّى يرجع عن محقرته إيّاه.
5- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان، عن معلّى بن خنيس قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ اللّه تبارك و تعالى يقول: من أهان لي وليّا فقد أرصد لمحاربتي و أنا أسرع شي‏ء إلى نصرة أوليائي.
6- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم عن معلّى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: قال اللّه عزّ و جلّ‏
__________________________________________________
قوله (قال اللّه تبارك و تعالى من أهان لى وليا فقد أرصد لمحاربتى) المراد بالولى المحب و هو الّذي ولى حقوقه سبحانه بنفسه و مهجته ظاهرا، و صرف وجه قلبه و فؤاده إليه باطنا فهو فى كنفه و حماه، منقطع إليه عما سواه، محفوف بالكرامة فى منقلبه و مثواه، أى من استحقر و استخف وليا لى و أعرض عنه و منع حقه و ترك توقيره و تعظيمه فقد هيأ نفسه لمحاربتى و ذلك لانه تعرض لحرمة اللّه و استهان بكرامته و رام خفر ذمته و عرض نفسه للهلاك فى الدارين بترك متابعته و انما سماه محاربا لان المحاربة هى سلب الاموال و الا نفس فكان هذا المهين لولى اللّه عز و جل يريد أن يسلب من الولى ما أنعم اللّه عليه من كرامته و أن يضع ما رفع من مرتبته و هو مشغول بمولاه عن نصرة نفسه، و اللّه تعالى يغار عليه كما غار وليه أن يذهب وقتا من أوقاته مع غيره، و قد روى «ان اللّه تعالى ينتقم لاوليائه ممن عاداهم و قصدهم، و من حارب اللّه حربه و حطمه و من خاصمه خصمه و قصمه» و من فوائد هذا الكلام التحذير التام لاذى واحد من المؤمنين صغيرا و كبيرا خشية أن يكون ذلك الولى فيهلك مؤذيه و يتعرض لسخط ربه. يدل عليه أيضا ما رواه الصدوق باسناده عن أمير المؤمنين «ع» قال: «أن اللّه أخفى وليه فى عباده فلا تستصغروا شيئا من عباده فربما يكون وليه و أنت لا تعلم» و منها التنبيه على اكرام من أقبل على اللّه من أهل ولايته، و منها الترغيب فى سلوك طريق ولى اللّه و متابعته.
قوله (من حقر مؤمنا مسكينا أو غير مسكين) أظهر تحقيره أو لم يظهره و الاظهار اما بقول كرهه أو بالاستهزاء به أو بضربه أو شتمه أو بفعل يستلزم اهانته او بترك قول أو ترك فعل يستلزمها و أمثال ذلك.
قوله (قال اللّه عز و جل قد نابذنى من أذل عبدى المؤمن) نابذتهم خالفتهم و نابذتهم‏

398
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب من اذى المسلمین و احتقرهم ص 396

قد نابذني من أذلّ عبدي المؤمن.
7- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، و أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، جميعا، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن حمّاد بن بشير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: قال اللّه عز و جلّ: من أهان لي وليّا فقد أرصد لمحاربتي و ما تقرب إليّ عبد بشي‏ء أحبّ إلي ممّا افترضت عليه و إنه ليتقرّب إلى بالنّافلة حتّى احبه. فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره‏
__________________________________________________
الحرب كاشفتهم اياها و جاهرتهم بها.
قوله (قال رسول اللّه «ص» قال اللّه عز و جل من أهان لى وليا فقد أرصد لمحاربتى) لما قدم ذكر اختصاص الاولياء لديه و بين أن نصرتهم معدة بين يديه أشار اجمالا الى طريق الوصول الى درجة الولاية من بداية السلوك الى النهاية بقوله:
 (و ما تقرب الى عبد بشي‏ء أحب الى مما افترضت عليه) أى ما تحبب الى، و لا طلب القرب لدى بمثل اداء ما افترضت عليه، و ظاهر الموصول هو الفرض بالاصالة و حمله عليه و على ما أوجبه المكلف على نفسه بنذر و شبهه ممكن و هذا صريح فى أن المفروضات أعظم ثوابا و أتم قربا من المندوبات الا ما خرج بدليل و السبب فى ذلك أن اللّه عز و جل هو الاعلم بالاسباب التى تقرب العبد الى محبته و كرامته و تبلغه الى مرتبة رضاه و ولايته فجعل أكبر تلك الاسباب و أعظمها الفرائض و أوعد بالنار على التضييع بها و التفريط فيها فيجب على السالك المبادرة الى أدائها و المبالغة فى أحكامها و عدم اشتغال عنها بالنوافل لان النوافل لا تقبل حتى تؤدى فريضة حق الاداء ثم رتب على أداء الفرائض فعل النوافل لتكميل الفرائض و زيادة التقرب و دوام التحبب و قال:
 (و أنه ليتقرب الى بالنافلة حتى أحبه) و ذلك لان السالك لو لم يشتغل بعد أداء الفرائض بالنوافل وضيع باقى أوقاته فى المباحات و لذاتها و أظلم قلبه بزهرات الدنيا و شهواتها بعد عن المولى بعبادة الهوى: و لم يتصف الفرائض له فى وقت الاداء و نقصت عن حد الكمال وفاته كمال التقرب و التحبب بخلاف ما اذا اشتغل بالنوافل فانه يوجب كمال الفرائض و زيادة القرب و دوام التحبب، و هكذا حتى يبلغ مرتبة كمال المحبة فلا يحب الا اللّه، و اللّه عز و جل يحبه.
و معنى محبة اللّه تعالى للعبد كما ذكره شيخ العارفين فى الاربعين هو كشف الحجاب عن قلبه و تمكينه من أن يطأ على بساط قربه فان ما يوصف به سبحانه انما يؤخذ باعتبار الغايات لا باعتبار المبادى و علامة حبه سبحانه للعبد توفيقه للتجافى عن دار الغرور، و الترقى الى عالم النور، و الانس باللّه و الوحشة مما سواه و صيرورة جميع الهموم هما واحدا انتهى. و فى قوله‏

399
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب من اذى المسلمین و احتقرهم ص 396

الّذي يبصر به و لسانه الّذي ينطق به و يده الّتي يبطش بها. إن دعاني أجبته و إن سألني‏
__________________________________________________
 «الى» فى الموضعين حيث لم يقل الى جنتى و لا الى ثوابى و كرامتى و لا الى برى به وصلتى دلالة واضحة على أنه ينبغى للسالك العابد أن يقصد بعبادته ذاته عز و جل لا عوضا عليها و لا جزاء فان العوض و الجزاء غيره تعالى و من كانت عبادته للاغيار لم تصف محبته للولى الجبار.
كما قيل لن يصل العبد الى حقيقة الحرية و قد بقى عليه من غير اللّه بقية. ثم أشار الى شرف منزلة المحبة و بعض آثارها بقوله:
 (فاذا احببته كنت سمعه الّذي يسمع به و بصره الّذي يبصر به و لسانه الّذي ينطق به و يده التى يبطش بها ان دعانى اجبته و ان سألنى أعطيته) ليس المراد ما يفيده ظاهر [1] هذه العبارة من الاتحاد لاستحالته نقلا و عقلا لان هذه الاعضاء مختلفة الحقائق و الآثار، و استحالة اتحاد شي‏ء من الاشياء معها أمر ضرورى لا يقبل الانكار. فلا بد فيه من تأويل و الّذي يخطر بالبال على سبيل الاحتمال انى اذا أحببته كنت كسمعه الّذي يسمع به و كبصره- الى آخره- فى سرعة الاجابة، و قوله: «ان دعانى أجبته» اشارة الى وجه التشبيه يعنى انى اجيبه سريعا ان دعانى الى مقاصده كما يجيبه سمعه عند ارادته سماع المسموعات و بصره عند أرادته ابصار المبصرات، و هكذا، و هذا مثل قول الناس المعروف بينهم: فلان عينى و نور بصير و يدى و عضدى و انما يريدون به التشبيه فى معنى من المعانى المناسبة للمقام، و يسمون هذا تشبيها بليغا بحذف الاداة مثل زيد أسد. و يمكن أن يكون فيه تنبيه على أنه عز و جل هو المطلوب لهذا العبد المحبوب عند سمعه للمسموعات و بصره للمبصرات و هكذا. يعنى منى يسمع المسموعات و بها يرجع الى و المقصود أنه يبتدئ بى فى سماع المسموعات و ينتهى الى فلا يصرف شيئا من جوارحه فيما ليس فيه رضاى، و إليه أشار بعض الاولياء بقوله: ما رأيت شيئا الا و رأيت اللّه قبله، و قال شيخ العارفين فى الاربعين فى تأويله: هذا مبالغة فى القرب و بيان لاستيلاء سلطان المحبة على ظاهر العبد و باطنه و سره و علانيته. فالمراد و اللّه أعلم انى اذا احببت عبدى جذبته الى محل الانس، و صرفته الى عالم القدس، و صيرت فكره مستغرقا فى أسرار الملكوت، و حواسه مقصورة على اجتلاء أنوار الجبروت فتثبت حينئذ فى مقام القرب قدمه و يمتزج بالمحبة لحمه و دمه الى أن يغيب عن نفسه و يذهل عن حسه فتتلاشى الاغيار فى نظره حتى أكون بمنزلة سمعه و بصره كما قال من قال‏
جنونى فيك لا يخفى             و نارى منك لا تخبو
فأنت السمع و الابصار             و الاركان و القلب‏
 أقول: هذا قريب مما نقل عن صاحب الشجرة الالهية أنه قال فيها كما أن النفس فى حال التعلق بالبدن تتوهم أنها هى البدن أو أنها فيه و ان لم تكن هو و لا فيه فكذلك‏
__________________________________________________
 [1] قوله «ليس المراد ما يفيده ظاهر» لان العبارة اذا دلت على معنى مستحيل لا يليق‏

400
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب من اذى المسلمین و احتقرهم ص 396

النفس الكاملة اذا فارقت البدن و قطعت تعلقها من شدة قوتها و نوريتها و علاقتها العشقية مع نور الانوار، و الانوار العقلية تتوهم انها هى فتصير الانوار مظاهر النفوس المفارقة كما كانت الابدان أيضا فهذا هو معنى الاتحاد لا بمعنى صيرورة الشيئين شيئا واحدا فانه باطل، و قيل المعنى لا يسمع الا بحق و الى حق، و لا ينظر الا بحق و الى حق و لا يبطش الا باذن الحق، و لا يمشى الا الى ما يرضى به الحق و هو المحق الولى و المؤمن حقا الّذي راح عنه كل باطل و صار واقفا مع الحق. و هو قريب مما ذكرناه ثانيا. ثم نبه على جلالة قدره و علو منزلته عنده و كمال عطفه و رحمته عليه عند وفاته آخر أمره بقوله:
__________________________________________________
ان يتفوه المتكلم بها أو كان فى سائر عباراته و كلامه ما ينافيه فلا بد أن يكون مراده بالعبارة الاولى معنى غير مستحيل يصح العبارة عنه بتلك العبارة و اتحاد الاثنين معنى مستحيل لا يمكن أن يلتزم به عاقل، و قد حكى ابن سينا عن عوام الصوفية و أبطل القول به فى النمط السابع من الاشارات و صرح أعاظم الصوفية و علمائهم بأن مرادهم بالاتحاد ليس ما يتبادر الى أذهان الاكثرين و فى أبيات الشبسترى.
تعين بود كز هستى جدا شد             نه او بنده نه بنده خود خدا شد
 و فى كلام محيى الدين ابن عربى و هو من أشد المصرين على الاتحاد تصريحات كثيرة بتحقق الكثرة فى التعينات أى الممكنات تجعل قرينة على أن مراده بالاتحاد غير ما توهمه عوام الصوفية على ما نقل و كلامه فى الاتحاد ممزوج مع الحكم بالتعدد و فى الفص الابراهيمى بشرح القيصرى: «فالحكم لك بلا شك فى وجود الحق و ذلك لان وجود الحق من حيث هو هو واحد لا تعدد فيه فالتعدد و التنوع و الاختلاف من أحكام مرايا الاعيان فى الوجود الحقانى». ثم قال «ان ثبت أنك موجود أى بالوجود الفائض عليك من الحق تعالى فالحكم لك بلا شك» و أمثال ذلك كثيرة جدا فى كلامه فى كتبه فثبت أن الاتحاد المتوهم ليس مذهبا لعرفائهم و حكمائهم و علمائهم و أن ما تفوهوا به ليس الا عبارة عن معنى صحيح نظير ما ذكره الشارح و غيره من العلماء فى تفسير هذا الحديث و أمثاله، و ما يقال أن ظاهر كلامهم الاتحاد و هم مأخوذون بالظاهر قلنا الظاهر حجة اذا لم يكن قرينة عقلية أو نقلية متصلة أو منفصلة على إرادة خلاف الظاهر، و اذا كان كلام القائلين مملوة من قرائن تدل على عدم إرادة معنى مستحيل و لا يحتمل منهم الالتزام به فالتمسك بظاهر باطل خارج عن الطريق المستقيم.
قال الشارح: لا بدّ فيه من تأويل و ذلك لان الحديث ليس مما يحتمل فيه الوضع و الجعل‏

401
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب من اذى المسلمین و احتقرهم ص 396

أعطيته، و ما تردّدت عن شي‏ء أنا فاعله كتردّدي عن موت المؤمن، يكره الموت و و أكره مساءته‏
__________________________________________________
 (و ما ترددت فى شي‏ء أنا فاعله كترددى عن موت المؤمن يكره الموت و أكره مساءته) قد مر شرحه فى آخر باب «الرضا بموهبة الايمان» فلا نعيده.
__________________________________________________
لبعد هذه المعانى عن أذهان عامة الناس و لانه مروى باتفاق الفريقين و اسناد مستفيض عن رسول اللّه «ص» و روته العامة فى صحاحهم و أصحابنا فى كتبهم و تكلموا فيه كثيرا، و أشار الشارح فى المجلد الاول فى الصفحة 236 و 320 و 321 الى معنى الفناء و ذكرنا هناك ما يؤيده و أورد العلامة. المجلسى كلام الشيخ بهاء الدين العاملى فى معنى الحديث و جميع ما ذكره فى مرآة العقول بطوله لا يخرج من كلامه و لا حاجة بنا الى نقل ما فيه، و يكفى ما أورده الشارح هنا ان شاء اللّه جزاهم اللّه عن الدين و أهله خير الجزاء و لا بأس بأن نشير الى نكتة هنا و هى أن الالفاظ الموضوعة فى اللغة العربية و سائر اللغات انما يتبادر منها المعنى الجسمانى و لعل الواضع الاول لم يضع الالفاظ الا له كالتباين و التفارق و التقارن و الوصول فانها تدل على المكانى منها و هى معروفة فى الاجسام فجسم يباين جسما لانه فى حيز و ذاك فى حيز آخر بعيد عنه أو قريب منه، و قد يكون معنيان فى حيز واحد كالحرارة و النور فى شعلة السراج، و لا بدّ من اتحاد المكان، و اما المجردات التى لا مكان لها كالنفوس و العقول فاذا اطلق هذه الالفاظ عليها يتبادر الذهن منها الى خلاف المقصود بمعنى أنه ليس تقارن النفس و العقل حلولا نظير النور و الحرارة و لا تباين نفس عن نفس بالمكان و ليس ادراك إحداهما الاخرى و شعورها بها بالتماس و لا جهلها بها و عدم اطلاعها عليها بالحجاب و البعد كما يتبادر من هذه الالفاظ و لا بدّ من التعبير عن المقصود بلفظ يقرب المعنى الى الذهن و لا يحصل الا بالتشبيه مهما أمكن و التشبيه لا يستلزم التشريك فى جميع الصفات كما اذا أردنا تشبيه خلق السماء و الارض بالبانى الّذي يبنى البيت فان وجه الشبه أصل الفعل لا عدم احتياج المخلوق الى اللّه بعد حصول الوجود و اذا شبهنا بالشمس و النور فوجه الشبه احتياج السماء و الارض الى خالقهما بقاء كاحتياج النور الى الشمس لا فى عدم الاختيار فى افاضة النور، و كذلك يحتاج الحكيم الى التعبير عن حال الانسان بعد استكماله فى العلوم الكلية فانه سريع الاقتناص من العقول و شديد الارتباط مع الملاء الاعلى و لم يكن ربطه حال الصبى كذلك و النائم الّذي يرى الرؤيا الصادقة شديد الارتباط مع الروحانيين العالمين بالغيوب و ليس هذا الربط فى اليقظة و ليس الربط و الاتصال معنى جسمانيا بل هو معنى لم يوضع له فى اللغة كلمة خاصة به لا يتبادر منه الا المغنى العلي فاستعير لفظ يدل على معنى أقرب‏

402
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب من اذى المسلمین و احتقرهم ص 396

8- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن أبي سعيد القمّاط، عن أبان بن تغلب، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لمّا اسري بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله قال: يا ربّ ما حال المؤمن عندك؟ قال: يا محمّد من أهان لي وليّا فقد بارزني بالمحاربة و أنا أسرع شي‏ء إلى نصرة أوليائي و ما تردّدت عن شي‏ء أنا فاعله كتردّدي عن وفاة المؤمن، يكره الموت و أكره مساءته، و إنّ من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلّا الغنى و لو صرفته إلى غير ذلك لهلك، و إنّ من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلّا الفقر و لو صرفته الى غير ذلك لهلك و ما يتقرّب إليّ عبد من عبادي بشي‏ء
__________________________________________________
قوله (لما اسرى بالنبى «ص» قال يا رب ما حال المؤمن عندك) أى ما قدره و منزلته و اسرى بالبناء للفاعل و المفعول من السرى على وزن الهدى و هو السير فى الليل و يكون أوله و أوسطه و آخره. يقال سريت الليل و سريت بالليل اذا قطعته بالسير و اسريت بالالف لغة حجازية و يستعملان متعديين بالباء الى المفعول فتقول سريت بزيد و اسريت به اذا جعلته سائرا فى الليل و تقييده بالليل فى قوله عز و جل سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى للدلالة بتنكير الليل على تقليل مدة الاسراء مع ان المسافة بين المسجدين مسير أربعين ليلة كما صرح به شيخ العارفين و غيره، ثم بعد ما اشار عز و جل الى انه منتقم للمؤمن من اعدائه و ناصر له و رءوف به أشار بقوله:
 (و ان من عبادى المؤمنين من لا يصلحه الا الغنى و لو صرفته الى غير ذلك لهلك، و ان من عبادى المؤمنين من لا يصلحه الا الفقر و لو صرفته الى غير ذلك لهلك) الى ان كل ما يفعله به من الغنى و
__________________________________________________
إليه كالفناء و الاتحاد و المحو و الوصول فان الرابطة بين النفس و العقل اشد من رابطة المتعلم و المعلم و قريب من الاتحاد كان ذهن المتعلم دخل فى ذهن المعلم و رأى فى ذهن معلمه ما استعد لفهمه و التعبير بالاتحاد و الفناء أقرب الى هذا المقصود من التعبير بما يفيد القرب و أمثاله و لا يوجب ذلك تحير المستمع بعد ان أقاموا قرائن كثيرة على عدم إرادة اتحاد نظير اتحاد جسم و جسم او حلول عرض و حالة فى جسم كما أقاموا قرائن كثيرة على عدم ارادتهم من تشبيه بناء العالم ببناء البيت استغناء العالم عن اللّه تعالى فى بقاء الوجود.
و اما الاتحاد الّذي يفهم العامة من هذا اللفظ فلا يتصور الا بين جسمين فكانهم تصوروا إله العالم جسما و المخلوق جسما آخر او إله العالم عرضا و حالة و المخلوق جسما أو بالعكس و جميع ذلك غير معقول و للعوام و تدخلهم فى الدين ضرر عظيم فقد أوجب بدع العوام الصوفية و دعاويهم و ما لا يعرفون تنفير الناس عن كثير من العبادات و محاسن الشريعة فلا يرغب أحد فى تهذيب النفس و تحسين الاخلاق و الرياضات المشروعة و الاذكار و الادعية و

403
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب من اذى المسلمین و احتقرهم ص 396

أحبّ إليّ ممّا افترضت عليه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتّى احبّه فإذا أحببته كنت إذا سمعه الّذي يسمع به و بصره الّذي يبصر به و لسانه الّذي ينطق به و يده الّتي يبطش بها إن دعاني أجبته و إن سألني أعطيته.
9- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من استذلّ مؤمنا و استحقره لقلّة ذات يده و لفقره شهّر اللّه يوم القيامة على رءوس الخلائق.
10- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن معاوية، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: لقد أسرى ربّي بي فأوحى إليّ من وراء الحجاب ما أوحى و شافهني [إلى‏] أن قال لي: يا محمّد من أذلّ لي وليا فقد أرصدني بالمحاربة و من حاربني حاربته، قلت: يا ربّ و من وليك هذا؟ فقد علمت أنّ من حاربك حاربته، قال لي: ذاك من أخذت ميثاقه لك و لوصيّك و لذرّيّتكما بالولاية.
11- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن معلّى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: قال اللّه عزّ و جلّ:
من استذلّ عبدي المؤمن فقد بارزني بالمحاربة و ما تردّدت في شي‏ء أنا فاعله كتردّدي في عبدي المؤمن، إنّي احبّ لقاءه فيكره الموت، فأصرفه عنه و إنه ليدعوني في‏
__________________________________________________
الفقر و غيرهما فهو خير له و أصلح بحاله و أحفظ له من الفساد و الهلاك، و الى ترغيبه فى الحمد و الشكر فى جميع الحالات. و الاولى ان من عبادى اسم ان بتقدير البعض، و من الموصولة خبرها دون العكس لعدم الفائدة فى الاخبار كما قيل فى قوله تعالى وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ و انما اكد مضمون الجملة بان لكونه فى محل التردد أو الانكار لان أكثر الخلق مترددون فيه بل ربما ينكره بعضهم و كون الخطاب للنبى «ص» و هو اعلمه بان افعال اللّه تعالى مبنية على الحكم و المصالح لا يخرجه عن مقام التأكيد لانه باطنا لغيره كما قيل فى قوله تعالى لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ و انما فصل قوله «لو صرفته» عما قبله لانه كاشف مبين له اذ كون هلاك دينه فى الفقر مثلا يبين كون صلاحه فى الغنى فبينهما كمال الاتصال كما صرح به الشيخ رحمه اللّه.
__________________________________________________
عرض عيوب نفوسهم على البصراء بأدواء القلب و الاستعلاج حذرا من التشبه بالصوفية. قد روى عن أمير المؤمنين «ع» أنه كان يختار أشق الامور على نفسه حتى المباحات فاذا كان شيئان كلاهما مباحين يختار أبعدهما عن اللذة. و الرياضة حسنة على كل حال. (ش)

404
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب من اذى المسلمین و احتقرهم ص 396

الأمر فأستجيب له بما هو خير له‏
__________________________________________________
قوله (انى احب لقاءه فيكره الموت فاصرفه عنه) أى فاصرف الموت عنه بتأخير اجله أو اصرف كره الموت عنه باظهار اللطف و الكرامة و البشارة بالجنة على وجه يزيل عنه كراهته و يرغب فى الانتقال الى دار القرار، ثم أشار عز و جل الى انه يختار له ما هو أصلح فى دينه و دنياه بقوله: (و انه ليدعونى فى الامر فأستجيب له بما هو خير له) أى أستجيب له ذلك الامر ان كان خيرا له أو أستجيب له بدلا من ذلك الامر بما هو خير له فيكون من باب تلقى السائل بغير ما يطلبه للدلالة على أن ذلك الغير أحسن بحاله و أنفع له.

405
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

الفهرست ص 407

الفهرست‏
الموضوع/ الصفحة
باب الاستغناء عن الناس 2
باب صلة الرحم 4
باب البر بالوالدين 17
باب الاهتمام بامور المسلمين و النصيحة لهم و نفعهم 28
باب اجلال الكبير 30
باب اخوة المؤمنين بعضهم لبعض 31
باب فيما يوجب الحق لمن انتحل الايمان و ينقضه 35
باب فى ان التواخى لم يقع على الدين و انما هو التعارف 36
باب حق المؤمن على أخيه و أداء حقه 37
باب التراحم و التعاطف 47
باب زيارة الاخوان 48
باب المصافحة 53
باب المعانقة 59
باب التقبيل 60
باب تذاكر الاخوان 62
باب ادخال السرور على المؤمنين 66
باب قضاء حاجة المؤمن 72
باب السعى فى حاجة المؤمن 77
باب تفريج كرب المؤمن 82
باب اطعام المؤمن 84

407
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

الفهرست ص 407

باب من كسا مؤمنا 89
باب فى الطاف المؤمن و اكرامه 90
باب فى خدمته 94
باب نصيحة المؤمن 94
باب الاصلاح بين الناس 95
باب فى احياء المؤمن 98
باب فى الدعاء للاهل الى الايمان 99
باب فى ترك دعاء الناس 99
باب ان الله انما يعطى الدين من يحبه 106
باب سلامة الدين 107
باب التقية 109
باب الكتمان 118
باب المؤمن و علاماته و صفاته 127
باب فى قلة المؤمن 173
باب الرضا بموهبة الايمان و الصبر على كل شي‏ء بعده 177
باب فى سكون المؤمن الى المؤمن 184
باب فيما يدفع اللّه بالمؤمن 184
باب فى ان المؤمن صنفان 185
باب ما اخذه الله على المؤمن من الصبر على ما يلحقه فيما ابتلى به 188
باب شدة ابتلاء المؤمن 194
باب فضل فقراء المسلمين 208
باب 217
باب ان للقلب اذنين ينفث فيهما الملك و الشيطان 219

408
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

الفهرست ص 407

باب الروح الّذي أيد به المؤمن 224
باب الذنوب 226
باب الكبائر 242
باب استصغار الذنب 264
باب الاصرار على الذنب 266
باب فى اصول الكفر و أركانه 268
باب الرياء 276
باب طلب الرئاسة 284
باب اختتال الدنيا بالدين 288
باب من وصف عدلا و عمل بغيره 288
باب المراء و الخصومة و معاداة الرجال 289
باب الغضب 293
باب الحسد 299
باب العصبية 303
باب الكبر 305
باب العجب 313
باب حب الدنيا و الحرص عليها 318
باب الطمع 333
باب الخرق 334
باب سوء الخلق 334
باب السفه 336
باب البذاء 338
باب من يتقى شره 344

409
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

الفهرست ص 407

باب البغى 346
باب الفخر و الكبر 348
باب القسوة 354
باب الظلم 358
باب اتباع الهوى 366
باب المكر و الغدر و الخديعة 371
باب الكذب 374
باب ذى اللسانين 386
باب الهجرة 387
باب قطعية الرحم 390
باب العقوق 393
باب الانتفاء 396
باب من اذى المسلمين و احتقرهم 396

410