×
☰ فهرست و مشخصات
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الاستغناء عن الناس ص 2

[الجزء التاسع‏]
 [تتمة كتاب الإيمان و الكفر]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
 (باب الاستغناء عن الناس)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: شرف المؤمن قيام اللّيل و عزّه استغناؤه عن النّاس.
2- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه و علي بن محمّد القاساني، جميعا، عن القاسم ابن محمّد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربّه شيئا إلّا أعطاه فليأيس من النّاس كلهم و لا يكون له رجاء إلّا عند اللّه فإذا علم اللّه عزّ و جلّ ذلك من قلبه لم يسأل اللّه شيئا إلّا أعطاه‏
__________________________________________________
قوله (شرف المؤمن قيام الليل و عزه استغناؤه عن الناس) الشرف علو القدر و رفعته و العز و العزة بالكسر بمعنى و هو القوة فى الدين أو الغلبة على الامثال فى اليقين و العزيز من لا يعاد له شي‏ء و لا له نظير و الحمل للمبالغة و قيام الليل سبب للشرف و الرفعة و الاستغناء عن الناس سبب للعزة و المنعة لان من استغنى عن الناس ظاهرا بترك السؤال و باطنا بقطع الطمع عنهم صار عزيزا عند الخالق و الخلق و من سألهم و طمع ما فى أيديهم و رفع حاجته إليهم فقد ذل و لذا قال أمير المؤمنين «ع» «و رضى بالذل من كشف ضره» و ذلك لان من كشف القناع عن وجه ضره و سوء حاله علم أنه يرى بعين الحقارة فقد رضى بالذل و الالم يكشفه اختيارا.
قوله (اذا اراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئا الا اعطاه فليأيس من الناس كلهم و لا يكون له رجاء الا عند اللّه) الظاهر أن قوله و لا يكون عطف اخبار على إنشاء و يمكن أن يكون الواو للحال، و اليأس القنوط و قد يئس من الشي‏ء ييأس من باب علم و فيه لغة اخرى يئس ييئس بالكسر فيهما فهو شاذ و رجل يئوس قال المبرد و منهم من يبدل فى المستقبل من الياء الثانية ألفا و يقول يائس و أشار الى بيان الشرطية و التنبيه عليه بقوله: (فاذا علم اللّه عز و جل ذلك من قلبه لم يسأل اللّه شيئا الا اعطاه) اذ العبد انقطع عن الخلق الى اللّه و اتصل به اتصالا روحانيا و قرب منه قربا، معنويا، اذا ناداه لباه و اذا سأله أعطاه بل‏

002
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الاستغناء عن الناس ص 2

3- و بهذا الإسناد، عن المنقري، عن عبد الرزّاق، عن معمر، عن الزهري، عن عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما قال: رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عمّا في أيدي الناس و من لم يرج النّاس في شي‏ء و ردّ أمره إلى اللّه عزّ و جلّ في جميع اموره استجاب اللّه عزّ و جلّ له في كلّ شي‏ء.
4- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلاء، عن عبد الأعلى بن أعين قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: طلب الحوائج إلى النّاس استلاب للعزّ و مذهبة للحياء، و اليأس ممّا في أيدي النّاس عزّ المؤمن في دينه و الطمع هو الفقر الحاضر.
5- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: قلت لأبي الحسن الرّضا عليه السّلام: جعلت فداك اكتب لي إلى إسماعيل بن داود الكاتب لعلّي اصيب منه، قال: أنا أضنّ بك أن تطلب مثل هذا و شبهه و لكن عوّل على مالي.
6- عنه، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن معاوية بن عمّار، عن نجم بن حطيم‏
__________________________________________________
صارت ارادته كارادته و قدرته كقدرته كما دل عليه بعض الروايات.
قوله (رأيت الخير كله قد اجتمع فى قطع الطمع عما فى أيدى الناس) قطع الطمع خير كثير متضمن لغيره من الخيرات كلها لان الاتصاف به يوجب الانقطاع عن الخلق و الاتصال بالحق و هو فى نفسه خير و كل خير غيره اما موقوف عليه أو لازم له غير منفك عنه.
قوله (طلب الحوائج الى الناس استلاب للعز و مذهبة للحياء) اما انه سبب لسلب العز فلانه يجلب الذل و الاحتقار كما قال أمير المؤمنين «ع» «أزرى بنفسه من استشعر الطمع» أى احتقر بنفسه من جعل الطمع شعارا له، و أما انه آلة لذهاب الحياء فلانه فتح باب لوم و هتك حجاب الحياء المانع من ارتكاب ما يلام به (و الياس مما فى ايدى الناس) أى تفريغ القلب عنه و قطع الطمع و الرجاء منه (عز للمؤمن فى دينه) و سبب لرفعته و علو منزلته عند اللّه و عند المؤمنين و الملائكة المقربين.
 (و الطمع هو الفقر الحاضر) لان اللّه تعالى يكله الى نفسه و يحيله الى غيره و هو فقر حاضر، و من العجب أن الطامع يطلب اليسر بالعسر و يغفل أن الشي‏ء ليس بمحصل لضده.
قوله (أنا أضن بك أن تطلب مثل هذا) ضن بالشي‏ء يضن ضنا من باب علم بخل و من باب ضرب لغة (و لكن عول علي مالي) عولت به و عليه استعنت أى استعن بمالى.

003
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الاستغناء عن الناس ص 2

الغنوي. عن أبي جعفر عليه السّلام قال: اليأس ممّا في أيدي الناس عزّ المؤمن في دينه أو ما سمعت قول حاتم:
إذا ما عزمت اليأس ألفيته الغنى             إذا عرفته النفس و الطمع الفقر
 7- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن عمّار الساباطيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يقول: ليجتمع في قلبك الافتقار إلى النّاس و الاستغناء عنهم، فيكون افتقارك إليهم في لين كلامك و حسن بشرك و يكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك و بقاء عزّك.
عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن معبد قال: حدّثني علي بن عمر، عن يحيى بن عمران، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يقول:
ثمّ ذكر مثله.
باب صلة الرحم‏
1- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج قال:
سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه جلّ ذكره: «وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً» قال: فقال: هي أرحام النّاس، إنّ اللّه عزّ و جلّ أمر
__________________________________________________
قوله (او ما سمعت قول حاتم) لم يذكره للاستشهاد بل للشهرة و الدلالة على أن ذلك مما يذعن به العاقل و ان لم يكن من أهل الدين.
 (اذا ما عزمت الياس) العزم العقد المؤكد المعرى من التردد، و ألفيته بمعنى وجدته و الضمير راجع الى الياس و حمل الغنى عليه للمبالغة و اذا ظرف لألفيته و اللام فى الفقر يفيد الحصر كالسابق.
قوله (ليجتمع فى قلبك الافتقار الى الناس و الاستغناء عنهم) أى ليجتمع فى قلبك أمران بالنسبة الى الناس الاول اعتقادك بانك مفتقر إليهم لان الانسان مدنى بالطبع يعاون بعضهم بعضا فى تحصيل المقاصد، و الثانى اعتقادك بأنك مستغن عنهم غير محتاج الى السؤال عنهم لانه تعالى تكفل أرزاق العباد و أمرهم بالسؤال عنه و هو مسبب الاسباب ان شاء هيأ أسباب مقاصدهم، و فائدة الاول حسن المصاحبة و المخالطة معهم بلين الكلام و حسن البشر و الطلاقة و نحوها لان ذلك له مدخل عظيم فى تحصيل المقاصد و تكميل النظام، و فائدة الثانى حفظ العرض و صونه عن النقص و حفظ العز بترك السؤال و الطمع فيما فى أيديهم.
قوله (وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)
 أى حفيظا مطلعا قال‏

004
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب صلة الرحم ص 4

بصلتها و عظّمها، ألا ترى أنّه جعلها منه‏
__________________________________________________
القاضى أى يسأل بعضكم بعضا فيقول: أسألك باللّه و أصله تتساءلون فادغمت التاء لثانية فى السين، و قرأ عاصم و حمزة و الكسائى بطرحها. انتهى، و الظاهر أن ضمير «به» راجع الى اللّه و عوده الى التقوى بعيد و ان الارحام بالجر عطفا على الضمير المجرور و قد قرأ به حمزة و استدل به الكوفيون على جواز العطف على الضمير المجرور بدون اعادة الجار، و منعه البصريون لانه من قبيل العطف على بعض الكلمة، و أجابوا عن الآية بأن الارحام مرفوعة كما فى بعض القراءة على أنه مبتدأ محذوف الخبر تقديره و الارحام كذلك أى مما يتقى أو يتساءل به. أو منصوبة على محل الجار و المجرور كما فى قولك مررت بزيد و عمرا. أو على اللّه أى اتقوا الارحام فصلوها و لا تقطعوها على أن الواو يحتمل أن يكون للقسم أو بمعنى مع. و الجواب أن الكل خلاف الظاهر أما الاول فلان الاصل عدم الحذف. و أما الثانى فلان العطف على المحل نادر فى كلام الفحصاء و المثال المذكور مصنوع و مع ندرته لا يجوز الا مع تعذر العطف على اللفظ و دليل التعذر غير تام لان امتناع العطف على بعض الكلمة اذا كان ذلك البعض أيضا كلمة ممنوع و قد اتفقوا على جواز العطف على الظاهر المجرور بدون اعادة الجار مع قيام الدليل المذكور عليه أيضا و تأثير الفرق بشدة الاتصال فى الضمير دون الظاهر فى جواز العطف و عدمه ممنوع و اثباته مشكل جدا، و أما الثالث فلبعد المسافة و لعدم فهم المسائلة فى الارحام حينئذ. و أما الاخيران فلان الاصل فى الواو هو العطف، و لا يعدل عنه إلا لدليل على أن الارحام حينئذ غير مندرجة تحت الامر بالتقوى ظاهرا و هو خلاف ما نطق به قوله «ع» «ان اللّه عز و جل أمر بصلتها» و معنى المعية فى تعلق السؤال غير ظاهر كما لا يخفى، ان قلت السؤال يتعدى بنفسه و بعن كما يقال سألته الشي‏ء و سألته عن الشي‏ء فما الوجه فى تعلقه هنا بالباء؟
قلت: الباء هنا بمعنى عن كما فى قوله تعالى «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ» أى عن عذاب كما صرح به الجوهرى على أن الظاهر من كلام الاخفش حيث قال: خرجنا نسأل عن فلان و بفلان جواز الاستعمال بالباء أيضا حقيقة. و فيه دلالة على تأكد صلة الارحام لانه سبحانه خصها بالذكر و قرنها باسمه و نسب حفظها و ضبطها إليه جل شأنه دون الملكين و هو دل على عظمة شأنها و رفعة مكانها و إليه يشير قوله «ع» «ألا ترى انه جعلها منه.
بقى شي‏ء ينبغى الاشارة إليه و هو تحقيق معنى الرحم فنقول: قيل الرحم و القرابة نسبة و اتصال بين المنتسبين يجمعها رحم واحدة، و هذا يشبه أن يكون دوريا و قيل الرحم عبارة عن قرابة الرجل من جهة طرفيه آبائه و ان علوا و أبنائه و ان سفلوا و ما يتصل بالطرفين من الاعمام و العمات و الاخوة و الاخوات و أولادهم، و قيل الرحم التى تجب صلتها كل رحم بين اثنين لو كان ذكرا لم يتناكحا فعلى هذا لا يدخل أولاد الاعمام و أولاد الاخوال، و

005
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب صلة الرحم ص 4

2- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن النعمان، عن إسحاق ابن عمّار قال: قال: بلغني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ رجلا أتى النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال:
يا رسول اللّه أهل بيتي أبوا إلّا توثّبا علي و قطيعة لي و شتيمة فأرفضهم؟ قال: إذا يرفضكم اللّه جميعا، قال: فكيف أصنع؟ قال: تصل من قطعك و تعطي من حرمك و تعفو عمّن ظلمك، فإنّك إذا فعلت ذلك كان لك من اللّه عليهم ظهير.
3- و عنه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن محمّد بن عبيد اللّه قال: قال أبو الحسن الرّضا عليه السّلام: يكون الرّجل يصل رحمه فيكون قد بقي من عمره ثلاث سنين فيصيرها اللّه ثلاثين سنة و يفعل اللّه ما يشاء.
4- و عنه، عن علي بن الحكم، عن خطّاب الأعور، عن أبي حمزة قال: قال‏
__________________________________________________
قيل هى عام فى كل رحم من ذوى الارحام المعروفين بالنسب محرمات أو غير محرمات و ان بعدوا، و هذا أقرب الى الصواب و يدل عليه ما رواه على بن ابراهيم فى تفسير قوله تعالى «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ» انها نزلت فى بنى امية و ما صدر منهم بالنسبة الى ائمة أهل البيت عليهم السلام، و يؤيده روايات اخر و الظاهر أنه لا خلاف فى أن صلة الرحم واجبة فى الجملة و أن لها درجات متفاوتة بعضها فوق بعض و أدناها الكلام و السلام و ترك المهاجرة، و تختلف ذلك أيضا باختلاف القدرة عليها و الحاجة إليها، فمن الصلة ما يجب و منها ما يستحب و من وصل بعض الصلة و لم يبلغ أقصاها، و من قصر عما ينبغى أو قصر عما يقدر عليه هل هو واصل أو قاطع فيه تأمل و الاقرب عدم القطع لصدق الصلة فى الجملة.
قوله (و شتيمة اه) الشتيمة دشنام و هى اسم من شتمه شتما من باب ضرب، و رفض اللّه كناية عن سلب الرحمة و النصرة و انزال العقوبة عاجلا و آجلا، و تصل و ما عطف عليه خبر بمعنى الامر و الظهير الناصر و المعين و هو رب العالمين و صالح المؤمنين و جميع المقربين فأى وزن لقطع أهل البيت و اهانتهم لك ان وصلتهم بعد نصرة هؤلاء.
قوله (يكون الرجل يصل رحمه فيكون قد بقى من عمره ثلاث سنين فيصيره اللّه ثلاثين سنة) هذا صريح فى أن العمر يزيد و ينقص و أن صلة الرحم توجب زيادته، و ينبغى أن يراعى الاقرب فالاقرب مع التزاحم و عدم القدرة على بر الجميع و أما مع عدم القدرة فالاولى أن يبر الجميع و لو بالتفاوت. و قوله «يَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ» اشارة الى المحو و الاثبات.

006
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب صلة الرحم ص 4

أبو جعفر عليه السّلام: صلة الأرحام تزكّي الأعمال و تنمي الأموال و تدفع ابلوى و تيسّر الحساب و تنسئ في الأجل.
5- و عنه، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: اوصي الشاهد من أمّتي و الغائب منهم و من في‏
__________________________________________________
قوله (صلة الارحام تزكى الاعمال) تزكى مضارع من باب الافعال أو التفعيل أى تجعلها نامية أو طاهرة من النقص أو من الرد و ان كان فيها نقص ما (و تنمى الاموال) مثله قول أمير المؤمنين «ع» «صلة الرحم مثراة فى المال» قال بعض الشارحين له و ذلك من وجهين أحدهما أن العناية الالهية قسمت لكل حي قسطا من الرزق يناله مدة الحياة، و اذا أعدت شخصا من الناس للقيام بأمر جماعة و كفلته بامدادهم و معونتهم وجب فى العناية افاضة أرزاقهم على يده و ما يقوم بامدادهم على حسب استعداده ذلك، سواء كانوا ذوى الارحام أو مرحومين فى نظره حتى لو نوى قطع أحد منهم فربما نقص ماله بحسب رزق ذلك المقطوع و ذلك معنى كونها مثراة للمال، الثانى أنها من الاخلاق الحميدة التى يستمال بها طباع الخلق فواصل رحمه مرحوم فى نظر الكل فيكون ذلك سببا لامداده و معونته من ذوى الامداد و المعونات كالملوك.
 (و تدفع البلوى) البلاء و البلية و البلوى بمعنى و هو ما يبتلى به الانسان و يمتحن به من النوائب و المصائب و المكاره الثقيلة على النفس.
 (و تيسر الحساب) أى حساب الاموال أو الاعمال أيضا (و تنسئ فى الاجل) مثله فى نهج البلاغة عن على «ع» و فى كتب العامة أيضا عن النبي «ص» قال «من أحب أن ينسأ فى أجله فليصل رحمه» و فى طريق آخر «من سره أن ينسأله فى أثره فليصل رحمه» «1» قال شارح النهج «النساء التأخير و ذلك من وجهين أحدهما أنها توجب تعاطف ذوى الارحام و توازرهم و تعاضدهم لواصلهم فيكون عن أذى الاعداء أبعد و فى ذلك مظنة تأخيره و طول عمره، الثانى أن مواصلة ذوى الارحام توجب همهم ببقاء و اصلهم و امداده بالدعاء، و قد يكون دعاؤهم له و تعلق همهم ببقائه من شرائط بقائه و إنساء أجله».
أقول يمكن أن يكون للصلة بالخاصية تأثيرا فى تأخير الاجل و أن يكون تأخير الاجل عناية من اللّه تعالى للواصل ليصل فيضه و بره الى عباد اللّه فيستريحوا بظل حمايته، و قال عياض الاثر الاجل سمى بذلك لانه تابع للحياة. و المراد بنساء الاجل يعنى تأخيره هو بقاء الذكر الجميل بعده فكانه لم يمت و الا فالاجل لا يزيد و لا ينقص، و قال بعضهم: يمكن حمله على ظاهره لان الاجل يزيد و ينقص، اذ قد يكون فى أم الكتاب أنه ان وصل رحمه فأجله‏
__________________________________________________
 (1) صحيح مسلم ج 8 ص 8.

007
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب صلة الرحم ص 4

أصلاب الرّجال و أرحام النساء إلى يوم القيامة أن يصل الرّحم و إن كانت منه على مسيرة سنة، فإنّ ذلك من الدّين.

6- و منه، عن عليّ بن الحكم، عن حفص، عن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: صلة الأرحام تحسن الخلق و تسمّح الكف و تطيّب النفس و تزيد في الرّزق و تنسئ في الأجل.

7- الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشاء، عن عليّ ابن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: إنّ‏

______________________________
كذا و ان لم يصل فأجله كذا، و قال المازرى: و قيل معنى الزيادة فى عمره أنه بالبركة فيه بتوفيقه الى أعمال الطاعة و عمارة أوقاته بما ينفعه فى الآخرة و التوجيه ببقاء ذكره بعد الموت ضعيف، و قال الطيبى بل التوجيه به أظهر فان أثر الشي‏ء هو حصول ما يدل على وجوده، فمعنى يؤخر فى أثره يؤخر ذكره الجميل بعد موته، قال اللّه تعالى‏ «وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ» و منه قول الخليل «ع» «وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ».

قوله (و ان كان منه على مسيرة سنة) فينبغى الارتحال لزيارتهم أو ارسال الكتاب و الهدايا إليهم و فى بعض النسخ «و لو كانت منه» بالتأنيث و كلاهما جائز لان الرحم يذكر و يؤنث.

قوله (صلة الارحام تحسن الخلق) ذكر للصلة خمسة أوصاف الاول أنها تحسن الخلق و هو ملكة تصدر منها الافعال بسهولة مثل الصدق و اللطف و الالفة و حسن الصحبة و العشرة و الطلاقة و البشاشة و نحوها، و ذلك لان الصلة من حسن الخلق و سبب لزيادته و رسوخه و كماله و الثانى أنها: (تسمح الكف) أى توجب جوده و بذله بالنسبة الى عموم الخلق لان الجود يصير عادة و يتكامل بالتدريج حتى يزيل مادة البخل و الثالث أنها (تطيب النفس) أى تبسطها و تشرحها حتى تطهرها من خوف الفقر للبر و الانفاق و من سائر الخبائث مثل الغلظة و الحقد و نحوهما، و الرابع أنها (تزيد فى الرزق) أو توجب بسطه وسعته و البركة فيه، و الخامس انها (تنسئ فى الاجل) و تؤخره كما مر.

قوله (ان الرحم معلقة بالعرش تقول اللهم صل من وصلنى و اقطع من قطعنى) فيه اخبار عن تأكد صلة الرحم و أنه سبحانه نزلها منزلة من استجار به فأجاره و جار اللّه غير مخذول، و القول محمول على الظاهر اذ لا يبعد من قدرة اللّه أن يجعلها ناطقة كما ورد أمثال ذلك فى بعض الاعمال أنه يقول أنا عملك، و المراد بصلة اللّه تعالى من وصلها رحمته لهم و عطفه بنعمته عليهم أو صلته لهم بأهل ملكوته و الرفيق الاعلى، أو قربه منهم و شرح صدورهم لمعرفته، أو جميع أنواع الاكرام و الافضال فان صلة الرحم تجلب خير الدنيا و الآخرة، و قيل المشهور

008
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب صلة الرحم ص 4

الرّحم معلّقة بالعرش تقول: اللّهمّ صل من وصلني و اقطع من قطعني. و هي رحم آل محمّد و هو قول اللّه عزّ و جل: «الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ» و رحم كلّ ذي رحم.
8- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن يونس بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أوّل ناطق من الجوارح يوم القيامة تقول: يا ربّ من وصلني في الدّنيا فصل اليوم ما بينك و بينه و من قطعني في الدنيا فاقطع اليوم ما بينك و بينه.
9- عنه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: صل رحمك و لو بشربة من ماء، و أفضل ما توصل به الرّحم كفّ الأذى عنها، و صلة الرّحم منسأة في الأجل، محببة في الأهل.
10- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن عبد اللّه، عن فضيل بن يسار قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: إنّ الرّحم معلّقة يوم القيامة بالعرش‏
__________________________________________________
من تفاسير الرحم أنها قرابة الرجل من جهة طرفيه و هى أمر معنوى و المعانى لا تتكلم و لا تقوم فكلام الرحم و قيامها و قطعها و وصلها استعارة لتعظيم حقها و صلة واصلها و اثم قاطعها و لذلك سمى قطعها عقوقا، و أصل العق الشق فكأنه قطع ذلك السبب الّذي يصلهم، و قيل يحتمل أن الّذي تعلق بالعرش ملك من ملائكة اللّه و تكلم بذلك عنها من أمر اللّه سبحانه فأقام اللّه ذلك الملك يناضل عنها و يكتب ثواب و اصلها و اثم قاطعها و كل الحفظة يكتب الاعمال و فيه أن جميع ذلك خلاف الظاهر، و الحمل على الظاهر غير بعيد بالنظر الى القدرة القاهرة و أراد بقوله (و هى رحم آل محمد) أن رحمهم عليهم السلام متصله بجميع الامة لا بالاتصال النسبي بل بالاتصال المعنوى و قرابة أولى النعمة و الايمان، و بالجملة كونهم عليهم السلام أصلا للايمان صار ذلك باعثا لقرابة المؤمنين معهم كما أن أصل الدين سبب لاخوة المؤمنين، فالمراد برحمهم عليهم السلام رحم الايمان، فالرحم رحمان: خاصة و هى رحم قرابة و عامة و هى رحم الايمان، و الظاهر أن قوله تعالى: (أَنْ يُوصَلَ)
 بدل من ضمير «به» و أن قول «ع» (و رحم كل ذى رحم) عطف على رحم آل محمد للدلالة على التعميم.
قوله (و صلة الرحم منسأة فى الاجل و محبة فى الاهل) أى آلة لتأخير أجل الواصل و سبب لزيادة عمره و محبة أهله لان الانسان مجبول بحب من أحسن إليه، و من ثم قيل الانسان عبيد الاحسان.

009
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب صلة الرحم ص 4

تقول: اللّهمّ صل من وصلني و اقطع من قطعني.
11- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال أبو ذر رضي اللّه عنه، سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يقول: حافّتا الصراط يوم القيامة الرحم و الأمانة، فإذا مرّ الوصول للرّحم، المؤدّي للأمانة نفذ إلى الجنّة و إذا مرّ الخائن للأمانة، القطوع للرّحم لم ينفعه معهما عمل و تكفأ به الصراط في النار.
12- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن قرط، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: صلة الأرحام تحسن الخلق و تسمّح الكفّ و تطيّب النفس و تزيد في الرزق و تنسئ في الأجل.
13- عنه، عن عثمان بن عيسى، عن خطّاب الأعور، عن أبي حمزة قال:
قال أبو جعفر عليه السّلام: صلة الأرحام تزكّي الأعمال و تدفع البلوى و تنمي الأموال و تنسئ له في عمره و توسع في رزقه و تحبّب في أهل بيته، فليتّق اللّه و ليصل رحمه.
14- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن الحكم الحنّاط قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام صلة الرحم و حسن الجوار يعمران الدّيار و يزيدان في الأعمار.
15- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن عبد اللّه بن ميمون. القدّاح، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إنّ أعجل الخير ثوابا صلة الرّحم.
16- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي‏
__________________________________________________
قوله (صلة الرحم و حسن الجوار) قيل حسن الجوار فضيلة تنشعب الى فضيلتين لان حفظه يكون بالكف عن اذاه و ذلك فضيلة تحت العدل و يكون الاحسان إليه و مصادقته و مسامحته و مواساته و تلك الامور تحت العفة.
قوله (ان اعجل الخير ثوابا صلة الرحم) لان كثيرا من ثوابها يصل الى الواصل في الدنيا مثل زيادة العمر و الرزق و محبة الاهل و نحوها.

010
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب صلة الرحم ص 4

عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من سره النساء في الأجل و الزّيادة في الرّزق فليصل رحمه.
17- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمّار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما نعلم شيئا يزيد في العمر إلّا صلة الرّحم، حتّى أن الرّجل يكون أجله ثلاث سنين فيكون وصولا للرّحم فيزيد اللّه في عمره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثا و ثلاثين سنة، و يكون أجله ثلاثا و ثلاثين سنة، فيكون قاطعا للرّحم فينقصه اللّه ثلاثين سنة و يجعل أجله إلى ثلاث سنين.
الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام، مثله.
18- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لمّا خرج أمير المؤمنين عليه السّلام يريد البصرة، نزل بالرّبذة فأتاه رجل من محارب، فقال: يا أمير المؤمنين إنّي تحمّلت في قومي حمالة و إنّي سألت في طوائف منهم المؤاساة و المعونة فسبقت إليّ ألسنتهم بالنكد فمرهم‏
__________________________________________________
قوله (ما نعلم شيئا يزيد فى العمر إلا صلة الرحم) دل على أن غيرها ليس سببا لزيادة العمر و الا كان هو «ع» عالما به و لعل المراد أنها أكمل أفراد ما يوجب زيادة العمر مثل الصدقة و حسن الجوار و غيرهما و يمكن ادراج غيرها فيها بوجه و فيه و فى ما مر من حديث أبى الحسن الرضا «ع» دلالة واضحة على أن المراد بالنساء فى الاجل زيادة العمر لا ما ذهب إليه بعض العامة من بقاء الذكر الجميل بعد موته و لا ما ذهب إليه بعضهم أيضا من البركة فى العمر بمعنى توفيقه للطاعة و العبادة كما ذكرناه سابقا و ما ذهبوا إليه و ان كان صحيحا يوجبه الصلة لكنه غير مراد من النساء فى الاجل.
قوله (نزل بالربذة) الربذة بالتحريك قرية معروفة قرب المدينة بها قبر أبى ذر الغفارى (فأتاه رجل من محارب) هى قبيلة (انى تحملت فى قومى حمالة) هى بالفتح ما يتحمله الانسان عن غيره من دية أو غرامة مثل أن يقع حرب بين الفريقين سفك فيها الدماء فيدخل بينهم رجل فيتحمل ديات القتلى ليصلح ذات البين.
 (و انى سألت فى طوائف منهم المواساة و المعونة) فى أداء الحمالة و يحتمل الاعم (فسبقت الى ألسنتهم بالنكد) أى بالشدة و الغلظة و العسر (قال فنص راحلته) أى استحثها و استخرج أقصى ما عندها من السير و أصل النص بالصاد المهملة أقصى الشي‏ء و غايته ثم سمى به‏

011
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب صلة الرحم ص 4

يا أمير المؤمنين بمعونتي و حثّهم على مواساتي، فقال: أين هم؟ فقال: هؤلاء فريق منهم حيث ترى، قال: فنصّ راحلته فأدلفت كأنّها ظليم فأدلف بعض أصحابه في طلبها فلأيا بلأي ما لحقت، فانتهى إلى القوم فسلّم عليهم و سألهم ما يمنعهم من مؤاساة صاحبهم فشكوه و شكاهم، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: وصل امرئ عشيرته، فإنّهم أولى ببرّه و ذات يده و وصلت العشيرة أخاها إن عثر به دهر و أدبرت عنه دنيا فإنّ المتواصلين المتباذلين مأجورون، و إنّ المتقاطعين المتدابرين موزورون، [قال‏] ثمّ بعث راحلته و قال: حل.
19- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عثمان بن عيسى، عن يحيى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لن يرغب المرء عن عشيرته و إن كان ذا مال و ولد و عن مودّتهم و كرامتهم و دفاعهم بأيديهم و ألسنتهم، هم أشدّ الناس‏
__________________________________________________
ضرب من السير سريع (فادلفت كانها ظليم) الظليم ذكر النعام و ادلفت من باب الافتعال أو التفعل و الاخير أشهر من الدليف و هو المشى مع تقارب الخطو و الاسراع و كانه الوخدان، قال الثعالبى فى سر الادب الوخدان نوع من سير الابل و هو أن ترمى بقوائمها كمشى النعام.
 (فدلف بعض أصحابه فى طلبها) أى فى طلب راحلته و أثرها و فى بعض النسخ فادلف (فلأيا بلأي ما لحقت) اللأي كالسعى الجهد و المشقة أى فجهد جهدا بعد جهد و مشقة بعد مشقة ما لحقت الراحلة (و صل امرئ عشيرته فانهم أولى ببره و ذات يده) الاظهر أنه خبر بمعنى الامر و كذا ما عطف عليه أى و ليصل امرئ عشيرته و قومه فانهم أولى ببره أى بافاضة خيره عليهم و احسانه إليهم و اعطاء ما فى يده اياهم و كذا العكس ان احتاج الى احسانهم.
 (ثم بعث راحلته و قال حل) حل بفتح الحاء المهملة و سكون اللام زجر للناقة اذا حثها للسير، قال ابن عباس ان حل لتوطئ الناس و تؤذى و تشغل عن ذكر اللّه تعالى يعنى ان كلمة حل و زجرك بها ناقتك عند الافاضة من عرفات توطئ الناس و تؤذيهم و تشغل قلبك عن ذكر اللّه فسر على هينك.
قوله (لن يرغب المرء عن عشيرته و ان كان ذا مال و ولد) المراد به النهى المؤبد و المنع المؤكد يعنى لا يعرض المرء عن عشيرته و عونهم باليد و اللسان و ان كان ذا مال و ولد، فانه محتاج الى العشيرة من جهات شتى و ماله و ولده لا يغنيانه عنهم فكيف اذا لم يكن له مال و ولد فان احتياجه إليهم حينئذ أشد و أكمل، و فيه ترغيب فى صلة العشيرة على كل حال. (و عن مودتهم و كرامتهم) الاضافة الى الفاعل أو المفعول و الاول أنسب بقوله:

012
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب صلة الرحم ص 4

حيطة من ورائه و أعطفهم عليه و ألمّهم لشعثه، إن أصابته مصيبة أو نزل به بعض مكاره الامور، و من يقبض يده عن عشيرته فإنّما يقبض عنهم يدا واحدة و يقبض عنه منهم أيدي كثيرة، و من يلن حاشيته يعرف صديقه منه المودّة، و من بسط يده بالمعروف إذا وجده يخلف اللّه له ما أنفق في دنياه و يضاعف له في آخرته، و لسان الصدق للمرء يجعله اللّه في النّاس خيرا من المال يأكله و يورّثه، لا يزدادنّ أحدكم كبرا و عظما في نفسه و نأيا عن عشيرته، إن كان موسرا في المال، و لا يزدادنّ أحدكم في أخيه زهدا
__________________________________________________
 (و دفاعهم بأيديهم و ألسنتهم) لان الاضافة فيها الى الفاعل (هم أشد الناس حيطة) أى حفظا و رعاية له (من ورائه) أى فى غيبته (و أعطفهم عليه) فى الغيبة و الحضور (و المهم لشعثه) الشعث محركة انتشار الامور و تفرقها و اللم الاصلاح تقول لممت شعثه لما من باب قتل اذا أصلحت من حاله ما تشعث و تفرق (ان اصابته مصيبة أو نزل به بعض مكاره الامور) قيده بهذه الشرط لان الاحتياج إليهم حينئذ أظهر، و يناسب هذا ما روى عن أمير المؤمنين «ع» قال: «و اكرم عشيرتك فانهم جناحك الّذي به تطير و أصلك الّذي إليه تصير و يدك التى بها تصول» امر باكرامهم و رغبه فيه بذكر المنافع الدنيوية و هى انه يتقوى بهم حيث انهم يصيرون اعوانا له و بهم يتحقق كما له و قوته (و من يقبض يده عن عشيرته فانما يقبض عنهم يدا واحدة و يقبض عنه منهم ايدى كثيرة) لانهم يهجرونه و لا يعاونونه فيما ينزل به من مصائب الدنيا و نوائب الدهر و غلبة الاعادى و قد مر شرحه مفصلا فى آخر باب المداراة.
 (و من يلن حاشيته يعرف صديقه منه المودة) يعنى لين الجانب و حسن الصحبة مع العشيرة و غيرهم موجب لمعرفتهم المودة منه و من البين ان ذلك موجب لمودتهم له فلين الجانب مظهر للمودة من الجانبين و بها يتم النظام فى الدارين.
 (و من بسط يده بالمعروف) تخصيصه بالمندوب محتمل و تعميمه أولى (اذا وجده يخلف اللّه له ما انفق فى دنياه) سواء انفق على ذوى الارحام أو على غيرهم (و يضاعف له فى آخرته) حتى أن الرجل للتصدق بالتمرة او بشق التمرة فيربيها اللّه تعالى فيلقاها يوم القيامة و هو مثل أحد أو أعظم منه هذا اذا اكتسب المال من حله و أنفقه فى حله لوجه اللّه تعالى كما دلت عليه الرواية و تشهد عليه التجربة.
 (و لسان الصدق للمرء يجعله اللّه فى الناس خيرا من المال يأكله و يورثه) يعنى مدح الناس له بالجميل و ذكرهم بالخير و دعاؤهم له بالمغفرة خير من المال يأكله و يورثه اذ ليس فى الماكل مدح و كمال مع انقطاع نفعه و التوريث انما هو بغير اختيار مع أن الوارث أن صرفه فى وجوه البر كان الثواب له لا للمورث (لا يزدادن أحدكم كبرا و عظما فى‏

013
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب صلة الرحم ص 4

و لا منه بعدا، إذا لم ير منه مروّة و كان معوزا في المال و لا يغفل أحدكم عن القرابة بها الخصاصة أن يسدّها بما لا ينفعه إن أمسكه و لا يضرّه إن استهلكه.
20- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن عثمان بن عيسى، عن سليمان بن هلال قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ آل فلان يبرّ بعضهم بعضا و يتواصلون، فقال: إذا تنمى أموالهم و ينمون، فلا يزالون في ذلك حتّى يتقاطعوا، فإذا فعلوا ذلك انقشع عنهم.
21- عنه، عن غير واحد، عن زياد القندي، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إنّ القوم ليكونون فجرة و لا يكونون بررة، فيصلون أرحامهم فتنمى أموالهم و تطول أعمارهم، فكيف إذا كانوا أبرارا بررة.
22- و عنه، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي‏
__________________________________________________
نفسه و نأيا عن عشيرته ان كان موسرا فى المال) لما كان أعظم أسباب كبر الرجل و عظمته و بعده عن العشيرة هو يسره و كونه ذا مال قيد النهى عن تلك الامور به و ليس المراد جواز هذه الامور مع العسر بل تعلق النهى بها مع العسر اولى.
 (و لا يزدادن أحدكم فى أخيه زهدا و لا منه بعدا اذا لم ير منه مروة و كان معوزا فى المال) المروة كمال الرجولية بالاحسان و نحوه و المعوز بكسر الواو المفتقرة الّذي لا شي‏ء له من أعوز الرجل اعوازا افتقر و بفتحها الفقير من اعوزه الدهر أفقره و أحوجه. و فيه مبالغة فى النهى عن الاعراض من الاخ و البعد منه فانه اذا قبح ذلك مع عدم مروة الاخ فقد قبح مع مروته بطريق اولى (لا يغفل أحدكم عن القرابة بها الخصاصة أن يسدها بما لا ينفعه ان أمسكه و لا يضره ان استهلكه) الظاهر أن بها الخصاصة مبتدأ و خبر و الجملة حال عن القرابة، و أن يسدها بدل عنها أو متعلق بلا يغفل بتقدير من أى لا يغفل أحدكم من أن يسد خصاصة القرابة و احتياجها بمال لا ينفعه ان أمسكه بالمنع و لا يضره ان استهلكه بالاعطاء و غيره و فيه ترغيب للمرء فى صرف فضل ماله فى الاقرباء لان الفضل لا ينفعه حفظه و لا يضره دفعه قوله (فلا يزالون فى ذلك) اى نمو اموالهم و زيادتها و نموهم بزيادة أعمارهم و تكثر أعدادهم قوله (ان القوم ليكونون فجرة و لا يكونون بررة) اشارة الى أن الفوائد الدنيوية للصلة تصل الى المؤمن و الفاسق و الكافر، و ان المؤمن الصالح أولى بذلك.

014
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب صلة الرحم ص 4

بصير، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: صلوا أرحامكم و لو بالتسليم، يقول اللّه تبارك و تعالى: وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً.

23- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن صفوان الجمّال قال: وقع بين أبي عبد اللّه عليه السّلام و بين عبد اللّه بن الحسن كلام حتّى وقعت الضوضاء بينهم و اجتمع النّاس فافترقا عشيّتهما بذلك و غدوت فى حاجة، فإذا أنا بأبي عبد اللّه عليه السّلام على باب عبد اللّه بن الحسن و هو يقول: يا جارية قولي لأبي محمّد [يخرج‏] قال: فخرج فقال: يا أبا عبد اللّه ما بكّر بك؟ قال: إنّي تلوت آية من كتاب اللّه عزّ و جلّ البارحة فأقلقتني، قال: و ما هي؟ قال: قول اللّه جلّ و عزّ ذكره: «الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ» فقال: صدقت لكأنّي لم أقرأ هذه الآية من كتاب اللّه قطّ فاعتنقا و بكيا.

24- و عنه، عن علي بن الحكم، عن عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ لي ابن عمّ أصله فيقطعني و أصله فيقطعني حتّى لقد هممت لقطيعته إيّاي أن أقطعه، أ تأذن لى قطعه؟ قال: إنّك إذا وصلته و قطعك وصلكما اللّه جميعا و إن قطعته و قطعك قطعكما اللّه.

25- عنه، عن عليّ بن الحكم، عن داود بن فرقد قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام‏

______________________________
قوله (صلوا أرحامكم و لو بالتسليم) دل على أنه ينبغى المبادرة بالسلام على ذوى الارحام و ان ظن أنهم لا يردون عليه و القول بأنه لا يسلم عليهم حينئذ لانه يدخلهم فى حرام كما ذهب إليه بعض العامة ليس بشي‏ء لامكان توبتهم وردهم فلا يترك تلك الخصلة العظيمة و الفضيلة الشريفة لمجرد الظن.

قوله (حتى وقعت الضوضاء بينهم) الضؤضؤ أصوات الناس ضوضئوا أى ضجوا.

قوله (ما بكر بك) بكر الى الشي‏ء بكورا من باب قعد أسرع أى وقت كان و بكرت عجلت و بكر تبكيرا مثله، و فى بعض النسخ ما يكر بك من الاكراب و هو الاسراع.

قوله (انك اذا وصلته و قطعك وصلكما اللّه) لان وصلتك اياه قد يرقق قلبه و يجعله محبا لك و مائلا أليك فيترك القطيعة بتوفيق اللّه كما يدل عليه قول أمير المؤمنين «ع» «و خذ على عدوك بالفضل فانه أحد الظفرين» يريد أن الظفر على العدو اما بالسنان و اما بالافضال.

015
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب صلة الرحم ص 4

إنّي أحبّ أن يعلم اللّه أنّي قد أذللت رقبتي في رحمي و إنّي لابادر أهل بيتي، أصلهم قبل أن يستغنوا عنّي.

26- عنه، عن الوشّاء، عن محمّد بن الفضيل الصيرفي، عن الرّضا عليه السّلام قال: إنّ رحم آل محمد- الأئمّة عليهم السّلام- لمعلّقة بالعرش تقول: اللّهمّ صل وصلني و اقطع من قطعني ثمّ هي جارية بعدها في أرحام المؤمنين، ثمّ تلا هذه الآية: وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ‏.

27- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جل: الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ‏ فقال: قرابتك.

28- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان و هشام ابن الحكم و درست بن أبي منصور، عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام‏ «الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ»؟ قال: نزلت في رحم آل محمّد عليه و آله السلام و قد تكون في قرابتك، ثمّ قال فلا تكوننّ ممّن يقول للشي‏ء: إنّه في شي‏ء واحد.

29- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن محمّد بن عليّ، عن أبي جميلة، عن الوصّافي، عن علي بن الحسين عليهما السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من سرّه أن يمدّ اللّه في عمره و أن يبسط له في رزقه فليصل رحمه، فإنّ الرّحم لها لسان يوم القيامة ذلق تقول: يا ربّ صل من وصلني و اقطع من قطعني، فالرّجل ليرى بسبيل خير إذا أتته‏

______________________________
قوله (انى احب ان يعلم اللّه انى قد أذللت رقبتى فى رحمى) أى أحب ان يطابق علمه بالمعلوم او احب أن يعلم الاذلال بعد الكون كما علمه قبله او احب ان يجزينى بالاذلال فاطلق العلم و اراد الجزاء كناية لان الجزاء تابع للعلم.

قوله (فقال قرابتك) أراد أن الآية شاملة لقرابة المؤمنين، لا أنها مختصة بها لدلالة الخبر السابق و الخبر الآتي على أنها شاملة لقرابة محمد «ص» أيضا.

قوله (فلا تكونن ممن يقول للشى‏ء انه فى شي‏ء واحد) يعنى أن الآية شاملة لارحام المؤمنين و ان نزلت فى رحم آل محمد «ص» فلا تقولن باختصاصها بها.

قوله (فان الرحم لها لسان يوم القيامة ذلق) أي فصبح بليغ و ذلق بضم الذال و اللام‏

016
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب صلة الرحم ص 4

الرحم الّتي قطعها فتهوي به إلى أسفل قعر في النّار.

30- عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن الحسن بن عليّ، عن صفوان، عن الجهم بن حميد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: تكون لي القرابة على غير أمري، ألهم عليّ حقّ؟ قال: نعم حقّ الرّحم لا يقطعه شي‏ء و إذا كانوا على أمرك كان لهم حقّان: حقّ الرّحم، و حقّ الإسلام.

31- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ صلة الرّحم و البرّ ليهوّنان الحساب و يعصمان من الذّنوب، فصلوا أرحامكم، و برّوا بإخوانكم و لو بحسن السلام و ردّ الجواب.

32- علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن عبد الصمد بن بشير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: صلة الرّحم تهوّن الحساب يوم القيامة و هي منساة في العمر و تقي مصارع السوء و صدقة اللّيل تطفئ غضب الربّ.

33- عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حسين بن عثمان، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ صلة الرّحم تزكّي الأعمال و تنمي الأموال و تيسّر الحساب و تدفع البلوى و تزيد في الرّزق.

(باب البر بالوالدين)

1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، و عليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولّاد الحنّاط قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام‏

______________________________
أو فتحها أو سكونها مع فتح الذال، و فيه دلالة واضحة على أن قول الرحم محمول على الحقيقة و قد مر الخلاف فيه.

قوله (فتهوى به الى أسفل قعر فى النار) الاضافة فى أسفل قعر بيانية و هو يدل على أن قاطع الرحم و ان فعل جملة من الاعمال الصالحة يدخل النار و نحن لا نكفر بالذنوب فلا بد من التأويل و لعل المراد بالدخول الدخول مع عدم الدوام. أو المراد بالقاطع القاطع المستحل.

قوله (و تقى مصارع السوء و صدقة الليل تطفئ غضب الرب) أى الصلة تقى صاحبها من الوقوع فى المكاره و الذنوب و سوء الحساب كما علم ذلك من صريح الروايات السابقة و انما خص صدقة الليل مع أن سائر العبادات كذلك لكونها أبعد من الرياء و أقرب الى‏

017
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البر بالوالدین ص 17

عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً* ما هذا الإحسان؟ فقال: الإحسان أن تحسن صحبتهما و أن لا تكلّفهما أن يسألاك شيئا ممّا يحتاجان إليه و إن كانا مستغنيين أ ليس يقول اللّه عزّ و جلّ: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ‏ قال:

ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: و أمّا قول اللّه عزّ و جل: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَ لا تَنْهَرْهُما قال: إن أضجراك فلا تقل لهما: افّ، و لا تنهرهما إن ضرباك، قال: وَ قُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً قال: إن ضرباك فقل لهما:

غفر اللّه لكما، فذلك منك قول كريم، قال‏ وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ «قال:

لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلّا برحمة و رقّة و لا ترفع صوتك فوق أصواتهما و لا يدك‏

______________________________
الاخلاص فكان أولى بالتقرب منه تعالى و اطفاء غضبه.

قوله (فقال الاحسان أن تحسن صحبتهما) بالتلطف و حسن العشرة و الطلاقة و البشاشة و التواضع و الترحم و غيرها مما يوجب سرورهما و انبساطهما، و الحاق الاجداد و الجدات بهما محتمل و صرح به عياض من العامة، و قال بعضهم انهم أخفض منهما لانهم ليسوا بآباء و أمهات حقيقة (و ان لا تكلفهما أن يسألاك شيئا مما يحتاجان إليه) بل تبادر الى قضاء حوائجهما قبل المسألة لانه تمام البر.

(و ان كانا مستغنيين) قادرين على القيام بحاجاتهما (أ ليس يقول اللّه عز و جل‏ لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ‏) البر شامل لبر الوالدين و بهذا الاعتبار وقع الاستشهاد به‏ (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَ لا تَنْهَرْهُما) الأف فى الاصل وسخ الاظفار، ثم استعمل فيما يستقذر. ثم فى الضجر و هو نكرة ان نون و معرفة ان لم ينون، و معنى النكرة لا تقل لهما قولا قبيحا، و معنى المعرفة لا تقل لهما القول القبيح و قيل معناه الاحتقار أخذ من الأفف و هو القليل كذا قال محى الدين، و النهى الزجر و فعله من باب نفع اذا عرفت هذا فنقول لا ريب فى أن هذا القول منهى عنه و انما الكلام فى أنه عقوق أم لا قال الصدوق فى باب الجماعة و فضلها سأل عمر بن يزيد أبا عبد اللّه «ع» عن امام لا بأس به فى جميع اموره عارف غير أنه يسمع أبويه الكلام الغليظ الّذي يغيظهما أقرأ خلفه؟ قال: لا تقرأ ما لم يكن عاقا قاطعا، و يفهم منه أن مثل ذلك القول ليس عقوقا و ان العقوق الّذي عدوه من الكبائر هو الّذي يورث القطع منهما أو من أحدهما و ان ما يوجب غيظهما نادرا لا يبلغ حد العقوق و لا يوجب الفسق الرافع للعدالة.

(و لا ترفع صوتك فوق أصواتهما) للتواضع و التعظيم هكذا ينبغى بالنسبة الى كل ذى نعمة أو معزز من عند اللّه تعالى كما قال تعالى شأنه‏ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُم‏

018
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البر بالوالدین ص 17

فوق أيديهما و لا تقدم قدامهما.

2- ابن محبوب، عن خالد بن نافع البجليّ، عن محمّد بن مروان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ رجلا أتي النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال يا رسول اللّه أوصني فقال: لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ‏ شيئا و إنّ حرّقت بالنّار أو عذّبت إلا و قلبك مطمئنّ بالإيمان، و والديك فأطعهما و برّهما حيّين كانا أو ميّتين و إن أمراك أن تخرج من أهلك و مالك فافعل فإنّ ذلك من الإيمان.

3- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سيف، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام‏

______________________________
فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ‏- الآية».

(و لا يدك فوق ايديهما) عند الاعطاء لما فيه من الدلالة على التحقير و الاهانة، و قيل:

المراد باليد القدرة كما فى قوله تعالى‏ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ‏.

(و لا تقدم قدامهما) فى المشى و المجالس لانه مناف للتعظيم و خلاف الآداب الا أن يريدا ذلك على احتمال. و التفصيل أن رفع الصوت و اليد و التقدم ان أوجب اذيهما و ضجرهما فهو حرام و الا فلا يبعد القول بأن تركه من الآداب المستحبة و الاحتياط واضح.

قوله (الا و قلبك مطمئن بالايمان) دل على أن التلفظ بما يوجب الشرك و الكفر عند التقية مع استقرار القلب على الايمان لا يضر بل يوجب ثوابا لان التقية واجبة و أن الايمان أمر قلبى كما هو الحق و المشهور (و والديك فاطعهما) الظاهر أن والديك منصوب بفعل مقدر يفسره الفعل المذكور، و الكلام يفيد الحصر و التأكيد ان قدر المحذوف بعده، و التأكيد فقط ان قدر قبله‏ (و برهما حيين كان أو ميتين) برهما حيين عبارة عن الاحسان إليهما و الطاعة لهما و الرفق بهما و التحرى لمحابهما و التوقى عن مكارههما، و برهما ميتين عبارة عن طلب المغفرة لهما و قضاء الصوم و الصلاة و الديون عنهما و فعل الخيرات لهما و غيرهما مما يوجب وصول النفع و الثواب إليهما. و يفهم منه أن العقوق كما يكون فى حال حياتهما كذلك يكون بعد موتهما أيضا و سيصرح به.

(و ان أمراك أن تخرج من أهلك و مالك فافعل فان ذلك من الايمان) أى من كمال الايمان، و الظاهر أن طاعتهما فيما أمرا به لازمة اذا لم يكن معصية سواء كان مباحا أو مندوبا أو واجبا اذا علم أن تركه يوجب أذيهما و ضجرهما لظواهر الآيات و الروايات و إليه ميل أكثر العامة، و قال بعضهم اذا أمر بالمباح صار مندوبا و اذا أمر بالمندوب صار مؤكدا، و يفهم منه أن أحدهما لو كره زوجته و أمره بطلاقها كان عليه أن يطلقها كما طلق إسماعيل امرأته بأمر أبيه عليهما السلام، و يؤيده ما فى الترمذي عن ابن عمر قال «كانت لى‏

019
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البر بالوالدین ص 17

قال: يأتي يوم القيامة شي‏ء مثل الكبّة فيدفع في ظهر المؤمن فيدخله الجنّة، فيقال: هذا البرّ.

4- الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت: أيّ الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة لوقتها و برّ الوالدين و الجهاد في سبيل اللّه.

5- علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن درست بن أبي منصور، عن أبي الحسن موسى عليه السّلام قال: سأل رجل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ما حقّ الوالد على ولده؟ قال: لا يسميه باسمه، و لا يمشي بين يديه، و لا يجلس قبله و لا يستسبّ له‏

______________________________
زوجة أحبها و كان أبى يكرهها فأمرنى بطلاقها فأبيت فذكر ذلك لرسول اللّه «ص» فقال: يا عبد اللّه طلقها» قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.

قوله (مثل الكبة) الكبة بالفتح الجماعة من الناس و البر قد يراد به كمال الايمان قال اللّه تعالى‏ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى‏ و قد يراد به العفة، و يقابله الفجور و قد يراد به الاحسان و الطاعة للوالدين و الرفق بهما و طلب ما يوجب سرورهما و ترك ما يوجب حزنهما و هو داخل تحت العفة و مراد هنا.

قوله (أى الاعمال أفضل قال الصلاة) اريد بالاعمال الاعمال البدنية، فلا يرد أن معرفة اللّه و معرفة شرائعه أفضل كما دل عليه بعض الروايات و صرح به الاصحاب ثم الاعمال المذكورة المتقدم منها أفضل من المتأخر بدليل خارج.

قوله (لا يسميه باسمه) لما فيه من التحقير و ترك التعظيم و التوقير عرفا بل يسميه بالاب فيقول يا أبه أو أخبرنى أبى أو باللقب و الكنية و غير ذلك من الالفاظ الدالة على التوقير.

قوله (و لا يمشى بين يديه و لا يجلس قبله) فى المجالس أو عند أرادتهما الجلوس لما فيهما من التحقير و خلاف الآداب‏ (و لا يستسب) أى لا يعرضه للسب و لا يجر السب إليه و ذلك بأن يسب أبا زيد فيسب زيد أباه مجازاة، و حكم الام فى جميع ذلك حكم الأب، و يدل على ذلك أيضا قوله تعالى‏ وَ لا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ‏ و لا ريب فى أن ذلك فسق من وجوه أحدها أنه سب أبا زيد و ثانيها أنه صار سببا لسب أبيه، و ثالثها أنه صار سببا لفعل زيد و البادى أظلم، و هل صدر منه كبيرة باعتبار سب أبيه أم لا قيل يحتمل الاول لان سب‏

020
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البر بالوالدین ص 17

6- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن عبد اللّه بن بحر عن عبد اللّه بن مسكان، عمّن رواه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال و أنا عنده لعبد الواحد الأنصاري في برّ الوالدين في قول اللّه عزّ و جلّ: وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً* فظننّا أنّها الآية الّتي في بني إسرائيل‏ وَ قَضى‏ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً] فلمّا كان بعد سألته فقال: هي التي في لقمان‏ «وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ (حُسْناً) «وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى‏ أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما» فقال: إنّ‏

______________________________
الاجنبى كبيرة و سب الأب أقبح منه فيكون كبيرة بالطريق الاولى و فيه نظر لانا لا نسلم أن سب الاجنبى مطلقا كبيرة و لا دلالة على ذلك فى الاخبار و لو سلم فلا نسلم أنه سب الأب لانه لم يقصد من ذلك سبه و ليس فعل السبب كفعل المسبب، و قوله «لا يستسب» لا يدل عليه نعم يدل على تحريم ايجاد السبب و لا يمكن أن يستدل به على تحريم بيع العنب لمن يعصرها خمرا و بيع الحرير لمن لا يحل له لبسه كما زعم لانه قياس و نحن لا نعمل به.

قوله (فى قول اللّه عز و جل‏ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً*) أى فى تفسيره للترغيب فى بر الوالدين و صلتهما و تعظيمهما و انجر كلامه الى والدى العلم و الحكمة. و قال الراوى:

(فظننا انها) أى الآية التى فسرها «ع» للترغيب فى بر الوالدين (الآية التى فى بنى اسرائيل‏ «وَ قَضى‏ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ» [و بالوالدين احسانا]) إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَ لا تَنْهَرْهُما وَ قُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (فلما كان بعد سألته) و قلت هل الآية التى ذكرتها فى بر الوالدين هى التى فى بنى اسرائيل‏ (فقال) صلوات اللّه عليه‏ (هى التى فى لقمان‏ وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ‏) حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى‏ وَهْنٍ وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. «وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى‏ أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» و انما قال «ع» هى التى فى لقمان لان مراده بالوالدين والدى العلم و الحكمة و لا يمكن تأويل الوالدين فى آية بنى اسرائيل بهما كما لا يخفى بخلاف آية لقمان فانه يمكن تأويل آخرها بهما. و فيه مناقشة أما أولا فلان قوله «ع» أولا «وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً»* غير مذكور فى آية لقمان، و أما ثانيا فلان آية لقمان ليست على الوجه المذكور و ليس فيها أيضا لفظ حسنا و يمكن دفع الكل بأن المقصود هو الاشارة إليها بالنقل بالمعنى أو بأن ذلك من تغيير الراوى و تصرفه، و دفع الاول بأن قوله‏ «وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً»* متعلق بقال و أنا عنده، لا بقول اللّه. فيكون كلامه «ع». و دفع الاخير بأنه يمكن أن يكون لفظ حسنا

021
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البر بالوالدین ص 17

ذلك أعظم أن يأمر بصلتهما و حقّهما على كلّ حال‏ «وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى‏ أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ»؟ فقال: لا بل يأمر بصلتهما و إن جاهداه على الشرك ما زاد حقّهما إلّا عظما

______________________________
فى أصل النزول‏ «وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى‏ أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما» (فقال ان ذلك أعظم أن يأمر بصلتهما و حقهما على كل حال) الظاهر أن ضمير قال راجع الى أبى عبد اللّه «ع» و ذلك اشارة الى قوله تعالى‏ وَ إِنْ جاهَداكَ‏ و أعظم فعل ماض تقول أعظمته و عظمته بالتشديد اذا جعلته عظيما و أن يأمر مفعوله بتأويل المصدر، و المراد بالامر بالصلة هو الامر السابق على هذا القول و اللاحق له أعنى قوله‏ «اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ» و قوله‏ «وَ صاحِبْهُما» و اتبع فأفاد (ع) بعد قراءة قوله تعالى‏ وَ إِنْ جاهَداكَ‏ أن هذا القول أعظم الامر بصلة الوالدين و حقهما على كل حال حيث يفيد أنه تجب صلتهما و طاعتهما مع الزجر و المنع منها فكيف بدونه.

(وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى‏ أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) فلا تطعهما (فقال: لا بل يأمر بصلتهما و ان جاهداه على الشرك ما زاد حقهما إلا عظما) ثم قرأ هذا القول و هو قوله تعالى‏ وَ إِنْ جاهَداكَ‏ و أفاد بقوله «لا» انه ليس المراد منه ظاهره و هو مجاهدة الوالدين على الشرك و نهى الولد عن اطاعتهما عليه بل يأمر الولد بصلة الوالدين و ان منعه المانعان عنها و ما زاد هذا القول حقهما إلا عظما و فخامة و هذا الحديث بعد مبهم، و هم عليهم السلام قد يتكلمون بكلام مبهم للتقية أو لغرض آخر و توضيحه أن صدر الآية فى الحث على صلة الابوين حقيقة و آخرها و هو قوله تعالى‏ أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ‏- الى آخره) فى الحث على صلة الوالدين مجازا، و هو العالم الربانى المعلم للعلم و الحكمة، و ضمير التثنية فى جاهداك و لا تطعمها راجع الى أبى بكر و عمر، و المراد بالشرك بالرب ترك أمره بمتابعة ذلك العالم الربانى، يدل على ذلك ما رواه المصنف فى باب نكت التنزيل، عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن بسطام بن مرة عن إسحاق بن حسان، عن الهيثم بن واقد عن على بن الحسين العبدى، عن سعد الاسكاف عن الاصبغ بن نباته أنه سأل أمير المؤمنين «ع» عن قوله تعالى‏ أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ فقال: الوالدان اللذان أوجب اللّه تعالى الشكر لها اللذان ولدا العلم و ورثا الحكم و أمر الناس بطاعتهما، ثم قال اللّه تعالى‏ إِلَيَّ الْمَصِيرُ فمصير العباد الى اللّه تعالى و الدليل على ذلك الوالدان، ثم عطف القول على ابن حنتمة و صاحبه- أقول حنتمة بالحاء المهملة اسم أم عمر بن الخطاب و هى بنت هشام اخت أبى جهل- فقال فى الخاص و العام و ان جاهداك على ان تشرك بى يقول فى الوصية و تعدل عمن أمرت بطاعته فلا تطعهما و لا تسمع قولهما. ثم عطف القول على الوالدين فقال‏ «وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً»

022
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البر بالوالدین ص 17

7- عنه، عن محمّد بن علي عن الحكم بن مسكين، عن محمّد بن مروان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما يمنع الرّجل منكم أن يبرّ والديه حيين و ميّتين، يصلّي عنهما، و يتصدّق عنهما، و يحجّ عنهما، و يصوم عنهما، فيكون الذي صنع لهما و له مثل ذلك فيزيده اللّه عزّ و جلّ ببرّه وصلته خيرا كثيرا.

8- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن معمر بن خلّاد قال: قلت لأبي الحسن الرّضا عليه السّلام: أدعو لوالديّ إذا كانا لا يعرفان الحقّ؟ قال: ادع لهما و تصدّق عنهما، و إن كانا حيّين لا يعرفان الحقّ فدارهما، فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال: إنّ اللّه بعثني بالرّحمة لا بالعقوق.

9- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: جاء رجل إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله: فقال: يا رسول اللّه من أبرّ؟ قال:

أمّك، قال: ثمّ من؟ قال أمّك، قال: ثمّ من؟ قال: أمّك، قال: ثمّ من؟

قال: أباك‏

______________________________
يقول عرف الناس فضلهما و ادع الى سبيلهما و ذلك قوله‏ «وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ» فقال الى اللّه ثم إلينا فاتقوا اللّه و لا تعصوا الوالدين فان رضاهما رضا اللّه و سخطهما سخط اللّه. و يمكن جعل آخر الآية أيضا لبر الوالدين المعروفين و ارجاع الضمير فى لا تطعهما و جاهداك إليهما و قال عليه السلام: ان ذلك أعظم الامر بصلتهما و حقهما على كل حال أى على حال الشرك و عدمه فقال الراوى» وَ إِنْ جاهَداكَ‏ «الى قوله- فَلا تُطِعْهُما» دل على عدم اطاعتهما فى حال الشرك فكيف يدل على الامر بصلتهما و حقهما على كل حال فقال «ع» «لا» أى ليس الامر كما زعمت من النهى عن اطاعتهما فى حال الشرك بل يأمر بصلتهما و احسانهما و مصاحبتهما و ان جاهداه على الشرك نعم المنهى عنه اطاعتهما فى الشرك.

قوله (يصلى عنهما و يتصدق عنهما و يحج عنهما و يصوم عنهما) دل على أن ثواب هذه الاعمال و غيرها يصل الى الميت و هو مذهب علمائنا، و أما العامة فقد اتفقوا على أن ثواب الصدقة يصل إليه، و اختلفوا فى عمل الابدان فقيل يصل قياسا على الصدقة و قيل لا يصل لقوله تعالى‏ وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى‏ الا الحج لان فيه شأئبة عمل البدن و انفاق المال فغلب المال.

قوله (فقال يا رسول اللّه من أبر؟ قال امك قال: ثم من؟ قال امك قال: ثم من؟ قال امك قال ثم من قال أباك) ذكر الأب فى المرتبة الرابعة يشعر بأن للام ثلاثة أرباع البر هذا اذا لم يخرج تكرار

023
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البر بالوالدین ص 17

10- أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن سالم، عن أحمد بن النضر، عن عمر و بن شمر عن جابر، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أتى رجل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه إنّي راغب في الجهاد نشيط قال: فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله: فجاهد في سبيل اللّه، فإنّك إن تقتل تكن حيّا عند اللّه ترزق و إن تمت فقد وقع أجرك على اللّه و إن رجعت رجعت من الذّنوب كما ولدت، قال: يا رسول اللّه إنّ لي والدين كبيرين يزعمان أنّهما يأنسان بي و يكرهان خروجي، فقال: رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: فقرّ مع والديك فو الذي نفسي بيده لأنسهما بك يوما و ليلة خير من جهاد سنة.

11- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب، عن زكريا بن إبراهيم قال: كنت نصرانيّا فأسلمت و حججت‏

______________________________
البر بالام مخرج التأكيد و المبالغة و الا فالمقصود تفضيل الام بالبر و لعل وجه ذلك كثرة ما تلقى من ألم الحمل و مشقة الوضع و مقاساة الرضا و التربية و شدة المحبة، و اختلفت العامة فى ذلك فمشهور ما لك أن الام و الأب سواء فى ذلك، و قال بعضهم تفضيل الام مجمع عليه، و قال بعضهم للام ثلثا البر مستندا بما رواه مسلم قال قال رجل: يا رسول اللّه من أحق الناس بحسن الصحبة قال أمك، ثم امك، ثم أبوك» و قال بعضهم لها ثلاثة أرباع البر مستند بما رواه مسلم أيضا قال «قال رجل: يا رسول اللّه من أحق بحسن الصحبة؟ قال امك، قال: ثم من قال أمك، قال: ثم من؟ قال: امك قال ثم من؟ قال أبوك».

قوله (فانك ان تقتل تكن حيا عند اللّه ترزق و ان تمت فقد وقع أجرك على اللّه) كما قال عز و جل‏ «وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ‏- الآية» و قال: «وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ».

قوله (فقال رسول اللّه «ص» فقر مع والديك فو الّذي) دل على أن أجر القيام على الوالدين طلبا لرضاهما يزيد على أجر الجهاد، و اطلاق الوالدين مع عدم الاستفسار و التفصيل يشمل الكافرين ثم ان توقف الجهاد على اذنهما مشروط بعدم تعينه عليه و يفهم منه أنه لا يجوز له السفر بدون اذنهما مطلقا الا أن يكون واجبا عليه عينا و هل يلحق الاجداد و الجدات بالوالدين فى هذا الحكم أم لا، لم يحضرنى الآن نص صحيح، و لا قول صريح من أصحابنا و ذهب مالك الى لحوقهم حيث قال الجدان كالابوين لا يخرج الى الجهاد بدون اذنهما.

024
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البر بالوالدین ص 17

فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت: إنّي كنت على النصرانيّة و إنّي أسلمت. فقال و أي شي‏ء رأيت في الإسلام؟ قلت: قول اللّه عزّ و جلّ: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ فقال: لقد هداك اللّه، ثمّ قال:

اللّهمّ اهده- ثلاثا- سل عمّا شئت يا بنيّ! فقلت: إنّ أبي و أمّي على النصرانيّة و أهل بيتي، و أمّي مكفوفة البصر فأكون معهم و آكل في آنيتهم؟ فقال: يأكلون لحم الخنزير؟ فقلت: لا و لا يمسّونه، فقال: لا بأس فانظر أمّك فبرّها، فإذا ماتت فلا تكلها إلى غيرك، كن أنت الّذي تقوم بشأنها و لا تخبرنّ أحدا أنّك أتيتني حتّى تأتيني بمنى إن شاء اللّه قال: فأتيته بمنى و النّاس حوله كأنّه معلّم صبيان، هذا يسأله و هذا يسأله، فلمّا قدمت الكوفة ألطفت لامّي و كنت اطعمها و افلّي ثوبها و رأسها و أخدمها فقالت لي: يا بنيّ ما كنت تصنع بي هذا و أنت على ديني فما الّذي أرى منك منذ هاجرت فدخلت في الحنيفيّة؟ فقلت: رجل من ولد نبيّنا أمرني بهذا، فقالت: هذا الرّجل هو نبيّ؟ فقلت: لا و لكنّه ابن نبيّ، فقالت: يا بنيّ إنّ هذا نبيّ إنّ هذا نبيّ إنّ هذه وصايا الأنبياء، فقلت: يا أمّه إنّه ليس يكون بعد نبيّنا نبيّ و لكنّه ابنه، فقالت: يا بنيّ دينك خير دين، اعرضه علي فعرضته عليها فدخلت في الاسلام و علّمتها، فصلّت الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة، ثمّ عرض لها عارض في اللّيل، فقالت: يا بنيّ أعد عليّ ما علّمتني فأعدته عليها، فأقرّت به و ماتت، فلمّا أصبحت كان المسلمون الّذين غسّلوها و كنت أنا الّذي صلّيت عليها و نزلت في قبرها

______________________________
قوله (و أى شي‏ء رأيت فى الاسلام) فصار سببا لهدايتك فتلا الآية المذكورة الدالة على أن الهداية موهبية كما دل عليه أيضا كثير من الروايات للاشعار بأنها أثرت فى نفسه حتى صارت سببا لهدايته فلذلك قال «ع» «لقد هداك اللّه ثم قال اللهم اهده- «ثلثا»- أى زد هدايته أو ثبته عليها و تجويزه «ع» له الاكل فى آنية أهل الكتاب معهم لا يدل على طهارتهم و طهارة طعامهم مع مباشرتهم له بالرطوبة و لا عدم سراية النجاسة لإمكان أن يأكل فى آنيتهم طعاما طاهرا مع عدم مباشرتهم لما يأكله برطوبة و ان كان خلاف الظاهر فلا ينافى ما هو المشهور فتوى و رواية من نجاستهم و نجاسة ما باشروه برطوبة. و الفلى «شپش جستن از سر و جامه» و فعله من باب رمى.

025
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البر بالوالدین ص 17

12- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن الحكم، و عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن إسماعيل بن مهران، جميعا، عن سيف بن عميرة، عن عبد اللّه بن مسكان، عن عمّار بن حيّان قال: خبّرت أبا عبد اللّه عليه السّلام ببرّ إسماعيل ابني بي، فقال: لقد كنت احبّه و قد ازددت له حبّا، إنّ رسول اللّه أتته اخت له من الرضاعة فلمّا نظر إليها سرّ بها و بسط ملحفته لها فأجلسها عليها ثمّ أقبل يحدّثها و يضحك في وجهها، ثمّ قامت و ذهبت و جاء أخوها، فلم يصنع به ما صنع بها، فقيل له: يا رسول اللّه صنعت باخته ما لم تصنع به و هو رجل؟! فقال:

لأنّها كانت أبرّ بوالديها منه.

13- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن سيف ابن عميرة، عن عبد اللّه بن مسكان، عن إبراهيم بن شعيب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام إنّ أبي قد كبر جديا و ضعف فنحن نحمله إذا أراد الحاجة؟ فقال: إن استطعت أن تلي ذلك منه فافعل و لقّمه بيدك فإنّه جنّة لك غدا.

14- عنه، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي الصبّاح، عن جابر قال: سمعت رجلا يقول لابي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ لي أبوين مخالفين؟ فقال:

برّهما كما تبرّ المسلمين ممّن يتولانا.

15- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، جميعا، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن عنبسة بن مصعب، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: ثلاث لم يجعل اللّه عزّ و جلّ لأحد فيهنّ رخصة: أداء الأمانة إلى البرّ و الفاجر و الوفاء، بالعهد للبرّ و الفاجر و برّ الوالدين برّين كانا أو فاجرين‏

______________________________
قوله (فقال برهما كما تبر المسلمين ممن يتولانا) دل على ان بر الوالدين الكافرين واجب و أن المقام معهما أفضل من الجهاد كالمقام مع المسلمين و أن الجهاد اذا لم يتعين عليه يتوقف على اذنهما و هو أيضا مذهب جماعة من العامة، و قال الشافعى:

له الغزو دون اذنهما.

قوله (و الوفاء بالعهد) الوفاء ملكة تنشأ من لزوم العهد و الميثاق كما ينبغى و البقاء عليه و هو فضيلة مقابلة للعذر و داخلة تحت العفة و قد شبهة أمير المؤمنين «ع» بالجنة فى أنه وقاية فى الآخرة من النار و فى الدنيا من العار.

026
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البر بالوالدین ص 17

16- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من السنّة و البر أن يكنّى الرّجل باسم أبيه.

17- الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، و عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد جميعا، عن الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة سالم بن مكرم، عن معلّى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: جاء رجل و سأل النبيّ صلى اللّه عليه و آله عن برّ الوالدين فقال: ابرر أمّك ابرر أمّك ابرر أمّك، أبرر أباك ابرر أباك ابرر أباك و بدأ بالامّ قبل الأب.

18- الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

جاء رجل إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال: إنّي قد ولدت بنتا و ربّيتها حتّى إذا بلغت فألبستها و حليتها ثمّ جئت بها إلى قليب فدفعتها في جوفه و كان آخر ما سمعت منها و هي تقول: يا أبتاه فما كفّارة ذلك؟ قال: أ لك أمّ حيّة؟ قال: لا، قال: فلك خالة حيّة؟ قال:

نعم، قال: فابررها فإنّها بمنزلة الامّ يكفّر عنك ما صنعت، قال أبو خديجة: فقلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: متى كان هذا؟ فقال: كان في الجاهليّة و كانوا يقتلون البنات مخافة أن يسبين فيلدن في قوم آخرين.

19- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن حنان ابن سدير، عن أبيه قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: هل يجزي الولد والده؟ فقال:

ليس جزاء إلّا في خصلتين يكون الوالد مملوكا فيشتريه ابنه فيعتقه أو يكون عليه دين فيقضيه عنه.

20- علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن عمرو بن شمر، عن جابر قال: أتى رجل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فقال: إنّي رجل شابّ نشيط و احبّ الجهاد ولي والدة تكره ذلك؟ فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله: ارجع فكن‏

______________________________
قوله (فلك خالة حية) دل على ان المتقرب بالام أولى بالبر من المتقرب بالاب.

قوله (ان العبد ليكون بارا بوالديه فى حياتهما) البر بالوالدين غير مختص بحال الحياة و كذا العقوق بل البر و العقوق بعد الموت آكد لشدة احتياجهما، فعلى هذا يمكن أن يكون بارا فى حال الحياة فيصير عاقا بعد الموت، و بالعكس، كما يمكن أن يكون بارا فى حال الحياة فى وقت فيصير عاقا فى وقت آخر، و بالعكس، و كذا بعد الموت.

027
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب البر بالوالدین ص 17

مع والدتك فو الّذي بعثي بالحقّ [نبيّا] لانسها بك ليلة خير من جهادك في سبيل اللّه سنة.

21- الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن عبد اللّه بن سنان، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ العبد ليكون بارّا بوالديه في حياتهما ثمّ يموتان فلا يقضي عنهما ديونهما و لا يستغفر لهما فيكتبه اللّه عاقا، و إنّه ليكون عاقّا لهما في حياتهما غير بارّ بهما فإذا ماتا قضى دينهما و استغفر لهما فيكتبه اللّه عزّ و جلّ بارّا.

(باب) الاهتمام بامور المسلمين و النصيحة لهم و نفعهم‏

1- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من أصبح لا يهتمّ بامور المسلمين فليس بمسلم.

2- و بهذا الإسناد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أنسك الناس نسكا أنصحهم جيبا و أسلمهم قلبا لجميع المسلمين.

3- عليّ بن إبراهيم، عن عليّ بن محمّد القاساني، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان ابن داود المنقري، عن سفيان بن عيينة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: عليك بالنصح للّه في خلقه، فلن تلقاه بعمل أفضل منه‏

______________________________
قوله (قال قال رسول اللّه «ص» من اصبح لا يهتم بامور المسلمين) أن لا يعزم على القيام بها و لا يقوم بها مع القدرة (فليس بمسلم) أى ليس بكامل فى الاسلام و لا يعبؤ باسلامه، و المراد بامورهم أعم من الامور الدنيوية و الاخروية و لو لم يقدر عليها فالعزم حسنة يثاب به و كمال له.

قوله (قال قال رسول اللّه «ص» أنسك الناس نسكا أنصحهم جيبا) رجل ناصح الجيب أى ناصح الصدر و القلب أمين لا غش فيه و أسلمهم قلبا من الحقد و الحسد و العداوة لجميع المسلمين فكل من كان نصحه لهم أحسن و أقوم و كان قلبه لهم أصفى و أسلم كان أنسك الناس و أعبدهم و أكثرهم طاعة و أجهدهم، و فيه اشارة الى نوع واحد من العدالة و هو رعاية رجل حقوق ما بينه و بين الخلق من النصح و المعاملات و المعاوضات و الامانات و حسن‏

028
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الاهتمام بامور المسلمین و النصیحة لهم و نفعهم ص 28

4- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن محمّد ابن القاسم الهاشمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من لم يهتمّ بامور المسلمين فليس بمسلم.
5- عنه، عن سلمة بن الخطّاب، عن سليمان بن سماعة، عن عمّه عاصم الكوزي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال: من أصبح لا يهتمّ بامور المسلمين فليس منهم و من سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم.
6- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: الخلق عيال اللّه فأحبّ الخلق إلى اللّه من نفع عيال اللّه و أدخل على أهل بيت سرورا.
7- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة قال: حدّثني من سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من أحبّ الناس إلى اللّه؟ قال: أنفع النّاس للنّاس.
8- عنه، عن عليّ بن الحكم، عن مثنّى بن الوليد الحنّاط، عن فطر بن خليفة
__________________________________________________
الخلق و الشفقة و الارشاد و غيرها و النوع الاخر رعايته حقوق ما بينه و بين الرب من معرفته و تعظيمه و غير ذلك. و الاول أفضل لانه أشق و أحسن من عند اللّه تعالى و ان كان الثانى أفضل باعتبار آخر.
قوله (من أصبح لا يهتم بامور المسلمين فليس منهم) أى لا يعزم دفع الاذى و الكرب عنهم و لا يقصد اعانتهم فى أمر الدنيا و الآخرة و قضاء حوائجهم و ايصال الخير إليهم و ارشادهم الى مصالحهم (و من سمع رجلا ينادى يا للمسلمين) للاستغاثة لدفع المكاره و المصائب و رفع الشرور و النوائب و الاستعانة فى أمر من الامور.
قوله (الخلق عيال اللّه) عيال الرجل من تجب عليه مئونته و نفقته و تدبير اموره و رعاية مصالحه، و استعار لفظ العيال للخلق بالنسبة الى الخالق الرازق المقدر لاقواتهم و المدبر لاحوالهم فى معاشهم و معادهم (فأحب الخلق الى اللّه) و أرفعهم منزلة و أشرفهم مرتبة و أعلاهم درجة (من نفع عيال اللّه) بنعمة يسد بها خلتهم و يرفع بها جوعتهم، أو باعانة يدفع بها بليتهم، أو بارشاد يزيد به هدايتهم. أو بغير ذلك من منافع الدين و الدنيا، و منافع الدين أشرف قدرا و أبقى و أدوم نفعا و أو فى سيما اذا أخلص فى نفعهم و طلب به رضا المولى كما روى «أن للّه عبادا خلقهم لمنافع الناس أولئك الآمنون من عذاب اللّه».

029
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الاهتمام بامور المسلمین و النصیحة لهم و نفعهم ص 28

عن عمر بن عليّ بن الحسين، عن أبيه صلوات اللّه عليهما قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من ردّ عن قوم من المسلمين عادية [ماء] أو نارا وجبت له الجنّة.
9- عنه، عن ابن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ و جلّ: وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً قال: قولوا للناس حسنا و لا تقولوا إلا خيرا حتّى تعلموا ما هو؟.
10- عنه، عن ابن أبي نجران، عن أبي جميلة المفضّل بن صالح، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عليه السّلام قال في قول اللّه عزّ و جلّ: وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً قال:
قولوا للناس أحسن ما تحبّون أن يقال فيكم.
11- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد اللّه ابن جبلة عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال في قول اللّه عزّ و جلّ: وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ قال: نفّاعا.
 «باب اجلال الكبير»
1- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من إجلال اللّه إجلال ذي الشيبة المسلم.
__________________________________________________
قوله (من رد عن قوم من المسلمين عادية [ماء] او نار وجبت له الجنة) لفظة ماء ليست فى كثير من النسخ، و العادية المتجاوز عن الحد، و التاء للمبالغة، و عدوانهما يشمل الغرق و الحرق و تخريب البناء و الاموال و غير ذلك من أنواع الضرر.
قوله (وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً)
 يشمل الامر بالمعروف و النهى عن المنكر و تعليم المسائل و الارشاد الى منافع الدنيا و الآخرة و كل ذلك يندرج فى قوله (و لا تقولوا الا خيرا حتى تعلموا ما هو) و لما كانت بادرة اللسان كثيرة نهى عن القول من غير تفكر و أمر باحضار القلب و هو التفاته الى معرفة حقيقة الشي‏ء أولا ثم التكلم بما هو الحق الخالص.
قوله (قال نفاعا) المبالغة لكونه نافعا فى الدين و الدنيا على وجه الكمال. قوله (من اجلال اللّه اجلال ذى الشيبة المسلم) أى تعظيمه و توقيره و تواضعه و احترامه و رعاية الادب معه و الاعراض عن مساوى الاخلاق و الآداب ان صدرت منه و عدم معارضته بمثلها لكبر سنه و ضعف قوته و قرب رجوعه الى المولى الحق و شدة تأثره من الواردات و كل هذا يقتضي اجلاله خصوصا اذا كان اكثر تجربة و أفضل علما و أكيس حزما و أقدم ايمانا و أحسن عبادة و أنور قلبا.

030
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب اجلال الکبیر ص 30

2- عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، رفعه، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

ليس منّا من لم يوقّر كبيرنا و يرحم صغيرنا.

3- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن أبان، عن الوصّافي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: عظّموا كباركم و صلوا أرحامكم، و ليس تصلونهم بشي‏ء أفضل من كفّ الأذى عنهم.

«باب» اخوة المؤمنين بعضهم لبعض‏

1- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن المفضّل بن عمر، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ بنو أب و أمّ و إذا ضرب على رجل منهم عرق سهر له الآخرون.

2- عنه، عن أبيه، عن فضالة بن أيّوب، عن عمر بن أبان، عن جابر الجعفي قال: تقبّضت بين يدي أبي جعفر عليه السّلام فقلت: جعلت فداك ربّما حزنت من غير مصيبة

______________________________
قوله (ليس منا من لم يوقر كبيرنا و يرحم صغيرنا) الكبير سنا أو شأنا مستحق للتوقير و التعظيم، و الصغير لقرب عهده بالحق و ضعف عقله و قلة تجربته لعواقب الامور و شدة تأثره بأدنى ما يولم أهل للرحمة و العفو عنه و الستر عليه و الرفق به و لين القول معه و عدم النظر إليه بالهيبة و نحوها خصوصا اذا كان يتيما فلتكن بالنسبة الى الكبير ابنا، و بالنسبة الى الصغير أبا، و يمكن أن يراد بهما كبير الشيعة و صغيرهم أيضا لان الاختصاص و النسبة كافية فى الاضافة قوله (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ بنو أب و أم) أى مثل الاخوة النسبية فى لزوم التعاطف و التوازر و التراحم أو المراد بالاب مادتهم و هى الطينة الجنانية و بالام روحهم المربية لهم كما سيجي‏ء و اطلاق الأب و الام عليهما مجاز و حملهما على آدم و حواء بعيد لاشتراك جميع الناس فى ذلك، ثم رغب فى رعاية الاخوة بقوله:

(و اذا ضرب على رجل منهم عرق سهر له الآخرون) ضرب العرق ضربا و ضربانا تحرك بقوة و هذا كناية عن الالم المخصوص أو مطلقا و فيه تنبيه على أن المؤمنين لما كانوا من أصل واحد بمنزلة شخص واحد لزم أن يتألم الجميع بتألم واحد منهم كما يتألم سائر أعضاء الجسد بتألم بعضها، و سهر اما خبر بحسب المعنى أيضا أوامر، و على الاول دل على أن من لم يتصف بذلك ليس بمؤمن لفقده ما هو من أخص صفات المؤمن.

قوله (قال تقبضت بين يدى ابى جعفر «ع») التقبض الانضمام و الانقباض و هو خلاف‏

031
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب اخوة المؤمنین بعضهم لبعض ص 31

تصيبني أو أمر ينزل بي حتّى يعرف ذلك أهلي في وجهي، و صديقي، فقال: نعم يا جابر إنّ اللّه عزّ و جلّ خلق المؤمنين من طينة الجنان و أجرى فيهم من ريح روحه فلذلك المؤمن أخو المؤمن لأبيه و أمّه فإذا أصاب روحا من تلك الأرواح فى بلد من البلدان حزن حزنت هذه لأنّها منها.

3- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المؤمن أخو المؤمن، عينه و دليله، لا يخونه و لا يظلمه و لا يغشّه و لا يعده عدة فيخلفه.

4- محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، و عدّة من أصحابنا، عن سهل ابن زياد، جميعا، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي بصير قال: سمعت‏

______________________________
البسط و يحصل كثيرا ما بحضور ما يستكرهه الطبع و قد يحصل لا عن سبب ظاهر و ان كان لا يخلو فى الواقع عن سبب كما أشار إليه «ع» بقوله:

(يا جابر ان اللّه عز و جل خلق المؤمنين من طينة الجنان و اجرى فيهم من ريح روحه) الريح هى التى تهب و قد يجي‏ء بمعنى النفخ و الروح بالضم الّذي يقوم به الجسد و يكون بها الحياة و هى النفس الناطقة المستعدة للبيان و فهم الخطاب و لا تفنى بفناء الجسد و الجمع الارواح. و لعل المراد بالاب تلك الطينة لانها مادة وجودهم كالاب و بالام تلك الفائضة منه تعالى عليهم لانها بمثابة الام فى التربية و التدبير، لا يقال السبب الّذي ذكره «ع» لحزن سببه غير معلوم يقتضي أن يكون كل مؤمن محزونا دائما اذ لا يخلو مؤمن من اصابة حزن قطعا لانا نقول يجوز أن يتفاوت ذلك بسبب تفاوت القرب و الاتصال فى الشدة و الضعف.

قوله (قال المؤمن اخو المؤمن عينه) أى نفسه و ذاته من باب المبالغة للمشاركة فى الطينة، أو فى الصفات، أو عينه الباصرة فيجب عليه حفظه كحفظها أو حافظه أو طليعته يتعرف الامور النافعة له و يوصل خبرها إليه‏ (و دليله) الى المنافع و المضار و الخيرات الدنيوية و الاخروية (لا يخونه) فى عهده و امانته المالية و السرية (و لا يظلمه) فى نفسه و ماله و اهله و ساير حقوقه (و لا يغشه) فى النصيحة و المشورة و الارشاد الى مصالحه.

(و لا يعده عدة فيخلفه) لان خلف الوعد مذموم عقلا و شرعا، و فيه رذالة و خساسة و حقارة و خفة و ايذاء للمؤمن و تكدر لخاطره و النفى بمعناه، أو بمعنى النهى و فى الاول اشارة الى أنه لو أتى بالمنفى لم يتصف بالاخوة و الايمان.

032
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب اخوة المؤمنین بعضهم لبعض ص 31

أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيئا منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، و أرواحهما من روح واحدة، و إنّ روح المؤمن لأشدّ اتّصالا بروح اللّه من اتّصال شعاع الشمس بها.

5- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن مثنّى الحنّاط، عن الحارث بن المغيرة، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: المسلم أخو المسلم هو عينه و مرآته و دليله. لا يخونه و لا يخدعه و لا يظلمه و لا يكذّبه و لا يغتابه.

6- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام و دخل عليه رجل فقال لي: تحبّه؟ فقلت: نعم فقال لي: و لم لا تحبّه و هو أخوك و شريكك في دينك و عونك على عدوّك و رزقه‏

______________________________
قوله (المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد ان اشتكى شيئا منه وجد ألم ذلك فى ساير جسده) هذا تمثيل و تقريب للفهم حيث شبههم بالواحد لاتحادهم فى المادة و الروح و اتفاقهم فى صفة الايمان و تناسبهم فى التوحيد و العرفان فكان كل واحد منهم نفس صاحبه معنى و ان تفرقت بهم الصور و الاعيان، فيقتضى هذا النوع من الاتحاد و النسب من الايمان ان يتألم كل بتألم الاخر و يفرح بفرحه. و فيه ترغيب فى التناصر و التعاون و التراحم و التعاطف فى الواجبات و المندوبات و المباحات و الضروريات و قضاء الحاجات و دفع البليات ثم رغب فى رعاية المؤمن و الفرح بفرحه و التألم بحزنه و التجنب عن أذاه بقوله:

(و ان روح المؤمن لاشد اتصالا بروح اللّه) أى بذاته المقدسة. (من اتصال شعاع الشمس بها) المراد بالاتصال الاتصال المعنوى، و شبهه بالاتصال الحسى الجسمانى لايضاح المقصود و تقريبه الى الفهم و وجه الاشدية أن المؤمن مرآة الحق يرى فيه صفاته و لو ظهر ذلك الاتصال ليرى كأنه هو و لا يفرق بينهما الا العارفون الذين يعلمون بنور البصيرة و العرفان أن هذا خلق اتصف بصفات الخالق، و أما الجاهلون فيزعمون أنه هو بخلاف اتصال الشعاع بالشمس فانه يفرق بينهما العالم و الجاهل.

قوله (هو عينه و مرآته و دليله) أما أنه مرآته فلان فى كل واحد صفات الاخر مثل الايمان و أركانه و لواحقه و آثاره و الاخلاق و الآداب فكان كل واحد مظهرا لصفات الاخر و مرآة له، و اما أنه دليله فلانه يهديه الى ما ينفعه فى الدنيا و الآخرة فيعلمه أمر الدين و يزجره عن المنهيات و يرغبه فى الخيرات و ينبهه عن الغفلات و يظهر عليه قبح اللذات و الشهوات‏ قوله (و لم لا تحبه و هو أخوك و شريكك في دينك و عونك علي عدوك و رزقه علي‏

033
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب اخوة المؤمنین بعضهم لبعض ص 31

على غيرك.

7- أبو عليّ الأشعري، عن الحسين بن الحسن، عن محمّد بن اورمة، عن بعض أصحابه، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن فضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

سمعته يقول: المؤمن أخو المؤمن لأبيه و أمّه لأنّ اللّه عزّ و جل خلق المؤمنين من طينة الجنان و أجرى في صورهم من ريح الجنّة، فلذلك هم إخوة لأب و أمّ.

8- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحجّال، عن علي بن عقبة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ المؤمن أخو المؤمن، عينه و دليله، لا يخونه و لا يظلمه و لا يغشّه و لا يعده عدة فيخلفه.

9- أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن رجل، عن جميل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: المؤمنون خدم بعضهم لبعض، قلت: و كيف يكونون خدما بعضهم لبعض؟ قال: يفيد بعضهم بعضا الحديث.

10- علي بن إبراهيم، عن أبيه، و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن إسماعيل البصري، عن فضيل بن يسار قال. سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: إنّ نفرا من المسلمين خرجوا إلى سفر لهم فضّلوا الطريق فأصابهم عطش شديد فتكفنوا و لزموا اصول الشجر فجاءهم شيخ و عليه ثياب بيض فقال قوموا فلا بأس عليكم فهذا الماء، فقاموا و شربوا و ارتووا، فقالوا: من‏

______________________________
غيرك) رغب فى المحبة بذكر الفوائد و البواعث و رفع المانع أما الباعث فثلثه تعود الى المحب، و أما المانع فانما هو تكفل مئونته و رزقه، و ليس ذلك الاعلى اللّه عز و جل، و قوله «فى دينك» متعلق بأخوك و شريكك على سبيل التنازع، و الظاهر أن المراد بالعدو الانسان المخالف له و يحتمل الاعم منه و من الشيطان و النفس الامارة.

قوله (و اجرى فى صورهم من ريح الجنة) الريح بمعنى الرائحة عرض يدرك بحاسة الشم و رائحة الجنة التى جرت فى أبدانهم جامعة لهم و بها يعودون إليها و يتطيبون حتى يجد طيبهم مشام العارفين كما قال يعقوب «ع» «إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ».

قوله (يفيد بعضهم بعضا الحديث) كما يفيد الخادم المخدوم، و الظاهر أن الحديث مفعول «يفيد» ففيه اشارة الى بعض أنواع الاكرام و هو تعليم الحديث و نشر علم الدين.

قوله (فتكفنوا) أى اتخذوا الكفن و البسوه و في بعض النسخ «فتكنفوا» بتقديم‏

034
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب اخوة المؤمنین بعضهم لبعض ص 31

أنت يرحمك اللّه؟ فقال: أنا من الجنّ الّذين بايعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، إنّي سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يقول: المؤمن أخو المؤمن، عينه و دليله، فلا تكونوا تضيّعوا بحضرتي.

11- علي بن إبراهيم، عن أبيه، و محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي، عن فضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

المسلم أخو المسلم، لا يظلمه و لا يخذله [و لا يغتابه و لا يخونه و لا يحرمه‏] قال ربعي:

فسألني رجل من أصحابنا، بالمدينة فقال: سمعت فضيلا يقول ذلك؟ قال فقلت له:

نعم، فقال: [ف] انّي سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه و لا يغشّه و لا يخذله و لا يغتابه و لا يخونه و لا يحرمه.

(باب) فيما يوجب الحق لمن انتحل الايمان و ينقضه‏

1- عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول و سئل عن إيمان من يلزمنا حقّه و اخوّته كيف هو و بما يثبت و بما يبطل؟ فقال: إنّ الايمان قد يتّخذ على وجهين أمّا أحدهما فهو الّذي يظهر لك من صاحبك فإذا ظهر لك منه مثل الّذي تقول به أنت، حقّت ولايته و اخوّته إلّا أن يجي‏ء منه نقض للّذي وصف من نفسه و أظهره لك، فإن جاء منه ما تستدلّ به‏

______________________________
النون أى اختاروا الكنف و هو الجانب.

و قوله (بحضرتى) معناه عندى و حضرة الرجل قربه.

قوله (و لا يخذله) أى لا يترك اعانته و نصرته فى الحق أو لا يتكبر عليه و لا يستصغره.

قوله (اما احدهما فهو الّذي يظهر لك من صاحبك) لم يذكر الوجه الاخر هنا و توضيح الوجه المذكور أن الايمان أمر قلبى كما مر، و الامر القلبى لا يعلم ثبوته و تحققه الا بدليل و هو القول و العمل المخبران عنه، فاذا شهدا عليه حكمنا ظاهرا بثبوته و أجرينا عليه أحكام الايمان و الولاية و الاخوة، و نتوقع الاجر بذلك مع احتمال عدم ثبوته عند اللّه تعالى لان دلالتهما ليست بقطعية غير محتملة للتخلف، و ان شهدا بعدمه بأن يكونا منافيين له حكمنا بعدمه ظاهرا الا أن يدعى أن صدورهما من باب التقية مع امكانها في شأنه فانا نحكم بثبوته أيضا.

035
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حق المؤمن على أخیه و أداء حقه ص 37

(باب) (حق المؤمن على أخيه و أداء حقه)

1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من حقّ المؤمن على أخيه المؤمن أن يشبع جوعته و يواري عورته و يفرّج عنه كربته و يقضي دينه، فإذا مات خلفه في أهله و ولده.

2- عنه، عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّه بن بكير الهجري، عن معلّى بن خنيس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: ما حقّ المسلم على المسلم؟ قال له: سبع حقوق واجبات ما منهنّ حقّ إلّا و هو عليه واجب، إن ضيّع منها شيئا خرج من ولاية اللّه و طاعته و لم يكن للّه فيه من نصيب، قلت له: جعلت فداك و ما هي؟ قال: يا معلّى إنّي‏

______________________________
قوله (من حق المؤمن على اخيه المؤمن ان يشبع جوعته) أشبعته أطعمته حتى شبع و جاع الرجل جوعا اشتهى الطعام و اشتقاق إليه، و الجوع بالضم و الجوعة بالفتح اسم منه و نسبة الاشباع الى الجوعة و تعليقه بها مجاز أو باعتبار تضمين معنى الدفع و نحوه.

(و يوارى عورته) العورة كل ما يستحيى منه اذا ظهر و هى من الرجل القبل و الدبر و من المرأة جميع الجسد الا ما استثنى، و الامة كالحرة الا الرأس، و يحتمل أن يراد بها العيوب و التعميم أظهر (و يفرج عنه كربته) الكربة اسم من كربه الامر فهو مكروب أى أهمه و أحزنه فأقلقه و شق عليه‏ (و يقضى دينه) فى حياته و بعد موته و قد نقل أنه كان بين رجلين صداقة و كان على كل واحد دين و قضى كل واحد دين الاخر من غير علم أحدهما بقضاء الاخر (فاذا مات خلفه فى اهله و ولده) خلفت فلانا على أهله صرت خليفة و خلفته جئت بعده و المقصود أنه ينبغى ان يقوم مقامه فى مهمات أهله و ولده فيأتيهم و يسألهم عن حوائجهم من اللباس و الطعام و الشراب و غيرها، ثم يعزم بقضائها و هكذا يفعل فى كل صباح و مساء و لا يتضجر فى رعايتهم بطول الزمان و كثرة الحاجات، و اعلم أن اللّه تعالى خلق الانسان و جعله مدنيا بالطبع يحتاج الى التعاون و المعاشرة مع الغير فألزم عليه حقوقا بعضها من الواجبات العينية و بعضها من الكفائية و بعضها من السنن اللازمة و بعضها من الآداب، و تفصيلها يعلم من أحاديث هذا الباب و غيرها من الاحاديث المتفرقة.

قوله (ما حق المسلم على المسلم؟ قال له سبع حقوق واجبات ما منهن حق الا و هو عليه واجب ان ضيع منها شيئا خرج من ولاية اللّه و طاعته و لم يكن للّه فيه من نصيب) قال فى‏

037
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حق المؤمن على أخیه و أداء حقه ص 37

عليك شفيق أخاف أن تضيّع و لا تحفظ و تعلم و لا تعمل، قال: قلت له: لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ‏ قال: أيسر حقّ منها أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك و تكره له ما تكره لنفسك، و الحقّ الثاني أن تجتنب سخطه و تتّبع مرضاته و تطيع أمره، و الحقّ الثالث أن تعينه‏

______________________________
المصباح: الولاية بالفتح و الكسر النصرة، و ينبغى أن يعلم أن المؤمن لا يخرج من أصل الايمان و لا يسلب عنه النصيب حقيقة الا بالكفر و ان ترك الاخلاق المذكورة لا يوجب الكفر بالاجماع و الروايات و أنها ليست بواجبة بل هى من الادب المطلوبة المرغبة فيها، فينبغى ارتكاب التأويل و صرف الكلام عن ظاهره، فنقول: لعل المراد بالوجوب التأكد و المبالغة أو وجوب الاقرار بأن تلك الامور من حقوق الاخوة، و بالولاية الكاملة برعاية تلك الحقوق، و بالنصيب النصيب الكامل الّذي فى خلص أولياء اللّه تعالى.

(قلت له جعلت فداك و ما هى) حتى أعلمها و أعملها (قال يا معلى انى عليك شفيق أخاف أن تضيع و لا تحفظ و تعلم و لا تعمل) دل على أن الجاهل بها معذور فى تركها الا أن يقال ليس بمعذور و لكن عذر العالم أضعف من عذره و لومه أشد.

(قال قلت له‏ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ‏) أى لا قوة لنا فى أداء الحقوق أو مطلقا الا باللّه و نصرته و لما استعان فى أدائها باللّه تعالى و المستعين به غير ذليل فصلها «ع» و قال:

(أيسر حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك و تكره له ما تكره لنفسك) هذا النوع من الاتحاد يتوقف على أن يطلع عن أفق خاطرك أنوار الاسرار الالهية و تغلق عليه أبواب الوساوس الشيطانية، فانه اذا حصلت لك تلك المعارف و زالت عنك تلك الوساوس لاحظت قرب المؤمن من الحق و وجدت بينك و بينه اتحادا فى الذات و تناسبا فى الصفات حتى كانه و أنت سواء فى المعنى و كنفس واحدة، و هذا النوع من الاتحاد و التناسب و القرب يقتضي الحق المذكور (و الحق الثانى ان تجتنب سخطه و تتبع مرضاته و تطيع امره) أى تجتنب ما يوجب سخطه و تتبع ما يوجب رضاه و تطيع أمره ان كان موافقا للشرع و الا فانصحه برفق حتى يرجع‏ (و الحق الثالث أن تعينه بنفسك) بأن تفكر فى جلب ما ينفعه و دفع ما يضره أو بأن تقوم مقامه فى قضاء حوائجه، و يندرج فيه انقاذه من يد ظالم و قد روى عن الرضا «ع» قال «أفضل ما يقدمه العالم من محبينا و موالينا امامه ليوم فقره و فاقته و ذله و مسكنته أن يغيث فى الدنيا مسكينا من محبينا من يد ناصب عدو للّه و لرسوله فيقوم من قبره و الملائكة صفوف من شفير قبره الى موضع محله من جنان اللّه فيحملونه على أجنحتهم و يقولون: طوباك طوباك يا دافع الكلاب عن الابرار و يا أيها المتعصب للائمة الاخيار».

038
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حق المؤمن على أخیه و أداء حقه ص 37

بنفسك و مالك و لسانك و يدك و رجلك، و الحقّ الرّابع أن تكون عينه و دليله و مرآته، و الحقّ الخامس [أن‏] لا تشبع و يجوع و لا تروى و يظمأ و لا تلبس و يعرى، و الحقّ السادس: إن يكون لك خادم و ليس لأخيك خادم فواجب أن تبعث خادمك فيغسل ثيابه و يصنع طعامه و يمهّد فراشه، و الحقّ السابع أن تبرّ قسمه و تجيب دعوته، و تعود مريضه، و تشهد جنازته، و إذا علمت أنّ له حاجة تبادره إلى قضائها و لا تلجئه أن يسألكها و لكن تبادره مبادرة، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته و ولايته بولايتك.

3- عنه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن سيف، عن أبيه سيف، عن عبد الأعلى بن أعين قال: كتب [بعض‏] أصحابنا يسألون أبا عبد اللّه عليه السّلام عن أشياء و

______________________________
(و مالك) بأن تعينه بالمواساة و الايثار و قضاء الدين قبل السؤال و بعده و الاول أفضل لما فى الثانى من نقص الآخرة (و لسانك) بأن تعينه بطلب الحاجة و الدعاء له و دفع الغيبة عنه و ذكر محاسنه و تعليمه امور الدين و نحو ذلك.

(و يدك و رجلك) بأن تستعملهما فى طلب كل خير و دفع كل شر يتوقفان عليهما.

(و الحق الرابع أن يكون عينه و دليله و مرآته) فتنظر الى مقاصده كما ينظر هو و تدله عليها ان غفل عنها و تقبل عليه بصفاء الظاهر و الباطن حتى يرى فيك صور حاجاته.

(و الحق الخامس [أن‏] لا تشبع و يجوع و لا تروى و يظمأ و لا تلبس و يعرى) بل عليك تشريكه فى الطعام و الشراب و اللباس‏ (و الحق السادس ان تكون لك خادم) الخادم يطلق على الذكر و الانثى و الخادمة بالهاء فى المؤنث قليل و الجمع خدم و خدام.

(و الحق السابع ان تبر قسمه) الظاهر أن قسمه بفتحتين و هو اسم من الاقسام و أن المراد ببر قسمه قبوله، و أصل البر الاحسان ثم استعمل فى القبول، يقال بر اللّه عمله اذا قبله كانه أحسن الى عمله بأن قبله و لم يرده كذا فى الفائق، و قبول قسمه و ان لم يكن واجبا شرعا لكنه مؤكد لئلا يكسر قلبه و لا يضيع حقه، و احتمال إرادة احسان القسم بالكسر و هو الحصة و النصيب بعيد و اللّه اعلم، ثم أشار الى ما يقتضيه كمال الاخوة بقوله:

(و اذا علمت ان له حاجة تبادره الى قضائها و لا تلجئه الى أن يسألكها) لان الالجاء الى السؤال يوجب الاهانة و المذلة، و يدل على نقص فى الاخوة و المحبة و حق الاخوة أن تقضى حاجته المعلومة لك و أن تمشى إليه و تسأله عن حاجته و تسعى فى قضاء جميع ما يحتاج إليه لنفسه و لعياله حتى الحطب و الخبز و الملح و قد كان سيد العابدين «ع» يحمل على ظهره فى جوف الليل قوتا لفقراء الشيعة و يوصله إليهم.

039
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حق المؤمن على أخیه و أداء حقه ص 37

أمروني أن أسأله عن حقّ المسلم على أخيه، فسألته فلم يجبني، فلمّا جئت لاودّعه فقلت: سألتك فلم تجبني؟ فقال: إنّي أخاف أن تكفروا، إنّ من أشدّ ما افترض اللّه على خلقه ثلاثا: إنصاف المرء من نفسه حتّى لا يرضى لأخيه من نفسه إلّا بما يرضى لنفسه منه، و مؤاساة الأخ في المال، و ذكر اللّه على كلّ حال، ليس سبحان اللّه و الحمد للّه و لكن عند ما حرّم اللّه عليه فيدعه.

4- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن جميل، عن مرازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما عبد اللّه بشي‏ء أفضل من أداء حقّ المؤمن.

5- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: حقّ المسلم على المسلم أن لا يشبع و يجوع أخوه، و لا يروى و يعطش أخوه، و لا يكتسي و يعرى أخوه، فما أعظم حقّ المسلم على أخيه المسلم و قال: أحبّ لأخيك المسلم ما تحبّ لنفسك، و إذا احتجت فسله و إن سألك فأعطه، لا تمله خيرا و لا يمله لك، لكن له ظهرا فإنّه لك ظهر، إذا غاب فاحفظه في غيبته و إذا

______________________________
قوله (و ذكر اللّه على كل حال) أصل الذكر مبدأ لجميع الخيرات ثم الخيرات مبدأ لرسوخه و ثبوته فى القلب حتى لا يغفل طرفة عين الى أن يبلغ مقام المحبة ثم مقام الرضا ثم مقام الفناء فى اللّه بحيث لا يرى فى الوجود الا اياه. و هذا غير متعلق بالسؤال لان السؤال عن حق المسلم على أخيه و لعل الغرض من ذكره هو التنبيه بأن المهم للمؤمن فى الدنيا أمران أحدهما استقامة حاله مع المؤمنين و هى تحصل برعاية الاولين، و الثانى استقامة حاله مع رب العالمين و هى تحصل بالذكر.

قوله (ما عبد اللّه بشي‏ء افضل من اداء حق المؤمن) يعنى أداء حق المؤمن أفضل من أداء جميع العبادات و الائمة عليهم السلام أفضل المؤمنين و رؤساؤهم فأداء حقوقهم رأس جميع العبادات قال أمير المؤمنين «ع» «فضل حرمة المسلم على الحرم كلها» يريد ان اللّه تعالى جعل حرمة المسلم فوق كل حرمة و قال أيضا «و شد بالاخلاص و التوحيد حقوق المسلمين فى معاقدها» يعنى أن اللّه تعالى ربطها بهما فأوجب على المخلصين المعترفين بالوحدانية المحافظة على حقوق المسلمين و مراعاة موضعها و قرن بتوحيده حتى صار فضلها كفضل التوحيد. قوله (و اذا احتجت فسله) أى فسله عن حاله و عن ذات يده و عما أكله همو و عياله البارحة الى غير ذلك من ضرورياته فان احتجاج الى شي‏ء فبادر الى قضائه.

(لا تمله خيرا و لا يمله لك) الظاهر أنه من أمليته بمعنى تركته و أخرته و الاملاء

040
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حق المؤمن على أخیه و أداء حقه ص 37

شهد فزره و أجلّه و أكرمه فانّه منك و أنت منه، فإن كان عليك عاتبا فلا تفارقه حتّى تسأل سميحته و إن أصابه خير فاحمد اللّه، و إن ابتلي فأعضده و إن تحمّل له فأعنه و إذا قال الرّجل لأخيه: افّ انقطع ما بينهما من الولاية و إذا قال: أنت عدوّي كفر أحدهما، فإذا اتّهمه انماث الايمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء، و قال: بلغني أنّه قال إنّ المؤمن ليزهر نوره لأهل السماء كما تزهر نجوم السّماء لأهل الأرض، و قال: إنّ المؤمن ولي اللّه يعينه، و يصنع له، و لا يقول عليه إلّا الحقّ، و لا يخاف غيره‏

______________________________
فروگذاشتن و مهلت دادن و دراز كشيدن مدت و لامه ياء، و أما الاملال بمعنى ملول كردن فبعيد و اللّه أعلم‏ (كن له ظهرا) أى معينا ناصرا فى جميع الامور فانه لك ظهر و بذلك يتم نظام اموركم فى الدنيا و الآخرة.

(اذا غاب) بالسفر أو الاعم‏ (فاحفظه فى غيبته) فى نفسه بالذكر الجميل و الدعاء و ترك الغيبة و زجر الغير عنها و فى ماله و أهله برعايتهم و قضاء حاجتهم و تكفل امورهم.

(فان كان عليك عاتبا فلا تفارقه حتى تسأل سميحته) أى جوده بالعفو عن التقصير و مساهلته بالتجاوز لئلا يستقر في قلبه فيوجب التنافر و التباغض، و فى بعض النسخ «سخيمته» بالخاء المعجمة قبل الياء أى حتى تسأل عن سبب سخيمته و هى الحقد و البغض، فاذا ظهر لك فتداركه حتى تزول السخيمة عنه فيخلص لك المودة فان استمر فأعذر إليه حتى يقبل منك‏ (و ان تمحل له فاعنه) أى و ان احتال لدفع البلاء عن نفسه بحيلة نافعة فأعنه فى امضائه‏ (و اذا قال أنت عدوى كفر أحدهما) لان المؤمن عدو للكافر دون المؤمن فالمخاطب ان كان مؤمنا فالقائل كافر و ان كان كافرا فالقائل مؤمن و أيضا هذا القول اما صادق أو كاذب و على التقديرين يلزم كفر أحدهما فليتأمل.

(فاذا اتهمه انماث الايمان فى قلبه) اتهمه من باب الافعال أو الافتعال أى من أدخل التهمة على المؤمن ذاب الايمان فى قلبه، و التهمة «دروغ بستن بر كسى» ثم بالغ فى مؤاخاة المؤمن و حبه و رعاية حقوقه و رغب فيها بقوله:

(ان المؤمن ليزهر نوره لاهل السماء) أى ليزهر ايمانه أو أعماله الصالحة و أخلاقه الفاضلة أو نفسه الناطقة الكاملة أو نور إلهى يغشاه بسبب صفاء ذاته و حسن صفاته.

(و قال ان المؤمن ولى اللّه يعينه و يصنع له) الولى فعيل بمعنى فاعل أى المؤمن محب اللّه و ناصره و قائم بأمره، و فى المصباح الولى فعيل بمعنى مفعول فى حق المطيع فيقال المؤمن ولى اللّه و المراد باعانته للّه تعالى اعانة دينه و نصرة أوليائه و الحماية لهم و الذب‏

041
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حق المؤمن على أخیه و أداء حقه ص 37

6- أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: للمسلم على أخيه المسلم من الحقّ أن يسلّم عليه إذا لقيه و يعوده إذا مرض، و ينصح له إذا غاب، و يسمّته إذا عطس، و يجيبه إذا دعاه، و يتبعه إذا مات.

عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة مثله.

7- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي المأمون الحارثي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما حقّ المؤمن على المؤمن؟

قال: إنّ من حقّ المؤمن على المؤمن المودة له في صدره، و المواساة له في ماله، و الخلف له في أهله، و النصرة له على من ظلمه، و إن كان نافلة في المسلمين و كان غائبا أخذ له بنصيبه و إذا مات الزّيارة إلى قبره، و أن لا يظلمه و أن لا يغشّه و أن لا يخونه و أن لا يخذله و أن لا يكذّبه و أن لا يقول له افّ، و إذا قال له: افّ فليس بينهما ولاية و إذا قال له: أنت عدوّي فقد كفر أحدهما، و إذا اتّهمه انماث الايمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء.

8- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن أبي عليّ صاحب الكلل، عن أبان بن تغلب قال: كنت أطوف مع أبي عبد اللّه عليه السّلام فعرض لي رجل من أصحابنا كان سألني الذهاب معه في حاجة فأشار إلي فكرهت أن أدع أبا- عبد اللّه عليه السّلام و أذهب إليه، فبينا أنا أطوف إذا أشار إليّ أيضا فرآه أبو عبد اللّه عليه السّلام فقال:

______________________________
عنهم، و بصنعه له العمل بأوامره و نواهيه و آدابه و التسليم و الرضا بحكمه قاصدا بذلك وجهه تعالى.

قوله (و يسمته اذا عطس) تسميت العاطس الدعاء له و الشين المعجمة مثله و كلاهما مروى و قال أبو عبيد الشين المعجمة أعلا و أفشى و قال ثعلب المهملة هى الاصل اخذ من السمت و هو القصد و الهدى و الاستقامة و كل داع بخير فهو مسمت أى داع بعوده و البقاء الى سمته، و قيل اشتقاق المهملة من السمت و هو الهيئة الحسنة أى جعلك اللّه على هيئة حسنة لان هيئته تنزعج للعطاس و اشتقاق المعجمة من الشوامت كانه دعاء له بالثبات على طاعة اللّه أو ببعده عما يشمت به عليه.

042
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حق المؤمن على أخیه و أداء حقه ص 37

يا أبان إيّاك يريد هذا؟ قلت: نعم، قال: فمن هو؟ قلت: رجل من أصحابنا، قال:

هو على مثل ما أنت عليه، قلت: نعم، قال: فاذهب إليه، قلت: فأقطع الطواف؟ قال:

نعم، قلت: و إن كان طواف الفريضة؟ قال: نعم، قال: فذهبت معه، ثمّ دخلت عليه بعد فسألته، فقلت: أخبرني عن حقّ المؤمن على المؤمن فقال: يا أبان دعه لا ترده، قلت:

بلى جعلت فداك فلم أزل اردّد عليه، فقال: يا أبان تقاسمه شطر مالك، ثمّ نظر إلي فرأى ما دخلني. فقال: يا أبان أ ما تعلم أنّ اللّه عزّ و جلّ قد ذكر المؤثرين على أنفسهم، قلت: بلى جعلت فداك، فقال: أمّا إذا أنت قاسمته فلم تؤثره بعد، إنّما أنت و هو سواء إنّما تؤثره إذا أنت أعطيته من النصف الاخر.

9- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن فضالة بن أيّوب عن عمر بن أبان، عن عيسى بن أبي منصور قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام أنا و ابن أبي يعفور و عبد اللّه بن طلحة فقال: ابتداء منه يا ابن أبي يعفور قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:

ستّ خصال من كنّ فيه كان بين يدي اللّه عزّ و جلّ و عن يمين اللّه فقال ابن أبي يعفور و ما هنّ جعلت فداك؟ قال: يحبّ المرء المسلم لأخيه ما يحبّ لأعزّ أهله. و

______________________________
قوله (فقال: يا أبان أ ما تعلم أن اللّه عز و جل قد ذكر المؤثرين على أنفسهم) الايثار الاختيار مصدر آثر على افعل و هو أشد من السخاوة و الاقتصاد لان السخى يبذل ما زاد عن قدر حاجته و المؤثر يبذل ما يحتاج إليه و قد دل بعض الآيات و الروايات على الايثار و بعضها على الاقتصاد مثل قوله تعالى‏ «وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى‏ عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ الآية» و مثل ما روى «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى» قيل معناه ما كان يعد كفاية النفس و العيال و غنائمهما عنه، و لعل الوجه فيه أن البذل يتفاوت بتفاوت الازمان و المقامات و أحوال الطرفين و طيب النفوس فقد يكون الاقتصاد أرجح من الايثار كما فى عامة المؤمنين و قد يكون الامر بالعكس كما فى الصديقين. و أمر النبي «ص» تعليم للمؤمنين.

قوله (قال رسول اللّه «ص» ست خصال من كن فيه كان بين يدى اللّه عز و جل و عن يمين اللّه) هذا تمثيل لقصد الايضاح أو اليد مجاز عن الرحمة من باب الارسال أو المكنية و التخييلية و اليمين الجانب الاشرف و الاقوى و لعل كونه عن يمينه كناية عن كرامته و عظمته و علو منزلته و رفعته باعتبار أن من عظمت منزلته تبوء عن يمين الملك، و كل ما جاء فى القرآن من اضافة اليد و اليمين الى اللّه تعالى فهو على سبيل التمثيل أو المجاز و الاستعارة و الكناية لانه تعالى منزه عن ظاهرهما.

043
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حق المؤمن على أخیه و أداء حقه ص 37

يكره المرء المسلم لأخيه ما يكره لأعزّ أهله، و يناصحه الولاية، فبكي ابن أبي يعفور و قال: كيف يناصحه الولاية؟ قال: يا ابن أبي يعفور إذا كان منه بتلك المنزلة بثّه همّه ففرح لفرحه إن هو فرح و حزن لحزنه إن هو حزن، و إن كان عنده ما يفرّج عنه فرّج عنه و إلّا دعا اللّه، قال: ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ثلاث لكم و ثلاث لنا أن تعرفوا فضلنا و أن تطئوا عقبنا، و أن تنظروا عاقبتنا، فمن كان هكذا كان بين يدي اللّه عزّ و جلّ فيستضي‏ء بنورهم من هو أسفل منهم و أمّا الّذين عن يمين اللّه فلو أنّهم يراهم من دونهم لم يهنّئهم العيش ممّا يرون من فضلهم، فقال ابن أبي يعفور: و ما لهم لا يرون و هم عن يمين اللّه؟ فقال: يا ابن أبي يعفور إنّهم محجوبون بنور اللّه أ ما بلغك الحديث أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كان يقول: إنّ للّه خلقا عن يمين العرش بين يدي اللّه و عن يمين اللّه وجوههم أبيض من الثلج و أضوأ من‏

______________________________
قوله (بثه همه) كان المراد بالبث التهييج و الاثارة و بالهم العزم و الإرادة أو الحزن أى هيجه و أثاره عزمه و ارادته خير المؤمن أو حزنه فى أمره. و اراد «ع» بقوله:

(ثلث لكم) ما ذكره قبل، و بقوله (ثلاث لنا) ما يذكر بعد و هى معرفة فضلهم على غيرهم بالعلم و العمل و قرب النبي و وطأ عقبهم و اقتفاء اثرهم فى العلم و العمل و التمسك بدين الحق و و انتظار عاقبتهم فى الدنيا بظهور القائم «ع» و فى الآخرة بالكرامة و الشفاعة، ثم أشار الى بعض فضائلهم للترغيب فى تحصيلها و الحث على محبة أهلها و حفظ حقوقهم بقوله. (فمن كان هكذا) أى متصفا بالخصال المذكورة. (كان بين يدى اللّه عز و جل) و هو سبحانه ناظر إليهم بنور رحمته و احسانه.

(فيستضى‏ء بنورهم من هو أسفل منهم) من المؤمنين الذين لم يتصفوا بتلك الخصال و حرموا عن نيل هذا الكمال يستضي‏ء بنور الشمس كل من هو أسفل منها، و هذا النور كما يكون لهم فى الآخرة يكون لهم فى الدنيا أيضا كما مر من أن المؤمن ليزهر نوره لاهل السماء كما تزهر نجوم السماء لاهل الارض، الا أن هذه الابصار قاصرة عن ادراكه.

(و أما الذين عن يمين اللّه) دل على أنهم غير من كانوا بين يدى اللّه عز و جل و كان المراد بهم الائمة عليهم السلام‏ (فلو أنهم يراهم من دونهم لم يهنئهم العيش مما يرون من فضلهم) لانهم يبهتون من ملاحظة فضلهم و كمالهم و يتحيرون من مشاهدة حسنهم و جمالهم و بين سبب عدم رؤيتهم‏ (أنهم محجوبون بنور اللّه) و النور الساطع و الضوء اللامع اذا بلغا حد الكمال يمنعان من المشاهدة كما يشهد له النظر الى الشمس مع أن نورهم أشد من نورها بل لا نسبة بينهما.

044
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حق المؤمن على أخیه و أداء حقه ص 37

الشمس الضّاحية، يسأل السائل ما هؤلاء؟ فقال هؤلاء الّذين تحابّوا في جلال اللّه.

10- عنه، عن عثمان بن عيسى، عن محمّد بن عجلان قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فدخل رجل فسلّم، فسأله كيف من خلّفت من إخوانك؟ قال: فأحسن الثناء و زكّى و أطرى، فقال له: كيف عيادة أغنيائهم على فقرائهم؟ فقال: قليلة؟ قال: و كيف مشاهدة أغنيائهم لفقرائهم قال: قليلة، قال فكيف صلة اغنيائهم لفقرائهم في ذات أيديهم؟

فقال: إنّك لتذكر أخلاقا قلّ ما هي فيمن عندنا، قال: فقال: فكيف تزعم هؤلاء أنّهم شيعة.

11- أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن سالم، عن أحمد بن النضر، عن أبي إسماعيل قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: جعلت فداك إنّ الشيعة عندنا كثير فقال: [ف] هل يعطف الغنيّ على الفقير؟ و هل يتجاوز المحسن عن المسي‏ء؟ و يتواسون؟ فقلت: لا، فقال ليس هؤلاء شيعة، الشيعة من يفعل هذا.

12- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن العلاء بن فضيل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان أبو جعفر صلوات اللّه عليه يقول: عظّموا أصحابكم و وقّروهم و لا يتجهّم بعضكم بعضا و لا تضارّوا و لا تحاسدوا و إيّاكم و البخل كونوا عباد اللّه المخلصين.

13- أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن الجبّار، عن ابن فضّال، عن عمر بن أبان، عن سعيد بن الحسن قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: أ يجي‏ء أحدكم إلى أخيه فيدخل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه؟ فقلت: ما أعرف ذلك فينا، فقال أبو جعفر عليه السّلام: فلا شي‏ء إذا، قلت: فالهلاك إذا، فقال: إنّ القوم لم يعطوا أحلامهم بعد.

14- علي بن إبراهيم، عن الحسين بن الحسن، عن محمّد بن أورمة، رفعه، عن‏

______________________________
قوله (و لا يتجهم بعضكم بعضا) تجهمه و تجهم له استقبله بوجه كريه عبوس.

قوله (فقال أبو جعفر «ع» فلا شي‏ء اذا) أى لا اعتناء به و بدينه، و لعل المراد أن حق الاخوة كما هو غير متحقق فيهم لا أنه منتف عنهم بالمرة و كان السائل حمله على الثانى لانه الموجب للهلاك و العقوبة لا على الاول الموجب لرفع الكمال، و قوله «ع» «ان القوم لم يعطوا أحلامهم» أى عقولهم اشارة الى عدم هلاكهم بذلك لعدم كمال عقولهم اذ التكليف متفاوت باعتبار تفاوت العقول و جعله رمز الى خطاء السائل في ذلك الحمل بعيد.

045
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حق المؤمن على أخیه و أداء حقه ص 37

معلّى بن خنيس قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن حقّ المؤمن، فقال: سبعون حقّا لا اخبرك إلّا بسبعة، فإنّي عليك مشفق أخشى ألّا تحتمل، فقلت: بلى إن شاء اللّه، فقال: لا تشبع و يجوع و لا تكتسي و يعرى، و تكون دليله و قميصه الّذي يلبسه و لسانه الّذي يتكلّم به و تحبّ له ما تحبّ لنفسك و إن كانت لك جارية بعثتها لتمهّد فراشه و تسعى في حوائجه باللّيل و النّهار، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايتنا و ولايتنا بولاية اللّه عزّ و جلّ.

15- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن أبي المغراء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه و لا يخذله و لا يخونه و يحقّ على المسلمين الاجتهاد في التواصل و التعاون على التعاطف و المواساة لأهل الحاجة و تعاطف بعضهم على بعض حتّى تكونوا كما أمركم اللّه عزّ و جلّ: «رحماء بينكم» متراحمين مغتمين لما غاب عنكم من أمرهم على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد

______________________________
قوله (و تكون دليله و قميصه الّذي يلبسه) أى يكون دليله الى منافعه الدنيوية و الاخروية التى أعظمها العلم بأمور الدين و مكارم الاخلاق و محاسن الآداب و تكون قميصه أى بطانته و صاحب سره و أهل معاشرته و خاصته و يمكن أن يعتبر تشبيهه بالقميص في دفع المكاره عنه كما أن القميص يدفع الحر و البرد. و ضمير تسعى فى قوله «و تسعى فى حوائجه بالليل و النهار» راجع الى الجارية فلا يلزم زيادة الحق على السبعة بواحد.

قوله (و التعاقد على التعاطف) التعاقد التعاهد. و التعاطف «با همديگر مهربانى كردن» و فى بعض النسخ «التعاون» بدل التعاقد و هو الموافق لما فى الباب الآتي من رواية أبى المغراء عن أبى عبد اللّه «ع».

(و المواساة لاهل الحاجة) بتسويته باعطاء النصف و قد يراد بها التشريك مطلقا فى النصف أو أقل أو أكثر.

(و تعاطف بعضهم على بعض حتى تكونوا كما أمركم اللّه عز و جل رحماء بينكم) فيه التفات من الغيبة الى الخطاب و ايماء الى أن الآية أمر فى المعنى بتلك الخصال لكونها فى مقام المدح المستلزم للامر بها و الى أن الامر بها غير مختص بالصحابة و ان نزلت الآية فى شأنهم بل يجرى فى الامة الى يوم القيامة، و الظاهر أن متراحمين خبر ثان لتكونوا.

(و مغتمين- الخ) خبر ثالث مع احتمال نصبها على الحال، و الظاهر أن ضمير من أمرهم راجع الى المسلمين و أن المراد بذلك الامر الغائب أى الفائت هو التعاطف و المساواة و التراحم‏

046
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب حق المؤمن على أخیه و أداء حقه ص 37

رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله.

16- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: حقّ على المسلم إذا أراد سفرا أن يعلم إخوانه و حقّ على إخوانه إذا قدم أن يأتوه.

«باب التراحم و التعاطف»

1- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن شعيب العقرقوفي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لأصحابه: اتّقوا اللّه و كونوا إخوة بررة، متحابّين في اللّه، متواصلين، متراحمين، تزاوروا و تلاقوا و تذاكروا أمرنا و أحيوه.

2- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن كليب الصيداوي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: تواصلوا و تبارّوا و تراحموا و كونوا إخوة بررة كما أمركم اللّه عزّ و جلّ.

3- عنه، عن محمّد بن سنان، عن عبد اللّه بن يحيى الكاهلي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: تواصلوا و تبارّوا و تراحموا و تعاطفوا

______________________________
و غيرهما من حقوقهم، و قد كانت رعاية ذلك وصف الانصار فانهم كانوا لا يرى منهم مؤمن إلا سلمه و صافحه و عانقه و راعى حقوقه، و أن الاغتمام بفواتها توبة و ندامة توجب التدارك و التلافى فى مستقبل الاوقات و ذكر التعاطف لا يخلو من شائبة التكرار الا أن يراد به هنا ايقاعه و فى الاول العزم به و التأكيد المشعر بالاهتمام به محتمل. و اللّه أعلم.

قوله (سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول لاصحابه اتقوا اللّه و كونوا اخوة بررة) شبه المؤمنين بالاخوة فى الخصال المذكورة على الاطلاق من غير تفاوت بين الغنى و الفقير و القوى و الضعيف و الكبير و الصغير و الشريف و الوضيع و مراعاة هذه الخصال لا تمكن الا ممن امتحن اللّه قلبه للايمان و التقوى و أخلصه من الكبر و الغين و الحقد و نحوها من الاخلاق الذميمة فيؤثر عند ذلك مرضات اللّه تعالى على متابعة الهوى، و التواصل من الوصل و هو ضد القطع و التدابر و كثيرا ما يجعل كناية عن الاحسان الى الاخوة فى الدين و الافضال على الاقربين و التعطف عليهم و الرفق بهم و الرعاية لاحوالهم. و الامر بتذاكر أمرهم عليهم السلام بعد الامر بملاقاة المؤمنين اشارة الى أنه الغرض الاهم منها، و المراد بأمرهم تقدمهم و خلافتهم و فضلهم على جميع الامة أو الاعم منه و من نشر أحاديثهم و علومهم.

047
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب التراحم و التعاطف ص 47

4- عنه، عن عليّ بن الحكم، عن أبي المغراء، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: يحقّ على المسلمين الاجتهاد في التواصل و التعاون على التعاطف و المؤاساة لأهل الحاجة و تعاطف بعضهم على بعض حتّى تكونوا كما أمركم اللّه عز و جلّ: «رُحَماءُ بَيْنَهُمْ» متراحمين، مغتمين لما غاب عنكم من أمرهم على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله.

(باب زيارة الاخوان)

1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن [عليّ‏] ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من زار أخاه للّه لا لغيره التماس موعد اللّه و تنجّز ما عند اللّه و كلّ اللّه به سبعين ألف ملك ينادونه ألا طبت و طابت لك الجنّة.

2- عنه، عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان، عن خيثمة قال: دخلت على أبي جعفر عليه السّلام اودّعه فقال: يا خيثمة أبلغ من ترى من موالينا السّلام و أوصهم بتقوى اللّه العظيم و أن يعود غنيّهم على فقيرهم و قويّهم على ضعيفهم و أن يشهد حيّهم‏

______________________________
قوله (من زار أخاه للّه لا لغيره) كالالفة بسبب حسن الصورة أو الصوت أو الكلام أو بسبب قرب الجوار أو السعى فى الحوائج أو نيل الجاه أو المال أو غير ذلك مما لا يتعلق بأمر دينى فان هذه الامور قد تتحقق فى غير من أحبه اللّه بل فى غير المؤمن فلا تكون سببا للوعد المذكور و انما السبب له أن يكون الزيارة للّه و هى على وجهين الاول أن يزوره من أجل أنه عبد أحبه اللّه كزيارة المتعلم للمعلم للملاحظة حق التعليم و الارشاد. و بالعكس لملاحظة حق التعليم و الاسترشاد و زيارة الصالح و العابد و الزاهد مثلا للصلاح و العبادة و الزهد فان الزيارة لاجل هذه الامور أيضا زيارة للّه لا لغيره.

(وكل اللّه سبعين ألف ملك) الظاهر إرادة هذا العدد و المبالغة فى الكثرة محتملة.

(ينادونه الا طبت و طابت لك الجنة) أى انشرح صدرك بازالة الخبائث و صفت ذاتك من أدناس الذنوب و حلت لك الجنة و لذّ لك نعيمها.

قوله (و أوصهم بتقوى اللّه العظيم و أن يعود غنيهم على فقيرهم) الوصية بالشي‏ء الامر بأن يفعله. و التقوى التحرز من سخط اللّه و المتقى من يجعل بينه و بين اللّه تعالى وقاية تقيه منه و هو ينشأ من مشاهدة عظمته و لذلك وصفه بها. و العود الفضل و الاسم منه العائدة و هى المعروف‏

048
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب زیارة الاخوان ص 48

جنازة ميّتهم و أن يتلاقوا في بيوتهم، فانّ لقيا بعضهم بعضا حياة لأمرنا، رحم اللّه عبدا أحيا أمرنا، يا خيثمة أبلغ موالينا أنّا لا نغني عنهم من اللّه شيئا إلّا بعمل و أنّهم لن ينالوا ولايتنا إلّا بالورع و أنّ أشدّ النّاس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا ثمّ خالفه إلى غيره.

3- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: حدّثني جبرئيل عليه السّلام أنّ اللّه عزّ و جلّ أهبط إلى الأرض ملكا، فأقبل ذلك الملك يمشي حتّى دفع إلى باب عليه رجل يستأذن على ربّ الدار: فقال له الملك: ما حاجتك إلى ربّ هذه الدّار؟

قال: أخ لي مسلم زرته في اللّه تبارك و تعالى، قال: له الملك: ما جاء بك إلّا ذاك؟ فقال ما جاء بي إلّا ذاك. فقال: إنّي رسول اللّه إليك و هو يقرئك السّلام و يقول: وجبت لك الجنّة و قال الملك: إنّ اللّه عز و جلّ يقول: أيّما مسلم زار مسلما فليس إيّاه زار. إيّاي زار و ثوابه عليّ الجنّة.

4- عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عليّ النهدي، عن الحصين، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من زار أخاه في اللّه قال اللّه عزّ و جلّ: إيّاي زرت و ثوابك عليّ‏

______________________________
و الصلة و العطف و المنفعة (و هذا أعود) أى أنفع، و اللقيا بكسر اللام أو ضمها و شد الياء و الاصل على فعول مصدر لقيه كرضيه اذا رآه، و وصف العدل و مخالفته مذموم. و قد ورد الآيات و الرواية على ذمه و هو الاعتقاد بالحق و التكلم بالصواب و التعلم بالدين و ترك العمل به و العمل بخلافه.

قوله (حتى دفع الى باب عليه رجل) قال فى النهاية دفعت الى كذا بالبناء للمفعول انتهيت إليه، و قول الملك له ما حاجتك الى رب هذه الدار دل ظاهرا على أن الثواب الموعود ليس لاهل الحاجة، و قال الغزالى ليس أيضا للزائر من أجل القرابة و لا من أجل مكافاة الاحسان لما رووه عن رسول اللّه «ص» و هو مثل هذه الرواية الا أن الملك قال: أ لك حاجة، قال لا، قال: أ لك قرابة؟ قال لا، قال: لمكافاة احسان أليك؟ قال: لا فبشره بالجنة كما نقل هنا. (فليس اياه زار اياى زار) لما كانت زيارته اياه فى اللّه و طلبا لقربه و رضاه كان هو المطلوب حقيقة بتلك الزيارة و المقصود بالذات من تلك الوصلة فلذلك نسب زيارته الى زيارة ذاته المقدسة للتنبيه على أنه المقصود بالذات من كل وصل و فصل و أنه الغاية لكل طالب و المرجع‏

049
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب زیارة الاخوان ص 48

و لست أرضى لك ثوابا دون الجنّة.

5- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة عن يعقوب بن شعيب قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من زار أخاه في جانب المصر ابتغاء وجه اللّه فهو زوره، و حقّ على اللّه أن يكرم زوره.

6- عنه، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من زار أخاه في بيته قال اللّه عز و جلّ له: أنت ضيفي و زائري، علي قراك و قد أوجبت لك الجنّة بحبّك إيّاه.

7- عنه، عن عليّ بن الحكم، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي غرّة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من زار أخاه في اللّه في مرض أو صحّة، لا يأتيه خداعا و لا استبدالا، و كلّ اللّه به سبعين ألف ملك ينادون في قفاه: أن طبت و طابت لك الجنّة فأنتم زوّار اللّه و أنتم وفد الرحمن حتّى يأتي منزله، فقال له يسير: جعلت فداك و إن كان المكان بعيدا؟ قال: نعم يا يسير و إن كان المكان مسيرة سنة، فإنّ اللّه جواد و الملائكة كثيرة، يشيّعونه حتّى يرجع إلى منزله‏

______________________________
لكل سالك و المراد بزيارة العبد له عرض نفسه عليه و القيام بين يديه و الانابة و الرجوع إليه بقلب خالص و عزم صادق‏ (و لست ارضى لك ثوابا دون الجنة) لعل المراد ان شيئا من خيرات الدنيا و نعمها لا يصلح أن يكون ثوابا لهذا العمل لانقطاعه و انما ثوابه الجنة لدوامها و دوام نعيمها.

قوله (من زار أخاه فى جانب المصر ابتغاء وجه اللّه فهو زوره) ترغيب فى الزيارة و ان كانت المسافة بعيدة، و الزور بالفتح الزائر و هو فى الاصل مصدر وضع موضع الاسم كصوم و نوم بمعنى صائم و نائم و قد يكون الزور جمع الزائر كركب و راكب و حمله هنا على المفرد يمنع حمله على الجمع‏ (و حق على اللّه ان يكرم زوره) الكرم من صفاته و كل صفة له فى غاية الكمال فكرمه فى غاية الكمال و انما المانع من قبل العبد فاذا أزال العبد من نفسه ذلك المانع بتوفيقه رأى من آثار كرمه ما لا عين رأت و لا اذن سمعت و لذلك حذف متعلق الكرم لقصور العبارة عن بيانه.

قوله (لا يأتيه خداعا و لا استبدالا) أى لا يريد مخادعة المزور و لا يطلب بدل زيارته زيارة المزور له، أو الظاهر أن قوله «فان كان المكان بعيدا» جزاؤه محذوف و هو يشيعه هذا العدد

050
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب زیارة الاخوان ص 48

8- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عليّ [بن‏] النهدي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من زار أخاه في اللّه و للّه جاء يوم القيامة يخطر [يخطو خ ل‏] بين قباطى من نور. و لا يمرّ بشي‏ء إلّا أضاء له حتّى يقف بين يدي اللّه عزّ و جلّ فيقول اللّه عزّ و جلّ له: مرحبا، و إذا قال: مرحبا أجزل اللّه عزّ و جلّ له العطيّة.

9- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد و الحسين ابن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبيّ، عن بشير، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ العبد المسلم إذا خرج من بيته زائرا أخاه للّه لا لغيره، التماس وجه اللّه، رغبة فيما عنده، و كلّ اللّه عزّ و جلّ به سبعين ألف ملك ينادونه من خلفه إلى أن يرجع إلى منزله: ألا طبت و طابت لك الجنّة.

10- الحسين بن محمّد [عن أحمد بن محمّد] عن أحمد بن إسحاق، عن بكر بن محمّد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما زار مسلم أخاه المسلم في اللّه و للّه إلّا ناداه اللّه عزّ و جلّ أيّها الزائر طبت و طابت لك الجنّة.

11- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، و عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، جميعا، عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ للّه عزّ و جلّ جنّة لا يدخلها إلّا ثلاثة: رجل حكم على نفسه بالحقّ، و رجل زار أخاه المؤمن في اللّه، و رجل آثر أخاه المؤمن في اللّه.

12- محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن عبد اللّه بن محمّد الجعفي، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ المؤمن ليخرج‏

______________________________
الكثير من الملائكة أو يطلب زيارته.

قوله (من زار اخاه فى اللّه و للّه) الاخ فى اللّه من تمسك بدين الحق و عمل به و اتصف بالطاعة و الصلاح، و للّه اشارة الى أن الكرامة المذكورة تترتب على زيارته اذا كانت طلبا لوجه اللّه و مرضاته لا لامر آخر (يخطو بين قباطى من نور) فى بعض النسخ يخطر بالراء أى يتبختر فى مشيته و يتمايل كمشية المعجب المتكبر، و القباطى جمع القبطية و هى ثوب من ثياب مصر بيضاء و كانها منسوبة الى قبط من أهل مصر شبه بها النور لقصد الايضاح.

051
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب زیارة الاخوان ص 48

إلى أخيه يزوره فيوكّل اللّه عزّ و جلّ به ملكا فيضع جناحا في الأرض و جناحا في السّماء يظلّه، فإذا دخل إلى منزله نادى الجبّار تبارك و تعالى أيّها العبد المعظّم لحقّي المتّبع لآثار نبيّي. حقّ عليّ إعظامك، سلني اعطك، ادعني اجبك، اسكت أبتدئك. فإذا انصرف شيّعه الملك يظلّه بجناحه حتى يدخل [ه‏] إلى منزله، ثمّ يناديه تبارك و تعالى أيها العبد المعظّم لحقّي حقّ عليّ إكرامك قد أوجبت لك جنّتي و شفّعتك في عبادي.

13- صالح بن عقبة، عن عقبة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لزيارة المؤمن في اللّه خير من عتق عشر رقاب مؤمنات، و من أعتق رقبة مؤمنة وقى كلّ عضو عضوا من النّار حتّى أنّ الفرج يقي الفرج.

14- صالح بن عقبة، عن صفوان الجمّال، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أيّما ثلاثة مؤمنين اجتمعوا عند أخ لهم، يأمنون بوائقه و لا يخافون غوائله و يرجون ما عنده. إن دعوا اللّه أجابهم و إن سألوا أعطاهم و إن استزادوا زادهم و إن سكتوا ابتدأهم.

15- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب قال: سمعت أبا حمزة يقول: سمعت العبد الصالح عليه السّلام يقول: من زار أخاه المؤمن للّه لا لغيره، يطلب به ثواب اللّه و تنجّز ما وعد اللّه عزّ و جلّ و كلّ اللّه عزّ و جلّ به سبعين ألف‏

______________________________
قوله (فيضع جناحا فى الارض و جناحا فى السماء) ليحيطه بجناحيه و ليكون و طاء له اذا مشى، و قيل هو كناية عن التعظيم و التواضع له.

قوله (أيما ثلاثة مؤمنين اجتمعوا عند أخ لهم يأمنون بوائقه و لا يخافون غوائله) البوائق جمع الباقية و هى النازلة إلى الداهية و الشر الشديد و باقتهم البائقة تبوقهم بوقا إذا أصابتهم و نزلت بهم. و الغوائل جمع الغائلة و هى الخديعة و الفساد و الشر و الخصلة المهلكة و القيد يفيد أنه ينبغى ترك زيارة من لا يؤمن بوائقه و غوائله بالنسبة الى الزائر و غيره من المؤمنين، و من ثم قيل لا يجوز لاحد زيادة السلطان الجائر و أمراءه الا لضرورة كدفع الضرر عن نفسه أو عن أحد من المسلمين و قد روى «أبغض الخلق الى اللّه عالم زار سلطانا و ان العلماء أمناء ما لم يزوروا سلطانا جائرا فاذا زاروهم خانوا فى الدين و لزم الفرار منهم» و من طريق العامة «ان فى جهنم واديا لا يدخل فيه إلا عالم زار سلطانا جائرا».

052
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب زیارة الاخوان ص 48

ملك من حين يخرج من منزله حتّى يعود إليه ينادونه: ألا طبت و طابت لك الجنّة تبوّأت من الجنّة منزلا.

16- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لقاء الإخوان مغنم جسيم و إن قلّوا.

(باب المصافحة)

1- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن يحيى بن زكريّا، عن أبي عبيدة قال: كنت زميل أبي جعفر عليه السّلام و كنت أبدأ بالرّكوب» ثمّ يركب هو فإذا استوينا سلّم و ساءل مساءلة رجل لا عهد له بصاحبه و صافح، قال: و كان إذا نزل نزل قبلي فإذا استويت أنا و هو على الأرض سلّم و ساءل مساءلة من لا عهد له بصاحبه، فقلت: يا ابن رسول اللّه إنّك لتفعل شيئا ما يفعله أحد من قبلنا و إن فعل مرّة فكثير، فقال: أ ما علمت ما في المصافحة، إنّ المؤمنين‏

______________________________
قوله (قال أمير المؤمنين «ع» لقاء الاخوان مغنم جسيم و ان قلوا) المغنم الغنيمة و هى الفائدة و فيه اشارة الى أن الاخوان فى الدين الذين يقومون بأمر اللّه و يعملون له و هم أخوان الثقة قليلون و لو وجدوا فلا بد من لقائهم و زيارتهم و تعظيمهم و رعاية حقوقهم سرا و جهرا فان فيه منافع جزيلة و فوائد جميلة لا يعلم قدرها الا اللّه عز و جل.

قوله (قال كنت زميل أبى جعفر «ع» و كنت أبدأ بالركوب ثم يركب هو) الزميل كامير: العديل الّذي حمله مع حملك على البعير و قد زاملك عادلك و الزميل أيضا الرديف و الرفيق فى السفر الّذي يعينك على امورك. و لعل تأخره «ع» فى الركوب تواضع منه لصاحبه و اراحة للمركوب بعدم المبادرة الى الركوب و منه يفهم وجه تقدمه فى النزول و قد رغب فى المصافحة بعد فعلها بقوله له أ ما علمت ما فى المصافحة الى آخره و هى أخذ اليد باليد و الاولى الصاق صفح الكف بالكف و الغمز يسيرا و اقبال الوجه بالوجه و الاولى بعد ذلك اشتباك الاصابع فى الاصابع و فضلها كثير و ثوابها جزيل، من ذلك سقوط الذنوب عنهما و نظر اللّه إليهما بعين الرحمة و الشفقة و الاحسان حتى يفترقا و قد يتركها المبتلى بالوسواس تحرزا عن نجاسة أخيه المؤمن التى توهمها و لم يعلم أن المؤمن طاهر مطهر و طيب مبارك و أن ما توهمه خصلة شنيعة توجب ترك السنة و أذى المؤمن و متابعة الشيطان و هذا الجاهل يسميه احتياطا و لا يعلم أن هذا الاحتياط بدعة مخالفة للشريعة.

053
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المصافحة ص 53

يلتقيان، فيصافح أحدهما صاحبه، فلا تزال الذّنوب تتحاتّ عنهما كما يتحاتّ الورق عن الشجر، و اللّه ينظر إليهما حتّى يفترقا.

2- عنه، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أبي خالد القمّاط، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ المؤمنين إذا التقيا و تصافحا أدخل اللّه يده بين أيديهما، فصافح أشدّهما حبّا لصاحبه.

3- ابن فضّال، عن علي بن عقبة، عن أيّوب، عن السميدع، عن مالك بن أعين الجهني، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أدخل اللّه عزّ و جلّ يده بين أيديهما و أقبل بوجهه على أشدّهما حبّا لصاحبه، فإذا أقبل اللّه عزّ و جلّ بوجهه عليهما تحاتت عنهما الذّنوب كما يتحاتّ الورق من الشجر.

4- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم عن أبي عبيدة الحذّاء، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أقبل اللّه عزّ و جلّ عليهما بوجهه و تساقطت عنهما الذّنوب كما يتساقط الورق من الشجر.

5- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن صفوان الجمّال، عن أبي عبيدة الحذّاء قال: زاملت أبا جعفر عليه السّلام في شقّ محمل من المدينة إلى مكّة، فنزل في بعض الطريق، فلمّا قضى حاجته و عاد قال: هات يدك يا أبا عبيدة فناولته يدي فغمزها حتّى وجدت الأذى في أصابعي، ثمّ قال: يا أبا عبيدة ما من مسلم لقى أخاه المسلم فصافحه و شبّك أصابعه في أصابعه إلّا تناثرت عنهما ذنوبهما كما يتناثر الورق من الشجر في اليوم الشاتي.

6- علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن يحيى الحلبيّ، عن مالك الجهني قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: يا مالك أنتم شيعتنا [أ] لا ترى أنّك‏

______________________________
قوله (ادخل اللّه يده بين ايديهما) أى يد وليه الغائب عن الابصار أو اليد مجازا عن الرحمة أو النعمة و الاحسان و تمثيل لقربها من المتصافحين حتى كانهما يتناولانها و الوجه فى الخبر الاخر مستعار للجود.

قوله (قال قال أبو جعفر «ع» يا مالك أنتم شيعتنا ألا ترى أنك تفرط فى أمرنا انه لا يقدر

054
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المصافحة ص 53

تفرّط في أمرنا إنّه لا يقدر على صفة اللّه فكما لا يقدر على صفة اللّه كذلك لا يقدر على صفتنا و كما لا يقدر على صفتنا كذلك لا يقدر على صفة المؤمن، إنّ المؤمن ليلقى المؤمن فيصافحه، فلا يزال اللّه ينظر إليهما و الذّنوب تتحاتّ عن وجوههما كما يتحاتّ الورق من الشّجر، حتّى يفترقا، فكيف يقدر على صفة من هو كذلك.

7- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عمر بن عبد العزيز، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال: زاملت أبا جعفر عليه السّلام فحططنا الرّحل، ثمّ مشى قليلا ثمّ جاء فأخذ بيدي فغمزها غمزة شديدة، فقلت: جعلت فداك أو ما كنت معك في المحمل؟! فقال: أ ما علمت أنّ المؤمن إذا جال جولة ثمّ أخذ بيد أخيه نظر اللّه إليهما بوجهه فلم يزل مقبلا عليهما بوجهه و يقول: للذّنوب تحاتّ عنهما، فتتحاتّ يا أبا حمزة- كما يتحاتّ الورق عن الشجر، فيفترقان و ما عليهما من ذنب.

8- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن حدّ المصافحة، فقال: دور نخلة.

9- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن عمرو بن الأفرق، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: ينبغي للمؤمنين إذا توارى أحدهما عن صاحبه بشجرة ثمّ التقيا أن يتصافحا.

10- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن بعض أصحابه، عن محمّد ابن المثنّى، عن أبيه، عن عثمان بن زيد، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال‏

______________________________
على صفة اللّه) لا ريب فى أن أحدا لا يقدر على أن يصف اللّه تعالى كما هو أهله و ان بالغ و انتقل من وصف الى ما هو أعلى منه فى نظره حتى انتهى الى غاية قدرته منه اذ لا يصل عقل البشر الى كنه صفاته كما لا يصل الى كنه ذاته و انما غاية كمال البشر أن يذعن بأنه موجود عالم قادر مثلا و أما العلم بحقيقة وجوده و علمه و قدرته، فمما لا سبيل له إليه و لا يمكن وقوفه عليه و كذلك لا يمكن ادراك ذات الرسول و الائمة و المؤمنين و صفاتهم و كمالاتهم و فضائلهم لكمال قربهم بالحق و علو مرتبتهم و بعد منزلتهم عن منتهى العقول، ألا ترى انك لا تقدر على أن تصف نفسك فكيف تقدر على أن تصف ذات اللّه و صفاته و نفوس أولياء اللّه و كمالاتهم.

قوله (فحططنا الرحل) الرحل كل شي‏ء يعد للرحيل من وعاء للمتاع و المركب للبعير و حلس و رسن و جمعه أرحل و رحال مثل افلس و سهام.

055
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المصافحة ص 53

رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إذا لقى أحدكم أخاه فليسلّم عليه و ليصافحه، فإنّ اللّه عزّ و جلّ أكرم بذلك الملائكة فاصنعوا صنع الملائكة.

11- عنه، عن محمّد بن علي، عن ابن بقّاح، عن سيف بن عميرة، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إذا التقيتم فتلاقوا بالتسليم و التصافح و إذا تفرّقتم فتفرّقوا بالاستغفار.

12- عنه. عن موسى بن القاسم، عن جده معاوية بن وهب أو غيره، عن رزين، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان المسلمون إذا غزوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و مروا بمكان كثير الشجر ثمّ خرجوا إلى الفضاء نظر بعضهم إلى بعض فتصافحوا.

13- عنه، عن أبيه، عمّن حدّثه، عن زيد بن جهم الهلالي، عن مالك ابن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا صافح الرّجل صاحبه فالّذي يلزم التصافح أعظم أجرا من الّذي يدع، ألا و إنّ الذّنوب لتتحاتّ فيما بينهم حتّى لا يبقى ذنب.

14- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد اللّه بن جبلة، عن إسحاق بن عمّار قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام، فنظر إليّ بوجه قاطب فقلت: ما الّذي غيّرك لي؟ قال: الذي غيّرك لاخوانك، بلغني يا إسحاق أنّك أقعدت ببابك بوّابا، يردّ عنك فقراء الشيعة، فقتل: جعلت فداك إنّي خفت الشهرة، فقال: أ فلا خفت البليّة، أو ما علمت أنّ المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أنزل اللّه عزّ و جلّ الرحمة عليهما فكانت تسعة و تسعين لأشدّهما حبّا لصاحبه، فإذا توافقا غمرتهما الرحمة فإذا قعدا يتحدّثان قال الحفظة بعضها لبعض: اعتزلوا بنا فلعلّ لهما سرا و قد ستر اللّه عليهما، فقلت: أ ليس اللّه عزّ و جلّ يقول: «ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ»؟ فقال: يا إسحاق إن كانت الحفظة لا تسمع فإنّ‏

______________________________
قوله (اذا لقى احدكم أخاه فليسلم عليه و ليصافحه) دل على أنه ينبغى التسليم و التصافح لكل مؤمن عند كل لقاء و ما اشتهر بين العوام من أنهم لا يسلمون الا فى أول مرة لمن هو معروف عندهم حتى أنه لو سلم أحد نادرا مرتين أو على غير المعروف ذموه فهو من سنن الجهلة.

قوله (و اذا تفرقتم فتفرقوا بالاستغفار) بأن تقول غفر اللّه لى و لك أو تقول غفر اللّه لك أو تقول اللهم اغفر للمؤمنين.

056
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المصافحة ص 53

عالم السرّ يسمع و يرى.

15- عنه، عن إسماعيل بن مهران، عن أيمن بن محرز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما صافح رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله رجلا قطّ فنزع يده حتّى يكون هو الّذي ينزع [يده‏] منه.

16- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن ربعي، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سمعته يقول: إنّ اللّه عزّ و جلّ لا يوصف و كيف يوصف و قال في كتابه: «وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ»* فلا يوصف بقدر إلّا كان أعظم من ذلك. و إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله لا يوصف و كيف يوصف عبد احتجب اللّه عزّ و جلّ بسبع و جعل طاعته‏

______________________________
قوله (فقال يا اسحاق ان كانت الحفظة لا تسمع فان عالم السر يسمع و يرى) فعموم الآية بحاله لان اللّه تعالى رقيب.

قوله (ما صافح رسول اللّه «ص» رجلا قط فنزع يده حتى يكون هو الّذي ينزع [يده‏] منه) فيه اخبار بفعل النبي «ص» للحث على الاقتداء به و لا خلاف من الخاصة و العامة فى جواز الاقتداء بفعله و انما اختلفوا فى حكمه هل واجب أو مندوب أو مباح فقال مالك و بعض أصحابه و أكثر الشافعية واجب، و قال بعضهم مندوب و قالت طائفة مباح و الحق أن أفعاله اما جبلية كالقيام و القعود و الاكل و الشرب فهو مباح منا و منه، و أما غيرها فان دل دليل على اختصاصه كوجوب الوتر و التهجد فالاشتراك ينافى الاختصاص و الا فان علمت صفته من وجوب أو ندب او إباحة فالاتباع فيه بحسب ما علم، و ان لم تعلم صفته فالظاهر ثبوت الرجحان المطلق.

قوله (و كيف يوصف عبد احتجب اللّه عز و جل بسبع) لعل المراد أنه لا يمكن ان يوصف عبد اتخذه اللّه عز و جل حجابا فى سبع سماوات و سبع ارضين وجهه إليه يستفيض منه و وجهه الى الممكنات يفيض عليها، أو اتخذه حجابا بسبع صفات الذات لكونه مظهرها و انكشافها له و هى حجب نورانية لو انكشف وصف منها لاضاء بأنوار الهداية كل ملتبس فصار «ص» بانكشافها له حجابا نورانيا مثلها أو أزال عنه الحجاب بسبع سماوات و سبع أرضين على أن تكون الهمزة للسلب فقد ترفع قدره عن المجردات الملكوتية و الملائكة اللاهوتية و تنزه قلبه عن العوائق البشرية و العلائق الناسوتية، و يمكن أن يكون اشارة الى ما وصل إليه من حجب المعراج و هذا الّذي ذكرنا من باب الاحتمال و اللّه أعلم بحقيقة الحال‏ (و فوض إليه) لعل المراد فوض إليه كثيرا من الاحكام و بيان كيفيتها و حدودها كما دل عليه بعض الروايات و

057
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المصافحة ص 53

في الأرض كطاعته فقال: «وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا و من أطاع هذا فقد أطاعني و من عصاه فقد عصاني، و فوّض إليه، و إنّا لا نوصف و كيف يوصف قوم رفع اللّه عنهم الرّجس و هو الشكّ، و المؤمن لا يوصف و إنّ المؤمن ليلقى أخاه فيصافحه فلا يزال اللّه ينظر إليهما و الذّنوب تتحاتّ عن وجوههما كما يتحاتّ الورق عن الشجر.

17- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن النعمان، عن فضيل بن عثمان، عن أبي عبيدة قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: إذا التقى المؤمنان فتصافحا أقبل اللّه بوجهه عليهما و تتحاتّ الذّنوب عن وجوههما حتّى يفترقا.

18- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السّكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: تصافحوا فإنّها تذهب بالسخيمة.

19- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القدّاح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لقى النبيّ صلى اللّه عليه و آله حذيفة، فمدّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله يده فكفّ حذيفة يده، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: يا حذيفة بسطت يدي إليك فكففت يدك عنّي؟ فقال حذيفة: يا رسول اللّه بيدك الرّغبة و لكنّي كنت جنبا فلم احبّ أن تمسّ يدي يدك و أنا جنب، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: أ ما تعلم أنّ المسلمين إذا التقيا فتصافحا تحاتت ذنوبهما كما يتحاتّ ورق الشجر

______________________________
هذا التفويض غير التفويض الّذي ذهب إليه الفرقة المفوضة الغالية و هو أن اللّه تعالى خلق محمدا و عليا و قيل سائر الائمة أيضا و فوض إليهم خلق السموات و الارض و ما بينهما و تقدير الرزق و الآجال و الاحياء و الاماتة، و يتمسكون بظاهر الاخبار و هو عند غيرهم مؤول بالسببية كما فى الحديث القدسى «لولاك لما خلقت الافلاك» لان اللّه تعالى لما خلق الاشياء لاجلهم صحت نسبة الخلق إليهم تجوزا، و اللّه اعلم.

قوله (تصافحوا فانما تذهب بالسخيمة) أى بسخيمة صاحبه المصافح له أو مطلقا و السخيمة الحقد و الضغينة و الموجدة فى النفس.

قوله (أ ما تعلم أن المسلمين اذا التقيا) دل على أن الجنابة لا تمنع المصافحة و ما فعله حذيفة كان فى غاية التعظيم و رعاية الادب ظاهرا.

058
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المصافحة ص 53

20- الحسين بن محمّد، عن محمّد بن إسحاق، عن بكر بن محمّد، عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام إنّ اللّه عزّ و جلّ لا يقدر أحد قدره و كذلك لا يقدر قدر نبيّه و كذلك لا يقدر قدر المؤمن، إنّه ليلقى أخاه فيصافحه فلينظر اللّه إليهما و الذّنوب تتحاتّ عن وجوههما حتّى يفترقا، كما تتحاتّ الرّيح الشديدة الورق عن الشجر.

21- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن رفاعة، قال: سمعته يقول: مصافحة المؤمن أفضل من مصافحة الملائكة.

(باب المعانقة)

1- محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح ابن عقبة، عن عبد اللّه بن محمّد الجعفي، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قالا: أيّما مؤمن خرج إلى أخيه يزوره عارفا بحقّه كتب اللّه له بكلّ خطوة حسنة و محيت عنه سيّئة

______________________________
قوله (مصافحة المؤمن أفضل من مصافحة الملائكة) أى مصافحة المؤمنين أفضل من مصافحة الملكين أو مصافحة المؤمن مع المؤمن أفضل من مصافحته مع الملائكة، و لعل السر فيه أن مصافحة المؤمن متوقفة على مجاهدات نفسانية و الملائكة منزهة عنها.

قوله (أيما مؤمن خرج الى أخيه يزوره عارفا بحقه كتب اللّه له بكل خطوة حسنة و محيت عنه سيئة) قد عرفت حق المؤمن آنفا و المراد بمعرفته معرفته مع أدائه و بالزيارة الزيارة خالصا للّه لا لغرض آخر و بمحو السيئة محوها من باب الاحباط أو التفضل أو من أجل أن الخطوة كما هى سبب لحسنة كذلك سبب لمحو سيئة و المعانقة جعل الرجل يديه على عنق صاحبه و ضمه الى نفسه و فضلها كثير عندنا و عند جماعة من العامة و أبو حنيفة كرهها و مالك رآها بدعة و أنكر سفيان قول مالك و احتج عليه بمعانقته «ص» جعفرا حين قدم من الحبشة فقال مالك هو خاص بجعفر فقال سفيان ما يخص جعفرا يعمنا، فسكت ما لك. قال الابى: سكوته يدل على ظهور حجة سفيان حتى يقوم دليل على التخصيص، و قال القرطبى هذا الخلاف انما هو فى معانقة الكبير و أما معانقة الصغير فلا أعلم خلافا فى جوازها و يدل على ذلك أن النبي «ص» عانق الحسن رضى اللّه عنه. و لعل المراد بقوله «ص» «فاذا انصرف شيعه ملائكة عدد نفسه و خطاه و كلامه» عدد النفس و الخطا و الكلام عند العود مع احتمال تعميمه بالذهاب و العود جميعا.

059
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المعانقة ص 59

و رفعت له درجة و إذا طرق الباب فتحت له أبواب السّماء فإذا التقيا و تصافحا و تعانقا أقبل اللّه عليهما بوجهه، ثمّ باهى بهما و الملائكة، فيقول: انظروا إلى عبدىّ تزاورا و تحابّا فيّ، حقّ عليّ ألّا اعذّبهما بالنّار بعد هذا الموقف، فإذا انصرف شيّعه الملائكة عدد نفسه و خطاه و كلامه، يحفظونه من بلاء الدّنيا و بوائق الآخرة إلى مثل تلك اللّيلة من قابل فإن مات فيما بينهما اعفي من الحساب و إن كان المزور يعرف من حقّ الزّائر ما عرفه الزّائر من حقّ المزور كان له مثل أجره.

2- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إن المؤمنين إذا اعتنقا غمرتهما الرّحمة، فإذا التزما لا يريدان بذلك إلّا وجه اللّه و لا يريدان غرضا من أغراض الدّنيا قيل لهما: مغفورا لكما فاستأنفا، فاذا أقبلا على المساءلة قالت الملائكة بعضها لبعض: تنحّوا عنهما، فإنّ لهما سرّا و قد ستر اللّه عليهما. قال إسحاق: فقلت: جعلت فداك فلا يكتب عليهما لفظهما و قد قال اللّه عزّ و جلّ: «ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ»؟ قال:

فتنفّس أبو عبد اللّه عليه السّلام الصعداء ثمّ بكى حتّى اخضلّت دموعه لحيته و قال: يا إسحاق إنّ اللّه تبارك و تعالى إنّما أمر الملائكة أن تعتزل عن المؤمنين إذا التقيا إجلالا لهما و إنّه و إن كانت الملائكة لا تكتب لفظهما و لا تعرف كلامهما فإنّه يعرفه و يحفظه عليهما عالم السرّ و أخفى.

(باب التقبيل)

1- أبو عليّ الأشعري، عن الحسن بن عليّ الكوفي، عن عبيس بن هشام، عن الحسين بن أحمد المنقري، عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ لكم لنورا تعرفون به في الدّنيا، حتى أنّ أحدكم إذا لقى أخاه قبّله في موضع النّور من جبهته‏

______________________________
قوله (فتنفس أبو عبد اللّه «ع» الصعداء ثم بكى حتى اخضلت دموعه لحيته) الصعداء «ناليدن و نفس كشيدن» و الاخضال «تر كردن» كذا فى كنز اللغة.

قوله (ان لكم لنورا تعرفون به فى الدنيا) هو نور المعرفة و اليقين و الايمان و الاخلاق و الاعمال و العارفون به الملائكة و أهل السماوات أهل الصلاح من بنى نوعه يعرفونه بسيماه و فيه دلالة على أن القبلة على الجبهة، و فى خبر على بن جعفر على انها على الخد و كلاهما جائز و الجمع‏

060
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب التقبیل ص 60

2- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن رفاعة بن موسى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يقبّل رأس أحد و لا يده إلّا [يد] رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أو من اريد به رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله.

3- عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زيد النرسي عن علي بن مزيد صاحب السابري قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فتناولت يده فقبّلتها، فقال:

أما إنّها لا تصلح إلّا لنبيّ أو وصيّ نبيّ.

4- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحجّال، عن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ناولني يدك اقبّلها فأعطانيها، فقلت: جعلت فداك رأسك ففعل فقبّلته، فقلت: جعلت فداك رجلاك، فقال: أقسمت، أقسمت، أقسمت- ثلاثا- و بقي شي‏ء، و بقي شي‏ء، و بقي شي‏ء.

5- محمّد بن يحيى، عن العمركيّ بن عليّ، عن عليّ بن جعفر، عن أبي- الحسن عليه السّلام قال: من قبّل للرّحم ذا قرابة فليس عليه شي‏ء. و قبلة الأخ على‏

______________________________
أحسن. و قال النيشابورى فى عصر الصحابة لا يرى مؤمن مؤمنا الا صافحه و عانقه و قبله. و المصافحة جائزة بالاتفاق، و أما المعانقة و التقبيل فكرههما أبو حنيفة و ان كان التقبيل من اليد.

قوله (أو من اريد به رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله) اريد به الوصى و سيصرح به فى الخبر التالى و يحتمل إرادة الاعم منه و ممن يقرب منه.

قوله (أما انها لا تصلح الا لنبى أو وصى نبى) ظاهره عدم جواز قبلة اليد لغيرهما.

قوله (فقلت جعلت فداك رجلاك: فقال: أقسمت أقسمت أقسمت- ثلاثا- و بقى شي‏ء و بقى شي‏ء و بقى شي‏ء) لعل المعنى أقسمت أن لا أفعل و ليبق شي‏ء مما يجوز ان يقبل و انما منع منه و أتى بالامر فى صورة الخبر تقية من بعض الحاضرين و صرفا لوهمه الى إرادة الانكار، و ذلك لان تقبيل اليد و الرأس كان شايعا عند العرب فلم يكن فيه تقية، و أما تقبيل الرجل فكان مختصا بالسلطان مع احتمال إرادة المنع و الانكار فى نفس الامر و الاشارة الى عدم جواز ذلك كاحتمال أن يكون أقسمت على صيغة الخطاب من القسم بالكسر و هو الحظ و النصيب أن أخذت حظك و نصيبك و ما بعده على الاحتمالين المذكورين، و نقل عن خليل الفضلاء أن معناه أقسمت أنت أن تقبل الاعضاء الثلاثة و قبلت اثنين منها و بقى شي‏ء و هو الرجل فقبلها لتبر بقسمك فقبلها.

061
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب التقبیل ص 60

الخدّ و قبلة الإمام بين عينيه.

6- و عنه، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن سنان، عن أبي الصبّاح مولى آل سام، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ليس القبلة علي الفم إلّا للزّوجة و الولد الصغير.

(باب تذاكر الاخوان)

1- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن فضالة بن أيّوب، عن عليّ بن أبي حمزة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: شيعتنا الرّحماء بينهم، الّذين إذا خلوا ذكروا اللّه [إنّ ذكرنا من ذكر اللّه‏] إنّا إذا ذكرنا ذكر اللّه و إذا ذكر عدوّنا ذكر الشيطان.

2- محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن يزيد بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: تزاوروا فإنّ في زيارتكم إحياء لقلوبكم و ذكرا لأحاديثنا و أحاديثنا تعطف بعضكم على بعض فإن‏

______________________________
لكن ينبغى أن يراد به تقبيل غير اليد و الرجل لما مر.

قوله (شيعتنا الرحماء بينهم الذين اذا خلوا ذكروا اللّه) الرحماء جمع رحيم كالكرماء جمع كريم يعنى ان شيعتنا هم الذين يتراحمون يرحم بعضهم بعضا و الحصر المستفاد من تعريف الخبر باللام للمبالغة و الاشعار بأن من لم يتصف منهم بهذه الصفة كأنه ليس بشيعة و ربما يدل عليه لفظ الشيعة أيضا لانها من المشايعة و هى المتابعة فمتى لم يتحقق معنى المتابعة لهم فى الاعمال و الصفات لم يتحقق بمعنى التشيع حقيقة، و الموصول خبر بعد خبر للاشارة الى وصف آخر لهم و هو ذكر اللّه تعالى بالقلب و اللسان فى حال خلوتهم ثم أشار بقوله «انا اذا ذكرنا ذكر اللّه» الى أن ذكرهم (ع) ذكر اللّه عز و جل حقيقة لان ذكرهم عبارة عن ذكر شرف ذواتهم و صفاتهم و كمالاتهم التى هى أفضل نعمائه تعالى عليهم و نقل أحاديثهم المرغبة فى الرجوع إليه جل شأنه فهو عين ذكره تعالى، أو مجازا باعتبار أن ذكرهم مستلزم لذكره تعالى، أو باعتبار كمال الايصال بينهم و بينه تعالى حتى كان ذكرهم ذكره و يعرف من هذه الوجوه بالمقايسة أن ذكر عدوهم ذكر الشيطان.

قوله (تزاوروا فان فى زيارتكم احياء لقلوبكم و ذكرا لاحاديثنا) لان زيارة المؤمنين بعضهم بعضا لوجه اللّه تعالى يوجب سرور القلب و قربه من الحق و كل ما يوجب ذلك فهو سبب لحياته و فيه ترغيب فى ذكر أحاديثهم و التفاوض فيها عند التلاقى و المراد بها أحاديثهم مطلقا

062
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب تذاکر الاخوان ص 62

أخذتم بها رشدتم و نجوتم، و إن تركتموها ضللتم و هلكتم، فخذوا بها و أنا بنجاتكم زعيم.

3- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الوشّاء، عن منصور بن يونس، عن عباد بن كثير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي مررت بقاصّ يقصّ و هو يقول:

هذا المجلس الّذي لا يشقى به جليس، قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: هيهات هيهات، أخطأت أستاههم الحفرة: إنّ للّه ملائكة سيّاحين سوى الكرام الكاتبين، فإذا مروا بقوم يذكرون محمّدا و آل محمّد قالوا: قفوا فقد أصبتم حاجتكم، فيجلسون فيتفقّهون، معهم فإذا قاموا عادوا مرضاهم و شهدوا جنائزهم و تعاهدوا غائبهم، فذلك المجلس الّذي لا يشقى به جليس‏

______________________________
سواء تعلقت بالاعمال أو الاخلاق و ان كان‏ قوله (و أحاديثنا تعطف بعضكم عن بعض) بأحاديث الاخلاق أنسب. و الزعيم الكفيل.

قوله (قال: قلت لابى عبد اللّه «ع» انى مررت بقاص يقص و هو يقول هذا المجلس الّذي لا يشقى به جليس) القص البيان و الاخبار و القصص بالفتح الاسم و بالكسر جمع قصة و القاص الّذي يأتى بالقصة و يخبر بها و هى تطلق على الوعظ و الخطبة و أحوال الامم السابقة سواء كان لها حقيقة أم لا، و يحتمل إرادة كل واحد من هذه المعانى أما الاخر فظاهر و أما الاولان فالمراد الوعظ المحرك الى اتباع الفرق الضالة و الاقوال و الاعمال الباطلة، و الخطبة المشتملة على أوصاف المنتحلين للخلافة و قوله «هذا» مبتدأ و ما بعده خبر و يحتمل ان يكون «هذا المجلس» مبتدأ و الموصول مع صلته خبرا.

قوله (فقال أبو عبد اللّه «ع» هيهات هيهات أخطأت استاههم الحفرة) الخطأ و الخطاء و الخطأ بفتح الخاء فى الجميع و سكون الطاء أو فتحها مع القصر أو المد ضد الصواب و الاخطاء عند أبى عبيد الذهاب الى خلاف الصواب مع قصد الصواب يقال أخطأ اذا أراد الصواب فصار الى غيره فان أراد غير الصواب و فعله: قيل قصده و تعمده و عند غيره الذهاب الى غير الصواب مطلقا عمدا و غير عمد، و الاستاه بفتح الهمزة و الهاء اخيرا جمع الاست بالكسر و هى حلقة الدبر و العجز أيضا و أصل الاست سته بالتحريك و قد يسكن التاء حذفت الهاء و عوضت منها الهمزة و هذا مثل يضرب لمن بعد عن الحق أو أخطأ فى القول أو جلس مجلسا لا ينبغى له الجلوس فيه، و لا يبعد أن يشبه أفواههم بالاستاه و المواضع الباطلة من الاقوال بالحفرة تقبيحا لحالهم. و تكرير هيهات أى بعد هذا القول عن الصواب للمبالغة فى البعد عن الحق.

063
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب تذاکر الاخوان ص 62

4- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن المستورد النخعي، عمّن رواه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ من الملائكة الّذين في السماء ليطلعون إلى الواحد و الاثنين و الثلاثة و هم يذكرون فضل آل محمّد قال:

فتقول: أ ما ترون إلى هؤلاء في قلّتهم و كثرة عدوّهم يصفون فضل آل محمّد صلى اللّه عليه و آله؟

قال: فتقول الطائفة الاخرى من الملائكة: ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم.

5- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ابن مسكان، عن ميسّر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال لي: أ تخلون و تتحدّثون و تقولون ما شئتم؟ فقلت إي و اللّه إنّا لنخلو و نتحدّث و نقول ما شئنا، فقال: أما و اللّه لوددت أنّي معكم في بعض تلك المواطن، أما و اللّه إنّي لاحبّ ريحكم و أرواحكم، و إنّكم على دين اللّه و ملائكته فأعينوا بورع و اجتهاد.

6- الحسين بن محمّد، و محمّد بن يحيى، جميعا، عن عليّ بن محمّد بن سعد، عن محمّد بن مسلم، عن أحمد بن زكريّا، عن محمّد بن خالد بن ميمون، عن عبد اللّه بن سنان، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما اجتمع ثلاثة من المؤمنين فصاعدا إلّا حضر من الملائكة مثلهم، فإنّ دعوا بخير أمّنوا و إن استعاذوا من شرّ دعوا اللّه ليصرفه عنهم و إن سألوا حاجة تشفّعوا إلى اللّه و سألوه قضاها و ما اجتمع ثلاثة من الجاحدين إلّا حضرهم عشرة أضعافهم من الشياطين، فإنّ تكلّموا تكلّم الشيطان‏

______________________________
قوله (أما و اللّه لوددت انى معكم فى بعض تلك المواطن أما و اللّه انى لاحب ريحكم و أرواحكم) للمؤمن ريح أطيب من المسك الاذفر يشمها المجردون و يدركها العارفون سيما اذا كان فى بعض تلك المواطن التى أفضلها مدارس العلوم الشرعية و مواضع نشر فضائل الائمة الطاهرة المرضية، فانظر أيها الطالب الى كثرة فضلها و رفعة شرفها حتى أنه «ع» تمنى أن يكون جليسك فيها بل هو «ع» و الملائكة المقربون جلساؤك فيها و لو كشف الغطاء لرأيت منزلا شريفا و أمرا غريبا، و لما كان مجرد التحدث و التقول بالحق غير نافع بل النافع هو مع العمل حث «ع» بعده على العمل بقوله «فأعينوا بورع و اجتهاد» فأعينوا بعضكم بعضا أو فأعينونى لانه «ع» زعيم بنجاتهم فطلب منهم الورع عن المنهيات و الاجتهاد فى الطاعات ليكون له الخروج من عهدة الضمان أسهل، و أيضا طلب منهم ذلك لئلا يخجل عند اللّه لانه‏

064
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب تذاکر الاخوان ص 62

بنحو كلامهم و إذا ضحكوا ضحكوا معهم و إذا نالوا من أولياء اللّه نالوا معهم، فمن ابتلى من المؤمنين بهم فاذا خاضوا في ذلك فليقم و لا يكن شرك شيطان و لا جليسه، فانّ غضب اللّه عزّ و جلّ لا يقوم له شي‏ء و لعنته لا يردّها شي‏ء، ثمّ قال صلوات اللّه عليه: فإن لم يستطع فلينكر بقلبه و ليقم، و لو حلب شاة أو فواق ناقة.

7- و بهذا الإسناد، عن محمّد بن سليمان، عن محمّد بن محفوظ، عن أبي المغراء قال: سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: ليس شي‏ء أنكى لإبليس و جنوده من زيارة الاخوان في اللّه بعضهم لبعض، قال: و إنّ المؤمنين يلتقيان فيذكر ان اللّه ثمّ يذكران فضلنا أهل البيت فلا يبقى على وجه إبليس مضغة لحم إلّا تخدّد حتّى أن روحه لتستغيث‏

______________________________
«ع» أمير من اللّه عليهم و فساد الرعية بسوء الأعمال و الطغيان يوجب خجالة الامير عند السلطان.

قوله (فمن ابتلى من المؤمنين بهم فاذا خاضوا فى ذلك) أى دخلوا فيه‏ (فليقم و لا يمكن شرك شيطان و لا جليسه) الشرك اما بفتح الشين و كسر الراء مصدر شركه فى الامر يشركه من باب علم شركا و شركة وزان كلم و كلمة بفتح الاول و كسر الثانى اذا صار له شريكا أو بفتحتين و هو حبالة الصيد و ما ينصب للطير. أو بكسر الاول و سكون الثانى و هو النصيب و الشريك أيضا، و ظاهر هذا الخبر و نحوه و ظاهر قوله تعالى‏ «وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَ يُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَ الْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً» دل على وجوب قيام المؤمن و مفارقته عن أعداء الدين و على لحوق الغضب و اللعنة به مع القعود معهم، بل دل ظاهر الآية على أنه مثلهم فى الفسق و النفاق و الكفر و لا ريب فيه مع اعتقاد جواز ذلك و أما مع عدمه فظاهر بعض الروايات أن العذاب بالهلاك يحيط به أيضا اذا نزل و لكن قد ينجو فى الآخرة بفضل اللّه تعالى، ثم أشار الى حكمه عند عدم قدرته على المفارقة بالكلية للتقية أو غيرها بقوله:

(فان لم يستطع فلينكر بقلبه و ليقم و لو حلب شاة أو فواق ناقة) أى و لو كان قيامه بقدر زمان حلب شاة أو بقدر زمان فواق ناقة و الفواق بفتح الفاء و ضمها الزمان الّذي بين الحلبتين من الناقة لانها تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدر ثم تحلب و كذلك يفعل بالبقرة أيضا.

قوله (ليس شي‏ء انكى لابليس و جنوده) نكى العدو و فيهم من باب رمى نكاية بالكسر قتل و جرح حتى وهنوا، و نكأ القرحة ينكأ مهموزا من باب منع قشرها و هو كناية عن الايلام‏

065
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب تذاکر الاخوان ص 62

من شدّة ما يجد من الألم فتحسّ ملائكة السماء و خزّان الجنان فيلعنونه حتّى لا يبقى ملك مقرّب إلّا لعنه، فيقع خاسئا حسيرا مدحورا.

«باب ادخال السرور على المؤمنين»

1- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من سرّ مؤمنا فقد سرّني و من سرّني فقد سرّ اللّه.

2- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن رجل من أهل الكوفة يكنّى أبا محمّد، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

تبسم الرّجل في وجه أخيه حسنة و صرف القذى عنه حسنة، و ما عبد اللّه بشي‏ء أحبّ إلى اللّه من إدخال السّرور على المؤمن.

3- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن عبد اللّه بن مسكان، عن عبيد اللّه بن الوليد الوصافي قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: إنّ فيما

______________________________
الشديد (فلا يبقى على وجه ابليس مضغة لحم إلا تخدد) المضغة القطعة. و التخدد الهزال و النقص و التشنج و ذلك من شدة غمه و تألمه.

(فيقع خاسئا حسيرا مدحورا) الخاسى‏ء البعيد من الناس أو من نيل المقصود من خسأ الكلب اذا بعد و فى القاموس الخاسى‏ء من الكلاب و الخنازير المبعد لا يترك أن يدنو من الناس. و الحسير اما من حسر البعير و هو حسير من باب ضرب اذا أعيا. أو من حسر على الشي‏ء حسرة و هو حسير من باب علم اذا تلهف و تأسف أو من حسر البصر حسرا و هو حسير من باب نصر اذا كل و انقطع، و المدحور المطرود من الدحر أو الدحور و هو الطرد و الابعاد و الدفع، و فى كنز اللغة حسير (كند شده و مانده شده، و مدحور دور كرده شده).

قوله (قال رسول اللّه «ص» من سر مؤمنا فقد سرنى و من سرنى فقد سر اللّه) سرور المؤمن يتحقق بفعل موجباته مثل أداء دينه أو تكفل مئونته أو ستر عورته أو رفع جوعته أو تنفيس كربته أو قضاء حاجته أو اجابة مسألته و السرور من السر و هو الضم و الجمع لما تشتت و المؤمن اذا مسته فاقة أو عرضته حاجة أو لحقته شدة فاذا سددت فاقته و قضيت حاجته و دفعت شدته فقد جمعت عليه ما تشتت من امره و ضممت ما تفرق من سره ففرح بعد همه و استبشر بعد غمه و يسمى ذلك الفرح سرورا.

066
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ادخال السرور على المؤمنین ص 66

ناجى اللّه عزّ و جلّ به عبده موسى عليه السلام قال: إنّ لي عبادا ابيحهم جنّتي و احكّمهم فيها قال: يا ربّ و من هؤلاء الّذين تبيحهم جنّتك و تحكّمهم فيها؟ قال: من أدخل على مؤمن سرورا، ثمّ قال: إنّ مؤمنا كان في مملكة جبّار فولع به فهرب منه إلى دار الشرك، فنزل برجل من أهل الشرك فأظلّه و أرفقه و أضافه فلمّا حضره الموت أوحى اللّه عزّ و جلّ إليه و عزّتي و جلالي لو كان [لك‏] في جنّتي مسكن لاسكنتك فيها و لكنّها محرمة على من مات بي مشركا و لكن يا نار هيديه و لا تؤذيه و يؤتى برزقه طرفي النهار، قلت: من الجنة؟ قال: من حيث شاء اللّه.

4- عنه، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن عليّ، عن عبد اللّه بن إبراهيم، عن عليّ بن أبي عليّ، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهم قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إنّ أحبّ الأعمال إلى اللّه عزّ و جلّ إدخال السرور على المؤمنين.

5- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: قال: قال: أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى داود عليه السّلام أنّ العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فابيحه جنّتي، فقال داود: يا ربّ و ما تلك الحسنة؟ قال:

يدخل على عبدي المؤمن سرورا و لو بتمرة، قال داود: يا ربّ حقّ لمن عرفك أن‏

______________________________
قوله (ان فيما ناجى اللّه عز و جل به عبده موسى «ع» قال: ان لى عبادا أبيحهم جنتى و أحكمهم فيها) الظاهر أن ابيحهم من الاباحة بالباء الموحدة أى جعلت الجنة مباحة لهم و أذنت لهم فى التبوء حيث يشاءون و قد أخبر اللّه عز و جل عنهم بقوله‏ «وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ». و يحتمل أن يكون من الاتاحة بالتاء المثناة الفوقانية يقال أتاحه اللّه لفلان أى هيأه و قدره و يسره له و المتاح المقدر، و المراد بتحكيمهم فيها جعل الحكم إليهم فيشفعون و يدخلون فيها من شاءوا حيث شاء (فولع به) ولع به كوجل ولعا محركة و ولوعا بالفتح استخف و بحقه ذهب.

(و لكن يا نار هيديه و لا تؤذيه) هيدى أمر من تهيدين تقول هاده الشي‏ء يهيده هيدا و هادا اذا أزعجه و حركه و أفزعه و كربه و أصلحه، و لعل المراد تخويفه لكفره و عدم أذاه بالاحراق لادخاله السرور على المؤمن و يفهم منه ان ادخال السرور يورث أجرا و ان لم يقع لوجه اللّه تعالى.

قوله (و لو بتمرة) ترغيب فى الانفاق و اطعام الجائع و ان كان يسيرا فان اللّه كريم‏

067
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ادخال السرور على المؤمنین ص 66

لا يقطع رجاءه منك.

6- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن خلف ابن حمّاد، عن مفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يرى أحدكم إذا أدخل على مؤمن سرورا أنّه عليه أدخله فقطّ بل و اللّه علينا، بل و اللّه على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله.

7- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سمعته يقول: إنّ أحبّ الأعمال إلى اللّه عزّ و جلّ إدخال السرور على المؤمن:

شبعة مسلم أو قضاء دينه.

8- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن سدير الصيرفي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في حديث طويل: إذا بعث اللّه المؤمن من قبره خرج معه مثال يقدم أمامه، كلّما رأى المؤمن هؤلاء من أهوال يوم القيامة قال له المثال لا تفزع و لا تحزن و أبشر بالسرور و الكرامة من اللّه عزّ و جلّ، حتّى يقف بين يدي اللّه عزّ و جلّ فيحاسبه حسابا يسيرا و يأمر به إلى الجنّة و المثال أمامه فيقول له المؤمن: يرحمك اللّه نعم الخارج خرجت معي من قبري و ما زلت تبشّرني بالسرور و الكرامة من اللّه حتّى رأيت ذلك، فيقول من أنت؟ فيقول:

أنا السرور الّذي كنت أدخلت على أخيك المؤمن في الدّنيا خلقني اللّه عزّ و جلّ منه لا بشّرك‏

______________________________
يجعل الجزاء كثيرا و يعطى للقليل جزيلا.

قوله (اذا بعث اللّه المؤمن من قبره خرج معه مثال يقدم أمامه) قال الشيخ فى الاربعين المثال الصورة. و يقدم على وزن يكرم أى يقويه و يشجعه من الاقدام فى الحرب و هو الشجاعة و عدم الخوف و يجوز أن يقرأ على وزن ينصر و ماضيه قدم كنصر أى يتقدمه كما قال اللّه تعالى‏ «يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ» و لفظ أمامه حينئذ تأكيد.

(نعم الخارج خرجت معى) أى نعم الخارج أنت و خرجت مفسر لنعم الخارج أو بدل عنه أو حال بتقدير قد (فيقول أنا السرور الّذي كنت ادخلت على أخيك المؤمن فى الدنيا) ظاهره أن السرور يصير مثالا فيدل كما صرح به الشيخ على تجسم الاعمال فى النشأة الاخروية

068
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ادخال السرور على المؤمنین ص 66

9- محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن السيّاري، عن محمّد بن جمهور قال:

كان النجاشي و هو رجل من الدّهاقين عاملا على الأهواز و فارس فقال بعض أهل‏

______________________________
«و قد ورد فى بعض الاخبار تجسم الاعتقادات أيضا فالاعمال الصالحة و الاعتقادات الصحيحة تظهر صورا نورانية مستحسنة موجبة لصاحبها كمال السرور و الابتهاج، و الاعمال السيئة و الاعتقادات الباطلة تظهر صورا ظلمانية مستقبحة توجب غاية الحزن و التألم، كما قاله جماعة المفسرين عند قوله تعالى‏ «يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً» و يرشد إليه قوله تعالى‏ «يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» و من جعل التقدير ليروا جزاء أعمالهم و لم يرجع ضمير يره الى العمل فقد أبعد، و انما قلت ظاهره [1] ذلك لانه يحتمل أن يخلق اللّه مثالا لاجل السرور و الحمل فى قوله «أنا السرور» للمبالغة فى السببية و يؤيده بعض روايات هذا الباب كرواية الحكم بن مسكين عن أبى عبد اللّه «ع» و قول أمير المؤمنين «ع» «ما من أحد أودع قلبا سرورا الا و خلق له من ذلك لطفا فاذا نزل نائبة جرى إليه كالماء فى انحداره حتى يطرده عنه» قال بعض المحققين: معناه خلق اللّه تعالى بدل ذلك السرور و عوضه ملكا ذا لطف و يبعث ذلك الملك اللطيف عند كل بلية على عجلة ليخلصه منها.

قوله (كان النجاشى و هو رجل من الدهاقين) النجاشى بفتح النون و كسرها و تشديد الياء و تخفيفها- و هو أفصح- الأب التاسع [2] لاحمد بن على بن أحمد بن العباس صاحب كتاب‏

______________________________
[1] قوله «و انما قلت ظاهره» لما كان تجسم الاعمال فى دار الآخرة مبنيا على أصول حكمية لا يسهل تصورها على كثير من الظاهريين استدرك ما قرره أولا من التحقيق بهذا الكلام للتقريب الى اذهانهم و لا يخفى أن تجسم العمل أيضا بصورة يخلق اللّه تعالى و ليس وجود مادة يخلق فيه الصورة مناقضا لنسبة الخلق إليه تعالى و لا لاطلاق صيغة التحول و الصيرورة، كما أن صيرورة الماء هواء لا يناقض الحكم بكون الهواء مخلوقا للّه تعالى من الماء، و لكن فى مسئلة تجسم العمل لا يعترف أهل الظاهر بصيرورة العمل فى صورة رجل من غير مادة مشتركة تتبدل عليها الصور كالماء و الهواء، و نحن نوافقهم فى عالم واحد لا فى عوامل مختلفة فالعلم يصير فى المنام فى صورة اللبن لكون العلم من عالم و اللبن من عالم آخر من غير أن يكون للعلم مادة بخلاف تبدل صورة جسمانية فى عالم الاجسام الى صورة جسمانية اخرى فى عالم الاجسام أيضا. و قد سبق الكلام فى تجسم الاعمال فى المجلد الاول فى الصفحة 91 و 155. (ش)

[2] قوله «و هو الأب التاسع» و هو صاحب الرسالة المذكورة فى كتب الفقه عن أبى‏

069
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ادخال السرور على المؤمنین ص 66

عمله لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ في ديوان النجاشي عليّ خراجا و هو مؤمن يدين بطاعتك فإن رأيت أن تكتب لي إليه كتابا، قال: فكتب إليه أبو عبد اللّه عليه السّلام «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* سرّ أخاك يسرّك اللّه» قال: فلمّا ورد الكتاب عليه دخل عليه و هو في مجلسه، فلمّا خلا و ناوله الكتاب و قال: هذا كتاب أبي عبد اللّه عليه السّلام فقبّله و وضعه على عينيه و قال له: ما حاجتك؟ قال: خراج عليّ في ديوانك، فقال له: و كم هو؟ قال: عشرة آلاف درهم، فدعا كاتبه و أمره بأدائها عنه ثمّ أخرجه منها و أمر أن يثبتها له لقابل، ثمّ قال له: سررتك؟ فقال: نعم جعلت فداك ثمّ أمر له بمركب و جارية و غلام و أمر له بتخت ثياب في كلّ ذلك يقول له: هل سررتك؟ فيقول: نعم جعلت فداك، فكلّما قال: نعم زاده حتّى فرغ ثمّ قال له: احمل فرش هذا البيت الّذي كنت جالسا فيه حين دفعت إليّ كتاب مولاي الّذي ناولتني فيه و ارفع إليّ حوائجك، قال: ففعل و خرج الرّجل فصار إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام بعد ذلك فحدّثه الرّجل بالحديث على جهته فجعل يسرّ بما فعل، فقال الرجل: يا ابن رسول اللّه كأنّه قد سرّك ما فعل بي؟ فقال: إي و اللّه لقد سرّ اللّه و رسوله.

10- أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن الحسن بن عليّ بن فضّال عن منصور، عن عمّار بن أبي اليقظان، عن أبان بن تغلب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن حقّ المؤمن على المؤمن، قال: فقال: حقّ المؤمن على المؤمن أعظم من ذلك، لو حدّثتكم لكفرتم إنّ المؤمن إذا خرج من قبره، خرج معه مثال من قبره. [1] يقول له: أبشر بالكرامة من اللّه و السّرور، فيقول له: بشّرك اللّه بخير، قال: ثمّ يمضي معه يبشّره بمثل ما قال و إذا مرّ بهول قال: ليس هذا لك و إذا مرّ

______________________________
الرجال، و الدهقان معرب يطلق على رئيس القرية، و على التاجر، و على من له مال و عقار، و داله مكسورة. و فى لغة تضم. و الجمع دهاقين، و دهقن الرجل و تدهقن كثر

______________________________
عبد اللّه «ع». ثم ان الشارح لم يشرح عدة أحاديث بعد هذه الرواية اكتفاء بما سبق فى نظائرها و نحن نذكر جملة منه تذكارا و تأييدا. (ش)

[1] قوله «خرج معه مثال من قبره» المثال صورة أو شاخص يحكى شيئا، و الحكاية مأخوذة فى مفهومه و لما كان السرور فى الدنيا أمرا معنويا غير محسوس و لا مقدر و فى الآخرة أمرا محسوسا يرى مقدرا اطلق عليه المثال اذ يحكى شيئا غيره، و مفاد الحديث‏

070
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ادخال السرور على المؤمنین ص 66

بخير قال: هذا لك فلا يزال معه يؤمنه ممّا يخاف و يبشّره بما يحبّ حتّى يقف معه بين يدي اللّه عزّ و جلّ فإذا أمر به إلى الجنّة قال له المثال: أبشر فإنّ اللّه عزّ و جلّ قد أمر بك إلى الجنّة، قال: فيقول: من أنت رحمك اللّه تبشّرني من حين خرجت من قبري و آنستني في طريقي و خبّرتني عن ربّي؟ قال: فيقول: أنا السرور الّذي كنت تدخله على إخوانك في الدّنيا خلقت منه‏ لابشّرك و أونس وحشتك.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال مثله.

11- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن مالك بن عطيّة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أحبّ الأعمال إلى اللّه السرور الّذي تدخله على المؤمن، تطرد عنه جوعته، أو تكشف عنه كربته.

12- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحكم بن مسكين، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أدخل على مؤمن سرورا خلق اللّه عزّ و جلّ من ذلك السرور خلقا فيلقاه عند موته، فيقول له: أبشر يا وليّ اللّه بكرامة من اللّه و رضوان ثمّ لا يزال معه حتّى يدخله قبره [يلقاه‏] فيقول له مثل ذلك، فإذا بعث يلقاه فيقول له‏

______________________________
ماله. كذا فى المصباح.

______________________________
أنه يراه بعد الخروج من القبر و يأتى فى رواية اخرى أنه يراه قبل ادخاله فى القبر و يونسه أيضا و لا منافاة. (ش)

______________________________
(1) قوله «خلقت منه» قال أولا انا السرور ثم قال خلقت منه و لا منافاة أيضا بينهما اذ يصدق على ما كانت له صورة تبدلت الى صورة اخرى كالماء يصير هواء انه هو باعتبار اشتراك المادة و انه ليس هو بل خلق منه باعتبار تغير الصورة، فالمثال المرئى يصدق عليه انه عين السرور بناء على تجسم الاعمال و انه خلق منه يعنى تغير عنه. (ش).

(2) قوله «من ذلك السرور خلقا» الخلق عبارة اخرى عن المثال فى الرواية السابقة. و قال المجلسى- رحمه اللّه- ان هذا دليل على ان اللّه يخلقه بسبب ادخال السرور لا أن العمل يتجسم. و هو بعيد جدا لان آخر الكلام صريح فى أنه نفس السرور لا خلق مناسب له مخلوق بسببه و الحق أن لا منافاة بين كونه نفس السرور و كونه مخلوقا منه كما قلنا الا أن يتوهم متوهم أن تغير الصور ليس بفعل اللّه تعالى و لا ينسب إليه و ان فعله منحصر فى ايجاد شي‏ء لا من شي‏ء ابتداء و هو غلط فان كل تغير و صيرورة بفعله تعالى كاصل الايجاد و الابداع. (ش).

( 1) قوله« خلقت منه» قال أولا انا السرور ثم قال خلقت منه و لا منافاة أيضا بينهما اذ يصدق على ما كانت له صورة تبدلت الى صورة اخرى كالماء يصير هواء انه هو باعتبار اشتراك المادة و انه ليس هو بل خلق منه باعتبار تغير الصورة، فالمثال المرئى يصدق عليه انه عين السرور بناء على تجسم الاعمال و انه خلق منه يعنى تغير عنه.( ش).

( 2) قوله« من ذلك السرور خلقا» الخلق عبارة اخرى عن المثال فى الرواية السابقة. و قال المجلسى- رحمه اللّه- ان هذا دليل على ان اللّه يخلقه بسبب ادخال السرور لا أن العمل يتجسم. و هو بعيد جدا لان آخر الكلام صريح فى أنه نفس السرور لا خلق مناسب له مخلوق بسببه و الحق أن لا منافاة بين كونه نفس السرور و كونه مخلوقا منه كما قلنا الا أن يتوهم متوهم أن تغير الصور ليس بفعل اللّه تعالى و لا ينسب إليه و ان فعله منحصر فى ايجاد شي‏ء لا من شي‏ء ابتداء و هو غلط فان كل تغير و صيرورة بفعله تعالى كاصل الايجاد و الابداع.( ش).

071
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ادخال السرور على المؤمنین ص 66

مثل ذلك، ثمّ لا يزال معه عند كلّ هول يبشّره و يقول له مثل ذلك، فيقول له: من أنت رحمك اللّه؟ فيقول: أنا السّرور الّذي أدخلته على فلان.

13- الحسين بن محمّد، عن أحمد بن إسحاق، عن سعدان بن مسلم، عن عبد اللّه بن سنان، قال: كان رجل عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فقرأ هذه الآية وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً» قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: فما ثواب من أدخل عليه السرور؟ فقلت: جعلت فداك عشر حسنات، فقال: إي و اللّه و ألف ألف حسنة.

14- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن اورمة، عن عليّ بن يحيى، عن الوليد بن العلاء، عن ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أدخل السّرور على مؤمن فقد أدخله على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و من أدخله على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فقد وصل ذلك إلى اللّه و كذلك من أدخل عليه كربا.

15- عنه، عن إسماعيل بن منصور، عن المفضّل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

أيّما مسلم لقى مسلما فسره سرّه اللّه عزّ و جلّ.

66- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أحبّ الأعمال إلى اللّه عزّ و جلّ إدخال السّرور على المؤمن إشباع جوعته أو تنفيس كربته أو قضاء دينه.

«باب قضاء حاجة المؤمن»

1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن علي، عن بكار بن‏

______________________________
قوله (فما ثواب من أدخل عليه السرور؟ فقلت جعلت فداك عشر حسنات) لعل الغرض من السؤال اعداد المخاطب للحق و الاخبار بما لا يعلم أو استعلام مبلغه من العلم فأجاب بأن له عشر حسنات و كأنه استند بقوله تعالى‏ «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها» فصدقه «ع» بقوله «أى و اللّه» ثم قال: (و ألف ألف حسنة) لان اللّه تعالى يزيد لمن يشاء و لديه مزيد.

قوله (سره اللّه عز و جل) أى بالكرامة التى لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر. قوله (أو تنفيس كربته) أى كشفها و ازالتها و الكرب بالفتح و الكربة بالضم الحزن يأخذ بالنفس و جمع الكربة كرب مثل غرفة و غرف.

072
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب قضاء حاجة المؤمن ص 72

كردم، عن المفضّل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال لي: يا مفضّل اسمع ما أقول لك و اعلم أنّه الحقّ و افعله و أخبر به علية إخوانك، قلت: جعلت فداك و ما علية إخواني؟ قال: الرّاغبون في قضاء حوائج إخوانهم، قال: ثمّ قال: و من قضى لأخيه المؤمن حاجة قضى اللّه عزّ و جلّ له يوم القيامة مائة ألف حاجة من ذلك أوّلها الجنّة و من ذلك أن يدخل قرابته و معارفه و إخوانه الجنّة بعد أن لا يكونوا نصّابا و كان المفضّل إذا سأل الحاجة أخا من إخوانه قال له: أ ما تشتهي أن تكون من عليه الإخوان.

2- عنه، عن محمّد بن زياد قال: حدّثني خالد بن يزيد، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ خلق خلقا من خلقه انتجبهم لقضاء حوائج فقراء شيعتنا ليثيبهم على ذلك الجنّة، فإن استطعت أن تكون منهم فكن، ثمّ قال:

لنا و اللّه ربّ نعبده لا نشرك به شيئا.

3- عنه، عن محمّد بن زياد، عن الحكم بن أيمن، عن صدقة الأحدب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قضاء حاجة المؤمن خير من عتق ألف رقبة و خير من حملان ألف فرس في سبيل اللّه. عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن زياد، مثل الحديثين.

4- عليّ، عن أبيه، عن محمّد بن زياد، عن صندل، عن أبي الصباح الكناني قال:

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لقضاء حاجة امرئ مؤمن أحبّ إلى من عشرين حجّة كلّ حجّة ينفق فيها صاحبها مائة ألف‏

______________________________
قوله (و أخبر به علية اخوانك) علية الناس و عليهم جلتهم.

قوله (لنا و اللّه رب [1]) مبتدأ و خبر و جملة «نعبده» صفة لرب و القسم تأكيد لمضمون الصفة قدم على رب لئلا يفصل بينه و بين صفته و لا تشرك صفة ثانية أو حال عن فاعل نعبده و لعل نفى الشرك كناية عن قضائهم حوائج الفقراء و هو أيضا مراد بالعبادة بقرينة المقام ففيه دلالة على أن كل ما خالف إرادة اللّه تعالى فهو شرك به.

قوله (لقضاء حاجة امرئ مؤمن أحب الى [2] من عشرين حجة كل حجة ينفق‏

______________________________
[1] قوله (لنا و اللّه رب) المفضل راوى الخبر متهم بالغلو عند كثير من أصحاب الرجال و هذا الكلام لجسم مادته عنه. (ش)

[2] قوله «الى» تشديد الياء للمتكلم فاذا كان أحب إليه «ع» كان أحب عند اللّه تعالى‏

073
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب قضاء حاجة المؤمن ص 72

5- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن هارون بن الجهم، عن إسماعيل بن عمّار الصيرفي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك المؤمن رحمة على المؤمن؟ قال: نعم، قلت: و كيف ذاك؟ قال: أيّما مؤمن أتى أخاه في حاجة فإنّما ذلك رحمة من اللّه ساقها إليه و سبّبها له، فإن قضى حاجته، كان قد قبل الرّحمة بقبولها و إن ردّه عن حاجته و هو يقدر على قضائها فإنّما ردّ عن نفسه رحمة من اللّه عزّ و جلّ ساقها إليه و سبّبها له و ذخر اللّه عزّ و جلّ تلك الرّحمة إلى يوم القيامة حتّى يكون المردود عن حاجته هو الحاكم فيها، إن شاء صرفها إلى نفسه و إن شاء صرفها إلى غيره، يا إسماعيل فإذا كان يوم القيامة و هو الحاكم في رحمة من اللّه قد شرعت له فإلى من ترى يصرفها؟ قلت: لا أظنّ يصرفها عن نفسه، قال:

لا تظنّ و لكن استيقن فإنّه لن يردّها عن نفسه. يا إسماعيل من أتاه أخوه في حاجة يقدر على قضائها فلم يقضها له سلّط اللّه عليه شجاعا ينهش إبهامه في قبره إلى يوم القيامة، مغفورا له أو معذّبا

______________________________
فيها صاحبها مائة ألف) أي مائة ألف دينار أو مائة ألف درهم، و لعل المراد انفاقها فى قضاء حوائج نفسه أو أحج بها لا فى قضاء حوائج الرفقاء المؤمنين و غيرهم و الا لزم تفضيل الشي‏ء على نفسه.

قوله (و سببها له) أى جعلها سببا لغفران ذنوبه و رفع درجته و السبب ما يتوصل به الى أمر من الامور. قال بعض الاكابر ان الحاجة اذا عرضت للرجل عندى أبادر الى قضائها خوفا من أن يستغنى عنى.

قوله (سلط اللّه عليه شجاعا ينهش ابهامه فى قبره الى يوم القيامة مغفورا له أو معذبا) شجاع كغراب و كتاب الحية أو الذكر منها أو ضرب منها أو ضرب صغير و قد يوصف بالاقرع و هو المتمعط شعر رأسه لكثرة سمه، و النهس بالسين المهملة و الشين المعجمة أخذ اللحم بمقدم الاسنان و لسعه و نتفه، و فعل الاول من بابى منع و علم و فعل الثانى من باب منع و ظاهر كثير من أرباب اللغة أن المهملة و المعجمة تكونان لكل ذى ناب مثل الكلب و الذئب و الحية و غيرها، و هو منقول عن الاصمعى، و قال بعضهم المعجمة للحية و المهملة للكلب و الذئب و السبع، و قال ثعلب: المهملة تكون بأطراف الاسنان و المعجمة بالاسنان و بالاضراس و هذا عكس‏

______________________________
أيضا و لا ينبغى أن يصير هذا الكلام عذرا للملاحدة المتظاهرين بالاسلام لترك الحج أصلا كما نرى منهم كثيرا و على كل حال فلا يجوز ترك الواجب بعذر فعل المستحب. (ش)

074
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب قضاء حاجة المؤمن ص 72

6- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحكم بن أيمن، عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من طاف بالبيت اسبوعا كتب اللّه عزّ و جلّ له ستّة آلاف حسنة و محى عنه ستّة آلاف سيّئة، و رفع له ستّة آلاف درجة، قال: و زاد فيه إسحاق بن عمّار: و قضى له ستّة آلاف حاجة. قال:
ثمّ قال: و قضاء حاجة المؤمن أفضل من طواف و طواف حتّى عدّ عشرا
__________________________________________________
الثانى بحسب الظاهر، و المراد بالابهام اما ابهام الرجل أو ابهام اليد، و بالشجاع المعنى الحقيقى مع احتمال أن يراد به المعنى المجازى لان كل صفة ذميمة كالشجاع فى النهش بعد فراق الدنيا و صيرورة الابهام ترابا لا يتأبى عن قبول النهش لان تراب الابهام كالابهام فى قبوله «1» و لعل اللّه تعالى يخلق فيه ما يجد به الالم، و اللّه يعلم.
قوله (و رفع له ستة آلاف درجة) يحتمل أن يراد بتلك الدرجات درجات القرب منه تعالى و ان يراد بها درجات الجنة «2» لان فى الجنة درجات بعضها فوق بعض كما قال اللّه تعالى «غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ» قال القرطبى أهل السفل من الجنة ينظرون الى من فوقهم على تفاوت منازلهم كما ينظر من بالارض درارى السماء و عظام نجومها فيقولون هذا فلان و هذا فلان كما يقال هذا المشترى و هذه الزهرة، و يدل على ما ذكره ان النبي «ص» قال «ان أهل الجنة ليتراءون الغرفة كما تراءون الكواكب فى السماء».
__________________________________________________
 (1) قوله «كالابهام فى قبوله» و قال المجلسى رحمه اللّه: يحتمل أن يكون النهش فى الجسم المثالى و هو الظاهر. و ما ذكره الشارح تكلف جدا، اذ جميع ما روى فى عذاب القبر و ثوابه و السؤال فيه و الضغطة نظير النهش. و يجب أن يبين وجه دفع الشبهة عن جميع ذلك من جميع الوجوه و يندفع بكلام المجلسى رحمه اللّه جميع الشبه ان شاء اللّه. و قوله مغفورا له يدل على النهش و لو مع كونه منعما. (ش).
 (2) قوله «و ان يراد بها درجات الجنة») لا فرق بين الاحتمالين فى المعنى لان درجات الجنة بحسب درجات القرب من اللّه تعالى، و أما سر هذا العدد فخفى عنا و هو من علم الآخرة و لا يمكن أن يعد من التخمين و المبالغة كما توهمه بعض لان اختيار عدد خاص من بين الاعداد لبيان الكثرة لا يخلو من نكتة فى كلام المعصوم «ع» و أما تضعيف ثواب قضاء حاجة المؤمن عشر مرات فيحتمل أن يكون الوجه فيه أن العشرة أول مراتب تضعيف لان العشرات بعد الآحاد و المئات بعد العشرات، و اذا ذهب الذهن الى التضعيف فأول ما يسنح له عشر مرات و اما زيادة الآحاد على الآحاد فلا يعد شيئا يعتد به غالبا. (ش).

075
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب قضاء حاجة المؤمن ص 72

7- الحسين بن محمّد، عن أحمد [بن محمّد] بن إسحاق، عن بكر بن محمّد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما قضى مسلم لمسلم حاجة إلّا ناداه اللّه تبارك و تعالى، عليّ ثوابك و لا أرضى لك بدون الجنّة.

8- عنه، عن سعدان بن مسلم، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

قال: من طاف بهذا البيت طوافا واحدا كتب اللّه عزّ و جلّ له ستّة آلاف حسنة و محى عنه ستّة آلاف سيّئة، و رفع له ستّة آلاف درجة حتّى إذا كان عند الملتزم فتح اللّه له سبعة أبواب من أبواب الجنّة، قلت له: جعلت فداك هذا الفضل كلّه في الطواف؟

قال: نعم و أخبرك بأفضل من ذلك، قضاء حاجة المسلم أفضل من طواف و طواف و طواف حتّى بلغ عشرا.

9- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن إبراهيم الخارقي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من مشي في حاجة أخيه المؤمن يطلب بذلك ما عند اللّه حتى تقضى له كتب اللّه عزّ و جلّ له بذلك مثل أجر حجّة و عمرة مبرورتين و صوم شهرين من أشهر الحرم و اعتكافهما في المسجد الحرام، و من مشي فيها بنيّة و لم تقض كتب اللّه له بذلك مثل حجّة مبرورة. فارغبوا في الخير.

10- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن اورمة، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: تنافسوا في المعروف لإخوانكم و كونوا من أهله، فانّ للجنة بابا يقال له: المعروف، لا يدخله إلّا من اصطنع المعروف في الحياة الدّنيا، فانّ العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن فيوكّل اللّه عزّ و جلّ به ملكين: واحدا عن يمينه و آخر عن شماله، يستغفران له ربّه و يدعوان بقضاء حاجته، ثم قال: و اللّه لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أسرّ بقضاء حاجة المؤمن إذا وصلت إليه من صاحب الحاجة

______________________________
قوله (ثم قال و اللّه لرسول اللّه «ص» أسر بقضاء حاجة المؤمن اذا وصلت إليه من صاحب الحاجة) لعل وجه التفضيل أن سرور صاحب الحاجة لقضاء حاجته و سروره «ص» لسرور صاحبها و لقضاء حاجته «ص» لان صاحب الحاجة عياله و لتمسك القاضى بآدابه.

076
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب قضاء حاجة المؤمن ص 72

11- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن خلف بن حمّاد، عن بعض أصحابه، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: و اللّه لأن أحجّ حجّة أحبّ إليّ من أن اعتق رقبة و رقبة [و رقبة] مثلها و مثلها حتّى بلغ عشرا و مثلها و مثلها حتّى بلغ السبعين و لأن أعول أهل بيت من المسلمين أسدّ جوعتهم و أكسو عورتهم فأكفّ وجوههم عن الناس أحبّ إليّ من أن أحجّ حجّة و حجّة [و حجّة] و مثلها و مثلها حتّى بلغ عشر أو مثلها و مثلها حتّى بلغ السبعين.

12- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي عليّ صاحب الشعير عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى موسى عليه السّلام أنّ من عبادي من يتقرّب إليّ بالحسنة فاحكّمه في الجنّة، فقال موسى: يا ربّ و ما تلك الحسنة؟ قال: يمشي مع أخيه المؤمن في قضاء حاجته قضيت أو لم تقض.

13- الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه، عن عليّ بن جعفر قال: سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: من أتاه أخوه المؤمن في حاجة فانّما هي رحمة من اللّه تبارك و تعالى ساقها إليه، فان قبل ذلك فقد وصله بولايتنا و هو موصول بولاية اللّه و إن ردّه عن حاجته و هو يقدر على قضائها سلّط اللّه عليه شجاعا من نار ينهشه في قبره إلى يوم القيامة، مغفورا له أو معذّبا، فان عذره الطالب كان أسوأ حالا.

14- محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن عبد اللّه بن محمّد الجعفي، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ المؤمن لترد عليه الحاجة لأخيه فلا تكون عنده فيهتمّ بها قلبه، و يدخله اللّه تبارك و تعالى بهمّه الجنّة.

«باب السعى فى حاجة المؤمن»

1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن محمّد بن‏

______________________________
قوله (و لان أعول أهل بيت من المسلمين) عالهم يعولهم أى قاتهم و أنفق عليهم و قام بحوائجهم‏ قوله (فان عذره الطالب كان أسوأ حالا) عذرته فيما صنع عذرا من باب ضرب رفعت عنه اللوم فهو معذور أى غير ملوم و الاسم العذر و تضم الدال للاتباع و تسكن.

077
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب السعى فى حاجة المؤمن ص 77

مروان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: مشي الرّجل في حاجة أخيه المؤمن يكتب له عشر حسنات و يمحى عنه عشر سيّئات، و يرفع له عشر درجات، قال: و لا أعلمه إلّا قال:
و يعدل عشر رقاب و أفضل من اعتكاف شهر في المسجد الحرام.
2- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن معمر بن خلّاد قال: سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول إنّ للّه عبادا في الأرض يسعون في حوائج النّاس، هم الآمنون يوم القيامة. و من أدخل على مؤمن سرورا فرح اللّه قلبه يوم القيامة.
3- عنه، عن أحمد، عن عثمان بن عيسى، عن رجل، عن أبي عبيدة الحذّاء قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: من مشى في حاجة أخيه المسلم أظلّه اللّه بخمسة و سبعين ألف ملك و لم يرفع قدما إلّا كتب اللّه له حسنة و حطّ عنه بها سيّئة و يرفع له بها درجة، فاذا فرغ من حاجته كتب اللّه عزّ و جلّ له بها أجر حاج و معتمر
__________________________________________________
قوله (مشى الرجل فى حاجة أخيه المؤمن يكتب له عشر حسنات) الاجر الموعود فى الباب السابق لقضاء الحاجة و فى هذا الباب للسعى إليها سواء قضاها أم لا و الاعتكاف اما واجب بالالتزام أو يؤول الى واجب. و قضاء حاجة المؤمن سنة مؤكدة فقوله و أفضل من اعتكاف شهر دل على أن السنة أفضل من الفرض و هو غير عزيز.
قوله (ان للّه عبادا فى الارض يسعون فى حوائج الناس هم الآمنون يوم القيامة) يمكن أن يكون هذا الاجر مترتبا على السعى كما هو الظاهر أو عليه و على قضاء الحاجة جميعا على احتمال و ان كان للسعى وحده أجر، و الحصر المستفاد من اللام مع تأكيده بضمير الفصل على سبيل المبالغة أو اضافى بالنسبة الى من تركه أو الى بعض الاعمال. و تفريج القلب كشف الغم عنه و ادخال السرور فيه.
قوله (أظله اللّه بخمسة و سبعين ألف «1» ملك) أى يجعلهم طائرين فوق رأسه حتى يظلوه لو كان لهم ظل «2» أو يجعله فى ظلهم أى فى كنفهم و حمايتهم لان الظل يكنى به عن الكنف و الناحية، و يدل ظاهر قوله (فاذا فرغ من حاجته كتب اللّه عز و جل له بها أجر حاج و معتمر) على أن الاجر المذكور قبله للمشى فى قضاء الحاجة و أجر الحاج و المعتمر لقضاء الحاجة
__________________________________________________
 (1) قوله «بخمسة و سبعين ألف» لا نعلم سر هذا العدد فانه من علوم الآخرة كما مر (ش).
 (2) و قوله «لو كان لهم ظل» لا يبعد أن يكون لاجسام عالم الآخرة و ما هو من سنخها كالملائكة ظل لا من جهة الظلمة و الكثافة المانعة من النور اذ ليس هناك ظلمة و كثافة بل من جهة الراحة الحاصلة للمستجير بالظل من الهجير قال اللّه تعالى أُكُلُها دائِمٌ وَ ظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا. (ش).

078
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب السعى فى حاجة المؤمن ص 77

4- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن محمد بن سنان، عن هارون بن خارجة، عن صدقة عن رجل من أهل حلوان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لأن أمشي في حاجة أخ لي مسلم أحبّ إليّ من أن اعتق ألف نسمة و أحمل في سبيل اللّه على ألف فرس مسرّجة ملجمة.

5- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما من مؤمن يمشي لأخيه المؤمن في حاجة إلّا كتب اللّه عزّ و جلّ له بكلّ خطوة حسنة، و حطّ عنه بها سيّئة، و رفع له بها درجة، و زيد بعد ذلك عشر حسنات و شفّع في عشر حاجات.

6- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من سعى في حاجة أخيه المسلم طلب وجه اللّه كتب اللّه عزّ و جلّ له ألف ألف حسنة، يغفر فيها لأقاربه و جيرانه و إخوانه و معارفه و من صنع إليه معروفا في الدّنيا فإذا كان يوم القيامة قيل له: ادخل النار فمن وجدته فيها صنع إليك معروفا في الدّنيا فأخرجه بإذن اللّه عزّ و جلّ إلّا أن يكون ناصبا.

7- عنه، عن أبيه، عن خلف بن حمّاد، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي-

______________________________
و يحتمل أن يكون للمشى أيضا كما سيجي‏ء.

قوله (و زيد بعد ذلك عشر حسنات) أى لكل خطوة أو للجميع و يؤيد الاول قوله تعالى‏ «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها» و الحاجات فى قوله «و شفع فى عشر حاجات» أعم من الحاجات الدنيوية و الاخروية كالسؤال عن التجاوز من الذنوب و الجرائم يقال: شفع يشفع شفاعة فهو شافع و شفيع و المشفع بالكسر من يقبل الشفاعة و بالفتح من تقبل شفاعته.

قوله (كتب اللّه عز و جل له الف الف حسنة) الروايات مختلفة فى الاجر ففى هذه الرواية هذا العدد و فى بعض ما تقدم عشر حسنات و فى بعضه لكل خطوة حسنة و فى بعض ما يأتى حجة و عمرة و اعتكاف شهرين فى المسجد الحرام و فى بعضه خير من اعتكاف شهر، و لعل الاختلاف باعتبار حال الساعى و فضله أو اهتمامه به أو باعتبار حال المحتاج و صلاحه أو شدة احتياجه أو باعتبار أن هذا الاحسان من باب التفضل و اللّه تعالى يزيد لمن يشاء.

079
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب السعى فى حاجة المؤمن ص 77

بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من سعى في حاجة أخيه المسلم فاجتهد فيها فأجرى اللّه على يديه قضاءها كتب اللّه عزّ و جلّ له حجّة و عمرة و اعتكاف شهرين في المسجد الحرام و صيامهما و إن اجتهد فيها و لم يجر اللّه قضاءها على يديه كتب اللّه عزّ و جلّ له حجّة و عمرة.

8- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن جميل ابن درّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كفى بالمرء اعتمادا على أخيه أن ينزل به حاجته.

9- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن صفوان الجمّال قال:

كنت جالسا مع أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ دخل عليه رجل من أهل مكّة يقال له: ميمون فشكا إليه تعذّر الكراء عليه فقال لي: قم فأعن أخاك، فقمت معه فيسّر اللّه كراه، فرجعت إلى مجلسي، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما صنعت في حاجة أخيك؟ فقلت: قضاها اللّه- بأبي أنت و أمّي- فقال: أما إنّك ان تعين أخاك المسلم أحبّ إليّ من طواف اسبوع بالبيت مبتديا ثم قال: إنّ رجلا أتى الحسن بن علي عليهما السّلام فقال: بأبي أنت و أمّي أعنّي على قضاء حاجة، فانتعل و قام معه فمرّ على الحسين صلوات اللّه عليه و

______________________________
قوله (كفى بالمرء اعتمادا على أخيه أن ينزل به حاجته) لا ريب فى أن المحتاج حريص فى قضاء حاجته و أنه يحتال و يتفكر فيه و فى سببه و انه اذا رأى أن للخلق مد خلا فيه يقصد من له كمال اعتماد عليه فيما بينهم، و فيه ترغيب بليغ على قضاء حاجة الرافع لئلا يفسد ظنه و لا يرد عن نفسه تلك الفضيلة و قال أفلاطون: اذا بلغ المستور الى كشف حاله لك فاحذر رده فانه قد اطلعك على سره مع باريه.

قوله (فشكا إليه تعذر الكراء عليه) الكراء بالكسر و المد أجر المستأجر عليه و هو مصدر و فى الاصل من كاريته من باب قاتل، الكرى كالغنى المكارى و هو الّذي يكرى الدواب.

قوله (فقال أما انك ان تعين أخاك المسلم أحب الى من طواف أسبوع بالبيت مبتديا) مبتديا اما حال عن فاعل قال أى قال «ع» ذلك مبتديا قبل أن أسأله عن أجر من قضى حاجة أخيه أو قبل أن يتكلم بكلام آخر و ذلك لشدة الاهتمام به أو عن فاعل تعين أى تعين مبتديا قبل السؤال أو عن الطواف فيدل على أن الطواف الاول أفضل و ان قضاء الحاجة أفضل منه أو تميز عن‏

080
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب السعى فى حاجة المؤمن ص 77

هو قائم يصلّي فقال له: أين كنت عن أبي عبد اللّه عليه السّلام تستعينه على حاجتك، قال:
قد فعلت- بأبي أنت و أمّي- فذكر أنّه معتكف، فقال له: أما إنّه لو أعانك كان خيرا له من اعتكافه شهرا
__________________________________________________
نسبة أحب الى الاعانة أى الاعانة أحب من حيث الابتداء يعنى قبل الشروع فى الطواف لا بعده، و اعلم أن ظاهر الاخبار المعتبرة دل على جواز القطع بل على رجحانه مطلقا و البناء من موضع القطع [1] فرضا كان أو نفلا، جاوز النصف أولا، و التفصيل حسن و هو رجحان القطع و البناء مطلقا فى النفل و رجحان البقاء على الطواف مع جواز القطع و البناء ان جاوز النصف فى الفرض لما رواه الشيخ عن احدهما عليهما السلام أن الرجل يقطع الطواف لحاجته أو حاجة غيره فان كان نافلة بنى على الشوط و الشوطين و ان كان طواف فريضة لم يبن الظاهر أنه لم يبن على ما ذكر و ما رواه الشيخ فى الصحيح عن صفوان، عن يحيى الازرق، و الظاهر أنه يحيى بن عبد الرحمن الازرق الثقة قال: «سألت أبا الحسن «ع» عن الرجل يسعى بين الصفا و المروة فيسعى ثلاثة أشواط أو أربعة أشواط فيلقاه الصديق فيدعوه الى الحاجة او الى الطعام؟ قال ان أجابه فلا بأس و لكن يقضى حق اللّه أحب الى من أن يقضى حاجة صاحبه» و التعليل يفيد تعدية الحكم الى الطواف بل هو فيه أولى.
قوله (أما انه لو أعانك كان خيرا له من اعتكافه شهرا) هذا من المواضع التى جوز العلماء خروج المعتكف فيها عن معتكفه الا أنه لا يجلس عند الخروج و لا يمشى تحت الظل اختيارا على المشهور و لا يجلس تحته على قول، و لا ريب فى أن قضاء حاجة المؤمن من المرغبات الكفائية و قد ظهر للحسين أن أخاه الحسن عليهما السلام يسعى فيه فآثره لاخيه تكريما و تعظيما له [2].
__________________________________________________
 [1] قوله «و البناء من موضع القطع» دلالة الروايات المعتبرة على البناء من موضع القطع فى الفريضة ممنوعة نعم لا ريب فى جواز القطع و رجحانه لقضاء حاجة المؤمن و لا ينافى ذلك وجوب الاستيناف كما صرح به فى رواية أبان بن تغلب «عن الصادق «ع» فى رجل طاف شوطا أو شوطين ثم خرج مع رجل فى حاجة قال ان كان طواف نافلة بنى عليه و ان كان طواف فريضة لم يبن»- انتهى- فالحكم فى قطع الفريضة لحاجة المؤمن كالحكم فيه لغيرها، يبنى على ما فعل بعد كمال الاربعة و يستأنف قبلها و ان لم يكن فيه رواية صريحة لكن لا خلاف فيه بين علمائنا و لو لم يكن فتاويهم لقلنا بوجوب الاستيناف مطلقا و لو مع رجحان القطع لقضاء حاجة المؤمن كقطع الصلاة لما يجوز له قطعها. (ش)
 [2] قوله «تكريما و تعظيما له» لا يدفع كلام الشارح الاستبعاد عن مضمون الحديث‏

081
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب السعى فى حاجة المؤمن ص 77

10- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن عليّ، عن أبي جميلة، عن ابن سنان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: قال اللّه عزّ و جلّ: الخلق عيالي، فأحبّهم إليّ ألطفهم بهم و أسعاهم في حوائجهم.
11- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن بعض أصحابه عن أبي عمارة قال: كان حمّاد بن أبي حنيفة إذا لقيني قال: كرّر علي حديثك، فاحدّثه، قلت: روّينا أنّ عابد بني إسرائيل كان إذا بلغ الغاية في العبادة صار مشّاء في حوائج النّاس عانيا بما يصلحهم.
 (باب تفريج كرب المؤمن)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن زيد الشحّام قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من أغاث أخاه المؤمن اللّهفان اللّهثان عند جهده فنفّس كربته و أعانه على نجاح حاجته كتب اللّه عزّ و جلّ‏
__________________________________________________
قوله (قال اللّه عز و جل الخلق عيالى فأحبهم الى ألطفهم بهم و أسعاهم فى حوائجهم) كما أن أحب الخلق الى الرجل ألطفهم بعياله و أسعاهم فى قضاء حوائجهم فى حضوره و غيبته و هو يكافيه يوما ما خصوصا اذا كان كريما ذا ثروة و استعار لفظ العيال للخلق بالنسبة إليه عز و جل و وجه المشابهة كما ذكرنا سابقا أن عيال الرجل من جمعهم ليقيتهم و يصلح حالهم كذلك الخلق انما خلقهم اللّه تعالى و جمعهم تحت عنايته ليصلح أحوالهم فى معاشهم و معادهم و التدبير فى أقواتهم و أرزاقهم.
قوله (أن عابد بنى اسرائيل كان اذا بلغ الغاية فى العبادة صار مشاء فى حوائج الناس) و ذلك لانه لا يصل الى هذا المطلب العظيم الا من تنزهت نفسه بالعبادات و الرياضات عن الصفات الرذيلة فانه حينئذ يعرف قدر قضاء الحوائج و فضله و أنه أفضل العبادات و يتمكن من حمل نفسه عليه و الاشتغال به. و قوله «عانيا بما يصلحهم» من العناية أى الإرادة و الاهتمام.
قوله (من أغاث أخاه المؤمن اللهفان اللهثان عند جهده) الاغاثة النصرة و الاعانة و اللهفان المكروب يقال لهف من باب منع لهفا فهو لهفان و لهف فهو ملهوف و اللهثان و العطشان يقال لهث الكلب من باب منع أيضا لهثا فهو لهثان اذا أخرج لسانه من شدة العطش‏
__________________________________________________
لان قوله «ع» «اما انه لو أعانك كان خيرا له من اعتكافه شهرا» لو كان قوله حقيقة و لم يحرفه الراوى كان عتابا و تخطئة لا يناسب شأن الائمة عليهم السلام، فالاولى حمله على وهم الراوى و تصرفه خصوصا مع جهالته. (ش)

082
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب تفریج کرب المؤمن ص 82

له بذلك ثنتين و سبعين رحمة من اللّه، يعجّل له منها واحدة يصلح بها أمر معيشته و يدّخر له إحدى و سبعين رحمة لأفزاع يوم القيامة و أهواله.
2- علي بن إبراهيم، عن [أبيه، عن‏] النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من أعان مؤمنا نفّس اللّه عزّ و جلّ عنه ثلاثا و سبعين كربة واحدة في الدّنيا و ثنتين و سبعين كربة عند كربته العظمى، قال: حيث يتشاغل النّاس بأنفسهم.
3- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حسين بن نعيم، عن مسمع أبي سيّار، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من نفّس عن مؤمن كربة نفّس اللّه عنه كرب الآخرة و خرج من قبره و هو ثلج الفؤاد، و من أطعمه من جوع أطعمه اللّه من ثمار الجنّة، و من سقاه شربة سقاه اللّه من الرّحيق المختوم.
4- الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن الرّضا عليه السّلام قال: من فرّج عن مؤمن فرج اللّه قلبه يوم القيامة.
5- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن ذريح المحاربي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام أيّما مؤمن نفّس عن مؤمن كربة و هو معسر يسّر اللّه له حوائجه في الدّنيا و الآخرة، قال: و من ستر على مؤمن عورة يخافها ستر اللّه عليه سبعين عورة من عورات الدّنيا و الآخرة،
__________________________________________________
و الحر. و الجهد بالفتح و الضم المشقة، و قيل بالضم الطاقة و بالفتح المشقة و الكربة و الشدة و المشقة للنفس عند طريان الحاجة و نحوها و التنفيس أعم من ازالة كلها أو بعضها و الثواب الموعود حاصل فى كليهما و فى أحاديث هذا الباب و الابواب السابقة دلالة واضحة على ان من سعى فى حاجة المؤمن حتى قضاها كان له من الاجر لتنفيس كربته ما ذكر فى هذا الباب و للسعى فى حاجته ما ذكر فى باب قبله و لقضاء حاجته و ادخال السرور عليه ما ذكر فى بابيهما.
قوله (واحدة فى الدنيا) يحتمل أن يراد بالوحدة الشخصية و النوعية فتشمل كرب الدنيا كلها. قوله (و هو ثلج الفؤاد) ثلجت نفسى كنصر ثلوجا و ثلجا اطمأنت إليه و سكنت و وثقت به، و الرحيق الخمر أطيبها أو أفضلها أو الخالص أو الصافى و المراد به خمر الجنة و المختوم المصون الّذي لم يتبدل لاجل ختامه.

083
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب تفریج کرب المؤمن ص 82

قال: و اللّه في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه، فانتفعوا بالعظة و ارغبوا في الخير.
 (باب اطعام المؤمن)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبي يحيى الواسطي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أشبع مؤمنا وجبت له الجنّة و من أشبع كافرا كان حقّا على اللّه أن يملأ جوفه من الزّقوم، مؤمنا كان أو كافرا
__________________________________________________
قوله (و من ستر على مؤمن عورة) من طرق العامة «من ستر مسلما ستره اللّه فى الدنيا و الآخرة» و ليس من لوازم ذلك عدم التعبير بل يعير و يستر فمن وجد مؤمنا يشتغل بحرام يمنعه عنه و لا يذيع ذلك و يمكن تخصيص العورة بالعيوب و الزلات التى لا توجب هتك الشريعة و الا فالامر بالمعروف و النهى عن المنكر واجب و سيجي‏ء فى باب التعيير زيادة توضيح لمثل هذا ان شاء اللّه تعالى. قوله (من أشبع مؤمنا وجبت له الجنة) و هو مع كونه سببا لحياة المؤمن و سد مجاعته و موجبا للتودد و التآلف المطلوبين فى نظام الاسلام و المسلمين من آداب الصالحين و خلق النبيين و لكن ينبغى أن لا يكون معه تكلف و تصنع ممن شقت عليه الزيادة على القدرة المعتادة كما دلت عليه الروايات، و لا فرق فى ذلك بين البادى و الحاضر خلافا لبعض العامة فانه يخص ذلك باطعام أهل البادى لان فى الحضر مرتفقا و سوقا و لا يخفى ضعفه. و لما أشار الى منافع اطعام المؤمن أشار الى مضار اطعام الكافر بقوله (و من أشبع كافرا كان حقا على اللّه أن يملأ جوفه من الزقوم مؤمنا كان أو كافرا) الزقوم شجرة تخرج فى أصل الجحيم، طلعها كأنه رءوس الشياطين، منبتها قعر جهنم و أغصانها ترتفع فى دركاتها و لها ثمرة فى غاية القبح، و ظاهره عدم جواز اطعام الكافر مطلقا حربيا كان أو ذميا. قريبا كان أو بعيدا، غنيا كان أو فقيرا مشرفا بالموت أولا، لكن عموم بعض الاخبار مثل «أفضل الصدقة ابراد كبد حرى» و صريح خبر مصادف عن أبى عبد اللّه «ع» فى سقيه نصرانيا غلبه العطش «1» و اطعام الاسير الكافر، و أخبار بر الوالدين و صلة الارحام مطلقا و ان كانوا كافرين، و جواز الوقف على الذمى يدل على‏
__________________________________________________
 (1) قوله «نصرانيا غلبه العطش» يكفى فى ذلك قوله تعالى لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ و كذلك سورة هل أتى و عمل أهل بيت رسول اللّه صلوات اللّه عليهم فى اطعامهم لوجه اللّه مسكينا و يتيما و أسيرا لان أسير المسلمين كان كافرا لا محالة. (ش).

084
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب اطعام المؤمن ص 84

2- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لأن اطعم رجلا من المسلمين أحبّ إليّ من أن اطعم افقا من النّاس، قلت: و ما الافق؟ قال: مائة ألف أو يزيدون.
3- عنه، عن أحمد، عن صفوان بن يحيى، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من أطعم ثلاثة نفر من المسلمين أطعمه اللّه من ثلاث جنان في ملكوت السّماوات الفردوس و جنّة عدن و طوبى [و] شجرة تخرج في جنّة عدن، غرسها ربّنا بيده‏
__________________________________________________
جواز اطعام الكافر فى الجملة سيما اذا كان ذميا خصوصا اذا كان ذا رحم. و ما يتخيل من أن اطعامهم اعانة لهم على المعصية لانه موجب لقوتهم المقتضية لطغيانهم فيها يمكن دفعه بمثل ما ذكره الشهيد الثانى فى الوقف من أن الغرض من اطعامهم ليس هو معصيتهم و طغيانهم فيها بل من حيث الحاجة و أنهم عباد اللّه و من جملة بنى آدم و من جهة أنه يمكن أن يتولد منهم المسلمون، نعم اطعامهم بقصد الاعانة على المعصية أو لمحبتهم أو لكفرهم لا يجوز قطعا، و يمكن حمل هذا الخبر عليه و اللّه يعلم.
قوله (لان أطعم رجلا من المسلمين أحب الى من أن اطعم افقا من الناس) الطعام عام فى كل ما يقتات به من الحنطة و الشعير و الارز و التمر و الزبيب و اللبن و نحوها و لعل المراد بالرجل من المسلمين المؤمن و بالافق من الناس المخالفون و فيه دلالة على جواز اطعامهم، و الافق بضمتين اسم جمع و ليس منحصرا فى عدد معين و لهذا فسره «ع» هنا بمائة ألف أو يزيدون و فسره أبوه «ع» فى خبر عبيد اللّه الوصافى عنه بعشرة آلاف.
قوله (من أطعم ثلاثة نفر من المسلمين أطعمه اللّه من ثلاث جنان فى ملكوت السماوات الفردوس و جنة عدن و طوبى و شجرة تخرج فى جنة عدن غرسها ربنا بيده) فى ملكوت السماوات صفة لجنان أو متعلق بأطعمه، و الملكوت فعلوت من الملك بالكسر و خص بملك اللّه تعالى و قد يطلق على المجردات و الاضافة على الاول بيانية و على الثانى بتقدير فى. و الفردوس البستان الّذي فيه الكرم و الاشجار و ضروب من النبت، قال الفراء: هو عربى و اشتقاقه من الفردسة و هى السعة، و قيل منقول الى العربية و أصله رومى. و قيل سريانية، ثم سمى به جنة الفردوس، و العدن الاقامة يقال عدن بالمكان يعدن عدنا و عدونا من بابى ضرب و قعد اذ أقام فيه و لزم و لم يبرح، و منه جنة عدن أى جنة اقامة، و طوبى اسم للجنة مؤنث أطيب من الطيب و أصلها طيبى ضمت الطاء و ابدلت الياء بالواو، و قد تطلق على الخير و على شجرة فى الجنة.
و شجرة عطف على ثلاث جنان و اشارة الى نعمة اخرى بعد ثلاثة، و اليد بمعنى القدرة مجازا، و

085
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب اطعام المؤمن ص 84

4- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما من رجل يدخل بيته مؤمنين فيطعمهما شبعهما إلّا كان أفضل من عتق نسمة.
5- عنه، عن أبيه، عن حماد، عن إبراهيم. عن أبي حمزة، عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال: من أطعم مؤمنا من جوع أطعمه اللّه من ثمار الجنّة، و من سقى مؤمنا من ظمأ سقاه اللّه من الرّحيق المختوم.
6- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أطعم مؤمنا حتّى يشبعه لم يدر أحد من خلق اللّه ما له من الأجر في الآخرة، لا ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل إلّا اللّه ربّ العالمين، ثمّ قال: من موجبات المغفرة إطعام المسلم السغبان‏
__________________________________________________
الغرس ترشيح و القول بأن كل شي‏ء بقدرته فلا وجه لذكرها لا وجه له لان التأكيد و البيان شايع و أيضا لذكرها وجه وجيه و هو التنبيه على أن غرسها ليس كغرس أشجار جنات الدنيا عن وسائط و استعمال آلات بل بمجرد ايجادها بقوله «كُنْ» و يحتمل أن يكون الكلام من باب التمثيل تشبيها لفعل الغائب بالحاضر لقصد الايضاح.
قوله (الا كان أفضل من عتق نسمة) كمية الزيادة غير معلومة لنا، و النسمة محركة نفس الريح، ثم سمى بها الانسان و المملوك ذكرا أو اثنى. و لعل السر فى كون اطعامهما أفضل أن اطعامهما احياؤهما و ليس عتق نسمة من باب الاحياء فالفضل بينهما ظاهر. قوله (من أطعم مؤمنا حتى يشبعه لم يدر أحد من خلق اللّه ما له من الاجر) لعل المراد بهذا المؤمن من بلغ جوعه حدا يوجب هلاكه فان اطعامه حينئذ احياء لنفسه و قد قال اللّه تعالى «وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً» و حينئذ فلا بعد فى ترتب هذا الاجر العظيم عليه و التعميم ممكن و عدم علم الملك و الرسل بما له من الاجر اما لعظمة الاجر او لان تعيين قدره انما هو فى علم اللّه تعالى و لم يظهره عليهم، و الاول أظهر لان المقصود من الحديث افادة عظمته.
قوله (اطعام المسلم السغبان) سغب سغبا و سغبانا بالتسكين و التحريك و سغابة بالفتح و سغوبا بالضم و مسبغة من بابى فرح و نصر جاع فهو ساغب و سغبان أى جائع، و قيل:
لا يكون السغب الا أن يكون الجوع مع تعب، و أشار بالآية الشريفة الى أن الاطعام من المنجيات التى رغب اللّه تعالى فيها و المسغبة و المقربة و المتربة مصادر على وزن مفعلة من سغب اذا

086
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب اطعام المؤمن ص 84

ثمّ تلا قول اللّه عزّ و جلّ: أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ. يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ. أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ.
7- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من سقى مؤمنا شربة من ماء حيث يقدر على الماء أعطاه اللّه بكلّ شربة سبعين ألف حسنة و إن سقاه من حيث لا يقدر على الماء فكأنّما أعتق عشر رقاب من ولد إسماعيل.
8- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن حسين بن نعيم الصحاف قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أ تحبّ إخوانك يا حسين؟ قلت:
نعم، قال: تنفع فقراءهم؟ قلت: نعم، قال: أما إنّه يحقّ عليك أن تحبّ من يحبّ اللّه، أما و اللّه لا تنفع منهم أحدا حتّى تحبّه، أ تدعوهم إلى منزلك؟ قلت: نعم ما آكل إلّا و معي منهم الرّجلان و الثلاثة و الأقلّ و الأكثر، فقال: أبو عبد اللّه عليه السّلام:
أما إنّ فضلهم عليك أعظم من فضلك عليهم، فقلت: جعلت فداك اطعمهم طعامي و أوطئهم رحلي، و يكون فضلهم علي أعظم؟ قال: نعم إنّهم إذا دخلوا منزلك دخلوا بمغفرتك و مغفرة عيالك و إذا خرجوا من منزلك خرجوا بذنوبك و ذنوب عيالك.
9- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي محمّد الوابشي قال:
ذكر أصحابنا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت: ما أتغدّي و لا أتعشّي إلّا و معي منهم الاثنان و الثلاثة و أقلّ و أكثر، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: فضلهم عليك أعظم من فضلك عليهم، فقلت: جعلت فداك كيف و أنا اطعمهم طعامي و انفق عليهم من مالي و أخدمهم عيالي؟! فقال: إنّهم إذا دخلوا عليك دخلوا برزق من اللّه عزّ و جلّ كثير و إذا خرجوا
__________________________________________________
جاع و قرب فى النسب و ترب اذا افتقر و التصق بالتراب. و وصف اليوم بذى مسغبة مجاز باعتبار صاحبه مثل نهاره صائم.
قوله (أعطاه اللّه بكل شربة سبعين ألف حسنة) الظاهر أنه اذا شرب ثلاث مرات كما هو مندوب يستحق الساقى ذلك الاجر ثلاث مرات لصدق الشربة على كل واحدة منها.
قوله (اما و اللّه لا تنفع منهم أحدا حتى تحبه) دل ظاهرا على أن النفع تابع للمحبة أو مستلزم لها و منه يعلم وجه ما سبق من أن من أشبع كافرا كان حقا على اللّه أن يملأ جوفه‏

087
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب اطعام المؤمن ص 84

خرجوا بالمغفرة لك.
10- عنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن مقرن، عن عبيد اللّه الوصّافي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لأن اطعم رجلا مسلما أحبّ إليّ من أن اعتق افقا من الناس، قلت: و كم الافق؟ فقال: عشرة آلاف.
11- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعيّ قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من أطعم أخاه في اللّه كان له من الأجر مثل من أطعم فئاما من الناس، قلت: و ما الفئام [من الناس‏]؟ قال: مائة ألف من النّاس.
12- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن سدير الصيرفي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما منعك أن تعتق كلّ يوم نسمة؟ قلت:
لا يحتمل مالي ذلك، قال: تطعم كلّ يوم مسلما، فقلت: موسرا أو معسرا؟ قال:
فقال: إنّ الموسر قد يشتهي الطعام.
13- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن صفوان الجمّال، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اكلة يأكلها أخي المسلم عندي أحبّ إلى من أن اعتق رقبة.
14- عنه، عن إسماعيل بن مهران، عن صفوان الجمّال، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لأن اشبع رجلا من إخواني أحبّ إليّ من أن أدخل سوقكم هذا فأبتاع منها رأسا فاعتقه.
15- عنه، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لأن آخذ خمسة دراهم [و] أدخل إلى سوقكم هذا فأبتاع بها الطعام و أجمع نفرا من المسلمين أحبّ إليّ من أن اعتق نسمة
__________________________________________________
من الزقوم. قوله (اذا دخلوا عليك دخلوا برزق من اللّه عز و جل كثير) وصف الرزق بالكثير لدفع توهم تخصيصه بقدر ما أكلوا فيدل على أن الانفاق موجب لزيادة الرزق كما يدل عليه روايات كثيرة.
قوله (قال أكلة يأكلها أخى المسلم عندى أحب الى من أن اعتق رقبة) الاكلة بالفتح المرة و بالضم اللقمة و القرصة و إرادة اللقمة أنسب بما مر من أن اطعام المسلم أحب الى من أن أعتق افقا من الناس و لا اختلاف لما ذكرناه آنفا.

088
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب اطعام المؤمن ص 84

16- عنه، عن الوشّاء، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل محمّد بن علي صلوات اللّه عليهما ما يعدل عتق رقبة؟ قال: إطعام رجل مسلم.
17- محمّد بن يحيى. عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن أبي شبل قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما أرى شيئا يعدل زيارة المؤمن إلّا إطعامه و حقّ على اللّه أن يطعم من أطعم مؤمنا من طعام الجنّة.
18- محمّد، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لأن اطعم مؤمنا محتاجا أحبّ إليّ من أن أزوره و لأن أزوره أحبّ إليّ من أن اعتق عشر رقاب.
19- صالح بن عقبة، عن عبد اللّه بن محمّد و يزيد بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أطعم مؤمنا موسرا كان له يعدل رقبة من ولد إسماعيل ينقذه من الذّبح، و من أطعم مؤمنا محتاجا كان له يعدل مائة رقبة من ولد إسماعيل ينقذها من الذّبح.
20- صالح بن عقبة، عن نصر بن قابوس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لإطعام مؤمن أحبّ إلي من عتق عشر رقاب و عشر حجج، قال: قلت: عشر رقاب و عشر حجج؟ قال: فقال: يا نصر إن لم تطعموه مات أو تدلونه فيجي‏ء إلى ناصب فيسأله و الموت خير له من مسألة ناصب، يا نصر من أحيا مؤمنا فكأنّما أحيا النّاس جميعا، فإن لم تطعموه فقد أمتّموه و إن أطعمتموه فقد أحييتموه.
 (باب من كسا مؤمنا)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من كسا أخاه كسوة شتاء أو صيف كان حقّا على اللّه أن يكسوه من ثياب الجنّة و أن يهوّن عليه سكرات الموت و أن يوسّع عليه‏
__________________________________________________
قوله (أو تدلونه) دلوته أدلوه أرسلته و كذا أدليته أدليه فتدلونه يحتمل فتح التاء و ضمها و أصله على تقدير الضم تدليونه.
قوله (و أن يهون عليه من سكرات الموت) أى من شدته وهمه و غشيته ثوبا من‏

089
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب من کسا مؤمنا ص 89

في قبره و أن يلقى الملائكة إذا خرج من قبره بالبشرى و هو قول اللّه عزّ و جلّ في كتابه: «وَ تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ، هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ».

2- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن عليّ، عن عبد اللّه ابن جعفر بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من كسا أحدا من فقراء المسلمين ثوبا من عرى أو أعانه بشي‏ء ممّا يقوته من معيشته و كلّ اللّه عزّ و جلّ به سبعة آلاف ملك من الملائكة، تستغفرون لكلّ ذنب عمله إلى أن ينفخ في الصور.

3- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن صفوان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من كسا أحدا من فقراء المسلمين ثوبا من عرى أو أعانه بشي‏ء ممّا يقوته على معيشته و كلّ اللّه عزّ و جلّ به سبعين ألف ملك من الملائكة يستغفرون لكلّ ذنب عمله إلى أن ينفخ في الصور.

4- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر، عن أبي حمزة الثمالي، عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام [قال:] من كسا مؤمنا كساه اللّه من الثياب الخضر. و قال في حديث آخر: لا يزال في ضمان اللّه ما دام عليه سلك.

5- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه كان يقول: من كسا مؤمنا ثوبا من عرى كساه اللّه من استبرق الجنّة و من كسا مؤمنا ثوبا من غنى لم يزل في ستر من اللّه ما بقي من الثوب خرقة.

(باب) (فى الطاف المؤمن و اكرامه)

1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن الحسين‏

______________________________
عرى العرى بالضم خلاف اللبس يعنى «برهنه شدن» و فعله من باب رضى، و المعيشة مكسب الانسان الّذي يعيش به و هى من عاش من باب سار صار ذا حياة فالميم زائدة و وزنها مفعلة. و قيل من معش فالميم أصلية و وزنها فعيلة.

قوله (ما دام عليه سلك) أى على ذلك الثوب و ان خرج عن حد اللبس و الانتفاع.

قوله (من كسا مؤمنا ثوبا من غنى لم يزل فى ستر من اللّه) يستره من الذنوب أو من العقوبة أو من النوائب أو من الجميع و يفهم منه أن كساء المؤمن الغنى يوجب هذه‏

090
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

بابفى الطاف المؤمن و اکرامه ص 90

ابن هاشم، عن سعدان بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أخذ من وجه أخيه المؤمن قذاة كتب اللّه عزّ و جلّ له عشر حسنات، و من تبسّم في وجه أخيه كانت له حسنة.
2- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من قال لأخيه المؤمن: مرحبا كتب اللّه تعالى له مرحبا إلى يوم القيامة.
3- عنه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أتاه أخوه المسلم فأكرمه فإنّما أكرم اللّه عزّ و جلّ.
4- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن نصر بن إسحاق، عن الحارث ابن النعمان، عن الهيثم بن حمّاد، عن أبي داود، عن زيد بن أرقم قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ما في أمّتي عبد ألطف أخاه في اللّه بشي‏ء من لطف إلّا أخدمه اللّه من خدم الجنّة.
5- و عنه، عن أحمد بن محمّد، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن عليّ، عن عبد اللّه بن جعفر بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من‏
__________________________________________________
الكرامة فكيف الفقير.
قوله (من أخذ من وجه أخيه المؤمن قذاة) القذى ما يقع فى العين من تراب أو تبن أو وسخ أو غير ذلك و المراد به كل ما يؤذى المؤمن أو يجرح قلبه أو يكسر قدره و ان قل شبهه يقذى العين. قوله (من قال لاخيه المؤمن مرحبا كتب اللّه تعالى له مرحبا الى يوم القيامة) فكانه قال له مرحبا الى يوم القيامة فيكتب له ذلك و يعطى أجره أو يقال له مرحبا الى يوم القيمة مقابلا لقوله، و الرحب بالضم السعة و بالفتح الواسع و مرحبا منصوب بفعل لازم الحذف سماعا أى أتيت رحبا وسعة أو مكانا واسعا و فيه تسلية له و اظهار للسرور بملاقاته و مجيئه.
قوله (من أتاه أخوه المسلم فأكرمه) بأن أكرمه بنوع من أنواع الاكرام و أحسن إليه بنحو من أنحاء الاحسان بأن بسط له رداءه أو تبسم فى وجهه أو قال له مرحبا أو أظهر سرورا و بشاشة أو أحضر طعاما أو أعطاه شيئا يفرح به قلبه أو نحو ذلك.
قوله (ما فى امتى عبد ألطف أخاه فى اللّه بشي‏ء من لطف الا أخدمه اللّه من خدم الجنة) المراد بالعبد المؤمن و الظرف أعنى فى اللّه متعلق بالطف أى بر أو حال عن أخاه او وصف له و اللطف الرفق و الاحسان و ايصال المنافع و البر و الاخدام اعطاء الخادم.

091
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

بابفى الطاف المؤمن و اکرامه ص 90

أكرم أخاه المسلم بكلمة يلطفه بها و فرّج عنه كربته لم يزل في ظلّ اللّه الممدود عليه الرحمة ما كان في ذلك.
6- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: إنّ ممّا خصّ اللّه عزّ و جلّ به المؤمن أن يعرّفه برّ إخوانه و إن قلّ، و ليس البرّ بالكثرة و ذلك أنّ اللّه عزّ و جلّ يقول في كتابه:
 «وَ يُؤْثِرُونَ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ (ثمّ قال:) وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» و من عرفه اللّه عزّ و جلّ بذلك أحبّه اللّه و من أحبّه اللّه تبارك و تعالى وفّاه أجره يوم القيامة بغير حساب، ثمّ قال: يا جميل ارو هذا الحديث لإخوانك، فإنّه ترغيب في البرّ.
7- محمّد بن يحيى. عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة عن المفضّل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ المؤمن ليتحف أخاه التحفة، قلت: و
__________________________________________________
قوله (لم يزل فى ظل اللّه الممدود عليه الرحمة) أى لم يزل فى رحمته أو جوده على سبيل التشبيه و الاستعارة حيث أنه يستريح بهما من الاذى و العذاب و التألم الجسمانى و الروحانى كما يستريح الملتجئ بالظل من حر الشمس أو فى جنبه و اطلاق الظل عليها اما من باب الارسال أو الاستعارة على نحو ما ذكر و وصفه بالممدود للاشعار بثباته و اتساعه.
قوله (و ذلك أن اللّه عز و جل يقول فى كتابه وَ يُؤْثِرُونَ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ- الآية) أى يختارون غيرهم من المحتاجين على أنفسهم و يقدمونه «وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ» أى حاجة و فقر عظيم «وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ» بوقاية اللّه و توفيقه و يحفظها عن البخل و الحرص «فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» أى الفائزون و التأكيدات ظاهرة للمتدبر و المشهور أن الآية نزلت فى الانصار و ايثارهم المهاجرين على أنفسهم فى أموالهم و قيل روى من طريق العامة أنها نزلت فى أمير المؤمنين «ع» و أنه مع بقية أهل بيته لم يطعموا شيئا منذ ثلاثة أيام فاقترض دينارا ثم رأى المقداد فتفرس فى وجهه أنه جائع فأعطاه الدينار فنزلت الآية مع المائدة من السماء و الحكاية طويلة، و على التقديرين يجرى الحكم فى غير من نزلت فيه ممن يفعل مثل فعله أو ما يقرب منه و مما يناسب المقام ما روى عن أمير المؤمنين «ع» من أنه بات به ضيف و كان عنده طعام قليل فأطفأ المصباح عند احضاره و أراه انه يأكل معه. و فيه غاية بر الضيف و الايثار و حسن السياسة فى الامور اذ لو لم يطفأه لرأى الضيف أنه لا يأكل و أنه آثره فربما امتنع من الاكل أو أكل قليلا.

092
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

بابفى الطاف المؤمن و اکرامه ص 90

أيّ شي‏ء التحفة؟ قال: من مجلس و متّكأ و طعام و كسوة و سلام، فتطاول الجنّة مكافاة له و يوحي اللّه عزّ و جلّ إليها. أنّي قد حرّمت طعامك على أهل الدّنيا إلّا على نبي أو وصيّ نبيّ، فإذا كان يوم القيامة أوحى اللّه عزّ و جلّ إليها: أن كافئ أوليائي بتحفهم، فيخرج منها و صفاء و وصايف معهم أطباق مغطّاة بمناديل من لؤلؤ، فإذا نظروا إلى جهنم و هولها و إلى الجنّة و ما فيها طارت عقولهم و امتنعوا أن يأكلوا فينادي مناد من تحت العرش أنّ اللّه عزّ و جلّ قد حرّم جهنّم على من أكل من طعام جنّته، فيمد القوم أيديهم فيأكلون.
8- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: يجب للمؤمن على المؤمن أن يستر عليه سبعين كبيرة.
9- الحسين بن محمّد، و محمّد بن يحيى، جميعا، عن علي بن محمّد بن سعد، عن محمّد بن أسلم، عن محمّد بن علي بن عدي قال: أملأ عليّ محمّد بن سليمان، عن إسحاق بن عمّار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أحسن يا إسحاق إلى أوليائي ما استطعت، فما أحسن مؤمن إلى مؤمن و لا أعانه إلّا خمش وجه إبليس و قرح قلبه‏
__________________________________________________
قوله (فتطاول الجنة مكافاة له) اى امتدت و ارتفعت لارادة مكافاته و اطعامه فى الدنيا عجالة. قوله (فتخرج منها و صفاء و وصائف) قال صاحب المصباح الوصيف الغلام المراهق، و الوصيفة الجارية كذلك و الجمع و صفاء و وصائف مثل كريم و كرماء و كرائم. و لعل طيران العقول و تحيرها بسبب مشاهدة الجنة و نعيمها و ما فيها من الحور و القصور و الامتناع من الاكل لكثرة الهم و الخوف بسبب مشاهدة جهنم و أهوالها و زفيرها و الهم المفرط قد يمنع من الاكل كما يقطع فى الدنيا أيضا.
قوله (يجب للمؤمن على المؤمن أن يستر عليه سبعين كبيرة) هى أفعال قبيحة شرعا و قبحها عظيم، و المراد بسترها عدم اذاعتها و هذا لا ينافى وجوب الامر بالمعروف و النهى عن المنكر لان الامر بالرجوع عنها لا يستلزم الاذاعة و لا يتوقف عليها و يفهم منه جواز الافشاء اذا تجاوز عن السبعين مع امكان إرادة المبالغة فى الستر، و يحتمل أن يراد بالكبيرة اساءة ذلك المؤمن و فعل ما يؤذيه من الامور العظام و فيه حينئذ ترغيب فى الصفح عن المؤذى، و اللّه يعلم.
قوله (فما أحسن مؤمن الى مؤمن و لا أعانه إلا خمش وجه ابليس و قرح قلبه) خمش وجهه من باب ضرب خدشه و لطمه و ضربه و جرح ظاهر بشرته و قطع عضوا منه و قرح قلبه‏

093
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى خدمته ص 94

 (باب فى خدمته)
1- محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطّاب، عن إبراهيم بن محمّد الثّقفي، عن إسماعيل ابن أبان، عن صالح بن أبي الأسود، رفعه، عن أبي المعتمر قال: سمعت أمير- المؤمنين عليه السّلام يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أيّما مسلم خدم قوما من المسلمين إلّا أعطاه اللّه مثل عددهم خدّاما في الجنّة.
 (باب نصيحة المؤمن)
1- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن عمر بن أبان، عن عيسى بن أبي منصور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه‏
__________________________________________________
اذا غمه و أقرحه اذا أثقله و حقيقته أزال عنه الفرح كأشكيته، و يجوز أن يقرأ بالقاف يقال قرحه من باب منع أى جرحه.
قوله (محمد بن يحيى عن سلمة بن الخطاب عن ابراهيم بن محمد الثقفي) الحديث ضعيف «1» من وجوه شتى اذ فى السند رفع و رجاله كلهم غير محمد بن يحيى العطار مجهولون و أبو المعتمر اسمه غير معلوم و ليس هو حامد بن عمير أبو المعتمر الهمدانى الكوفى لانه من أصحاب الصادق «ع»، و الظاهر أن «الا» فى قوله الا أعطاه اللّه زائدة و قد صرح صاحب القاموس بجواز زيادتها فى الكلام و حملها على الاستثناء بتقدير المستثنى منه بعيد جدا، و يدخل فى خدمته المسلم خدمته بنفسه و بخدمه و اعانته للمسلمين فى امور الدنيا و الدين.
قوله (يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه) نصحه و له كمنعه نصحا و نصاحة و نصاحية و هو ناصح و نصيح و نصاح، و الاسم النصيحة و هى فعل أو كلام يراد بهما الخير للمنصوح و اشتقاقها من نصحت العسل اذا صفيته لان الناصح يصفى فعله و قوله من الغش أو من نصحت الثوب اذا خطته لان الناصح يلم خلل أخيه كما يلم الخياط خرق الثوب، و المراد بنصيحة المؤمن للمؤمن ارشاده الى مصالح دينه و دنياه و عونه عليها، و تعليمه اذا كان جاهلا، و تنبيهه اذا كان غافلا، و الذب عنه و عن أعراضه اذا كان ضعيفا و توقيره فى صغره و كبره و ترك حسده و غشه و دفع الضرر عنه و جلب النفع إليه و بالجملة كما يريد لنفسه يريد لاخيه المؤمن و
__________________________________________________
 (1) قوله «الحديث ضعيف» لم أعرف وجه اصرار الشارح و تأكيده فى تضعيف الخبر مع أن هذه الامور غير محتاجة الى تصحيح الاسناد و الحديث الضعيف في هذه الابواب كثير جدا و الاعتماد فيها على المعنى. (ش).

094
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب نصیحة المؤمن ص 94

2- عنه، عن ابن محبوب، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة له في المشهد و المغيب.
3- ابن محبوب، عن ابن رئاب. عن أبي عبيدة الحذّاء، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة.
4- ابن محبوب، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: لينصح الرّجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه.
5- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إنّ أعظم النّاس منزلة عند اللّه يوم القيامة أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه.
6- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن المنقري، عن سفيان بن عيينة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: عليكم بالنصح للّه في خلقه فلن تلقاه بعمل أفضل منه.
 (باب الاصلاح بين الناس)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن حمّاد بن أبي طلحة
__________________________________________________
لو لم يسمع نصيحته سلك به طريق الرفق حتى يقبلها و لو كانت متعلقة بأمر الدين سلك به طريق الامر بالمعروف و النهى عن المنكر على الوجه المشروع و يمكن إرادة النصيحة للرسول و الائمة عليهم السلام أيضا لانهم أفضل المؤمنين. و المراد بالنصيحة لهم القول فى شأنهم ما يليق بهم و الانقياد لهم فى أوامرهم و نواهيهم و آدابهم و أعمالهم و الاطاعة لهم فى جميع ذلك و حفظ شرائعهم و أجراء أحكامهم على الامة و فى الحقيقة النصيحة للاخ المؤمن نصيحة لهم.
قوله (يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة له فى المشهد و المغيب) أى فى وقت حضوره بنحو ما مر و فى غيبته بالاعلام بالكتابة أو الرسالة أو بحفظ عرضه و الزجر عن غيبته و دفع العادى عنه و طلب المصالح له.
قوله (عليكم بالنصح للّه فى خلقه فلن تلقاه بعمل أفضل منه) النصح يتعدى الى المنصوح بنفسه فيقال نصحه و باللام فيقال نصح له و الاول أفصح و لا يتعدى إليه بفى و على هذا فظاهر الكلام أنه تعالى منصوح أى يجب عليكم النصيحة للّه فيما بين خلقه و معنى النصيحة للّه هو الايمان و الاقرار بوحدانيته و بما يصح له و يمتنع عليه و التزام تكاليفه و العمل بها على‏

095
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب نصیحة المؤمن ص 94

عن حبيب الأحوال قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: صدقة يحبّها اللّه إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا و تقارب بينهم إذا تباعدوا.
عنه، عن محمّد بن سنان، عن حذيفة بن منصور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله.
2- عنه، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم. عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لأن اصلح بين اثنين أحبّ إليّ من أنّ أتصدّق بدينارين.
3- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن ابن سنان، عن مفضّل قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام إذا رأيت بين اثنين من شيعتنا منازعة فافتدها من مالي.
4- ابن سنان، عن أبي حنيفة سابق الحاجّ قال: مرّ بنا المفضّل و أنا و ختني‏
__________________________________________________
الوجه المطلوب من اخلاص النية و غيره، و يحتمل أن يكون المراد عليكم بنصيحة خلق اللّه لوجه اللّه تعالى و تقربا إليه لا للرياء و السمعة و نحوهما و هذا بعنوان الباب أنسب.
قوله (صدقة يحبها اللّه اصلاح بين الناس اذا تفاسدوا و تقارب بينهم اذا تباعدوا) فيه حث بليغ للمؤمن على شي‏ء كثير من منافع الدنيا و الآخرة، منها أن يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر بوعظ بليغ نافع، و منها أن يصلح بين الناس اذا وقعت المنازعة بينهم بان ينظر برأيه الصائب و يميز بين الظالم و المظلوم و ينصح الظالم بنصائح بليغة زاجرة له عن الظلم، و منها أن يصل الرحم و ان اختاروا فراقه و تباعده، و منها أن يأمر بصلة الارحام اذا وقع التفارق و التباغض بينهم بموعظة حسنة، و منها أن يأمر المؤمنين بالتواصل و التعاون اذا وقع التدابر و التقاطع بينهم، و منها الاصلاح بين القبيلتين اذ وقع التقابل بينهم، و منها الاصلاح بين المرء و زوجه.
قوله (اذا رأيت بين اثنين من شيعتنا منازعة فافتدها من مالى) الظاهر أن الاذن بالافتداء للمفضل خاصة مع احتمال شموله لكل من عنده مال له «ع».
قوله (عن أبى حنيفة سابق الحاج) «1» اسمه سعيد بن بيان الهمدانى وثقه النجاشى‏
__________________________________________________
 (1) قوله «سابق الحاج» هو الّذي يقطع المسافة بين بلده و مكة فى اقل زمان ممكن و يسبق سائر الحجاج فى الوصول الى مكة و روى أن أبا حنيفة رأى هلال ذى الحجة فى القادسية و أدرك عرفات يوم عرفة و قطع المسافة فى تسعة أيام و هو أقل من نصف الزمان الّذي قطع فيه سيدنا الحسين «ع» فانه خرج يوم التروية و وصل الى حوالى الكوفة أول المحرم و كان هو «ع» متسرعا مستعجلا و أما ذم سابق الحاج فباعتبار أن جهده فى السير يمنعه من النوم و الغذاء و الصلاة بطمأنينة و راحة المركوب و كان فائدته الشهرة. (ش).
                       

096
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب نصیحة المؤمن ص 94

نتشاجر في ميراث، فوقف علينا ساعة ثمّ قال لنا: تعالوا إلى المنزل فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم فدفعها إلينا من عنده حتّى إذا استوثق كلّ واحد منّا من صاحبه، قال: أما إنّها ليست من مالي و لكن أبو عبد اللّه عليه السّلام أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شي‏ء أن اصلح و أفتديها من ماله، فهذا من مال أبي- عبد اللّه عليه السّلام.
5- على بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المصلح ليس بكاذب.
6- عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عليّ بن إسماعيل، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ قال: إذا دعيت لصلح بين اثنين فلا تقل عليّ يمين ألّا أفعل.
7- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن محبوب، عن معاوية ابن وهب أو معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: أبلغ عنّي كذا و كذا- في أشياء أمر بها- قلت: فابلّغهم عنك و أقول عنّي ما قلت لي و غير الذي قلت؟ قال:
نعم إنّ المصلح ليس بكذّاب [إنّما هو الصلح ليس بكذب‏]
__________________________________________________
وعده ممن روى عن أبى عبد اللّه «ع» و ورد ذمه في بعض الروايات، و السابق بالباء الموحدة، و الختن بالتحريك زوج بنت الرجل و زوج اخته أو كل من كان من قبل المرأة كالاب و الاخ و نحوه.
قوله (المصلح ليس بكاذب) كما اذا بلغ زيدا من عمرو كلام يسوؤه و يوجب تهييج العداوة و أنت سمعته منه فتلقى زيدا و تقول قد سمعت من عمرو قال: فيك من الخير كذا و كذا خلاف ما سمعته منه، و هذا و ان كان كذبا فى اللغة لانه خلاف الواقع و ليس فيه تورية الا أنه لما كان القصد منه الاصلاح كان جائزا بل قد يكون واجبا فهو ليس بكذب شرعا، و الحاصل أن هذا الكلام صلح لا صدق و لا كذب اصطلاحا و سيجي‏ء أن الكلام ثلاثة صدق و كذب و اصلاح بين الناس، و القسم الاخير و ان كان كذبا لغة لكنه ليس بكذب اصطلاحا لان المراد بالكذب فى الشرع ما لا يطابق الواقع و يذم قائله و هذا لا يذم قائله شرعا فالأولى أن لا يسمي كذبا و لا يطلق الكاذب على المصلح لئلا يتوهم أنه مذموم.

097
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى احیاء المؤمن ص 98

 «باب فى احياء المؤمن»
1- عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: قول اللّه عزّ و جلّ: «مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ ... فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً»؟ قال:
من أخرجها من ضلال إلى هدى فكأنّما أحياها و من أخرجها من هدى إلى ضلال فقد قتلها.
2- عنه، عن علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن فضيل بن يسار قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: قول اللّه عزّ و جلّ في كتابه: «وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً» قال: من حرق أو غرق، قلت: فمن أخرجها من ضلال إلى هدى؟ قال:
ذاك تأويلها الأعظم.
محمّد بن يحيى، عن أحمد و عبد اللّه ابني محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن أبان، مثله.
3- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبيّ، عن أبي خالد القمّاط، عن حمران قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أسألك- أصلحك اللّه-؟ فقال: نعم، فقلت: كنت على حال و أنا اليوم على حال اخرى كنت أدخل الأرض فأدعو الرّجل و الاثنين و المرأة فينقذ اللّه من شاء و أنا اليوم لا أدعو أحدا؟ فقال: و ما عليك أن تخلّي بين النّاس و بين ربهم فمن أراد اللّه‏
__________________________________________________
قوله (من أخرجها من ضلال الى هدى فكأنما أحياها) الحياة الحقيقية عند أهل العرفان هى حياة النفس الانسانية و هى اتصافها بالهداية و العلم و الايمان و الاخلاق المرضية و سائر الكمالات الانسانية، و المراد باحيائها جعلها متصفة بهذه الصفات، و الاحياء فى الآية و ان لم يكن مختصا به لكنه من أفراده تأويلا بل هو من أعظم أفراده كما يرشد إليه الحديث الآتي.
قوله (من حرق أو غرق) ذكر من جملة الاسباب المزيلة للحياة هذين الامرين على سبيل التمثيل، و الضلال يشمل الكفر و الجهل بالولاية و غيرها من القوانين الشرعية و الاحكام النبوية قوله (و ما عليك أن تخلى بين الناس و بين ربهم فمن أراد اللّه أن يخرجه من ظلمة الى نور أخرجه) المراد بالظلمة الكفر و الضلالة و بنور الايمان و الهداية على‏

098
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى احیاء المؤمن ص 98

أن يخرجه من ظلمة إلى نور أخرجه، ثمّ قال: و لا عليك إن آنست من أحد خيرا أن تنبذ إليه الشي‏ء نبذا، قلت: أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً قال: من حرق أو غرق، ثمّ سكت، ثمّ قال: تأويلها الأعظم أن دعاها فاستجاب له.
 (باب) (فى الدعاء للاهل الى الايمان)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن النعمان، عن عبد اللّه ابن مسكان، عن سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ لي أهل بيت و هم يسمعون منّي أ فأدعوهم إلى هذا الأمر؟ فقال: نعم إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول في كتابه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ.
 «باب فى ترك دعاء الناس»
1- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن كليب بن معاوية الصيداوي قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: إيّاكم و الناس، إنّ اللّه عزّ و جلّ إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة فتركه و هو يجول لذلك و يطلبه، ثمّ قال: لو أنّكم إذا كلّمتم الناس‏
__________________________________________________
سبيل التشبيه و الاستعارة و لما كان الناس فى ذلك العصر معاندين للحق و أهله حتى كانوا يقتلونهم لو عرفوا حالهم أشار «ع» أولا الى ترك دعائهم الى الحق لما فيه من صلاح الفرقة الناجية و صلاح أئمتهم و علله بأن من أراد اللّه تعالى أن يخرجه باللطف و التوفيق و الهداية من الباطل الى الحق أخرجه سواء دعاء أهل الحق أم لا و أشار ثانيا الى جواز دعاء من كان قابلا للخير و مستعدا لقبوله و ظن منه ذلك لان فيه أمرا بالمعروف مع انتفاء الظن بالضرر و امكان قبوله.
قوله (فقال نعم ان اللّه عز و جل يقول فى كتابه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ) دل على انه يجب وقاية الاهل من موجبات النار كما يجب وقاية النفس منها. و الوقود بالفتح الحطب و فيه اشارة الى القسمين من الحكمة العملية:
السياسة البدنية و السياسة المنزلية و خص الخطاب بالمؤمنين لانهم المنتفعون به.
قوله (اياكم و الناس ان اللّه عز و جل اذا أراد بعبد خيرا نكت فى قلبه نكتة) دل على ترك دعوة المخالف و الكافر الى الايمان و أركانه و لوازمه و الجهاد معهم لا للجهاد شروطا

099
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى ترک دعاء الناس ص 99

قلتم: ذهبنا حيث ذهب اللّه و اخترنا من اختار اللّه، و اختار اللّه، محمّدا و اخترنا آل محمّد صلّى اللّه عليه و عليهم.
2- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل، عن أبي إسماعيل السرّاج، عن ابن مسكان، عن ثابت أبي سعيد قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا ثابت ما لكم و للناس، كفّوا عن الناس و لا تدعوا أحدا إلى أمركم، فو اللّه لو أنّ أهل السماء و أهل الأرض اجتمعوا على أن يضلّوا عبدا يريد اللّه هداه ما استطاعوا، كفّوا عن النّاس و لا يقول أحدكم: أخي و ابن عمّي و جاري، فإنّ اللّه عزّ و جلّ إذا أراد
__________________________________________________
منها قيام الامام أو نائبه به و هى مفقودة فى عصرهم و عصرنا هذا الى قيام الصاحب «ع» و هذا بالنظر الى الشديد المتصلب المنكر للحق أو مع قيام التقية ظاهر و أما المستعد لقبوله مع عدم التقية فالدعوة باظهار الحق عليه راجحة كما دل عليه بعض الروايات و ارادته تعالى خير العبد اما من باب اللطف به و التفضل عليه فانه عز و جل قد يتفضل عليه و يخرجه من الشقاوة الى السعادة أو لعلمه تعالى بميله الى الحق و استعداده لقبول الخير و على التقديرين نكت فى قلبه نكتة نورانية تؤثر فيه فيضطرب من الباطل و يجول و يطلب الحق حتى يستقر عليه، ثم قال للاشارة الى أقل مراتب الدعوة و اظهار الحق حيث يجوز لو أنكم اذا كلمتم الناس العادلين عن الائمة الطاهرين أو الاعم قلتم ذهبنا حيث ذهب اللّه أى اخترنا طريقا اختاره اللّه تعالى للوصول إليه و التقرب منه اختار اللّه محمدا فاخترناه و قلنا بنبوته و اخترنا آل محمد صلى اللّه عليه و عليهم و فضلناهم على غيرهم، ثم اذا قالوا لم اخترتموهم ذكرتم البراهين من غير مجادلة و هذا القدر كاف فى دعائهم لان القلوب القابلة المشروحة تقبله ان شاء اللّه تعالى.
قوله (يا ثابت ما لكم و الناس كفوا عن الناس و لا تدعوا أحدا الى أمركم) نهى «ع» عن مخاصمة الناس فى أمر الدين و أمر بكف النفس عن الوقوع فيهم و مناظرتهم و عن دعائهم الى أمر الامامة لكون ذلك أصلح للفرقة الناجية ثم أشار الى أن المجادلة لا يترتب عليها أثر مؤكدا بالقسم و قال: لو أن أهل السموات و أهل الارضين لو اجتمعوا و تظاهروا على أن يهدوا عبدا يريد اللّه ضلالته أى عذابه و سلوكه فى الآخرة طريق جهنم بسبب كفره و عصيانه أو يعلم ضلالته عن طريق الخير و أرادوا أن يوصلوه الى طريق الحق طوعا أو كرها ما استطاعوا أن يهدوه لضرورة أن مراد اللّه تعالى و معلومه واقعان لا مرد لهما، و كذا لو اجتمعوا على أن يضلوا عبدا عن طريق الحق يريد اللّه هداه أى اثابته بالجنة أو سلوكه فى الآخرة طريقها بسبب الايمان و الطاعة أو يعلم هدايته و سلوكه طريق الحق ما استطاعوا أن يضلوه لما مر، ثم أمر

100
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى ترک دعاء الناس ص 99

بعبد خيرا طيّب روحه، فلا يسمع بمعروف إلّا عرفه و لا بمنكر إلّا أنكره، ثمّ يقذف اللّه في قلبه كلمة يجمع بها أمره.
3- أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن محمّد بن مروان، عن الفضيل قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ندعو الناس إلى هذا الأمر؟ فقال:
يا فضيل إن اللّه إذا أراد بعبد خيرا أمر ملكا فأخذ بعنقه حتّى أدخله فى هذا الأمر طائعا أو كارها
__________________________________________________
بالكف عن الناس حتى عن الاقارب و دعائهم الى الحق على سبيل التأكيد دفعا للحمية العصبية و علل بأن اللّه اذا أراد بعبد خيرا لطفا و تفضلا أو بواسطة رجوعه إليه و استعداده لقبوله طيب روحه عن العقائد الخبيثة و طهره عن الجهل المركب فلا يسمع بعد ذلك معروفا الا عرفه و أقربه و لا منكرا الا أنكره و عدل عنه، ثم يقذف اللّه فى قلبه لحسن استعداده كلمة يجمع بها أمره و هى أمير المؤمنين و أولاده الطاهرين لانهم كلمات اللّه العليا و آياته الكبرى، و يحتمل أن يراد بها ملك موكل بالقلب لتسديده و ان اردت زيادة التوضيح لهذا الحديث و غيره من أحاديث هذا الباب فارجع الى ما ذكرنا فى باب الهداية من آخر كتاب التوحيد.
قوله (ندعو الناس الى هذا الامر فقال يا فضيل) كان الفضيل توهم بملاحظة كثرة شيعته «ع» أنه يجوز لهم دعوة الخلق علانية الى خلافته «ع» و أنه يجوز له اظهار إمامته على رءوس الاشهاد فمنعه «ع» لانه لم يكن ذلك الزمان ابان ظهور دولة الحق و أخبره بأن الهداية موهبية يدخل فى هذا الامر بدون الدعوة الظاهرة المثيرة للفتن الموجبة لاستيصال الشيعة من شاء اللّه كما هو المشاهد فى هذا العصر و المعلوم فى غيره من الاعصار.
و اعلم أن الانسان مركب من أمرين أحدهما ما يرى و هو هذا البدن و الثانى ما لا يرى و يقال له الروح و النفس الناطقة و القلب و هو حقيقة الانسان عند استكماله و ليس من هذا العالم الجسمانى بل نزل من العالم الروحانى [1] و تعلق بهذا البدن تعلق تصرف و تدبير و البدن‏
__________________________________________________
 [1] قوله «بل نزل من العالم الروحانى» اختلف الحكماء فى وجود النفس قبل البدن فقال بعضهم كانت النفس مجردة غير متعلقة بجسم ثم أهبطها اللّه لحكمة و أسكنها فى البدن ثم يفارقه و يرجع الى عالمه، و قال بعضهم: بل وجدت بعد حصول استعداد البدن و لم يكن قبل ذلك بوجودها الشخصى موجودا بل كان الموجود علتها و هى العقل الفعال المفيض للصور على المواد المستعدة و على هذا فالنزول تعبير عن الصدور عن العلة فان العلة أشرف و أعلى من المعلول و يصح التعبير عن صدور المعلول عنها بالنزول مثل قوله تعالى «وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ» و قوله تعالى وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ و الا

101
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى ترک دعاء الناس ص 99

4- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة عن أبيه قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: اجعلوا أمركم هذا للّه و لا تجعلوه للناس، فإنّه ما كان للّه فهو للّه و ما كان للناس فلا يصعد إلى السّماء و لا تخاصموا بدينكم الناس‏
__________________________________________________
و قواه و آلاته و حواسه خدمة له يحصل له بسببها معرفة صنع اللّه تعالى و آثاره فى عالم المحسوسات و قرب الحق و صفات الملائكة اذا طاب و قهر على خدمه و استعملها فيما هو مطلوب لربه، و أما اذا خبث بغلبة الخدمة عليه بعد عن ربه و اتصف بصفات الشياطين و أنكر المعروف و أهله و أقر بالمنكر و أهله. و اللّه سبحانه رقيب شاهد عليه يلقى إليه المعروف و يوكل إليه ملكا ينفخ فيه الخير و يأمره به فاذا مال إليه ميلا ما و خطر فيه قبوله و علم اللّه منه ذلك طيبه من الرذائل و أيده بالنصرة و التوفيق و أراد به ذلك الخير فيأخذ الملك بأمر اللّه يده و عنقه و يصرفه عن مسلك الباطل الى منهج الخير و عن ولاية الكاذبين الى ولاية الصادقين فيصير غالبا بعد ما كان مغلوبا و يتوجه الى المعروف و يعرض عن المنكر و يثبت فيه كلمة الحق و اللّه يهدى من يشاء الى صراط مستقيم. قوله (اجعلوا أمركم هذا للّه و لا تجعلوه للناس فانه ما كان للّه فهو للّه و ما كان للناس فلا يصعد الى السماء) [1] أى اجعلوا أيتها الفرقة
__________________________________________________
فالحق أن اللّه تعالى جعل مخلوقه فى السير الى الكمال و أن يكون كل يوم أفضل و أكمل من اليوم السابق فكيف يرجع المجرد المحض الى المادة بل المادة تتحرك بالحركة الجوهرية الى التجرد فيصير الجماد نباتا و حيوانا و انسانا مجردا روحانيا يزيد به موجودات العالم العقل، بالجملة فالنزول من العالم الروحانى عبارة عن صدوره عنه بعد استعداد المادة بالحركة الجوهرية لان تصير حاملة لنفس قدسية، فان قيل أ ليست العقول القدسية تباشر أفعالا فى مواد الاجسام و مذهبهم أن ما تحت فلك القمر تحت تدبير العقل الفعال مع تجويزهم أن يكون عقول كثيرة لتدبير المواليد و العناصر فما المانع من أن يكون النفس قبل البدن عقلا لتدبيره كتدبير العقول لعالم الاجسام؟ قلنا كيفية تعلق النفس بالبدن غير تعلق العقول باجسام العالم و يستحيل على العقل المجرد تعلقه بنحو تعلق النفس بل له تعلق آخر نظير تعلق نفوس الاولياء باجسام غير أبدانهم. (ش)
 [1] «فلا يصعد الى السماء» يعنى الى الآخرة و قد يعبر بالسماء و يراد بها ملكوت السماء كما يطلق الانسان و يراد روحه و عقله لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ و قال تعالى لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ و علاقة الاطلاق اشتراكهما فى العلو فالآخرة أعلى من الدنيا و السماء أعلى من الارض، و أما السماء الدنيا

102
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى ترک دعاء الناس ص 99

فإن المخاصمة ممرضة للقلب إنّ اللّه عزّ و جلّ قال لنبيّه صلى اللّه عليه و آله: «إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ» و قال: «أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ»

__________________________________________________
الناجية أمركم فى القول و الفعل و العقد خالصا للّه و لا تجعلوه للناس طلبا للرياء و السمعة فانه ما كان للّه فى الدنيا فهو للّه فى الآخرة و يصعد إليه و ما كان للناس فلا يصعد الى السماء كما يصعد إليها ما كان للّه، و لا تخاصموا بدينكم الناس فان المخاصمة ممرضة للقلب فان كل واحد من المتخاصمين يلقى شبهة على صاحبه و الشبهة مرض القلب و هلاكه و انكم لا تقدرون على هدايتهم ان أراد اللّه تعالى ضلالتهم كيف ان اللّه عز و جل قال لنبيه «إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ» أى لا توصله الى المطلوب أو لا تعينه باللطف و التوفيق «وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ» فاذا لم يكن النبي قادرا على هدايتهم فانتم أولى بعدم القدرة عليها و قال أيضا لنبيه «أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» أنكر اللّه تعالى اكراه نبيه و اجباره اياهم على الايمان تحقيقا لمعنى التكليف و الثواب و الجزاء و تنبيها على عدم قدرته عليه فأنتم أولى بذلك فلا تتعرضوا لهم ذروا الناس و اتركوهم بحالهم و لا تقصدوا مخالطتهم فى دينهم فان الناس اخذوا دينهم عن الناس بما يقتضيه آراؤهم الفاسدة و انكم أخذتم دينكم عن رسول اللّه «ص» و عن على «ع» و لا سواء بينهما و بينهم و لا بينكم و بينهم لانكم حزب اللّه و هم حزب الشيطان فليس فى تركهم مضرة لكم و لا فى مخالطتهم منفعة لكم، ثم أشار الى أن من كتب ايمانه بقلم التقدير و كان مؤمنا فى علم اللّه فهو
__________________________________________________
و هى التى نراها بأبصارنا و زينت بالكواكب كما قال اللّه تعالى «زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ» فليست أقرب الى اللّه تعالى من الارض أما مكانا فواضح و أما فضلا و شرفا فلان الآخرة أقرب إليه تعالى مرتبة، لحياتها و تجردها عن كثافات الدنيا و كونها عالم العقل و الادراك و أما الاجسام الفلكية و الكواكب الثابتة و السيارة فلا فرق من هذه الجهة بينها و بين الارض، و الشرف للموجود المجرد العاقل على المادة الجامدة المقهورة و قد مر فى باب اطعام المؤمن فى الحديث الثالث «من أطعم ثلاثة نفر من المسلمين أطعمه اللّه من ثلاث جنان فى ملكوت السماوات فقيد بالملكوت و الملكوت أصرح فى تجردها، و أما أصل كون الجنة فى السماء فلعله متواتر فى الروايات و يدل عليه قوله تعالى وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى‏ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى‏ عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى‏ و فى حديث المعراج «فلما صرت الى الحجب أخذ جبرئيل بيدى فأدخلنى الجنة فاذا الشجرة من نور فى أصلها ملكان يطويان الحلى و الحلل الى يوم القيامة، فقلت حبيبى جبرئيل لمن هذه الشجرة؟ فقال هذه لاخيك على بن أبى طالب» و عن أبى سعيد الخدرى عن النبي «ص» قال: «ليلة أسرى بى الى السماء أخذ جبرئيل بيدى فادخلنى الجنة» و بالجملة يصعد الاعمال الى الجنة حتى يهيأ للعاملين ثواب على طبقه. (ش)

103
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى ترک دعاء الناس ص 99

ذروا الناس فإنّ الناس أخذوا عن الناس و إنّكم أخذتم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و عليّ عليه السّلام و لا سواء، و إنّي سمعت أبي يقول: إذا كتب اللّه على عبد أن يدخله في هذا الأمر كان أسرع إليه من الطير إلى وكره.
5- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عن ابن اذينة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ خلق قوما للحقّ فإذا مرّ بهم الباب من الحقّ قبلته قلوبهم و إن كانوا لا يعرفونه و إذا مرّ بهم الباب من الباطل أنكرته قلوبهم و إن كانوا لا يعرفونه و خلق قوما لغير ذلك فإذا مرّ بهم الباب من الحقّ أنكرته قلوبهم و إن كانوا لا يعرفونه و إذا مرّ بهم الباب من الباطل قبلته قلوبهم و إن كانوا لا يعرفونه.
6- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الحميد بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة من نور فأضاء لها سمعه و قلبه حتّى يكون أحرص على ما في أيديكم منكم و إذا أراد بعبد سوءا نكت في قبله نكتة سوداء، فأظلم لها سمعه و قلبه، ثمّ تلا هذه الآية
__________________________________________________
يؤمن دعى أم لم يدع بقوله (اننى سمعت أبى يقول ان اللّه اذا كتب على عبد أن يدخل فى هذا الامر كان أسرع إليه من الطير الى و كره) و هو بفتح الواو و سكون الكاف عش الطائر و موضعه الّذي يبنيه من دقاق العيدان و نحوها للتفريخ.
قوله (ان اللّه عز و جل خلق قوما للحق فاذا مر بهم الباب من الحق قبلته قلوبهم) قبول الحق و الباطل و انكارهما ليسا باعتبار أنه خلقهم على ذلك بل باعتبار انهم كانوا كذلك فخلقهم لذلك كما أشرنا إليه سابقا فلا يلزم الجبر فتأمل.
قوله (ان اللّه عز و جل اذا أراد بعيد خيرا نكت فى قلبه نكتة من نور) يعنى اذا أراد اللّه تعالى بعبد خيرا لصفاء قلبه و ميله إليه أو علم منه ذلك نكت فى قلبه نكتة من نور العلم و الايمان أو اللطف و التوفيق و الفيض و هى هدايته الخاصة (فأضاء لها) أى لاجل تلك النكتة النورانية (سمعه و قلبه) و سائر أعضائه فيهتدى كل عضو الى ما هو مطلوب منه و يتوجه إليه و يعرض عن غيره حتى يكون حرصه على الايمان و الولاية أشد من حرصكم عليها كزيادة حرص الجوعان فى الطعام على حرص الشعبان.
 (و اذا أراد بعبد سوءا) لميله الى الباطل و ابطاله لاستعداده الفطرى (نكت فى قلبه نكتة سوداء) هى نكتة الجهل و الكفر و الخذلان الّذي هو سلب اللطف و التوفيق فأظلم لها

104
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى ترک دعاء الناس ص 99

 «فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ».
7- عنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن حمران، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة بيضاء و فتح مسامع قلبه و وكّل به ملكا يسدّده و إذا أراد بعبد سوءا نكت في قلبه نكتة سوداء و سدّ مسامع قلبه و وكّل به شيطانا يضلّه‏
__________________________________________________
 (سمعه و قلبه) فلا يسمع الحق و لا يعقل الخير و هو الختم المانع من ادراك الخير (ثم تلا «ع» هذه الآية) استشهادا لما ذكر (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ)
 أى فمن يرد اللّه أن يهديه الى طريق الجنة فى الآخرة و الى الخيرات [فى الدنيا لميله إليها يشرح صدره للاسلام و يوسعه لقبول أحكامه و معارفه حتى يتأكد عزمه عليها و يقوى الداعى على التمسك بها و ذلك لطف من اللّه تعالى عليه (وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ)
 عن طريق الجنة الى طريق النار و عن سبيل الخيرات و الشرور لابطال استعداده الفطرى بسلب لطفه عنه (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً)
 لانقباضه بقبض الكفر و العصيان و تقيده بقيد الظلمة و الطغيان فهو فى قبول الايمان و لوازمه (كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ)
 فيمتنع دخول الايمان فى قلبه كما يمتنع الصعود فى السماء.
قوله (اذا أراد اللّه بعبد خيرا نكت فى قلبه نكتة بيضاء و فتح مسامع قلبه) اذا أراد اللّه بعبد خيرا و هو الاحسان إليه فى الآخرة بدخول الجنة و فى الدنيا بالهدايات الخاصة مثل اللطف و التوفيق و نحوهما بسبب ميله الى الخيرات و اختيار سبيلها نكت فى قلبه نكتة بيضاء نورانية من هداياته الخاصة و فتح مسامع قلبه و أبواب الحق فيدخل فيه الانوار الربانية و المعارف الايمانية و وكل به ملكا يسدده بالهام الحق و نفخ الصواب فيستضى‏ء جميع جوارحه و يهتدى كل الى عمله و ذلك التسديد يسمى لمة الملك و اذا أراد بعبد سوءا و هو تعذيبه بالنار و سلب اللطف و التوفيق عنه بسبب ميله الى الشرور و سلوك سبيلها نكت فى قلبه نكتة سوداء ظلمانية و سلب اللطف عنه و سد مسامع قلبه التى بها يسمع كلمات الحق و هو الختم و وكل به شيطانا يضله عن سبيل الحق و يلهمه الباطل و تركه معه و خلى بينه و بين اضلاله و هذا الاضلال يسمى لمة الشيطان و قد نقلنا سابقا من طريق العامة ان للشيطان لمة بابن آدم و للملك لمة فأما لمة الشيطان فايعاد بالشر و تكذيب بالحق، و أما لمة الملك فايعاد بالخير و تصديق بالحق فمن وجد ذلك فليحمد اللّه و من وجد الاخرى فليتعوذ من الشيطان الرجيم.

105
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ان الله انما یعطى الدین من یحبه ص 106

 (باب) (ان الله انما يعطى الدين من يحبه)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن حمزة بن حمران، عن عمر بن حنظلة قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: يا أبا- الصّخر إنّ اللّه يعطي الدّنيا من يحبّ و يبغض و لا يعطي هذا الأمر إلّا صفوته من خلقه، أنتم و اللّه على ديني و دين آبائي إبراهيم و إسماعيل، لا أعني عليّ بن الحسين و لا محمّد بن علي و إن كان هؤلاء على دين هؤلاء.
2- الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن عاصم بن حميد، عن مالك بن أعين الجهني قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: يا مالك إنّ اللّه يعطي الدّنيا من يحبّ و يبغض و لا يعطي دينه إلّا من يحبّ.
3- عنه، عن معلّى، عن الوشّاء، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، عن عمر بن حنظلة، و عن حمزة بن حمران، عن حمران. عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ هذه الدّنيا يعطيها اللّه البرّ و الفاجر و لا يعطي الإيمان إلّا صفوته من خلقه.
4- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن النعمان، عن أبي سليمان، عن ميسر قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنّ الدّنيا يعطيها اللّه عزّ و جلّ من أحبّ و من أبغض و إنّ الإيمان لا يعطيه إلّا من أحبّه‏
__________________________________________________
قوله (ان اللّه يعطى الدنيا من يحب و يبغض و لا يعطى هذا الامر الا صفوته من خلقه) المحبوب يجعل الدنيا وسيلة للآخرة و يتزود منها لها و المبغوض قلبه متعلق بالدنيا معرض عن الآخرة و ماله فى الآخرة من خلاق. و مفعول يحب و يبغض محذوف عائد الى الموصول و فاعلهما عائد الى اللّه أو بالعكس و معنى محبة اللّه للعبد كشف الحجاب عن قلبه و تمكينه على أن يطأ بساط قربه و علامة حبه له توفيقه للتجافى عن دار الغرور و الترقى الى عالم النور، و الانس باللّه و الوحشة عما سواه قال بعض العارفين: اذا اردت أن تعرف مقامك فانظر فيما إمامك و معنى بغضه و علامته ضد ذلك و معنى محبة العبد له راجع الى دوام الذكر و الطاعة و الانقياد له و بغضه له ضد ذلك كما صرح به بعض علمائنا و علماء العامة، و صفو الشي‏ء بالفتح لا غير خالصة و الصفوة بالهاء مثله الا أنه يجوز فى الصاد الحركات الثلاث قوله (و لا يعطى دينه الا من يحب) اريد بالدين الايمان الّذي لا يتحقق الا بالولاية

106
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب سلامة الدین ص 107

 (باب سلامة الدين)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النعمان، عن أيّوب بن الحرّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا فقال: أما لقد قسطوا عليه و قتلوه و لكن أ تدرون ما وقاه؟ وقاه أن يفتنوه في دينه.
2- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن أبي جميلة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: كان في وصيّة أمير المؤمنين عليه السّلام لأصحابه: اعلموا أنّ القرآن هدى اللّيل و النهار و نور اللّيل المظلم على ما كان من جهد و فاقة، فإذا حضرت بليّة فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم، و إذا نزلت نازلة فاجعلوا أنفسكم دون دينكم، و اعلموا أنّ‏
__________________________________________________
و هذا الحديث و نظيره فى اللفظ خبر و فى المعنى أمر بطلب الدين و حث على الغبطة بأهله لا بأهل الدنيا.
قوله (فى قول اللّه عز و جل فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا)
 أى شدائد مكرهم و خدعهم و الضمير فى وقاه راجع الى مؤمن آل فرعون. و فى تفسير النيشابورى الاصح أنه كان قبطيا ابن عم لفرعون و اسمه سمعان أو حبيب أو جبرئيل و قيل كان اسرائيليا، و قيل الضمير راجع الى موسى «ع» و يرده قوله «ع» (اما لقد قسطوا عليه و قتلوه) لانهم لم يقتلوا موسى «ع» كما يرد قول من قال من المفسرين انهم لم يقتلوا مؤمن آل فرعون و انه هرب منهم الى الجبل فلم يقدروا عليه. و القسط بالفتح و السكون، و القسوط بالضم الجور يقال: قسط قسطا و قسوطا من باب ضرب جار و عدل عن الحق.
قوله (اعلموا ان القرآن هدى الليل و النهار) ترغيب فى تلاوته فيهما و اقتباس العلوم و الاحكام و الاخلاق منه لانه يهدى الى جميع المقاصد.
 (و نور الليل المظلم على ما كان من جهد و فاقة) يمكن أن يراد بالليل المظلم القلب الجاهل أو المنكدر بظلمة الجهد و الفاقة لان القرآن نوره و الناظر إليه المتدبر بما فيه من الاسرار و الاخلاق و النصائح و المواعظ يعلم كيفية التخلص منها.
 (فاذا حضرت بلية) يمكن دفعها بالاموال (فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم) و وقاية لها لئلا يفوت عنكم النفس و المال جميعا.
 (و اذا نزلت بكم نازلة) توجب فساد الدين لو اخترتم حياة النفس.
 (فاجعلوا أنفسكم دون دينكم) و فداء له و اختاروا البقاء على الدين و الاعتقاد به و ان أوجب ذلك القتل. و فى جعل المال فداء للنفس و جعل النفس فداء للدين ايماء الى ترجيح طلب الدين على طلب المال كيف لا، و المال ينفع فى الدنيا و الدين ينفع فى الآخرة

107
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب سلامة الدین ص 107

الهالك من هلك دينه و الحريب من حرب دينه، ألا و إنّه لا فقر بعد الجنّة، ألا و إنّه لا غنى بعد النّار، لا يفكّ أسيرها و لا يبرأ ضريرها.
3- عليّ، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعيّ بن عبد اللّه، عن فضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سلامة الدّين و صحّة البدن خير من المال و المال زينة من زينة الدّنيا حسنة.
محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد، عن ربعي، عن الفضيل، عن‏
__________________________________________________
و الفضل بينهما كالفضل بين الدنيا و الآخرة ثم أشار الى ان الهلاك منحصر فى هلاك الدين ترغيبا فى تحصيله و الثابت عليه بقوله:
 (و اعلموا أن الهالك من هلك دينه) اما بفواته بالمرة، أو بعدم رعاية ما فيه من الاوامر و النواهى و غيرها.
 (و الحريب من حرب دينه) فى المصباح حرب حربا من باب تعب أخذ جميع ماله فهو حريب و حرب للبناء للمفعول كذلك فهو محروب، و فى القاموس حربه حربا كطلبه طلبا سلب ماله فهو محراب و حريب و الجمع حربى و حرباء، و حريبته ماله الّذي سلب أو ماله الّذي يعيش به (ألا و انه لا فقر بعد الجنة ألا و انه لا غنى بعد النار) أى لا فقر بعد فعل ما يوجب الجنة فان فاعله غنى. و لا غنى بعد فعل ما يوجب النار فان فاعله فقير، و نظيره ما روى عنه «ع» قال: «الفقر و الغنى يظهران بعد العرض و أمثاله من الروايات كثيرة، ثم أشار الى دوام عذاب النار تحذيرا بقوله:
 (لا يفك أسيرها و لا يبرأ ضريرها) أسيرها أسير الشهوات كما روى «حفت النار بالشهوات» أو الداخل فيها المقيد بسلاسلها، و ضريرها من عميت بصيرته و سلك سبيلها و لا يرى سبيل النجاة منها.
قوله (سلامة الدين و صحة البدن خير من المال) أما سلامة الدين فظاهرة لان زواله و فساده يوجب المشقة الاخروية الابدية و عدم المال يوجب المشقة الدنيوية الزائلة. و أما صحة البدن فلانها تنفع بدون المال و المال لا ينفع بدونها و أيضا الغرض من المال حفظ البدن و تدبير صحته و غاية الشي‏ء خير منه، و يمكن أن يراد بصحة البدن صحته عن أمراض الاعمال القبيحة و فيه ترغيب للمؤمن المسكين فى الرضا عن اللّه بهاتين النعمتين و الحمد للّه عليها و أشار بقوله (و المال زينة من زينة الدنيا حسنة) الى وجه التفضيل و الى أن المراد بالمال المال الصالح و هو و ان كان زينة كما قال اللّه عز و جل الْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا لكنه يزول سريعا و الزائل لا عبرة به.

108
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب سلامة الدین ص 107

أبي جعفر عليه السّلام مثله.
4- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن فضّال، عن يونس بن يعقوب، عن بعض أصحابه قال: كان رجل يدخل على أبي عبد اللّه عليه السّلام من أصحابه فغبر زمانا لا يحجّ فدخل عليه بعض معارفه، فقال له: فلان ما فعل؟
قال: فجعل يضجّع الكلام يظنّ أنّه إنّما يعني الميسرة و الدّنيا فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:
كيف دينه؟ فقال: كما تحبّ، فقال: هو و اللّه الغنيّ.
 (باب التقية)
1- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم و غيره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا (قال: بما صبروا على التقيّة) و يدرءون بالحسنة السيّئة» قال: الحسنة التقيّة و السيّئة الإذاعة
__________________________________________________
 (فغبر زمانا لا يحج) غبر غبورا مكث (فدخل عليه بعض معارفه) معارف الرجل شناختهاى أو. واحدها كمقعد (فقال) أبو عبد اللّه «ع» (له) أى لبعض معارفه (فلان ما فعل) و لم تقاعد عن الحج (قال) بعض أصحاب يونس (فجعل) بعض المعارف (يضجع الكلام) أى يقصر فيه و فى أداء المقصود صريحا من ضجع فى الامر تضجيعا اذا وهن فيه و قصر.
 (يظن انما يعنى الميسرة و الدنيا) يعنى تقاعد عن الحج لفقدهما (فقال أبو عبد اللّه «ع» كيف دينه؟ فقال كما تحب فقال هو و اللّه الغنى) تعريف الخبر باللام المفيد للحصر و تأكيده بالقسم للتنبيه على أن الغنى هو الغنى الاخروى الحاصل بسلامة الدين و استقامته. لا ما هو المعروف عند أبناء الدنيا فرب فقير عندهم غنى عند اللّه و بالعكس، و قد روى عنه «ع» أنه قال:
 «الفقر الموت الاحمر فقيل له الفقر من الدينار و الدرهم؟ فقال لا و لكن من الدين».
قوله (بما صبروا على التقية) لعل أحد الاجرين السلامة فى الدنيا و الاخر الثواب فى الآخرة، أو أحدهما للعمل بالتقية ظاهرا و الاخر للاعتقاد بالحق باطنا، و تفسير الحسنة هنا بالتقية و السيئة بالاذاعة أى اذاعة الحديث و غيره من الحقوق اذا ظن لحوق الضرر بأهل الحق لا ينافى تفسيرهما بالعفو و الاخذ لان آيات القرآن تتضمن معانى كثيرة لا تحصى و لا يعلمها الا أهل العصمة عليهم السلام.

109
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب التقیة ص 109

2- ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عمر الأعجمي قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا أبا عمر إنّ تسعة أعشار الدّين في التقيّة و لا دين لمن لا تقيّة له و التقيّة في كلّ شي‏ء إلّا في النبيذ و المسح على الخفّين.
3- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: التقيّة من دين اللّه. قلت: من دين اللّه؟ قال:
إي و اللّه من دين اللّه و لقد قال يوسف: «أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ» و اللّه ما كانوا
__________________________________________________
قوله (أن تسعة أعشار الدين فى التقية) لقلة الحق و أهله و كثرة الباطل و أهله حتى أن الحق عشر و الباطل تسعة أعشار و لا بد لاهل الحق من المماشاة مع أهل الباطل فيها حال ظهور دولتهم ليسلموا من بطشهم و لعل المراد بقوله:
 (و لا دين لمن لا تقية له) نفى الكمال لدلالة بعض الروايات على أن المؤاخذ بترك التقية لا يخرج من الايمان و أن ثوابه أنقص من ثواب العالم بها، و وجوب التقية و الاثم بتركها لا ينافى أصل الايمان و انما ينافى كماله، و أشار بقوله:
 (و التقية فى كل شي‏ء الا فى النبيذ و مسح الخفين) الى أن التقية غير مختص بالاحكام و الاعمال الدينية، بل تكون فى الافعال العرفية أيضا مثل الخلطة بهم و عيادة مرضاهم و نحوها، و أما عدم التقية فى شرب النبيذ و مسح الخفين فقال الشهيد فى الذكرى لعدم وقوع الانكار فيهما من العامة غالبا لان أكثرهم يحرمون المسكر و لا ينكرون خلع الخف و غسل الرجلين بل الغسل اولى منه و اذا قدر خوف ضرر نادرا جازت التقية. و قال الشيخ لا تقية فيهما لاجل مشقة يسيرة لا تبليغ الى الخوف على النفس أو المال و ان بلغت أحدهما جازت و يقرب منه قول من قال لا ينبغى الاتقاء فيهما و ان حصل ضرر عظيم ما لم يؤد الى الهلاك و قيل عدم الاتقاء مختص بالمعصوم عليهم السلام باعتبار أن الاتقاء لا ينفعه لكون الحكم فيها معروفا من مذهبه.
قوله (التقية من دين اللّه قلت: من دين اللّه؟ قال: اى و اللّه من دين اللّه) أى من دين اللّه الّذي أمر عباده بالتمسك به لان أكثر الخلق فى كل عصر لما كانوا من أهل البدع قرر اللّه التقية فى الاقوال و الافعال و السكوت عن الحق لخلص عباده حفظا لنفوسهم و دمائهم و أعراضهم و أموالهم و سبى ذراريهم و ابقاء لدينه الحق، و لو لا التقية بطل دينه بالكلية و انقرض أهله لاستيلاء أهل الجور فللتقية فائدتان: توجب بقاء دين الحق و تحفظ أهله فهى مطلوبة بالعرض و أهلها يقولون ما لا يعتقدون فيسبون مثلا أمير المؤمنين «ع» و يعتقدون خلافته و يغسلون أرجلهم و يعتقدون أن حكمها هو المسح و لا تقية فى العقائد الحقة باعتقاد

110
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب التقیة ص 109

سرقوا شيئا و لقد قال إبراهيم: «إِنِّي سَقِيمٌ» و اللّه ما كان سقيما.
4- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد، و الحسين بن سعيد، جميعا: عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبيّ، عن حسين بن أبي العلاء، عن حبيب بن بشر قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: سمعت أبي يقول: لا و اللّه ما على وجه الأرض شي‏ء أحبّ إليّ من التقيّة، يا حبيب إنّه من كانت له تقيّة
__________________________________________________
خلافها لان العقائد من الاسرار التى لا يعلمها الاعلام الغيوب، و استشهد لجواز وقوع التقية بالآية فقال: (و لقد قال يوسف أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ و اللّه ما كانوا سرقوا شيئا) نسب القول الى يوسف باعتبار أنه أمر به و الفعل ينسب الى الامر كما ينسب الى الفاعل و العير بالكسر القافلة مؤنثة و هذا القول مع انهم لم يسرقوا السقاية ليس بكذب لانه صدر منه لمصلحة يعلمها هو. و قد قيل ان المصلحة هى حبس أخيه عنده بأمر اللّه تعالى لغرض من الاغراض الصحيحة، و يحتمل أن يكون اطلاق السارق عليهم من باب التشبيه فى مجرد اذهاب مال الغير، أو فى مجرد أن صورتهم بعد ظهور السقاية عندهم كصورة السارق و حالة و لذا قالوا:
ان سرق فقد سرق أخ له من قبل» مع ما فيه من تنبيههم بعد علمهم بالقضية على أن ما زعموه من سرقة يوسف مثل هذه فكما لم تكن هذه سرقة عندهم و فى الواقع فكذلك ما زعموه، أو من باب التورية و المعاريض و المقصود انكم لسارقون يوسف من أبيه كما قيل، و ان كان بعيدا لفظا و معنى و لعل الاستشهاد بهذه الآية على التقية هو أن التقية و هى اظهار خلاف الواقع لغرض من الاغراض الصحيحة جائزة كما فى هذا الآية.
 (و لقد قال ابراهيم إِنِّي سَقِيمٌ و اللّه ما كان سقيما) هذا القول مع عدم سقمه ليس بكذب لانه أراد من باب التورية بسقمه حزن القلب و همه من عناد القوم و عبادتهم للاصنام، و مما علمه بالنظر الى النجوم من قتل الحسين «ع» كما روى أو أراد أنه سيصير سقيما كما قيل و لعل الاستشهاد على التقية أنه كان مبغضا و معاندا لهم و كارها للخروج معهم و لم يظهر ذلك عليهم خوفا و تقية و تمسك فى مفارقتهم بما ذكر و اللّه يعلم.
قوله (لا و اللّه ما على وجه الارض شي‏ء أحب الى من التقية) لان بالتقية يعبد الرحمن و يبقى على وجه الارض أهل الايمان.
 (يا حبيب انه من كانت له تقية رفعه اللّه) فى الدنيا بعلمه و بقائه و بقاء أهله و عشيرته و امامه و مجاهدته مع أعداء الحق و غلبته عليهم و عدم ذله بالضرب و القتل و النهب و السبى لان التقية باب من أبواب المجاهدة و جنة فى دفع شرهم و فى الآخرة بالاجر الجميل و الثواب الجزيل لابقاء نفسه و دينه و غيرهما بتلك الحيلة.

111
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب التقیة ص 109

رفعه اللّه، يا حبيب من لم تكن له تقيّة وضعه اللّه، يا حبيب إنّ الناس إنّما هم في هدنة فلو قد كان ذلك كان هذا.
5- أبو عليّ الأشعري، عن الحسن بن عليّ الكوفي، عن العبّاس بن عامر، عن جابر المكفوف، عن عبد اللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اتّقوا على دينكم فاحجبوه بالتقيّة، فإنّه لا إيمان لمن لا تقيّة له، إنّما أنتم في الناس كالنحل في الطير، لو أنّ الطير تعلم ما في أجواف النحل ما بقي منها شي‏ء إلّا أكلته و لو أنّ الناس علموا ما في أجوافكم أنّكم تحبّونا أهل البيت لأكلوكم بألسنتهم و لنحلوكم في السرّ و العلانية، رحم اللّه عبدا منكم كان على ولايتنا.
6- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عمّن أخبره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: «وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لَا السَّيِّئَةُ» قال:
الحسنة: التقيّة و السيّئة: الإذاعة و قوله عزّ و جلّ: «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (السَّيِّئَةَ)» قال: الّتي هي أحسن التقيّة، «فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.
7- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن هشام ابن سالم، عن أبي عمرو الكناني قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا أبا عمرو أ رأيتك لو حدّثتك بحديث أو أفتيتك بفتيا ثمّ جئتني بعد ذلك فسألتني عنه فأخبرتك بخلاف ما
__________________________________________________
 (يا حبيب ان الناس انما هم فى هدنة فلو قد كان ذلك كان هذا) لعل المراد بالناس الفرقة الناجية و الهدنة بالضم الاسم من هدن اذا صلح، و بالفارسية «آشتى» و المقصود أن الفرقة الناجية فى عصر ينبغى لهم الهدنة و المماشاة و التقية مع أهله فمتى كانت هدنة كانت لهم تقية، و اذا زالت الهدنة بخروج القائم «ع» فى ظهور دولة الحق زالت التقية.
قوله (لاكلوكم بألسنتهم و لنحلوكم فى السر و العلانية) أى لاذوكم فالاكل مستعار للايذاء و سابوكم و حسموكم. يقال نحل فلانا اذا سابه و حسمه.
قوله (لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لَا السَّيِّئَةُ)
 فى اللفظ اخبار بعدم المساواة بينهما و فى المعنى أمر باختيار الحسنة على السيئة و فسرهما بالتقية و الاذاعة لانهما من أعظم أفرادهما.
 (قال التى هِيَ أَحْسَنُ التقية) و السيئة على هذا التفسير اما الاذاعة و الضرر الحاصل على تقدير ترك التقية و تفسيرها بالتقية بناء على أن التقية من أفرادها فلا ينافى تفسيرها سابقا بالعفو عن مؤاخذة المسي‏ء.

112
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب التقیة ص 109

كنت أخبرتك أو أفتيتك بخلاف ذلك بأيّهما كنت تأخذ؟ قلت: بأحدهما و أدع الاخر، فقال: قد أصبت يا أبا عمرو أبى اللّه إلّا أن يعبد سرّا أما و اللّه لئن فعلتم ذلك إنّه [ل] خير لي و لكم، [و] أبى اللّه عزّ و جلّ لنا و لكم في دينه إلّا التقيّة.
8- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ عن درست الواسطي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما بلغت تقيّة أحد تقيّة أصحاب الكهف إن كانوا ليشهدون الأعياد و يشدّون الزنانير فأعطاهم اللّه أجرهم مرّتين.
9- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن حمّاد بن واقد اللّحّام قال: استقبلت أبا عبد اللّه عليه السّلام في طريق فأعرضت عنه بوجهي و مضيت، فدخلت عليه بعد ذلك، فقلت: جعلت فداك إنّي لألقاك فأصرف وجهي كراهة أن أشقّ عليك فقال لي: رحمك اللّه و لكن رجلا لقيني أمس في موضع كذا و كذا فقال: عليك السلام يا أبا عبد اللّه، ما أحسن و لا أجمل.
10- علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال: قيل لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ الناس يروون أنّ عليّا عليه السّلام قال على منبر الكوفة: أيّها الناس إنّكم ستدعون إلى سبّي فسبّوني، ثمّ تدعون إلى البراءة منّي فلا تبرّءوا منّي فقال: ما أكثر ما يكذب الناس على عليّ عليه السّلام، ثمّ قال: إنّما قال: إنّكم‏
__________________________________________________
قوله (او افتيتك بفتيا) أفتاه فى الامر أبانه له و الفتيا و الفتوى و يفتح ما أفتى به الفقيه (قلت باحدثهما و ادع الاخر فقال قد اصبت) الاخذ بالاحدث متعين لان الاول ان كان تقية فالاحدث رافع لها و حكم بحسب الواقع و ان كان حكما فى الواقع فالاحدث تقية و العمل بها عند الحاجة متعين و بالجملة الاحدث أصلح للمخاطب فالاخذ به متعين.
 (يا أبا عمرو أبى اللّه الا أن يعبد سرا) أى ابى اللّه فى دولة الباطل أن يعبد الا أن يعبد سرا و العبادة فى السر هى الاعتقاد بالحق قلبا، و اما الظاهر فهو يخالفه كثيرا بالتقية و هى و ان كانت عبادة لكنها عبادة بالعرض كما مر.
قوله (ما بلغت تقية أحد تقية أصحاب الكهف) أى ما بلغت فى الامم السابقة أو فى هذه الامة أيضا لان أعظم التقية فى هذه الامة مع أهل الاسلام المشاركين فى كثير من الاحكام و لا تبلغ التقية منهم الى حد اظهار الشرك، و الزنانير جمع الزنار وزان التفاح و هو ما على وسط النصارى و المجوس. و تزنروا شدوا الزنار على وسطهم.
قوله (انما قال انكم ستدعون الى سبى فسبونى) فيه علمه «ع» بالمغيبات فانه أخبر

113
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب التقیة ص 109

ستدعون إلى سبّي فسبّوني، ثمّ ستدعون إلى البراءة منّي و إني لعلى دين محمّد، و لم يقل: و لا تبرّءوا منّي، فقال له السائل: أ رأيت إن اختار القتل دون البراءة؟ فقال و اللّه ما ذلك عليه و ما له إلّا ما مضى عليه عمّار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكّة وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ، فأنزل اللّه عزّ و جلّ فيه «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ» فقال له: النبيّ صلى اللّه عليه و آله عندها: يا عمّار إن عادوا فعد فقد أنزل اللّه عزّ و جلّ عذرك و أمرك أن تعود إن عادوا
__________________________________________________
بما سيقع و قد وقع لان بنى امية لعنهم اللّه أمروا الناس بسبه «ع» و كتبوا الى عمالهم فى البلاد أن يأمروهم بذلك و قد شاع ذلك حتى أنهم سبوه فى رءوس المنابر. روى مسلم باسناده عن أبى حازم عن سهل بن سعد قال استعمل على المدينة رجل من آل مروان فدعا سهل بن سعد فامره أن يشتم عليا قال: فأبى سهل قال فقال له: اما اذ أبيت فقل لعن اللّه أبا تراب فقال سهل: ما كان لعلى اسم أحب إليه من أبى تراب و انه كان ليفرح اذا دعى به، و عن عامر بن سعد بن أبى وقاص عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبى سفيان سعدا فقال ما منعك أن تسب أبا تراب فقرأ عليه آية المباهلة و حديث أنت منى بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا بنى بعدى و حديث الراية.
 (ثم ستدعون الى البراءة منى و انى لعلى دين محمد و لم يقل و لا تبرءوا «1» منى) أخبر «ع» بأن دينه دين محمد «ص» فلا ينبغى البراءة منه باطنا و لم ينهاهم عن البراءة منه ظاهرا عند الحاجة لحفظ النفس فكما يجوز السب عند الضرورة كذلك يجوز البراءة عندها.
قوله (و ما له الا ما مضى عليه عمار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكة و قلبه مطمئن بالايمان) نقلوا ان قريشا أكرهوا عمارا و أبويه ياسرا و سمية على الارتداد فلم يقبله أبواه‏
__________________________________________________
 (1) قوله «و لم يقل لا تبرءوا» و لكن كلامه يدل عليه لتفصيله بين السب و البراءة و الاولى التوجيه الثانى لان البراءة تطلق على فعل القلب و السب على الكلام و فعل اللسان فلا يقال لمن خطر بباله معنى السب أنه سب اذا لم يتلفظ كما يقال لمن نوى الاعراض عن طريقة على «ع» بقلبه انه تبرأ منه، و هذا نظير الحلف و العزم فالحلف فعل اللسان و العزم فعل القلب و مثله التسبيح و التوحيد فالتسبيح قول سبحان اللّه و هو فعل اللسان و التوحيد الاعتقاد بالوحدانية و هو فعل القلب و التعظيم كذلك فعل القلب اذ لم يعهد ذكر، اللّه أعظم، بخلاف التكبير فانه فعل اللسان و هو قول اللّه أكبر فالسب فعل اللسان و هو مجوز و البراءة فعل القلب و هو غير جائز لان التبرى من على «ع» يساوق التبرى من دين محمد «ص» و اما التلفظ بالبراءة فجائز من غير اعتقاد القلب كما يأتى. (ش).

114
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب التقیة ص 109

11- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن هشام الكندي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إيّاكم أن تعملوا عملا يعيرونا به، فإنّ ولد السوء يعيّر والده بعمله، كونوا لمن انقطعتم إليه زينا و لا تكونوا عليه شينا، صلّوا في عشائرهم و عودوا مرضاهم و اشهدوا جنائزهم و لا يسبقونكم إلى شي‏ء من الخير فأنتم أولى به منهم و اللّه ما عبد اللّه بشي‏ء أحبّ إليه من الخب‏ء قلت: و ما الخب‏ء؟
قال: التقيّة.
12- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن معمر بن خلّاد قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن القيام للولاة، فقال: قال أبو جعفر عليه السّلام: التقيّة من ديني و دين آبائي و لا إيمان لمن لا تقيّة له.
13- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن ربعي، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: التقيّة في كلّ ضرورة و صاحبها أعلم بها حين تنزل به‏
__________________________________________________
فقتلوهما و أعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا مكرها فقيل: يا رسول اللّه ان عمارا كفر فقال كلا ان عمارا ملئ ايمانا من قرنه الى قدمه و اختلط الايمان بلحمه و دمه فاتى رسول اللّه «ص» عمارا و هو يبكى فجعل رسول اللّه (ص) يمسح عينيه و قال مالك ان عادوا فعدلهم بما قلت، و التقية عندنا واجبة و المخالفون قالوا تركها أفضل اعزازا للدين.
قوله (اياكم أن تعملوا عملا يعيرونا به فان ولد السوء يعير والده بعمله) العمل يشمل الدينى و العرفى و ترك التقية فى الاول يوجب القتل و نحوه غالبا، و فى الثانى و يوجب التعيير و اللوم و فيه دلالة على أن المعلم الربانى والد روحانى للمتعلم و أن السبب للفعل بمنزلة فاعله و أنه ينبغى رعاية حقوق المخالفين و حسن صحبتهم تقية اذا كان تركها موجبا لتعييرهم للمعلم الربانى بأنه معلم سوء و ذلك نقص لهم بحسب العرف و لعل قوله:
 (و لا يسبقونكم الى شي‏ء من الخير) خبر بمعنى النهى أى لا يغلبوكم على فعل شي‏ء من الخير فانكم أولى بالخير منهم لانكم أهل الخير و هو ينفعكم. و الخب‏ء و الاخفاء و الستر تقول: خبأت الشي‏ء خبأ من باب منع أخفيته و سترته، و المراد به هنا التقية فيها لان اخفاء الحق استاره.
قوله (سالت أبا الحسن «ع» عن القيام للولاة) أى القيام لولاة الجور تواضعا لهم و يفهم جواز القيام للصلحاء و عدم جوازه للاشقياء الا للتقية.
قوله (التقية فى كل ضرورة) و ان لم تكن من الامور الدينية و ان كانت من‏

115
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب التقیة ص 109

14- عليّ، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن محمّد بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: [كان‏] أبي عليه السّلام يقول: و أيّ شي‏ء أقرّ لعيني من التقيّة إنّ التقيّة جنّة المؤمن.
15- عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن محمّد بن مروان قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما منع ميثم رحمه اللّه من التقيّة، فو اللّه لقد علم أنّ هذه الآية نزلت في عمّار و أصحابه «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ».
16- أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن شعيب الحدّاد عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّما جعلت التقيّة ليحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فليس تقيّة.
17- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كلّما تقارب هذا الأمر كان أشدّ للتقيّة.
18- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن إسماعيل الجعفي و معمر بن يحيى بن سام و محمّد بن مسلم و زرارة قالوا: سمعنا أبا جعفر عليه السّلام يقول التقيّة في كلّ شي‏ء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه له.
19- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: التقيّة ترس اللّه بينه و بين خلقه.
20- الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن أحمد بن حمزة، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: خالطوهم بالبرّانيّة و خالفوهم بالجوّانيّة إذا كانت الإمرة صبيانيّة
__________________________________________________
أهل الايمان. قوله (فاذا بلغ الدم فليس تقية) فلا يجوز لاحد قتل معصوم الدم تقية لحفظ نفسه من القتل.
قوله (كلما تقارب هذا الامر كان أشد للتقية) لعل المراد أن التقية فى آخر الزمان قريبا من ظهور القائم «ع» أشد لكثرة الفسوق و الظلم فيه و قلة أهل الصلاح و ضعفهم عن اجراء الاحكام و على ذلك روايات اخر.
قوله (خالطوهم بالبرانية و خالفوهم بالجوانية اذا كانت الإمرة صبيانية) البرانية العلانية من البر و هو الصحراء و الألف و النون من زيادات النسب، و الجوانية السر من الجو

116
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب التقیة ص 109

21- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن زكريّا المؤمن، عن عبد اللّه ابن أسد، عن عبد اللّه بن عطاء قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: رجلان من أهل الكوفة اخذا فقيل لهما: أبرئا من أمير المؤمنين فبرئ واحد منهما و أبى الاخر، فخلّي سبيل الذي برئ و قتل الاخر؟ فقال: أمّا الّذي برئ فرجل فقيه في دينه و أمّا الّذي لم يبرأ فرجل تعجّل إلي الجنّة.
22- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن صالح قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: احذروا عواقب العثرات‏
__________________________________________________
و هو داخل البيت و نحوه، و الإمرة بالكسر الامارة و لعل المراد بكونها صبيانية ميل صاحبها الى اللغو و الباطل و الفتنة كامراء الجور، و فيه حث على التقية و الاخذ بها الى زمان ظهوره القائم عليه السلام.
قوله (أما الّذي برئ فرجل فقيه فى دينه و أما الّذي لم يبرأ فرجل تعجل الى الجنة) فى وصف العامل بالتقية بأنه فقيه فى دينه دلالة واضحة على انه افضل و اجره اكمل لان الفقهاء ورثة الأنبياء ففضله على غيره كفضل الأنبياء، و يؤيده ما رواه أبو عبيدة عن أبى جعفر «ع» قال قال: «يا زياد ما تقول لو أفتينا رجلا ممن يتولانا بشي‏ء من التقية قال:
قلت له أنت أعلم جعلت فداك قال: ان أخذ به فهو خير له و أعظم أجرا و أما التارك للتقية فهو يدخل الجنة و ان كان آثما» لهذا الخبر. و لما روى أنه ان أخذ بها أو جر، و ان تركها أثم و لا منافاة بين الاثم و دخول الجنة «1» على أنه يمكن أن يراد بالاثم قلة الاجر بالنسبة الى الاخذ بها و فى الرواية التى نقلناها اشعار به، و اللّه يعلم.
قوله (احذروا عواقب العثرات) العثرات الزلات و منها ترك التقية و الامر بالحذر من عاقبته التى هى المؤاخذة به أمر بالاخذ بها لان ترك سبب المؤاخذة سبب لعدم المؤاخذة و هو مطلوب‏
__________________________________________________
 (1) قوله «و لا منافاة بين الاثم و دخول الجنة» هذا تحكم بين لان الاثم معصية لا يرضى بها اللّه تعالى فكيف يكون سببا لدخول الجنة و المراد هنا اقتضاء الفعل لا تفضل اللّه تعالى أو كثرة أعماله الحسنة بحيث يستحق العفو و الحق أن التقية تنقسم بانقسام الاحكام الخمسة فان كان تركها موجبا لقتل النفوس و نهب الاموال و ضرر غيره أياما كان، حرم قطعا و صار موجبا لدخول النار، و ان كان سببا لضرر الفاعل فقط و رضى هو به و ترك التقية جاز له، و ان كان موجبا لغلبة الكفار و هدم الدين و تسلط الظلمة و اخفاء حكم اللّه تعالى وجب ترك التقية و هكذا يقال فى المستحب و المكروه (ش).

117
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب التقیة ص 109

23- أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن محمّد بن إسماعيل، عن عليّ بن النعمان، عن ابن مسكان، عن عبد اللّه بن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:
التقيّة ترس المؤمن و التقيّة حرز المؤمن، و لا إيمان لمن لا تقيّة له، إنّ العبد ليقع إليه الحديث من حديثنا فيدين اللّه عزّ و جلّ به فيما بينه و بينه، فيكون له عزّا فى الدّنيا و نورا فى الآخرة، و إنّ العبد ليقع إليه الحديث من حديثنا فيذيعه فيكون له ذلّا في الدّنيا و ينزع اللّه عزّ و جلّ ذلك النور منه.
 (باب الكتمان)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين عليهما السّلام قال: وددت و اللّه أنّي افتديت خصلتين في الشيعة لنا ببعض لحم ساعدي: النزق و قلّة الكتمان.
2- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن أبي اسامة زيد الشحّام قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: امر النّاس بخصلتين فضيّعوهما فصاروا منهما على غير شي‏ء: الصبر و الكتمان.
3- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن يونس بن عمّار، عن‏
__________________________________________________
شرعا و عقلا قوله (و ان العبد ليقع إليه الحديث من حديثنا فيذيعه فيكون له ذلا فى الدنيا و ينزع اللّه عز و جل ذلك النور منه) ذله بالقتل و الضرب و نحوهما و المراد بذلك النور النور الّذي نشأ من كتمان الحديث و العمل بالتقية و لا ينافى ذلك ثبوت نور الايمان و غيره له و هو يدخل بذلك الجنة و يفهم منه أنه أقل أجرا من العامل بالتقية كما مر.
قوله (وددت و اللّه أنى افتديت خصلتين فى الشيعة لنا ببعض لحم ساعدى النزق و قلة الكتمان) افتدى به أعطاه شيئا فأنقذه و ذلك الشي‏ء المعطى الفداء. و نزق كسمع و ضرب طاش و خف و كتم السر و الحديث اذا أخفاهما و لما كانت التقية شديدة فى عصرهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بكتمان أسرارهم و إمامتهم و أحاديثهم و أحكامهم المختصة بمذهبهم عن المعاندين و غيرهم ممن لا يعرفونه ليحفظوا من بطشهم و قد بالغ «ع» فى ذلك و رغب فيه حتى أنه عد ضررهم أشد من قطع لحم الساعد مع أنه يقتل غالبا.
قوله (الصبر و الكتمان) أى الصبر عن اذى الاعداء أو الاعم منه و كتمان الدين عن غير أهله و فيه ترغيب فى الاخذ بهما لانه سبب عظيم لحفظ الدين و أهله.

118
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکتمان ص 118

سليمان بن خالد قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا سليمان إنّكم على دين من كتمه أعزّه اللّه و من أذاعه أذلّه اللّه.
4- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّه بن بكير عن رجل، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: دخلنا عليه جماعة، فقلنا: يا ابن رسول اللّه إنّا نريد العراق فاوصنا، فقال أبو جعفر عليه السّلام: ليقوّ شديدكم ضعيفكم و ليعد غنيّكم على فقيركم و لا تبثّوا سرّنا و لا تذيعوا أمرنا و إذا جاءكم عنّا حديث فوجدتم عليه شاهدا أو شاهدين من كتاب اللّه فخذوا به و إلّا فقفوا عنده، ثمّ ردّوه إلينا حتّى‏
__________________________________________________
قوله (يا سليمان انكم على دين من كتمه أعزه اللّه و من اذاعه أذله اللّه) تنكير دين للتعظيم لانه عظيم فى الواقع و عند أهله أو للتحقير باعتبار أنه حقير عند الناس. و المراد أن من كتمه و صانه من غير أهله و من لا يعرف حاله أعزه اللّه تعالى فى الدنيا و الآخرة و من أذاعه و أفشاه أذله اللّه تعالى فيهما بالاخذ و العقوبة. و هو اما دعاء أو خبر و أما من عرف حاله و أمانته و حفظه للسر فلا يجب الكتمان منه كما يدل عليه ما يجي‏ء من خبر عبد الاعلى من أبى عبد اللّه «ع» و يدل عليه أيضا قول أمير المؤمنين «ع» و الطمأنينة الى كل أحد قبل الاختبار عجز» أراد «ع» النهى عن طمأنينة الشخص الى آخر بالاعتماد عليه قبل الاختبار و اظهار السر عنده لان الاخلاق الذميمة من الحسد و الكفر و اعتقاد خلاف الحق و غيرها غالبة فى أكثر الناس و نقل عنه‏
لا تودع السر الا عند ذى كرم             و السر عند كرام الناس مكتوم‏
السر عندى فى بيت له غلق             قد ضاع مفتاحه و الباب مختوم.

قوله (ليقو شديدكم ضعيفكم) بالاغاثة و الاعانة و رفع الظلم (و ليعد غنيكم على فقيركم) عاد بمعروفه من باب قال، أفضل، و الاسم العائدة و هى المعروف و الصلة و العطف و المنفعة (و لا تبثوا سرنا) و هو الاحكام المخالفة لمذهب العامة و نحوها (و لا تذيعوا أمرنا) و هو أمر الامامة و الخلافة و غيرها من صفات كمالهم و آثار جلالهم و اذاعتها كانت موجبة لأذاهم و قتلهم و قتل شيعتهم اذ كانوا فى زمان شديد و كان الناس يفتشون أحوالهم و يقتلون أشياعهم و أتباعهم و من دان بسيرتهم بل كثيرا ما كانوا بصفة المنافقين يظهرون الانقياد و التسليم و يخفون خبائث قلوبهم و يمشون مع أهل الحق ظاهرا ليأخذوا منهم الاسرار و ينقلوها الى الاشرار كما سيظهر سر ذلك لمن نظر فى كتب السير و الاخبار فلذلك بالغوا عليهم السلام فى كتمان السر و الايمان من أهل البغى و العدوان، و أما اظهاره عند الامناء و أهل التسليم فأمر مطلوب لئلا يندرس الدين بمرور الازمنة و الايام و يبقى آثاره الى ظهور الامام «ع».
قوله (و إلا فقفوا عنده ثم ردوه إلينا) أى لا تنكروه و لا تردوه لعله صدر منا و نزل‏

119
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکتمان ص 118

يستبين لكم، و اعلموا أنّ المنتظر لهذا الأمر له مثل أجر الصائم القائم، و من أدرك قائمنا فخرج معه فقتل عدوّنا كان له مثل أجر عشرين شهيدا، و من قتل مع قائمنا كان له مثل أجر خمسة و عشرين شهيدا.

5- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن عبد الأعلى قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّه ليس من احتمال أمرنا التصديق له و القبول فقطّ، من احتمال أمرنا ستره و صيانته من غير أهله فأقرئهم السّلام و قل لهم: رحم اللّه عبدا اجترّ مودّة النّاس إلى نفسه، حدّثوهم بما يعرفون و استروا عنهم ما ينكرون، ثمّ قال: و اللّه ما الناصب لنا حربا بأشدّ علينا مئونة من الناطق علينا بما نكره، فاذا عرفتم من عبد إذاعة فامشوا إليه و ردّوه عنها، فإن قبل منكم و إلّا فتحمّلوا عليه بمن يثقل عليه و يسمع منه، فانّ الرّجل منكم يطلب الحاجة فيلطف فيها حتّى تقضى له، فالطفوا في حاجتي كما تلطفون في حوائجكم فإن هو قبل منكم و إلّا فادفنوا كلامه تحت أقدامكم و لا تقولوا: إنّه يقول و يقول. فإنّ ذلك يحمل عليّ و عليكم، أما و اللّه لو كنتم‏

______________________________
من اللّه على نبيه فيخرجكم انكاره الى الكفر هذا اذا لم يعلم أصول مذهبهم عليهم السلام و لم يعلم وجه صحته و لا وجه فساده كما يرشد إليه قول أبى عبد اللّه «ع» «انما الامور ثلاثة أمر بين رشده فيتبع، و أمر بين غية فيجتنب، و أمر مشكل يرد علمه الى اللّه و الى رسوله «ص» (و من أدرك قائمنا فخرج معه فقتل عدونا كان له مثل أجر عشرين شهيدا) دل على أن ضرر المخالفين من هذه الامة و اثمهم أعظم من ضرر المنكرين لمحمد «ص» و اثمهم. ألا ترى أن ضرر العدو الداخلي أعظم من ضرر العدو الخارجى.

قوله (من احتمال أمرنا ستره و صيانته من غير أهله) و هو الّذي علم انكاره أو جهل حاله مع احتمال عدم قبوله لهذا الامر. و بهذا الخبر يجمع بين الروايات المختلفة فما دل على الكتمان يحمل على الكتمان من غير أهله و ما دل على الاعلان يحمل على الاعلان بأهله ثم أشار الى أن الكتمان انما هو مطلوب فى الامور المنكرة عند اهل الخلاف دون المعروفة بقوله (حدثوهم بما يعرفون و استروا عنهم ما ينكرون) و ذلك أن الامور الدينية و الاحكام الشرعية بعضها مشترك بين الفريقين و بعضها مختص بالفرقة الناجية و هم يعرفونها دون غيرهم فأمر «ع» بتحديث الاول لينتشر علم الدين و استار الثانى تحفظا عن ضرر المعاندين ثم أشار «ع» الى شرفه بحسب النسب و العلم للحث على اتباعه فيما يقول و يأمر بقوله:

120
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکتمان ص 118

تقولون ما أقول لأقررت أنّكم أصحابي، هذا أبو حنيفة له أصحاب، و هذا الحسن البصري له أصحاب، و أنا امرؤ من قريش، قد ولدني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و علمت كتاب اللّه و فيه تبيان كلّ شي‏ء بدء الخلق و أمر السماء و أمر الأرض و أمر الأوّلين و أمر الآخرين و أمر ما كان و أمر ما يكون، كأنّي أنظر إلى ذلك نصب عيني.
6- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم. عن الرّبيع بن محمّد المسلي، عن عبد اللّه بن سليمان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال لي: ما زال سرّنا مكتوما حتّى صار في يد [ي‏] ولد كيسان فتحدّثوا به في الطريق و قرى السّواد
__________________________________________________
 (و أنا امرئ من قريش قد ولدنى رسول اللّه «ص» و علمت كتاب اللّه) قد ذكرنا فى باب تاريخ مولد النبي «ص» أن قريشا من أين تقرشت و وجه التسمية و أن سائر العرب ليسوا بكفو القريش و فيه دلالة على أن ابن بنت الرجل ابن له حقيقة كما فى قوله «ص» عن الحسنين عليهما السلام «هذان ابناى امامان» لان الاصل فى الاطلاق الحقيقة و هو مذهب بعض أصحابنا و قال بعض الاصحاب أنه ابن مجازا لاستعمال اللغة و للرواية عن الكاظم «ع» و هو «ع» علم جميع ما فى كتاب اللّه تعالى بتأييد ربانى و إلهام لدنى و تعليم أبوى و اعلام نبوى.
 (و فيه تبيان كل شي‏ء) تبيان بالكسر و الفتح شاذ مصدر الثلاثى المجرد بمعنى واضح گردانيدن و آشكار كردن بر وجه كمال.
 (بدء الخلق و أمر السماء و أمر الارض و أمر الاولين و أمر الآخرين و أمر ما كان و أمر ما يكون) البدء بالفتح و السكون الابتداء يعنى آغاز كردن و أول آفريدن و أول كارى كردن و هو و ما عطف عليه بدل أو بيان لكل شي‏ء أو مبتداء آخر بترك العاطف أى فيه ابتداء كل خلق و كيفية ايجاده من الملائكة المقربين و المجردات الروحانيين و السموات و الارضين و الجن و الناس أجمعين و كل ما كان و ما يكون الى يوم الدين من الحوادث اليومية و الوقائع الجزئية و الآثار العلوية و السفلية و كل يجرى فى هذا العالم. (كانى أنظر الى ذلك نصب عينى) تأكيد لقوله «و علمت كتاب اللّه» و تقرير له بتشبيه الادراك العقلى بالادراك الحسى لزيادة الايضاح و فيه تنبيه على وجوب رجوع الخلق إليه فى جميع الامور و قد مر مثل ذلك فى آخر باب الرد الى الكتاب و السنة.
قوله (ما زال سرنا مكتوما حتى صار فى يد [ى‏] ولد كيسان فتحدثوا به فى الطريق و قرى السواد) كناية عن تشهيره بين الخلائق، و كيسان لقب مختار بن أبي عبيد

121
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکتمان ص 118

7- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي عبيدة الحذّاء قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: و اللّه إنّ أحبّ أصحابي إليّ أورعهم و أفقههم و أكتمهم لحديثنا، و إنّ أسوأهم عندي حالا و أمقتهم للّذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا و يروى عنّا فلم يقبله اشمأزّ منه و جحده و كفّر من دان به و هو لا يدري لعلّ الحديث من عندنا خرج و إلينا اسند، فيكون بذلك خارجا عن ولايتنا.
8- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن عبد اللّه بن يحيى، عن حريز، عن معلّى بن خنيس قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا معلّى اكتم أمرنا و لا تذعه، فانّه من كتم أمرنا و لم يذعه أعزّه اللّه به في الدّنيا و جعله نورا بين عينيه في الآخرة، يقوده إلى الجنّة، يا معلّى من أذاع أمرنا و لم يكتمه أذله اللّه بد في الدّنيا و نزع النور من بين عينيه في الآخرة و جعله ظلمة تقوده إلى النّار، يا معلّى إنّ التقيّة من ديني و دين آبائي و لا دين لمن لا تقيّة له، يا معلّى إنّ اللّه يحبّ أن يعبد في السرّ كما يحبّ أن يعبد في العلانية، يا معلّى إنّ المذيع لأمرنا كالجاحد له.
9- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن مروان بن مسلم عن عمّار قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام، أخبرت بما أخبرتك به أحدا؟ قلت: لا إلّا سليمان بن خالد، قال: أحسنت أ ما سمعت قول الشاعر:
__________________________________________________
المنسوب إليه الكيسانية.
قوله (و جعله ظلمة تقوده الى النار) اذاعة أمرهم و عدم كتمانه من الخصال الذميمة و كل خصلة ذميمة ظلمة تظلم بها مرآة القلب و تظهر هذه الظلمة فى الآخرة لان الآخرة محل بروز السرائر و تقود صاحبها الى النار كما أن خصال الخير نور يقود صاحبه الى الجنة.
قوله (يا معلى ان التقية من دينى و دين آبائى) التقية، و هى ما يقى صاحبه عن اللائمة و العقوبة، من دين اللّه الى يوم القيامة و من صفات أهل الايمان أن يعلم حقيقتها و حقيقتها و موارد الحاجة إليها. فيقول و يعمل عند الحاجة بخلاف ما يعتقده حفظا لنفسه و ماله و غيره من المؤمنين عن الضرر.
قوله (أحسنت أ ما سمعت قول الشاعر الخ) احسنت للتوبيخ و التقريع كما دل‏

122
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکتمان ص 118

فلا يعدون سرّي و سرّك ثالثا             ألا كلّ سرّ جاوز اثنين شائع‏
 10- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن الرّضا عليه السّلام عن مسألة فأبي و أمسك، ثمّ قال: لو أعطيناكم كلّما تريدون كان شرّا لكم و اخذ برقبة صاحب هذا الأمر، قال أبو جعفر عليه السّلام: ولاية اللّه أسرّها إلى جبرئيل عليه السّلام و أسرّها جبرئيل إلى محمّد صلى اللّه عليه و آله و أسرّها محمّد إلى علي و أسرّها عليّ إلى من شاء اللّه، ثمّ أنتم تذيعون ذلك، من الّذي أمسك حرفا سمعه؟ قال أبو جعفر عليه السّلام: في حكمة آل داود ينبغي للمسلم أن يكون مالكا لنفسه. مقبلا على شأنه، عارفا بأهل زمانه، فاتّقوا اللّه و لا تذيعوا حديثنا، فلو لا أنّ اللّه يدافع عن أوليائه و ينتقم لأوليائه‏
__________________________________________________
عليه ما بعده. قوله (لو أعطيناكم كلما تريدون كان شرا لكم و أخذ برقبة صاحب هذا الامر) الظاهر ان اخذ بصيغة المجهول عطفا على كان و يحتمل أن يقرأ آخذ على صيغة التفضيل عطفا على شرا أى أشد مؤاخذة.
قوله (قال أبو جعفر «ع» ولاية اللّه أسرها الى جبرئيل «ع») الظاهر أنه من كلام أبى- الحسن الرضا نقلا عن جده عليهما السلام و يحتمل أن يكون من المصنف نقلا لحديث آخر بحذف الاسناد و الموصول فى قوله. (و أسرها على الى من شاء اللّه) من اولاده الطاهرين و أهل السر من المؤمنين و قوله (ثم أنتم تذيعون ذلك) اخبار لفظا و معنى و الغرض منه ذمهم للاذاعة و حمله على الانكار بعيد و الاستفهام فى قوله: (من الّذي امسك حرفا سمعه) للانكار أى لم يوجد أحد أمسك كلاما سمعه. و فيه تنبيه على أن الناس كلهم من أهل الاذاعة و انه لا بد من اخفاء السر عنهم.
قوله (ينبغى للمسلم أن يكون مالكا لنفسه) فيبعثها الى ما ينبغى و يمنعها عما لا ينبغى و منه اظهار السر.
 (مقبلا على شأنه) فيتفكر فيما ينفعه و ما يضره ليمكن له طلب الاول و ترك الثانى و فيهما اشارة الى رعاية السياسة البدنية و الحكمة المتعلقة بنفس كل أحد. (عارفا بأهل زمانه) فيعرف حال كل شخص بحسن فراسته و يعلم وصف كل أحد بنور درايته و يميز بين أهل الديانة و أهل الخيانة و يفرق بين صاحب السر و الكتمان و الايمان و بين أهل الاذاعة و الغدر و العدوان (فاتقوا اللّه و لا تذيعوا حديثنا) أى لا تذيعوا حديثنا فى الولاية و الامور المختصة بين من يتصور منهم الضرر اما اذاعة الامور المشتركة، أو المختصة بين من يقبلها و يكتمها من غير أهلها فقد مر أنه لا منع فيها.

123
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکتمان ص 118

من أعدائه، أما رأيت ما صنع اللّه بآل برمك و ما انتقم اللّه لأبي الحسن عليه السّلام و قد كان بنو الأشعث على خطر عظيم فدفع اللّه عنهم بولايتهم لأبي الحسن و أنتم بالعراق ترون أعمال هؤلاء الفراعنة و ما أمهل اللّه لهم فعليكم بتقوى اللّه، و لا تغرّنّكم [الحياة] الدّنيا، و لا تغترّوا بمن قد امهل له، فكأنّ الأمر و قد وصل إليكم‏
__________________________________________________
 (فلو لا أن اللّه يدافع عن أوليائه و ينتقم لاوليائه من أعدائه) كان جواب لو لا محذوف بقرينة المقام أى لم يتخلص أحد من الاولياء من شرهم او لتضرروا منهم و أشار الى الانتقام و الدفع على غير ترتيب اللف بقوله (أما رأيت ما صنع اللّه بآل برمك و ما انتقم اللّه لابى الحسن «ع») دعا أبو الحسن الرضا «ع» عليهم لكمال عداوتهم و شدة عتوهم فأجاب اللّه تعالى دعاءه و انتقم منهم كما هو المشهور (و قد كان بنو الاشعث) أشعث قيس بن الكندى ساكن الكوفة ارتد بعد النبي «ص» فى ردة أهل ياسر و زوجه أبو بكر اخته أم فروة و كانت عوراء فولدت له محمدا و كان من أصحاب على «ع» ثم صار خارجيا ملعونا شديد العداوة لاهل البيت عليهم السلام (على خطر عظيم) من سلطان عصرهم (فدفع اللّه عنهم) شره (بولايتهم لابى الحسن «ع») كما هو المعروف فى السير.
 (و أنتم بالعراق ترون أعمال هؤلاء الفراعنة و ما أمهل اللّه لهم) العراق بالكسر يذكر و يؤنث و هو اقليم معروف محدود من عبادان الى الموصل طولا و من القادسية الى حلوان عرضا و وجه التسمية مذكور فى القاموس و غيره. و العراقان البصرة و الكوفة، و الفراعنة جمع الفرعون و هو كل متمرد عات. و الفرعنة الدهاء و النكر. و فى المصباح هو فعلون أعجمى. و المراد بأعمالهم قتلهم العلماء و الصلحاء و أهل الدين و الايمان و نهبهم أموال الناس و غير ذلك من أعمالهم القبيحة و أفعالهم الشنيعة، و ما مصدرية و الامهال التأخير و لما كان مقتضى ذلك التقية منهم و عدم الاغترار بالدنيا مثلهم أشار «ع» إليهما بقوله.
 (فعليكم بتقوى اللّه و لا تغرنكم [الحياة] الدنيا) أى لا تغلبنكم الدنيا بزهراتها عن مقامكم على الورع و الاقتصاد. و لا يزيلنكم بثمراتها من ثباتكم على التقوى و الاجتهاد لان الدنيا ظاهرها زينة معجبة و باطنها سموم مهلكة. و من التقوى التقية من أهل العناد و اخفاء الحق من أهل الشراد و لما كان ضعفاء العقول قد يغترون بامهال اللّه تعالى أهل المعصية و عدم مؤاخذتهم بها عجالة و يميلون إليها مثلهم نهى «ع» عن ذلك بقوله. (و لا تغتروا بمن أمهل له فكان الامر قد وصل إليكم) أى لا تصيروا مغرورين بمن أمهل اللّه له فى البقاء على المعصية و الركون الى الدنيا و لم يؤاخذهم بها عجالة فكان أمر الآخرة و عقوبتهم فيها أو أمر اهلاكهم أو أمر الصاحب و ظهوره و استيلاؤه على الظلمة أو الجميع و قد وصل إليكم و ليس بينه و بينكم زمان يعتد به.

124
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکتمان ص 118

11- الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن عمر بن أبان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: طوبى لعبد نومة، عرفه اللّه و لم يعرفه الناس، اولئك مصابيح الهدى و ينابيع العلم ينجلي عنهم كلّ فتنة مظلمة، ليسوا بالمذاييع البذر و لا بالجفاة المرائين.
12- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أبي الحسن الاصبهاني‏
__________________________________________________
قوله (طوبى لعبد نومة عرفه اللّه و لم يعرفه الناس) نومة كهمزة الخامل أى الجنة أو طيب العيش أو الحسنى أو الخير لعبد خامل الذكر عرفه اللّه فى مقام طاعته و عبوديته و لم يعرفه الناس فى مشهدهم و فيه ترغيب فى ذكر اللّه تعالى فى جميع الاحوال و الفرار من الناس ليتخلص من أذيهم و لا يكتسب الشرور منهم. (أولئك مصابيح الهدى) لشروق نور المعارف الالهية على مرآة سرهم، و هو ثمرة الاستعداد بالحزن و الخوف و العزلة و مثمر الاهتداء به، و استعار لفظ المصباح لنور معرفتهم لاشتراكهما فى كون كل منهما سببا للهدى استعارة لفظ المحسوس للمعقول و الهداية على درجات منها معرفة طريق الخير و الشر و إليه يرشد قوله تعالى «وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ» و منها هداية الخاص و هى تحصل بالمجاهدات الحسنة و إليها يرشد قوله تعالى «وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا» و منها هداية خاص الخاص و هى من عند اللّه تعالى و لا مدخل للعبد فيها و هى للانبياء و الأوصياء و الاولياء و إليها يرشد قوله تعالى «إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى‏»*.
 (و ينابيع العلم) يخرج منهم العلم الى اراضى القلوب القابلة لبذر المعرفة و الحكمة و زرع الاخلاق الفاضلة و الاعمال الصالحة، و الينابيع جمع الينبوع و هو العين الّذي يخرج منه الماء ففيه استعارة مكنية تخييلية بتشبيه العلم بالماء فى الاحياء و اثبات إلينا بيع له.
 (ينجلى عنهم كل فتنة مظلمة) الفتنة بلا و فساد و آزمايش و جنك و آشوب و عذاب و محنت و وصفها بالمظلمة لانها تسود وجه القلب و تظلم طريق الحق و تمنع من مشاهدته كالظلمة و الانجلاء و التجلى وا اشدن غم و ابر و مانند آن. و المراد ذهاب الفتنة و بعدها عنهم.
 (ليسوا بالمذاييع البذر) المذاييع جمع المذياع بالكسر و هو من لا يكتم سره و البذر بضمتين جمع البذور كصبر جمع صبور، أو جمع بذير كالنذر جمع نذير و هما النمام و من لا يستطيع كتمان سره فيفشيه و ينادى به بين الناس. يقال بذرت الكلام بين الناس كما تبذر الحبوب و تتفرق فى الارض (و لا بالجفاة المرائين) الجفاة جمع الجافى و هو غليظ القلب و الطبع و البعيد عن الصلة و البر و الخير، و المرائين جمع المرائى و هو من يقصد بأعماله من الفعل و القول و المناظرة إراءة الناس لاظهار كماله و اشتهار حاله.

125
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکتمان ص 118

عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: طوبى لكلّ عبد نومة لا يؤبه له، يعرف الناس و لا يعرفه الناس، يعرفه اللّه منه برضوان، اولئك مصابيح الهدى ينجلي عنهم كلّ فتنة مظلمة و يفتح لهم باب كلّ رحمة، ليسوا بالبذر المذاييع و لا الجفاة المرائين و قال: قولوا الخير تعرفوا به و اعملوا الخير تكونوا من أهله و لا تكونوا عجّلا مذاييع، فانّ خياركم الّذين إذا نظر إليهم ذكر اللّه و شراركم المشّاءون بالنميمة، المفرقون بين الأحبّة، المبتغون للبرآء المعايب.
13- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عمّن أخبره قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: كفّوا ألسنتكم و ألزموا بيوتكم، فإنّه لا يصيبكم أمر تخصّون به أبدا و لا تزال الزيديّة لكم وقاء أبدا
__________________________________________________
قوله (طوبى لكل عبد نومة لا يؤبه له) أى لا يبالى به يقال ما وبهت له من باب علم و فى لغة من باب وعد أى ما باليت و ما احتفلت و لا اهممت بشأنه.
 (يعرف الناس و لا يعرفه الناس) أى يعرف أحوال الناس و قبح أعمالهم و سوء أفعالهم و فساد ضمائرهم و خبث عقائدهم بصفاء طبيعته و نور سريرته و ضياء قريحته فيعتزل عنهم و لا يعرفه الناس لذلك (يعرفه اللّه منه برضوان) الظاهر أن «منه» متعلق برضوان، و الضمير عائد الى اللّه و التقديم للحصر، و قوله «برضوان» حال عن ضمير يعرفه أى يعرفه اللّه حال كونه متلبسا برضوان عظيم من اللّه و الرضا و الرضوان ضد السخط.
 (و يفتح لهم باب كل رحمة) أى باب كل أسباب الرحمة و الاحسان من الاعمال و غيرها (و لا تكونوا عجلا) العجل بضم العين و تشديد الجيم المفتوحة جمع عاجل كطلب جمع طالب و جهل جمع جاهل من عجل فلان الى الامر من باب علم سبق إليه و اسرع فهو عاجل و عجل بكسر الجيم و ضمها و عجلان و فيه ترغيب فى التدبر فى الامور و العواقب (المبتغون للبرآء المعايب) البرآء و البراء جمع بري‏ء كالكرماء و الكرام جمع كريم.
قوله (كفوا ألسنتكم و ألزموا بيوتكم فانه لا يصيبكم أمر تخصون به أبدا) أمر بكف اللسان عما لا ينبغى عن اظهار السر عند غير أهله و بلزوم البيت و الاعتزال عن الناس و ترك مخالطتهم و بين فائدتهما بأنه لا يصيبكم مكروه تخصون به أبدا لاجل دينكم لان المكروه لاجل الدين انما يكون مع مخالطة المخالفين و افشاء السر عندهم (و لا تزال الزيدية لكم وقاء أبدا) و ذلك لان الزيدية لا يجوزون التقية و يوجبون الخروج بالسيف و يدعون الخلافة لعلى «ع» فالمخالفون يتعرضون لهم لا لكم اذا اتقيتم و بالجملة هم يظهرون ما تريدون‏

126
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الکتمان ص 118

14- عنه، عن عثمان بن عيسى، عن أبي الحسن صلوات اللّه عليه قال: إن كان في يدك هذه شي‏ء فان استطعت أن لا تعلم هذه فافعل، قال: و كان عنده إنسان فتذاكروا الاذاعة، فقال: احفظ لسانك تعزّ و لا تمكّن النّاس من قياد رقبتك فتذلّ.
15- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن خالد بن نجيح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ أمرنا مستور مقنّع بالميثاق فمن هتك علينا أذلّه اللّه.
16- الحسين بن محمّد، و محمّد بن يحيى، جميعا، عن عليّ بن محمّد بن سعد، عن محمّد بن مسلم، عن محمّد بن سعيد بن غزوان، عن عليّ بن الحكم، عن عمر بن أبان عن عيسى بن أبي منصور قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: نفس المهموم لنا المغتمّ لظلمنا تسبيح و همّه لأمرنا عبادة و كتمانه لسرّنا جهاد في سبيل اللّه، قال لي محمّد بن سعيد: اكتب هذا بالذّهب، فما كتبت شيئا أحسن منه.
 (باب) (المؤمن و علاماته و صفاته)
1- محمّد بن جعفر، عن محمّد بن إسماعيل، عن عبد اللّه بن داهر، عن الحسن‏
__________________________________________________
اظهاره فلا حاجة لكم الى اظهاره حتى تلقوا بايديكم الى التهلكة.
قوله (ان كان فى يدك هذه شي‏ء فان استطعت أن لا تعلم هذه فافعل) هذه غاية المبالغة فى كتمان سرك من أقرب الناس أليك فانه و ان كان من خواصك ليس بأحفظ لسرك منك.
 (فقال احفظ لسانك تعز) فان أكثر المذلة و الخذلان ينشأ من ارسال اللسان و اظهار ما فى الجنان. و لذلك قال أمير المؤمنين «ع» «حفظ ما فى الوعاء بشد الوكاء» و هذا مثل، و المراد منه هنا ان ما فى القلب ان اريد أن لا يطلع غيره مما سوى اللّه المطلع على خفيات الصدور وجب أن يحفظ اللسان. فانه آلة تلف الانسان و مظهر مكنون الجنان.
 (و لا تمكن الناس من قياد رقبتك فتذل) هذا كناية عن الحبس و الاذلال و الاخذ الشديد و نحوها، و كل ذلك مترتب على افشاء السر و ترك التقية. و القياد حبل يشد على عنق البهيمة و تقاد به.
قوله (ان أمرنا مستور مقنع بالميثاق فمن هتك علينا أذله اللّه) أى أخذ اللّه عهدا على‏

127
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

ابن يحيى، عن قثم أبي قتادة الحرّاني، عن عبد اللّه بن يونس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قام رجل يقال له: همّام- و كان عابدا، ناسكا، مجتهدا- إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و هو يخطب، فقال: يا أمير المؤمنين صف لنا صفة المؤمن كأنّنا ننظر إليه؟ فقال:
يا همّام المؤمن هو الكيّس الفطن، بشره في وجهه و حزنه في قلبه، أوسع شي‏ء
__________________________________________________
المقرين بأمرنا على استتاره و كتمانه على المنكرين له فمن هتك علينا باظهاره و رفع الحجاب عنه أذله اللّه لنقض عهده المتضمن للاضرار علينا و الجملة اما دعائية أو اخبارية.
قوله (قام رجل يقال له همام) همام ككشاف و هو همام بن سريح بن بريد بن مرة ابن عمرو بن جابر بن عوف الاصهب. و كان من شيعة على «ع» و أوليائه و كان عابدا ناسكا مجتهدا فى الدين و الاخلاق و الاعمال. قال السيد رضى الدين رضى اللّه عنه روى أنه قال يا أمير المؤمنين صف لى المتقين حتى كانى انظر إليه فتثاقل عن جوابه ثم قال «ع» يا همام اتق اللّه و احسن فان اللّه مع الذين اتقوا و الذين هم يحسنون. فلم يقنع همام بذلك القول حتى عزم عليه، و قال بعض الاعلام تثاقله «ع» عن جوابه لما رأى من استعداد نفسه لاثر الموعظة و خوفه عليه أن يخرج به خوف اللّه الى انزعاج نفسه و صعقها و أمره بتقوى اللّه أى فى نفسه أن يصيبها فادح بسبب سؤاله، و أمره بالاحسان إليها بترك تكليفها فوق طاقتها، و لذلك قال «ع» حين صعق همام «اما و اللّه لقد كنت اخافها عليه» (فقال يا همام المؤمن هو الكيس الفطن) تعريف الخبر باللام و توسيط الضمير لقصد الحصر و التأكيد، و الكيس وزان فلس جودة القريحة. قال ابن الانبارى: العقل و يقال أنه مخفف كيس مثل هين و هين و الاول أصح لانه مصدر من كاس كيسا من باب باع، و اما المثقل و هو المراد هنا فاسم فاعل و الجمع أكياس مثل جيد و أجياد، و الفطنة ذكاء النفس، و رجل فطن بأحواله و امور الدين عالم بوجوههما حاذق و انما قدمهما لانهما مبدءان للمحاربة مع النفس الامارة و آلتان للغلبة عليها (بشره فى وجهه و حزنه فى قلبه) اذ لا يطمئن من اضطرابه لما فات و وقوع التقصير فيه و لا يسكن من روعته لما هوات و توقع التقصير فيه حتى يرفع الحجاب و يدخل الجنة لان الانسان و ان بلغ حد الكمال لا يأمن من النقص و الوقوع فى الخسران، و أما بشره و هو بالكسر طلاقة الوجه و البشاشة و اظهار السرور فلانه من حسن العشرة و كمال الرأفة بالاخوان المؤمنين بخلاف العبوس فانه من علامات الغلظة و التجبر و أمارات أهل النار.
 (أوسع شي‏ء صدرا و أقل شي‏ء نفسا) سعة الصدر و انفراجه عبارة عن انكشافه لقبول ما فى السموات و الارضين و عالم الملك و الملكوت من الاسرار اللاهوتية و الآثار الربوبية و

128
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

صدرا و أذلّ شي‏ء نفسا، زاجر عن كلّ فان، حاضّ على كلّ حسن، لا حقود و لا حسود، و لا وثاب، و لا سبّاب، و لا عيّاب، و لا مغتاب، يكره الرّفعة، و
__________________________________________________
تجليات أنوار الحق. و ذل النفس اشارة الى الاخذ بزمامها و المنع عن مرامها كيلا تتجاوز عن الحدود الشرعية و الآداب العرفية الموافقة للقوانين النبوية أو الى مذلتها و هونها عنده فالاذل على الاول من الذل بالكسر بمعنى السهولة و الانقياد. يقال ذلت الدابة ذلا بالكسر أى سهلت و انقادت فهى ذلول. و على الثانى من الذل بالضم بمعنى الهون و الضعف يقال:
ذل ذلا بالضم و مذلة اذا ضعف و هان.
 (زاجر عن كل فان حاض على كل حسن) أى زاجر نفسه أو غيره أو الاعم و كذا حاض و الحض الحث و التحريض و ذلك لعلمه بأن نفع الاول زائل لا يبقى و نفع الثانى باق لا يفنى و فيه اعلام بصرف همته الى مولاه و اعراضه بالكلية عما سواه طلبا لرضاه.
 (لا حقود و لا حسود و لا وثاب و لا سباب و لا عياب و لا مغتاب) الحقد امساك العداوة، و البغض فى القلب و التربص لفرصتها. و الحقود الكثير الحقد و «لا» للمبالغة فى النفى لا لنفى المبالغة كما قيل فى قوله تعالى وَ ما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ و نحوه و قد صرح به التفتازانى فى شرح التلخيص فلا يلزم ثبوت أصل الفعل و كذا فى البواقى. و الحسد اكراه الرجل نعمة الغير و فضيلته و تمنى زوالها منه مطلقا أو منه إليه و هو من توابع الجهل بالحكمة الالهية و عدم الرضا بالقسمة الربانية. و الوثب و الوثوب بر جستن و العامة تستعمله بمعنى المبادرة و المسارعة الى الامر و الاخذ و هو من لوازم الحمق و خفة العقل، و السب القطع و الطعن و الفحش و الشتم و هو من توابع الانحراف عن الاعتدال فى القوة الغضبية، و العيب النقص و النسبة إليه أيضا فهو لازم و متعد يقال عاب المتاع عيبا فهو عائب و عابه صاحبه فهو معيب و معيوب و الفاعل من هذا عائب و عياب للمبالغة، و الاغتياب ذكر الغائب بما يكرهه و هو فيه و ان لم يكن فيه فهو التهمة و هما من توابع الطغيان فى القوة الشهوية و القوة الغضبية و خفة العقل اذ الشهوية اذا لم تنل من أحد ما ارادت منه تحركت القوة الغضبية الى الانتقام منه و هما من أفراده و العقل لخفته لا يعلم أن الوبال عائد إليه حقيقة.
 (يكره الرفعة و يشنأ السمعة) الشنأ دشمن داشتن شنأه كمنعه و سمعه شنئا و يثلث ابغضه، و السمعة بالضم أو الفتح أو التحريك كارى كه براى شنيدن مردم كنند و آن مانند ريا است أى يكره رفعة القدر و هى بالكسر مصدر رفع ككرم أى شرف و علا قدره فهو رفيع و يشنأ أن يعمل ليرى و يسمع فينوه بذكره، و أما اذا عمل فسمعه الناس و احبوه و اثنوه من غير أن يقصد بعلمه ذلك فقد أعطاه اللّه أجره مرتين.

129
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

يشنأ السمعة، طويل الغمّ، بعيد الهمّ، كثير الصمت، وقور، ذكور، صبور شكور، مغموم بفكره، مسرور بفقره، سهل الخليقة، ليّن العريكة، رصين الوفاء، قليل الأذى، لا متأفّك و لا متهتّك، إن ضحك لم يخرق، و إن غضب لم‏
__________________________________________________
 (طويل الغم بعيد الهم كثير الصمت) طول غمه بسبب تذكر اهوال القيامة و عدم عامه بمآل حاله و بعد همه أى حزنه الّذي يذيبه و يقلقله بسبب تصور التقصير فى العبودية و يمكن أن يراد بالهم القصد و العزم و طول قصده بسبب تعلقه بالاخرة لا بالدنيا، و كثرة صمته بسبب علمه أن الاقوال أكثره فاسدة متعلقة بما لا يعنى و أن الكلام يشغل السر عن التجرد لذكر اللّه و يمنع استكماله بالمعارف و الحكمة و أن الصمت يلحقه بها.
 (وقور ذكور صبور شكور) أى وقور فى الامور العظام الموجبة لاضطراب القلوب و ذكور للّه تعالى و ما يقربه إليه و ما ينفعه فى الآخرة، و صبور فى مكاره الدنيا لثبات قلبه و علو همته عن أحوالها، و شكور فى الضراء و السراء.
 (مغموم بفكره مسرور بفقره) لان فكره فى المبدأ و المعاد و ما يرد على الانسان بعد الموت و عدم علمه بما يفعل به يورث الغم و علمه بمنافع الفقر و مضار الغنى و صعوبة نجاة الاغنياء الا من رحم اللّه يوجب السرور.
 (سهل الخليقة لين العريكة رصين الوفاء قليل الاذى) سهل كضرب و كتف هموار و خوش و نرم. و الخليقة الطبيعة كالعريكة. يقال لانت عريكته اذا انكسرت نخوته و تكبره عند معاملات الناس و هو من اجزاء التواضع. و الرصين بالصاد المهملة المحكم الثابت و الحفى بحاجة صاحبه و فعله مثل كرم يقال رصنه و أرصنه أى أكمله و أحكمه، و فى الاول اشارة الى سهولة طبيعته فى قبول الحق و الاقبال إليه، و فى الثانى الى لين عريكته و عدم نخوته مع الخلق، و فى الثالث الى الثبات على العهد و الوفاء به، و فى الرابع الى عدم وصول اذاه و ضرره الى الخلق.
 (لا متأفك و لا متهتّك) التأفك و التهتك للمطاوعة تقول أفكه- من باب ضرب و علم- فائتفك و تأفك أى لا يبالى ما نسب إليه من الافك و هو الكذب و هتك الستر و غيره من باب ضرب خرقه أو جذبه حتى نزعه من مكانه أو شقه حتى يظهر ما وراه فانتهك و تهتك. و رجل منهتك و متهتك لا يبالى ان يهتك ستره. و ذلك من خفة العقل و سفاهة الرأى كما هو شأن الاجلاف و السقاط الذين لا يبالون بنسبة القبائح إليهم و لا بفعلهم لها.
 (ان ضحك لم يخرق و ان غضب لم ينزق) الخرق بالفتح و السكون الشق. و فعله من باب نصر و ضرب، و بالضم و السكون و بالتحريك الحمق، و فعله من باب علم و كرم، و النزق الخفة و الطيش عند الغضب، و فعله من باب علم و ضرب يعنى ان ضحك لم يشق فاه و لم يفتحه كثيرا حتى‏

130
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

ينزق، ضحكه تبسم، و استفهامه تعلم، و مراجعته تفهم، كثير علمه، عظيم حلمه، كثير الرحمة، لا يبخل، و لا يعجل، و لا يضجر، و لا يبطر، و لا يحيف في حكمه، و لا يجور في علمه، نفسه أصلب من الصلد، و مكادحته أحلى من الشهد، لا جشع، و لا
__________________________________________________
يبلغ القهقهة كما هو شأن الكرماء، أو لم يحمق و لم يضحك كضحك الاحمق الاخرق، و ان غضب على أحد لم يخرجه الغضب الى حد الخفة و الطيش كما هو حال الجهلاء.
 (ضحكه تبسم و استفهامه تعلم و مراجعته تفهم) يعنى ضحكه تبسم غير مشتمل على الصوت لشرف ذاته و غلبة ذكر الموت و ما بعده على قلبه كما نقل من صفاته «ص» انه كان أكثر ضحكه التبسم، و قد يفتر أحيانا و لم يكن من أهل القهقهة، و استفهامه عن الشي‏ء تعلم له لا تعنت، و مراجعته الى الشي‏ء و مذاكرته فيه تفهم له و لآثاره و لوازمه، و الفهم ملكة سرعة الانتقال من الملزومات الى اللوازم من غير مكث.
 (كثير علمه عظيم حلمه كثير الرحمة) الاول اشارة الى صرف همته بالكلية فى تحصيل كمالاته العقلية و النقلية من المعارف اليقينية و الشرائع النبوية و احياء العقل النظرى بها، و الثانى اشارة الى كمال مبالغته فى تعديل قوته الغضبية التى من شأنها الاخذ و البطش و الطغيان و الترفع و التسلط و الغلبة على الاقران حتى حصلت له بذلك ملكة الحلم المقتضية للصفح و الستر و العفو و الاناة و الحنان و الاستكانة، و الثالث اشارة الى بعض لوازم الاول و ملزوم الثانى فان العلم بقباحة الطغيان و شناعة العدوان و سوء عاقبتهما يستلزم الرحمة بعباد اللّه أى الشفقة و الرأفة بهم، و رقة القلب و التعطف عليهم و هى يستلزم الحلم و الصفح عن زلاتهم.
 (لا يبخل و لا يعجل و لا يضجر و لا يبطر) لعلمه بأن البخل و هو منع الواجبات المالية و منع المستحق و السائل مما يفضل عنده من أحسن الاخلاق المهلكة و فعله من باب علم و كرم و ان العجل و هو السرعة الى الامر من غير تفكر فيه و تدبر فى عاقبته يوجب الندامة و الحيرة و فعله من باب علم، و أن الضجر من الحق و هو التبرم و القلق و الاغتمام منه يوجب البعد عنه و الانحراف الى ضده. و فعله من باب علم. و أن البطر و هو بالتحريك النشاط و الاشر و الدهش عن الحق و الحيرة فيه و الطغيان بالنعمة و كراهة الشي‏ء من غير أن يستحق الكراهة و التكبر عند الحق و عدم قبوله يوجب كفران النعمة و سخط الرب و البعد منه، و فعله من باب علم.
 (و لا يحيف فى حكمه و لا يجور فى علمه) لان الحيف فى الحكم بالميل الى الباطل فى فتواه و الجور فى العلم بترك العمل بمقتضاه من توابع النقص فى القوة النظرية و العملية و قوته النظرية فى أقصى مراتب الاعتدال و قوته العملية فى أعلى مراتب الكمال.
 (نفسه أصلب من الصلد و مكادحته أحلى من الشهد) الصلد و يكسر الحجر الصلب‏

131
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

هلع، و لا عنف و لا صلف و لا متكلف و لا متعمق، جميل المنازعة، كريم المراجعة عدل إن غضب، رفيق إن طلب، لا يتهور و لا يتهتك و لا يتجبر، خالص الودّ، وثيق العهد
__________________________________________________
الاملس، و الكدح العمل و السعى فيه، و الشهد بالفتح و يضم العسل وصف نفسه بأنها أصلب من الصلد لانه لا يد للشيطان عليها و لا تنفذ سهام وسوسته فيها، و وصف عمله و مبالغته فى الخيرات بأنه أحلى من العسل فى مذاقه و ميل طبعه اللطيف إليه.
 (لا جشع و لا هلع و لا عنف و لا صلف و لا متكلف و لا متعمق) الجشع بفتح الجيم و كسر الشين الحريص الشديد فى حرصه و هو الّذي يأخذ نصيبه و يطمع فى نصيب غيره. و فعله من باب علم و الهلع بفتح الهاء و كسر اللام. و الهلوع من يجزع فى المصائب و يفزع من الشر و النوائب جزعا شديدا و فزعا عظيما و يطلق على الحريص و الشحيح أيضا. و فعله من باب علم و العنف ككتف و العنيف من لا رفق له فى القول و الفعل. و فعله من باب كرم و يتعدى بالباء و على. و الصلف ككتف من يتكلم بما يكرهه صاحبه و يمدح نفسه و لا خير عنده و يجاوز قدره و يدعى فوق ذلك تكبرا و يكثر القول بما لا يفعل، و فعله من باب علم. و المتكلف المتعرض لما لا يعنيه، و المتعمق المبالغ فى الامور المتشدد فيها و المتنطع فى الكلام الغالى فيه.
 (جميل المنازعة كريم المراجعة) اذ مراجعته من ضروريات الدنيا الى اللّه و طلب رضاه و منازعته مع بنى نوعه اما فى امور الدنيا على وجه لا يؤذيهم، أو فى ترويج مكارم الاخلاق و محامد الافعال و محاسن الامور التى تفاضلت فيها الا ماجد بالحكمة و الموعظة الحسنة (عدل ان غضب رفيق ان طلب) اشارة الى أنه عدل فى القوة الغضبية فلا يكون مفرطا مقصرا بحيث يبطل حدا من حدود اللّه و لا مفرطا متجاوزا فيها عن الحد بحيث يكون ظالما لنفسه و لغيره و بالجملة مالك لزمام تلك القوة يصرفها فيما ينبغى و يمنعها عما لا ينبغى و الى أنه رفيق ان طلب حقه من الغير فلا يعنف به و لا يشدد عليه أو ان طلب الغير منه حقه فلا يماطله و لا يماكسه فطلب على الاول معلوم و على الثانى مجهول.
 (لا يتهور و لا يتهتك و لا يتجبر) التهور الوقوع فى الامر بقلة مبالاة يعنى بى‏باكانه كار كردن. و التهتك خرق الستر يعنى پرده دريدن و پرده برداشتن. و التجبر التكبر.
 (خالص الود وثيق العهد و فى العقد) الود بالحركات الثلاث الحب و العهد الموثق و الذمة و الامانة التى منها الولاية، و العقد الضمان و المقرر بالعقود مثل النذر و غيره يعنى حبه للمؤمنين خالص للّه غير مشوب بغرض آخر و عهده فى الولاية و الامانة و غيرهما محكم لا يعتريه النقص، و عقده مقرون بالوفاء لا يعترضه العذر.
 (شفيق وصول حليم خمول) أى وصول بنفسه الى المؤمنين غير معتزل عنهم أو وصول بنعمته‏

132
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

و في العقد، شفيق، وصول، حليم، خمول. قليل الفضول. راض عن اللّه عز و جل مخالف لهواه، لا يغلظ على من دونه، و لا يخوض فيما لا يعنيه، ناصر للدين، محام عن المؤمنين، كهف للمسلمين، لا يخرق الثناء سمعه و لا ينكي الطمع قلبه، و لا
__________________________________________________
الى الاقربين و ذوى القربى و المساكين. و حليم ذو أناة و تثبت فى الامور كما هو من شعار العقلاء و دثار الكرماء، و خمول ليس من أبناء الدنيا المشهورين بنعيمها.
 (قليل الفضول راض عن اللّه عز و جل مخالف لهواه) أى ليس فى فعله و قوله فضول كثيرة فربما يفعل قليلا من المباحات و يتقول بها لحسن المعاشرة و راض عن اللّه عز و جل بما أعطاه من قسمه و رزقه، و مخالف لهواه بقهره نفسه الامارة و تطويعها بالحياء و حسن السياسة للنفس المطمئنة فنجى عن الهواء و خلص عن الردى و لم يتجاوز فى المأكول و الملبوس و المنكوح و نحوها عن الحدود الشرعية.
 (لا يغلظ على من دونه و لا يخوض فيما لا يعنيه) غلظ الرجل اشتد فهو غليظ و فعله كضرب و كرم. و أغلظ له فى القول اغلاظا خشن عليه و عنفه. و غلظ عليه فى اليمين تغليظا شدد عليه. و الخوض الدخول فى الامر أى لا يغلظ على من دونه فى العلم و العمل و الدنيا و لا يشدد عليه و لا يعنفه و لا يدخل فيما لا يعنيه إذ همته متعلقة بالاخرة و الملاء الاعلى و ما لا يعنيه يضاد ذلك و يمنعه عن الوصول الى مقصده فلذلك يرفضه بالكلية.
 (ناصر للدين محام عن المؤمنين كهف للمسلمين) أى ناصر للدين يروجه بين المؤمنين و يدفع عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و كيد الكائدين و محام عن المؤمنين يحفظهم عن شر المعاندين و يحرسهم عن ظلم الظالمين و جور الماكرين، و كهف للمسلمين لانهم يلجئون إليه فى المكاره و النوائب، و اطلاق الكهف عليه و هو بيت منقور فى الجبل على سبيل الاستعارة، (و لا يخرق الثناء سمعه) أى لا يشقه و لا يدخل فيه لانه يتأبى من استماعه و يستكرهه لعلمه بأن استماعه و الرضا به يوجب اهتزاز النفس و الاعتراف بكمالها و الادلال بخروجها عن حد التقصير و العجب بكمالها و كل ذلك مهلك، و لم يرض أمير المؤمنين «ع» بالثناء عليه مع كمال تقدسه. فقال حين مدحه قوم فى وجهه «اللهم انك أعلم بى من نفسى و انى أعلم بنفسى منهم اللهم اجعلنا خيرا مما يظنون و اغفر لنا ما لا يعلمون».
 (و لا ينكى الطمع قلبه) أى لا يقتل أو لا يجرح الطمع فى الدنيا أو فيما فى أيدى الناس قلبه لسده باب الطمع فلا يدخل فيه حتى يميته أو يجرحه.
 (و لا يصرف اللعب حكمه) اذ ليس له لعب معروف و لا ميل الى الدنيا حتى يصرف حكمه و قضاءه عن اصلاح نفسه و دينه و دين اخوانه المؤمنين.

133
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

يصرف اللعب حكمه، و لا يطلع الجاهل علمه، قوال، عمال، عالم، حازم، لا بفحّاش و لا بطياش، وصول في غير عنف، بذول في غير سرف، لا بختال و لا بغدار و لا يقتفي أثرا، و لا يحيف بشرا، رفيق بالخلق، ساع في الأرض، عون للضعيف، غوث للملهوف، لا يهتك سترا، و لا يكشف سرا، كثير البلوى، قليل الشكوى، إن‏
__________________________________________________
 (و لا يطلع الجاهل علمه) أى لا يعلم الجاهل علمه يقال اطلعه على افتعله اذا علمه او لا يعلو الجاهل علمه و لا يبلغ مبلغه من طلع الجبل كمنع و نصر و علم اذا علاه. و ذلك لانه حكيم يضع علمه و حكمته فى موضعه و يمنعه عن غير أهله.
 (قول عمال عالم حازم) أى كثير القول فى امور الدين و هداية الخلق و كثير العمل لما بعد الموت لان مخالفة القول للعمل عند الخلق قبيح و عند اللّه أقبح و لذلك عابت بقوله «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ» و عالم بالكتاب و السنة و أحوال المبدأ و المعاد و حازم ضابط لامره متقن له آخذ فيه بالثقة لا يرتكب ما يضره فى الدنيا و الآخرة فهو كامل فى قوته النظرية و العقلية و العملية.
 (لا بفحاش و لا بطياش) الفحش القول السيئ و عدوان الجواب و ما يشتد قبحه من الذنوب و كل ما نهى اللّه عز و جل عنه، و الطيش النزق و الخفة و ذهاب العقل. و الطياش من لا يقصد وجها واحدا و ذلك ينشأ بتجاوز القوة الغضبية عن حد الاعتدال و المبالغة فى النفى كما مر و لو اريد نفى المبالغة فللاشارة الى أن الانسان ليس بمعصوم الا من عصمه اللّه تعالى.
 (وصول فى غير عنف بذول فى غير سرف) أى وصول بالمؤمنين فى غير أن يعنف عليهم و يؤذيهم بالقول و الفعل، و العنف مثلثة العين ضد الرفق، و جواد فى اقتصاد و هو من كمال العقل، و السرف بفتحتين ضد القصد و هو اسم من اسرف اسرافا اذا جاوز القصد بالتبذير أو الانفاق فى غير طاعة اللّه.
 (لا بختال و لا بغدار) الغدار من ينقض عهده و لا يفى به، و الختال من يخادع صاحبه، و فى بعض النسخ و لا بختار بالراء و هو الغدار و الخداع.
 (و لا يقتفى أثرا و لا يحيف بشرا) أى لا يتبع أثرا لجهلة لانهم فى واد و هو فى واد آخر أو نقل أخبارهم لانه لغو. و لا يجور بشرا و لا يظلمهم لقيامه على العدل.
 (رفيق بالخلق ساع فى الارض عون للضعيف غوث للملهوف) رفقه بالخلق من توابع سكون قوته الغضبية و الشهوية و وقوفهما على العدل، و سعيه فى الارض لقضاء حوائج المؤمنين و عونه للضعيف و غوثه للملهوف الحزين فى دفع الضر عنهما، و تحصيل النفع لهما من لوازم الكمال فى قوته العقلية (لا يهتك سترا و لا يكشف سرا) أى لا يهتك ستر غيره و فيما

134
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

رأى خيرا ذكره، و إن عاين شرا ستره، يستر العيب، و يحفظ الغيب، و يقيل العثرة، و يغفر الزلة، لا يطلع على نصح فيذره، و لا يدع جنح حيف فيصلحه، أمين، رصين، تقي، نقي، زكي، رضي، يقبل العذر و يجمل الذكر، و يحسن بالناس الظن، و يتهم على الغيب نفسه، يحب في اللّه بفقه و علم، و يقطع‏
__________________________________________________
مر ستر نفسه و التأكيد محتمل و لا يكشف سر غيره أو سر نفسه أو الاعم لعلمه بأن كشفه ليس من صفات العقلاء و سمات الكرماء. و بأنه اذا لم يحفظ سره فغيره أولى بأن لا يحفظه.
 (كثير البلوى قليل الشكوى) البلوى و البلية اسمان من بلاه اللّه بخير أو شر اذا اختبره و امتحنه بهما لانهما شاقان على النفوس، يدل الرضا بهما و الصبر عليهما و ترك الشكاية، على الخلوص فى مقام العبودية كما هو شأن الأنبياء و الأوصياء و من يقتفى أثرهم.
 (ان رأى خيرا ذكره و ان عاين شرا ستره يستر العيب و يحفظ الغيب) لعلمه بأن ذكر خير الغير مطلقا و ان لم يصل إليه و ستر شره و ان وصل إليه، و ستر عيبه و حفظ غيبه من صفات الكرام و خلاف ذلك من نعوت اللئام.
 (و يقيل العثرة و يغفر الزلة) و هما متقاربان و يمكن تخصيص الزلة بالمنطق و العثرة بغيره من الافعال أو تخصيص العثرة بنقض العهد و الوعد و حمل الزلة على غيره و الاقالة فى الاصل فسخ البيع تقول: قلته البيع و أقلته اذا فسخته. و المراد هنا التجاوز عن التقصير على سبيل التشبيه و الاستعارة (لا يطلع على نصح فيذره و لا يدع جنح حيف فيصلحه) أى لا يترك النصح فى موضع ينبغى النصح فيه و لا يدع الميل الى الجور بل يصلحه كما هو شأن الامر بالمعروف و الناهي عن المنكر (أمين رصين تقى نقى زكى رضى) أى أمين لا يضيع ما استحفظه الخلق و الخالق من دينه و كتابه و حدوده. رصين لكونه محكما ثابتا فى أمره و دينه. تقى بالفضائل. نقى عن الرذائل. زكى لكمال قوته العقلية بحيث يدرك المطالب العلية من المبادى الخفية بسهولة لكثرة مزاولتها. رضى عن اللّه بما قسم له أو مرضى عند الخالق و الخلائق.
 (يقبل العذر و يجمل الذكر) قبول عذر الاخوان و ان ضعف من صفات السمحاء و أرباب الايمان و اجمال ذكرهم و تحسينه و تكثيره من سمات الصلحاء و أصحاب العرفان.
 (و يحسن بالناس الظن و يتهم على الغيب نفسه) حسن الظن بالمؤمنين أمر مطلوب كما نطق به القرآن الكريم، و اساءة الظن بهم من وسوسة الشيطان الرجيم و الامر بالحزم منهم كما فى بعض الروايات لا ينافيه لان بناء الحزم على التجويز و الامكان و الغيب على ما صرحوا به يطلق على ما جاء به النبي «ص» و على الايمان به و على الآخرة و ثوابها و عقابها و على قبول الاعمال، و اتهام النفس راجع الى الخوف من تقصيرها و هو محرك‏

135
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

في اللّه بحزم و عزم، لا يخرق به فرح، و لا يطيش به مرح، مذكر للعالم، معلم للجاهل، لا يتوقع له بائقة، و لا يخاف له غائلة، كل سعي أخلص عنده من سعيه، و كل نفس أصلح عنده من نفسه، عالم بعيبه، شاغل بغمه، لا يثق بغير
__________________________________________________
لها الى رعاية الحقوق على وجه الكمال و الى رد ما تحكم به النفس باستعانة الوهم من حسن العقائد و الاعمال و كونها مقبولة واقعة على الوجه المطلوب للّه تعالى و هذا الوهم مبدأ للعجب بالعبادة و عدم التقصير فيها و هو من المهلكات.
 (يحب فى اللّه بفقه و علم و يقطع فى اللّه بحزم و عزم) الفقه هو البصيرة القلبية كما صرح به كثير من أهل العرفان، و العلم هو معرفة الشرائع و بينهما عموم مطلق، و الحزم ضبط الامر و الاخذ فيه بالثقة و الاتقان، و العزم عقد الضمير على الفعل و الاجتهاد و الجد فى الامر و فيه اشارة الى أن حبه و وصله فى اللّه. و بغضه و قطعه فى اللّه لا فى أمر آخر من الاغراض الدنياوية و الهواجس النفسانية و الى أن ذلك لا يتحقق الا فى العالم البصير فى طلب اليقين و فى الحازم العازم فى أمر الدين (لا يخرق به فرح و لا يطيش به مرح) فى المصباح الفرح يستعمل فى معان: أحدهما الاشر و البطر و عليه قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ و الثانى الرضى و عليه قوله تعالى كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ* و الثالث السرور و عليه قوله تعالى فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ و يقال فرح بشجاعته و بنعمة اللّه و بمصيبة عدوه فهذا الفرح لذة القلب بنيل ما يشتهى، و المرح مثل الفرح وزنا و معنى، و قيل أشد من الفرح و فى القاموس الفرح محركة السرور و البطر، و المرح الاشر و البطر و الاختيال و النشاط و التبختر. و فى كنز اللغة فرح شاد شدن و بافراط شادى نمودن كما قال اللّه تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ و مرح از حد در گذشتن به شادى.
 (مذكر للعالم معلم للجاهل) يذكر العالم و يخرجه عن الغفلة. و يعلم الجاهل و يهديه الى طريق الحق و هو ما يصلح له من أمر المعاش و المعاد فهو لنورية ذاته و فعلية صفاته يحتاج إليه الخلائق كلهم (لا يتوقع له بائقة و لا يخاف له غائلة) أى لا يتوقع و لا يخاف لاجل وجوده، و فى المصباح البائقة النازلة و هى الداهية و الشر الشديد و باقت الداهية اذا نزلت و الجمع البوائق. و الغائلة الفساد و الشر، و غائلة العبد إباقه و فجوره و نحو ذلك و الجمع الغوائل و قال الكسائى الغوائل الدواهى و الغول من السعالى و الجمع غيلان و أغوال و كل ما اغتال الانسان فأهلكه فهو غول.
 (كل سعى أخلص عنده من سعيه و كل نفس أصلح عنده من نفسه) و هو تواضع للّه و اعتراف بالتقصير و دليل على تمام عقله و قد مر فى صدر الكتاب انه لا يتم عقل امرئ حتى يرى الناس‏

136
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

ربه، غريب وحيد جريد [حزين‏]، يحب في اللّه و يجاهد في اللّه ليتبع رضاه و لا ينتقم لنفسه بنفسه، و لا يوالي في سخط ربه مجالس لأهل الفقر، مصادق لأهل‏
__________________________________________________
كلهم خيرا منه و انه شرهم فى نفسه.
 (عالم بعيبه شاغل بغمه لا يثق بغير ربه) أما علمه بعيبه فلرجوعه الى نفسه و تفتيشه لاحوالها المذمومة و ليس حاله كحال الجاهل الّذي يجب نفسه فيغفل عن عيبه كما قيل: حبك للشى‏ء يعمى و يصم. و لو قلع عن نفسه علاقة المحبة يرى عيبه كما يرى عيب غيره، و اما شغله بغمه فلعلمه بما يستقبله من المقامات الهائلة و صعاب الامور و عدم علمه بما يفعل به فيه و يورث ذلك غمه باصلاح مآله و شغله بتحسين حاله، و اما عدم وثوقه بغير ربه فلعلمه بأن كل شي‏ء فقير لديه، محتاج إليه، متضرع بين يديه، و أن الوثوق بغيره فى الامر الحقير و الخطير كالوثوق فى الدلالة على الطريق بالاصم الابكم الضرير، أو كالوثوق فى قضاء الحوائج و كشف المضيق بالسائل المستعير أو لانه لا يرى فى الوجود الا اياه فسد عنه طريق الوثوق بما سواه.
 (قريب وحيد جريد) أى قريب بالخلق. وحيد منفرد عنهم. جريد خال عن الرذائل أو عن الميل الى اخلاقهم و صنايعهم، و هذا من أعجب صفات العارف و كالجمع بين الضدين حيث أنه مع اتصافه بكونه مع الكثرة متصف بكونه مع الوحدة الا أن الاول باعتبار كونه من العالم الجسمانى، و الثانى باعتبار كونه من العالم الروحانى فهو بالاعتبار الاول ظفر بالمخالطة و تحمل كلفتها فى مكاسبته و بالاعتبار الثانى صفا فكرته فى امور دينه و آخرته و جرد نفسه عن الاتصاف بأخلاقهم بمداهنته. و فى بعض النسخ حزين بدل جريد.
 (يحب فى اللّه و يجاهد فى اللّه ليتبع رضاه) أشار الى أن حبه لاخوانه المؤمنين و قربات الحق فى اللّه و جهاده بماله و نفسه فى العلم و العمل و تهذيب نفسه فى اللّه لمجرد أن يتبع رضاه و يطأ بساط قربه و يتشرف باكرامه الّذي لاوليائه، و أشار فى السابق الى أن حبه فى اللّه مقرون بالفقه و العلم على أن تكرير بعض الصفات فى المواعظ قد يقصد للتأكيد و المبالغة فى رعايته (و لا ينتقم لنفسه بنفسه و لا يوالى فى سخط ربه) أى لا ينتقم من المتعدى لنفسه بنفسه بل يكله الى ربه، أو يعفو و لا يوالى أحدا فيما فيه سخط ربه و عقوبته لما فيه من العلم و الحلم و الصبر و الكرم، و فى قوله «لنفسه» اشارة الى أنه ينتقم لربه لما فيه من القوة على القيام بالحق و هذا هو الخلق الحسن المحمود لانه لو ترك القيام فى حق اللّه تعالى كان فيه مهانة و لو انتقم لنفسه لم يكن فيه صبر و كان هذا الخلق بطشا فانتفى عنه الطرفان المذمومان و بقى الوسط و خير الامور أوسطها، و فى قوله «بنفسه» اشارة الى أنه ينتقم له ربه عاجلا أو آجلا، (مجالس لاهل الفقر مصادق لاهل الصدق) مجالسته لاهل الفقر الصابرين على الفقد و

137
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

الصدق، موازر لأهل الحق، عون للغريب، أب لليتيم، بعل للأرملة، حفي بأهل المسكنة، مرجو لكل كريهة، مأمول لكل شدة، هشاش، بشاش، لا بعباس و لا بجساس، صليب، كظام، بسام، دقيق النظر، عظيم الحذر، [لا يجهل و إن جهل عليه يحلم‏] لا ينجل و إن نجل عليه صبر، عقل فاستحيى، و قنع فاستغنى، حياؤه يعلو
__________________________________________________
السمل، و مجالسته لاهل الصدق الكاملين فى القول و العمل من دلائل عقله و كمال فضله حيث أنه مع صفاء ذاته و حسن صفاته طلب البركة و الفيض بصحبة الفقراء الصابرين و مصادقة أرباب الصدق و اليقين (موازر لاهل الحق) الموازر الوزير أى يحمل ثقلهم و يعينهم برأيه.
 (عون للغريب أب لليتيم بعل للارملة) لعلمه بأن هؤلاء عاجزون عن تحصيل مطالبهم و ترتيب مقاصدهم و مآربهم. فقام بلطفه الطبيعى و رفقه الجبلى على قضاء حوائجهم، و الغريب من خروج عن وطنه و بعد عن أقربائه و مسكنه. و اليتيم من لا أب له و المؤمنون كلهم غرباء و ايتام فى هذا الاوان عند غيبة صاحب الزمان فاعانتهم مثل اعانة الغريب و اليتيم فى استحقاق الاجر من اللّه الملك الديان.
 (حفى لاهل المسكنة) حفى مهربان و نيك پرسنده (مرجو لكل كريهة مأمول لكل شدة) لكونه معروفا بدفع المكاره و الشدائد و مشهورا به لجريانه على يديه كثيرا و تكرره منه فيتعلق رجاء الخلق و أملهم به عند نزول المكاره و الشدائد عليهم و هذه الخصلة من علامات تثبته بالايمان لانه متى قوى الايمان فى القلب ظهرت آثاره فى الجوارح فيتوجه الى دفع المكاره و الشدائد عن أهلها لكمال الشفقة عليهم.
 (هشاش بشاش لا بعباس و لا بجساس) الهشاش من الهش و هو الارتياح و الرخو و اللين و التبسم و الخفة و النشاط و الفرح عند السؤال عنه و سهولة الشأن فيما يطلب منه. و البشاش من البش و هو طلاقة الوجه و اللطف فى المسألة و الاقبال على أخيك و الضحك إليه و الانس به، و فرح الصديق بالصديق، و العباس من العبس و هو الكلوح يعنى ترش روى شدن، و الجساس من الجس و هو تفحص الاخبار كالتجسس و منه الجاسوس.
 (صليب كظام بسام) الصليب كأمير الشديد أى شديد فى الامور التى ينبغى له حفظها لكونه شجاعا، و كظام يكظم غيظه كثيرا من الّذي له الانتقام منه. بسام يكثر التبسم فى وجه أخيه.
 (دقيق النظر عظيم الحذر) أى دقيق النظر فى الامور خيرها و شرها بدايتها و نهايتها عظيم الحذر مما ينبغى الحذر منه لما فيه من الحدة فى القوة النظرية و الجودة فى القوة العملية.
 (لا ينجل و ان نجل عليه صبر) الظاهر ان لا ينجل بالنون و الجيم من النجل و هو اظهار العيب و نحوه و الطعن و ضرب الرجل بمقدم الرجل ليسقطه كما يفعله المصارع و

138
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

شهوته، و وده يعلو حسده، و عفوه يعلو حقده، لا ينطق بغير صواب، و لا يلبس إلا الاقتصاد مشيه التواضع، خاضع لربه بطاعته، راض عنه في كل حالاته، نيته خالصة، أعماله ليس فيها غش و لا خديعة، نظره عبرة، سكوته فكرة، و كلامه حكمة،
__________________________________________________
الرمى بشي‏ء (عقل فاستحيى و قنع فاستغنى) أى أدرك الخير و الشرك و الطاعة و المعصية فترك الشر و المعصية استحياء من اللّه تعالى و قنع بما رزقه اللّه تعالى فاستغنى عن الخلق أو عن الطلب.
 (حياؤه يعلو شهوته، و وده يعلو حسده، و عفوه يعلو حقده) أى حياؤه من اللّه أو من الخلق أيضا يغلب شهوته و يمنعه من متابعتها، و وده للخلق يغلب حسده عليهم لان بناء الحسد على البغض و العداوة، و عفوه للمسي‏ء يغلب حقده عليه لان الحقد متولد من احتقان الغضب فاذا وقع العفو زال الغضب فيزول الحقد و الحاصل أنه ترك الشهوة بالحياء و الحسد بالود و الحقد بالعفو (لا ينطق بغير صواب) الصواب فضيلة العدل المتعلقة باللسان و هى تقتضى أن يسكت عما ينبغى أن لا يقال، و يقول ما ينبغى أن لا يسكت عنه، و يضع كل قول فى موضعه اللائق به فهو فى مقام العدل دون الافراط و التفريط، و الصواب أخص من الصدق لجواز أن يصدق الانسان فيما لا ينبغى من القول.
 (و لا يلبس الا الاقتصاد) أى لباسه التوسط فى جميع الاحوال و شعاره الاقتصاد فى جميع الاعمال فلا يلبس مثلا ما يلحقه بأهل الخسة و التبذير و لا يأكل ما يدخله فى أهل الاسراف و التقصير و يمكن أن يكون المراد باللباس المعنى المعروف.
 (مشيه التواضع) لكونه على سكون و وقار دون تبختر و اختيال كما هو مشى المتكبرين. و قد نهى اللّه تعالى عن ذلك بقوله «وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا- الآية» و يمكن أن يراد بمشى التواضع المشى للطاعة دون المعصية و قد روى أن اللّه تعالى فرض على الرجلين ان تنقلهما فى طاعته و أن لا تمشى بهما مشية عاص.
 (خاضع لربه بطاعته) اشارة الى أنه راض نفسه بطاعة ربه و عبادته و هى غاية الخضوع و التذليل (راض عنه فى كل حالاته) أى فى حال الشدة و الرخاء، و حال الصحة و النعمة، و حال السقم و البلاء و ذاك من علامات المحبة ضرورة ان المحب راض بجميع ما يرد عليه من الحبيب (نيته خالصة أعماله ليس فيها غش و لا خديعة) خلوص نيته اشارة الى توجه سره الى اللّه تعالى و رفض جميع ما عداه عنه بعد القيام بطاعته الكاسرة للنفس الامارة و هو باب عظيم من أبواب الوصول و سبب تام لاستشراق لوامع الانوار و ظهور بروق الاسرار. و عدم الغش فى اعماله اشارة الى مراعاته جميع الامور المعتبرة فيها، و عدم اخراجه ما هو داخل فيها، و عدم ادخاله ما هو خارج عنها، و عدم الخديعة اشارة الى التوافق بين ظاهره‏

139
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

مناصحا متباذلا متواخيا، ناصح في السر و العلانية، و لا يهجر أخاه، و لا يغتابه، و لا يمكر به، و لا يأسف على ما فاته، و لا يحزن على ما أصابه، و لا يرجو ما لا يجوز له الرجاء، و لا يفشل في الشدة، و لا يبطر في الرخاء، يمزج الحلم بالعلم، و العقل‏
__________________________________________________
و باطنه، و عدم قصده اظهار العبادة و ابطان خلافها كما هو شأن المنافقين المخادعين الذين ليست صلاتهم و ساير عباداتهم الا مكاء و تصدية.
 (نظره عبرة، سكوته فكرة، و كلامه حكمة) العبرة پند گرفتن. و الفكرة بسيار انديشه كردن، و الحكمة تطلق على معان محصولها العلم بالامور النافعة فى الدين و الحمل فى الجميع للمبالغة فى السببية فان النظر الى الدنيا و نعيمها و تصرفها و تقلبها على أهلها و الى أحوال الماضين و انقطاعهم عما كان فى أيديهم و انتقالهم من دار الغرور الى وحشة القبور و اشتغال كل واحد بعمله مثلا سبب للعبرة و السكوت عما لا يعنى سبب للفكرة فى الامور النافعة و الاسرار اللامعة من افق الغيب فان المفهومات الفاسدة المستفادة من الكلمات الباطلة اذا وردت على القلب تمنعه من الفكر فى الحقائق و الكلام سبب لظهور الحكمة و انتشارها فى قلوب المستعدين لها و فيه اشارة الى أنه ساكت عن اللغو متكلم بالحق و ذلك لاستقامة لسانه التابعة لاستقامة قلبه و كماله فى القوة العقلية.
 (مناصحا متباذلا متواخيا) الظاهر أنه حال عن ضمير نظره و فيه اشارة الى سياسته المنزلية و المدنية كما أن فى السابق اشارة الى سياسته البدنية ففيهما اشارة الى أنه حكيم بجميع أقسام الحكمة العملية.
 (ناصح فى السر و العلانية) اشارة الى انه حكيم يعرف موارد النصح و كيفيته فينصح فى السر أن اقتضته المصلحة و ينصح فى العلانية ان اقتضته الحكمة، و يحتمل أن يراد بالسر القلب و بالعلانية اللسان فيكون اشارة الى أن نصحه خالص غير مشوب بالخدعة.
 (لا يهجر أخاه و لا يغتابه و لا يمكر به) هجر المؤمن و اغتيابه بما يكرهه أو يشينه أو يهينه فى الاعين و مكره بإرادة ايصال المكروه إليه من حيث لا يعلم ينشأ من الغيظ و الغضب و الحسد و ميل الطبع الى قطع رحم الاخوة و شي‏ء من ذلك ليس من صفات المؤمن.
 (و لا يأسف على ما فاته و لا يحزن على ما أصابه و لا يرجو ما لا يجوز له الرجاء) الاسف محركة أشد الحزن و فعله من باب علم أى لا يحزن على ما فاته من امور الدنيا أو الاعم و لا على ما أصابه من الفقر و نوائب الدهر و غيرهما مما يثقل على النفس و لا يرجو ما لا يجوز له رجاؤه اما لعدم كونه لائقا به، أو لعدم امكان حصوله لان هذه الخصال ليست من صفات أهل الكمال (و لا يفشل فى الشدة و لا يبطر فى الرخاء) الفشل و الفشل بالتسكين و التحريك الضعف و

140
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

بالصبر، تراه بعيدا كسله، دائما نشاطه، قريبا أمله، قليلا زلله، متوقّعا لأجله، خاشعا قلبه، ذاكرا ربّه قانعة نفسه، منفيّا جهله، سهلا أمره، حزينا لذنبه، ميتة
__________________________________________________
الجبن و فعله من باب علم أى لا يضعف و لا يجبن على الشدة و لا يضطرب منها. بل يكون شجاعا يقدم عليها و يتقبلها بقبول حسن، و لا يبطر أى لا يطغى و لا يتكبر بالرخاء و كثرة النعمة بل يشكر عليه. فمقامه فى الحالين مقام الصبر و الشكر. و هذا غاية كمال النفس فى السكون و التفويض (يمزج الحلم بالعلم و العقل بالصبر) العقل العلم بالاشياء و صفاتها من حسنها و قبحها و كمالها و نقصانها، أو قوة للانسان بها يميز بين الحسن و القبيح، أو هيئة محمودة له فى حركاته و كلامه و الحق أنه روحانى تدرك بها النفس العلوم الضرورية و النظرية و ابتداء وجوده عند اجتنان الولد ثم لا يزال ينمو الى أن يكمل عند البلوغ. و المقصود من هذا الكلام انه عالم حليم و عاقل صبور، و انما ذكر هذين الخلقين أعنى الحلم و الصبر لانهما يستلزمان سائر الاخلاق النفسانية بل جميع الاعمال الصالحة البدنية أيضا. أما الحلم فلانه من اعتدال القوة الغضبية و اعتدالها يستلزم الاعتدال فى القوة الشهوية لان القوة الغضبية معينة للشهوية فى جلب المنافع و دفع المضار فاذا اعتدلت تلك اعتدلت هذه و اعتدالهما تابع لكمال القوة العقلية و استيلائها على الظاهر و الباطن فيضع كل عضو فيما يليق به، و أما الصبر فلان توقف الاخلاق- مثل الورع و التقوى و العفو و حسن الخلق و كظم الغيظ و غيرها- و الاعمال- مثل الصوم و الصلاة و الحج و نحوها و تروك المناهى- عليه أظهر من أن يحتاج الى البيان.
 (بعيدا كسله دائما نشاطه) الكسل محركة التثاقل عن الشي‏ء و الفتور و فعله كفرح، و النشاط بالفتح و يكسر طيب النفس للعمل و غيره و فيه تنبيه على ثباته فى طاعة اللّه و سلوك سبيله، و منشأ ذلك قوة اعتقاده فيما وعد اللّه للعاملين و التصديق بشرف غاية العبادة.
 (قريبا أمله قليلا زلله) أى ليس له طول أمل لاكثاره و ذكر الموت و الوصول الى اللّه تعالى حتى أنه يترقبه آنا فآنا و ليس له زلل و لو وقع لضرورة أو سهوا أو من باب ترك الاولى وقع قليلا نادرا.
 (متوقعا لاجله خاشعا قلبه) اذا خشع قلبه خشعت جوارحه، و الخشوع ثمرة الفكر فى جلال المعبود و ملاحظة عظمته التى هى روح العبادة، و انتظار الاجل من أشد الجواذب عن الدنيا الى اللّه تعالى و الشوق الى لقائه و الحزن من ألم فراقه حتى يبلغ ذلك الى غاية لا يستقر روحه فى جسده لو لا الاجل الّذي كتب له و هذا الشوق اذا بلغ حد الملكة يستلزم دوام ذكره لربه و قناعة نفسه بقليل من الدنيا و هو قدر الضرورة كما قال.
 (ذاكرا ربه قانعة نفسه) و يعين على ذلك تصور الفرق بين الحاضرة و الغائبة و التصديق‏

141
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

شهوته، كظوما غيظه، صافيا خلقه، آمنا منه جاره، ضعيفا كبره، قانعا بالّذي قدّر له، متينا صبره، محكما أمره كثيرا ذكره، يخالط الناس ليعلم، و يصمت ليسلم‏
__________________________________________________
بعدم المساواة بين الذاكر و الغافل و بين القانع و الحريص فى الآخرة.
 (منفيا جهله سهلا أمره) لاتصاف نفسه بالعلوم و ظهور آثار الحكمة فيه و عدم تكلفه لاحد و عدم تكلف أحد له لان المؤمن خفيف المئونة.
 (حزينا لذنبه ميتة شهوته) حزنه ثمرة الخوف من اللّه و التقصير فى رعاية حقوقه، و لفظ الموت مستعار لخمود شهوته عما حرم عليه و ما لا يليق به و هو العفة.
 (كظوما غيظه صافيا خلقه) كظم الغيظ رده و حبسه من فضائل القوة الغضبية و أعظم الخصائل البشرية، و صفاء الخلق أعنى خلوصه من الغش و الامتزاج بضده من أعظم صفات الايمان و أفخم سمات الايقان.
 (آمنا منه جاره ضعيفا كبره) أمن جاره من ضره و شره و بوائقه و غوائله لكونه أمينا صالحا حافظا لوصية اللّه و وصية رسوله فى الجار و ضعف كبره و سلبه عن نفسه لعلمه بأن الكبر صفة أهل الجور و خلق أهل النار، و أن التواضع و التذلل من وصف الصالحين و حال أهل الجنة و شأن المؤمنين كما قال اللّه تعالى «قالُوا أَ نُؤْمِنُ لَكَ وَ اتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ» و قال تعالى «أَ هؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا».
 (قانعا بالذى قدر له متينا صبره محكما أمره كثيرا ذكره) قناعته بما قدر له تابع لعلمه بأن فيها راحة الدارين و انقياده لحكمة اللّه تعالى فى تقدير المعاش و تقسيم الارزاق، و صرف نفسه عن الهوى و كسر حرصه فى الدنيا و متانة صبره و قوته على أثقال النفس من الاعمال و التروك و المصائب و النوائب لتوطينه عليها حتى صار الصبر ملكة له بحيث لا يضعفه شي‏ء من المكاره و احكام أمره لقوة رأيه و كمال عقله و شدة عزمه لان خفيف الرأى و سخيف العقل و ضعيف العزم أمره مضطرب و كثرة ذكره بالقلب و اللسان و سائر الاركان لتوجهه بالكلية الى مولاه و تطهير قلبه عن نقش ما سواه.
 (يخالط الناس ليعلم و يصمت ليسلم و يسأل ليفهم و يتجر ليغنم) أى يخالط الناس ليعلم القوانين الشرعية و الآداب النبوية أو ليعلم أحوالهم و خيرهم و شرهم للعبرة، و يصمت عن الحق أو الاعم منه ليسلم من شرهم، و يسأل العالم ليفهم ما لم يعلم امتثالا لقوله تعالى فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ* و يتجر فى الدنيا بالعلم و العمل و الجهاد بالنفس و المال ليغنم فى الآخرة كما قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى‏ تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْر

142
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

و يسأل ليفهم و يتجر ليغنم، لا ينصت للخبر ليفجر به، و لا يتكلّم ليتجبّر به على من سواه، نفسه منه في عناء و الناس منه في راحة، أتعب نفسه لآخرته، فأراح النّاس من نفسه، إن بغي عليه صبر حتّى يكون اللّه الّذي ينتصر له، بعده ممّن تباعد منه بغض و نزاهة، و دنوّه ممّن دنا منه لين و رحمة، ليس تباعده تكبّرا و لا عظمة، و لا دنوّه خديعة و لا خلابة، بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير، فهو إمام لمن بعده من أهل البرّ
__________________________________________________
لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ يُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ و بالجملة فيه اشارة الى جميع ما يحتاج إليه السالك و هو العلم و العمل و التعلم و السكوت فى مواضع الضرر.
 (لا ينصت للخبر ليفخر به و لا يتكلم ليتجبر على من سواه) أى لا ينصت للخبر و الحديث لقصد الافتخار به على الناس بل ليعلم و يعمل فيكمل بالعلم و العمل و لا يتكلم به ليتجبر و يتكبر على من سواه كما هو شأن علماء السوء بل لينشر العلم بين أهله، و فى بعض النسخ لا ينصت للخبر ليفجر به بالجيم و لعل المراد بالفجور الفخر أو الافتاء مع عدم كونه أهلا له.
 (نفسه منه فى عناء و الناس منه فى راحة) فسر هذا بقوله:
 (أتعب نفسه لآخرته) للقيام بالطاعات و الانتهاض لوظائف العبادات.
 (فأراح الناس من نفسه) أى من شر نفسه و مكائدها لان مبدأ الشرور طغيان النفس و محبة الدنيا و هو بمعزل عنهما، و يحتمل أن يراد بالفقرة الاولى أن نفسه الامارة منه فى عناء و تعب لمنعها عن هواها و زجرها عن رداها و مقاومته لها و قهره عليها و مراقبتها اياها. و الناس فى راحة من شر نفسه و مناقشته و منازعته فى أمر الدنيا و لعله أولى لان التأسيس خير من التأكيد (ان بغى عليه صبر حتى يكون اللّه الّذي ينتصر له) أى ان ظلم لم ينتقم هو بنفسه من الظلم بل يكل أمره الى اللّه لينتصر منه. و الانتصار دادستاندن و كينه كشيدن و بازداشتن و ذلك منه نظر الى ثمرة الصبر و الوعد الصادق قال اللّه تعالى «ذلِكَ وَ مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ- الآية».
 (بعده ممن تباعد منه بغض و نزاهة و دنوه ممن دنا منه لين و رحمة ليس تباعده تكبرا و لا عظمة و لا دنوه خديعة و لا خلابة) خلبه كنصره خلبا و خلابا و خلابة بكسرهما خدعه و فى كنز اللغة خلابة فريفتن بزبان و بريدن يعنى بعده ممن تباعد منه بغض لما انهمكوا فيه من الدنيا و الاعمال القبيحة و نزاهة عن التلوث به و بمشاهدته لا عن كبر و تعظم عليه كما هو شأن المتكبرين المتباعدين من الصلحاء و غيرهم و دنوه ممن دنا منه لين و رحمة منه لهم لا مكر بهم و لا خديعة كما هو حال خبيث الاخلاق.

143
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

قال: فصاح همّام صيحة، ثمّ وقع مغشيّا عليه، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: أما و اللّه لقد كنت أخافها عليه و قال: هكذا تصنع الموعظة البالغة بأهلها، فقال له قائل:
فما بالك يا أمير المؤمنين؟ فقال: إنّ لكلّ أجلا لا يعدوه و سببا لا يجاوزه، فمهلا لا تعد فإنّما نفث على لسانك شيطان‏
__________________________________________________
 (بل يقتدى بمن كان قبله من أهل الخير) كالانبياء و الأوصياء و غيرهم ممن عرف بالخير و اشتهر به (فهو امام لمن بعده من أهل البر) البر الصلة و الجنة و الخير و الاتساع فى الاحسان و الصدق و الطاعة، و قد يطلق على العفة و بهذا الاعتبار يقابله الفجور و يمكن أن يراد بالبر هنا ما دل عليه القرآن الكريم «وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ- الى قوله- أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ». وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى‏» فان المراد بالبر فى هاتين الآيتين كمال الايمان و التقوى و الاعمال الجميلة و الاخلاق الحسنة.
 (قال فصاح همام صيحة ثم وقع مغشيا عليه) فى نهج البلاغة «فصعق صعقة كانت فيها نفسه» يعنى غشى عليه و مات رحمه اللّه. قال بعض الافاضل لم يكن يغلب على ظنه «ع» الا الصعقة من الوجد الشديد. فأما ان فيها موته فلم يكن مظنونا له فلا تحم حول ما قيل انه كيف جاز منه «ع» أن يجيبه مع غلبة ظنه بهلاكه و هو كالطبيب انما يعطى كلا من المرضى بحسب احتمال طبيعته من الدواء و الحق أنه «ع» كان عالما بما يرد عليه و ربما يشعر به ما نقلناه فى اوّل الباب عن بعض الاعلام كما يشعر به ما نقله الراوى بقوله:
 (فقال أمير المؤمنين «ع» أما و اللّه لقد كنت أخافها عليه) و عدم جواز اجابته بعد مبالغته فى السؤال و عزمه عليه مع غلبة ظنه بهلاكه ممنوع لجواز علمه «ع» بأنه تعالى جعل موته بسماع هذه الموعظة البليغة فما فعله الا بأمر ربه، أو بأن فيه حكمة و ان لم نعلمها و خفاء الحكمة لا تقتضى نفيها.
 (و قال هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها) و كان همام لاستعداد نفسه القدسية لاستشراق لوامع الانوار الالهية من أهلها فلذلك فعلت به ما فعلت.
 (فقال له قائل فما بالك يا أمير المؤمنين فقال ان لكل أجلا لن يعدوه و سببا لا يجاوزه فمهلا لا تعد فانما نفث على لسانك شيطان) اعلم أن هذه الصفات اذا اجتمعت فى مؤمن تنور قلبه و تزيد رقته و تجلو رينه و تزيل قسوته و ترفع الحجاب بينه و بين ربه و تفتح باب المكاشفة فيلوح فيه جمال الحق و أنوار الربوبية و عالم الملك و آثار القهر و الجبروت كما ينتقش الصور فى المرآة الصافية المجلوة و هذا على سبيل التشبيه و الا فقد ترتفع الامثلة و الاشباح من البين و يتصل هو بالحق اتصالا معنويا فيكون الحق حينئذ سمعه و بصره و يده و لسانه كما ورد فى الحديث‏

144
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

2- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن عبد اللّه بن غالب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثمان خصال: وقور عند الهزاهز، صبور عند البلاء، شكور عند الرّخاء، قانع بما رزقه اللّه، لا يظلم الأعداء و لا يتحامل للأصدقاء، بدنه منه في تعب و الناس منه في راحة، إن العلم خليل المؤمن و الحلم وزيره و الصبر أمير جنوده و الرّفق أخوه و اللّين والده.
3- أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار عن ابن فضّال، عن منصور بن يونس، عن أبي حمزة، عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال: المؤمن يصمت ليسلم، و ينطق‏
__________________________________________________
و هذه الحالة هى الفناء فى اللّه و انما يعرف حقيقتها المستعدون المجتهدون الواصلون دون السامعين و لذا أنكرها كثير منهم و لما كان همام مستعدا مجتهدا و اصلا لمعت فى قلبه حقيقة هذه الحالة عند سماع هذه الموعظة البالغة التى هى معارج الحق و مدارج النور و لم يقدر أن يملك نفسه فصاح و وقع مغشيا عليه و سؤال ذلك القائل و سوء أدبه انما نشأ من سوء فهمه و ضعف عقله و قلة علمه بأن القلوب تتفاوت فى تحمل الامور العظام و الاهوال الجسام و مشاهدة العجائب و ملاحظة الغرائب بسبب كثرة الممارسة و قلتها و قوة نور اليقين و التأيد بالتمكين و ضعفه كما لا يخفى على الاعلام. و ظاهر أن أمير المؤمنين «ع» كان غريقا فى بحر المكاشفة و اليقين بل كان قلبه نورا من نور رب العالمين فكيف يدهش من مشاهدة نوره، و انما لم يجب «ع» بهذا الجواب لاستلزامه تفضيل نفسه أو لقصور فهم السائل بل أجاب بما هو أقرب الى فهم السائل من الجواب المقنع له و هو أن بقاءه لعدم حضور أجله المحكوم به فى القضاء الالهى، و بالجملة سبب عدم تأثير هذه الموعظة فيه «ع» بالموت أمران: أحدهما عدم حضور أجله و ثانيهما الفرق بين همام و بينه «ع» و أجاب «ع» بالاول دون الثانى.
قوله (على بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن عبد اللّه ابن غالب) هو عبد اللّه بن غالب الاسدى الشاعر الثقة الراوى عن أبى جعفر و أبى عبد اللّه و أبى الحسن عليهم السلام، و هذا الحديث من غير تغيير فى المتن الا فى البر والده مروى فى باب بعد باب نسبة الاسلام عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب عن جميل بن صالح، عن عبد الملك بن غالب، عن أبى عبد اللّه «ع» و مر شرحه فلا تعيدوا لظاهر أن عبد الملك سهو من النساخ و هو غير مذكور فيما رأينا من كتب الرجال.
قوله (أبو على الاشعرى، عن محمد بن عبد الجبار عن ابن فضال، عن منصور بن يونس عن أبي حمزة، عن على بن الحسين عليهما السلام قال المؤمن) هذا الحديث مع تغيير يسير فى‏

145
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

ليغنم، لا يحدّث أمانته الأصدقاء و لا يكتم شهادته من البعداء و لا يعمل شيئا من الخير رياء و لا يتركه حياء، إن زكّي خاف ما يقولون و يستغفر اللّه لما لا يعلمون، لا يغرّه قول من جهله و يخاف إحصاء ما عمله.
4- عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن بعض من رواه، رفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المؤمن له قوّة في دين و حزم في لين و إيمان في يقين و حرص‏
__________________________________________________
المتن مروى فى باب الحلم عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن على بن النعمان، عن ابن مسكان، عن أبى حمزة قال المؤمن- الخ- و لعل المقول كلام المعصوم و هو على بن الحسين عليهما السلام لا كلام أبى حمزة و قد ذكرنا شرحه ثمة فلا نعيده.
قوله (المؤمن له قوة فى دين) أى له قوة نظرية و عملية فيه فيعلمه و يعمل به و يقاوم فيه الوسواس و لا يدخل فيه خداع الناس.
 (و حزم فى لين) أى له ضبط و تيقظ فى اموره الدينية و الدنيوية ممزوجا بلين الطبع و عدم الفظاظة و الخشونة مع معامليه و هو فضيلة العدل فى المعاملة مع الخلق. و قد يكون عن تواضع. و قد يكون عن مهانة و ضعف نفس، و الاول هو المطلوب و هو المقارن للحزم فى الامور و مصالح النفس، و الثانى رذيلة لا يمكن معه الحزم لانفعال المهين عن كل حادث، و بيان الظرفية على ما استفدنا من كلام بعض الافاضل ثلاثة أوجه: الاول أن الظرفية مجازية بتشبيه ملابسة الحزم للين طبع فى الاجتماع معه بملابسة المظروف للظرف. فيكون لفظة «فى» استعارة تبعية. الثانى أن تعتبر تشبيه الهيئة المنتزعة من الحزم و اللين و مصاحبة أحدهما الاخر بالهيئة المنتزعة من المظروف و الظرف، و مصاحبتهما فيكون الكلام استعارة تمثيلية لكنه لم يصرح من الالفاظ التى هى بإزاء المشبه به الا بكلمة فى فان مدلولها هو العمدة فى تلك الهيئة و ما اعده تبع له يلاحظ معه فى ضمن ألفاظ منوية فلا يكون لفظة فى استعارة بل هى على معناها الحقيقى. الثالث ان تشبيه اللين بما يكون محلا و ظرفا للشى‏ء على طريقة الاستعارة بالكناية. و يكون كلمة فى قرينة و تخييلا.
 (و ايمان فى يقين) الايمان و هو التصديق قابل للشدة و الضعف فتارة يكون عن تقليد و تارة يكون عن دليل مع العلم بأنه لا يكون معه غيره و هو علم اليقين و السالكون لا يقفون عند هذه المرتبة بل يطلبون عين اليقين بالمشاهدة بعد طرح حجب الدنيا و الاعراض عنها، و اليقين فى كلامه «ع» يمكن حمله على أحد هذين المعنيين.
 (و حرص فى فقه) الحرص فى امور الدين مطلوب و أعظمها الفقه و العلم فميل القلب إليه و طلب زيادته من صفة أهل الايمان و كمال حقيقة الانسان، و لذلك قال اللّه تعالى لنبيه «ص»

146
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

في فقه و نشاط في هدى و برّ في استقامة و علم في حلم و كيس في رفق و سخاء في حقّ و قصد في غنى و تجمّل في فاقة و عفو في قدرة و طاعة للّه في نصيحة و انتهاء فى شهوة و ورع في رغبة و حرص في جهاد و صلاة في شغل و صبر في شدّة، و في الهزاهز وقور و في المكاره صبور و في الرّخاء شكور، و لا يغتاب و لا يتكبّر، و لا
__________________________________________________
 «قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً» (و نشاط فى هدى) أى نشاط و سرور فى سلوك سبيل اللّه و هو ينشأ من قوة الاعتقاد فيما وعد اللّه لمن سلك سبيله و التصديق بشرف غايته و هى الفلاح فى الآخرة.
 (و بر فى استقامة) أى خير و طاعة فى استقامة بأن لا يتركه أو لا يمزجه بشر و معصية.
 (و علم فى حلم) فلا يجهل شيئا من امور الدين و لا يطيش على أحد من الناس (و كيس فى رفق) الكيس الفطنة و الظرافة و الغلبة و الرفق خلاف العنف و الخرق.
 (و سخاء فى حق) و هو صرف المال فى وجوه البر على قدر يجوز شرعا (و قصد فى غنى) و هو الاعتدال فى طلب الدنيا و طلب فضولها.
 (و تجمل فى فاقة) بترك الشكاية الى الخلق و الطلب منهم و اظهار الغنى عنهم و ينشأ من القناعة و الرضا بالقضاء و علو الهمة و يعين عليه ملاحظة قرب الاجل و ما أعد للصابرين (و عفو فى قدرة) العفو مع القدرة ممدوح و أما بدونها فلا يمدح بل لا يتحقق.
 (و طاعة للّه فى نصيحة) للّه و لرسوله و للمؤمنين و قد مر معنى النصيحة لهم (و انتهاء فى شهوة) الى أمر مشروع لاعتداله فى القوة الشهوية (و ورع فى رغبة) أى ورع عن المحارم مع الرغبة فيها و ميل النفس إليها، أو مع الرغبة عنها و عدم الميل إليها و كلاهما من صفات المؤمن الا أن الاول أشق و الثانى أكمل لقمع الشهوة و كسر النفس الامارة حتى زالت عنها الإرادة و الميل (و حرص فى جهاد) مع الكفار أو مع النفس الامارة أو الاعم منهما و من الاجتهاد فى الخيرات كلها لان كلها من صفات أهل الايمان.
 (و صلاة فى شغل) الشغل بالضم و بضمتين و بالفتح و بفتحتين ضد الفراغ، و الجمع اشغال و شغول و القيام الى الصلاة فى أوقاتها مع وجود الاشغال من أعظم صفات المؤمن قال اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ.
 (و صبر فى شدة) من الفاقة و المصيبة و غيرهما مما يثقل على النفس و يشق عليها، و منشؤه العفة و تصور الاجر المعد للصابرين (و فى الهزاهز وقور) عطف على قوله له قوة فى دين أى المؤمن فى الهزاهز وقور رزين لا يحركه الفتن و لا تضطربه، و الهزاهز تحريك البلايا و الحروب الناس و هزهزه ذلّله و حركه، و يطلق على الفتن التى يهتز فيها الناس و تضطرب بها القلوب، و الوقور مبالغة في الوقار و هو ملكة تحت الشجاعة.

147
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

يقطع الرّحم و ليس بواهن، و لا فظّ و لا غليظ، و لا يسبقه بصره، و لا يفضحه بطنه، و لا يغلبه فرجه، و لا يحسد النّاس، يعيّر و لا يعيّر، و لا يسرف، ينصر المظلوم و يرحم المسكين، نفسه منه في عناء، و النّاس منه في راحة، لا يرغب في عزّ الدّنيا و لا يجزع من ذلّها، للنّاس همّ قد أقبلوا عليه و له همّ قد شغله، لا يرى في حكمه نقص و لا في رأيه و هو و لا في دينه ضياع، و يرشد من استشاره، و يساعد من ساعده، و يكيع عن الخنى و الجهل.
5- عنه، عن بعض أصحابنا، رفعه، عن أحدهما عليهما السّلام قال: مرّ أمير- المؤمنين عليه السّلام بمجلس من قريش، فإذا هو بقوم بيض ثيابهم، صافية ألوانهم، كثير ضحكهم يشيرون بأصابعهم إلى من يمرّ، ثمّ مرّ بمجلس للأوس و الخزرج فإذا قوم بليت منهم الأبدان و دقّت منهم الرّقاب و اصفرّت منهم الألوان و قد تواضعوا بالكلام، فتعجّب عليّ عليه السّلام من ذلك و دخل على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فقال بأبي أنت و أمّي‏
__________________________________________________
 (و فى المكاره صبور) لثبات نفسه و علو همته عن الجزع و هذا كالتأكيد لما مر أو تعميم بعد تخصيص ان اريد بالشدة الفقر و الفاقة (و فى الرخاء شكور) لمحبة المنعم فيزداد شكره فى الرخاء و ان قل (لا يغتاب و لا يتكبر و لا يقطع الرحم) لكونه مشفقا على ذوى الارحام و الاقربين (و ليس بواهن و لا فظ و لا غليظ) لقيام قوته الغضبية على حد الاعتدال بحكم العقل فخرجت عن حد التفريط الموجب للوهن، و عن حد الافراط الموجب لفظ القلب و غلظته على الغير بالتعدى و الضرب و الشتم و أمثالها، و الفظّ الغليظ الجانب السيئ الخلق القاسى الخشن الكلام. فظ يفظ من باب علم فظاظة اذا غلظ حتى يهاب غيره فى غير موضعه، و الغليظ خلاف الرقيق و فعله من باب كرم (و لا يسبقه بصره و لا يفضحه بطنه و لا يغلبه فرجه و لا يحسد الناس) النفس الناطقة اذا غلبت على القوة الشهوية و اعطتها حظها و زجرتها عن غيره انقادت لها جميع الجوارح و لا تتجاوز عن القدر اللائق بها شرعا و عقلا فتمنع البصر و البطن و الفرج و النفس الامارة عما حرم اللّه على كل واحد منها.
 (لا يرغب فى عز الدنيا) لان مبدأ الرغبة فيه محبة الدنيا و هو بمعزل عنها.
 (للناس هم قد اقبلوا عليه و له هم قد شغله) هم الناس شغل الدنيا و همه أمر الآخرة و النجاة من أهوالها و التوصل بما يوجب قرب الحق من الاعمال الصالحة و الاخلاق الفاضلة. و الغرض الفرق بينه و بين أهل الدنيا اذ أهل الدنيا لا يرون لهم كما لا الا هذه اللذات الحاضرة و المقتنيات الظاهرة (و يكيع عن الخنى و الجهل) الخنى الفحش و المراد بالجهل نفسه، أو آثاره و الكيع و الكيعوعة

148
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

إنّي مررت بمجلس لآل فلان ثمّ وصفهم و مررت بمجلس للأوس و الخزرج فوصفهم، ثمّ قال: و جميع مؤمنون فأخبرني يا رسول اللّه بصفة المؤمن؟ فنكس رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، ثمّ رفع رأسه فقال: عشرون خصلة في المؤمن فإن لم تكن فيه لم يكمل إيمانه، إنّ من أخلاق المؤمنين يا علي الحاضرون الصلاة و المسارعون إلى الزكاة و المطعمون المسكين، الماسحون رأس اليتيم، و المطهّرون أطمارهم، المتزرون على أوساطهم، الّذين إن حدّثوا لم يكذبوا و إذا وعدوا لم يخلفوا و إذا ائتمنوا لم يخونوا و إذا تكلّموا صدقوا، رهبان باللّيل، اسد بالنّهار، صائمون النّهار، قائمون اللّيل، لا يؤذون جارا و لا يتأذّى بهم جار، الّذين مشيهم على الأرض هون و خطاهم إلى بيوت الأرامل و على أثر الجنائز. جعلنا اللّه و إيّاكم من المتّقين‏
__________________________________________________
الجبن تقول كعت عنه أكيع و أكاع كيعا و كيعوعة اذا هبته و جبنت عنه.
قوله (فان لم تكن فيه لم يكمل ايمانه) دل على أن الايمان نفس التصديق و أن الخصال و الاعمال توجب كماله. (الحاضرون الصلاة) لعل المراد حضور صلاة الجماعة مع احتمال أن يراد محافظة أوقات الصلاة مطلقا.
 (المطهرون أطمارهم) الاطمار جمع الطمر بالكسر و هو الثوب الخلق و الكساء البالى، و المراد بتطهيرها تطهيرها بالماء من الدنس و النجاسة، أو تقصيرها كما فى بعض الروايات لان تطويلها كثيرا مذموم يدل عند العرب على التكبر و الخيلاء.
 (و اذا تكلموا صدقوا) كأنه تأكيد لقوله ان حدثوا لم يكذبوا مع احتمال أن يراد بالتحديث نقل الاحاديث و الاخبار و بالتكلم غيره (رهبان بالليل اسد بالنهار) الاسد بالضم و السكون جمع اسد بالتحريك، و الرهبان جمع الراهب من الرهبة و هى الخوف و هو من ترك الدنيا و ملاذها و زهد فيها و اعتزل عن أهلها و اشتغل بالعبادة لاستيلاء الخوف على سره (لا يؤذون جارا و لا يتأذى بهم جار) لعل المراد بالاول عدم ايذائهم بلا واسطة، و بالثانى عدم ايذائهم بواسطة بأن لا يتسببوا للايذاء أو المراد بالاول عدم الايذاء مطلقا، و بالثانى عدم توقع الجار ايذاءهم لكونهم معروفين بالخير و الصلاح فيأمن الجار من ايذائهم.
 (و خطاهم الى بيوت الارامل) لقصد ايصال النفع إليها و التفقد لاحوالها ليعرف حاجاتها فيتداركها بقدر الامكان (جعلنا اللّه و اياكم من المتقين) ضم الكلام بالدعاء لنفسه و للسامعين- أن يجعلهم اللّه من المتقين الذين يسلكون سبيله الموصول الى منازل الابرار، و هى درجات الجنة و مقاماتها- للتنبيه على أن الامتثال بأعمال الخير و الاجتناب عن أعمال‏

149
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

6- علي بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن القاسم بن عروة، عن أبي العباس قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من سرّته حسنته و ساءته سيّئته فهو مؤمن.
7- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن الحسن بن [ز] علان، عن أبي إسحاق الخراساني، عن عمرو بن جميع العبدي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
شيعتنا الشّاحبون، الذّابلون، النّاحلون، الّذين إذا جنّهم اللّيل استقبلوه بحزن.
8- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: شيعتنا أهل الهدى و أهل التقى و أهل الخير و أهل الإيمان و أهل الفتح و الظفر
__________________________________________________
الشر لا يمكن الا بتوفيق اللّه و هو الموفق و المعين.
قوله (من سرته حسنة و ساءته سيئة فهو مؤمن) هذا خبر لفظا و أمر معنى بالاتصاف بهاتين الخصلتين و كذا الخبران الاتيان و أمثالهما.
قوله (شيعتنا الشاحبون الذابلون الناحلون) تعريف الخبر باللام للحصر. و الشاحب المتغير اللون من هزال أو جوع، و فعله من باب منع و نصر و كرم و الذابل من قل ماء بشرته و نداوته و ذهبت نضارته من ذبل النبات كنصر و كرم ذبلا و ذبولا ذوى أى يبس من الحر، و الناحل المهزول من نحل جسمه كمنع و علم و نصر و كرم نحو لا ذاب من مرض أو سفر و نحوهما (الذين اذا جنهم الليل) أى سترهم. (استقبلوه بحزن) فى تفكر أمر الآخرة و أهوالها، و استقبال الليل كناية عن قطعة بالعبادة امتثالا لقوله تعالى وَ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَ سَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا و انما خص الليل بالذكر لانها محل للخلوة مع اللّه و الفراغ من الناس و المغفرة و الخلوص فى العبادة كما قيل اذا كثرت الذنوب منك فداوها برفع يد فى الليل المظلم.
قوله (شيعتنا أهل الهدى و أهل التقى و أهل الخير و أهل الايمان و أهل الفتح و الظفر) أى أهل لفتح أبواب البر و الاسرار، و أهل للظفر بالمقصود، ففى الاول اشارة الى كمالهم فى القوة النظرية، و فى الثانى اشارة الى كمالهم فى القوة العملية حتى بلغوا الى غايتهما و هو فتح أبواب الاسرار و الفوز بقرب الحق. و فيه حث لهم على تحصيل هذه الخصال أعنى الهداية اذ سلوك سبيل الحق لا يمكن بدونها ثم التقوى أى الاجتناب عن المنهيات، ثم الخير و هو القيام على الطاعات، ثم الايمان الكامل الّذي يتوقف عليهما فلذلك أخره عنهما، ثم الفتح و الظفر بالمعنى المذكور. و انما أخرهما لتوقفهما على الامور المذكورة، و يمكن أن‏

150
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

9- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل، عن منصور بزرج، عن مفضّل قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إيّاك و السفلة، فإنّما شيعة عليّ من عفّ بطنه و فرجه، و اشتدّ جهاده و عمل لخالقه و رجا ثوابه و خاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر.
10- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ شيعة عليّ كانوا خمص البطون، ذبل الشفاه، أهل رأفة و علم و حلم، يعرفون بالرّهبانيّة، فأعينوا على ما أنتم عليه بالورع و الاجتهاد
__________________________________________________
يكون الفتح و الظفر اشارة الى المجاهدات النفسانية و غلبة جنود العقل على الجنود الشيطانية فانه اذا تقابل الجندان فثبات العقل و محارباته مع العدو هو الاجتهاد و غلبته عليه هو الفتح و الظفر.
قوله (و اياك و السفلة فانما شيعة على من عف بطنه و فرجه و اشتد جهاده و عمل لخالقه و رجاء ثوابه و خاف عقابه فاذا رأيت اولئك فاولئك شيعة جعفر) أى شيعتى ففيه التفات على قول من جوزه ابتداء، و المراد بالسفلة التابعون للقوة للشهوية و الغضبية، التاركون لما يقتضيه القوة العقلية و هو الصفات المذكورة، و انما سموا سفلة لاستقرارهم كسائر الحيوانات فى السافل و عدم ارتقائهم الى الدرجة الانسانية. و عفة البطن و الفرج عما لا يجوز تناوله اشارة الى كسر القوة الشهوية و ضبطها عن التجاوز الى حد الافراط فانها تدعو الى الشرور و المفاسد التى لا تحصى، و اشتداد الجهاد اشارة الى السعى فى طلب زيادة العلم و المبالغة فى تنزيه الظاهر و الباطن عن الاعمال و الاخلاق القبيحة. و العمل الخالص للخالق موقوف عليهما. فلذلك ذكره بعدهما. ثم الخوف و الرجاء انما يعتبران بعد العمل لانهما بدونه من أثر الحماقة كما مر، و لذا أخرهما و الخوف بعد العمل منشؤه جواز التقصير فيه و امكان عدم قبوله.
قوله (ان شيعة على «ع» كانوا خمص البطون و ذبل الشفاه) شيعة الرجل بالكسر أتباعه و أنصاره، و يقع على الواحد و الاثنين و الجمع و المذكر و المؤنث و قد غلب هذا الاسم على كل من يتولى عليا «ع» و أهل بيته حتى صار اسما لهم خاصا. و الخمص بالفتح و السكون لاغر و گرسنه شدن. يقال خمص البطن مثلثة الميم خمصا اذا خلا و جاع، و الخمص و الخامص و الخميص مرد لاغر و گرسنه، و الذبل كذلك خشك شدن لب و بدن و مانند آن و الذبل و

151
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

11- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن صفوان الجمّال، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنّما المؤمن الّذي إذا غضب لم يخرجه غضبه من حقّ و إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل و إذا قدر لم يأخذ أكثر ممّا له.
12- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن النعمان، عن ابن مسكان، عن سليمان بن خالد، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: يا سليمان أ تدري من المسلم؟ قلت: جعلت فداك أنت أعلم، قال: المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده، ثمّ قال: و تدري من المؤمن؟ قال: قلت: أنت أعلم، قال:
 [إنّ‏] المؤمن من ائتمنه المسلمون على أموالهم و أنفسهم و المسلم حرام على المسلم أن يظلمه أو يخذله أو يدفعه دفعة تعنّته.
13- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب،
__________________________________________________
الذابل مرد خشك لب و بدن، و هما هنا اما مصدران و الحمل للمبالغة، أو صفتان و الافراد لاسنادهما الى الظاهر، و أما قراءة خمص بضمتين جمع خميص كرغف جمع رغيف و قراءة ذبل بالضم و فتح الباء المشددة جمع ذابل كطلب جمع طالب فبعيدة. و الشفاه جمع شفة بالفتح و قد يكسر و شفتا الانسان طبقتا فمه، و ذلك منهم لما علموا من أن فى البطنة زوال الفطنة و فوات الرقة و حدوث القسوة و الكسل عن العمل و صرف العمر فى تحصيل الزائد و يمكن أن يكون كناية عن كثرة صيامهم.
قوله (انما المؤمن الّذي اذا غضب لم يخرجه غضبه من حق و اذا رضى لم يدخله رضاه فى باطل) أى اذا غضب على أحد لم يتجاوز عما يجوز له من حقه و اذا رضى عن أحد لم يدخله رضاه فى باطل بالحماية عنه، أو اعطائه ما لا يستحقه أو منع الغير عما يستحقه عليه كما يفعله قضاة السوء و حكام الجور و المؤمن لا يأثم بشي‏ء من ذلك مع قيام الداعى و هو الغضب و الرضا بل يكون على فضيلة العدل فى الكل على سواء.
قوله (قال المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده) أى من شره و انما خص اليد و اللسان بالذكر لانهما أظهر الجوارح فى الكسب و ليس المقصود حصر المسلم على الموصوف بالصفة المذكورة و نفى الاسلام عن غيره لان المعنى على الفضل و الكمال لا على الحصر (المؤمن من ائتمنه المؤمنون على أموالهم و أنفسهم) لانه عرف بالامانة و الديانة و الصلاح و كمال الايمان بالتجربة و اشتهر بها حتى صار أمينا عندهم فى أموالهم و أنفسهم.
 (أو يدفعه دفعة تعنته) كان المراد يدفعه عن خير و يرده الى شر يوجب عنته و هو الفساد

152
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّما المؤمن الّذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم و لا باطل و إذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحقّ، و الّذي إذا قدر لم تخرجه قدرته إلى التعدّي إلى ما ليس له بحقّ.
14- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد. عن أبيه، عن أبي البختري رفعه قال: سمعته يقول: المؤمنون هينون لينون كالجمل الألف إذا قيد انقاد، و إن انيخ على صخرة استناخ.
15- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ثلاثة من علامات المؤمن: العلم باللّه و من يحبّ و من يكره‏
__________________________________________________
و الاثم و المشقة و الشدة و العناء و الهلاك و الوهى و الانكسار و الخطاء و عنت اذا وقع فى هذه الامور و أعنته غيره تعنيتا شدد عليه و ألزمه ما يصعب عليه. و فى كنز اللغة الدفع بازداشتن و دور كردن و چيزى را فرا كسى دادن و دافع بازدارنده و بدرآرنده. و فى المصابيح الدفع التنحية و الدفعة بالفتح المرة و بالضم اسم لما يدفع بمرة.
قوله (المؤمنون هينون لينون كالجمل الانف اذا قيد انقاد، و ان انيخ على صخرة استناخ) هان الشي‏ء هونا بالفتح من باب قال و هو هين بالتخفيف و التثقيل على فيعل و عينه واو و جمعه هينون كذلك و الهون السهل و السكينة و الوقار، و فى الفائق قال ابن الاعرابى العرب تمدح بالتخفيف و تذم بالتشديد، و قيل هما واحد. أقول كأنه أراد أن المخفف من الهون بالفتح و المثقل من الهون بالضم. يقال هان الشي‏ء يهون هونا بالضم و هوانا أى ذل و حقر، و فى التنزيل «أ يمسكه على هون». و لان الشي‏ء يلين لينا و ليانا بالفتح و تلين فهو لين و الجمع لينون بالتخفيف و التشديد فيهما و هما بمعنى واحد أو المخفف للمدح و المثقل للذم كما مر، و المقصود بيان حسن أخلاقهم و أنهم سهل الانقياد لحكم اللّه تعالى فيما أمر و نهى قد سمحوا بأنفسهم له فيما قدر و قضى و تلقوا بقبول ما أجرى عليهم و تنزهوا عن مخالفة ما أراد منهم كجمل آلف أى أليف ذلول غير وحشى صعب ان قيد انقاد لصاحبه من غير اباء للقيد، و ان انيخ و أبرك على صخرة استناخ و برك، و المنقول من طريق العامة و كتب اللغة مثل الصحاح و النهاية كالجمل الانف بالنون من أنف البعير و هو آنف أى اشتكى أنفسه من البرة و هى حلقة من صفر تجعل فى لحم أنف البعير فصار لذلك الوجع الّذي به ذلولا منقادا.
قوله (من علامات المؤمن العلم باللّه و من يحب و من يكره) أى من علاماته معرفة اللّه تعالى و معرفة من يحبه و من يكرهه فان من عرف اللّه تعالى آمن به و من عرف من يحبه مثل‏

153
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

16- و بهذا الإسناد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: المؤمن كمثل شجرة لا يتحاتّ ورقها في شتاء و لا صيف، قالوا: يا رسول اللّه و ما هي؟ قال: النخلة.
17- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن اورمة، عن [أبي‏] إبراهيم الأعجميّ، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المؤمن حليم لا يجهل، و إن جهل عليه يحلم، و لا يظلم و إن ظلم غفر، و لا ينجل و إن نجل عليه صبر.
18- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن منذر بن جيفر، عن آدم أبي الحسين اللّؤلؤي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
المؤمن من طاب مكسبه، و حسنت خليقته، و صحّت سريرته و أنفق الفضل من ماله. و
__________________________________________________
النبي و الائمة عليهم السلام و اتباعهم تابعه و من عرف من يكرهه اللّه تعالى اعتزل عنه و هذه المعارف أصل لجميع الخيرات و أعظم علامات المؤمن.
قوله (و بهذا الاسناد قال: قال رسول اللّه «ص» المؤمن كمثل شجرة لا يتحات ورقها فى شتاء و لا صيف قالوا يا رسول اللّه و ما هى؟ قال النخلة) نظير ذلك ورد من طرق العامة ففى مسلم عن عبد اللّه بن عمر قال قال رسول اللّه «ص» «ان من الشجرة شجرة لا يسقط ورقها و أنها مثل المسلم فحدثونى ما هى فوقع الناس فى شجر البوادى قال عبد اللّه وقع فى نفسى انها النخلة فاستحييت ثم قالوا حدثنا ما هى يا رسول اللّه؟ قال فقال هى النخلة» و انما شبه المؤمن بالنخلة لكثرة خيرها و دوام ظلها و طيب ثمرها و وجوده على الدوام فانه من حين يطلع لا يزال يوكل حتى ييبس و بعد ان ييبس و فيها منافع كثيرة جذوعها خشب فى البناءات و الآلات و جرائدها حطب و عصى و محابر و حصر و ليفها حبال و حطب و حشوها للوسائد و غير ذلك من وجوه نفعها و جمال نباتها و حسن هيآتها كما أن المؤمن خير كله من كثرة طاعته و كرم أخلاقه. هذا الصحيح فى وجه التشبيه و قيل وجه التشبيه انه اذا قطع رأسها ماتت بخلاف غيرها من الشجر، و قيل أنها لا تحمل حتى تلقح و لذلك سماها فى الحديث عمة فقال «أكرموا عماتكم النخل» و قيل لان أحوالها من حين تطلع الى تمام ثمرها سبعة كأحوال المؤمن من التوبة الى قرب الحق سبعة:
التوبة ثم الاجتهاد ثم الخوف ثم الرجاء ثم الإرادة ثم المحبة ثم الرضا و ثمر النخل طلع ثم اغريص ثم بلح ثم بسر ثم زهو ثم تمر ثم رطب.
قوله (و لا ينجل و ان نجل عليه صبر) النجل بالنون و الجيم الطعن و الشق و نجل الناس بثارهم و تناجلوا تنازعوا يعنى ان طعنه أحد و سفه عليه صبر و لم يقابله بمثله.
قوله (المؤمن من طاب مكسبه) ذكر فيه من خصال المؤمن سبعة أوصاف: الاول طيب‏

154
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

أمسك الفضل من كلامه، و كفى الناس شرّه، و أنصف الناس من نفسه.
19- أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن الحسن بن عليّ، عن أبي كهمس، عن سليمان بن خالد، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أ لا أنبّئكم بالمؤمن؟ من ائتمنه المؤمنون على أنفسهم و أموالهم، أ لا أنبّئكم بالمسلم؟ من سلم المسلمون من لسانه و يده، و المهاجر من هجر السيّئات و ترك ما حرّم اللّه، و المؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه أو يخذله أو يغتابه أو يدفعه دفعة.
20- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن مفضّل بن عمر، عن أبي أيّوب العطّار، عن جابر قال: قال أبو جعفر عليه السّلام:
إنّما شيعة عليّ الحلماء، العلماء، الذبل الشفاة، تعرف الرّهبانيّة على وجوههم‏
__________________________________________________
كسبه أو محل كسبه و هو يشمل طيب مكسبه للدنيا و الآخرة بأن يطلب المعيشة من طريق يجوز شرعا و عقلا و لا يطلب زائدا على الكفاف و لا يفنى عمره فيما لا يحتاج إليه و يجعل أعماله موافقة للقوانين الشرعية و يصونها عن العلائق البشرية و الشواغل القلبية خالصا للّه. الثانى حسن الخليقة و الطبيعة بالتحلى بالفضائل و التخلى عن الرذائل مثل الحقد و الحسد و الغضب و غيرها.
الثالث صحة السريرة أى القلب باتصافه بصحة العقائد و تيقظه فى جميع الحالات و مراقبته فى جميع الحركات و السكنات، و الرابع انفاق الفضل من المال و هو ينشأ من تصور فضل الانفاق و التصديق بأن امساك الفضل لا ينفعه و انفاقه لا يضره. الخامس امساك الفضل من الكلام و هو ما لا ينفع فى الآخرة سواء يضره أم لا، فيشمل المباح و أكثر كلام الناس فى المجالس من هذا القبيل. السادس كفاية الناس من شره و لا يتم ذلك الا بالعدالة التابعة للاعتدال في القوة العقلية و الشهوية و الغضبية. السابع انصاف الناس من نفسه بأن يحب للناس ما يحب لنفسه، و يكره لهم ما يكره لنفسه، و لا يتصف بالانصاف الا من لمعت فى قلبه الاسرار الالهية، و انغلقت عنه أبواب الوساوس الشيطانية فانه حينئذ لا يرجح نفسه على غيره اذا كان الحق مع ذلك الغير بل هو حاكم له على نفسه قوله (و المهاجر من هجر السيئات) أى المهاجر الّذي مدحه اللّه تعالى هو هذا يعنى أنه الفرد الكامل منه و الا فالمهاجر يطلق أيضا على من هاجر من مكة الى المدينة قبل الفتح و على من هاجر من البدو الى المدينة و على من هاجر من بلاد كفر عند خوف الجور و الفساد و عدم التمكن من اظهار شعائر الاسلام كما قيل فى قوله تعالى يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ.
قوله (انما شيعة على «ع» العلماء الحلماء الذبل الشفاه تعرف الرهبانية على‏

155
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

21- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن معروف بن خرّبوذ، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: صلّى أمير المؤمنين عليه السّلام بالناس الصبح بالعراق، فلمّا انصرف و عظهم فبكى و أبكاهم من خوف اللّه، ثمّ قال: أما و اللّه لقد عهدت أقواما على عهد خليلي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و إنّهم ليصبحون و يمسون شعثا غبرا خمصا، بين أعينهم كركب المعزى، يبيتون لربّهم سجّدا و قياما يراوحون بين أقدامهم و جباههم، يناجون ربّهم و يسألونه فكاك رقابهم من النّار و اللّه لقد رأيتهم مع هذا و هم خائفون مشفقون.
22- عنه، عن السندي بن محمّد. عن محمّد بن الصلت، عن أبي حمزه، عن عليّ بن‏
__________________________________________________
وجوههم) العلماء اشارة الى كمال قوتهم النظرية بالعلم النظرى و هو معرفة الصانع و صفاته و دينه و غير ذلك. و الحلماء اشارة الى كمالهم فى القوة الغضبية لان الحلم ملكة تحت الشجاعة الحاصلة من اعتدال تلك القوة، و الذبل الشفاه و ما بعده اشارة الى كمالهم فى القوة العملية، و الراهب من انقطع للعبادة و مصدره الرهبة و الرهبانية.
قوله (لقد عهدت أقواما على عهد خليلى) العهد ديدن و ياد داشتن و منهم سلمان و أبو ذر و عمار و ابن التيهان- بتشديد الياء و سكونها- و ذو الشهادتين و هؤلاء الثلاثة قتلوا فى صفين و غيرهم من اخوانهم الذين تعاقدوا على المنية فى صفين فقاتلوا حتى قتلوا.
 (شعثا غبرا خمصا بين أعينهم كركب المعزى) كان الاخير جمع الخميص و هو الجائع و الاولين مؤنث الاشعث و الاغبر كحمراء و أحمر و التأنيث بتأويل الجماعة و الاشعث المنتشر أمره و المتغير لونه و المتلبد شعره لقلة تعهده بالدهن و المتسخ ثوبه من غير استحداد و لا تنظف و الاغبر المتلطخ بالغبار، و الركب جمع الركبة كالغرف جمع الغرفة و المغر اسم جنس لا واحد له من لفظه و هى ذوات شعر من الغنم الواحدة شاة و تفتح العين و تسكن و المعزى ألفها للالحاق لا للتأنيث و لهذا تنون فى النكرة و الذكر ماعز و الانثى ماعزة، و المقصود من هذا التشبيه هو وصفهم بكثرة السجود لانه يحصل بها فى الجبهة صلابة و خشونة لكثرة وضعها على الارض (يراوحون بين أقدامهم و جباههم) أى اذا تعبت أقدامهم بطول القيام يراوحون بينها و بين الجباه فيضعون الجباه على التراب تواضعا للّه و تذللا له:
 (و اللّه لقد رأيتهم مع هذا و هم خائفون مشفقون) أى و هم خائفون من رد أعمالهم، مشفقون من عذاب النار و خوفهم من ذلك يعود الى الخوف مما يحكم به الاوهام من حسن العبادة و كمالها و وقوعها على الوجه المطلوب الموصل الى اللّه تعالى قطعا مع انقياد النفس الامارة

156
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

الحسين عليهما السّلام قال: صلّى أمير المؤمنين عليه السّلام الفجر ثمّ لم يزل في موضعه حتّى صارت الشمس على قيد رمح و أقبل على الناس بوجهه، فقال: و اللّه لقد أدركت أقواما يبيتون لربّهم سجّدا و قياما يخالفون بين جباههم و ركبهم، كأنّ زفير النار في آذانهم اذا ذكر اللّه عندهم مادوا كما يميد الشجر، كأنّما القوم باتوا غافلين، قال: ثمّ قام فما رئي ضاحكا حتّى قبض صلوات اللّه عليه.
23- عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن المفضّل بن عمر قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا أردت أن تعرف أصحابي فانظر إلى من اشتدّ ورعه و خاف خالقه و رجا ثوابه و إذا رأيت هؤلاء فهؤلاء أصحابي 24- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون عن عبد اللّه بن عمرو بن الأشعث، عن عبد اللّه بن حمّاد الأنصاري، عن عمرو بن أبي‏
__________________________________________________
بالسوء لها و هذا الوهم و الانقياد مبدءان للتعجب بالعبادة و التقاصر عن الازدياد، و الخوف من ذلك باعث على العمل و السعى فيه و فى تجويده، و كاسر للعجب و مبدئه. و العجب من المهلكات.
قوله (حتى صارت الشمس على قدر رمح) فى بعض النسخ على قيد رمح. القيد القدر.
 (يخالفون بين جباههم و ركبهم) أى يضعون جباههم على التراب خلف وضع ركبهم عليه يأتون بأحدهما عقب الاخر.
 (كأن زفير النار فى آذانهم) أشار به الى سبب تمرنهم بالطاعات و احياء الليالى بالعبادات و هو كون علمهم بأحوال الجنة و النار فى مرتبة عين اليقين.
 (و اذا ذكر اللّه عندهم مادوا كما يميد الشجر) أى مالوا و تحركوا و اضطربوا و فيه تلميح الى قوله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ.
 (كانما القوم باتوا غافلين) اللام للعهد و المراد أنهم مادوا و اضطربوا عند ذكره تعالى خشية منه كأنهم باتوا غافلين عنه تاركين لعبادته لعدم اعتدادهم بها نظرا الى كمال عظمته تعالى و الغرض من هذا الحديث هو الحث على الاقتداء به.
 (فما رئى ضاحكا حتى قبض صلوات اللّه عليه) لاستيلاء الخوف على قلبه الطاهر و الخوف الشديد يوجب الحزن الدائم.
قوله (اذا أردت أن تعرف أصحابى فانظر الى من اشتد ورعه و خاف خالقه و رجا ثوابه) أشار به الى أن أصحابه من أقربه و تبعه فى العمل و اتصف بالخوف و الرجاء المستلزمين للزهد فى الدنيا و الاقبال الى الآخرة و قد دلت عليه روايات اخر و كان المراد بهم الخلص‏

157
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

المقدام، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: شيعتنا المتباذلون في ولايتنا، المتحابّون في مودّتنا، المتزاورون في إحياء أمرنا، الّذين إن غضبوا لم يظلموا و إن رضوا لم يسرفوا، بركة على من جاوروا، سلم لمن خالطوا.
25- عنه، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن سنان، عن عيسى النهريري. عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من عرف اللّه و عظّمه منع فاه من الكلام و بطنه من الطعام و عفى نفسه بالصيام و القيام، قالوا: بآبائنا و أمّهاتنا يا
__________________________________________________
من الشيعة و هم الذين دلت الروايات على أنهم لا يدخلون النار.
قوله (شيعتنا المتباذلون فى ولايتنا) ذكر «ع» للشيعة سبع خصال: الاولى التباذل أى بذل بعضهم فضل ماله و لفظة «فى» اما للسببية أو لاحد المعانى الثلاثة المذكورة قبيل ذلك الثانية التحابب أى حب بعضهم بعضا و لا يتحقق ذلك الا بتحقيق آثاره. الثالثة التزاور أي زيارة بعضهم بعضا لقصد احياء أمر الائمة عليهم السلام و ذكر شرفهم و فضلهم. الرابعة رفض الظلم عند سورة الغضب و هو مسبب عن كمال الاعتدال فى القوة الغضبية. الخامسة عدم الاسراف أى عدم التجاوز عن القصد و رفض الميل الى الباطل و ترك التعصب و الحمية عند الرضا عن أحد و هو من توابع العدل. السادسة كونهم بركة على الجار لايصال النفع إليه و دفع الضر عنه، السابعة كونهم سلما لمن خالطوه و هو بكسر السين و فتحها الصلح و يذكر و يؤنث.
قوله (عن عيسى البهريرى) هكذا بالباء الموحدة قبل الياء الاولى فى بعض النسخ، و فى بعضها النهرى، و فى بعضها الجريرى و هو الموافق لما ذكره الشيخ فى الاربعين و قال فى حاشيته الجريرى بضم الجيم منسوب الى جرير بن عباد بالضم و التخفيف، و فى كتاب الرجال عيسى بن أعين الجريرى الاسدى مولى كوفى ثقة روى عن أبى عبد اللّه «ع».
 (من عرف اللّه و عظمته) فى بعض النسخ و عظمه من التعظيم عطفا على عرف و المراد بمعرفته معرفة صفاته الجلالية و الجمالية بقدر طاقة الانسان، و اما معرفة حقيقة ذاته و صفاته فمما لا سبيل إليه لمن اتصف بصفة الامكان.
 (منع فاه من الكلام و بطنه من الطعام) بأن حفظ اللسان عن الفضول باب النجاة و حفظ البطن من الطعام مفتاح الخيرات لان الفضول من الكلام يسود لوح النفس و يفسد العمل و الاكثار من الطعام يوجب زوال الرقة و حدوث القسوة و الكسل.
 (و عفى نفسه بالصيام و القيام) أى جعلها صافية خالصة أو جعلها مندرسة ضعيفة ذليلة لان الصيام و القيام بوظائف الطاعات يكسران شهوة النفس، و فى بعض النسخ عنا نفسه بالعين المهملة و النون المشددة أى أتعب و العناء بالفتح و المد التعب.

158
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

رسول اللّه هؤلاء أولياء اللّه؟ قال: إنّ أولياء اللّه سكتوا فكان سكوتهم ذكرا. و نظروا فكان نظرهم عبرة، و نطقوا فكان نطقهم حكمة، و مشوا فكان مشيهم بين الناس بركة، لو لا الآجال الّتي قد كتبت عليهم لم تقرّ أرواحهم في أجسادهم خوفا من العذاب و شوقا إلى الثواب‏
__________________________________________________
 (قالوا بآبائنا و امهاتنا يا رسول اللّه هؤلاء أولياء اللّه) أى نفديك بآبائنا و امهاتنا فالباء للتفدية بحذف الفعل و هى فى الحقيقة باء العوض نحو خذ هذا بهذا، و قولهم هؤلاء أولياء اللّه استفهام. و يحتمل أن يكون خبرا قصد به لازم الحكم و هو علمهم بذلك.
 (قال ان أولياء اللّه سكتوا فكان سكوتهم ذكرا) لاشتغال قلوبهم الطاهرة بذكر اللّه تعالى و ذكر علمه و قدرته و حكمته بملاحظة آثاره الغريبة و أفعاله العجيبة و حمل الذكر على السكوت للمبالغة فى السببية و الاشعار بكونه لازما غير منفك و كذا فى القرائن الآتية و هذا اما رد لقولهم هؤلاء أولياء اللّه يعنى أولياء اللّه صنف آخر صفاتهم فوق الصفات الثلاثة المذكورة أو تصديق له، و وصف للاولياء بصفات اخرى زيادة على الصفات المذكورة، و أمر التأكيد على الاول ظاهر لكون المخاطب مترددا أو حاكما بخلافه و أما على الثانى مع أن المخاطب قائل بالحكم مصدق له فلصدوره عنه «ص» عن كمال الرغبة و وفور النشاط لانه فى وصف أولياء اللّه بأعظم الصفات فكان مظنة التأكيد، كما ذكره الشيخ فى الاربعين و صاحب الكشاف عند قوله تعالى وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَ إِذا خَلَوْا إِلى‏ شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ.
 (و نظروا فكان نظرهم عبرة) نظروا الى الاشياء كلها و عبروا من أخسها الى أحسنها مثلا نظروا الى الدنيا و الآخرة فرأوا بعين البصيرة ان الدنيا دار الغرور و الآخرة دار القرار فطلبوا الآخرة و اشتغلوا باصلاحها و تركوا الدنيا باسرها و نظروا الى أحوال الصالحين و أحوال الفاسقين، و عرفوا التفاوت بينهما فطلبوا الاسوة بالصالحين (و نطقوا فكان نطقهم حكمة) و هى ما ينفع فى الآخرة من العلوم و المعارف و العقائد الصحيحة و الاخلاق الحسنة و الاعمال الصالحة، و هداية الخلق إليها و حثهم عليها، و ذلك لكمال اعتدالهم فى القوة العقلية.
 (و مشوا فكان مشيهم بين الناس بركة) لان قصدهم رفع الحوائج عن الناس و طلب المنافع لهم و دفع المضار عنهم مع أن وجودهم سبب لسعة أرزاقهم و رفع البلاء عنهم.
 (لو لا الآجال التى قد كتبت عليهم لم تقر أرواحهم فى أجسادهم خوفا من العذاب و شوقا الى الثواب) أراد أن غلبة الشوق الى ثواب اللّه و الخوف من عقابه على نفوسهم القدسية الى‏

159
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

26- عنه، عن بعض أصحابه من العراقيّين، رفعه قال: خطب النّاس الحسن بن علي صلوات اللّه عليهما فقال: أيّها الناس أنا اخبركم عن أخ لي كان من أعظم الناس في عيني و كان رأس ما عظم به في عيني، صغر الدّنيا في عينه، كان خارجا من سلطان بطنه، فلا يشتهي ما لا يجد و لا يكثر إذا وجد، كان خارجا من‏
__________________________________________________
غاية أن أرواحهم لا تستقر فى أجسادهم من ذلك، لو لا الآجال التى قد كتبت عليهم و هذا الخوف و الشوق يستلزمان دوام الجد فى العمل و الاعراض عن الدنيا، و مبدؤهما تصور عظمة الخالق و بحسب قوة ذلك التصور يكون قوة الخوف و الرجاء و هما بابان عظيمان للجنة. و ينبغى أن يعلم أن جوهر البسيط الانسانى اذا صفا عن الكدورات الجسمانية و خلا عن اللذات الطبيعية اتصل بعالم القدس و شاهد بنور البصيرة جمال الحق و استغرق فى تجلياته و قطع عنه علائق الكثرة. و هذه المرتبة هى مرتبة حق اليقين و ليست عند صاحب هذه المرتبة زيادة فرق بين تعلق جوهره ببدنه و تجرده عنه لان استعمال القوى البدنية لا يمنعه من النظر الى الكمال الحقيقى الا أن ذلك النظر بعد تجرده التام و مفارقته بالكلية عن ذلك التعلق أصفى و أتم اذ هو ما دام التعلق لا يخلو من خوف فوات تلك المرتبة بمقتضيات التعلق و الشهود التام، و الا من من الخوف انما يحصلان بعد التجرد التام و زوال التعلق بالكلية فلذلك صاحبها يترقب رفع هذا الحجاب و كشف هذا النقاب خوفا من العذاب، و أشده فوات هذه المرتبة و شوقا الى الثواب و أعظمه شهود جمال الحق.
قوله (أنا اخبركم عن أخ لى كان من أعظم الناس فى عينى) اريد بالاخ أبو ذر الغفارى على احتمال و بالاعظم الاعظم قدرا و منزلة.
 (و كان رأس ما عظم به فى عينى صغر الدنيا فى عينه) الرأس الاصل، و الصغر وزان قفل الذل و الهوان و هو خبر كان، و فاعل عظم ضمير الاخ و ضمير «به» عائد الى الموصول و الباء للسببية (كان خارجا من سلطان بطنه) أى لم يكن لبطنه سلطنة و غلبة حيث أمات قوته الشهوية و ذكر لهذا علامتين فقال:
 (فلا يشتهى ما لا يجد و لا يكثر اذا وجد) أى فلا يشتهى ما لا يجد من نعم الدنيا و لا يشتاق إليها و لا يكثر اذا وجد شيئا منها و ذلك لانه ترك الدنيا لهوانها. و الدرجة العليا و الغاية القصوى من ترك الدنيا قطع المألوفات و ترك المستحسنات و عدم صرف الهمة الى تحصيل ما لم يجد من المشتهيات و اكثار ما وجد من الزهرات.
 (كان خارجا من سلطان فرجه) أى لم يكن لفرجه عليه سلطنة أصلا أو فيما لا يجوز

160
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

سلطان فرجه، فلا يستخفّ له عقله و لا رأيه، كان خارجا من سلطان الجهالة فلا يمدّ يده إلّا على ثقة لمنفعة، كان لا يشتهي و لا يتسخّط و لا يتبرّم، كان أكثر دهره صمّاتا، فإذا قال بذّ القائلين كان لا يدخل في مراء، و لا يشارك في دعوى، و لا يدلي بحجّة حتّى يرى قاضيا، و كان لا يغفل عن إخوانه، و لا يخصّ نفسه بشي‏ء
__________________________________________________
استعماله فيه و ذكر لهذا أيضا علامتين فقال:
 (فلا يستخف له عقله و لا رأيه) استخفه خلاف استثقله، و معناه طلب منه الخفة يعنى فلا يطلب لاجل فرجه و قضاء شهوته الخفة من عقله و رأيه أو تدبيره فى اطاعتهما له و الحاصل أنه لا يجعل عقله و رأيه خفيفين سريعين مطيعين له فى قضاء حوائج الفرج بل عقله رزين و رأيه متين لا يحركهما عواصف اللذات، و ارجاع الضمير فى له الى الاخ، و رفع عقله و ما عطف عليه بعيد (كان خارجا من سلطان الجهالة) لكونه كاملا فى القوة العقلية فلا سلطنة للجهل عليه و ذكر لهذا علامة فقال:
 (فلا يمد يده الاعلى ثقة لمنفعة) لان العاقل العالم الكامل لا يتناول شيئا الا على ثقة و يقين بكونه منفعة لكونه عارفا بحقائق الاشياء و مباديها و مآلها و منافعها و مضارها بخلاف الجاهل فان أكثر ما يتناوله مضر فى الدنيا و الآخرة.
 (كان لا يشتهى و لا يتسخط و لا يتبرم) أى كان لا يحب الدنيا و لا يرغب فيها و لا يتسخط بنصيبه منها و ان قل، أو لا يستقله من تسخط عطاءه اذا استقله أو لا يغضب لاجلها و لا يضجر و لا يغتم بفواتها (كان أكثر دهره صماتا) أى كثير السكوت الا عن الخير، و المراد بالدهر هنا مدة العمر (فاذا قال بذا القائلين) أى فاذا تكلم بالحق غلب على القائلين و سبقهم لكمال عقله و كثرة علمه و صيرورة المعارف ملكة فى جوهر نفسه.
 (كان لا يدخل فى مراء و لا يشارك فى دعوى و لا يدلى بحجة حتى يرى قاضيا) فى المصباح ماريته أماريه مماراة و مراء جادلته، و يقال ماريته أيضا اذا طعنت فى قوله تزييفا للقول و تصغيرا للقائل. و لا يكون المراء الا اعتراضا بخلاف الجدال فانه يكون ابتداء و اعتراضا و أدلى بحجته احتج بها و أثبتها فوصل بها الى دعواه. يعنى كان لا يتعرض للمجادل و تزييف قوله و لا يتصدى للمدعى و ابطال دعواه و لا يتمسك بحجته فى اثبات مدعاه حتى يرى قاضيا بالحق قاطعا للنزاع و هذا من كمال النفس و رزانة العقل و التكلم فى هذه الامور قبل وجدان الحاكم العادل المميز بين الحق و الباطل من آداب السفهاء و سنن الجهلاء.
 (و كان لا يغفل عن اخوانه و لا يخص نفسه بشي‏ء دونهم) هذا من كمال شفقته ورقة قلبه و لينة طبعه حيث أنه لا يغفل عن تفقد أحوال اخوانه المؤمنين فى جميع الحالات و لا يخص‏

161
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

دونهم، كان ضعيفا مستضعفا فإذا جاء الجدّ كان ليثا عاديا، كان لا يلوم أحدا فيما يقع العذر في مثله حتّى يرى اعتذارا، كان يفعل ما يقول و يفعل ما لا يقول، كان إذا ابتزّه أمران لا يدري أيّهما أفضل نظر إلى أقربهما إلى الهوى فخالفه، كان لا يشكوا
__________________________________________________
نفسه دونهم بشي‏ء من الخيرات بل يريد لهم ما يريد لنفسه. و يكره لهم ما يكره لنفسه.
و وجه تخصيص كان هنا بالعطف خفى فليتأمل.
 (كان ضعيفا مستضعفا) منشأ الاول كثرة الصيام و القيام بالصلاة و سائر العبادات و السهر و خشونة المطعم و الملبس و هجر الملاذ و الشهوات الدنيوية. حتى صار ضعيفا فى بدنه و منشأ الثانى تواضعه للمؤمنين و عدم مجادلته و تغلبه عليهم حتى استضعفوه و عدوه ضعيفا و ان كان قويا فى نفس الامر كما أشار إليه بقوله، (فاذا جاء الجد كان ليثا عاديا) الجد الاجتهاد فى الامر و المراد به هنا المحاربة و المجاهدة، و السبع العادى الظالم الّذي يفترس الناس. يعنى ان كان وقت المجاهدة مع أعداء الدين فهو بمنزلة الاسد فى الهيبة و القوة و الصولة و هذا مقتبس من قوله تعالى فى وصف أمير المؤمنين و الائمة من أولاده الطاهرين عليهم السلام «أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ» و قرء «غاديا» بالغين المعجمة أيضا و انما وصف الاسد به لان الاسد اذا غدى كان جائعا فصولته أشد (كان لا يلوم أحدا فيما يقع العذر فى مثله حتى يرى اعتذارا) أى كان من عادته الحسنة أن لا يسرع بملامة أحد اذا قصر فى حقه لامكان أن يكون له عذر، و ليس المقصود اللوم بعد الاعتذار نظيره قولك لا أطلب رزقى حتى يأتينى لانك لم تقصد الطلب بعد اتيانه.
 (كان يفعل ما يقول و يفعل ما لا يقول) أى كان يفعل كل ما يقول و يأمر به غيره و يفعل ما لا يقوله، و فيه مبالغة لكمال عنايته بالتقرب الى اللّه تعالى، و تلميح الى تشبثه بقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ.
 (كان اذا ابتزه أمران لا يدرى أيها أفضل نظر الى أقربهما الى الهوى فخالفه) البز و الابتزاز: القهر و الغلبة و أخذ الشي‏ء بجفاء و قهر، و انما خالف ما تهواه النفس و تميل إليه و هو الاخف الاسهل لطلب الاثقل الاشق عليها.
 (كان لا يشكو وجعا الا عند من يرجو عنده البرء) و هو اللّه تعالى أو غيره أيضا، و ذلك لقوة صبره و احاطة علمه بأن الشكاية عند غيره شكاية من اللّه تعالى، و هذا ليس من دأب العارفين، و أما عند من يرجو البرء عنده فليس بشكاية بل طلب لعلاجه و هو ممدوح عقلا و شرعا. هذا حال الشكاية عن الوجع حال وجوده. و أما الشكاية عند بعد الصحة فقيل تجوز لانها نوع من الشكر. هذا يتم اذا قال مثلا كان بى وجع كذا فمن اللّه على بالصحة. أما لو قال مثلا كان بى وجع هو لم‏

162
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

وجعا إلّا عند من يرجو عنده البرء. و لا يستشير إلّا من يرجو عنده النصيحة، كان لا يتبرّم و لا يتسخّط و لا يتشكّى و لا يتشهّى و لا ينتقم و لا يغفل عن العدوّ فعليكم بمثل هذه الأخلاق الكريمة إن أطقتموها. فإن لم تطيقوها كلّها فأخذ القليل خير من ترك الكثير و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه.
27- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن مهزم، و بعض أصحابنا، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن إسحاق الكاهليّ، و أبو عليّ الأشعري، عن الحسين بن عليّ الكوفيّ، عن العبّاس بن عامر، عن ربيع بن محمّد، جميعا، عن مهزم الأسدي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا مهزم شيعتنا من لا يعد و صوته سمعه، و لا شحناؤه يديه و لا يمتدح بنا معلنا و لا يجالس لنا عائبا و لا يخاصم لنا قاليا، إن‏
__________________________________________________
يكن بأحد فالظاهر أنه شكاية من اللّه.
 (و لا يستشير الا من يرجو عنده النصيحة) لانه بنور بصيرته و كمال فطنته يعرف أحوال الناس و يميز بين الناصح و الغاش فلا يستشير فى أمر من اموره الا من يعلم أو يظن أنه ينصحه و يرشده الى مصالحه.
 (كان لا يتبرم و لا يتسخط و لا يتشكى) أى من الوجع فلا تكرار و التشكى شكوه و گله كردن (و لا يتشهى و لا ينتقم) تشهى آرزو كردن. انتقام كينه كشيدن از كسى، و فيه اشارة الى اعتداله فى القوة الشهوية و الغضبية و جعله اياهما تحت حكم العقل.
 (و لا يغفل عن العدو) الداخل و الخارج أما الداخل فكافراط القوتين المذكورتين و الاخلاق الذميمة و أهواء النفس الامارة بالسوء، و أما الخارج فكالشياطين من الجن و الانس و أفعال الجوارح الخارجة عن القوانين الشرعية، و فيه اشارة الى كماله فى القوة العقلية.
قوله (شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه) لخفاء صوته الدال على لين طبعه فان الصوت الشديد دال على غلظته و لذلك يكون مذموما كما قال عز و جل «إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ» و فى بعض النسخ «من لا يعلو».
 (و لا شحناؤه يديه) الشحناء العداوة و البغضاء يعنى أنهما تحت يده و قدرته يدفعهما باللطف و الرفق (و لا يمتدح بنا معلنا) امتداح ستودن من المدح و هو ثناء أحد بما فيه من الصفات الجميلة خلقية كانت أو اختيارية، و الظاهران الباء فى «بنا» للتعدية، و لعل وجه ذلك أن اعلان مدحهم مضر لهم و للمادح.
 (و لا يجالس لنا عائبا) لئلا يماثله و لا يشاركه فى الاثم و العقوبة و قد أمر اللّه تعالى‏

163
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

لقي مؤمنا أكرمه و إن لقي جاهلا هجره. قلت: جعلت فداك فكيف أصنع بهؤلاء المتشيّعة قال: فيهم التمييز و فيهم التبديل، و فيهم التمحيص، تأتي عليهم سنون تفنيهم و طاعون يقتلهم و اختلاف يبدّدهم. شيعتنا من لا يهرّ هرير الكلب و لا يطمع‏
__________________________________________________
بالاعراض عنه و نهى عن مجالسته بقوله «وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ» و قوله «قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَ يُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ» و الآيات الائمة عليهم السلام (و لا يخاصم لنا قاليا) أى مبغضا معاندا لان مخاصمته لا تثمر الا الضرر و زيادة العداوة و البغض (ان لقى مؤمنا أكرمه) لايمانه بأنحاء من الاكرام و الاعظام.
 (و ان لقى جاهلا هجره) لجهله و هو انه و للتحرز من أثر جهله و يندرج فى الجاهل العاصى و العالم الّذي لا يعمل بعلمه بل الهجر عنه اولى لان له قوة راى يغلب بها على صاحبه بالحيل و التزوير (قلت جعلت فداك فكيف اصنع بهؤلاء المتشيعة) أى الذين يدعون التشيع و ليس لهم معناه و علاماته.
 (قال فيهم التمييز و فيهم التبديل و فيهم التمحيص تأتى عليهم سنون تفنيهم و طاعون يقتلهم و اختلاف يبددهم) ذكر «ع» امورا توجب خروجهم من الفرقة الناجية أو هلاكهم بالاعمال و الاخلاق الشنيعة فى الدنيا و الآخرة. أحدهما التمييز بين الثابت الراسخ و غيره يقال مزته ميزا من باب باع بمعنى عزلته و فصلته من غيره، و الثقيل مبالغة و ذلك يكون فى المشتبهات نحو «لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ» و فى المختلطات نحو «وَ امْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ» و تميز الشي‏ء انفصاله من غيره، و ثانيها التبديل أى تبديل حالهم بحال أحسن أو تبديلهم بقوم آخرين لا يكونوا أمثالهم و اللّه يعلم، و ثالثها التمحيص و هو الابتلاء و الاختبار و التخليص تقول محصت الذهب بالنار اذا خلصته مما يشوبه، و بذلك التميز و الاختبار يخرج خلق كثير كما يدل عليه ما روى عن ابن أبى يعفور قال «سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: ويل لطغاة العرب من أمر قد اقترب، قلت: جعلت فداك كم مع القائم من العرب؟ قال نفر يسير، قلت: و اللّه ان من يصف هذا الامر منهم لكثير، قال: لا بدّ للناس من أن يمحصوا و يميزوا و يغربلوا و يستخرج فى الغربال خلق كثير» «1». و رابعها السنون و هى الجدب و القحط قال اللّه تعالى وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ و الواحد السنة و هى محذوفة اللام، و فيها لغتان أحدهما جعل اللام هاء و الاصل سنهة و تجمع على سنهات مثل سجدة و سجدات و تصغر على سنيهة و أرض سنهاء أصابتها السنهة أى الجدب، و الثانية جعلها واوا و الاصل سنوة و تجمع على سنوات مثل‏
__________________________________________________
 (1) تقدم فى المجلد السادس ص 320.

164
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

طمع الغراب و لا يسأل عدوّنا و إن مات جوعا. قلت: جعلت فداك فأين أطلب هؤلاء؟
قال: في أطراف الأرض، اولئك الخفيض عيشهم، المنتقلة ديارهم، إن شهدوا لم يعرفوا و إن غابوا لم يفتقدوا، و من الموت لا يجزعون، و في القبول يتزاورون، و إن‏
__________________________________________________
شهوة و شهوات و تصغر على سنية. و ارض سنواء أصابتها السنوة و تجمع فى اللغتين كجمع المذكر السالم أيضا فيقال: سنون و سنين و تحذف النون للاضافة، و فى لغة تثبت الياء فى الاحوال كلها و تجعل النون حرف اعراب تنون فى التنكير و لا تحذف مع الاضافة كانها من اصول الكلمة و على هذه اللغة قوله «ص» اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف. و خامسها الطاعون و هو الموت من الوباء و الجمع الطواعين و طعن الانسان بالبناء للمفعول أصابه الطاعون فهو مطعون.
و سادسها اختلاف يبددهم أى اختلاف بينهم بالتدابر و التقاطع و التنازع أو غيرها يبددهم و يفرقهم تفريقا شديدا تقول بددت الشي‏ء بدا من باب قتل اذا فرقته و التثقيل مبالغة و تكثير.
 (شيعتنا من لا يهر هرير الكلب و لا يطمع طمع الغراب) الهرير صوت الكلب و هو دون النباح و هو مصدر هريهر من باب ضرب و به يشبه نظر الكماة بعضهم الى بعض، و منه ليلة الهرير و هى وقعة كانت بين على «ع» و معاوية بظاهر الكوفة، و فيه اشارة الى أن الشيعة من كسر قوته الشهوية و الغضبية فان افراط القوة الغضبية فى رجل يجعله شبيها بالكلاب و افراط القوة الشهوية يجعله شبيها بالغراب.
 (و لا يسأل عدونا و ان مات جوعا) كانه من باب المبالغة أو مع امكان سؤال غير العدو و الا فالظاهر أن السؤال مطلقا عند ظن الموت من الجوع واجب، ثم المراد بالسؤال السؤال بلا عوض، و أما معه كالاقتراض فالظاهر أنه جائز.
 (قلت جعلت فداك فأين أطلب هؤلاء) لقلة وجود من اتصف بالصفات المذكورة.
 (قال فى أطراف الارض) لانهم يستوحشون من الناس لما رأوا منهم ما يوجب تنفر القلوب عنهم (أولئك الخفيض عيشهم) العيش زندگانى و الخفض الراحة، و وجه كون عيشهم خفيضا أنهم تركوا الدنيا و لم يحملوا على أنفسهم ثقل ملاذها و نزهوا قلوبهم عن لوث همومها و غمومها (المنتقلة ديارهم) لانهم سائحون فى الارض و ليس لهم مسكن معين لان طلب الفيض المستعد لقبوله لا بدّ له من رفع الموانع و أعظمها صحبة الناس، الذين طبائعهم معوجة و قلوبهم منكوسة، و عقولهم ضعيفة، و شهواتهم قوية، و رفع هذا المانع لا يمكن الا بالفرار من ديارهم، و رفض الميل الى أطوارهم.
 (ان شهدوا لم يعرفوا) لعدم شهرتهم و خمول ذكرهم بين الناس.
 (و ان غابوا لم يفتقدوا) أى لم يطلبوا الاستنكاف الناس من صحبتهم و عدم اعتنائهم بشأنهم‏

165
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

لجأ إليهم ذو حاجة منهم رحموه، لن تختلف قلوبهم و إن اختلف بهم الديار، ثمّ قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أنا المدينة و عليّ الباب، كذب من زعم أنّه يدخل المدينة لا من قبل الباب و كذب من زعم أنّه يحبّني و يبغض عليّا صلوات اللّه عليه.
28- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: من عامل الناس فلم يظلمهم و حدّثهم فلم يكذبهم و وعدهم فلم يخلفهم كان ممّن حرّمت غيبته و كملت مروءته و ظهر عدله و وجبت اخوّته‏
__________________________________________________
و قد روى عن النبي «ص» أنه قال: «ان اللّه يحب من خلقه الاصفياء الاخفياء الشعثة رءوسهم، المغبرة وجوههم الخمصة بطونهم الذين اذا استأذنوا على الامراء لم يؤذن لهم، و و ان خطبوا المتنعمات لم ينكحوا، و ان غابوا لم يفتقدوا، و ان طلعوا لم يفرح بطلعتهم، و ان مرضوا لم يعادوا، و ان ماتوا لم يشهدوا».
 (و من الموت لا يجزعون) لان أولياء اللّه يحبون الموت و يتمنونه لرفع الحجاب و التخلص من ألم الفراق فكيف يجزعون منه.
 (و فى القبور يتزاورون) أى يزور بعضهم بعضا فى البرزخ الى يوم يبعثون و هم أحياء مرزوقون، أو يزور احياؤهم أمواتهم فى المقابر و الاموات لا يؤذون الزائر و لا يغتابون الغائب و يعظون الحاضر بلسان الحال بل بلسان المقال.
 (و ان لجأ إليهم ذو حاجة منهم رحموه) لنزاهة نفوسهم و طهارة قلوبهم و رفق صدورهم و احاطة علمهم بأن قضاء حوائج المضطر الملتجئ من صفات الكرام و رده مع الاقتدار من سمات اللئام (لن تختلف قلوبهم و ان اختلفت بهم الديار) أى قلوبهم متوافقة غير مختلفة و ان كانت ديارهم مختلفة متباعدة لان مقصدهم واحد و طريقتهم واحدة بخلاف غيرهم فان قلوبهم مختلفة لانهم تابعون للنفس الامارة بالسوء و أهوائها و طرقها مختلفة أو قلب كل واحد غير مختلف و لا متغير من حال الى حال و ان اختلفت دياره و منازله، لانسه باللّه و عدم تعلقه بغيره فلا يستوحش بالوحدة و الغربة و اختلاف الديار، لان مقصوده و أنيسه واحد حاضر معه فى الديار كلها بخلاف غيره لان قلبه لما كان متعلقا بغيره تعالى يأنس به اذا وجده و يستوحش اذا فقده. هذا من باب الاحتمال و اللّه يعلم.
قوله (من عامل الناس فلم يظلمهم و حدثهم فلم يكذبهم- الخ) دخل فى المعاملة البيع و الشراء و الخلطة و غيرها و فى الحديث نقل الروايات و غيرها و فى الوعد وعد الاعطاء و غيره، و حرمة غيبته أعظم و أفحش، و الظاهر أن المفهوم و هو جواز غيبة غيره غير مراد، و زجره بالنهى‏

166
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

29- عنه، عن ابن فضّال، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن عبد اللّه بن الحسن، عن أمّه فاطمة بنت الحسين بن عليّ عليهما السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ثلاث خصال من كنّ فيه استكمل خصال الإيمان: إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، و إذا غضب لم يخرجه الغضب من الحقّ، و إذا قدر لم يتعاط ما ليس له‏
__________________________________________________
عن المنكر أمر آخر غير الغيبة، و المروة آداب نفسانية تحمل مراعاتها الانسان على الوقوف عند محاسن الاخلاق و جميل العادات، يقال مرأ الانسان فهو مرى‏ء مثل قرب فهو قريب أى ذو مروة، قال الجوهرى و قد تشدد فيقال: مروة. و العدل ملكة تحصل بتعديل القوى كلها و اقامتها على قانون الشرع و العقل و توجب صدور الافعال الجميلة بسهولة فصدور تلك الافعال دائما دليل على وجوده و ظهوره، و المراد بوجوب الاخوة وجوب رعاية حقوقها التى مر بعضها.
قوله (ثلاث خصال من كن فيه استكمل [1] خصال الايمان) لان هذه الثلاث امهات‏
__________________________________________________
 [1] قوله «ثلاث خصال من كن فيه استكمل» يشير الى ما ذكره علماء الاخلاق عند ضبط الفضائل و الرذائل قالوا أصل الفضيلة الاعتدال و أصل الرذيلة الخروج منه الى الافراط او التفريط و ذلك اما بالنسبة الى القوة الشهوية التى آتاها اللّه تعالى الحوان لجذب ما ينفعه أو الى القوة الغضبية التى آتاها اللّه اياه لدفع ما يضره و اما بالنسبة الى قوة تميز خيره من شره. و الاعتدال فى الاولى هو العفة و فى الثانية الشجاعة و فى الثالثة الحكمة. و الرذيلة فى القوة الشهوية الخمود و الرهبانية و التقشف و أمثالها أو الافراط فى الاكل و الوقوع و اقتناء الملاهى و التجمل فوق ما ينبغى و أمثال ذلك. و فى القوة الغضبية عدم الغيرة و الجبن و الخوف و التذلل أو الافراط فى اظهار العداوة و الضرب و الشتم و الحسد و الغيبة و التهور و الاستشاطة باقل شي‏ء لا ينبغى أن يستشاط به و الرذيلة فى التميز السفاهة و البلاهة و الخلابة و حسن الظن بمن لا ينبغى أن يحسن الظن به ثم الافراط فى الحيلة و المكر و الجربزة لسوء الظن بالناس أكثر مما ينبغى و التحذر مما لا يجوز التحذر عنه و بالجملة فكل الرذائل يرجع الى الافراط أو التفريط فى احدى هذه القوى الثلاث و يشير «ع» الى الاعتدال فى الشهوة بقوله اذا رضى لم يدخله رضاه فى باطل. و الى الاعتدال فى الغضب بقوله و اذا غضب لم يخرجه الغضب من الحق. و الى الاعتدال فى التميز بقوله و اذا قدر لم يتعاط ما ليس له. فان قيل هذا لا يدل على كون السفاهة و البلاهة رذيلة بل على الجربزة فقط إذ بها يتعاطى ما لا يستحقه و أما البلاهة فتقتضى ترك ما يستحقه قلنا لعل البلاهة نقص لا يكلف بالتحذر عنه لعدم القدرة.

167
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

30- عنه، عن أبيه، عن عبد اللّه بن القاسم، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام‏
__________________________________________________
يتولد منها خصال الايمان كلها اذ هى اذا تحققت تحقق العدل و العدل ملزوم لجميع الخصال.
__________________________________________________
اذا عرفت ذلك فيمكنك أن تنظر فى جميع ما سبق و يأتى من روايات هذا الباب و هى تسعة و ثلاثون حديثا فتعرف أن مرجع جميع ما ذكر فيهما من الفضائل و الرذائل الى ما فى هذا الحديث، فابتدأ بحديث همام و أوله على ما فى الكافى «المؤمن هو الكيس الفطن» فثبت منه أن البلاهة رذيلة. قوله «بشره فى وجهه و حزنه فى قلبه» اشارة الى تملكه قوته الغضبية فان العبوس غاضب على من لا يستحق و أكثر فقره راجعة الى القوة الغضبية و الحكمة فى تحصيل المعرفة و العمل بها و اوّل هذا الحديث فى نهج البلاغة فى وصف المتقين «هم أهل الفضائل منطقهم الصواب و ملبسهم الاقتصاد و مشيهم التواضع».
فقوله «منطقهم الصواب» اشارة الى التوسط بين البلاهة و الجربزة و ملبسهم الاقتصاد ناظر الى التوسط فى القوة الشهوية و مشيهم التواضع الى التوسط فى القوة الغضبية و هكذا ساير فقرات الخطبة ينطبق على الاعتدال فى احدى القوى. و مما يناسب التنبه له هاهنا أن حديث همام فى الكافى و نهج البلاغة مختلفان جدا فى أكثر عباراتهما بل لا يتفقان الا فى جمل قليلة، بل ورد فى الامالى بألفاظ يخالفهما أيضا و الاعتماد على المعنى و كون مضامين جميعها موافقة لما نعلم ثبوته فى الدين الحنيف من محاسن الاخلاق و مساويها و لا حاجة فى أمثال هذه الامور الى الاسناد البتة.
و مما يناسب التنبيه عليه أن الاعتدال فى كل شي‏ء حسن و الافراط و التفريط مزلة حتى فى الاعتماد على الروايات و الاسانيد و ممن افرط فى الاعتماد من يزعم أن جميع الفاظ الاحاديث بخصوصياتها صادرة عن المعصوم علما أو ظنا اطمينانيا فيحتجون بكل شي‏ء حتى بكلمة انما و الا و التقديم و التأخير و المعرف باللام و غيره. و ممن فرط فى الانكار من زعم أن جميع الاحاديث أو اكثرها مصنوعة مختلقة لا يعتمد عليها و لا حجة فيها و الاعتدال ان يعتقد حفظ أكثر المضامين و المعانى و عدم امكان نقل عين الالفاظ و الشاهد فى ذلك حديث همام و أمثاله حسبما أشرنا إليه فان الفاظها و عباراتها لا يتفق فى الروايات و لو كانت عين الالفاظ محفوظة لم تختلف و نقل الرواة كلام المعصوم نظير نقل التلاميذ مذهب أساتيدهم و نقل المستمعين ما سمعوه من خطبائهم و نقل كل رسالة من أحد الى غيره شفاها فى الامور الدنيوية و الحوائج المعاشية و التعدى عن ذلك افراط أو تفريط اللهم الا فى جوامع الكلم‏

168
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّ لأهل الدّين علامات يعرفون بها: صدق الحديث و أداء الأمانة و وفاء بالعهد و صلة الأرحام و رحمة الضعفاء و قلّة المراقبة للنساء- أو قال، قلّة المواتاة للنساء- و بذل المعروف و حسن الخلق و سعة الخلق و اتّباع العلم و ما يقرّب إلى اللّه عزّ و جلّ زلفى، طُوبى‏ لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ، و طوبى شجرة في الجنّة أصلها في دار النبيّ محمّد صلى اللّه عليه و آله و ليس من مؤمن إلّا و في داره غصن منها لا يخطر على قلبه شهوة شي‏ء إلّا أتاه به ذلك و لو أنّ راكبا مجدا سار في ظلّها مائة عام ما
__________________________________________________
قوله (و قلة المراقبة- للنساء او قال قلة المواتاة للنساء-) مراقبة چيزى را چشم داشتن و لعل المراد بها النظر الى النساء الاجنبيات و أدبارهن، و يمكن أن يراد محافظة آرائهن من رقبته أرقبة من باب قتل اذا حفظته و المواتاة موافقت كردن با كسى در كارى تقول و اتيته على كذا مواتاة اذا وفقته و طاوعته و أصل و اتيته آتيته، و أهل اليمين يبدلون الهمزة واوا و اشتهرت لغتهم على ألسنة الناس و لعل المراد الحث على مخالفة آرائهن كما روى «شاوروهن و خالفوهن» (و بذل المعروف) أى الخير و هو الاحسان بالفضل من المال الى الغير.
 (و حسن الخلق وسعة الخلق و اتباع العلم) لعل المراد بحسن الخلق حسن الهيئة و هو كون كل عضو على حد يليق به فان ذلك دليل على استقامة المزاج و لين الطبع و صحة الافعال غالبا الا أنه ليس من صنع العبد و أنه يوجد فى غير أهل الدين كما قال عز و جل فى وصف المنافقين «وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ» و يمكن أن يراد به حسن الاعضاء الظاهرة بالاعمال الفاضلة فانه من علامات أهل الدين. و بسعة الخلق تحققه بالنسبة الى الناس كلهم من غير فرق بين القريب و البعيد و الشريف و الوضيع أو صفحه عن الزلات كلها صغارها و كبارها و باتباع العلم تعلمه أو العمل به أو الاعم.
 (و لو أن راكبا مجدا سار فى ظلها مائة عام ما خرج منه) كان هذه الشجرة هى التى فى رواية مسلم عن أبى سعيد الخدرى عن النبي «ص» قال ان فى الجنة لشجرة يسير راكب الجواد المضمر السريع فى ظلها مائة عام» و فى اخرى «يسير الراكب فى ظلها مائة سنة» قال عياض ظلها كنفها و هو ما يستره أغصانها و قد يكون ظلها نعيمها و راحتها من قولهم عيش ظليل، و احتيج الى تأويل الظل بما ذكر هربا عن الظل فى العرف لانه ما بقى حر الشمس فى الجنة و لا برد
__________________________________________________
و قصارها التى تقتضى حسن تركيب ألفاظها ان تثبت فى أذهان الناقلين مثل «الرضاع لحمة كلحمة النسب. و لا ضرر و لا ضرار» و قد تنتخب الرواة من أمثال هذه الالفاظ الواقعة فى كلام النبي «ص» و أمير المؤمنين «ع» فى خطبهم نحو عشرها أو أقل فى أسطر قليلة لا يمكن أن تكون الخطبة مقصورة عليها لقصرها. (ش)

169
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

خرج منه، و لو طار من أسفلها غراب ما بلغ أعلاها حتّى يسقط هرما، ألا ففي هذا فارغبوا، إنّ المؤمن من نفسه في شغل و الناس منه في راحة، إذا جنّ عليه اللّيل افترش وجهه و سجد للّه عزّ و جلّ بمكارم بدنه يناجي الذي خلقه في فكاك رقبته، ألا [ف] هكذا فكونوا.
31- عنه، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عن سليمان بن عمرو النخعي قال: و حدّثني الحسين بن سيف، عن أخيه عليّ، عن سليمان عمّن ذكره، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سئل النبي صلى اللّه عليه و آله عن خيار العباد فقال: الذين إذا أحسنوا استبشروا و إذا أساءوا استغفروا و إذا اعطوا شكروا و إذا ابتلوا صبروا و إذا غضبوا غفروا.
32- و بإسناده، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: إنّ خياركم أولو النهى، قيل: يا رسول اللّه و من أولو النهى، قال: هم أولو الأخلاق الحسنة و الأحلام الرزينة و صلة الأرحام و البررة بالامّهات و الاباء و المتعاهدون للفقراء و الجيران و اليتامى و يطعمون الطعام و يفشون السلام في العالم و يصلّون و الناس نيام غافلون.
33- عنه، عن الهيثم النهدي، عن عبد العزيز بن عمر، عن بعض أصحابه، عن يحيى بن عمران الحلبيّ قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أيّ الخصال بالمرء أجمل؟
فقال: وقار بلا مهابة و سماح بلا طلب مكافاة و تشاغل بغير متاع الدّنيا
__________________________________________________
و انما نور يتلألأ. انتهى. و قال المازرى المضمر بفتح الضاد و شد الميم و رواه بعضهم بكسر الميم الثانية صفة للراكب المضمر فرسه.
قوله (و يصلون و الناس نيام غافلون) نام ينام من باب علم نوما و مناما فهو نائم و الجمع نائمون و نوم و نيام أيضا و النوم غشية ثقيلة تهجم على القلب فتقطعه عن المعرفة بالاشياء و لهذا قيل هو أخو الموت و يقال أيضا نام عن حاجته اذا لم يهتم بها. و قوله «غافلون» خير بعد خبر للدلالة على التعميم أو تفسير للنيام و تنبيه على أن المراد بالنوم الغفلة للمشاركة فى التسبب لعدم الادراك كما قال أمير المؤمنين «ع» «الناس نيام اذا ماتوا انتبهوا».
قوله (وقار بلا مهابة) الوقار الرزانة و العظمة، و المهابة بزرگى كردن و خشم‏آورى داشتن و ترسيدن و هى صفة تحصل بفساد القوة الغضبية. و تجاوزها عن حدها. و أما المهابة

170
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

34- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولّاد الحنّاط، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام يقول:
إنّ المعرفة بكمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه و قلّة مرائه، و حلمه و صبره و حسن خلقه.
35- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن محمّد بن عرفة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: ألا اخبركم بأشبهكم بي؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه قال: أحسنكم خلقا و ألينكم كنفا، و أبرّكم بقرابته، و أشدّكم حبّا لإخوانه في دينه، و أصبركم على الحقّ، و أكظمكم للغيظ، و أحسنكم عفوا، و أشدّكم من نفسه إنصافا في الرّضا و الغضب.
36- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن أبي حمزة، عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال: من أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الإقتار، و التوسّع على قدر التوسّع، و إنصاف الناس، و ابتداؤه إيّاهم بالسّلام عليهم.
37- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: المؤمن أصلب من الجبل، الجبل يستقلّ منه‏
__________________________________________________
من الاولياء فهى من قبله تعالى لا للفساد فى تلك القوة (و سماح بلا طلب مكافاة) أى مكافاة عوض أو ثناء و شكر، و السماحة على هذا الوجه هى السخاوة و الجود حقيقة و هى فى البشر قليلة (و تشاغل بغير متاع الدنيا) أى تشاغل باللّه و بما يقرب منه لا بمتاع الدنيا و زهراتها.
قوله (و ألينكم كنفا) الكنف الجانب. و لين الجانب سبب لميل الخلق إليه كما قال عز و جل وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ.
قوله (من اخلاق المؤمن الانفاق على قدر الإقتار و التوسع على قدر التوسع) كما نطقت به الآية الكريمة فالمؤمن لا يمنع أهله من الانفاق ما يقدر عليه و لا يرتكب منه ما لا يقدر عليه (و ابتداؤه اياهم بالسلام عليهم) لما فيه من التواضع و التعظيم و جلب المودة و المحبة و الاجر العظيم.
قوله (المؤمن أصلب من الجبل الجبل يستقل منه و المؤمن لا يستقل من دينه شي‏ء)

171
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

و المؤمن لا يستقلّ من دينه شي‏ء.
38- عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المؤمن حسن المعونة، خفيف المئونة، جيد التدبير لمعيشته، لا يلسع من جحر مرّتين‏
__________________________________________________
أى الجبل ينقص و يؤخذ منه بعضه بالفأس و المعول و نحوهما، و المؤمن لا ينقص شي‏ء من دينه بمعول الشبهات نظيره ما روى عنه «ص» «المؤمن كالجبل لا تحركه العواصف» أى هو كالجبل لا تحركه ريح الهوى و لا شهوة المنى.
قوله (المؤمن حسن المعونة خفيف المئونة) المعونة يارى دادن. و المئونة رنج و سختى كشيدن و گران‏بار بودن، و ذلك لانه رفيق زاهد فبرفقه بخلق اللّه حسنت معونته، و بزهده فى الدنيا خفت مئونته.
 (جيد التدبير لمعيشته) المعيشة مكسب الانسان الّذي يعيش به و ذلك باختياره طريقا مشروعا غير مذموم عقلا و شرعا و عرفا مقتصرا على قدر الكفاف.
 (لا يلسع من جحر مرتين) اللسع گزيدن مار و كژدم. و الجحر بتقديم الجيم المضمومة على الحاء المهملة الساكنة ثقبة الحية أو اليربوع أو الضب و هو استعارة هاهنا أى لا يخدع المؤمن من جهة واحدة مرتين فانه بالاولى يعتبر و مثله رواه مسلم عن النبي «ص» قال الخطابى يروى بضم العين و سكونها فالضم على وجه الخبر و معناه أن المؤمن هو الكيس الحازم الّذي لا يؤتى من جهة الغفلة فيخدع مرة بعد مرة و هو لا يفطن لذلك و لا يشعر به، و المراد به الخداع فى أمر الدين لا أمر الدنيا، و أما الكسر فعلى وجه النهى أى لا يخدعن المؤمن و لا يؤتين من ناحية الغفلة فيقع فى مكروه أو شر و هو لا يشعر به، و ليكن فطنا حذرا و هذا التأويل يصلح أن يكون لامر الدين و الدنيا معا، و ذكر عياض هذين الوجهين و رجح الخبر بأن سبب قوله «ص» هذا أن أبا قرة الشاعر أخا مصعب بن عمير كان اسر يوم بدر فسأل النبي «ص» أن يمن عليه ففعل و عاهده أن لا يحرض عليه و لا يهجوه فلما لحق بأهله عاد الى ما كان عليه ثم انه اسر يوم احد فسئله أيضا أن يمن عليه فقال «ص» هذا الكلام البليغ الجامع الّذي لم يسبق إليه و فيه تنبيه عظيم على أنه اذا رأى الاذى من جهة لا يعود إليها ثانية. و قال الابى:
رجح الخطابى النهى بعد ذكر الوجهين و كانه لم يبلغه أى الخطابى سبب قوله «ص» هذا الكلام و لو بلغه لم يحمله على النهى و أجاب الطيبى بأنه و ان بلغه السبب فلا يبعد النهى بل هو أولى من الخبر و ذلك أنه لما دعته نفسه «ص» الزكية الكريمة الى الحلم و الصلح جرد من نفسه مؤمنا حازما فطنا و نهاه أن ينخدع لهذا المتمرد الخائن و كان مقام الغضب للّه‏

172
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب المؤمن و علاماته و صفاته ص 127

39- عليّ بن محمّد بن بندار، عن إبراهيم بن إسحاق، عن سهل بن الحارث، عن الدلهاث مولى الرضا عليه السّلام قال: سمعت الرضا عليه السّلام يقول: لا يكون المؤمن مؤمنا حتّى يكون فيه ثلاث خصال: سنّة من ربّه و سنّة من نبيّه و سنّة من وليّه، فأمّا السنّة من ربّه فكتمان سرّه، قال اللّه عزّ و جلّ: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى‏ غَيْبِهِ أَحَداً. إِلَّا مَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ و أما السنّة من نبيّه فمداراة الناس فإنّ اللّه عزّ و جلّ أمر نبيّه صلى اللّه عليه و آله بمداراة الناس فقال: «خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ» و أمّا السنّة من وليّه فالصبر فى البأساء و الضرّاء.
 (باب فى قلة المؤمن)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن قتيبة الأعشى قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: المؤمنة أعزّ من المؤمن و المؤمن أعزّ من الكبريت الأحمر، فمن رأى منكم الكبريت الأحمر
__________________________________________________
تعالى فأبى الا الانتقام من أعداء اللّه لان الانتقام منهم مطلوب و التجريد أحد ألقاب البديع و محسناته، و بيان أنه أولى أنه اذا حمل على الخبر تفوت دلالة الحديث على طلبه الانتقام.
قوله (وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ)
 العرف الجود و كل ما يبذله و يعطيه (فالصبر فى البأساء و الضراء) كالفقر و الفاقة و المرض و الصعوبة و القحط و أمثالها و هما متقاربان و قيل البأساء ما يتعلق بالمال كالفقر و التلف و غيرهما و الضراء ما يتعلق بالبدن كالمرض و العمى و نحوهما، قوله (المؤمنة اعز من المؤمن و المؤمن أعز من الكبريت الاحمر) أى المؤمنة أقل وجودا من المؤمن لان المرأة الصالحة الكاملة فى غاية الندرة لضعف عقولهن و شدة ميلهن الى الدنيا و زينتها و كمال بعدهن عن أحكام اللّه تعالى، و المراد بالمؤمن المؤمن الكامل و هو الّذي تشبث بالمنجيات و تحرز عن المهلكات بتهذيب الظاهر و الباطن عن الرذائل و تحليتها بالفضائل و شاهد جمال الاسرار بعين اليقين بكشف الحجاب و رفع النقاب فاطمأن لها قلبه و استراح بها روحه، و لا ريب فى أن مثله نادر (فمن رأى منكم الكبريت الاحمر) فيه مبالغة فى قلة وجوده لا فى نفيه مع احتماله و الكبريت فعليت معروف «1».
__________________________________________________
 (1) قوله (و الكبريت معروف) و لكن الكبريت الاحمر غير معروف و يقال انه جوهر و معدنه خلف بلاد التبت و القدر المسلم انه كان شيئا نادر الوجود سواء كان من جنس الجواهر الكريمة او نوعا من الذهب او من اليواقيت الحمراء و لا حاجة الى تحقيق ذلك. (ش).

173
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى قلة المؤمن ص 173

2- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نجران، عن مثنّى الحنّاط، عن كامل التمّار قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: النّاس كلّهم بهائم- ثلاثا- إلّا قليل من المؤمنين و المؤمن غريب- ثلاث مرّات-.
3- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لأبي بصير: أما و اللّه لو أنّي أجد منكم ثلاثة مؤمنين يكتمون حديثي ما استحللت أن أكتمهم حديثا.
4- محمّد بن الحسن، و عليّ بن محمّد بن بندار، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد اللّه ابن حمّاد الأنصاري، عن سدير الصيرفي قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت له: و اللّه ما يسعك القعود، فقال: و لم يا سدير؟ قلت: لكثرة مواليك و شيعتك و أنصارك و اللّه لو كان لأمير المؤمنين عليه السّلام ما لك من الشيعة و الأنصار و المولي ما طمع فيه تيم و لا عديّ. فقال: يا سدير و كم عسى أن يكونوا؟ قلت: مائة ألف، قال: مائة ألف؟ قلت:
نعم و مائتي ألف، قال: مائتي ألف؟ قلت: نعم و نصف الدّنيا، قال: فسكت عنّي ثمّ قال يخفّ عليك أن تبلغ معنا إلى ينبع قلت: نعم فأمر بحمار و بغل أن يسرجا، فبادرت‏
__________________________________________________
قوله (الناس كلهم بهائم) فى عدم العقل و ادراك الحق لان المطاعم الحاضرة و المنافع الداثرة و اللذات الظاهرة أعمت بصائر قلوبهم عن ادراك الايمان و نيل العرفان و مشاهدة الايقان، و أبعدتهم من الكمالات النفسانية و الحقيقة الانسانية و المقامات الروحانية فصاروا يأكلون و يشربون و ينكحون غاية همهم بطونهم و نهاية قصدهم فروجهم و هم عن مآل أحوالهم غافلون و عن قبح أعمالهم جاهلون كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون.
قوله (المؤمن عزيز) فى بعض النسخ غريب. الغريب من سكن فى منزل غيره و بعد عن الاهل و الاقران و المؤمن كذلك لانه بعد عن أهل الايمان و سكن فى منزل أهل الكفر و العصيان قوله (أما و اللّه لو أنى أجد منكم ثلاثة مؤمنين يكتمون حديثى ما استحللت أن أكتمهم حديثا) دل على أن المؤمن الكامل الّذي يستحق أن يكون صاحب السر قليل و ان التقية و اخفاء السر صدرا منه «ع» و أنهما كانا من أكثر من يدعى الايمان كما كانا من أهل الكفر و الطغيان و أخبار شكايتهم عليهم السلام و اخفاء علومهم و أسرارهم عن المتشيعين أكثر من أن تحصى.
قوله (يخف عليك أن يبلغ معنا الى ينبع) ينبع بفتح الياء و سكون النون و ضم‏

174
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى قلة المؤمن ص 173

فركبت الحمار، فقال: يا سدير أ ترى أن تؤثرني بالحمار؟ قلت: البغل أزين و أنبل، قال: الحمار أرفق بي، فنزلت فركب الحمار و ركبت البغل فمضينا فحانت الصلاة، فقال: يا سدير أنزل بنا نصلّي، ثم قال: هذه أرض سبخة لا تجوز الصّلاة فيها فسرنا حتّى صرنا إلى أرض حمراء و نظر إلى غلام يرعى جداء فقال: و اللّه يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود و نزلنا و صلّينا فلمّا فرغنا من الصّلاة عطفت على الجداء فعددتها فإذا هي سبعة عشر.
5- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان عن سماعة بن مهران قال: قال لي عبد صالح صلوات اللّه عليه: يا سماعة أمنوا على فرشهم و أخافوني أما و اللّه لقد كانت الدّنيا و ما فيها إلّا واحد يعبد اللّه و لو كان معه غيره لأضافه اللّه عزّ و جلّ إليه حيث يقول:
__________________________________________________
الباء الموحدة قرية بها حصن على سبع مراحل من المدينة من جهة البحر بين مكة و المدينة (قلت البغل أزين و أنبل) أى أكبر و أفضل فهو لذوى الشرف أجدر و أجمل و انما فعل ذلك تواضعا له عليه السلام و رعاية للادب و اختار عليه السلام الحمار تواضعا و هضما لنفسه مع سهولة الركوب و النزول (فقال يا سدير انزل بنا نصلى. ثم قال هذه أرض سبخة لا تجوز الصلاة فيها) الامر بالنزول أولا ثم الاعراض عنه للتنبيه على أنه لا يجوز الصلاة فى السبخة و هو محمول على الكراهة.
 (و نظر الى غلام يرعى جداء) قال بعض أهل اللغة الجدى الذكر من أولاد المعز و الانثى عناق و قيده بعضهم بكونه فى السنة الاولى و الجمع أجد و جداء مثل دلو و ادل و دلاء و الجدى بالكسر لغة ردية (فقال و اللّه يا سدير لو كان لى شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعنى القعود) يظهر منه أن الصاحب (ع) مع كثرة المنتسبين إليه من الشيعة لا يكون له شيعة فى الواقع بهذا العدد و الا لما وسعه القعود لعدم الفرق بينه و بينه عليهما السلام.
قوله (يا سماعة أمنوا على فرشهم و أخافونى) شكاية من الفرقة المتشيعة حيث أذاعوا الاسرار و أخافوه من الامراء الاشرار، و أشار الى قلة وجود عبد خالص للّه بقوله:
 (أما و اللّه لقد كانت الدنيا و ما فيها الا واحد يعبد اللّه) الواو للحال «و ما» نافية.
 (و لو كان معه غيره) من أهل الايمان لاضافة اللّه عز و جل إليه لان الغرض ذكر أهل الايمان التارك للشرك فلو كان معه غيره لذكره.
 (حيث يقول «إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَ لَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ») الامة الجماعة

175
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى قلة المؤمن ص 173

 «إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَ لَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» فغبر بذلك ما شاء اللّه ثمّ إنّ اللّه آنسه بإسماعيل و إسحاق فصاروا ثلاثة أما و اللّه إنّ المؤمن لقليل و إنّ أهل الكفر لكثير أ تدري لم ذاك؟
فقلت: لا أدري جعلت فداك فقال: صيّروا انسا للمؤمنين، يبثّون إليهم ما في صدورهم فيستريحون إلى ذلك و يسكنون إليه‏
__________________________________________________
من الناس و أتباع الأنبياء عليهم السلام و الجمع امم مثل غرفة و غرف، و يطلق على عالم دهره، المنفرد بعلمه، الجامع للخير. المقتدى لغيره. كما فى المصباح و كنز اللغة و غيرهما، و هذا هو المراد هنا، و القنوت الدعاء و العبادة، و الحنيف المسلم لانه مائل الى الدين المستقيم و الناسك أيضا (فغبر بذلك ما شاء اللّه) غبر غبورا من باب قعد مضى و قد يستعمل فيما بقى أيضا فيكون من الاضداد. و قال الزبيدى: غير غبورا مكث و فى لغة بالمهملة للماضى و بالمعجمة للباقى (أما و اللّه ان المؤمن لقليل و ان أهل الكفر لكثير) المراد بالمؤمن المؤمن الكامل و بأهل الكفر من سواهم فان ادعوا الايمان ظاهرا فان غير المؤمن الكامل لا يخلو من كفر ما، ثم بين وجه ايمانهم مع اتصافهم بالكفر بأن اللّه تعالى صيرهم أنسا للمؤمنين الكاملين و أما كثرتهم فهو لغرورهم بالدنيا و وغولهم فيها و الدنيا تخدع أكثر من فيها، و الغرض من هذا الحديث بيان قلة أهل الايمان و الحمل على الصبر عليها و عدم الاستيحاش من الوحدة كما يرشد إليه قول أمير المؤمنين «ع» «أيها الناس لا تستوحشوا فى طريق الهدى لقلة أهله فان الناس اجتمعوا على مائدة شيعتها قصيرة و جوعها طويل» قال بعض الافاضل لما كانت العادة أن يستوحش الناس من الوحدة و قلة الرفيق فى طريق طويل صعب، نهى «ع» عن الاستيحاش فى تلك الطريق و كنى به عما عساه يعرض لبعضهم من الوسوسة بأنهم ليسوا على حق لقلتهم و كثرة مخالفيهم لان قلة العدد فى الطريق مظنة الهلاك و السلامة مع الكثرة فنبههم على انهم فى طريق الهدى و ان كانوا قليلين ثم نبه على قلة عدد أهل طريق الهدى و هى اجتماع الناس على الدنيا فقال «فان الناس- الى آخره» و استعار للدنيا المائدة بملاحظة تشبيهها فى كونها مجتمع اللذات، و كنى عن قصر مدتها بقصر شبعتها عن استعقاب الانهماك فيها للعذاب الطويل فى الآخرة بطول جوعها و لفظ الجوع مستعار للحاجة الطويلة بعد الموت الى المطاعم الحقيقية الباقية من الكمالات النفسانية و هو بسبب الغفلة فى الدنيا فلذلك نسب الجوع إليها و فى قوله عليه السلام:
 (صيروا انسا للمؤمن يبثون إليهم ما فى صدورهم فيستريحون الى ذلك و يسكنون إليه) دلالة على أن القلب يضيق بحفظ السر فاذا أظهره استراح منه فلذلك جعل بعض الناس‏

176
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى قلة المؤمن ص 173

6- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن اورمة، عن النضر، عن يحيى بن أبي خالد القمّاط، عن حمران بن أعين قال: قلت لابي جعفر عليه السّلام: جعلت فداك ما أقلّنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها؟ فقال: ألا احدّثك بأعجب من ذلك المهاجرون و الانصار ذهبوا إلّا- و أشار بيده- ثلاثا قال حمران: فقلت: جعلت فداك ما حال عمّار؟ قال: رحم اللّه عمّارا أبا اليقظان بايع و قتل شهيدا، فقلت: في نفسي ما شي‏ء أفضل من الشهادة فنظر إليّ فقال: لعلّك ترى أنّه مثل الثلاثة أيهات أيهات.
7- الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه، عن عليّ بن جعفر قال: سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: ليس كلّ من قال بولايتنا مؤمنا و لكن جعلوا انسا للمؤمنين.
 (باب) الرضا بموهبة الايمان و الصبر على كل شي‏ء بعده‏
1- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ابن بكير،
__________________________________________________
من أهل الايمان الناقص ليظهر المؤمن الكامل سره لهم و يستريح من ضيق صدره.
قوله (الا احدثك باعجب من ذلك المهاجرون و الانصار ذهبوا الا- و اشار بيده- ثلاثا) وجه زيادة التعجب أن ذهابهم يمينا و شمالا و خروجهم من الدين مع ادراكهم صحبة النبي «ص» و قرب العهد به و بالوحى أعجب من خروج من فقد جميع ذلك و لعل المراد بالثلاثة سلمان و أبو ذر و المقداد روى الكشى عن على بن الحكم عن سيف بن عميرة عن أبى بكر الحضرمى قال قال أبو جعفر «ع» «ارتد الناس الا ثلاثة نفر سلمان و أبو ذر و المقداد فقلت فعمار قال كان جاض جيضة ثم رجع، ثم قال ان أردت الّذي لم يشك فالمقداد» «1» و روى أيضا عن أبى الحسن موسى «ع» قال «اذا كان يوم القيامة نادى مناد أين حوارى محمد بن عبد اللّه رسول اللّه الذين لم ينقضوا العهد و مضوا عليه فيقوم سلمان و المقداد و أبو ذر- الحديث».
 (أيهات أيهات) فى بعض النسخ هيهات هيهات و هى كلمة تبعيد و التاء مفتوحة و ناس يكسرونها و قد تبدل الهاء همزة فيقال أيهات و ربما قالوا أيهان بالنون كالتثنية.
__________________________________________________
 (1) قوله «ان اردت الّذي لم يشك فالمقداد» يدل هذا الحديث على ان المراد بالمؤمن فى هذا الباب البالغ أكمل درجات الايمان و التسليم لا الايمان فى مقابل الكفر فان أبا ذر و سلمان و عمارا لم يشكوا شكا بخرجهم من حد الايمان قطعا و قد سبق أحاديث فى ان الايمان درجات. (ش).

177
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الرضا بموهبة الایمان و الصبر على کل شی‏ء بعده ص 177

عن فضيل بن يسار، عن عبد الواحد بن المختار الأنصاري قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: يا عبد الواحد ما يضرّ رجلا- إذا كان على ذا الرّأي- ما قال النّاس له و لو قالوا: مجنون، و ما يضرّه و لو كان على رأس جبل يعبد اللّه حتّى يجيئه الموت.
2- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن معلّى ابن خنيس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: قال اللّه تبارك و تعالى: لو لم يكن في الارض إلّا مؤمن واحد لاستغنيت به عن جميع خلقي و لجعلت له من إيمانه انسانا لا يحتاج إلى أحد.
3- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن‏
__________________________________________________
قوله (ما يضر رجلا- اذا كان على ذا الرأى- ما قال الناس له و لو قالوا مجنون) ما قال فاعل ما يضر و لعل المراد بذى الرأى الامام «ع» أو الاعم منه و من أهل العلم و الصلاح مطلقا و يكون الرجل عليه متابعته و الاعراض عن غيره و فيه دلالة على أن الجنون أعظم ما يقال فى مقام الذم و التحقير و هو كذلك اذ بالعقل يمتاز الانسان عن غيره من الحيوانات. و الجنون يوجب زواله فيوجب دخوله فى الحيوانات بل كونه أخس منها لانه فاقد لكماله (و ما يضره و لو كان على رأس جبل يعبد اللّه حتى يجيئه الموت) أى ما يضره اذا كان على ذى الرأى ما قال الناس له و لو كان على رأس جبل لان له مع وحدته ظاهرا انسا باللّه باطنا، و لا يضره شي‏ء مع الانس به كما لا ينفعه شي‏ء مع البعد عنه، و فيه شي‏ء لان عدم الضرر و هو فيما بين الناس أخفى من عدمه و هو على رأس جبل فكيف يصح العكس، و يمكن أن يقال معنى قوله «و ما يضره» أنه ما يضره شي‏ء سواء كان قول الناس أم غيره مثل الوحشة و نحوها و حينئذ عدم الضرر فى الثانى أخفى. اذ فى عدم الضرر بالوحشة حينئذ كمال خفاء. أو المراد أنه لا يضره قول الناس بأنه مجنون اذا الجنون حينئذ أظهر فعدمه أخفى.
قوله (قال اللّه تبارك و تعالى لو لم يكن فى الارض الا مؤمن واحد لاستغنيت به عن جميع خلقى) أى اكتفيت بعبادته عن عبادتهم. و فيه اشارة الى كمال فضيلة الايمان و تمام نعمته، فينبغى لمن يؤمن باللّه أن لا يحتقر تلك النعمة، و لا يهمل أداء شكرها الّذي من جملته أداء وظائف الطاعات و أن لا يجزع على فقد غيرها و أن يصبر على نوائب الدنيا و أن لا يؤذى أحدا من المؤمنين. لان المؤمن حبيب اللّه و من آذاه فقد اذى اللّه.
 (و لجعلت له من ايمانه انسا لا يحتاج الى احد) لان الايمان باللّه سبب للتفكر فيه و

178
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الرضا بموهبة الایمان و الصبر على کل شی‏ء بعده ص 177

الحسين بن موسى، عن فضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: ما يبالي من عرّفه اللّه هذا الأمر أن يكون على قلة جبل يأكل من نبات الأرض حتّى يأتيه الموت.
4- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن كليب بن معاوية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: ما ينبغي للمؤمن أن يستوحش إلى أخيه فمن دونه، المؤمن عزيز في دينه.
5- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن فضالة بن أيّوب، عن عمر بن أبان و سيف بن عميرة، عن فضيل بن يسار قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام في مرضة مرضها لم يبق منه إلّا رأسه فقال: يا فضيل إنّني كثيرا ما أقول: ما على رجل عرّفه اللّه هذا الأمر لو كان في رأس جبل حتّى يأتيه الموت، يا فضيل بن يسار إنّ النّاس‏
__________________________________________________
الالتفات الى فضله و الشوق الى قربه و الوثوق بلطفه و العزلة عن شرار خلقه و الانس به فلا يعرضه وحشة فلا يحتاج الى صحبة أحد لدفع الوحشة.
قوله (ما يبالى من عرفه اللّه هذا الامر أن يكون على قلة جبل) لان من عرفه اللّه تعالى أمر الامامة و الدين و وفقه للايمان به فقد أعطاه نعمة عظيمة مستعقبة لنعم اخروية أبدية و أكرمه بقربه فلا يبالى على فوات خسائس الدنيا الفانية التى توجب الغرور و البعد عن مولاه و الحرمان فى عقباه.
قوله (ما ينبغى للمؤمن أن يستوحش الى أخيه فمن دونه) أى ما ينبغى له أن يستوحش من اللّه و من الايمان به الى أخيه فكيف من دونه اذ للمؤمن انس بالايمان و قرب الحق من غير وحشة فلو انتفى الانس و تحققت الوحشة انتفى الايمان و القرب، و لعل قوله: (المؤمن عزيز فى دينه) استيناف لبيان السبب للحكم المذكور لان العزيز عند اللّه له انس به غير مستوحش عنه و العزيز هو الخطير الّذي يقل وجود مثله و يشتد الحاجة إليه و يصعب الوصول إليه و المؤمن كذلك. لانه بعظمة صفاته يقل وجود مثله و يشتد حاجة الخلق إليه فى امور الدين و تعلمها و يصعب الوصول الى مرتبته لانها لا يتحقق إلا برياضات بدنية و مجاهدات نفسانية لا يلقاها الا الصابرون قوله (فى مرضة مرضها لم يبق منه الا رأسه) أى مرض بها و كانها للنوع و ان المراد أنه نحف جميع اعضائه و هزلت حتى كانه لم يبق منه شي‏ء الا رأسه فانه لقلة لحمه لا يعتريه الهزال كثيرا. أو المراد أنه لم يبق قوة فى الحركة فى شي‏ء من اعضائه الا فى رأسه (فقال يا فضيل اننى كثيرا ما أقول: ما على رجل عرفه اللّه هذا الامر) أى ما وحشة عليه أو ما ضرر عليه من قول الناس له بأنه مجنون و نحوه.

179
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الرضا بموهبة الایمان و الصبر على کل شی‏ء بعده ص 177

أخذوا يمينا و شمالا و إنّا و شيعتنا هدينا الصراط المستقيم، يا فضيل بن يسار إنّ المؤمن لو أصبح له ما بين المشرق و المغرب كان ذلك خيرا له و لو أصبح مقطّعا أعضاؤه كان ذلك خيرا له، يا فضيل بن يسار إنّ اللّه لا يفعل بالمؤمن إلّا ما هو خير له، يا فضيل ابن يسار لو عدلت الدّنيا عند اللّه عزّ و جلّ جناح بعوضة ما سقى عدوّه منها شربة ماء، يا فضيل‏
__________________________________________________
 (يا فضيل بن يسار ان المؤمن لو أصبح له ما بين المشرق و المغرب كان ذلك خيرا له و لو أصبح مقطعا أعضاؤه كان ذلك خيرا له) لان اللّه تعالى عالم بسرائر العباد و أحوالهم و يفعل ما هو الاصلح بحال كل واحد منهم فمنهم من يصلح له الغنى و يفسده الفقر و يشقيه و يورده فى المهالك فيفنيه، و منهم على عكس ذلك فيفقره و هكذا فى الاحوال المتقابلة مثل الصحة و السقم و نحوهما و أكد ذلك بقوله: (يا فضيل بن يسار ان اللّه لا يفعل بالمؤمن الا ما هو خير له) و فيه حث على الصبر فى جميع الاحوال بعد الايمان و نوع من الشكر لما أصابه «ع»، ثم حذر الاغنياء عن الفخر و رغب الفقراء فى الصبر بقوله:
 (يا فضيل بن يسار لو عدلت الدنيا عند اللّه عز و جل جناح بعوضة ما سقى عدوه منها شربة ماء) أى ليس لجملة الدنيا و ما ينتفع به فيها قدر و لا وزن كقدر جناح بعوضة عندكم، و لهذا أقطعها الاعداء و أولاها الاشقياء و متع بها الجهلاء، و لو كان لها قدر عنده لم يعطهم منها شربة ماء. ألا ترى الجنة لما جعل لها قدرا عنده كيف ولاها الاولياء و حرمها الاشقياء فلم يعطهم منها طعاما و لا شربة ماء فينادون من عطشهم و جوعهم أهل الجنة «أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ» و يدل على هو ان قدر الدنيا روايات غير محصورة و آيات غير معدودة. و منها قوله تعالى وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ و فيه تنفير عن الدنيا و تحذير [1] عن الركون إليها فلا ينبغى للمؤمن أن يشغل قلبه بها و يحزن بفواتها و لا للغنى أن‏
__________________________________________________
 [1] قوله «و فيه تنفير عن الدنيا و تحذير» ملاحدة زماننا يعيبون ذلك على الاسلام و يقولون عدم الاعتناء بالدنيا و زخارفها أوجب ضعف المسلمين و ذلتهم. و هو غلط من وجوه الاول ان المسلمين فى عصر تشبثهم بالدين و تمسكهم به فى العصور الاول حيث كان عهدهم قريبا و العمل باحكامه فى جميع شئون حياتهم من معاملاتهم و سياساتهم و أحوالهم الشخصية و النوعية رائجا كانوا أعز الناس و أقوى الامم، و كان الملك فيهم و الدولة لهم و القت الدنيا ازمتها بايديهم و انما ضعفوا بعد أن تركوا أحكام دينهم و أدخلوا أهواء ساير الامم فى أعمالهم و رجحوا قوانين الجاهلية على قواعد الاسلام كما ترى. الثانى ان التنفير عن الدنيا فى الاسلام ليس بمعنى تركها بتا، بل بمعنى عدم الركون إليها و عدم الاعتناء بها كشى‏ء مقصود بذاته. بل‏

180
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الرضا بموهبة الایمان و الصبر على کل شی‏ء بعده ص 177

ابن يسار إنّه من كان همّه همّا واحدا كفاه اللّه همّه، و من كان همّه في كلّ واد لم يبال اللّه بأيّ واد هلك‏
__________________________________________________
يفتخر بها لانها مال الفراعنة و متاع الجبابرة، ثم رغب فى الايمان و الصبر على تقويم أركانه بذكر ثمرته و ذم متاع الدنيا و الميل إليه بذكر غايته فقال.
 (يا فضيل بن يسار انه من كان همه هما واحدا كفاه اللّه همه، و من كان همه فى كل واد لم يبال اللّه بأى واد هلك) الهم القصد و العزم و الحزن، و لعل المراد بالهم الواحد هم الآخرة و الدين، و بكفايته عز و جل اعانته و نصرته عليه، و المراد بمقابله هم الدنيا و أهواء النفس الامارة بالسوء و بعدم مبالاته صرف لطفه و توفيقه عنه و تركه مع نفسه و المراد بكل واد كل واد من أودية جهنم أو كل واد من‏
__________________________________________________
يجب المعاملة معها معاملة المقدمات و الآلات للوصول الى شي‏ء آخر مقصود بالذات كمن يحب دابته ليركب عليها و يصل بها الى مقاصدها و يتعاهدها و يطعمها و يعتنى بها و ان كانت مقدمة لسائر مقاصدها. كذلك الدنيا عند المسلمين وسيلة للوصول الى الآخرة يتعاهدها كما يتعاهد الدابة و اذا دار الامر بين عمارة الدنيا بخراب الآخرة أو عمارة الآخرة بخراب الدنيا يختار الثانى كما فعل أبو ذر و المجاهدون فى سبيل اللّه من الصحابة، و ساير المعرضين و الزاهدين اذا رأوا أنه لا يمكن عمارة دنياهم الا بالقتل و الظلم و السرقة و الخيانة و معاونة الظلمة و تصويب أعمالهم الباطلة و قال تعالى «مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» الثالث ان اعداء الاسلام كلما أرادوا تضعيف قوم و ابطال شوكتهم و تفرقة كلمتهم و اضمحلال استقلالهم رجوا بينهم الفساد و الفسوق و استخدموا الملاحدة و طردوا أهل الديانة و الامانة من أمر العامة و حذروهم من الامرين بالمعروف و الناهين عن المنكر و ليس ذلك الا لانهم علموا ان الاسلام و تمسك المسلمين بأحكامهم و اعتقادهم باصولها يوجب قوتهم و ضعف أعدائهم، و قد رأينا نجاحهم فى ما أرادوا، و ربما كانت دولة من دول الاسلام فى العزة بحيث لم يؤثر فى وهنها الحروب الناهكة و لا فى شوكتها الهزيمة الفاضحة لتمسكهم ظاهرا بظواهر الاسلام، و كانوا يعدون من الاعضاء الرئيسة للجامعة الانسانية و يحتال غيرهم لموافقتها لهم فى مقاصدهم، و كانت المسألة الشرقية من أهم المسائل السياسية الى ان تنبهوا الحيلة و هى تقوية الملاحدة و استخدامهم و ايجاد التشكيك و توهين العقائد، و تضعيف التمسك باحكام الاسلام، و تفريق الكلمة، فوفقوا بها لما لم يوفقوا له مدة خمسمائة سنة بالحروب فرأسهم الملاحدة فازالوا الخوف عن قلوب أعدائهم و اراحوهم و انحطوا الى التقليد بعد أن كانوا صاحب الرأى و يعتد برأيهم و لم يكن يتجرأ احد ان يقطع أمرا دون تنفيذهم. (ش)

181
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الرضا بموهبة الایمان و الصبر على کل شی‏ء بعده ص 177

6- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان، عن منصور الصيقل و المعلّى بن خنيس قالا: سمعنا أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:
قال اللّه عزّ و جلّ: ما تردّدت في شي‏ء أنا فاعله كتردّدي في موت عبدي المؤمن، إنّني لاحبّ لقاءه و يكره الموت، فأصرفه عنه و إنّه ليدعوني فاجيبه و إنّه ليسألني فاعطيه، و لو لم يكن في الدّنيا إلّا واحد من عبيدي مؤمن لاستغنيت به عن‏
__________________________________________________
أودية الدنيا و كل شعبة من شعب النفس و هواها و هى كثيرة منها حب المال و الجاه و الشرف و العلو و لين المطاعم و المشارب و الملابس و المناكح الى غير ذلك من متعلقات الهوى و مقتضيات الطبع، فمن أرسل نفسه الى هواها و لم يصرفها عن مقتضاها الى دين الحق و الايمان و أركانه لم يبال اللّه به و بما ذهب من دينه و لم يمدده بنصره و توفيقه و لم يكن له عنده قدر يحفظه بتأييده و لا وزن يحرسه بتسديده. و لم يبال به فى أى واد هلك و لا فى أى طريق سلك و يمكن أن يراد بالهم الواحد القصد الى اللّه و التوكل عليه فى جميع الامور فانه تعالى يكفيه هم الدنيا و الآخرة. بخلاف من كان قصده الدنيا و سلب عن نفسه علاقة التوكل فانه تعالى لم يبال بأى واد هلك، و يؤيده ما روى من جعل الهم هما واحدا كفاه اللّه هم الدنيا و الآخرة.
قوله (قال رسول اللّه «ص» قال اللّه عز و جل ما ترددت فى شي‏ء أنا فاعله كترددى فى موت عبدى المؤمن، اننى لاحب لقاءه و يكره الموت فاصرفه عنه) هذا الحديث من الاحاديث المشهورة بين الخاصة و العامة، و من المعلوم عند الموحد أنه لم يرد التردد المعهود من الخلق فى الامور التى يقصدونها فيترددون فى امضائها اما لجهلهم بعواقبها أو لقلة ثقتهم بالتمكن منها لمانع و نحوه، و لهذا قال أنا فاعله أى لا محالة أنا أفعله لحتم القضاء بفعله و لنقل العبد من دار الغرور الى دار السرور التى هى غاية مأموله و نهاية مقصوده، فلا بد فيه من تأويل، و فيه وجوه عند الخاصة و العامة. أما وجوهه عند الخاصة فثلاثة ذكرها الشيخ فى الاربعين: الاول أن فى الكلام اضمارا و التقدير لو جاز على التردد ما ترددت فى شي‏ء كترددى فى وفات المؤمن، الثانى أنه لما جرت العادة بأن يتردد «1» الشخص فى مساءة من يحترمه و يوقره كالصديق و ان لا يتردد فى مساءة من ليس له عنده قدر و لا حرمة كالعدو، بل يوقعها من غير تردد و تأمل صح أن يعبر عن توقير الشخص و احترامه بالتردد و عن اذلاله و احتقاره بعدمه، فالمعنى ليس لشي‏ء من مخلوقاتى عندى قدر
__________________________________________________
 (1) قوله «لما جرت العادة بأن يتردد» نسبة التردد الى اللّه تعالى كنسبة سائر الحالات الدالة على التغير و الاستحالة يتنزه عنه البارى كالغضب و الرضا و الاسف و المراد بأمثالها شأنية المقام لعروض هذه الحالات لو كان المورد انسانا. (ش).

182
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب الرضا بموهبة الایمان و الصبر على کل شی‏ء بعده ص 177

و لا حرمة كقدر عبدى المؤمن و حرمته فالكلام من قبيل الاستعارة التمثيلية. الثالث أنه ورد من طرق الخاصة و العامة أن اللّه سبحانه يظهر للعبد المؤمن عند الاحتضار من اللطف و الكرامة و البشارة بالجنة ما يزيل عنه كراهة الموت و يوجب رغبته فى الانتقال الى دار القرار فيقل تأذيه به و يصير راضيا بنزوله و راغبا فى حصوله فاشبهت هذه المعاملة معاملة من يريد أن يؤلم حبيبه ألما يتعقبه نفع عظيم، فهو يتردد فى أنه كيف يوصل ذلك الالم إليه على وجه يقل تأذيه فلا يزال يظهر له ما يرغبه فيما يتعقبه من اللذة الجسمية و الراحة العظيمة الى أن يتلقاه بالقبول و يعده من الغنائم المؤدية الى ادراك المأمول فيكون الكلام من الاستعارة التمثيلية. و أما وجوهه عند العامة فأيضا ثلاثة الاول أن معناه ما تردد عبدى المؤمن فى شي‏ء أنا فاعله كتردده فى قبض روحه فانه متردد بين ارادته للبقاء و ارادتى للموت فأنا ألطفه و أبشره حتى أصرفه عن كراهة الموت، فأضاف سبحانه تردد نفس وليه الى ذاته المقدسة كرامة و تعظيما له كما يقول غدا يوم القيامة لبعض من يعاتبه من المؤمنين فى تقصيره عن تعهد ولى من أوليائه «عبدى مرضت فلم تعدنى، فيقول: كيف تمرض و أنت رب العالمين، فيقول:

مرض عبدى فلان فلم تعده و لو عدته لوجدتنى عنده» فكما أضاف مرض وليه و سقمه الى عزيز ذاته المقدسة عن نعوت خلقه اعظاما لقدر عبده و تنويها بكرامة منزلته كذلك أضاف التردد الى ذاته لذلك.

الثانى أن ترددت فى اللغة بمعنى رددت مثل قولهم فكرت و تفكرت و دبرت و تدبرت فكأنه يقول ما رددت ملائكتى و رسلى فى أمر حكمت بفعله مثل ما رددتهم عند قبض روح عبدى المؤمن فارددهم فى اعلامه بقبضى له و تبشيره بلقائى و بما أعددت له عندى كما ردد ملك الموت «ع» الى ابراهيم و موسى عليهما السلام فى القضيتين المشهورتين الى أن اختارا الموت فقبضهما كذلك خواص المؤمنين من الاولياء يرددهم إليهم رفقا و كرامة ليميلوا الى الموت و يحبوا لقاء المولى.

الثالث أن معناه ما رددت الاعلال و الامراض و البر و اللطف و الرفق حتى يرى بالبر عطفى و كرمى فيميل الى لقائى طمعا، و بالبلاء و العلل فيتبرم بالدنيا و لا يكره الخروج منها و اللّه أعلم بحقيقة كلامه.

و ما دل هذا الحديث من أن المؤمن يكره الموت لا ينافى ما دل عليه الروايات المتكثرة من أن المؤمن يحب لقاء اللّه و لا يكرهه اما لما ذكره الشهيد فى الذكرى من أن حب لقاء اللّه غير مقيد بوقت فيحمل على حال الاحتضار و معاينة ما يحب فانه ليس شي‏ء حينئذ أحب إليه من الموت و لقاء اللّه أو لانه يكره الموت من حيث التألم به لالقاء اللّه و هما متغايران و كراهة

183
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى سکون المؤمن الى المؤمن ص 184

جميع خلقي و لجعلت له من إيمانه انسا لا يستوحش إلى أحد.
 (باب فى سكون المؤمن الى المؤمن)
1- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ المؤمن ليسكن إلى المؤمن، كما يسكن الظمآن إلى الماء البارد.
 (باب فيما يدفع اللّه بالمؤمن)
1- محمّد بن يحيى، عن عليّ بن الحسن التيمي، عن محمّد بن عبد اللّه بن زرارة، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ اللّه ليدفع بالمؤمن الواحد عن القرية الفناء.
2- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن‏
__________________________________________________
أحد المتغايرين لا يوجب كراهة الاخر أو لان حب لقاء اللّه يوجب حب كثرة العمل النافع وقت لقائه و هو يستلزم كراهة الموت القاطع له و اللازم لا ينافى الملزوم.
 (و لجعلت له من ايمانه انسا لا يستوحش الى أحد) انسه باللّه و بالايمان به من أجل الايمان و لوازمه موجب لعدم الوحشة بالكلية اذ تحقق احد الضدين يوجب رفع الاخر، و اذا كان كذلك فلا يستوحش منه الى أحد اذ ليس له طبع مستوحش.
قوله (ان المؤمن ليسكن الى المؤمن كما يسكن الظمآن الى الماء البارد) كما أن للظمآن اضطرابا فى فراق الماء و كمال ميل الى طلبه و سكونا و استقرارا عند وجدانه و انتفاعا به فى حياة روحه كذلك للمؤمن بالنسبة الى المؤمن، و فيه تشبيه للمعقول بالمحسوس لزيادة الايضاح و هذا السكون ينشأ من أمرين أحدهما الاتحاد فى الجنسية للتناسب فى الطبيعة و الروح كما مر، و المتجانسان يميل أحدهما الى الاخر و كل ما كان التناسب و التجانس أكمل كان الميل أعظم كما نقل: «الارواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف» و ثانيهما المحبة لان المؤمن لكمال صورته الظاهرة و الباطنة بالعلم و الايمان و الاخلاق و الاعمال محبوب القلوب و تلك الصورة قد تدرك بالبصر و البصيرة، و قد يكون سببا للمحبة و السكون باذن اللّه تعالى و بسبب العلاقة فى الواقع و ان لم يعلم تفصيلها.
قوله (ان اللّه ليدفع بالمؤمن الواحد عن القرية الفناء) أى عن أهل القرية بحذف المضاف أو المراد بالقرية أهلها مجازا، و ذلك الدفع اما بدعائه أو ببركة وجوده فيهم أو لئلا يلحق الفناء به لان الفناء قد يلحق البري‏ء بشوم الجري‏ء.

184
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فیما یدفع الله بالمؤمن ص 184

سنان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لا يصيب قرية عذاب و فيها سبعة من المؤمنين.
3- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قيل له في العذاب إذا نزل بقوم يصيب المؤمنين؟ قال: نعم و لكن يخلصون بعده.
 (باب فى ان المؤمن صنفان)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن نصير أبي الحكم الخثعمى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المؤمن مؤمنان فمؤمن صدق بعهد اللّه و وفى بشرطه و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فذلك الّذي لا تصيبه‏
__________________________________________________
قوله (لا يصيب قرية عذاب و فيها سبعة من المؤمنين) أى لا يصيب غالبا أو حتما و المفهوم غير معتبر و على تقدير اعتباره لا ينافى منطوق السابق لإمكان حمله على جواز الاصابة، و هو لا ينافى عدمها على أن الايمان و المعصية مراتبهما متفاوتة فقد يدفع بمؤمن واحد فى معصية و قد يدفع بسبعة فى معصية اخرى أشد و لا يدفع بواحد و اثنين فيها.
قوله (قيل له في العذاب اذا نزل بقوم يصيب المؤمنين، قال: نعم و لكن يخلصون بعده) أى يخلصون بعده من العذاب الاخروى لايمانهم الموجب للنجاة منه، و أما العذاب الدنيوى فانما لحقهم بالعرض من أجل مجاورة الفاسقين و لا ينافى ذلك ما مر لان البر و الفاجر اذا اختلطا فقد يصل خير البر الى الفاجر و قد يصل شر الفاجر الى البر، هذا فى الدنيا و أما فى الآخرة فكل يعامل بعمله.
قوله (فمؤمن صدق بعهده اللّه و وفى بشرطه) لعل المراد بالعهد عهد الربوبية و الايمان باللّه و برسوله و بما جاء به و بالوفاء بالشرط الاتيان بالمأمورات و الانتهاء عن المنهيات و هذا المؤمن هو الناظر بعين بصيرته الى مبادى جميع حركاته و سكناته و مآلهما، و المشاهد لاحوال نفسه فى الفعل و الترك فيعلم كل ماله فيقدم عليه، و كل ما عليه فيبعد عنه، و بالجملة هو الحارس الناظر الى صلاح أحواله ظاهرا و باطنا.
 (فذلك الّذي لا تصيبه اهوال الدنيا و لا اهوال الآخرة) أما الآخرة فلحسن استعداده لها و هو يقتضي الفراغ و الأمن من أهوالها، و أما الدنيا فلعل المراد بأهوالها الهموم من فوات نعيمها لان الدنيا و نعيمها لم تخطر بباله فيكف الهموم من فواتها، أو المراد أعم منها و من عقوباتها و مكارهها و مصائبها لانها عنده نعمة مرغوبة لا أهوال مكروهة، أو لانها لا تصيبه لاجل‏

185
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى ان المؤمن صنفان ص 185

أهوال الدّنيا و لا أهوال الآخرة و ذلك ممّن يشفع و لا يشفع له، و مؤمن كخامة الزرع، تعوج أحيانا و تقوم أحيانا، فذلك ممّن تصيبه أهوال الدّنيا و أهوال الآخرة و ذلك ممّن يشفع له و لا يشفع.
2- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عبد اللّه، عن خالد العمّي عن خضر بن عمرو، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: المؤمن مؤمنان: مؤمن و فى للّه بشروطه الّتي شرطها عليه، فذلك مع النبيّين و الصدّيقين و الشهداء و الصّالحين و حسن اولئك رفيقا، و ذلك من يشفع و لا يشفع له، و ذلك ممّن لا تصيبه أهوال الدّنيا و لا أهوال الآخرة، و مؤمن زلت به قدم فذلك كخامة الزرع كيفما كفئته الرّيح انكفأ و ذلك ممّن تصيبه أهوال الدّنيا و الآخرة و يشفع له و هو على خير.
3- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن يونس بن يعقوب، عن أبي مريم الأنصاري، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قام رجل بالبصرة إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الإخوان، فقال:
__________________________________________________
المعصية فلا ينافى اصابتها لرفع الدرجات.
 (و ذلك ممن يشفع و لا يشفع له) لانه من المقربين الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون فلا يحتاج الى أن يشفع له و له درجة الشفاعة لغيره من أهل العصيان.
 (و مؤمن كخامة الزرع تعوج أحيانا و تقوم أحيانا) شبه المؤمن بالخامة و هى الغضة اللينة من الزرع، و ألفها منقلبة عن واو، و أشار الى وجه التشبيه بقوله «يعوج أحيانا و يقوم أحيانا» و المراد باعوجاجه ميله الى الباطل و هو متاع الدنيا و المعصية و هواء النفس و رداها. و بقيامه ميله الى الحق و هو الآخرة و الطاعة و مخالفة النفس فى هواها و ذلك تصيبه أهوال الدنيا و مكارهها مثل الامراض و سكرات الموت لتخفيف ذنوبه و أهوال الآخرة مثل المناقشة فى الحساب و غيرها و يندرج فيها أهوال البرزخ و لكن ينجو بالشفاعة له و ليست له درجة الشفاعة لغيره الا أن يشاء اللّه بمجرد التفضل دون الاستحقاق.
قوله (كيفما كفئته الريح انكفأ) أى قلبته و أمالته و هو اشارة الى وجه تشبيهه بخامة الزرع، و التشبيه تمثيل لامالة أهواء نفسه و ريح خاطراته اياه من حال الى حال فتارة يعوج و أخرى يقوم و يعتدل.
قوله (فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الاخوان) أراد بالاخوان المؤمنين كما

186
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى ان المؤمن صنفان ص 185

الإخوان صنفان: إخوان الثقة و إخوان المكاشرة، فأمّا إخوان الثقة فهم الكفّ و الجناح و الأهل و المال، فإذا كنت من أخيك على حدّه الثقة فابذل له مالك و بدنك و صاف من صافاه و عاد من عاداه و اكتم سرّه و عيبه و أظهر منه الحسن، و اعلم أيها السّائل أنّهم أقلّ من الكبريت الأحمر، و أمّا إخوان المكاشرة فإنّك‏
__________________________________________________
قال عز و جل إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ.
 (فقال الاخوان صنفان اخوان الثقة و اخوان المكاشرة) الثقة مصدر بمعنى الامانة و الاعتماد، و المراد باخوان الثقة أهل الامانة و الاعتماد فى الدين و أرباب الثبوت و القوة فى اليقين، و هم المؤمنون المتصفون بالفضائل، المقدسون عن الرذائل. و المكاشرة المضاحكة من الكشر و هو ظهور الاسنان للضحك. و كاشره اذ ضحك فى وجهه و باسطه، و الاسم الكشرة كالعشرة، و المراد باخوان المكاشرة أهل الحق و الباطل الذين جمعوا بين شي‏ء من الفضائل و الرذائل يعملون تارة بمقتضى الايمان و أخرى بحكم النفس و الشيطان، ثم أشار «ع» الى شي‏ء من أحوال الفريقين و كيفية المعاشرة معهما بقوله:
 (فاما اخوان الثقة فهم الكف و الجناح و الاهل و المال) الكف الراحة مع الاصابع سميت بذلك لانها تكف الاذى عن صاحبها و عن غيره، و الجناح للطير معروف و يطلق على العضد و الابط و الجانب و العصا أيضا، و الاهل أهل البيت و يطلق على الاقرباء و الاتباع أيضا، و الحمل فى الاكثر من باب المبالغة أو بتقدير مضاف أى أهل الكف.
 (فاذا كنت من أخيك على حد الثقة) أى الاعتماد و الديانة و الرسوخ فى الدين.
 (فابذل له مالك و بدنك) بذل المال للاخ عند حاجته سأل أو لم يسأل ناظر الى الكف و المال. و بذل البدن بالسعى فى حاجته ناظر الى الجناح و الاهل.
 (و صاف من صافاه و عاد من عاداه، و اكتم سره و عيبه و أظهر منه الحسن) أمر «ع» بالتزام الصداقة على جميع أنواعها، الاول أن يكون صديقا له، و الثانى أن يكون صديقا لصديقه، و الثالث أن يكون عدوا لعدوه، فان الصداقة لصديقه و العداوة لعدوه صداقة له كما يرشد إليه أيضا ما روى عنه «ع» «أصدقاؤك ثلاثة و أعداؤك ثلاثة، فأصدقاؤك:
صديقك، و صديق صديقك، و عدو عدوك. و أعداؤك: عدوك، و عدو صديقك، و صديق عدوك» و الحسن بالتحريك أو بالضم و التسكين.
 (و اعلم أيها السائل أنهم أقل من الكبريت الاحمر) يعنى أن اخوان الثقة فى غاية القلة و نهاية الندرة لان جواهر ذواتهم نفيسة و كل نفيس نادر الوجود، و اما اخوان المكاشرة ففى غاية الكثرة لان أكثر الناس يتبع اللذات الجسمانية و المشتهيات النفسانية

187
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فى ان المؤمن صنفان ص 185

تصيب لذّتك منهم، فلا تقطعنّ ذلك منهم و لا تطلبنّ ما وراء ذلك من ضميرهم و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه و حلاوة اللّسان.
 (باب) (ما اخذه الله على المؤمن من الصبر على ما يلحقه فيما ابتلى به)
1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن النعمان، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أخذ اللّه ميثاق المؤمن على أن تصدّق مقالته و لا ينتصف من عدوّه و ما من مؤمن يشفي نفسه إلّا بفضيحتها لأنّ كلّ مؤمن ملجم‏
__________________________________________________
و الوساوس الشيطانية و لكن لا بدّ من الاختلاط و حسن المعاشرة معهم لاجل الضرورة و استكمال النظام و القطع منهم يوجب تبدده كما أشار إليه عليه بقوله:
 (و أما اخوان المكاشرة فانك تصيب لذتك منهم) لعل المراد باللذة اللذة الدنيوية مثل حسن المعاشرة و المعاملة و تحصيل منافع الدنيا و نحوها.
 (فلا تقطعن ذلك منهم) لعل ذلك اشارة الى اصابة اللذة منهم، و فيه ترغيب فى حسن المعاشرة معهم لان اعتزالك عمن يريدك و يعينك نقص حظ، كما أن ميلك الى من لا يريدك و لا يعينك ذل نفس كما يرشد إليه ما روى عنه «ع» «زهدك فى راغب فيك نقصان حظ، و رغبتك فى زاهد فيك ذل نفس» و ذلك لان الراغب فى شخص يبذل ماله بجهاته و يعينه فى حاجاته و له منه نصيب و حظ اذا لم يزهد فيه و ان زهد فيه فلا يبذل و لا يعين فيكون ناقص الحظ، و الراغب فى الشخص المعرض عنه المستكره لصحبته و يصير عنده حقيرا ذليلا، اما بالذات أو بحسب أفعاله المذلة فى اعتقاده (و لا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم) أى لا تطلبن سوى ما أصبت منهم من اللذة الدنيوية من ضميرهم شيئا لتعلق ضميرهم بالعقائد الفاسدة و الخاطرات الكاسدة و الاهواء الباطلة (و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه و حلاوة اللسان) بمنزلة التأكيد لما ذكره أولا من قوله «فانك تصيب- الى آخره» و فيه ترغيب فى التأنيس بالجهال و استجلاب طباعهم الى الحق لئلا يزيد نفارهم و لا ينقطع نظام أحوالهم.
قوله (أخذ اللّه ميثاق المؤمن على أن لا تصدق مقالته [1]) ألا ترى أن جميع الأنبياء
__________________________________________________
 [1] قوله «على أن لا يصدق مقالته» المراد عدم تصديق مقاله فى الحكومات الباطلة و الدول الجائرة من اناس طبعوا على اتباع الايدى القوية لا مطلقا. فان المؤمن يقول الحق و الحق مصدق به لكل أحد حتى السارق فى سرقته، و الزانى عند الفحشاء يصدق بأن عمل الصلحاء خير من عمله. و كذلك قوله: لا ينتصف من عدوه: يعنى يعجز عن الانتصاف‏

188
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ما اخذه الله على المؤمن من الصبر على ما یلحقه فیما ابتلى به ص 188

2- عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، جميعا، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إنّ اللّه أخذ ميثاق المؤمن على بلايا أربع أيسرها عليه مؤمن يقول بقوله يحسده، أو منافق يقفوا أثره، أو شيطان يغويه، أو كافر يرى جهاده فما بقاء المؤمن بعد هذا
__________________________________________________
و الأوصياء كانوا كذلك و المراد عدم تصديق أكثر الخلق اذ بعضهم قد يصدقه، و ما من متكلم صادق الا و له مصدق (و لا ينتصف من عدوه) أى لا ينتقم. (و ما من مؤمن يشفى نفسه الا بفضيحتها) شفاه يشفيه من باب ضرب فاشتفى هو، و هو من الشفاء بمعنى البرء من الامراض و يستعمل فى شفاء القلب من الامراض النفسية و المكاره القلبية كما يستعمل فى شفاء الجسم من الامراض البدنية و كون شفاء نفسه من غيظ العدو موجبا لفضيحتها ظاهر لان الانتقام من العدو مع عدم القدرة عليه يوجب الفضيحة و الذلة و زيادة الاهانة و الاذى (لان كل مؤمن ملجم) تعليل لجميع ما ذكر.
قوله (ان اللّه أخذ ميثاق المؤمن على بلايا أربع أيسرها عليه مؤمن يقول بقوله يحسده أو منافق يقفو أثره أو شيطان يغويه) أى يريد أن يغويه و يضله عن سبيل الحق بالوسوسة و الخاطرات كما حكى عنه الكتاب الكريم «لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ» و هو كناية عن جذبهم من طريق الحق الى الطريق الباطل.
 (أو كافر يرى جهاده) لازما فيجاهده و يضره من كل وجه يمكنه (فما بقاء المؤمن بعد هذا) و لهذا قل أهل الايمان، و المقصود من الحديث أن المؤمن لا يكون الا و معه هذه البلايا كلها أو بعضها، فلا ينافى الترديد الدال على منع الخلو، و أيسرها صفة لبلايا أربع و فيه اشعار بأن للمؤمن بلايا أخر أشد منها، و فى بعض النسخ أشدها بدل أيسرها فيفيد أن هذه الاربع أشد بلاياه، و قوله «مؤمن» خبر مبتدأ محذوف أى هى مؤمن و ربما يزعم أن أيسرها مبتدأ و مؤمن خبره، و أن أشدها أولى من أيسرها لئلا ينافى قوله «ع» فيما بعد و مؤمن يحسده و هو أشدهم عليه، و فيه ان ايسرها أو أشدها صفة لما تقدم فلا يتم ما ذكر، و كون هذه الاربع أيسر من غيرها لا ينافى ان يكون بعضها أشد من بعض و لو جعل مبتدأ كما زعم لزم أن لا يكون‏
__________________________________________________
لغلبة أهل الباطل لا أنه يحرم عليه الانتصاف بالحق اذا قدر، و قوله «لا يشفى نفسه الا بفضيحتها» هذا أيضا فى دولة الباطل و الفضيحة بلسان أهل زمانها و ان من رام ترويج الحق و دفع الباطل فى زمانهم و لم يقدر، غلب عليه و افتضح بالمغلوبية، و صار ذلك موجبا ليأس أهل الحق و ضعف أرادتهم. (ش)

189
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ما اخذه الله على المؤمن من الصبر على ما یلحقه فیما ابتلى به ص 188

3- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما أفلت المؤمن من واحدة من ثلاث و لربما اجتمعت الثلاثة عليه، إما بغض من يكون معه في الدّار يغلق عليه بابه يؤذيه، أو جار يؤذيه أو من في طريقه إلى حوائجه يؤذيه، و لو أنّ مؤمنا على قلة جبل لبعث اللّه عزّ و جلّ إليه شيطانا يؤذيه، و يجعل اللّه له من إيمانه انسا لا يستوحش معه إلى أحد.
4- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن داود بن سرحان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: أربع لا يخلو منهنّ المؤمن‏
__________________________________________________
المؤمن الحاسد أشد من المنافق و ما بعده و هو مناف لما يأتى فليتأمل.
قوله (ما أفلت المؤمن من واحدة من ثلاث و لربما اجتمعت الثلاثة عليه اما بعض من يكون معه فى الدار يغلق عليه بابه يؤذيه) أفلت افلاتا اذا تخلص و أفلته اذا خلصه لازم و متعد، و هنا لازم، و من لطف اللّه بعباده أنه اذا أحب عبدا صب عليه البلاء صبا، و من جملته أن يسلط عليه بعضا من شرار خلقه يؤذيه، و يتفاوت ذلك بحسب تفاوت الدرجات و المقامات كما يرشد إليه ايذاء الامة للانبياء و الأوصياء و الاولياء من لدن آدم «ع» الى الآن، و قوله «ص» «ما اوذى أحد فى اللّه ما اوذيت» و قد ذكروا لذلك وجوها من الحكمة منها أنه لكفارة ذنوبه، و منها أنه لاختبار صبره و ادراجه فى الصابرين، و منها أنه لتزهيده فى الدنيا و تبريدها فى قلبه لئلا يفتتن بها و لا يطمئن إليها فلا يشق عليه الخروج منها، و منها لاضعاف نفسه عن الصفات البشرية و القطع عنها مواد العلائق الجسمانية لينقطع علاقته بدنياه و يرجع بكله الى مولاه و يألف الاقبال عليه فى السراء و يستديم المثول بين يديه فى الضراء الى أن يرتقى بذلك الى أعلى درجة الاحباب و الاولياء. و منها لتنفيره بذلك عن مصاحبتهم، و ايحاشه منهم بواسطة أذيتهم ليؤنسه بحضرة ربوبيته و يقتطعه إليه عن بريته، و منها لاكرامه برفع الدرجة التى لا يبلغها الانسان قط بكسبه، لانه ممنوع من ايلام نفسه شرعا و طبعا فاذا سلط عليه فى ذلك غيره أدرك ما لا يصل إليه بفعله كدرجة الشهادة لا يبلغها المؤمن قط بقتل نفسه، و انما يبلغها بقتل العدو له فى اللّه فيكرم اللّه عليه بدرجة الشهادة على يد غيره. و منها لتشديد عقوبة العدو فى الآخرة فانه يوجب سرور المؤمنين به. و الغرض من هذا الحديث و أمثاله حث المؤمن على الاستعداد لتحمل أنواع النوائب و الاذى بالصبر و الرضا بقضاء اللّه، و باللّه الاستعانة و التوفيق.

190
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ما اخذه الله على المؤمن من الصبر على ما یلحقه فیما ابتلى به ص 188

أو واحدة منهنّ، مؤمن يحسده و هو أشدّ هنّ عليه، و منافق يقفو أثره أو عدوّ يجاهده، أو شيطان يغويه.
5- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن سنان، عن عمار بن مروان، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ جعل وليه في الدّنيا غرضا لعدوّه.
6- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن محمّد بن عجلان قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فشكا إليه رجل الحاجة، فقال له: اصبر فانّ اللّه سيجعل لك فرجا، قال: ثمّ سكت ساعة، ثمّ أقبل على الرّجل فقال:
أخبرني، عن سجن الكوفة كيف هو؟ فقال:- أصلحك اللّه- ضيّق منتن و أهله بأسوإ حال، قال: فإنّما أنت في السجن فتريد أن تكون فيه في سعة، أ ما علمت أنّ الدّنيا سجن المؤمن.
7- عنه، عن محمّد بن عليّ، عن إبراهيم الحذّاء، عن محمّد بن صغير، عن جدّه شعيب قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: الدّنيا سجن المؤمن فأيّ سجن جاء منه خير
__________________________________________________
قوله (مؤمن يحسده و هو أشدهن) لان صدور الشر من القريب المجانس أشد و أعظم من صدوره من البعيد المخالف، لتوقع الخير من الاول دون الثانى.
قوله (اصبر فان اللّه سيجعل لك فرجا) دلت الفاء على أن الفرج مترتب على الصبر كما اشتهر «الصبر مفتاح الفرج» و كما قيل: «من صبر ظفر فاصبر تظفر» ثم قال تسلية له فى تحمل المشاق و البليات رجاء لما بعد الدنيا من الخيرات:
 (أ ما علمت أن الدنيا سجن المؤمن) قد ورد من طرق الخاصة و العامة «أن الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر» يعنى أن المؤمن فى الدنيا ممنوع من الشهوات المحرمة و مكلف بالاعمال و الاخلاق الشاقة، و ممتحن بالبلايا و الرياضات التامة، فاذا مات استراح من جميع ذلك و انقلب الى ما أعد اللّه له من النعيم المقيم، و أما الكافر فانما له الدنيا حسب، و اذا مات انقلب الى ما أعد اللّه له من العذاب الجحيم، فالدنيا جنة له و ان كان ذا مشقة فيها، قيل ان يهوديا رث الهيئة و الحالة رأى فقيها و عليه لباس حسن فقال: أ لستم تروون عن نبيكم «ان الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر» فأين ذلك من حالى و حالك؟ فأجابه بأنه اذا مت و صرت الى ما أعد اللّه لك من العذاب علمت أن الدنيا كانت جنة لك، و اذا مت أنا و صرت‏

191
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ما اخذه الله على المؤمن من الصبر على ما یلحقه فیما ابتلى به ص 188

8- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحجّال، عن داود بن أبي يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المؤمن مكفّر.
و في رواية اخرى و ذلك أنّ معروفه يصعد إلى اللّه فلا ينشر في النّاس و الكافر مشكور
__________________________________________________
الى ما أعد اللّه لى من النعيم علمت أن الدنيا كانت سجنا لى.
قوله (المؤمن مكفر «1» و فى رواية اخرى و ذلك ان معروفه يصعد الى اللّه فلا ينشر فى الناس و الكافر مشكور) الرواية الاخرى تفسر الاولى، و لعل بناء هذا التفسير على أن المؤمن يخفى معروفه من الناس و لا يفعله رياء و سمعة فيصعد الى اللّه فلا ينشر فيهم و الا فالصعود الى اللّه مع الاعلان به لا يستلزم عدم نشره فيهم، و على هذا فكون الكافر مشكورا معناه أن معروفه لكونه واقعا اعلانا لا لوجه اللّه ينشر فى الناس و لا يصعد الى اللّه و للاولى‏
__________________________________________________
 (1) قوله «المؤمن مكفر» الناس مفطورون على طلب منافعهم الفردية و التمتع باللذات الدنيوية و ان استلزم الظلم و الاجحاف بغيرهم فبعث اللّه النبيين عليهم السلام لتحديد اراداتهم و منع استرسالهم. حتى يقتصروا على ما لا يضر بالغير، و لا يمنع أحد أحدا عن أرادته المباحة و حوائجه المشروعة، و أشد أعداء الأنبياء و الشرائع الجبابرة و أصحاب الدول الظالمة فان قدرتهم غير محدودة يريدون أن يفعلوا ما يرون صلاحا لهم من غير أن يمنعهم مانع و لا يحد قدرتهم محدد، و الأنبياء يحددون قدرتهم، و يمنعهم من أفعالهم فيحدث بينهم العداوة و البغضاء و المنافرة قهرا، و يأخذ جماعة من الناس جانب الظلمة و هم أصحاب الشهوات و اللذات لاشتراكهم فى طلب حرية أنفسهم و عدم المبالاة بالضعفاء، و جماعة جانب الأنبياء و هم أصحاب النفوس الآبية و أرباب العقول الراجحة و المبغضون للظلم و الاجحاف الكارهون لمساءات الخلق. لا يرون لائقا بكرامتهم أن يروا جماعة فى الضر و البأس ممنوعين عما يريدون من الاستمتاع بحوائجهم لمنع الاقوياء اياهم، و لا بدّ فى دولة الباطل من المصادمة بين الفريقين، و يكون الغلبة لغير المؤمن قطعا لانهم لا يبالون بالظلم و ايذاء الخلق و مصادرة الاموال و القتل و الحبس و التشريد لتحقيق مقاصدهم أيا ما كان، و المؤمن فى دولتهم منفوران صدر منه فعل حسن شكره أهل الحق و لا يرضى به أهل الباطل فان ما يرون منه من منه الباطل لا يكافى فعله الحسن و يذمونه على كل حال، و قد رأينا جماعة من المثرين بذلوا أموالا عظيمة فى سبيل اللّه تعالى، و مع ذلك يكرههم المبطلون و يبغضونهم و ينسبونهم الى كل سوء لانهم مؤمنون غير موافقين لهم فى اتباع الشهوات و اعتقاد الكفر و الالحاد. أعاذ اللّه الناس من شرورهم. (ش).

192
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب ما اخذه الله على المؤمن من الصبر على ما یلحقه فیما ابتلى به ص 188

9- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما من مؤمن إلّا و قد و كل اللّه به أربعة: شيطانا يغويه، يريد أن يضلّه، و كافرا يغتاله، و مؤمنا يحسده و هو أشدّهم عليه، و منافقا يتتبّع عثراته.
10- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سمعته يقول: إذا مات المؤمن خلّي على جيرانه من الشياطين عدد ربيعة و مضر، كانوا مشتغلين به.
11- سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد اللّه بن جبلة، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما كان و لا يكون و ليس بكائن مؤمن إلّا و له جار يؤذيه، و لو أنّ مؤمنا في جزيرة من جزائر البحر لابتعث اللّه له من يؤذيه.
12- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن أبي أيّوب، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما كان فيما مضى و لا فيما بقي و لا فيما أنتم فيه مؤمن إلّا و له جار يؤذيه.
13- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: ما كان و لا يكون إلى أن تقوم الساعة مؤمن إلّا و له جار يؤذيه‏
__________________________________________________
تفسير آخر أنسب بعنوان الباب و لعل المصنف باعتباره ذكره فيه و هو أن المؤمن مكفر أى مرزأ فى نفسه و ماله و مصاب بمصيبة لتكفر خطاياه و ذنوبه بخلاف الكافر.
قوله (و كافرا يغتاله) غاله غولا من باب قال أهلكه، و اغتاله قتله على غرة و هى بالكسر الغفلة و الخفية و الاسم الغيلة بالكسر.
قوله (اذا مات المؤمن خلى على جيرانه عدد ربيعة و مضر) هما فى النسب أخوان ابنا نزار بن معد بن عدنان، و مضر الجد السابع عشر للنبى «ص» و قبيلتاهما كانتا مشهورتين فى كثرة العدد و قساوة القلوب و غلظ الافئدة و معاندتهما للنبى «ص» و كفرهما أشهر من كفر ابليس.
قوله (ما كان و لا يكون و ليس بكائن مؤمن الا و له جار يؤذيه) ليس المراد به الجار المعروف فقط بل كل من يجاوره و يقاربه و رآه أو لم ير، فليس أحد يخلو من جار

193
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

 (باب شدة ابتلاء المؤمن)
1- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير عن، هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ أشدّ النّاس بلاء الأنبياء، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الأمثل فالأمثل.
2- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الرّحمن بن الحجّاج قال: ذكر عند أبي عبد اللّه عليه السّلام البلاء و ما يخصّ اللّه عزّ و جلّ به المؤمن، فقال: سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من أشدّ الناس بلاء في الدّنيا؟
__________________________________________________
و أقله الشيطان فالحصر كلى.
قوله (ان أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الامثل فالامثل) البلاء ما يختبر به و يمتحن به من خير أو شر و أكثر ما يأتى مطلقا فى الشر و اذا اريد به الخير يأتى مقيدا كما قال تعالى بَلاءً حَسَناً و أصله المحنة و اللّه تعالى بلا عبدا بالصنع الجميل ليمتحن شكره، و بما يكره ليمتحن صبره، يقال: بلاه اللّه بخير أو شر يبلوه بلوا و أبلاه ابلاء و ابتلاه ابتلاء بمعنى امتحنه، و الاسم البلاء مثل سلام و البلواء و البلية مثله، و المراد بالامثل فالامثل الاشرف فالاشرف و الا على فالاعلى فى المرتبة و المنزلة، يقال: هذا أمثل من هذا أى أفضل و أشرف و أدنى الى الخير، و أماثل الناس خيارهم. و فى هذا الحديث و غيره من الاحاديث المتكثرة من طرق الخاصة و العامة دلالة واضحة على أن الأنبياء فى الامراض الحسية و البلايا الجسمية كغيرهم بل هم أولى بها من الغير تعظيما لاجرهم الّذي يوجب التفاضل فى الدرجات و لا يقدح ذلك فى رتبتهم. بل هو تثبيت لامرهم و أنهم بشر اذ لو لم يصبهم ما أصاب البشر مع ما يظهر من أيديهم من خرق العادة لقيل فيهم ما قالت النصارى فى نبيهم، و استثنى بعض من ذلك ما هو نقص كالجنون و الجذام و البرص و حمل استعاذة النبي «ص» منها على أنها تعليم للخلق، و قال محى الدين الأنبياء «ع» منزهون عن النقص فى الخلق و الخلق سالمون من المعايب و لا يلتفت الى ما نسب بعض الى بعضهم من العاهات فان اللّه تعالى رفعهم عن كل ما هو عيب ينقص العيون و ينفر القلوب، و قال الابى فى كتاب إكمال الاكمال ان الأنبياء و الناس فى الامراض سواء و الأنبياء منزهون عن المعايب و يسمى هذا الابتلاء تنبيه الغافلين و تذكير الصالحين و تنويه الذاكرين، و له فوائد غير محصورة ذكرنا بعضها فى باب أن المؤمنين صنفان و ابتلاء الأنبياء و المقربين تحفة لهم لرفع الدرجات التى لا يمكن الوصول إليها بشي‏ء من العمل إلا ببلية كمان أن بعض الدرجات لا يمكن الوصول إليها الا بالشهادة فيمن اللّه سبحانه على من أحب من عباده بهما تعظيما و تكريما له.
                       

194
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

فقال: النبيون ثمّ الأمثل فالأمثل و يبتلى المؤمن بعد على قدر إيمانه و حسن عمله فمن صحّ إيمانه و حسن عمله اشتدّ بلاؤه، و من سخف إيمانه و ضعف عمله قلّ بلاؤه.
3- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن زيد الشحّام، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ عظيم الأجر لمع عظيم البلاء، و ما أحبّ اللّه قوما إلّا ابتلاهم.
4- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي بن عبد اللّه، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: أشدّ الناس بلاء الأنبياء، ثمّ الأوصياء ثمّ، الأماثل فالأماثل.
5- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ للّه عزّ و جلّ عبادا في الأرض من‏
__________________________________________________
قوله (و يبتلى المؤمن بعد على قدر ايمانه و حسن عمله فمن صح ايمانه و حسن عمله اشتد بلاؤه) كلما زاد ايمان رجل زاد قربه من اللّه، و كلما زاد قربه زاد حبه و كلما زاد حبه زاد استحقاقه لعطاياه و أعظم عطاياه البلية. لانها توجب رفع الذنوب و الخطايا و سلب الميل الى الدنيا و التضرع بين يدى المولى و الوصول الى الدرجة العليا و الاختصاص بأعلى مقام الشرف و الزلفى و النجاة من أهوال العقبى حتى توصله الى أعلى درجات المحبين و أقصى مراتب المقربين نعم ما قيل:
أبليت من أحببت يا حسن البلاء             و خصصت بالبلوى رجالا خشع‏
أحببت بلواهم و طول حنينهم             و أطلت ضرهم لكى يتخضعوا
 (و من سخف ايمانه) سخف الشي‏ء سخفا بالضم و سخافة بالفتح من باب قرب قربا و قرابة أى رق و نقص (و ضعف عمله) بالكمية و الكيفية. (قل بلاؤه) لضعف محبته و هو يقتضي قلة عطيته لانه تعالى اذا أحب عبدا حبا صب عليه البلاء صبا.
قوله (ان عظيم الاجر لمع عظيم البلاء) يعنى أن البلاء و الاجر متوازنان فان زاد البلاء زاد الاجر و ان نقص نقص (و ما أحب اللّه قوما الا ابتلاهم) بأنواع المشاق الدنيوية من العلل و الامراض و الاوجاع و الفقر و الخوف و المصائب فى النفس و الاهل و المال لينفرهم عن الدنيا و يعدهم للاقبال إليه و التضرع بين يديه حتى يبلغ كمال محبته و ينال ما عنده من الاجر الجميل و الثواب الجزيل.

195
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

خالص عباده ما ينزل من السّماء تحفة إلى الأرض إلّا صرفها عنهم إلى غيرهم و لا بليّة إلّا صرفها إليهم.
6- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أحمد بن عبيد، عن الحسين بن علوان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال- و عنده سدير-: إنّ اللّه إذا أحبّ عبدا غتّه بالبلاء غتّا، و إنّا و إيّاكم يا سدير لنصبح به و نمسي.
7- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن الوليد بن علاء، عن حمّاد، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ اللّه تبارك و تعالى إذا أحبّ عبدا غتّه بالبلاء غتّا و ثجّه بالبلاء ثجّا، فإذا دعاه قال: لبّيك عبدي لئن عجّلت لك ما سألت إنّي على ذلك لقادر، و لئن ادّخرت لك، فما ادّخرت لك فهو خير لك‏
__________________________________________________
قوله (ما ينزل من السماء تحفة الى الارض الا صرفها عنهم .... و لا بلية الا صرفها إليهم) المراد بالتحفة التحفة الدنيوية التى يتم بها عيش الدنيا و زينتها و هى التى يفر منها الاولياء و الصلحاء فرار الجبان من الاسد، و بالبلية البلية الدنيوية و هى التى يستقبلها الصلحاء و العرفاء الفحول و يتلقونها بالرحب و القبول علما بأنها أبواب لفضله و اسباب لعفوه و ذرائع الى جنانه و وسائل الى رضوانه.
قوله (غته بالبلاء غتا) أى عصره بسبب البلاء عصرا شديدا حتى يجد منه المشقة الشديدة كما يجدها من يغمس فى الماء قهرا أو غمسه فيه غمسا متتابعا على ان يكون الباء بمعنى فى، أوكده يقال غته بالامر أى كده و الكد: رنجانيدن و كوفتن (و انا و اياكم يا سدير لنصبح به و نمسى) لانهم كانوا خائفين و جلين من الاعداء و الخوف منهم من أعظم البلاء. قوله (وثجه بالبلاء ثجا) أى أسأل دم قلبه بالبلاء و هو كناية عن أخذه بالشدائد تقول ثججت الماء من باب قتل اذا صببته و اسلته، و الثلج أيضا اسالة دم الهدى.
 (فاذا دعاه) أى لرفع البلاء أو لغيره من المطالب أيضا (قال لبيك عبدى لئن عجلت لك ما سألت) ان كانت فى التعجيل مصلحة. (أنى على ذلك لقادر و لئن ادخرت لك) ان لم تكن فى التعجيل مصلحة (فما ادخرت لك) من أجر الدعاء سوى اجر الابتلاء.
 (خير لك) مما سألت لانه ينفع فى الآخرة و كل ما ينفع فى الآخرة خير مما ينفع فى الدنيا و ما ينفع فيها داثرة زائلة. و فيه تعظيم لامر الابتلاء و تفخيم لشأن الداعى و الدعاء

196
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

8- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن زيد الزرّاد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إنّ عظيم البلاء يكافأ به عظيم الجزاء، فإذا أحبّ اللّه عبدا ابتلاه بعظيم البلاء، فمن رضي فله عند اللّه الرّضا و من سخط البلاء فله عند اللّه السخط.
9- عنه، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن زكريّا بن الحرّ، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّما يبتلى المؤمن في الدّنيا على قدر دينه- أو قال:- على حسب دينه.
10- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن بعض أصحابه، عن محمّد بن المثنّى الحضرميّ، عن محمّد بن بهلول بن مسلم العبدي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّما المؤمن بمنزلة كفّة الميزان، كلّما زيد في إيمانه زيد في بلائه‏
__________________________________________________
حيث يقول اللّه تعالى له لبيك أى أقيم بخدمتك اقامة بعد اقامة و الزم على طاعتك لزوما بعد لزوم و اصل لبيك لبين لك حذفت اللام ثم النون للاضافة.
قوله (ان عظيم البلاء يكافأ به عظيم الجزاء) الكف‏ء النظير و منه كافأه اذا ساواه و كل شي‏ء ساوى شيئا حتى صار مثله فهو مكافئ له، و المكافاة بين الناس من هذا و معناه أن عظيم البلاء يساويه عظيم الجزاء (فاذا احب اللّه عبدا ابتلاه بعظيم البلاء) أى اذا أراد اللّه أن يوصل الخير الى عبده و أن يرحمه و يرضى عنه و يدخله الجنة و يرفع درجته فيها و هو نقى عن الذنوب ابتلاه ببلاء عظيم اما بأمراض جسمانية أو بمكاره روحانية.
 (فمن رضى فله عند اللّه الرضا و من سخط البلاء فله عند اللّه السخط) أى فمن رضى عن اللّه بما قضى عليه من البلاء و صبر و شكر فله رضاه تعالى و رضوانه و احسانه عند اللقاء فى دار البقاء و من سخط البلاء و كره القضاء و لم يرض بحكم اللّه فيه و اجراء البلاء عليه جرى عليه حكم اللّه و سخط فيلقاه و هو محروم عما أعده اللّه للصابرين الشاكرين من أهل البلاء و انما لم ينسب السخط إليه تعالى كما نسب إليه الرضا للتنبيه على أن السخط ليس من صفاته تعالى و مرادا له تعالى حقيقة، بل انما هو جزاء عمل العبد، و فيه تنبيه على أن الاجر للبلاء انما يكون لمن رضى و صبر، و تحريص للعبد على الصبر و الرضاء الموجبين للاكرام و الاصطفاء. قوله (انما المؤمن بمنزلة كفة الميزان) الظاهر أنه تشبيه تمثيلى متضمن لتشبيه الايمان بالجنس المرغوب الموزون، و قوله (كلما زيد فى ايمانه زيد فى بلائه) اشارة الى وجه التشبيه و الى أن الايمان و البلاء متساويان.

197
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

11- عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: المؤمن لا يمضي عليه أربعون ليلة إلا عرض له أمر يحزنه، يذكّر به.
12- محمد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان، عن معاوية بن عمّار، عن ناجية قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ المغيرة يقول: إنّ المؤمن لا يبتلى بالجذام و لا بالبرص و لا بكذا و لا بكذا؟ فقال: إن كان لغافلا عن صاحب ياسين إنّه كان مكنّعا- ثمّ ردّ أصابعه- فقال: كأنّي أنظر إلى تكنيعه أتاهم فأنذرهم، ثمّ عاد
__________________________________________________
قوله (المؤمن لا يمضى عليه اربعون ليلة الاعرض له أمر يحزنه يذكر به) حزن حزنا من باب علم و الاسم الحزن بالضم فهو حزين و يتعدى فى لغة قريش بالحركة يقال حزننى الامر يحزننى من باب قتل قاله ثعلب و الازهرى، و فى لغة تميم بالالف و منع أبو زيد استعمال الماضى من الثلاثى فقال لا يقال حزنه و انما يستعمل المضارع من الثلاثى فيقال يحزنه عروض أمر يوجب حزن المؤمن فى تلك المدة من لطف اللّه تعالى عليه لتنفيره عن الدنيا و تنبيهه عن الغفلة و تذكيره للآخرة و اصلاحه لنفسه و اقباله الى اللّه تعالى و ينبعث من ذلك التفكر فيما فات من عمره فى الخيالات و ما فرط منه من الهفوات الموجبة لدوام الحسرات و القلب بذلك يرق و يصفو و يتدارك ما فات و يستعد لما هو آت و قد روى أن اللّه تعالى أوحى الى داود «ع» طهر قلبك بالهموم و الاحزان على ما يفوت منى و قال بعض السلف القلب الّذي لا حزن فيه كالبيت الخراب قوله (أن المغيرة يقول ان المؤمن لا يبتلى بالجذام و لا بالبرص و لا بكذا و كذا فقال ان كان لغافلا عن صاحب ياسين انه كان مكنعا) ان فى «أن كان» مخففة بدليل دخول اللام على خبر كان. لا يقال صاحب ياسين هو مؤمن آل فرعون لما سيأتى في هذا الباب من رواية يونس بن عمار عن أبى عبد اللّه «ع» قال لقد كان مؤمن آل فرعون كمنع الاصابع فكان يقول هكذا و يمد يديه و يقول «يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ» و هذا ينافى ما صرح به علماء التفسير من انه غيره و صرح به السيوطى (كذا؟) فى العرائس أيضا قال كان مؤمن آل فرعون اسمه خربيل من أصحاب فرعون و كان نجارا و هو الّذي نجر التابوت لام موسى حين قذفته فى البحر، و قيل انه كان خازنا لفرعون قد خزن له مائة سنة و كان مؤمنا مخلصا يكتم ايمانه فاخذ يومئذ مع السحرة و قتل صلبا، و هو الّذي ذكره اللّه تعالى فى قوله «وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ الآية» و روى عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن أبيه أن رسول اللّه «ص» قال: «سباق الامم ثلاثة لم يكفروا باللّه طرفة عين على بن أبى طالب «ع»، و صاحب ياسين، و مؤمن آل فرعون فهم الصديقون حبيب النجار مؤمن آل ياسين، و خربيل مؤمن آل فرعون، و على بن أبى طالب أفضلهم» و يخالف الواقع أيضا لان‏

198
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

إليهم من الغد فقتلوه، ثمّ قال: إنّ المؤمن يبتلى بكلّ بليّة و يموت بكلّ ميتة إلّا أنّه لا يقتل نفسه.
13- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن إبراهيم بن محمّد الأشعري، عن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ المؤمن من اللّه عزّ و جلّ لبأفضل مكان- ثلاثا- إنّه ليبتليه بالبلاء ثمّ ينزع نفسه عضوا عضوا من جسده و هو يحمد اللّه على ذلك.
14- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن فضيل ابن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ في الجنّة منزلة لا يبلغها عبد إلّا بالابتلاء
__________________________________________________
صاحب ياسين كان من امة عيسى «ع» فلا يكون هو مؤمن آل فرعون موسى «ع» لانا نقول المراد بفرعون من رواية يونس فرعون عيسى «ع» و هو كان مكنع الاصابع و المكنع من تشنجت أصابعه حتى رجعت الى كفه و ظهرت رواجبه أى اصول الاصابع أو بواطن مفاصلها (ثم قال ان المؤمن يبتلى بكل بلية و يموت بكل ميتة الا أنه لا يقتل نفسه) الميتة بالكسر للحال و الهيئة و فيه دلالة على أن الموت بكل وجه من الوجوه يجامع الايمان و لا ينافيه الا الموت على الوجه الخاص و هو قتل نفسه فانه ينافى الايمان و لا يجامعه فيفهم منه كفر من قتل نفسه بأى وجه كان سواء قتلها بالسيف أو السكين أو نحوهما أو بشرب السم و نحوه أو بترك الاكل أو مداواة جراحة أو مرض علم نفعها أما لو أحرق العدو السفينة فألقى جالس السفينة نفسه فى البحر فمات فالظاهر أنه داخل فى هذا الحكم خلافا لبعض العامة فانه أخرجه منه لانه فر من موت الى موت و هو ضعيف لا مستند له و يمكن حمل كفره على ما اذا استحل قتل نفسه، أو على أنه ليس بمؤمن كامل يستحق الجنة ابتداء و اللّه اعلم.
قوله (ان المؤمن من اللّه لبافضل مكان) هو مكان غاية القرب و نهاية الغزو لو رأيته لرأيت مقاما رفيعا و مكانا عليا.
 (ثم ينزع نفسه عضوا عضوا من جسده) النزع القلع و التفريق تقول نزعته من موضعه نزعا من باب ضرب اذا قلعته و انتزعته مثله و النفس اسم لجملة البدن و للروح أيضا.
 (و هو يحمد اللّه على ذلك) لان كل شي‏ء من الحبيب حبيب و لعلمه بأنه أصلح له و ان فيه رفع الدرجة و نعمة التطهير من الذنوب كما قال أمير المؤمنين «ع» ان اللّه تعالى فى السراء نعمة الفضل، و فى الضراء نعمة التطهير.
قوله (ان فى الجنة منزلة لا يبلغها عبد الا بالابتلاء فى جسده) فى الجنة منازل و

199
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

في جسده.
15- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن إبراهيم بن محمّد الأشعري، عن أبي يحيى الحنّاط، عن عبد اللّه بن أبي يعفور قال: شكوت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام ما ألقي من الأوجاع- و كان مسقاما- فقال: لي يا عبد اللّه لو يعلم المؤمن ماله من الأجر في المصائب لتمنّى أنّه قرض بالمقاريض.
16- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن يونس بن رباط قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ أهل الحقّ لم يزالوا منذ كانوا في شدّة أما إنّ ذلك إلى مدّة قليلة و عافية طويلة.
17- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن الحسين بن المختار، عن أبي اسامة، عن حمران، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ ليتعاهد
__________________________________________________
درجات بعضها يبلغها العبد بكسبه و سعيه و بعضها لرفعته و علوه خارج عن قدرة البشر و بلوغه إليه بالكسب و انما يبلغه بالابتلاء و لذلك الابتلاء عند المحبين أحلى من الشهد.
قوله (و كان مسقاما) مسقام آنكه بسيار رنج شود (لو يعلم المؤمن ماله من الاجر فى المصائب) فى لفظة لو و الموصول المشعر بالابهام دلالة واضحة على أن أجر المصائب فى العظمة و الفخامة على حد لا يصل إليه عقول البشر.
 (لتمنى انه قرض بالمقاريض) قرضت الشي‏ء قرضا من باب ضرب قطعته بالمقراض و يجمع المقراض بالمقاريض، و فيه تبشير للمؤمن بالصبر على الامراض و البلايا لما له من الاجر العظيم الّذي لا يبلغ كنهه عقول العارفين و لا يقدر على وصفه فحول الواصفين.
قوله (ان أهل الحق لم يزالوا منذ كانوا فى شدة) يعنى ان أهل الحق و الايمان من أول زمانهم الى هذا كانوا فى شدة كما يشهد له النظر فى حال الأنبياء و الأوصياء و التفكر فى القرآن العزيز و التأمل فى السنة و السير. و فيه حث للمؤمن على الصبر بالشدائد و البلايا تأسيا بهؤلاء الكبراء الذين صبروا للّه على قضائه و شكروا له على بلائه ثم حث على الصبر مبالغة بقوله:
 (ان ذلك الى مدة قليلة و عافية طويلة) فان زمان البلاء و الصبر مدة العمر و هى قليلة فانية و زمان العافية مدة الآخرة و هى طويلة باقية. و من البين أن العاقل يرجح العافية الباقية على العافية فانية.
قوله (ان اللّه عز و جل ليتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرجل اهله بالهدية من‏

200
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرّجل أهله بالهديّة من الغيبة و يحميه الدّنيا كما يحمي الطبيب المريض.
18- عليّ، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن محمّد بن يحيى الخثعمي، عن محمّد بن بهلول العبدي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لم يؤمن اللّه المؤمن من هزاهز الدّنيا و لكنّه آمنه من العمى فيها و الشقاء في الآخرة.
19- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حسين بن نعيم الصحّاف عن ذريح المحاربي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان علي بن الحسين عليهما السّلام يقول: إنّي لأكره للرّجل أن يعافي في الدّنيا فلا يصيبه شي‏ء من المصائب.
20- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن نوح بن شعيب، عن أبي داود المسترقّ، رفعه قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: دعي النبيّ صلى اللّه عليه و آله إلى طعام فلمّا دخل منزل الرّجل نظر إلى دجاجة فوق حائط قد باضت فتقع البيضة على وتد في حائط فثبتت عليه و لم تسقط و لم تنكسر، فتعجّب النبيّ صلى اللّه عليه و آله منها فقال له الرّجل: أعجبت من هذه البيضة فو الّذي بعثك بالحقّ ما رزئت شيئا قط، [قال:]
__________________________________________________
الغيبة) شبه تعاهده و حفظه للمؤمن بالبلاء و ارساله إليه بتعاهد الرجل الغائب و حفظه لاهله بالهدية و ارسالها إليه و فيه تشبيه البلاء بالهدية و الغرض هو النفع و هو و ان كان فى المشبه أدوم و أوفر لكنه فى المشبه به أجلى و أظهر.
 (و يحميه الدنيا كما يحمى الطبيب المريض) الحمى المنع أى يمنعه عن الدنيا و يزوى عنه فضولها و يقطع عنه اسبابها و يبعد عنه المهلك من لذاتها كيلا يتدنس بها و لا يسكن قلبه إليها و لا تقف نفسه عليها كما يمنع الطبيب المريض عن تناول ما يضره من الاطعمة و الاشربة شفقة عليه و محبة له فينبغى للمؤمن الّذي حماه اللّه تعالى عنها أن يعد ذلك من أجل نعماء اللّه و يفرح بذلك و يشكره به و يفرغ قلبه عنها الى ذكره و يصير و يسعى فى طريق محبته حتى يدخل فى اعلى منازل المقربين و اقصى درجات المحبين.
قوله (لم يؤمن اللّه المؤمن من هزاهز الدنيا و لكنه آمنه من العمى فيها و الشقاء فى الآخرة) هرزته أى حركته و الهزاهز الفتن يهتز فيها الناس «أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ» و العمى عمى القلب الموجب للجهل باللّه و التنفر عن الحق و البعد من الايمان و كل ذلك يوجب الشقاء فى الآخرة.
قوله (فو الّذي بعثك بالحق ما رزئت شيئا قط) الرزية النقص و المصيبة و أصلها

201
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

فنهض رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و لم يأكل من طعامه شيئا و قال: من لم يرزأ فما للّه فيه من حاجة.
21- عنه، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرحمن، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و أبي بصير، «1» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: لا حاجة للّه فيمن ليس له في ماله و بدنه نصيب.
22- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن عثمان النوا، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ يبتلي المؤمن بكلّ بليّة و يميته بكلّ ميتة و لا يبتليه بذهاب عقله. أ ما ترى أيّوب كيف سلّط إبليس على ماله و
__________________________________________________
الهمزة و الاسم الرزء مثال قفل و رزأته أنا اذا اصبت بمصيبته فرزئت بالهمزة و قد يأتى بغير الهمزة و هو من التخفيف الشاذ (فنهض رسول اللّه «ص» و لم يأكل من طعامه شيئا) نهوضه «ص» و عدم أكله من طعامه مع كونه من أهل الايمان ظاهرا كما يشعر به الحديث دليل على ان من لم يرزأ و لم يصب فى نفسه و ماله و أهله بشي‏ء من النقص و المصائب فهو مبغوض ممقوت عند اللّه و من بغضه اياه و مقته له أنه زوى عنه مصائب الدنيا كلها و ذلك لامرين أحدهما الاستدراج له ليتمادى فى بغيه و طغيانه و يغتر بدوام صحته و سلامة ماله فيزيد فى غيه و عصيانه كما قال تعالى «سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ»* قيل فى تفسيره كلما أحدثوا معصية جددنا لهم نعمة و الاخر أنه لم يصبه بمصيبة لئلا يكفر عنه شيئا من معاصيه و ذنوبه حتى يأتى فى الآخرة بجميعها فيكبه فى النار بسببها و بضد هذا المؤمن الخالص المتقى فانه تعالى شأنه يخصه بالبلاء فى الدنيا اما تكفيرا لذنوبه أو رفعا لدرجته التى لا يصل إليها الا بالبلاء أو لغير ذلك.
 (و قال من لم يرزأ فما للّه فيه من حاجة) أى فى اعلان دينه و الاتيان بتكاليفه و لفظ الحاجة مستعار فى حقه تعالى باعتبار طلبه للعبادات بالاوامر و غيرها كطلب ذى الحاجة ما يحتاج إليه أو سلب الحاجة كناية عن سلب اللطف به و ترك الاقبال إليه لان اللطف و الاقبال متلازمان للحاجة فنفى الملزوم و اراد نفى اللازم.
قوله (لا حاجة للّه فيمن ليس له فى ماله و بدنه نصيب) ضمير له راجع الى من أو الى اللّه، قوله (لا يبتليه بذهاب عقله) لان فائدة الابتلاء التصبر و التذكر و الرضا و نحوها و لا يتصور شي‏ء من ذلك بذهاب العقل و فساد القلب و لا ينافى ذهاب العقل لا لغرض الابتلاء على‏
__________________________________________________
 (1) كذا فى النسخ و الظاهر «عن أبان بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبى عبد اللّه و أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام- الحديث» كما فى الوافى.

202
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

على ولده و على أهله و على كلّ شي‏ء منه و لم يسلّط على عقله، ترك له ليوحّد اللّه به.
23- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّه ليكون للعبد منزلة عند اللّه فما ينالها إلّا بإحدى خصلتين إمّا بذهاب ماله أو ببليّة في جسده.
24- عنه، عن ابن فضّال، عن مثنّى الحنّاط، عن أبي اسامة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال اللّه عزّ و جلّ: لو لا أن يجد عبدي المؤمن في قلبه لعصبت رأس الكافر بعصابة حديد، لا يصدع رأسه أبدا.
25- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حسين بن عثمان، عن عبد اللّه بن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:
مثل المؤمن كمثل خامة الزرع تكفئها الرّياح كذا و كذا و كذلك المؤمن تكفئه الأوجاع و الأمراض، و مثل المنافق كمثل الإرزبّة المستقيمة الّتي لا يصيبها شي‏ء حتّى يأتيه الموت فيقصفه قصفا
__________________________________________________
أن الموضوع هو المؤمن و المجنون ليس بمؤمن.
قوله (انه ليكون للعبد منزلة عند اللّه فما ينالها الا باحدى خصلتين) المراد بالعبد العبد المحبوب للّه تعالى فاذا احبه ابتلاه باحدى الخصلتين ليشرفه بتلك المنزلة التى لا مدخل لكسبه فيها. قوله (قال اللّه عز و جل لو لا ان يجد عبدى المؤمن فى قلبه لعصبت رأس الكافر بعصابة حديد لا يصدع رأسه أبدا) الوجد الحزن و العصابة بالكسر العمامة و كل ما يعصب به الرأس. يقال عصبت رأسه بعصابة تعصيبا و عصبته بها عصبا أى شددته بها، و الصداع وجع الرأس يقال منه صدع تصديعا بالبناء للمفعول و لعل المراد ان نزول البلية فى الدنيا على الكافر لئلا يحزن المؤمن بصحته و فراغ خاطره دائما و لو لا ذلك تنزل عليه البلية ما دام فى الدنيا. قوله (مثل المؤمن كمثل خامة الزرع تكفئها الرياح كذا و كذا و كذلك المؤمن تكفئه الاوجاع و الامراض) مر شرحه فى باب أن المؤمنين صنفان.
 (و مثل المنافق كمثل الارزبة المستقيمة التى لا يصيبها شي‏ء حتى يأتيه الموت فيقصفه قصفا) الارزبة بكسر الهمزة مع التثقيل و الجمع أرازب و فى لغة مرزبة بميم مكسورة

203
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

26- عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: يوما لأصحابه ملعون كلّ مال لا يزكّى، ملعون كلّ جسد لا يزكّى و لو في كلّ أربعين يوما مرّة، فقيل: يا رسول اللّه‏
__________________________________________________
مع التخفيف و العامة تثقل مع الميم قال ابن السكيت و هو خطاء و الجمع مرازب بالتخفيف أيضا و هى عصية من حديد يكسر بها الحجر و المدر و القصف الكسر تقول قصفت العود قصفا فانقصف مثل كسرته فانكسر وزنا و معنى و ربما استعمل لازما أيضا فقيل قصفته فقصف و المقصود من هذا التمثيل أن المنافق يؤخذ بغتة أخذا شديدا و هو أشد أنواع الاخذ و مثل هذه الرواية رواها مسلم عن النبي «ص» قال «مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع تكفئها الرياح تصرعها مرة و تعدلها حتى يأتيه أجله، و مثل المنافق مثل الارزة المجذية التى لا تصيبها حتى يكون انجعافها مرة واحدة» و فى رواية اخرى «مثل الكافر» قال عياض الخامة هى الزرع أول ما ينبت، و معنى تكفيها بضم التاء تميلها الريح و تلقيها بالارض كالمصروع ثم تقيمه يقوم على سوقه و معنى المجذية الثابتة يقال اجذى يجذى، و الانجعاف الانقطاع يقال جعفت الرجل صرعته. و قال محى الدين الارزة بفتح الهمزة و سكون الراء شجر معروف بالشام و يسمى بالعراق الصنوبر و الصنوبر انما هو ثمره و سمى الشجر باسم ثمره و حكى الجوهرى فى راء الارزة بالفتح و قال بعضهم هى الارزة بالمد و كسر الراء على وزن فاعلة و أنكره أبو عبيد قال أهل اللغة الارزة بالمد النابتة و هذا المعنى صحيح هاهنا فانكار أبى عبيد انكار الرواية لا انكار اللغة و قال أبو عبيد شبه المؤمن بالخامة التى تميلها الريح لانه يرزأ فى نعمته و أهله و ماله، و شبه الكافر بالارزة لانه لا يرزأ فى شي‏ء حتى يموت و ان رزئ لم يوجر حتى يلقى اللّه تعالى بذنوب جمة.
قوله (قال قال رسول اللّه «ص» يوما لاصحابه) هذا الحديث شرحه الشيخ «ره» فى الاربعين و نحن نذكر شرحه تيمنا (ملعون كل مال لا يزكى) أى بعيد عن الخير و البركة يعنى لا خير فيه لصاحبه و لا بركة، و يجوزان يراد ملعون و صاحبه على حذف مضاف أى مطرود مبعد عن رحمة اللّه تعالى و قس عليه قوله (ملعون كل جسد لا يزكى) ذكر الزكاة هنا من باب المشاكلة و يجوز أن يكون استعارة تبعية و وجه الشبه أن كلا منهما و ان كان نقصا بحسب الظاهر الا أنه موجب لمزيد الخير و البركة فى نفس الامر. أقول كل مال يمكن حمله على العموم سواء كانت الزكاة فيه واجبة أم لا لان فى كل مال حقا للسائل و المحروم.
 (و لو فى كل أربعين يوما مرة) اقول هذه غاية المدة المضروبة للحوق اللعن اما قبلها فلا لعن و اما بعدها فيشتد و يضعف اللعن بحسب زيادة الزمان و نقصانه.

204
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

أمّا زكاة المال فقد عرفناها فما زكاة الأجساد؟ فقال لهم: أن تصاب بآفة، قال:
فتغيّرت وجوه الّذين سمعوا ذلك منه، فلمّا رآهم قد تغيّرت ألوانهم قال لهم:
أ تدرون ما عنيت بقولي، قالوا: لا يا رسول اللّه، قال: بلى الرّجل يخدش الخدشة و ينكب النكبة و يعثر العثرة و يمرض المرضة و يشاك الشوكة و ما أشبه هذا- حتّى ذكر
__________________________________________________
 (فقيل يا رسول اللّه أما زكاة المال فقد عرفناها) أقول: عرفوها لعلمهم بانها قدر معين من مال معين واجبة كانت أم مندوبة و قدر يقدره الباذل فى ماله الفاضل على تقدير التعميم (فما زكاة الاجساد؟ فقال لهم ان تصاب بآفة) أقول زكاة الجسد و ان كانت أعم من الآفة لشمولها الاعمال الصالحة و الاخلاق الفاضلة أيضا الا أنها غير مرادة هنا.
 (قال فتغيرت وجوه الذين سمعوا ذلك منه) لانهم ظنوا أن مراده «ص» بالآفة هنا العاهة و البلية الشديدة التى كثيرا ما يخلو عنها الانسان سنين عديدة فضلا عن أربعين يوما.
 (فلما رآهم قد تغيرت ألوانهم قال لهم أ تدرون ما عنيت بقولى) أقول يدل هذا على جواز تأخير البيان الى وقت الحاجة لا يقال ليس فيه تأخير البيان لان الخبر ليس فيه تكليف بعمل، غاية ما فى الباب هناك تكليف باعتقاد فيما يقول لانا نقول. لم نعلم ان أحدا فرق فى تأخير البيان بين المسائل العلمية و العملية و أدلتهم فى المسألة تدل على عدم الفرق و قد أشرنا إليه فى اصول الفقه (قالوا لا يا رسول اللّه قال بلى الرجل يخدش الخدشة) يخدش بالبناء للمفعول و كذا ينكب، و الخدشة تفرق اتصال فى الجلد من ظفر و نحوه سواء خرج معه دم أولا.
 (و ينكب النكبة) أقول النكبة هى ما يصيب الانسان من حوادث الدهر و الجمع النكبات مثل السجدة و السجدات.
 (و يعثر العثرة) المراد بها عثرة الرجل و يجوز أن يراد بها ما يعم عثرة اللسان أيضا لكنه بعيد، أقول العثار و العثرة بالفارسية بسر در آمدن و لغزيدن، الا أن العثرة للمرة و الفعل من باب قتل و فى لغة من باب ضرب و يقال للزلة عثرة لانها سقوط فى الاثم.
 (و يمرض المرضة) أقول هى للمرة و الفعل من باب علم لازم يقال مرض الانسان مرضا و يعدى بالالف فيقال أمرضه اللّه و المرض حالة خارجة عن الطبع ضارة بالفعل و قيل المرض كل ما خرج به الانسان عن حد الصحة من علة أو نفاق أو تقصير فى أمر.
 (و يشاك الشوكة) يقال شاكته الشوكة تشوكه شوكة و شيكة اذا دخلت فى جسده و انتصاب الشوكة بالمفعولية المطلقة كانتصاب الخدشة و النكبة و العثرة، فان قلت:
تلك المصادر بخلاف الشوكة فانها واحدة الشوك و هو من الشجر معروف فكيف يكون مفعولا مطلقا؟ قلت: يجي‏ء المفعول المطلق غير مصدر اذا لابس المصدر بالالية و نحوها نحو ضربته‏

205
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

في حديثه اختلاج العين-.
27- أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن فضّال، عن ابن بكير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام أ يبتلى المؤمن بالجذام و البرص و أشباه هذا؟ قال:
فقال: و هل كتب البلاء إلّا على المؤمن.
28- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عمّن رواه، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ المؤمن: ليكرم على اللّه حتّى لو سأله الجنّة بما فيها أعطاه ذلك من غير أن ينقص من ملكه شيئا و إنّ الكافر ليهون على اللّه حتّى لو سأله الدّنيا بما فيها أعطاه ذلك من غير أن ينقص من ملكه شيئا و إنّ اللّه ليتعاهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الغائب أهله بالطرف و إنّه ليحميه الدّنيا كما يحمي الطبيب المريض.
29- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ في كتاب علي عليه السّلام أنّ أشدّ الناس بلاء النبيّون، ثمّ الوصيّون، ثمّ الأمثل فالأمثل: و إنّما يبتلي المؤمن على قدر أعماله الحسنة
__________________________________________________
سوطا، و ان أبيت فاجعل انتصابها بنزع الخافض أى يشاك بالشوكة. (و ما أشبه هذا) يحتمل أن يكون من كلام النبي صلى اللّه عليه و آله و ان يكون من كلام الراوى.
 (حتى ذكر فى حديثه اختلاج العين) عده «ص» من جملة الافات لان اختلاج العين مرض من الامراض و قد ذكره الاطباء و هو حركة سريعة متواترة غير عادية تعرض لجزء من البدن كالجلد و نحوه بسبب رطوبة غليظة لزجة تنحل فتصير ريحا بخاريا غليظا يعسر خروجه من المسام و تزاول الدافعة دفعه فيقع بينهما مدافعة و اضطراب- اقول فسر «ص» تسلية للمؤمنين الآفة على وجه يعم الافات المذكورة و دونها و أمثال هذه الافات لا يخلو المؤمن عنها فى المدة المذكورة و لو فرض خلوه عنها فهو ملعون لا بمعنى أنه بعيد عن الرحمة الواسعة الربانية مطلقا بل عن هذه الرحمة التى تصل إليه من جهة هذه الآفة لان الآفة رحمة من اللّه يرفع بها بعض الذنوب و يكفره و يرفع الدرجة و اللّه أعلم.
قوله (ان المؤمن ليكرم على اللّه حتى لو سأله الجنة بما فيها أعطاه ذلك من غير أن ينقص من ملكه شيئا و ان الكافر ليهون على اللّه حتى لو سأله الدنيا بما فيها اعطاه ذلك من غير ان ينتقص من ملكه شيئا) انتقاص كم كردن و كم شدن فهو معتد و لازم و الاول هو المراد هنا

206
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

فمن صحّ دينه و حسن عمله اشتدّ بلاؤه، و ذلك أنّ اللّه عزّ و جلّ لم يجعل الدّنيا ثوابا لمؤمن و لا عقوبة لكافر و من سخف دينه و ضعف عمله قلّ بلاؤه، و إنّ البلاء أسرع إلى المؤمن التقيّ من المطر إلى قرار الأرض.
30- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن مالك بن عطيّة، عن يونس بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ هذا الّذي ظهر بوجهي يزعم النّاس أنّ اللّه لم يبتل به عبدا له فيه حاجة، قال: فقال لي، لقد كان مؤمن آل فرعون مكنّع الأصابع فكان يقول هكذا- و يمدّ يديه- و يقول: «يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ» ثمّ قال لي: إذا كان الثلث الاخير من اللّيل‏
__________________________________________________
يفهم منه أن المؤمن لو سأل تمام الدنيا أو بعضها لم يعطه لانه يحميه عنها لمصلحة عائدة إليه و لان الدنيا مبغوضة و المؤمن محبوب و المبغوض لا يناسب المحبوب و انه لا يسأل تمام الجنة لعلمه بأن لغيره من المؤمن نصيبا فيها فطلب الاختصاص محال، لا يقال: الشرطية تقتضى تحقق الاعطاء على تقدير وقوع السؤال و وقوع السؤال أمر ممكن فيلزم تحقق الاعطاء عند سؤال مؤمن ذلك لانا نقول وقوع السؤال و ان كان ممكنا فى نفسه الا أنه ممتنع بالغير و هو العلم باستحالة الاختصاص و الموقوف على الممتنع بالغير ممتنع بالغير أيضا على أن الشرطية خرجت مخرج المبالغة فى تعظيم المؤمن و أن الدنيا مبغوضة لا قدر لها عند اللّه حيث يعطيها عدوه و أن الكافر لو سأل الجنة لا يجيبه لانها محرمة على الكافرين و أنه لا يسأل تمام الدنيا لعلمه بأن غيره من الخلق مرزوق فيها و اعتبر فيه سائر ما ذكرناه، و اللّه أعلم و قد مر شرح باقى الحديث فى هذا الباب.
قوله (و ذلك ان اللّه عز و جل لم يجعل الدنيا ثوابا لمؤمن و لا عقوبة لكافر) و لو جعلها كذلك لما منع المؤمن من الدنيا و لما اختبره بالبلاء و لما سقى الكافر فيها شربة من الماء و انما جعل الآخرة كذلك فلذلك يعطى المؤمن فيها ما تقربه عينه من الثواب و يعاقب الكافر فيها بأنواع من العقاب و لا ينبغى للمؤمن الفقير الممتحن بالبلاء أن يغتم لانه مشارك للانبياء و الاولياء و لا للغنى الخلى منه أن يغتر و يفتخر لانه مشارك للكفرة و الجهلاء (و ان البلاء أسرع الى المؤمن التقى من المطر الى قرار الارض) شبه البلاء النازل الى المؤمن بالمطر النازل الى الارض للايضاح و الوجه متعدد و هو السرعة و الاستقرار بعد النزول و كثرة النفع و التسبب للحياة فان البلاء سبب للحياة الابدية و المطر سبب للحياة الارضية.
قوله (فقال لى لقد كان مؤمن آل فرعون مكنع الاصابع فكان يقول هكذا- و يمد يديه- و يقول «يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ») لعل المراد بهذا المؤمن صاحب ياسين المذكور سابقا

207
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب شدة ابتلاء المؤمن ص 194

في أوّله فتوض و قم إلى صلاتك الّتي تصلّيها فإذا كنت في السجدة الأخيرة من الركعتين الاوليين فقل و أنت ساجد: «يا عليّ يا عظيم يا رحمن يا رحيم يا سامع الدّعوات يا معطي الخيرات صلّ على محمّد و آل محمّد و أعطني من خير الدّنيا و الآخرة ما أنت أهله و اصرف عنّي من شرّ الدنيا و الآخرة ما أنت أهله و أذهب عنّي بهذا الوجع- و تسميه- فإنّه قد غاظني و أحزنني» و ألحّ في الدّعاء. قال: فما وصلت إلى الكوفة حتّى أذهب اللّه به عنّي كلّه.
 (باب فضل فقراء المسلمين)
1- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن محمّد بن سنان، عن العلاء، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ فقراء المؤمنين يتقلّبون في رياض الجنّة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا ثمّ قال: سأضرب لك مثل ذلك إنّما
__________________________________________________
و بفرعون فرعون عيسى (ع) و هو حاكم الانطاكية لا فرعون موسى (ع) و الفرعون يطلق على كل جبار متكبر، نعم شاع اطلاقه على ثلاثة فرعون الخليل و اسمه سنان و فرعون يوسف و اسمه الريان بن الوليد و فرعون موسى و اسمه الوليد بن مصعب. و يؤيد ما قلنا قوله يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ فان مؤمن آل فرعون موسى قال: «يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ» و اضافته الى فرعون عيسى باعتبار أدنى الملابسة و هو كونه فيهم و اشتغاله بانذارهم أو باعتبار كونه منهم فى نفس الامر، و اللّه أعلم (و ألح فى الدعاء) إلحاح مبالغه كردن و ايستادن و دائم باريدن سحاب، قال فى المصباح ألح السحاب إلحاحا دام مطره و منه ألح الرجل على الشي‏ء اذا أقبل عليه مواظبا.
قوله (ان فقراء المؤمنين يتقلبون فى رياض الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا) روى مسلم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «ان فقراء المهاجرين يسبقون الاغنياء يوم القيمة الى الجنة بأربعين خريفا» قال صاحب النهاية الخريف الزمان المعروف من فصول السنة ما بين الصيف و الشتاء و يريد به أربعين سنة لان الخريف لا يكون فى السنة الا مرة واحدة فاذا انقضى أربعون خريفا فقد مضت أربعون سنة و فسره صاحب المعالم بأكثر من ذلك كثيرا و فى بعض رواياتنا أنه ألف عام و اللّه أعلم، ثم الظاهر أن التفاوت بهذه المدة اذا كان الاغنياء من أهل الصلاح و السداد و التزموا الحقوق المالية و لم يكتسبوا من وجه الحرام فيكون حبسهم لمجرد خروجهم عن عهدة الحساب و السؤال عن مكسب المال و مخرجه و حقوقه و رعاية الفقراء

208
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فضل فقراء المسلمین ص 208

مثل ذلك مثل سفينتين مرّ بهما على عاشر فنظر في إحداهما فلم ير فيها شيئا، فقال:
أسربوها و نظر في ا [لا] خرى فاذا هي موقرة فقال: احبسوها.
2- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن سعدان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: المصائب منح من اللّه و الفقر مخزون عند اللّه.
3- و عنه رفعه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: يا عليّ إنّ اللّه جعل الفقر أمانة عند خلقه، فمن ستره أعطاه اللّه مثل أجر الصائم القائم و من أفشاه إلى من يقدر على قضاء حاجته فلم يفعل فقد قتله، أما إنّه ما قتله بسيف و
__________________________________________________
الايتام و الارامل و الارحام و الجار و عن التقصير فى بعض العبادات لاشتغال قلبه بكسبه و حفظه و الا فهم على خطر عظيم و نجاتهم فى مشية اللّه. و يفهم منه ان الفقر أفضل من الغنى و من الكفاف للصابر و ما وقع فى بعض الروايات من استعاذتهم عليهم السلام من الفقر يمكن حمله على الاستعاذة من الفقر الّذي لا يكون معه صبر و لا ورع يحجز عما لا يليق بأهل الدين و المروة أو من فقر القلب و فقر الآخرة و قد صرح به بعض العلماء و دل عليه بعض الروايات. و للعامة فى تفضيل الفقر على الغنى و الكفاف أو العكس أربعة أقوال ثالثها الكفاف أفضل و رابعها الوقف و معنى الكفاف أن لا يحتاج و لا يفضل و قال بعضهم الغنى و الفقر أفضل من الكفاف و لكل واحد استدلال لا يناسب المقام ذكره (ثم قال ساضرب لك ذلك) اى دخول الفقراء فى الجنة قبل الاغنياء (انما مثل ذلك مثل سفينتين مر بهما على عاشر) هو من يأخذ عشر المال و يقال له العشار أيضا مبالغة و فعله من باب قتل (فنظر فى إحداهما فلم ير فيها شيئا فقال أسربوها) اى ارسلوها من اسربه اذا ارسله و بعثه و هكذا حال الفقراء (و نظر فى الاخرى فاذا هى موقرة) بالاسباب و الاحمال، و الموقرة على صيغة الفاعل أو المفعول من باب الافعال يقال أو قرت النخلة اذا كثر حملها فهى موقرة و اوقرت بالبناء للمفعول صار عليها حمل ثقيل (فقال احبسوها) الى أن يخرج من عهدة ما عليه و هكذا حال الاغنياء.
قوله (المصائب منح من اللّه) المنح العطاء منحته منحا من باب نفع و ضرب اعطيته و الاسم المنحة بالكسر و هى فى الاصل الشاة التى يعطيها صاحبها رجلا ليشرب لبنها ثم يردها اذا انقطع اللبن ثم كثر استعماله حتى اطلق على كل عطاء و فيه تنبيه على انه ينبغى أن يفرح صاحب المصائب بها كما يفرح صاحب العطية بها حيث عد المصائب عطية لان العطية ما ينتفع به و المصائب كذلك و ان كانت فى المذاق مرة كما أن الدواء النافع للمريض عطية و ان كان فى مذاقه مرا (و الفقر مخزون عند اللّه) لخواصه و أوليائه يوصله إليهم تحفة لهم و يحتمل أن يكون التقدير و جزاء الفقر مخزون و فيه تنبيه على كمال منزلته و منزلة أهله.

209
شرح الكافي الأصول و الروضة9 (للمولى صالح المازندراني)

باب فضل فقراء المسلمین ص 208

لا رمح و لكنّه قتله بما نكأ من قلبه.
4- عنه عن محمّد بن عليّ، عن داود الحذّاء، عن محمّد بن صغير، عن جدّه شعيب، عن مفضّل قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: كلّما ازداد العبد إيمانا ازداد ضيقا في معيشته.
5- و بإسناده قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لو لا إلحاح المؤمنين على اللّه في طلب الرّزق لنقلهم من الحال الّتي هم فيها إلى حال أضيق منها.
6- عنه، عن بعض أصحابه، رفعه، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما اعطي عبد من الدّنيا إلّا اعتبارا و ما زوي عنه إلا اختبارا
__________________________________________________
قوله (و لكنه قتله بما نكأ من قلبه) نكأت القرحة أنكؤها مهموز بفتحتين قشرتها و نكأت فى العدو نكأ من باب نفع أيضا و فى لغة نكيت فيه أنكى من باب رمى و الاسم النكاية بالكسر اذا قطعت و اثخنت.
قوله (كلما ازداد العبد ايمانا ازداد ضيقا فى معيشته) نظيره قول أمير المؤمنين (ع) «و كل الرزق بالحمق و وكل الحرمان بالعقل» و قوله:
كم من أديب عالم فطن             مستكمل العقل مقل عديم‏
و كم من جهول مكثر ماله             ذلك تقدير العزيز العليم‏
 و لعل سر ذلك ان الاكثار موجب للتكبر و الخيلاء و الاحتقار الناس و الجفاء و الخشونة و القسوة و الغفلة بسبب اشتغال المكثرين بأموالهم مع كثرة ما وجب عليهم من الحقوق التى قل من يؤديها و بذلك يتعرضون لسخط اللّه و بعدهم عن رحمته فلذلك جعل اللّه عز و جل ازدياد الايمان الموجب لازدياد المحبة سببا لضيق معيشة المحبين لطفا و اكراما ليحفظهم من المفاسد المذكورة. فطب أيها العاقل اللبيب نفسك بما رضى اللّه لك من المعاش و اكتف بالحلال عن الحرام و بما رزقك اللّه عما لم يعطك فانه خير لك و كاف لسد جوعتك و لا تضيع عمرك فى طلب ما زاد.
قوله (لو لا إلحاح المؤمنين على اللّه فى طلب الرزق لنقلهم من الحال التى هم فيها الى حال أضيق منها) لان اللّه تعالى يحبهم و يحب تقربهم منه. و الدنيا على تفاوت درجاتها مانعة من قربة فيمنعهم منها لئلا يشغل قلوبهم بها، ثم انه يستجيب دعاءهم فى طلب الزيادة لئلا تنكسر قلوبهم و قد يصرف قلوبهم عن الثقة بها و يميلها الى