[مقدمة التحقيق‏]
تعريف لبشارة المصطفى‏
لا أرانى في شي‏ء من الغلوّ و لا جائرا عن القصد ان قلت ان من واجب كل فرد من افراد هذه الطائفة المحقة ان يساهم اليوم في إحياء آثار آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و مآثرهم لتقرير العقيدة الحقة و إقرارها في نفوس ناشئة هذا العصر الحافل بالمبادئ الممقوتة الذي طغت فيه المادة على الروح طغيانا اجتاح بعاصفته الهوجاء سائر مميزات هذه الطائفة الاثني عشرية من مثل عليا و مبادئ قويمة و اخلاق كريمة و حبّ للتضحية و المفادات و الفناء في ذات الحق ممّا تحلى به السلف الصالح طاب ذكره.
فمحيطنا اليوم تكتنفه موجة مظلمة يتوجس منها ذو الدين و الفضل و الشرف كل مكروه ان لم يعالجها ذووا المرونة و الاناة و الروية بالرفق و الهدوء و لا أرى علاجا أنجح و لا أسرع من تيسير نشر علوم آل بيت العصمة و معارفهم و بث عظاتهم و نصائحهم و جعلها في متناول كل يد و مقدور كل أحد.
على ان في بلدنا اليوم- بحمد اللّه- يقظة و نهضة تدعو ان إلى التفاؤل و تفتحان أبواب الأمل بتبديد هذه السحب المخيفة ان شاء اللّه تعالى فها هي أقلام كتابنا الغيارى على الدين و الفضيلة داعية إلى اللّه تعالى بالحكمة و الموعظة الحسنة
و إلى جنبها هذا الشاب الحرّ الملتهب يقظة و شعورا الأستاذ محمّد كاظم الحاجّ شيخ صادق الكتبى ذو العقيد الراسخة التي دفعت به الى أن يضع مطبعته و مكتبته معا وقفا على نشر آثار و مآثر آل الرسول الأقدس عليهم السّلام فبين آونة و اخرى ترى (المكتبة العربية) مزدانة بما تنشره (المطبعة الحيدريّة) مما يزيح‏

العلة و ينقع الغلة و يميط اللثام عن كثير من الحقائق التي أوشكت أن تمحا بين الاهمال و التعصب البغيض.
و أمامنا اليوم ممّا أبرزته هذه المطبعة العامرة في مدينة النجف الأشرف مدينة المعارف و الآداب الدينية مدينة التهذيب و الإرشاد؛ درة من تلك الدرارى و جوهرة من جواهر آل بيت محمّد صلّى اللّه عليه و آله الا و هي كتاب (بشارة المصطفى لشيعة المرتضى) لشيخنا الثقة الفقيه عماد الدين (ابى جعفر محمّد بن أبي القاسم عليّ بن محمّد بن على ابن رستم بن يزدبان الطبريّ الآملى الكجى «1» العالم الجليل المعمر الواسع الرواية كما يظهر من روايته عن مشايخه «2» الكثيرين في كتابه هذا و من تواريخ روايته عنهم من سنة 503 الى سنة 518 هجو من اطراد حياته الى سنة 553 لرواية الشيخ محمّد بن المشهديّ عنه في مزاره في هذا التاريخ كما نص عليه شيخنا الحجة الثبت في الذريعة الى مصنّفات الشيعة ج 3 ص 117 و لم يتيسر لنا فعلا الإحاطة بتاريخ مولده و وفاته على التحقيق.
ان كتاب بشارة المصطفى كما تقرأه من عنوانه لا يستهدف سوى تعريف شيعة أهل البيت الموالين لائمة الهدى عليهم السّلام بغلاء و نفاسة هذه السمة الجليلة و لفت نظر الشيعى الى ما أعد اللّه له في الدارين من عظيم الزلفى و جزيل الحسنى‏
__________________________________________________
 (1)- نسبة الى مدينة بطبرستان يقال لها كجة.
 (2)- في ص 2 روى عن ابن للشيخ الطوسيّ و عن خازن الروضة الحيدريّة ابن شهريار و في ص 13 روى عن أبي البقاء البصرى في النجف و في ص 40 عن الحسن ابن الحسين بن الحسن بن بابويه سنة 510 و في ص 39 روى عن الجوانى الطبريّ بآمل سنة 509 و في ص 43 روى عن ابى النجم الرازيّ في الرى سنة 510 و في ص 47 روى عن ابى البركات بالكوفة في مسجدها بالقلعة سنة 512 و في ص 51 روى عن ابن قرواش في النجف سنة 516 و في ص 63 روى عن أبي غالب في الكوفة سنة 512 و في ص 52 روى عن حدقة الرازيّ سنة 518 و في ص 62 روى عن محمّد بن أبي الحسن بنيشابور سنة 524 و في ص 160 روى عن أبي إسحاق الديلميّ سنة 520.

كل ذلك بالأحاديث المسندة بسندها المتين الرصين المنتهى بك الى مهابط وحى اللّه و مهابط سره و له أعلى اللّه مقامه في نهاية بعض الأحاديث تعليقة طريفة ممتعة تنويرا للاذهان و أعلاء للبرهان.
و للعثور على هذه النسخة الفريدة من كتاب البشارة حديث طريف ذلك ان النسخ الموجودة في مكتبات النجف كلها ناقصة بل هي دون النصف من هذه النسخة المطبوعة الماثلة أمام القراء لانتهاء النسخ الموجودة في النجف بالجزء الرابع حسب تجزئة المصنّف قدّس سرّه بينما نتجاوز هذه المطبوعة الجزء العاشر
و من لطف المقادير الإلهية بمذهب الحق و أهله ان حصلت في (المحمرة) على نسخة تضم هذه الأجزاء التي تراها بين يديك و كانت حاوية لهذا الكنز الثمين فاحتملتها الى النجف و بذلت العناية التامة في مراجعتها و ملاحظتها بدقة و استطعت بعون اللّه من ارجاع بعض كلماتها المحرفة الى اصولها مستعينا بمصادر مهمة تعرضت لهذه الأحاديث و مستندا في بعضها الى القرائن و الامارات الجليلة الواضحة و صادف انجازها رغبة الأستاذ الناشر في إحيائها فقدمتها لحضرته و قام هو بدوره و طلب من فضيلة العلامة البارع الشيخ محمّد جواد الحجامي زيد توفيقه و الى بمقابلة نسخة العلامة السيّد عبد الرزاق المقرم الحاوية للاجزاء الأربعة الأول على نسختى فقوبلت بتمام العناية و الدقة ثمّ أضفنا إليها من نسختنا الأجزاء الأخر فجاءت بحمد اللّه و لطفه وفق رغبة القارئ الكريم من حيث الصحة و الاتقان و ممّا يزيد في زينتها الفهرست العام المبوب لمضامينها.
فالى مفيض اللطف نبتهل ان يتقبل العمل خالصا من سائر الشوائب و يعم النفع به لكل راغب و يسدد خطا الجميع لنصر الحق و احقاقه و خذلان الباطل و ازهاقه انه ولي التوفيق.
النجف- في ذى الحجة الحرام 25 سنة 1368
محمّد حسن الجواهرى‏