×
☰ فهرست و مشخصات
کتاب الخمس (للحائري)

ترجمة المؤلف قدس سره ص 5

[ترجمة المؤلّف قدّس سرّه]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

إنّ من أجلّ النعم، و أوفر القسم، و أولى ما أنفقت في تحصيله كنوز الأعمال، هو العلم بالأحكام الشرعيّة، و المسائل الفقهيّة، فإنّه المطلب الذي يظفر بالنجاح طالبه، و المغنم الذي يبشّر بالأرباح كاسبة، و العلم الذي يعرج بحامله إلى الذروة العليا.

بل ليس في العلوم بعد معرفة اللّه أشرف من علم الفقه، إذ به تعرف أوامر اللّه تعالى فتمتثل، و نواهيه فتجتنب، و لأنّ معلومة أعني أحكام اللّه تعالى أشرف المعلومات بعد ما ذكر، و مع ذلك فهو الناظم لأمور المعاش، و به يتمّ كمال نوع الإنسان.

و غاية الفقه- كما قال في المدارك:- حفظ الشريعة و تصحيح الأعمال و إقامة الوظائف الشرعيّة، و الإرشاد إلى المصالح الدينيّة و الدنيويّة، و الارتقاء من حضيض الجهل و ربقة التقليد، و مرجعها إلى تكميل القوى النفسانيّة، و استجلاب المراحم الربّانيّة.

فقد روى في الكافي عن الحسين بن محمّد عن معلّى بن محمّد عن الحسن ابن عليّ الوشّاء عن حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا أراد اللّه بعبد خيرا فقّهه في الدين» «1».

______________________________
(1) الكافي: ج 1 ص 32 ح 3.

5
کتاب الخمس (للحائري)

ترجمة المؤلف قدس سره ص 5

و من ثمّ توجّهت إليه همم فطاحل الإسلام و رجال الفضل و الدين، ركبوا مطايا المشّاق، و ألقوا العزم قدّامهم، و بذلوا ما كانت لهم من المساعي في تحقيق مباحثه جهدهم، و أكثروا في تنقيح مسائله كدّهم، فكم فتحوا فيه مقفّلا ببنان أفكارهم، و كم شرحوا منه مجملا ببيان آثارهم، و كم ألّفوا و صنّفوا فيه من كتاب يهدي في ظلم الجهالة إلى سنن الصواب، فمنهم من استقلّ، و منهم من استكثر- فللّه درّهم و عليه تعالى أجرهم- لقد أجادوا في ما أفادوا و أتوا هنا لك بما فوق ما كان يؤمّل و يراد، فشكر الباري سبحانه تلك المجاهدات الشاقّة منهم، و أنالهم الأجر شفعا و وترا، و أسال عليهم من رحمته، آمين.

و ممّن فاز بالسبق الأعلى و سبق الأقران في التناول من هذا البحر العظيم، و جاء بعد الغوص فيه بالدرر و اللآلئ المكنونة الّتي فاتت من غيره و لم يظفروا به، هو المرحوم آية اللّه الحاجّ الشيخ مرتضى الحائريّ قدّس سرّه و قد كان شديد الحبّ بل الشغف بالمباحث العلميّة، و التحقيقات الأصوليّة و الفقهيّة، مولعا بحلّ المسائل المشكلة بسرد الاحتمالات المتصوّرة فيها، و تبيين الغثّ عن السمين، و الحقّ عن الباطل. و قد كان قدّس سرّه يكرّر أنّ مقصودنا، و ما هو على عاتقنا أن نتقدّم في المسائل الفقهيّة و الأصوليّة إلى القدّام، و لا نقنع بما أورثه السلف الصالح فحسب، و لذلك كان يصعب على غير واحد من شركاء بحثه الشاردين التلقّي التامّ، و الضبط الكامل، معتذرا بثقل البيان تارة و فقد النظم الصناعيّ أخرى، و لكنّ السرّ هو ما مرّ، و أمّا من جدّ و اجتهد و تدبّر و لم يأل جهدا في تلقّي ما كان يمليه، فقد ارتقى مرتقى عاليا.

و لا بأس بالإشارة إلى نبذة مختصرة من حياته قدّس سرّه ملخّصا ممّا ذكرناه في مقدّمة رسالته الشريفة «صلاة الجمعة» المطبوعة في مؤسّستنا عام 1409 ه‍.

فإنّه قدّس سرّه الولد الأرشد لمشيّد الحوزة العلميّة في مدينة قم المقدّسة المرحوم آية اللّه العظمى الحاجّ الشيخ عبد الكريم الحائريّ اليزديّ قدّس سرّهما.

فتح هذا الفقيد السعيد عينه على الحياة في اليوم الرابع عشر من شهر ذي الحجّة الحرام عام ألف و ثلاثمائة و أربع و ثلاثين هجريّة قمريّة، في مدينة أراك،

6
کتاب الخمس (للحائري)

تدريساته ص 7

في بيئة علميّة فاضلة، و هكذا قرّت عيون أسرة المرحوم الحائريّ بأوّل نجل و شبل.

كان المرحوم الحائريّ الكبير قد ألقى رحل إقامته منذ عام 1332 هجريّة قمريّة بمدينة أراك لتأسيس الحوزة العلميّة فيها، و في أيّام النوروز المصادف لشهر رجب من عام 1340 هجريّة قمريّة (1301 هجريّة شمسيّة) تشرّف بزيارة المرقد الطاهر للسيّدة فاطمة المعصومة عليها السّلام بمدينة قم المقدّسة، و على أثر الطلب الأكيد من قبل علماء و جماهير المؤمنين من أهالي هذه المدينة، صمّم على السكنى بها، و تأسيس الحوزة العلميّة فيها. و لهذا دعا أهله للحوق به، و كذلك غادر أراك إلى قم طلّابه و تلامذته.

و بصحبة والده العظيم أقام الفقيد السعيد بمدينة قم المقدّسة، و بدأ بدراسة العلوم العربيّة و الأصول و الفقه. حتّى درس كتاب «فرائد الأصول» للشيخ الأعظم الأنصاريّ لدى آية اللّه السيّد الگلپايگانيّ قدّس سرّه و كتاب «المكاسب» لدى المرحوم آية اللّه السيّد محمّد تقيّ الخوانساريّ، و كتاب «كفاية الأصول» لدى المرحوم آية اللّه المحقّق الداماد قدّس سرّهما ثم حضر حوزة دروس «الخارج» الفقه و الأصول لدى والده المعظّم و أفاد من بيدر علوم ذلك الرجل الإلهيّ الذي تأسّست هذه الحوزة المباركة على يديه الكريمتين.

و بعد ارتحال آية اللّه المؤسّس في سنة 1355 هجريّة قمريّة حضر دروس الفقيه الكبير المرحوم آية اللّه السيّد محمّد الحجّة الكوهكمريّ- و الذي كان قد حظي بفخر مصاهرته من قبل- و أفاد من دروسه في الفقه و الأصول «الخارج» كثيرا.

و في عام 1364 هجريّة قمريّة- و بناء على طلب أفاضل الحوزة العلميّة بقم المقدّسة- ألقى رحل الإقامة فيها المرحوم آية اللّه البروجرديّ قدّس سرّه فأوجد بها تموّجا جديدا في العلوم الإسلاميّة لا سيّما الفقه و الرجال. فحضر لديه المرحوم آية اللّه الحائريّ في دروس الفقه و الأصول و أفاد من ذلك الفقيه العظيم.

تدريساته:

كان المرحوم آية اللّه الحاجّ الشيخ مرتضى الحائريّ أحد الأساتذة البارزين‌

7
کتاب الخمس (للحائري)

وفاته ص 8

في الحوزة، من الّذين لمع اسمهم في تدريس «السطوح» العالية في الفقه و الأصول، و في حوالي سنّ الثلاثين بدأ بتدريس «الخارج» و أفاد من بيدر علمه جماعة من الأفاضل الّذين هم اليوم من علماء الحوزة أو من المسؤولين في الجمهوريّة الإسلاميّة.

و كان معروفا بين ذوي المقامات العالية من أساتذة الحوزة بالدقّة و عمق النظر. استمرّ أكثر من ثلاثين عاما مستندا مسند تدريس «الخارج» و أفاض من علومه على تلامذته، و لم تنقطع أواصر علاقاته الدراسيّة بتلامذته حتّى اشتدّ عليه مرضه.

و إلى جانب التزاماته بالتدريس و التأليف، و إرشاد الناس و هدايتهم، لم يكن ليغفل عن تفقّد الأيتام و الفقراء. و كان في الزهد و قلّة الرغبة في ما ينال من المال، و في الوقار و التواضع، و التنزّه عن الهوى صورة ذات شعاع عن حياة المرسلين و الأولياء المقرّبين. و كان يلمس هذه الحقيقة من كان يأنس بقربه بصورة بيّنة محسوسة.

وفاته:

و أخيرا. و بعد عمر كثير الثمار و البركات لبّى داعي الحقّ بعد داء ممتدّ نسبيّا، ليلة الخميس الرابع و العشرين من شهر جمادى الثانية من سنة 1406 هجريّة قمريّة المصادف للخامس عشر من شهر إسفند من سنة 1364 هجريّة شمسيّة.

تأليفاته:

أثمرت أبحاثه و تدريساته سلسلة من آثار ثمينة طبع بعضها، و بقي أكثرها مخطوطا، و لتسجيل التأريخ نأتي نحن هنا بأسماء العمدة منها:

1- ابتغاء الفضيلة: دورة فقهيّة استدلاليّة حول المكاسب المحرّمة و البيع و الخيارات، قد طبع مجلّد واحد منها و نشر.

2- رسالة في الطهارة.

3- رسالة في صلاة المسافر.

8
کتاب الخمس (للحائري)

هذا الكتاب ص 9

4- رسالة في صلاة الجمعة.

5- رسالة الخلل الواقع في الصلاة.

6- رسالة في الخمس.

7- دورة في أصول الفقه.

هذا الكتاب:

و ممّا أفاده و ألقاه في مجالس درسه على طلّاب العلم، و روّاد الفضيلة، هو مباحث الخمس و الأنفال، و قد ابتدأ في إلقائه يوم السبت تاسع جمادى الاولى عام 1394 و فرغ منه يوم الأربعاء ثالث عشر من صفر عام 1400 أوان نجاح الثورة الإسلاميّة على ما ضبطه بعض تلامذته، و يساعده ما أرّخه قدّس سرّه في بعض مواضع الكتاب كما ذكر في ص 550 أنّه كان ذلك في 18 ج 2 من سنة 1396 و في ص 822 أنّه في أواخر ذي الحجّة 1397.

و قد كانت الشهور و الأيّام مقارنة لالتهاب لهيب الثورة الإسلاميّة، و الضيق و الحرج الشديد من جانب الحكومة الطاغوتيّة على العلماء و المراجع و الطلّاب و الحوزات العلميّة، بل و عموم المؤمنين، و هو قدّس سرّه كان ملجأ بين الناس، و يراجع إليه في ما يرد عليهم من المصائب و المشكلات، و قد كان قدّس سرّه شديد التأثّر من ذلك، و لأجله طالت سنوات البحث، حيث تخلّلتها فترات طويلة عطّل فيها البحث و التدريس، و ذلك للاعتصابات و التظاهرات إضافة إلى تعطيلات الحوزة السنويّة.

و مع ذلك كلّه لا يفوته استمرار البحث و التدريس و الكتابة، و كان يكتب ما ألقاه بعد البحث و المذاكرة حتّى حصل منه هذا السفر القيّم الذي بين يديك، و هو مركّب من متن و شرح، كلاهما بقلمه الشريف، و المتن مؤلّف ممّا في العروة و الوسيلة و ما في القواعد و الشرائع و اللمعة و غيرها، بل ضمّ ما تعرّض له صاحب الجواهر قدّس سرّه أثناء كلامه و ما كان يخطر بباله من الفروع، لكي يصير المجموع كتابا وافيا بحلّ الفروع الّتي يكثر فيها الابتلاء. و بعد بيان ذلك تعرّض لشرحه و توضيح مستنده فقهيّا على نحو الاختصار، خاليا عن الإيجاز و الإطناب.

9
کتاب الخمس (للحائري)

مقدمة البحث ص 11

 

كتاب الخمس

[مقدمة البحث]

[الخمس من الضروريّات، و بيان موارد الاختلاف بين الشيعة و العامّة]

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم و هو من الفرائض (1) و قد جعلها اللّه تعالى لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و ذرّيّته و آله إذا كانوا منسوبين إلى هاشم من طرف الآباء.

و من كان مستحلّا لأصل الخمس كان من الكافرين.

و أمّا إنكار الخمس في غير غنائم الحرب فلا يكون كفرا بل إنكار لما هو الضروريّ من المذهب.

و أمّا الاستحلال في زمن الغيبة لأجل أخبار التحليل فلا يكون خلاف الضروريّ من المذهب أيضا.

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه نحمده و نستعينه و نستهديه و نؤمن به و نتوكّل عليه، و نشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، و أنّ محمّدا عبده و رسوله، صلوات اللّه عليه و على آله الطاهرين- خلفاء اللّه تعالى في أرضه و حججه على بريّته- لا سيّما سيّدنا و مولانا صاحب هذا العصر، و رحمته و بركاته [عليهم] دائما سرمدا.

وجوب الخمس في الجملة من الضروريّات المتسالم عليه عند الفريقين،

 

11
کتاب الخمس (للحائري)

الخمس من الضروريات و بيان موارد الاختلاف بين الشيعة و العامة ص 11

..........

و الاختلاف بين أصحابنا الإماميّة رضوان اللّه تعالى عليهم و العامّة في موضعين:

أحدهما: في المتعلّق، فإنّهم قصروا متعلّقه بغنائم الحرب «1» و الركاز «2» و المعادن «3» على اختلاف فيها عندهم، و هذا بخلاف الأصحاب كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

ثانيهما: في المصرف، فإنّ المصرف عند الخاصّة: الإمام عليه السّلام و المنسوبون إلى هاشم، و أمّا العامّة فالمنقول عنهم أقوال أربعة «4»:

الأوّل: تقسيمه إلى ستّة أقسام على طبق الآية الشريفة «5»، و يعطى سهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للإمام.

الثاني: تقسيمه إلى خمسة أقسام، نقله في التذكرة عن الشافعيّ.

الثالث: تقسيمه إلى ثلاثة أقسام أي يعطي للفقراء و المساكين و أبناء السبيل، معلّلا بأنّ سهم النبيّ و ذي القربى سقطا بموت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

الرابع: أنّه بمنزلة الفي‌ء يعطي منه الغنيّ و الفقير، نقله في بداية المجتهد عن المالك و عامّة الفقهاء.

ثمّ إنّه يمكن أن تنقدح في بعض النفوس بملاحظة فتاوى الأصحاب رضوان اللّه عليهم في الخمس (من حيث سعة المتعلّق و كيفيّة التقسيم) شبهات غير مربوطة بالفقه- من جهة تماميّة المدارك الفقهيّة الواصلة إلينا من أئمّة الهدى- لكن لا بدّ من‌

______________________________
(1) الخلاف: ج 4 ص 181 كتاب الفي‌ء و قسمة الغنائم، المسألة 1.

(2) الخلاف: ج 2 ص 121 كتاب الزكاة، المسألة 146.

(3) المصدر: ص 116 المسألة 138.

(4) منقول عن التذكرة: ج 5 ص 431 و بداية المجتهد: ج 1 ص 390.

(5) سورة الأنفال: 41.

12
کتاب الخمس (للحائري)

الخمس من الضروريات و بيان موارد الاختلاف بين الشيعة و العامة ص 11

..........

إيرادها و توضيح دفعها، فإنّ ذلك ربّما كان أولى و ألزم، لا سيّما في العصر الحاضر، فإنّه ربّما يسمع ذلك حتّى من المنخرطين في سلك العلماء و المحصّلين، و ربّما تسري الشبهات المشار إليها إلى الفقه أيضا.

فنقول و منه التوفيق و الهداية:

منها: أنّه يمكن أن يقال: إنّ خمس أرباح المكاسب الذي أفتى به الأصحاب لو كان من الأحكام الإسلاميّة لكان لذلك أثر في عصر الرسول صلّى اللّه عليه و آله و عصر الخلفاء الأربعة، مع أنّه ليس في التأريخ و الأخبار عين و لا أثر بالنسبة إلى ذلك، و ما كان المعمول في عصر الرسول صلّى اللّه عليه و آله هو إعطاء خمس غنائم الحرب.

و هذا إشكال يتوجّه إمّا ممّن لا يرى حجّيّة أقوال الأئمّة من أهل البيت، فيجعل ذلك دليلا- و العياذ باللّه تعالى- على عدم حجّيّة أقوالهم، و إمّا من الشيعة الإماميّة، فيجعل ذلك دليلا على عدم صدور الأخبار الّتي يستفاد منها وجوب الخمس في مطلق الفوائد، أو على كون المقصود بها الاستحباب كما ثبت بالنسبة إلى بعض موارد الزكاة.

و توضيح دفع ذلك يحصل بالتوجّه إلى أمور:

الأوّل: أنّ آية الخمس إنّما نزلت في وقعة بدر، في رمضان السنة الثانية من الهجرة- على ما هو مسطور في الكتب- و قد أجاب صلّى اللّه عليه و آله دعوة ربّه في شهر صفر من السنة الحادية عشر.

و هذا بخلاف مثل الصلاة.

الثاني: عدم وجود ما يفضل عن المئونة مع فقر المهاجرين و إيثار الأنصار في تلك السنين، و عدم وجود مغنم يعتدّ به إلّا ما كان يؤخذ من أيدي الخصماء.

الثالث: المستفاد من أخبار الخمس أنّه موكول إلى ما يراه الإمام عليه السّلام‌

13
کتاب الخمس (للحائري)

الخمس من الضروريات و بيان موارد الاختلاف بين الشيعة و العامة ص 11

..........

مصلحة، و لذا نقل عن الصادق عليه السّلام أنّه قال:

«ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم» «1».

و قال عليه السّلام:

«إنّ أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلّ» «2».

فمن الممكن أنّه لم يكن الرسول صلّى اللّه عليه و آله يرى المصلحة في ذلك، خصوصا مع علمه برجوع الأمر بعده إلى غير المستحقّ.

الرابع: قد ورد في كتاب البخاريّ عن ابن عبّاس أنّه:

قدم وفد عبد القيس فقالوا: يا رسول اللّه إنّا هذا الحيّ من ربيعة، بيننا و بينك كفّار مضر، فلسنا نصل إليك إلّا في الشهر الحرام فمرنا بأمر نأخذ منه و ندعو إليه من ورائنا.

قال: «آمركم بأربع و أنهاكم عن أربع: الإيمان باللّه شهادة أن لا إله إلّا اللّه» و عقد بيده «و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و صيام رمضان و أن تؤدّوا للّه خمس ما غنمتم.» «3».

فإنّ عدم الأمر بالجهاد- و لو من جهة أنّه موكول إلى الإمام أو نائبه- مع كون الغنائم الحربيّة تحت يد وليّ الحرب المنصوب من قبله، إن لم يكن موجبا لانصراف «ما غنمتم» إلى غير الغنائم الحربيّة فلا ريب في كونه قرينة على العموم.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 380 ح 6 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(2) المصدر: ح 8.

(3) صحيح البخاريّ: ج 13 ص 81 و ج 7 ص 150 و ج 16 ص 189.

14
کتاب الخمس (للحائري)

الأموال و الأراضي كلها للإمام عليه السلام ص 15

[الأموال و الأراضي كلّها للإمام عليه السّلام]

و لا يخفى أنّ الأموال- من الأراضي و غيرها- كلّها للإمام عليه السّلام (1) إلّا أنّه ليس بنحو يوجب سلب مالكيّة من بيده المال.

[في الخمس فصلان]

و كيف كان، ففي الخمس فصلان: هذا، مضافا إلى عموم لفظ «ما غنمتم»، و الانصراف في الغنيمة لا يلازم انصراف «ما غنمتم».

الخامس: ما ورد في سورة الحشر من أنّ:

مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ «1».

و الظاهر أنّه من الخمس، لقوله تعالى وَ آتِ ذَا الْقُرْبىٰ حَقَّهُ «2»، و لا حقّ لذوي القربى غير الخمس على الظاهر، و مورد الآية الشريفة ليس من الغنائم بل هو من الفي‌ء، فيثبت الخمس في غير الغنائم الحربيّة.

و ربّما يؤيّد ذلك بما رواه العامّة و الخاصّة من ثبوت الخمس في الركاز، ففي البخاريّ في حديث أنّه:

قد قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «و في الركاز الخمس» «3».

و المقصود من التطويل رفع شبهة ربّما تقع في الأذهان، و اللّه الهادي.

كما يدلّ على ذلك قوله تعالى:

النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ «4».

و خطبة الغدير صريحة في إعطاء ذلك إلى الوصيّ من بعده.

و ليس مقتضى كونه للإمام سلب مالكيّة الغير كما أنّ اللّه تعالى مالك و ليس مقتضى ذلك سلب مالكيّة الغير. و لازم ذلك: جواز التصرّف لوليّ المسلمين المصون عن العصيان و الخطأ في أموال المسلمين إذا رأى المصلحة في ذلك‌

______________________________
(1) سورة الحشر: 7.

(2) سورة الإسراء: 26.

(3) صحيح البخاريّ: ج 8 ص 43 «كتاب الزكاة».

(4) سورة الأحزاب: 6.

15
کتاب الخمس (للحائري)

شرح مبحث الخمس من غير كتاب العروة ص 16

 

[شرح مبحث الخمس من غير كتاب العروة]

الفصل الأوّل في ما يجب فيه الخمس، و هو سبعة

الأوّل: غنائم دار الحرب (1).

كتوسيع الشوارع، أو الصرف في المصالح العامّة للمسلمين كما في الحكومات العرفيّة، بل هو مقتضى حقّ الحكومة.

و من هنا ينقدح احتمال أن يكون ذلك الحقّ للفقيه أيضا إمّا بناء على وجود الدليل على عموم النيابة، و هو مشكل- كما تكلّمنا على ذلك في رسالة صلاة الجمعة- أو بناء على كون ذلك من شئون الحكومة الشرعيّة، و هي ثابتة- كما يدلّ عليه معتبر عمر بن حنظلة «1»- لكنّه لا يخلو عن تأمّل أيضا.

و كيف ما كان، فيما ذكرناه في ملكيّة الإمام عليه السّلام يرتفع النزاع الواقع بين ابن أبي عمير و أبي مالك الحضرميّ- المنجرّ إلى حكميّة هشام بن الحكم و انقطاع ابن أبي عمير عن الهشام لذلك «2»- فإنّ الأخبار الكثيرة الدالّة على أنّ الدنيا و ما عليها للإمام أو أنّ الأرض كلّها له- كما أشير إليها في الجواهر «3»- لا تكون أقوى دلالة من الآية الشريفة «4»، و ليس مفاد ذلك سلب مالكيّة من انتقل إليه المال بسبب شرعيّ، و التضادّ في الملكيّة إنّما هو إذا كانتا في رتبة واحدة كما هو واضح، فإنّ اللّه تعالى مالك لجميع الموجودات من دون سلب المالكيّة الاعتباريّة عن غيره.

و الخمس ثابت فيها باتّفاق المسلمين كما في بداية المجتهد «5»، كما أنّ‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 18 ص 98 ح 1 من ب 11 من أبواب صفات القاضي.

(2) الكافي: ج 1 ص 409 ح 8 من باب أنّ الأرض كلّها للإمام.

(3) ج 16 ص 3 و 4.

(4) سورة الأحزاب: 6.

(5) ج 1 ص 390.

 

16
کتاب الخمس (للحائري)

الأول غنائم دار الحرب 1 ص 16

..........

الظاهر منها هو الاتّفاق على أنّ المراد من ذي القربى في آية الخمس هو قرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

و الأصل في ذلك قوله تعالى:

وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ وَ مٰا أَنْزَلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا يَوْمَ الْفُرْقٰانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعٰانِ وَ اللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ «1».

و الظاهر أنّ يَوْمَ متعلّق بمَا أَنْزَلْنٰا- أي ما أنزلناه على عبدنا في ذلك اليوم من الآيات الباهرة: من نزول الملائكة، و رمي التراب بيد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و وصوله إلى أعين المشركين كما ورد، و النصر الواضح، و هزيمة جمع كثير بيد عدّة قليلة من المسلمين- و ذلك لكونه أقرب من غيره من الجمل، لا أن يكون متعلّقا بقوله تعالى غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ و لا بقوله لِلّٰهِ خُمُسَهُ (أي ثابت للّه خمسه يوم الفرقان) لأنّه خلاف الظاهر قطعا. مع أنّ قوله تعالى يَوْمَ الْفُرْقٰانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعٰانِ لا يناسب لأن يكون متعلّقا بمَا غَنِمْتُمْ أو بالمقدّر في لِلّٰهِ خُمُسَهُ لأنّ المناسب له حينئذ أن يقال: يوم الحرب أو يوم بدر، و أمّا الوصفان المذكوران- «الفرقان» و «التقى الجمعان»- فيناسبان نزول الآيات الّتي بها يفرق بين الحقّ و الباطل عند التقاء الجمعين. فافهم و تأمّل.

و الظاهر بعد أن يكون المقصود من ما أنزل اللّه على عبده يوم الفرقان هو خصوص يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ «2»، فيكون المعنى:

______________________________
(1) سورة الأنفال: 41.

(2) سورة الأنفال: 1.

17
کتاب الخمس (للحائري)

الأول غنائم دار الحرب 1 ص 16

..........

أنّكم إن كنتم آمنتم بأنّ الغنائم كلّها للرسول لأنّه من الأنفال فكونوا راضين بإعطاء الخمس و قد وضع عنكم إعطاء جميعه، كما هو المستفاد من كتاب بعض المفسّرين من أهل العصر «1»- كان اللّه تعالى له- لأنّ الأنفال في غير واحد من الروايات «2» و عبارات علمائنا الأبرار غير الغنائم و الأراضي المفتوحة عنوة، مع أنّ المناسب له حينئذ أن يقال: «إن كنتم آمنتم بأنّ المال كلّه للرسول صلّى اللّه عليه و آله فأعطوا خمسه إليه» لا «أنّ الخمس ثابت في المال» المشعر بعدم مالكيّته صلّى اللّه عليه و آله للباقي، مع أنّه ليس الخمس له بل له و للمصارف الأخر المذكورة في الآية الشريفة.

كما يحتمل بعيدا أن يكون المقصود نفس تلك الآية الشريفة. و الأقرب ما ذكرناه، و هو العالم.

و يدلّ على ذلك أيضا عدّة من الأخبار:

كخبر المقنع، ففي الوسائل عنه، قال: روى محمّد بن أبي عمير أنّ:

«الخمس على خمسة أشياء: الكنوز، و المعادن، و الغوص، و الغنيمة» و نسي ابن أبي عمير الخامسة «3».

و ما في مرسل حمّاد عن العبد الصالح:

«الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم» الحديث «4».

و خبر أبي بصير:

«كلّ شي‌ء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإنّ لنا خمسه و لا يحلّ‌

______________________________
(1) الميزان: ج 9 ص 90.

(2) الوسائل: ج 6 ص 364 الباب 1 من أبواب الأنفال.

(3) الوسائل: ج 6 ص 339 ح 2 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) المصدر: ح 4.

18
کتاب الخمس (للحائري)

الأول غنائم دار الحرب 1 ص 16

..........

لأحد أن يشتري من الخمس شي‌ء.» «1».

و خبر عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الغنيمة، قال:

«يخرج منه الخمس و يقسم ما بقي بين من قاتل عليه و ولي ذلك» «2».

و في مرسل أحمد بن محمّد:

«الخمس من خمسة أشياء» إلى أن قال: «و المغنم الذي يقاتل عليه» «3».

و في المنقول عن تفسير النعمانيّ:

«و الخمس يخرج من أربعة وجوه: من الغنائم الّتي يصيبها المسلمون.» «4».

و يدلّ على المقصود أيضا معتبر عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصّة» «5».

و قريب منه مرسل سماعة «6».

لكن ظاهرهما يخالف أكثر الروايات بل لعلّ الضرورة من مذهب الشيعة من ثبوت الخمس في غير الغنائم، بل هو مخالف لما تقدّم «7» من البخاريّ أيضا من رواية ثبوت الخمس في الركاز أيضا، فلا بدّ أن يكون المقصود من الغنائم مطلق الفوائد، فيمكن أن يكون في مقام أنّ ثبوت الخمس في جميع الموارد من باب أنّه‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 339 ح 5 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 341 ح 10 من ب 2 من أبواب ما يحب فيه الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 341 ح 11 و 12 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) الوسائل: ج 6 ص 341 ح 11 و 12 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(5) المصدر: ص 338 ح 1.

(6) المصدر: ص 342 ح 15.

(7) في ص 15.

19
کتاب الخمس (للحائري)

و لا فرق بين ما حواه العسكر و غيره 1 ص 20

و لا فرق بين ما حواه العسكر و غيره (1).

من الغنائم، فالموضوع للخمس أمر واحد يختلف مصداقه، أو يكون في مقام بيان أنّه ليس الخمس مثل الزكاة بأن يكون في مال خاصّ و لو لم يصدق عليه الغنيمة، لأنّ صدق الغنيمة على ما لا بدّ للإنسان من المصارف مشكل و لعلّه كالعدم في نظر العرف، إذ لا فرق بحسب النتيجة بين عدم الفائدة أو وجودها و لزوم الصرف. و اللّه أعلم.

و منه يعلم أنّه يمكن أن لا يكون استثناء المئونة استثناء حقيقة، بل من باب عدم صدق الغنيمة.

و يدلّ عليه أيضا ما يدلّ على أنّ الخمس في جميع الفوائد:

كمصحّح عليّ بن مهزيار، ففيه:

«فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام، قال اللّه تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ. «1». فالغنائم و الفوائد يرحمك اللّه فهي الغنيمة يغنمها المرء.» «2».

إلى غير ذلك ممّا يأتي بعضه «3» إن شاء اللّه تعالى.

فلا إشكال في ثبوت الخمس في ذلك نصّا و فتوى.

في الجواهر:

لا أعرف فيه خلافا، بل هو من معقد إجماع المدارك «4».

______________________________
(1) سورة الأنفال: 41.

(2) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) في ص 144 و ما بعدها.

(4) الجواهر: ج 16 ص 6.

20
کتاب الخمس (للحائري)

و لا فرق بين ما حواه العسكر و غيره 1 ص 20

..........

أقول: لا إشكال في إطلاق ما دلّ- من الآية و الروايات- على ثبوت الخمس في الغنيمة بالنسبة إلى كلّ ما يتملّكه و يغنمه العسكر لصدق الغنيمة عليه حينئذ، و مورد الإشكال إنّما هو جواز اغتنام غير ما حواه العسكر.

و يدلّ على الجواز الإطلاق المذكور، لكونه منزّلا على ما هو المتعارف من اغتنام الغنائم في الحروب، فتكون الآية ظاهرة في جواز الاغتنام، و ليس معناها أنّ في الغنائم خمسا على تقدير جوازه أو بالنسبة إلى ما جاز.

و رواية أبي بصير المتقدّمة «1» أظهر من الباقي من جهة اشتمالها على أداة العموم و من جهة عدم تضمّنها للفظ «الغنيمة» بل عنوانها ما قوتل على الشهادتين.

نعم، ربما يمكن أن يتوهّم أنّ ذلك مخالف لمعتبر حمّاد و فيه:

«و ليس لمن قاتل شي‌ء من الأرضين و لا ما غلبوا عليه إلّا ما احتوى عليه العسكر» «2».

و لكنّ الإنصاف أنّه ليس ظاهرا في عدم استحقاق العسكر للغنائم إلّا ما احتوى عليه، لاحتمال أن يكون المقصود أنّه ليس لهم شي‌ء من الأرضين الّتي تحصل بيد الإمام و لو بعد الحرب صلحا- و لو كان للحرب دخل في ذلك و لو بواسطة إلقاء الرعب في قلوبهم- و لا ما غلبوا عليه أي من الأرضين إلّا ما احتوى عليه العسكر، فإنّ السكونة فيها حقّ لهم و لو من باب كون ذلك من مصالح المسلمين، ففي خبر عبد اللّه بن سليمان:

«إنّ دار الشرك يحلّ ما فيها، و إنّ دار الإسلام لا يحلّ ما فيها» «3».

و القدر المتيقّن حلّيّة ما فيها للمجاهدين. فافهم و تأمّل.

______________________________
(1) في ص 18.

(2) الوسائل: ج 11 ص 84 ح 2 من ب 41 من أبواب جهاد العدوّ.

(3) الوسائل: ج 11 ص 58 ح 6 من ب 25 من أبواب جهاد العدوّ.

21
کتاب الخمس (للحائري)

و لا بين المنقول و غيره 1 ص 22

و لا بين المنقول و غيره (1).

و هو المطابق لإطلاق فتوى الأصحاب كما يظهر من الجواهر «1»، لكن في الحدائق ما ملخّصه:

و لا أعرف دليلا على التعميم سوى ظاهر الآية، و الظاهر من الروايات اختصاصه بالمنقول، من حيث إنّ مفاده أخذ صفو المال و أخذ الخمس منه ثمّ إعطاء ما بقي للناس، و من المعلوم أنّ ذلك بالنسبة إلى المنقول، فإنّ غير المنقول لا يقسّم بين المقاتلين بالضرورة.

قال قدّس سرّه:

و قد تتبّعت ما حضرني من كتب الأخبار كالوافي و الوسائل. فلم أقف على ما يدلّ على دخول الأرض و نحوها من ما قدّمناه في الغنيمة الّتي يتعلّق بها الخمس. حتّى الأخبار الواردة في تفسير الآية المشار إليها.، فيمكن تخصيص الآية بما دلّت عليه هذه الأخبار، مع أنّ الأخبار الواردة في الأراضي و نحوها بالنسبة إلى المفتوح عنوة إنّما دلّت على أنّها في‌ء للمسلمين. و أنّ أمرها إلى الإمام يقبّلها أو يعمّرها و يصرف حاصلها في مصالح المسلمين «2».

أقول: و هنا وجوه أخر:

منها: ما في الجواهر من السيرة القطعيّة على عدم إخراج الخمس من هذه‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 6.

(2) الحدائق: ج 12 ص 324- 325.

22
کتاب الخمس (للحائري)

و لا بين المنقول و غيره 1 ص 22

..........

الأراضي، لكن ادّعى أنّ فيها الخمس إلّا أنّه ممّا ورد فيه التحليل «1».

و منها: أنّها بحكم الوقف، فكما أنّه لا خمس في الموقوفات العامّة كذلك في الأراضي الّتي هي ملك للمسلمين، فلا بدّ أن تصرف في مصالحهم.

و منها: ما في خبر حمّاد المتقدّم بعض جملاته «2»، ففيه:

«و ليس لمن قاتل شي‌ء من الأرضين».

إلى أن قال:

«و الأرضون الّتي أخذت عنوة بخيل أو ركاب فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمرها».

إلى أن قال بعد الحكم بإخراج الزكاة:

«و يؤخذ بعد ما بقي من العشر فيقسم بين الوالي و بين شركائه الّذين هم عمّال الأرض».

إلى أن قال:

«فيكون بعد ذلك أرزاق أعوانه على دين اللّه، و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد و غير ذلك ممّا فيه مصلحة العامّة، ليس لنفسه من ذلك قليل و لا كثير، و له بعد الخمس الأنفال» «3».

فالوجوه حينئذ خمسة، و الكلّ مدفوع:

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 7.

(2) في ص 21.

(3) الوسائل: ج 11 ص 84 ح 2 من ب 41 من أبواب جهاد العدوّ و ج 6 ص 365 ح 4 من ب 1 من أبواب الأنفال.

23
کتاب الخمس (للحائري)

و لا بين المنقول و غيره 1 ص 22

..........

أمّا الأوّل فلأنّ أخبار القسمة راجعة إلى المنقول، و الحكم بالخمس فيه لا يدلّ على عدم الخمس في غيره، و السكوت عنه لعلّه من باب أنّ متولّي الخمس و المكلّف بإعطائه إلى غيره من سائر مستحقّيه هو الإمام، فخمس الأراضي غير مربوط بالمقاتلين حتّى يبيّن لهم، فإنّهم لا يملكون إلّا المنقول.

و أمّا الثاني فهو الذي أشكل الأمر على صاحب المستمسك قدّس سرّه و شارح المختصر النافع دام ظلّه، فجعل الأوّل دليل الأراضي مخصّصا لدليل الخمس «1»، و الثاني أوقع بين الدليلين التعارض بنحو العموم من وجه و قال: إنّ مقتضى القاعدة هو الرجوع إلى البراءة «2».

لكنّ الظاهر أنّ دليل الخمس حاكم على دليل تملّك الغنيمة و الفائدة، فإنّ المفروض في دليل الخمس هو حصول الملك لهم و إلّا لم يكن غنيمة لهم، و كما أنّ مقتضى دليل تملّك المنافع أو المعادن لا ينافي لزوم الخمس كذلك ما دلّ على كون الأراضي ملكا للمسلمين لا ينافي ثبوت الخمس عليهم، كما أنّ الأمر بالنسبة إلى الزكاة كذلك على ما صرّح في خبر حمّاد المتقدّم بعضه.

ثمّ إنّه على تقدير عدم الحكومة فلا وجه لملاحظة العموم المطلق كما يظهر من المستمسك «3»، فإنّ الأرض المفتوحة عنوة لا تنافي دليل الخمس في غير خمسها فكيف تكون المعارضة بالعموم المطلق! و أمّا الثالث فحيث إنّ إعطاء ملك الخمس مربوط بالإمام فلا حجّيّة في سيرة خلفاء الجور.

و أمّا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و خليفته أمير المؤمنين فلعلّهما كانا يؤدّيان الخمس من‌

______________________________
(1) المستمسك: ج 9 ص 444.

(2) جامع المدارك: ج 2 ص 103.

(3) ج 9 ص 444.

24
کتاب الخمس (للحائري)

و لا بين المنقول و غيره 1 ص 22

..........

ارتفاع الأرض أو من الوجوه الأخر أو كانت الوجوه الأخر كافية في سدّ حوائج غيرهم من فقراء بني هاشم مع قلّة عددهم و الباقي كان للإمام.

مع أنّ في النصّ و الاجتهاد عن البخاريّ و كتاب مسلم:

أنّ فاطمة عليها السّلام أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ممّا أفاء اللّه عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر «1».

و هو دليل على أنّه صلّى اللّه عليه و آله كان يعطي خمس الأرض المفتوحة عنوة.

مع أنّه لو فرض عدم أخذ الخمس فلا يدلّ على عدم ثبوته، بل يمكن أن يكون من باب التحليل كما اختاره في الجواهر «2».

و أمّا الرابع فإن كان من جهة عدم صدق الغنيمة فالأمر كما ذكر، و أمّا إن كان من جهة قيام السيرة القطعيّة على عدم إخراج الخمس في الأوقاف العامّة فالفارق ما ذكر.

و أمّا الخامس فحيث إنّ صدر الخبر الطويل المتقدّم «3» صرّح بإخراج الخمس من الغنائم الشامل للأرضين و حكم بتقسيم أربعة أخماس بين من قاتل عليه فيمكن أن يكون قوله «و أمّا الأرضون» بمنزلة الاستثناء عن الحكم بتقسيم أربعة أخماس، لا بمنزلة الاستثناء عن أصل تعلّق الخمس بالغنائم، و يكون قوله في الذيل: «ليس لنفسه من ذلك قليل و لا كثير» بمعنى أنّه ليس من ذلك الخراج الذي يكون لأربعة أخماس الباقي للإمام شي‌ء. و يؤيّد ذلك أنّ قوله عليه السّلام بعد ذلك: «و له‌

______________________________
(1) النصّ و الاجتهاد ص 51 عن صحيح البخاريّ ج 16 ص 111 أواخر باب غزوة خيبر، و عن صحيح مسلم ج 3 ص 1380 باب «لا نورث، ما تركنا فهو صدقة».

(2) ج 16 ص 7.

(3) في ص 23.

25
کتاب الخمس (للحائري)

يستثني من الغنائم ص 26

[يستثني من الغنائم]

و يستثني من ذلك (1) صفايا الإمام (2) من فرس و جارية، بل و قطائع بعد الخمس الأنفال» يبعد أن يكون المقصود منه خمس غير الأراضي، فإنّ قبل ذلك مربوط بالأراضي و بعده أيضا مربوط بالأراضي في أكثر مصاديقه فيبعد أن يكون المقصود من الخمس، خمس غير الأراضي.

فالظاهر صحّة ما عليه المشهور من ثبوت الخمس في الأراضي المفتوحة عنوة. و اللّه العالم.

أي من تعلّق الخمس بعنوان الغنيمة.

أمّا وجوب الخمس على الإمام عليه السّلام بالنسبة إلى باقي السهام فهو أمر لا جدوى للبحث عنه، و المقصود تعلّقه به من جهة مطلق الفائدة الملحوظ فيه خروج مئونة السنة.

كما في صحيح ربعيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له، ثمّ يقسم ما بقي خمسة أخماس و يأخذ خمسه ثمّ يقسم أربعة أخماس بين الناس».

إلى أن قال:

«و كذلك الإمام أخذ كما أخذ الرسول صلّى اللّه عليه و آله» «1».

و في خبر حمّاد الطويل:

«و له صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب، لأنّ الغصب كلّه مردود» «2».

و في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 356 ح 3 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 365 ح 4 من ب 1 من أبواب الأنفال.

26
کتاب الخمس (للحائري)

يستثني من الغنائم ص 26

..........

سألته عن صفو المال، قال: «الإمام يأخذ الجارية الروقة و المركب الفاره و السيف القاطع و الدرع قبل أن تقسم الغنيمة، فهذا صفو المال» «1».

و في مضمر سماعة:

«كلّ أرض خربة أو شي‌ء يكون للملوك فهو خالص للإمام و ليس للناس فيها سهم» «2».

و في خبر داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«قطائع الملوك كلّها للإمام» «3».

و في موثّق إسحاق عنه عليه السّلام:

«و ما كان للملوك فهو للإمام» «4».

و في المنقول عن المقنعة عنه عليه السّلام:

«و لنا صفو المال» يعنى يصفوها ما أحبّ الإمام من الغنائم و اصطفاه لنفسه قبل القسمة «5».

قوله «يعني» من كلام المفيد، كما يظهر من ذيل الخبر: «على ما جاء به الأثر عن السادة عليهم السّلام» «6».

و خبر الثماليّ عن أبي جعفر عليه السّلام:

«ما كان للملوك فهو للإمام» «7».

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 369 ح 15 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(2) المصدر: ص 367 ح 8.

(3) المصدر: ص 366 ح 6.

(4) المصدر: ص 371 ح 20.

(5) الوسائل: ج 6 ص 371 ح 21 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(6) الوسائل: ج 6 ص 371 ح 21 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(7) الوسائل: ج 6 ص 372 ح 31 من ب 1 من أبواب الأنفال.

27
کتاب الخمس (للحائري)

يستثني من الغنائم ص 26

..........

إذا عرفت ذلك فمقتضاه أمور:

الأوّل: أنّ متعلّق حقّ الإمام صفو المال و لو لم يكن للملوك، و أموال الملوك غير المغصوبة و إن لم تكن صفوا- من غير فرق في الثاني بين المنقول و غير المنقول- بل القطائع و هي غير المنقول من أمواله، كما في مجمع البحرين.

و ما تقدّم «1» في خبر حمّاد من التقييد بالصوافي فلعلّه مبنيّ على الغالب أو أنّه مملوك من حيث إنّه من الصوافي، فلا يستلزم صرف الإمام نظره عن أموال الملوك أن يصرف أيضا عن صوافي أمواله.

الثاني: أنّ المقصود من الصفو- كما هو الظاهر من كلمة «صفو المال» و هو المستشعر من الأمثلة الواردة في خبر أبي بصير المتقدّم «2»- هو ما يصدق عليه الصفو في نفسه، لا مطلق ما يصطفيه الإمام و ليس بصفو عرفا، فما تقدّم «3» في خبر المقنعة عن المفيد لا يخلو عن التسامح، و كذا ما نقلناه في المتن الذي هو عبارة الجواهر «4».

الثالث: أنّ مقتضى صريح صحيح ربعيّ «5» استثناء صفو المال عن تعلّق القسمة به و عن تعلّق الخمس من حيث الغنيمة، و هو الظاهر من غيره من حيث إنّ ما للإمام هو الخمس و أموال الملوك، فليس ما يؤخذ من أموال الملوك هو الخمس، كما هو واضح.

الرابع: قد عرفت أنّ «القطائع» هي الأملاك الخالصة للملوك.

و أمّا «الجارية الروقة» فهي الحسان، تطلق على المذكّر و المؤنّث و الجمع‌

______________________________
(1) في ص 26.

(2) في ص 27.

(3) في ص 27.

(4) الجواهر: ج 16 ص 9.

(5) المتقدّم في ص 26.

28
کتاب الخمس (للحائري)

يستثني من الغنائم ص 26

الملوك، بل ما كان للملوك من الأموال (1). و يستثني من ذلك المئونة الّتي أنفقت على الغنيمة بعد تحصيلها- بحفظ و حمل و رعي- و نحوها قبله (2).

و المفرد.

و أمّا «المركب الفاره» فهو النشيط من ذلك.

و أمّا «الدرع» فالمقصود منه ما كان صفوا من المال لا مطلق الدرع.

و الإطلاق في خبر أبي بصير «1» غير منعقد أصلا بقرينة كونه واردا في تفسير الصفو من المال، فإطلاق بعض عبائر الأصحاب بالنسبة إلى الدرع ممنوع.

أمّا القطائع فقد صرّح به في الجواهر «2». و يستدلّ عليه بخبر داود بن فرقد المتقدّم «3».

و أمّا مطلق أموال الملوك الوارد في موثّق إسحاق بن عمّار «4» فلم أقف على ذكره في كلمات الأصحاب و إن كان هو مقتضى المرسل «5».

كما في الجواهر، و نقل عن جهاد الشرائع و اللمعة و الروضة، قال: و هو الأقوى في النظر «6».

و عمدة ما يدلّ على ذلك أمران:

أحدهما: ما دلّ على أنّ الخمس بعد المئونة كصحيح البزنطيّ، قال:

كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام: الخمس أخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة؟ فكتب: «بعد المئونة» «7».

______________________________
(1) المتقدّم في ص 27.

(2) الجواهر: ج 16 ص 9.

(3) في ص 27.

(4) المتقدّم في ص 27.

(5) المتقدّم في ص 27.

(6) الجواهر: ج 16 ص 9.

(7) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 1 من ب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

29
کتاب الخمس (للحائري)

يستثني من الغنائم ص 26

..........

و ما رواه إبراهيم:

إنّ في توقيعات الرضا عليه السّلام إليه: أنّ «الخمس بعد المئونة» «1».

و في الوسائل عن الفقيه:

و سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأخذ منه هؤلاء زكاة ماله أو خمس غنيمته أو خمس ما يخرج له من المعادن أ يحسب ذلك له في زكاته و خمسه؟

فقال: «نعم» «2».

و خبر الأشعريّ، قال:

كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام:

أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و على الصناع؟ و كيف ذلك؟ فكتب بخطّه: «الخمس بعد المئونة» «3».

و إن كان يمكن المناقشة في الأوّل بأنّ مورد السؤال هو البزنطيّ نفسه، و لعلّه كان معلوما أنّه ليس عليه خمس الغنائم.

و في الثاني بعدم وضوح السند.

و في الثالث بعدم دلالته على المطلوب، بل لعلّ مفاده احتساب ما يأخذ‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 2 من ب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 3 من ب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 1 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

30
کتاب الخمس (للحائري)

يستثني من الغنائم ص 26

و كذا ما يجعله الإمام على فعل مصلحة من مصالح المسلمين (1). و كذا ما يعطي كذلك كما في إعطاء المؤلّفة قلوبهم (2)، بل لا يبعد الجائر بعنوان الخمس و الزكاة خمسا و زكاة حقيقة، امتنانا على العباد كما في إمضاء تصرّفاتهم في الخراج في الجملة على ما هو المعروف عندهم.

و في الرابع بعدم وضوح السند أيضا للإرسال «1».

لكن لا يبعد انجبار الدالّ منها بعمل الأصحاب رضوان اللّه عليهم.

ثانيهما: معتبر حمّاد، و فيه:

«و له أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينوبه من مثل إعطاء المؤلّفة قلوبهم و غير ذلك ممّا ينوبه، فإن بقي بعد ذلك شي‌ء أخرج الخمس منه» «2».

و لا يخفى أنّ الأمر الأوّل أظهر في المئونة الّتي تصرف في تحصيل الغنيمة، بل صدق الغنيمة مشكوك بما عرض في قبالها المئونة، و الأمر الثاني أظهر بالنسبة إلى ما بعد تحصيل الغنيمة و إن كان يشمل الأمر الأوّل أيضا من حيث إنّ الإمام إذا تحمّل بعض المئونة قرضا فالأخذ منها لأداء قرضه ممّا يصدق عليه أن سدّ لما ينوبه، فالظاهر وفاء الدليل بإخراج المئونة سواء كان صرفها قبل حصول الغنيمة أو بعده. و هو العالم.

كما في الجواهر عن جهاد الشرائع و الروضة. قال: و هو قويّ أيضا «3». انتهى.

و يدلّ عليه معتبر حمّاد المتقدّم آنفا.

كما في المعتبر المتقدّم المنقول عن حمّاد، فالتقييد بالجعل لفعل مصلحة‌

______________________________
(1) و هو غير معلوم، لأنّ المستفاد منه رؤية كتابه الشريف (منه قدّس سرّه).

(2) الوسائل: ج 6 ص 365 ح 4 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(3) الجواهر: ج 16 ص 10.

31
کتاب الخمس (للحائري)

يستثني من الغنائم ص 26

عدم وجوبه على المجعول له من باب الغنيمة (1)، و إن تعلّق به من حيث الاكتساب (2).

و كذا السلب (3).

من المصالح لا وجه له و لعلّه ليس بمقصود.

هذا. مع أنّه لا يصدق الغنيمة بالنسبة إلى المقاتلين حتّى يجب عليهم الخمس.

كما في الجواهر «1»، فإنّه ليس غنيمة الحرب بالنسبة إلى المجعول له.

كما في الجواهر «2» أيضا، لإطلاق دليله، فلا بدّ من ملاحظة مئونة السنة فيها.

في الجواهر عن الشيخ قدّس سرّه و المحقّق في الشرائع في كتاب الجهاد «3».

و يدلّ عليه ما تقدّم من معتبر حمّاد، لأنّ السلب ممّا يكون له بشرط الإمام، و إلّا لم يكن القاتل مستحقّا له بناء على ما هو المعروف عندهم، فيشمله المعتبر المتقدّم، فإنّه من الأمور الّتي رأى الإمام المصلحة في ذلك فسدّ بذلك ما نابه من ملاحظة المصلحة في ذلك.

و معارضة ذلك ب‍ «إطلاق ما دلّ على ثبوت الخمس في الغنيمة لصدق الغنيمة على السلب للقاتل، لأنّه ملك من حيث قتاله، فلا بدّ له من أداء خمسه و إن لم يدخل في الغنائم من حيث القسمة، و لا في حسابه في ضمن جميع الغنائم من حيث تعلّق الخمس» مدفوعة بأنّ قوله في معتبر حمّاد:

«و له أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينوبه من مثل إعطاء المؤلّفة قلوبهم و غير ذلك ممّا ينوبه، فإن بقي بعد ذلك شي‌ء أخرج الخمس منه» «4».

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 10.

(2) الجواهر: ج 16 ص 10.

(3) الجواهر: ج 16 ص 10.

(4) تقدّم في الصفحة السابقة.

32
کتاب الخمس (للحائري)

يستثني من الغنائم ص 26

و الرضائخ للنساء و العبيد (1) و غيرهم ممّن لا حقّ لهم في الغنيمة، حاكم على دليل الخمس، لأنّ المفروض فيه ثبوت وجوب الخمس في الجملة و كونه بعد ذلك.

و على فرض التعارض فالنسبة بين ذلك و بين ثبوت الخمس في مطلق الغنيمة هي العموم من وجه، فيفترقان في غير جعائل الإمام للمصالح و في الجعائل لغير القاتلين من حيث عدم صدق غنيمة الحرب عليها بالنسبة إلى المجعول له كما عرفت، و مورد الاجتماع: جعل ما يتسلّط عليه القاتل للقاتل بالخصوص، فيرجع إلى أصالة البراءة عن وجوب الخمس من حيث الغنيمة.

هذا. مع أنّ خروج ذلك عن أخذ الخمس قبل القسمة معلوم، لعدم مدخليّة القسمة في هذا الموضوع قطعا، فلا وجه لملاحظة «المئونة إلى حال أخذ الخمس» بالنسبة إلى «مجموع الغنائم». نعم، ما يدلّ على ملاحظة مئونة السنة يشمله أيضا، فتأمّل.

هذا. مضافا إلى ما في الجواهر عن التذكرة الاستدلال بأنّه عليه السّلام قضى بالسلب للقاتل و لم يخمّس السلب. قال بعد ذلك: و هو لا يخلو من بحث «1».

أقول: قد عرفت أنّ مقتضى الدليل عدم وجوب الخمس على القاتل من حيث غنيمة دار الحرب فلا بدّ من ملاحظة مئونة السنة، و اللّه هو العالم.

الرضائخ: جمع رضيخة و هي العطيّة، و الرضخ: هو العطاء اليسير المشروط من الوالي لنحو الراعي و الحافظ، كما في مجمع البحرين.

و هو أيضا ممّا يخرج من المال قبل التقسيم و لا يؤخذ خمسه، ففي الجواهر عن جهاد الشرائع و الشيخ تقديم ذلك «2».

______________________________
(1) الجواهر ج 16 ص 10.

(2) الجواهر ج 16 ص 10.

33
کتاب الخمس (للحائري)

ما يشترط في الغنيمة التي فيها الخمس ص 34

بل النفل و هو العطاء للغانمين (1).

[ما يشترط في الغنيمة الّتي فيها الخمس]

و يشترط في الغنيمة الّتي يؤخذ منها الخمس أن تكون بإذن الإمام، و إلّا كان كلّ ما يغنمه للإمام عليه السّلام (2).

و يدلّ على ذلك كلّه ما تقدّم نقله من معتبر حمّاد «1».

كما في الجواهر عن ابن الجنيد «2»، لدخوله في ما تقدّم «3» من المنقول عن معتبر حمّاد.

و ملخّص الكلام استثناء ما يجعله الإمام أو يعطيه قليلا أو كثيرا للغانمين و لغيرهم عوضا للقتل و الجهاد، أو لمصلحة راجعة إلى ذلك الجهاد و الخروج و العود ممّا يتعلّق بذاك القيام، أو كان مربوطا بمصلحة أخرى غير مربوطة بذلك القيام، كانت عامّة أو خاصّة بنفسه الشريفة و إن كانت راجعة إلى العامّة أو شخص من المسلمين.

كلّ ذلك للإطلاق المشار إليه و إن كان بعض فروعه لا يخلو عن خفاء و إشكال، مثل ما كان لمصلحة شخصيّة غير مربوطة بذاك القيام، فلا بدّ من التأمّل.

و لا أثر لتلك الأبحاث في عصر الغيبة إلّا إذا فرض كون الفقيه بمنزلة الإمام العادل عليه الصلاة و السلام، أو فرض قيام الجائر بمنزلة العادل في ما له، و كلاهما مورد للإشكال، بل المنع في الأخير لعلّه من الواضحات.

كما في الجواهر «4». و هو ينحلّ إلى مسألتين: الاولى: عدم تعلّق الخمس به من حيث الغنيمة. الثانية: كون جميع المال للإمام.

و المشهور فيهما ما ذكر، لكن عن المنتهى و المدارك أنّه بحكم المأذون «5»،

______________________________
(1) في ص 31.

(2) الجواهر ج 16 ص 10.

(3) في ص 31.

(4) الجواهر ج 16 ص 11.

(5) الجواهر: ج 16 ص 11- 12.

34
کتاب الخمس (للحائري)

ما يشترط في الغنيمة التي فيها الخمس ص 34

..........

و عن الحدائق التفصيل بين ما إذا كان الحرب للدعاء إلى الإسلام فالغنيمة كلّها للإمام و ما إذا كان للقهر و الغلبة ففيه الخمس «1»، و يظهر من العروة التفصيل بين إمكان الاستيذان من الإمام مع فرض عدم الإذن فالغنيمة كلّها للإمام، و أمّا في زمان الغيبة فيجب إعطاء الخمس على الأحوط «2».

و يمكن الاستدلال للمشهور بمرسل الورّاق عن الصادق عليه السّلام قال:

«إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام، و إذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس» «3».

و ضعف الخبر منجبر بعمل الأصحاب- رضوان اللّه عليهم- لكنّه مخصّص بصحيح الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم و يكون معهم فيصيب غنيمة، قال: «يؤدّي خمسا و يطيب له» «4».

و حمل الخبر على صورة الإذن من الإمام بالخصوص خلاف الظاهر قطعا، و النسبة بين الدليلين هي العموم المطلق، فإنّ مقتضى الأوّل أنّ القوم المحاربين إذا غزوا بإذن الإمام فللإمام الخمس، و إن لم يكن بإذن الإمام فالمال كلّه له عليه السّلام، فاستيذان شخص بالخصوص لا يخرجه عن كون الغزو بغير إذن الإمام، فإنّ مجموع القتال كان بغير إذن الإمام، و مقتضى ذلك أنّ الغزو إن كان بإذن الإمام أو كان تحت لواء خلفاء الجور الّذين يحكمون على المملكة الإسلاميّة بعنوان‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 12.

(2) العروة الوثقى: كتاب الخمس، الفصل الأوّل.

(3) الوسائل: ج 6 ص 369 ح 16 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(4) المصدر: ص 340 ح 8 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

35
کتاب الخمس (للحائري)

ما يشترط في الغنيمة التي فيها الخمس ص 34

..........

الخلافة الإسلاميّة فالخمس للإمام و باقي الغنيمة لمن قاتل، على التقسيم الذي ولّاه الإمام الجائر أو نائبه، و أمّا إذا لم يكن الغزو كذلك فالمال للإمام بمقتضى مرسل الورّاق «1» المفتي به عند المشهور بين الأصحاب رضوان اللّه عليهم.

و يمكن الاستشهاد للحوق الغزو الواقع تحت لواء خلفاء الجور بالغزو الواقع عن إذن الإمام عليه السّلام بأمرين آخرين:

أحدهما: بعض أخبار التحليل، كالمنقول عن تفسير الإمام العسكريّ سلام اللّه عليه عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه:

قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «قد علمت يا رسول اللّه إنّه سيكون بعدك ملك عضوض و جبر فيستولي على خمسي من السبي و الغنائم و يبيعونه، فلا يحلّ لمشتريه، لأنّ نصيبي فيه، فقد وهبت نصيبي منه لكلّ من ملك شي‌ء.» «2».

و في الخبر و إن كان ضعف من حيث السند إلّا أنّه مؤيّد ببعض أخبار أخرى «3» يدلّ على تحليل الخمس لطيب المولد، و القدر المسلّم منه هو سبايا الحرب. فتأمّل.

ثانيهما: أنّه قد مرّ في أوّل مسألة ثبوت الخمس في الغنيمة روايات كثيرة دالّة على ثبوت الخمس في الغنائم، و القدر المسلّم منها هو المصداق الموجود حال صدور الروايات، و الغزوات الّتي كانت في ذلك العصر لم تكن بإذن الإمام،

______________________________
(1) المتقدّم في الصفحة السابقة.

(2) الوسائل: ج 6 ص 385 ح 20 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(3) الوسائل: ج 6 ص 378 الباب 4 من أبواب الأنفال.

36
کتاب الخمس (للحائري)

ما يشترط في الغنيمة التي فيها الخمس ص 34

و أن يكون الأخذ بالمقاتلة، و ما يؤخذ من أموالهم بغيرها فليس فيه الخمس من جهة غنائم الحرب (1).

فمقتضى الدليل التفصيل في الغزو بغير إذن الإمام بين ما إذا كان تحت لواء خلفاء الجور فيكون بحكمه في كون الغنيمة للمقاتلين و الخمس يعطى للإمام عليه السّلام، و ما إذا لم يكن كذلك فالكلّ للإمام بمقتضى مرسل الورّاق «1» المنجبر بعمل الأصحاب رضوان اللّه عليهم.

كما هو واضح، لعدم صدق غنائم الحرب عليه، مضافا إلى التقييد بالقتال في بعض الروايات كما في خبر أبي بصير:

«كلّ شي‌ء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه فإنّ لنا خمسه» «2».

و مرسل أحمد بن محمّد و فيه:

«و المغنم الذي يقاتل عليه» «3».

لكن مقتضى إطلاق الآية «4» و الروايات «5» هو وجوب الخمس من جهة مطلق الفائدة كما أفاده في الروضة على ما في الجواهر، و استجوده في الجواهر إذا كان ذلك للآخذ كما إذا كان الأخذ بغير إذن الإمام «6»، و أمّا إذا كان من جهة بعث الإمام و بإذنه كان الكلّ للإمام كما يظهر من صحيح معاوية بن وهب، قال:

قلت لأبي عبد اللّه: السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف يقسّم؟

______________________________
(1) المتقدّم في ص 35.

(2) تقدّم في ص 18.

(3) تقدّم في ص 19.

(4) سورة الأنفال: 41.

(5) الوسائل: ج 6 ص 348 الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(6) الجواهر: ج 16 ص 11.

37
کتاب الخمس (للحائري)

ما يشترط في الغنيمة التي فيها الخمس ص 34

..........

قال: «إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم اخرج منها الخمس للّه و للرسول، و قسم بينهم ثلاثة أخماس، و إن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ» «1».

ثمّ إنّه لا إشكال في جواز أخذ مال الكفّار عند قيام الحرب، سواء كان الحرب معهم بإذن الإمام أو بغير إذنه إذا كان في لواء خلفاء الجور، لما تقدّم «2» ممّا دلّ على وجوب الخمس فيه، و هو يدلّ على جواز الأخذ قطعا بحسب الظهور العرفيّ.

و كذا إذا كان الجهاد صحيحا بأن كان من باب الدفاع عن الإسلام، لدلالة خبر الورّاق المتقدّم «3» على الجواز و إن كان مقتضى إطلاقه كون الجميع للإمام.

و أمّا إذا فرض عدم قيام الحرب أصلا ففي السرقة و الغيلة منهم إشكال، لعدم وضوح الدليل على الأخذ بدون القتال.

و أمّا القتال فهو مشروط بإذن الإمام عليه السّلام كما يدلّ عليه أخبار الباب الثاني عشر من أبواب الجهاد «4».

و أمّا الاسترقاق منهم فمقتضى بعض الروايات الواردة في بيع الحيوان هو الجواز «5»، لكن مقتضى التعليل الوارد في بعض الروايات «6» المذكورة هو اختصاصه بما إذا كانوا ممّن يؤتى بهم إلى دار الإسلام، و مقتضى البعض الآخر «7»

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 356 ح 3 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(2) في ص 35.

(3) في ص 35.

(4) الوسائل: ج 11 ص 32.

(5) الوسائل: ج 13 ص 27 الباب 2 من أبواب بيع الحيوان و ج 11 ص 99 الباب 50 من أبواب جهاد العدوّ.

(6) الوسائل: ج 13 ص 27 ح 1 من ب 2 من أبواب بيع الحيوان.

(7) المصدر: ح 3.

38
کتاب الخمس (للحائري)

ما يشترط في الغنيمة التي فيها الخمس ص 34

..........

تقييده بما إذا أقرّوا بالرقّيّة، و القدر المتيقّن: مجموع الأمرين.

و على فرض جواز قتل غير المعاهد و أخذ ماله و سبي نسائه أو نفسه فلا إشكال في عدم الجواز في المعاهد كما في بعض عبارات الفقهاء، و المستأمن كما في بعضها الآخر.

و لا يبعد صدق الاستيمان إذا كان ذلك من جانب الحكومة الإسلاميّة، سواء كان الكافر في بلاد المسلمين أو في بلادهم، بل و لو كان من جانب آحاد المسلمين، كما صرّح بذلك في الدروس في كتاب الجهاد حيث قال قدّس سرّه:

و [يحرم] القتال بعد الأمان و لو كان من آحاد المسلمين لآحاد الكفّار «1».

و عدم جواز الاستيمان لإقليم إنّما هو في حال قيام الحرب الصحيح، لأنّه يلزم أن لا يتحقّق الحرب اللازم بأمان أحد من المسلمين، و أمّا في غير حال الحرب فالظاهر بحسب الدليل جواز الاستيمان، لا سيّما إذا كان ذلك من جانب ذي الشوكة من المسلمين، كما أشير إليه في ما تقدّم حكايته من الدروس.

و أمّا ما دلّ على جواز أخذ مال الناصب مطلقا و إعطاء الخمس «2» فلا يبعد أن يكون المراد من نصب الحرب للإمام العادل، كما ربّما يومئ إلى ذلك ما عن الفقيه:

قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «صنفان من أمّتي لا نصيب لهم في الإسلام: الناصب لأهل بيتي حربا.» «3».

و على فرض كون المقصود هو الناصب بالمعنى المعروف فلا يدلّ على حكم الكافر الذي لا عداوة له بالنسبة إلى الإسلام و لا بالنسبة إلى أهل البيت عليهم السّلام.

______________________________
(1) الدروس: ج 2 ص 33.

(2) الوسائل: ج 6 ص 340 ح 6 و 7 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) الوافي: ج 2 ص 229 ح 1 من ب 23.

39
کتاب الخمس (للحائري)

الثاني المعادن 1 ص 40

الثاني: المعادن (1).

وجوب الخمس فيها إجماعيّ، ففي الجواهر:

يكون إجماعا محصّلا، و منقولا صريحا في الخلاف و السرائر و المنتهى و التذكرة و المدارك و غيرها، و ظاهرا في كنز العرفان و عن مجمع البحرين و البيان، بل في ظاهر الغنية نفي الخلاف بين المسلمين عن معدن الذهب و الفضّة «1».

و في الحدائق:

هو ممّا وقع عليه الاتّفاق نصّا و فتوى «2».

و في خمس الشيخ الأنصاريّ قدّس سرّه:

أنّ حكاية الإجماع عليه مستفيضة «3».

و يستدلّ على ذلك بالآية الشريفة:

وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ «4».

بناء على كون المراد بالغنيمة مطلق الفائدة كما هو الظاهر منها و يستفاد من بعض الأخبار، كمكاتبة عليّ بن مهزيار، فإنّ فيها بعد ذكر الآية الشريفة:

«فالغنائم و الفوائد يرحمك اللّه فهي الغنيمة يغنمها المرء، و الفائدة يفيدها، و الجائزة من الإنسان للإنسان الّتي لها خطر» «5».

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 13 و 14.

(2) الحدائق: ج 12 ص 328.

(3) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ قدّس سرّه: ص 122.

(4) سورة الأنفال: 41.

(5) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

40
کتاب الخمس (للحائري)

الثاني المعادن 1 ص 40

..........

و خبر حكيم، قال:

قلت له وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ «1» قال: «هي و اللّه الإفادة يوما بيوم» «2».

و لا فرق في الاستدلال على وجوب الخمس في المعادن بين الآية الشريفة و الأدلّة الخاصّة الواردة في خصوص المعادن، لا من حيث ثبوت أصل الخمس، و لا من حيث اعتبار المئونة، لأنّ ما دلّ على استثنائها إن كان شاملا للمعدن حتّى بالنسبة إلى مئونة الشخص و عائلته فيدلّ على ذلك بالنسبة إلى الأدلّة الخاصّة أيضا و لا يلاحظ النسبة، لأنّ المفروض في الاستثناء وجوب الخمس في الجملة، فيكون حاكما على إطلاق دليل الخمس بالنسبة إلى المعادن، و لا من حيث لزوم مراعاة النصاب في المعدن، كما لا يخفى.

و يدلّ عليه عدّة من الأخبار:

منها: صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:

سألته عن معادن الذهب و الفضّة و الصفر و الحديد و الرصاص، فقال: «عليها الخمس جميعا» «3».

و صحيح الحلبيّ، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكنز كم فيه؟ قال:

«الخمس».

______________________________
(1) سورة الأنفال: 41.

(2) الوسائل: ج 6 ص 380 ح 8 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(3) الوسائل: ج 6 ص 342 ح 1 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

41
کتاب الخمس (للحائري)

الثاني المعادن 1 ص 40

..........

و عن المعادن كم فيها؟ قال: «الخمس».

و عن الرصاص و الصفر و الحديد و ما كان من المعادن كم فيها؟ قال: «يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب و الفضّة» «1».

أقول: لعلّ الوجه في تكرار السؤال استيضاح أنّه هل لا يكون فرق بين معادن الذهب و الفضّة و غيرها أو يكون بينهما فرق؟ و لعلّ الوجه في احتمال الفرق ما تقدّم «2» نقله عن الغنية من اختصاص الخمس عند العامّة بمعدن الذهب و الفضّة.

و يومئ إلى ما احتملناه قوله عليه السّلام في الجواب: «كما يؤخذ من معادن الذهب و الفضّة».

و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:

سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: «كلّ ما كان ركازا ففيه الخمس».

و قال: «ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج اللّه سبحانه منه من حجارته مصفّى الخمس» «3».

أقول: ربّما يمكن أن يشكل في ظهور الجواب في خمس المعادن من حيث إنّ الركاز عند أهل الحجاز هو الكنوز المدفونة كما في الجواهر عن ابن الأثير «4».

و لكنّه واضح الاندفاع من جهة لزوم الإعراض عن الجواب عن السؤال من دون وجه، و هو ممّا يقطع بعدمه، فإنّه ليس طريق المحاورة الإعراض عن السؤال في مقام الجواب و الجواب عن شي‌ء آخر غير مسؤول عنه من دون جهة- من تقيّة‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 342 ح 2 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) في ص 40.

(3) الوسائل: ج 6 ص 343 ح 3 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) الجواهر: ج 16 ص 14.

42
کتاب الخمس (للحائري)

الثاني المعادن 1 ص 40

..........

أو غيرها- و لا يناسب الذيل الذي هو ظاهر في خصوص المعدن من جهة أنّ المعدن يحتاج استخراجه نوعا إلى صرف المال، و من جهة أنّه الذي يستخرج من الحجارة.

فالظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ المقصود خصوص المعدن (فتكلّم عليه السّلام بلغة السائل الذي هو عراقيّ، فإنّه مقتضى حكمة الأنبياء و الأولياء عليهم السّلام و لطفهم بالنسبة إلى العباد) أو الأعمّ.

و الأخير هو الأقوى، من جهة قوله «كلّ ما كان ركازا»، فإنّ الظاهر أنّه بصدد إعطاء قاعدة تشمل المعدن أيضا، لا بيان خصوص المعدن.

و منه يظهر وجه ثالث لعدم كون المقصود خصوص الكنز، لأنّه لا يناسب كلمة «كلّ».

هذا كلّه، مع أنّه لا يبعد أن يكون الاختلاف بين العراق و الحجاز من حيث المصداق لا من حيث المفهوم، فإنّ أكثر جدة الحجازيّين كان من قبيل الكنوز، لقلّة المعادن في بلادهم و هذا بخلاف العراق، فتأمّل.

و أمّا قوله في الذيل «مصفّى»، فيحتمل أن يكون المقصود أنّه يجب بعد إخراج المئونة كما في الوافي «1»، و يحتمل أن يكون المقصود أنّه لا يكفي المخلوط في مقام إعطاء الخمس، لعدم العلم بأداء خمسه.

و صحيح محمّد بن مسلم، قال:

سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الملّاحة، فقال: «و ما الملّاحة؟» فقال (فقلت): أرض سبخة مالحة يجتمع فيه الماء فيصير (و يصير) ملحا، فقال: «هذا المعدن فيه‌

______________________________
(1) ج 10 ص 313.

43
کتاب الخمس (للحائري)

تعريف المعدن ص 44

[تعريف المعدن]

و الظاهر أنّها كلّ ما خرج من الأرض و يخلق فيها من غيرها ممّا له قيمة (1).

الخمس». فقلت: و الكبريت و النفط يخرج من الأرض؟ فقال: «هذا و أشباهه فيه الخمس».

قال صاحب الوسائل قدّس سرّه:

و رواه الصدوق بإسناده عن محمّد بن مسلم إلّا أنّ فيه: فقال: «مثل المعدن فيه الخمس» «1».

أقول: طريق الصدوق إلى محمّد بن مسلم غير الطريق المذكور، فالخبر معتبر جدّا و يدلّ على عدم اعتبار خصوصيّة الذهب و الفضّة- كما يظهر من الأخبار المتقدّمة أيضا- و على عدم اعتبار كونه منبت الجواهر بالمعنى المتعارف و لا بما في المستمسك «2» عن القاموس من أنّ «المعدن: منبت الجواهر، و الجوهر: كلّ حجر يستخرج منه شي‌ء ينتفع به» و على عدم اعتبار كونه جامدا، و على عدم اعتبار كونه مركوزا و مدفونا في الأرض كما ربما يوهمه ما تقدّم من صحيح زرارة «3».

و أمّا دلالته على عدم كون الملح معدنا بناء على نقل الصدوق قدّس سرّه فيجي‌ء الكلام فيه «4» إن شاء اللّه تعالى.

كما في الجواهر عن ابن الأثير، و عن التذكرة أيضا من غير فرق بين المنطبع و غيره و المائع و غيره عند علمائنا أجمع «5».

و في قبال ذلك احتمالان آخران:

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 343 ح 4 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) ج 9 ص 455.

(3) في ص 42.

(4) في الصفحة الآتية.

(5) الجواهر: ج 16 ص 15.

44
کتاب الخمس (للحائري)

تعريف المعدن ص 44

..........

الاحتمال الأوّل: أن يكون المعدن في العرف و اللغة هو منبت الجواهر من الذهب و الفضّة و نحوها، كما في الجواهر عن الرياض مدّعيا أنّه المتبادر عرفا «1».

و هو الذي يظهر ممّا عن القاموس و المغرب، فعن الأوّل أنّه منبت الجواهر من ذهب و نحوه- كما في المستمسك «2»، و يظهر من الجواهر أيضا «3»- مع تفسير الجوهر ب‍ «كلّ حجر يستخرج منه شي‌ء ينتفع به». و عن المغرب أنّه معدن الذهب و الفضّة «4»، بل هو الذي يظهر من صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم بناء على نقل الصدوق قدّس سرّه فإنّ مثل الشي‌ء غير الشي‌ء.

و هو مدفوع بأنّ الجمع بين التفسيرين يقتضي حمل ما عن المغرب و القاموس على المثال، كيف؟ و لازم ما عن المغرب اختصاص المعدن بخصوص الذهب و الفضّة، و هو خلاف المقطوع به عند العرف، و بأنّ إجماع الأصحاب على ما ذكر يكشف عن كونه كذلك في اللغة، مضافا إلى دلالة الصحيح المتقدّم «5» على كون مثل الملح من المعدن مع أنّه ليس من الجواهر بالمعنى المذكور في القاموس.

هذا بناء على رواية الشيخ قدّس سرّه و أمّا بناء على رواية الصدوق قدّس سرّه فالظاهر أنّ قوله: «مثل المعدن فيه الخمس» على وزان قوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‌ءٌ «6» و قوله تعالى بِقٰادِرٍ عَلىٰ أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ، «7» فالمقصود بحسب الظاهر: ما كان فيه الصفات الموجودة في المعدن- الشامل ذلك لنفس المعدن أيضا- يكون فيه الخمس، كما يقال: المثل فلان يقال كذا، و مثل فلان يتّهم بكذا! و لعلّه واضح بعد التأمّل و الدقّة، و على هذا فهو ظاهر في كون الملح من المعدن، فهو على خلاف المطلوب أدلّ.

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 15.

(2) ج 9 ص 455.

(3) الجواهر: ج 16 ص 15.

(4) المستمسك: ج 9 ص 455.

(5) في ص 43.

(6) سورة الشورى: 11.

(7) سورة يس: 81.

45
کتاب الخمس (للحائري)

و هنا مسائل ص 46

 

و هنا مسائل

المسألة الأولى [اعتبار النصاب في المعدن]

الظاهر اعتبار النصاب في المعدن و هو عشرون دينارا (1).

الاحتمال الثاني: ما في الجواهر عن الشهيد الثاني في الروضة و المسالك من أنّ:

المعدن: ما استخرج من الأرض ممّا كانت أصله، ثمّ اشتمل على خصوصيّة يعظم الانتفاع به. و ذكر في ضمن الأمثلة حجارة الرحى و طين الغسل و الجصّ «1».

و مقتضى ذلك عدم أخذ قيد الخروج عن الحقيقة الأرضيّة فيه عرفا.

و هو أيضا غير واضح، فإنّ صرف الامتياز ككون التراب أحمر مثلا أو أبيض لا يوجب صدق عنوان المعدن عليه، فصدق المعدن عليه معلوم العدم أو مشكوك، فيرجع إلى ما يقتضيه الدليل في مطلق الفائدة.

كما عن الشيخ قدّس سرّه في نهايته و مبسوطه و عن ابن حمزة في الوسيلة، و وافقهما جماعة من المتأخّرين «2».

بل في الجواهر:

أنّ في المدارك نسبته إلى عامّة المتأخّرين و أنّ في الرياض أنّها كادت تكون إجماعا، بل لعلّها إجماع حقيقة.

خلافا لما عن الشيخ في صريح الخلاف و السرائر و ظاهر غيرهما- بل في الدروس نسبته إلى الأكثر- من عدم اعتبار النصاب في المعدن أصلا، بل في ظاهر الأوّل أو صريحه كصريح الثاني الإجماع عليه،

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 16.

(2) الجواهر: ج 16 ص 18.

 

46
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الأولى اعتبار النصاب في المعدن ص 46

..........

و خلافا لما عن أبي الصلاح الحلبيّ و الفقيه و المقنع من جهة نقل رواية نصاب الدينار من كون نصابه دينارا، كلّ ذلك على ما في الجواهر «1».

فالأقوال ثلاثة: عدم اعتبار النصاب أصلا، اعتبار عشرين دينارا، اعتبار بلوغه دينارا.

و الأقوى اعتبار نصاب عشرين دينارا، لصحيح البزنطيّ، قال:

سألت أبا الحسن عليه السّلام عمّا أخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شي‌ء؟ قال:

«ليس فيه شي‌ء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا» «2».

بناء على كون فاعل «يبلغ» هو الضمير المستتر و المفعول هو لفظة «ما» في «ما يكون في مثله الزكاة» أي المقدار الذي يكون في مثل ذلك المقدار الزكاة، و يكون قوله «عشرين دينارا» بدلا عن المفعول.

و احتمال أن يكون «ما يكون في مثله» هو الفاعل و «عشرين دينارا» هو المفعول مدفوع بوجوه: منها: أنّ لازمه أنّه إن بلغ الذهب و الفضّة إلى عشرين دينارا كان الخمس في سائر المعادن، و إن لم يبلغ لم يكن خمس فيها. و منها: أنّ السائل سأل عن تعلّق الشي‌ء بالمعادن فلا يحسن الجواب بأنّ ما فيه الزكاة إن بلغ إلى عشرين دينارا فيه شي‌ء، فإنّ الجواب حينئذ أنّ ما فيه الشي‌ء يكون فيه الشي‌ء إذا بلغ عشرين دينارا. و منها: أنّ لازمه عدم تعلّق الخمس و لو بمعادن‌

______________________________
(1) ج 16 ص 18- 19.

(2) الوسائل: ج 6 ص 344 الباب 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

47
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الأولى اعتبار النصاب في المعدن ص 46

..........

الذهب و الفضّة إلّا إذا صارا مسكوكين، فدلالته على المطلوب قطعيّ.

و ليس في البين ما يعارضه إلّا أمران:

الأوّل: الإجماع الذي تقدّم نقله عن الشيخ قدّس سرّه «1» في الخلاف المؤيّد بما تقدّم «2» من الدروس من نسبته إلى الأكثر.

و هو موهون بأمور:

منها: اختيار ناقله الشيخ قدّس سرّه خلافه في ما نسب إلى نهايته و مبسوطه.

و منها: عدم صراحة كلامه في الإجماع، كما في الجواهر «3».

و منها: أنّ المظنون أنّ منشأ النسبة إلى الأصحاب: عدم ذكرهم النصاب لا التصريح بعدمه، كما يشعر بذلك جعل أحد الأقوال في المسألة استثناء المئونة أي استثنوا المئونة من دون ذكر اعتبار النصاب.

و منها: أنّه على فرض إجماع القدماء فليس ذلك على الظاهر من باب الإعراض عن صحيح البزنطيّ، بل من باب عدم العثور عليه، و لذا لم يذكره الصدوق و الكلينيّ و قد عثر عليه الشيخ قدّس سرّه و أفتى به بعد ذلك.

الثاني: خبر محمّد بن عليّ عن أبي الحسن عليه السّلام قال:

سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد، و عن معادن الذهب و الفضّة هل فيها زكاة؟

فقال: «إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس» «4».

و التمسّك به أيضا موهون بأمور:

______________________________
(1) في ص 46 و 47.

(2) في ص 46 و 47.

(3) ج 16 ص 19.

(4) الوسائل: ج 6 ص 343 ح 5 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

48
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الأولى اعتبار النصاب في المعدن ص 46

..........

الأوّل: عدم الإفتاء على طبقه من المتقدّمين و المتأخّرين سوى أبي الصلاح على ما تقدّم «1». و أمّا الصدوق فقد نقل الخبر مرسلا خاليا عن سؤال المعادن «2»، و أمّا روايته في الفقيه فلا يدلّ على تماميّة دلالته عنده على نحو يفتي بأنّ نصاب المعدن دينار.

الثاني: أنّه لم يصرّح بوثاقة الراوي و لم تقم قرينة عليه، فإنّ المستفاد من جامع الرواة: عدم الرواية عنه كثيرا، فإنّه نقل عنه خبران أحدهما ذلك و الآخر خبر آخر نقله عنه ابن الأسباط.

و نقل البزنطيّ عنه مرّة واحدة لا يدلّ على كونه ثقة عنده، فلعلّه كان يثق بتلك الرواية بالخصوص لقرائن قامت عنده.

الثالث: عدم نقل الصدوق ما يتعلّق بالمعادن في المقنع.

الرابع: الاختلاف في المسؤول عنه، فإنّ الظاهر أنّ المسؤول عنه في «ما يخرج من البحر» هو حكمه، و في «المعادن» أنّه هل فيه الزكاة أم لا، فهذا يشعر بأنّه سؤال آخر لعلّه وقع في زمان آخر أدرجه السائل ضمنا في ذلك.

الخامس: أنّ جواب الإمام عليه السّلام يشعر أيضا بأنّه جواب عن الغوص، و ذلك لتذكير الضمير، فهذا أيضا يؤيّد تعدّد السؤال و عدم ذكره الجواب عن المعادن، أو أعرض عنه الإمام عليه السّلام لبعض المصالح.

السادس: أنّه على فرض كون الجواب عن جميع ما ذكر في السؤال فلا ريب أنّ مقتضى الجمع العرفيّ هو الحمل على الاستحباب.

و احتمال التقييد- بأن يكون النصاب في خصوص معدن الذهب و الفضّة‌

______________________________
(1) في ص 47.

(2) الوسائل: ج 6 ص 343 ح 5 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

49
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثانية عدم اعتبار الدفعة الواحدة في النصاب ص 50

المسألة الثانية [عدم اعتبار الدفعة الواحدة في النصاب]

الظاهر أنّه لا يعتبر في النصاب المذكور أن يكون ما يخرج من المعادن دفعة واحدة بالغا حدّه، فلو أخّر أيّاما بل شهرا أو شهورا ثمّ استخرج منها و كان المجموع بالغا حدّ النصاب ففيه الخمس و إن أعرض عن ذلك و أهمل (1).

المسألة الثالثة [حكم ما إذا تعدّد المستخرج و بلغ المجموع النصاب]

الظاهر أنّه لا خمس إذا بلغ مجموع ما خرج من المعدن عشرين دينارا مع تعدّد المستخرج بقصد التملّك أو بدون قصد دينارا- مدفوع أوّلا بأنّه خلاف الإجماع. و ثانيا بأنّ التصرّف بالحمل على الاستحباب أهون عند العرف من التقييد كما قرّرنا ذلك مرارا. و ثالثا بأنّ إخراج معادن الذهب و الفضّة مع كثرة الابتلاء في عصر الصدور من قبيل التخصيص المستهجن، فالمسألة بحمده تعالى واضحة جدّا.

قال قدّس سرّه في الجواهر ما خلاصته:

لا يعتبر في النصاب المذكور الإخراج دفعة، وفاقا لظاهر جماعة و صريح آخرين، بل لا فرق بين الإعراض في البين و عدمه كما هو مقتضى كلام الشهيدين و المدارك و غيرها، و خلافا للمنتهى فاعتبر عدم الإهمال.

و الوجه في ما قلناه إطلاق الدليل «1».

أقول: الوحدة الحقيقيّة في المقام غير معتبرة قطعا، و ذلك لأنّ مقتضاها عدم تعلّق الخمس ببعض المعادن أصلا كالملح، فإنّه لا يستخرج منه دفعة ما يبلغ عشرين دينارا.

و أمّا الوحدة الاعتباريّة من باب الاستخراج بعزم واحد و إرادة واحدة- كما يومئ إليه ما تقدّم نقله عن العلّامة قدّس سرّه- أو من باب اعتبار الموالاة بمعنى عدم الفصل الطويل- كما يظهر من بعض علماء العصر في التعليق على العروة- فلا‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 19- 20.

50
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثالثة حكم ما إذا تعدد المستخرج و بلغ المجموع النصاب ص 50

ذلك أو بالاختلاف أو بخروج بعض ذلك بنفسه (1).

نعرف لها أيضا وجها يعتدّ به.

فمقتضى إطلاق قوله «ما أخرج المعدن» الوارد في السؤال: ثبوت الخمس في الإخراجات المتعدّدة إذا كان المجموع بالغا إلى النصاب، فإن شكّ في ذلك فمقتضى الإطلاق وجوب الخمس.

قال قدّس سرّه في الجواهر:

قد يدّعى ظهور صحيح البزنطيّ «1» في عدم اعتبار ذلك [أي بلوغ نصيب كلّ واحد إلى النصاب و كفاية بلوغ المجموع النصاب المذكور] في المتعدّدين غير الشركاء أيضا، و إن كان بعيدا جدّا إن لم يكن ممتنعا «2».

أقول: قد يمكن أن يقال: إنّ الموضوع في الصحيح المذكور «ما أخرج المعدن»، و الظاهر صدق ذلك على المجموع في جميع الصور المذكورة في المتن فيجب الخمس، و إن شكّ في ذلك فمقتضى إطلاق باقي أدلّة ثبوت الخمس في المعدن هو الخمس أيضا، و القدر المتيقّن الخارج من الأدلّة المذكورة ما إذا لم يكن المجموع بالغا حدّ النصاب فيؤخذ بدليل الخمس في غيره.

و قد يردّ ذلك بانصراف الصحيح «3» إلى بلوغ ما يملكه المستخرج حدّ النصاب.

و وجه الانصراف أمران:

أحدهما: أنّ موضوع الخمس هو فائدة كلّ شخص بحسب الدليل و بحسب الاعتبار، و الظاهر أنّ موضوع الخمس هو بعينه موضوع النصاب، و الاختلاف بين الموضوعين خلاف ما هو الظاهر جدّا، فيصير معنى الصحيح «4» أنّ في كلّ ما ملكه‌

______________________________
(1) المتقدّم في ص 47.

(2) الجواهر: ج 16 ص 20.

(3) المتقدّم في ص 47.

(4) المتقدّم في ص 47.

51
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثالثة حكم ما إذا تعدد المستخرج و بلغ المجموع النصاب ص 50

..........

الشخص بالاستخراج من المعدن إذا بلغ عشرين دينارا الخمس.

ثانيهما: أنّ قوله «ما يكون في مثله الزكاة» يدلّ على مالكيّة النصاب، لأنّ الذي في مثله الزكاة هو مالكيّة عشرين دينارا، لا صرف وجود عشرين في الخارج و لو لم يكن ملكا له.

لكنّ الإنصاف أنّ ثبوت الانصراف- بحدّ الظهور في ما ذكر- غير واضح، لإمكان أن يكون المقصود أنّ الخارج من المعدن إذا بلغ خروجه عنه إلى حدّ بلوغ الذهب في ملك المالك إلى النصاب إذا صار ملكا للمستخرج ففي ما ملكه الخمس، فيكون الخروج إلى الحدّ المذكور مأخوذا في الحكمين- أي النصاب و الخمس- مع اختصاص الخمس بقيد زائد هو الاستخراج بعنوان التملّك، و يكون بلوغ الخارج حدّ النصاب بمنزلة بلوغ الملك إلى حدّ النصاب، لا أن يكون وصف المملوكيّة مأخوذا في النصاب في المقامين. نعم، لا ظهور للصحيح «1» في الإطلاق فيرجع إلى إطلاق دليل الخمس في المعدن «2».

لكنّ التحقيق أن يقال- و هو العالم-: إنّ الأخذ بإطلاق صحيح البزنطيّ «3» من حيث إطلاق المعدن و إطلاق الإخراجات و إطلاق المخرج المالك من حيث الوحدة و التعدّد- أي الأخذ بالإطلاق في جميع ذلك- مقطوع العدم، إذ مقتضى ذلك: لغويّة النصاب المذكور، فإنّ الخارج من جنس المعدن الصادق على المتعدّد أيضا بالغ في دار الوجود حدّ النصاب، فلا بدّ من اعتبار وحدة إمّا في المعدن أو في الإخراجات أو في المخرج، فنقول: يمكن أن يدّعى- بعد اعتبار الوحدة- أنّها معتبرة في جانب المالك، لما تقدّم من الأمرين، فإنّ إنكار الظهور في‌

______________________________
(1) المتقدّم في ص 47.

(2) الوسائل: ج 6 ص 342 الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) المتقدّم في ص 47.

52
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثالثة حكم ما إذا تعدد المستخرج و بلغ المجموع النصاب ص 50

..........

ذلك بدوا لا ينافي الظهور في ذلك بعد لزوم اعتبار الوحدة في الجملة.

و إن أبيت عن ذلك فلا شبهة- كما تقدّم- في عدم الظهور في الإطلاق من حيث المالك المخرج للمعدن، لما تقدّم من الأمرين، فمقتضى القاعدة: حفظ إطلاق المعدن بعد وضوح عدم ملاحظة الوحدة في الإخراجات، للزوم عدم تعلّق الخمس بمثل الملح من المعادن الرخيصة أصلا، فمقتضى الإطلاق من حيث المعدن و من حيث الإخراجات و عدم ظهور في الإطلاق في ناحية المتملّك للمعدن بالإخراج: تعيّن أن يكون الوحدة من تلك الجهة، حفظا لإطلاق المعدن غير المعارض لإطلاق المخرج.

و إن أبيت عن ذلك أيضا فلا مانع من الرجوع إلى البراءة لمن أخرج من المعدن أقلّ من النصاب و كان ما أخرجه مع انضمامه إلى غيره بالغا حدّ النصاب، و ذلك لعدم ظهور في إطلاق الخمس بعد فرض لزوم التخصيص بصحيح البزنطيّ و لزوم اعتبار الوحدة.

نعم، لو كان هذا الشخص مخرجا من معدنين بمقدار النصاب يحصل له العلم الإجماليّ بلزوم الخمس عليه، فإنّه إن كانت الوحدة المعتبرة هي المعتبرة من حيث المعدن وجب عليه الخمس بالاعتبار الأوّل، و إن كانت هي المعتبرة من حيث المالك وجب عليه الخمس بالاعتبار الثاني.

هذا في الفرض الثالث المذكور بقولنا: «و إن أبيت عن ذلك أيضا.»، و إلّا فالمسألة واضحة بحمده تعالى، و مقتضى ذلك عدم لزوم الخمس في ما ذكر في المتن.

و أمّا صورة الشركة فالظاهر كفاية بلوغ مجموع السهام كما يجي‌ء إن شاء اللّه.

53
کتاب الخمس (للحائري)

حكم ما إذا اشترك جماعة في استخراج المعدن ص 54

 

[حكم ما إذا اشترك جماعة في استخراج المعدن]

و أمّا إذا اشترك جماعة في استخراج المعدن فالظاهر كفاية بلوغ مجموع السهام حدّ النصاب (1).

المسألة الرابعة [حكم ما إذا استخرج من معدنين أو نوعين من معدن واحد]

إذا استخرج بحدّ النصاب من معدنين أو أزيد فالظاهر وجوب الخمس (2). و أولى بذلك ما استخرج من معدن واحد و كان نوعين (3).

كما في الجواهر: هو أحوط إن لم يكن أولى «1». و هو الذي اختاره قدّس سرّه في العروة الوثقى «2». و في مصباح الفقيه نقل استظهاره من الصحيح المذكور «3» عن الشيخ الأنصاريّ قدّس سرّه «4».

و الوجه في ذلك بناء على التحقيق المتقدّم أنّ الوحدة المالكيّة الأعمّ من الشخصيّة و الاشتراكيّة هي القدر المتيقّن، و في غيره يرجع إلى إطلاق الصحيح و إطلاق دليل الخمس. فافهم و تأمّل فإنّه لا يخلو عن الدقّة.

كما في الجواهر عن الأستاذ في كشفه تبعا للشهيد في المسالك و سبطه في المدارك قدّس اللّه أسرارهم «5».

و ذلك لما تقدّم من أنّ موضوع الصحيح «6» هو جنس المعدن، فيصدق على ما استخرج من معادن متعدّدة بحدّ النصاب أنّه بلغ عشرين دينارا، و الانصراف إلى المعدن الواحد خلاف الإطلاق، و قد عرفت أنّ اعتبار الوحدة في المخرج كاف في رفع غائلة الإطلاق من جميع الجهات.

قال في الجواهر:

إنّه لا إشكال في ذلك و إنّه يكفي بلوغ المجموع حدّ النصاب كما صرّح بذلك في المنتهى «7».

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 20.

(2) في كتاب الخمس، الفصل الأوّل.

(3) المتقدّم في ص 47.

(4) مصباح الفقيه: ج 3 ص 113.

(5) الجواهر: ج 16 ص 20.

(6) المتقدّم في ص 47.

(7) الجواهر: ج 16 ص 20.

 

54
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الخامسة إذا بلغ حد النصاب يجب فيه الخمس و في ما زاد ص 55

المسألة الخامسة [إذا بلغ حدّ النصاب يجب فيه الخمس و في ما زاد]

الظاهر كفاية بلوغ (1) كلّ معدن عشرين دينارا من حيث القيمة. من غير فرق بين الذهب و الفضّة و غيرهما، و من و وجهه واضح.

و خلافه منسوب إلى بعض الجمهور «1».

و لعلّ الوجه في ذلك أنّ المعدن يطلق على الحالّ نوعا و إن كان اسما في الأصل للمحلّ، مع دعوى الانصراف إلى الوحدة في الموضوع.

و الإنصاف أنّه غير واضح في مثل قوله في صحيح البزنطيّ «2»: «سألته عمّا أخرج المعدن»، بل استعماله فيه في المحلّ أوضح، مع أنّه قد عرفت ما في حديث الوحدة من حلّ ذلك بحمده تعالى.

لظاهر الصحيح المذكور «3» من جهة أنّ قوله «عشرين دينارا» يكون بدلا عن قوله: «ما يكون في مثله الزكاة»، فهو عرفا بمنزلة التفسير و ليس من باب المثال، و إلّا لصار من المجملات، كيف؟ و نصاب الفضّة مائتا درهم و نصاب الغلّات ما يزيد على مائتي منّ فيصير نصاب الملح مجهولا و أنّه هل هو بمقدار نصاب الغلّات؟ و لنصاب الأنعام أيضا حدّ آخر قابل للملاحظة من حيث القيمة مثلا، و لعلّه واضح بعد التأمّل.

و الداعي إلى التعرّض ما ذكره بعض علماء العصر قدّس سرّه- في تعليقه على العروة- من أنّ الأحوط رعاية كلّ من نصابي الذهب و الفضّة في معدنهما، و رعاية أقلّ القيمتين في غيرهما من سائر المعادن.

مع ما فيه أوّلا من أنّه لا وجه لمراعاة نصاب الفضّة في الفضّة و الذهب في الذهب، بل لا بدّ من مراعاة أقلّ القيمتين على الاحتياط المشار إليه.

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 20.

(2) المتقدّم في ص 47.

(3) المتقدّم في ص 47.

55
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السادسة حكم أداء الخمس من تراب المعدن ص 56

المعلوم أنّه بعد إحراز النصاب المزبور يجب الخمس فيه و في ما زاد و إن قلّ (1).

المسألة السادسة [حكم أداء الخمس من تراب المعدن]

لا يجزي في الخمس إخراج تراب المعدن لجواز نقصانه في الجواهر، أمّا لو علم بالاشتمال عليه فالظاهر إجزاؤه (2).

و ثانيا أنّه في غيرهما و فيهما يتمشّى احتمال ملاحظة نصاب سائر الأجناس الزكويّة. و الحلّ ما ذكر، و اللّه الموفّق.

كما في الجواهر بعين الألفاظ المذكورة في المتن «1»، إذ ليس الموضوع للخمس خصوص ما كانت قيمته عشرين دينارا، بل الموضوع: البالغ للقيمة المذكورة، فإنّه لو كان الموضوع كلّ عشرين دينارا فالموضوع عامّ أفراده المبلغ المذكور بحدّه من غير زيادة و لا نقيصة، و أمّا إذا كان لسان الدليل المال البالغ لذلك فهو ظاهر أو صريح في أنّ الملاك هو الوصول إلى الحدّ المذكور، و ليس لعدم التجاوز عنه دخل في الحكم، بل و كذا لو كان مفاده وجوب الخمس في ما يكون عشرين دينارا، فإنّ الظاهر منه أنّ المقصود أنّه كان كذلك بحسب الحدّ الأقلّ، بخلاف ما إذا كان لسان الدليل وجوب الخمس في كلّ عشرين دينارا. نعم، لفظ البلوغ أظهر في أنّ الملاك هو الوصول إلى العشرين و ليس الشرط عدم الزيادة عليها.

كما في الجواهر عن المسالك و المدارك، لكن قد أشكل في ذلك ثمّ أمر بالتأمّل «2».

و لعلّ التحقيق أن يقال: إنّ هنا وجوها و مسألتين:

فإنّه قد يمكن أن يقال بصدق المعدن على الخليط، لأنّ الخليط ذو قيمة (كما‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 21.

(2) الجواهر: ج 16 ص 21.

56
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السادسة حكم أداء الخمس من تراب المعدن ص 56

..........

في الحنطة المخلوطة أو الخلّ المخلوط) و أنّ المعدن- كما تقدّم- «1» «كلّ ما خرج من الأرض و له قيمة» و يصدق ذلك على الخليط، و أمّا قيد «أن لا يكون من الأرض» فهو غير واضح كما مرّ، مع أنّ الخليط بما هو خليط غيرها.

و مقتضى ذلك تعلّق الخمس بالخليط إذا بلغ قيمته النصاب، و جواز إخراج الخمس من الخليط و إن احتمل عدم الاشتمال على الجوهر.

لكنّه مقطوع العدم (و إن كان يظهر احتمال ذلك عن بعض محشّي العروة، لأنّه جعل عدم كفاية إعطاء الخمس من التراب مع عدم العلم بالتساوي موردا للاحتياط و لم يحكم بعدم الإجزاء)، و ذلك لأنّ «التراب» من الأرض أوّلا، و ثانيا أنّه ليس له قيمة مستقرّة، بل قيمتها من جهة الخلط بالجوهر، فصار موجبا لنقصان قيمته، و إذا امتاز عنه لا يكون له قيمة، فلا شبهة في عدم صدق المعدن أو الجوهر على التراب المخلوط.

و قد يمكن أن يقال- كما قيل- بأنّ مقتضى خبر زرارة المتقدّم «2» «ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج اللّه سبحانه منه من حجارته مصفّى الخمس»: اشتراط التصفية في التعلّق.

و مقتضى ذلك عدم تعلّق الخمس بالخارج من تراب المعدن بلغ قيمته ما بلغ، فلا يجزي إعطاء المخلوط من باب عدم تعلّق الخمس. و لو فرض التصفية بمقدار النصاب فجواز الإعطاء من المخلوط مبنيّ على جواز إعطاء جنس آخر بدلا عن الخمس و عدم جوازه، و عليه بنى بعض آخر من المحشّين الإشكال في جواز ذلك إلّا مع التصالح للحاكم الشرعيّ بذلك.

______________________________
(1) في ص 44.

(2) في ص 42.

57
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السادسة حكم أداء الخمس من تراب المعدن ص 56

..........

و يمكن الاستدلال لهذا الوجه- مضافا إلى الصحيح المذكور «1»- بعدم صدق الإخراج، فإنّ الجواهر بعد في محلّه الذي هو التراب، فإنّ المقصود بالإخراج ليس الإخراج من تحت الأرض، و إلّا لم يصدق الإخراج على الملح أصلا، بل المقصود هو الإخراج من محلّه، و محلّ الذهب مثلا هو التراب المخلوط به، فبعد لم يخرج من محلّه.

فمستند ذلك الوجه أمران: أحدهما: الصحيح، «2» و ثانيهما: عدم صدق الإخراج.

و كلاهما مردودان:

أمّا الأوّل فلأنّ فيه ثلاثة وجوه:

الأوّل: أن يكون المقصود أنّ الخمس بعد المئونة و المصارف- كما نقلناه سابقا «3» عن الوافي- و هو بعيد جدّا، إذ لم يعهد استعمال مادّة التصفية في استثناء المئونة.

الثاني: ما يكون مبني الوجه المتقدّم، و هو أيضا بعيد، لقوّة احتمال أن يكون كلمة «مصفّى» بيان لقوله «من حجارته»، مع أنّ دخالة التصفية في التعلّق من دون تأثير في حقيقة الجوهر بعيد بحسب الاعتبار، مع أنّ مقتضى ذلك إلغاء الخمس في جلّ المعادن، فإنّه يبيعه المستخرج و ليس عليه الخمس، و المشتري ليس عليه الخمس أيضا، لعدم تملّكه بالاستخراج- كما في مصباح الفقيه «4»- و إن كان في ذلك تأمّل.

الثالث: أن يكون المقصود تعلّق الخمس بالذهب مثلا خالصا و عدم تعلّقه بالتراب.

و أمّا الثاني و هو عدم صدق الإخراج فممنوع، فإنّه قد اخرج من محلّه الأصليّ،

______________________________
(1) في ص 42.

(2) في ص 42.

(3) في ص 43.

(4) ج 3 ص 113- 114.

58
کتاب الخمس (للحائري)

حكم ما إذا تصرف في جوهر المعدن بما يزيد في قيمته ص 59

[حكم ما إذا تصرّف في جوهر المعدن بما يزيد في قيمته]

و لو جعل الجوهر قبل تعلّق الخمس حليّا أو دراهم- مثلا- ممّا يزيد في قيمته (1) أو بيع قبل ذلك فربح أو تصرّف فيه بذلك- مثلا- أو بالبيع بعد تعلّق الخمس فحيث إنّ كلّ تلك الفروع الأربعة من كلّيّات باب الخمس يذكر ذلك إن شاء اللّه في المسائل المشتركة بين أقسام الخمس، و هو الموفّق.

و أمّا الإخراج من التراب فلا دليل عليه، و على فرض الشكّ يرجع إلى إطلاق ما دلّ على ثبوت الخمس في المعدن.

بل يمكن أن يقال: إنّ الإخراج ليس شرطا في تعلّق الخمس، فإنّ الخمس متعلّق بالمعدن بشرط إخراج عشرين دينارا منه، فإذا أخرج عشرين دينارا خالصا و مصفّى فالخمس في الكلّ فيجوز الإعطاء من غير المصفّى.

بل يمكن أن يقال: إنّ الخمس متعلّق بالمعدن من غير اشتراط، و الاشتراط بالإخراج و النصاب من حيث وجوب الأداء على المستخرج فافهم و تأمّل.

و قد تحقّق من ذلك قرب ما في المتن الذي هو موافق للعروة الوثقى أيضا.

في الجواهر كما في المدارك:

و لو لم يخرج الجوهر من المعدن حتّى عمله دراهم أو دنانير أو حليّا أو نحو ذلك من الآلات فزادت قيمته اعتبر في الأصل- الذي هو المادّة- الخمس «1». انتهى.

و في المثال مناقشة جدّا، فإنّ الخروج عن محلّه للاستفادة منه بجعله دراهم و حليّا كاف في صدق الخروج و الإخراج، إذ ليس المقصود هو الإخراج من تحت الأرض، و إن شكّ في ذلك فيكفي الإطلاق في تعلّق الخمس، و المقصود هو‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 21.

59
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السابعة حكم ما لو وجد شي‌ء من المعدنيات مطروحا ص 60

المسألة السابعة [حكم ما لو وجد شي‌ء من المعدنيّات مطروحا]

لو وجد شي‌ء من المعدنيّات مطروحا في الصحراء و لم يتصرّف فيه فلا شي‌ء عليه مطلقا (1).

و لو أخذه و كان قاطعاً بالإباحة و لو من باب القطع بالإعراض، أو كان مسبوقا بالإباحة و شكّ في طروّ الملكيّة و الحيازة و قصد بذلك التملّك فلا إشكال في وجوب الخمس إذا كان بالغا حدّ النصاب (2).

إيجاد صفة في الجوهر قبل تعلّق الخمس.

و الأولى ما ذكرناه في المتن.

أي سواء علم بكونه مملوكا لإنسان أخرج خمسه أو لم يخرج خمسة، أو شكّ في ذلك، أو علم بأنّه ليس ذلك بفعل الإنسان، أو شكّ في كون الإخراج بفعل الإنسان أو غيره، لأنّه على فرض صدق الغنيمة في صورة القطع بعدم كون ذلك من فعل الإنسان أو في صورة الشكّ في ذلك أو في صورة القطع بذلك مع الشكّ في قصد التملّك و الحيازة فلا دليل على وجوب الخمس على من اغتنم مالا من دون أن يتصرّف فيه أصلا، و مقتضى الدليل هو وجود الخمس فيه، لا وجوب الخمس على المغتنم.

و ممّا ذكرنا يظهر أنّه لو كان المعدن في ملك مالك فأخرجه غاصب و لم يجعله تحت تسلّط المالك فلا خمس عليه و إن كان ملكا له، بل هو أولى بعدم وجوب الخمس عليه، لأنّ صدق الغنيمة في المقام لعلّه أقرب، بل لو صدقت الغنيمة قطعا بأن أخرجه الغاصب مثلا و أودعه في محلّ لا يمكن للمالك التصرّف فيه إلّا بعد مضيّ حول أو أحوال فالدليل لا يقتضي وجوب الخمس عليه، فإنّ وجوب الخمس في الغنيمة غير وجوبه على المغتنم، فليتأمّل.

إذ لا وجه لصرف النظر عن إطلاق كون الخمس في المعدن، أو في ما أخرج المعدن- كما في السؤال الوارد في صحيح البزنطيّ: سألت أبا الحسن عليه السّلام عمّا‌

60
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السابعة حكم ما لو وجد شي‌ء من المعدنيات مطروحا ص 60

و كذا إن لم يقصد التملّك بل قصد التصرّف فيه و اقتناءه و الاستفادة منه (1).

و أمّا لو أخذه لا بقصد التملّك و لا بقصد الاقتناء و التصرّف فيه و جعله تحت يده- كما لو كان بقصد الرؤية- ثمّ وضعه في محلّه مثلا أخرج المعدن من قليل أو كثير. «1» إلّا قوله عليه السّلام في خبر عمّار:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «في ما يخرج من المعادن.» «2».

و الإخراج ظاهر في الاستناد إلى الفاعل المختار، و أمّا الخروج بواسطة الزلزلة أو السيل بل بواسطة الحيوان فلا يطلق عليه الإخراج.

و هو مدفوع أوّلا بصدق الإخراج و لو لم يكن مستندا إلى ذي شعور و اختيار، كما تقدّم في صحيح البزنطيّ المتقدّم «3».

و ثانيا يحتمل أن يكون الرواية بصيغة المعلوم الثلاثيّ اللازم، المنطبق على المورد.

و ثالثا أنّ ذلك من باب الغالب، و ليس في مقام المفهوم من جميع الجهات أي من حيث دخالة عنوان الخروج و من حيث دخالة كون الخروج مستندا إلى شي‌ء، لا بنفسه- كفوران النفط مثلا- و من حيث استناد الإخراج إلى الفاعل المختار، بحيث يكون ذلك بمنزلة ثلاث قضايا شرطيّة ذات مفهوم، كما لا يخفى، فالمسألة واضحة بحمده تعالى.

و ذلك لصدق الغنيمة عليه، و إطلاق الخمس في ما خرج من المعدن و لو لم يتملّك أصلا، كما يأتي إن شاء اللّه «4» و قد مرّت الإشارة إليه.

______________________________
(1) المتقدّم في ص 47.

(2) الوسائل: ج 6 ص 344 ح 6 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) المتقدّم في ص 47.

(4) في الصفحة الآتية.

61
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السابعة حكم ما لو وجد شي‌ء من المعدنيات مطروحا ص 60

ففي وجوب الخمس عليه إشكال و إن كان مقتضى الدليل وجوبه (1).

و إذا أخذه و كان قاطعاً بكونه ملكا للغير أو كانت ملكيّته له أمّا الإشكال فلعدم صدق الغنيمة بصرف الأخذ مع اشتراط صدق الغنيمة في الخمس.

و الظاهر هو الوجوب كما في المتن، لإطلاق وجود الخمس في ما أخرج المعدن، و لوجوب أداء مال الغير إليه، فإنّه «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» «1».

لا يقال لا تصدق الغنيمة على ذلك.

فإنّه يقال أوّلا: نمنع عدم صدق الغنيمة عليه.

و ثانيا: إنّ الخمس لا يحتاج إلى صدق الغنيمة، فإنّ الآية تدلّ على وجود الخمس في الغنائم، لا على الانحصار بذلك.

و أمّا خبر عبد اللّه بن سنان: «ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصّة» «2» و قريب منه ما عن العيّاشيّ عن سماعة «3»، فإمّا محمول على التقيّة بكون المراد به غنائم دار الحرب فيكون موافقا للمشهور بين العامّة، أو يكون المقصود أنّ الخمس ليس مثل الزكاة حتّى يكون في ما يحتاج إليه الإنسان في ضرورة معاشه فيكون الحصر إضافيّا، أو يحمل على ما يكون غنيمة بالذات.

و ثالثا: إنّ احتمال صدق الغنيمة كاف في عدم اقتضاء الإطلاق خلاف ما يقتضيه إطلاق تعلّق الخمس بالمعدن الخارج عن تحت الأرض الثابت في اليد.

و في الفرضين مخيّر بين أداء العين أو القيمة، لأنّه أوّل من وجب عليه الخمس و هو مخيّر بين الأمرين فتأمّل.

______________________________
(1) المستدرك: ج 14 ص 7 ح 12 من ب 1 من أبواب كتاب الوديعة.

(2) الوسائل: ج 6 ص 338 ح 1 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) المصدر: ص 342 ح 15.

62
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السابعة حكم ما لو وجد شي‌ء من المعدنيات مطروحا ص 60

مستصحبا و كان متعلّقا للخمس فعلا أو كان مسبوقا بذلك و شكّ في الأداء و لم يصدر من المالك الأوّل عمل يحمل على أدائه، فالظاهر وجوب الخمس عليه (1).

و إن أخذه في الفرض المتقدّم و لكن لا يعلم بتعلّق الخمس بذلك بحيث يجب إخراج خمس ذلك المطروح- بأن يكون تعلّق الخمس بنحو الكلّيّ في المعيّن و ليس جميع ما تعلّق به مطروحا فعلا- فلعلّ الظاهر عدم الوجوب (2).

و ذلك لوجود الخمس فيه، و مقتضى وجوب أداء مال الغير: ردّه إلى صاحب الخمس.

لا يقال: حيث كان المالك مخيّرا بين العين و القيمة، و مقتضى تعذّر أحد فردي التخيير تعيّن الآخر فالمتعيّن عليه القيمة، و تعيّن القيمة عليه ينافي لزوم الخمس على من بيده المال.

فإنّه يقال: التعيّن عليه من حيث التكليف المتوجّه إليه، فلا يتخيّر هو بين العين و القيمة، و أمّا من حيث جري اليد الثانية على المال يصير الوجوب كفائيّا فيجب إمّا على المالك القيمة و إمّا على من بيده المال أداء الخمس عينا أو قيمة على إشكال من حيث التخيير بين العين و القيمة، لعدم الدليل الواضح على التخيير بالنسبة إلى اليد الثانية، و لا ولاية لمن بيده المال على الإفراز من العين حتّى يؤدّي عينه، فمقتضى الاحتياط: المعاملة مع صاحب الخمس أو الإفراز بإذن الحاكم.

لأنّه على فرض كون ما خرج مثلا بمقدار النصاب فكون ذلك المطروح متعلّقا للخمس- بمعنى ثبوت حقّ مردّد بين تعلّقه بذلك أو بما بقي بعد ذلك- لا يثبت تعلّق الخمس بذلك المطروح، فمقتضى الأصل: عدم وجوب إخراج خمس هذا الموجود، هذا إذا لم يكن عليه أثر المعاملة. و أمّا إذا كان المعلوم أنّ صاحب المعدن باعه من غيره- كالخاتم المحكوك المعلوم أنّ حكّه ليس من فعل صاحب‌

63
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثامنة عدم تعلق الخمس بمثل المرمر ص 64

المسألة الثامنة [عدم تعلّق الخمس بمثل المرمر]

الظاهر أنّ ما يعدّ من أجزاء الأرض و لا يكون نادر الوجود و كثير القيمة جدّا كالمرمر لا يكون متعلّقا للخمس. (1)

المعدن- فلا ريب أنّ مقتضى أصالة الصحّة في المعاملة و أماريّة اليد هو الملكيّة الطلقيّة للثاني، و إذا كان الاشتراء من الذي لا يعتقد الخمس فهو القدر المتيقّن من أخبار التحليل.

و خلاصة الكلام أنّ هنا أمورا:

الأوّل: عدم وجوب الخمس إذا لم يأخذه أصلا.

الثاني: عدمه أيضا إذا لم يعلم بتعلّق الخمس بهذا المطروح بنحو الإشاعة أو بنحو الكلّيّ في المعيّن في ذاك المطروح، إلّا أنّ الأحوط المصالحة مع وليّ الخمس بشي‌ء، و معاملة المجهول مالكه بالنسبة إلى الباقي خصوصا إذا لم يكن الاشتراء من صاحب المعدن معلوما.

الثالث: وجوب الخمس إذا كان مباحا أو محكوما بها شرعا و أخذ بقصد التملّك أو الاستفادة أو بدون ذلك، على الأقرب.

الرابع: وجوبه أيضا إذا علم بتعلّقه بذلك، لكنّ الأحوط أن يكون إخراج الخمس بإذن الحاكم الشرعيّ أو بالمصالحة مع صاحب الخمس من دون التصرّف في المال، و معاملة المجهول مالكه مع الباقي.

كلّ ذلك في فرض العلم بالخروج عن المعدن بمقدار النصاب.

لما تقدّم «1» من تعريف المعدن ب‍ «ما يخرج من الأرض ممّا له قيمة و كان غيرها». و إن كان المعدن مطلق ما له قيمة ممتازة عن سائر تراب الأرض لكان حجارة الرحى و التراب الأحمر و الجصّ و النورة و طين الغسل بل و ما يؤخذ و يجعل ظروفا و أواني بل و التربة الحسينيّة من المعادن، و ذلك ممّا لا يساعده العرف.

______________________________
(1) في ص 44.

64
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة التاسعة حكم القليل من المعدن المنقطع بعد الإخراج بمقدار النصاب ص 65

و أمّا الفيروزج فالظاهر صدق المعدن عليه (1).

و لا فرق بين القليل و الكثير (2).

المسألة التاسعة [حكم القليل من المعدن المنقطع بعد الإخراج بمقدار النصاب]

الظاهر أنّ القليل من المعدن المنقطع بعد الإخراج بمقدار النصاب متعلّق للخمس أيضا (3).

المسألة العاشرة [لا فرق في المستخرج بين المسلم و الكافر]

لا فرق بين المسلم و الكافر إذا كان المعدن مستخرجا من الأرض المملوكة لهما (4).

فإنّه و إن كان مثل المرمر لأنّه حجر ممتاز، لكنّه لشدّة ظرافته و علوّ قيمته يعدّ من جنس الفلزّات أو البلّور عرفا.

و إن نقل قدّس سرّه في الجواهر عن أستاذه الإشكال في القليل المستنبط بمقدار النصاب، المنقطع بعد ذلك «1» و لكنّ الأقوى وجوبه، للإطلاق كما في الجواهر «2».

و الانصراف ممنوع، مع إمكان أن يقال: إنّه داخل في إطلاق الغنيمة، و استثناء مئونة الشخص و عياله مخصوص بأرباح المكاسب.

و للكلام محلّ آخر ربّما يأتي تنقيح الحقّ فيه بعونه تعالى إن شاء اللّه.

لما تقدّم في التعليق السابق.

و ذلك لإطلاق أداء الخمس في المعادن.

و ما يمكن أن يتوهّم وجها لعدم الخمس عليه أمور كلّها مدفوعة:

منها: عدم تكليف الكفّار بالفروع كما عن صاحب الحدائق و المحدّث الكاشانيّ و عن الأسترآباديّ، خلافا لغيرهم من علماء الخاصّة و العامّة إلّا أبي حنيفة كما في مصباح الفقيه «3» و غيره.

و فيه أوّلا: أنّ مقتضى كثير من الإطلاقات هو العموم. و ما فيه التقييد بالمؤمن فلا يكون مقيّدا، لظهور الفائدة في القيد، لأنّه الذي يصلح أن ينبعث نحو الفعل.

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 23.

(2) الجواهر: ج 16 ص 23.

(3) ج 1 «الطهارة» ص 227.

65
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة العاشرة لا فرق في المستخرج بين المسلم و الكافر ص 65

..........

و ثانيا: أنّه قد ورد في خصوص الزكاة قوله تعالى وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ. الَّذِينَ لٰا يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كٰافِرُونَ، «1» و لا فرق بين الخمس و الزكاة قطعا.

و ثالثا: أنّ مقتضى غير واحد من الإطلاقات: ثبوت الحقّ، و هو غير التكليف، و أثره جواز التقاصّ عنهم لصاحب الخمس مثلا.

و منها: عدم تملّك الكافر للمعدن من جهة احتمال كون المعدن بنفسه من الموات الّتي تكون للإمام عليه السّلام، كما قال في الجواهر في آخر كلامه:

و لعلّه لأنّه بنفسه في حكم الموات و إن كان في أرض معمورة «2».

و لعلّ ذلك هو الوجه لما في الجواهر عن الشيخ قدّس سرّه و عن ظاهر البيان: من عدم جواز التصرّف في المعدن للكافر «3».

و فيه أوّلا: وضوح عدم صدق المعمورة و الموات إلّا باعتبار سطح الأرض و إلّا كان جوف جميع الأرضين مواتا متعلّقا بالإمام، و هو ضروريّ البطلان.

و ثانيا: أنّ المستفاد من مجموع الروايات أنّ الملاك لملكيّة الإمام عليه السّلام: عدم الربّ للأرض، و المعدن الواقع في المملوكة له ربّ بتبعيّة الأرض.

و منها: أنّ المعادن من الأنفال، و لعلّ ذلك مراد صاحب الجواهر من أنّها بحكم الموات.

و يستدلّ على ذلك بخبر إسحاق بن عمّار، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الأنفال، فقال:

«هي القرى الّتي قد خربت و انجلى أهلها فهي للّه‌

______________________________
(1) سورة فصّلت: 6- 7.

(2) الجواهر: ج 16 ص 24.

(3) الجواهر: ج 16 ص 23.

66
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة العاشرة لا فرق في المستخرج بين المسلم و الكافر ص 65

..........

و للرسول. و ما كان للملوك فهو للإمام. و ما كان من الأرض بخربة لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب و كلّ أرض لا ربّ لها و المعادن منها. و من مات و ليس له مولى فماله من الأنفال» «1».

و خبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام:

قال: «لنا الأنفال». قلت: و ما الأنفال؟ قال: «منها المعادن و الآجام. و كلّ أرض لا ربّ لها.» «2».

و خبر داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

قلت: و ما الأنفال؟ قال: «بطون الأودية و رءوس الجبال و الآجام و المعادن.» «3».

و الجواب عن ذلك بوجوه:

الأوّل: ضعف السند بالإرسال في الخبرين الأخيرين، و ضعف الدلالة في الأوّل، لاحتمال رجوع الضمير إلى الأرض الّتي لا ربّ لها، و نقل أنّ في بعض النسخ «فيها» بدل «منها».

الثاني: عدم ظهورها في المطلوب بقرينة ذكره في طيّ الآجام و رءوس الجبال، فإنّ المقصود منها: ما ليس لها ربّ، فإنّ ماله ربّ من رءوس الجبال و بطون الأودية و الآجام لا يكون من الأنفال عندهم قطعا.

الثالث: أنّه لو فرض الظهور في ذلك فلا ريب أنّه معارض بما ورد في بيان‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 371 ح 20 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(2) الوسائل: ج 6 ص 372 ح 28 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(3) المصدر: ح 32.

67
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة العاشرة لا فرق في المستخرج بين المسلم و الكافر ص 65

..........

تعداد الأنفال بنحو الضابطة الكلّيّة، كخبر حمّاد الطويل:

«و الأنفال كلّ أرض خربة باد أهلها، و كلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و لكن صالحوا صلحا و أعطوا بأيديهم على غير قتال، و له رءوس الجبال و بطون الأودية و الآجام و كلّ أرض ميتة لا ربّ لها» إلى قوله: «و هو وارث من لا وارث له» «1».

الرابع: أنّه على فرض كونها من الأنفال فلا ريب في أنّ ما ثبت به الإذن في الاستخراج للمسلم- من دليل ثبوت الخمس، الظاهر أو الصريح في أنّ غيره للمخرج- يشمل الكافر أيضا، و القدر المتيقّن من إطلاقه: الأرض المملوكة.

و منها: عدم معهوديّة أخذ الخمس و الزكاة من الكفّار في بلد الإسلام.

و فيه: أنّ ذلك لعلّه من باب عدم معهوديّة أخذ الخمس في عصري الرسول و الوليّ من أرباح التجارات و الزراعات، من باب أنّ أمر ذلك إلى الوالي، و ليس الخمس و الزكاة كالصلاة الّتي لا يتغيّر وجوبها بالنسبة إلى الحالات و الطوائف، أو من باب عدم لزوم ذلك على الوالي، أو من باب عدم جوازه له كما نبيّن وجهه، و هذا غير عدم ثبوت الخمس في مالهم، كما أنّه لا يجب على الوالي أو لا يجوز له إجبارهم على التحرّز عن شرب الخمر و لحم الخنزير، و هذا غير حرمة ذلك عليهم.

و منها: مفروغيّة ثبوت العباديّة للخمس و لزوم وقوعه في الخارج على وجه العبادة، و عدم تمكّن الكافر من ذلك، و الإجبار لا يصحّحه، لعدم وقوعه على وجه يصحّ أن يقع عبادة عنه- و لو بقصد النيابة عنه كما في الممتنع المسلم- و أخذ وليّ الخمس منه مع هذا الوصف غير جائز. فهو في حكم عدم لزوم الخمس عليه، لأنّه‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 365 ح 4 من ب 1 من أبواب الأنفال.

68
کتاب الخمس (للحائري)

الظاهر أنه ليس للحاكم إجبار الذمي بالخمس ص 69

[الظاهر أنّه ليس للحاكم إجبار الذمّيّ بالخمس]

لكنّ الظاهر أنّه ليس للحاكم إجبار الذمّيّ بل و لا المعاهد على أدائه (1).

لا أثر له إلّا ثبوت العقوبة، بل لعلّ لازم ذلك عدم الوجوب عليه من باب أنّه لا يصحّ منه حال الكفر، و إن أسلم لا يجب عليه، فإنّ الإسلام يجبّ ما قبله، لكن ذلك مدفوع بأنّ الجبّ عنه مع وجود عينه ممنوع، بل لعلّه لا تأثير للتلف أيضا، لثبوت التخيير بين العين و القيمة من أوّل الأمر، فلم يفت عنه إلّا لزوم التعجيل.

و الجواب عن ذلك عدم الدليل على عباديّة الزكاة- كما اعترفوا به- إلّا الإجماع و إطلاق مثل «إنّما الأعمال بالنيّات» «1» فكيف بالخمس الذي قلّ المصرّح باعتبارها فيه «2» كما في الجواهر «3».

و الإطلاقات المذكورة مخدوشة- كما ذكرناه في كتاب مباني الأحكام- و إلّا لزوم التخصيص الكثير المستهجن، و هي معارضة بإطلاق نفس أدلّة الباب.

و الإجماع المذكور غير ثابت في الخمس، بل لعلّ السكوت دليل على عدم اللزوم، بل لعلّ حرمة التصدّق على بني هاشم تدلّ على عدم اعتبار قصد التقرّب، لأنّه ليست الصدقة عرفا إلّا الإنفاق بقصد التقرّب، و على فرض عباديّة الخمس فلا دليل على عباديّته في ما على الكافر، كيف؟! و قد صرّحوا كما في الجواهر عن البيان في الخمس في أرض الذمّيّ بعدم لزوم النيّة فيه، قال:

و لا يشترط فيها النصاب و لا الحول و لا النيّة «4».

و حينئذ فمقتضى الإطلاق وجوب الخمس على الكافر في المعدن المستخرج من ملكه.

و قد صرّح بذلك السيّد الطباطبائيّ البروجرديّ قدّس سرّه في تعليقه لكن بالنسبة‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 1 ص 34 ح 7 و 10 من ب 5 من أبواب مقدّمة العبادات.

(2) قد رأيت في كشف الغطاء- ص 363- التعرّض له و الحكم بوجوب النيّة- القربة- في الخمس (منه قدّس سرّه).

(3) ج 15 ص 472.

(4) الجواهر: ج 16 ص 69.

69
کتاب الخمس (للحائري)

لزوم أخذ الخمس من الحربي على الأحوط ص 70

[لزوم أخذ الخمس من الحربيّ على الأحوط]

و أمّا الحربيّ فالظاهر وجوب الخمس عليه و وجوب أخذ الحاكم منه على فرض الامتناع إن تمكّن من ذلك و لم يكن فيه مفسدة، على إلى الذمّيّ، فعلّق على العروة حيث قال قدّس سرّه في العروة: «و يجوز للحاكم الشرعيّ إجبار الكافر على دفع الخمس ممّا أخرجه» «1» بقوله: «غير الذمّيّ الملتزم بشروط الذمّة».

أقول: في المسألة وجوه:

الأوّل: أنّه يجب عليه الإجبار في صورة الامتناع، من باب الولاية على أرباب الخمس، و إلّا فذلك يعدّ خيانة بالنسبة إليهم، كمتولّي الوقف المسامح في الأخذ و الصرف في المصرف.

الثاني: أنّه يجوز له الإجبار، من باب أنّه إن أخذ منهم فقد أخذ ما هو حقّه، و إلّا فلم يفعل حراما، لضرورة عدم لزوم إجبار أهل الذمّة بالشهادتين فكيف بالخمس! فليس الخمس أهمّ من الشهادتين.

الثالث: عدم الجواز و إن كان يجب الخمس عليهم، لأنّه لو لا ذلك لم يكن فرق بين الحربيّ و الذمّيّ، فإنّ مقتضى قبول الذمّة منهم و تخييرهم بين الإسلام و الذمّة: عدم حقّ للحاكم في إجبارهم و إلّا قام الحرب، فإنّ جواز الإجبار هو عبارة أخرى عن جواز التخيير بين الأمرين إمّا الحرب و إمّا الإسلام.

و من ذلك يظهر الكلام في المعاهد و أنّ مقتضى قبول الكافر من دون الإجبار على الإسلام: أنّه مأمون من الإجبار على الإسلام، و لازم ذلك: عدم حقّ الإجبار على الإسلام الذي من فروعه الخمس، كما أنّه ليس له إجبارهم على ترك لحم الخنزير مثلا و إن كان تكليفهم التجنّب، و لازم ذلك: جواز التقاصّ منهم و جواز الأخذ منهم بعنوان الخمس.

______________________________
(1) العروة الوثقى: كتاب الخمس، الفصل الأوّل.

70
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الحادية عشر حكم استخراج المعدن من الموات ص 71

الأحوط (1).

المسألة الحادية عشر [حكم استخراج المعدن من الموات]

الظاهر جواز إخراج المعدن للمسلم من الموات و عليه الخمس، من غير فرق بين المعادن الظاهرة و الباطنة (2).

لما تقدّم- في الوجه الأوّل من الوجوه المذكورة في الفرع السابق- من أنّ ذلك مقتضى الولاية على الخمس و حفظ منافع من له الولاية عليه.

أمّا المعادن الظاهرة فلما في الجواهر من أنّ:

المشهور نقلا و تحصيلا على أنّ الناس فيها شرع سواء، بل قيل: إنّه يلوح من محكيّ المبسوط نفي الخلاف فيه، مضافا إلى السيرة المستمرّة في سائر الأعصار و الأمصار- حتّى في زمان تسلّطهم عليهم السّلام- على الأخذ منها بلا إذن، حتّى في الموات و المفتوحة عنوة، و لقوله تعالى خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً «1»، و لشدّة حاجة الناس إلى بعضها المتوقّف عليه معاشهم، و في خبر أبي البختريّ: «لا يحلّ منع الملح و النار «2»» «3». انتهى ملخّصا.

و لا يخفى أنّ موضوع كلام صاحب الجواهر: المعادن الظاهرة، لأنّه يقول بعد عشر و نيّف سطرا: «هذا كلّه في المعادن الظاهرة». و لكن يظهر من مطاوي كلماته في بعض الفروع الأخر أنّ مقصوده مطلق المعادن.

و لكنّ الإنصاف أنّ السيرة ليست مستقرّة على ذلك في المعادن الباطنة و لا‌

______________________________
(1) سورة البقرة: 29.

(2) الوسائل: ج 17 ص 331 ح 2 من ب 5 من أبواب إحياء الموات.

(3) الجواهر: ج 38 ص 108- 109.

71
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الحادية عشر حكم استخراج المعدن من الموات ص 71

..........

في المعادن الظاهرة الّتي تكون في الأملاك الشخصيّة و تكون ذات قيمة.

و أمّا الملح فمن باب عدم الاعتناء بشأنه أو كونه في أراضي الموات أو المفتوحة عنوة.

و كيف كان، فالظاهر أنّه لا إشكال في المعادن الظاهرة الّتي هي في أرض الموات، لما ذكر، خصوصا إذا أحيا الأرض بالغرس أو البناء أو غيرهما.

و أمّا المعادن الباطنة الّتي فيها فيصدق على الوصول إلى نيلها الإحياء.

قال قدّس سرّه في الشرائع: «فهي تملك بالإحياء» «1». و قال بعد ذلك: «و حقيقة إحيائها أن يبلغ نيلها» «2».

و قال قدّس سرّه في الجواهر بعد العبارة الأولى:

بلا خلاف أجده بين من تعرّض له، كالشيخ و ابني البرّاج و إدريس و الفاضل و الشهيدين و الكركيّ.، بل عن ظاهر المبسوط و المهذّب و السرائر: الإجماع على ذلك، بل الظاهر أنّ الحكم كذلك. و قال قدّس سرّه بعد العبارة الثانية: بلا خلاف أجده «3». انتهى.

فلا إشكال في صدق الإحياء، فما في مصباح الفقيه من أنّ:

عموم قوله صلّى اللّه عليه و آله: «من أحيا أرضا ميتة فهي له» «4» إنّما يجدي في ما لو أحيا أرضا مشتملة على معدن يتبعها في الملكيّة «5».

______________________________
(1) الشرائع: ج 4 ص 796.

(2) الشرائع: ج 4 ص 796.

(3) الجواهر: ج 38 ص 110- 112.

(4) الوسائل: ج 17 ص 327 ح 5 و 6 من ب 1 من أبواب إحياء الموات، و ص 328 الباب 2 من أبواب إحياء الموات.

(5) مصباح الفقيه: ج 3 ص 114.

72
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الحادية عشر حكم استخراج المعدن من الموات ص 71

..........

ممّا لا يوافقه كلام الأصحاب الموافق للعرف، فإنّ نفس حفر المعدن من مصاديق الإحياء، كما في جلّ الروايات أو كلّها الواردة في الإحياء «1» و في بعض الروايات: «و أيّما قوم أحيوا شي‌ء من الأرض أو عملوه» «2»، و في بعضها «أو عمروها» «3»، و في خبر السكونيّ: «أو حفر واديا بديّا لم يسبقه إليه أحد» «4»، فلا إشكال في صدق الإحياء و العمل و العمران على ذلك و يتبعه ملكيّة المعدن.

إنّما الإشكال في أنّ مقتضى بعض الروايات: عدم كون الإحياء مملّكا، بل الإحياء مجوّز للتصرّف بمقدار ما يؤكل و يصرف في المئونة، كمصحّح أبي خالد الكابليّ عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:

«وجدنا في كتاب عليّ عليه السّلام إِنَّ الْأَرْضَ لِلّٰهِ يُورِثُهٰا مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ وَ الْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ «5» أنا و أهل بيتي الّذين أورثنا الأرض و نحن المتّقون و الأرض كلّها لنا.

فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها و ليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي و له ما أكل منها، فإن تركها و أخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و أحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، و له ما أكل منها حتّى‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 326، الباب 1 من أبواب إحياء الموات.

(2) الوسائل: ج 17 ص 326، ح 1 و 3 من ب 1 من أبواب إحياء الموات.

(3) الوسائل: ج 17 ص 326، ح 1 و 3 من ب 1 من أبواب إحياء الموات.

(4) المصدر: ص 328، الباب 2.

(5) سورة الأعراف: 128.

73
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الحادية عشر حكم استخراج المعدن من الموات ص 71

..........

يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف فيحويها و يمنعها و يخرجهم منها كما حواها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و منعها، إلّا ما كان في أيدي شيعتنا، فإنّه يقاطعهم على ما في أيديهم و يترك الأرض في أيديهم» «1».

وجه المنافاة أنّ مقتضى ذلك إعطاء جميع منافعها للإمام إلّا ما أكل منها، فما يخرج من المعادن لا يملكه إلّا بمقدار ما يحتاج إليه و الباقي للإمام، و لازم ذلك:

ثبوت الخمس عليه في مقدار ما يحتاج إلى الصرف.

لكن حيث إنّه مخالف لصريح ما استفاض أو تواتر من دليل الإحياء فلا بدّ من حمله على ما لا ينافيه، بل لا يكون ظاهره مخالفا لما هو مبني المسألة من كون جميع المنافع لمن أحيا الأرض، و ذلك لاحتمال أن يكون المراد من الخراج:

الضريبة الّتي تجعل من طرف الإمام على الأرض من باب الزكاة و الصدقات، و هو أحد معني الخراج كما في مجمع البحرين، و بهذا المعنى يقال: خراج العراقين، و هو الذي يستفاد من صحيح مسمع بن عبد الملك: «فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم»، «2» فإنّ الطسق هو الوظيفة من خراج الأرض المقدّرة عليها، كما في مجمع البحرين عن الجوهريّ و كذا في الوافي «3».

و مقتضى بعضها الآخر عدم كون الإحياء موجبا لتملّك المنافع بالنسبة إلى غير الشيعة من المسلمين، كخبر مسمع بن عبد الملك، قال:

قلت لأبي عبد اللّه: إنّي كنت ولّيت البحرين الغوص (كما في أكثر النسخ) إلى أن قال:

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 329 ح 2 من ب 3 من أبواب إحياء الموات.

(2) الوسائل: ج 6 ص 382 ح 12 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(3) ج 10 ص 287.

74
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الحادية عشر حكم استخراج المعدن من الموات ص 71

..........

«إنّ الأرض كلّها لنا، فما أخرج اللّه منها من شي‌ء فهو لنا» إلى أن قال:

«و كلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون، و محلّل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم (أيدي سواهم) فإنّ كسبهم من الأرض حرام عليهم حتّى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم و يخرجهم منها صغرة» «1».

و هذا الخبر غير مضرّ بالمبحوث عنه في هذا المقام إذا كان المحيي من الشيعة، و ذلك لأنّ عدم مالكيّتهم للأرض غير عدم مالكيّتهم لمنفعة الأرض كالمنافع الأخر المستفادة منها، بل ظاهر الحلّيّة جواز جميع التصرّفات المتوقّفة على الملك في ما يستخرج من الأرض، و أمّا إذا كان المحيي من غيرهم فمقتضى إطلاق ذلك: عدم تملّك المعدن حتّى يجب عليه فيه الخمس، بناء على اشتراط تعلّق الخمس بصدق الغنيمة.

و حيث إنّ الخبر المزبور بظاهره مخالف لغير واحد من الروايات الدالّة على أنّ الأرض لمن أحياها، و على أنّ الكافر أحقّ بالأرض إذا أحياها، و على أنّ المحيي من المسلمين أحقّ بها حتّى يظهر القائم فيأخذ الأرض من أيديهم، و على أنّ هلاك القوم من جهة التصرّف في الخمس الدالّ على حصول باقي المال لهم حتّى كان عليهم الخمس و الدالّ على أنّه ليس عليهم بأس من جهة الباقي- فراجع روايات الباب الرابع من الأنفال «2»- فلا بدّ من توجيه الخبر المزبور إمّا بما أشار إليه في الوسائل بأن يكون المقصود من الأرض هو أرض البحرين، و هو بعيد‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 382 ح 12 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(2) الوسائل: ج 6 ص 378.

75
کتاب الخمس (للحائري)

حكم إخراج المعدن من الأرض المفتوحة عنوة ص 76

[حكم إخراج المعدن من الأرض المفتوحة عنوة]

و أمّا إخراج المعادن من الأراضي المفتوحة عنوة الّتي تكون رقبتها للمسلمين فلا إشكال في الظاهرة منها على الظاهر إذا كان المخرج مسلما (1).

جدّا من سوق الرواية الواردة في مقام بيان مطلب كلّيّ مستمرّ إلى قيام القائم، و إمّا بغير ذلك. و الذي أظنّ في توجيه الخبر الشريف أنّ المقصود من أنّ «الأرض كلّها للإمام» هو الملكيّة الولائيّة، و يكون حرمة ذلك من حيث عدم كونه بإذن وليّ الأمر. و نظير ذلك لتوضيح المرام تصرّف الابن في مال نفسه مع نهي الوالد عن التصرّف الخاصّ، فإنّه لا يكون حراما من حيث التصرّف في مال الغير بل يكون حراما- بناء على وجوب إطاعته و حرمة مخالفته أو في ما كان عقوقا- من جهة ذلك، بخلاف من يتصرّف في مال أبيه من دون رضاه في التصرّف في المال أو من دون رضاه في ذلك التصرّف.

و أمّا إخراجهم فذلك كإخراج الكفّار لا يدلّ على عدم تملّكهم قبل قيام القائم، بل المستفاد من بعض الروايات أنّه يمكن أخذ الأرض من الشيعة أيضا، ففي خبر عمر بن يزيد:

«من أحيا أرضا من المؤمنين فهي له و عليه طسقها يؤدّيه إلى الإمام في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم عليه السّلام فليوطن نفسه على أن تؤخذ منه» «1».

و ملخّص الكلام أنّ من أحيا أرضا من المسلمين بإخراج المعادن الباطنة فعليه الخمس و لو على القول بتوقّف الخمس على ملكيّة ما يخرج من المعدن، و هو العالم.

لما تقدّم «2» ممّا نقلناه عن الجواهر من قيام السيرة القطعيّة على كون الناس‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 382 ح 13 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(2) في ص 71.

76
کتاب الخمس (للحائري)

حكم إخراج المعدن من الأرض المفتوحة عنوة ص 76

و أمّا إخراج المعادن الباطنة منها فلا إشكال للمسلم إذا كان بإذن الحاكم الشرعيّ و السلطان المتولّي للخراج معا إذا كان موجودا، و إلّا فبإذن الحاكم الشرعيّ، و ليس للحاكم الإذن في ذلك إلّا في ما يرى فيه مصلحة المسلمين بإيجاد المعدن و صرف عوضه في المنافع العامّة لهم، و في غير ذلك إشكال (1).

فيها شرع سواء.

وجه عدم الجواز أمران:

أحدهما: دعوى كون المعدن جزء للأرض أو بحكمه، لأنّه من غير المنقول، و كلّ ذلك للمسلمين، و ما يمكن أن يتصرّف فيه و يتملّك منها هو المنافع، كأن يغرس فيها الأشجار أو يزرع الأرض و يتملّك غلّتها، فهو بعينه للمسلمين.

ثانيهما: أنّه على فرض كونه بحكم المنافع فهو أيضا غير واضح في عصر الغيبة، فإنّ الشيخ الأنصاريّ قدّس سرّه ذكر في مكاسبه وجوها خمسة:

الأوّل: عدم جواز التصرّف إلّا بإذن السلطان الذي يحلّ منه أخذ الخراج و المقاسمة.

الثاني: جوازه مطلقا، نظرا إلى ما دلّ على تحليل الأرض مطلقا للشيعة.

الثالث: عدم الجواز إلّا بإذن الحاكم الشرعيّ الذي هو نائب الإمام عليه السّلام.

الرابع: الجواز لمن يحلّ له أخذ الخراج و عدم الجواز لغيره.

الخامس: التفصيل بين ما عرض له الموت فيجوز التصرّف فيها بالإحياء- لإطلاق دليل الإحياء- و بين‌

77
کتاب الخمس (للحائري)

حكم إخراج المعدن من الأرض المفتوحة عنوة ص 76

..........

ما بقي على عمارتها من حين الفتح فلا يجوز التصرّف فيها.

قال بعد ذلك:

أوفقها بالقواعد: الاحتمال الثالث ثمّ الرابع ثمّ الخامس «1».

أقول أوّلا: إنّه قد ظهر ممّا في المتن وجه آخر، و هو عدم الجواز إلّا بالاستيجار من الحاكم و السلطان معا.

و ثانيا: إنّ تحليل الأرض للشيعة لا يدلّ على الجواز المطلق بل الجواز للشيعة.

و ثالثا: إنّ هنا وجوها أخر تستفاد ممّا ذكر، و هي الجواز بإذن الحاكم و السلطان معا، أو كفاية أحدهما، أو كفاية أحد الثلاثة من حلّيّة الخراج له أو إذن الحاكم أو إذن السلطان، أو غير ذلك.

و الظاهر عدم وجه لجواز التصرّف فيه بغير الاستيجار من الحاكم الشرعيّ و السلطان المتولّي للخراج إلّا بعض روايات التحليل، كخبر مسمع بن عبد الملك المتقدّم «2» و خبر عبد اللّه بن سنان «3»، و المنساق من مثل ذلك هو الحلّيّة بالنحو المتعارف المعمول بأن يعطي الخراج المضروب عليها لمن يتولّى الخراج إن كان متولّيا للأمر، و إلّا فبإذن الحاكم الشرعيّ الذي لا يمكن له الإذن إلّا بالاستيجار، لعدم مصلحة للمسلمين في غير ذلك.

و أثر التحليل جواز التصرّف في الأرض مع مراعاة الجهات المتعارفة بحيث لا يحتاج إلى إثبات الولاية للحاكم الشرعيّ، فلا يحتاج إلى أدلّة النيابة و إثبات عمومها.

______________________________
(1) المكاسب: ص 163.

(2) في ص 75.

(3) الوسائل: ج 11 ص 121 ح 3 من ب 72 من أبواب جهاد العدوّ.

78
کتاب الخمس (للحائري)

حكم إخراج الكافر للمعادن من المفتوحة عنوة ص 79

[حكم إخراج الكافر للمعادن من المفتوحة عنوة]

و من ذلك يظهر عدم جواز إخراج المعادن الباطنة من الأرض المفتوحة عنوة للكافر بالأولويّة إلّا بالإيجار المأذون من قبل من له التصرّف فيها.

و مقتضى الاحتياط بالنسبة إلى المعادن الظاهرة أيضا كذلك بالنسبة إلى غير الذمّيّ.

و أمّا الذمّيّ بل المعاهد فالظاهر أنّه بحكم المسلم في ما تقدّم (1).

و أمّا إخراج الكافر المعادن الباطنة من الموات ففيه إشكال (2).

لعموم السيرة المتقدّمة «1» المدّعاة.

وجه الإشكال أنّ تملّك المعدن له إنّما هو من باب الإحياء، و كون إحياء الكافر مملّكا له محلّ إشكال عندهم.

فإنّ المستفاد من الجواهر أنّ:

في التذكرة و جامع المقاصد دعوى الإجماع على الاشتراط المذكور «2».

و جعل في الجواهر مورد الإجماع أنّ حصول الإذن من الإمام في الإحياء لا يكفي في تملّك الكافر بخلاف المسلم.

لكن مع ذلك قال:

التحقيق خلافه، لظهور النصّ و الفتوى في كون الإحياء سببا شرعيّا لحصول الملك. و أمّا الإجماع المزبور فلم نتحقّقه، بل لعلّ المحقّق خلافه، فإنّ المحكيّ صريحا عن المبسوط و الخلاف و السرائر و جامع الشرائع و ظاهر المهذّب و اللمعة و النافع: عدم‌

______________________________
(1) في ص 71.

(2) الجواهر: ج 38 ص 11 و 12.

79
کتاب الخمس (للحائري)

حكم إخراج الكافر للمعادن من المفتوحة عنوة ص 79

..........

اعتبار الإسلام، بل في الخلاف نسبة الخلاف في ذلك إلى الشافعيّ و أنّه الذي قال: لا يجوز للإمام أن يأذن للكافر فيه، و إن أذن فأحيا الأرض لم يملكها. إلى أن قال: إنّ جامع المقاصد (المدّعي للإجماع على اعتبار إسلام المحيي) قال: و هل يملك الكافر بالإحياء في حال الغيبة؟ وجدت في بعض حواشي الشهيد على القواعد أنّه يملك به.

إلى أن قال صاحب الجواهر قدّس سرّه:

فالمتّجه: الملك بالإحياء مطلقا و لو لحصول الإذن منهم عليهم السّلام في ذلك- قال:- و لا فرق في ذلك بين الموات في أرض الإسلام و غيرها خلافا لما يظهر من بعض، و لا بين الذمّيّ و غيره من أقسام الكفّار و إن كان لنا تملّك ما يحييه الحربيّ كباقي أمواله «1». انتهى ملخّصا.

و المقصود من ذلك كلّه: إيضاح كلام الأصحاب رضي اللّه عنهم في هذا المقام و بيان أنّه ليس في البين إجماع يعتمد عليه على اشتراط كون المحيي مسلما، بل مظنّة الإجماع على خلافه، فالمتّبع هو الدليل.

فنقول: مقتضى إطلاق غير واحد من الأخبار: عدم الفرق بين المسلم و الكافر، كصحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام:

قال: «أيّما قوم أحيوا شي‌ء من الأرض أو عمروها فهم أحقّ بها» «2».

______________________________
(1) الجواهر: ج 38 ص 13- 17.

(2) الوسائل: ج 17 ص 326 ح 3 من ب 1 من أبواب إحياء الموات.

80
کتاب الخمس (للحائري)

حكم إخراج الكافر للمعادن من المفتوحة عنوة ص 79

..........

و نحوه ما رواه محمّد بن حمران في الصحيح أو الحسن بزيادة «و هي لهم» «1».

و في الصحيح أو الحسن بإبراهيم عن زرارة و محمّد بن مسلم و أبي بصير و فضيل و بكير و حمران و عبد الرحمن، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام، قالا:

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من أحيا أرضا مواتا فهي له» «2».

إلى غير ذلك «3».

و يدلّ على كفاية إحياء الكافر بالخصوص صحيح محمّد بن مسلم، قال:

سألته عن الشراء من أرض اليهود و النصارى.

فقال: «ليس به بأس قد ظهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على أهل خيبر فخارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملونها و يعمرونها فلا أرى بها بأسا لو أنّك اشتريت منها شي‌ء.

و أيّما قوم أحيوا شي‌ء من الأرض و عملوها فهم أحقّ بها و هي لهم» «4».

و الظاهر أنّ المقصود من قوله «خارجهم» أي صالحهم بجعل خراج و ضريبة عليهم، كما يستفاد من بعض كتب اللغة.

و ما عن الصدوق في الفقيه:

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 326 ح 4 من ب 1 من أبواب إحياء الموات.

(2) المصدر: ص 327 ح 5.

(3) المصدر: ص 326 الباب 1 و ص 328 الباب 2.

(4) الوسائل: ج 11 ص 118 ح 2 من ب 71 من أبواب جهاد العدوّ.

81
کتاب الخمس (للحائري)

حكم إخراج الكافر للمعادن من المفتوحة عنوة ص 79

..........

«قد ظهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على خيبر فخارجهم على أن يكون الأرض في أيديهم يعملون فيها و يعمرونها، و ما بأس لو اشتريت منها شي‌ء.

و أيّما قوم أحيوا شي‌ء من الأرض فعمروه فهم أحقّ به و هو لهم» «1».

و صحيح أبي بصير، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن شراء الأرضين من أهل الذمّة.

فقال: «لا بأس أن يشتريها منهم إذا عملوها و أحيوها فهي لهم، و قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين ظهر على خيبر و فيها اليهود خارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملونها و يعمرونها» «2».

و ما ذكر صريح في أهل الذمّة، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بينهم و بين سائر الكفّار.

و ليس في البين ما ينافي ذلك إلّا صحيح الكابليّ عن أبي جعفر عليه السّلام:

قال: «وجدنا في كتاب عليّ عليه السّلام إِنَّ الْأَرْضَ لِلّٰهِ يُورِثُهٰا مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ وَ الْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ «3» أنا و أهل بيتي الّذين أورثنا الأرض و نحن المتّقون،

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 327 ح 7 من ب 1 من أبواب إحياء الموات.

(2) الوسائل: ج 17 ص 330 ح 1 من ب 4 من أبواب إحياء الموات.

(3) سورة الأعراف: 128.

82
کتاب الخمس (للحائري)

حكم إخراج الكافر للمعادن من المفتوحة عنوة ص 79

..........

و الأرض كلّها لنا.

فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها و ليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي و له ما أكل منها.

فإن تركها و أخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و أحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها».

إلى أن قال:

«كما حواها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و منعها.» «1».

وجه المنافاة هو التقييد بالمسلمين الظاهر في اشتراط كون المحيي مسلما.

و لا ريب أنّ ما تقدّم «2» صريح في كفاية الإحياء من أهل الذمّة فهو مقدّم عليه، مضافا إلى إمكان منع الظهور في التقييد المتقدّم للمفهوم المخالف، لأنّ المفهوم يؤخذ إذا لم يكن نكتة في التقييد، و يمكن أن يكون المقصود عدم الاختصاص بالشيعة في قبال الذيل الدالّ على أنّ القائم عليه السّلام يرجّح الشيعة على غيرهم، فلعلّ المقصود بذلك: التعميم.

و عدم ذكر العموم في هذا المقام إمّا لعدم الابتلاء ببلاد الحرب و كون أهل الذمّة بحكم المسلمين في جميع الأمور، فإنّ مقتضى أخذ الجزية عنهم و مقتضى قبولهم في اجتماع المسلمين: ذلك عرفا، و إمّا لأنّ المقصود من التقييد هو بيان من يؤخذ منه الخراج، و هم يعطون الجزية لا الخراج الذي من قبيل الزكاة.

و الذي يسقطه عن الظهور ذيله المستشهد بفعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و قد تقدّم أنّ‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 329 ح 2 من ب 3 من أبواب إحياء الموات.

(2) في ص 81 و 82.

83
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثانية عشر جواز استيجار الغير لاستخراج المعدن ص 84

المسألة الثانية عشر [جواز استيجار الغير لاستخراج المعدن]

يجوز استيجار الغير لإخراج المعدن في المعادن الظاهرة الّتي تملك بالحيازة و الباطنة الّتي تملك بالوصول إلى نيلها، فيصدق الإحياء فيملكه المستأجر بفعل الأجير، هذا إذا كان مورد الإجارة هو الإخراج في المعادن الباطنة أو الحيازة في الظاهرة بنحو الإطلاق (1).

فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد كان إبقاء الأرض في أيدي الكفّار من غير فرق بين الموات و المحياة.

و من ذلك يظهر الجواب عمّا في المستدرك عن عوالي اللآلئ عنه صلّى اللّه عليه و آله:

«عاديّ الأرض للّه و لرسوله، ثمّ هي لكم منّي.» «1».

و ما في الجواهر عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا:

«موتان الأرض للّه و لرسوله، ثمّ هي لكم منّي أيّها المسلمون» «2».

فإنّ الظاهر أنّه ليس بصدد التقييد، بل من باب أنّ محلّ الابتلاء هم المسلمون لا غيرهم.

و من هذين الخبرين يظهر ما تقدّم سابقا «3» من ملكيّة الإمام للأرض و أنّه من قبيل ملكيّته تعالى، فإنّه جعل ملكيّته صلّى اللّه عليه و آله في سياق ملكيّته تعالى. فافهم و تأمّل.

على ما صرّح به قدّس سرّه في العروة الوثقى «4». و ذلك لأنّ مورد الإجارة إن كان مطلق الإخراج الموجب للتملّك فيملك المستأجر ذلك، و مالكيّة ذلك لا معنى له‌

______________________________
(1) المستدرك: ج 17 ص 112 ح 5 من ب 1 من أبواب إحياء الموات.

(2) الجواهر: ج 38 ص 8.

(3) في ص 15.

(4) في المسألة العاشرة من الفصل الأوّل من كتاب الخمس.

84
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثانية عشر جواز استيجار الغير لاستخراج المعدن ص 84

و أمّا لو كان متعلّق الإجارة النيابة في الإخراج في الباطنة أو الحيازة في الظاهرة- بأن كان الأجير مكلّفا بالإخراج بقصد أن يتملّكه المستأجر- فالظاهر عدم الوقوع له بذلك إلّا إذا قصد بذلك تملّكه (1).

إلّا مالكيّة أثره، و هو ملكيّة المعدن للمستأجر.

و معنى الإطلاق أنّه من غير فرق بين أن يقصد الأجير تملّك نفسه أو تملّك الغير أو لم يقصد تملّكا لنفسه و لغيره أصلا، فإنّه ملك المستأجر عمل الأجير، و عمله عمل المستأجر في اعتبار العرف بلا إشكال و نوى بذلك التملّك إن قلنا إنّه يحتاج إلى ذلك أيضا، و يكون نيّة الأجير لغوا مع فرض عدم كونه مالكا للعمل، إذ صرف النيّة لا يكون مملّكا، و إلّا يكفي ذلك في ما أخرج أحد معدنا و نوى شخص آخر تملّكه من دون استناد الإخراج إليه مباشرة أو تسبيبا، و هو باطل بالضرورة خصوصا إذا نوى المباشر التملّك، فلا يتعارض القصدان.

فيكون مملوك المستأجر حينئذ هو الإخراج على وجه النيابة و بقصد حصول التملّك للمستأجر، لا مطلق الإخراج، فالظاهر حينئذ وقوع الإخراج لنفسه إذا قصد ذلك لكن عصى باعتبار عدم أداء ما جعله المستأجر على ذمّته، و كذا إذا قصد لغيره و لغير المستأجر بإجازته أو فضولة إذا جرت الفضوليّة في ذلك، بل لازم ذلك أنّه لو لم يقصد بذلك تملّك أحد لم يملكه المستأجر بذلك، فلا بدّ لتملّكه من الحيازة، و حينئذ يصير كالعبادات الاستيجاريّة، كما لا يخفى.

و بذلك يظهر ما في إطلاق العروة «1» و ما في تعليق بعض الأعلام عليه من «اشتراط قصد الأجير التملّك للمستأجر مطلقا» و ما في تعليق البعض الآخر من «التفصيل بين كون مورد الإجارة هو المنفعة الشخصيّة فيصحّ و يقع للمستأجر بخلاف ما إذا كان متعلّق الإجارة هو الذمّة»، بل لم نفهم محصّلا للأخير، فإنّ العمل‌

______________________________
(1) في المسألة العاشرة من الفصل الأوّل من كتاب الخمس.

85
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثالثة عشر وجوب الخمس بعد مئونة الإخراج ص 86

المسألة الثالثة عشر [وجوب الخمس بعد مئونة الإخراج]

الخمس يجب بعد إخراج المئونة الّتي يفتقر إليها المعدن من آلات و حفر و سبك و غيره (1) لكن في بعضه إشكال يتّضح بعد ذلك إن شاء اللّه.

غير الموجود في الخارج حين الإجارة كيف يصير شخصيّا! بل مورد الإجارة هو الذمّة مطلقا، إلّا أنّه قد يكون مطلق الإخراج و قد يكون الإخراج على وجه النيابة عن المستأجر.

و ما ذكرناه في المسألة جار في جميع موارد حيازة المباحات من الغوص و الصيد و الاحتطاب و إحياء أراضي الموات بغرس الأشجار و حفر القنوات و غير ذلك، و مقتضى القاعدة ما ذكرناه. و هو العالم بالحقائق.

كما في الجواهر و الشرائع «1»، قال صاحب الجواهر قدّس سرّه:

بلا خلاف أجده كما اعترف به في المفاتيح، بل في المدارك نسبة ما في الشرائع إلى القطع به في كلام الأصحاب، كما أنّه في الخلاف الإجماع عليه، بل يمكن تحصيله في الجميع و إن مرّ الخلاف فيه في الغنيمة «2». انتهى ملخّصا.

أقول: و يدلّ عليه صحيح البزنطيّ، قال:

كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام: الخمس أخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة؟ فكتب: «بعد المئونة» «3».

و ما عن الفقيه بإسناده عن إبراهيم:

إنّ في توقيعات الرضا عليه السّلام إليه: «أنّ الخمس بعد‌

______________________________
(1) شرائع الإسلام: ج 1 ص 133.

(2) الجواهر: ج 16 ص 82.

(3) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 1 من ب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

86
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثالثة عشر وجوب الخمس بعد مئونة الإخراج ص 86

..........

المئونة» «1».

و خبر الأشعريّ، قال:

كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام:

أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و على الصناع؟ و كيف ذلك؟ فكتب بخطّه: «الخمس بعد المئونة» «2».

و الإشكال في السند من جهة الأشعريّ و الإرسال مدفوع:

أمّا الأوّل فالظاهر الوثوق به كما أوضحه المحدّث المحقّق النوريّ في خاتمة المستدرك «3»، و العمدة في ذلك نقل عدّة من الثقات عنه فيهم أحمد بن محمّد بن عيسى المعروف بالدقّة في نقل الحديث من جهة الراوي.

و أمّا الثاني فلأنّ ظاهر الحديث الجزم بصدور كتاب الإمام عليه السّلام و أنّه رآه في ما كتبه عليه السّلام إلى بعض الأصحاب أو كان قاطعاً بذلك.

و معتبر أبي عليّ بن راشد:

قلت له [عليه السّلام]: أمرتني بالقيام بأمرك و أخذ حقّك فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: و أيّ شي‌ء حقّه؟ فلم أدر ما أجيبه. فقال: «يجب عليهم الخمس».

فقلت: ففي أيّ شي‌ء؟ فقال: «في أمتعتهم و صنائعهم (ضياعهم)».

قلت: و التاجر عليه و الصانع بيده؟ فقال: «إذا‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 2 من ب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 1 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) ج 3 من الطبعة الحجريّة ص 841 «الفائدة العاشرة».

87
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة عشرهل يعتبر النصاب قبل المئونة أو بعدها ص 88

المسألة الرابعة عشر: هل يعتبر النصاب قبل المئونة أو بعدها؟

الظاهر هو الأوّل (1).

أمكنهم بعد مؤونتهم» «1».

و الظاهر رجوع الضمير إلى جميع ما ذكر، الذي منه «الأمتعة» الشاملة للمعادن أيضا، فهذا في الجملة ممّا لا إشكال فيه نصّا و فتوى.

كما نقله الشيخ المؤسّس الأنصاريّ قدّس سرّه عن المدارك و بعض مشايخه المعاصرين له، خلافا لصريح جماعة، بل في المسالك أنّه صرّح بالثاني الأصحاب، و عن الرياض نفي وجدان الخلاف و ظهور الإجماع «2». انتهى.

و في الجواهر:

نقل الثاني- أي كون النصاب بعد المئونة- عن المنتهى و التذكرة و البيان و الدروس، بل ظاهر الأوّلين كونه مجمعا عليه بيننا حيث نسب الخلاف فيه فيهما إلى الشافعيّ و أحمد «3».

و استدلّ الشيخ قدّس سرّه بأنّ:

الظاهر من صحيح البزنطيّ «4» وجوب الخمس في نفس العشرين، و لو اعتبر النصاب قبل المئونة كان متعلّق الخمس أقلّ من العشرين، و هو خلاف مفاد الصحيح «5».

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 3 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ: ص 127.

(3) الجواهر: ج 16 ص 83.

(4) المتقدّم في ص 47.

(5) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ: ص 127.

88
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة عشرهل يعتبر النصاب قبل المئونة أو بعدها ص 88

..........

و استدلّ في الجواهر بالأصل، و ظاهر المنساق من الأدلّة «1».

و في الكلّ نظر و إشكال:

أمّا الأوّل و هو العمدة، ففيه أوّلا أنّ الموضوع لتعلّق الخمس ما أخرج المعدن، فإن ادّعي أنّ الشرط فيه بلوغ العشرين قبل المئونة فالموضوع مع الشرط يصير «ما أخرج بشرط أن يكون عشرين دينارا قبل إخراج المئونة»، و ليس المفروض في الصحيح أنّه لا بدّ أن يكون الموضوع للخمس ما هو العشرون، نعم، قد ينطبق عليه و قد ينطبق على الأقلّ.

و الحاصل أنّه ليس المستفاد من الصحيح إلّا شرطيّة العشرين في التعلّق، و كون الشرط هو العشرين قبل المئونة أو بعدها أوّل الكلام.

و ثانيا على فرض كون المتعلّق هو العشرين فلا ريب أنّ ذلك هو الموصوف بكونه قبل استثناء المئونة، و هذا الظهور لم يبق على حجّيّته على كلّ حال، فالأمر يدور حينئذ بعد استثناء المئونة بين عدم تعلّق الخمس أصلا بذلك الباقي- الذي هو أقلّ من العشرين- و تعلّقه بالباقي، فيرجع إلى إطلاق دليل الخمس.

و ثالثا لو فرض كون متعلّق الخمس هو العشرين فإذا خرج بعض العشرين عن الحكم بالخمس بالنسبة إلى الإرادة الجدّيّة فاللازم الأخذ بالباقي، كما لو قيل: «إذا بلغ من في المسجد إلى عشرين فأعط كلّ واحد منهم دينارا مثلا» ثمّ دلّ الدليل على عدم إعطاء بعض ذلك فلا ريب أنّ مقتضى أصالة تطابق الجدّ و الاستعمال و عدم تعلّق التخصيص بدائرة الاستعمال هو الحجّيّة بالنسبة إلى الباقي، من غير فرق بين صورة الاتّصال و الانفصال، فكما لا يشكّ أحد في المثال المذكور في صورة الاتّصال- بأن يقول: إذا بلغ من في المسجد إلى عشرين فأعطهم دينارا إلّا‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 83.

89
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الخامسة عشر في أنه هل تستثنى من الخمس مئونة التصفية أم لا ص 90

المسألة الخامسة عشر [في أنّه هل تستثنى من الخمس مئونة التصفية أم لا؟]

مقتضى صريح الشرائع و العروة أنّ مئونة التصفية كمئونة الإخراج تستثنى من الخمس (1).

من كان منهم فاسقا مثلا- كذلك في صورة الانفصال الذي يكون المقام منه، فإنّ المئونة استثنيت من وجوب الخمس لا من بلوغ النصاب.

و رابعا على فرض كون موضوع الخمس هو العشرين من دون زيادة و نقيصة فلا ريب أنّ العامّ المذكور لا يكون حجّة بالنسبة إلى المورد، لأنّه إمّا لا خمس فيه أصلا فلم يخصّص العامّ و يحفظ على عنوان موضوعه الذي هو العشرون، و إمّا فيه الخمس بالنسبة إلى غير العشرين- و هو الباقي- فالعامّ سقط عن الحجّيّة بالنسبة إلى المورد، فلا وجه لرفع اليد عن إطلاق دليل بلوغ النصاب الذي مقتضاه عدم الفرق بين إخراج المئونة و عدمه.

و خامسا على فرض دوران الأمر بين التحفّظ على موضوع الخمس بحفظ عنوان العشرين فيه أو التحفّظ على إطلاق شرطيّة البلوغ فلا ريب أنّه يرجع إلى إطلاق سائر الأدلّة.

و من ذلك يظهر الجواب عن الأصل و ما ذكره من أنّه الظاهر المنساق من الأدلّة على ما نقلناه عن الجواهر، إذ لا منشأ للظهور المشار إليه إلّا ما نقلناه عن الشيخ المؤسّس الأنصاريّ قدّس سرّه.

فقد تحصّل وجه قوّة ما ذكرناه في المتن. و هو العالم بالحقائق.

فقال في الشرائع:

الخمس يجب بعد المئونة الّتي يفتقر إليها إخراج الكنز و المعدن من حفر و سبك و غيره «1». انتهى.

فإنّ السبك هو الذي يحصل به التصفية.

______________________________
(1) الشرائع: ج 1 ص 135.

90
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السادسة عشر الإشكال في عدم استثناء مئونة الشخص و عياله ص 91

و لكن فيه إشكال، و الأحوط إن لم يكن أقوى: عدم استثناء مئونة التصفية. (1)

المسألة السادسة عشر [الإشكال في عدم استثناء مئونة الشخص و عياله]

المتسالم عندهم عدم استثناء مئونة الشخص و عياله. و فيه إشكال (2).

و في العروة قد صرّح بأنّ النصاب بعد مئونة الإخراج و التصفية «1».

و الوجه في ذلك لعلّه عدم صدق الإخراج حقيقة إلّا بعد التصفية، أو شمول إطلاق ما دلّ على «استثناء المئونة» لما يحتاج إليه المال كي يستفاد منه حتّى بعد التعلّق.

و الأوّل ممنوع كما تقدّم «2»، و الثاني غير واضح.

و ذلك لإطلاق دليل الخمس بعد عدم وضوح الإطلاق في دليل الاستثناء.

و تظهر الثمرة في ما إذا كان الذهب المخلوط مثلا بالغا قيمة الخالص منه في حال الخلط أربعين دينارا و كانت مئونة التصفية دينارين، فإذا بنى على استثناء مئونة التصفية و لو لم تحصل بعد فاللازم خمس ثمان و ثلاثين دينارا، و أمّا إذا لم يبن على ذلك فاللازم خمس تمام الأربعين، و إذا بنى على استثناء مئونة التصفية إذا حصلت فصفّاه و كانت مئونة التصفية ما ذكر و كان قيمة الذهب بعد التصفية أحدا و أربعين دينارا فاللازم إعطاء خمس تسع و ثلاثين دينارا، و أمّا على عدم الاستثناء فاللازم خمس أربعين- بناء على أنّ السبك هيئة حاصلة له، لأنّه حصل بفعله- أو خمس أحد و أربعين. و الأحوط هو الأخير.

وجه الإشكال:

1- إطلاق مثل رواية ابن راشد المتقدّم «3»، فإنّ الأمتعة تشمل المعدن.

2- قوله عليه السّلام في كتاب إبراهيم:

______________________________
(1) العروة الوثقى: كتاب الخمس، الفصل الأوّل.

(2) في ص 58.

(3) في ص 87.

91
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السادسة عشر الإشكال في عدم استثناء مئونة الشخص و عياله ص 91

..........

«الخمس بعد المئونة و مئونة عياله و بعد خراج السلطان» «1».

مع أنّه ليس السابق عليه في ما كتبه عليه السّلام إلّا نصف السدس الذي هو بعض الخمس، فالعهد بعيد جدّا.

3- قوله عليه السّلام في مكاتبة عليّ بن مهزيار:

«و لم أوجب ذلك عليهم في متاع و لا آنية و لا دوابّ و لا خدم و لا ربح ربحه في تجارة و لا ضيعة إلّا في ضيعة سأفسّر لك أمرها، تخفيفا منّي عن مواليّ و منّا منّي عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم و لما ينوبهم في ذاتهم» «2».

فإنّ مقتضى التعليل: التحليل إذا احتاجوا إلى المال في معيشتهم و لم يكن زائدا على المئونة، لكن ليس مفاده إخراج مئونة السنة، بل مفاده عدم اللزوم إذا احتاج مخرج المعدن في معيشته إلى جميع ما يخرجه بحيث يصير فقيرا بعد ذلك.

4- خبر الأشعريّ المتقدّم «3»، من جهة عدم مصداق للمئونة في بعض ما تقدّم في الصدر إلّا مئونة نفسه و عياله، فإنّ الأجير الذي يستفيد من عمله ليس عليه مئونة تحصيل الربح، و قوله «الخمس بعد المئونة» يشمل جميع ذلك.

و يؤيّد ما ذكرناه في وجه الإشكال الاعتبار و إلقاء الخصوصيّة خصوصا بالنسبة إلى من لا يحصل له غنيمة إلّا من استخراج المعدن بحيث إذا أدّى خمس‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 4 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) في ص 87.

92
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السادسة عشر الإشكال في عدم استثناء مئونة الشخص و عياله ص 91

..........

ما يستخرجه يصير فقيرا محتاجا، بل الظاهر أنّ ذلك ممّا لا ينبغي الإشكال فيه و إن لم يكن مستفادا من كلمات الفقهاء، بل يمكن أن يقال: إنّ المقصود باستثناء المئونة في أرباح المكاسب أيضا ذلك، فمن يملك مئونة جميع عمره و يستفيد فائدة فمقتضى الإطلاق وجوب الخمس، فليكن على ذكرك حتّى نبحث عن ذلك في باب أرباح المكاسب.

و الحاصل أنّ الفرق بين المعدن و سائر أنواع المكاسب- خصوصا مع شمولها لحيازة المباحات و إحياء الموات و غير ذلك، و كون المعدن أيضا داخلا في المكاسب- مشكل جدّا.

و لعلّ وجه اختصاص الفقهاء استثناء المئونة بأرباح المكاسب: تعدّد العناوين و جعل المعدن مثلا عنوانا مستقلّا للخمس في الروايات المتعدّدة «1».

و يمكن الجواب عن ذلك بوجوه:

منها: أنّه يكفي في ذلك وجود بعض الخصوصيّات في المعدن و الكنز و الغوص مثلا، و هو النصاب الخاصّ الوارد في الروايات.

و منها: كون المعدن متعلّقا للخمس مستقلّا، فلو لم يصرفه في المئونة و كانت مئونته من أمر آخر كان الخمس في تمامه- بخلاف مثل الحنطة و الشعير و الماش و العدس الموجود في دكّة البائع، فإنّ المجموع يعدّ بمنزلة مال واحد، و لازمه عدم إعطاء خمس المجموع من مال آخر إذا لم نقل بجواز إعطاء خمس مال من مال آخر- و هذا بخلاف فوائد الربح، فإنّ الكلّ أمر واحد.

و منها: أن يقال: إنّه يمكن أن يكون التحليل المتحقّق في زمن النبيّ و الوصيّ و غيرهما- في الجملة- بالنسبة إلى غير المعدن و الغنيمة و الكنز مثلا، كما قد‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 338 الباب 2 و ص 342 الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

93
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السابعة عشر حكم الشك في بلوغ النصاب ص 94

المسألة السابعة عشر [حكم الشكّ في بلوغ النصاب]

إذا شكّ في بلوغ النصاب فالأحوط الاختبار (1).

يستفاد من تضاعيف الأخبار.

و المقصود من ذلك التنبيه على الشبهة حتّى يحدث اللّه بعد ذلك أمرا إن شاء اللّه تعالى، فإنّ الجمود على الشهرة و الإجماع- كما هو دأب بعض الأصحاب- خلاف ما يستفاد من أصول الشيعة الإماميّة من عدم حجّيّة الإجماع بما هو إجماع، و خلاف سيرة غير واحد من محقّقيهم على ما هو المعروف، من العلّامة قدّس سرّه في منزوحات البئر و المتراءى من الشيخ المؤسّس الأنصاريّ في مسألة المعاطاة، فإنّ عدم حجّيّة الإجماع و الشهرة مع احتمال الاستناد إلى أمر غير حجّة واضحة، فكيف مع وضوح المدارك و عدم سداد مداركهم. نعم، ما حصل لي هو وجود الحقّ نوعا مع مشهور الإماميّة، و لعلّه بل المظنون أنّه عناية من الإمام الحيّ خليفة اللّه في أرضه عليه السّلام لكنّه ليس ذلك على النحو الكلّيّ.

و المقصود من ذلك إرشاد من يرى تلك السطور إلى أمور:

منها: عدم الجمود على المشهور مع احتمال المدرك غير السديد فكيف مع وضوحه! و منها: وجود السيرة على ذلك، و كان فقه الإماميّة في سير علميّ عند المحقّقين قدّس اللّه أسرارهم.

و منها: إلقاء التعصّب لأحد الجانبين و كشف ما هو الحقّ.

و منها: التوجّه إليه تعالى و الاستشفاع بوليّه و خليفته.

و منها: عدم التبرّع إلى الفتوى و رعاية الاحتياط، فإنّ الفتوى على خلاف المشهور مشكل جدّا إلّا مع القطع بالحكم أو الحجّة. و اللّه الهادي.

كما في العروة «1». و في الجواهر في كتاب الزكاة في مسألة الدراهم المغشوشة أنّه:

______________________________
(1) في المسألة 13 من الفصل الأوّل من كتاب الخمس.

94
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السابعة عشر حكم الشك في بلوغ النصاب ص 94

..........

يعتبر العلم ببلوغ حاصلها النصاب، بل المعروف عدم وجوب التصفية و نحوها للاختبار، بل عن المسالك لا قائل بالوجوب.

و وجهه أنّ مقدّمة الوجوب لا يجب تعرّفها. لكن قد يناقش بضرورة معلوميّة الوجوب من مذاق الشرع، و ليس المراد هو الوجوب إذا اتّفق حصول العلم بوجود الشرط، فلا يجب الحجّ على ظانّ الاستطاعة و لا على من علّق نذره على شي‌ء، و في ذلك إسقاط لكثير من الواجبات، و لعلّه لذلك قال بعض المحقّقين بالوجوب، و هو قويّ جدّا إن لم يكن إجماع على خلافه «1». انتهى ملخّصا.

أقول: فيه أوّلا: أنّ مقتضى ذلك: الفحص عن جميع الشبهات الموضوعيّة حتّى الطهارة و النجاسة، و هو خلاف الضرورة المستفادة من الأدلّة الكثيرة.

و ثانيا: أنّه مخالف لصريح صحيح زرارة- في باب الاستصحاب- الذي يكون بصدد إعطاء القاعدة الكلّيّة، و فيه بعد السؤال عن النظر إلى الثوب الذي هو من أسهل الأمور قال: «لا، و لكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك» «2».

و ثالثا: أنّ إسقاط كثير من الواجبات الواقعيّة بالنسبة إلى جميع الناس في العصور و الدهور من لوازم جعل الأصول النافية للتكليف و الأمارات الّتي قد تخالف الواقع و قد توافق، و لو كان ذلك محذورا للزم الحكم بوجوب الاحتياط،

______________________________
(1) الجواهر: ج 15 ص 196.

(2) الوسائل: ج 2 ص 1053 ح 1 من ب 37 من أبواب النجاسات.

95
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السابعة عشر حكم الشك في بلوغ النصاب ص 94

..........

و هو حرج ليس فوقه حرج، و هو خلاف ضرورة الشريعة السهلة السمحة، مع أنّه لا محذور فيه إذا لم يلزم مخالفة للعلم الإجماليّ لمكلّف واحد، فإنّ المعروف بينهم الحكم بعدم وجوب الغسل على واجدي المنيّ في ثوب واحد، مع إسقاط ذلك بالنسبة إلى أحدهما، و لا محذور.

نعم، هنا وجهان آخران:

أحدهما: خبر زيد الصائغ الوارد في الدراهم المغشوشة، و فيه:

فإن أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها مثلها فبقيت عندي حتّى حال عليها الحول أزكّيها؟

قال: «إن كنت تعرف أنّ فيها من الفضّة الخالصة ما يجب عليك فيه الزكاة فزكّ ما كان لك فيها من الفضّة الخالصة من فضّة و دع ما سوى ذلك من الخبيث.

قلت: و إن كنت لا أعلم أنّ ما فيها من الفضّة الخالصة إلّا أنّي أعلم أنّ فيها ما يجب فيه الزكاة؟

قال: «فاسبكها حتّى تخلص الفضّة و يحترق الخبيث ثمّ تزكّي ما خلص من الفضّة لسنة واحدة» «1».

و فيه أوّلا: ضعف السند، للجهل بحال زيد و محمّد بن عبد اللّه بن هلال.

و ثانيا: ضعف دلالة الذيل على الوجوب المولويّ، بل لعلّه إرشاد إلى التصفية و السبك حتّى يعلم مقدار الزكاة و يسقط عنه الزكاة في السنوات الآتية، لخروجها عن كونها مسكوكة.

و ثالثا: أنّ الظاهر من الصدر عدم وجوب الاختبار عن ذلك في أصل تعلّق‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 104 الباب 7 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.

96
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السابعة عشر حكم الشك في بلوغ النصاب ص 94

..........

الزكاة، و المبحوث عنه من هذا القبيل.

و رابعا: أنّه لا وجه لقياس الخمس بالزكاة مع ما فيه من التسهيل- المستفاد من أخبار التحليل «1»- و استثناء مئونة الشخص و العيال.

ثانيهما: وجود غير واحد من الإطلاقات الدالّة على وجود الخمس في المعدن، و مقتضاه وجوده فيه قبل الإخراج أيضا، فسقط الخمس في ما أخرجه إلّا أن يكون بحدّ النصاب، فمقتضى الاستصحاب في صورة الشكّ: وجود الخمس فيه.

و الجواب عنه أنّ مقتضى كون جميع الأراضي للإمام و كون المعادن تابعة للأراضي: عدم الخمس في المعادن و مالكيّة المحيي للأرض بالإخراج أو بجهة أخرى أو بالحيازة كما في مثل الملح من المعادن الظاهرة.

و أمّا ما أشير إليه من الإطلاق فمردود بعدم الإطلاق على الظاهر، لأنّ ما فيه السؤال فقرينة السؤال موجبة للاختصاص بصورة الإخراج، لعدم الابتلاء بالمعادن غير المستخرجة، و ما يكون بصدد التعداد فهو يصلح أن يكون قرينة على الإهمال.

هذا، مع أنّ صحيح زرارة في مقام إعطاء الضابطة يعني قوله عليه السّلام:

«ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج اللّه سبحانه منه من حجارته مصفّى الخمس» «2».

و أوضح من جميع الفروض: ما إذا كان الخارج غير بالغ حدّ النصاب قطعا ثمّ احتمل البلوغ لارتفاع القيمة السوقيّة أو لاحتمال ارتفاعها، فإنّ مقتضى الاستصحاب: عدم بلوغ النصاب. هذا إذا كان الشكّ في أصل تعلّق الخمس من جهة بلوغ النصاب.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 378 الباب 4 من أبواب الأنفال.

(2) الوسائل: ج 6 ص 343 ح 3 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

97
کتاب الخمس (للحائري)

الثالث الكنز 1 ص 98

الثالث: الكنز (1).

و أمّا إذا علم بالتعلّق و شكّ في المقدار فهو من المسائل الكلّيّة الّتي لا بدّ من ذكرها بعد أقسام الخمس إن شاء اللّه. و هو الموفّق الهادي.

في الجواهر:

بلا خلاف فيه في الحدائق و الخلاف و ظاهر الغنية أو صريحها، و في المنتهى أنّه بلا خلاف بين أهل العلم، بل إجماعا في الخلاف و التذكرة و ظاهر الانتصار أو صريحه، بل في المدارك: أجمع العلماء كافّة على وجوب الخمس فيه «1»، انتهى مع تغيير ما في العبارة.

أقول: و يدلّ عليه جملة من الأخبار:

منها: صحيح الحلبيّ المرويّ عن الفقيه بإسناده الصحيح الواصل إلى ابن أبي عمير عن حمّاد عنه بطريقين، و رواه الشيخ بإسناده الصحيح عن عليّ بن مهزيار عن ابن أبي عمير، و عن الكافي عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، فالخبر مقطوع الصدور، و فيه:

سأل أبا عبد اللّه عن الكنز كم فيه؟ فقال:

«الخمس» «2».

و منها: صحيح البزنطيّ عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال:

سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز؟ فقال: «ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس» «3».

______________________________
(1) الجواهر ج 16 ص 24.

(2) الوسائل: ج 6 ص 345 ح 1 من ب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 345 ح 2 من ب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

98
کتاب الخمس (للحائري)

الثالث الكنز 1 ص 98

..........

و منها: ما عن المقنعة، قال:

سئل الرضا عليه السّلام عن مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس.

فقال: «ما يجب فيه الزكاة من ذلك بعينه ففيه الخمس، و ما لم يبلغ حدّ ما تجب فيه الزكاة فلا خمس فيه» «1».

و لعلّ مرجعهما إلى رواية واحدة، لوحدة المسؤول عليه السّلام و وحدة الموضوع تقريبا.

و منها: معتبر العيون عن ابن فضّال عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام في حديث:

«كان لعبد المطّلب خمس من السنن أجراها اللّه له في الإسلام». و فيه: «و وجد كنزا فأخرج منه الخمس» «2».

و هو الوارد في وصيّة النبيّ لعليّ عليه السّلام في الفقيه، و فيه:

«و وجد كنزا فأخرج منه الخمس و تصدّق به، فأنزل اللّه وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ» الآية «3».

و منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:

سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: «كلّ ما كان ركازا ففيه الخمس» «4» الحديث.

و في الوافي عن ابن الأثير في حديث الصدقة:

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 346 ح 6 من ب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 345 ح 4 من ب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) المصدر: ح 3.

(4) المصدر: ص 343 ح 3 من ب 3.

99
کتاب الخمس (للحائري)

تعريف الكنز ص 100

[تعريف الكنز]

و هو كلّ مال مذخور تحت الأرض قصدا (1) أو الجدار أو الشجر (2)، بل الظاهر صدقه على المال المذخور و لو كان استتاره من جهة الزلزلة و الخراب (3)، و يحتمل صدقه على ما كان ذخره أيضا من جهة الخراب و نحوه (4). هذا من جهة صدق الكنز و ترتيب أثر الكنز عليه «و في الركاز الخمس».

الركاز عند أهل الحجاز: كنوز الجاهليّة المدفونة في الأرض، و عند أهل العراق: المعادن، و القولان تحتملهما اللغة، لأنّ كلّا منهما مركوز في الأرض أي ثابت، يقال ركزه. إذا دفنه «1».

و قد تقدّم «2» عن البخاريّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّ في الركاز الخمس.

و يدلّ عليه روايات «3».

كما في الشرائع «4»، و في الجواهر عن التنقيح و التذكرة و المنتهى و البيان و الروضة و المسالك «5».

كما في العروة «6»، لأنّ صدقه على ذلك عرفا لا ينبغي أن لا يكون موضع تأمّل كما في المستمسك «7».

و الظاهر من التقيّد بالأرض في كلام الأصحاب و في كلام أهل اللغة هو إرادة المثال، لأنّها الفرد الغالب المعدّ للدفن فيها.

كما يظهر ممّا نقله في الجواهر عن أستاذه «8».

كما يظهر ممّا ذكر، لكنّه غير واضح و إن كان يصدق على المال الذي‌

______________________________
(1) الوافي ج 10 ص 312.

(2) في ص 15.

(3) مثل ما في الوسائل: ج 6 ص 339 ح 2 و 4 و ص 340 ح 9 و ص 341 ح 11 و 12 من ب 2 و ص 344 ح 6 و 7 من ب 3 و ص 346 ح 1 من ب 6 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) ج 1 ص 133.

(5) الجواهر: ج 16 ص 25.

(6) كتاب الخمس، الفصل الأوّل.

(7) المستمسك: ج 9 ص 468.

(8) الجواهر: ج 16 ص 25.

100
کتاب الخمس (للحائري)

تعريف الكنز ص 100

من حيث النصاب مثلا، و أمّا من حيث تعلّق الخمس به فلا يتوقّف على ذلك، بل الظاهر تعلّقه بكلّ ما كان ركازا و واقعا تحت الأرض (1).

في الوعاء و نحوه في الأرض الخربة ممّا كان مشكوكا أنّه كان بقصد ذلك أم لا:

أنّه يكون من مصاديق الكنز، فإنّ القطع بأنّ دفنه تحت الأرض كان عن قصد غير حاصل في الغالب.

كما يدلّ عليه صحيح زرارة المتقدّم «1»، فيشمل جميع الأموال الموجودة تحت الأرض حتّى ما لم يكن له قيمة سابقا و يكون عند الحفر ذا قيمة أغلى من الجواهر- كالأشياء العتيقة- لصدق الركاز عليه.

و لا يعارضه صحيح البزنطيّ المتقدّم «2»:

سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز، فقال: «ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس».

الموجب للاختصاص بالنقدين- حتّى لا يشمل سبائك الذهب- كما في الجواهر عن أستاذه، خلافا لما عن التذكرة و المنتهى و الدروس و البيان، بل قال:

إنّ عبارة الأوّلين تشعر بالإجماع عندنا «3».

وجه عدم المعارضة لما ذكر أمور:

منها: أنّ كون الخمس من حيث الكنز مختصّا بالنقدين لا يدلّ على أنّ الخمس من حيث الركاز أيضا كذلك، فتأمّل.

و منها: احتمال كون «من» في قوله «من الكنز» تبعيضيّة، أي السؤال عن البعض من كلّ كنز يجب فيه الخمس، فإنّ السؤال عن بعض أفراد الكنز بحيث يحتمل أن لا يكون لبعض أفراد الكنز خمس أصلا ممّا لا ينقدح في ذهن السائل بعد وجود الإطلاقات المتعدّدة، بل المظنون أنّ البزنطيّ حيث كان في ذهنه أنّ‌

______________________________
(1) في ص 99.

(2) في ص 98.

(3) الجواهر: ج 16 ص 25.

101
کتاب الخمس (للحائري)

مسألةلا إشكال عندهم في اعتبار النصاب في الكنز 1 ص 102

مسألة: لا إشكال عندهم في اعتبار النصاب في الكنز (1).

المعدن له نصاب فقد سأل عن مثل ذلك في الكنز أيضا.

و منها: أنّ المظنون كون صحيح البزنطيّ متّحدا مع رواية المقنعة المتقدّمة «1»، لوحدة المسؤول عليه السّلام، و هي صريحة في السؤال عن المقدار، و بعد ذلك لا يكون بناء العقلاء على تعدّد الرواية و الحكم بصدور كلا الكلامين عن الإمام عليه السّلام، و احتمال النقص مقدّم عندهم على احتمال الزيادة، إلّا أن يقال: إنّ الحجّيّة ليست محدودة ببناء العقلاء- و إن كان ذلك حكمة لها، كما حرّرناه في الأصول- فمقتضى إطلاق دليل الحجّيّة: صدور الكلامين.

و منها: أنّ تقييد دليل الركاز الشامل لكلّ مال مدفون تحت الأرض أو تقييد الكنز بذلك موجب لإخراج غير واحد من أفراد الكنز.

و منها: أنّ كلمة «مثله» صالح للقرينيّة على أنّ مورد الخمس يكون مماثلا لمورد الزكاة، و يكفي في ذلك المماثلة في المقدار، و لو كان المقصود بذلك النقدين لم يكن موقع لكلمة «مثله»، فإنّه في نفس النقدين تكون الزكاة لا في مثلهما، فالظاهر عدم الاختصاص بالنقدين و وجود الخمس في كلّ ما صدق عليه الركاز، سواء كان مصداقا للكنز أم لا، أو شكّ في صدقه من حيث اعتبار قصد الذخر أو قصد الدفن أو محلّ الدفن أو كون الدافن إنسانا أو كون المال من الذهب و الفضّة أو الجواهر أو يعمّ ما يستخرج بالحفر من العتائق ذات القيمة.

بلا خلاف أجده فيه على ما في الجواهر، قال:

و إن أطلق بعض القدماء، بل في الخلاف و الغنية و السرائر و ظاهر التذكرة و المنتهى و المدارك: الإجماع عليه «2».

______________________________
(1) في ص 99.

(2) الجواهر: ج 16 ص 26.

102
کتاب الخمس (للحائري)

مسألةلا إشكال عندهم في اعتبار النصاب في الكنز 1 ص 102

إنّما الإشكال في أنّ النصاب فيه كنصاب المعدن عشرون دينارا أو يكون ذلك إذا كان ذهبا و يكون مائتي درهم إذا كان فضّة و إذا كان غيرهما فيكفي أحد الأمرين في تعلّق الخمس أو يكفي أحدهما مطلقا، فيه وجوه (1).

أقول: و يدلّ على ذلك ما تقدّم «1» من خبر المقنعة الرافع لإجمال صحيح البزنطيّ المتقدّم «2» إن كان له إجمال.

ففي الجواهر:

أنّ الأوّل معقد إجماع السرائر و التذكرة و المنتهى و المدارك، و أنّ صريح المنتهى و غيره هو الثاني، و أنّ عبارة البيان و المسالك توهم الثالث «3».

و هنا وجه رابع نقله في الجواهر عن الغنية من أنّ:

النصاب فيه: بلوغ قيمته دينارا بدليل الإجماع- قال في الجواهر:- و هو غريب، و دعوى الإجماع أغرب «4».

أقول: يمكن توجيه الوجه الأوّل بأنّ المستفاد من صحيح زرارة المتقدّم «5»:

أنّ الملاك في وجوب الخمس في الكنز هو كونه ركازا، فهو بمنزلة التعليل، كأنّه قال: في المعدن الخمس لكونه ركازا، و من المعلوم: أنّ نصاب المعدن مطلقا بلوغ عشرين دينارا.

لكن فيه: ما ذكرناه سابقا من أنّ التعليل معمّم لا مخصّص، فيمكن أن يكون في الركاز الخمس و يكون في المعدن بما أنّه معدن و لو لم يكن ركازا الخمس أيضا، كما في الملح الوارد فيه أنّه معدن، و إنّما النصاب في ما هو معدن، فتأمّل.

______________________________
(1) في ص 99.

(2) في ص 98.

(3) الجواهر: ج 16 ص 26- 27.

(4) الجواهر: ج 16 ص 26- 27.

(5) في ص 99.

103
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الزائد على النصاب لا يكون معفوا عنه كالزكاة ص 104

و الأخير هو الأحوط إن لم يكن أقوى (1).

مسألة [الزائد على النصاب لا يكون معفوّا عنه كالزكاة]

الظاهر أنّه ليس في الكنز إلّا نصاب واحد، فإذا بلغ إلى ما تقدّم في المسألة السابقة يجب الخمس في المجموع و إن كان زائدا على النصاب، لا أنّه معفوّ عنه كالزكاة حتّى تزيد عليه أربعة دنانير (2).

و يمكن توجيه الثاني بأنّ صدق المماثلة في المقدار مع جميع الخصوصيّات حتّى الإضافة إلى النوع إنّما هو في الذهب عشرون دينارا و في الفضّة مائتا درهم و في غيرهما أحد الأمرين، و السرّ في ذلك حفظ المماثلة في المقدار حتّى من حيث الإضافة إلى النوع الخاصّ أي من حيث الخصوصيّة المقداريّة الحاصلة من الإضافة إلى النوع بقدر الإمكان، و مقتضاه ما ذكر.

و أمّا الوجه الثالث فلعلّه أوضح، فإنّه بعد فرض عدم المماثلة في النوع- لأنّ المفروض في المقام: تعلّق الخمس بكلّ ما يصدق عليه الكنز- ليس المقصود بالمماثلة إلّا المماثلة في المقدار من دون خصوصيّة النوع، و المماثلة في المقدار من حيث الإضافة إلى النوع لعلّها خلاف ما يتفاهم منه عرفا، و مع الشكّ يرجع إلى إطلاق وجود الخمس في الكنوز، فالظاهر أنّ الوجه الثالث إن لم يكن أقوى فهو أحوط.

كما ظهر وجه ذلك ممّا ذكر في بيان مدارك الوجوه الأربعة. و اللّه المتعالي هو العالم.

كما في الجواهر و نقله عن صريح العلّامة و الشهيد و غيرهما، و لكن قال:

إنّ في المدارك أنّه يشكل بأنّ مقتضى الصحيح السابق «1»: مساواة الخمس للزكاة في اعتبار النصاب الثاني كالأوّل «2».

و حلّ ذلك أن يقال: إنّه بعد حمل المماثلة على المماثلة في المقدار فمفادها‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 344 الباب 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الجواهر: ج 16 ص 27.

104
کتاب الخمس (للحائري)

مسألةلا إشكال في عدم اعتبار الحول 1 ص 105

مسألة: لا إشكال في عدم اعتبار الحول (1).

عرفا بلوغ النصاب، و البلوغ يصدق بالنصاب الأوّل.

و على فرض عدم كون مفاده ذلك بل كون مفاده أنّه إذا كان الكنز الموجود بمقدار النصاب ففي مجموعه الخمس، فيصدق ذلك أيضا على صرف وجود النصاب.

و على فرض كون مفاد الدليل أنّ نصاب الخمس كنصاب الزكاة في ما يمكن، فمع وجود دليل تعلّق الخمس بالبالغ إلى حدّ النصاب الأوّل- كثلاثة و عشرين- الحاكم بتعلّق الخمس بمجموع ذلك لا يبقي مجالا للنصاب الثاني، فإنّ النصاب الثاني في فرض عدم وجوب الزكاة في ما بين النصابين، و هذا الفرض غير متحقّق في المقام بدليل تعلّق الخمس.

و الحاصل أنّ الدليل من حيث شموله للنصاب الأوّل الحاكم بتعلّق الخمس بمجموع المال لا يبقي مجالا لشموله للنصاب الثاني إن كان مفاد النصاب الثاني في الفرض عدم الزكاة في ما زاد على العشرين و أنّه تجب إذا بلغ أربعة و عشرين، و إن كان مفاده عدم الزكاة قبل ذلك أصلا و تعلّقها بعد البلوغ إلى أربعة و عشرين فيحصل التعارض بين الاقتضاءين.

و لكنّ الإنصاف أنّه لو فرض المماثلة في النصاب مطلقا فالظاهر منه عرفا:

المماثلة في جميع ما هو من لوازم النصاب من نفي الخمس قبل ذلك و الخمس بعد ذلك، و الجواب الثالث صرف الفرض، و مع الشكّ يرجع إلى دليل الخمس.

قال قدّس سرّه في الجواهر:

قطعا كما صرّح به غير واحد «1».

أقول: كلّ ذلك لما تقدّم «2» من عدم اعتبار المماثلة بين الكنز و متعلّق الزكاة من جميع الجهات، بل الظاهر منه أنّ المقصود هو اعتبارها من حيث المقدار كما تقدّم. «3»

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 28.

(2) في الصفحة السابقة.

(3) في الصفحة السابقة.

105
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام ص 106

مسألة [حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام]

إذا وجد الكنز في أرض دار الحرب أو دار الإسلام و ليس عليه أثره وجب فيه الخمس (1).

هذا. مع أنّ القدر المتيقّن من الأدلّة بحسب مقام التخاطب هو ابتداء وجدان الكنز، فتقييد إطلاق سائر الروايات مشكل جدّا، فإذا قال: «إذا وجدت عالما فيجب عليك إكرامه» فإخراج حول منه مشكل جدّا.

كما في الشرائع «1». و قال قدّس سرّه في الجواهر:

إنّه إن وجد في أرض الحرب و لو كانت ملكا لواحد بالخصوص، بل و في دار الإسلام إذا كانت مباحة أو لم تكن ملكا لواحد من المسلمين بالخصوص، كالمعمور من المفتوح عنوة و لم يكن عليه أثر الإسلام- من سكّة و نحوها- فلا خلاف أجده في وجوب الخمس على واجده و ملكيّة الباقي لواجده، المنفيّ عنها الخلاف في الحدائق على البتّ في الأوّل و الظهور في الثاني «2». انتهى ملخّصا.

أقول: الوجه في ذلك أمور:

الأمر الأوّل: إطلاق أدلّة الكنوز الظاهر في كون الباقي للواجد بلا إشكال.

و تقريب الإطلاق بوجهين:

أحدهما: أنّه ليس المفروض في دليل الكنوز خصوص ما فرض ملكيّته للواجد من جهة أخرى، فإنّ الكنز الذي كنزه بنفسه مثلا و أدّى خمسه قبل ذلك أو لم يكن فيه خمس- بأن كان من قبيل الميراث- لا خمس فيه بحسب الظاهر، و ليس ذلك من جملة الغنائم، و ذلك خارج عن منصرف دليل الكنوز، فمقتضى ذلك أنّ الكنوز غير المعلوم مالكها ليس فيها إلّا الخمس، و لو كان الواجب على‌

______________________________
(1) ج 1 ص 133- 134.

(2) الجواهر: ج 16 ص 28.

106
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام ص 106

..........

الواجد لمثل ذلك إعطاء الكلّ لما كان عليه الخمس الذي هو الكسر المشترك، بل كان عليه الجميع لكن كان مصرفه مختلفا، و هذا هو الإطلاق اللفظيّ الثابت للفظ الخمس الذي هو الكسر المشترك.

ثانيهما: الإطلاق المقاميّ، فلو فرض كون الخمس ظاهرا في خصوص المصطلح الفقهيّ- أي ما يتعلّق به حقّ السادة و الإمام عليه السّلام- فلا ريب أنّه كان ينبغي بيان حكم باقي المال في هذا المقام، فالحكم بإعطاء الخمس و عدم التنبيه على لزوم التصدّق بباقي المال دليل عرفا على عدم لزوم ذلك و على كونه لواجده.

الأمر الثاني: أصالة عدم تعلّق يد المسلم على المال، و الذي يكون موضوعا للاحترام ما جرت عليه يد المسلم أو من بحكم المسلم- و هو الذمّيّ- بعنوان التملّك.

إن قلت: مقتضى التوقيع الوارد من الحجّة عليه آلاف التحيّة و الثناء «لا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه» «1»: عدم جواز التصرّف في مال الغير و قد خرج عنه الكافر الحربيّ، و مقتضى الأصل: عدم تملّك الكافر الحربيّ له، فهو مال لغيره بقرينة الدفن للذخر، و ليس ملكا للكافر الحربيّ بالأصل، فلا يجوز التصرّف فيه.

قلت: قال قدّس سرّه في الجواب عن ذلك في المستمسك:

أوّلا بأنّه يرجع إلى أصالة الإباحة.

و ثانيا بأنّ الظاهر أنّ التقابل بين الكفر و الإسلام هو تقابل العدم و الملكة، و حينئذ يكون موضوع التوقيع مال المسلم لا مال من ليس بكافر، و حينئذ‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 309 ح 4 من ب 1 من أبواب الغصب.

107
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام ص 106

..........

يمكن الرجوع إلى أصالة عدم الإسلام.

و إن شئت قلت: المستفاد ممّا ورد في الإسلام و أحكامه: انحصار عصمة المال بالإسلام و الذمام، فأصالة عدمهما تقتضي عدم العصمة و جواز التملّك «1».

هذا. و لكن فيه مواقع للمناقشة:

الأوّل: في التمسّك بأصالة الإباحة مع أنّ مقتضى الأصل مع قطع النظر عن الأصل الآتي: عدم حصول الملكيّة له، لأنّه إن كان للكافر الحربيّ يجوز تملّكه و إلّا فلا يجوز، فالأصل عدم حصول الملكيّة له حتّى يجوز له التصرّف، فتأمّل.

الثاني: أنّه بعد فرض كون الكفر هو عدم الإسلام لا يصير موضوع التوقيع الشريف في مقام الحجّيّة ما ذكر، بل يصير موضوعه عدم جواز التصرّف في مال من لا يكون غير مسلم، فالخارج من العامّ مال الغير المضاف إلى الكافر الذي هو غير مسلم بالفرض، و المال المضاف إلى من ليس بمسلم أمر وجوديّ، و الأصل عدم إضافة من ليس بمسلم إلى المال، فمقتضى الأصل بضمّ الوجدان: عدم الجواز، إذ كون المال مال الغير معلوم، و كون المال ملكا لشخص يكون كافرا- أي لا مسلما- غير معلوم مسبوق بالعدم.

الثالث: أنّ ما ذكره من أنّ مقتضى الأصل عدم الإسلام لا ينطبق على ما ذكره في بيان موضوع التوقيع، فإنّ الأصل عدم كون المال مالا للمسلم، لا أصالة عدم إسلام من كان مالكا للمال، لأنّ الموضوع للأثر على ما فرضه: عدم كون المال للمسلم، لا كون المال لغير المسلم.

و الأصل المذكور يناسب ما قرّرناه في موضوع التوقيع بأن يكون موضوع‌

______________________________
(1) المستمسك: ج 9 ص 470.

108
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام ص 106

..........

الجواز هو المال المضاف إلى من ليس بمسلم، فيقال: إنّ الأصل عدم إسلام من كان مالكا للمال.

و هو مورد للمناقشة، من جهة أنّه ليس له حالة سابقة مع وجود الشخص، إذ لعلّ صاحب الكنز كان من أوّل تكوّنه مسلما بالتبعيّة.

و دعوى «أنّ الإسلام بالتبعيّة قد زالت بالبلوغ، و الإسلام بالشهادتين مشكوك الوجود، فالأصل عدمه» مدفوعة بأنّه يكفي التبعيّة في الحكم بالإسلام حتّى بعد البلوغ، و إلّا لم يجز معاملة الإسلام مع أطفال المسلمين بعد البلوغ إلّا بعد سماع الشهادتين منهم بعد ذلك، و هو خلاف السيرة القطعيّة الإسلاميّة.

و احتمال «جريان أصالة عدم الإسلام من باب جريان استصحاب العدم الأزليّ» مدفوع أيضا بأمور:

منها: أنّ الظاهر عدم الجريان في جميع الموارد. و عمدة الإشكال أنّ العدم بعدم الموضوع غير العدم مع فرض وجود الموضوع عرفا، فاتّحاد القضيّة المتيقّنة و المشكوكة ليس محرزا.

و منها: أنّه مع الغضّ عن ذلك نقول في المقام: إنّ العدم في المقام إنّما هو العدم الذي من شأنه الوجود، فإذا لم يكن في الدنيا شخص أصلا يقال: إنّه ليس في العالم إسلام لكن لا يقال: إنّ الكفر محيط بالعالم، فالكفر هو عدم الإسلام الذي يكون من شأنه الوجود.

و منها: أنّ الخارج من الدليل المذكور ملك الكافر، و الكافر هو المتّصف بذلك العدم و ليس صرف عدم الاتّصاف، و الاتّصاف بالعدم محتاج إلى الموضوع، فلا حالة سابقة له.

و منها: معارضة الاستصحاب المذكور- على فرض جريانه- باستصحاب عدم كون هذا المال لمن لا يكون مسلما.

109
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام ص 106

..........

لكن يمكن دفع إشكال المعارضة بحكومة استصحاب بقاء القيد بضمّ قيام الوجدان على استصحاب عدم القيد، فيقال: إنّ إضافة هذا المال إلى الغير معلوم، و الأصل عدم كون ذلك الغير مسلما، فيحكم بأنّ هذا ملك لغير المسلم، فلا شكّ في أنّه ليس عدم كون ذلك المال لغير المسلم صادقا، لصدق نقيضه.

و الدليل على تلك الحكومة صحيحا زرارة «1» الواردان في الاستصحاب، فإنّ استصحاب بقاء الوضوء أو الطهارة من الخبث معارض لاستصحاب عدم تحقّق الصلاة المقرونة بالطهارة.

فيستخرج من ذلك ما يتلى عليك من القواعد:

الاولى: تقدّم الأصل السببيّ على المسبّبيّ.

الثانية: عدم كون الملاك في التسبّب إلّا رفع الشكّ حكما من جانب أحد الأصلين دون العكس، لا كون أحد الأصلين جاريا في الموضوع و الآخر في الحكم كما ربما يخطر بالأذهان.

الثالثة: عدم حجّيّة الأصل المثبت، و إلّا كان أصل عدم تحقّق الصلاة المقيّدة بالطهارة حاكما بعدم الطهارة و رافعا للشكّ.

الرابعة: كون استصحاب بقاء القيد مقدّما في جميع الموارد على استصحاب عدم المقيّد بما هو مقيّد إذا كان منشأ الشكّ بقاء القيد.

الخامسة: أنّ الاستصحاب المحرز للقيد و المحرز للمقيّد في عرض واحد، و هو كذلك عقلا، فإنّ استصحاب مجموع القيد و المقيّد متضمّن لإثبات القيد من دون اللزوم العقليّ، كما أنّ استصحاب القيد أيضا كذلك.

______________________________
(1) الوسائل: ج 1 ص 174 ح 1 من ب 1 من أبواب نواقض الوضوء و ج 2 ص 1053 ح 1 من ب 37 من أبواب النجاسات.

110
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام ص 106

..........

و الوجه في استفادة ذلك من الصحيحين «1» الاستناد إلى اليقين بالوضوء في الأوّل و اليقين بالطهارة في الثاني من دون الاستناد إلى اليقين بعدم الحدث أو عدم وصول النجاسة، و الاستناد إليه لأنّه عين الموضوع، و لا وجه للاستناد إلى استصحاب جزء الموضوع، فإنّ الاستناد إلى ما هو عين الموضوع في الكلام أقرب في مقام المحاورة، و لذا لا يدلّ على عدم صحّة استصحاب عدم الحدث.

و من ذلك يظهر الإشكال في تقدّم قاعدة التجاوز على الفراغ في المتوافقين على شي‌ء واحد- كما كنّا نصير إليه سابقا- إذا كان مفاد قاعدة الفراغ تحقّق المجموع، لا الصحّة بمعنى سقوط الأمر.

و قد خرجنا عن البحث الفقهيّ لتوضيح مسائل أصوليّة تستفاد من صحيحي زرارة من دون الاحتياج إلى التجشّم، و قد أشرنا إلى بعض ذلك في الأصول و قد سنح بعضه الآخر للخاطر القاصر بعون الملك القادر و إلهامه في طيّ ذلك.

و ممّا ذكر يظهر دفع إشكال أنّ صحيح زرارة دالّ على عدم تقدّم الأصل السببيّ على المسبّبيّ كما قرّره بعض علماء خراسان- رحمه اللّه تعالى- من جهة عدم الاستناد إلى أصالة عدم الحدث في الصحيح.

و وجه الدفع عدم التسبّب بينهما، بل كلّ منهما صالح لرفع الشكّ عن الآخر.

و الاستفادات المذكورة المطابقة للاجتهاد الدقيق من الصحيح المذكور شبه المعجزة للإمام عليه و على آبائه و أبنائه الصلاة و السلام.

الرابع: أنّ ما ذكره في المستمسك من انحصار العصمة بالإسلام و الذمام لا يقتضي كون الملاك لجواز التصرّف عدم كون ذلك المال للمسلم، بل يحتمل‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 1 ص 174 ح 1 من ب 1 من أبواب نواقض الوضوء و ج 2 ص 1053 ح 1 من ب 37 من أبواب النجاسات.

111
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام ص 106

..........

أن يكون الملاك كون ذلك المال للكافر، فإنّ ما ذكره ليس إلّا مقتضى عدم جواز التصرّف في مال المسلم و الذمّيّ، و جوازه في مال الكافر الذي يكون غيرهما إمّا لكون الملاك لجواز التصرّف هو الكفر أو عدم كون المال للمسلم.

مع أنّ في الانحصار المذكور إشكال- قد تقدّم في بحث الغنائم «1»- من جهة أنّ ما ذكروه أو يكون ظاهر كلامهم- من كون كلّ غير ذمّيّ و غير معاهد كافرا حربيّا- غير معلوم، فإنّ عدّ بلاد الكفر الّتي لم تقع من جانب السلطان العادل أو من ينوب منابه موردا للدعوة إلى الإسلام و التخيير بين الحرب أو الإسلام أو الجزية من أرض الحرب من جميع الجهات حتّى يقال: «إنّه يصحّ السرقة من البلاد المذكورة» غير واضح بالنسبة إلى الأموال، و إن كان يمكن القول به بالنسبة إلى استرقاق الأشخاص و حملهم إلى بلاد المسلمين، فراجع ما تقدّم في الغنائم «2».

هذا. مع أنّه على الفرض المذكور فمقتضى الاعتبار مانعيّة الكفر عن تأثير الأسباب المشروعة العقلائيّة في صيرورة المال ملكا طلقا للكافر الحربيّ، لا شرطيّة الإسلام، فإنّ الحيازة و الإحياء و البيع و الشراء في الأسباب العقلائيّة مقتضية لعدم جواز تصرّف الغير فيه إلّا بإذنه، فالكفر مانع بحسب الأدلّة، فإنّ الاعتبار العقلائيّ بمنزلة المقتضي بل هو المقتضي بعد عدم الردع من الشارع، و الردع في الكافر مانع لا أنّ الإسلام شرط و دخيل في حصول المقتضي. فافهم و تأمّل.

و على فرض الشكّ في أنّ الأصل الجاري هل هو عدم كون هذا المال للمسلم أو عدم كون هذا المال للكافر فيرجع إلى أصالة عدم حصول الملكيّة.

إن قلت: يشكل جريان الأصل المذكور إذا وجد الكنز في بلاد الإسلام أو‌

______________________________
(1) في ص 38.

(2) في ص 38.

112
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام ص 106

..........

كان عليه أثر الإسلام، فإنّ الظاهر أن يكون الدفينة للمسلم، كما يومئ إلى الأوّل ما ورد من حلّيّة الجلود المتّخذة من بلاد كان الغالب عليها المسلمين «1»، فكأنّه لحجّيّة الغلبة المذكورة، و يدلّ على الثاني أنّ الأثر دليل على وقوع يد المسلم عليه.

قلت: إنّما قام الدليل على حجّيّة الغلبة في الجلود الّتي كانت موردا لابتلاء المسلمين و المظنون أنّه وقع عليه يد المسلم و أحرز تذكيته، بخلاف الكنوز المظنون كونها قبل ذلك في العصور الاولى، و أمّا الأثر في الدراهم السابقة فلم يكن طبعه بحيث يكون دليلا قطعيّا على جري يد المسلم عليه.

الأمر الثالث الذي استدلّ به على المدّعى: صحيحا محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام «2» ففي الأوّل- الذي هو أقرب الى الصحّة بحسب المتن- قال:

سألته عن الدار يوجد فيها الورق، فقال: «إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم، و إن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالّذي وجد المال أحقّ به».

و فيه: أنّ الظاهر منه غير المدفون تحت الأرض، و إلّا لذكره، لاحتمال دخالته في الحكم، و لقوله: «إن كانت معمورة فيها أهلها»، فإنّه لا يمكن العثور على الكنز في الدار المعمورة الّتي فيها أهلها إلّا أن يكون حافرا للبئر مثلا، و هو من الأفراد النادرة، و لعدم الإشارة إلى وجوب الخمس.

و قد يردّ ذلك بمعارضته لموثّق محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:

«قضى عليّ عليه السّلام في رجل وجد ورقا في خربة أن يعرّفها، فإن وجد من يعرفها، و إلّا تمتّع بها» «3».

______________________________
(1) الوسائل: ج 2 ص 1072 ح 5 من ب 50 من أبواب النجاسات.

(2) الوسائل: ج 17 ص 354 ح 1 و 2 من ب 5 من أبواب اللقطة.

(3) الوسائل: ج 17 ص 355 ح 5 من ب 5 من أبواب اللقطة.

113
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام ص 106

..........

و الظاهر منه أنّه ليس من الكنز، فالخبران خارجان عن محلّ البحث.

و على فرض كون الأوّل أعمّ من الكنز فلا ريب أنّ مورد الثاني هو غير الكنز، لأنّ الورق إن كان هو الدرهم فالظاهر أنّه وجد درهما واحدا، لكن مقتضى اللغة أنّه الدراهم، و التنكير دليل على وجدان دراهم معدودة، و هي ليست كنزا قطعا.

و على فرض التعارض المتراءى- سواء كانا شاملين للكنز أو غير شاملين له أو كان الأوّل شاملا دون الأخير- فالجمع بينهما عرفا بحمل الثاني على إمكان إيصال المال إلى صاحبه، لأنّ التعريف طريق إلى الإيصال، و هو لا يمكن إلّا في فرض احتمال العثور على صاحبه، و بذلك يقيّد الأوّل إن كان مطلقا، فإنّه يمكن منع الإطلاق لظهور قوله «قد جلا عنها أهلها» في اليأس عن العثور على مالك الدراهم.

فحمل الأوّل على غير ما يوجد في أرض الإسلام و كان عليه أثر الإسلام و الثاني على الجامع للأمرين- كما يظهر من الجواهر احتمال ذلك وجها للتفصيل الآتي- لا شاهد له كما فيها، بل الظاهر أنّ الشاهد على خلافه، فإنّ في الأوّل يكون السائل محمّد بن مسلم و هو لا يسأل عمّن يسافر إلى بلاد الكفر، فالقدر المتيقّن من سؤاله ما كان في بلاد الإسلام و عليه أثر الإسلام، كما أنّ الظاهر من خبر محمّد بن قيس: عدم أثر الإسلام عليه، لأنّه لم يكن في عصر الأمير عليه السّلام سكّة إسلاميّة على ما هو المسلّم عندهم.

كما أنّ الجمع بينهما كما في الجواهر «1» «بحمل الثاني على ما لو كان الخربة لمالك معروف أو على ما إذا كان الورق غير مكنوز و حمل الصحيح على المكنوز» ممّا لا وجه له أصلا، إذ- مضافا إلى أنّه بلا شاهد مع وجود الجمع العرفيّ- قد‌

______________________________
(1) ج 16 ص 30.

114
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام ص 106

إذا كان في الأراضي الموات أو في المحياة بإحياء الواجد (1).

و كذا في الأراضي المفتوحة عنوة الّتي ليست ملكا لواحد من المسلمين (2) و لكن لا يخلو ذلك من إشكال، و الأحوط عدم التصرّف ذكرنا أنّ كلا الخبرين ظاهران في غير المكنوز، و لو كان للخربة مالك معروف لكان الأولى الحكم بالرجوع إليه و تعريفه إيّاه أوّلا.

و الحاصل أنّ العمدة في المقام هو إطلاق دليل الكنوز المؤيّد بأخبار اللقطة الدالّة على جواز التملّك إذا حصل اليأس عن العثور على صاحبه «1»، و من المعلوم أنّ المنصرف إليه في الكنوز أيضا هو صورة حصول اليأس عن صاحبه.

هذا. مضافا إلى ما تقدّم «2» من ظهور الإجماع على الصورة الّتي تقدّمت في المتن.

كما صرّحوا بذلك، و وجهه واضح.

على ما تقدّم في صدر المسألة «3» في معقد نفي خلاف صاحب الجواهر.

لكن يشكل في ما إذا علم أنّه كان الكنز موجودا تحت الأرض قبل الفتح، للعلم بعدم كونه ملكا للواجد، فإنّه إن كان من قبيل المنقول كان للغانمين و إن كان من قبيل غير المنقول كان للمسلمين.

و يمكن الجواب بأنّه ليس ممّا يغتنم، و أنّ «كلّ ما ينقل و لكن ليس ممّا يصلح للاغتنام يكون ملكا للغانمين» غير واضح. و أمّا ملك المسلمين فإنّما هو الأرض و ما هو تابع لها و كذا البناء، و لا دليل على غير ذلك.

و يمكن دفع الإشكال أيضا بأنّ مالكيّة المسلمين مدفوعة بإطلاق دليل الخمس.

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 349 الباب 2 من أبواب اللقطة.

(2) في ص 106.

(3) في ص 106.

115
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام ص 106

فيه (1).

و الظاهر أنّه لا فرق في ما ذكر بين ما تقدّم و ما كان في أرض الإسلام و كان عليه أثره (2)، بل و لو علم أنّه فعلا يكون لمسلم مجهول و لكنّه يشكل بانصراف دليل الكنز إلى ما ليس له مالك معلوم، و المفروض أنّ يد المسلمين على الأرض، و هي تدلّ على الملكيّة.

و أمّا ما ذكرناه من عدم الدليل فهو غير واضح.

و أشكل منه ما إذا كانت الأرض موردا لإجارة الغير و احتمل كون الكنز له، من حيث استقرار يد المستأجر عليها، فالمسألة مشكلة عندي، و الأحوط عدم التصرّف فيه.

لما عرفت في التعليق المتقدّم.

وفاقا للخلاف و السرائر و المدارك و ظاهر إطلاق المفيد و المرتضى، و خلافا لما عن الفاضلين و المبسوط فإنّه لقطة، بل في التنقيح أنّ عليه الفتوى.

هذا كلّه على ما في الجواهر و قد قوّاه أيضا «1».

و هو الأقوى بحسب الظاهر، لإطلاق دليل الخمس الظاهر في كون الباقي لواجده. و وجوب الإيصال إلى صاحبه غير فعليّ عند اليأس عن ذلك و لو كان مثل اللقطة، بناء على ما أفتوا به من جواز التملّك عند اليأس و دلّ عليه بعض الروايات الواردة في الباب الأوّل من أبواب اللقطة في الوسائل «2»، و لا يعارضه ما تقدّم «3» من موثّق محمّد بن قيس الدالّ على وجوب التعريف، لما تقدّم «4».

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 29.

(2) ج 17 ص 347.

(3) في ص 113.

(4) في ص 114.

116
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام ص 106

لا يتمكّن من الإيصال إليه من جهة الجهل به (1).

وفاقا لما قوّاه في الجواهر في آخر كلامه، و بعد ما استظهر في أوّل كلامه اتّفاق الأصحاب على إرادة غير المعلوم كونه للمسلم، كما يومئ إليه التفصيل بأثر الإسلام و عدمه، قال:

و إن لم نجنح إلى ذلك التفصيل لأعمّيّة الأثر من ذلك «1».

و ظهر في طيّ كلامه وجوه أخر، منها كونه من اللقطة. و منها رجوع أمره إلى الحاكم. و منها كونه من مجهول المالك فيتصدّق به «2».

أقول: فهنا وجوه أربعة:

أمّا الأوّل فلإطلاق أدلّة الكنوز.

و أمّا الثاني فلشمول أخبار اللقطة له من حيث إنّ موضوعها مطلق المال المجهول مالكه و لو بإلقاء خصوصيّة الضياع.

و يردّه عدم الدليل على إلقاء خصوصيّة الضياع المأخوذ في موضوع اللقطة عرفا.

لكنّ الظاهر إلقاء الخصوصيّة و إنّما يجب التعريف في فرض إمكان العثور على صاحبه، و منصرف الكنز غير ذلك المورد، و أمّا وجوب التصدّق بعد اليأس فليس متعيّنا في اللقطة، بل يدلّ بعض الأخبار «3» على جواز التملّك، فيمكن أن يكون الحكم في مقام الثبوت أنّه في اللقطة يتخيّر بين الأمور الثلاثة من دون إعطاء الخمس، و في الكنز يملك و يؤدّي خمسه، فلا يمكن الحكم بالتخيير من جهة إلقاء الخصوصيّة.

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 30.

(2) الجواهر: ج 16 ص 30.

(3) الوسائل: ج 17 ص 349 الباب 2 من أبواب اللقطة.

117
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام ص 106

..........

و أمّا الثالث فلعلّه من باب أنّه ملحق بمال من لا وارث له، فهو للإمام عليه السّلام فيرجع إلى نائبه، أو يحتمل أن يكون كذلك فيرجع إليه أيضا، أو يكون ذلك مقتضى عدم وارث لمن دفن المال غير أبويه و أجداده و قد علم بموتهم، فهو محكوم بأنّه مال من لا وارث له.

و هو أيضا مردود بإطلاق دليل الكنوز، كما لا يخفى.

و أمّا الأخير فمدفوع أيضا بعدم وضوح إطلاق يدلّ على التصدّق في جميع ما يصدق عليه أنّه مجهول المالك، و على فرض وجوده فلا ريب أنّ إطلاق دليل الكنوز مخصّص له، لأنّ جميع الكنوز مجهول مالكه، فالأوّل هو الأصحّ، و هو العالم.

و أمّا موثّق إسحاق الآتي «1» في الذي يوجد في بيوت مكّة ممّا يحتمل أن يكون قابلًا للفحص عن اليد السابقة عليه و الحكم بالتصدّق بعد عدم معرفة صاحب اليد الاولى، فهو أجنبيّ عن المورد.

مع أنّه في بيوت مكّة، و يمكن الفرق بين الذي يوجد في الحرم و الحلّ كما ورد الفرق في لقطته «2».

مع أنّه في الأرض المفتوحة عنوة الّتي قد عرفت الإشكال فيها «3».

و أمّا احتمال «انصراف الكنوز إلى ما يحتمل عدم جري يد المسلم عليه، لكون الروايات وردت في صدر الإسلام، و الاحتمال كان في العصر المذكور قويّا» فيدفعه أنّ القضايا كادت أن تكون صريحة في القضايا الحقيقيّة، دون الخارجيّة.

______________________________
(1) في ص 120.

(2) الوسائل: ج 17 ص 368 ح 2 من ب 17 من أبواب اللقطة.

(3) في ص 115.

118
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 1 حكم ما إذا وجد الكنز في ملك مبتاع ص 119

المسألة 1 [حكم ما إذا وجد الكنز في ملك مبتاع]

لو وجده في ملك مبتاع و يعلم بجري يده عليه و لا يكون متأخّرا عنه عرّفه البائع بلا إشكال (1). هذا إذا جرت يد المشتري على الكنز.

بل و لا خلاف في ما إذا كان عليه أثر الإسلام، و ظاهر المشهور عدم الفرق بينه و بين ما إذا لم يكن عليه أثر الإسلام. و في التذكرة و المنتهى اختصاص التعريف بالأوّل، و أمّا الثاني فهو لواجده أو لقطة كما في الجواهر «1».

و الظاهر عدم الفرق، كما هو المنسوب إلى المشهور.

و يستدلّ على ذلك بأمور:

منها: اليد. و سقوط ظهورها من باب الإقدام على البيع الدالّ على عدم الاطّلاع لا يسقطها عن الحجّيّة، لاحتمال النسيان أو كون الدفن من أبيه له أو من زوجته المتوفّاة الراجع إليه.

و كون الحكمة في حجّيّة اليد هي الظهور لا يوجب أن تكون الحجّيّة دائرة مدار الظهور، كيف! و قد ورد حجّيّة اليد و لو كانت البيّنة على خلافها و كانت متعارضة لبيّنة اخرى «2»، و قد ورد أيضا في المعتبر جواز اشتراء من يدّعي أنّه حرّ إذا كان بيد من يدّعي ملكيّته «3»، و يشترون العقلاء من اللصّ ماله إذا احتمل كونه مالا له و لم يكن في البين علم إجماليّ في محلّ الابتلاء.

و منها: موثّق إسحاق بن عمّار، قال:

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 31- 32.

(2) الوسائل: ج 18 ص 182 ح 2 و 3 من ب 12 من أبواب كيفيّة الحكم و أحكام الدعوى.

(3) الوسائل: ج 13 ص 30 الباب 5 من أبواب بيع الحيوان.

119
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 1 حكم ما إذا وجد الكنز في ملك مبتاع ص 119

..........

سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن رجل نزل في بعض بيوت مكّة فوجد فيه نحوا من سبعين درهما مدفونة، فلم تزل معه و لم يذكرها حتّى قدم الكوفة كيف يصنع؟

قال: «يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها».

قلت: فإن لم يعرفوها؟ قال: «يتصدّق بها» «1».

بناء على أنّه من الكنز و إن أشكل فيه كما تقدّم «2».

و لعلّ الأصحّ أنّه إن كان نحوا من سبعين درهما يجب فيه تعريف أهل المنزل الذي لا خصوصيّة لهم إلّا كون المال في منزلهم، فالكنز الذي هو أكثر أولى بلزوم التعريف. نعم، فيه إشكال من جهة أنّه في مورد الرواية لم تقع قرينة قبل التعريف على عدم اطّلاع ذي اليد، و في مورد البحث يكون بيع صاحب اليد قرينة على عدم الاطّلاع.

و يمكن الاستدلال بقوله «لعلّهم يعرفونها» فإنّه بمنزلة التعليل و إنّه إذا احتمل العثور على صاحب المال فلا بدّ من التعريف، و هذا التقريب لا يخلو عن وجه.

و منها: صحيحا محمّد بن مسلم المتقدّمان «3» الدالّان على إعطاء الورق إلى أهل الدار و أنّه لهم.

لكنّ الاستدلال بذلك خال عن السداد، لورودهما في غير الكنز كما تقدّم «4»، و اليد الواقعة على المال الخارجيّ الموجود في الدار أقوى من اليد على تحت الأرض، مضافا إلى عدم قرينة على عدم اطّلاع أهل الدار، بخلاف المقام.

و منها: صحيح عبد اللّه بن جعفر، قال:

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 355 ح 3 من ب 5 من أبواب اللقطة.

(2) في ص 114.

(3) في ص 113.

(4) في ص 113.

120
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 1 حكم ما إذا وجد الكنز في ملك مبتاع ص 119

و أمّا إذا لم يتصرّف فيه مع وجدانه له فلا دليل على وجوب التعريف، كما في اللقطة الّتي لا يتصرّف فيها (1).

كتبت إلى الرجل عليه السّلام أسأله عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للأضاحيّ، فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة لمن يكون ذلك؟

فوقّع عليه السّلام: «عرّفها البائع، فإن لم يكن يعرفها فالشي‌ء لك رزقك اللّه إيّاه» «1».

و لا يبعد صحّة الاستدلال به بإلقاء الخصوصيّة، من جهة اشتراكه للمبحوث عنه من جهة قيام القرينة القطعيّة على عدم اطّلاع البائع و من جهة عدم قوّة اليد عليه، بل عدم جعل الصرّة في بطن البقرة هنا من طرف البائع معلوم، بخلاف مورد البحث، إذ من الممكن أنّ ادّخاره كان من البائع ثمّ عرض له النسيان.

و منها: ما دلّ على وجوب التعريف في اللقطة «2»- الّتي هي أقلّ من الكنز بحسب الأغلب- في موارد احتمال العثور على صاحبها، و لا ريب أنّه لا مورد أقرب احتمالا للعثور على صاحبه من البائع، إذ من المحتمل عرفان ذلك بعد التعريف، لوجود علامة في الكنز يدلّ على كونه لمورّثه أو لمن أوصى له أو كان المدّخر له هو بنفسه فنسي من جهة طول الزمان أو هو ينفي عن نفسه و يعرف من اشترى منه أو من انتقل منه إليه بدون الاشتراء، فوجوب تعريف البائع إن تصرّف فيه المشتري و جرت يده عليه ممّا لا إشكال فيه.

لعدم لزوم أداء مال ليس في يده إلى الغير، و قد ورد في اللقطة النهي عن التعرّض لها «3» مع أنّ احتمال الضياع عن صاحبه قويّ.

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 358 ح 1 من ب 9 من أبواب اللقطة.

(2) الوسائل: ج 17 ص 349 الباب 2 من أبواب اللقطة.

(3) الوسائل: ج 17 ص 347 الباب 1 و ص 349 الباب 2 من أبواب اللقطة.

121
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 2 لو احتمل عدم جري يد البائع عليه ص 122

المسألة 2: لو احتمل عدم جري يد البائع عليه

بأن احتمل أنّ ادّخاره كان بعد الاشتراء منه- فالظاهر أيضا وجوب تعريف البائع (1)، و كذا لو وصل في من انتقل منهم الدار إلى من يحتمل عدم جري يده عليه (2).

و احتمال «لزوم التصرّف في الكنز لأداء خمسه إلى صاحبه» مدفوع بدليل النصاب الظاهر أو الصريح في عدم الوجوب إلّا إذا أخرج منه بمقدار النصاب، و ليس المقصود بلوغ الكنز بحدّ النصاب، فإنّ بلوغ الكنز إلى المبلغ المذكور مأخوذ في الكنز عرفا، فالاشتراط المذكور كاللغو، مع أنّه لو فرض كون الخمس فيه قبل التصرّف فلا دليل على وجوبه على الواجد غير المتصرّف.

خلافا لصاحب المدارك «1»، لعدم معلوميّة جري اليد السابقة عليه.

لكنّ الظاهر وجوب تعريف البائع من باب احتمال أن يكون له أو يعرف المالك.

و يدلّ على ذلك عموم «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» «2»، و ما ورد في اللقطة من وجوب التعريف «3»، و الكنز أولى بذلك، لكونه مالا كثيرا، و أخبار الكنز منصرفة قطعا إلى ما لا يمكن العثور على مالكه عادة، كما لا يخفى.

و لا يخفى اختصاص ذلك أيضا بمن تصرّف في الكنز، كما تقدّم في المسألة المتقدّمة.

لما تقدّم في التعليق السابق من الوجه.

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 34.

(2) المستدرك: ج 14 ص 7 ح 12 من ب 1 من أبواب الوديعة.

(3) الوسائل: ج 17 ص 349 الباب 2 من أبواب اللقطة.

122
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 3 حكم ما إذا قطع بجري يد البائع على الكنز ص 123

المسألة 3 [حكم ما إذا قطع بجري يد البائع على الكنز]

في صورة القطع بجري يد البائع عليه فهل يؤدّي إليه إلّا إذا نفاه عن نفسه أو إذا ادّعاه أو إذا عرفه أو إذا لم ينكره بالنفي أو الترديد؟ وجوه، لعلّ الأظهر هو الأخير (1).

أمّا الأوّل فهو الذي قال قدّس سرّه في الجواهر إنّه: «قد يدّعى أنّه محكوم بملكيّته له ما لم ينفه عن نفسه» «1» من غير ردّ عليه.

و الوجه في ذلك إطلاق دليل حجّيّة اليد. و قد يستدلّ بما تقدّم «2» من صحيح محمّد بن مسلم، لقوله عليه السّلام: «فهي لهم».

و أمّا الثاني فهو الذي يظهر من صاحب مصباح الفقيه اختياره «3»، و هو معقد إجماع المنتهى أيضا على ما في الجواهر «4»، بمعنى أنّ كونه له مع دعواه إجماعيّ، بخلاف غير صورة الدعوى، فإنّه لا يكون موردا للإجماع و إن لم يكن إجماع على خلافه أيضا.

و الوجه في ذلك أمران:

أحدهما: دعوى أنّ اليد المقرونة بالبيع الذي هو قرينة على عدم الاطّلاع لا تكون لها ظهور إلّا بضمّ الدعوى، كما في المصباح «5».

و فيه ما مرّ «6» في صدر المسألة الاولى من إطلاق حجّيّة اليد و عدم دورانه مدار الظهور الفعليّ.

ثانيهما: ما دلّ على حجّيّة قول المدّعي الذي لا معارض له، كما في معتبر منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 31.

(2) في ص 113.

(3) مصباح الفقيه: ج 3 ص 120.

(4) الجواهر: ج 16 ص 31.

(5) ج 3 ص 120.

(6) في ص 119.

123
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 3 حكم ما إذا قطع بجري يد البائع على الكنز ص 123

..........

قلت: عشرة كانوا جلوسا وسطهم كيس فيه ألف درهم، فسأل بعضهم بعضا أ لكم هذا الكيس؟ فقالوا كلّهم: لا، و قال واحد منهم: هو لي، فلمن هو؟ قال: «للّذي ادّعاه» «1».

و هذا أيضا وارد في غير مورد مسألتنا، فإنّه ورد في فرض عدم تعلّق يد به حتّى تضمن وصوله إلى صاحب المال، و الحكم بأنّه للمدّعي الذي ليس له معارض مطلقا- حتّى مع فرض جعل اليد عليه- مناف لما هو الثابت في أدلّة اللقطة، و لما هو السيرة الإسلاميّة العقلائيّة: من عدم إعطاء اللقطة لمن يدّعيها من دون التعريف و من غير الوثوق به، و مورد البحث- كما تقدّم- هو ما إذا تصرّف المشتري في الكنز و لا بدّ من ردّه إلى صاحب المال.

و أمّا الثالث فلعدم حجّيّة اليد في المقام حتّى مع ضمّ الدعوى، لأنّها كالعدم بعد البيع الذي هو قرينة على عدم الاطّلاع، و قد مرّ عدم حجّيّة صرف الدعوى في المقام، فلا بدّ من معرفة المال بحيث تطمئنّ النفس بكون المال له، كما يومئ إلى ذلك ما تقدّم «2» من خبر الحميريّ الوارد في الصرّة الموجودة في بطن البقرة.

لكن فيه: ما عرفت «3» من أنّ حجّيّة اليد لا تدور مدار الظهور الفعليّ.

و أمّا الرابع فلما تقدّم من حجّيّة اليد من دون الاحتياج إلى ضمّ الدعوى.

لكنّ الظاهر أنّ الترديد موجب لعدم حجّيّة اليد في حقّه، إلّا إذا كان في البين قرينة موجبة للظنّ النوعيّ بكونه ملكا له.

و الدليل على عدم حجّيّة اليد في فرض كون صاحب اليد بنفسه مردّدا هو صحيح جميل، قال:

______________________________
(1) الوسائل: ج 18 ص 200 الباب 17 من أبواب كيفيّة الحكم.

(2) في ص 121.

(3) في ص 119.

124
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 4 حكم ما لو قطع بعدم الادخار من غير المالكين للأرض ص 125

و المقصود إظهار الترديد من دون وجود قرينة توجب الظنّ النوعيّ (1).

المسألة 4 [حكم ما لو قطع بعدم الادّخار من غير المالكين للأرض]

في صورة القطع بعدم الادّخار من غير المالكين في مدّة كون البيت بيدهم فالظاهر ما عليه الأصحاب- على ما هو المشهور عندهم- (2) من الرجوع إلى المالك الذي قبله إن لم يعرفه البائع قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل وجد في منزله دينارا؟ قال: «يدخل منزله غيره؟» قلت: نعم، كثير.

قال: «هذا لقطة».

قلت: فرجل وجد في صندوقه دينارا؟ قال:

«يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شي‌ء؟» قلت: لا. قال: «فهو له» «1».

فإنّ دخول غيره كثيرا في المنزل لا يوجب القطع و لا الظنّ بكونه من غيره، كما أنّ فرض دخول يد غيره في الصندوق- المحكوم فيه بعدم كونه له بالمفهوم، و كونه بمنزلة الفرض الأوّل المحكوم بكونه لقطة- ليس مستلزما للعلم بكونه لغيره. نعم، الفارق هو وجود الظنّ النوعيّ و عدمه مع فرض اليد. فراجع ملحقات العروة «2» حتّى يتّضح لك عدم صحّة استدلال صاحب المستند لعدم حجّيّة اليد مع ترديد صاحبها «3»، و عدم صحّة جواب السيّد قدّس سرّه بالحجّيّة مطلقا و حمل الخبر على صورة العلم بكون المال لغيره، بل الظاهر: التفصيل في صورة الجهل و الترديد.

كما يظهر وجهه ممّا تقدّم في التعليق المتقدّم.

بل في الجواهر أنّه «لا أجد فيه خلافا بيننا» «4».

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 353 الباب 3 من أبواب اللقطة.

(2) ج 3 ص 120.

(3) مستند الشيعة: ج 2 ص 577.

(4) الجواهر: ج 16 ص 31.

125
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 5 إذا حصل اليأس من الوصول إلى صاحبه ص 126

و هكذا (1).

المسألة 5 [إذا حصل اليأس من الوصول إلى صاحبه]

على جميع الفروض لو وصل إلى حدّ اليأس عن وصوله إلى صاحبه الواقعيّ أو إلى من هو محكوم بأنّه مالك من باب جري يده عليه فالظاهر كون الكنز لواجده و عليه الخمس بالشرط المتقدّم و هو و ذلك من غير فرق بين ما إذا احتمل أن يكون الادّخار من الذي يرجع إليه أو علم جري اليد السابق عليه:

أمّا في الصورة الأولى فلم يحرز يد أصلا بالنسبة إلى الأسبق ما لم ينكره السابق، فلا وجه للرجوع إلى الأسبق، لعدم وجود ملاك الحجّيّة أصلا إلّا بعد إنكار السابق.

و أمّا في الصورة الثانية فاليد الاولى ليست بفعليّة إلّا بعد إنكار السابق، بمقتضى أماريّة اليد و تقدّمها على استصحاب كون الكنز ملكا للسابق المحرز أيضا باليد السابقة في الفرض.

فلا موقع لإشكال صاحب الجواهر قدّس سرّه أصلا من:

تساوي الجميع في عدم اليد لهم وقت التعريف، و قرب زمان أحدهم من يد المعرّف لا يقتضي ترجيحه على غيره «1».

و ذلك لما عرفت من عدم اليد الفعليّ للأسبق.

كما أنّه لا أثر ليد من يعلم أنّه ليس مالكه في الفرض، كالمشتري أو البائع إذا أنكره و نفى عن نفسه، فاليد السابقة على يد البائع غير محرزة التحقّق أو محكومة بأماريّة اليد الّتي بعدها، كما لا يخفى.

كما أنّ جواب صاحب المصباح ب‍ «انقطاع يد الأسبق بأماريّة اليد الّتي‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 32.

126
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 6 لزوم مراعاة الترتيب في فرض عدم العلم بجري اليد عليه ص 127

التصرّف و البلوغ إلى النصاب (1)، إلّا إذا انتهى إلى الأرض المفتوحة عنوة (2) فالأحوط عدم التصرّف فيه (3).

المسألة 6 [لزوم مراعاة الترتيب في فرض عدم العلم بجري اليد عليه]

في ما يحتمل عدم جري اليد عليه أو في ما وصل إلى ذلك- أي إلى ما يحتمل عدم جري اليد عليه- فالظاهر هو الرجوع إلى من كان البيت بيده بالترتيب المذكور في الصورة السابقة (4).

بعدها» «1» ليس بسديد على إطلاقه، لعدم الاستصحاب إلّا في صورة القطع بجري اليد السابقة على البائع على المال، و إلّا فلا حالة سابقة للاستصحاب.

كما عليه بنى قدّس سرّه في الجواهر و قال:

بل صرّح بعضهم بصيرورته حينئذ كالموجود في أرض المسلمين يجري فيه الخلاف السابق «2» [و هو التفصيل بين ما إذا كان عليه أثر الإسلام أم لا].

و قد مرّ عدم استقامة ذلك، بل الظاهر من إطلاق أدلّة الكنوز: ما ذكر، حتّى في ما إذا علم بأنّ المدّخر له كان مسلما.

فإنّ فيه الإشكال المتقدّم «3».

كما مرّ وجهه فيها «4».

و إن تصرّف فيه فالأحوط إعطاؤه للفقيه الجامع للشرائط و هو يعطي خمسه، و الأحوط صرف الباقي في سبيل اللّه، فإنّه إن كان بحكم مجهول المالك فحكمه التصدّق و من مصارفه سبيل اللّه، و إن كان للمسلمين من باب أنّه بحكم غير المنقول فقد صرف في مصرفه. و هو العالم.

أي صورة العلم بجري يد المالكين عليه، و ذلك من باب أنّ الأوّل‌

______________________________
(1) مصباح الفقيه: ج 3 ص 119.

(2) الجواهر: ج 16 ص 32.

(3) في ص 115.

(4) في ص 115.

127
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 7 لزوم أن يعرف المال إذا لم يعلم بجري يد البائع عليه ص 128

المسألة 7 [لزوم أن يعرّف المال إذا لم يعلم بجري يد البائع عليه]

إذا احتمل عدم جري يد البائع على الكنز أو وصل إلى ذلك الحدّ فقد مرّ وجوب التعريف إلى الأقرب فالأقرب أيضا، لكن لا يكفي في تلك الصورة صرف عدم النفي عن نفسه و عدم إظهار الجهل بذلك، بل لا بدّ من أن يعرفه (1).

المسألة 8 [تصوير التداعي على الكنز]

إنّما يتصوّر التداعي في ما جرت يد كلّ من المتداعين على المال مع إقرار الكلّ بعدم انتقال الكنز إليهم (2) بعنوان التملّك، أو لم أقرب من يحتمل أن يكون مالكه واقعا أو ظاهرا، أو يرشد إلى ذلك، و بعده الثاني و بعده الثالث إلى أن يصل إلى حدّ لا مالك له أو لا يمكن العثور على مالكه، فإنّه على فرض عدم الادّخار من غير المالكين أو قبل أن يملك الأرض فجري يد الأخير أقوى احتمالا ثمّ الثاني ثمّ الثالث، لأنّه إن جرت يد عشرة عليها في الفرض المذكور فجري يد العاشر مسلّم و كذا التسعة إلى أن يصل إلى العاشر، فالتفصيل المذكور في كلام القوم متين جدّا، و لا يردّ بصحيح الحميريّ المتقدّم «1»، لما يأتي في التعليق الآتي.

و ذلك لعدم إحراز اليد عليه فلا بدّ من حصول الوثوق بكون الكنز له، كما ربما يومئ إلى ذلك صحيح الحميريّ المتقدّم «2» من جهة عدم اعتبار اليد على الصرّة الّتي في بطن البقرة عرفا، فالبايع هو الذي يرجع إليه لأنّه من موارد التعريف، و عدم الإرجاع إلى المالك الأسبق فللعلم العاديّ بعدم بقاء الصرّة من العصر السابق في بطن البقرة أو الجزور، فتأمّل.

فإنّ كلّا من الأيادي مشتركة في الإقرار بعدم حصول اليد على الكنز بعنوان التملّك حتّى الأوّل مثلا، فإنّه يدّعي أنّ الكنز مثلا ملكه الذي ادّخره أبوه له قبل أن يملك الأرض، فملك الأرض من دون أن يقصد به تملّك الكنز، و كذا‌

______________________________
(1) في ص 121.

(2) في ص 121.

128
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 9 حكم التصرف في الكنز الذي يوجد في المبتاع ص 129

يحرز إجراء يد أحد منهم على المال لكن يدّعي كلّ منهم أنّه له (1).

المسألة 9 [حكم التصرّف في الكنز الذي يوجد في المبتاع]

إذا لم يتصرّف في الكنز فوجد صاحبه كان له (2).

و أمّا إذا تصرّف فيه و تملّكه من دون إعطاء خمسه و إتلافه فالظاهر أيضا أنّه كسابقه (3).

و أمّا إذا أدّى خمسه و أتلف الكنز فهل هو ضامن للمال و ضامن للخمس أيضا ثمّ يرجع إلى صاحب الخمس فيستقرّ الضمان عليه أم لا، أو يكون الخمس بمنزلة التصدّق فلا يضمن صاحب الخمس بل يخيّر المالك بين الأجر و الغرم، أو لا ضمان أصلا لأنّ الإتلاف وقع بإذن اللّه تعالى فهو أولى من إذن صاحب المال؟ وجوه (4).

الأيادي المتأخّرة، فالظاهر عدم حجّيّة تلك الأيادي من حيث اليد، لأنّ كلّا من صاحبي تلك الأيادي متّفقون على أنّ الملكيّة ليست من حيث وقوع اليد على المال، كمن كان مال في يده و يقرّ بأنّه أخذ من غيره غفلة أو سرقة ثمّ تبيّن أنّه ماله.

كما هو واضح في تلك الصورة، و أمّا في صورة جري يد الكلّ على الكنز مع احتمال شراء الكنز أو جرى يد الأقرب مع عدم إحراز جري اليد السابقة عليه فلا معنى للتداعي، فإنّ ذا اليد منكر و غيره مدّع، كما لا يخفى.

كما هو واضح، لأنّ صرف الحكم بجواز التملّك و أداء الخمس لا يدلّ على الخروج عن ملكيّة المالك.

من جهة عدم ثبوت كون الإذن في التملّك و التصرّف حكما واقعيّا فيخرج المال عن مال صاحبه واقعا، فيستصحب بقاء ملكيّة صاحب المال واقعا.

و ظهور الحكم في كونه واقعيّا غير ظاهر في مثل المورد المفروض فيه الجهل بمالكه على فرض وجود المالك له.

أمّا وجه الضمان فلإتلاف مال الغير من دون إذنه.

129
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 9 حكم التصرف في الكنز الذي يوجد في المبتاع ص 129

لو اشترى دابّة و وجد في جوفها شي‌ء له قيمة عرّفه البائع (1)، فإن و أمّا وجه التفصيل بين الخمس و غيره فلأنّ الخمس بمنزلة تصدّق مجهول المالك أو هو مصداقه بعينه، لأنّه إعطاء المال في سبيل اللّه تعالى.

و أمّا وجه عدم الضمان فلأنّ الإذن منه تعالى- و لو كان الحكم ظاهريّا- بمنزلة إذن صاحب المال، فإنّ الإذن واقعيّ، و حيث إنّ الموضوع نادر الوقوع لا يهمّنا إشباع الكلام فيه.

الظاهر أنّه لا خلاف في ذلك، فإنّه مقتضى القاعدة في الشي‌ء المجهول مالكه إذا كان العثور عليه محتملا بحسب المتعارف، و أقرب موارد التعريف هو الرجوع إلى البائع، و الظاهر أنّه ليس الرجوع إليه من باب أماريّة اليد على مالكيّته، كما يومئ إلى ذلك الحكم بالتعريف و تعليق كونه له على صورة عرفانه للمال.

و الوجه في ذلك أنّ اليد كناية عن الوقوع تحت السلطة، و ليس المال الموجود في جوف الدابّة، من موارد وقوع السلطة عليه بحيث يكون وضع ذلك المال في جوف الدابّة من الموارد الّتي يضع أصحاب الأموال أموالهم فيها، و هذا بخلاف الكنز الموجود في الأرض المشتراة.

و يدلّ عليه- مضافا إلى ذلك- مصحّح عبد اللّه بن جعفر قال:

كتبت إلى الرجل عليه السّلام: أسأله عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للأضاحيّ، فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة لمن يكون ذلك؟

فوقّع عليه السّلام: «عرّفها البائع، فإن لم يكن يعرفها فالشي‌ء لك رزقك اللّه إيّاه» «1».

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 358 ح 1 من ب 9 من أبواب اللقطة.

130
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 9 حكم التصرف في الكنز الذي يوجد في المبتاع ص 129

عرفه فهو له (1)، و إلّا فهو للمشتري (2) إذا كان العثور على صاحبه متعذّرا أو متعسّرا. و الأحوط التملّك ثمّ إعطاء الخمس (3).

الظاهر من المعتبر المتقدّم: اعتبار معرفة المال، فلا يعطى بصرف ادّعاء كون المال له، و هذا بخلاف ما تقدّم «1» من الكنز الذي يوجد في البيت المشترى، و الفرق بينهما تحقّق اليد بالنسبة إليه دونه.

مقتضى إطلاق بعض الكلمات عدم لزوم التعريف بعد أن لم يعرف البائع، لا بالنسبة إلى من انتقل منه إلى البائع الأوّل و لا بالنسبة إلى غيره، لكن مقتضى ما دلّ من التعريف في اللقطة: اختصاص ذلك بصورة اليأس عن صاحبه أو العسر في التعريف.

و أمّا المعتبر المتقدّم فهو وارد بالنسبة إلى ما كان يقع في الخارج في عصر الصدور، و ليس من القضايا الحقيقيّة الّتي تكون في مقام بيان الحكم الكلّيّ بالنسبة إلى الموضوع الأعمّ من الموجود و المقدّر، و التقيّد بالقيد الحاصل غالبا في القضايا الخارجيّة قبيح عرفا، فيمكن أن يكون بيع البقر و الغنم و أمثالهما في العصر المذكور من أهل القرى و البوادي، و لم يكن موردا لتوارد الأيادي المتعدّدة كما في عصرنا الحاضر حتّى يحكم بالرجوع إلى البائع الثاني، و التعريف بالرجوع إلى البلاد الأخر كان معسورا جدّا.

و الحاصل أنّه لا يمكن الحكم بالإطلاق و جواز التملّك حتّى مع احتمال العثور على صاحبه و تيسّر ذلك- خصوصا مع الظنّ بذلك- للمعتبر المتقدّم.

أمّا وجوب الخمس فيه فعن المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب بذلك،

______________________________
(1) في ص 119.

131
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 9 حكم التصرف في الكنز الذي يوجد في المبتاع ص 129

و الأولى التصدّق بالجميع و إعطاء الخمس من مال آخر (1).

و لو ابتاع سمكة فوجد في جوفها شي‌ء أخرج خمسه و كان له الباقي و لا يعرّف (2).

و عن ظاهر الكفاية و الحدائق الاتّفاق عليه «1».

أقول وجه الخمس في كلامهم أمور: أحدها: الإجماع المشار إليه. ثانيها:

دخوله في مفهوم الكنز أو إلحاقه به. ثالثها: دخوله في مطلق الفوائد و الغنائم.

و نحن نذكر وجها رابعا لعلّه أسدّ ممّا ذكر، و هو صحيح عليّ بن مهزيار المعروف، و فيه في طيّ ذكر الغنائم:

«و مثل مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب» «2».

فالحكم بوجوب الخمس للخبر المذكور متعيّن. نعم، لعلّه لا بدّ من أن يكون فاضلا من مئونة السنة و يجي‌ء الكلام في ذلك إن شاء اللّه.

و أمّا كون الأحوط التملّك ثمّ الخمس، فلأنّ مقتضى عموم أخبار التصدّق «3»:

جواز التصدّق عن صاحبه، و معه لا يصدق الفائدة أو يكون مشكوكا.

و أمّا التصدّق بدون الخمس فلا يخلو عن إشكال، لاحتمال صدق الغنيمة و لإطلاق الصحيح المتقدّم.

للعمل بأخبار التصدّق «4» و خبر لزوم الخمس في مجهول المالك «5» و عدم منافاته في العمل بمعتبر الحميريّ المتقدّم «6».

كما في الشرائع «7»، و هو الذي حكى في الجواهر عن الشيخ الطوسيّ قدّس سرّه‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 36.

(2) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) الوسائل: ج 17 ص 349 الباب 2 و ص 357 الباب 7 من أبواب اللقطة.

(4) الوسائل: ج 17 ص 349 الباب 2 و ص 357 الباب 7 من أبواب اللقطة.

(5) الوسائل: ج 6 ص 344 ح 6 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(6) في ص 130.

(7) الشرائع: ج 1 ص 134.

132
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 9 حكم التصرف في الكنز الذي يوجد في المبتاع ص 129

..........

غير الحكم بالخمس «1».

أقول: أمّا عدم لزوم تعريف البائع فلأنّه ليس ممّا ثبتت يده على ما في الجوف، لما عرفت في المسألة المتقدّمة من كون اليد كناية عن كون المال في ما يوضع فيه من جانب صاحبه فكأنّما يكون في يده، و ليست فيه خصوصيّة تقتضي التعريف، لقضاوة العادة قطعا بأنّه لم يدخل المال في جوف السمكة في حال كونها ملكا له، فيكون احتمال معرفة المال فيه أقوى من غيره.

و أمّا عدم لزوم التعريف بنحو الإطلاق:

فإن لم يكن فيه أثر الملكيّة- كالدراهم و الدنانير- بأن يكون محتملا لكونه من المباحات الأصليّة فإنّ مقتضى الأصل الإباحة.

إن قلت كما عن التذكرة: إنّ حيازة السمكة حيازة لجميع ما في جوفها «2»، و مقتضى ذلك كون الصيّاد مالكا له، فلا بدّ من إعطائه الصيّاد عرفه أم لم يعرفه.

قلت: الظاهر أنّ حصول ملكيّة المباح بصرف الوقوع في ملكه (كالماء الذي يجري قهرا من الشطوط و الأنهار الكبيرة في ملك بعض المالكين أو يطير طير في الفضاء فيقف في بعض البيوت) خلاف بناء العقلاء، بل لا بدّ من قصد الحيازة و جعله تحت اختياره، و من المعلوم أنّه لم يقصد حيازة الدرّة و الجوهرة الّتي في جوف السمكة، و القصد الإجماليّ الضمنيّ إنّما هو بما يشتمل عليه السمك من أجزائه الأصليّة، كيف! و لو كان القصد إلى الحيازة حاصلا بنحو الإجمال كان حاصلا في البيع الأوّل و البيع الثاني، فهو للمشتري، و مقتضاه عدم التعريف أيضا.

هذا. مضافا إلى أنّه إذا دلّ المعتبر المتقدّم «3» على عدم لزوم تعريف غير البائع في ما يوجد في جوف الدابّة من الصرّة و نحوها فهو أولى بعدم لزوم التعريف،

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 36.

(2) مصباح الفقيه: ج 3 ص 122.

(3) في ص 130.

133
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 9 حكم التصرف في الكنز الذي يوجد في المبتاع ص 129

..........

لاحتمال عدم حصول الملكيّة أصلا، و هو الذي تمسّك به في المصباح «1».

لكن لا يخلو عن إشكال، من جهة وجود إشكال في المقام- غير ما في المسألة المتقدّمة- و هو احتمال كون المال ملكا للصيّاد للحيازة.

و إن كان فيه أثر الملكيّة، فيدلّ عليه معتبر الحميريّ المتقدّم «2» بالأولويّة و الفحوى، من جهة عدم احتمال وقوعه في جوفها في حال كونها مملوكة لبعض المالكين، بخلاف مثل مورد معتبر الحميريّ «3».

لكن قد عرفت أنّ القدر المسلّم من مورد دلالته هو صورة اليأس عرفا أو العسر في التعريف، و هو حاصل غالبا بل دائما بحسب العادة في مورد المثال- و هو السمكة- بحسب الإدراكات المتعارفة.

و أمّا كون المال له في الصورة الأولى فقد اتّضح ممّا ذكر، لأنّه على فرض عدم وجود أثر الملكيّة فمقتضى الأصل: الإباحة و جواز التملّك، و أمّا في الصورة الثانية- و هي ما إذا كان فيه أثر الملكيّة- فلمعتبر الحميريّ المتقدّم «4» بالأولويّة.

و أمّا لزوم الخمس فلاحتمال دخوله في ما يلحق بالكنز عرفا من حيث لزوم الخمس، أو كونه مشمولا لعموم الفوائد و الغنائم، أو يقال بدلالة مكاتبة عليّ بن مهزيار الصحيحة «5» عليه من حيث كونه من مصاديق الغنائم بالتفسير المذكور في الرواية المنطبق على الأموال غير المترقّبة كالإرث من حيث لا يحتسب، بل على فرض وجود أثر الملكيّة فيه فهو داخل في الجملة المتقدّمة المنقولة «6».

و لا يخفى أنّ الاحتياط المذكور- من التملّك ابتداء ثمّ التخميس، و من كون الأولى التصدّق بالجميع و التخميس من مال آخر- جار هنا في ما فيه أثر الملكيّة،

______________________________
(1) مصباح الفقيه: ج 3 ص 121.

(2) المتقدّم في ص 130.

(3) المتقدّم في ص 130.

(4) المتقدّم في ص 130.

(5) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(6) في ص 132.

134
کتاب الخمس (للحائري)

الرابع كل ما يخرج من البحر بالغوص كالجواهر و الدرر 2 ص 135

و نحوها إذا فرض اصطياد حيوان كالغزال و نحوه و علم تقدّم ما وجد في جوفه على يد البائع (1).

الرابع: كلّ ما يخرج من البحر بالغوص، كالجواهر و الدرر (2).

بل في ما ليس فيه أثر الملكيّة إذا احتمل مملوكيّته احتمالا عقلائيّا. و هو العالم بالحقائق.

ثمّ إنّ ظاهر المعتبر المتقدّم «1» و خبري أبي حمزة و حفص بن الغياث «2» المنقولين في الجواهر «3»: عدم لزوم الخمس.

لكنّ الظاهر عدم منافاته للخمس بعد ما فضل عن مئونة سنته، و هو ممّا يمكن أن يكون دليلا على استثناء مئونة السنة في الغنائم بالمعنى المذكور في مكاتبة ابن مهزيار. و هو العالم.

كما في الجواهر «4».

أقول: بل علم تقدّمه على وقوع يد الصيّاد عليه، فإنّه يجري فيه ما يجري في السمكة من الأمور الثلاثة أي عدم التعريف و كون الخمس فيه و كون الباقي له بالتفصيل المتقدّم.

كما في الشرائع «5». و في الجواهر:

بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في الحدائق، بل في ظاهر الانتصار و صريح الغنية و المنتهى:

الإجماع عليه، و هو الظاهر من التذكرة «6».

أقول: و يدلّ عليه صحيح الحلبيّ- كما في الجواهر- «7» قال:

______________________________
(1) في ص 130.

(2) الوسائل: ج 17 ص 359 و 360 ح 1 و 2 من ب 10 من أبواب اللقطة.

(3) ج 16 ص 38.

(4) ج 16 ص 37- 38.

(5) ج 1 ص 134.

(6) الجواهر: ج 16 ص 39.

(7) ج 16 ص 39.

135
کتاب الخمس (للحائري)

الرابع كل ما يخرج من البحر بالغوص كالجواهر و الدرر 2 ص 135

..........

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن العنبر و غوص اللؤلؤ، فقال: «عليه الخمس» «1».

و ما عن الفقيه قال:

سئل أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد و عن معادن الذهب و الفضّة هل فيها زكاة؟

فقال: «إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس» «2».

و عن المقنع سئل أبو الحسن الرضا عليه السّلام و ذكر مثله و ترك ذكر المعادن «3».

و عنه قال روى ابن أبي عمير:

أنّ «الخمس على خمسة أشياء» و عدّ منها «الغوص» «4».

و معتبر حمّاد عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح عليه السّلام قال:

«الخمس من خمسة أشياء» و عدّ منها «الغوص» «5».

و قريب منه ما رواه حمّاد عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح أبي الحسن الأوّل «6».

أقول: الظاهر كونهما رواية واحدة.

و قريب منهما خبر أحمد بن محمّد عن بعض أصحابنا رفع الحديث، قال:

«الخمس من خمسة أشياء» و عدّ منها «الغوص» «7».

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 347 ح 1 و 2 من ب 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 347 ح 1 و 2 من ب 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 347 ح 1 و 2 من ب 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) المصدر: ص 339 ح 2 من ب 2.

(5) الوسائل: ج 6 ص 339 ح 4 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(6) الوسائل: ج 6 ص 340 ح 9 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(7) الوسائل: ج 6 ص 341 ح 11 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

136
کتاب الخمس (للحائري)

الرابع كل ما يخرج من البحر بالغوص كالجواهر و الدرر 2 ص 135

..........

و ما عن المرتضى، عن عليّ عليه السّلام و فيه:

«و الخمس يخرج من أربعة وجوه» و عدّ منها «الغوص» «1».

و ما عن البزنطيّ عن محمّد بن عليّ بن أبي عبد اللّه عن أبي الحسن عليه السّلام، قال:

سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد، و عن معادن الذهب و الفضّة هل فيها زكاة؟

فقال: «إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس».

قال قدّس سرّه في الوسائل:

و رواه المفيد في المقنعة مرسلا عن الصادق عليه السّلام نحوه، و رواه الكلينيّ عن محمّد بن يحيى بالطريق المتقدّم، و رواه الصدوق مرسلا، و رواه في المقنع أيضا مرسلا و ترك ذكر المعادن «2».

و خبر عمّار بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«في ما يخرج من المعادن و البحر» إلى أن قال:

«الخمس» «3».

و في خبر مسمع بن عبد الملك، قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي كنت ولّيت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم، و قد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم- إلى أن قال:- فقال لي: «يا أبا سيّار‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 341 ح 12 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 343 ح 5 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 344 ح 6 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

137
کتاب الخمس (للحائري)

و هنا مسائل ص 138

 

و هنا مسائل

الاولى: لا يختصّ الخمس من حيث الغوص باللؤلؤ (1).

قد طيّبناه لك» «1».

و يمكن الاستدلال- كما في الجواهر- «2» بالآية الشريفة من حيث صدق الغنيمة عليه.

أقول: في الاستدلال بالآية الشريفة إشكال من حيث إنّ مقتضى مكاتبة ابن مهزيار «3» أنّ المراد بالغنائم: الفوائد الّتي لا تقصد، كالإرث من حيث لا يحتسب و الجوائز الخطيرة.

فالاستدلال بما دلّ على أنّ الخمس في مطلق الفائدة «4» أولى من الروايات الآتية «5»- إن شاء اللّه تعالى- في ما يفضل عن مئونة السنة من الأرباح.

و للاستدلال بصحيح زرارة «كلّ ما كان ركازا ففيه الخمس» «6» وجه، بناء على أنّ المقصود هو الذي يكون مستورا، من غير فرق بين أن يكون تحت الأرض أو في البحر.

لكن إطلاق الكلمة في عرف العرب غير واضح، لا سيّما مع احتمال إشراب خصوصيّة الثبات و المركزيّه الّتي ربما لا يصدق على ما في الماء. و هو العالم.

خلافا لما يظهر من صاحب المدارك من الاقتصار على ذكر صحيح الحلبيّ المشتمل على خصوص اللؤلؤ «7».

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 382 ح 12 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(2) ج 16 ص 39.

(3) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) مثل ما في الوسائل: ج 6 ص 350 ح 6 و 7 و ص 351 ح 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(5) في ص 144 و ما بعدها.

(6) الوسائل: ج 6 ص 343 ح 3 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(7) الجواهر: ج 16 ص 40.

 

138
کتاب الخمس (للحائري)

الثانية حكم ما لو أخذ شي‌ء من غير غوص ص 139

الثانية [حكم ما لو أخذ شي‌ء من غير غوص]

لو أخذ شي‌ء من غير غوص لم يجب الخمس فيه (1).

و لعلّ منشأ الإعراض عن الأخبار الأخر: عدم استقامتها من حيث السند.

و فيه أوّلا: أنّها منجبر بعمل الأصحاب و الفتوى على طبقها.

إن قلت: لعلّ الاستناد إلى صحيح الحلبيّ و الحكم في الباقي من باب إلقاء الخصوصيّة عرفا، إذ لا فرق في نظر العرف بين اللؤلؤ و الياقوت مثلا.

قلت: لو كان كذلك لم يكن وجه للحكم بالنصاب و كونه دينارا، فقد عمل قطعا برواية الدينار الدالّ على الخمس في ما يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد «1».

و ثانيا: أنّ الخبر المذكور منقول عن أبي الحسن موسى و أبي الحسن الرضا و الصادق عليهم السّلام بطرق متعدّدة «2».

و ثالثا: أنّ في الناقلين للأخبار المطلقة أصحاب الإجماع مثل البزنطيّ و ابن أبي عمير و حمّاد و من يكون بحكمهم كأحمد بن محمّد بن عيسى.

و رابعا: أنّ المرسل مثل الصدوق قدّس سرّه في الفقيه و في المقنع الذي أفتى على طبقه و المفيد في المقنعة، فلا شبهة في الإطلاق.

كما في الشرائع «3»، و مال إليه في الجواهر أيضا، لكن أوضحه بأنّ:

المقصود عدم الخمس من حيث الغوص و إن كان فيه الخمس من حيث انطباق الفاضل عن المئونة عليه «4».

و عمدة الوجه في ذلك أنّ مثل خبر ابن أبي عمير و غيره من أخبار العدد «5»

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 343 ح 5 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) راجع المصدر: ص 343 ح 5 من ب 3 و ص 347 ح 2 من ب 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) ج 1 ص 134.

(4) الجواهر: ج 16 ص 41- 42.

(5) الوسائل: ج 6 ص 338 الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

139
کتاب الخمس (للحائري)

الثانية حكم ما لو أخذ شي‌ء من غير غوص ص 139

..........

دالّ بالمفهوم على عدم الخمس في غير ما يخرج بالغوص، لأنّ أحد الخمسة فيها هو الغوص لا مطلق ما يخرج من الماء بنفسه أو بغير الغوص.

و أمّا خبرا الدينار «1» و ابن مروان «2» فالمنصرف إليه هو الخارج بالغوص.

و عمدة الوجه في الانصراف:

أمّا في الأوّل فلوقوع العنوان في سؤال السائل، و هو يسأل عمّا يقع في الخارج في عصر السؤال، و لعلّه لم يكن استخراج مثل الياقوت و غيره من البحر بالآلات.

و أمّا في الثاني فلكون الموصول في المعادن و البحر واحدا و هو موجب للانصراف إلى الجواهر و أمثال ما يخرج من المعادن، و المعمول في مثله الاستخراج بالغوص.

لكن يمكن أن يقال: إنّ خبر ابن مروان عامّ، و هو في كلام الإمام عليه السّلام بنحو القضيّة الحقيقيّة، و لا يضرّ بإطلاقها غلبة الأفراد.

و أمّا أخبار العدد فغير ظاهرة في خصوص حصول الغوص، فإنّ الغوص فيها بمعنى ما يخرج بالغوص لا نفس العمل، و هو يصدق على ما أخرج بالآلة، لأنّه ممّا يخرج بالغوص نوعا.

مع أنّ مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي أن يكون الخمس في نفس تلك الأشياء المكوّنة في البحر من الجواهر، و هو مناسب لكون الغوص ملحوظا بنحو الطريقيّة إلى الوصول إلى الغنيمة البحريّة.

مع أنّ لازم ذلك إسقاط موضوع الغوص في مثل عصورنا الحاضرة ممّا يتوصّل لأخذ الفوائد و المنتوجات بالآلات، و هو ممّا يأباه الارتكاز العرفيّ.

هذا. مضافا إلى ما يجي‌ء من وجود الخمس في العنبر غير المحتاج إلى‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 343 ح 5 و ص 344 ح 6 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 343 ح 5 و ص 344 ح 6 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

140
کتاب الخمس (للحائري)

الثانية حكم ما لو أخذ شي‌ء من غير غوص ص 139

و لكن فيه إشكال، فالأحوط بل الأظهر تعلّق الخمس بمطلق ما يخرج من البحر من غير الحيوان (1) و الأحوط عدم ملاحظة النصاب إلّا ما كان مثل الجواهر و اخرج بالغوص (2)، كما أنّ الأحوط عدم استثناء الغوص على ما يجي‌ء إن شاء اللّه في تعريفه، و لعلّ العرف يلقى الخصوصيّة حينئذ.

مع أنّه إذا كان المستخرج بالغوص فيه الخمس فما أخذ بالآلة أولى بتعلّق الخمس به، لأنّه أسهل استخراجا.

مضافا إلى صدق الفائدة عليه.

و استثناء المئونة غير مرتبط بوروده تحت أخبار الغوص أو خروجه عنها، بل هو متوقّف على شمول دليل استثناء مئونة السنة لمثل تلك الأمور الخارجة عن التجارات و الزراعات و الصناعات.

و أمّا اشتراط النصاب فهو وارد في ما يدلّ على الإطلاق من حيث كون الإخراج بالغوص أو غيره مع قطع النظر عن الانصراف المتقدّم.

و من ذلك يظهر الكلام في ما يظهر في الساحل لمدّ الماء و جزره، فإنّ الأحوط بل الأظهر تحقّق الخمس فيه. و الأحوط عدم مراعاة النصاب من باب رواية ابن مروان و إطلاق دليل خمس الفوائد، كما أنّ الأحوط عدم مراعاة مئونة السنة في ذلك.

لأنّ الأخبار المشتملة على الغوص لا تشمل الحيوان، لأنّه ليس الطريق إلى اصطياده الغوص غالبا.

و أمّا خبر الدينار فظهوره في الجواهر ممّا لا ينبغي إنكاره، و قد تقدّم «1» أنّ خبر ابن مروان منصرف إلى مثل ما يخرج من المعادن.

لما تقدّم «2» من أنّ رواية الدينار في موضوع الجواهر، و المنصرف إليه في‌

______________________________
(1) في الصفحة السابقة.

(2) في الصفحة السابقة.

141
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

مئونة السنة (1).

الخامس: ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله

من أرباح التجارات و الصناعات و الزراعات (2).

السؤال هو ما يخرج بالغوص.

لما تقدّم «1» من احتمال اختصاص ذلك بأرباح التجارات و الصناعات و الزراعات، و إن كان الأرجح استثناء المئونة من الجميع بحسب الملاك و المناسبات إلّا غنائم دار الحرب و ما لا يتّخذ في العرف مكسبا، كأخذ اللقطة بناء على وجوب الخمس فيها، كما في مكاتبة ابن مهزيار «2» في المال المجهول مالكه.

ثمّ الظاهر أنّه لا فرق بين ما يخرج من البحر و ما يخرج من الشطوط و الأنهار الكبيرة، لأنّ أكثر أخبار الغوص خال عن ذكر البحر «3».

كما في الشرائع «4». و في الجواهر:

بلا خلاف معتدّ به أجده، بل في الخلاف و الغنية و ظاهر الانتصار و السرائر أو صريحهما و التذكرة و المنتهى: الإجماع عليه. و في الأخيرين دعوى تواتر الأخبار به، و أرسله في الرياض عن الشهيد الثاني أيضا. و عليه استقرّت السيرة الّتي يمكن دعوى اتّصالها بزمان أهل العصمة.

فما عن ابن الجنيد و ابن أبي عقيل- من عدمه أو العفو عنه أو التوقّف في العفو و عدمه- ممّا لا يعتدّ‌

______________________________
(1) في ص 91 و ما بعدها.

(2) المتقدّمة في ص 132.

(3) راجع الوسائل: ج 6 ص 338 الباب 2 و ص 347 الباب 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) ج 1 ص 134.

142
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

به «1». انتهى ملخّصا.

أقول: الكلام في مقامين:

المقام الأوّل في أنّه هل جعل الخمس في مطلق الأرباح المذكورة بحسب أصل الإنشاء أم لا؟

و من المعلوم أنّه بعد ملاحظة ما يجي‌ء «2» إن شاء اللّه تعالى من الأخبار الصحيحة الصريحة لا شبهة في ذلك.

و أمّا صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصّة» «3».

فبعد احتمال اتّحاده مع مرسل العيّاشيّ عن أحدهما «4» و كونهما رواية واحدة قد ذكر مفادها أبو عبد اللّه عليه السّلام في المجلس الذي كان فيه جمع منهم ابن سنان و منهم سماعة، مع كونه خاليا عن لفظ «خاصّة» الوارد في الصحيح- و ترجيح الزيادة على النقيصة لا يتأتّى في ما يمكن أن يكون زيادته لأجل التأكيد كما في المورد- و بعد ضرورة ورود الأخبار الكثيرة الصريحة في ثبوت الخمس في مطلق الأرباح «5»، بل ورودها بالنسبة إلى غير غنائم دار الحرب متواترة، فإنّ أخبار الكنز «6» و الغوص «7» و المعدن «8» و ما ورد في خصوص الأرباح «9» و ما ورد‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 45- 46.

(2) في ص 144 و ما بعدها.

(3) الوسائل: ج 6 ص 338 ح 1 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) المصدر: ص 342 ح 15.

(5) الوسائل: ج 6 ص 348 الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(6) المصدر: ص 338 الباب 2 و ص 345 الباب 5.

(7) المصدر: ص 338 الباب 2 و ص 347 الباب 7.

(8) المصدر: ص 342 الباب 3.

(9) المصدر: ص 348 الباب 8.

143
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

من أخبار التحليل «1» كلّ ذلك دالّ على ثبوت الخمس في غير غنائم دار الحرب أيضا، فلا بدّ إمّا من حمل الصحيح على التقيّة حيث قد عرفت مظنونيّة صدوره في المجلس العامّ الذي لا يخلو عن الأغيار نوعا، و إمّا أن يكون المقصود أنّ جميع ما فيه الخمس يكون مصداقا للغنائم، كما ورد في خبر حكيم في تفسير قوله تعالى:

وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ «2» الآية، قال:

«هي و اللّه الإفادة يوما بيوم.» «3».

و ليس في العرف و اللغة شاهد على الاختصاص بغنائم دار الحرب، و إمّا أن يكون المقصود تحليل غير الغنائم فيكون مفاده مفاد أخبار التحليل الذي يأتي الكلام فيها إن شاء اللّه تعالى.

أمّا الدليل على أصل ثبوت الخمس في الأرباح فهو أخبار كثيرة:

منها: خبر الأشعريّ، قال:

كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام:

أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و على الصناع؟ و كيف ذلك؟

فكتب بخطّه: «الخمس بعد المئونة» «4».

و الإشكال فيه بعدم توثيق الأشعريّ صريحا أوّلا و الإرسال ثانيا مدفوعان:

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 378 الباب 4 من أبواب الأنفال.

(2) سورة الأنفال: 41.

(3) الوسائل: ج 6 ص 380 ح 8 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(4) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 1 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

144
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

أمّا الأوّل فبما في خاتمة المستدرك «1» من ذكر القرائن على الوثوق به.

و أمّا الثاني فلأنّ الظاهر من الخبر أنّه يروي ما كتبه بعض الأصحاب و ما كتبه الإمام عليه السّلام بخطّه و لا يروي ذلك عن بعض الأصحاب، فعدم الإرسال واضح و اعتباره مظنون قويّا.

و منها: خبر عليّ بن محمّد كما في جامع الرواة «2» عن الاستبصار- و يظهر رجحانه من بعض كتب الرجال- أو محمّد بن عليّ كما فيه عن التهذيب، و كيف كان، فوصفه بالصحّة- كما في الجواهر «3»- غير ظاهر، لعدم توثيقه، و ليس صريحا و لا ظاهرا في أنّ عليّ بن مهزيار رأى بنفسه التوقيع الشريف، و فيه أنّه:

سأل أبا الحسن الثالث عليه السّلام عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كرّ- إلى أن قال:- و بقي في يده ستّون كرّا ما الذي يجب لك من ذلك؟ و هل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي‌ء؟ فوقّع: «لي منه الخمس ممّا يفضل من مئونته» «4».

و منها: صحيح أبي عليّ بن راشد، قال:

قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك و أخذ حقّك فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: و أيّ شي‌ء حقّه؟ فلم أدر ما أجيبه.

فقال: «يجب عليهم الخمس». فقلت: ففي أيّ شي‌ء؟

فقال: «في أمتعتهم و صنائعهم (ضياعهم)» قلت: و التاجر‌

______________________________
(1) ج 3 من الطبعة الحجريّة ص 841 «الفائدة العاشرة».

(2) ج 1 ص 598.

(3) ج 16 ص 47.

(4) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 2 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

145
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

عليه و الصانع بيده؟ فقال: «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» «1».

و منها: صحيح عليّ بن مهزيار أيضا، قال:

كتب إليه إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ: أقرأني عليّ كتاب أبيك في ما أوجبه على أصحاب الضياع أنّه أوجب عليهم نصف السدس بعد المئونة، و أنّه ليس على من لم يقم ضيعته بمئونته نصف السدس و لا غير ذلك، فاختلف من قبلنا في ذلك، فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المئونة، مئونة الضيعة و خراجها لا مئونة الرجل و عياله.

فكتب- و قرأه عليّ بن مهزيار-: «عليه الخمس بعد مئونته و مئونة عياله و بعد خراج السلطان» «2».

بيان: قوله «و قرأه عليّ بن مهزيار» هذا مقول للناقل عن عليّ بن مهزيار و هو العبّاس بن معروف على الظاهر. و الظاهر أنّ المقصود بالكتاب: ما هو الآتي، الذي نقله ابن مهزيار عن أبي جعفر الجواد عليه السّلام، فالمضمر عنه هو أبو الحسن الثالث الهادي عليه الصلاة و السلام. و الخبر مضافا إلى اعتباره في نفسه جدّا منقول أيضا بطريق آخر عن إبراهيم عن أبي الحسن عليه السّلام، فهو في غاية الاعتبار.

و منها: صحيح عليّ بن مهزيار «3» الدالّ على أمور:

منها: وجوب الخمس في الذهب و الفضّة الّتي قد حال عليهما الحول، و المتاع، و الآنية، و الدوابّ، و الخدم، و أرباح التجارات، و الضيعة، و الغنائم الّتي من‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 3 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 4 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

146
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

قبيل الجائزة الّتي لها خطر، و الميراث الذي لا يحتسب، و ما يكون من سنخ غنائم الحرب من المأخوذ من الخرميّة الفسقة.

و منها: وقوع مثل الربح في التجارة موردا للتحليل.

و منها: أنّه يمكن الاستدلال به على عدم وجوب الخمس في زماننا هذا في ما يغتاله السلطان من أموالهم في ما ينوبهم في ذاتهم، و من ذلك رأس المال المحتاج إليه في المعيشة.

و منها: أنّ المستفاد منه أنّ الغنائم الواردة في الآية الشريفة و إن كان أعمّ من غنائم دار الحرب إلّا أنّه ليس مطلق الفائدة، ففيه:

«و أمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام، قال اللّه تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ. «1» فالغنائم و الفوائد يرحمك اللّه فهي الغنيمة يغنمها المرء.».

فإنّ المستفاد منه أنّ المقصود من الغنائم في الآية الشريفة: ما يحصل للإنسان من دون تحمّل تعب في ذلك و لا يكون مترقّبا بحسب النوع، كالإرث من الذي يحتسبه، و انطباقه على غنائم الحرب من باب أنّه ليس تعب الجهاد لتحصيل الغنيمة، بل لدفع الفساد و الفتنة و بسط الإسلام.

و منها: وجوب الخمس في ما يلتقط بعد اليأس عن صاحبه.

و أمّا قوله: «و لا ربح ربحه في تجارة» فيحتمل أن يكون فعلا، و يحتمل أن يكون اسما بالتنوين فيكون مبيّنا للنوع، أي الربح الحاصل من التجارة لا من الضيعة مثلا، أو المقصود من التنكير: الربح القليل.

و قوله «سأفسّر لك بعضه» الظاهر أنّ المقصود منه: ما أفاده من التطهير.

______________________________
(1) سورة الأنفال: 41.

147
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

و قوله عليه السّلام «في متاع» يحتمل أن يكون رأس المال، و يحتمل أن يكون أثاث البيت بقرينة الآنية و الخدم، فيدلّ على أنّ ما يصرف في المئونة فيه الخمس أيضا إلّا أنّه محلّل فيه، و يحتمل أن يكون التحليل من جهة الأخذ ممّن لا يؤدّي الخمس.

و منها: موثّق سماعة الذي هو بحكم الصحيح، قال:

سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الخمس، فقال: «في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير» «1».

و المستفاد من القاموس أنّ كلمة «أفاد» من الأضداد، فقد يكون بمعنى الإفعال، و قد يكون بمعنى الاستفعال، و حينئذ يمكن أن يكون المقصود: كلّ ما استفاده الناس، فيكون الناس فاعلا، و يحتمل أن يكون المراد أنّ في كلّ ماله فائدة للناس و كان ممّا ينتفع به في المأكل و المشرب و غير ذلك ففيه الخمس.

و لعلّ الثاني أقرب و إن جزم بالأوّل في الوافي «2». و اللّه العالم.

و منها: خبر يزيد على ما في الوافي «3»، و في الوسائل «4» (ابن) في الهلالين، و لعلّ القويّ: كونه يزيد بن إسحاق بقرينة رواية أحمد عنه، و قد وثّقه العلّامة، فالخبر لا يخلو عن الاعتماد، بل ربما يعتمد عليه و إن لم يعرف الراوي، لنقل أحمد عنه مع معروفيّته بالدقّة في المنقول عنه. قال:

كتبت: جعلت لك الفداء تعلّمني ما الفائدة و ما حدّها؟ رأيك أبقاك اللّه أن تمن عليّ ببيان ذلك لكي لا أكون مقيما على حرام لا صلاة لي و لا صوم.

فكتب: «الفائدة ممّا يفيد إليك في تجارة من‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 350 ح 6 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) ج 10 ص 309.

(3) ج 10 ص 309.

(4) الوسائل: ج 6 ص 350.

148
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

ربحها، و حرث بعد الغرام، أو جائزة» «1».

أقول: فأدت الفائدة أي حصلت- على ما في الوافي «2»- و قوله عليه السّلام «بعد الغرام» يحتمل أن يكون راجعا إلى الجملتين، و الأقرب هو الرجوع إلى الأخير.

و هو العالم.

و أمّا رواية عبد اللّه بن سنان «3» فهي ضعيفة، لكون الناقل عنه هو الحضرميّ، و قال النجاشيّ: إنّه كذّاب غال يروي عن الغلاة.

و لا يعارض ذلك بنقل ابن أبي عمير عنه رواية واحدة، لأنّه لا يدلّ إلّا على الوثوق بتلك الرواية بالخصوص و صحّتها عنده و لو بالقرائن الخارجيّة، و على فرض الدلالة على التوثيق فيعارض بالشهادة بالكذّابيّة من الخبرة في الفنّ، إن لم نقل بترجيح الجرح على التعديل.

مضافا إلى وجود جهات في المتن يسلب الاطمئنان بصدوره عن المعصوم عليه السّلام:

منها: قوله «الخمس ممّا أصاب لفاطمة عليها السّلام» و هو مخالف لضرورة كون نصف الخمس للإمام و الباقي لقرابة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله الّتي تكون فاطمة عليها السّلام من أظهر المصاديق، فليس الخمس لها كلّا كما هو الظاهر، و لا بعضا من باب أنّها فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و لا من باب عصمتها، بل من باب القرابة.

و منها: قوله «من أحللناه» و هو استعمال غير مأنوس، فإنّ المأنوس: من أحللنا له أو من جعلناه في حلّ.

و منها: الحكم بأنّ عدم أداء الخمس موجب لوقوع الزنا، و الظاهر تطبيقه على‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 350 ح 7 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) ج 10 ص 310.

(3) الوسائل: ج 6 ص 351 ح 8 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

149
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

مورد المثال و هو ما يحصل للخيّاط مع أنّه لا يتحقّق بذلك الزنا كما هو واضح، و عدم التطبيق على المثال المذكور خلاف الظاهر جدّا. و المستفاد من بعض الأخبار «1» أنّ الزنا من جهة اشتراء الجواري الّتي فيها الخمس من حيث كونها من الغنائم أو من جهة كونها من التجارات الّتي فيها الربح للبائع.

و منها: قوله «يا ربّ سل هؤلاء بما أبيحوا» و في الوافي «بما نكحوا» «2» و لعلّه من غلط النسخة، و الصحيح ما في الوافي.

و منها: حسن الريّان أو الصحيح، قال:

كتبت إلى أبي محمّد عليه السّلام: ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلّة رحى أرض في قطيعة لي و في ثمن سمك و برديّ و قصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟

فكتب: «يجب عليك فيه الخمس إن شاء اللّه تعالى» «3».

بيان: القطيعة: ما يقطع من أرض الخراج. و البرديّ: ما يقال بالفارسيّة «يونجه» على ما في تعليق الوافي «4»، أو نبات كالقصب كان قدماء المصريّين يستعملون قشره في الكتابة كما في المنجد، و الثاني أنسب.

و منها: خبر أبي بصير، و لا إشكال في سنده إلّا من جهة أحمد بن هلال الذي كان غاليا متّهما في دينه (الفهرست) و ورد فيه ذموم عن سيّدنا أبي محمّد عليه السّلام (نقله النجاشيّ و العلّامة- في الخلاصة- و الكشّيّ) و لكن عن الغضائريّ المعروف‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 385 ح 20 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(2) الوافي: ج 10 ص 311 ح 7.

(3) الوسائل: ج 6 ص 351 ح 9 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) المجلّد الثاني من الطبعة الحجريّة: ج 6 ص 42.

150
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

بالتضعيف أنّه قال:

يتوقّف في حديثه إلّا ما يرويه عن الحسن بن محبوب من كتاب المشيخة و عن محمّد بن أبي عمير من نوادره، و قد سمع هذين الكتابين جلّ أصحاب الحديث «1».

أقول: و يحتمل أن يكون ذلك منه لنقله عن ابن أبي عمير و إن لم يعلم أنّه نقل عن نوادره.

عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه و المنقطع إليه هديّة تبلغ ألفي درهم أو أقلّ أو أكثر هل عليه فيها الخمس؟ فكتب عليه السّلام: «الخمس في ذلك».

و عن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال إنّما يبيع منه الشي‌ء بمائة درهم أو خمسين درهما هل عليه الخمس؟ فكتب: «أمّا ما أكل فلا، و أمّا البيع فنعم، هو كسائر الضياع» «2».

و منها: خبر أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:

قرأت عليه آية الخمس، فقال: «ما كان للّه فهو لرسوله، و ما كان لرسوله فهو لنا» ثمّ قال: «و اللّه لقد يسر اللّه على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم، جعلوا‌

______________________________
(1) جامع الرواة: ج 1 ص 74 «أحمد بن هلال».

(2) الوسائل: ج 6 ص 351 ح 10 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

151
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

لربّهم واحدا و أكلوا أربعة أحلّاء» «1».

و منها: خبر تحف العقول عن الرضا عليه السّلام، قال:

«و الخمس من جميع المال مرّة واحدة» «2».

و منها: ما رواه في الوسائل عن الكافي عن سهل بن زياد عن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحسين بن عبد ربّه، قال:

سرح الرضا عليه السّلام بصلة إلى أبي، فكتب إليه أبي:

هل عليّ في ما سرحت إليّ خمس؟ فكتب إليه: «لا خمس في ما سرح به صاحب الخمس» «3».

و منها: ما عن عليّ بن موسى بن طاوس في كتاب الطرف بإسناده عن عيسى بن المستفاد عن أبي الحسن موسى بن جعفر عن أبيه عليهما السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و فيه في مقام تعداد الفرائض:

«و إخراج الخمس من كلّ ما يملكه أحد من الناس حتّى يرفعه إلى وليّ المؤمنين و أميرهم و من بعده من الأئمّة من ولده، فمن عجز و لم يقدر إلّا على اليسير من المال فليدفع ذلك إلى الضعفاء من أهل بيتي من ولد الأئمّة، فمن لم يقدر على ذلك فلشيعتهم ممّن لا يأكل بهم الناس و لا يريد بهم إلّا اللّه.» «4».

إذا عرفت ذلك فلا شبهة في المقام الأوّل أصلا.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 338 ح 6 من ب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) المصدر: ص 341 ح 13 من ب 2.

(3) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 2 من ب 11 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) الوسائل: ج 6 ص 386 ح 21 من ب 4 من أبواب الأنفال.

152
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

المقام الثاني في شبهة التحليل المستندة إلى الروايات الكثيرة المنقولة في الوسائل «1».

و هي مندفعة بملاحظة أمور:

الأمر الأوّل: ورود الروايات المعتبرة بل المتواترة على أخذ الخمس من الرضا و أبي جعفر الجواد و أبي الحسن الثالث و أبي محمّد العسكريّ- عليهم الصلاة و السلام و التحيّة- و من الحجّة المولى و خليفة اللّه في أرضه في عصرنا عليه السّلام:

فالأوّل: خبر محمّد بن زيد الطبريّ في من كتب إليه عليه السّلام يسأله الإذن في الخمس و قد كتب عليه السّلام و فيه:

«لا يحلّ مال إلّا من وجه أحلّه اللّه، إنّ الخمس عوننا على ديننا و على عيالنا و على موالينا، و ما نبذله و نشتري من أعراضنا ممّن نخاف سطوته، فلا تزووه عنّا.» «2».

و في خبر آخر في جواب قوم قدموا من خراسان على أبي الحسن الرضا عليه السّلام فسألوه أن يجعلهم في حلّ من الخمس:

«لا نجعل لا نجعل لا نجعل لأحد منكم في حلّ «3»».

و الخبر الأوّل منقول في كتاب الشيخ قدّس سرّه عن إبراهيم بن هاشم.

و أمّا الثاني فما تقدّم «4» من صحيح عليّ بن مهزيار و غيره.

و أمّا الثالث فصحيحة الآخر المتقدّم «5».

______________________________
(1) ج 6 ص 378 الباب 4 من أبواب الأنفال.

(2) الوسائل: ج 6 ص 375 ح 2 من ب 3 من أبواب الأنفال.

(3) المصدر: ص 376 ح 3.

(4) في ص 147.

(5) في ص 146.

153
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

و أمّا الرابع فمعتبر ريّان بن الصلت «1».

و أمّا الخامس فغير واحد ممّا ورد في أخبار الناحية المقدّسة الراجعة إلى إرسال الأموال إلى الناحية المقدّسة و تعيين الوكلاء منها لذلك.

و في بعض ما يتعلّق به عجّل اللّه فرجه و سهّل مخرجه و جعلنا من أعوانه تصريح بخصوص الخمس، كخبر ناصر الدولة عن عمّه الحسين:

أنّه رآه و تحته عليه السّلام بغلة شهباء و هو متعمّم بعمامة خضراء، يرى منه سواد عينيه، و في رجله خفّان حمراوان، فقال: «يا حسين كم ترزأ على الناحية و لم تمنع أصحابي عن خمس مالك»، ثمّ قال: «إذا مضيت إلى الموضع الذي تريده تدخله عفوا و كسبت ما كسبت تحمل خمسه إلى مستحقّه».

قال، فقلت: السمع و الطاعة. ثمّ ذكر في آخره أنّ العمريّ أتاه و أخذ خمس ماله بعد ما أخبره بما كان «2».

الأمر الثاني: أنّ أخبار التحليل ظاهرة أو صريحة في مالا ينافي ثبوت الخمس في عصرنا أو محمولة على ما لا ينافي ذلك:

فإنّ بعضها ظاهر في التحليل في زمان خاصّ، كقول الصادق عليه السّلام على ما في خبر يونس بن يعقوب: «ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم «3»». و بعضها ظاهر في صورة عدم التمكّن من الأداء، كقول أبي جعفر عليه السّلام على ما في صحيح ابن مهزيار:

______________________________
(1) المتقدّم في ص 150.

(2) الوسائل: ج 6 ص 377 ح 8 من ب 3 من أبواب الأنفال.

(3) المصدر: ص 380 ح 6 من ب 4.

154
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

«من أعوزه شي‌ء من حقّي فهو في حلّ» «1». و بعضها محمول على التقيّة و عدم كونه صادرا لبيان الواقع، كما يشهد بذلك حسن إبراهيم بن هاشم، قال:

كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السّلام إذ دخل عليه صالح بن محمّد بن سهل و كان يتولّى له الوقف بقم، فقال: يا سيّدي اجعلني من عشرة آلاف درهم في حلّ فإنّي قد أنفقتها.

فقال له: «أنت في حلّ» فلمّا خرج صالح فقال أبو جعفر عليه السّلام: «أحدهم يثب على أموال آل محمّد و أيتامهم و مساكينهم و أبناء سبيلهم فيأخذه ثمّ يجي‌ء فيقول: اجعلني في حلّ، أ تراه ظنّ أنّي أقول: لا أفعل، و اللّه ليسألنّهم اللّه يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا «2»».

فإنّ الذيل بقرينة الأيتام و المساكين و أبناء السبيل لعلّه ظاهر في الخمس.

و كونه متولّيا لوقفه بقم لا يدلّ على أنّ ما أنفقه كان من غلّة الوقف، مع أنّه لا فرق بينه و بين غلّة الوقف في القول بالحلّيّة ظاهرا و عدم الرضا باطنا، بل التظاهر بالحرمة و عدم الرضا في الوقف أسهل و أبعد عن التقيّة، كما لا يخفى.

و بعضها ظاهر في أنّ موردها ما يقع في اليد من الذي لم يخرج خمسه، كمعتبر أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

قال رجل و أنا حاضر: حلّل لي الفروج، ففزع أبو عبد اللّه عليه السّلام.

فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق،

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 379 ح 2 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(2) الوسائل: ج 6 ص 375 ح 1 من ب 3 من أبواب الأنفال.

155
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

إنّما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوّجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شي‌ء أعطيه. فقال: «هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم و الغائب و الميّت و الحيّ و ما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال.» «1».

فإنّ مورد ذلك ما يصرف في المئونة كالمصروف في المرأة يتزوّجها، أو ما يصل إليه من الغير كقوله «أو شي‌ء أعطيه» و لا يخفى أنّ ذلك يدلّ على تحليل الخمس في المال الذي يصل إليه من غير من يعطي الخمس. و مقتضى الإطلاق:

عدم الفرق بين كون المأخوذ منه ممّن يعتقد الخمس أو غيره، خصوصا قوله «أو ميراثا يصيبه» فإنّ الأكثر اتّفاق مذهب الوارث و المورث، و الحمل على صورة الاختلاف حمل على أفراد غير كثيرة.

و أمّا اعتبار الخبر فلأنّ المراد من أبي جعفر هو أحمد بن محمّد بن عيسى بقرينة الراوي عنه و هو سعد و المرويّ عنه و هو الحسن بن عليّ بن زياد الوشّاء.

و أمّا أبو خديجة فهو «ثقة ثقة» (جش) «صالح» في جواب من سأل عن وثاقته (كش) و هو ظاهر في الترقّي عن صرف وثوقه.

و أمّا تضعيف الشيخ فمورده سالم بن مكرم أبي سلمة بأن يكون أبو سلمة كنية مكرم، و مورد ذلك شخص لا وجود له في الرجال، و المظنون اشتباه ذلك بسالم بن أبي سلمة الذي ليس اسم أبي سلمة مكرما، و هو ضعيف ضعّفه النجاشيّ أيضا.

و بعضها الآخر محمول على التحليل بالنسبة إلى العصر الخاصّ بقرينة ما تقدّم ذكره، و بقرينة صحيح ابن مهزيار «2» الناقل لكتاب أبي جعفر المتقدّم الدالّ صريحا‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 379 ح 4 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(2) المتقدّم في ص 92.

156
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

على أنّ الخمس ليس من الأحكام الشرعيّة غير القابلة للتغيّر، بل أمره إلى وليّ الأمر فربما يحلّل شي‌ء منه و لا يحلّل غيره، و بقرينة أنّ التحليل بحسب العنوان الأوّليّ ليس إلّا حقّا لخليفة اللّه في وقته، و أمّا زمان وليّ الأمر التالي فالأمر موكول إليه أيضا. و إن كان دالّا على الدوام فيكشف عن علمه بأنّ وليّ الأمر التالي أيضا يرى المصلحة في تحليله- فتأمّل- و بقرينة أنّ أخذ الخمس مطلقا- في كلّ حال- كان موجبا للخطر للإمام عليه السّلام و أصحابه قطعا، لأنّه كان موردا لاتّهام الخروج على سلطان الوقت كما لا يخفى، و بقرينة ما تقدّم في الأمر الأوّل: من الروايات الصريحة في عدم التحليل الواردة بعد روايات التحليل.

نعم، يبقى في البين توقيع إسحاق بن يعقوب عن صاحب الزمان سلام اللّه عليه و عجّل فرجه، و فيه:

«و أمّا المتلبّسون بأموالنا فمن استحلّ منها شي‌ء فأكله فإنّما يأكل النيران، و أمّا الخمس فقد أبيح لشيعتنا و جعلوا منه في حلّ إلى أن يظهر أمرنا لتطيب ولادتهم و لا تخبث» «1».

حيث إنّه من جانب الحجّة عليه السّلام و جعل أمد الحلّيّة ظهور الأمر.

و الجواب عنه بوجوه:

الأوّل: عدم وضوح السند، لكن ذكرنا قرائن على صحّته في ما كتبناه في ولاية الفقيه.

الثاني: احتفاف الجواب بالسؤال غير المذكور تمامه في الجواب، فلعلّ السؤال كان عن الذي يؤخذ من الغير ممّا فيه الخمس.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 383 ح 16 من ب 4 من أبواب الأنفال.

157
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

و الظاهر أنّ متعلّق الخمس كلّ فائدة تحصل للإنسان، سواء كان من قبيل ما ذكر، أو كان من قبيل حيازة المباحات، أو كان ممّا يتحقّق في ما يملكه ممّا يوجب مزيد ماليّة- كالنماءات المنفصلة أو المتّصلة- أو كان وصفا حادثا في المال بالاختيار أو بدون الاختيار، أو كان صرف ارتفاع القيمة السوقيّة، كان الاسترباح بذلك مقصودا بالأصالة أو الثالث: احتفاف الكلام بقوله: «و أمّا المتلبّسون بأموالنا» و أظهر مصاديقها الخمس، فلا بدّ أن يكون المقصود ما ذكر أو غيره من بعض موارد الخمس كالجواري مثلا، لا مطلق الخمس.

الرابع: اشتماله على التعليل بطيب الولادة الدالّ على كون مورد السؤال هو الجواري.

الخامس: على فرض الغضّ عمّا ذكر و فرض الإطلاق في الصدر لكنّ التعليل بطيب الولادة يخصّصه بما إذا كان طيب الولادة متوقّفا عليه.

و إن أبيت على فرض الإطلاق عن ذلك من جهة أنّ مخصّصيّة التعليل توجب حمل الإطلاق على الأفراد غير الكثيرة، فلا بدّ أن يكون المقصود بطيب الولادة أعمّ من حيث عدم لزوم الوطء المحرّم و عدم كون النطفة منعقدة من المال المحرّم، و حينئذ فلا بدّ من الحمل على ما كان عدم التحليل منجرّا إلى ذلك- بأن لم يعط الخمس إلى أن صلح المأكول لانعقاد النطفة- و هذا لا يقتضي التحليل قبل ذلك.

السادس: معارضته بما تقدّم من تظافر الأخبار على إيصال المال إلى الناحية المقدّسة، و هذا مناف لذلك، لعدم الفرق بين موقع سؤال إسحاق و غيره «1»، فإنّ المستفاد منه أنّ ملاك التحليل عدم ظهور الأمر. نعم، لو كان ذلك في التوقيع الآخر‌

______________________________
(1) و هو ما ورد على محمّد بن عثمان العمريّ النائب الثاني، راجع الوسائل: ج 6 ص 376 ح 6 من ب 3 من أبواب الأنفال.

158
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

مقصودا بالتبع أو لم يكن مقصودا أصلا. (1)

الذي كان موقع صدوره ابتداء الغيبة الكبرى كان للاستدلال بذلك وجه.

فشبهة التحليل مندفعة بحمده تعالى بحيث لا يبقى في النفس ريب بمشيئته تعالى.

ما يتحقّق في المال أو بسبب المال ممّا يوجب ارتفاع القيمة على أربعة أقسام:

الأوّل: النماء المنفصل، كنتاج البقر و الغنم.

الثاني: النماء المتّصل، كنموّ الأشجار و سمن الغنم.

الثالث: وجود وصف في المال، كصلاحيّة الأرض للزراعة الحاصلة برفع الأحجار عنها و بالأعمال الموجبة لقابليّتها للاستقاء و الحرث و الغرس أو تحقّق استحكام في الشجر مثلا.

الرابع: ارتفاع القيمة السوقيّة من دون زيادة متّصلة أو منفصلة عليه أو حكميّة في أصل الملك.

و جميع الأقسام الأربعة قد يكون مقصودا بالاسترباح به أصالة، فيشتري الغنم للاسترباح و الانتفاع بنتاجه، أو يشتري الأشجار للانتفاع بنمائها، أو يشتري الأرض لأن يهيّئها للزراعة و الغرس فيبيعها من جهة إيجاد ذلك الوصف فيها، أو يشتري الأرض لأن يحصل فيها ارتفاع القيمة السوقيّة، و قد لا يكون مقصودا بذلك إلّا تبعا، فيريد حصول النماء للاسترباح بما يحصل منه لا بنفس النماء- و هذا يتمشّى في القيمة السوقيّة أيضا، فيريد مثلا أن ترتفع القيمة السوقيّة للدار المشتراة للانتفاع باجرتها، فإنّه كلّما ارتفعت القيمة السوقيّة للدار ارتفعت إجارتها مثلا- و قد لا يكون مقصودا أصلا، لا بالذات و لا مقدّمة لفائدة أخرى.

و ما قصد به الاسترباح قد يكون الاشتراء لذلك و قد يكون أصل المال ميراثا‌

159
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

مثلا فيقصد الاسترباح به.

و الظاهر أنّ جميع ذلك مورد لتعلّق الخمس، لإطلاق غير واحد من الروايات المتقدّمة، كمعتبر سماعة و صحيح أبي عليّ بن راشد «1».

و احتمال عدم كون الفائدة الحاصلة من دون الاختيار حين حصولها متعلّقة للخمس من جهة عدم صدق الفائدة المكتسبة، أو لزوم كون الفائدة مطلوبة بالأصالة من ابتداء تملّك ما فيه الفائدة من جهة دخالة عنوان الاستفادة أو الأعمّ من الابتداء و الاستدامة لكن لا بدّ أن تكون مطلوبة بالأصالة لا مقدّمة لفائدة أخرى- لما ذكر- أو لزوم أن تكون مطلوبة و لو مقدّمة، أو عدم صدق الفائدة إلّا على الزيادة العينيّة الموجبة للزيادة الماليّة، فلا تدخل زيادة القيمة السوقيّة في الفائدة إلّا إذا صارت موجبة للزيادة العينيّة في المال الموجبة للزيادة الماليّة، كلّ ذلك مردود بإطلاق الدليل و صدق الفائدة على جميع ذلك في العرف.

و بعض موارد المسألة واضحة جدّا، مثل النماء المنفصل المقصود به الانتفاع أو الاسترباح، فإنّ روايات الضيعة و البستان موردها ذلك، و لا فرق بينها و بين مثل الغنم و البقر لنتاجهما، و مثل ارتفاع القيمة السوقيّة في مال التجارة بعد البيع بجنس الثمن بل و لو بغير جنس الثمن، لأنّه الفرد الشائع من الربح في التجارة، فإنّ منشأ الربح في التجارات في الغالب هو ارتفاع القيمة السوقيّة باعتبار اختلاف الزمان أو المكان، و مثل عدم الفرق بين تحصيل رأس المال بالاشتراء أو حصوله بالإرث، لإطلاق روايات الضيعة و التجارة للمال الموروث و غيره.

و حمل جميع ذلك على غير الموروث مثلا ملحق بالحمل على الفرد النادر، خصوصا بالنسبة إلى الضياع و البستان.

______________________________
(1) المتقدّمين في ص 148 و 145.

160
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

و في غير ذلك منشأ الشبهة أمور كلّها مردودة:

منها: احتمال لزوم صدق الاكتساب. و هو مردود بعدم الدليل.

و منها: احتمال لزوم صدق الاستفادة المأخوذ فيها الطلب. و ما في بعض الروايات من عنوان الإفادة فلعلّ المراد منها الاستفادة، إذ الإفادة من الألفاظ الدالّة على الضدّين كما في القاموس- و هو مردود، لوجود بعض الروايات الّتي لا يمكن حملها على الاستفادة، كخبر أحمد بن محمّد بن عيسى عن يزيد، و فيه في مقام بيان متعلّق الخمس و حدّ الفائدة:

«الفائدة ممّا يفيد إليك في تجارة من ربحها، و حرث بعد الغرام، أو جائزة» «1».

و خبر ابن راشد، قوله «في أمتعتهم» «2». هذا، مضافا إلى أنّ باب الاستفعال إمّا بمعنى الطلب من دون اعتبار حصول المبدأ كالاستغفار و الاسترحام و الاستعلام، و هذا لا يكون مرادا في المقام بالضرورة، لعدم تصوّر تعلّق الخمس بصرف طلب الفائدة، و إمّا بمعنى المطاوعة و حصول المبدأ في الفاعل كالاستطاعة و الاستراحة، و أمّا كونه بمعنى المطاوعة و الطلب فلم يعهد في العرف و اللغة. فقوله: «أعلى جميع ما يستفيد الرجل» كما في خبر الأشعريّ «3» و كلّ ما فيه مادّة «أفاد» المحتمل كونها بمعنى الاستفادة ليس إلّا بمعنى حصول المبدأ في الفاعل.

و منها: احتمال أن يكون صدق الفائدة مشروطا بزيادة عينيّة في المال فيشترط البيع في ارتفاع القيمة. و فيه: وضوح عدم الشرط المذكور، فإنّه لا فرق عرفا بين الأرض الّتي ارتفعت قيمتها السوقيّة و لم يبعها و بين بيعها بمثلها من الأرض، فالفرق بين الصورتين- كما في العروة و غيرها- ممّا يأباه العرف قطعا.

______________________________
(1) تقدّم في ص 148.

(2) المتقدّم في ص 145.

(3) المتقدّم في ص 144.

161
کتاب الخمس (للحائري)

يستثني من مطلق الفائدة مثل نمو الأشجار المقصود بها الاسترباح بثمرها ص 162

[يستثني من مطلق الفائدة مثل نموّ الأشجار المقصود بها الاسترباح بثمرها]

نعم، يستثني من ذلك النماء المتّصل أو ارتفاع القيمة السوقيّة أو ارتفاع القيمة لأجل حدوث وصف في المال إذا كان ذلك مقدّمة لربح آخر مقصود و لم يكن الاسترباح بما ذكر من النموّ أو ارتفاع القيمة للسوق أو الوصف مقصودا بالأصالة، فلا خمس في نموّ الأشجار المقصود بها أثمارها و لا في ارتفاع قيمة تلك الأشجار سوقيّا أو من جهة الوصف (1).

و الوجه في ذلك كلّه: عدم الإشارة في أخبار الضياع و البستان، كخبر النيشابوريّ «1» و خبر الهمدانيّ «2» و مكاتبة عليّ بن مهزيار «3» و خبر السرائر «4» بل و معتبر الريّان بن الصلت «5» مع غفلة السائلين عن نموّ أشجار البستان و ترقّي قيمة الأرض بالزراعة فيها و ارتفاع قيمة الرحى الذي ربما يحصل من جهة رواجه و مراجعة الناس إليه، بل إذا ثبت عدم الخمس في نموّ الأشجار بما ورد في الضياع فعدمه في ارتفاع القيمة الذي ليس مقرونا بالزيادة العينيّة أولى، و السكوت في مقام بيانه عرفا- و هو مقام التعرّض لخمس الثمار و الأكرار من الحنطة- دليل على عدم الخمس في ذلك، لا سيّما مع غفلة العرف بحسب الارتكاز عن ذلك.

نعم، لو باع ذلك فالظاهر صدق الفائدة إذا باعها بالثمن الذي يعدّ ماليّة محضة، كالنقود.

و الظاهر أنّه كذلك إذا باعها و جعل ثمنها موردا للاسترباح بالتجارة، و أمّا إذا باعها بما يكون مثل المبيع كأن تبدّل بستانه ببستان آخر فالظاهر أنّه بحكم الأصل. و هو العالم.

______________________________
(1) المتقدّم في ص 145.

(2) المتقدّم في ص 146.

(3) المتقدّم في ص 92.

(4) المتقدّم في ص 151.

(5) المتقدّم في ص 150.

162
کتاب الخمس (للحائري)

و هنا مسائل ص 163

 

و هنا مسائل

المسألة الأولى: لو كان ارتفاع القيمة السوقيّة بالنسبة إلى ما يعدّ من الأثمان فقط

كالإسكناس- و أمّا بالنسبة إلى سائر الأموال الّتي تكون موردا للاحتياج فلم ترتفع قيمته ففي وجوب الخمس في ذلك حتّى بعد البيع و أخذ الثمن إشكال. (1)

بل لعلّ الظاهر عدمه (2).

فلو كان رأس مال شخص مائة عدل من الأرز و كان يعادل في أوّل عامه مائتي منّ من الحنطة و ثلاثمائة منّ من الشعير و عشرين منّا من السمن، و كان بينه و بين نوع الأشياء المورد للاحتياج نسبة خاصّة، و كان بعد مضيّ الحول كذلك أيضا، و كان رأس ماله المذكور موجودا و كانت نسبته مع سائر الأمتعة كنسبته معها في أوّل الحول، و لكن كانت قيمته في أوّل الحول مثلا عشرة آلاف و بعد مضيّ الحول صارت عشرين ألفا، و كان ارتفاع القيمة بالنسبة إلى نوع الأجناس الّتي تكون موردا للابتلاء، ففي لزوم الخمس عليه فيلزم عليه إعطاء ألفين خمسا إشكال، بل لعلّ الظاهر عدمه، من جهة عدم صدق الغنيمة، فإنّ مثل النقود و الإسكناس لا يلاحظ إلّا للوصول إلى ما يحتاج إليه من المأكول و الملبوس و المسكن و أمثال ذلك، و بملاحظة ما هو الأصل في ما يحتاج إليه لم يحصل الغنيمة، و لو فرض أنّ العرف الساذج يطلق على ذلك الغنيمة فهو من باب عدم التوجّه و الالتفات إلى علّة الارتفاع، و بعد الالتفات لا يطلق عليه ذلك، و الحكم البدويّ المبنيّ على عدم الاطّلاع ليس ملاكا للأحكام الشرعيّة، كيف؟ فلو حكم على مائع بأنّه ليس بخمر من باب فاقديّته للونه و رائحته و كان سلب الخمريّة منه بالآلات المتداولة في ذاك العصر، و كان خمرا و مسكرا في الواقع بحيث يحكم بخمريّته بعد الشرب، لا يمكن الحكم بعدم حرمة ذلك الشي‌ء.

لما عرفت من عدم صدق الغنيمة، مع أنّ الشكّ كاف في ذلك.

 

163
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثانية حكم اجرة العبادات ص 164

و إذا كان منشأ الربح مركّبا من الأمرين فلعلّ الملاك في تشخيص الربح الحقيقيّ قدرة الإعاشة (1).

و الأحوط إعطاء ما يحتمل أن لا يكون ارتفاع قيمته من جهة تنزّل النقود، كما أنّ مقتضى الاحتياط للآخذ: الاستيهاب في مورد الشكّ (2).

المسألة الثانية [حكم اجرة العبادات]

الاكتساب بالاستيجار للأعمال العباديّة موجب لتعلّق الخمس أيضا إذا كان زائدا على مئونة السنة (3).

فلو كان أوّل شروعه في التكسّب قادرا على مئونة سنة واحدة من دون التكسّب و بعد مضيّ الحول يكون كذلك أيضا فلا خمس، لعدم حصول الربح له حقيقة. و أمّا إذا كان قادرا على مئونة سنتين مثلا فاللازم إعطاء خمس ما يصرف في مئونة سنة واحدة، فلو كان ابتداء شروعه في الكسب مالكا لخمسة آلاف مثلا و كان مئونته في السنة ذلك المقدار و بعد مضيّ الحول يملك عشرة آلاف و يكون مئونة سنته من دون أن تزيد عائلته ذلك المقدار- أي عشرة آلاف- فلا خمس عليه، و إن كان يقدر على عشرين ألفا فلا بدّ من إعطاء خمس العشرة لا إعطاء خمس خمسة عشر ألفا، كما هو واضح.

و وجهه واضح.

من غير خلاف يعرف كما في الجواهر، «1» لكنّ الظاهر من الوسائل- حيث قال: باب أنّه لا يجب الخمس في ما يأخذه الأجير من اجرة الحجّ «2»- هو الإفتاء بعدم الخمس في اجرة خصوص الحجّ.

و كيف كان، فلا ريب أنّ مقتضى إطلاق ما تقدّم من الروايات- في أوّل مسألة الأرباح- هو وجوب الخمس.

و لا وجه لتوهّم عدم وجوبه في مطلق العبادات أو في خصوص الحجّ إلّا خبر‌

______________________________
(1) ج 16 ص 56.

(2) الوسائل: ج 6 ص 354.

164
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثالثة الظاهر أنه لا خمس في الميراث 1 ص 165

المسألة الثالثة: الظاهر أنّه لا خمس في الميراث (1).

عليّ بن مهزيار، قال:

كتبت إليه يا سيّدي رجل دفع إليه مال يحجّ به هل عليه في ذلك المال حين يصير إليه الخمس أو على ما فضل في يده بعد الحجّ؟ فكتب عليه السّلام: «ليس عليه الخمس» «1».

و الجواب عنه بوجوه:

منها: عدم وضوح صحّة السند، من جهة سهل بن زياد.

و منها: ظهوره في البذل للحجّ، من جهة أنّه لو كان على وجه النيابة لكان المناسب أن يقال: يحجّ به عنه أو عن أبيه مثلا.

و منها: أنّ مورد السؤال وجوب الخمس حين المصير إلى الحجّ، و أمّا أصل وجوب الخمس فالظاهر أنّه مفروض، فالجواب يحتمل أن يكون راجعا إلى الأوّل. فتأمّل، فإنّ الظهور في المفروغيّة عن أصل الخمس غير واضح.

و منها: الحمل على التقيّة في المكاتبة فلا تعارض ما يدلّ على وجوب الخمس في أجور الأعمال الذي ليست فيه التقيّة قطعا، كما هو واضح.

و منها: احتمال أن يكون مورد السؤال ما فضل في يده بعد الحجّ قبل المراجعة إلى الوطن.

و منها: احتمال التحليل في ذلك المقدار، فإطلاق ما دلّ على تعلّق الخمس بأجور الأعمال محكّم.

في الجواهر:

أنّ ظاهر الأصحاب عدمه، و عن أبي الصلاح‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 1 من ب 11 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

165
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثالثة الظاهر أنه لا خمس في الميراث 1 ص 165

..........

تعلّقه بالهبة و الهديّة و الميراث و الصدقة. و أنكره عليه ابن إدريس فقال: لم يذكره أحد من أصحابنا و لو كان فيه الخمس لنقل أمثاله متواترا، لكن لا يخفى قوّته من جهة الأدلّة، بل مال إليه في اللمعة، فالاحتياط لا ينبغي أن يترك «1». انتهى ملخّصا.

أقول: لا شبهة في صدق الفائدة عليه عرفا و إن كان الظاهر من مكاتبة ابن مهزيار «2»: عدم صدق الفوائد إلّا على ما لا يحتسب من الإرث، و لعلّه لأنّ ملك المورّث نوعا ممّا يحتاج إليه الوارث و هو ما إذا كان في نفقته.

و يدلّ على عدمه أمور:

الأوّل: أنّه لو كان الإرث متعلّقا للخمس لصار واضحا بين المسلمين- كوضوحه بالنسبة إلى غنائم الحرب- لابتلاء العامّة بذلك، مع أنّ الأصحاب لم يذكروه أصلا و ليس في الأخبار إشارة إليه.

الثاني: معتبر أبي خديجة، و فيه:

إنّما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوّجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شي‌ء أعطيه. فقال: «هذا لشيعتنا حلال- الشاهد منهم و الغائب و الميّت منهم و الحيّ- إلى يوم القيامة.» «3».

تقريب الاستدلال أنّه إمّا أن يكون السؤال من جهة وصول الميراث إلى يده فيكون الخمس عليه من باب حصول الفائدة في يده فدلالته واضحة، و إمّا من جهة وجود الخمس فيه قبل أن يصل إلى يده- كما هو الظاهر بقرينة قوله: «خادما‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 56.

(2) المتقدّمة في ص 146- 147.

(3) الوسائل: ج 6 ص 379 ح 4 من ب 4 من أبواب الأنفال.

166
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة الظاهر أنه لا خمس في الصداق 2 ص 167

إلّا في غير المحتسب منه (1).

المسألة الرابعة: الظاهر أنّه لا خمس في الصداق. (2)

يشتريها. أو تجارة» مع عدم فرض الربح فيها- فدلالته من جهة الإطلاق المقاميّ و قد مرّ تقريبه. و ملخّصه تلازم ذلك لوجوب الخمس من جهة حصول المال في يده إن كان واجبا، فلا بدّ من التنبيه عليه فإنّه مقام ذكره.

الثالث: مكاتبة عليّ بن مهزيار «1» من حيث الدلالة على عدم الخمس في غير المحتسب من الإرث، و احتمال كونه من باب التحليل غير ضائر، لأنّه بعد ثبوت التحليل يستصحب ذلك، و يأتي إن شاء اللّه «2» تقريب الاستصحاب و عدم منافاته لعموم تعلّق الخمس لكلّ فائدة، فالظاهر عدم ثبوت الخمس في الميراث إلّا غير المحتسب منه كما في المكاتبة «3». و عدم ذكر الأصحاب تعلّقه بغير المحتسب لا يدلّ على الإعراض عن المكاتبة.

لتصريح مكاتبة عليّ بن مهزيار «4» بأنّ فيه الخمس في كلّ عام و لا يكون موردا للتحليل أصلا.

في المدارك:

المشهور بين الأصحاب وجوب الخمس في جميع أنواع التكسّب. عدا الميراث و الصداق و الهبة.

و قال أبو الصلاح: يجب في الميراث و الهبة و الهديّة أيضا «5».

و تبعه في الحدائق، و فيها اختيار قول أبي الصلاح في الهبة لكن قال في الصداق:

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) في ص 175.

(3) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(5) مدارك الأحكام: ج 5 ص 384.

167
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة الظاهر أنه لا خمس في الصداق 2 ص 167

..........

بعدم الوقوف على من قال بالخمس فيه، فإنّ أبا الصلاح قال به في الهبة و الميراث و لم يذكر الصداق أصلا «1».

و يمكن أن يستدلّ على عدم الخمس فيه بمجموع: عدم فتوى من الفقهاء بذلك و عدم الإشارة إلى ذلك في شي‌ء من الأخبار حتّى في أخبار التحليل «2» الّتي جعل فيها عناوين متعدّدة موردا للتحليل- كمكاتبة عليّ بن مهزيار- و السيرة المحقّقة بين المسلمين، مع عدم الإشارة في شي‌ء من الأدلّة الدالّة على إعطاء الصداق للنساء من القرآن «3» و الحديث «4» من وجوب الخمس عليهنّ مع كون الغالب خروجه عن المئونة، لأنّ مئونة الزوجة على الزوج، مضافا إلى التحليل الثابت في المكاتبة المستصحب إلى الآن.

و يدلّ على ذلك أيضا عدم صدق الغنيمة عليه، لأنّه ليس المهر- عرفا و شرعا- بلا عوض ليكون نظير الهبة الّتي يجي‌ء أنّ فيها الخمس.

و ليس النكاح كالإجارة و الجعالة حتّى يصير نفس ما يعطى من قبل الزوجة مالا لها و ينتقل منها إلى الزوج، بخلاف إجارة الأعمال، فإنّ الأعمال مال ينتقل إلى المستأجر و يترتّب عليها آثار الملكيّة. و ليس كالبيع فيلاحظ فيه الربح فيكون ذلك ملاكا لصدق الغنيمة.

فتعليل صاحب الحدائق بأنّه بحكم عوض البضع «5» لا يخلو عن قوّة بضمّ أنّه ليس من الأموال حتّى يرى العرف صدق الفائدة من جهة الربح.

______________________________
(1) الحدائق: ج 12 ص 352- 353.

(2) الوسائل: ج 6 ص 378 الباب 4 من أبواب الأنفال.

(3) سورة النساء: 4.

(4) الوسائل: ج 15 ص 21 الباب 11 من أبواب المهور.

(5) الحدائق: ج 12 ص 353.

168
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة الظاهر أنه لا خمس في الصداق 2 ص 167

لكنّ الأحوط هو الخمس، لا سيّما إذا كان زائدا على مهر المثل بحيث لو كان البضع مالا لعدّ الزائد ربحا، بل لا يترك في الأخير (1).

و من ذلك يظهر الكلام في جميع موارد إعطاء الحقوق غير الماليّة بالعوض، كعوض الطلاق و كالمعاوضة على إسقاط حقوق الزوجيّة مثلا. (2)

و أمّا الهبة و الصدقة (3). ففيهما خلاف، فقد ينسب إلى المشهور عدم الخمس فيهما (4)، و ينقل عن بعض الأصحاب ثبوت الخمس فيهما مطلقا.

لاحتمال صدق الفائدة من حيث ملاحظة البضع بحكم المال. و يلاحظ الزيادة بالنسبة إلى الأقران و الأمثال.

و من ذلك يظهر أنّ المعاملة على الأموال و على غيرها من الحقوق غير الماليّة تتصوّر على قسمين، فإنّه قد يجعل العوض على إسقاط شي‌ء أو إتلافه و قد يجعل العوض على الإعطاء و الانتقال. و الظاهر المستفاد ممّا تقدّم: عدم تعلّق الخمس بما يتلف أو يعطى من الحقوق غير الماليّة، فالأوّل كالمهر في الدائم و الأجرة في النكاح المنقطع، و الثاني كعوض الطلاق، فإنّه يؤخذ العوض في قبال إتلاف حقوقه غير الماليّة بالطلاق و ما يؤخذ في قبال إسقاط حقوق الزوجيّة مثلا، و أمّا الماليّات حقّا أو عينا أو منفعة فلا فرق في صدق الربح في زيادته بين الإعطاء أو الإسقاط و الإتلاف، فالأوّل كإعطاء حقّ خياره بالنسبة إلى البيع الخاصّ إلى من عليه الخيار بعوض، و الثاني كإسقاط خياره بالنسبة إلى من عليه الخيار و أخذ العوض عن ذلك.

كأقسام الجوائز أو الهدايا أو ما يعطى بعنوان قصد التقرّب، فالمقصود من الصدقة في المقام: غير نفس الخمس و الزكاة الذي ربما يجي‌ء الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى.

أقول: إنّ الشهرة غير ثابتة، فإنّ الأكثر لم يذكروهما و لم يصرّحوا‌

169
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة الظاهر أنه لا خمس في الصداق 2 ص 167

..........

بوجوب الخمس فيهما، و حكي عن أبي الصلاح تعلّقه بهما، و مال إليه في اللمعة، و هو الظاهر من الروضة كما في الجواهر «1»، و قوّاه في الحدائق «2».

و يمكن أن يستدلّ عليه بأمور:

منها: مكاتبة يزيد، قال:

كتبت: جعلت لك الفداء تعلّمني ما الفائدة و ما حدّها؟ رأيك أبقاك اللّه أن تمنّ عليّ ببيان ذلك لكي لا أكون مقيما على حرام لا صلاة لي و لا صوم.

فكتب: «الفائدة ممّا يفيد إليك في تجارة من ربحها، و حرث بعد الغرام، أو جائزة» «3».

و الإيراد على سنده- كما في تقرير الفقيه البروجرديّ قدس سرّه- بأنّ يزيد مجهول و لم يرو أحمد بن محمّد بن عيسى عنه إلّا تلك الرواية «4»، مندفع بما في جامع الرواة من نقل أحمد بن محمّد بن عيسى عن يزيد بن إسحاق في باب فضل التجارة «5»، فحينئذ لا يبعد أن يكون هو ذلك الموثّق في لسان العلّامة قدس سرّه في الخلاصة المرويّ عنه روايات كثيرة، مع أنّ نقل مثل أبي جعفر أحمد عنه- مع دقّته المعروفة في نقل الحديث و في من يروي عنه- لا أقلّ يكون دليلا على حسن ظاهره. فلا يبعد اعتبار السند- و هو العالم- خصوصا مع كون المتن دليلا على تورّعه.

و منها: خبر أبي بصير، قال:

كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه و المنقطع إليه هديّة تبلغ ألفي درهم أو أقلّ أو أكثر هل عليه فيها‌

______________________________
(1) ج 16 ص 56.

(2) ج 12 ص 352.

(3) الوسائل: ج 6 ص 350 ح 7 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) زبدة المقال: ص 83.

(5) جامع الرواة: ج 2 ص 342.

170
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة الظاهر أنه لا خمس في الصداق 2 ص 167

..........

الخمس؟ فكتب عليه السّلام: «الخمس في ذلك».

و عن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال إنّما يبيع منه الشي‌ء بمائة درهم أو خمسين درهما هل عليه الخمس؟ فكتب: «أمّا ما أكل فلا، و أمّا البيع فنعم، هو كسائر الضياع» «1».

و قد تقدّم «2» عدم البعد في اعتبار سنده، مضافا إلى أنّ أحمد بن هلال من جملة مشيخة الفقيه.

و أمّا الإشكال فيه من حيث إنّ قوله «الخمس في ذلك» ظاهر في انحصار الخمس بذلك، و هو مورد للإعراض مخالف للأخبار الكثيرة، كما في التقرير المتقدّم «3»، فمدفوع:

أوّلا بأنّ صريح الذيل عدم الانحصار، فلا بدّ من رفع اليد عن ظهور الصدر- لو كان له ظهور- إن كان ذلك في مكاتبة واحدة.

و ثانيا بعدم وضوح الظهور المذكور، لأنّ تقديم المبتدأ على الخبر مطابق للجري الأوّلي، و في مثل الظرف يغتفر تقدّم الخبر و لا يتعيّن حتّى يكون تقديم المبتدأ من قبيل تقديم ما هو حقّه التأخير.

و ثالثا بأنّه يمكن أن تكون النكتة هي الحصر من جهة الهديّة و أنّ الخمس يكون بالخصوص في تلك الهديّة الخطيرة لا مطلق الهدايا، فيكون نظير المكاتبة الآتية «4» الآمرة بالخمس في الجائزة الخطيرة.

و رابعا بأنّه يمكن أن يقال: إنّ المقصود أنّ فيه الخمس منحصرا، دون حقّ آخر من الزكاة و الصدقات.

______________________________
(1) تقدّم في ص 151.

(2) في ص 150- 151.

(3) زبدة المقال: ص 83.

(4) في الصفحة الآتية.

171
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة الظاهر أنه لا خمس في الصداق 2 ص 167

..........

و خامسا بأنّه يستدلّ به بعد الجمع العرفيّ بينها و بين سائر الروايات برفع اليد عن الظهور في الاختصاص بصريح الأدلّة الأخر الدالّة على ثبوت الخمس في غير ذلك، المعلوم بالضرورة، بل ضرورة كونه في غيره كالقرينة المتّصلة المانعة عن انعقاد ظهوره في الحصر بالمعنى المخالف لها.

و سادسا باحتمال أن يكون الحصر بلحاظ التحليل في الفوائد المكتسبة بالتجارات، كما يظهر من مكاتبة عليّ بن مهزيار «1».

و منها: خبر عليّ بن الحسين، قال:

سرح الرضا عليه السّلام بصلة إلى أبي فكتب إليه أبي:

هل عليّ في ما سرحت إليّ خمس؟ فكتب إليه: «لا خمس عليك في ما سرح به صاحب الخمس» «2».

فإنّه لو كان أصل الهديّة و الصلة غير متعلّق للخمس كان التقييد ب‍ «ما سرح به صاحب الخمس» خاليا عن الفائدة الفعليّة، إلّا أنّ السند غير واضح.

و يدلّ على ذلك أيضا خبر الأشعريّ «3» و موثّق سماعة «4» و خبر الحضرميّ «5»- مع قطع النظر عن السند- و الآية الشريفة، «6» بناء على ضرورة عدم اختصاص الغنائم بغنيمة دار الحرب.

و يدلّ على الخمس في الجائزة الخطيرة بالخصوص مكاتبة عليّ بن مهزيار:

«و الجائزة من الإنسان للإنسان الّتي لها خطر» «7».

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من باب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 2 من ب 11 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) المصدر: ص 348 ح 1 من ب 8.

(4) المصدر: ص 350 ح 6 من ب 8.

(5) المصدر: ص 351 ح 8 من ب 8.

(6) سورة الأنفال: 41.

(7) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من باب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

172
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة الظاهر أنه لا خمس في الصداق 2 ص 167

و لعلّ الأصحّ أن يفصّل بين الخطيرة فيجب و غيرها فلا يجب. (1)

و لا يبعد صحّة الفتوى على طبقه.

لما عرفت من مكاتبة عليّ بن مهزيار.

و لا مانع من الحكم على طبقها إلّا أمور:

الأوّل: ما يظهر عن مصباح الفقيه من أنّ قيام الشهرة على خلافه دليل على عدم ثبوت الخمس فيه في الإسلام، و إلّا لم تقم عليه الشهرة «1».

و فيه: أنّه لم تثبت شهرة على عدم تعلّقه بهما، فإنّ السكوت لا يدلّ على ذلك، فإنّ الهبات الخطيرة لم تكن في كثرة الابتلاء كأرباح التجارات و الصناعات و الزراعات.

مع أنّها ليست حجّة إذا كانت مستندة إلى اجتهاد يقتضي ذلك، و لعلّ المنشأ هو أخبار الحصر في الخمس الّتي يأتي الكلام فيها إن شاء اللّه «2».

الثاني: أنّ كون الخمس في مطلق الفوائد مناف لأخبار الحصر في الخمس «3» و مناف لما دلّ من المعتبر على أنّه «ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصّة» «4».

و الجواب عن ذلك بوجوه:

منها: أنّ ذلك يحمل على التقيّة، خصوصا في رواية عبد اللّه بن سنان المشتملة على كلمة «خاصّة» الظاهرة في خصوص غنائم دار الحرب، لا مطلق الفوائد المكتسبة.

و منها: الحمل على تحليل غير الغنائم أو غير الخمسة، كما يظهر من الأخبار الحاكية عن رويّتهم عليهم السّلام بالنسبة إلى الخمس حتّى في عصر الصادقين عليهما السّلام «5».

______________________________
(1) مصباح الفقيه: ج 3 ص 129.

(2) في ص 186.

(3) الوسائل: ج 6 ص 338 الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) الوسائل: ج 6 ص 338 ح 1 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(5) راجع الوسائل: ج 6 ص 378 الباب 4 من أبواب الأنفال.

173
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة الظاهر أنه لا خمس في الصداق 2 ص 167

..........

و منها: الحمل على خصوص الفوائد الّتي تحصل بالاكتساب فيدخل فيها الهبة و يخرج منها الإرث و مثل المهر، فإنّه بعد إخراج الصداق و الإرث لا تأثير لدخول الهبة في الغنائم و عدم دخولها.

و منها: أن يكون المقصود من الغنائم مطلق الفوائد، و المقصود من الحصر أنّه ليس مثل الزكاة و أنّ مورده ما يزيد على مئونة السنة.

الثالث: أنّ ما دلّ من ثبوت الخمس في الهبة معارض بما دلّ على عدم الخمس بما يعطى في الحجّ و يزيد عنه، فعن عليّ بن مهزيار:

كتبت إليه: يا سيّدي رجل دفع إليه مال يحجّ به هل عليه في ذلك المال حين يصير إليه الخمس أو على ما فضل في يده بعد الحجّ؟ فكتب عليه السّلام: «ليس عليه الخمس» «1».

و الجواب عنه بوجوه:

منها: ضعف السند بسهل.

و منها: أنّ ما فضل عنه بعد الحجّ غير ما فضل عنه بعد المراجعة عن سفر الحجّ، فإنّ الأوّل ممّا يحتاج إليه.

و منها: أنّ ما يفضل في يده ليس خطيرا حتّى يجب عليه فيه الخمس، فيكون على طبق المكاتبة.

و منها: أنّه داخل في مثل المهر، لأنّه وجب عليه بإعطاء المال للحجّ و أخذه عمل من دون أن يكون مالا لمن أعطى ذلك، فلا خمس في عوضه.

و منها: أن يكون على نحو النيابة فخرج عن مورد البحث.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 1 من ب 11 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

174
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة الظاهر أنه لا خمس في الصداق 2 ص 167

..........

و منها: أن يكون المقصود أنّه ليس عليه الخمس حين يصير إلى الحجّ، فإنّ أصل الخمس مفروض في كلام السائل. و فيه تأمّل و إن كان يظهر من الجواهر «1».

الرابع: أنّ ما ذكر معارض بمعتبر أبي خديجة المتقدّم «2» و فيه «أو شي‌ء أعطيه» و قد حلّله الصادق عليه السّلام لجميع الشيعة إلى يوم القيامة على ما فيه، و قد مرّ سابقا أنّ الظاهر منه- بقرينة ذكر الخادم و التجارة من دون فرض الربح و الميراث- هو ما يصل إليه ممّن لم يعط خمسه، و هو الظاهر من وقوع السائل في الضيق- الظاهر من سؤاله- و هذا غير وجود الخمس من حيث إنّه فائدة حصلت في يده، و الإطلاق المقاميّ لا يقتضي عدم الخمس في الهبة مطلقا.

الخامس: أنّ التفصيل بين الخطير و غيره مخالف للمشهور، بل لم يعرف قائل به، و مناف لما يظهر منه الخمس في مطلق الفوائد، و لا يدلّ المكاتبة على عدم تعلّق الخمس بغير الخطير أصلا، فلعلّه كان موردا للتحليل.

و الجواب أنّ من قال بالخمس في الهبة حمل «التفصيل بين الخطير و غيره» على الصرف في المئونة و عدمه، كما يظهر من كلام الشيخ الأنصاريّ قدس سرّه «3»، فلم يعرضوا عنها.

و أمّا كون مفاده التحليل فالجواب عنه أنّه كاف في الحكم بالتفصيل ثبوت التحليل فيستصحب.

و تقريب الاستصحاب بوجوه: إمّا استصحاب رضائه وليّ الأمر، و إمّا استصحاب رضائه حجّة العصر عليه السّلام، لكونه موجودا في عصر الجواد عليه السّلام في الواقع على ما يظهر من بعض الأخبار، و إمّا استصحاب رضايته عليه السّلام بعد ولاية‌

______________________________
(1) ج 16 ص 55.

(2) في ص 166.

(3) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ قدس سرّه: ص 194.

175
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الخامسة لا شبهة عندهم في أن الخمس الذي يتعلق بالفوائد إنما هو بعد إخراج مئونة حصول الربح 1 ص 176

المسألة الخامسة: لا شبهة عندهم في أنّ الخمس الذي يتعلّق بالفوائد إنّما هو بعد إخراج مئونة حصول الربح (1).

و لا شبهة أيضا في صدق ذلك على ما يصرف في تحصيله (2).

و الظاهر أنّ من ذلك ما ينقص من ماله و لو من حيث القيمة في أمره في تلك الأشياء، فإنّه راض بفعل أبي جعفر عليه السّلام قطعا، و إمّا استصحاب حلّيّة غير الخطير للشيعة.

و أمّا عمومات الفوائد فلا حجّيّة لها مع استصحاب الحلّيّة، إذ لا منافاة بين تعلّق الخمس بالذات و حلّيّته من جانب صاحب الخمس.

و يدلّ على ذلك صحيح البزنطيّ، قال:

كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام: الخمس أخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة؟ فكتب: «بعد المئونة» «1».

و حسن إبراهيم أو الصحيح، إنّ في توقيعات الرضا عليه السّلام إليه: «أنّ الخمس بعد المئونة» «2».

و القدر المتيقّن منه مئونة الربح، لأنّه إمّا أن يكون هو المقصود و إمّا أن يكون المقصود مئونة الشخص فيشمل مئونة الربح.

مع أنّ الإضافة إلى نفس الربح الملحوظ من جهة الخمس متيقّن، و أمّا من حيث إضافة الربح إلى الشخص فهو غير متيقّن، لأنّه غير ملحوظ في الخبر الثاني، و الموضوع في الأوّل يكون هو خمس الربح، و الإضافة إلى نفسه لقوله «أخرجه» ورد من جهة السؤال عن تكليفه، لا من جهة احتمال إضافة المئونة إليه.

هذا، مع أنّه لا يصدق عنوان الغنيمة إلّا بعد إخراج مئونة تحصيل الربح.

كأجرة محلّ الكسب و الخادم و الدلّال و الحمّال.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 1 و 2 من ب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 1 و 2 من ب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

176
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الخامسة لا شبهة عندهم في أن الخمس الذي يتعلق بالفوائد إنما هو بعد إخراج مئونة حصول الربح 1 ص 176

تحصيله، كالسيّارة و المعامل بعد الاستعمال (1).

و أمّا اشتراء المحلّ مثلا للتجارة أو المعامل أو آلات العمل ففي استثنائه من مئونة الربح أو من مئونة الشخص ممّا يستثني تلك منه ففيه إشكال (2)، و الأظهر- و هو العالم- عدم الاستثناء (3).

و ذلك لصدق الصرف في مئونة الربح بل لا يصدق الفائدة عرفا إلّا بعد استثناء ذلك.

وجه الإشكال أنّ صدق المئونة متوقّف على الصرف، و من اشترى المحلّ فلم يصرف ذلك في الربح و لا لنفسه، و مقتضى ذلك: عدم الاستثناء أصلا لا من مئونة الربح و لا من مئونة الشخص، لكن يبقى سؤال الفرق بينه و بين البيت المشترى للسكنى أو الفروش و الأثاث و أمثال ذلك، فإنّه لم يصرف أيضا بل ربما يزيد بقاؤه في ماليّته، فيقال: ما الفرق بين محلّ الكسب و آلاته و بيت السكنى حيث إنّ بيت السكنى يعدّ من مئونة الشخص و لا يعدّ ذلك من مئونة الربح و لا من مئونة الشخص.

و ذلك لصدق الصرف على بيت السكنى من جهة الاحتياج إليها إلى آخر عمره، فلا يمكن بحسب المتعارف صرفه في مصارف معيشته. و كذا اللباس و الفروش، فإنّه يشتري بداعي البقاء إلى آخر العمر و يصرف النظر عن صرفه في معيشته، و هذا بخلاف محلّ التجارة كالدكّان و الخان، فإنّه لا يحتاج إليه إلى آخر العمر، بل الاحتياج إليه ما دام الكسب، و بعده يصرف في المئونة من دون حرج، فإنّ محلّ الكسب في فرض عدم الاحتياج- الذي يحصل لكلّ شخص قطعا و لو في شهرين من آخر عمره- يكون كسائر أمواله و مستغلّاته من غير فرق أصلا، فلا يصدق عليه مئونة الكسب و لا مئونة الشخص، لعدم الصرف أصلا.

177
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الخامسة لا شبهة عندهم في أن الخمس الذي يتعلق بالفوائد إنما هو بعد إخراج مئونة حصول الربح 1 ص 176

و من ذلك يظهر الكلام في رأس المال (1) و أنّه لا يستثني من الخمس، لكن قد يقال بكون رأس المال المحتاج إليه في مئونة سنته يستثني من الربح، و قد يقال: إنّه يستثني إذا لم يزد على مئونة السنة، و قد يقال: إنّه إذا كان أداء الخمس موجبا لكسر رأس ماله المحتاج إليه في مئونة سنته المطابق لشأنه فلا يجب أداؤه حينئذ (2).

و ذلك لوجوده و عدم الصرف في الربح، و صرف الاحتياج إليه من دون الصرف لا يوجب أن يصدق عليه عنوان المئونة، بل هو أولى من الدكّان و الخان، فإنّ عدم الصرف في رأس المال الذي هو من النقود أو الذي جعل للتبديل بها أوضح.

و المراد من مئونة السنة في القولين الأوّلين إمّا خصوص مئونة سنة الربح، أو الأعمّ منها و من مئونة السنوات الآتية، و أمّا في القول الثالث فلا يتصوّر إلّا أن يكون المراد بمئونة السنة مئونة السنوات الآتية، فإنّ أداء الخمس إنّما يكون بعد مضيّ حول سنة الربح، لكن يتصوّر فيه أن يكون المقصود أنّه إذا كان أداء مجموع الخمس موجبا للتنزّل إلى رأس مال لا يفي بمئونته فلا يجب، و إن كان أداء بعضه لا يوجب ذلك فلا يجب أداء البعض أيضا. و يمكن أن يكون المقصود أنّه يجب أداء كلّ بعض من أبعاض الخمس إلّا البعض الذي يوجب المحذور المتقدّم.

فالوجوه الجارية في رأس المال بحسب ما يستفاد من كلمات أصحابنا المتأخّرين ثمانية:

الأوّل: أن يكون رأس المال الذي يكون موردا للاحتياج- و لو بالنسبة إلى السنوات المتأخّرة عن الربح- من المئونة، و حينئذ لو استقرض ثلاثين ألفا فربح ثلاثين ألفا و أدّى دينه و كان محتاجا في إعاشة سنواته إلى أربع و عشرين ألفا من‌

178
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الخامسة لا شبهة عندهم في أن الخمس الذي يتعلق بالفوائد إنما هو بعد إخراج مئونة حصول الربح 1 ص 176

..........

جهة رأس المال فمورد الخمس هو خصوص ستّة آلاف، فلا بدّ من إعطاء خمس ستّة آلاف و هو ألف و مأتان.

الثاني: أن يلاحظ خصوص سنة الربح، فحينئذ لو كان محتاجا في بقيّة سنته إلى ذلك من جهة الاسترباح فهو كالفرض المتقدّم فيعطي ألفا و مأتين خمسا، و أمّا لو لم يكن محتاجا في مئونة سنته إلى ذلك أصلا- بأن يكون مئونته واصلة إليه من جانب أبيه مثلا- فلا بدّ من إعطاء خمس الثلاثين و هو ستّة آلاف.

الثالث: أن يستثني رأس المال بمقدار مئونة سنة ربحه، فلو كان في الفرض المذكور لا بدّ له إمّا من صرف جميع الثلاثين في مئونة سنة ربحه أو التجارة به و الإعاشة بربحه فلا خمس عليه، لكن لو لم يكن محتاجا في مئونة سنة ربحه إلّا إلى عشرة آلاف منها فالمستثنى من الخمس ذلك المقدار و في الباقي الخمس.

الرابع: أن يكون المستثنى من رأس المال ما يكون مئونة لكلّ سنة من سنواته الآتية لا خصوص سنة الربح. و حكمه يظهر ممّا ذكر.

الخامس: أن يكون المستثنى هو رأس المال الذي إن أعطى خمسة لا يفي بمئونة سنواته الآتية. و مقتضى ذلك في المثال المذكور: إعطاء جميع خمس الثلاثين، فإن المفروض أنّه تكفي أربعة و عشرون للاسترباح بها، و في الفرض المذكور لو كان الكافي لمئونة سنواته الآتية خمسا و عشرين فلا خمس عليه أصلا.

السادس: أن يكون عليه بعض الخمس بمقدار لا يضرّ بما يحتاج إليه من رأس المال في سنواته الآتية، فلا بدّ في المثال المتقدّم- المفروض أنّ ما يكفي هو خمس و عشرون ألفا- أن يعطي خمسة آلاف.

السابع: الاحتياط بعدم الاستثناء أصلا، كما في العروة الوثقى «1».

______________________________
(1) في المسألة 59 من الفصل الأوّل من كتاب الخمس.

179
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الخامسة لا شبهة عندهم في أن الخمس الذي يتعلق بالفوائد إنما هو بعد إخراج مئونة حصول الربح 1 ص 176

..........

الثامن- و هو الأصحّ-: هو الحكم بعدم الاستثناء كما أفتى بذلك بعض علماء العصر. و الوجه فيه: ما تقدّم من عدم الصرف.

و هنا وجه تاسع ينشأ من احتمال استثناء رأس المال من باب مئونة الربح، فيقال: إنّ من له ثلاثون تومانا فأحدث محلّا آخر و جعل رأس مال له من ربحه بعد إعطاء خمسه فربح بمقدار رأس المال الجديد فلا خمس، لأنّه من مئونة الربح.

و عاشر و هو التفصيل بين الآلات و الدكّان ممّا لا يكون موردا للنقل و الانتقال فيحكم بالاستثناء، بخلاف رأس المال الذي يوضع للتجارة به.

و أمّا مدارك الوجوه المذكورة:

فمدرك الأوّلين دعوى صدق مئونة الشخص بذلك.

كما أنّ مدرك الاحتمال الأخير غير المذكور في كلامهم: دعوى صدق مئونة الربح على ذلك.

و مدرك الثالث هو الجزم بصدق المئونة في ما إذا احتاج إلى مقدار من المال في تلك السنة إمّا لصرف نفس المال في مصارفه و إمّا للتجارة و الاسترباح به.

و أمّا الرابع فلا وجه ظاهرا له، من جهة أنّ مبني عدم زيادة رأس المال على مقدار المئونة هو ملاحظة عدم مئونة السنوات الآتية، و إلّا كان اللازم اشتراط عدم كون رأس المال زائدا على مئونة مدّة العمر، فتأمّل.

و أمّا الخامس فيمكن أن يكون الوجه فيه أنّ المقصود من استثناء المئونة أنّه لا يصرف مقدار المئونة في الخمس، فرأس المال المحتاج إلى مجموعه لا خمس فيه، لأنّه لا بدّ من إعطاء الخمس من المئونة، و أمّا الذي لا يكون مجموعه موردا للاحتياج لكن إخراج الخمس منه يكون موجبا لنقص رأس المال فلا يتعلّق به الخمس، لأنّ إخراج جميع الخمس موجب لإخراج المئونة و قد فرض عدم الإخراج منه، و إخراج العشر- مثلا أو أقلّ- من الخمس لا يكون مفادا لدليل‌

180
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الخامسة لا شبهة عندهم في أن الخمس الذي يتعلق بالفوائد إنما هو بعد إخراج مئونة حصول الربح 1 ص 176

..........

الخمس، فالمفروض فيه أنّ رأس المال من المئونة، لكن ليس مفاد استثناء المئونة عدم حساب المئونة أصلا في مقام التخميس، فهو مركّب من مقدّمات: الاولى أنّ رأس المال من المئونة. الثانية أنّ ما يحتاج إليه في مئونة سنواته الآتية من رأس المال من المئونة، و لا يختصّ بخصوص سنة الربح. الثالثة أنّ مفاد استثناء المئونة عدم ورود النقص عليه، لا عدم حسابه أصلا في مقام تعلّق الخمس.

و أمّا السادس فالوجه فيه ما تقدّم لكن مع فرض دعوى «أنّ دليل الخمس يحكم بإعطاء جميع الفاضل بنحو العامّ الاستغراقيّ» أو دعوى «أنّ مقتضى المخصّص في مثل العشرة أيضا هو حجّيّة الدليل بالنسبة إلى الباقي» أو يقال: «إنّ ما يدلّ على حلّيّة من أعوزه من حقّه عليه السّلام «1» شامل لذلك، للاحتياج إليه في مئونته في السنة الآتية».

و يتوجّه على غير الأخير ما تقدّم من أنّ الكلّ متوقّف على صدق المئونة، و هو ممنوع لعدم الصرف، بل على الأخير أيضا، بناء على الوجه الأوّل في بيان المدرك، و أمّا الوجه الثاني فلا يقتضي أزيد من عدم الوجوب في صورة الإعسار- كما في الديون الأخر- فحينئذ لو تمكّن من أداء تمام الخمس بالأقساط الممتدّة فليس عنوان الإعواز صادقا عليه أو يكون مشكوك الصدق.

إن قلت: التعرّض لرأس المال في غير واحد من روايات باب الأرباح- كرواية الأكرار «2» و مكاتبة عليّ بن مهزيار «3» و رواية يزيد «4»- و عدم التنبيه على الخمس إلّا في الربح في التجارة أو الضيعة دليل على عدم الخمس في رأس المال أصلا، فالسكوت في مقام البيان دليل على عدم الخمس فيه، إذ يشمل صورة غير‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 379 ح 2 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(2) المتقدّمة في ص 145.

(3) المتقدّمة في ص 92.

(4) المتقدّمة في ص 170.

181
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الخامسة لا شبهة عندهم في أن الخمس الذي يتعلق بالفوائد إنما هو بعد إخراج مئونة حصول الربح 1 ص 176

..........

الإرث و الصداق و ما أدّى خمسه قبل ذلك و غيرها ممّا حصل له بالاسترباح و جعل رأس المال.

قلت: هذا نظير من يأتي عند المجتهد و يذكر ربحه في السنة، فالمفروض كون رأس المال ملكا له بتمامه، و الإطلاق المقاميّ إنّما هو في فرض عدم فرد آخر لا يتعلّق به الخمس أو ندرة ذلك، لا مثل المقام الذي يمكن أداء خمسه قبلا من باب وصول أخبار تعلّق الخمس بالأرباح حتّى الخيّاط «1».

إلّا أن يقال: إنّ التحليل بالنسبة إلى رأس المال المحتاج إليه مستفاد من عموم التحليل إلّا بالنسبة إلى الموارد الثلاثة- من الذهب و الفضّة و الضيعة الّتي تفي بمئونة صاحبها- و الفوائد و الغنائم بالمعنى المذكور منها في المكاتبة «2»، فيستصحب بالتقريب المتقدّم سابقا «3».

إلّا أن يقال في جوابه: إنّ المستفاد من المكاتبة هو التحليل الموقّت و هو في عام مأتين و عشر، و هو بنفسه يدلّ عرفا على الاحتياج إلى المراجعة في العام القابل، كما في تحليل منافع الدار من جانب المالك لشخص إلى سنة واحدة.

لكنّ الإنصاف عدم اطمينان النفس بتعلّق الخمس برأس المال مطلقا، و ذلك لما تقدّم من السكوت في غير واحد من الأخبار، و للتحليل المستفاد من المكاتبة، و لقوله فيها «لما ينوبهم» و رأس المال ممّا يحتاج إليه.

و يمكن الجواب عن الأوّل- الذي هو العمدة- بأنّ السكوت في بعض الروايات لعلّه من باب التحليل، و إطلاق ما في معتبر أبي عليّ بن راشد «4» الوارد في مقام أخذ الحقوق و أنّ الخمس في أمتعتهم محكّم، و السكوت في بعضها كخبر‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 348 الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) في ص 175.

(4) المتقدّم في ص 145.

182
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السادسة لو صرف مالا في سبيل استرباح سنين عديدة ص 183

و مع ذلك فالاحتياط لا يترك في الاستيهاب من أرباب الأموال (1).

المسألة السادسة: لو صرف مالا في سبيل استرباح سنين عديدة

لكن في السنة الأولى مثلا أعطى إجارة الدكّان للسنوات الآتية فهل يحسب ذلك من مئونة الربح في السنة الأولى أو من مئونة الشخص أو فيه تفصيل؟ وجوه (2).

و الظاهر احتساب ما يصرف في ما يتعلّق بالكسب المحتاج إليه في مئونة سنواته في مئونة سنته فيستثنى من الخمس، و أمّا غير ذلك ممّا يصرف في الكسب المقصود به ازدياد الثروة فالأحوط استثناؤه من مئونة مجموع الربح.

ريّان بن الصلت «1» لعلّه كان من أجل أنّ السائل معلوم الحال عند أبي محمّد عليه السّلام من إعطاء خمس ما جعله رأس ماله أو كان ذلك إرثا من أبيه مثلا.

و أمّا قوله «لما ينوبهم» «2» فلعلّ المستفاد منه هو العوارض الّتي تعرض الشخص الموجبة لصرف المال، مع أنّ المستفاد منه أنّ العلّة لذلك مجموع التفضّل منه عليه السّلام و ما ذكر من العوارض الّتي تعرض لأرباب الأموال و اغتيال السلطان أموالهم.

لما ذكر في التعليق المتقدّم أخيرا.

الظاهر وضوح عدم احتسابه من مئونة الربح في السنة الأولى، فإنّ الربح لا يقدّر بالسنة، و الربح الموجود لم يصرف فيها في المثال أكثر ممّا أعطى لاجرة السنة الاولى.

و أمّا الاحتساب من مئونة الشخص فلا إشكال فيه إذا كان الاكتساب المفروض موردا لاحتياجه في مئونته، و أمّا إن كان لازدياد الثروة فاحتسابه من مئونة سنة الشخص لا يخلو عن إشكال.

______________________________
(1) المتقدّم في ص 150.

(2) المتقدّم في ص 92.

183
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السابعة استثناء مئونة الشخص و عياله في خمس الأرباح ص 184

و يترتّب على ذلك أيضا عدم احتسابه من مئونة السنة في ما لا يخرج منه ذلك، كالمعدن و لو كان المعدن موردا لاحتياجه.

المسألة السابعة [استثناء مئونة الشخص و عياله في خمس الأرباح]

لا إشكال أيضا في استثناء مئونة الرجل و عياله عمّا يتعلّق به الخمس في الجملة (1)، و إنّما الإشكال في مواضع: و احتساب ذلك من مئونة مجموع الربح خال عن الإشكال ظاهرا.

و يدلّ على استثناء ذلك من ربح السنة الّتي صرف فيها ذلك ما تقدّم من رواية الأكرار «1» و فيه: «و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّا» و قال عليه السّلام بعد ذلك: «لي منه الخمس ممّا يفضل من مئونته»، مع احتمال أن يكون عمارة الضيعة بعد ظهور الربح كما قد يكون إصلاح الأنهار و القنوات في حال الفراغ عن وضع المحصول.

و الظاهر دلالة رواية إبراهيم المعتبرة على ذلك أيضا حيث قال:

فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المئونة مئونة الضيعة و خراجها لا مئونة الرجل و عياله، فكتب- و قرأه عليّ بن مهزيار-: «عليه الخمس بعد مئونته و مئونة عياله و بعد خراج السلطان» «2».

كما يدلّ عليه غير واحد من الروايات:

فمنها: ما تقدّم آنفا من صحيح إبراهيم.

و منها: ما تقدّم من خبر الأكرار «3» المرويّ عن النيشابوريّ.

و منها: صحيح ابن راشد، و فيه:

فقلت: في أيّ شي‌ء؟ فقال: «في أمتعتهم‌

______________________________
(1) في ص 145.

(2) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 4 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) في ص 145.

184
کتاب الخمس (للحائري)

احتمال استثناء مئونة الشخص و العيال من المعدن أيضا ص 185

[احتمال استثناء مئونة الشخص و العيال من المعدن أيضا]

منها: أنّه هل يختصّ استثناء المئونة بأرباح المكاسب و لا يستثني مئونة الرجل ممّن شغله استخراج المعدن مثلا؟ مقتضى ظاهر كلمات الأصحاب- رضوان اللّه عليهم- ذلك (1).

و صنائعهم» (ضياعهم) قلت: و التاجر عليه و الصانع بيده؟ فقال: «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» «1».

و ربما يدلّ عليه ما تقدّم «2».

من حيث التصريح بإخراج مئونة الربح في مثل المعدن و الكنز و الغوص، و الاختلاف في إخراجها منه في غنيمة دار الحرب، و السكوت عن إخراج مئونة الرجل و عياله، و التصريح بإخراج مئونة الربح و الشخص في أرباح المكاسب، الظاهر في أنّ عدم إخراج مئونة الشخص من مثل المعدن كان مسلّما عندهم و مفروغا عنه.

و لعلّ الوجه في اختصاص ذلك بأرباح المكاسب- حتّى جعلوا الموضوع في بحث الأرباح ما يفضل عن مئونة سنته- أمور نذكرها إن شاء اللّه تعالى:

الأوّل: أخبار العدد المشتمل على الغنائم أيضا، كخبر حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الأوّل:

«الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم و من الغوص و الكنوز و من المعادن و الملّاحة» «3».

و خبر ابن أبي عمير:

«الخمس على خمسة أشياء: الكنوز، و المعادن، و الغوص، و الغنيمة» و نسي ابن أبي عمير الخامسة «4».

______________________________
(1) تقدّم في ص 145.

(2) مثل ما في ص 144.

(3) الوسائل: ج 6 ص 340 ح 9 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) الوسائل: ج 6 ص 339 ح 2 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

185
کتاب الخمس (للحائري)

احتمال استثناء مئونة الشخص و العيال من المعدن أيضا ص 185

..........

بيان الاستدلال أنّه إن كان المراد بالغنيمة: خصوص غنيمة دار الحرب كان مخالفا لما هو الثابت قطعا بالأخبار الكثيرة من أنّ الخمس في جميع الفوائد «1» و أنّ المراد بالغنيمة هو الفائدة يوما بيوم «2»، فلا بدّ أن يكون المراد منها مطلق الفوائد، و حينئذ لا يبقى حسن للتعداد بل الخمس إنّما هو في شي‌ء واحد هو الفوائد مطلقا، إلّا أن يكون بين الأمور المعدودة فرق من حيث الموضوع، و ليس الفرق إلّا بأن يكون موضوع الغنائم- الّتي هي غير غنائم دار الحرب- ما يفضل عن مئونة السنة كما هو المعنون أيضا في مقام تعداد موارد الخمس في كلمات الأصحاب رضوان اللّه عليهم.

و فيه: أنّ الظاهر أنّ صرف الاختلاف في بعض القيود لا يحسّن التعداد عرفا، كيف؟ و لو كان كذلك لكفى اشتراط النصاب في المعدن و الكنز و الغوص دون سائر الفوائد، فالإشكال في روايات العدد مشترك الورود لا بدّ من الجواب عنه بعد فرض كون الخمس في مطلق الفوائد من أجل الأخبار الكثيرة المتقدّمة في أوّل بحث الأرباح «3».

و الجواب عنه: إمّا بالحمل على التقيّة و صدور روايات العدد على نحو يناسب مذاق فقهاء العامّة من حيث ورود الدليل عندهم على تعلّق الخمس بالركاز، كما تقدّم في أوّل هذا الكتاب «4»، و إمّا بالحمل على أنّ غير الخمسة من سائر الفوائد مورد للتحليل، كما ينبئ عن ذلك غير واحد من الأخبار المتقدّمة من كون خمس الأرباح كان موردا للتحليل إلى عصر أبي الحسن الرضا عليه السّلام أو إلى عصر‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 348 الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 380 ح 8 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(3) في ص 144 و ما بعدها.

(4) في ص 15.

186
کتاب الخمس (للحائري)

احتمال استثناء مئونة الشخص و العيال من المعدن أيضا ص 185

..........

أبي الحسن الأوّل عليه السّلام و أنّ الذي لا بدّ منه أداء الخمس تلك الخمسة. و الجوابان كلاهما مبنيّان على كون المراد بالغنائم غنائم دار الحرب.

و يمكن أن يكون المراد بالغنائم ما يستفاد من مكاتبة عليّ بن مهزيار «1» و أنّ المقصود بها هو الفوائد غير المترقّبة الّتي لا يبنى عليها أساس المعيشة في العرف، و أن يكون الاقتصار على الخمسة من حيث التحليل- كما هو المستفاد من المكاتبة صريحا- و أنّ الغنائم بالمعنى المذكور لا يكون موردا للتحليل أصلا «فهي واجبة عليهم في كلّ عام».

الثاني: ما دلّ على وجود الخمس في خصوص العناوين المذكورة كالمعدن و الكنز و الغوص.

و الاستدلال بذلك على مسلك المشهور يتمّ بضمّ إحدى المتقدّمتين:

إمّا بأن يقال: إنّ دليل استثناء المئونة من مطلق الفائدة منصرف إلى ما ثبت فيه الخمس بعنوان أنّه فائدة لا بعنوان أنّه كنز أو معدن مثلا.

و فيه: منع الانصراف كما هو واضح.

أو يقال: إنّه بعد الظهور في الخصوصيّة لا بدّ من عدم استثناء مئونة الشخص، و إلّا كان عاريا عن الخصوصيّة بعد وضوح عدم تعلّق خمسين بالمعدن من دون أن يحصل فيه ربح زائد على ما حصل بالاستخراج.

و الجواب عن ذلك ما تقدّم في مقام الجواب عن أخبار العدد من أنّه يكفي في الخصوصيّة عدم كون مثل المعدن و الكنز موردا للتحليل بخلاف الأرباح.

مع أنّه يكفي في الخصوصيّة تعلّق الخمس بنفس مثل المعدن فلا يجبر خسران فائدة أخرى بربح المعدن كما لا يجبر خسرانه بربح مكسب آخر، و على‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

187
کتاب الخمس (للحائري)

احتمال استثناء مئونة الشخص و العيال من المعدن أيضا ص 185

..........

فرض لزوم أداء العين أو القيمة- لا جنس آخر- لا يكفي إعطاء الخمس من مكسب آخر، بخلاف ما كان يدخل في مطلق الفائدة، فإنّ العين المتعلّق بها الخمس حينئذ مطلق ذلك، فيكفي لمن كان- مثلا- معيشته من البستان المشتمل على فواكه مختلفة أن يعطي الخمس المتعلّق بالرّمان و التين من أحدهما بالخصوص، لأنّ الموضوع مطلق الفائدة.

مع أنّ الظهور في الخصوصيّة بعد ورود الدليل العامّ غير معتبر عند العقلاء، فلو ورد دليل على أنّ «الخمر حرام» و دليل آخر على أنّ «كلّ مسكر حرام» فليس للأوّل ظهور في حرمة اخرى بحيث كان الخمر متعلّقا للحرمتين الموجبتين للتأكّد.

الثالث: أن يقال: إنّ أدلّة النصاب في المعدن و الكنز و الغوص تعارض أدلّة استثناء المئونة، فإنّ مقتضى الاولى: عدم الخمس قبل البلوغ إلى حدّ النصاب سواء كان زائدا عن المئونة أم لا، و إذا بلغ حدّ النصاب ففيه الخمس من دون استثناء المئونة، و مقتضى دليل الاستثناء أنّ الخمس يكون في الأمور المذكورة إذا كان زائدا عن المئونة، و ليس فيها الخمس إذا لم يكن كذلك، بلغ حدّ النصاب أم لا. و الجمع بين الطائفتين إمّا بأخذ القيدين في الخمس فيؤخذ بالعقد السلبيّ في كلا الدليلين، فإذا لم يبلغ النصاب أو لم يكن زائدا على المئونة و لو بلغ النصاب فلا خمس، و يقيّد العقد الإيجابيّ في كلا الدليلين بالعقد السلبيّ فيهما، و إمّا يؤخذ بالعقد الإيجابيّ في كلا الدليلين فإذا بلغ النصاب ففيه الخمس، كما أنّه إذا زاد عن المئونة ففيه الخمس، و إمّا أن يلقى دليل استثناء المئونة بالنسبة إلى ما فيه النصاب، و مقتضى الرجوع إلى أصل دليل الخمس في الأمور المذكورة: عدم استثناء المئونة فيها إذا بلغت حدّ النصاب.

و الجواب عن ذلك أنّ أخبار النصاب لا دلالة فيها على العقد الإيجابيّ بنحو الإطلاق، بحيث يكون مقتضاها وجوب الخمس إذا بلغ حدّ النصاب و لو لم يكن‌

188
کتاب الخمس (للحائري)

احتمال استثناء مئونة الشخص و العيال من المعدن أيضا ص 185

..........

زائدا على المئونة، فإنّها بين ما ليس إلّا بصدد نفي الخمس في غير البالغ حدّ النصاب، كرواية البزنطيّ عن الرضا عليه السّلام، قال:

سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز، فقال:

«ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس» «1».

فإنّ أصل وجوب الخمس في الكنز مفروض في السؤال الملازم للعلم بوجوب الخمس في الزائد عن الحدّ و السؤال عن الحدّ و أنّ ما لا يجب فيه الخمس من الكنز إلى أيّ مقدار أو أيّ فرد منه مثلا؟ و بين ما هو بصدد العقد الإيجابيّ لكن لا بنحو الإطلاق بل بالشرائط المقرّرة له، كما في رواية الصدوق، قال:

سئل أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد، و عن معادن الذهب و الفضّة هل فيها زكاة؟ فقال: «إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس» «2».

فإنّ الخمس ليس مفروضا فيه، فهو بصدد بيان الخمس بشرائطه المقرّرة، كما أنّ السؤال عن الزكاة ليس على وجه الإطلاق بل بشرائطها المقرّرة، و حينئذ ليس لأخبار النصاب دلالة على العقد الإيجابيّ بنحو الإطلاق، و أمّا روايات المئونة فالظاهر أنّ رواية الأشعريّ دالّة على السلب و الإيجاب على وجه الإطلاق- من جهة المقدار و من جهة الأفراد- لمكان السؤال، و فيه: قال:

كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام:

أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و على الصناع؟ و كيف‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 345 ح 2 من ب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 347 ح 2 من ب 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

189
کتاب الخمس (للحائري)

احتمال استثناء مئونة الشخص و العيال من المعدن أيضا ص 185

..........

ذلك؟ فكتب بخطّه: «الخمس بعد المئونة» «1».

و حينئذ لا تعارض بين العقد السلبيّ من رواية الأشعريّ مع الإيجابيّ من دليل النصاب، إذ فرضنا عدم الدلالة له على العقد الإيجابيّ أصلا أو على وجه الإطلاق. و أمّا تعارض العقد الإيجابيّ من رواية الأشعريّ مع العقد السلبيّ من دليل النصاب فحيث إنّ العقد السلبيّ من دليل النصاب صريح في عدم الخمس في ما إذا لم يبلغ حدّ النصاب، بعد عدم الدلالة فيه على العقد الإيجابيّ و شمول إطلاقات استثناء المئونة من دون معارض (لأنّه لو لا الإطلاق في العقد السلبيّ و كان عدم الخمس في فرض عدم بلوغ النصاب دائرا مدار المئونة لكان النصاب لغوا) فخبر الأشعريّ المتضمّن للعقدين إن كان شاملا لموارد النصاب فاللازم تقديم العقد السلبيّ من أخبار النصاب، و إن لم يكن شاملا لها فالعقد السلبيّ في أخبار النصاب أيضا بلا مقيّد- و فرض تقيّد العقد السلبيّ في أخبار المئونة بالعقد الإيجابيّ في أخبار النصاب قد عرفت بطلانه، لعدم وجود الدليل المطلق في أخبار النصاب بالنسبة إلى العقد الإيجابيّ- و مقتضى ذلك هو عدم الخمس في غير البالغ حدّ النصاب و لو كان زائدا على المئونة، و في البالغ حدّ النصاب تراعى المئونة، و هو المطلوب، فافهم و تأمّل.

الرابع: عدم الدليل على استثناء مئونة السنة في مثل المعدن و الكنز و الغوص.

و الجواب عن ذلك أنّ رواية الأشعريّ ظاهرة في أنّ المراد بالمئونة ليس خصوص مئونة الربح، إذ المفروض فيه: جميع أفراد الفائدة و جميع مقاديرها من القليل و الكثير، و قليل الفائدة لا مئونة له نوعا، خصوصا لو كانت العبارة «و على الصناع» فإنّه لا مئونة لما يربحه الصانع كالخيّاط و أمثاله.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 1 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

190
کتاب الخمس (للحائري)

احتمال استثناء مئونة الشخص و العيال من المعدن أيضا ص 185

..........

مع أنّ الذي يكون على كلّ حال هو مئونة الشخص، فالإعراض عن حكمه و التعرّض لمئونة الربح الّتي ربما كان أغلب المكاسب في العصور الساذجة غير محتاجة إليها أصلا- حتّى في مثل البيع و الشراء- بعيد جدّا.

و من ذلك يظهر جواز التمسّك بما تقدّم من إطلاق أنّ الخمس بعد المئونة، «1» فإنّه لا بدّ أن يكون المراد إمّا خصوص مئونة الشخص أو الأعمّ، فإخراج مئونة الشخص كإخراج القدر المتيقّن في مقام الإرادة الاستعماليّة، و إن كان مئونة الربح هي القدر المتيقّن في مقام الانطباق بناء على أن يكون مئونة الربح هي مئونة الشخص أيضا، لكنّه مشكل أيضا في التجارات الّتي يكون المقصود فيها ازدياد الثروة، كيف؟ و إطلاق خبر الأشعريّ «2» و المعتبرين المتقدّمين «3» لا يخلو عن دلالة بعد فرض كون المقصود إخراج المئونة بوجودها السعي لا صرف الوجود، كما هو واضح.

و يدلّ عليه أيضا صحيح أبي عليّ بن راشد، ففيه:

فقال: «في أمتعتهم و صنائعهم» قلت: و التاجر عليه و الصانع بيده؟ فقال: «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» «4».

فإنّ المعدن متاع عرفا، و التاجر في المتاع- المذكور في الرواية- يصدق على من يستخرج المعدن و يبيعه.

مع أنّه لو اقتصر في استثناء المئونة بربح التجارات و الصناعات و الضيعات لخرج مثل الاصطياد و حيازة المباحات و جميع الفوائد الخارجة عن العناوين المتقدّمة الّتي منها أجور الأعمال غير الصناعيّة، فلو ألقيت الخصوصيّة في ذلك‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 1 و 2 من ب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) المتقدّم في ص 189.

(3) في ص 184.

(4) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 3 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

191
کتاب الخمس (للحائري)

لو ارتفعت قيمة المعدن يجب الخمس من حيث الأرباح أيضا ص 192

و لنا في ذلك إشكال، إلّا أنّه لا يترك الاحتياط بأداء الخمس من دون استثناء نفسه و عياله (1).

[لو ارتفعت قيمة المعدن يجب الخمس من حيث الأرباح أيضا]

ثمّ إنّه على المشهور بين الأصحاب لو استخرج المعدن مثلا و كانت قيمته أربعين دينارا مثلا فأعطى خمسة أو لم يعطه ثمّ ارتفعت قيمته فباعه فربح فيه كان الربح متعلّقا لخمس الأرباح بشرائطه بل و إن لم يبعه. (2)

فكذلك في مثل المعدن و الغوص.

فمقتضى الدليل استثناء مئونة السنة من المعدن و الكنز و الغوص إلّا أنّ الأصحاب- رضوان اللّه عليهم- لم يذكروه، فلا بدّ من الاحتياط الذي هو طريق النجاة.

و ذلك لكونه خلاف المشهور بين الأصحاب حتّى أنّهم لم ينبّهوا على خلاف في ذلك.

و ذلك لأنّ إعطاء خمس المعدن لا يجزئ عن خمس الربح الذي حصل له بعد الاستخراج، فهو داخل في الأرباح و قد تقدّم أنّ زيادة القيمة من دون البيع أيضا فأيده، ففيها الخمس بالشرط المذكور في المئونة من كونه زائدا على مئونة السنة.

و هو الذي تعرّض له قدس سرّه في كشف الغطاء «1».

و أمّا ما في العروة من قوله:

لو جعل الغوص أو المعدن مكسبا له كفاه إخراج خمسهما أوّلا، و لا يجب عليه خمس آخر من باب ربح المكسب بعد إخراج مئونة سنته «2».

______________________________
(1) ص 360.

(2) العروة: كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 82.

192
کتاب الخمس (للحائري)

لو ارتفعت قيمة المعدن يجب الخمس من حيث الأرباح أيضا ص 192

..........

و كذا ما في كتاب الشيخ الأنصاريّ قدس سرّه:

لو جعل الغوص أو استخراج الكنوز أو المعادن مكسبا فهل يتعلّق خمس آخر بها بعد إخراج مئونة الحول أو لا؟ وجهان «1».

فلا يخلو عن الإبهام، لأنّه إن كان المقصود من التقسيم أنّه إمّا أن يستخرج المعدن لا للانتفاع و التملّك- بل لأنّ يستفيد منه الناس مثلا- و إمّا أن يقصد بذلك التملّك.

ففيه أوّلا: أنّ ذلك لا مصداق له بحسب المتعارف.

و ثانيا: أنّه لا خمس عليه ظاهرا- لا من جهة استخراج المعدن و لا من جهة الاسترباح- في صورة عدم جعله مكسبا، كما هو واضح.

و ثالثا: أنّ مقتضى القاعدة عدم الخمس عليه في صورة جعله مكسبا إلّا من جهة المعدنيّة إذا كان المستخرج باقيا على قيمته، و أمّا إذا أعطى خمسه بعد الاستخراج ثمّ ارتفعت قيمته فهو كسائر الأرباح فيه الخمس.

و إن كان المقصود- كما هو ظاهر الكلامين- أنّه قد يجعل استخراج المعدن مكسبا له دائما- في سنة- و لا ينحصر بواقعة واحدة في شهر من الشهور، و قد لا يكون كذلك.

ففيه أوّلا: أنّه لا أثر لهذا التقسيم من حيث دخوله في المكاسب الّتي فيها الخمس، فإنّ التقسيم المذكور آت في جميع المكاسب، مثلا إذا كان شغل أحد التكسّب بالزراعة و الانتفاع بالضيعة فاشترى مثلا ثوبا و باعه فربح فيه فهل في ذلك تفصيل؟! فكما لا تفصيل في ذلك كذلك في مثل المعدن مثلا.

و ثانيا: أنّ مقتضى القاعدة الحكم بتعلّق الخمس من حيث الربح بشرائطه في‌

______________________________
(1) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ قدس سرّه: ص 226.

193
کتاب الخمس (للحائري)

لا تستثنى مئونة الشخص من خمس المال المختلط و لا من خمس الأرض التي يشتريها الذمي من المسلم و لا من غنائم دار الحرب ص 194

[لا تستثنى مئونة الشخص من خمس المال المختلط و لا من خمس الأرض الّتي يشتريها الذمّيّ من المسلم و لا من غنائم دار الحرب]

لكن لا يخفى أنّ مئونة الشخص لا تستثنى من خمس المال المختلط بالحرام، و لا من خمس الأرض الّتي يشتريها الذمّيّ من المسلم، و لا من غنائم دار الحرب (1).

الصورتين إذا ربح بعد استخراج المعدن و إعطاء خمسه، و عدم كونه متعلّق الخمس من حيث الربح إذا لم يستربح فيه و لم يكن له فائدة إلّا من حيث الاستخراج من المعدن، لا من حيث ارتفاع القيمة السوقيّة أو الانتقال من بلد إلى بلد للانتفاع بربحه الزائد.

أمّا الأوّل فلأنّ استثناء المئونة إنّما يكون ممّا يصرف عرفا فيها، و أمّا ما لا يصرف فيها بحسب المتعارف- و لو لم يكن دليل على وجوب الخمس فيه- فالدليل منصرف عنه قطعا، و من المعلوم أنّ المال المختلط بالحرام لا يجوز أن يتصرّف فيه مع قطع النظر عن الخمس و يصرف في المئونة، حتّى يكون مقتضى الدليل استثناء المئونة، مع أنّ جواز التصرّف يتوقّف على إعطاء الخمس فلو كان الخمس متوقّفا على استثناء المئونة و إخراجها منه لزم الدور، مع أنّه يجب أداء خمس المال المختلط بالحرام فورا بمحض تحقّق الموضوع، للزوم ردّ الأموال إلى أهلها و حرمة التصرّف في المال من دون إعطاء الخمس، فلا أمد بعد تحقّق الموضوع حتّى يستثني منه مئونة الشخص في ذلك الأمد.

و من بعض ما ذكرناه يظهر الكلام في الثاني أيضا، فإنّه ليس اشتراء الأرض بالربح للصرف في المئونة، لعدم فرض الربح و عدم تعلّق الخمس بخصوص الربح، بل بجميع الأرض، مضافا إلى أنّ الظاهر من الدليل أنّه بصدد بيان ما يؤخذ من المسلمين لا ما يؤخذ من خصوص الكفّار.

و أمّا الثالث فلأنّ من المعلوم من السيرة و من خبر حمّاد الطويل (قوله:

194
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثامنة الظاهر أن المستثنى هو مئونة سنته فقط ص 195

المسألة الثامنة: الظاهر أنّ المستثنى هو مئونة سنته فقط،

مطلقا من غير فرق بين أن يكون له شغل أو رأس مال يكفي لمئونة سنواته الآتية أم لا (1).

و يترتّب على ذلك أنّه لو كان الزائد على مئونة سنة ربحه ألفا مثلا لكن لا يفي كسبه بمئونته في السنوات الآتية بل لا بدّ من ضمّ الألف إلى «و يقسّم الأربعة الأخماس بين من قاتل عليه و ولي ذلك» «1» و كذا قوله في الذيل:

«فإن بقي بعد ذلك شي‌ء أخرج الخمس منه فقسّمه في أهله، و قسم الباقي على من ولي ذلك» «2») أنّه كان يؤخذ منهم الخمس بعد القتال من دون انتظار السنة حتّى يخرج منه مئونتها.

في المسألة وجوه:

منها: ما ذكرناه في المتن، المطابق لظاهر كلمات الأصحاب.

و منها: أن يكون متعلّق الخمس ما يزيد عن مئونة جميع سنواته بحسب ما يملكه من رأس المال أو بحسب شغله، فالمستثنى من الخمس: مئونة جميع سنواته، و الزائد إنّما يكون فيه الخمس إذا كانت مئونة جميع سنواته مؤمّنة و لو بملاك الشغل و رأس المال، فلو لم يكن كذلك و مع ذلك زاد على مئونة سنة ربحه اتّفاقا للتقتير على نفسه أو استيهاب أو نحو ذلك لم يتعلّق به الخمس، بخلاف الوجه الثالث الآتي. و هو الذي يلوح من كلام صاحب مصباح الفقيه «3»، و ربما يستفاد من مكاتبة عليّ بن مهزيار، قوله عليه السّلام:

«فأمّا الذي أوجب من الضياع و الغلّات في كلّ عام فهو نصف السدس ممّن كانت ضيعته تقوم بمئونته،

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 365 ح 4 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(3) مصباح الفقيه: ج 3 ص 130.

195
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثامنة الظاهر أن المستثنى هو مئونة سنته فقط ص 195

ربح كسبه في ما يأتي فعليه الخمس في تلك السنة، من غير فرق بين أن يكون ذلك للتقتير على نفسه أو لكونه منفردا و صار متأهّلا أو كان ذلك من جهة كون ربح تلك السنة ممّا يستفاد منه لسنتين، كأن يكون له أرض يزرع فيها سنة و يعطّل اخرى فيؤخذ ربحها لسنتين (1).

و من كانت ضيعته لا تقوم بمئونته فليس عليه نصف سدس و لا غير ذلك» «1».

و منها: أن يكون المتعلّق ما يزيد عن مئونته الخارجيّة- و لو اتّفاقا- في السنة الّتي يعطي فيها الخمس و عن مئونته بحسب ما يظنّ من وجود رأس المال مثلا بحسب المتعارف بالنسبة إلى السنوات الآتية.

و الدليل عليه أنّه مقتضى المكاتبة و مفاد سائر الأخبار بضمّ وجوب الخمس في كلّ عام كما يظهر من المكاتبة صدرا و ذيلا.

و الأوّل أظهر من جهة أنّه مقتضى إطلاق أنّ «الخمس بعد المئونة» منضمّا إلى وجوبه في كلّ عام، فهو بمنزلة أن يقال: يجب الخمس في كلّ عام بعد المئونة، و مقتضى العامّ الاستغراقيّ لحاظ كلّ عام من دون دخالة عام في وجوب الخمس في العام الآخر، و مقتضى الاشتراط للعامّ الاستغراقيّ: اشتراط كلّ فرد من العام بالشرط المذكور من دون لحاظ السنوات الأخر.

و أمّا المكاتبة فحيث إنّ مقتضاها وجوب نصف السدس في كلّ عام فيحتمل قويّا أن يكون الوفاء بمئونته بقول مطلق شرطا لوجوب نصف السدس في كلّ عام، فيكون الشرط في كلّ فرد من أفراد العام وفاء ضيعته بمئونته في ذلك العام، فلا ينافي مقتضى باقي الأدلّة.

و إن كان يحتمل فيه بالخصوص ملاحظة السنتين، لاحتمال ملاحظة‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

196
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة التاسعة اللقطة داخلة في الأرباح على فرض التملك ص 197

و كذا لو لم يكن له كسب يفي بمئونته لكن وهبه واهب مالا بمقدار يزيد عن مئونة سنته، (1) فكيف من كان له شغل يفي بمئونته مطلقا و حصلت له الهبة المذكورة (2).

المسألة التاسعة [اللقطة داخلة في الأرباح على فرض التملّك]

المال الذي ليس بحسب نوعه ممّا يفي بمئونة سنة واحدة فكيف بمئونة سنين (كاللقطة الّتي لا يوجد صاحبها على القول بثبوت الخمس فيها على تقدير التملّك، كما هو مقتضى القاعدة و ظاهر المكاتبة) يكون داخلا في ما يستثني منه المئونة في سنة الربح (3).

المسألة العاشرة [ظاهر كلمات الأصحاب أنّ الخمس في ما زاد عن المئونة، و يحتمل غير ذلك]

ظاهر كلمات الأصحاب- رضوان اللّه عليهم- أنّ المئونة بالنسبة إلى الربح بحسب ما يراد صرفه فيه من مئونته، لكنّه خلاف مقتضى الدليل، كما تقدّم في التعليق المتقدّم.

إذ مرّ أنّه لا يشترط في متعلّق الخمس أن يكون زائدا على مئونة سنته في كلّ عام بحسب شغله أو رأس ماله.

فإنّه- مضافا إلى ما تقدّم من أنّ الموضوع ما يزيد عن مئونة سنة الربح لا كلّ عام- لو كان الموضوع ما يزيد عن مئونة سنة الربح و عن مئونة سنته مطلقا فهو حاصل بالنسبة إلى مطلق الفائدة، فإنّ فوائده تكون كذلك و إن كانت مصاديقها- كالهبة- ليست كذلك.

و ذلك لأنّه و إن لم يكن بنفسه ممّا يصدق أنّه يفي بمئونة السنة أو السنين على القول بلزوم ذلك إلّا أنّه يصدق أنّ فائدته تزيد عن مئونة السنة أو السنين، كما في بعض المكاسب الجزئيّة الّتي لا تفي بنفسها بمئونة السنة أو السنين، كتنظيف السطح من الثلج في الشتاء.

و في كلّ ذلك إشارة إلى ما في مصباح الفقيه من الشبهة و الإشكال في مثل‌

197
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة العاشرة ظاهر كلمات الأصحاب أن الخمس في ما زاد عن المئونة و يحتمل غير ذلك ص 197

متعلّق الخمس ما يزاد على المئونة، فلا يكون مطلق الأرباح متعلّق الخمس بشرط أن يكون «نفس ما يعطى خمسا» زائدا على المئونة.

و يحتمل الثاني، و إن كان الصحيح ما هو ظاهر كلماتهم رضوان اللّه عليهم (1).

الهبة و الإرث و في مثل الأرض الّتي يزرع فيها سنة و يعطّل اخرى «1».

أمّا وجه الاحتمال الثاني- الذي لم يتفوّه به أحد من الأصحاب في ما أعلم- فأمور:

الأوّل: إطلاق مثل موثّق سماعة، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الخمس، فقال: «في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير» «2» و غيره «3»، و إجمال ما دلّ على أنّ «الخمس بعد المئونة» «4» لاحتمال أن لا يكون كلمة «بعد» متعلّقة بالكسر المشترك، بل تكون متعلّقة بالملكيّة و أنّ ملكيّة الخمس بعد المئونة بمعنى أن لا يوجب الخمس حصول كسر في المئونة، كما يقال في الوصيّة: إنّه يصرف في الحجّ و بعد ذلك في الصلاة و بعد ذلك في الخمس.

و الإجمال المذكور متحقّق حتّى في رواية النيشابوريّ: فوقّع «لي منه الخمس ممّا يفضل من مئونته» «5» أي يحتمل أن يكون المقصود أنّه يتعلّق بما يفضل من مئونته، لا أنّ الخمس يلاحظ من ما يفضل من مئونته، و حتّى في خبر أبي بصير، قوله:

و عن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة‌

______________________________
(1) مصباح الفقيه: ج 3 ص 129- 130.

(2) الوسائل: ج 6 ص 350 ح 6 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) مثل ما في المصدر: ص 349 ح 5.

(4) المصدر: ص 348 الباب 8 و ص 354 الباب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(5) المصدر: ص 348 ح 2 من ب 8.

198
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة العاشرة ظاهر كلمات الأصحاب أن الخمس في ما زاد عن المئونة و يحتمل غير ذلك ص 197

..........

يأكله العيال إنّما يبيع منه الشي‌ء بمائة درهم أو خمسين درهما هل عليه الخمس؟

فكتب: «أمّا ما أكل فلا، و أمّا البيع فنعم» «1».

فإنّه ربما يمكن أن يتوهّم أنّه ظاهر في أنّه ليس «ما أكل» موضوعا لتعلّق الخمس به، و ليس دعوى الظهور من جهة كلمة «بعد» حتّى يقال: إنّها مجملة من حيث ما يتعلّق به، بل من جهة كونه في مقام بيان ما هو الموضوع لتعلّق الخمس، و هو ظاهر في عدم كون «ما يصرف في المئونة» موضوعا له، لكنّه غير واضح أيضا، فإنّه بناء على ما نحتمله لا يتعلّق الخمس بما أكل- لا عينا و لا قيمة- بل يتعلّق الخمس بغير ما أكل، و هذا غير عدم احتساب ما أكل في التخميس.

إن قلت: ليس التردّد بين فتوى الأصحاب و الاحتمال المذكور من قبيل الأقلّ و الأكثر في مقام التخصيص حتّى يؤخذ بالمتيقّن و يتمسّك في الباقي بدليل وجوب الخمس في كلّ فائدة، فإنّه بناء عليه يكون مقتضاه عدم الخمس في ما إذا كان ما زاد عن مئونته أقلّ من الخمس، فإنّ الواجب هو خمس الأرباح بشرط أن يكون زائدا عن المئونة، و لا مصداق له في المفروض، فمن كان ربحه ثلاثين و مئونته خمسا و عشرين لا يجب عليه الخمس أصلا بناء على ذلك الاحتمال المخالف لهم، كما أنّه لا يجب الخمس على المشهور في الفرض المذكور إذا كانت مئونته أربعا و عشرين إلّا في الستّة فيجب خمس الستّة، بخلاف الاحتمال الآخر فيجب إعطاء تمام الستّة، فكما أنّ مقتضى المشهور: وجوب الخمس في بعض الموارد و عدمه في بعضها الآخر كذلك على الاحتمال المقابل له، فيصير العامّ مجملا في مقام الحجّيّة فيرجع إلى البراءة بالنسبة إلى من لا يحصل له العلم‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 351 ح 10 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

199
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة العاشرة ظاهر كلمات الأصحاب أن الخمس في ما زاد عن المئونة و يحتمل غير ذلك ص 197

..........

الإجماليّ بعدم إعطاء الخمس، بأن يكون في المثال المفروض مئونته في سنته خمسا و عشرين فأخذ بذلك و لم يعط الخمس و كانت في السنة الأخرى أربعا و عشرين فأخذ بالمشهور و أعطى خمس الستّة لا جميعها.

قلت: على الاحتمال الثاني يمكن أن يقال: إنّه لا بدّ من إعطاء ما يكون من الخمس زائدا عن المئونة كان تمام الخمس أو بعضه، كما يمكن أن يقال: إنّه إذا لم يكن جميع الربح متعلّقا للخمس فلا مانع من كون بعض الربح متعلّقا له، فعلى الأوّل يجب في المثال إعطاء جميع ما زاد عن المئونة و إن كان أقلّ من الخمس، و على الثاني يجب إعطاء خمس الخمسة، فيشترك في النتيجة مع المشهور، و على فرض رفض ذلك فإن كان العلم الإجماليّ حاصلا و منجّزا فلا يرجع إلى البراءة، و إن لم يكن كذلك فيرجع إلى العامّ، بل يمكن أن يقال: إنّ الرجوع إلى العامّ كالرجوع إلى الأصول المثبتة للتكليف خال عن الإشكال إذا لم يكن مستلزما للمخالفة العمليّة.

الثاني: مكاتبة ابن مهزيار، و فيه:

«فأمّا الذي أوجب من الضياع في كلّ عام فهو نصف السدس ممّن كانت ضيعته تقوم بمئونته» «1».

فإنّ معناه أنّ من كانت ضيعته تقوم بمئونته من حيث الربح و لو أدّى خمس ماله أو أدّى نصف السدس فاللازم هو أداؤه.

الثالث: خبر عبد اللّه بن سنان، و فيه:

«حتّى الخيّاط ليخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق «2»».

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) المصدر: ص 351 ح 8.

200
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة العاشرة ظاهر كلمات الأصحاب أن الخمس في ما زاد عن المئونة و يحتمل غير ذلك ص 197

..........

فإنّه كاد أن يكون صريحا في تعلّق الخمس بجميع الربح، و لا يأبى عن التخصيص بأنّه إذا أمكن له أداؤه بعد المئونة كما في خبر ابن راشد «1».

الرابع: خبر عمران بن موسى عن موسى بن جعفر عليهما السّلام، قال:

قرأت عليه آية الخمس، فقال: «ما كان للّه فهو لرسوله، و ما كان لرسوله فهو لنا» ثمّ قال: «و اللّه لقد يسر اللّه على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم، جعلوا لربّهم واحدا و أكلوا أربعة أحلّاء.» «2».

فإنّ المتيقّن من عنوان «الأرزاق» و «ما أكلوا» هو ما يصرف في المئونة، فهو مورد لتعلّق الخمس لكن لا بدّ من إعطاء الخمس ممّا زاد على ما أكلوا.

هذا بيان الاحتمال الثاني.

لكن يدفعه التوجّه إلى أمور:

منها: أنّه لو كان مورد الخمس مطلق الأرباح لكن بشرط الزيادة عن المئونة لكانت السيرة قائمة على ذلك. و إن أبيت عن قيام السيرة فلا أقلّ كان في الأصحاب من يفتي بذلك أو يحتمله، خصوصا مثل الخمس الذي متقوّم بالأخذ من ناحية الإمام عليه السّلام، خصوصا مع طول مدّة الغيبة الصغرى و أخذ الخمس من الناحية المقدّسة بواسطة وكلاء الناحية كما يظهر من الأخبار «3».

و منها: إمكان الجواب عن الأخبار الخاصّة:

أمّا المكاتبة فلأنّ المستفاد من صحيح إبراهيم «4» سقوط كلمة «بعد المئونة»‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 3 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 338 ح 6 من ب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) راجع الوسائل: ج 6 ص 375 الباب 3 من أبواب الأنفال.

(4) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 4 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

201
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة العاشرة ظاهر كلمات الأصحاب أن الخمس في ما زاد عن المئونة و يحتمل غير ذلك ص 197

..........

من ناقل المكاتبة الذي قرأها في طريق مكّة، و ليس فيه إيماء إلى النقل من المكتوب الشريف بالمشاهدة حيث إنّه في الصحيح الذي هو مكاتبة: «أقرأني عليّ كتاب أبيك في ما أوجبه على أصحاب الضياع أنّه أوجب عليهم نصف السدس بعد المئونة» فالإجمال في المكاتبة حينئذ ثابت كالإجمال في ما يشتمل على أنّ «الخمس بعد المئونة».

و أمّا خبر ابن سنان، فقد تقدّم توضيح ضعفه لجهات.

و يزيد ضعفه وضوحا اشتماله على تلك الجملة «حتّى الخيّاط.» فإنّ مفادها: عدم اشتراط الزيادة على المئونة، بل كاد أن يكون صريحا في ذلك، حيث إنّ قوله «حتّى الخيّاط» في مقام بيان حدّ أقلّ الربح مع فقد رأس المال بتّا، فمعناه أنّ الخمس في ذلك، لا ما إذا كان زائدا عن المئونة، فدفع ذلك مشترك بين الاحتمالين.

و احتمال عدم دخالة المئونة بأحد الوجهين ممّا لا يمكن إبداؤه، لكونه خلاف الأخبار المتظافرة و التسلّم بل الضرورة.

و يمكن أن يحمل على أنّه كذلك في مقام الجعل، و إن لم يكن موردا للعمل بل جعل موردا للتحليل. لكنّه بعيد جدّا، لكونه عسرا على المكلّفين فينا في الشريعة السهلة السمحة، إلّا أن يكون الجعل مع التحليل الذي قد يمكن رفعه، و أخذ الخمس حتّى من مثل الخيّاط المذكور لبعض الحوائج الاجتماعيّة، كالدفاع عن العدوّ و حفظ كيان الإسلام.

و كيف كان، فهو مردود بما ذكر من الوجهين.

و أمّا خبر عمران فالجواب عنه بوجوه:

الأوّل: ضعف السند، لأنّ عمران محتمل للانطباق على ثلاثة رجال أحدهم موثّق.

202
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة العاشرة ظاهر كلمات الأصحاب أن الخمس في ما زاد عن المئونة و يحتمل غير ذلك ص 197

..........

مضافا إلى نقله بسندين: أحدهما ما تقدّم عن موسى بن جعفر عليهما السّلام. ثانيهما بالطريق المتّصل إلى أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام، و المتن واحد كما يظهر من الوسائل، و هو بعيد، فراجع و تأمّل.

مع أنّ التعبير عن الإمام عليه السّلام في «أبي الحسن الأوّل» باسمه الشريف لا يخلو عن غرابة، من جهة أنّ الأكثر: الإشارة إليه عليه السّلام بالعبد الصالح أو الرجل أو أبي الحسن الأوّل أو أبي إبراهيم، و ذلك لكثرة التقيّة في عصره عليه السّلام.

الثاني: أنّ المحتمل أن يكون الموضوع للكلام في تيسير الأرزاق هو الغنائم، و الغنائم كما في المكاتبة- و لعلّه يومئ إلى ذلك قوله عليه السّلام في خبر أبي بصير:

«الخمس في ذلك» «1»- ليست مطلق الفائدة، بل الّتي تكون زائدة عن المئونة من غير الأرباح أو الأعمّ منها و من الأرباح، فالمقصود من الأرزاق هي الّتي ترتزق من الغنائم المذكورة و يتوسّع بها الرزق و المعيشة.

الثالث: أن يكون المقصود أنّ جعل الخمس في مورده- و بماله من الموضوع- للّه تعالى (لا جعل الكلّ و لا أكثر من الخمس) موجب للتيسير على العباد في أرزاقهم، و الشاهد على ذلك أنّه ليس جعل الكلّ له تعالى موجبا للعسر على العباد، بل موجب لهلاكهم، فتأمّل.

الرابع: ما تقدّم من احتمال أن يكون ذلك بأصل الجعل المورد للتحليل دائما إلّا ما شذّ و ندر.

و منها: إمكان الجواب عن الدليل الأوّل بأمور:

الأوّل: أنّ مئونة الربح أيضا مشمولة لدليل المخصّص، لبعد الإعراض عنها، لعدم وضوح خروجها، و من المعلوم أنّ مورد الخمس بالنسبة إليها ما زاد بعد‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 351 ح 10 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

203
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة العاشرة ظاهر كلمات الأصحاب أن الخمس في ما زاد عن المئونة و يحتمل غير ذلك ص 197

..........

مئونته، لعدم صدق الغنيمة على غير ما يزيد عن الربح.

و كون مفاد المستثنى بالنسبة إليه تعلّق الخمس بما زاد و بالنسبة إلى مئونة السنة تعلّقه بجميع الأرباح خلاف الظاهر جدّا، فهو قرينة على كون المتعلّق للخمس بتمامه هو الفاضل عن المئونة بالنسبة إلى الربح و الشخص.

الثاني: احتمال انصراف «الفائدة» عن ما يصرف في المئونة و لو بمناسبة الحكم و الموضوع، و كذا «الغنيمة».

و يومئ إلى ذلك المكاتبة، قوله: «فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام» «1» و قد مثّل لها بما هو خارج عن المئونة نوعا، و لعلّه يومئ إلى ذلك ما تقدّم من خبر أبي بصير «2».

الثالث: أنّ سيرة أخذ الحقوق من الرعيّة- كانت الحكومة حقّا أو باطلة- لم تكن على أخذ أرزاق الناس، فإنّ في ذلك هدم الاجتماع، فهو قرينة متّصلة بالكلام بحيث يعلم من المطلق الذي يحكم بأنّ الخمس في كلّ ما أفاد أنّه بعد المئونة في الجملة، فالإجمال للعامّ ثابت مطلقا فيرجع إلى البراءة.

الرابع: أنّ الظاهر من المطلق أنّ الموضوع هو الفائدة الموجودة، و بعد صرف المئونة لا تكون الفائدة موجودة إلّا ما زاد عن المئونة، و حين وجودها لم يكن متعلّقا للخمس، باعتبار أنّ الخمس يجب بعد مضيّ العام و لا يجب قبله أصلا- كما هو أحد القولين- أو يجوز التأخير، و التصرّف في المال و أخذ المئونة منه بلا إشكال، و لا يبعد أن يكون مقتضى ذلك أنّه يجب في كلّ فائدة تحصل و لو في أثناء السنة بشرط وجودها إلى آخر السنة و عدم صرفها في المئونة. و تمام الكلام في تحقيق تلك الجهة موكول إلى ما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

و منه يظهر قوّة ما ذهب إليه الأصحاب رضوان اللّه عليهم، و هو العالم بالحقائق.

______________________________
(1) تقدّم في ص 147.

(2) في ص 198.

204
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الحادية عشر المراد بالمئونة هو المصروف فعلا إذا لم يكن إسرافا و لا مصروفا في الحرام ص 205