×
☰ فهرست و مشخصات
کتاب الخمس (للحائري)

ترجمة المؤلف قدس سره ص 5

[ترجمة المؤلّف قدّس سرّه]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

إنّ من أجلّ النعم، و أوفر القسم، و أولى ما أنفقت في تحصيله كنوز الأعمال، هو العلم بالأحكام الشرعيّة، و المسائل الفقهيّة، فإنّه المطلب الذي يظفر بالنجاح طالبه، و المغنم الذي يبشّر بالأرباح كاسبة، و العلم الذي يعرج بحامله إلى الذروة العليا.

بل ليس في العلوم بعد معرفة اللّه أشرف من علم الفقه، إذ به تعرف أوامر اللّه تعالى فتمتثل، و نواهيه فتجتنب، و لأنّ معلومة أعني أحكام اللّه تعالى أشرف المعلومات بعد ما ذكر، و مع ذلك فهو الناظم لأمور المعاش، و به يتمّ كمال نوع الإنسان.

و غاية الفقه- كما قال في المدارك:- حفظ الشريعة و تصحيح الأعمال و إقامة الوظائف الشرعيّة، و الإرشاد إلى المصالح الدينيّة و الدنيويّة، و الارتقاء من حضيض الجهل و ربقة التقليد، و مرجعها إلى تكميل القوى النفسانيّة، و استجلاب المراحم الربّانيّة.

فقد روى في الكافي عن الحسين بن محمّد عن معلّى بن محمّد عن الحسن ابن عليّ الوشّاء عن حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا أراد اللّه بعبد خيرا فقّهه في الدين» «1».

______________________________
(1) الكافي: ج 1 ص 32 ح 3.

5
کتاب الخمس (للحائري)

ترجمة المؤلف قدس سره ص 5

و من ثمّ توجّهت إليه همم فطاحل الإسلام و رجال الفضل و الدين، ركبوا مطايا المشّاق، و ألقوا العزم قدّامهم، و بذلوا ما كانت لهم من المساعي في تحقيق مباحثه جهدهم، و أكثروا في تنقيح مسائله كدّهم، فكم فتحوا فيه مقفّلا ببنان أفكارهم، و كم شرحوا منه مجملا ببيان آثارهم، و كم ألّفوا و صنّفوا فيه من كتاب يهدي في ظلم الجهالة إلى سنن الصواب، فمنهم من استقلّ، و منهم من استكثر- فللّه درّهم و عليه تعالى أجرهم- لقد أجادوا في ما أفادوا و أتوا هنا لك بما فوق ما كان يؤمّل و يراد، فشكر الباري سبحانه تلك المجاهدات الشاقّة منهم، و أنالهم الأجر شفعا و وترا، و أسال عليهم من رحمته، آمين.

و ممّن فاز بالسبق الأعلى و سبق الأقران في التناول من هذا البحر العظيم، و جاء بعد الغوص فيه بالدرر و اللآلئ المكنونة الّتي فاتت من غيره و لم يظفروا به، هو المرحوم آية اللّه الحاجّ الشيخ مرتضى الحائريّ قدّس سرّه و قد كان شديد الحبّ بل الشغف بالمباحث العلميّة، و التحقيقات الأصوليّة و الفقهيّة، مولعا بحلّ المسائل المشكلة بسرد الاحتمالات المتصوّرة فيها، و تبيين الغثّ عن السمين، و الحقّ عن الباطل. و قد كان قدّس سرّه يكرّر أنّ مقصودنا، و ما هو على عاتقنا أن نتقدّم في المسائل الفقهيّة و الأصوليّة إلى القدّام، و لا نقنع بما أورثه السلف الصالح فحسب، و لذلك كان يصعب على غير واحد من شركاء بحثه الشاردين التلقّي التامّ، و الضبط الكامل، معتذرا بثقل البيان تارة و فقد النظم الصناعيّ أخرى، و لكنّ السرّ هو ما مرّ، و أمّا من جدّ و اجتهد و تدبّر و لم يأل جهدا في تلقّي ما كان يمليه، فقد ارتقى مرتقى عاليا.

و لا بأس بالإشارة إلى نبذة مختصرة من حياته قدّس سرّه ملخّصا ممّا ذكرناه في مقدّمة رسالته الشريفة «صلاة الجمعة» المطبوعة في مؤسّستنا عام 1409 ه‍.

فإنّه قدّس سرّه الولد الأرشد لمشيّد الحوزة العلميّة في مدينة قم المقدّسة المرحوم آية اللّه العظمى الحاجّ الشيخ عبد الكريم الحائريّ اليزديّ قدّس سرّهما.

فتح هذا الفقيد السعيد عينه على الحياة في اليوم الرابع عشر من شهر ذي الحجّة الحرام عام ألف و ثلاثمائة و أربع و ثلاثين هجريّة قمريّة، في مدينة أراك،

6
کتاب الخمس (للحائري)

تدريساته ص 7

في بيئة علميّة فاضلة، و هكذا قرّت عيون أسرة المرحوم الحائريّ بأوّل نجل و شبل.

كان المرحوم الحائريّ الكبير قد ألقى رحل إقامته منذ عام 1332 هجريّة قمريّة بمدينة أراك لتأسيس الحوزة العلميّة فيها، و في أيّام النوروز المصادف لشهر رجب من عام 1340 هجريّة قمريّة (1301 هجريّة شمسيّة) تشرّف بزيارة المرقد الطاهر للسيّدة فاطمة المعصومة عليها السّلام بمدينة قم المقدّسة، و على أثر الطلب الأكيد من قبل علماء و جماهير المؤمنين من أهالي هذه المدينة، صمّم على السكنى بها، و تأسيس الحوزة العلميّة فيها. و لهذا دعا أهله للحوق به، و كذلك غادر أراك إلى قم طلّابه و تلامذته.

و بصحبة والده العظيم أقام الفقيد السعيد بمدينة قم المقدّسة، و بدأ بدراسة العلوم العربيّة و الأصول و الفقه. حتّى درس كتاب «فرائد الأصول» للشيخ الأعظم الأنصاريّ لدى آية اللّه السيّد الگلپايگانيّ قدّس سرّه و كتاب «المكاسب» لدى المرحوم آية اللّه السيّد محمّد تقيّ الخوانساريّ، و كتاب «كفاية الأصول» لدى المرحوم آية اللّه المحقّق الداماد قدّس سرّهما ثم حضر حوزة دروس «الخارج» الفقه و الأصول لدى والده المعظّم و أفاد من بيدر علوم ذلك الرجل الإلهيّ الذي تأسّست هذه الحوزة المباركة على يديه الكريمتين.

و بعد ارتحال آية اللّه المؤسّس في سنة 1355 هجريّة قمريّة حضر دروس الفقيه الكبير المرحوم آية اللّه السيّد محمّد الحجّة الكوهكمريّ- و الذي كان قد حظي بفخر مصاهرته من قبل- و أفاد من دروسه في الفقه و الأصول «الخارج» كثيرا.

و في عام 1364 هجريّة قمريّة- و بناء على طلب أفاضل الحوزة العلميّة بقم المقدّسة- ألقى رحل الإقامة فيها المرحوم آية اللّه البروجرديّ قدّس سرّه فأوجد بها تموّجا جديدا في العلوم الإسلاميّة لا سيّما الفقه و الرجال. فحضر لديه المرحوم آية اللّه الحائريّ في دروس الفقه و الأصول و أفاد من ذلك الفقيه العظيم.

تدريساته:

كان المرحوم آية اللّه الحاجّ الشيخ مرتضى الحائريّ أحد الأساتذة البارزين‌

7
کتاب الخمس (للحائري)

وفاته ص 8

في الحوزة، من الّذين لمع اسمهم في تدريس «السطوح» العالية في الفقه و الأصول، و في حوالي سنّ الثلاثين بدأ بتدريس «الخارج» و أفاد من بيدر علمه جماعة من الأفاضل الّذين هم اليوم من علماء الحوزة أو من المسؤولين في الجمهوريّة الإسلاميّة.

و كان معروفا بين ذوي المقامات العالية من أساتذة الحوزة بالدقّة و عمق النظر. استمرّ أكثر من ثلاثين عاما مستندا مسند تدريس «الخارج» و أفاض من علومه على تلامذته، و لم تنقطع أواصر علاقاته الدراسيّة بتلامذته حتّى اشتدّ عليه مرضه.

و إلى جانب التزاماته بالتدريس و التأليف، و إرشاد الناس و هدايتهم، لم يكن ليغفل عن تفقّد الأيتام و الفقراء. و كان في الزهد و قلّة الرغبة في ما ينال من المال، و في الوقار و التواضع، و التنزّه عن الهوى صورة ذات شعاع عن حياة المرسلين و الأولياء المقرّبين. و كان يلمس هذه الحقيقة من كان يأنس بقربه بصورة بيّنة محسوسة.

وفاته:

و أخيرا. و بعد عمر كثير الثمار و البركات لبّى داعي الحقّ بعد داء ممتدّ نسبيّا، ليلة الخميس الرابع و العشرين من شهر جمادى الثانية من سنة 1406 هجريّة قمريّة المصادف للخامس عشر من شهر إسفند من سنة 1364 هجريّة شمسيّة.

تأليفاته:

أثمرت أبحاثه و تدريساته سلسلة من آثار ثمينة طبع بعضها، و بقي أكثرها مخطوطا، و لتسجيل التأريخ نأتي نحن هنا بأسماء العمدة منها:

1- ابتغاء الفضيلة: دورة فقهيّة استدلاليّة حول المكاسب المحرّمة و البيع و الخيارات، قد طبع مجلّد واحد منها و نشر.

2- رسالة في الطهارة.

3- رسالة في صلاة المسافر.

8
کتاب الخمس (للحائري)

هذا الكتاب ص 9

4- رسالة في صلاة الجمعة.

5- رسالة الخلل الواقع في الصلاة.

6- رسالة في الخمس.

7- دورة في أصول الفقه.

هذا الكتاب:

و ممّا أفاده و ألقاه في مجالس درسه على طلّاب العلم، و روّاد الفضيلة، هو مباحث الخمس و الأنفال، و قد ابتدأ في إلقائه يوم السبت تاسع جمادى الاولى عام 1394 و فرغ منه يوم الأربعاء ثالث عشر من صفر عام 1400 أوان نجاح الثورة الإسلاميّة على ما ضبطه بعض تلامذته، و يساعده ما أرّخه قدّس سرّه في بعض مواضع الكتاب كما ذكر في ص 550 أنّه كان ذلك في 18 ج 2 من سنة 1396 و في ص 822 أنّه في أواخر ذي الحجّة 1397.

و قد كانت الشهور و الأيّام مقارنة لالتهاب لهيب الثورة الإسلاميّة، و الضيق و الحرج الشديد من جانب الحكومة الطاغوتيّة على العلماء و المراجع و الطلّاب و الحوزات العلميّة، بل و عموم المؤمنين، و هو قدّس سرّه كان ملجأ بين الناس، و يراجع إليه في ما يرد عليهم من المصائب و المشكلات، و قد كان قدّس سرّه شديد التأثّر من ذلك، و لأجله طالت سنوات البحث، حيث تخلّلتها فترات طويلة عطّل فيها البحث و التدريس، و ذلك للاعتصابات و التظاهرات إضافة إلى تعطيلات الحوزة السنويّة.

و مع ذلك كلّه لا يفوته استمرار البحث و التدريس و الكتابة، و كان يكتب ما ألقاه بعد البحث و المذاكرة حتّى حصل منه هذا السفر القيّم الذي بين يديك، و هو مركّب من متن و شرح، كلاهما بقلمه الشريف، و المتن مؤلّف ممّا في العروة و الوسيلة و ما في القواعد و الشرائع و اللمعة و غيرها، بل ضمّ ما تعرّض له صاحب الجواهر قدّس سرّه أثناء كلامه و ما كان يخطر بباله من الفروع، لكي يصير المجموع كتابا وافيا بحلّ الفروع الّتي يكثر فيها الابتلاء. و بعد بيان ذلك تعرّض لشرحه و توضيح مستنده فقهيّا على نحو الاختصار، خاليا عن الإيجاز و الإطناب.

9
کتاب الخمس (للحائري)

مقدمة البحث ص 11

 

كتاب الخمس

[مقدمة البحث]

[الخمس من الضروريّات، و بيان موارد الاختلاف بين الشيعة و العامّة]

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم و هو من الفرائض (1) و قد جعلها اللّه تعالى لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و ذرّيّته و آله إذا كانوا منسوبين إلى هاشم من طرف الآباء.

و من كان مستحلّا لأصل الخمس كان من الكافرين.

و أمّا إنكار الخمس في غير غنائم الحرب فلا يكون كفرا بل إنكار لما هو الضروريّ من المذهب.

و أمّا الاستحلال في زمن الغيبة لأجل أخبار التحليل فلا يكون خلاف الضروريّ من المذهب أيضا.

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه نحمده و نستعينه و نستهديه و نؤمن به و نتوكّل عليه، و نشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، و أنّ محمّدا عبده و رسوله، صلوات اللّه عليه و على آله الطاهرين- خلفاء اللّه تعالى في أرضه و حججه على بريّته- لا سيّما سيّدنا و مولانا صاحب هذا العصر، و رحمته و بركاته [عليهم] دائما سرمدا.

وجوب الخمس في الجملة من الضروريّات المتسالم عليه عند الفريقين،

 

11
کتاب الخمس (للحائري)

الخمس من الضروريات و بيان موارد الاختلاف بين الشيعة و العامة ص 11

..........

و الاختلاف بين أصحابنا الإماميّة رضوان اللّه تعالى عليهم و العامّة في موضعين:

أحدهما: في المتعلّق، فإنّهم قصروا متعلّقه بغنائم الحرب «1» و الركاز «2» و المعادن «3» على اختلاف فيها عندهم، و هذا بخلاف الأصحاب كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

ثانيهما: في المصرف، فإنّ المصرف عند الخاصّة: الإمام عليه السّلام و المنسوبون إلى هاشم، و أمّا العامّة فالمنقول عنهم أقوال أربعة «4»:

الأوّل: تقسيمه إلى ستّة أقسام على طبق الآية الشريفة «5»، و يعطى سهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للإمام.

الثاني: تقسيمه إلى خمسة أقسام، نقله في التذكرة عن الشافعيّ.

الثالث: تقسيمه إلى ثلاثة أقسام أي يعطي للفقراء و المساكين و أبناء السبيل، معلّلا بأنّ سهم النبيّ و ذي القربى سقطا بموت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

الرابع: أنّه بمنزلة الفي‌ء يعطي منه الغنيّ و الفقير، نقله في بداية المجتهد عن المالك و عامّة الفقهاء.

ثمّ إنّه يمكن أن تنقدح في بعض النفوس بملاحظة فتاوى الأصحاب رضوان اللّه عليهم في الخمس (من حيث سعة المتعلّق و كيفيّة التقسيم) شبهات غير مربوطة بالفقه- من جهة تماميّة المدارك الفقهيّة الواصلة إلينا من أئمّة الهدى- لكن لا بدّ من‌

______________________________
(1) الخلاف: ج 4 ص 181 كتاب الفي‌ء و قسمة الغنائم، المسألة 1.

(2) الخلاف: ج 2 ص 121 كتاب الزكاة، المسألة 146.

(3) المصدر: ص 116 المسألة 138.

(4) منقول عن التذكرة: ج 5 ص 431 و بداية المجتهد: ج 1 ص 390.

(5) سورة الأنفال: 41.

12
کتاب الخمس (للحائري)

الخمس من الضروريات و بيان موارد الاختلاف بين الشيعة و العامة ص 11

..........

إيرادها و توضيح دفعها، فإنّ ذلك ربّما كان أولى و ألزم، لا سيّما في العصر الحاضر، فإنّه ربّما يسمع ذلك حتّى من المنخرطين في سلك العلماء و المحصّلين، و ربّما تسري الشبهات المشار إليها إلى الفقه أيضا.

فنقول و منه التوفيق و الهداية:

منها: أنّه يمكن أن يقال: إنّ خمس أرباح المكاسب الذي أفتى به الأصحاب لو كان من الأحكام الإسلاميّة لكان لذلك أثر في عصر الرسول صلّى اللّه عليه و آله و عصر الخلفاء الأربعة، مع أنّه ليس في التأريخ و الأخبار عين و لا أثر بالنسبة إلى ذلك، و ما كان المعمول في عصر الرسول صلّى اللّه عليه و آله هو إعطاء خمس غنائم الحرب.

و هذا إشكال يتوجّه إمّا ممّن لا يرى حجّيّة أقوال الأئمّة من أهل البيت، فيجعل ذلك دليلا- و العياذ باللّه تعالى- على عدم حجّيّة أقوالهم، و إمّا من الشيعة الإماميّة، فيجعل ذلك دليلا على عدم صدور الأخبار الّتي يستفاد منها وجوب الخمس في مطلق الفوائد، أو على كون المقصود بها الاستحباب كما ثبت بالنسبة إلى بعض موارد الزكاة.

و توضيح دفع ذلك يحصل بالتوجّه إلى أمور:

الأوّل: أنّ آية الخمس إنّما نزلت في وقعة بدر، في رمضان السنة الثانية من الهجرة- على ما هو مسطور في الكتب- و قد أجاب صلّى اللّه عليه و آله دعوة ربّه في شهر صفر من السنة الحادية عشر.

و هذا بخلاف مثل الصلاة.

الثاني: عدم وجود ما يفضل عن المئونة مع فقر المهاجرين و إيثار الأنصار في تلك السنين، و عدم وجود مغنم يعتدّ به إلّا ما كان يؤخذ من أيدي الخصماء.

الثالث: المستفاد من أخبار الخمس أنّه موكول إلى ما يراه الإمام عليه السّلام‌

13
کتاب الخمس (للحائري)

الخمس من الضروريات و بيان موارد الاختلاف بين الشيعة و العامة ص 11

..........

مصلحة، و لذا نقل عن الصادق عليه السّلام أنّه قال:

«ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم» «1».

و قال عليه السّلام:

«إنّ أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلّ» «2».

فمن الممكن أنّه لم يكن الرسول صلّى اللّه عليه و آله يرى المصلحة في ذلك، خصوصا مع علمه برجوع الأمر بعده إلى غير المستحقّ.

الرابع: قد ورد في كتاب البخاريّ عن ابن عبّاس أنّه:

قدم وفد عبد القيس فقالوا: يا رسول اللّه إنّا هذا الحيّ من ربيعة، بيننا و بينك كفّار مضر، فلسنا نصل إليك إلّا في الشهر الحرام فمرنا بأمر نأخذ منه و ندعو إليه من ورائنا.

قال: «آمركم بأربع و أنهاكم عن أربع: الإيمان باللّه شهادة أن لا إله إلّا اللّه» و عقد بيده «و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و صيام رمضان و أن تؤدّوا للّه خمس ما غنمتم.» «3».

فإنّ عدم الأمر بالجهاد- و لو من جهة أنّه موكول إلى الإمام أو نائبه- مع كون الغنائم الحربيّة تحت يد وليّ الحرب المنصوب من قبله، إن لم يكن موجبا لانصراف «ما غنمتم» إلى غير الغنائم الحربيّة فلا ريب في كونه قرينة على العموم.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 380 ح 6 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(2) المصدر: ح 8.

(3) صحيح البخاريّ: ج 13 ص 81 و ج 7 ص 150 و ج 16 ص 189.

14
کتاب الخمس (للحائري)

الأموال و الأراضي كلها للإمام عليه السلام ص 15

[الأموال و الأراضي كلّها للإمام عليه السّلام]

و لا يخفى أنّ الأموال- من الأراضي و غيرها- كلّها للإمام عليه السّلام (1) إلّا أنّه ليس بنحو يوجب سلب مالكيّة من بيده المال.

[في الخمس فصلان]

و كيف كان، ففي الخمس فصلان: هذا، مضافا إلى عموم لفظ «ما غنمتم»، و الانصراف في الغنيمة لا يلازم انصراف «ما غنمتم».

الخامس: ما ورد في سورة الحشر من أنّ:

مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ «1».

و الظاهر أنّه من الخمس، لقوله تعالى وَ آتِ ذَا الْقُرْبىٰ حَقَّهُ «2»، و لا حقّ لذوي القربى غير الخمس على الظاهر، و مورد الآية الشريفة ليس من الغنائم بل هو من الفي‌ء، فيثبت الخمس في غير الغنائم الحربيّة.

و ربّما يؤيّد ذلك بما رواه العامّة و الخاصّة من ثبوت الخمس في الركاز، ففي البخاريّ في حديث أنّه:

قد قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «و في الركاز الخمس» «3».

و المقصود من التطويل رفع شبهة ربّما تقع في الأذهان، و اللّه الهادي.

كما يدلّ على ذلك قوله تعالى:

النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ «4».

و خطبة الغدير صريحة في إعطاء ذلك إلى الوصيّ من بعده.

و ليس مقتضى كونه للإمام سلب مالكيّة الغير كما أنّ اللّه تعالى مالك و ليس مقتضى ذلك سلب مالكيّة الغير. و لازم ذلك: جواز التصرّف لوليّ المسلمين المصون عن العصيان و الخطأ في أموال المسلمين إذا رأى المصلحة في ذلك‌

______________________________
(1) سورة الحشر: 7.

(2) سورة الإسراء: 26.

(3) صحيح البخاريّ: ج 8 ص 43 «كتاب الزكاة».

(4) سورة الأحزاب: 6.

15
کتاب الخمس (للحائري)

شرح مبحث الخمس من غير كتاب العروة ص 16

 

[شرح مبحث الخمس من غير كتاب العروة]

الفصل الأوّل في ما يجب فيه الخمس، و هو سبعة

الأوّل: غنائم دار الحرب (1).

كتوسيع الشوارع، أو الصرف في المصالح العامّة للمسلمين كما في الحكومات العرفيّة، بل هو مقتضى حقّ الحكومة.

و من هنا ينقدح احتمال أن يكون ذلك الحقّ للفقيه أيضا إمّا بناء على وجود الدليل على عموم النيابة، و هو مشكل- كما تكلّمنا على ذلك في رسالة صلاة الجمعة- أو بناء على كون ذلك من شئون الحكومة الشرعيّة، و هي ثابتة- كما يدلّ عليه معتبر عمر بن حنظلة «1»- لكنّه لا يخلو عن تأمّل أيضا.

و كيف ما كان، فيما ذكرناه في ملكيّة الإمام عليه السّلام يرتفع النزاع الواقع بين ابن أبي عمير و أبي مالك الحضرميّ- المنجرّ إلى حكميّة هشام بن الحكم و انقطاع ابن أبي عمير عن الهشام لذلك «2»- فإنّ الأخبار الكثيرة الدالّة على أنّ الدنيا و ما عليها للإمام أو أنّ الأرض كلّها له- كما أشير إليها في الجواهر «3»- لا تكون أقوى دلالة من الآية الشريفة «4»، و ليس مفاد ذلك سلب مالكيّة من انتقل إليه المال بسبب شرعيّ، و التضادّ في الملكيّة إنّما هو إذا كانتا في رتبة واحدة كما هو واضح، فإنّ اللّه تعالى مالك لجميع الموجودات من دون سلب المالكيّة الاعتباريّة عن غيره.

و الخمس ثابت فيها باتّفاق المسلمين كما في بداية المجتهد «5»، كما أنّ‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 18 ص 98 ح 1 من ب 11 من أبواب صفات القاضي.

(2) الكافي: ج 1 ص 409 ح 8 من باب أنّ الأرض كلّها للإمام.

(3) ج 16 ص 3 و 4.

(4) سورة الأحزاب: 6.

(5) ج 1 ص 390.

 

16
کتاب الخمس (للحائري)

الأول غنائم دار الحرب 1 ص 16

..........

الظاهر منها هو الاتّفاق على أنّ المراد من ذي القربى في آية الخمس هو قرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

و الأصل في ذلك قوله تعالى:

وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ وَ مٰا أَنْزَلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا يَوْمَ الْفُرْقٰانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعٰانِ وَ اللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ «1».

و الظاهر أنّ يَوْمَ متعلّق بمَا أَنْزَلْنٰا- أي ما أنزلناه على عبدنا في ذلك اليوم من الآيات الباهرة: من نزول الملائكة، و رمي التراب بيد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و وصوله إلى أعين المشركين كما ورد، و النصر الواضح، و هزيمة جمع كثير بيد عدّة قليلة من المسلمين- و ذلك لكونه أقرب من غيره من الجمل، لا أن يكون متعلّقا بقوله تعالى غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ و لا بقوله لِلّٰهِ خُمُسَهُ (أي ثابت للّه خمسه يوم الفرقان) لأنّه خلاف الظاهر قطعا. مع أنّ قوله تعالى يَوْمَ الْفُرْقٰانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعٰانِ لا يناسب لأن يكون متعلّقا بمَا غَنِمْتُمْ أو بالمقدّر في لِلّٰهِ خُمُسَهُ لأنّ المناسب له حينئذ أن يقال: يوم الحرب أو يوم بدر، و أمّا الوصفان المذكوران- «الفرقان» و «التقى الجمعان»- فيناسبان نزول الآيات الّتي بها يفرق بين الحقّ و الباطل عند التقاء الجمعين. فافهم و تأمّل.

و الظاهر بعد أن يكون المقصود من ما أنزل اللّه على عبده يوم الفرقان هو خصوص يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ «2»، فيكون المعنى:

______________________________
(1) سورة الأنفال: 41.

(2) سورة الأنفال: 1.

17
کتاب الخمس (للحائري)

الأول غنائم دار الحرب 1 ص 16

..........

أنّكم إن كنتم آمنتم بأنّ الغنائم كلّها للرسول لأنّه من الأنفال فكونوا راضين بإعطاء الخمس و قد وضع عنكم إعطاء جميعه، كما هو المستفاد من كتاب بعض المفسّرين من أهل العصر «1»- كان اللّه تعالى له- لأنّ الأنفال في غير واحد من الروايات «2» و عبارات علمائنا الأبرار غير الغنائم و الأراضي المفتوحة عنوة، مع أنّ المناسب له حينئذ أن يقال: «إن كنتم آمنتم بأنّ المال كلّه للرسول صلّى اللّه عليه و آله فأعطوا خمسه إليه» لا «أنّ الخمس ثابت في المال» المشعر بعدم مالكيّته صلّى اللّه عليه و آله للباقي، مع أنّه ليس الخمس له بل له و للمصارف الأخر المذكورة في الآية الشريفة.

كما يحتمل بعيدا أن يكون المقصود نفس تلك الآية الشريفة. و الأقرب ما ذكرناه، و هو العالم.

و يدلّ على ذلك أيضا عدّة من الأخبار:

كخبر المقنع، ففي الوسائل عنه، قال: روى محمّد بن أبي عمير أنّ:

«الخمس على خمسة أشياء: الكنوز، و المعادن، و الغوص، و الغنيمة» و نسي ابن أبي عمير الخامسة «3».

و ما في مرسل حمّاد عن العبد الصالح:

«الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم» الحديث «4».

و خبر أبي بصير:

«كلّ شي‌ء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإنّ لنا خمسه و لا يحلّ‌

______________________________
(1) الميزان: ج 9 ص 90.

(2) الوسائل: ج 6 ص 364 الباب 1 من أبواب الأنفال.

(3) الوسائل: ج 6 ص 339 ح 2 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) المصدر: ح 4.

18
کتاب الخمس (للحائري)

الأول غنائم دار الحرب 1 ص 16

..........

لأحد أن يشتري من الخمس شي‌ء.» «1».

و خبر عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الغنيمة، قال:

«يخرج منه الخمس و يقسم ما بقي بين من قاتل عليه و ولي ذلك» «2».

و في مرسل أحمد بن محمّد:

«الخمس من خمسة أشياء» إلى أن قال: «و المغنم الذي يقاتل عليه» «3».

و في المنقول عن تفسير النعمانيّ:

«و الخمس يخرج من أربعة وجوه: من الغنائم الّتي يصيبها المسلمون.» «4».

و يدلّ على المقصود أيضا معتبر عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصّة» «5».

و قريب منه مرسل سماعة «6».

لكن ظاهرهما يخالف أكثر الروايات بل لعلّ الضرورة من مذهب الشيعة من ثبوت الخمس في غير الغنائم، بل هو مخالف لما تقدّم «7» من البخاريّ أيضا من رواية ثبوت الخمس في الركاز أيضا، فلا بدّ أن يكون المقصود من الغنائم مطلق الفوائد، فيمكن أن يكون في مقام أنّ ثبوت الخمس في جميع الموارد من باب أنّه‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 339 ح 5 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 341 ح 10 من ب 2 من أبواب ما يحب فيه الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 341 ح 11 و 12 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) الوسائل: ج 6 ص 341 ح 11 و 12 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(5) المصدر: ص 338 ح 1.

(6) المصدر: ص 342 ح 15.

(7) في ص 15.

19
کتاب الخمس (للحائري)

و لا فرق بين ما حواه العسكر و غيره 1 ص 20

و لا فرق بين ما حواه العسكر و غيره (1).

من الغنائم، فالموضوع للخمس أمر واحد يختلف مصداقه، أو يكون في مقام بيان أنّه ليس الخمس مثل الزكاة بأن يكون في مال خاصّ و لو لم يصدق عليه الغنيمة، لأنّ صدق الغنيمة على ما لا بدّ للإنسان من المصارف مشكل و لعلّه كالعدم في نظر العرف، إذ لا فرق بحسب النتيجة بين عدم الفائدة أو وجودها و لزوم الصرف. و اللّه أعلم.

و منه يعلم أنّه يمكن أن لا يكون استثناء المئونة استثناء حقيقة، بل من باب عدم صدق الغنيمة.

و يدلّ عليه أيضا ما يدلّ على أنّ الخمس في جميع الفوائد:

كمصحّح عليّ بن مهزيار، ففيه:

«فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام، قال اللّه تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ. «1». فالغنائم و الفوائد يرحمك اللّه فهي الغنيمة يغنمها المرء.» «2».

إلى غير ذلك ممّا يأتي بعضه «3» إن شاء اللّه تعالى.

فلا إشكال في ثبوت الخمس في ذلك نصّا و فتوى.

في الجواهر:

لا أعرف فيه خلافا، بل هو من معقد إجماع المدارك «4».

______________________________
(1) سورة الأنفال: 41.

(2) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) في ص 144 و ما بعدها.

(4) الجواهر: ج 16 ص 6.

20
کتاب الخمس (للحائري)

و لا فرق بين ما حواه العسكر و غيره 1 ص 20

..........

أقول: لا إشكال في إطلاق ما دلّ- من الآية و الروايات- على ثبوت الخمس في الغنيمة بالنسبة إلى كلّ ما يتملّكه و يغنمه العسكر لصدق الغنيمة عليه حينئذ، و مورد الإشكال إنّما هو جواز اغتنام غير ما حواه العسكر.

و يدلّ على الجواز الإطلاق المذكور، لكونه منزّلا على ما هو المتعارف من اغتنام الغنائم في الحروب، فتكون الآية ظاهرة في جواز الاغتنام، و ليس معناها أنّ في الغنائم خمسا على تقدير جوازه أو بالنسبة إلى ما جاز.

و رواية أبي بصير المتقدّمة «1» أظهر من الباقي من جهة اشتمالها على أداة العموم و من جهة عدم تضمّنها للفظ «الغنيمة» بل عنوانها ما قوتل على الشهادتين.

نعم، ربما يمكن أن يتوهّم أنّ ذلك مخالف لمعتبر حمّاد و فيه:

«و ليس لمن قاتل شي‌ء من الأرضين و لا ما غلبوا عليه إلّا ما احتوى عليه العسكر» «2».

و لكنّ الإنصاف أنّه ليس ظاهرا في عدم استحقاق العسكر للغنائم إلّا ما احتوى عليه، لاحتمال أن يكون المقصود أنّه ليس لهم شي‌ء من الأرضين الّتي تحصل بيد الإمام و لو بعد الحرب صلحا- و لو كان للحرب دخل في ذلك و لو بواسطة إلقاء الرعب في قلوبهم- و لا ما غلبوا عليه أي من الأرضين إلّا ما احتوى عليه العسكر، فإنّ السكونة فيها حقّ لهم و لو من باب كون ذلك من مصالح المسلمين، ففي خبر عبد اللّه بن سليمان:

«إنّ دار الشرك يحلّ ما فيها، و إنّ دار الإسلام لا يحلّ ما فيها» «3».

و القدر المتيقّن حلّيّة ما فيها للمجاهدين. فافهم و تأمّل.

______________________________
(1) في ص 18.

(2) الوسائل: ج 11 ص 84 ح 2 من ب 41 من أبواب جهاد العدوّ.

(3) الوسائل: ج 11 ص 58 ح 6 من ب 25 من أبواب جهاد العدوّ.

21
کتاب الخمس (للحائري)

و لا بين المنقول و غيره 1 ص 22

و لا بين المنقول و غيره (1).

و هو المطابق لإطلاق فتوى الأصحاب كما يظهر من الجواهر «1»، لكن في الحدائق ما ملخّصه:

و لا أعرف دليلا على التعميم سوى ظاهر الآية، و الظاهر من الروايات اختصاصه بالمنقول، من حيث إنّ مفاده أخذ صفو المال و أخذ الخمس منه ثمّ إعطاء ما بقي للناس، و من المعلوم أنّ ذلك بالنسبة إلى المنقول، فإنّ غير المنقول لا يقسّم بين المقاتلين بالضرورة.

قال قدّس سرّه:

و قد تتبّعت ما حضرني من كتب الأخبار كالوافي و الوسائل. فلم أقف على ما يدلّ على دخول الأرض و نحوها من ما قدّمناه في الغنيمة الّتي يتعلّق بها الخمس. حتّى الأخبار الواردة في تفسير الآية المشار إليها.، فيمكن تخصيص الآية بما دلّت عليه هذه الأخبار، مع أنّ الأخبار الواردة في الأراضي و نحوها بالنسبة إلى المفتوح عنوة إنّما دلّت على أنّها في‌ء للمسلمين. و أنّ أمرها إلى الإمام يقبّلها أو يعمّرها و يصرف حاصلها في مصالح المسلمين «2».

أقول: و هنا وجوه أخر:

منها: ما في الجواهر من السيرة القطعيّة على عدم إخراج الخمس من هذه‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 6.

(2) الحدائق: ج 12 ص 324- 325.

22
کتاب الخمس (للحائري)

و لا بين المنقول و غيره 1 ص 22

..........

الأراضي، لكن ادّعى أنّ فيها الخمس إلّا أنّه ممّا ورد فيه التحليل «1».

و منها: أنّها بحكم الوقف، فكما أنّه لا خمس في الموقوفات العامّة كذلك في الأراضي الّتي هي ملك للمسلمين، فلا بدّ أن تصرف في مصالحهم.

و منها: ما في خبر حمّاد المتقدّم بعض جملاته «2»، ففيه:

«و ليس لمن قاتل شي‌ء من الأرضين».

إلى أن قال:

«و الأرضون الّتي أخذت عنوة بخيل أو ركاب فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمرها».

إلى أن قال بعد الحكم بإخراج الزكاة:

«و يؤخذ بعد ما بقي من العشر فيقسم بين الوالي و بين شركائه الّذين هم عمّال الأرض».

إلى أن قال:

«فيكون بعد ذلك أرزاق أعوانه على دين اللّه، و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد و غير ذلك ممّا فيه مصلحة العامّة، ليس لنفسه من ذلك قليل و لا كثير، و له بعد الخمس الأنفال» «3».

فالوجوه حينئذ خمسة، و الكلّ مدفوع:

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 7.

(2) في ص 21.

(3) الوسائل: ج 11 ص 84 ح 2 من ب 41 من أبواب جهاد العدوّ و ج 6 ص 365 ح 4 من ب 1 من أبواب الأنفال.

23
کتاب الخمس (للحائري)

و لا بين المنقول و غيره 1 ص 22

..........

أمّا الأوّل فلأنّ أخبار القسمة راجعة إلى المنقول، و الحكم بالخمس فيه لا يدلّ على عدم الخمس في غيره، و السكوت عنه لعلّه من باب أنّ متولّي الخمس و المكلّف بإعطائه إلى غيره من سائر مستحقّيه هو الإمام، فخمس الأراضي غير مربوط بالمقاتلين حتّى يبيّن لهم، فإنّهم لا يملكون إلّا المنقول.

و أمّا الثاني فهو الذي أشكل الأمر على صاحب المستمسك قدّس سرّه و شارح المختصر النافع دام ظلّه، فجعل الأوّل دليل الأراضي مخصّصا لدليل الخمس «1»، و الثاني أوقع بين الدليلين التعارض بنحو العموم من وجه و قال: إنّ مقتضى القاعدة هو الرجوع إلى البراءة «2».

لكنّ الظاهر أنّ دليل الخمس حاكم على دليل تملّك الغنيمة و الفائدة، فإنّ المفروض في دليل الخمس هو حصول الملك لهم و إلّا لم يكن غنيمة لهم، و كما أنّ مقتضى دليل تملّك المنافع أو المعادن لا ينافي لزوم الخمس كذلك ما دلّ على كون الأراضي ملكا للمسلمين لا ينافي ثبوت الخمس عليهم، كما أنّ الأمر بالنسبة إلى الزكاة كذلك على ما صرّح في خبر حمّاد المتقدّم بعضه.

ثمّ إنّه على تقدير عدم الحكومة فلا وجه لملاحظة العموم المطلق كما يظهر من المستمسك «3»، فإنّ الأرض المفتوحة عنوة لا تنافي دليل الخمس في غير خمسها فكيف تكون المعارضة بالعموم المطلق! و أمّا الثالث فحيث إنّ إعطاء ملك الخمس مربوط بالإمام فلا حجّيّة في سيرة خلفاء الجور.

و أمّا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و خليفته أمير المؤمنين فلعلّهما كانا يؤدّيان الخمس من‌

______________________________
(1) المستمسك: ج 9 ص 444.

(2) جامع المدارك: ج 2 ص 103.

(3) ج 9 ص 444.

24
کتاب الخمس (للحائري)

و لا بين المنقول و غيره 1 ص 22

..........

ارتفاع الأرض أو من الوجوه الأخر أو كانت الوجوه الأخر كافية في سدّ حوائج غيرهم من فقراء بني هاشم مع قلّة عددهم و الباقي كان للإمام.

مع أنّ في النصّ و الاجتهاد عن البخاريّ و كتاب مسلم:

أنّ فاطمة عليها السّلام أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ممّا أفاء اللّه عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر «1».

و هو دليل على أنّه صلّى اللّه عليه و آله كان يعطي خمس الأرض المفتوحة عنوة.

مع أنّه لو فرض عدم أخذ الخمس فلا يدلّ على عدم ثبوته، بل يمكن أن يكون من باب التحليل كما اختاره في الجواهر «2».

و أمّا الرابع فإن كان من جهة عدم صدق الغنيمة فالأمر كما ذكر، و أمّا إن كان من جهة قيام السيرة القطعيّة على عدم إخراج الخمس في الأوقاف العامّة فالفارق ما ذكر.

و أمّا الخامس فحيث إنّ صدر الخبر الطويل المتقدّم «3» صرّح بإخراج الخمس من الغنائم الشامل للأرضين و حكم بتقسيم أربعة أخماس بين من قاتل عليه فيمكن أن يكون قوله «و أمّا الأرضون» بمنزلة الاستثناء عن الحكم بتقسيم أربعة أخماس، لا بمنزلة الاستثناء عن أصل تعلّق الخمس بالغنائم، و يكون قوله في الذيل: «ليس لنفسه من ذلك قليل و لا كثير» بمعنى أنّه ليس من ذلك الخراج الذي يكون لأربعة أخماس الباقي للإمام شي‌ء. و يؤيّد ذلك أنّ قوله عليه السّلام بعد ذلك: «و له‌

______________________________
(1) النصّ و الاجتهاد ص 51 عن صحيح البخاريّ ج 16 ص 111 أواخر باب غزوة خيبر، و عن صحيح مسلم ج 3 ص 1380 باب «لا نورث، ما تركنا فهو صدقة».

(2) ج 16 ص 7.

(3) في ص 23.

25
کتاب الخمس (للحائري)

يستثني من الغنائم ص 26

[يستثني من الغنائم]

و يستثني من ذلك (1) صفايا الإمام (2) من فرس و جارية، بل و قطائع بعد الخمس الأنفال» يبعد أن يكون المقصود منه خمس غير الأراضي، فإنّ قبل ذلك مربوط بالأراضي و بعده أيضا مربوط بالأراضي في أكثر مصاديقه فيبعد أن يكون المقصود من الخمس، خمس غير الأراضي.

فالظاهر صحّة ما عليه المشهور من ثبوت الخمس في الأراضي المفتوحة عنوة. و اللّه العالم.

أي من تعلّق الخمس بعنوان الغنيمة.

أمّا وجوب الخمس على الإمام عليه السّلام بالنسبة إلى باقي السهام فهو أمر لا جدوى للبحث عنه، و المقصود تعلّقه به من جهة مطلق الفائدة الملحوظ فيه خروج مئونة السنة.

كما في صحيح ربعيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له، ثمّ يقسم ما بقي خمسة أخماس و يأخذ خمسه ثمّ يقسم أربعة أخماس بين الناس».

إلى أن قال:

«و كذلك الإمام أخذ كما أخذ الرسول صلّى اللّه عليه و آله» «1».

و في خبر حمّاد الطويل:

«و له صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب، لأنّ الغصب كلّه مردود» «2».

و في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 356 ح 3 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 365 ح 4 من ب 1 من أبواب الأنفال.

26
کتاب الخمس (للحائري)

يستثني من الغنائم ص 26

..........

سألته عن صفو المال، قال: «الإمام يأخذ الجارية الروقة و المركب الفاره و السيف القاطع و الدرع قبل أن تقسم الغنيمة، فهذا صفو المال» «1».

و في مضمر سماعة:

«كلّ أرض خربة أو شي‌ء يكون للملوك فهو خالص للإمام و ليس للناس فيها سهم» «2».

و في خبر داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«قطائع الملوك كلّها للإمام» «3».

و في موثّق إسحاق عنه عليه السّلام:

«و ما كان للملوك فهو للإمام» «4».

و في المنقول عن المقنعة عنه عليه السّلام:

«و لنا صفو المال» يعنى يصفوها ما أحبّ الإمام من الغنائم و اصطفاه لنفسه قبل القسمة «5».

قوله «يعني» من كلام المفيد، كما يظهر من ذيل الخبر: «على ما جاء به الأثر عن السادة عليهم السّلام» «6».

و خبر الثماليّ عن أبي جعفر عليه السّلام:

«ما كان للملوك فهو للإمام» «7».

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 369 ح 15 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(2) المصدر: ص 367 ح 8.

(3) المصدر: ص 366 ح 6.

(4) المصدر: ص 371 ح 20.

(5) الوسائل: ج 6 ص 371 ح 21 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(6) الوسائل: ج 6 ص 371 ح 21 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(7) الوسائل: ج 6 ص 372 ح 31 من ب 1 من أبواب الأنفال.

27
کتاب الخمس (للحائري)

يستثني من الغنائم ص 26

..........

إذا عرفت ذلك فمقتضاه أمور:

الأوّل: أنّ متعلّق حقّ الإمام صفو المال و لو لم يكن للملوك، و أموال الملوك غير المغصوبة و إن لم تكن صفوا- من غير فرق في الثاني بين المنقول و غير المنقول- بل القطائع و هي غير المنقول من أمواله، كما في مجمع البحرين.

و ما تقدّم «1» في خبر حمّاد من التقييد بالصوافي فلعلّه مبنيّ على الغالب أو أنّه مملوك من حيث إنّه من الصوافي، فلا يستلزم صرف الإمام نظره عن أموال الملوك أن يصرف أيضا عن صوافي أمواله.

الثاني: أنّ المقصود من الصفو- كما هو الظاهر من كلمة «صفو المال» و هو المستشعر من الأمثلة الواردة في خبر أبي بصير المتقدّم «2»- هو ما يصدق عليه الصفو في نفسه، لا مطلق ما يصطفيه الإمام و ليس بصفو عرفا، فما تقدّم «3» في خبر المقنعة عن المفيد لا يخلو عن التسامح، و كذا ما نقلناه في المتن الذي هو عبارة الجواهر «4».

الثالث: أنّ مقتضى صريح صحيح ربعيّ «5» استثناء صفو المال عن تعلّق القسمة به و عن تعلّق الخمس من حيث الغنيمة، و هو الظاهر من غيره من حيث إنّ ما للإمام هو الخمس و أموال الملوك، فليس ما يؤخذ من أموال الملوك هو الخمس، كما هو واضح.

الرابع: قد عرفت أنّ «القطائع» هي الأملاك الخالصة للملوك.

و أمّا «الجارية الروقة» فهي الحسان، تطلق على المذكّر و المؤنّث و الجمع‌

______________________________
(1) في ص 26.

(2) في ص 27.

(3) في ص 27.

(4) الجواهر: ج 16 ص 9.

(5) المتقدّم في ص 26.

28
کتاب الخمس (للحائري)

يستثني من الغنائم ص 26

الملوك، بل ما كان للملوك من الأموال (1). و يستثني من ذلك المئونة الّتي أنفقت على الغنيمة بعد تحصيلها- بحفظ و حمل و رعي- و نحوها قبله (2).

و المفرد.

و أمّا «المركب الفاره» فهو النشيط من ذلك.

و أمّا «الدرع» فالمقصود منه ما كان صفوا من المال لا مطلق الدرع.

و الإطلاق في خبر أبي بصير «1» غير منعقد أصلا بقرينة كونه واردا في تفسير الصفو من المال، فإطلاق بعض عبائر الأصحاب بالنسبة إلى الدرع ممنوع.

أمّا القطائع فقد صرّح به في الجواهر «2». و يستدلّ عليه بخبر داود بن فرقد المتقدّم «3».

و أمّا مطلق أموال الملوك الوارد في موثّق إسحاق بن عمّار «4» فلم أقف على ذكره في كلمات الأصحاب و إن كان هو مقتضى المرسل «5».

كما في الجواهر، و نقل عن جهاد الشرائع و اللمعة و الروضة، قال: و هو الأقوى في النظر «6».

و عمدة ما يدلّ على ذلك أمران:

أحدهما: ما دلّ على أنّ الخمس بعد المئونة كصحيح البزنطيّ، قال:

كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام: الخمس أخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة؟ فكتب: «بعد المئونة» «7».

______________________________
(1) المتقدّم في ص 27.

(2) الجواهر: ج 16 ص 9.

(3) في ص 27.

(4) المتقدّم في ص 27.

(5) المتقدّم في ص 27.

(6) الجواهر: ج 16 ص 9.

(7) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 1 من ب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

29
کتاب الخمس (للحائري)

يستثني من الغنائم ص 26

..........

و ما رواه إبراهيم:

إنّ في توقيعات الرضا عليه السّلام إليه: أنّ «الخمس بعد المئونة» «1».

و في الوسائل عن الفقيه:

و سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأخذ منه هؤلاء زكاة ماله أو خمس غنيمته أو خمس ما يخرج له من المعادن أ يحسب ذلك له في زكاته و خمسه؟

فقال: «نعم» «2».

و خبر الأشعريّ، قال:

كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام:

أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و على الصناع؟ و كيف ذلك؟ فكتب بخطّه: «الخمس بعد المئونة» «3».

و إن كان يمكن المناقشة في الأوّل بأنّ مورد السؤال هو البزنطيّ نفسه، و لعلّه كان معلوما أنّه ليس عليه خمس الغنائم.

و في الثاني بعدم وضوح السند.

و في الثالث بعدم دلالته على المطلوب، بل لعلّ مفاده احتساب ما يأخذ‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 2 من ب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 3 من ب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 1 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

30
کتاب الخمس (للحائري)

يستثني من الغنائم ص 26

و كذا ما يجعله الإمام على فعل مصلحة من مصالح المسلمين (1). و كذا ما يعطي كذلك كما في إعطاء المؤلّفة قلوبهم (2)، بل لا يبعد الجائر بعنوان الخمس و الزكاة خمسا و زكاة حقيقة، امتنانا على العباد كما في إمضاء تصرّفاتهم في الخراج في الجملة على ما هو المعروف عندهم.

و في الرابع بعدم وضوح السند أيضا للإرسال «1».

لكن لا يبعد انجبار الدالّ منها بعمل الأصحاب رضوان اللّه عليهم.

ثانيهما: معتبر حمّاد، و فيه:

«و له أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينوبه من مثل إعطاء المؤلّفة قلوبهم و غير ذلك ممّا ينوبه، فإن بقي بعد ذلك شي‌ء أخرج الخمس منه» «2».

و لا يخفى أنّ الأمر الأوّل أظهر في المئونة الّتي تصرف في تحصيل الغنيمة، بل صدق الغنيمة مشكوك بما عرض في قبالها المئونة، و الأمر الثاني أظهر بالنسبة إلى ما بعد تحصيل الغنيمة و إن كان يشمل الأمر الأوّل أيضا من حيث إنّ الإمام إذا تحمّل بعض المئونة قرضا فالأخذ منها لأداء قرضه ممّا يصدق عليه أن سدّ لما ينوبه، فالظاهر وفاء الدليل بإخراج المئونة سواء كان صرفها قبل حصول الغنيمة أو بعده. و هو العالم.

كما في الجواهر عن جهاد الشرائع و الروضة. قال: و هو قويّ أيضا «3». انتهى.

و يدلّ عليه معتبر حمّاد المتقدّم آنفا.

كما في المعتبر المتقدّم المنقول عن حمّاد، فالتقييد بالجعل لفعل مصلحة‌

______________________________
(1) و هو غير معلوم، لأنّ المستفاد منه رؤية كتابه الشريف (منه قدّس سرّه).

(2) الوسائل: ج 6 ص 365 ح 4 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(3) الجواهر: ج 16 ص 10.

31
کتاب الخمس (للحائري)

يستثني من الغنائم ص 26

عدم وجوبه على المجعول له من باب الغنيمة (1)، و إن تعلّق به من حيث الاكتساب (2).

و كذا السلب (3).

من المصالح لا وجه له و لعلّه ليس بمقصود.

هذا. مع أنّه لا يصدق الغنيمة بالنسبة إلى المقاتلين حتّى يجب عليهم الخمس.

كما في الجواهر «1»، فإنّه ليس غنيمة الحرب بالنسبة إلى المجعول له.

كما في الجواهر «2» أيضا، لإطلاق دليله، فلا بدّ من ملاحظة مئونة السنة فيها.

في الجواهر عن الشيخ قدّس سرّه و المحقّق في الشرائع في كتاب الجهاد «3».

و يدلّ عليه ما تقدّم من معتبر حمّاد، لأنّ السلب ممّا يكون له بشرط الإمام، و إلّا لم يكن القاتل مستحقّا له بناء على ما هو المعروف عندهم، فيشمله المعتبر المتقدّم، فإنّه من الأمور الّتي رأى الإمام المصلحة في ذلك فسدّ بذلك ما نابه من ملاحظة المصلحة في ذلك.

و معارضة ذلك ب‍ «إطلاق ما دلّ على ثبوت الخمس في الغنيمة لصدق الغنيمة على السلب للقاتل، لأنّه ملك من حيث قتاله، فلا بدّ له من أداء خمسه و إن لم يدخل في الغنائم من حيث القسمة، و لا في حسابه في ضمن جميع الغنائم من حيث تعلّق الخمس» مدفوعة بأنّ قوله في معتبر حمّاد:

«و له أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينوبه من مثل إعطاء المؤلّفة قلوبهم و غير ذلك ممّا ينوبه، فإن بقي بعد ذلك شي‌ء أخرج الخمس منه» «4».

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 10.

(2) الجواهر: ج 16 ص 10.

(3) الجواهر: ج 16 ص 10.

(4) تقدّم في الصفحة السابقة.

32
کتاب الخمس (للحائري)

يستثني من الغنائم ص 26

و الرضائخ للنساء و العبيد (1) و غيرهم ممّن لا حقّ لهم في الغنيمة، حاكم على دليل الخمس، لأنّ المفروض فيه ثبوت وجوب الخمس في الجملة و كونه بعد ذلك.

و على فرض التعارض فالنسبة بين ذلك و بين ثبوت الخمس في مطلق الغنيمة هي العموم من وجه، فيفترقان في غير جعائل الإمام للمصالح و في الجعائل لغير القاتلين من حيث عدم صدق غنيمة الحرب عليها بالنسبة إلى المجعول له كما عرفت، و مورد الاجتماع: جعل ما يتسلّط عليه القاتل للقاتل بالخصوص، فيرجع إلى أصالة البراءة عن وجوب الخمس من حيث الغنيمة.

هذا. مع أنّ خروج ذلك عن أخذ الخمس قبل القسمة معلوم، لعدم مدخليّة القسمة في هذا الموضوع قطعا، فلا وجه لملاحظة «المئونة إلى حال أخذ الخمس» بالنسبة إلى «مجموع الغنائم». نعم، ما يدلّ على ملاحظة مئونة السنة يشمله أيضا، فتأمّل.

هذا. مضافا إلى ما في الجواهر عن التذكرة الاستدلال بأنّه عليه السّلام قضى بالسلب للقاتل و لم يخمّس السلب. قال بعد ذلك: و هو لا يخلو من بحث «1».

أقول: قد عرفت أنّ مقتضى الدليل عدم وجوب الخمس على القاتل من حيث غنيمة دار الحرب فلا بدّ من ملاحظة مئونة السنة، و اللّه هو العالم.

الرضائخ: جمع رضيخة و هي العطيّة، و الرضخ: هو العطاء اليسير المشروط من الوالي لنحو الراعي و الحافظ، كما في مجمع البحرين.

و هو أيضا ممّا يخرج من المال قبل التقسيم و لا يؤخذ خمسه، ففي الجواهر عن جهاد الشرائع و الشيخ تقديم ذلك «2».

______________________________
(1) الجواهر ج 16 ص 10.

(2) الجواهر ج 16 ص 10.

33
کتاب الخمس (للحائري)

ما يشترط في الغنيمة التي فيها الخمس ص 34

بل النفل و هو العطاء للغانمين (1).

[ما يشترط في الغنيمة الّتي فيها الخمس]

و يشترط في الغنيمة الّتي يؤخذ منها الخمس أن تكون بإذن الإمام، و إلّا كان كلّ ما يغنمه للإمام عليه السّلام (2).

و يدلّ على ذلك كلّه ما تقدّم نقله من معتبر حمّاد «1».

كما في الجواهر عن ابن الجنيد «2»، لدخوله في ما تقدّم «3» من المنقول عن معتبر حمّاد.

و ملخّص الكلام استثناء ما يجعله الإمام أو يعطيه قليلا أو كثيرا للغانمين و لغيرهم عوضا للقتل و الجهاد، أو لمصلحة راجعة إلى ذلك الجهاد و الخروج و العود ممّا يتعلّق بذاك القيام، أو كان مربوطا بمصلحة أخرى غير مربوطة بذلك القيام، كانت عامّة أو خاصّة بنفسه الشريفة و إن كانت راجعة إلى العامّة أو شخص من المسلمين.

كلّ ذلك للإطلاق المشار إليه و إن كان بعض فروعه لا يخلو عن خفاء و إشكال، مثل ما كان لمصلحة شخصيّة غير مربوطة بذاك القيام، فلا بدّ من التأمّل.

و لا أثر لتلك الأبحاث في عصر الغيبة إلّا إذا فرض كون الفقيه بمنزلة الإمام العادل عليه الصلاة و السلام، أو فرض قيام الجائر بمنزلة العادل في ما له، و كلاهما مورد للإشكال، بل المنع في الأخير لعلّه من الواضحات.

كما في الجواهر «4». و هو ينحلّ إلى مسألتين: الاولى: عدم تعلّق الخمس به من حيث الغنيمة. الثانية: كون جميع المال للإمام.

و المشهور فيهما ما ذكر، لكن عن المنتهى و المدارك أنّه بحكم المأذون «5»،

______________________________
(1) في ص 31.

(2) الجواهر ج 16 ص 10.

(3) في ص 31.

(4) الجواهر ج 16 ص 11.

(5) الجواهر: ج 16 ص 11- 12.

34
کتاب الخمس (للحائري)

ما يشترط في الغنيمة التي فيها الخمس ص 34

..........

و عن الحدائق التفصيل بين ما إذا كان الحرب للدعاء إلى الإسلام فالغنيمة كلّها للإمام و ما إذا كان للقهر و الغلبة ففيه الخمس «1»، و يظهر من العروة التفصيل بين إمكان الاستيذان من الإمام مع فرض عدم الإذن فالغنيمة كلّها للإمام، و أمّا في زمان الغيبة فيجب إعطاء الخمس على الأحوط «2».

و يمكن الاستدلال للمشهور بمرسل الورّاق عن الصادق عليه السّلام قال:

«إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام، و إذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس» «3».

و ضعف الخبر منجبر بعمل الأصحاب- رضوان اللّه عليهم- لكنّه مخصّص بصحيح الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم و يكون معهم فيصيب غنيمة، قال: «يؤدّي خمسا و يطيب له» «4».

و حمل الخبر على صورة الإذن من الإمام بالخصوص خلاف الظاهر قطعا، و النسبة بين الدليلين هي العموم المطلق، فإنّ مقتضى الأوّل أنّ القوم المحاربين إذا غزوا بإذن الإمام فللإمام الخمس، و إن لم يكن بإذن الإمام فالمال كلّه له عليه السّلام، فاستيذان شخص بالخصوص لا يخرجه عن كون الغزو بغير إذن الإمام، فإنّ مجموع القتال كان بغير إذن الإمام، و مقتضى ذلك أنّ الغزو إن كان بإذن الإمام أو كان تحت لواء خلفاء الجور الّذين يحكمون على المملكة الإسلاميّة بعنوان‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 12.

(2) العروة الوثقى: كتاب الخمس، الفصل الأوّل.

(3) الوسائل: ج 6 ص 369 ح 16 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(4) المصدر: ص 340 ح 8 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

35
کتاب الخمس (للحائري)

ما يشترط في الغنيمة التي فيها الخمس ص 34

..........

الخلافة الإسلاميّة فالخمس للإمام و باقي الغنيمة لمن قاتل، على التقسيم الذي ولّاه الإمام الجائر أو نائبه، و أمّا إذا لم يكن الغزو كذلك فالمال للإمام بمقتضى مرسل الورّاق «1» المفتي به عند المشهور بين الأصحاب رضوان اللّه عليهم.

و يمكن الاستشهاد للحوق الغزو الواقع تحت لواء خلفاء الجور بالغزو الواقع عن إذن الإمام عليه السّلام بأمرين آخرين:

أحدهما: بعض أخبار التحليل، كالمنقول عن تفسير الإمام العسكريّ سلام اللّه عليه عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه:

قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «قد علمت يا رسول اللّه إنّه سيكون بعدك ملك عضوض و جبر فيستولي على خمسي من السبي و الغنائم و يبيعونه، فلا يحلّ لمشتريه، لأنّ نصيبي فيه، فقد وهبت نصيبي منه لكلّ من ملك شي‌ء.» «2».

و في الخبر و إن كان ضعف من حيث السند إلّا أنّه مؤيّد ببعض أخبار أخرى «3» يدلّ على تحليل الخمس لطيب المولد، و القدر المسلّم منه هو سبايا الحرب. فتأمّل.

ثانيهما: أنّه قد مرّ في أوّل مسألة ثبوت الخمس في الغنيمة روايات كثيرة دالّة على ثبوت الخمس في الغنائم، و القدر المسلّم منها هو المصداق الموجود حال صدور الروايات، و الغزوات الّتي كانت في ذلك العصر لم تكن بإذن الإمام،

______________________________
(1) المتقدّم في الصفحة السابقة.

(2) الوسائل: ج 6 ص 385 ح 20 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(3) الوسائل: ج 6 ص 378 الباب 4 من أبواب الأنفال.

36
کتاب الخمس (للحائري)

ما يشترط في الغنيمة التي فيها الخمس ص 34

و أن يكون الأخذ بالمقاتلة، و ما يؤخذ من أموالهم بغيرها فليس فيه الخمس من جهة غنائم الحرب (1).

فمقتضى الدليل التفصيل في الغزو بغير إذن الإمام بين ما إذا كان تحت لواء خلفاء الجور فيكون بحكمه في كون الغنيمة للمقاتلين و الخمس يعطى للإمام عليه السّلام، و ما إذا لم يكن كذلك فالكلّ للإمام بمقتضى مرسل الورّاق «1» المنجبر بعمل الأصحاب رضوان اللّه عليهم.

كما هو واضح، لعدم صدق غنائم الحرب عليه، مضافا إلى التقييد بالقتال في بعض الروايات كما في خبر أبي بصير:

«كلّ شي‌ء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه فإنّ لنا خمسه» «2».

و مرسل أحمد بن محمّد و فيه:

«و المغنم الذي يقاتل عليه» «3».

لكن مقتضى إطلاق الآية «4» و الروايات «5» هو وجوب الخمس من جهة مطلق الفائدة كما أفاده في الروضة على ما في الجواهر، و استجوده في الجواهر إذا كان ذلك للآخذ كما إذا كان الأخذ بغير إذن الإمام «6»، و أمّا إذا كان من جهة بعث الإمام و بإذنه كان الكلّ للإمام كما يظهر من صحيح معاوية بن وهب، قال:

قلت لأبي عبد اللّه: السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف يقسّم؟

______________________________
(1) المتقدّم في ص 35.

(2) تقدّم في ص 18.

(3) تقدّم في ص 19.

(4) سورة الأنفال: 41.

(5) الوسائل: ج 6 ص 348 الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(6) الجواهر: ج 16 ص 11.

37
کتاب الخمس (للحائري)

ما يشترط في الغنيمة التي فيها الخمس ص 34

..........

قال: «إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم اخرج منها الخمس للّه و للرسول، و قسم بينهم ثلاثة أخماس، و إن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ» «1».

ثمّ إنّه لا إشكال في جواز أخذ مال الكفّار عند قيام الحرب، سواء كان الحرب معهم بإذن الإمام أو بغير إذنه إذا كان في لواء خلفاء الجور، لما تقدّم «2» ممّا دلّ على وجوب الخمس فيه، و هو يدلّ على جواز الأخذ قطعا بحسب الظهور العرفيّ.

و كذا إذا كان الجهاد صحيحا بأن كان من باب الدفاع عن الإسلام، لدلالة خبر الورّاق المتقدّم «3» على الجواز و إن كان مقتضى إطلاقه كون الجميع للإمام.

و أمّا إذا فرض عدم قيام الحرب أصلا ففي السرقة و الغيلة منهم إشكال، لعدم وضوح الدليل على الأخذ بدون القتال.

و أمّا القتال فهو مشروط بإذن الإمام عليه السّلام كما يدلّ عليه أخبار الباب الثاني عشر من أبواب الجهاد «4».

و أمّا الاسترقاق منهم فمقتضى بعض الروايات الواردة في بيع الحيوان هو الجواز «5»، لكن مقتضى التعليل الوارد في بعض الروايات «6» المذكورة هو اختصاصه بما إذا كانوا ممّن يؤتى بهم إلى دار الإسلام، و مقتضى البعض الآخر «7»

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 356 ح 3 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(2) في ص 35.

(3) في ص 35.

(4) الوسائل: ج 11 ص 32.

(5) الوسائل: ج 13 ص 27 الباب 2 من أبواب بيع الحيوان و ج 11 ص 99 الباب 50 من أبواب جهاد العدوّ.

(6) الوسائل: ج 13 ص 27 ح 1 من ب 2 من أبواب بيع الحيوان.

(7) المصدر: ح 3.

38
کتاب الخمس (للحائري)

ما يشترط في الغنيمة التي فيها الخمس ص 34

..........

تقييده بما إذا أقرّوا بالرقّيّة، و القدر المتيقّن: مجموع الأمرين.

و على فرض جواز قتل غير المعاهد و أخذ ماله و سبي نسائه أو نفسه فلا إشكال في عدم الجواز في المعاهد كما في بعض عبارات الفقهاء، و المستأمن كما في بعضها الآخر.

و لا يبعد صدق الاستيمان إذا كان ذلك من جانب الحكومة الإسلاميّة، سواء كان الكافر في بلاد المسلمين أو في بلادهم، بل و لو كان من جانب آحاد المسلمين، كما صرّح بذلك في الدروس في كتاب الجهاد حيث قال قدّس سرّه:

و [يحرم] القتال بعد الأمان و لو كان من آحاد المسلمين لآحاد الكفّار «1».

و عدم جواز الاستيمان لإقليم إنّما هو في حال قيام الحرب الصحيح، لأنّه يلزم أن لا يتحقّق الحرب اللازم بأمان أحد من المسلمين، و أمّا في غير حال الحرب فالظاهر بحسب الدليل جواز الاستيمان، لا سيّما إذا كان ذلك من جانب ذي الشوكة من المسلمين، كما أشير إليه في ما تقدّم حكايته من الدروس.

و أمّا ما دلّ على جواز أخذ مال الناصب مطلقا و إعطاء الخمس «2» فلا يبعد أن يكون المراد من نصب الحرب للإمام العادل، كما ربّما يومئ إلى ذلك ما عن الفقيه:

قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «صنفان من أمّتي لا نصيب لهم في الإسلام: الناصب لأهل بيتي حربا.» «3».

و على فرض كون المقصود هو الناصب بالمعنى المعروف فلا يدلّ على حكم الكافر الذي لا عداوة له بالنسبة إلى الإسلام و لا بالنسبة إلى أهل البيت عليهم السّلام.

______________________________
(1) الدروس: ج 2 ص 33.

(2) الوسائل: ج 6 ص 340 ح 6 و 7 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) الوافي: ج 2 ص 229 ح 1 من ب 23.

39
کتاب الخمس (للحائري)

الثاني المعادن 1 ص 40

الثاني: المعادن (1).

وجوب الخمس فيها إجماعيّ، ففي الجواهر:

يكون إجماعا محصّلا، و منقولا صريحا في الخلاف و السرائر و المنتهى و التذكرة و المدارك و غيرها، و ظاهرا في كنز العرفان و عن مجمع البحرين و البيان، بل في ظاهر الغنية نفي الخلاف بين المسلمين عن معدن الذهب و الفضّة «1».

و في الحدائق:

هو ممّا وقع عليه الاتّفاق نصّا و فتوى «2».

و في خمس الشيخ الأنصاريّ قدّس سرّه:

أنّ حكاية الإجماع عليه مستفيضة «3».

و يستدلّ على ذلك بالآية الشريفة:

وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ «4».

بناء على كون المراد بالغنيمة مطلق الفائدة كما هو الظاهر منها و يستفاد من بعض الأخبار، كمكاتبة عليّ بن مهزيار، فإنّ فيها بعد ذكر الآية الشريفة:

«فالغنائم و الفوائد يرحمك اللّه فهي الغنيمة يغنمها المرء، و الفائدة يفيدها، و الجائزة من الإنسان للإنسان الّتي لها خطر» «5».

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 13 و 14.

(2) الحدائق: ج 12 ص 328.

(3) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ قدّس سرّه: ص 122.

(4) سورة الأنفال: 41.

(5) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

40
کتاب الخمس (للحائري)

الثاني المعادن 1 ص 40

..........

و خبر حكيم، قال:

قلت له وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ «1» قال: «هي و اللّه الإفادة يوما بيوم» «2».

و لا فرق في الاستدلال على وجوب الخمس في المعادن بين الآية الشريفة و الأدلّة الخاصّة الواردة في خصوص المعادن، لا من حيث ثبوت أصل الخمس، و لا من حيث اعتبار المئونة، لأنّ ما دلّ على استثنائها إن كان شاملا للمعدن حتّى بالنسبة إلى مئونة الشخص و عائلته فيدلّ على ذلك بالنسبة إلى الأدلّة الخاصّة أيضا و لا يلاحظ النسبة، لأنّ المفروض في الاستثناء وجوب الخمس في الجملة، فيكون حاكما على إطلاق دليل الخمس بالنسبة إلى المعادن، و لا من حيث لزوم مراعاة النصاب في المعدن، كما لا يخفى.

و يدلّ عليه عدّة من الأخبار:

منها: صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:

سألته عن معادن الذهب و الفضّة و الصفر و الحديد و الرصاص، فقال: «عليها الخمس جميعا» «3».

و صحيح الحلبيّ، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكنز كم فيه؟ قال:

«الخمس».

______________________________
(1) سورة الأنفال: 41.

(2) الوسائل: ج 6 ص 380 ح 8 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(3) الوسائل: ج 6 ص 342 ح 1 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

41
کتاب الخمس (للحائري)

الثاني المعادن 1 ص 40

..........

و عن المعادن كم فيها؟ قال: «الخمس».

و عن الرصاص و الصفر و الحديد و ما كان من المعادن كم فيها؟ قال: «يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب و الفضّة» «1».

أقول: لعلّ الوجه في تكرار السؤال استيضاح أنّه هل لا يكون فرق بين معادن الذهب و الفضّة و غيرها أو يكون بينهما فرق؟ و لعلّ الوجه في احتمال الفرق ما تقدّم «2» نقله عن الغنية من اختصاص الخمس عند العامّة بمعدن الذهب و الفضّة.

و يومئ إلى ما احتملناه قوله عليه السّلام في الجواب: «كما يؤخذ من معادن الذهب و الفضّة».

و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:

سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: «كلّ ما كان ركازا ففيه الخمس».

و قال: «ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج اللّه سبحانه منه من حجارته مصفّى الخمس» «3».

أقول: ربّما يمكن أن يشكل في ظهور الجواب في خمس المعادن من حيث إنّ الركاز عند أهل الحجاز هو الكنوز المدفونة كما في الجواهر عن ابن الأثير «4».

و لكنّه واضح الاندفاع من جهة لزوم الإعراض عن الجواب عن السؤال من دون وجه، و هو ممّا يقطع بعدمه، فإنّه ليس طريق المحاورة الإعراض عن السؤال في مقام الجواب و الجواب عن شي‌ء آخر غير مسؤول عنه من دون جهة- من تقيّة‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 342 ح 2 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) في ص 40.

(3) الوسائل: ج 6 ص 343 ح 3 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) الجواهر: ج 16 ص 14.

42
کتاب الخمس (للحائري)

الثاني المعادن 1 ص 40

..........

أو غيرها- و لا يناسب الذيل الذي هو ظاهر في خصوص المعدن من جهة أنّ المعدن يحتاج استخراجه نوعا إلى صرف المال، و من جهة أنّه الذي يستخرج من الحجارة.

فالظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ المقصود خصوص المعدن (فتكلّم عليه السّلام بلغة السائل الذي هو عراقيّ، فإنّه مقتضى حكمة الأنبياء و الأولياء عليهم السّلام و لطفهم بالنسبة إلى العباد) أو الأعمّ.

و الأخير هو الأقوى، من جهة قوله «كلّ ما كان ركازا»، فإنّ الظاهر أنّه بصدد إعطاء قاعدة تشمل المعدن أيضا، لا بيان خصوص المعدن.

و منه يظهر وجه ثالث لعدم كون المقصود خصوص الكنز، لأنّه لا يناسب كلمة «كلّ».

هذا كلّه، مع أنّه لا يبعد أن يكون الاختلاف بين العراق و الحجاز من حيث المصداق لا من حيث المفهوم، فإنّ أكثر جدة الحجازيّين كان من قبيل الكنوز، لقلّة المعادن في بلادهم و هذا بخلاف العراق، فتأمّل.

و أمّا قوله في الذيل «مصفّى»، فيحتمل أن يكون المقصود أنّه يجب بعد إخراج المئونة كما في الوافي «1»، و يحتمل أن يكون المقصود أنّه لا يكفي المخلوط في مقام إعطاء الخمس، لعدم العلم بأداء خمسه.

و صحيح محمّد بن مسلم، قال:

سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الملّاحة، فقال: «و ما الملّاحة؟» فقال (فقلت): أرض سبخة مالحة يجتمع فيه الماء فيصير (و يصير) ملحا، فقال: «هذا المعدن فيه‌

______________________________
(1) ج 10 ص 313.

43
کتاب الخمس (للحائري)

تعريف المعدن ص 44

[تعريف المعدن]

و الظاهر أنّها كلّ ما خرج من الأرض و يخلق فيها من غيرها ممّا له قيمة (1).

الخمس». فقلت: و الكبريت و النفط يخرج من الأرض؟ فقال: «هذا و أشباهه فيه الخمس».

قال صاحب الوسائل قدّس سرّه:

و رواه الصدوق بإسناده عن محمّد بن مسلم إلّا أنّ فيه: فقال: «مثل المعدن فيه الخمس» «1».

أقول: طريق الصدوق إلى محمّد بن مسلم غير الطريق المذكور، فالخبر معتبر جدّا و يدلّ على عدم اعتبار خصوصيّة الذهب و الفضّة- كما يظهر من الأخبار المتقدّمة أيضا- و على عدم اعتبار كونه منبت الجواهر بالمعنى المتعارف و لا بما في المستمسك «2» عن القاموس من أنّ «المعدن: منبت الجواهر، و الجوهر: كلّ حجر يستخرج منه شي‌ء ينتفع به» و على عدم اعتبار كونه جامدا، و على عدم اعتبار كونه مركوزا و مدفونا في الأرض كما ربما يوهمه ما تقدّم من صحيح زرارة «3».

و أمّا دلالته على عدم كون الملح معدنا بناء على نقل الصدوق قدّس سرّه فيجي‌ء الكلام فيه «4» إن شاء اللّه تعالى.

كما في الجواهر عن ابن الأثير، و عن التذكرة أيضا من غير فرق بين المنطبع و غيره و المائع و غيره عند علمائنا أجمع «5».

و في قبال ذلك احتمالان آخران:

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 343 ح 4 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) ج 9 ص 455.

(3) في ص 42.

(4) في الصفحة الآتية.

(5) الجواهر: ج 16 ص 15.

44
کتاب الخمس (للحائري)

تعريف المعدن ص 44

..........

الاحتمال الأوّل: أن يكون المعدن في العرف و اللغة هو منبت الجواهر من الذهب و الفضّة و نحوها، كما في الجواهر عن الرياض مدّعيا أنّه المتبادر عرفا «1».

و هو الذي يظهر ممّا عن القاموس و المغرب، فعن الأوّل أنّه منبت الجواهر من ذهب و نحوه- كما في المستمسك «2»، و يظهر من الجواهر أيضا «3»- مع تفسير الجوهر ب‍ «كلّ حجر يستخرج منه شي‌ء ينتفع به». و عن المغرب أنّه معدن الذهب و الفضّة «4»، بل هو الذي يظهر من صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم بناء على نقل الصدوق قدّس سرّه فإنّ مثل الشي‌ء غير الشي‌ء.

و هو مدفوع بأنّ الجمع بين التفسيرين يقتضي حمل ما عن المغرب و القاموس على المثال، كيف؟ و لازم ما عن المغرب اختصاص المعدن بخصوص الذهب و الفضّة، و هو خلاف المقطوع به عند العرف، و بأنّ إجماع الأصحاب على ما ذكر يكشف عن كونه كذلك في اللغة، مضافا إلى دلالة الصحيح المتقدّم «5» على كون مثل الملح من المعدن مع أنّه ليس من الجواهر بالمعنى المذكور في القاموس.

هذا بناء على رواية الشيخ قدّس سرّه و أمّا بناء على رواية الصدوق قدّس سرّه فالظاهر أنّ قوله: «مثل المعدن فيه الخمس» على وزان قوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‌ءٌ «6» و قوله تعالى بِقٰادِرٍ عَلىٰ أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ، «7» فالمقصود بحسب الظاهر: ما كان فيه الصفات الموجودة في المعدن- الشامل ذلك لنفس المعدن أيضا- يكون فيه الخمس، كما يقال: المثل فلان يقال كذا، و مثل فلان يتّهم بكذا! و لعلّه واضح بعد التأمّل و الدقّة، و على هذا فهو ظاهر في كون الملح من المعدن، فهو على خلاف المطلوب أدلّ.

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 15.

(2) ج 9 ص 455.

(3) الجواهر: ج 16 ص 15.

(4) المستمسك: ج 9 ص 455.

(5) في ص 43.

(6) سورة الشورى: 11.

(7) سورة يس: 81.

45
کتاب الخمس (للحائري)

و هنا مسائل ص 46

 

و هنا مسائل

المسألة الأولى [اعتبار النصاب في المعدن]

الظاهر اعتبار النصاب في المعدن و هو عشرون دينارا (1).

الاحتمال الثاني: ما في الجواهر عن الشهيد الثاني في الروضة و المسالك من أنّ:

المعدن: ما استخرج من الأرض ممّا كانت أصله، ثمّ اشتمل على خصوصيّة يعظم الانتفاع به. و ذكر في ضمن الأمثلة حجارة الرحى و طين الغسل و الجصّ «1».

و مقتضى ذلك عدم أخذ قيد الخروج عن الحقيقة الأرضيّة فيه عرفا.

و هو أيضا غير واضح، فإنّ صرف الامتياز ككون التراب أحمر مثلا أو أبيض لا يوجب صدق عنوان المعدن عليه، فصدق المعدن عليه معلوم العدم أو مشكوك، فيرجع إلى ما يقتضيه الدليل في مطلق الفائدة.

كما عن الشيخ قدّس سرّه في نهايته و مبسوطه و عن ابن حمزة في الوسيلة، و وافقهما جماعة من المتأخّرين «2».

بل في الجواهر:

أنّ في المدارك نسبته إلى عامّة المتأخّرين و أنّ في الرياض أنّها كادت تكون إجماعا، بل لعلّها إجماع حقيقة.

خلافا لما عن الشيخ في صريح الخلاف و السرائر و ظاهر غيرهما- بل في الدروس نسبته إلى الأكثر- من عدم اعتبار النصاب في المعدن أصلا، بل في ظاهر الأوّل أو صريحه كصريح الثاني الإجماع عليه،

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 16.

(2) الجواهر: ج 16 ص 18.

 

46
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الأولى اعتبار النصاب في المعدن ص 46

..........

و خلافا لما عن أبي الصلاح الحلبيّ و الفقيه و المقنع من جهة نقل رواية نصاب الدينار من كون نصابه دينارا، كلّ ذلك على ما في الجواهر «1».

فالأقوال ثلاثة: عدم اعتبار النصاب أصلا، اعتبار عشرين دينارا، اعتبار بلوغه دينارا.

و الأقوى اعتبار نصاب عشرين دينارا، لصحيح البزنطيّ، قال:

سألت أبا الحسن عليه السّلام عمّا أخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شي‌ء؟ قال:

«ليس فيه شي‌ء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا» «2».

بناء على كون فاعل «يبلغ» هو الضمير المستتر و المفعول هو لفظة «ما» في «ما يكون في مثله الزكاة» أي المقدار الذي يكون في مثل ذلك المقدار الزكاة، و يكون قوله «عشرين دينارا» بدلا عن المفعول.

و احتمال أن يكون «ما يكون في مثله» هو الفاعل و «عشرين دينارا» هو المفعول مدفوع بوجوه: منها: أنّ لازمه أنّه إن بلغ الذهب و الفضّة إلى عشرين دينارا كان الخمس في سائر المعادن، و إن لم يبلغ لم يكن خمس فيها. و منها: أنّ السائل سأل عن تعلّق الشي‌ء بالمعادن فلا يحسن الجواب بأنّ ما فيه الزكاة إن بلغ إلى عشرين دينارا فيه شي‌ء، فإنّ الجواب حينئذ أنّ ما فيه الشي‌ء يكون فيه الشي‌ء إذا بلغ عشرين دينارا. و منها: أنّ لازمه عدم تعلّق الخمس و لو بمعادن‌

______________________________
(1) ج 16 ص 18- 19.

(2) الوسائل: ج 6 ص 344 الباب 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

47
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الأولى اعتبار النصاب في المعدن ص 46

..........

الذهب و الفضّة إلّا إذا صارا مسكوكين، فدلالته على المطلوب قطعيّ.

و ليس في البين ما يعارضه إلّا أمران:

الأوّل: الإجماع الذي تقدّم نقله عن الشيخ قدّس سرّه «1» في الخلاف المؤيّد بما تقدّم «2» من الدروس من نسبته إلى الأكثر.

و هو موهون بأمور:

منها: اختيار ناقله الشيخ قدّس سرّه خلافه في ما نسب إلى نهايته و مبسوطه.

و منها: عدم صراحة كلامه في الإجماع، كما في الجواهر «3».

و منها: أنّ المظنون أنّ منشأ النسبة إلى الأصحاب: عدم ذكرهم النصاب لا التصريح بعدمه، كما يشعر بذلك جعل أحد الأقوال في المسألة استثناء المئونة أي استثنوا المئونة من دون ذكر اعتبار النصاب.

و منها: أنّه على فرض إجماع القدماء فليس ذلك على الظاهر من باب الإعراض عن صحيح البزنطيّ، بل من باب عدم العثور عليه، و لذا لم يذكره الصدوق و الكلينيّ و قد عثر عليه الشيخ قدّس سرّه و أفتى به بعد ذلك.

الثاني: خبر محمّد بن عليّ عن أبي الحسن عليه السّلام قال:

سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد، و عن معادن الذهب و الفضّة هل فيها زكاة؟

فقال: «إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس» «4».

و التمسّك به أيضا موهون بأمور:

______________________________
(1) في ص 46 و 47.

(2) في ص 46 و 47.

(3) ج 16 ص 19.

(4) الوسائل: ج 6 ص 343 ح 5 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

48
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الأولى اعتبار النصاب في المعدن ص 46

..........

الأوّل: عدم الإفتاء على طبقه من المتقدّمين و المتأخّرين سوى أبي الصلاح على ما تقدّم «1». و أمّا الصدوق فقد نقل الخبر مرسلا خاليا عن سؤال المعادن «2»، و أمّا روايته في الفقيه فلا يدلّ على تماميّة دلالته عنده على نحو يفتي بأنّ نصاب المعدن دينار.

الثاني: أنّه لم يصرّح بوثاقة الراوي و لم تقم قرينة عليه، فإنّ المستفاد من جامع الرواة: عدم الرواية عنه كثيرا، فإنّه نقل عنه خبران أحدهما ذلك و الآخر خبر آخر نقله عنه ابن الأسباط.

و نقل البزنطيّ عنه مرّة واحدة لا يدلّ على كونه ثقة عنده، فلعلّه كان يثق بتلك الرواية بالخصوص لقرائن قامت عنده.

الثالث: عدم نقل الصدوق ما يتعلّق بالمعادن في المقنع.

الرابع: الاختلاف في المسؤول عنه، فإنّ الظاهر أنّ المسؤول عنه في «ما يخرج من البحر» هو حكمه، و في «المعادن» أنّه هل فيه الزكاة أم لا، فهذا يشعر بأنّه سؤال آخر لعلّه وقع في زمان آخر أدرجه السائل ضمنا في ذلك.

الخامس: أنّ جواب الإمام عليه السّلام يشعر أيضا بأنّه جواب عن الغوص، و ذلك لتذكير الضمير، فهذا أيضا يؤيّد تعدّد السؤال و عدم ذكره الجواب عن المعادن، أو أعرض عنه الإمام عليه السّلام لبعض المصالح.

السادس: أنّه على فرض كون الجواب عن جميع ما ذكر في السؤال فلا ريب أنّ مقتضى الجمع العرفيّ هو الحمل على الاستحباب.

و احتمال التقييد- بأن يكون النصاب في خصوص معدن الذهب و الفضّة‌

______________________________
(1) في ص 47.

(2) الوسائل: ج 6 ص 343 ح 5 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

49
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثانية عدم اعتبار الدفعة الواحدة في النصاب ص 50

المسألة الثانية [عدم اعتبار الدفعة الواحدة في النصاب]

الظاهر أنّه لا يعتبر في النصاب المذكور أن يكون ما يخرج من المعادن دفعة واحدة بالغا حدّه، فلو أخّر أيّاما بل شهرا أو شهورا ثمّ استخرج منها و كان المجموع بالغا حدّ النصاب ففيه الخمس و إن أعرض عن ذلك و أهمل (1).

المسألة الثالثة [حكم ما إذا تعدّد المستخرج و بلغ المجموع النصاب]

الظاهر أنّه لا خمس إذا بلغ مجموع ما خرج من المعدن عشرين دينارا مع تعدّد المستخرج بقصد التملّك أو بدون قصد دينارا- مدفوع أوّلا بأنّه خلاف الإجماع. و ثانيا بأنّ التصرّف بالحمل على الاستحباب أهون عند العرف من التقييد كما قرّرنا ذلك مرارا. و ثالثا بأنّ إخراج معادن الذهب و الفضّة مع كثرة الابتلاء في عصر الصدور من قبيل التخصيص المستهجن، فالمسألة بحمده تعالى واضحة جدّا.

قال قدّس سرّه في الجواهر ما خلاصته:

لا يعتبر في النصاب المذكور الإخراج دفعة، وفاقا لظاهر جماعة و صريح آخرين، بل لا فرق بين الإعراض في البين و عدمه كما هو مقتضى كلام الشهيدين و المدارك و غيرها، و خلافا للمنتهى فاعتبر عدم الإهمال.

و الوجه في ما قلناه إطلاق الدليل «1».

أقول: الوحدة الحقيقيّة في المقام غير معتبرة قطعا، و ذلك لأنّ مقتضاها عدم تعلّق الخمس ببعض المعادن أصلا كالملح، فإنّه لا يستخرج منه دفعة ما يبلغ عشرين دينارا.

و أمّا الوحدة الاعتباريّة من باب الاستخراج بعزم واحد و إرادة واحدة- كما يومئ إليه ما تقدّم نقله عن العلّامة قدّس سرّه- أو من باب اعتبار الموالاة بمعنى عدم الفصل الطويل- كما يظهر من بعض علماء العصر في التعليق على العروة- فلا‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 19- 20.

50
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثالثة حكم ما إذا تعدد المستخرج و بلغ المجموع النصاب ص 50

ذلك أو بالاختلاف أو بخروج بعض ذلك بنفسه (1).

نعرف لها أيضا وجها يعتدّ به.

فمقتضى إطلاق قوله «ما أخرج المعدن» الوارد في السؤال: ثبوت الخمس في الإخراجات المتعدّدة إذا كان المجموع بالغا إلى النصاب، فإن شكّ في ذلك فمقتضى الإطلاق وجوب الخمس.

قال قدّس سرّه في الجواهر:

قد يدّعى ظهور صحيح البزنطيّ «1» في عدم اعتبار ذلك [أي بلوغ نصيب كلّ واحد إلى النصاب و كفاية بلوغ المجموع النصاب المذكور] في المتعدّدين غير الشركاء أيضا، و إن كان بعيدا جدّا إن لم يكن ممتنعا «2».

أقول: قد يمكن أن يقال: إنّ الموضوع في الصحيح المذكور «ما أخرج المعدن»، و الظاهر صدق ذلك على المجموع في جميع الصور المذكورة في المتن فيجب الخمس، و إن شكّ في ذلك فمقتضى إطلاق باقي أدلّة ثبوت الخمس في المعدن هو الخمس أيضا، و القدر المتيقّن الخارج من الأدلّة المذكورة ما إذا لم يكن المجموع بالغا حدّ النصاب فيؤخذ بدليل الخمس في غيره.

و قد يردّ ذلك بانصراف الصحيح «3» إلى بلوغ ما يملكه المستخرج حدّ النصاب.

و وجه الانصراف أمران:

أحدهما: أنّ موضوع الخمس هو فائدة كلّ شخص بحسب الدليل و بحسب الاعتبار، و الظاهر أنّ موضوع الخمس هو بعينه موضوع النصاب، و الاختلاف بين الموضوعين خلاف ما هو الظاهر جدّا، فيصير معنى الصحيح «4» أنّ في كلّ ما ملكه‌

______________________________
(1) المتقدّم في ص 47.

(2) الجواهر: ج 16 ص 20.

(3) المتقدّم في ص 47.

(4) المتقدّم في ص 47.

51
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثالثة حكم ما إذا تعدد المستخرج و بلغ المجموع النصاب ص 50

..........

الشخص بالاستخراج من المعدن إذا بلغ عشرين دينارا الخمس.

ثانيهما: أنّ قوله «ما يكون في مثله الزكاة» يدلّ على مالكيّة النصاب، لأنّ الذي في مثله الزكاة هو مالكيّة عشرين دينارا، لا صرف وجود عشرين في الخارج و لو لم يكن ملكا له.

لكنّ الإنصاف أنّ ثبوت الانصراف- بحدّ الظهور في ما ذكر- غير واضح، لإمكان أن يكون المقصود أنّ الخارج من المعدن إذا بلغ خروجه عنه إلى حدّ بلوغ الذهب في ملك المالك إلى النصاب إذا صار ملكا للمستخرج ففي ما ملكه الخمس، فيكون الخروج إلى الحدّ المذكور مأخوذا في الحكمين- أي النصاب و الخمس- مع اختصاص الخمس بقيد زائد هو الاستخراج بعنوان التملّك، و يكون بلوغ الخارج حدّ النصاب بمنزلة بلوغ الملك إلى حدّ النصاب، لا أن يكون وصف المملوكيّة مأخوذا في النصاب في المقامين. نعم، لا ظهور للصحيح «1» في الإطلاق فيرجع إلى إطلاق دليل الخمس في المعدن «2».

لكنّ التحقيق أن يقال- و هو العالم-: إنّ الأخذ بإطلاق صحيح البزنطيّ «3» من حيث إطلاق المعدن و إطلاق الإخراجات و إطلاق المخرج المالك من حيث الوحدة و التعدّد- أي الأخذ بالإطلاق في جميع ذلك- مقطوع العدم، إذ مقتضى ذلك: لغويّة النصاب المذكور، فإنّ الخارج من جنس المعدن الصادق على المتعدّد أيضا بالغ في دار الوجود حدّ النصاب، فلا بدّ من اعتبار وحدة إمّا في المعدن أو في الإخراجات أو في المخرج، فنقول: يمكن أن يدّعى- بعد اعتبار الوحدة- أنّها معتبرة في جانب المالك، لما تقدّم من الأمرين، فإنّ إنكار الظهور في‌

______________________________
(1) المتقدّم في ص 47.

(2) الوسائل: ج 6 ص 342 الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) المتقدّم في ص 47.

52
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثالثة حكم ما إذا تعدد المستخرج و بلغ المجموع النصاب ص 50

..........

ذلك بدوا لا ينافي الظهور في ذلك بعد لزوم اعتبار الوحدة في الجملة.

و إن أبيت عن ذلك فلا شبهة- كما تقدّم- في عدم الظهور في الإطلاق من حيث المالك المخرج للمعدن، لما تقدّم من الأمرين، فمقتضى القاعدة: حفظ إطلاق المعدن بعد وضوح عدم ملاحظة الوحدة في الإخراجات، للزوم عدم تعلّق الخمس بمثل الملح من المعادن الرخيصة أصلا، فمقتضى الإطلاق من حيث المعدن و من حيث الإخراجات و عدم ظهور في الإطلاق في ناحية المتملّك للمعدن بالإخراج: تعيّن أن يكون الوحدة من تلك الجهة، حفظا لإطلاق المعدن غير المعارض لإطلاق المخرج.

و إن أبيت عن ذلك أيضا فلا مانع من الرجوع إلى البراءة لمن أخرج من المعدن أقلّ من النصاب و كان ما أخرجه مع انضمامه إلى غيره بالغا حدّ النصاب، و ذلك لعدم ظهور في إطلاق الخمس بعد فرض لزوم التخصيص بصحيح البزنطيّ و لزوم اعتبار الوحدة.

نعم، لو كان هذا الشخص مخرجا من معدنين بمقدار النصاب يحصل له العلم الإجماليّ بلزوم الخمس عليه، فإنّه إن كانت الوحدة المعتبرة هي المعتبرة من حيث المعدن وجب عليه الخمس بالاعتبار الأوّل، و إن كانت هي المعتبرة من حيث المالك وجب عليه الخمس بالاعتبار الثاني.

هذا في الفرض الثالث المذكور بقولنا: «و إن أبيت عن ذلك أيضا.»، و إلّا فالمسألة واضحة بحمده تعالى، و مقتضى ذلك عدم لزوم الخمس في ما ذكر في المتن.

و أمّا صورة الشركة فالظاهر كفاية بلوغ مجموع السهام كما يجي‌ء إن شاء اللّه.

53
کتاب الخمس (للحائري)

حكم ما إذا اشترك جماعة في استخراج المعدن ص 54

 

[حكم ما إذا اشترك جماعة في استخراج المعدن]

و أمّا إذا اشترك جماعة في استخراج المعدن فالظاهر كفاية بلوغ مجموع السهام حدّ النصاب (1).

المسألة الرابعة [حكم ما إذا استخرج من معدنين أو نوعين من معدن واحد]

إذا استخرج بحدّ النصاب من معدنين أو أزيد فالظاهر وجوب الخمس (2). و أولى بذلك ما استخرج من معدن واحد و كان نوعين (3).

كما في الجواهر: هو أحوط إن لم يكن أولى «1». و هو الذي اختاره قدّس سرّه في العروة الوثقى «2». و في مصباح الفقيه نقل استظهاره من الصحيح المذكور «3» عن الشيخ الأنصاريّ قدّس سرّه «4».

و الوجه في ذلك بناء على التحقيق المتقدّم أنّ الوحدة المالكيّة الأعمّ من الشخصيّة و الاشتراكيّة هي القدر المتيقّن، و في غيره يرجع إلى إطلاق الصحيح و إطلاق دليل الخمس. فافهم و تأمّل فإنّه لا يخلو عن الدقّة.

كما في الجواهر عن الأستاذ في كشفه تبعا للشهيد في المسالك و سبطه في المدارك قدّس اللّه أسرارهم «5».

و ذلك لما تقدّم من أنّ موضوع الصحيح «6» هو جنس المعدن، فيصدق على ما استخرج من معادن متعدّدة بحدّ النصاب أنّه بلغ عشرين دينارا، و الانصراف إلى المعدن الواحد خلاف الإطلاق، و قد عرفت أنّ اعتبار الوحدة في المخرج كاف في رفع غائلة الإطلاق من جميع الجهات.

قال في الجواهر:

إنّه لا إشكال في ذلك و إنّه يكفي بلوغ المجموع حدّ النصاب كما صرّح بذلك في المنتهى «7».

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 20.

(2) في كتاب الخمس، الفصل الأوّل.

(3) المتقدّم في ص 47.

(4) مصباح الفقيه: ج 3 ص 113.

(5) الجواهر: ج 16 ص 20.

(6) المتقدّم في ص 47.

(7) الجواهر: ج 16 ص 20.

 

54
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الخامسة إذا بلغ حد النصاب يجب فيه الخمس و في ما زاد ص 55

المسألة الخامسة [إذا بلغ حدّ النصاب يجب فيه الخمس و في ما زاد]

الظاهر كفاية بلوغ (1) كلّ معدن عشرين دينارا من حيث القيمة. من غير فرق بين الذهب و الفضّة و غيرهما، و من و وجهه واضح.

و خلافه منسوب إلى بعض الجمهور «1».

و لعلّ الوجه في ذلك أنّ المعدن يطلق على الحالّ نوعا و إن كان اسما في الأصل للمحلّ، مع دعوى الانصراف إلى الوحدة في الموضوع.

و الإنصاف أنّه غير واضح في مثل قوله في صحيح البزنطيّ «2»: «سألته عمّا أخرج المعدن»، بل استعماله فيه في المحلّ أوضح، مع أنّه قد عرفت ما في حديث الوحدة من حلّ ذلك بحمده تعالى.

لظاهر الصحيح المذكور «3» من جهة أنّ قوله «عشرين دينارا» يكون بدلا عن قوله: «ما يكون في مثله الزكاة»، فهو عرفا بمنزلة التفسير و ليس من باب المثال، و إلّا لصار من المجملات، كيف؟ و نصاب الفضّة مائتا درهم و نصاب الغلّات ما يزيد على مائتي منّ فيصير نصاب الملح مجهولا و أنّه هل هو بمقدار نصاب الغلّات؟ و لنصاب الأنعام أيضا حدّ آخر قابل للملاحظة من حيث القيمة مثلا، و لعلّه واضح بعد التأمّل.

و الداعي إلى التعرّض ما ذكره بعض علماء العصر قدّس سرّه- في تعليقه على العروة- من أنّ الأحوط رعاية كلّ من نصابي الذهب و الفضّة في معدنهما، و رعاية أقلّ القيمتين في غيرهما من سائر المعادن.

مع ما فيه أوّلا من أنّه لا وجه لمراعاة نصاب الفضّة في الفضّة و الذهب في الذهب، بل لا بدّ من مراعاة أقلّ القيمتين على الاحتياط المشار إليه.

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 20.

(2) المتقدّم في ص 47.

(3) المتقدّم في ص 47.

55
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السادسة حكم أداء الخمس من تراب المعدن ص 56

المعلوم أنّه بعد إحراز النصاب المزبور يجب الخمس فيه و في ما زاد و إن قلّ (1).

المسألة السادسة [حكم أداء الخمس من تراب المعدن]

لا يجزي في الخمس إخراج تراب المعدن لجواز نقصانه في الجواهر، أمّا لو علم بالاشتمال عليه فالظاهر إجزاؤه (2).

و ثانيا أنّه في غيرهما و فيهما يتمشّى احتمال ملاحظة نصاب سائر الأجناس الزكويّة. و الحلّ ما ذكر، و اللّه الموفّق.

كما في الجواهر بعين الألفاظ المذكورة في المتن «1»، إذ ليس الموضوع للخمس خصوص ما كانت قيمته عشرين دينارا، بل الموضوع: البالغ للقيمة المذكورة، فإنّه لو كان الموضوع كلّ عشرين دينارا فالموضوع عامّ أفراده المبلغ المذكور بحدّه من غير زيادة و لا نقيصة، و أمّا إذا كان لسان الدليل المال البالغ لذلك فهو ظاهر أو صريح في أنّ الملاك هو الوصول إلى الحدّ المذكور، و ليس لعدم التجاوز عنه دخل في الحكم، بل و كذا لو كان مفاده وجوب الخمس في ما يكون عشرين دينارا، فإنّ الظاهر منه أنّ المقصود أنّه كان كذلك بحسب الحدّ الأقلّ، بخلاف ما إذا كان لسان الدليل وجوب الخمس في كلّ عشرين دينارا. نعم، لفظ البلوغ أظهر في أنّ الملاك هو الوصول إلى العشرين و ليس الشرط عدم الزيادة عليها.

كما في الجواهر عن المسالك و المدارك، لكن قد أشكل في ذلك ثمّ أمر بالتأمّل «2».

و لعلّ التحقيق أن يقال: إنّ هنا وجوها و مسألتين:

فإنّه قد يمكن أن يقال بصدق المعدن على الخليط، لأنّ الخليط ذو قيمة (كما‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 21.

(2) الجواهر: ج 16 ص 21.

56
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السادسة حكم أداء الخمس من تراب المعدن ص 56

..........

في الحنطة المخلوطة أو الخلّ المخلوط) و أنّ المعدن- كما تقدّم- «1» «كلّ ما خرج من الأرض و له قيمة» و يصدق ذلك على الخليط، و أمّا قيد «أن لا يكون من الأرض» فهو غير واضح كما مرّ، مع أنّ الخليط بما هو خليط غيرها.

و مقتضى ذلك تعلّق الخمس بالخليط إذا بلغ قيمته النصاب، و جواز إخراج الخمس من الخليط و إن احتمل عدم الاشتمال على الجوهر.

لكنّه مقطوع العدم (و إن كان يظهر احتمال ذلك عن بعض محشّي العروة، لأنّه جعل عدم كفاية إعطاء الخمس من التراب مع عدم العلم بالتساوي موردا للاحتياط و لم يحكم بعدم الإجزاء)، و ذلك لأنّ «التراب» من الأرض أوّلا، و ثانيا أنّه ليس له قيمة مستقرّة، بل قيمتها من جهة الخلط بالجوهر، فصار موجبا لنقصان قيمته، و إذا امتاز عنه لا يكون له قيمة، فلا شبهة في عدم صدق المعدن أو الجوهر على التراب المخلوط.

و قد يمكن أن يقال- كما قيل- بأنّ مقتضى خبر زرارة المتقدّم «2» «ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج اللّه سبحانه منه من حجارته مصفّى الخمس»: اشتراط التصفية في التعلّق.

و مقتضى ذلك عدم تعلّق الخمس بالخارج من تراب المعدن بلغ قيمته ما بلغ، فلا يجزي إعطاء المخلوط من باب عدم تعلّق الخمس. و لو فرض التصفية بمقدار النصاب فجواز الإعطاء من المخلوط مبنيّ على جواز إعطاء جنس آخر بدلا عن الخمس و عدم جوازه، و عليه بنى بعض آخر من المحشّين الإشكال في جواز ذلك إلّا مع التصالح للحاكم الشرعيّ بذلك.

______________________________
(1) في ص 44.

(2) في ص 42.

57
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السادسة حكم أداء الخمس من تراب المعدن ص 56

..........

و يمكن الاستدلال لهذا الوجه- مضافا إلى الصحيح المذكور «1»- بعدم صدق الإخراج، فإنّ الجواهر بعد في محلّه الذي هو التراب، فإنّ المقصود بالإخراج ليس الإخراج من تحت الأرض، و إلّا لم يصدق الإخراج على الملح أصلا، بل المقصود هو الإخراج من محلّه، و محلّ الذهب مثلا هو التراب المخلوط به، فبعد لم يخرج من محلّه.

فمستند ذلك الوجه أمران: أحدهما: الصحيح، «2» و ثانيهما: عدم صدق الإخراج.

و كلاهما مردودان:

أمّا الأوّل فلأنّ فيه ثلاثة وجوه:

الأوّل: أن يكون المقصود أنّ الخمس بعد المئونة و المصارف- كما نقلناه سابقا «3» عن الوافي- و هو بعيد جدّا، إذ لم يعهد استعمال مادّة التصفية في استثناء المئونة.

الثاني: ما يكون مبني الوجه المتقدّم، و هو أيضا بعيد، لقوّة احتمال أن يكون كلمة «مصفّى» بيان لقوله «من حجارته»، مع أنّ دخالة التصفية في التعلّق من دون تأثير في حقيقة الجوهر بعيد بحسب الاعتبار، مع أنّ مقتضى ذلك إلغاء الخمس في جلّ المعادن، فإنّه يبيعه المستخرج و ليس عليه الخمس، و المشتري ليس عليه الخمس أيضا، لعدم تملّكه بالاستخراج- كما في مصباح الفقيه «4»- و إن كان في ذلك تأمّل.

الثالث: أن يكون المقصود تعلّق الخمس بالذهب مثلا خالصا و عدم تعلّقه بالتراب.

و أمّا الثاني و هو عدم صدق الإخراج فممنوع، فإنّه قد اخرج من محلّه الأصليّ،

______________________________
(1) في ص 42.

(2) في ص 42.

(3) في ص 43.

(4) ج 3 ص 113- 114.

58
کتاب الخمس (للحائري)

حكم ما إذا تصرف في جوهر المعدن بما يزيد في قيمته ص 59

[حكم ما إذا تصرّف في جوهر المعدن بما يزيد في قيمته]

و لو جعل الجوهر قبل تعلّق الخمس حليّا أو دراهم- مثلا- ممّا يزيد في قيمته (1) أو بيع قبل ذلك فربح أو تصرّف فيه بذلك- مثلا- أو بالبيع بعد تعلّق الخمس فحيث إنّ كلّ تلك الفروع الأربعة من كلّيّات باب الخمس يذكر ذلك إن شاء اللّه في المسائل المشتركة بين أقسام الخمس، و هو الموفّق.

و أمّا الإخراج من التراب فلا دليل عليه، و على فرض الشكّ يرجع إلى إطلاق ما دلّ على ثبوت الخمس في المعدن.

بل يمكن أن يقال: إنّ الإخراج ليس شرطا في تعلّق الخمس، فإنّ الخمس متعلّق بالمعدن بشرط إخراج عشرين دينارا منه، فإذا أخرج عشرين دينارا خالصا و مصفّى فالخمس في الكلّ فيجوز الإعطاء من غير المصفّى.

بل يمكن أن يقال: إنّ الخمس متعلّق بالمعدن من غير اشتراط، و الاشتراط بالإخراج و النصاب من حيث وجوب الأداء على المستخرج فافهم و تأمّل.

و قد تحقّق من ذلك قرب ما في المتن الذي هو موافق للعروة الوثقى أيضا.

في الجواهر كما في المدارك:

و لو لم يخرج الجوهر من المعدن حتّى عمله دراهم أو دنانير أو حليّا أو نحو ذلك من الآلات فزادت قيمته اعتبر في الأصل- الذي هو المادّة- الخمس «1». انتهى.

و في المثال مناقشة جدّا، فإنّ الخروج عن محلّه للاستفادة منه بجعله دراهم و حليّا كاف في صدق الخروج و الإخراج، إذ ليس المقصود هو الإخراج من تحت الأرض، و إن شكّ في ذلك فيكفي الإطلاق في تعلّق الخمس، و المقصود هو‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 21.

59
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السابعة حكم ما لو وجد شي‌ء من المعدنيات مطروحا ص 60

المسألة السابعة [حكم ما لو وجد شي‌ء من المعدنيّات مطروحا]

لو وجد شي‌ء من المعدنيّات مطروحا في الصحراء و لم يتصرّف فيه فلا شي‌ء عليه مطلقا (1).

و لو أخذه و كان قاطعاً بالإباحة و لو من باب القطع بالإعراض، أو كان مسبوقا بالإباحة و شكّ في طروّ الملكيّة و الحيازة و قصد بذلك التملّك فلا إشكال في وجوب الخمس إذا كان بالغا حدّ النصاب (2).

إيجاد صفة في الجوهر قبل تعلّق الخمس.

و الأولى ما ذكرناه في المتن.

أي سواء علم بكونه مملوكا لإنسان أخرج خمسه أو لم يخرج خمسة، أو شكّ في ذلك، أو علم بأنّه ليس ذلك بفعل الإنسان، أو شكّ في كون الإخراج بفعل الإنسان أو غيره، لأنّه على فرض صدق الغنيمة في صورة القطع بعدم كون ذلك من فعل الإنسان أو في صورة الشكّ في ذلك أو في صورة القطع بذلك مع الشكّ في قصد التملّك و الحيازة فلا دليل على وجوب الخمس على من اغتنم مالا من دون أن يتصرّف فيه أصلا، و مقتضى الدليل هو وجود الخمس فيه، لا وجوب الخمس على المغتنم.

و ممّا ذكرنا يظهر أنّه لو كان المعدن في ملك مالك فأخرجه غاصب و لم يجعله تحت تسلّط المالك فلا خمس عليه و إن كان ملكا له، بل هو أولى بعدم وجوب الخمس عليه، لأنّ صدق الغنيمة في المقام لعلّه أقرب، بل لو صدقت الغنيمة قطعا بأن أخرجه الغاصب مثلا و أودعه في محلّ لا يمكن للمالك التصرّف فيه إلّا بعد مضيّ حول أو أحوال فالدليل لا يقتضي وجوب الخمس عليه، فإنّ وجوب الخمس في الغنيمة غير وجوبه على المغتنم، فليتأمّل.

إذ لا وجه لصرف النظر عن إطلاق كون الخمس في المعدن، أو في ما أخرج المعدن- كما في السؤال الوارد في صحيح البزنطيّ: سألت أبا الحسن عليه السّلام عمّا‌

60
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السابعة حكم ما لو وجد شي‌ء من المعدنيات مطروحا ص 60

و كذا إن لم يقصد التملّك بل قصد التصرّف فيه و اقتناءه و الاستفادة منه (1).

و أمّا لو أخذه لا بقصد التملّك و لا بقصد الاقتناء و التصرّف فيه و جعله تحت يده- كما لو كان بقصد الرؤية- ثمّ وضعه في محلّه مثلا أخرج المعدن من قليل أو كثير. «1» إلّا قوله عليه السّلام في خبر عمّار:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «في ما يخرج من المعادن.» «2».

و الإخراج ظاهر في الاستناد إلى الفاعل المختار، و أمّا الخروج بواسطة الزلزلة أو السيل بل بواسطة الحيوان فلا يطلق عليه الإخراج.

و هو مدفوع أوّلا بصدق الإخراج و لو لم يكن مستندا إلى ذي شعور و اختيار، كما تقدّم في صحيح البزنطيّ المتقدّم «3».

و ثانيا يحتمل أن يكون الرواية بصيغة المعلوم الثلاثيّ اللازم، المنطبق على المورد.

و ثالثا أنّ ذلك من باب الغالب، و ليس في مقام المفهوم من جميع الجهات أي من حيث دخالة عنوان الخروج و من حيث دخالة كون الخروج مستندا إلى شي‌ء، لا بنفسه- كفوران النفط مثلا- و من حيث استناد الإخراج إلى الفاعل المختار، بحيث يكون ذلك بمنزلة ثلاث قضايا شرطيّة ذات مفهوم، كما لا يخفى، فالمسألة واضحة بحمده تعالى.

و ذلك لصدق الغنيمة عليه، و إطلاق الخمس في ما خرج من المعدن و لو لم يتملّك أصلا، كما يأتي إن شاء اللّه «4» و قد مرّت الإشارة إليه.

______________________________
(1) المتقدّم في ص 47.

(2) الوسائل: ج 6 ص 344 ح 6 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) المتقدّم في ص 47.

(4) في الصفحة الآتية.

61
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السابعة حكم ما لو وجد شي‌ء من المعدنيات مطروحا ص 60

ففي وجوب الخمس عليه إشكال و إن كان مقتضى الدليل وجوبه (1).

و إذا أخذه و كان قاطعاً بكونه ملكا للغير أو كانت ملكيّته له أمّا الإشكال فلعدم صدق الغنيمة بصرف الأخذ مع اشتراط صدق الغنيمة في الخمس.

و الظاهر هو الوجوب كما في المتن، لإطلاق وجود الخمس في ما أخرج المعدن، و لوجوب أداء مال الغير إليه، فإنّه «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» «1».

لا يقال لا تصدق الغنيمة على ذلك.

فإنّه يقال أوّلا: نمنع عدم صدق الغنيمة عليه.

و ثانيا: إنّ الخمس لا يحتاج إلى صدق الغنيمة، فإنّ الآية تدلّ على وجود الخمس في الغنائم، لا على الانحصار بذلك.

و أمّا خبر عبد اللّه بن سنان: «ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصّة» «2» و قريب منه ما عن العيّاشيّ عن سماعة «3»، فإمّا محمول على التقيّة بكون المراد به غنائم دار الحرب فيكون موافقا للمشهور بين العامّة، أو يكون المقصود أنّ الخمس ليس مثل الزكاة حتّى يكون في ما يحتاج إليه الإنسان في ضرورة معاشه فيكون الحصر إضافيّا، أو يحمل على ما يكون غنيمة بالذات.

و ثالثا: إنّ احتمال صدق الغنيمة كاف في عدم اقتضاء الإطلاق خلاف ما يقتضيه إطلاق تعلّق الخمس بالمعدن الخارج عن تحت الأرض الثابت في اليد.

و في الفرضين مخيّر بين أداء العين أو القيمة، لأنّه أوّل من وجب عليه الخمس و هو مخيّر بين الأمرين فتأمّل.

______________________________
(1) المستدرك: ج 14 ص 7 ح 12 من ب 1 من أبواب كتاب الوديعة.

(2) الوسائل: ج 6 ص 338 ح 1 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) المصدر: ص 342 ح 15.

62
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السابعة حكم ما لو وجد شي‌ء من المعدنيات مطروحا ص 60

مستصحبا و كان متعلّقا للخمس فعلا أو كان مسبوقا بذلك و شكّ في الأداء و لم يصدر من المالك الأوّل عمل يحمل على أدائه، فالظاهر وجوب الخمس عليه (1).

و إن أخذه في الفرض المتقدّم و لكن لا يعلم بتعلّق الخمس بذلك بحيث يجب إخراج خمس ذلك المطروح- بأن يكون تعلّق الخمس بنحو الكلّيّ في المعيّن و ليس جميع ما تعلّق به مطروحا فعلا- فلعلّ الظاهر عدم الوجوب (2).

و ذلك لوجود الخمس فيه، و مقتضى وجوب أداء مال الغير: ردّه إلى صاحب الخمس.

لا يقال: حيث كان المالك مخيّرا بين العين و القيمة، و مقتضى تعذّر أحد فردي التخيير تعيّن الآخر فالمتعيّن عليه القيمة، و تعيّن القيمة عليه ينافي لزوم الخمس على من بيده المال.

فإنّه يقال: التعيّن عليه من حيث التكليف المتوجّه إليه، فلا يتخيّر هو بين العين و القيمة، و أمّا من حيث جري اليد الثانية على المال يصير الوجوب كفائيّا فيجب إمّا على المالك القيمة و إمّا على من بيده المال أداء الخمس عينا أو قيمة على إشكال من حيث التخيير بين العين و القيمة، لعدم الدليل الواضح على التخيير بالنسبة إلى اليد الثانية، و لا ولاية لمن بيده المال على الإفراز من العين حتّى يؤدّي عينه، فمقتضى الاحتياط: المعاملة مع صاحب الخمس أو الإفراز بإذن الحاكم.

لأنّه على فرض كون ما خرج مثلا بمقدار النصاب فكون ذلك المطروح متعلّقا للخمس- بمعنى ثبوت حقّ مردّد بين تعلّقه بذلك أو بما بقي بعد ذلك- لا يثبت تعلّق الخمس بذلك المطروح، فمقتضى الأصل: عدم وجوب إخراج خمس هذا الموجود، هذا إذا لم يكن عليه أثر المعاملة. و أمّا إذا كان المعلوم أنّ صاحب المعدن باعه من غيره- كالخاتم المحكوك المعلوم أنّ حكّه ليس من فعل صاحب‌

63
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثامنة عدم تعلق الخمس بمثل المرمر ص 64

المسألة الثامنة [عدم تعلّق الخمس بمثل المرمر]

الظاهر أنّ ما يعدّ من أجزاء الأرض و لا يكون نادر الوجود و كثير القيمة جدّا كالمرمر لا يكون متعلّقا للخمس. (1)

المعدن- فلا ريب أنّ مقتضى أصالة الصحّة في المعاملة و أماريّة اليد هو الملكيّة الطلقيّة للثاني، و إذا كان الاشتراء من الذي لا يعتقد الخمس فهو القدر المتيقّن من أخبار التحليل.

و خلاصة الكلام أنّ هنا أمورا:

الأوّل: عدم وجوب الخمس إذا لم يأخذه أصلا.

الثاني: عدمه أيضا إذا لم يعلم بتعلّق الخمس بهذا المطروح بنحو الإشاعة أو بنحو الكلّيّ في المعيّن في ذاك المطروح، إلّا أنّ الأحوط المصالحة مع وليّ الخمس بشي‌ء، و معاملة المجهول مالكه بالنسبة إلى الباقي خصوصا إذا لم يكن الاشتراء من صاحب المعدن معلوما.

الثالث: وجوب الخمس إذا كان مباحا أو محكوما بها شرعا و أخذ بقصد التملّك أو الاستفادة أو بدون ذلك، على الأقرب.

الرابع: وجوبه أيضا إذا علم بتعلّقه بذلك، لكنّ الأحوط أن يكون إخراج الخمس بإذن الحاكم الشرعيّ أو بالمصالحة مع صاحب الخمس من دون التصرّف في المال، و معاملة المجهول مالكه مع الباقي.

كلّ ذلك في فرض العلم بالخروج عن المعدن بمقدار النصاب.

لما تقدّم «1» من تعريف المعدن ب‍ «ما يخرج من الأرض ممّا له قيمة و كان غيرها». و إن كان المعدن مطلق ما له قيمة ممتازة عن سائر تراب الأرض لكان حجارة الرحى و التراب الأحمر و الجصّ و النورة و طين الغسل بل و ما يؤخذ و يجعل ظروفا و أواني بل و التربة الحسينيّة من المعادن، و ذلك ممّا لا يساعده العرف.

______________________________
(1) في ص 44.

64
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة التاسعة حكم القليل من المعدن المنقطع بعد الإخراج بمقدار النصاب ص 65

و أمّا الفيروزج فالظاهر صدق المعدن عليه (1).

و لا فرق بين القليل و الكثير (2).

المسألة التاسعة [حكم القليل من المعدن المنقطع بعد الإخراج بمقدار النصاب]

الظاهر أنّ القليل من المعدن المنقطع بعد الإخراج بمقدار النصاب متعلّق للخمس أيضا (3).

المسألة العاشرة [لا فرق في المستخرج بين المسلم و الكافر]

لا فرق بين المسلم و الكافر إذا كان المعدن مستخرجا من الأرض المملوكة لهما (4).

فإنّه و إن كان مثل المرمر لأنّه حجر ممتاز، لكنّه لشدّة ظرافته و علوّ قيمته يعدّ من جنس الفلزّات أو البلّور عرفا.

و إن نقل قدّس سرّه في الجواهر عن أستاذه الإشكال في القليل المستنبط بمقدار النصاب، المنقطع بعد ذلك «1» و لكنّ الأقوى وجوبه، للإطلاق كما في الجواهر «2».

و الانصراف ممنوع، مع إمكان أن يقال: إنّه داخل في إطلاق الغنيمة، و استثناء مئونة الشخص و عياله مخصوص بأرباح المكاسب.

و للكلام محلّ آخر ربّما يأتي تنقيح الحقّ فيه بعونه تعالى إن شاء اللّه.

لما تقدّم في التعليق السابق.

و ذلك لإطلاق أداء الخمس في المعادن.

و ما يمكن أن يتوهّم وجها لعدم الخمس عليه أمور كلّها مدفوعة:

منها: عدم تكليف الكفّار بالفروع كما عن صاحب الحدائق و المحدّث الكاشانيّ و عن الأسترآباديّ، خلافا لغيرهم من علماء الخاصّة و العامّة إلّا أبي حنيفة كما في مصباح الفقيه «3» و غيره.

و فيه أوّلا: أنّ مقتضى كثير من الإطلاقات هو العموم. و ما فيه التقييد بالمؤمن فلا يكون مقيّدا، لظهور الفائدة في القيد، لأنّه الذي يصلح أن ينبعث نحو الفعل.

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 23.

(2) الجواهر: ج 16 ص 23.

(3) ج 1 «الطهارة» ص 227.

65
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة العاشرة لا فرق في المستخرج بين المسلم و الكافر ص 65

..........

و ثانيا: أنّه قد ورد في خصوص الزكاة قوله تعالى وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ. الَّذِينَ لٰا يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كٰافِرُونَ، «1» و لا فرق بين الخمس و الزكاة قطعا.

و ثالثا: أنّ مقتضى غير واحد من الإطلاقات: ثبوت الحقّ، و هو غير التكليف، و أثره جواز التقاصّ عنهم لصاحب الخمس مثلا.

و منها: عدم تملّك الكافر للمعدن من جهة احتمال كون المعدن بنفسه من الموات الّتي تكون للإمام عليه السّلام، كما قال في الجواهر في آخر كلامه:

و لعلّه لأنّه بنفسه في حكم الموات و إن كان في أرض معمورة «2».

و لعلّ ذلك هو الوجه لما في الجواهر عن الشيخ قدّس سرّه و عن ظاهر البيان: من عدم جواز التصرّف في المعدن للكافر «3».

و فيه أوّلا: وضوح عدم صدق المعمورة و الموات إلّا باعتبار سطح الأرض و إلّا كان جوف جميع الأرضين مواتا متعلّقا بالإمام، و هو ضروريّ البطلان.

و ثانيا: أنّ المستفاد من مجموع الروايات أنّ الملاك لملكيّة الإمام عليه السّلام: عدم الربّ للأرض، و المعدن الواقع في المملوكة له ربّ بتبعيّة الأرض.

و منها: أنّ المعادن من الأنفال، و لعلّ ذلك مراد صاحب الجواهر من أنّها بحكم الموات.

و يستدلّ على ذلك بخبر إسحاق بن عمّار، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الأنفال، فقال:

«هي القرى الّتي قد خربت و انجلى أهلها فهي للّه‌

______________________________
(1) سورة فصّلت: 6- 7.

(2) الجواهر: ج 16 ص 24.

(3) الجواهر: ج 16 ص 23.

66
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة العاشرة لا فرق في المستخرج بين المسلم و الكافر ص 65

..........

و للرسول. و ما كان للملوك فهو للإمام. و ما كان من الأرض بخربة لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب و كلّ أرض لا ربّ لها و المعادن منها. و من مات و ليس له مولى فماله من الأنفال» «1».

و خبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام:

قال: «لنا الأنفال». قلت: و ما الأنفال؟ قال: «منها المعادن و الآجام. و كلّ أرض لا ربّ لها.» «2».

و خبر داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

قلت: و ما الأنفال؟ قال: «بطون الأودية و رءوس الجبال و الآجام و المعادن.» «3».

و الجواب عن ذلك بوجوه:

الأوّل: ضعف السند بالإرسال في الخبرين الأخيرين، و ضعف الدلالة في الأوّل، لاحتمال رجوع الضمير إلى الأرض الّتي لا ربّ لها، و نقل أنّ في بعض النسخ «فيها» بدل «منها».

الثاني: عدم ظهورها في المطلوب بقرينة ذكره في طيّ الآجام و رءوس الجبال، فإنّ المقصود منها: ما ليس لها ربّ، فإنّ ماله ربّ من رءوس الجبال و بطون الأودية و الآجام لا يكون من الأنفال عندهم قطعا.

الثالث: أنّه لو فرض الظهور في ذلك فلا ريب أنّه معارض بما ورد في بيان‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 371 ح 20 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(2) الوسائل: ج 6 ص 372 ح 28 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(3) المصدر: ح 32.

67
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة العاشرة لا فرق في المستخرج بين المسلم و الكافر ص 65

..........

تعداد الأنفال بنحو الضابطة الكلّيّة، كخبر حمّاد الطويل:

«و الأنفال كلّ أرض خربة باد أهلها، و كلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و لكن صالحوا صلحا و أعطوا بأيديهم على غير قتال، و له رءوس الجبال و بطون الأودية و الآجام و كلّ أرض ميتة لا ربّ لها» إلى قوله: «و هو وارث من لا وارث له» «1».

الرابع: أنّه على فرض كونها من الأنفال فلا ريب في أنّ ما ثبت به الإذن في الاستخراج للمسلم- من دليل ثبوت الخمس، الظاهر أو الصريح في أنّ غيره للمخرج- يشمل الكافر أيضا، و القدر المتيقّن من إطلاقه: الأرض المملوكة.

و منها: عدم معهوديّة أخذ الخمس و الزكاة من الكفّار في بلد الإسلام.

و فيه: أنّ ذلك لعلّه من باب عدم معهوديّة أخذ الخمس في عصري الرسول و الوليّ من أرباح التجارات و الزراعات، من باب أنّ أمر ذلك إلى الوالي، و ليس الخمس و الزكاة كالصلاة الّتي لا يتغيّر وجوبها بالنسبة إلى الحالات و الطوائف، أو من باب عدم لزوم ذلك على الوالي، أو من باب عدم جوازه له كما نبيّن وجهه، و هذا غير عدم ثبوت الخمس في مالهم، كما أنّه لا يجب على الوالي أو لا يجوز له إجبارهم على التحرّز عن شرب الخمر و لحم الخنزير، و هذا غير حرمة ذلك عليهم.

و منها: مفروغيّة ثبوت العباديّة للخمس و لزوم وقوعه في الخارج على وجه العبادة، و عدم تمكّن الكافر من ذلك، و الإجبار لا يصحّحه، لعدم وقوعه على وجه يصحّ أن يقع عبادة عنه- و لو بقصد النيابة عنه كما في الممتنع المسلم- و أخذ وليّ الخمس منه مع هذا الوصف غير جائز. فهو في حكم عدم لزوم الخمس عليه، لأنّه‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 365 ح 4 من ب 1 من أبواب الأنفال.

68
کتاب الخمس (للحائري)

الظاهر أنه ليس للحاكم إجبار الذمي بالخمس ص 69

[الظاهر أنّه ليس للحاكم إجبار الذمّيّ بالخمس]

لكنّ الظاهر أنّه ليس للحاكم إجبار الذمّيّ بل و لا المعاهد على أدائه (1).

لا أثر له إلّا ثبوت العقوبة، بل لعلّ لازم ذلك عدم الوجوب عليه من باب أنّه لا يصحّ منه حال الكفر، و إن أسلم لا يجب عليه، فإنّ الإسلام يجبّ ما قبله، لكن ذلك مدفوع بأنّ الجبّ عنه مع وجود عينه ممنوع، بل لعلّه لا تأثير للتلف أيضا، لثبوت التخيير بين العين و القيمة من أوّل الأمر، فلم يفت عنه إلّا لزوم التعجيل.

و الجواب عن ذلك عدم الدليل على عباديّة الزكاة- كما اعترفوا به- إلّا الإجماع و إطلاق مثل «إنّما الأعمال بالنيّات» «1» فكيف بالخمس الذي قلّ المصرّح باعتبارها فيه «2» كما في الجواهر «3».

و الإطلاقات المذكورة مخدوشة- كما ذكرناه في كتاب مباني الأحكام- و إلّا لزوم التخصيص الكثير المستهجن، و هي معارضة بإطلاق نفس أدلّة الباب.

و الإجماع المذكور غير ثابت في الخمس، بل لعلّ السكوت دليل على عدم اللزوم، بل لعلّ حرمة التصدّق على بني هاشم تدلّ على عدم اعتبار قصد التقرّب، لأنّه ليست الصدقة عرفا إلّا الإنفاق بقصد التقرّب، و على فرض عباديّة الخمس فلا دليل على عباديّته في ما على الكافر، كيف؟! و قد صرّحوا كما في الجواهر عن البيان في الخمس في أرض الذمّيّ بعدم لزوم النيّة فيه، قال:

و لا يشترط فيها النصاب و لا الحول و لا النيّة «4».

و حينئذ فمقتضى الإطلاق وجوب الخمس على الكافر في المعدن المستخرج من ملكه.

و قد صرّح بذلك السيّد الطباطبائيّ البروجرديّ قدّس سرّه في تعليقه لكن بالنسبة‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 1 ص 34 ح 7 و 10 من ب 5 من أبواب مقدّمة العبادات.

(2) قد رأيت في كشف الغطاء- ص 363- التعرّض له و الحكم بوجوب النيّة- القربة- في الخمس (منه قدّس سرّه).

(3) ج 15 ص 472.

(4) الجواهر: ج 16 ص 69.

69
کتاب الخمس (للحائري)

لزوم أخذ الخمس من الحربي على الأحوط ص 70

[لزوم أخذ الخمس من الحربيّ على الأحوط]

و أمّا الحربيّ فالظاهر وجوب الخمس عليه و وجوب أخذ الحاكم منه على فرض الامتناع إن تمكّن من ذلك و لم يكن فيه مفسدة، على إلى الذمّيّ، فعلّق على العروة حيث قال قدّس سرّه في العروة: «و يجوز للحاكم الشرعيّ إجبار الكافر على دفع الخمس ممّا أخرجه» «1» بقوله: «غير الذمّيّ الملتزم بشروط الذمّة».

أقول: في المسألة وجوه:

الأوّل: أنّه يجب عليه الإجبار في صورة الامتناع، من باب الولاية على أرباب الخمس، و إلّا فذلك يعدّ خيانة بالنسبة إليهم، كمتولّي الوقف المسامح في الأخذ و الصرف في المصرف.

الثاني: أنّه يجوز له الإجبار، من باب أنّه إن أخذ منهم فقد أخذ ما هو حقّه، و إلّا فلم يفعل حراما، لضرورة عدم لزوم إجبار أهل الذمّة بالشهادتين فكيف بالخمس! فليس الخمس أهمّ من الشهادتين.

الثالث: عدم الجواز و إن كان يجب الخمس عليهم، لأنّه لو لا ذلك لم يكن فرق بين الحربيّ و الذمّيّ، فإنّ مقتضى قبول الذمّة منهم و تخييرهم بين الإسلام و الذمّة: عدم حقّ للحاكم في إجبارهم و إلّا قام الحرب، فإنّ جواز الإجبار هو عبارة أخرى عن جواز التخيير بين الأمرين إمّا الحرب و إمّا الإسلام.

و من ذلك يظهر الكلام في المعاهد و أنّ مقتضى قبول الكافر من دون الإجبار على الإسلام: أنّه مأمون من الإجبار على الإسلام، و لازم ذلك: عدم حقّ الإجبار على الإسلام الذي من فروعه الخمس، كما أنّه ليس له إجبارهم على ترك لحم الخنزير مثلا و إن كان تكليفهم التجنّب، و لازم ذلك: جواز التقاصّ منهم و جواز الأخذ منهم بعنوان الخمس.

______________________________
(1) العروة الوثقى: كتاب الخمس، الفصل الأوّل.

70
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الحادية عشر حكم استخراج المعدن من الموات ص 71

الأحوط (1).

المسألة الحادية عشر [حكم استخراج المعدن من الموات]

الظاهر جواز إخراج المعدن للمسلم من الموات و عليه الخمس، من غير فرق بين المعادن الظاهرة و الباطنة (2).

لما تقدّم- في الوجه الأوّل من الوجوه المذكورة في الفرع السابق- من أنّ ذلك مقتضى الولاية على الخمس و حفظ منافع من له الولاية عليه.

أمّا المعادن الظاهرة فلما في الجواهر من أنّ:

المشهور نقلا و تحصيلا على أنّ الناس فيها شرع سواء، بل قيل: إنّه يلوح من محكيّ المبسوط نفي الخلاف فيه، مضافا إلى السيرة المستمرّة في سائر الأعصار و الأمصار- حتّى في زمان تسلّطهم عليهم السّلام- على الأخذ منها بلا إذن، حتّى في الموات و المفتوحة عنوة، و لقوله تعالى خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً «1»، و لشدّة حاجة الناس إلى بعضها المتوقّف عليه معاشهم، و في خبر أبي البختريّ: «لا يحلّ منع الملح و النار «2»» «3». انتهى ملخّصا.

و لا يخفى أنّ موضوع كلام صاحب الجواهر: المعادن الظاهرة، لأنّه يقول بعد عشر و نيّف سطرا: «هذا كلّه في المعادن الظاهرة». و لكن يظهر من مطاوي كلماته في بعض الفروع الأخر أنّ مقصوده مطلق المعادن.

و لكنّ الإنصاف أنّ السيرة ليست مستقرّة على ذلك في المعادن الباطنة و لا‌

______________________________
(1) سورة البقرة: 29.

(2) الوسائل: ج 17 ص 331 ح 2 من ب 5 من أبواب إحياء الموات.

(3) الجواهر: ج 38 ص 108- 109.

71
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الحادية عشر حكم استخراج المعدن من الموات ص 71

..........

في المعادن الظاهرة الّتي تكون في الأملاك الشخصيّة و تكون ذات قيمة.

و أمّا الملح فمن باب عدم الاعتناء بشأنه أو كونه في أراضي الموات أو المفتوحة عنوة.

و كيف كان، فالظاهر أنّه لا إشكال في المعادن الظاهرة الّتي هي في أرض الموات، لما ذكر، خصوصا إذا أحيا الأرض بالغرس أو البناء أو غيرهما.

و أمّا المعادن الباطنة الّتي فيها فيصدق على الوصول إلى نيلها الإحياء.

قال قدّس سرّه في الشرائع: «فهي تملك بالإحياء» «1». و قال بعد ذلك: «و حقيقة إحيائها أن يبلغ نيلها» «2».

و قال قدّس سرّه في الجواهر بعد العبارة الأولى:

بلا خلاف أجده بين من تعرّض له، كالشيخ و ابني البرّاج و إدريس و الفاضل و الشهيدين و الكركيّ.، بل عن ظاهر المبسوط و المهذّب و السرائر: الإجماع على ذلك، بل الظاهر أنّ الحكم كذلك. و قال قدّس سرّه بعد العبارة الثانية: بلا خلاف أجده «3». انتهى.

فلا إشكال في صدق الإحياء، فما في مصباح الفقيه من أنّ:

عموم قوله صلّى اللّه عليه و آله: «من أحيا أرضا ميتة فهي له» «4» إنّما يجدي في ما لو أحيا أرضا مشتملة على معدن يتبعها في الملكيّة «5».

______________________________
(1) الشرائع: ج 4 ص 796.

(2) الشرائع: ج 4 ص 796.

(3) الجواهر: ج 38 ص 110- 112.

(4) الوسائل: ج 17 ص 327 ح 5 و 6 من ب 1 من أبواب إحياء الموات، و ص 328 الباب 2 من أبواب إحياء الموات.

(5) مصباح الفقيه: ج 3 ص 114.

72
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الحادية عشر حكم استخراج المعدن من الموات ص 71

..........

ممّا لا يوافقه كلام الأصحاب الموافق للعرف، فإنّ نفس حفر المعدن من مصاديق الإحياء، كما في جلّ الروايات أو كلّها الواردة في الإحياء «1» و في بعض الروايات: «و أيّما قوم أحيوا شي‌ء من الأرض أو عملوه» «2»، و في بعضها «أو عمروها» «3»، و في خبر السكونيّ: «أو حفر واديا بديّا لم يسبقه إليه أحد» «4»، فلا إشكال في صدق الإحياء و العمل و العمران على ذلك و يتبعه ملكيّة المعدن.

إنّما الإشكال في أنّ مقتضى بعض الروايات: عدم كون الإحياء مملّكا، بل الإحياء مجوّز للتصرّف بمقدار ما يؤكل و يصرف في المئونة، كمصحّح أبي خالد الكابليّ عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:

«وجدنا في كتاب عليّ عليه السّلام إِنَّ الْأَرْضَ لِلّٰهِ يُورِثُهٰا مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ وَ الْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ «5» أنا و أهل بيتي الّذين أورثنا الأرض و نحن المتّقون و الأرض كلّها لنا.

فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها و ليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي و له ما أكل منها، فإن تركها و أخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و أحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، و له ما أكل منها حتّى‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 326، الباب 1 من أبواب إحياء الموات.

(2) الوسائل: ج 17 ص 326، ح 1 و 3 من ب 1 من أبواب إحياء الموات.

(3) الوسائل: ج 17 ص 326، ح 1 و 3 من ب 1 من أبواب إحياء الموات.

(4) المصدر: ص 328، الباب 2.

(5) سورة الأعراف: 128.

73
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الحادية عشر حكم استخراج المعدن من الموات ص 71

..........

يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف فيحويها و يمنعها و يخرجهم منها كما حواها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و منعها، إلّا ما كان في أيدي شيعتنا، فإنّه يقاطعهم على ما في أيديهم و يترك الأرض في أيديهم» «1».

وجه المنافاة أنّ مقتضى ذلك إعطاء جميع منافعها للإمام إلّا ما أكل منها، فما يخرج من المعادن لا يملكه إلّا بمقدار ما يحتاج إليه و الباقي للإمام، و لازم ذلك:

ثبوت الخمس عليه في مقدار ما يحتاج إلى الصرف.

لكن حيث إنّه مخالف لصريح ما استفاض أو تواتر من دليل الإحياء فلا بدّ من حمله على ما لا ينافيه، بل لا يكون ظاهره مخالفا لما هو مبني المسألة من كون جميع المنافع لمن أحيا الأرض، و ذلك لاحتمال أن يكون المراد من الخراج:

الضريبة الّتي تجعل من طرف الإمام على الأرض من باب الزكاة و الصدقات، و هو أحد معني الخراج كما في مجمع البحرين، و بهذا المعنى يقال: خراج العراقين، و هو الذي يستفاد من صحيح مسمع بن عبد الملك: «فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم»، «2» فإنّ الطسق هو الوظيفة من خراج الأرض المقدّرة عليها، كما في مجمع البحرين عن الجوهريّ و كذا في الوافي «3».

و مقتضى بعضها الآخر عدم كون الإحياء موجبا لتملّك المنافع بالنسبة إلى غير الشيعة من المسلمين، كخبر مسمع بن عبد الملك، قال:

قلت لأبي عبد اللّه: إنّي كنت ولّيت البحرين الغوص (كما في أكثر النسخ) إلى أن قال:

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 329 ح 2 من ب 3 من أبواب إحياء الموات.

(2) الوسائل: ج 6 ص 382 ح 12 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(3) ج 10 ص 287.

74
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الحادية عشر حكم استخراج المعدن من الموات ص 71

..........

«إنّ الأرض كلّها لنا، فما أخرج اللّه منها من شي‌ء فهو لنا» إلى أن قال:

«و كلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون، و محلّل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم (أيدي سواهم) فإنّ كسبهم من الأرض حرام عليهم حتّى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم و يخرجهم منها صغرة» «1».

و هذا الخبر غير مضرّ بالمبحوث عنه في هذا المقام إذا كان المحيي من الشيعة، و ذلك لأنّ عدم مالكيّتهم للأرض غير عدم مالكيّتهم لمنفعة الأرض كالمنافع الأخر المستفادة منها، بل ظاهر الحلّيّة جواز جميع التصرّفات المتوقّفة على الملك في ما يستخرج من الأرض، و أمّا إذا كان المحيي من غيرهم فمقتضى إطلاق ذلك: عدم تملّك المعدن حتّى يجب عليه فيه الخمس، بناء على اشتراط تعلّق الخمس بصدق الغنيمة.

و حيث إنّ الخبر المزبور بظاهره مخالف لغير واحد من الروايات الدالّة على أنّ الأرض لمن أحياها، و على أنّ الكافر أحقّ بالأرض إذا أحياها، و على أنّ المحيي من المسلمين أحقّ بها حتّى يظهر القائم فيأخذ الأرض من أيديهم، و على أنّ هلاك القوم من جهة التصرّف في الخمس الدالّ على حصول باقي المال لهم حتّى كان عليهم الخمس و الدالّ على أنّه ليس عليهم بأس من جهة الباقي- فراجع روايات الباب الرابع من الأنفال «2»- فلا بدّ من توجيه الخبر المزبور إمّا بما أشار إليه في الوسائل بأن يكون المقصود من الأرض هو أرض البحرين، و هو بعيد‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 382 ح 12 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(2) الوسائل: ج 6 ص 378.

75
کتاب الخمس (للحائري)

حكم إخراج المعدن من الأرض المفتوحة عنوة ص 76

[حكم إخراج المعدن من الأرض المفتوحة عنوة]

و أمّا إخراج المعادن من الأراضي المفتوحة عنوة الّتي تكون رقبتها للمسلمين فلا إشكال في الظاهرة منها على الظاهر إذا كان المخرج مسلما (1).

جدّا من سوق الرواية الواردة في مقام بيان مطلب كلّيّ مستمرّ إلى قيام القائم، و إمّا بغير ذلك. و الذي أظنّ في توجيه الخبر الشريف أنّ المقصود من أنّ «الأرض كلّها للإمام» هو الملكيّة الولائيّة، و يكون حرمة ذلك من حيث عدم كونه بإذن وليّ الأمر. و نظير ذلك لتوضيح المرام تصرّف الابن في مال نفسه مع نهي الوالد عن التصرّف الخاصّ، فإنّه لا يكون حراما من حيث التصرّف في مال الغير بل يكون حراما- بناء على وجوب إطاعته و حرمة مخالفته أو في ما كان عقوقا- من جهة ذلك، بخلاف من يتصرّف في مال أبيه من دون رضاه في التصرّف في المال أو من دون رضاه في ذلك التصرّف.

و أمّا إخراجهم فذلك كإخراج الكفّار لا يدلّ على عدم تملّكهم قبل قيام القائم، بل المستفاد من بعض الروايات أنّه يمكن أخذ الأرض من الشيعة أيضا، ففي خبر عمر بن يزيد:

«من أحيا أرضا من المؤمنين فهي له و عليه طسقها يؤدّيه إلى الإمام في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم عليه السّلام فليوطن نفسه على أن تؤخذ منه» «1».

و ملخّص الكلام أنّ من أحيا أرضا من المسلمين بإخراج المعادن الباطنة فعليه الخمس و لو على القول بتوقّف الخمس على ملكيّة ما يخرج من المعدن، و هو العالم.

لما تقدّم «2» ممّا نقلناه عن الجواهر من قيام السيرة القطعيّة على كون الناس‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 382 ح 13 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(2) في ص 71.

76
کتاب الخمس (للحائري)

حكم إخراج المعدن من الأرض المفتوحة عنوة ص 76

و أمّا إخراج المعادن الباطنة منها فلا إشكال للمسلم إذا كان بإذن الحاكم الشرعيّ و السلطان المتولّي للخراج معا إذا كان موجودا، و إلّا فبإذن الحاكم الشرعيّ، و ليس للحاكم الإذن في ذلك إلّا في ما يرى فيه مصلحة المسلمين بإيجاد المعدن و صرف عوضه في المنافع العامّة لهم، و في غير ذلك إشكال (1).

فيها شرع سواء.

وجه عدم الجواز أمران:

أحدهما: دعوى كون المعدن جزء للأرض أو بحكمه، لأنّه من غير المنقول، و كلّ ذلك للمسلمين، و ما يمكن أن يتصرّف فيه و يتملّك منها هو المنافع، كأن يغرس فيها الأشجار أو يزرع الأرض و يتملّك غلّتها، فهو بعينه للمسلمين.

ثانيهما: أنّه على فرض كونه بحكم المنافع فهو أيضا غير واضح في عصر الغيبة، فإنّ الشيخ الأنصاريّ قدّس سرّه ذكر في مكاسبه وجوها خمسة:

الأوّل: عدم جواز التصرّف إلّا بإذن السلطان الذي يحلّ منه أخذ الخراج و المقاسمة.

الثاني: جوازه مطلقا، نظرا إلى ما دلّ على تحليل الأرض مطلقا للشيعة.

الثالث: عدم الجواز إلّا بإذن الحاكم الشرعيّ الذي هو نائب الإمام عليه السّلام.

الرابع: الجواز لمن يحلّ له أخذ الخراج و عدم الجواز لغيره.

الخامس: التفصيل بين ما عرض له الموت فيجوز التصرّف فيها بالإحياء- لإطلاق دليل الإحياء- و بين‌

77
کتاب الخمس (للحائري)

حكم إخراج المعدن من الأرض المفتوحة عنوة ص 76

..........

ما بقي على عمارتها من حين الفتح فلا يجوز التصرّف فيها.

قال بعد ذلك:

أوفقها بالقواعد: الاحتمال الثالث ثمّ الرابع ثمّ الخامس «1».

أقول أوّلا: إنّه قد ظهر ممّا في المتن وجه آخر، و هو عدم الجواز إلّا بالاستيجار من الحاكم و السلطان معا.

و ثانيا: إنّ تحليل الأرض للشيعة لا يدلّ على الجواز المطلق بل الجواز للشيعة.

و ثالثا: إنّ هنا وجوها أخر تستفاد ممّا ذكر، و هي الجواز بإذن الحاكم و السلطان معا، أو كفاية أحدهما، أو كفاية أحد الثلاثة من حلّيّة الخراج له أو إذن الحاكم أو إذن السلطان، أو غير ذلك.

و الظاهر عدم وجه لجواز التصرّف فيه بغير الاستيجار من الحاكم الشرعيّ و السلطان المتولّي للخراج إلّا بعض روايات التحليل، كخبر مسمع بن عبد الملك المتقدّم «2» و خبر عبد اللّه بن سنان «3»، و المنساق من مثل ذلك هو الحلّيّة بالنحو المتعارف المعمول بأن يعطي الخراج المضروب عليها لمن يتولّى الخراج إن كان متولّيا للأمر، و إلّا فبإذن الحاكم الشرعيّ الذي لا يمكن له الإذن إلّا بالاستيجار، لعدم مصلحة للمسلمين في غير ذلك.

و أثر التحليل جواز التصرّف في الأرض مع مراعاة الجهات المتعارفة بحيث لا يحتاج إلى إثبات الولاية للحاكم الشرعيّ، فلا يحتاج إلى أدلّة النيابة و إثبات عمومها.

______________________________
(1) المكاسب: ص 163.

(2) في ص 75.

(3) الوسائل: ج 11 ص 121 ح 3 من ب 72 من أبواب جهاد العدوّ.

78
کتاب الخمس (للحائري)

حكم إخراج الكافر للمعادن من المفتوحة عنوة ص 79

[حكم إخراج الكافر للمعادن من المفتوحة عنوة]

و من ذلك يظهر عدم جواز إخراج المعادن الباطنة من الأرض المفتوحة عنوة للكافر بالأولويّة إلّا بالإيجار المأذون من قبل من له التصرّف فيها.

و مقتضى الاحتياط بالنسبة إلى المعادن الظاهرة أيضا كذلك بالنسبة إلى غير الذمّيّ.

و أمّا الذمّيّ بل المعاهد فالظاهر أنّه بحكم المسلم في ما تقدّم (1).

و أمّا إخراج الكافر المعادن الباطنة من الموات ففيه إشكال (2).

لعموم السيرة المتقدّمة «1» المدّعاة.

وجه الإشكال أنّ تملّك المعدن له إنّما هو من باب الإحياء، و كون إحياء الكافر مملّكا له محلّ إشكال عندهم.

فإنّ المستفاد من الجواهر أنّ:

في التذكرة و جامع المقاصد دعوى الإجماع على الاشتراط المذكور «2».

و جعل في الجواهر مورد الإجماع أنّ حصول الإذن من الإمام في الإحياء لا يكفي في تملّك الكافر بخلاف المسلم.

لكن مع ذلك قال:

التحقيق خلافه، لظهور النصّ و الفتوى في كون الإحياء سببا شرعيّا لحصول الملك. و أمّا الإجماع المزبور فلم نتحقّقه، بل لعلّ المحقّق خلافه، فإنّ المحكيّ صريحا عن المبسوط و الخلاف و السرائر و جامع الشرائع و ظاهر المهذّب و اللمعة و النافع: عدم‌

______________________________
(1) في ص 71.

(2) الجواهر: ج 38 ص 11 و 12.

79
کتاب الخمس (للحائري)

حكم إخراج الكافر للمعادن من المفتوحة عنوة ص 79

..........

اعتبار الإسلام، بل في الخلاف نسبة الخلاف في ذلك إلى الشافعيّ و أنّه الذي قال: لا يجوز للإمام أن يأذن للكافر فيه، و إن أذن فأحيا الأرض لم يملكها. إلى أن قال: إنّ جامع المقاصد (المدّعي للإجماع على اعتبار إسلام المحيي) قال: و هل يملك الكافر بالإحياء في حال الغيبة؟ وجدت في بعض حواشي الشهيد على القواعد أنّه يملك به.

إلى أن قال صاحب الجواهر قدّس سرّه:

فالمتّجه: الملك بالإحياء مطلقا و لو لحصول الإذن منهم عليهم السّلام في ذلك- قال:- و لا فرق في ذلك بين الموات في أرض الإسلام و غيرها خلافا لما يظهر من بعض، و لا بين الذمّيّ و غيره من أقسام الكفّار و إن كان لنا تملّك ما يحييه الحربيّ كباقي أمواله «1». انتهى ملخّصا.

و المقصود من ذلك كلّه: إيضاح كلام الأصحاب رضي اللّه عنهم في هذا المقام و بيان أنّه ليس في البين إجماع يعتمد عليه على اشتراط كون المحيي مسلما، بل مظنّة الإجماع على خلافه، فالمتّبع هو الدليل.

فنقول: مقتضى إطلاق غير واحد من الأخبار: عدم الفرق بين المسلم و الكافر، كصحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام:

قال: «أيّما قوم أحيوا شي‌ء من الأرض أو عمروها فهم أحقّ بها» «2».

______________________________
(1) الجواهر: ج 38 ص 13- 17.

(2) الوسائل: ج 17 ص 326 ح 3 من ب 1 من أبواب إحياء الموات.

80
کتاب الخمس (للحائري)

حكم إخراج الكافر للمعادن من المفتوحة عنوة ص 79

..........

و نحوه ما رواه محمّد بن حمران في الصحيح أو الحسن بزيادة «و هي لهم» «1».

و في الصحيح أو الحسن بإبراهيم عن زرارة و محمّد بن مسلم و أبي بصير و فضيل و بكير و حمران و عبد الرحمن، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام، قالا:

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من أحيا أرضا مواتا فهي له» «2».

إلى غير ذلك «3».

و يدلّ على كفاية إحياء الكافر بالخصوص صحيح محمّد بن مسلم، قال:

سألته عن الشراء من أرض اليهود و النصارى.

فقال: «ليس به بأس قد ظهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على أهل خيبر فخارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملونها و يعمرونها فلا أرى بها بأسا لو أنّك اشتريت منها شي‌ء.

و أيّما قوم أحيوا شي‌ء من الأرض و عملوها فهم أحقّ بها و هي لهم» «4».

و الظاهر أنّ المقصود من قوله «خارجهم» أي صالحهم بجعل خراج و ضريبة عليهم، كما يستفاد من بعض كتب اللغة.

و ما عن الصدوق في الفقيه:

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 326 ح 4 من ب 1 من أبواب إحياء الموات.

(2) المصدر: ص 327 ح 5.

(3) المصدر: ص 326 الباب 1 و ص 328 الباب 2.

(4) الوسائل: ج 11 ص 118 ح 2 من ب 71 من أبواب جهاد العدوّ.

81
کتاب الخمس (للحائري)

حكم إخراج الكافر للمعادن من المفتوحة عنوة ص 79

..........

«قد ظهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على خيبر فخارجهم على أن يكون الأرض في أيديهم يعملون فيها و يعمرونها، و ما بأس لو اشتريت منها شي‌ء.

و أيّما قوم أحيوا شي‌ء من الأرض فعمروه فهم أحقّ به و هو لهم» «1».

و صحيح أبي بصير، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن شراء الأرضين من أهل الذمّة.

فقال: «لا بأس أن يشتريها منهم إذا عملوها و أحيوها فهي لهم، و قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين ظهر على خيبر و فيها اليهود خارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملونها و يعمرونها» «2».

و ما ذكر صريح في أهل الذمّة، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بينهم و بين سائر الكفّار.

و ليس في البين ما ينافي ذلك إلّا صحيح الكابليّ عن أبي جعفر عليه السّلام:

قال: «وجدنا في كتاب عليّ عليه السّلام إِنَّ الْأَرْضَ لِلّٰهِ يُورِثُهٰا مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ وَ الْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ «3» أنا و أهل بيتي الّذين أورثنا الأرض و نحن المتّقون،

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 327 ح 7 من ب 1 من أبواب إحياء الموات.

(2) الوسائل: ج 17 ص 330 ح 1 من ب 4 من أبواب إحياء الموات.

(3) سورة الأعراف: 128.

82
کتاب الخمس (للحائري)

حكم إخراج الكافر للمعادن من المفتوحة عنوة ص 79

..........

و الأرض كلّها لنا.

فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها و ليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي و له ما أكل منها.

فإن تركها و أخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و أحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها».

إلى أن قال:

«كما حواها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و منعها.» «1».

وجه المنافاة هو التقييد بالمسلمين الظاهر في اشتراط كون المحيي مسلما.

و لا ريب أنّ ما تقدّم «2» صريح في كفاية الإحياء من أهل الذمّة فهو مقدّم عليه، مضافا إلى إمكان منع الظهور في التقييد المتقدّم للمفهوم المخالف، لأنّ المفهوم يؤخذ إذا لم يكن نكتة في التقييد، و يمكن أن يكون المقصود عدم الاختصاص بالشيعة في قبال الذيل الدالّ على أنّ القائم عليه السّلام يرجّح الشيعة على غيرهم، فلعلّ المقصود بذلك: التعميم.

و عدم ذكر العموم في هذا المقام إمّا لعدم الابتلاء ببلاد الحرب و كون أهل الذمّة بحكم المسلمين في جميع الأمور، فإنّ مقتضى أخذ الجزية عنهم و مقتضى قبولهم في اجتماع المسلمين: ذلك عرفا، و إمّا لأنّ المقصود من التقييد هو بيان من يؤخذ منه الخراج، و هم يعطون الجزية لا الخراج الذي من قبيل الزكاة.

و الذي يسقطه عن الظهور ذيله المستشهد بفعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و قد تقدّم أنّ‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 329 ح 2 من ب 3 من أبواب إحياء الموات.

(2) في ص 81 و 82.

83
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثانية عشر جواز استيجار الغير لاستخراج المعدن ص 84

المسألة الثانية عشر [جواز استيجار الغير لاستخراج المعدن]

يجوز استيجار الغير لإخراج المعدن في المعادن الظاهرة الّتي تملك بالحيازة و الباطنة الّتي تملك بالوصول إلى نيلها، فيصدق الإحياء فيملكه المستأجر بفعل الأجير، هذا إذا كان مورد الإجارة هو الإخراج في المعادن الباطنة أو الحيازة في الظاهرة بنحو الإطلاق (1).

فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد كان إبقاء الأرض في أيدي الكفّار من غير فرق بين الموات و المحياة.

و من ذلك يظهر الجواب عمّا في المستدرك عن عوالي اللآلئ عنه صلّى اللّه عليه و آله:

«عاديّ الأرض للّه و لرسوله، ثمّ هي لكم منّي.» «1».

و ما في الجواهر عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا:

«موتان الأرض للّه و لرسوله، ثمّ هي لكم منّي أيّها المسلمون» «2».

فإنّ الظاهر أنّه ليس بصدد التقييد، بل من باب أنّ محلّ الابتلاء هم المسلمون لا غيرهم.

و من هذين الخبرين يظهر ما تقدّم سابقا «3» من ملكيّة الإمام للأرض و أنّه من قبيل ملكيّته تعالى، فإنّه جعل ملكيّته صلّى اللّه عليه و آله في سياق ملكيّته تعالى. فافهم و تأمّل.

على ما صرّح به قدّس سرّه في العروة الوثقى «4». و ذلك لأنّ مورد الإجارة إن كان مطلق الإخراج الموجب للتملّك فيملك المستأجر ذلك، و مالكيّة ذلك لا معنى له‌

______________________________
(1) المستدرك: ج 17 ص 112 ح 5 من ب 1 من أبواب إحياء الموات.

(2) الجواهر: ج 38 ص 8.

(3) في ص 15.

(4) في المسألة العاشرة من الفصل الأوّل من كتاب الخمس.

84
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثانية عشر جواز استيجار الغير لاستخراج المعدن ص 84

و أمّا لو كان متعلّق الإجارة النيابة في الإخراج في الباطنة أو الحيازة في الظاهرة- بأن كان الأجير مكلّفا بالإخراج بقصد أن يتملّكه المستأجر- فالظاهر عدم الوقوع له بذلك إلّا إذا قصد بذلك تملّكه (1).

إلّا مالكيّة أثره، و هو ملكيّة المعدن للمستأجر.

و معنى الإطلاق أنّه من غير فرق بين أن يقصد الأجير تملّك نفسه أو تملّك الغير أو لم يقصد تملّكا لنفسه و لغيره أصلا، فإنّه ملك المستأجر عمل الأجير، و عمله عمل المستأجر في اعتبار العرف بلا إشكال و نوى بذلك التملّك إن قلنا إنّه يحتاج إلى ذلك أيضا، و يكون نيّة الأجير لغوا مع فرض عدم كونه مالكا للعمل، إذ صرف النيّة لا يكون مملّكا، و إلّا يكفي ذلك في ما أخرج أحد معدنا و نوى شخص آخر تملّكه من دون استناد الإخراج إليه مباشرة أو تسبيبا، و هو باطل بالضرورة خصوصا إذا نوى المباشر التملّك، فلا يتعارض القصدان.

فيكون مملوك المستأجر حينئذ هو الإخراج على وجه النيابة و بقصد حصول التملّك للمستأجر، لا مطلق الإخراج، فالظاهر حينئذ وقوع الإخراج لنفسه إذا قصد ذلك لكن عصى باعتبار عدم أداء ما جعله المستأجر على ذمّته، و كذا إذا قصد لغيره و لغير المستأجر بإجازته أو فضولة إذا جرت الفضوليّة في ذلك، بل لازم ذلك أنّه لو لم يقصد بذلك تملّك أحد لم يملكه المستأجر بذلك، فلا بدّ لتملّكه من الحيازة، و حينئذ يصير كالعبادات الاستيجاريّة، كما لا يخفى.

و بذلك يظهر ما في إطلاق العروة «1» و ما في تعليق بعض الأعلام عليه من «اشتراط قصد الأجير التملّك للمستأجر مطلقا» و ما في تعليق البعض الآخر من «التفصيل بين كون مورد الإجارة هو المنفعة الشخصيّة فيصحّ و يقع للمستأجر بخلاف ما إذا كان متعلّق الإجارة هو الذمّة»، بل لم نفهم محصّلا للأخير، فإنّ العمل‌

______________________________
(1) في المسألة العاشرة من الفصل الأوّل من كتاب الخمس.

85
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثالثة عشر وجوب الخمس بعد مئونة الإخراج ص 86

المسألة الثالثة عشر [وجوب الخمس بعد مئونة الإخراج]

الخمس يجب بعد إخراج المئونة الّتي يفتقر إليها المعدن من آلات و حفر و سبك و غيره (1) لكن في بعضه إشكال يتّضح بعد ذلك إن شاء اللّه.

غير الموجود في الخارج حين الإجارة كيف يصير شخصيّا! بل مورد الإجارة هو الذمّة مطلقا، إلّا أنّه قد يكون مطلق الإخراج و قد يكون الإخراج على وجه النيابة عن المستأجر.

و ما ذكرناه في المسألة جار في جميع موارد حيازة المباحات من الغوص و الصيد و الاحتطاب و إحياء أراضي الموات بغرس الأشجار و حفر القنوات و غير ذلك، و مقتضى القاعدة ما ذكرناه. و هو العالم بالحقائق.

كما في الجواهر و الشرائع «1»، قال صاحب الجواهر قدّس سرّه:

بلا خلاف أجده كما اعترف به في المفاتيح، بل في المدارك نسبة ما في الشرائع إلى القطع به في كلام الأصحاب، كما أنّه في الخلاف الإجماع عليه، بل يمكن تحصيله في الجميع و إن مرّ الخلاف فيه في الغنيمة «2». انتهى ملخّصا.

أقول: و يدلّ عليه صحيح البزنطيّ، قال:

كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام: الخمس أخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة؟ فكتب: «بعد المئونة» «3».

و ما عن الفقيه بإسناده عن إبراهيم:

إنّ في توقيعات الرضا عليه السّلام إليه: «أنّ الخمس بعد‌

______________________________
(1) شرائع الإسلام: ج 1 ص 133.

(2) الجواهر: ج 16 ص 82.

(3) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 1 من ب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

86
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثالثة عشر وجوب الخمس بعد مئونة الإخراج ص 86

..........

المئونة» «1».

و خبر الأشعريّ، قال:

كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام:

أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و على الصناع؟ و كيف ذلك؟ فكتب بخطّه: «الخمس بعد المئونة» «2».

و الإشكال في السند من جهة الأشعريّ و الإرسال مدفوع:

أمّا الأوّل فالظاهر الوثوق به كما أوضحه المحدّث المحقّق النوريّ في خاتمة المستدرك «3»، و العمدة في ذلك نقل عدّة من الثقات عنه فيهم أحمد بن محمّد بن عيسى المعروف بالدقّة في نقل الحديث من جهة الراوي.

و أمّا الثاني فلأنّ ظاهر الحديث الجزم بصدور كتاب الإمام عليه السّلام و أنّه رآه في ما كتبه عليه السّلام إلى بعض الأصحاب أو كان قاطعاً بذلك.

و معتبر أبي عليّ بن راشد:

قلت له [عليه السّلام]: أمرتني بالقيام بأمرك و أخذ حقّك فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: و أيّ شي‌ء حقّه؟ فلم أدر ما أجيبه. فقال: «يجب عليهم الخمس».

فقلت: ففي أيّ شي‌ء؟ فقال: «في أمتعتهم و صنائعهم (ضياعهم)».

قلت: و التاجر عليه و الصانع بيده؟ فقال: «إذا‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 2 من ب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 1 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) ج 3 من الطبعة الحجريّة ص 841 «الفائدة العاشرة».

87
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة عشرهل يعتبر النصاب قبل المئونة أو بعدها ص 88

المسألة الرابعة عشر: هل يعتبر النصاب قبل المئونة أو بعدها؟

الظاهر هو الأوّل (1).

أمكنهم بعد مؤونتهم» «1».

و الظاهر رجوع الضمير إلى جميع ما ذكر، الذي منه «الأمتعة» الشاملة للمعادن أيضا، فهذا في الجملة ممّا لا إشكال فيه نصّا و فتوى.

كما نقله الشيخ المؤسّس الأنصاريّ قدّس سرّه عن المدارك و بعض مشايخه المعاصرين له، خلافا لصريح جماعة، بل في المسالك أنّه صرّح بالثاني الأصحاب، و عن الرياض نفي وجدان الخلاف و ظهور الإجماع «2». انتهى.

و في الجواهر:

نقل الثاني- أي كون النصاب بعد المئونة- عن المنتهى و التذكرة و البيان و الدروس، بل ظاهر الأوّلين كونه مجمعا عليه بيننا حيث نسب الخلاف فيه فيهما إلى الشافعيّ و أحمد «3».

و استدلّ الشيخ قدّس سرّه بأنّ:

الظاهر من صحيح البزنطيّ «4» وجوب الخمس في نفس العشرين، و لو اعتبر النصاب قبل المئونة كان متعلّق الخمس أقلّ من العشرين، و هو خلاف مفاد الصحيح «5».

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 3 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ: ص 127.

(3) الجواهر: ج 16 ص 83.

(4) المتقدّم في ص 47.

(5) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ: ص 127.

88
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة عشرهل يعتبر النصاب قبل المئونة أو بعدها ص 88

..........

و استدلّ في الجواهر بالأصل، و ظاهر المنساق من الأدلّة «1».

و في الكلّ نظر و إشكال:

أمّا الأوّل و هو العمدة، ففيه أوّلا أنّ الموضوع لتعلّق الخمس ما أخرج المعدن، فإن ادّعي أنّ الشرط فيه بلوغ العشرين قبل المئونة فالموضوع مع الشرط يصير «ما أخرج بشرط أن يكون عشرين دينارا قبل إخراج المئونة»، و ليس المفروض في الصحيح أنّه لا بدّ أن يكون الموضوع للخمس ما هو العشرون، نعم، قد ينطبق عليه و قد ينطبق على الأقلّ.

و الحاصل أنّه ليس المستفاد من الصحيح إلّا شرطيّة العشرين في التعلّق، و كون الشرط هو العشرين قبل المئونة أو بعدها أوّل الكلام.

و ثانيا على فرض كون المتعلّق هو العشرين فلا ريب أنّ ذلك هو الموصوف بكونه قبل استثناء المئونة، و هذا الظهور لم يبق على حجّيّته على كلّ حال، فالأمر يدور حينئذ بعد استثناء المئونة بين عدم تعلّق الخمس أصلا بذلك الباقي- الذي هو أقلّ من العشرين- و تعلّقه بالباقي، فيرجع إلى إطلاق دليل الخمس.

و ثالثا لو فرض كون متعلّق الخمس هو العشرين فإذا خرج بعض العشرين عن الحكم بالخمس بالنسبة إلى الإرادة الجدّيّة فاللازم الأخذ بالباقي، كما لو قيل: «إذا بلغ من في المسجد إلى عشرين فأعط كلّ واحد منهم دينارا مثلا» ثمّ دلّ الدليل على عدم إعطاء بعض ذلك فلا ريب أنّ مقتضى أصالة تطابق الجدّ و الاستعمال و عدم تعلّق التخصيص بدائرة الاستعمال هو الحجّيّة بالنسبة إلى الباقي، من غير فرق بين صورة الاتّصال و الانفصال، فكما لا يشكّ أحد في المثال المذكور في صورة الاتّصال- بأن يقول: إذا بلغ من في المسجد إلى عشرين فأعطهم دينارا إلّا‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 83.

89
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الخامسة عشر في أنه هل تستثنى من الخمس مئونة التصفية أم لا ص 90

المسألة الخامسة عشر [في أنّه هل تستثنى من الخمس مئونة التصفية أم لا؟]

مقتضى صريح الشرائع و العروة أنّ مئونة التصفية كمئونة الإخراج تستثنى من الخمس (1).

من كان منهم فاسقا مثلا- كذلك في صورة الانفصال الذي يكون المقام منه، فإنّ المئونة استثنيت من وجوب الخمس لا من بلوغ النصاب.

و رابعا على فرض كون موضوع الخمس هو العشرين من دون زيادة و نقيصة فلا ريب أنّ العامّ المذكور لا يكون حجّة بالنسبة إلى المورد، لأنّه إمّا لا خمس فيه أصلا فلم يخصّص العامّ و يحفظ على عنوان موضوعه الذي هو العشرون، و إمّا فيه الخمس بالنسبة إلى غير العشرين- و هو الباقي- فالعامّ سقط عن الحجّيّة بالنسبة إلى المورد، فلا وجه لرفع اليد عن إطلاق دليل بلوغ النصاب الذي مقتضاه عدم الفرق بين إخراج المئونة و عدمه.

و خامسا على فرض دوران الأمر بين التحفّظ على موضوع الخمس بحفظ عنوان العشرين فيه أو التحفّظ على إطلاق شرطيّة البلوغ فلا ريب أنّه يرجع إلى إطلاق سائر الأدلّة.

و من ذلك يظهر الجواب عن الأصل و ما ذكره من أنّه الظاهر المنساق من الأدلّة على ما نقلناه عن الجواهر، إذ لا منشأ للظهور المشار إليه إلّا ما نقلناه عن الشيخ المؤسّس الأنصاريّ قدّس سرّه.

فقد تحصّل وجه قوّة ما ذكرناه في المتن. و هو العالم بالحقائق.

فقال في الشرائع:

الخمس يجب بعد المئونة الّتي يفتقر إليها إخراج الكنز و المعدن من حفر و سبك و غيره «1». انتهى.

فإنّ السبك هو الذي يحصل به التصفية.

______________________________
(1) الشرائع: ج 1 ص 135.

90
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السادسة عشر الإشكال في عدم استثناء مئونة الشخص و عياله ص 91

و لكن فيه إشكال، و الأحوط إن لم يكن أقوى: عدم استثناء مئونة التصفية. (1)

المسألة السادسة عشر [الإشكال في عدم استثناء مئونة الشخص و عياله]

المتسالم عندهم عدم استثناء مئونة الشخص و عياله. و فيه إشكال (2).

و في العروة قد صرّح بأنّ النصاب بعد مئونة الإخراج و التصفية «1».

و الوجه في ذلك لعلّه عدم صدق الإخراج حقيقة إلّا بعد التصفية، أو شمول إطلاق ما دلّ على «استثناء المئونة» لما يحتاج إليه المال كي يستفاد منه حتّى بعد التعلّق.

و الأوّل ممنوع كما تقدّم «2»، و الثاني غير واضح.

و ذلك لإطلاق دليل الخمس بعد عدم وضوح الإطلاق في دليل الاستثناء.

و تظهر الثمرة في ما إذا كان الذهب المخلوط مثلا بالغا قيمة الخالص منه في حال الخلط أربعين دينارا و كانت مئونة التصفية دينارين، فإذا بنى على استثناء مئونة التصفية و لو لم تحصل بعد فاللازم خمس ثمان و ثلاثين دينارا، و أمّا إذا لم يبن على ذلك فاللازم خمس تمام الأربعين، و إذا بنى على استثناء مئونة التصفية إذا حصلت فصفّاه و كانت مئونة التصفية ما ذكر و كان قيمة الذهب بعد التصفية أحدا و أربعين دينارا فاللازم إعطاء خمس تسع و ثلاثين دينارا، و أمّا على عدم الاستثناء فاللازم خمس أربعين- بناء على أنّ السبك هيئة حاصلة له، لأنّه حصل بفعله- أو خمس أحد و أربعين. و الأحوط هو الأخير.

وجه الإشكال:

1- إطلاق مثل رواية ابن راشد المتقدّم «3»، فإنّ الأمتعة تشمل المعدن.

2- قوله عليه السّلام في كتاب إبراهيم:

______________________________
(1) العروة الوثقى: كتاب الخمس، الفصل الأوّل.

(2) في ص 58.

(3) في ص 87.

91
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السادسة عشر الإشكال في عدم استثناء مئونة الشخص و عياله ص 91

..........

«الخمس بعد المئونة و مئونة عياله و بعد خراج السلطان» «1».

مع أنّه ليس السابق عليه في ما كتبه عليه السّلام إلّا نصف السدس الذي هو بعض الخمس، فالعهد بعيد جدّا.

3- قوله عليه السّلام في مكاتبة عليّ بن مهزيار:

«و لم أوجب ذلك عليهم في متاع و لا آنية و لا دوابّ و لا خدم و لا ربح ربحه في تجارة و لا ضيعة إلّا في ضيعة سأفسّر لك أمرها، تخفيفا منّي عن مواليّ و منّا منّي عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم و لما ينوبهم في ذاتهم» «2».

فإنّ مقتضى التعليل: التحليل إذا احتاجوا إلى المال في معيشتهم و لم يكن زائدا على المئونة، لكن ليس مفاده إخراج مئونة السنة، بل مفاده عدم اللزوم إذا احتاج مخرج المعدن في معيشته إلى جميع ما يخرجه بحيث يصير فقيرا بعد ذلك.

4- خبر الأشعريّ المتقدّم «3»، من جهة عدم مصداق للمئونة في بعض ما تقدّم في الصدر إلّا مئونة نفسه و عياله، فإنّ الأجير الذي يستفيد من عمله ليس عليه مئونة تحصيل الربح، و قوله «الخمس بعد المئونة» يشمل جميع ذلك.

و يؤيّد ما ذكرناه في وجه الإشكال الاعتبار و إلقاء الخصوصيّة خصوصا بالنسبة إلى من لا يحصل له غنيمة إلّا من استخراج المعدن بحيث إذا أدّى خمس‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 4 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) في ص 87.

92
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السادسة عشر الإشكال في عدم استثناء مئونة الشخص و عياله ص 91

..........

ما يستخرجه يصير فقيرا محتاجا، بل الظاهر أنّ ذلك ممّا لا ينبغي الإشكال فيه و إن لم يكن مستفادا من كلمات الفقهاء، بل يمكن أن يقال: إنّ المقصود باستثناء المئونة في أرباح المكاسب أيضا ذلك، فمن يملك مئونة جميع عمره و يستفيد فائدة فمقتضى الإطلاق وجوب الخمس، فليكن على ذكرك حتّى نبحث عن ذلك في باب أرباح المكاسب.

و الحاصل أنّ الفرق بين المعدن و سائر أنواع المكاسب- خصوصا مع شمولها لحيازة المباحات و إحياء الموات و غير ذلك، و كون المعدن أيضا داخلا في المكاسب- مشكل جدّا.

و لعلّ وجه اختصاص الفقهاء استثناء المئونة بأرباح المكاسب: تعدّد العناوين و جعل المعدن مثلا عنوانا مستقلّا للخمس في الروايات المتعدّدة «1».

و يمكن الجواب عن ذلك بوجوه:

منها: أنّه يكفي في ذلك وجود بعض الخصوصيّات في المعدن و الكنز و الغوص مثلا، و هو النصاب الخاصّ الوارد في الروايات.

و منها: كون المعدن متعلّقا للخمس مستقلّا، فلو لم يصرفه في المئونة و كانت مئونته من أمر آخر كان الخمس في تمامه- بخلاف مثل الحنطة و الشعير و الماش و العدس الموجود في دكّة البائع، فإنّ المجموع يعدّ بمنزلة مال واحد، و لازمه عدم إعطاء خمس المجموع من مال آخر إذا لم نقل بجواز إعطاء خمس مال من مال آخر- و هذا بخلاف فوائد الربح، فإنّ الكلّ أمر واحد.

و منها: أن يقال: إنّه يمكن أن يكون التحليل المتحقّق في زمن النبيّ و الوصيّ و غيرهما- في الجملة- بالنسبة إلى غير المعدن و الغنيمة و الكنز مثلا، كما قد‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 338 الباب 2 و ص 342 الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

93
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السابعة عشر حكم الشك في بلوغ النصاب ص 94

المسألة السابعة عشر [حكم الشكّ في بلوغ النصاب]

إذا شكّ في بلوغ النصاب فالأحوط الاختبار (1).

يستفاد من تضاعيف الأخبار.

و المقصود من ذلك التنبيه على الشبهة حتّى يحدث اللّه بعد ذلك أمرا إن شاء اللّه تعالى، فإنّ الجمود على الشهرة و الإجماع- كما هو دأب بعض الأصحاب- خلاف ما يستفاد من أصول الشيعة الإماميّة من عدم حجّيّة الإجماع بما هو إجماع، و خلاف سيرة غير واحد من محقّقيهم على ما هو المعروف، من العلّامة قدّس سرّه في منزوحات البئر و المتراءى من الشيخ المؤسّس الأنصاريّ في مسألة المعاطاة، فإنّ عدم حجّيّة الإجماع و الشهرة مع احتمال الاستناد إلى أمر غير حجّة واضحة، فكيف مع وضوح المدارك و عدم سداد مداركهم. نعم، ما حصل لي هو وجود الحقّ نوعا مع مشهور الإماميّة، و لعلّه بل المظنون أنّه عناية من الإمام الحيّ خليفة اللّه في أرضه عليه السّلام لكنّه ليس ذلك على النحو الكلّيّ.

و المقصود من ذلك إرشاد من يرى تلك السطور إلى أمور:

منها: عدم الجمود على المشهور مع احتمال المدرك غير السديد فكيف مع وضوحه! و منها: وجود السيرة على ذلك، و كان فقه الإماميّة في سير علميّ عند المحقّقين قدّس اللّه أسرارهم.

و منها: إلقاء التعصّب لأحد الجانبين و كشف ما هو الحقّ.

و منها: التوجّه إليه تعالى و الاستشفاع بوليّه و خليفته.

و منها: عدم التبرّع إلى الفتوى و رعاية الاحتياط، فإنّ الفتوى على خلاف المشهور مشكل جدّا إلّا مع القطع بالحكم أو الحجّة. و اللّه الهادي.

كما في العروة «1». و في الجواهر في كتاب الزكاة في مسألة الدراهم المغشوشة أنّه:

______________________________
(1) في المسألة 13 من الفصل الأوّل من كتاب الخمس.

94
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السابعة عشر حكم الشك في بلوغ النصاب ص 94

..........

يعتبر العلم ببلوغ حاصلها النصاب، بل المعروف عدم وجوب التصفية و نحوها للاختبار، بل عن المسالك لا قائل بالوجوب.

و وجهه أنّ مقدّمة الوجوب لا يجب تعرّفها. لكن قد يناقش بضرورة معلوميّة الوجوب من مذاق الشرع، و ليس المراد هو الوجوب إذا اتّفق حصول العلم بوجود الشرط، فلا يجب الحجّ على ظانّ الاستطاعة و لا على من علّق نذره على شي‌ء، و في ذلك إسقاط لكثير من الواجبات، و لعلّه لذلك قال بعض المحقّقين بالوجوب، و هو قويّ جدّا إن لم يكن إجماع على خلافه «1». انتهى ملخّصا.

أقول: فيه أوّلا: أنّ مقتضى ذلك: الفحص عن جميع الشبهات الموضوعيّة حتّى الطهارة و النجاسة، و هو خلاف الضرورة المستفادة من الأدلّة الكثيرة.

و ثانيا: أنّه مخالف لصريح صحيح زرارة- في باب الاستصحاب- الذي يكون بصدد إعطاء القاعدة الكلّيّة، و فيه بعد السؤال عن النظر إلى الثوب الذي هو من أسهل الأمور قال: «لا، و لكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك» «2».

و ثالثا: أنّ إسقاط كثير من الواجبات الواقعيّة بالنسبة إلى جميع الناس في العصور و الدهور من لوازم جعل الأصول النافية للتكليف و الأمارات الّتي قد تخالف الواقع و قد توافق، و لو كان ذلك محذورا للزم الحكم بوجوب الاحتياط،

______________________________
(1) الجواهر: ج 15 ص 196.

(2) الوسائل: ج 2 ص 1053 ح 1 من ب 37 من أبواب النجاسات.

95
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السابعة عشر حكم الشك في بلوغ النصاب ص 94

..........

و هو حرج ليس فوقه حرج، و هو خلاف ضرورة الشريعة السهلة السمحة، مع أنّه لا محذور فيه إذا لم يلزم مخالفة للعلم الإجماليّ لمكلّف واحد، فإنّ المعروف بينهم الحكم بعدم وجوب الغسل على واجدي المنيّ في ثوب واحد، مع إسقاط ذلك بالنسبة إلى أحدهما، و لا محذور.

نعم، هنا وجهان آخران:

أحدهما: خبر زيد الصائغ الوارد في الدراهم المغشوشة، و فيه:

فإن أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها مثلها فبقيت عندي حتّى حال عليها الحول أزكّيها؟

قال: «إن كنت تعرف أنّ فيها من الفضّة الخالصة ما يجب عليك فيه الزكاة فزكّ ما كان لك فيها من الفضّة الخالصة من فضّة و دع ما سوى ذلك من الخبيث.

قلت: و إن كنت لا أعلم أنّ ما فيها من الفضّة الخالصة إلّا أنّي أعلم أنّ فيها ما يجب فيه الزكاة؟

قال: «فاسبكها حتّى تخلص الفضّة و يحترق الخبيث ثمّ تزكّي ما خلص من الفضّة لسنة واحدة» «1».

و فيه أوّلا: ضعف السند، للجهل بحال زيد و محمّد بن عبد اللّه بن هلال.

و ثانيا: ضعف دلالة الذيل على الوجوب المولويّ، بل لعلّه إرشاد إلى التصفية و السبك حتّى يعلم مقدار الزكاة و يسقط عنه الزكاة في السنوات الآتية، لخروجها عن كونها مسكوكة.

و ثالثا: أنّ الظاهر من الصدر عدم وجوب الاختبار عن ذلك في أصل تعلّق‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 104 الباب 7 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.

96
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السابعة عشر حكم الشك في بلوغ النصاب ص 94

..........

الزكاة، و المبحوث عنه من هذا القبيل.

و رابعا: أنّه لا وجه لقياس الخمس بالزكاة مع ما فيه من التسهيل- المستفاد من أخبار التحليل «1»- و استثناء مئونة الشخص و العيال.

ثانيهما: وجود غير واحد من الإطلاقات الدالّة على وجود الخمس في المعدن، و مقتضاه وجوده فيه قبل الإخراج أيضا، فسقط الخمس في ما أخرجه إلّا أن يكون بحدّ النصاب، فمقتضى الاستصحاب في صورة الشكّ: وجود الخمس فيه.

و الجواب عنه أنّ مقتضى كون جميع الأراضي للإمام و كون المعادن تابعة للأراضي: عدم الخمس في المعادن و مالكيّة المحيي للأرض بالإخراج أو بجهة أخرى أو بالحيازة كما في مثل الملح من المعادن الظاهرة.

و أمّا ما أشير إليه من الإطلاق فمردود بعدم الإطلاق على الظاهر، لأنّ ما فيه السؤال فقرينة السؤال موجبة للاختصاص بصورة الإخراج، لعدم الابتلاء بالمعادن غير المستخرجة، و ما يكون بصدد التعداد فهو يصلح أن يكون قرينة على الإهمال.

هذا، مع أنّ صحيح زرارة في مقام إعطاء الضابطة يعني قوله عليه السّلام:

«ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج اللّه سبحانه منه من حجارته مصفّى الخمس» «2».

و أوضح من جميع الفروض: ما إذا كان الخارج غير بالغ حدّ النصاب قطعا ثمّ احتمل البلوغ لارتفاع القيمة السوقيّة أو لاحتمال ارتفاعها، فإنّ مقتضى الاستصحاب: عدم بلوغ النصاب. هذا إذا كان الشكّ في أصل تعلّق الخمس من جهة بلوغ النصاب.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 378 الباب 4 من أبواب الأنفال.

(2) الوسائل: ج 6 ص 343 ح 3 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

97
کتاب الخمس (للحائري)

الثالث الكنز 1 ص 98

الثالث: الكنز (1).

و أمّا إذا علم بالتعلّق و شكّ في المقدار فهو من المسائل الكلّيّة الّتي لا بدّ من ذكرها بعد أقسام الخمس إن شاء اللّه. و هو الموفّق الهادي.

في الجواهر:

بلا خلاف فيه في الحدائق و الخلاف و ظاهر الغنية أو صريحها، و في المنتهى أنّه بلا خلاف بين أهل العلم، بل إجماعا في الخلاف و التذكرة و ظاهر الانتصار أو صريحه، بل في المدارك: أجمع العلماء كافّة على وجوب الخمس فيه «1»، انتهى مع تغيير ما في العبارة.

أقول: و يدلّ عليه جملة من الأخبار:

منها: صحيح الحلبيّ المرويّ عن الفقيه بإسناده الصحيح الواصل إلى ابن أبي عمير عن حمّاد عنه بطريقين، و رواه الشيخ بإسناده الصحيح عن عليّ بن مهزيار عن ابن أبي عمير، و عن الكافي عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، فالخبر مقطوع الصدور، و فيه:

سأل أبا عبد اللّه عن الكنز كم فيه؟ فقال:

«الخمس» «2».

و منها: صحيح البزنطيّ عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال:

سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز؟ فقال: «ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس» «3».

______________________________
(1) الجواهر ج 16 ص 24.

(2) الوسائل: ج 6 ص 345 ح 1 من ب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 345 ح 2 من ب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

98
کتاب الخمس (للحائري)

الثالث الكنز 1 ص 98

..........

و منها: ما عن المقنعة، قال:

سئل الرضا عليه السّلام عن مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس.

فقال: «ما يجب فيه الزكاة من ذلك بعينه ففيه الخمس، و ما لم يبلغ حدّ ما تجب فيه الزكاة فلا خمس فيه» «1».

و لعلّ مرجعهما إلى رواية واحدة، لوحدة المسؤول عليه السّلام و وحدة الموضوع تقريبا.

و منها: معتبر العيون عن ابن فضّال عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام في حديث:

«كان لعبد المطّلب خمس من السنن أجراها اللّه له في الإسلام». و فيه: «و وجد كنزا فأخرج منه الخمس» «2».

و هو الوارد في وصيّة النبيّ لعليّ عليه السّلام في الفقيه، و فيه:

«و وجد كنزا فأخرج منه الخمس و تصدّق به، فأنزل اللّه وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ» الآية «3».

و منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:

سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: «كلّ ما كان ركازا ففيه الخمس» «4» الحديث.

و في الوافي عن ابن الأثير في حديث الصدقة:

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 346 ح 6 من ب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 345 ح 4 من ب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) المصدر: ح 3.

(4) المصدر: ص 343 ح 3 من ب 3.

99
کتاب الخمس (للحائري)

تعريف الكنز ص 100

[تعريف الكنز]

و هو كلّ مال مذخور تحت الأرض قصدا (1) أو الجدار أو الشجر (2)، بل الظاهر صدقه على المال المذخور و لو كان استتاره من جهة الزلزلة و الخراب (3)، و يحتمل صدقه على ما كان ذخره أيضا من جهة الخراب و نحوه (4). هذا من جهة صدق الكنز و ترتيب أثر الكنز عليه «و في الركاز الخمس».

الركاز عند أهل الحجاز: كنوز الجاهليّة المدفونة في الأرض، و عند أهل العراق: المعادن، و القولان تحتملهما اللغة، لأنّ كلّا منهما مركوز في الأرض أي ثابت، يقال ركزه. إذا دفنه «1».

و قد تقدّم «2» عن البخاريّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّ في الركاز الخمس.

و يدلّ عليه روايات «3».

كما في الشرائع «4»، و في الجواهر عن التنقيح و التذكرة و المنتهى و البيان و الروضة و المسالك «5».

كما في العروة «6»، لأنّ صدقه على ذلك عرفا لا ينبغي أن لا يكون موضع تأمّل كما في المستمسك «7».

و الظاهر من التقيّد بالأرض في كلام الأصحاب و في كلام أهل اللغة هو إرادة المثال، لأنّها الفرد الغالب المعدّ للدفن فيها.

كما يظهر ممّا نقله في الجواهر عن أستاذه «8».

كما يظهر ممّا ذكر، لكنّه غير واضح و إن كان يصدق على المال الذي‌

______________________________
(1) الوافي ج 10 ص 312.

(2) في ص 15.

(3) مثل ما في الوسائل: ج 6 ص 339 ح 2 و 4 و ص 340 ح 9 و ص 341 ح 11 و 12 من ب 2 و ص 344 ح 6 و 7 من ب 3 و ص 346 ح 1 من ب 6 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) ج 1 ص 133.

(5) الجواهر: ج 16 ص 25.

(6) كتاب الخمس، الفصل الأوّل.

(7) المستمسك: ج 9 ص 468.

(8) الجواهر: ج 16 ص 25.

100
کتاب الخمس (للحائري)

تعريف الكنز ص 100

من حيث النصاب مثلا، و أمّا من حيث تعلّق الخمس به فلا يتوقّف على ذلك، بل الظاهر تعلّقه بكلّ ما كان ركازا و واقعا تحت الأرض (1).

في الوعاء و نحوه في الأرض الخربة ممّا كان مشكوكا أنّه كان بقصد ذلك أم لا:

أنّه يكون من مصاديق الكنز، فإنّ القطع بأنّ دفنه تحت الأرض كان عن قصد غير حاصل في الغالب.

كما يدلّ عليه صحيح زرارة المتقدّم «1»، فيشمل جميع الأموال الموجودة تحت الأرض حتّى ما لم يكن له قيمة سابقا و يكون عند الحفر ذا قيمة أغلى من الجواهر- كالأشياء العتيقة- لصدق الركاز عليه.

و لا يعارضه صحيح البزنطيّ المتقدّم «2»:

سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز، فقال: «ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس».

الموجب للاختصاص بالنقدين- حتّى لا يشمل سبائك الذهب- كما في الجواهر عن أستاذه، خلافا لما عن التذكرة و المنتهى و الدروس و البيان، بل قال:

إنّ عبارة الأوّلين تشعر بالإجماع عندنا «3».

وجه عدم المعارضة لما ذكر أمور:

منها: أنّ كون الخمس من حيث الكنز مختصّا بالنقدين لا يدلّ على أنّ الخمس من حيث الركاز أيضا كذلك، فتأمّل.

و منها: احتمال كون «من» في قوله «من الكنز» تبعيضيّة، أي السؤال عن البعض من كلّ كنز يجب فيه الخمس، فإنّ السؤال عن بعض أفراد الكنز بحيث يحتمل أن لا يكون لبعض أفراد الكنز خمس أصلا ممّا لا ينقدح في ذهن السائل بعد وجود الإطلاقات المتعدّدة، بل المظنون أنّ البزنطيّ حيث كان في ذهنه أنّ‌

______________________________
(1) في ص 99.

(2) في ص 98.

(3) الجواهر: ج 16 ص 25.

101
کتاب الخمس (للحائري)

مسألةلا إشكال عندهم في اعتبار النصاب في الكنز 1 ص 102

مسألة: لا إشكال عندهم في اعتبار النصاب في الكنز (1).

المعدن له نصاب فقد سأل عن مثل ذلك في الكنز أيضا.

و منها: أنّ المظنون كون صحيح البزنطيّ متّحدا مع رواية المقنعة المتقدّمة «1»، لوحدة المسؤول عليه السّلام، و هي صريحة في السؤال عن المقدار، و بعد ذلك لا يكون بناء العقلاء على تعدّد الرواية و الحكم بصدور كلا الكلامين عن الإمام عليه السّلام، و احتمال النقص مقدّم عندهم على احتمال الزيادة، إلّا أن يقال: إنّ الحجّيّة ليست محدودة ببناء العقلاء- و إن كان ذلك حكمة لها، كما حرّرناه في الأصول- فمقتضى إطلاق دليل الحجّيّة: صدور الكلامين.

و منها: أنّ تقييد دليل الركاز الشامل لكلّ مال مدفون تحت الأرض أو تقييد الكنز بذلك موجب لإخراج غير واحد من أفراد الكنز.

و منها: أنّ كلمة «مثله» صالح للقرينيّة على أنّ مورد الخمس يكون مماثلا لمورد الزكاة، و يكفي في ذلك المماثلة في المقدار، و لو كان المقصود بذلك النقدين لم يكن موقع لكلمة «مثله»، فإنّه في نفس النقدين تكون الزكاة لا في مثلهما، فالظاهر عدم الاختصاص بالنقدين و وجود الخمس في كلّ ما صدق عليه الركاز، سواء كان مصداقا للكنز أم لا، أو شكّ في صدقه من حيث اعتبار قصد الذخر أو قصد الدفن أو محلّ الدفن أو كون الدافن إنسانا أو كون المال من الذهب و الفضّة أو الجواهر أو يعمّ ما يستخرج بالحفر من العتائق ذات القيمة.

بلا خلاف أجده فيه على ما في الجواهر، قال:

و إن أطلق بعض القدماء، بل في الخلاف و الغنية و السرائر و ظاهر التذكرة و المنتهى و المدارك: الإجماع عليه «2».

______________________________
(1) في ص 99.

(2) الجواهر: ج 16 ص 26.

102
کتاب الخمس (للحائري)

مسألةلا إشكال عندهم في اعتبار النصاب في الكنز 1 ص 102

إنّما الإشكال في أنّ النصاب فيه كنصاب المعدن عشرون دينارا أو يكون ذلك إذا كان ذهبا و يكون مائتي درهم إذا كان فضّة و إذا كان غيرهما فيكفي أحد الأمرين في تعلّق الخمس أو يكفي أحدهما مطلقا، فيه وجوه (1).

أقول: و يدلّ على ذلك ما تقدّم «1» من خبر المقنعة الرافع لإجمال صحيح البزنطيّ المتقدّم «2» إن كان له إجمال.

ففي الجواهر:

أنّ الأوّل معقد إجماع السرائر و التذكرة و المنتهى و المدارك، و أنّ صريح المنتهى و غيره هو الثاني، و أنّ عبارة البيان و المسالك توهم الثالث «3».

و هنا وجه رابع نقله في الجواهر عن الغنية من أنّ:

النصاب فيه: بلوغ قيمته دينارا بدليل الإجماع- قال في الجواهر:- و هو غريب، و دعوى الإجماع أغرب «4».

أقول: يمكن توجيه الوجه الأوّل بأنّ المستفاد من صحيح زرارة المتقدّم «5»:

أنّ الملاك في وجوب الخمس في الكنز هو كونه ركازا، فهو بمنزلة التعليل، كأنّه قال: في المعدن الخمس لكونه ركازا، و من المعلوم: أنّ نصاب المعدن مطلقا بلوغ عشرين دينارا.

لكن فيه: ما ذكرناه سابقا من أنّ التعليل معمّم لا مخصّص، فيمكن أن يكون في الركاز الخمس و يكون في المعدن بما أنّه معدن و لو لم يكن ركازا الخمس أيضا، كما في الملح الوارد فيه أنّه معدن، و إنّما النصاب في ما هو معدن، فتأمّل.

______________________________
(1) في ص 99.

(2) في ص 98.

(3) الجواهر: ج 16 ص 26- 27.

(4) الجواهر: ج 16 ص 26- 27.

(5) في ص 99.

103
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الزائد على النصاب لا يكون معفوا عنه كالزكاة ص 104

و الأخير هو الأحوط إن لم يكن أقوى (1).

مسألة [الزائد على النصاب لا يكون معفوّا عنه كالزكاة]

الظاهر أنّه ليس في الكنز إلّا نصاب واحد، فإذا بلغ إلى ما تقدّم في المسألة السابقة يجب الخمس في المجموع و إن كان زائدا على النصاب، لا أنّه معفوّ عنه كالزكاة حتّى تزيد عليه أربعة دنانير (2).

و يمكن توجيه الثاني بأنّ صدق المماثلة في المقدار مع جميع الخصوصيّات حتّى الإضافة إلى النوع إنّما هو في الذهب عشرون دينارا و في الفضّة مائتا درهم و في غيرهما أحد الأمرين، و السرّ في ذلك حفظ المماثلة في المقدار حتّى من حيث الإضافة إلى النوع الخاصّ أي من حيث الخصوصيّة المقداريّة الحاصلة من الإضافة إلى النوع بقدر الإمكان، و مقتضاه ما ذكر.

و أمّا الوجه الثالث فلعلّه أوضح، فإنّه بعد فرض عدم المماثلة في النوع- لأنّ المفروض في المقام: تعلّق الخمس بكلّ ما يصدق عليه الكنز- ليس المقصود بالمماثلة إلّا المماثلة في المقدار من دون خصوصيّة النوع، و المماثلة في المقدار من حيث الإضافة إلى النوع لعلّها خلاف ما يتفاهم منه عرفا، و مع الشكّ يرجع إلى إطلاق وجود الخمس في الكنوز، فالظاهر أنّ الوجه الثالث إن لم يكن أقوى فهو أحوط.

كما ظهر وجه ذلك ممّا ذكر في بيان مدارك الوجوه الأربعة. و اللّه المتعالي هو العالم.

كما في الجواهر و نقله عن صريح العلّامة و الشهيد و غيرهما، و لكن قال:

إنّ في المدارك أنّه يشكل بأنّ مقتضى الصحيح السابق «1»: مساواة الخمس للزكاة في اعتبار النصاب الثاني كالأوّل «2».

و حلّ ذلك أن يقال: إنّه بعد حمل المماثلة على المماثلة في المقدار فمفادها‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 344 الباب 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الجواهر: ج 16 ص 27.

104
کتاب الخمس (للحائري)

مسألةلا إشكال في عدم اعتبار الحول 1 ص 105

مسألة: لا إشكال في عدم اعتبار الحول (1).

عرفا بلوغ النصاب، و البلوغ يصدق بالنصاب الأوّل.

و على فرض عدم كون مفاده ذلك بل كون مفاده أنّه إذا كان الكنز الموجود بمقدار النصاب ففي مجموعه الخمس، فيصدق ذلك أيضا على صرف وجود النصاب.

و على فرض كون مفاد الدليل أنّ نصاب الخمس كنصاب الزكاة في ما يمكن، فمع وجود دليل تعلّق الخمس بالبالغ إلى حدّ النصاب الأوّل- كثلاثة و عشرين- الحاكم بتعلّق الخمس بمجموع ذلك لا يبقي مجالا للنصاب الثاني، فإنّ النصاب الثاني في فرض عدم وجوب الزكاة في ما بين النصابين، و هذا الفرض غير متحقّق في المقام بدليل تعلّق الخمس.

و الحاصل أنّ الدليل من حيث شموله للنصاب الأوّل الحاكم بتعلّق الخمس بمجموع المال لا يبقي مجالا لشموله للنصاب الثاني إن كان مفاد النصاب الثاني في الفرض عدم الزكاة في ما زاد على العشرين و أنّه تجب إذا بلغ أربعة و عشرين، و إن كان مفاده عدم الزكاة قبل ذلك أصلا و تعلّقها بعد البلوغ إلى أربعة و عشرين فيحصل التعارض بين الاقتضاءين.

و لكنّ الإنصاف أنّه لو فرض المماثلة في النصاب مطلقا فالظاهر منه عرفا:

المماثلة في جميع ما هو من لوازم النصاب من نفي الخمس قبل ذلك و الخمس بعد ذلك، و الجواب الثالث صرف الفرض، و مع الشكّ يرجع إلى دليل الخمس.

قال قدّس سرّه في الجواهر:

قطعا كما صرّح به غير واحد «1».

أقول: كلّ ذلك لما تقدّم «2» من عدم اعتبار المماثلة بين الكنز و متعلّق الزكاة من جميع الجهات، بل الظاهر منه أنّ المقصود هو اعتبارها من حيث المقدار كما تقدّم. «3»

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 28.

(2) في الصفحة السابقة.

(3) في الصفحة السابقة.

105
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام ص 106

مسألة [حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام]

إذا وجد الكنز في أرض دار الحرب أو دار الإسلام و ليس عليه أثره وجب فيه الخمس (1).

هذا. مع أنّ القدر المتيقّن من الأدلّة بحسب مقام التخاطب هو ابتداء وجدان الكنز، فتقييد إطلاق سائر الروايات مشكل جدّا، فإذا قال: «إذا وجدت عالما فيجب عليك إكرامه» فإخراج حول منه مشكل جدّا.

كما في الشرائع «1». و قال قدّس سرّه في الجواهر:

إنّه إن وجد في أرض الحرب و لو كانت ملكا لواحد بالخصوص، بل و في دار الإسلام إذا كانت مباحة أو لم تكن ملكا لواحد من المسلمين بالخصوص، كالمعمور من المفتوح عنوة و لم يكن عليه أثر الإسلام- من سكّة و نحوها- فلا خلاف أجده في وجوب الخمس على واجده و ملكيّة الباقي لواجده، المنفيّ عنها الخلاف في الحدائق على البتّ في الأوّل و الظهور في الثاني «2». انتهى ملخّصا.

أقول: الوجه في ذلك أمور:

الأمر الأوّل: إطلاق أدلّة الكنوز الظاهر في كون الباقي للواجد بلا إشكال.

و تقريب الإطلاق بوجهين:

أحدهما: أنّه ليس المفروض في دليل الكنوز خصوص ما فرض ملكيّته للواجد من جهة أخرى، فإنّ الكنز الذي كنزه بنفسه مثلا و أدّى خمسه قبل ذلك أو لم يكن فيه خمس- بأن كان من قبيل الميراث- لا خمس فيه بحسب الظاهر، و ليس ذلك من جملة الغنائم، و ذلك خارج عن منصرف دليل الكنوز، فمقتضى ذلك أنّ الكنوز غير المعلوم مالكها ليس فيها إلّا الخمس، و لو كان الواجب على‌

______________________________
(1) ج 1 ص 133- 134.

(2) الجواهر: ج 16 ص 28.

106
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام ص 106

..........

الواجد لمثل ذلك إعطاء الكلّ لما كان عليه الخمس الذي هو الكسر المشترك، بل كان عليه الجميع لكن كان مصرفه مختلفا، و هذا هو الإطلاق اللفظيّ الثابت للفظ الخمس الذي هو الكسر المشترك.

ثانيهما: الإطلاق المقاميّ، فلو فرض كون الخمس ظاهرا في خصوص المصطلح الفقهيّ- أي ما يتعلّق به حقّ السادة و الإمام عليه السّلام- فلا ريب أنّه كان ينبغي بيان حكم باقي المال في هذا المقام، فالحكم بإعطاء الخمس و عدم التنبيه على لزوم التصدّق بباقي المال دليل عرفا على عدم لزوم ذلك و على كونه لواجده.

الأمر الثاني: أصالة عدم تعلّق يد المسلم على المال، و الذي يكون موضوعا للاحترام ما جرت عليه يد المسلم أو من بحكم المسلم- و هو الذمّيّ- بعنوان التملّك.

إن قلت: مقتضى التوقيع الوارد من الحجّة عليه آلاف التحيّة و الثناء «لا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه» «1»: عدم جواز التصرّف في مال الغير و قد خرج عنه الكافر الحربيّ، و مقتضى الأصل: عدم تملّك الكافر الحربيّ له، فهو مال لغيره بقرينة الدفن للذخر، و ليس ملكا للكافر الحربيّ بالأصل، فلا يجوز التصرّف فيه.

قلت: قال قدّس سرّه في الجواب عن ذلك في المستمسك:

أوّلا بأنّه يرجع إلى أصالة الإباحة.

و ثانيا بأنّ الظاهر أنّ التقابل بين الكفر و الإسلام هو تقابل العدم و الملكة، و حينئذ يكون موضوع التوقيع مال المسلم لا مال من ليس بكافر، و حينئذ‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 309 ح 4 من ب 1 من أبواب الغصب.

107
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام ص 106

..........

يمكن الرجوع إلى أصالة عدم الإسلام.

و إن شئت قلت: المستفاد ممّا ورد في الإسلام و أحكامه: انحصار عصمة المال بالإسلام و الذمام، فأصالة عدمهما تقتضي عدم العصمة و جواز التملّك «1».

هذا. و لكن فيه مواقع للمناقشة:

الأوّل: في التمسّك بأصالة الإباحة مع أنّ مقتضى الأصل مع قطع النظر عن الأصل الآتي: عدم حصول الملكيّة له، لأنّه إن كان للكافر الحربيّ يجوز تملّكه و إلّا فلا يجوز، فالأصل عدم حصول الملكيّة له حتّى يجوز له التصرّف، فتأمّل.

الثاني: أنّه بعد فرض كون الكفر هو عدم الإسلام لا يصير موضوع التوقيع الشريف في مقام الحجّيّة ما ذكر، بل يصير موضوعه عدم جواز التصرّف في مال من لا يكون غير مسلم، فالخارج من العامّ مال الغير المضاف إلى الكافر الذي هو غير مسلم بالفرض، و المال المضاف إلى من ليس بمسلم أمر وجوديّ، و الأصل عدم إضافة من ليس بمسلم إلى المال، فمقتضى الأصل بضمّ الوجدان: عدم الجواز، إذ كون المال مال الغير معلوم، و كون المال ملكا لشخص يكون كافرا- أي لا مسلما- غير معلوم مسبوق بالعدم.

الثالث: أنّ ما ذكره من أنّ مقتضى الأصل عدم الإسلام لا ينطبق على ما ذكره في بيان موضوع التوقيع، فإنّ الأصل عدم كون المال مالا للمسلم، لا أصالة عدم إسلام من كان مالكا للمال، لأنّ الموضوع للأثر على ما فرضه: عدم كون المال للمسلم، لا كون المال لغير المسلم.

و الأصل المذكور يناسب ما قرّرناه في موضوع التوقيع بأن يكون موضوع‌

______________________________
(1) المستمسك: ج 9 ص 470.

108
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام ص 106

..........

الجواز هو المال المضاف إلى من ليس بمسلم، فيقال: إنّ الأصل عدم إسلام من كان مالكا للمال.

و هو مورد للمناقشة، من جهة أنّه ليس له حالة سابقة مع وجود الشخص، إذ لعلّ صاحب الكنز كان من أوّل تكوّنه مسلما بالتبعيّة.

و دعوى «أنّ الإسلام بالتبعيّة قد زالت بالبلوغ، و الإسلام بالشهادتين مشكوك الوجود، فالأصل عدمه» مدفوعة بأنّه يكفي التبعيّة في الحكم بالإسلام حتّى بعد البلوغ، و إلّا لم يجز معاملة الإسلام مع أطفال المسلمين بعد البلوغ إلّا بعد سماع الشهادتين منهم بعد ذلك، و هو خلاف السيرة القطعيّة الإسلاميّة.

و احتمال «جريان أصالة عدم الإسلام من باب جريان استصحاب العدم الأزليّ» مدفوع أيضا بأمور:

منها: أنّ الظاهر عدم الجريان في جميع الموارد. و عمدة الإشكال أنّ العدم بعدم الموضوع غير العدم مع فرض وجود الموضوع عرفا، فاتّحاد القضيّة المتيقّنة و المشكوكة ليس محرزا.

و منها: أنّه مع الغضّ عن ذلك نقول في المقام: إنّ العدم في المقام إنّما هو العدم الذي من شأنه الوجود، فإذا لم يكن في الدنيا شخص أصلا يقال: إنّه ليس في العالم إسلام لكن لا يقال: إنّ الكفر محيط بالعالم، فالكفر هو عدم الإسلام الذي يكون من شأنه الوجود.

و منها: أنّ الخارج من الدليل المذكور ملك الكافر، و الكافر هو المتّصف بذلك العدم و ليس صرف عدم الاتّصاف، و الاتّصاف بالعدم محتاج إلى الموضوع، فلا حالة سابقة له.

و منها: معارضة الاستصحاب المذكور- على فرض جريانه- باستصحاب عدم كون هذا المال لمن لا يكون مسلما.

109
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام ص 106

..........

لكن يمكن دفع إشكال المعارضة بحكومة استصحاب بقاء القيد بضمّ قيام الوجدان على استصحاب عدم القيد، فيقال: إنّ إضافة هذا المال إلى الغير معلوم، و الأصل عدم كون ذلك الغير مسلما، فيحكم بأنّ هذا ملك لغير المسلم، فلا شكّ في أنّه ليس عدم كون ذلك المال لغير المسلم صادقا، لصدق نقيضه.

و الدليل على تلك الحكومة صحيحا زرارة «1» الواردان في الاستصحاب، فإنّ استصحاب بقاء الوضوء أو الطهارة من الخبث معارض لاستصحاب عدم تحقّق الصلاة المقرونة بالطهارة.

فيستخرج من ذلك ما يتلى عليك من القواعد:

الاولى: تقدّم الأصل السببيّ على المسبّبيّ.

الثانية: عدم كون الملاك في التسبّب إلّا رفع الشكّ حكما من جانب أحد الأصلين دون العكس، لا كون أحد الأصلين جاريا في الموضوع و الآخر في الحكم كما ربما يخطر بالأذهان.

الثالثة: عدم حجّيّة الأصل المثبت، و إلّا كان أصل عدم تحقّق الصلاة المقيّدة بالطهارة حاكما بعدم الطهارة و رافعا للشكّ.

الرابعة: كون استصحاب بقاء القيد مقدّما في جميع الموارد على استصحاب عدم المقيّد بما هو مقيّد إذا كان منشأ الشكّ بقاء القيد.

الخامسة: أنّ الاستصحاب المحرز للقيد و المحرز للمقيّد في عرض واحد، و هو كذلك عقلا، فإنّ استصحاب مجموع القيد و المقيّد متضمّن لإثبات القيد من دون اللزوم العقليّ، كما أنّ استصحاب القيد أيضا كذلك.

______________________________
(1) الوسائل: ج 1 ص 174 ح 1 من ب 1 من أبواب نواقض الوضوء و ج 2 ص 1053 ح 1 من ب 37 من أبواب النجاسات.

110
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام ص 106

..........

و الوجه في استفادة ذلك من الصحيحين «1» الاستناد إلى اليقين بالوضوء في الأوّل و اليقين بالطهارة في الثاني من دون الاستناد إلى اليقين بعدم الحدث أو عدم وصول النجاسة، و الاستناد إليه لأنّه عين الموضوع، و لا وجه للاستناد إلى استصحاب جزء الموضوع، فإنّ الاستناد إلى ما هو عين الموضوع في الكلام أقرب في مقام المحاورة، و لذا لا يدلّ على عدم صحّة استصحاب عدم الحدث.

و من ذلك يظهر الإشكال في تقدّم قاعدة التجاوز على الفراغ في المتوافقين على شي‌ء واحد- كما كنّا نصير إليه سابقا- إذا كان مفاد قاعدة الفراغ تحقّق المجموع، لا الصحّة بمعنى سقوط الأمر.

و قد خرجنا عن البحث الفقهيّ لتوضيح مسائل أصوليّة تستفاد من صحيحي زرارة من دون الاحتياج إلى التجشّم، و قد أشرنا إلى بعض ذلك في الأصول و قد سنح بعضه الآخر للخاطر القاصر بعون الملك القادر و إلهامه في طيّ ذلك.

و ممّا ذكر يظهر دفع إشكال أنّ صحيح زرارة دالّ على عدم تقدّم الأصل السببيّ على المسبّبيّ كما قرّره بعض علماء خراسان- رحمه اللّه تعالى- من جهة عدم الاستناد إلى أصالة عدم الحدث في الصحيح.

و وجه الدفع عدم التسبّب بينهما، بل كلّ منهما صالح لرفع الشكّ عن الآخر.

و الاستفادات المذكورة المطابقة للاجتهاد الدقيق من الصحيح المذكور شبه المعجزة للإمام عليه و على آبائه و أبنائه الصلاة و السلام.

الرابع: أنّ ما ذكره في المستمسك من انحصار العصمة بالإسلام و الذمام لا يقتضي كون الملاك لجواز التصرّف عدم كون ذلك المال للمسلم، بل يحتمل‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 1 ص 174 ح 1 من ب 1 من أبواب نواقض الوضوء و ج 2 ص 1053 ح 1 من ب 37 من أبواب النجاسات.

111
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام ص 106

..........

أن يكون الملاك كون ذلك المال للكافر، فإنّ ما ذكره ليس إلّا مقتضى عدم جواز التصرّف في مال المسلم و الذمّيّ، و جوازه في مال الكافر الذي يكون غيرهما إمّا لكون الملاك لجواز التصرّف هو الكفر أو عدم كون المال للمسلم.

مع أنّ في الانحصار المذكور إشكال- قد تقدّم في بحث الغنائم «1»- من جهة أنّ ما ذكروه أو يكون ظاهر كلامهم- من كون كلّ غير ذمّيّ و غير معاهد كافرا حربيّا- غير معلوم، فإنّ عدّ بلاد الكفر الّتي لم تقع من جانب السلطان العادل أو من ينوب منابه موردا للدعوة إلى الإسلام و التخيير بين الحرب أو الإسلام أو الجزية من أرض الحرب من جميع الجهات حتّى يقال: «إنّه يصحّ السرقة من البلاد المذكورة» غير واضح بالنسبة إلى الأموال، و إن كان يمكن القول به بالنسبة إلى استرقاق الأشخاص و حملهم إلى بلاد المسلمين، فراجع ما تقدّم في الغنائم «2».

هذا. مع أنّه على الفرض المذكور فمقتضى الاعتبار مانعيّة الكفر عن تأثير الأسباب المشروعة العقلائيّة في صيرورة المال ملكا طلقا للكافر الحربيّ، لا شرطيّة الإسلام، فإنّ الحيازة و الإحياء و البيع و الشراء في الأسباب العقلائيّة مقتضية لعدم جواز تصرّف الغير فيه إلّا بإذنه، فالكفر مانع بحسب الأدلّة، فإنّ الاعتبار العقلائيّ بمنزلة المقتضي بل هو المقتضي بعد عدم الردع من الشارع، و الردع في الكافر مانع لا أنّ الإسلام شرط و دخيل في حصول المقتضي. فافهم و تأمّل.

و على فرض الشكّ في أنّ الأصل الجاري هل هو عدم كون هذا المال للمسلم أو عدم كون هذا المال للكافر فيرجع إلى أصالة عدم حصول الملكيّة.

إن قلت: يشكل جريان الأصل المذكور إذا وجد الكنز في بلاد الإسلام أو‌

______________________________
(1) في ص 38.

(2) في ص 38.

112
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام ص 106

..........

كان عليه أثر الإسلام، فإنّ الظاهر أن يكون الدفينة للمسلم، كما يومئ إلى الأوّل ما ورد من حلّيّة الجلود المتّخذة من بلاد كان الغالب عليها المسلمين «1»، فكأنّه لحجّيّة الغلبة المذكورة، و يدلّ على الثاني أنّ الأثر دليل على وقوع يد المسلم عليه.

قلت: إنّما قام الدليل على حجّيّة الغلبة في الجلود الّتي كانت موردا لابتلاء المسلمين و المظنون أنّه وقع عليه يد المسلم و أحرز تذكيته، بخلاف الكنوز المظنون كونها قبل ذلك في العصور الاولى، و أمّا الأثر في الدراهم السابقة فلم يكن طبعه بحيث يكون دليلا قطعيّا على جري يد المسلم عليه.

الأمر الثالث الذي استدلّ به على المدّعى: صحيحا محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام «2» ففي الأوّل- الذي هو أقرب الى الصحّة بحسب المتن- قال:

سألته عن الدار يوجد فيها الورق، فقال: «إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم، و إن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالّذي وجد المال أحقّ به».

و فيه: أنّ الظاهر منه غير المدفون تحت الأرض، و إلّا لذكره، لاحتمال دخالته في الحكم، و لقوله: «إن كانت معمورة فيها أهلها»، فإنّه لا يمكن العثور على الكنز في الدار المعمورة الّتي فيها أهلها إلّا أن يكون حافرا للبئر مثلا، و هو من الأفراد النادرة، و لعدم الإشارة إلى وجوب الخمس.

و قد يردّ ذلك بمعارضته لموثّق محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:

«قضى عليّ عليه السّلام في رجل وجد ورقا في خربة أن يعرّفها، فإن وجد من يعرفها، و إلّا تمتّع بها» «3».

______________________________
(1) الوسائل: ج 2 ص 1072 ح 5 من ب 50 من أبواب النجاسات.

(2) الوسائل: ج 17 ص 354 ح 1 و 2 من ب 5 من أبواب اللقطة.

(3) الوسائل: ج 17 ص 355 ح 5 من ب 5 من أبواب اللقطة.

113
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام ص 106

..........

و الظاهر منه أنّه ليس من الكنز، فالخبران خارجان عن محلّ البحث.

و على فرض كون الأوّل أعمّ من الكنز فلا ريب أنّ مورد الثاني هو غير الكنز، لأنّ الورق إن كان هو الدرهم فالظاهر أنّه وجد درهما واحدا، لكن مقتضى اللغة أنّه الدراهم، و التنكير دليل على وجدان دراهم معدودة، و هي ليست كنزا قطعا.

و على فرض التعارض المتراءى- سواء كانا شاملين للكنز أو غير شاملين له أو كان الأوّل شاملا دون الأخير- فالجمع بينهما عرفا بحمل الثاني على إمكان إيصال المال إلى صاحبه، لأنّ التعريف طريق إلى الإيصال، و هو لا يمكن إلّا في فرض احتمال العثور على صاحبه، و بذلك يقيّد الأوّل إن كان مطلقا، فإنّه يمكن منع الإطلاق لظهور قوله «قد جلا عنها أهلها» في اليأس عن العثور على مالك الدراهم.

فحمل الأوّل على غير ما يوجد في أرض الإسلام و كان عليه أثر الإسلام و الثاني على الجامع للأمرين- كما يظهر من الجواهر احتمال ذلك وجها للتفصيل الآتي- لا شاهد له كما فيها، بل الظاهر أنّ الشاهد على خلافه، فإنّ في الأوّل يكون السائل محمّد بن مسلم و هو لا يسأل عمّن يسافر إلى بلاد الكفر، فالقدر المتيقّن من سؤاله ما كان في بلاد الإسلام و عليه أثر الإسلام، كما أنّ الظاهر من خبر محمّد بن قيس: عدم أثر الإسلام عليه، لأنّه لم يكن في عصر الأمير عليه السّلام سكّة إسلاميّة على ما هو المسلّم عندهم.

كما أنّ الجمع بينهما كما في الجواهر «1» «بحمل الثاني على ما لو كان الخربة لمالك معروف أو على ما إذا كان الورق غير مكنوز و حمل الصحيح على المكنوز» ممّا لا وجه له أصلا، إذ- مضافا إلى أنّه بلا شاهد مع وجود الجمع العرفيّ- قد‌

______________________________
(1) ج 16 ص 30.

114
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام ص 106

إذا كان في الأراضي الموات أو في المحياة بإحياء الواجد (1).

و كذا في الأراضي المفتوحة عنوة الّتي ليست ملكا لواحد من المسلمين (2) و لكن لا يخلو ذلك من إشكال، و الأحوط عدم التصرّف ذكرنا أنّ كلا الخبرين ظاهران في غير المكنوز، و لو كان للخربة مالك معروف لكان الأولى الحكم بالرجوع إليه و تعريفه إيّاه أوّلا.

و الحاصل أنّ العمدة في المقام هو إطلاق دليل الكنوز المؤيّد بأخبار اللقطة الدالّة على جواز التملّك إذا حصل اليأس عن العثور على صاحبه «1»، و من المعلوم أنّ المنصرف إليه في الكنوز أيضا هو صورة حصول اليأس عن صاحبه.

هذا. مضافا إلى ما تقدّم «2» من ظهور الإجماع على الصورة الّتي تقدّمت في المتن.

كما صرّحوا بذلك، و وجهه واضح.

على ما تقدّم في صدر المسألة «3» في معقد نفي خلاف صاحب الجواهر.

لكن يشكل في ما إذا علم أنّه كان الكنز موجودا تحت الأرض قبل الفتح، للعلم بعدم كونه ملكا للواجد، فإنّه إن كان من قبيل المنقول كان للغانمين و إن كان من قبيل غير المنقول كان للمسلمين.

و يمكن الجواب بأنّه ليس ممّا يغتنم، و أنّ «كلّ ما ينقل و لكن ليس ممّا يصلح للاغتنام يكون ملكا للغانمين» غير واضح. و أمّا ملك المسلمين فإنّما هو الأرض و ما هو تابع لها و كذا البناء، و لا دليل على غير ذلك.

و يمكن دفع الإشكال أيضا بأنّ مالكيّة المسلمين مدفوعة بإطلاق دليل الخمس.

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 349 الباب 2 من أبواب اللقطة.

(2) في ص 106.

(3) في ص 106.

115
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام ص 106

فيه (1).

و الظاهر أنّه لا فرق في ما ذكر بين ما تقدّم و ما كان في أرض الإسلام و كان عليه أثره (2)، بل و لو علم أنّه فعلا يكون لمسلم مجهول و لكنّه يشكل بانصراف دليل الكنز إلى ما ليس له مالك معلوم، و المفروض أنّ يد المسلمين على الأرض، و هي تدلّ على الملكيّة.

و أمّا ما ذكرناه من عدم الدليل فهو غير واضح.

و أشكل منه ما إذا كانت الأرض موردا لإجارة الغير و احتمل كون الكنز له، من حيث استقرار يد المستأجر عليها، فالمسألة مشكلة عندي، و الأحوط عدم التصرّف فيه.

لما عرفت في التعليق المتقدّم.

وفاقا للخلاف و السرائر و المدارك و ظاهر إطلاق المفيد و المرتضى، و خلافا لما عن الفاضلين و المبسوط فإنّه لقطة، بل في التنقيح أنّ عليه الفتوى.

هذا كلّه على ما في الجواهر و قد قوّاه أيضا «1».

و هو الأقوى بحسب الظاهر، لإطلاق دليل الخمس الظاهر في كون الباقي لواجده. و وجوب الإيصال إلى صاحبه غير فعليّ عند اليأس عن ذلك و لو كان مثل اللقطة، بناء على ما أفتوا به من جواز التملّك عند اليأس و دلّ عليه بعض الروايات الواردة في الباب الأوّل من أبواب اللقطة في الوسائل «2»، و لا يعارضه ما تقدّم «3» من موثّق محمّد بن قيس الدالّ على وجوب التعريف، لما تقدّم «4».

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 29.

(2) ج 17 ص 347.

(3) في ص 113.

(4) في ص 114.

116
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام ص 106

لا يتمكّن من الإيصال إليه من جهة الجهل به (1).

وفاقا لما قوّاه في الجواهر في آخر كلامه، و بعد ما استظهر في أوّل كلامه اتّفاق الأصحاب على إرادة غير المعلوم كونه للمسلم، كما يومئ إليه التفصيل بأثر الإسلام و عدمه، قال:

و إن لم نجنح إلى ذلك التفصيل لأعمّيّة الأثر من ذلك «1».

و ظهر في طيّ كلامه وجوه أخر، منها كونه من اللقطة. و منها رجوع أمره إلى الحاكم. و منها كونه من مجهول المالك فيتصدّق به «2».

أقول: فهنا وجوه أربعة:

أمّا الأوّل فلإطلاق أدلّة الكنوز.

و أمّا الثاني فلشمول أخبار اللقطة له من حيث إنّ موضوعها مطلق المال المجهول مالكه و لو بإلقاء خصوصيّة الضياع.

و يردّه عدم الدليل على إلقاء خصوصيّة الضياع المأخوذ في موضوع اللقطة عرفا.

لكنّ الظاهر إلقاء الخصوصيّة و إنّما يجب التعريف في فرض إمكان العثور على صاحبه، و منصرف الكنز غير ذلك المورد، و أمّا وجوب التصدّق بعد اليأس فليس متعيّنا في اللقطة، بل يدلّ بعض الأخبار «3» على جواز التملّك، فيمكن أن يكون الحكم في مقام الثبوت أنّه في اللقطة يتخيّر بين الأمور الثلاثة من دون إعطاء الخمس، و في الكنز يملك و يؤدّي خمسه، فلا يمكن الحكم بالتخيير من جهة إلقاء الخصوصيّة.

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 30.

(2) الجواهر: ج 16 ص 30.

(3) الوسائل: ج 17 ص 349 الباب 2 من أبواب اللقطة.

117
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم وجدان الكنز في دار الحرب أو دار الإسلام من دون أن يكون عليه أثر الإسلام ص 106

..........

و أمّا الثالث فلعلّه من باب أنّه ملحق بمال من لا وارث له، فهو للإمام عليه السّلام فيرجع إلى نائبه، أو يحتمل أن يكون كذلك فيرجع إليه أيضا، أو يكون ذلك مقتضى عدم وارث لمن دفن المال غير أبويه و أجداده و قد علم بموتهم، فهو محكوم بأنّه مال من لا وارث له.

و هو أيضا مردود بإطلاق دليل الكنوز، كما لا يخفى.

و أمّا الأخير فمدفوع أيضا بعدم وضوح إطلاق يدلّ على التصدّق في جميع ما يصدق عليه أنّه مجهول المالك، و على فرض وجوده فلا ريب أنّ إطلاق دليل الكنوز مخصّص له، لأنّ جميع الكنوز مجهول مالكه، فالأوّل هو الأصحّ، و هو العالم.

و أمّا موثّق إسحاق الآتي «1» في الذي يوجد في بيوت مكّة ممّا يحتمل أن يكون قابلًا للفحص عن اليد السابقة عليه و الحكم بالتصدّق بعد عدم معرفة صاحب اليد الاولى، فهو أجنبيّ عن المورد.

مع أنّه في بيوت مكّة، و يمكن الفرق بين الذي يوجد في الحرم و الحلّ كما ورد الفرق في لقطته «2».

مع أنّه في الأرض المفتوحة عنوة الّتي قد عرفت الإشكال فيها «3».

و أمّا احتمال «انصراف الكنوز إلى ما يحتمل عدم جري يد المسلم عليه، لكون الروايات وردت في صدر الإسلام، و الاحتمال كان في العصر المذكور قويّا» فيدفعه أنّ القضايا كادت أن تكون صريحة في القضايا الحقيقيّة، دون الخارجيّة.

______________________________
(1) في ص 120.

(2) الوسائل: ج 17 ص 368 ح 2 من ب 17 من أبواب اللقطة.

(3) في ص 115.

118
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 1 حكم ما إذا وجد الكنز في ملك مبتاع ص 119

المسألة 1 [حكم ما إذا وجد الكنز في ملك مبتاع]

لو وجده في ملك مبتاع و يعلم بجري يده عليه و لا يكون متأخّرا عنه عرّفه البائع بلا إشكال (1). هذا إذا جرت يد المشتري على الكنز.

بل و لا خلاف في ما إذا كان عليه أثر الإسلام، و ظاهر المشهور عدم الفرق بينه و بين ما إذا لم يكن عليه أثر الإسلام. و في التذكرة و المنتهى اختصاص التعريف بالأوّل، و أمّا الثاني فهو لواجده أو لقطة كما في الجواهر «1».

و الظاهر عدم الفرق، كما هو المنسوب إلى المشهور.

و يستدلّ على ذلك بأمور:

منها: اليد. و سقوط ظهورها من باب الإقدام على البيع الدالّ على عدم الاطّلاع لا يسقطها عن الحجّيّة، لاحتمال النسيان أو كون الدفن من أبيه له أو من زوجته المتوفّاة الراجع إليه.

و كون الحكمة في حجّيّة اليد هي الظهور لا يوجب أن تكون الحجّيّة دائرة مدار الظهور، كيف! و قد ورد حجّيّة اليد و لو كانت البيّنة على خلافها و كانت متعارضة لبيّنة اخرى «2»، و قد ورد أيضا في المعتبر جواز اشتراء من يدّعي أنّه حرّ إذا كان بيد من يدّعي ملكيّته «3»، و يشترون العقلاء من اللصّ ماله إذا احتمل كونه مالا له و لم يكن في البين علم إجماليّ في محلّ الابتلاء.

و منها: موثّق إسحاق بن عمّار، قال:

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 31- 32.

(2) الوسائل: ج 18 ص 182 ح 2 و 3 من ب 12 من أبواب كيفيّة الحكم و أحكام الدعوى.

(3) الوسائل: ج 13 ص 30 الباب 5 من أبواب بيع الحيوان.

119
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 1 حكم ما إذا وجد الكنز في ملك مبتاع ص 119

..........

سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن رجل نزل في بعض بيوت مكّة فوجد فيه نحوا من سبعين درهما مدفونة، فلم تزل معه و لم يذكرها حتّى قدم الكوفة كيف يصنع؟

قال: «يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها».

قلت: فإن لم يعرفوها؟ قال: «يتصدّق بها» «1».

بناء على أنّه من الكنز و إن أشكل فيه كما تقدّم «2».

و لعلّ الأصحّ أنّه إن كان نحوا من سبعين درهما يجب فيه تعريف أهل المنزل الذي لا خصوصيّة لهم إلّا كون المال في منزلهم، فالكنز الذي هو أكثر أولى بلزوم التعريف. نعم، فيه إشكال من جهة أنّه في مورد الرواية لم تقع قرينة قبل التعريف على عدم اطّلاع ذي اليد، و في مورد البحث يكون بيع صاحب اليد قرينة على عدم الاطّلاع.

و يمكن الاستدلال بقوله «لعلّهم يعرفونها» فإنّه بمنزلة التعليل و إنّه إذا احتمل العثور على صاحب المال فلا بدّ من التعريف، و هذا التقريب لا يخلو عن وجه.

و منها: صحيحا محمّد بن مسلم المتقدّمان «3» الدالّان على إعطاء الورق إلى أهل الدار و أنّه لهم.

لكنّ الاستدلال بذلك خال عن السداد، لورودهما في غير الكنز كما تقدّم «4»، و اليد الواقعة على المال الخارجيّ الموجود في الدار أقوى من اليد على تحت الأرض، مضافا إلى عدم قرينة على عدم اطّلاع أهل الدار، بخلاف المقام.

و منها: صحيح عبد اللّه بن جعفر، قال:

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 355 ح 3 من ب 5 من أبواب اللقطة.

(2) في ص 114.

(3) في ص 113.

(4) في ص 113.

120
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 1 حكم ما إذا وجد الكنز في ملك مبتاع ص 119

و أمّا إذا لم يتصرّف فيه مع وجدانه له فلا دليل على وجوب التعريف، كما في اللقطة الّتي لا يتصرّف فيها (1).

كتبت إلى الرجل عليه السّلام أسأله عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للأضاحيّ، فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة لمن يكون ذلك؟

فوقّع عليه السّلام: «عرّفها البائع، فإن لم يكن يعرفها فالشي‌ء لك رزقك اللّه إيّاه» «1».

و لا يبعد صحّة الاستدلال به بإلقاء الخصوصيّة، من جهة اشتراكه للمبحوث عنه من جهة قيام القرينة القطعيّة على عدم اطّلاع البائع و من جهة عدم قوّة اليد عليه، بل عدم جعل الصرّة في بطن البقرة هنا من طرف البائع معلوم، بخلاف مورد البحث، إذ من الممكن أنّ ادّخاره كان من البائع ثمّ عرض له النسيان.

و منها: ما دلّ على وجوب التعريف في اللقطة «2»- الّتي هي أقلّ من الكنز بحسب الأغلب- في موارد احتمال العثور على صاحبها، و لا ريب أنّه لا مورد أقرب احتمالا للعثور على صاحبه من البائع، إذ من المحتمل عرفان ذلك بعد التعريف، لوجود علامة في الكنز يدلّ على كونه لمورّثه أو لمن أوصى له أو كان المدّخر له هو بنفسه فنسي من جهة طول الزمان أو هو ينفي عن نفسه و يعرف من اشترى منه أو من انتقل منه إليه بدون الاشتراء، فوجوب تعريف البائع إن تصرّف فيه المشتري و جرت يده عليه ممّا لا إشكال فيه.

لعدم لزوم أداء مال ليس في يده إلى الغير، و قد ورد في اللقطة النهي عن التعرّض لها «3» مع أنّ احتمال الضياع عن صاحبه قويّ.

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 358 ح 1 من ب 9 من أبواب اللقطة.

(2) الوسائل: ج 17 ص 349 الباب 2 من أبواب اللقطة.

(3) الوسائل: ج 17 ص 347 الباب 1 و ص 349 الباب 2 من أبواب اللقطة.

121
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 2 لو احتمل عدم جري يد البائع عليه ص 122

المسألة 2: لو احتمل عدم جري يد البائع عليه

بأن احتمل أنّ ادّخاره كان بعد الاشتراء منه- فالظاهر أيضا وجوب تعريف البائع (1)، و كذا لو وصل في من انتقل منهم الدار إلى من يحتمل عدم جري يده عليه (2).

و احتمال «لزوم التصرّف في الكنز لأداء خمسه إلى صاحبه» مدفوع بدليل النصاب الظاهر أو الصريح في عدم الوجوب إلّا إذا أخرج منه بمقدار النصاب، و ليس المقصود بلوغ الكنز بحدّ النصاب، فإنّ بلوغ الكنز إلى المبلغ المذكور مأخوذ في الكنز عرفا، فالاشتراط المذكور كاللغو، مع أنّه لو فرض كون الخمس فيه قبل التصرّف فلا دليل على وجوبه على الواجد غير المتصرّف.

خلافا لصاحب المدارك «1»، لعدم معلوميّة جري اليد السابقة عليه.

لكنّ الظاهر وجوب تعريف البائع من باب احتمال أن يكون له أو يعرف المالك.

و يدلّ على ذلك عموم «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» «2»، و ما ورد في اللقطة من وجوب التعريف «3»، و الكنز أولى بذلك، لكونه مالا كثيرا، و أخبار الكنز منصرفة قطعا إلى ما لا يمكن العثور على مالكه عادة، كما لا يخفى.

و لا يخفى اختصاص ذلك أيضا بمن تصرّف في الكنز، كما تقدّم في المسألة المتقدّمة.

لما تقدّم في التعليق السابق من الوجه.

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 34.

(2) المستدرك: ج 14 ص 7 ح 12 من ب 1 من أبواب الوديعة.

(3) الوسائل: ج 17 ص 349 الباب 2 من أبواب اللقطة.

122
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 3 حكم ما إذا قطع بجري يد البائع على الكنز ص 123

المسألة 3 [حكم ما إذا قطع بجري يد البائع على الكنز]

في صورة القطع بجري يد البائع عليه فهل يؤدّي إليه إلّا إذا نفاه عن نفسه أو إذا ادّعاه أو إذا عرفه أو إذا لم ينكره بالنفي أو الترديد؟ وجوه، لعلّ الأظهر هو الأخير (1).

أمّا الأوّل فهو الذي قال قدّس سرّه في الجواهر إنّه: «قد يدّعى أنّه محكوم بملكيّته له ما لم ينفه عن نفسه» «1» من غير ردّ عليه.

و الوجه في ذلك إطلاق دليل حجّيّة اليد. و قد يستدلّ بما تقدّم «2» من صحيح محمّد بن مسلم، لقوله عليه السّلام: «فهي لهم».

و أمّا الثاني فهو الذي يظهر من صاحب مصباح الفقيه اختياره «3»، و هو معقد إجماع المنتهى أيضا على ما في الجواهر «4»، بمعنى أنّ كونه له مع دعواه إجماعيّ، بخلاف غير صورة الدعوى، فإنّه لا يكون موردا للإجماع و إن لم يكن إجماع على خلافه أيضا.

و الوجه في ذلك أمران:

أحدهما: دعوى أنّ اليد المقرونة بالبيع الذي هو قرينة على عدم الاطّلاع لا تكون لها ظهور إلّا بضمّ الدعوى، كما في المصباح «5».

و فيه ما مرّ «6» في صدر المسألة الاولى من إطلاق حجّيّة اليد و عدم دورانه مدار الظهور الفعليّ.

ثانيهما: ما دلّ على حجّيّة قول المدّعي الذي لا معارض له، كما في معتبر منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 31.

(2) في ص 113.

(3) مصباح الفقيه: ج 3 ص 120.

(4) الجواهر: ج 16 ص 31.

(5) ج 3 ص 120.

(6) في ص 119.

123
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 3 حكم ما إذا قطع بجري يد البائع على الكنز ص 123

..........

قلت: عشرة كانوا جلوسا وسطهم كيس فيه ألف درهم، فسأل بعضهم بعضا أ لكم هذا الكيس؟ فقالوا كلّهم: لا، و قال واحد منهم: هو لي، فلمن هو؟ قال: «للّذي ادّعاه» «1».

و هذا أيضا وارد في غير مورد مسألتنا، فإنّه ورد في فرض عدم تعلّق يد به حتّى تضمن وصوله إلى صاحب المال، و الحكم بأنّه للمدّعي الذي ليس له معارض مطلقا- حتّى مع فرض جعل اليد عليه- مناف لما هو الثابت في أدلّة اللقطة، و لما هو السيرة الإسلاميّة العقلائيّة: من عدم إعطاء اللقطة لمن يدّعيها من دون التعريف و من غير الوثوق به، و مورد البحث- كما تقدّم- هو ما إذا تصرّف المشتري في الكنز و لا بدّ من ردّه إلى صاحب المال.

و أمّا الثالث فلعدم حجّيّة اليد في المقام حتّى مع ضمّ الدعوى، لأنّها كالعدم بعد البيع الذي هو قرينة على عدم الاطّلاع، و قد مرّ عدم حجّيّة صرف الدعوى في المقام، فلا بدّ من معرفة المال بحيث تطمئنّ النفس بكون المال له، كما يومئ إلى ذلك ما تقدّم «2» من خبر الحميريّ الوارد في الصرّة الموجودة في بطن البقرة.

لكن فيه: ما عرفت «3» من أنّ حجّيّة اليد لا تدور مدار الظهور الفعليّ.

و أمّا الرابع فلما تقدّم من حجّيّة اليد من دون الاحتياج إلى ضمّ الدعوى.

لكنّ الظاهر أنّ الترديد موجب لعدم حجّيّة اليد في حقّه، إلّا إذا كان في البين قرينة موجبة للظنّ النوعيّ بكونه ملكا له.

و الدليل على عدم حجّيّة اليد في فرض كون صاحب اليد بنفسه مردّدا هو صحيح جميل، قال:

______________________________
(1) الوسائل: ج 18 ص 200 الباب 17 من أبواب كيفيّة الحكم.

(2) في ص 121.

(3) في ص 119.

124
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 4 حكم ما لو قطع بعدم الادخار من غير المالكين للأرض ص 125

و المقصود إظهار الترديد من دون وجود قرينة توجب الظنّ النوعيّ (1).

المسألة 4 [حكم ما لو قطع بعدم الادّخار من غير المالكين للأرض]

في صورة القطع بعدم الادّخار من غير المالكين في مدّة كون البيت بيدهم فالظاهر ما عليه الأصحاب- على ما هو المشهور عندهم- (2) من الرجوع إلى المالك الذي قبله إن لم يعرفه البائع قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل وجد في منزله دينارا؟ قال: «يدخل منزله غيره؟» قلت: نعم، كثير.

قال: «هذا لقطة».

قلت: فرجل وجد في صندوقه دينارا؟ قال:

«يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شي‌ء؟» قلت: لا. قال: «فهو له» «1».

فإنّ دخول غيره كثيرا في المنزل لا يوجب القطع و لا الظنّ بكونه من غيره، كما أنّ فرض دخول يد غيره في الصندوق- المحكوم فيه بعدم كونه له بالمفهوم، و كونه بمنزلة الفرض الأوّل المحكوم بكونه لقطة- ليس مستلزما للعلم بكونه لغيره. نعم، الفارق هو وجود الظنّ النوعيّ و عدمه مع فرض اليد. فراجع ملحقات العروة «2» حتّى يتّضح لك عدم صحّة استدلال صاحب المستند لعدم حجّيّة اليد مع ترديد صاحبها «3»، و عدم صحّة جواب السيّد قدّس سرّه بالحجّيّة مطلقا و حمل الخبر على صورة العلم بكون المال لغيره، بل الظاهر: التفصيل في صورة الجهل و الترديد.

كما يظهر وجهه ممّا تقدّم في التعليق المتقدّم.

بل في الجواهر أنّه «لا أجد فيه خلافا بيننا» «4».

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 353 الباب 3 من أبواب اللقطة.

(2) ج 3 ص 120.

(3) مستند الشيعة: ج 2 ص 577.

(4) الجواهر: ج 16 ص 31.

125
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 5 إذا حصل اليأس من الوصول إلى صاحبه ص 126

و هكذا (1).

المسألة 5 [إذا حصل اليأس من الوصول إلى صاحبه]

على جميع الفروض لو وصل إلى حدّ اليأس عن وصوله إلى صاحبه الواقعيّ أو إلى من هو محكوم بأنّه مالك من باب جري يده عليه فالظاهر كون الكنز لواجده و عليه الخمس بالشرط المتقدّم و هو و ذلك من غير فرق بين ما إذا احتمل أن يكون الادّخار من الذي يرجع إليه أو علم جري اليد السابق عليه:

أمّا في الصورة الأولى فلم يحرز يد أصلا بالنسبة إلى الأسبق ما لم ينكره السابق، فلا وجه للرجوع إلى الأسبق، لعدم وجود ملاك الحجّيّة أصلا إلّا بعد إنكار السابق.

و أمّا في الصورة الثانية فاليد الاولى ليست بفعليّة إلّا بعد إنكار السابق، بمقتضى أماريّة اليد و تقدّمها على استصحاب كون الكنز ملكا للسابق المحرز أيضا باليد السابقة في الفرض.

فلا موقع لإشكال صاحب الجواهر قدّس سرّه أصلا من:

تساوي الجميع في عدم اليد لهم وقت التعريف، و قرب زمان أحدهم من يد المعرّف لا يقتضي ترجيحه على غيره «1».

و ذلك لما عرفت من عدم اليد الفعليّ للأسبق.

كما أنّه لا أثر ليد من يعلم أنّه ليس مالكه في الفرض، كالمشتري أو البائع إذا أنكره و نفى عن نفسه، فاليد السابقة على يد البائع غير محرزة التحقّق أو محكومة بأماريّة اليد الّتي بعدها، كما لا يخفى.

كما أنّ جواب صاحب المصباح ب‍ «انقطاع يد الأسبق بأماريّة اليد الّتي‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 32.

126
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 6 لزوم مراعاة الترتيب في فرض عدم العلم بجري اليد عليه ص 127

التصرّف و البلوغ إلى النصاب (1)، إلّا إذا انتهى إلى الأرض المفتوحة عنوة (2) فالأحوط عدم التصرّف فيه (3).

المسألة 6 [لزوم مراعاة الترتيب في فرض عدم العلم بجري اليد عليه]

في ما يحتمل عدم جري اليد عليه أو في ما وصل إلى ذلك- أي إلى ما يحتمل عدم جري اليد عليه- فالظاهر هو الرجوع إلى من كان البيت بيده بالترتيب المذكور في الصورة السابقة (4).

بعدها» «1» ليس بسديد على إطلاقه، لعدم الاستصحاب إلّا في صورة القطع بجري اليد السابقة على البائع على المال، و إلّا فلا حالة سابقة للاستصحاب.

كما عليه بنى قدّس سرّه في الجواهر و قال:

بل صرّح بعضهم بصيرورته حينئذ كالموجود في أرض المسلمين يجري فيه الخلاف السابق «2» [و هو التفصيل بين ما إذا كان عليه أثر الإسلام أم لا].

و قد مرّ عدم استقامة ذلك، بل الظاهر من إطلاق أدلّة الكنوز: ما ذكر، حتّى في ما إذا علم بأنّ المدّخر له كان مسلما.

فإنّ فيه الإشكال المتقدّم «3».

كما مرّ وجهه فيها «4».

و إن تصرّف فيه فالأحوط إعطاؤه للفقيه الجامع للشرائط و هو يعطي خمسه، و الأحوط صرف الباقي في سبيل اللّه، فإنّه إن كان بحكم مجهول المالك فحكمه التصدّق و من مصارفه سبيل اللّه، و إن كان للمسلمين من باب أنّه بحكم غير المنقول فقد صرف في مصرفه. و هو العالم.

أي صورة العلم بجري يد المالكين عليه، و ذلك من باب أنّ الأوّل‌

______________________________
(1) مصباح الفقيه: ج 3 ص 119.

(2) الجواهر: ج 16 ص 32.

(3) في ص 115.

(4) في ص 115.

127
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 7 لزوم أن يعرف المال إذا لم يعلم بجري يد البائع عليه ص 128

المسألة 7 [لزوم أن يعرّف المال إذا لم يعلم بجري يد البائع عليه]

إذا احتمل عدم جري يد البائع على الكنز أو وصل إلى ذلك الحدّ فقد مرّ وجوب التعريف إلى الأقرب فالأقرب أيضا، لكن لا يكفي في تلك الصورة صرف عدم النفي عن نفسه و عدم إظهار الجهل بذلك، بل لا بدّ من أن يعرفه (1).

المسألة 8 [تصوير التداعي على الكنز]

إنّما يتصوّر التداعي في ما جرت يد كلّ من المتداعين على المال مع إقرار الكلّ بعدم انتقال الكنز إليهم (2) بعنوان التملّك، أو لم أقرب من يحتمل أن يكون مالكه واقعا أو ظاهرا، أو يرشد إلى ذلك، و بعده الثاني و بعده الثالث إلى أن يصل إلى حدّ لا مالك له أو لا يمكن العثور على مالكه، فإنّه على فرض عدم الادّخار من غير المالكين أو قبل أن يملك الأرض فجري يد الأخير أقوى احتمالا ثمّ الثاني ثمّ الثالث، لأنّه إن جرت يد عشرة عليها في الفرض المذكور فجري يد العاشر مسلّم و كذا التسعة إلى أن يصل إلى العاشر، فالتفصيل المذكور في كلام القوم متين جدّا، و لا يردّ بصحيح الحميريّ المتقدّم «1»، لما يأتي في التعليق الآتي.

و ذلك لعدم إحراز اليد عليه فلا بدّ من حصول الوثوق بكون الكنز له، كما ربما يومئ إلى ذلك صحيح الحميريّ المتقدّم «2» من جهة عدم اعتبار اليد على الصرّة الّتي في بطن البقرة عرفا، فالبايع هو الذي يرجع إليه لأنّه من موارد التعريف، و عدم الإرجاع إلى المالك الأسبق فللعلم العاديّ بعدم بقاء الصرّة من العصر السابق في بطن البقرة أو الجزور، فتأمّل.

فإنّ كلّا من الأيادي مشتركة في الإقرار بعدم حصول اليد على الكنز بعنوان التملّك حتّى الأوّل مثلا، فإنّه يدّعي أنّ الكنز مثلا ملكه الذي ادّخره أبوه له قبل أن يملك الأرض، فملك الأرض من دون أن يقصد به تملّك الكنز، و كذا‌

______________________________
(1) في ص 121.

(2) في ص 121.

128
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 9 حكم التصرف في الكنز الذي يوجد في المبتاع ص 129

يحرز إجراء يد أحد منهم على المال لكن يدّعي كلّ منهم أنّه له (1).

المسألة 9 [حكم التصرّف في الكنز الذي يوجد في المبتاع]

إذا لم يتصرّف في الكنز فوجد صاحبه كان له (2).

و أمّا إذا تصرّف فيه و تملّكه من دون إعطاء خمسه و إتلافه فالظاهر أيضا أنّه كسابقه (3).

و أمّا إذا أدّى خمسه و أتلف الكنز فهل هو ضامن للمال و ضامن للخمس أيضا ثمّ يرجع إلى صاحب الخمس فيستقرّ الضمان عليه أم لا، أو يكون الخمس بمنزلة التصدّق فلا يضمن صاحب الخمس بل يخيّر المالك بين الأجر و الغرم، أو لا ضمان أصلا لأنّ الإتلاف وقع بإذن اللّه تعالى فهو أولى من إذن صاحب المال؟ وجوه (4).

الأيادي المتأخّرة، فالظاهر عدم حجّيّة تلك الأيادي من حيث اليد، لأنّ كلّا من صاحبي تلك الأيادي متّفقون على أنّ الملكيّة ليست من حيث وقوع اليد على المال، كمن كان مال في يده و يقرّ بأنّه أخذ من غيره غفلة أو سرقة ثمّ تبيّن أنّه ماله.

كما هو واضح في تلك الصورة، و أمّا في صورة جري يد الكلّ على الكنز مع احتمال شراء الكنز أو جرى يد الأقرب مع عدم إحراز جري اليد السابقة عليه فلا معنى للتداعي، فإنّ ذا اليد منكر و غيره مدّع، كما لا يخفى.

كما هو واضح، لأنّ صرف الحكم بجواز التملّك و أداء الخمس لا يدلّ على الخروج عن ملكيّة المالك.

من جهة عدم ثبوت كون الإذن في التملّك و التصرّف حكما واقعيّا فيخرج المال عن مال صاحبه واقعا، فيستصحب بقاء ملكيّة صاحب المال واقعا.

و ظهور الحكم في كونه واقعيّا غير ظاهر في مثل المورد المفروض فيه الجهل بمالكه على فرض وجود المالك له.

أمّا وجه الضمان فلإتلاف مال الغير من دون إذنه.

129
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 9 حكم التصرف في الكنز الذي يوجد في المبتاع ص 129

لو اشترى دابّة و وجد في جوفها شي‌ء له قيمة عرّفه البائع (1)، فإن و أمّا وجه التفصيل بين الخمس و غيره فلأنّ الخمس بمنزلة تصدّق مجهول المالك أو هو مصداقه بعينه، لأنّه إعطاء المال في سبيل اللّه تعالى.

و أمّا وجه عدم الضمان فلأنّ الإذن منه تعالى- و لو كان الحكم ظاهريّا- بمنزلة إذن صاحب المال، فإنّ الإذن واقعيّ، و حيث إنّ الموضوع نادر الوقوع لا يهمّنا إشباع الكلام فيه.

الظاهر أنّه لا خلاف في ذلك، فإنّه مقتضى القاعدة في الشي‌ء المجهول مالكه إذا كان العثور عليه محتملا بحسب المتعارف، و أقرب موارد التعريف هو الرجوع إلى البائع، و الظاهر أنّه ليس الرجوع إليه من باب أماريّة اليد على مالكيّته، كما يومئ إلى ذلك الحكم بالتعريف و تعليق كونه له على صورة عرفانه للمال.

و الوجه في ذلك أنّ اليد كناية عن الوقوع تحت السلطة، و ليس المال الموجود في جوف الدابّة، من موارد وقوع السلطة عليه بحيث يكون وضع ذلك المال في جوف الدابّة من الموارد الّتي يضع أصحاب الأموال أموالهم فيها، و هذا بخلاف الكنز الموجود في الأرض المشتراة.

و يدلّ عليه- مضافا إلى ذلك- مصحّح عبد اللّه بن جعفر قال:

كتبت إلى الرجل عليه السّلام: أسأله عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للأضاحيّ، فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة لمن يكون ذلك؟

فوقّع عليه السّلام: «عرّفها البائع، فإن لم يكن يعرفها فالشي‌ء لك رزقك اللّه إيّاه» «1».

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 358 ح 1 من ب 9 من أبواب اللقطة.

130
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 9 حكم التصرف في الكنز الذي يوجد في المبتاع ص 129

عرفه فهو له (1)، و إلّا فهو للمشتري (2) إذا كان العثور على صاحبه متعذّرا أو متعسّرا. و الأحوط التملّك ثمّ إعطاء الخمس (3).

الظاهر من المعتبر المتقدّم: اعتبار معرفة المال، فلا يعطى بصرف ادّعاء كون المال له، و هذا بخلاف ما تقدّم «1» من الكنز الذي يوجد في البيت المشترى، و الفرق بينهما تحقّق اليد بالنسبة إليه دونه.

مقتضى إطلاق بعض الكلمات عدم لزوم التعريف بعد أن لم يعرف البائع، لا بالنسبة إلى من انتقل منه إلى البائع الأوّل و لا بالنسبة إلى غيره، لكن مقتضى ما دلّ من التعريف في اللقطة: اختصاص ذلك بصورة اليأس عن صاحبه أو العسر في التعريف.

و أمّا المعتبر المتقدّم فهو وارد بالنسبة إلى ما كان يقع في الخارج في عصر الصدور، و ليس من القضايا الحقيقيّة الّتي تكون في مقام بيان الحكم الكلّيّ بالنسبة إلى الموضوع الأعمّ من الموجود و المقدّر، و التقيّد بالقيد الحاصل غالبا في القضايا الخارجيّة قبيح عرفا، فيمكن أن يكون بيع البقر و الغنم و أمثالهما في العصر المذكور من أهل القرى و البوادي، و لم يكن موردا لتوارد الأيادي المتعدّدة كما في عصرنا الحاضر حتّى يحكم بالرجوع إلى البائع الثاني، و التعريف بالرجوع إلى البلاد الأخر كان معسورا جدّا.

و الحاصل أنّه لا يمكن الحكم بالإطلاق و جواز التملّك حتّى مع احتمال العثور على صاحبه و تيسّر ذلك- خصوصا مع الظنّ بذلك- للمعتبر المتقدّم.

أمّا وجوب الخمس فيه فعن المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب بذلك،

______________________________
(1) في ص 119.

131
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 9 حكم التصرف في الكنز الذي يوجد في المبتاع ص 129

و الأولى التصدّق بالجميع و إعطاء الخمس من مال آخر (1).

و لو ابتاع سمكة فوجد في جوفها شي‌ء أخرج خمسه و كان له الباقي و لا يعرّف (2).

و عن ظاهر الكفاية و الحدائق الاتّفاق عليه «1».

أقول وجه الخمس في كلامهم أمور: أحدها: الإجماع المشار إليه. ثانيها:

دخوله في مفهوم الكنز أو إلحاقه به. ثالثها: دخوله في مطلق الفوائد و الغنائم.

و نحن نذكر وجها رابعا لعلّه أسدّ ممّا ذكر، و هو صحيح عليّ بن مهزيار المعروف، و فيه في طيّ ذكر الغنائم:

«و مثل مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب» «2».

فالحكم بوجوب الخمس للخبر المذكور متعيّن. نعم، لعلّه لا بدّ من أن يكون فاضلا من مئونة السنة و يجي‌ء الكلام في ذلك إن شاء اللّه.

و أمّا كون الأحوط التملّك ثمّ الخمس، فلأنّ مقتضى عموم أخبار التصدّق «3»:

جواز التصدّق عن صاحبه، و معه لا يصدق الفائدة أو يكون مشكوكا.

و أمّا التصدّق بدون الخمس فلا يخلو عن إشكال، لاحتمال صدق الغنيمة و لإطلاق الصحيح المتقدّم.

للعمل بأخبار التصدّق «4» و خبر لزوم الخمس في مجهول المالك «5» و عدم منافاته في العمل بمعتبر الحميريّ المتقدّم «6».

كما في الشرائع «7»، و هو الذي حكى في الجواهر عن الشيخ الطوسيّ قدّس سرّه‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 36.

(2) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) الوسائل: ج 17 ص 349 الباب 2 و ص 357 الباب 7 من أبواب اللقطة.

(4) الوسائل: ج 17 ص 349 الباب 2 و ص 357 الباب 7 من أبواب اللقطة.

(5) الوسائل: ج 6 ص 344 ح 6 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(6) في ص 130.

(7) الشرائع: ج 1 ص 134.

132
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 9 حكم التصرف في الكنز الذي يوجد في المبتاع ص 129

..........

غير الحكم بالخمس «1».

أقول: أمّا عدم لزوم تعريف البائع فلأنّه ليس ممّا ثبتت يده على ما في الجوف، لما عرفت في المسألة المتقدّمة من كون اليد كناية عن كون المال في ما يوضع فيه من جانب صاحبه فكأنّما يكون في يده، و ليست فيه خصوصيّة تقتضي التعريف، لقضاوة العادة قطعا بأنّه لم يدخل المال في جوف السمكة في حال كونها ملكا له، فيكون احتمال معرفة المال فيه أقوى من غيره.

و أمّا عدم لزوم التعريف بنحو الإطلاق:

فإن لم يكن فيه أثر الملكيّة- كالدراهم و الدنانير- بأن يكون محتملا لكونه من المباحات الأصليّة فإنّ مقتضى الأصل الإباحة.

إن قلت كما عن التذكرة: إنّ حيازة السمكة حيازة لجميع ما في جوفها «2»، و مقتضى ذلك كون الصيّاد مالكا له، فلا بدّ من إعطائه الصيّاد عرفه أم لم يعرفه.

قلت: الظاهر أنّ حصول ملكيّة المباح بصرف الوقوع في ملكه (كالماء الذي يجري قهرا من الشطوط و الأنهار الكبيرة في ملك بعض المالكين أو يطير طير في الفضاء فيقف في بعض البيوت) خلاف بناء العقلاء، بل لا بدّ من قصد الحيازة و جعله تحت اختياره، و من المعلوم أنّه لم يقصد حيازة الدرّة و الجوهرة الّتي في جوف السمكة، و القصد الإجماليّ الضمنيّ إنّما هو بما يشتمل عليه السمك من أجزائه الأصليّة، كيف! و لو كان القصد إلى الحيازة حاصلا بنحو الإجمال كان حاصلا في البيع الأوّل و البيع الثاني، فهو للمشتري، و مقتضاه عدم التعريف أيضا.

هذا. مضافا إلى أنّه إذا دلّ المعتبر المتقدّم «3» على عدم لزوم تعريف غير البائع في ما يوجد في جوف الدابّة من الصرّة و نحوها فهو أولى بعدم لزوم التعريف،

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 36.

(2) مصباح الفقيه: ج 3 ص 122.

(3) في ص 130.

133
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة 9 حكم التصرف في الكنز الذي يوجد في المبتاع ص 129

..........

لاحتمال عدم حصول الملكيّة أصلا، و هو الذي تمسّك به في المصباح «1».

لكن لا يخلو عن إشكال، من جهة وجود إشكال في المقام- غير ما في المسألة المتقدّمة- و هو احتمال كون المال ملكا للصيّاد للحيازة.

و إن كان فيه أثر الملكيّة، فيدلّ عليه معتبر الحميريّ المتقدّم «2» بالأولويّة و الفحوى، من جهة عدم احتمال وقوعه في جوفها في حال كونها مملوكة لبعض المالكين، بخلاف مثل مورد معتبر الحميريّ «3».

لكن قد عرفت أنّ القدر المسلّم من مورد دلالته هو صورة اليأس عرفا أو العسر في التعريف، و هو حاصل غالبا بل دائما بحسب العادة في مورد المثال- و هو السمكة- بحسب الإدراكات المتعارفة.

و أمّا كون المال له في الصورة الأولى فقد اتّضح ممّا ذكر، لأنّه على فرض عدم وجود أثر الملكيّة فمقتضى الأصل: الإباحة و جواز التملّك، و أمّا في الصورة الثانية- و هي ما إذا كان فيه أثر الملكيّة- فلمعتبر الحميريّ المتقدّم «4» بالأولويّة.

و أمّا لزوم الخمس فلاحتمال دخوله في ما يلحق بالكنز عرفا من حيث لزوم الخمس، أو كونه مشمولا لعموم الفوائد و الغنائم، أو يقال بدلالة مكاتبة عليّ بن مهزيار الصحيحة «5» عليه من حيث كونه من مصاديق الغنائم بالتفسير المذكور في الرواية المنطبق على الأموال غير المترقّبة كالإرث من حيث لا يحتسب، بل على فرض وجود أثر الملكيّة فيه فهو داخل في الجملة المتقدّمة المنقولة «6».

و لا يخفى أنّ الاحتياط المذكور- من التملّك ابتداء ثمّ التخميس، و من كون الأولى التصدّق بالجميع و التخميس من مال آخر- جار هنا في ما فيه أثر الملكيّة،

______________________________
(1) مصباح الفقيه: ج 3 ص 121.

(2) المتقدّم في ص 130.

(3) المتقدّم في ص 130.

(4) المتقدّم في ص 130.

(5) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(6) في ص 132.

134
کتاب الخمس (للحائري)

الرابع كل ما يخرج من البحر بالغوص كالجواهر و الدرر 2 ص 135

و نحوها إذا فرض اصطياد حيوان كالغزال و نحوه و علم تقدّم ما وجد في جوفه على يد البائع (1).

الرابع: كلّ ما يخرج من البحر بالغوص، كالجواهر و الدرر (2).

بل في ما ليس فيه أثر الملكيّة إذا احتمل مملوكيّته احتمالا عقلائيّا. و هو العالم بالحقائق.

ثمّ إنّ ظاهر المعتبر المتقدّم «1» و خبري أبي حمزة و حفص بن الغياث «2» المنقولين في الجواهر «3»: عدم لزوم الخمس.

لكنّ الظاهر عدم منافاته للخمس بعد ما فضل عن مئونة سنته، و هو ممّا يمكن أن يكون دليلا على استثناء مئونة السنة في الغنائم بالمعنى المذكور في مكاتبة ابن مهزيار. و هو العالم.

كما في الجواهر «4».

أقول: بل علم تقدّمه على وقوع يد الصيّاد عليه، فإنّه يجري فيه ما يجري في السمكة من الأمور الثلاثة أي عدم التعريف و كون الخمس فيه و كون الباقي له بالتفصيل المتقدّم.

كما في الشرائع «5». و في الجواهر:

بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في الحدائق، بل في ظاهر الانتصار و صريح الغنية و المنتهى:

الإجماع عليه، و هو الظاهر من التذكرة «6».

أقول: و يدلّ عليه صحيح الحلبيّ- كما في الجواهر- «7» قال:

______________________________
(1) في ص 130.

(2) الوسائل: ج 17 ص 359 و 360 ح 1 و 2 من ب 10 من أبواب اللقطة.

(3) ج 16 ص 38.

(4) ج 16 ص 37- 38.

(5) ج 1 ص 134.

(6) الجواهر: ج 16 ص 39.

(7) ج 16 ص 39.

135
کتاب الخمس (للحائري)

الرابع كل ما يخرج من البحر بالغوص كالجواهر و الدرر 2 ص 135

..........

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن العنبر و غوص اللؤلؤ، فقال: «عليه الخمس» «1».

و ما عن الفقيه قال:

سئل أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد و عن معادن الذهب و الفضّة هل فيها زكاة؟

فقال: «إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس» «2».

و عن المقنع سئل أبو الحسن الرضا عليه السّلام و ذكر مثله و ترك ذكر المعادن «3».

و عنه قال روى ابن أبي عمير:

أنّ «الخمس على خمسة أشياء» و عدّ منها «الغوص» «4».

و معتبر حمّاد عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح عليه السّلام قال:

«الخمس من خمسة أشياء» و عدّ منها «الغوص» «5».

و قريب منه ما رواه حمّاد عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح أبي الحسن الأوّل «6».

أقول: الظاهر كونهما رواية واحدة.

و قريب منهما خبر أحمد بن محمّد عن بعض أصحابنا رفع الحديث، قال:

«الخمس من خمسة أشياء» و عدّ منها «الغوص» «7».

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 347 ح 1 و 2 من ب 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 347 ح 1 و 2 من ب 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 347 ح 1 و 2 من ب 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) المصدر: ص 339 ح 2 من ب 2.

(5) الوسائل: ج 6 ص 339 ح 4 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(6) الوسائل: ج 6 ص 340 ح 9 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(7) الوسائل: ج 6 ص 341 ح 11 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

136
کتاب الخمس (للحائري)

الرابع كل ما يخرج من البحر بالغوص كالجواهر و الدرر 2 ص 135

..........

و ما عن المرتضى، عن عليّ عليه السّلام و فيه:

«و الخمس يخرج من أربعة وجوه» و عدّ منها «الغوص» «1».

و ما عن البزنطيّ عن محمّد بن عليّ بن أبي عبد اللّه عن أبي الحسن عليه السّلام، قال:

سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد، و عن معادن الذهب و الفضّة هل فيها زكاة؟

فقال: «إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس».

قال قدّس سرّه في الوسائل:

و رواه المفيد في المقنعة مرسلا عن الصادق عليه السّلام نحوه، و رواه الكلينيّ عن محمّد بن يحيى بالطريق المتقدّم، و رواه الصدوق مرسلا، و رواه في المقنع أيضا مرسلا و ترك ذكر المعادن «2».

و خبر عمّار بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«في ما يخرج من المعادن و البحر» إلى أن قال:

«الخمس» «3».

و في خبر مسمع بن عبد الملك، قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي كنت ولّيت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم، و قد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم- إلى أن قال:- فقال لي: «يا أبا سيّار‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 341 ح 12 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 343 ح 5 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 344 ح 6 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

137
کتاب الخمس (للحائري)

و هنا مسائل ص 138

 

و هنا مسائل

الاولى: لا يختصّ الخمس من حيث الغوص باللؤلؤ (1).

قد طيّبناه لك» «1».

و يمكن الاستدلال- كما في الجواهر- «2» بالآية الشريفة من حيث صدق الغنيمة عليه.

أقول: في الاستدلال بالآية الشريفة إشكال من حيث إنّ مقتضى مكاتبة ابن مهزيار «3» أنّ المراد بالغنائم: الفوائد الّتي لا تقصد، كالإرث من حيث لا يحتسب و الجوائز الخطيرة.

فالاستدلال بما دلّ على أنّ الخمس في مطلق الفائدة «4» أولى من الروايات الآتية «5»- إن شاء اللّه تعالى- في ما يفضل عن مئونة السنة من الأرباح.

و للاستدلال بصحيح زرارة «كلّ ما كان ركازا ففيه الخمس» «6» وجه، بناء على أنّ المقصود هو الذي يكون مستورا، من غير فرق بين أن يكون تحت الأرض أو في البحر.

لكن إطلاق الكلمة في عرف العرب غير واضح، لا سيّما مع احتمال إشراب خصوصيّة الثبات و المركزيّه الّتي ربما لا يصدق على ما في الماء. و هو العالم.

خلافا لما يظهر من صاحب المدارك من الاقتصار على ذكر صحيح الحلبيّ المشتمل على خصوص اللؤلؤ «7».

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 382 ح 12 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(2) ج 16 ص 39.

(3) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) مثل ما في الوسائل: ج 6 ص 350 ح 6 و 7 و ص 351 ح 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(5) في ص 144 و ما بعدها.

(6) الوسائل: ج 6 ص 343 ح 3 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(7) الجواهر: ج 16 ص 40.

 

138
کتاب الخمس (للحائري)

الثانية حكم ما لو أخذ شي‌ء من غير غوص ص 139

الثانية [حكم ما لو أخذ شي‌ء من غير غوص]

لو أخذ شي‌ء من غير غوص لم يجب الخمس فيه (1).

و لعلّ منشأ الإعراض عن الأخبار الأخر: عدم استقامتها من حيث السند.

و فيه أوّلا: أنّها منجبر بعمل الأصحاب و الفتوى على طبقها.

إن قلت: لعلّ الاستناد إلى صحيح الحلبيّ و الحكم في الباقي من باب إلقاء الخصوصيّة عرفا، إذ لا فرق في نظر العرف بين اللؤلؤ و الياقوت مثلا.

قلت: لو كان كذلك لم يكن وجه للحكم بالنصاب و كونه دينارا، فقد عمل قطعا برواية الدينار الدالّ على الخمس في ما يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد «1».

و ثانيا: أنّ الخبر المذكور منقول عن أبي الحسن موسى و أبي الحسن الرضا و الصادق عليهم السّلام بطرق متعدّدة «2».

و ثالثا: أنّ في الناقلين للأخبار المطلقة أصحاب الإجماع مثل البزنطيّ و ابن أبي عمير و حمّاد و من يكون بحكمهم كأحمد بن محمّد بن عيسى.

و رابعا: أنّ المرسل مثل الصدوق قدّس سرّه في الفقيه و في المقنع الذي أفتى على طبقه و المفيد في المقنعة، فلا شبهة في الإطلاق.

كما في الشرائع «3»، و مال إليه في الجواهر أيضا، لكن أوضحه بأنّ:

المقصود عدم الخمس من حيث الغوص و إن كان فيه الخمس من حيث انطباق الفاضل عن المئونة عليه «4».

و عمدة الوجه في ذلك أنّ مثل خبر ابن أبي عمير و غيره من أخبار العدد «5»

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 343 ح 5 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) راجع المصدر: ص 343 ح 5 من ب 3 و ص 347 ح 2 من ب 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) ج 1 ص 134.

(4) الجواهر: ج 16 ص 41- 42.

(5) الوسائل: ج 6 ص 338 الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

139
کتاب الخمس (للحائري)

الثانية حكم ما لو أخذ شي‌ء من غير غوص ص 139

..........

دالّ بالمفهوم على عدم الخمس في غير ما يخرج بالغوص، لأنّ أحد الخمسة فيها هو الغوص لا مطلق ما يخرج من الماء بنفسه أو بغير الغوص.

و أمّا خبرا الدينار «1» و ابن مروان «2» فالمنصرف إليه هو الخارج بالغوص.

و عمدة الوجه في الانصراف:

أمّا في الأوّل فلوقوع العنوان في سؤال السائل، و هو يسأل عمّا يقع في الخارج في عصر السؤال، و لعلّه لم يكن استخراج مثل الياقوت و غيره من البحر بالآلات.

و أمّا في الثاني فلكون الموصول في المعادن و البحر واحدا و هو موجب للانصراف إلى الجواهر و أمثال ما يخرج من المعادن، و المعمول في مثله الاستخراج بالغوص.

لكن يمكن أن يقال: إنّ خبر ابن مروان عامّ، و هو في كلام الإمام عليه السّلام بنحو القضيّة الحقيقيّة، و لا يضرّ بإطلاقها غلبة الأفراد.

و أمّا أخبار العدد فغير ظاهرة في خصوص حصول الغوص، فإنّ الغوص فيها بمعنى ما يخرج بالغوص لا نفس العمل، و هو يصدق على ما أخرج بالآلة، لأنّه ممّا يخرج بالغوص نوعا.

مع أنّ مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي أن يكون الخمس في نفس تلك الأشياء المكوّنة في البحر من الجواهر، و هو مناسب لكون الغوص ملحوظا بنحو الطريقيّة إلى الوصول إلى الغنيمة البحريّة.

مع أنّ لازم ذلك إسقاط موضوع الغوص في مثل عصورنا الحاضرة ممّا يتوصّل لأخذ الفوائد و المنتوجات بالآلات، و هو ممّا يأباه الارتكاز العرفيّ.

هذا. مضافا إلى ما يجي‌ء من وجود الخمس في العنبر غير المحتاج إلى‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 343 ح 5 و ص 344 ح 6 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 343 ح 5 و ص 344 ح 6 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

140
کتاب الخمس (للحائري)

الثانية حكم ما لو أخذ شي‌ء من غير غوص ص 139

و لكن فيه إشكال، فالأحوط بل الأظهر تعلّق الخمس بمطلق ما يخرج من البحر من غير الحيوان (1) و الأحوط عدم ملاحظة النصاب إلّا ما كان مثل الجواهر و اخرج بالغوص (2)، كما أنّ الأحوط عدم استثناء الغوص على ما يجي‌ء إن شاء اللّه في تعريفه، و لعلّ العرف يلقى الخصوصيّة حينئذ.

مع أنّه إذا كان المستخرج بالغوص فيه الخمس فما أخذ بالآلة أولى بتعلّق الخمس به، لأنّه أسهل استخراجا.

مضافا إلى صدق الفائدة عليه.

و استثناء المئونة غير مرتبط بوروده تحت أخبار الغوص أو خروجه عنها، بل هو متوقّف على شمول دليل استثناء مئونة السنة لمثل تلك الأمور الخارجة عن التجارات و الزراعات و الصناعات.

و أمّا اشتراط النصاب فهو وارد في ما يدلّ على الإطلاق من حيث كون الإخراج بالغوص أو غيره مع قطع النظر عن الانصراف المتقدّم.

و من ذلك يظهر الكلام في ما يظهر في الساحل لمدّ الماء و جزره، فإنّ الأحوط بل الأظهر تحقّق الخمس فيه. و الأحوط عدم مراعاة النصاب من باب رواية ابن مروان و إطلاق دليل خمس الفوائد، كما أنّ الأحوط عدم مراعاة مئونة السنة في ذلك.

لأنّ الأخبار المشتملة على الغوص لا تشمل الحيوان، لأنّه ليس الطريق إلى اصطياده الغوص غالبا.

و أمّا خبر الدينار فظهوره في الجواهر ممّا لا ينبغي إنكاره، و قد تقدّم «1» أنّ خبر ابن مروان منصرف إلى مثل ما يخرج من المعادن.

لما تقدّم «2» من أنّ رواية الدينار في موضوع الجواهر، و المنصرف إليه في‌

______________________________
(1) في الصفحة السابقة.

(2) في الصفحة السابقة.

141
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

مئونة السنة (1).

الخامس: ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله

من أرباح التجارات و الصناعات و الزراعات (2).

السؤال هو ما يخرج بالغوص.

لما تقدّم «1» من احتمال اختصاص ذلك بأرباح التجارات و الصناعات و الزراعات، و إن كان الأرجح استثناء المئونة من الجميع بحسب الملاك و المناسبات إلّا غنائم دار الحرب و ما لا يتّخذ في العرف مكسبا، كأخذ اللقطة بناء على وجوب الخمس فيها، كما في مكاتبة ابن مهزيار «2» في المال المجهول مالكه.

ثمّ الظاهر أنّه لا فرق بين ما يخرج من البحر و ما يخرج من الشطوط و الأنهار الكبيرة، لأنّ أكثر أخبار الغوص خال عن ذكر البحر «3».

كما في الشرائع «4». و في الجواهر:

بلا خلاف معتدّ به أجده، بل في الخلاف و الغنية و ظاهر الانتصار و السرائر أو صريحهما و التذكرة و المنتهى: الإجماع عليه. و في الأخيرين دعوى تواتر الأخبار به، و أرسله في الرياض عن الشهيد الثاني أيضا. و عليه استقرّت السيرة الّتي يمكن دعوى اتّصالها بزمان أهل العصمة.

فما عن ابن الجنيد و ابن أبي عقيل- من عدمه أو العفو عنه أو التوقّف في العفو و عدمه- ممّا لا يعتدّ‌

______________________________
(1) في ص 91 و ما بعدها.

(2) المتقدّمة في ص 132.

(3) راجع الوسائل: ج 6 ص 338 الباب 2 و ص 347 الباب 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) ج 1 ص 134.

142
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

به «1». انتهى ملخّصا.

أقول: الكلام في مقامين:

المقام الأوّل في أنّه هل جعل الخمس في مطلق الأرباح المذكورة بحسب أصل الإنشاء أم لا؟

و من المعلوم أنّه بعد ملاحظة ما يجي‌ء «2» إن شاء اللّه تعالى من الأخبار الصحيحة الصريحة لا شبهة في ذلك.

و أمّا صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصّة» «3».

فبعد احتمال اتّحاده مع مرسل العيّاشيّ عن أحدهما «4» و كونهما رواية واحدة قد ذكر مفادها أبو عبد اللّه عليه السّلام في المجلس الذي كان فيه جمع منهم ابن سنان و منهم سماعة، مع كونه خاليا عن لفظ «خاصّة» الوارد في الصحيح- و ترجيح الزيادة على النقيصة لا يتأتّى في ما يمكن أن يكون زيادته لأجل التأكيد كما في المورد- و بعد ضرورة ورود الأخبار الكثيرة الصريحة في ثبوت الخمس في مطلق الأرباح «5»، بل ورودها بالنسبة إلى غير غنائم دار الحرب متواترة، فإنّ أخبار الكنز «6» و الغوص «7» و المعدن «8» و ما ورد في خصوص الأرباح «9» و ما ورد‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 45- 46.

(2) في ص 144 و ما بعدها.

(3) الوسائل: ج 6 ص 338 ح 1 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) المصدر: ص 342 ح 15.

(5) الوسائل: ج 6 ص 348 الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(6) المصدر: ص 338 الباب 2 و ص 345 الباب 5.

(7) المصدر: ص 338 الباب 2 و ص 347 الباب 7.

(8) المصدر: ص 342 الباب 3.

(9) المصدر: ص 348 الباب 8.

143
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

من أخبار التحليل «1» كلّ ذلك دالّ على ثبوت الخمس في غير غنائم دار الحرب أيضا، فلا بدّ إمّا من حمل الصحيح على التقيّة حيث قد عرفت مظنونيّة صدوره في المجلس العامّ الذي لا يخلو عن الأغيار نوعا، و إمّا أن يكون المقصود أنّ جميع ما فيه الخمس يكون مصداقا للغنائم، كما ورد في خبر حكيم في تفسير قوله تعالى:

وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ «2» الآية، قال:

«هي و اللّه الإفادة يوما بيوم.» «3».

و ليس في العرف و اللغة شاهد على الاختصاص بغنائم دار الحرب، و إمّا أن يكون المقصود تحليل غير الغنائم فيكون مفاده مفاد أخبار التحليل الذي يأتي الكلام فيها إن شاء اللّه تعالى.

أمّا الدليل على أصل ثبوت الخمس في الأرباح فهو أخبار كثيرة:

منها: خبر الأشعريّ، قال:

كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام:

أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و على الصناع؟ و كيف ذلك؟

فكتب بخطّه: «الخمس بعد المئونة» «4».

و الإشكال فيه بعدم توثيق الأشعريّ صريحا أوّلا و الإرسال ثانيا مدفوعان:

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 378 الباب 4 من أبواب الأنفال.

(2) سورة الأنفال: 41.

(3) الوسائل: ج 6 ص 380 ح 8 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(4) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 1 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

144
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

أمّا الأوّل فبما في خاتمة المستدرك «1» من ذكر القرائن على الوثوق به.

و أمّا الثاني فلأنّ الظاهر من الخبر أنّه يروي ما كتبه بعض الأصحاب و ما كتبه الإمام عليه السّلام بخطّه و لا يروي ذلك عن بعض الأصحاب، فعدم الإرسال واضح و اعتباره مظنون قويّا.

و منها: خبر عليّ بن محمّد كما في جامع الرواة «2» عن الاستبصار- و يظهر رجحانه من بعض كتب الرجال- أو محمّد بن عليّ كما فيه عن التهذيب، و كيف كان، فوصفه بالصحّة- كما في الجواهر «3»- غير ظاهر، لعدم توثيقه، و ليس صريحا و لا ظاهرا في أنّ عليّ بن مهزيار رأى بنفسه التوقيع الشريف، و فيه أنّه:

سأل أبا الحسن الثالث عليه السّلام عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كرّ- إلى أن قال:- و بقي في يده ستّون كرّا ما الذي يجب لك من ذلك؟ و هل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي‌ء؟ فوقّع: «لي منه الخمس ممّا يفضل من مئونته» «4».

و منها: صحيح أبي عليّ بن راشد، قال:

قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك و أخذ حقّك فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: و أيّ شي‌ء حقّه؟ فلم أدر ما أجيبه.

فقال: «يجب عليهم الخمس». فقلت: ففي أيّ شي‌ء؟

فقال: «في أمتعتهم و صنائعهم (ضياعهم)» قلت: و التاجر‌

______________________________
(1) ج 3 من الطبعة الحجريّة ص 841 «الفائدة العاشرة».

(2) ج 1 ص 598.

(3) ج 16 ص 47.

(4) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 2 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

145
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

عليه و الصانع بيده؟ فقال: «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» «1».

و منها: صحيح عليّ بن مهزيار أيضا، قال:

كتب إليه إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ: أقرأني عليّ كتاب أبيك في ما أوجبه على أصحاب الضياع أنّه أوجب عليهم نصف السدس بعد المئونة، و أنّه ليس على من لم يقم ضيعته بمئونته نصف السدس و لا غير ذلك، فاختلف من قبلنا في ذلك، فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المئونة، مئونة الضيعة و خراجها لا مئونة الرجل و عياله.

فكتب- و قرأه عليّ بن مهزيار-: «عليه الخمس بعد مئونته و مئونة عياله و بعد خراج السلطان» «2».

بيان: قوله «و قرأه عليّ بن مهزيار» هذا مقول للناقل عن عليّ بن مهزيار و هو العبّاس بن معروف على الظاهر. و الظاهر أنّ المقصود بالكتاب: ما هو الآتي، الذي نقله ابن مهزيار عن أبي جعفر الجواد عليه السّلام، فالمضمر عنه هو أبو الحسن الثالث الهادي عليه الصلاة و السلام. و الخبر مضافا إلى اعتباره في نفسه جدّا منقول أيضا بطريق آخر عن إبراهيم عن أبي الحسن عليه السّلام، فهو في غاية الاعتبار.

و منها: صحيح عليّ بن مهزيار «3» الدالّ على أمور:

منها: وجوب الخمس في الذهب و الفضّة الّتي قد حال عليهما الحول، و المتاع، و الآنية، و الدوابّ، و الخدم، و أرباح التجارات، و الضيعة، و الغنائم الّتي من‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 3 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 4 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

146
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

قبيل الجائزة الّتي لها خطر، و الميراث الذي لا يحتسب، و ما يكون من سنخ غنائم الحرب من المأخوذ من الخرميّة الفسقة.

و منها: وقوع مثل الربح في التجارة موردا للتحليل.

و منها: أنّه يمكن الاستدلال به على عدم وجوب الخمس في زماننا هذا في ما يغتاله السلطان من أموالهم في ما ينوبهم في ذاتهم، و من ذلك رأس المال المحتاج إليه في المعيشة.

و منها: أنّ المستفاد منه أنّ الغنائم الواردة في الآية الشريفة و إن كان أعمّ من غنائم دار الحرب إلّا أنّه ليس مطلق الفائدة، ففيه:

«و أمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام، قال اللّه تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ. «1» فالغنائم و الفوائد يرحمك اللّه فهي الغنيمة يغنمها المرء.».

فإنّ المستفاد منه أنّ المقصود من الغنائم في الآية الشريفة: ما يحصل للإنسان من دون تحمّل تعب في ذلك و لا يكون مترقّبا بحسب النوع، كالإرث من الذي يحتسبه، و انطباقه على غنائم الحرب من باب أنّه ليس تعب الجهاد لتحصيل الغنيمة، بل لدفع الفساد و الفتنة و بسط الإسلام.

و منها: وجوب الخمس في ما يلتقط بعد اليأس عن صاحبه.

و أمّا قوله: «و لا ربح ربحه في تجارة» فيحتمل أن يكون فعلا، و يحتمل أن يكون اسما بالتنوين فيكون مبيّنا للنوع، أي الربح الحاصل من التجارة لا من الضيعة مثلا، أو المقصود من التنكير: الربح القليل.

و قوله «سأفسّر لك بعضه» الظاهر أنّ المقصود منه: ما أفاده من التطهير.

______________________________
(1) سورة الأنفال: 41.

147
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

و قوله عليه السّلام «في متاع» يحتمل أن يكون رأس المال، و يحتمل أن يكون أثاث البيت بقرينة الآنية و الخدم، فيدلّ على أنّ ما يصرف في المئونة فيه الخمس أيضا إلّا أنّه محلّل فيه، و يحتمل أن يكون التحليل من جهة الأخذ ممّن لا يؤدّي الخمس.

و منها: موثّق سماعة الذي هو بحكم الصحيح، قال:

سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الخمس، فقال: «في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير» «1».

و المستفاد من القاموس أنّ كلمة «أفاد» من الأضداد، فقد يكون بمعنى الإفعال، و قد يكون بمعنى الاستفعال، و حينئذ يمكن أن يكون المقصود: كلّ ما استفاده الناس، فيكون الناس فاعلا، و يحتمل أن يكون المراد أنّ في كلّ ماله فائدة للناس و كان ممّا ينتفع به في المأكل و المشرب و غير ذلك ففيه الخمس.

و لعلّ الثاني أقرب و إن جزم بالأوّل في الوافي «2». و اللّه العالم.

و منها: خبر يزيد على ما في الوافي «3»، و في الوسائل «4» (ابن) في الهلالين، و لعلّ القويّ: كونه يزيد بن إسحاق بقرينة رواية أحمد عنه، و قد وثّقه العلّامة، فالخبر لا يخلو عن الاعتماد، بل ربما يعتمد عليه و إن لم يعرف الراوي، لنقل أحمد عنه مع معروفيّته بالدقّة في المنقول عنه. قال:

كتبت: جعلت لك الفداء تعلّمني ما الفائدة و ما حدّها؟ رأيك أبقاك اللّه أن تمن عليّ ببيان ذلك لكي لا أكون مقيما على حرام لا صلاة لي و لا صوم.

فكتب: «الفائدة ممّا يفيد إليك في تجارة من‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 350 ح 6 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) ج 10 ص 309.

(3) ج 10 ص 309.

(4) الوسائل: ج 6 ص 350.

148
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

ربحها، و حرث بعد الغرام، أو جائزة» «1».

أقول: فأدت الفائدة أي حصلت- على ما في الوافي «2»- و قوله عليه السّلام «بعد الغرام» يحتمل أن يكون راجعا إلى الجملتين، و الأقرب هو الرجوع إلى الأخير.

و هو العالم.

و أمّا رواية عبد اللّه بن سنان «3» فهي ضعيفة، لكون الناقل عنه هو الحضرميّ، و قال النجاشيّ: إنّه كذّاب غال يروي عن الغلاة.

و لا يعارض ذلك بنقل ابن أبي عمير عنه رواية واحدة، لأنّه لا يدلّ إلّا على الوثوق بتلك الرواية بالخصوص و صحّتها عنده و لو بالقرائن الخارجيّة، و على فرض الدلالة على التوثيق فيعارض بالشهادة بالكذّابيّة من الخبرة في الفنّ، إن لم نقل بترجيح الجرح على التعديل.

مضافا إلى وجود جهات في المتن يسلب الاطمئنان بصدوره عن المعصوم عليه السّلام:

منها: قوله «الخمس ممّا أصاب لفاطمة عليها السّلام» و هو مخالف لضرورة كون نصف الخمس للإمام و الباقي لقرابة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله الّتي تكون فاطمة عليها السّلام من أظهر المصاديق، فليس الخمس لها كلّا كما هو الظاهر، و لا بعضا من باب أنّها فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و لا من باب عصمتها، بل من باب القرابة.

و منها: قوله «من أحللناه» و هو استعمال غير مأنوس، فإنّ المأنوس: من أحللنا له أو من جعلناه في حلّ.

و منها: الحكم بأنّ عدم أداء الخمس موجب لوقوع الزنا، و الظاهر تطبيقه على‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 350 ح 7 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) ج 10 ص 310.

(3) الوسائل: ج 6 ص 351 ح 8 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

149
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

مورد المثال و هو ما يحصل للخيّاط مع أنّه لا يتحقّق بذلك الزنا كما هو واضح، و عدم التطبيق على المثال المذكور خلاف الظاهر جدّا. و المستفاد من بعض الأخبار «1» أنّ الزنا من جهة اشتراء الجواري الّتي فيها الخمس من حيث كونها من الغنائم أو من جهة كونها من التجارات الّتي فيها الربح للبائع.

و منها: قوله «يا ربّ سل هؤلاء بما أبيحوا» و في الوافي «بما نكحوا» «2» و لعلّه من غلط النسخة، و الصحيح ما في الوافي.

و منها: حسن الريّان أو الصحيح، قال:

كتبت إلى أبي محمّد عليه السّلام: ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلّة رحى أرض في قطيعة لي و في ثمن سمك و برديّ و قصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟

فكتب: «يجب عليك فيه الخمس إن شاء اللّه تعالى» «3».

بيان: القطيعة: ما يقطع من أرض الخراج. و البرديّ: ما يقال بالفارسيّة «يونجه» على ما في تعليق الوافي «4»، أو نبات كالقصب كان قدماء المصريّين يستعملون قشره في الكتابة كما في المنجد، و الثاني أنسب.

و منها: خبر أبي بصير، و لا إشكال في سنده إلّا من جهة أحمد بن هلال الذي كان غاليا متّهما في دينه (الفهرست) و ورد فيه ذموم عن سيّدنا أبي محمّد عليه السّلام (نقله النجاشيّ و العلّامة- في الخلاصة- و الكشّيّ) و لكن عن الغضائريّ المعروف‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 385 ح 20 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(2) الوافي: ج 10 ص 311 ح 7.

(3) الوسائل: ج 6 ص 351 ح 9 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) المجلّد الثاني من الطبعة الحجريّة: ج 6 ص 42.

150
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

بالتضعيف أنّه قال:

يتوقّف في حديثه إلّا ما يرويه عن الحسن بن محبوب من كتاب المشيخة و عن محمّد بن أبي عمير من نوادره، و قد سمع هذين الكتابين جلّ أصحاب الحديث «1».

أقول: و يحتمل أن يكون ذلك منه لنقله عن ابن أبي عمير و إن لم يعلم أنّه نقل عن نوادره.

عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه و المنقطع إليه هديّة تبلغ ألفي درهم أو أقلّ أو أكثر هل عليه فيها الخمس؟ فكتب عليه السّلام: «الخمس في ذلك».

و عن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال إنّما يبيع منه الشي‌ء بمائة درهم أو خمسين درهما هل عليه الخمس؟ فكتب: «أمّا ما أكل فلا، و أمّا البيع فنعم، هو كسائر الضياع» «2».

و منها: خبر أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:

قرأت عليه آية الخمس، فقال: «ما كان للّه فهو لرسوله، و ما كان لرسوله فهو لنا» ثمّ قال: «و اللّه لقد يسر اللّه على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم، جعلوا‌

______________________________
(1) جامع الرواة: ج 1 ص 74 «أحمد بن هلال».

(2) الوسائل: ج 6 ص 351 ح 10 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

151
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

لربّهم واحدا و أكلوا أربعة أحلّاء» «1».

و منها: خبر تحف العقول عن الرضا عليه السّلام، قال:

«و الخمس من جميع المال مرّة واحدة» «2».

و منها: ما رواه في الوسائل عن الكافي عن سهل بن زياد عن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحسين بن عبد ربّه، قال:

سرح الرضا عليه السّلام بصلة إلى أبي، فكتب إليه أبي:

هل عليّ في ما سرحت إليّ خمس؟ فكتب إليه: «لا خمس في ما سرح به صاحب الخمس» «3».

و منها: ما عن عليّ بن موسى بن طاوس في كتاب الطرف بإسناده عن عيسى بن المستفاد عن أبي الحسن موسى بن جعفر عن أبيه عليهما السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و فيه في مقام تعداد الفرائض:

«و إخراج الخمس من كلّ ما يملكه أحد من الناس حتّى يرفعه إلى وليّ المؤمنين و أميرهم و من بعده من الأئمّة من ولده، فمن عجز و لم يقدر إلّا على اليسير من المال فليدفع ذلك إلى الضعفاء من أهل بيتي من ولد الأئمّة، فمن لم يقدر على ذلك فلشيعتهم ممّن لا يأكل بهم الناس و لا يريد بهم إلّا اللّه.» «4».

إذا عرفت ذلك فلا شبهة في المقام الأوّل أصلا.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 338 ح 6 من ب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) المصدر: ص 341 ح 13 من ب 2.

(3) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 2 من ب 11 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) الوسائل: ج 6 ص 386 ح 21 من ب 4 من أبواب الأنفال.

152
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

المقام الثاني في شبهة التحليل المستندة إلى الروايات الكثيرة المنقولة في الوسائل «1».

و هي مندفعة بملاحظة أمور:

الأمر الأوّل: ورود الروايات المعتبرة بل المتواترة على أخذ الخمس من الرضا و أبي جعفر الجواد و أبي الحسن الثالث و أبي محمّد العسكريّ- عليهم الصلاة و السلام و التحيّة- و من الحجّة المولى و خليفة اللّه في أرضه في عصرنا عليه السّلام:

فالأوّل: خبر محمّد بن زيد الطبريّ في من كتب إليه عليه السّلام يسأله الإذن في الخمس و قد كتب عليه السّلام و فيه:

«لا يحلّ مال إلّا من وجه أحلّه اللّه، إنّ الخمس عوننا على ديننا و على عيالنا و على موالينا، و ما نبذله و نشتري من أعراضنا ممّن نخاف سطوته، فلا تزووه عنّا.» «2».

و في خبر آخر في جواب قوم قدموا من خراسان على أبي الحسن الرضا عليه السّلام فسألوه أن يجعلهم في حلّ من الخمس:

«لا نجعل لا نجعل لا نجعل لأحد منكم في حلّ «3»».

و الخبر الأوّل منقول في كتاب الشيخ قدّس سرّه عن إبراهيم بن هاشم.

و أمّا الثاني فما تقدّم «4» من صحيح عليّ بن مهزيار و غيره.

و أمّا الثالث فصحيحة الآخر المتقدّم «5».

______________________________
(1) ج 6 ص 378 الباب 4 من أبواب الأنفال.

(2) الوسائل: ج 6 ص 375 ح 2 من ب 3 من أبواب الأنفال.

(3) المصدر: ص 376 ح 3.

(4) في ص 147.

(5) في ص 146.

153
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

و أمّا الرابع فمعتبر ريّان بن الصلت «1».

و أمّا الخامس فغير واحد ممّا ورد في أخبار الناحية المقدّسة الراجعة إلى إرسال الأموال إلى الناحية المقدّسة و تعيين الوكلاء منها لذلك.

و في بعض ما يتعلّق به عجّل اللّه فرجه و سهّل مخرجه و جعلنا من أعوانه تصريح بخصوص الخمس، كخبر ناصر الدولة عن عمّه الحسين:

أنّه رآه و تحته عليه السّلام بغلة شهباء و هو متعمّم بعمامة خضراء، يرى منه سواد عينيه، و في رجله خفّان حمراوان، فقال: «يا حسين كم ترزأ على الناحية و لم تمنع أصحابي عن خمس مالك»، ثمّ قال: «إذا مضيت إلى الموضع الذي تريده تدخله عفوا و كسبت ما كسبت تحمل خمسه إلى مستحقّه».

قال، فقلت: السمع و الطاعة. ثمّ ذكر في آخره أنّ العمريّ أتاه و أخذ خمس ماله بعد ما أخبره بما كان «2».

الأمر الثاني: أنّ أخبار التحليل ظاهرة أو صريحة في مالا ينافي ثبوت الخمس في عصرنا أو محمولة على ما لا ينافي ذلك:

فإنّ بعضها ظاهر في التحليل في زمان خاصّ، كقول الصادق عليه السّلام على ما في خبر يونس بن يعقوب: «ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم «3»». و بعضها ظاهر في صورة عدم التمكّن من الأداء، كقول أبي جعفر عليه السّلام على ما في صحيح ابن مهزيار:

______________________________
(1) المتقدّم في ص 150.

(2) الوسائل: ج 6 ص 377 ح 8 من ب 3 من أبواب الأنفال.

(3) المصدر: ص 380 ح 6 من ب 4.

154
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

«من أعوزه شي‌ء من حقّي فهو في حلّ» «1». و بعضها محمول على التقيّة و عدم كونه صادرا لبيان الواقع، كما يشهد بذلك حسن إبراهيم بن هاشم، قال:

كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السّلام إذ دخل عليه صالح بن محمّد بن سهل و كان يتولّى له الوقف بقم، فقال: يا سيّدي اجعلني من عشرة آلاف درهم في حلّ فإنّي قد أنفقتها.

فقال له: «أنت في حلّ» فلمّا خرج صالح فقال أبو جعفر عليه السّلام: «أحدهم يثب على أموال آل محمّد و أيتامهم و مساكينهم و أبناء سبيلهم فيأخذه ثمّ يجي‌ء فيقول: اجعلني في حلّ، أ تراه ظنّ أنّي أقول: لا أفعل، و اللّه ليسألنّهم اللّه يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا «2»».

فإنّ الذيل بقرينة الأيتام و المساكين و أبناء السبيل لعلّه ظاهر في الخمس.

و كونه متولّيا لوقفه بقم لا يدلّ على أنّ ما أنفقه كان من غلّة الوقف، مع أنّه لا فرق بينه و بين غلّة الوقف في القول بالحلّيّة ظاهرا و عدم الرضا باطنا، بل التظاهر بالحرمة و عدم الرضا في الوقف أسهل و أبعد عن التقيّة، كما لا يخفى.

و بعضها ظاهر في أنّ موردها ما يقع في اليد من الذي لم يخرج خمسه، كمعتبر أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

قال رجل و أنا حاضر: حلّل لي الفروج، ففزع أبو عبد اللّه عليه السّلام.

فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق،

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 379 ح 2 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(2) الوسائل: ج 6 ص 375 ح 1 من ب 3 من أبواب الأنفال.

155
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

إنّما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوّجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شي‌ء أعطيه. فقال: «هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم و الغائب و الميّت و الحيّ و ما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال.» «1».

فإنّ مورد ذلك ما يصرف في المئونة كالمصروف في المرأة يتزوّجها، أو ما يصل إليه من الغير كقوله «أو شي‌ء أعطيه» و لا يخفى أنّ ذلك يدلّ على تحليل الخمس في المال الذي يصل إليه من غير من يعطي الخمس. و مقتضى الإطلاق:

عدم الفرق بين كون المأخوذ منه ممّن يعتقد الخمس أو غيره، خصوصا قوله «أو ميراثا يصيبه» فإنّ الأكثر اتّفاق مذهب الوارث و المورث، و الحمل على صورة الاختلاف حمل على أفراد غير كثيرة.

و أمّا اعتبار الخبر فلأنّ المراد من أبي جعفر هو أحمد بن محمّد بن عيسى بقرينة الراوي عنه و هو سعد و المرويّ عنه و هو الحسن بن عليّ بن زياد الوشّاء.

و أمّا أبو خديجة فهو «ثقة ثقة» (جش) «صالح» في جواب من سأل عن وثاقته (كش) و هو ظاهر في الترقّي عن صرف وثوقه.

و أمّا تضعيف الشيخ فمورده سالم بن مكرم أبي سلمة بأن يكون أبو سلمة كنية مكرم، و مورد ذلك شخص لا وجود له في الرجال، و المظنون اشتباه ذلك بسالم بن أبي سلمة الذي ليس اسم أبي سلمة مكرما، و هو ضعيف ضعّفه النجاشيّ أيضا.

و بعضها الآخر محمول على التحليل بالنسبة إلى العصر الخاصّ بقرينة ما تقدّم ذكره، و بقرينة صحيح ابن مهزيار «2» الناقل لكتاب أبي جعفر المتقدّم الدالّ صريحا‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 379 ح 4 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(2) المتقدّم في ص 92.

156
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

على أنّ الخمس ليس من الأحكام الشرعيّة غير القابلة للتغيّر، بل أمره إلى وليّ الأمر فربما يحلّل شي‌ء منه و لا يحلّل غيره، و بقرينة أنّ التحليل بحسب العنوان الأوّليّ ليس إلّا حقّا لخليفة اللّه في وقته، و أمّا زمان وليّ الأمر التالي فالأمر موكول إليه أيضا. و إن كان دالّا على الدوام فيكشف عن علمه بأنّ وليّ الأمر التالي أيضا يرى المصلحة في تحليله- فتأمّل- و بقرينة أنّ أخذ الخمس مطلقا- في كلّ حال- كان موجبا للخطر للإمام عليه السّلام و أصحابه قطعا، لأنّه كان موردا لاتّهام الخروج على سلطان الوقت كما لا يخفى، و بقرينة ما تقدّم في الأمر الأوّل: من الروايات الصريحة في عدم التحليل الواردة بعد روايات التحليل.

نعم، يبقى في البين توقيع إسحاق بن يعقوب عن صاحب الزمان سلام اللّه عليه و عجّل فرجه، و فيه:

«و أمّا المتلبّسون بأموالنا فمن استحلّ منها شي‌ء فأكله فإنّما يأكل النيران، و أمّا الخمس فقد أبيح لشيعتنا و جعلوا منه في حلّ إلى أن يظهر أمرنا لتطيب ولادتهم و لا تخبث» «1».

حيث إنّه من جانب الحجّة عليه السّلام و جعل أمد الحلّيّة ظهور الأمر.

و الجواب عنه بوجوه:

الأوّل: عدم وضوح السند، لكن ذكرنا قرائن على صحّته في ما كتبناه في ولاية الفقيه.

الثاني: احتفاف الجواب بالسؤال غير المذكور تمامه في الجواب، فلعلّ السؤال كان عن الذي يؤخذ من الغير ممّا فيه الخمس.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 383 ح 16 من ب 4 من أبواب الأنفال.

157
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

و الظاهر أنّ متعلّق الخمس كلّ فائدة تحصل للإنسان، سواء كان من قبيل ما ذكر، أو كان من قبيل حيازة المباحات، أو كان ممّا يتحقّق في ما يملكه ممّا يوجب مزيد ماليّة- كالنماءات المنفصلة أو المتّصلة- أو كان وصفا حادثا في المال بالاختيار أو بدون الاختيار، أو كان صرف ارتفاع القيمة السوقيّة، كان الاسترباح بذلك مقصودا بالأصالة أو الثالث: احتفاف الكلام بقوله: «و أمّا المتلبّسون بأموالنا» و أظهر مصاديقها الخمس، فلا بدّ أن يكون المقصود ما ذكر أو غيره من بعض موارد الخمس كالجواري مثلا، لا مطلق الخمس.

الرابع: اشتماله على التعليل بطيب الولادة الدالّ على كون مورد السؤال هو الجواري.

الخامس: على فرض الغضّ عمّا ذكر و فرض الإطلاق في الصدر لكنّ التعليل بطيب الولادة يخصّصه بما إذا كان طيب الولادة متوقّفا عليه.

و إن أبيت على فرض الإطلاق عن ذلك من جهة أنّ مخصّصيّة التعليل توجب حمل الإطلاق على الأفراد غير الكثيرة، فلا بدّ أن يكون المقصود بطيب الولادة أعمّ من حيث عدم لزوم الوطء المحرّم و عدم كون النطفة منعقدة من المال المحرّم، و حينئذ فلا بدّ من الحمل على ما كان عدم التحليل منجرّا إلى ذلك- بأن لم يعط الخمس إلى أن صلح المأكول لانعقاد النطفة- و هذا لا يقتضي التحليل قبل ذلك.

السادس: معارضته بما تقدّم من تظافر الأخبار على إيصال المال إلى الناحية المقدّسة، و هذا مناف لذلك، لعدم الفرق بين موقع سؤال إسحاق و غيره «1»، فإنّ المستفاد منه أنّ ملاك التحليل عدم ظهور الأمر. نعم، لو كان ذلك في التوقيع الآخر‌

______________________________
(1) و هو ما ورد على محمّد بن عثمان العمريّ النائب الثاني، راجع الوسائل: ج 6 ص 376 ح 6 من ب 3 من أبواب الأنفال.

158
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

مقصودا بالتبع أو لم يكن مقصودا أصلا. (1)

الذي كان موقع صدوره ابتداء الغيبة الكبرى كان للاستدلال بذلك وجه.

فشبهة التحليل مندفعة بحمده تعالى بحيث لا يبقى في النفس ريب بمشيئته تعالى.

ما يتحقّق في المال أو بسبب المال ممّا يوجب ارتفاع القيمة على أربعة أقسام:

الأوّل: النماء المنفصل، كنتاج البقر و الغنم.

الثاني: النماء المتّصل، كنموّ الأشجار و سمن الغنم.

الثالث: وجود وصف في المال، كصلاحيّة الأرض للزراعة الحاصلة برفع الأحجار عنها و بالأعمال الموجبة لقابليّتها للاستقاء و الحرث و الغرس أو تحقّق استحكام في الشجر مثلا.

الرابع: ارتفاع القيمة السوقيّة من دون زيادة متّصلة أو منفصلة عليه أو حكميّة في أصل الملك.

و جميع الأقسام الأربعة قد يكون مقصودا بالاسترباح به أصالة، فيشتري الغنم للاسترباح و الانتفاع بنتاجه، أو يشتري الأشجار للانتفاع بنمائها، أو يشتري الأرض لأن يهيّئها للزراعة و الغرس فيبيعها من جهة إيجاد ذلك الوصف فيها، أو يشتري الأرض لأن يحصل فيها ارتفاع القيمة السوقيّة، و قد لا يكون مقصودا بذلك إلّا تبعا، فيريد حصول النماء للاسترباح بما يحصل منه لا بنفس النماء- و هذا يتمشّى في القيمة السوقيّة أيضا، فيريد مثلا أن ترتفع القيمة السوقيّة للدار المشتراة للانتفاع باجرتها، فإنّه كلّما ارتفعت القيمة السوقيّة للدار ارتفعت إجارتها مثلا- و قد لا يكون مقصودا أصلا، لا بالذات و لا مقدّمة لفائدة أخرى.

و ما قصد به الاسترباح قد يكون الاشتراء لذلك و قد يكون أصل المال ميراثا‌

159
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

مثلا فيقصد الاسترباح به.

و الظاهر أنّ جميع ذلك مورد لتعلّق الخمس، لإطلاق غير واحد من الروايات المتقدّمة، كمعتبر سماعة و صحيح أبي عليّ بن راشد «1».

و احتمال عدم كون الفائدة الحاصلة من دون الاختيار حين حصولها متعلّقة للخمس من جهة عدم صدق الفائدة المكتسبة، أو لزوم كون الفائدة مطلوبة بالأصالة من ابتداء تملّك ما فيه الفائدة من جهة دخالة عنوان الاستفادة أو الأعمّ من الابتداء و الاستدامة لكن لا بدّ أن تكون مطلوبة بالأصالة لا مقدّمة لفائدة أخرى- لما ذكر- أو لزوم أن تكون مطلوبة و لو مقدّمة، أو عدم صدق الفائدة إلّا على الزيادة العينيّة الموجبة للزيادة الماليّة، فلا تدخل زيادة القيمة السوقيّة في الفائدة إلّا إذا صارت موجبة للزيادة العينيّة في المال الموجبة للزيادة الماليّة، كلّ ذلك مردود بإطلاق الدليل و صدق الفائدة على جميع ذلك في العرف.

و بعض موارد المسألة واضحة جدّا، مثل النماء المنفصل المقصود به الانتفاع أو الاسترباح، فإنّ روايات الضيعة و البستان موردها ذلك، و لا فرق بينها و بين مثل الغنم و البقر لنتاجهما، و مثل ارتفاع القيمة السوقيّة في مال التجارة بعد البيع بجنس الثمن بل و لو بغير جنس الثمن، لأنّه الفرد الشائع من الربح في التجارة، فإنّ منشأ الربح في التجارات في الغالب هو ارتفاع القيمة السوقيّة باعتبار اختلاف الزمان أو المكان، و مثل عدم الفرق بين تحصيل رأس المال بالاشتراء أو حصوله بالإرث، لإطلاق روايات الضيعة و التجارة للمال الموروث و غيره.

و حمل جميع ذلك على غير الموروث مثلا ملحق بالحمل على الفرد النادر، خصوصا بالنسبة إلى الضياع و البستان.

______________________________
(1) المتقدّمين في ص 148 و 145.

160
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله ص 142

..........

و في غير ذلك منشأ الشبهة أمور كلّها مردودة:

منها: احتمال لزوم صدق الاكتساب. و هو مردود بعدم الدليل.

و منها: احتمال لزوم صدق الاستفادة المأخوذ فيها الطلب. و ما في بعض الروايات من عنوان الإفادة فلعلّ المراد منها الاستفادة، إذ الإفادة من الألفاظ الدالّة على الضدّين كما في القاموس- و هو مردود، لوجود بعض الروايات الّتي لا يمكن حملها على الاستفادة، كخبر أحمد بن محمّد بن عيسى عن يزيد، و فيه في مقام بيان متعلّق الخمس و حدّ الفائدة:

«الفائدة ممّا يفيد إليك في تجارة من ربحها، و حرث بعد الغرام، أو جائزة» «1».

و خبر ابن راشد، قوله «في أمتعتهم» «2». هذا، مضافا إلى أنّ باب الاستفعال إمّا بمعنى الطلب من دون اعتبار حصول المبدأ كالاستغفار و الاسترحام و الاستعلام، و هذا لا يكون مرادا في المقام بالضرورة، لعدم تصوّر تعلّق الخمس بصرف طلب الفائدة، و إمّا بمعنى المطاوعة و حصول المبدأ في الفاعل كالاستطاعة و الاستراحة، و أمّا كونه بمعنى المطاوعة و الطلب فلم يعهد في العرف و اللغة. فقوله: «أعلى جميع ما يستفيد الرجل» كما في خبر الأشعريّ «3» و كلّ ما فيه مادّة «أفاد» المحتمل كونها بمعنى الاستفادة ليس إلّا بمعنى حصول المبدأ في الفاعل.

و منها: احتمال أن يكون صدق الفائدة مشروطا بزيادة عينيّة في المال فيشترط البيع في ارتفاع القيمة. و فيه: وضوح عدم الشرط المذكور، فإنّه لا فرق عرفا بين الأرض الّتي ارتفعت قيمتها السوقيّة و لم يبعها و بين بيعها بمثلها من الأرض، فالفرق بين الصورتين- كما في العروة و غيرها- ممّا يأباه العرف قطعا.

______________________________
(1) تقدّم في ص 148.

(2) المتقدّم في ص 145.

(3) المتقدّم في ص 144.

161
کتاب الخمس (للحائري)

يستثني من مطلق الفائدة مثل نمو الأشجار المقصود بها الاسترباح بثمرها ص 162

[يستثني من مطلق الفائدة مثل نموّ الأشجار المقصود بها الاسترباح بثمرها]

نعم، يستثني من ذلك النماء المتّصل أو ارتفاع القيمة السوقيّة أو ارتفاع القيمة لأجل حدوث وصف في المال إذا كان ذلك مقدّمة لربح آخر مقصود و لم يكن الاسترباح بما ذكر من النموّ أو ارتفاع القيمة للسوق أو الوصف مقصودا بالأصالة، فلا خمس في نموّ الأشجار المقصود بها أثمارها و لا في ارتفاع قيمة تلك الأشجار سوقيّا أو من جهة الوصف (1).

و الوجه في ذلك كلّه: عدم الإشارة في أخبار الضياع و البستان، كخبر النيشابوريّ «1» و خبر الهمدانيّ «2» و مكاتبة عليّ بن مهزيار «3» و خبر السرائر «4» بل و معتبر الريّان بن الصلت «5» مع غفلة السائلين عن نموّ أشجار البستان و ترقّي قيمة الأرض بالزراعة فيها و ارتفاع قيمة الرحى الذي ربما يحصل من جهة رواجه و مراجعة الناس إليه، بل إذا ثبت عدم الخمس في نموّ الأشجار بما ورد في الضياع فعدمه في ارتفاع القيمة الذي ليس مقرونا بالزيادة العينيّة أولى، و السكوت في مقام بيانه عرفا- و هو مقام التعرّض لخمس الثمار و الأكرار من الحنطة- دليل على عدم الخمس في ذلك، لا سيّما مع غفلة العرف بحسب الارتكاز عن ذلك.

نعم، لو باع ذلك فالظاهر صدق الفائدة إذا باعها بالثمن الذي يعدّ ماليّة محضة، كالنقود.

و الظاهر أنّه كذلك إذا باعها و جعل ثمنها موردا للاسترباح بالتجارة، و أمّا إذا باعها بما يكون مثل المبيع كأن تبدّل بستانه ببستان آخر فالظاهر أنّه بحكم الأصل. و هو العالم.

______________________________
(1) المتقدّم في ص 145.

(2) المتقدّم في ص 146.

(3) المتقدّم في ص 92.

(4) المتقدّم في ص 151.

(5) المتقدّم في ص 150.

162
کتاب الخمس (للحائري)

و هنا مسائل ص 163

 

و هنا مسائل

المسألة الأولى: لو كان ارتفاع القيمة السوقيّة بالنسبة إلى ما يعدّ من الأثمان فقط

كالإسكناس- و أمّا بالنسبة إلى سائر الأموال الّتي تكون موردا للاحتياج فلم ترتفع قيمته ففي وجوب الخمس في ذلك حتّى بعد البيع و أخذ الثمن إشكال. (1)

بل لعلّ الظاهر عدمه (2).

فلو كان رأس مال شخص مائة عدل من الأرز و كان يعادل في أوّل عامه مائتي منّ من الحنطة و ثلاثمائة منّ من الشعير و عشرين منّا من السمن، و كان بينه و بين نوع الأشياء المورد للاحتياج نسبة خاصّة، و كان بعد مضيّ الحول كذلك أيضا، و كان رأس ماله المذكور موجودا و كانت نسبته مع سائر الأمتعة كنسبته معها في أوّل الحول، و لكن كانت قيمته في أوّل الحول مثلا عشرة آلاف و بعد مضيّ الحول صارت عشرين ألفا، و كان ارتفاع القيمة بالنسبة إلى نوع الأجناس الّتي تكون موردا للابتلاء، ففي لزوم الخمس عليه فيلزم عليه إعطاء ألفين خمسا إشكال، بل لعلّ الظاهر عدمه، من جهة عدم صدق الغنيمة، فإنّ مثل النقود و الإسكناس لا يلاحظ إلّا للوصول إلى ما يحتاج إليه من المأكول و الملبوس و المسكن و أمثال ذلك، و بملاحظة ما هو الأصل في ما يحتاج إليه لم يحصل الغنيمة، و لو فرض أنّ العرف الساذج يطلق على ذلك الغنيمة فهو من باب عدم التوجّه و الالتفات إلى علّة الارتفاع، و بعد الالتفات لا يطلق عليه ذلك، و الحكم البدويّ المبنيّ على عدم الاطّلاع ليس ملاكا للأحكام الشرعيّة، كيف؟ فلو حكم على مائع بأنّه ليس بخمر من باب فاقديّته للونه و رائحته و كان سلب الخمريّة منه بالآلات المتداولة في ذاك العصر، و كان خمرا و مسكرا في الواقع بحيث يحكم بخمريّته بعد الشرب، لا يمكن الحكم بعدم حرمة ذلك الشي‌ء.

لما عرفت من عدم صدق الغنيمة، مع أنّ الشكّ كاف في ذلك.

 

163
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثانية حكم اجرة العبادات ص 164

و إذا كان منشأ الربح مركّبا من الأمرين فلعلّ الملاك في تشخيص الربح الحقيقيّ قدرة الإعاشة (1).

و الأحوط إعطاء ما يحتمل أن لا يكون ارتفاع قيمته من جهة تنزّل النقود، كما أنّ مقتضى الاحتياط للآخذ: الاستيهاب في مورد الشكّ (2).

المسألة الثانية [حكم اجرة العبادات]

الاكتساب بالاستيجار للأعمال العباديّة موجب لتعلّق الخمس أيضا إذا كان زائدا على مئونة السنة (3).

فلو كان أوّل شروعه في التكسّب قادرا على مئونة سنة واحدة من دون التكسّب و بعد مضيّ الحول يكون كذلك أيضا فلا خمس، لعدم حصول الربح له حقيقة. و أمّا إذا كان قادرا على مئونة سنتين مثلا فاللازم إعطاء خمس ما يصرف في مئونة سنة واحدة، فلو كان ابتداء شروعه في الكسب مالكا لخمسة آلاف مثلا و كان مئونته في السنة ذلك المقدار و بعد مضيّ الحول يملك عشرة آلاف و يكون مئونة سنته من دون أن تزيد عائلته ذلك المقدار- أي عشرة آلاف- فلا خمس عليه، و إن كان يقدر على عشرين ألفا فلا بدّ من إعطاء خمس العشرة لا إعطاء خمس خمسة عشر ألفا، كما هو واضح.

و وجهه واضح.

من غير خلاف يعرف كما في الجواهر، «1» لكنّ الظاهر من الوسائل- حيث قال: باب أنّه لا يجب الخمس في ما يأخذه الأجير من اجرة الحجّ «2»- هو الإفتاء بعدم الخمس في اجرة خصوص الحجّ.

و كيف كان، فلا ريب أنّ مقتضى إطلاق ما تقدّم من الروايات- في أوّل مسألة الأرباح- هو وجوب الخمس.

و لا وجه لتوهّم عدم وجوبه في مطلق العبادات أو في خصوص الحجّ إلّا خبر‌

______________________________
(1) ج 16 ص 56.

(2) الوسائل: ج 6 ص 354.

164
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثالثة الظاهر أنه لا خمس في الميراث 1 ص 165

المسألة الثالثة: الظاهر أنّه لا خمس في الميراث (1).

عليّ بن مهزيار، قال:

كتبت إليه يا سيّدي رجل دفع إليه مال يحجّ به هل عليه في ذلك المال حين يصير إليه الخمس أو على ما فضل في يده بعد الحجّ؟ فكتب عليه السّلام: «ليس عليه الخمس» «1».

و الجواب عنه بوجوه:

منها: عدم وضوح صحّة السند، من جهة سهل بن زياد.

و منها: ظهوره في البذل للحجّ، من جهة أنّه لو كان على وجه النيابة لكان المناسب أن يقال: يحجّ به عنه أو عن أبيه مثلا.

و منها: أنّ مورد السؤال وجوب الخمس حين المصير إلى الحجّ، و أمّا أصل وجوب الخمس فالظاهر أنّه مفروض، فالجواب يحتمل أن يكون راجعا إلى الأوّل. فتأمّل، فإنّ الظهور في المفروغيّة عن أصل الخمس غير واضح.

و منها: الحمل على التقيّة في المكاتبة فلا تعارض ما يدلّ على وجوب الخمس في أجور الأعمال الذي ليست فيه التقيّة قطعا، كما هو واضح.

و منها: احتمال أن يكون مورد السؤال ما فضل في يده بعد الحجّ قبل المراجعة إلى الوطن.

و منها: احتمال التحليل في ذلك المقدار، فإطلاق ما دلّ على تعلّق الخمس بأجور الأعمال محكّم.

في الجواهر:

أنّ ظاهر الأصحاب عدمه، و عن أبي الصلاح‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 1 من ب 11 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

165
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثالثة الظاهر أنه لا خمس في الميراث 1 ص 165

..........

تعلّقه بالهبة و الهديّة و الميراث و الصدقة. و أنكره عليه ابن إدريس فقال: لم يذكره أحد من أصحابنا و لو كان فيه الخمس لنقل أمثاله متواترا، لكن لا يخفى قوّته من جهة الأدلّة، بل مال إليه في اللمعة، فالاحتياط لا ينبغي أن يترك «1». انتهى ملخّصا.

أقول: لا شبهة في صدق الفائدة عليه عرفا و إن كان الظاهر من مكاتبة ابن مهزيار «2»: عدم صدق الفوائد إلّا على ما لا يحتسب من الإرث، و لعلّه لأنّ ملك المورّث نوعا ممّا يحتاج إليه الوارث و هو ما إذا كان في نفقته.

و يدلّ على عدمه أمور:

الأوّل: أنّه لو كان الإرث متعلّقا للخمس لصار واضحا بين المسلمين- كوضوحه بالنسبة إلى غنائم الحرب- لابتلاء العامّة بذلك، مع أنّ الأصحاب لم يذكروه أصلا و ليس في الأخبار إشارة إليه.

الثاني: معتبر أبي خديجة، و فيه:

إنّما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوّجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شي‌ء أعطيه. فقال: «هذا لشيعتنا حلال- الشاهد منهم و الغائب و الميّت منهم و الحيّ- إلى يوم القيامة.» «3».

تقريب الاستدلال أنّه إمّا أن يكون السؤال من جهة وصول الميراث إلى يده فيكون الخمس عليه من باب حصول الفائدة في يده فدلالته واضحة، و إمّا من جهة وجود الخمس فيه قبل أن يصل إلى يده- كما هو الظاهر بقرينة قوله: «خادما‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 56.

(2) المتقدّمة في ص 146- 147.

(3) الوسائل: ج 6 ص 379 ح 4 من ب 4 من أبواب الأنفال.

166
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة الظاهر أنه لا خمس في الصداق 2 ص 167

إلّا في غير المحتسب منه (1).

المسألة الرابعة: الظاهر أنّه لا خمس في الصداق. (2)

يشتريها. أو تجارة» مع عدم فرض الربح فيها- فدلالته من جهة الإطلاق المقاميّ و قد مرّ تقريبه. و ملخّصه تلازم ذلك لوجوب الخمس من جهة حصول المال في يده إن كان واجبا، فلا بدّ من التنبيه عليه فإنّه مقام ذكره.

الثالث: مكاتبة عليّ بن مهزيار «1» من حيث الدلالة على عدم الخمس في غير المحتسب من الإرث، و احتمال كونه من باب التحليل غير ضائر، لأنّه بعد ثبوت التحليل يستصحب ذلك، و يأتي إن شاء اللّه «2» تقريب الاستصحاب و عدم منافاته لعموم تعلّق الخمس لكلّ فائدة، فالظاهر عدم ثبوت الخمس في الميراث إلّا غير المحتسب منه كما في المكاتبة «3». و عدم ذكر الأصحاب تعلّقه بغير المحتسب لا يدلّ على الإعراض عن المكاتبة.

لتصريح مكاتبة عليّ بن مهزيار «4» بأنّ فيه الخمس في كلّ عام و لا يكون موردا للتحليل أصلا.

في المدارك:

المشهور بين الأصحاب وجوب الخمس في جميع أنواع التكسّب. عدا الميراث و الصداق و الهبة.

و قال أبو الصلاح: يجب في الميراث و الهبة و الهديّة أيضا «5».

و تبعه في الحدائق، و فيها اختيار قول أبي الصلاح في الهبة لكن قال في الصداق:

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) في ص 175.

(3) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(5) مدارك الأحكام: ج 5 ص 384.

167
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة الظاهر أنه لا خمس في الصداق 2 ص 167

..........

بعدم الوقوف على من قال بالخمس فيه، فإنّ أبا الصلاح قال به في الهبة و الميراث و لم يذكر الصداق أصلا «1».

و يمكن أن يستدلّ على عدم الخمس فيه بمجموع: عدم فتوى من الفقهاء بذلك و عدم الإشارة إلى ذلك في شي‌ء من الأخبار حتّى في أخبار التحليل «2» الّتي جعل فيها عناوين متعدّدة موردا للتحليل- كمكاتبة عليّ بن مهزيار- و السيرة المحقّقة بين المسلمين، مع عدم الإشارة في شي‌ء من الأدلّة الدالّة على إعطاء الصداق للنساء من القرآن «3» و الحديث «4» من وجوب الخمس عليهنّ مع كون الغالب خروجه عن المئونة، لأنّ مئونة الزوجة على الزوج، مضافا إلى التحليل الثابت في المكاتبة المستصحب إلى الآن.

و يدلّ على ذلك أيضا عدم صدق الغنيمة عليه، لأنّه ليس المهر- عرفا و شرعا- بلا عوض ليكون نظير الهبة الّتي يجي‌ء أنّ فيها الخمس.

و ليس النكاح كالإجارة و الجعالة حتّى يصير نفس ما يعطى من قبل الزوجة مالا لها و ينتقل منها إلى الزوج، بخلاف إجارة الأعمال، فإنّ الأعمال مال ينتقل إلى المستأجر و يترتّب عليها آثار الملكيّة. و ليس كالبيع فيلاحظ فيه الربح فيكون ذلك ملاكا لصدق الغنيمة.

فتعليل صاحب الحدائق بأنّه بحكم عوض البضع «5» لا يخلو عن قوّة بضمّ أنّه ليس من الأموال حتّى يرى العرف صدق الفائدة من جهة الربح.

______________________________
(1) الحدائق: ج 12 ص 352- 353.

(2) الوسائل: ج 6 ص 378 الباب 4 من أبواب الأنفال.

(3) سورة النساء: 4.

(4) الوسائل: ج 15 ص 21 الباب 11 من أبواب المهور.

(5) الحدائق: ج 12 ص 353.

168
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة الظاهر أنه لا خمس في الصداق 2 ص 167

لكنّ الأحوط هو الخمس، لا سيّما إذا كان زائدا على مهر المثل بحيث لو كان البضع مالا لعدّ الزائد ربحا، بل لا يترك في الأخير (1).

و من ذلك يظهر الكلام في جميع موارد إعطاء الحقوق غير الماليّة بالعوض، كعوض الطلاق و كالمعاوضة على إسقاط حقوق الزوجيّة مثلا. (2)

و أمّا الهبة و الصدقة (3). ففيهما خلاف، فقد ينسب إلى المشهور عدم الخمس فيهما (4)، و ينقل عن بعض الأصحاب ثبوت الخمس فيهما مطلقا.

لاحتمال صدق الفائدة من حيث ملاحظة البضع بحكم المال. و يلاحظ الزيادة بالنسبة إلى الأقران و الأمثال.

و من ذلك يظهر أنّ المعاملة على الأموال و على غيرها من الحقوق غير الماليّة تتصوّر على قسمين، فإنّه قد يجعل العوض على إسقاط شي‌ء أو إتلافه و قد يجعل العوض على الإعطاء و الانتقال. و الظاهر المستفاد ممّا تقدّم: عدم تعلّق الخمس بما يتلف أو يعطى من الحقوق غير الماليّة، فالأوّل كالمهر في الدائم و الأجرة في النكاح المنقطع، و الثاني كعوض الطلاق، فإنّه يؤخذ العوض في قبال إتلاف حقوقه غير الماليّة بالطلاق و ما يؤخذ في قبال إسقاط حقوق الزوجيّة مثلا، و أمّا الماليّات حقّا أو عينا أو منفعة فلا فرق في صدق الربح في زيادته بين الإعطاء أو الإسقاط و الإتلاف، فالأوّل كإعطاء حقّ خياره بالنسبة إلى البيع الخاصّ إلى من عليه الخيار بعوض، و الثاني كإسقاط خياره بالنسبة إلى من عليه الخيار و أخذ العوض عن ذلك.

كأقسام الجوائز أو الهدايا أو ما يعطى بعنوان قصد التقرّب، فالمقصود من الصدقة في المقام: غير نفس الخمس و الزكاة الذي ربما يجي‌ء الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى.

أقول: إنّ الشهرة غير ثابتة، فإنّ الأكثر لم يذكروهما و لم يصرّحوا‌

169
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة الظاهر أنه لا خمس في الصداق 2 ص 167

..........

بوجوب الخمس فيهما، و حكي عن أبي الصلاح تعلّقه بهما، و مال إليه في اللمعة، و هو الظاهر من الروضة كما في الجواهر «1»، و قوّاه في الحدائق «2».

و يمكن أن يستدلّ عليه بأمور:

منها: مكاتبة يزيد، قال:

كتبت: جعلت لك الفداء تعلّمني ما الفائدة و ما حدّها؟ رأيك أبقاك اللّه أن تمنّ عليّ ببيان ذلك لكي لا أكون مقيما على حرام لا صلاة لي و لا صوم.

فكتب: «الفائدة ممّا يفيد إليك في تجارة من ربحها، و حرث بعد الغرام، أو جائزة» «3».

و الإيراد على سنده- كما في تقرير الفقيه البروجرديّ قدس سرّه- بأنّ يزيد مجهول و لم يرو أحمد بن محمّد بن عيسى عنه إلّا تلك الرواية «4»، مندفع بما في جامع الرواة من نقل أحمد بن محمّد بن عيسى عن يزيد بن إسحاق في باب فضل التجارة «5»، فحينئذ لا يبعد أن يكون هو ذلك الموثّق في لسان العلّامة قدس سرّه في الخلاصة المرويّ عنه روايات كثيرة، مع أنّ نقل مثل أبي جعفر أحمد عنه- مع دقّته المعروفة في نقل الحديث و في من يروي عنه- لا أقلّ يكون دليلا على حسن ظاهره. فلا يبعد اعتبار السند- و هو العالم- خصوصا مع كون المتن دليلا على تورّعه.

و منها: خبر أبي بصير، قال:

كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه و المنقطع إليه هديّة تبلغ ألفي درهم أو أقلّ أو أكثر هل عليه فيها‌

______________________________
(1) ج 16 ص 56.

(2) ج 12 ص 352.

(3) الوسائل: ج 6 ص 350 ح 7 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) زبدة المقال: ص 83.

(5) جامع الرواة: ج 2 ص 342.

170
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة الظاهر أنه لا خمس في الصداق 2 ص 167

..........

الخمس؟ فكتب عليه السّلام: «الخمس في ذلك».

و عن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال إنّما يبيع منه الشي‌ء بمائة درهم أو خمسين درهما هل عليه الخمس؟ فكتب: «أمّا ما أكل فلا، و أمّا البيع فنعم، هو كسائر الضياع» «1».

و قد تقدّم «2» عدم البعد في اعتبار سنده، مضافا إلى أنّ أحمد بن هلال من جملة مشيخة الفقيه.

و أمّا الإشكال فيه من حيث إنّ قوله «الخمس في ذلك» ظاهر في انحصار الخمس بذلك، و هو مورد للإعراض مخالف للأخبار الكثيرة، كما في التقرير المتقدّم «3»، فمدفوع:

أوّلا بأنّ صريح الذيل عدم الانحصار، فلا بدّ من رفع اليد عن ظهور الصدر- لو كان له ظهور- إن كان ذلك في مكاتبة واحدة.

و ثانيا بعدم وضوح الظهور المذكور، لأنّ تقديم المبتدأ على الخبر مطابق للجري الأوّلي، و في مثل الظرف يغتفر تقدّم الخبر و لا يتعيّن حتّى يكون تقديم المبتدأ من قبيل تقديم ما هو حقّه التأخير.

و ثالثا بأنّه يمكن أن تكون النكتة هي الحصر من جهة الهديّة و أنّ الخمس يكون بالخصوص في تلك الهديّة الخطيرة لا مطلق الهدايا، فيكون نظير المكاتبة الآتية «4» الآمرة بالخمس في الجائزة الخطيرة.

و رابعا بأنّه يمكن أن يقال: إنّ المقصود أنّ فيه الخمس منحصرا، دون حقّ آخر من الزكاة و الصدقات.

______________________________
(1) تقدّم في ص 151.

(2) في ص 150- 151.

(3) زبدة المقال: ص 83.

(4) في الصفحة الآتية.

171
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة الظاهر أنه لا خمس في الصداق 2 ص 167

..........

و خامسا بأنّه يستدلّ به بعد الجمع العرفيّ بينها و بين سائر الروايات برفع اليد عن الظهور في الاختصاص بصريح الأدلّة الأخر الدالّة على ثبوت الخمس في غير ذلك، المعلوم بالضرورة، بل ضرورة كونه في غيره كالقرينة المتّصلة المانعة عن انعقاد ظهوره في الحصر بالمعنى المخالف لها.

و سادسا باحتمال أن يكون الحصر بلحاظ التحليل في الفوائد المكتسبة بالتجارات، كما يظهر من مكاتبة عليّ بن مهزيار «1».

و منها: خبر عليّ بن الحسين، قال:

سرح الرضا عليه السّلام بصلة إلى أبي فكتب إليه أبي:

هل عليّ في ما سرحت إليّ خمس؟ فكتب إليه: «لا خمس عليك في ما سرح به صاحب الخمس» «2».

فإنّه لو كان أصل الهديّة و الصلة غير متعلّق للخمس كان التقييد ب‍ «ما سرح به صاحب الخمس» خاليا عن الفائدة الفعليّة، إلّا أنّ السند غير واضح.

و يدلّ على ذلك أيضا خبر الأشعريّ «3» و موثّق سماعة «4» و خبر الحضرميّ «5»- مع قطع النظر عن السند- و الآية الشريفة، «6» بناء على ضرورة عدم اختصاص الغنائم بغنيمة دار الحرب.

و يدلّ على الخمس في الجائزة الخطيرة بالخصوص مكاتبة عليّ بن مهزيار:

«و الجائزة من الإنسان للإنسان الّتي لها خطر» «7».

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من باب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 2 من ب 11 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) المصدر: ص 348 ح 1 من ب 8.

(4) المصدر: ص 350 ح 6 من ب 8.

(5) المصدر: ص 351 ح 8 من ب 8.

(6) سورة الأنفال: 41.

(7) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من باب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

172
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة الظاهر أنه لا خمس في الصداق 2 ص 167

و لعلّ الأصحّ أن يفصّل بين الخطيرة فيجب و غيرها فلا يجب. (1)

و لا يبعد صحّة الفتوى على طبقه.

لما عرفت من مكاتبة عليّ بن مهزيار.

و لا مانع من الحكم على طبقها إلّا أمور:

الأوّل: ما يظهر عن مصباح الفقيه من أنّ قيام الشهرة على خلافه دليل على عدم ثبوت الخمس فيه في الإسلام، و إلّا لم تقم عليه الشهرة «1».

و فيه: أنّه لم تثبت شهرة على عدم تعلّقه بهما، فإنّ السكوت لا يدلّ على ذلك، فإنّ الهبات الخطيرة لم تكن في كثرة الابتلاء كأرباح التجارات و الصناعات و الزراعات.

مع أنّها ليست حجّة إذا كانت مستندة إلى اجتهاد يقتضي ذلك، و لعلّ المنشأ هو أخبار الحصر في الخمس الّتي يأتي الكلام فيها إن شاء اللّه «2».

الثاني: أنّ كون الخمس في مطلق الفوائد مناف لأخبار الحصر في الخمس «3» و مناف لما دلّ من المعتبر على أنّه «ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصّة» «4».

و الجواب عن ذلك بوجوه:

منها: أنّ ذلك يحمل على التقيّة، خصوصا في رواية عبد اللّه بن سنان المشتملة على كلمة «خاصّة» الظاهرة في خصوص غنائم دار الحرب، لا مطلق الفوائد المكتسبة.

و منها: الحمل على تحليل غير الغنائم أو غير الخمسة، كما يظهر من الأخبار الحاكية عن رويّتهم عليهم السّلام بالنسبة إلى الخمس حتّى في عصر الصادقين عليهما السّلام «5».

______________________________
(1) مصباح الفقيه: ج 3 ص 129.

(2) في ص 186.

(3) الوسائل: ج 6 ص 338 الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) الوسائل: ج 6 ص 338 ح 1 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(5) راجع الوسائل: ج 6 ص 378 الباب 4 من أبواب الأنفال.

173
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة الظاهر أنه لا خمس في الصداق 2 ص 167

..........

و منها: الحمل على خصوص الفوائد الّتي تحصل بالاكتساب فيدخل فيها الهبة و يخرج منها الإرث و مثل المهر، فإنّه بعد إخراج الصداق و الإرث لا تأثير لدخول الهبة في الغنائم و عدم دخولها.

و منها: أن يكون المقصود من الغنائم مطلق الفوائد، و المقصود من الحصر أنّه ليس مثل الزكاة و أنّ مورده ما يزيد على مئونة السنة.

الثالث: أنّ ما دلّ من ثبوت الخمس في الهبة معارض بما دلّ على عدم الخمس بما يعطى في الحجّ و يزيد عنه، فعن عليّ بن مهزيار:

كتبت إليه: يا سيّدي رجل دفع إليه مال يحجّ به هل عليه في ذلك المال حين يصير إليه الخمس أو على ما فضل في يده بعد الحجّ؟ فكتب عليه السّلام: «ليس عليه الخمس» «1».

و الجواب عنه بوجوه:

منها: ضعف السند بسهل.

و منها: أنّ ما فضل عنه بعد الحجّ غير ما فضل عنه بعد المراجعة عن سفر الحجّ، فإنّ الأوّل ممّا يحتاج إليه.

و منها: أنّ ما يفضل في يده ليس خطيرا حتّى يجب عليه فيه الخمس، فيكون على طبق المكاتبة.

و منها: أنّه داخل في مثل المهر، لأنّه وجب عليه بإعطاء المال للحجّ و أخذه عمل من دون أن يكون مالا لمن أعطى ذلك، فلا خمس في عوضه.

و منها: أن يكون على نحو النيابة فخرج عن مورد البحث.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 1 من ب 11 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

174
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة الظاهر أنه لا خمس في الصداق 2 ص 167

..........

و منها: أن يكون المقصود أنّه ليس عليه الخمس حين يصير إلى الحجّ، فإنّ أصل الخمس مفروض في كلام السائل. و فيه تأمّل و إن كان يظهر من الجواهر «1».

الرابع: أنّ ما ذكر معارض بمعتبر أبي خديجة المتقدّم «2» و فيه «أو شي‌ء أعطيه» و قد حلّله الصادق عليه السّلام لجميع الشيعة إلى يوم القيامة على ما فيه، و قد مرّ سابقا أنّ الظاهر منه- بقرينة ذكر الخادم و التجارة من دون فرض الربح و الميراث- هو ما يصل إليه ممّن لم يعط خمسه، و هو الظاهر من وقوع السائل في الضيق- الظاهر من سؤاله- و هذا غير وجود الخمس من حيث إنّه فائدة حصلت في يده، و الإطلاق المقاميّ لا يقتضي عدم الخمس في الهبة مطلقا.

الخامس: أنّ التفصيل بين الخطير و غيره مخالف للمشهور، بل لم يعرف قائل به، و مناف لما يظهر منه الخمس في مطلق الفوائد، و لا يدلّ المكاتبة على عدم تعلّق الخمس بغير الخطير أصلا، فلعلّه كان موردا للتحليل.

و الجواب أنّ من قال بالخمس في الهبة حمل «التفصيل بين الخطير و غيره» على الصرف في المئونة و عدمه، كما يظهر من كلام الشيخ الأنصاريّ قدس سرّه «3»، فلم يعرضوا عنها.

و أمّا كون مفاده التحليل فالجواب عنه أنّه كاف في الحكم بالتفصيل ثبوت التحليل فيستصحب.

و تقريب الاستصحاب بوجوه: إمّا استصحاب رضائه وليّ الأمر، و إمّا استصحاب رضائه حجّة العصر عليه السّلام، لكونه موجودا في عصر الجواد عليه السّلام في الواقع على ما يظهر من بعض الأخبار، و إمّا استصحاب رضايته عليه السّلام بعد ولاية‌

______________________________
(1) ج 16 ص 55.

(2) في ص 166.

(3) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ قدس سرّه: ص 194.

175
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الخامسة لا شبهة عندهم في أن الخمس الذي يتعلق بالفوائد إنما هو بعد إخراج مئونة حصول الربح 1 ص 176

المسألة الخامسة: لا شبهة عندهم في أنّ الخمس الذي يتعلّق بالفوائد إنّما هو بعد إخراج مئونة حصول الربح (1).

و لا شبهة أيضا في صدق ذلك على ما يصرف في تحصيله (2).

و الظاهر أنّ من ذلك ما ينقص من ماله و لو من حيث القيمة في أمره في تلك الأشياء، فإنّه راض بفعل أبي جعفر عليه السّلام قطعا، و إمّا استصحاب حلّيّة غير الخطير للشيعة.

و أمّا عمومات الفوائد فلا حجّيّة لها مع استصحاب الحلّيّة، إذ لا منافاة بين تعلّق الخمس بالذات و حلّيّته من جانب صاحب الخمس.

و يدلّ على ذلك صحيح البزنطيّ، قال:

كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام: الخمس أخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة؟ فكتب: «بعد المئونة» «1».

و حسن إبراهيم أو الصحيح، إنّ في توقيعات الرضا عليه السّلام إليه: «أنّ الخمس بعد المئونة» «2».

و القدر المتيقّن منه مئونة الربح، لأنّه إمّا أن يكون هو المقصود و إمّا أن يكون المقصود مئونة الشخص فيشمل مئونة الربح.

مع أنّ الإضافة إلى نفس الربح الملحوظ من جهة الخمس متيقّن، و أمّا من حيث إضافة الربح إلى الشخص فهو غير متيقّن، لأنّه غير ملحوظ في الخبر الثاني، و الموضوع في الأوّل يكون هو خمس الربح، و الإضافة إلى نفسه لقوله «أخرجه» ورد من جهة السؤال عن تكليفه، لا من جهة احتمال إضافة المئونة إليه.

هذا، مع أنّه لا يصدق عنوان الغنيمة إلّا بعد إخراج مئونة تحصيل الربح.

كأجرة محلّ الكسب و الخادم و الدلّال و الحمّال.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 1 و 2 من ب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 1 و 2 من ب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

176
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الخامسة لا شبهة عندهم في أن الخمس الذي يتعلق بالفوائد إنما هو بعد إخراج مئونة حصول الربح 1 ص 176

تحصيله، كالسيّارة و المعامل بعد الاستعمال (1).

و أمّا اشتراء المحلّ مثلا للتجارة أو المعامل أو آلات العمل ففي استثنائه من مئونة الربح أو من مئونة الشخص ممّا يستثني تلك منه ففيه إشكال (2)، و الأظهر- و هو العالم- عدم الاستثناء (3).

و ذلك لصدق الصرف في مئونة الربح بل لا يصدق الفائدة عرفا إلّا بعد استثناء ذلك.

وجه الإشكال أنّ صدق المئونة متوقّف على الصرف، و من اشترى المحلّ فلم يصرف ذلك في الربح و لا لنفسه، و مقتضى ذلك: عدم الاستثناء أصلا لا من مئونة الربح و لا من مئونة الشخص، لكن يبقى سؤال الفرق بينه و بين البيت المشترى للسكنى أو الفروش و الأثاث و أمثال ذلك، فإنّه لم يصرف أيضا بل ربما يزيد بقاؤه في ماليّته، فيقال: ما الفرق بين محلّ الكسب و آلاته و بيت السكنى حيث إنّ بيت السكنى يعدّ من مئونة الشخص و لا يعدّ ذلك من مئونة الربح و لا من مئونة الشخص.

و ذلك لصدق الصرف على بيت السكنى من جهة الاحتياج إليها إلى آخر عمره، فلا يمكن بحسب المتعارف صرفه في مصارف معيشته. و كذا اللباس و الفروش، فإنّه يشتري بداعي البقاء إلى آخر العمر و يصرف النظر عن صرفه في معيشته، و هذا بخلاف محلّ التجارة كالدكّان و الخان، فإنّه لا يحتاج إليه إلى آخر العمر، بل الاحتياج إليه ما دام الكسب، و بعده يصرف في المئونة من دون حرج، فإنّ محلّ الكسب في فرض عدم الاحتياج- الذي يحصل لكلّ شخص قطعا و لو في شهرين من آخر عمره- يكون كسائر أمواله و مستغلّاته من غير فرق أصلا، فلا يصدق عليه مئونة الكسب و لا مئونة الشخص، لعدم الصرف أصلا.

177
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الخامسة لا شبهة عندهم في أن الخمس الذي يتعلق بالفوائد إنما هو بعد إخراج مئونة حصول الربح 1 ص 176

و من ذلك يظهر الكلام في رأس المال (1) و أنّه لا يستثني من الخمس، لكن قد يقال بكون رأس المال المحتاج إليه في مئونة سنته يستثني من الربح، و قد يقال: إنّه يستثني إذا لم يزد على مئونة السنة، و قد يقال: إنّه إذا كان أداء الخمس موجبا لكسر رأس ماله المحتاج إليه في مئونة سنته المطابق لشأنه فلا يجب أداؤه حينئذ (2).

و ذلك لوجوده و عدم الصرف في الربح، و صرف الاحتياج إليه من دون الصرف لا يوجب أن يصدق عليه عنوان المئونة، بل هو أولى من الدكّان و الخان، فإنّ عدم الصرف في رأس المال الذي هو من النقود أو الذي جعل للتبديل بها أوضح.

و المراد من مئونة السنة في القولين الأوّلين إمّا خصوص مئونة سنة الربح، أو الأعمّ منها و من مئونة السنوات الآتية، و أمّا في القول الثالث فلا يتصوّر إلّا أن يكون المراد بمئونة السنة مئونة السنوات الآتية، فإنّ أداء الخمس إنّما يكون بعد مضيّ حول سنة الربح، لكن يتصوّر فيه أن يكون المقصود أنّه إذا كان أداء مجموع الخمس موجبا للتنزّل إلى رأس مال لا يفي بمئونته فلا يجب، و إن كان أداء بعضه لا يوجب ذلك فلا يجب أداء البعض أيضا. و يمكن أن يكون المقصود أنّه يجب أداء كلّ بعض من أبعاض الخمس إلّا البعض الذي يوجب المحذور المتقدّم.

فالوجوه الجارية في رأس المال بحسب ما يستفاد من كلمات أصحابنا المتأخّرين ثمانية:

الأوّل: أن يكون رأس المال الذي يكون موردا للاحتياج- و لو بالنسبة إلى السنوات المتأخّرة عن الربح- من المئونة، و حينئذ لو استقرض ثلاثين ألفا فربح ثلاثين ألفا و أدّى دينه و كان محتاجا في إعاشة سنواته إلى أربع و عشرين ألفا من‌

178
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الخامسة لا شبهة عندهم في أن الخمس الذي يتعلق بالفوائد إنما هو بعد إخراج مئونة حصول الربح 1 ص 176

..........

جهة رأس المال فمورد الخمس هو خصوص ستّة آلاف، فلا بدّ من إعطاء خمس ستّة آلاف و هو ألف و مأتان.

الثاني: أن يلاحظ خصوص سنة الربح، فحينئذ لو كان محتاجا في بقيّة سنته إلى ذلك من جهة الاسترباح فهو كالفرض المتقدّم فيعطي ألفا و مأتين خمسا، و أمّا لو لم يكن محتاجا في مئونة سنته إلى ذلك أصلا- بأن يكون مئونته واصلة إليه من جانب أبيه مثلا- فلا بدّ من إعطاء خمس الثلاثين و هو ستّة آلاف.

الثالث: أن يستثني رأس المال بمقدار مئونة سنة ربحه، فلو كان في الفرض المذكور لا بدّ له إمّا من صرف جميع الثلاثين في مئونة سنة ربحه أو التجارة به و الإعاشة بربحه فلا خمس عليه، لكن لو لم يكن محتاجا في مئونة سنة ربحه إلّا إلى عشرة آلاف منها فالمستثنى من الخمس ذلك المقدار و في الباقي الخمس.

الرابع: أن يكون المستثنى من رأس المال ما يكون مئونة لكلّ سنة من سنواته الآتية لا خصوص سنة الربح. و حكمه يظهر ممّا ذكر.

الخامس: أن يكون المستثنى هو رأس المال الذي إن أعطى خمسة لا يفي بمئونة سنواته الآتية. و مقتضى ذلك في المثال المذكور: إعطاء جميع خمس الثلاثين، فإن المفروض أنّه تكفي أربعة و عشرون للاسترباح بها، و في الفرض المذكور لو كان الكافي لمئونة سنواته الآتية خمسا و عشرين فلا خمس عليه أصلا.

السادس: أن يكون عليه بعض الخمس بمقدار لا يضرّ بما يحتاج إليه من رأس المال في سنواته الآتية، فلا بدّ في المثال المتقدّم- المفروض أنّ ما يكفي هو خمس و عشرون ألفا- أن يعطي خمسة آلاف.

السابع: الاحتياط بعدم الاستثناء أصلا، كما في العروة الوثقى «1».

______________________________
(1) في المسألة 59 من الفصل الأوّل من كتاب الخمس.

179
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الخامسة لا شبهة عندهم في أن الخمس الذي يتعلق بالفوائد إنما هو بعد إخراج مئونة حصول الربح 1 ص 176

..........

الثامن- و هو الأصحّ-: هو الحكم بعدم الاستثناء كما أفتى بذلك بعض علماء العصر. و الوجه فيه: ما تقدّم من عدم الصرف.

و هنا وجه تاسع ينشأ من احتمال استثناء رأس المال من باب مئونة الربح، فيقال: إنّ من له ثلاثون تومانا فأحدث محلّا آخر و جعل رأس مال له من ربحه بعد إعطاء خمسه فربح بمقدار رأس المال الجديد فلا خمس، لأنّه من مئونة الربح.

و عاشر و هو التفصيل بين الآلات و الدكّان ممّا لا يكون موردا للنقل و الانتقال فيحكم بالاستثناء، بخلاف رأس المال الذي يوضع للتجارة به.

و أمّا مدارك الوجوه المذكورة:

فمدرك الأوّلين دعوى صدق مئونة الشخص بذلك.

كما أنّ مدرك الاحتمال الأخير غير المذكور في كلامهم: دعوى صدق مئونة الربح على ذلك.

و مدرك الثالث هو الجزم بصدق المئونة في ما إذا احتاج إلى مقدار من المال في تلك السنة إمّا لصرف نفس المال في مصارفه و إمّا للتجارة و الاسترباح به.

و أمّا الرابع فلا وجه ظاهرا له، من جهة أنّ مبني عدم زيادة رأس المال على مقدار المئونة هو ملاحظة عدم مئونة السنوات الآتية، و إلّا كان اللازم اشتراط عدم كون رأس المال زائدا على مئونة مدّة العمر، فتأمّل.

و أمّا الخامس فيمكن أن يكون الوجه فيه أنّ المقصود من استثناء المئونة أنّه لا يصرف مقدار المئونة في الخمس، فرأس المال المحتاج إلى مجموعه لا خمس فيه، لأنّه لا بدّ من إعطاء الخمس من المئونة، و أمّا الذي لا يكون مجموعه موردا للاحتياج لكن إخراج الخمس منه يكون موجبا لنقص رأس المال فلا يتعلّق به الخمس، لأنّ إخراج جميع الخمس موجب لإخراج المئونة و قد فرض عدم الإخراج منه، و إخراج العشر- مثلا أو أقلّ- من الخمس لا يكون مفادا لدليل‌

180
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الخامسة لا شبهة عندهم في أن الخمس الذي يتعلق بالفوائد إنما هو بعد إخراج مئونة حصول الربح 1 ص 176

..........

الخمس، فالمفروض فيه أنّ رأس المال من المئونة، لكن ليس مفاد استثناء المئونة عدم حساب المئونة أصلا في مقام التخميس، فهو مركّب من مقدّمات: الاولى أنّ رأس المال من المئونة. الثانية أنّ ما يحتاج إليه في مئونة سنواته الآتية من رأس المال من المئونة، و لا يختصّ بخصوص سنة الربح. الثالثة أنّ مفاد استثناء المئونة عدم ورود النقص عليه، لا عدم حسابه أصلا في مقام تعلّق الخمس.

و أمّا السادس فالوجه فيه ما تقدّم لكن مع فرض دعوى «أنّ دليل الخمس يحكم بإعطاء جميع الفاضل بنحو العامّ الاستغراقيّ» أو دعوى «أنّ مقتضى المخصّص في مثل العشرة أيضا هو حجّيّة الدليل بالنسبة إلى الباقي» أو يقال: «إنّ ما يدلّ على حلّيّة من أعوزه من حقّه عليه السّلام «1» شامل لذلك، للاحتياج إليه في مئونته في السنة الآتية».

و يتوجّه على غير الأخير ما تقدّم من أنّ الكلّ متوقّف على صدق المئونة، و هو ممنوع لعدم الصرف، بل على الأخير أيضا، بناء على الوجه الأوّل في بيان المدرك، و أمّا الوجه الثاني فلا يقتضي أزيد من عدم الوجوب في صورة الإعسار- كما في الديون الأخر- فحينئذ لو تمكّن من أداء تمام الخمس بالأقساط الممتدّة فليس عنوان الإعواز صادقا عليه أو يكون مشكوك الصدق.

إن قلت: التعرّض لرأس المال في غير واحد من روايات باب الأرباح- كرواية الأكرار «2» و مكاتبة عليّ بن مهزيار «3» و رواية يزيد «4»- و عدم التنبيه على الخمس إلّا في الربح في التجارة أو الضيعة دليل على عدم الخمس في رأس المال أصلا، فالسكوت في مقام البيان دليل على عدم الخمس فيه، إذ يشمل صورة غير‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 379 ح 2 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(2) المتقدّمة في ص 145.

(3) المتقدّمة في ص 92.

(4) المتقدّمة في ص 170.

181
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الخامسة لا شبهة عندهم في أن الخمس الذي يتعلق بالفوائد إنما هو بعد إخراج مئونة حصول الربح 1 ص 176

..........

الإرث و الصداق و ما أدّى خمسه قبل ذلك و غيرها ممّا حصل له بالاسترباح و جعل رأس المال.

قلت: هذا نظير من يأتي عند المجتهد و يذكر ربحه في السنة، فالمفروض كون رأس المال ملكا له بتمامه، و الإطلاق المقاميّ إنّما هو في فرض عدم فرد آخر لا يتعلّق به الخمس أو ندرة ذلك، لا مثل المقام الذي يمكن أداء خمسه قبلا من باب وصول أخبار تعلّق الخمس بالأرباح حتّى الخيّاط «1».

إلّا أن يقال: إنّ التحليل بالنسبة إلى رأس المال المحتاج إليه مستفاد من عموم التحليل إلّا بالنسبة إلى الموارد الثلاثة- من الذهب و الفضّة و الضيعة الّتي تفي بمئونة صاحبها- و الفوائد و الغنائم بالمعنى المذكور منها في المكاتبة «2»، فيستصحب بالتقريب المتقدّم سابقا «3».

إلّا أن يقال في جوابه: إنّ المستفاد من المكاتبة هو التحليل الموقّت و هو في عام مأتين و عشر، و هو بنفسه يدلّ عرفا على الاحتياج إلى المراجعة في العام القابل، كما في تحليل منافع الدار من جانب المالك لشخص إلى سنة واحدة.

لكنّ الإنصاف عدم اطمينان النفس بتعلّق الخمس برأس المال مطلقا، و ذلك لما تقدّم من السكوت في غير واحد من الأخبار، و للتحليل المستفاد من المكاتبة، و لقوله فيها «لما ينوبهم» و رأس المال ممّا يحتاج إليه.

و يمكن الجواب عن الأوّل- الذي هو العمدة- بأنّ السكوت في بعض الروايات لعلّه من باب التحليل، و إطلاق ما في معتبر أبي عليّ بن راشد «4» الوارد في مقام أخذ الحقوق و أنّ الخمس في أمتعتهم محكّم، و السكوت في بعضها كخبر‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 348 الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) في ص 175.

(4) المتقدّم في ص 145.

182
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السادسة لو صرف مالا في سبيل استرباح سنين عديدة ص 183

و مع ذلك فالاحتياط لا يترك في الاستيهاب من أرباب الأموال (1).

المسألة السادسة: لو صرف مالا في سبيل استرباح سنين عديدة

لكن في السنة الأولى مثلا أعطى إجارة الدكّان للسنوات الآتية فهل يحسب ذلك من مئونة الربح في السنة الأولى أو من مئونة الشخص أو فيه تفصيل؟ وجوه (2).

و الظاهر احتساب ما يصرف في ما يتعلّق بالكسب المحتاج إليه في مئونة سنواته في مئونة سنته فيستثنى من الخمس، و أمّا غير ذلك ممّا يصرف في الكسب المقصود به ازدياد الثروة فالأحوط استثناؤه من مئونة مجموع الربح.

ريّان بن الصلت «1» لعلّه كان من أجل أنّ السائل معلوم الحال عند أبي محمّد عليه السّلام من إعطاء خمس ما جعله رأس ماله أو كان ذلك إرثا من أبيه مثلا.

و أمّا قوله «لما ينوبهم» «2» فلعلّ المستفاد منه هو العوارض الّتي تعرض الشخص الموجبة لصرف المال، مع أنّ المستفاد منه أنّ العلّة لذلك مجموع التفضّل منه عليه السّلام و ما ذكر من العوارض الّتي تعرض لأرباب الأموال و اغتيال السلطان أموالهم.

لما ذكر في التعليق المتقدّم أخيرا.

الظاهر وضوح عدم احتسابه من مئونة الربح في السنة الأولى، فإنّ الربح لا يقدّر بالسنة، و الربح الموجود لم يصرف فيها في المثال أكثر ممّا أعطى لاجرة السنة الاولى.

و أمّا الاحتساب من مئونة الشخص فلا إشكال فيه إذا كان الاكتساب المفروض موردا لاحتياجه في مئونته، و أمّا إن كان لازدياد الثروة فاحتسابه من مئونة سنة الشخص لا يخلو عن إشكال.

______________________________
(1) المتقدّم في ص 150.

(2) المتقدّم في ص 92.

183
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السابعة استثناء مئونة الشخص و عياله في خمس الأرباح ص 184

و يترتّب على ذلك أيضا عدم احتسابه من مئونة السنة في ما لا يخرج منه ذلك، كالمعدن و لو كان المعدن موردا لاحتياجه.

المسألة السابعة [استثناء مئونة الشخص و عياله في خمس الأرباح]

لا إشكال أيضا في استثناء مئونة الرجل و عياله عمّا يتعلّق به الخمس في الجملة (1)، و إنّما الإشكال في مواضع: و احتساب ذلك من مئونة مجموع الربح خال عن الإشكال ظاهرا.

و يدلّ على استثناء ذلك من ربح السنة الّتي صرف فيها ذلك ما تقدّم من رواية الأكرار «1» و فيه: «و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّا» و قال عليه السّلام بعد ذلك: «لي منه الخمس ممّا يفضل من مئونته»، مع احتمال أن يكون عمارة الضيعة بعد ظهور الربح كما قد يكون إصلاح الأنهار و القنوات في حال الفراغ عن وضع المحصول.

و الظاهر دلالة رواية إبراهيم المعتبرة على ذلك أيضا حيث قال:

فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المئونة مئونة الضيعة و خراجها لا مئونة الرجل و عياله، فكتب- و قرأه عليّ بن مهزيار-: «عليه الخمس بعد مئونته و مئونة عياله و بعد خراج السلطان» «2».

كما يدلّ عليه غير واحد من الروايات:

فمنها: ما تقدّم آنفا من صحيح إبراهيم.

و منها: ما تقدّم من خبر الأكرار «3» المرويّ عن النيشابوريّ.

و منها: صحيح ابن راشد، و فيه:

فقلت: في أيّ شي‌ء؟ فقال: «في أمتعتهم‌

______________________________
(1) في ص 145.

(2) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 4 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) في ص 145.

184
کتاب الخمس (للحائري)

احتمال استثناء مئونة الشخص و العيال من المعدن أيضا ص 185

[احتمال استثناء مئونة الشخص و العيال من المعدن أيضا]

منها: أنّه هل يختصّ استثناء المئونة بأرباح المكاسب و لا يستثني مئونة الرجل ممّن شغله استخراج المعدن مثلا؟ مقتضى ظاهر كلمات الأصحاب- رضوان اللّه عليهم- ذلك (1).

و صنائعهم» (ضياعهم) قلت: و التاجر عليه و الصانع بيده؟ فقال: «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» «1».

و ربما يدلّ عليه ما تقدّم «2».

من حيث التصريح بإخراج مئونة الربح في مثل المعدن و الكنز و الغوص، و الاختلاف في إخراجها منه في غنيمة دار الحرب، و السكوت عن إخراج مئونة الرجل و عياله، و التصريح بإخراج مئونة الربح و الشخص في أرباح المكاسب، الظاهر في أنّ عدم إخراج مئونة الشخص من مثل المعدن كان مسلّما عندهم و مفروغا عنه.

و لعلّ الوجه في اختصاص ذلك بأرباح المكاسب- حتّى جعلوا الموضوع في بحث الأرباح ما يفضل عن مئونة سنته- أمور نذكرها إن شاء اللّه تعالى:

الأوّل: أخبار العدد المشتمل على الغنائم أيضا، كخبر حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الأوّل:

«الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم و من الغوص و الكنوز و من المعادن و الملّاحة» «3».

و خبر ابن أبي عمير:

«الخمس على خمسة أشياء: الكنوز، و المعادن، و الغوص، و الغنيمة» و نسي ابن أبي عمير الخامسة «4».

______________________________
(1) تقدّم في ص 145.

(2) مثل ما في ص 144.

(3) الوسائل: ج 6 ص 340 ح 9 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) الوسائل: ج 6 ص 339 ح 2 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

185
کتاب الخمس (للحائري)

احتمال استثناء مئونة الشخص و العيال من المعدن أيضا ص 185

..........

بيان الاستدلال أنّه إن كان المراد بالغنيمة: خصوص غنيمة دار الحرب كان مخالفا لما هو الثابت قطعا بالأخبار الكثيرة من أنّ الخمس في جميع الفوائد «1» و أنّ المراد بالغنيمة هو الفائدة يوما بيوم «2»، فلا بدّ أن يكون المراد منها مطلق الفوائد، و حينئذ لا يبقى حسن للتعداد بل الخمس إنّما هو في شي‌ء واحد هو الفوائد مطلقا، إلّا أن يكون بين الأمور المعدودة فرق من حيث الموضوع، و ليس الفرق إلّا بأن يكون موضوع الغنائم- الّتي هي غير غنائم دار الحرب- ما يفضل عن مئونة السنة كما هو المعنون أيضا في مقام تعداد موارد الخمس في كلمات الأصحاب رضوان اللّه عليهم.

و فيه: أنّ الظاهر أنّ صرف الاختلاف في بعض القيود لا يحسّن التعداد عرفا، كيف؟ و لو كان كذلك لكفى اشتراط النصاب في المعدن و الكنز و الغوص دون سائر الفوائد، فالإشكال في روايات العدد مشترك الورود لا بدّ من الجواب عنه بعد فرض كون الخمس في مطلق الفوائد من أجل الأخبار الكثيرة المتقدّمة في أوّل بحث الأرباح «3».

و الجواب عنه: إمّا بالحمل على التقيّة و صدور روايات العدد على نحو يناسب مذاق فقهاء العامّة من حيث ورود الدليل عندهم على تعلّق الخمس بالركاز، كما تقدّم في أوّل هذا الكتاب «4»، و إمّا بالحمل على أنّ غير الخمسة من سائر الفوائد مورد للتحليل، كما ينبئ عن ذلك غير واحد من الأخبار المتقدّمة من كون خمس الأرباح كان موردا للتحليل إلى عصر أبي الحسن الرضا عليه السّلام أو إلى عصر‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 348 الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 380 ح 8 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(3) في ص 144 و ما بعدها.

(4) في ص 15.

186
کتاب الخمس (للحائري)

احتمال استثناء مئونة الشخص و العيال من المعدن أيضا ص 185

..........

أبي الحسن الأوّل عليه السّلام و أنّ الذي لا بدّ منه أداء الخمس تلك الخمسة. و الجوابان كلاهما مبنيّان على كون المراد بالغنائم غنائم دار الحرب.

و يمكن أن يكون المراد بالغنائم ما يستفاد من مكاتبة عليّ بن مهزيار «1» و أنّ المقصود بها هو الفوائد غير المترقّبة الّتي لا يبنى عليها أساس المعيشة في العرف، و أن يكون الاقتصار على الخمسة من حيث التحليل- كما هو المستفاد من المكاتبة صريحا- و أنّ الغنائم بالمعنى المذكور لا يكون موردا للتحليل أصلا «فهي واجبة عليهم في كلّ عام».

الثاني: ما دلّ على وجود الخمس في خصوص العناوين المذكورة كالمعدن و الكنز و الغوص.

و الاستدلال بذلك على مسلك المشهور يتمّ بضمّ إحدى المتقدّمتين:

إمّا بأن يقال: إنّ دليل استثناء المئونة من مطلق الفائدة منصرف إلى ما ثبت فيه الخمس بعنوان أنّه فائدة لا بعنوان أنّه كنز أو معدن مثلا.

و فيه: منع الانصراف كما هو واضح.

أو يقال: إنّه بعد الظهور في الخصوصيّة لا بدّ من عدم استثناء مئونة الشخص، و إلّا كان عاريا عن الخصوصيّة بعد وضوح عدم تعلّق خمسين بالمعدن من دون أن يحصل فيه ربح زائد على ما حصل بالاستخراج.

و الجواب عن ذلك ما تقدّم في مقام الجواب عن أخبار العدد من أنّه يكفي في الخصوصيّة عدم كون مثل المعدن و الكنز موردا للتحليل بخلاف الأرباح.

مع أنّه يكفي في الخصوصيّة تعلّق الخمس بنفس مثل المعدن فلا يجبر خسران فائدة أخرى بربح المعدن كما لا يجبر خسرانه بربح مكسب آخر، و على‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

187
کتاب الخمس (للحائري)

احتمال استثناء مئونة الشخص و العيال من المعدن أيضا ص 185

..........

فرض لزوم أداء العين أو القيمة- لا جنس آخر- لا يكفي إعطاء الخمس من مكسب آخر، بخلاف ما كان يدخل في مطلق الفائدة، فإنّ العين المتعلّق بها الخمس حينئذ مطلق ذلك، فيكفي لمن كان- مثلا- معيشته من البستان المشتمل على فواكه مختلفة أن يعطي الخمس المتعلّق بالرّمان و التين من أحدهما بالخصوص، لأنّ الموضوع مطلق الفائدة.

مع أنّ الظهور في الخصوصيّة بعد ورود الدليل العامّ غير معتبر عند العقلاء، فلو ورد دليل على أنّ «الخمر حرام» و دليل آخر على أنّ «كلّ مسكر حرام» فليس للأوّل ظهور في حرمة اخرى بحيث كان الخمر متعلّقا للحرمتين الموجبتين للتأكّد.

الثالث: أن يقال: إنّ أدلّة النصاب في المعدن و الكنز و الغوص تعارض أدلّة استثناء المئونة، فإنّ مقتضى الاولى: عدم الخمس قبل البلوغ إلى حدّ النصاب سواء كان زائدا عن المئونة أم لا، و إذا بلغ حدّ النصاب ففيه الخمس من دون استثناء المئونة، و مقتضى دليل الاستثناء أنّ الخمس يكون في الأمور المذكورة إذا كان زائدا عن المئونة، و ليس فيها الخمس إذا لم يكن كذلك، بلغ حدّ النصاب أم لا. و الجمع بين الطائفتين إمّا بأخذ القيدين في الخمس فيؤخذ بالعقد السلبيّ في كلا الدليلين، فإذا لم يبلغ النصاب أو لم يكن زائدا على المئونة و لو بلغ النصاب فلا خمس، و يقيّد العقد الإيجابيّ في كلا الدليلين بالعقد السلبيّ فيهما، و إمّا يؤخذ بالعقد الإيجابيّ في كلا الدليلين فإذا بلغ النصاب ففيه الخمس، كما أنّه إذا زاد عن المئونة ففيه الخمس، و إمّا أن يلقى دليل استثناء المئونة بالنسبة إلى ما فيه النصاب، و مقتضى الرجوع إلى أصل دليل الخمس في الأمور المذكورة: عدم استثناء المئونة فيها إذا بلغت حدّ النصاب.

و الجواب عن ذلك أنّ أخبار النصاب لا دلالة فيها على العقد الإيجابيّ بنحو الإطلاق، بحيث يكون مقتضاها وجوب الخمس إذا بلغ حدّ النصاب و لو لم يكن‌

188
کتاب الخمس (للحائري)

احتمال استثناء مئونة الشخص و العيال من المعدن أيضا ص 185

..........

زائدا على المئونة، فإنّها بين ما ليس إلّا بصدد نفي الخمس في غير البالغ حدّ النصاب، كرواية البزنطيّ عن الرضا عليه السّلام، قال:

سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز، فقال:

«ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس» «1».

فإنّ أصل وجوب الخمس في الكنز مفروض في السؤال الملازم للعلم بوجوب الخمس في الزائد عن الحدّ و السؤال عن الحدّ و أنّ ما لا يجب فيه الخمس من الكنز إلى أيّ مقدار أو أيّ فرد منه مثلا؟ و بين ما هو بصدد العقد الإيجابيّ لكن لا بنحو الإطلاق بل بالشرائط المقرّرة له، كما في رواية الصدوق، قال:

سئل أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد، و عن معادن الذهب و الفضّة هل فيها زكاة؟ فقال: «إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس» «2».

فإنّ الخمس ليس مفروضا فيه، فهو بصدد بيان الخمس بشرائطه المقرّرة، كما أنّ السؤال عن الزكاة ليس على وجه الإطلاق بل بشرائطها المقرّرة، و حينئذ ليس لأخبار النصاب دلالة على العقد الإيجابيّ بنحو الإطلاق، و أمّا روايات المئونة فالظاهر أنّ رواية الأشعريّ دالّة على السلب و الإيجاب على وجه الإطلاق- من جهة المقدار و من جهة الأفراد- لمكان السؤال، و فيه: قال:

كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام:

أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و على الصناع؟ و كيف‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 345 ح 2 من ب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 347 ح 2 من ب 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

189
کتاب الخمس (للحائري)

احتمال استثناء مئونة الشخص و العيال من المعدن أيضا ص 185

..........

ذلك؟ فكتب بخطّه: «الخمس بعد المئونة» «1».

و حينئذ لا تعارض بين العقد السلبيّ من رواية الأشعريّ مع الإيجابيّ من دليل النصاب، إذ فرضنا عدم الدلالة له على العقد الإيجابيّ أصلا أو على وجه الإطلاق. و أمّا تعارض العقد الإيجابيّ من رواية الأشعريّ مع العقد السلبيّ من دليل النصاب فحيث إنّ العقد السلبيّ من دليل النصاب صريح في عدم الخمس في ما إذا لم يبلغ حدّ النصاب، بعد عدم الدلالة فيه على العقد الإيجابيّ و شمول إطلاقات استثناء المئونة من دون معارض (لأنّه لو لا الإطلاق في العقد السلبيّ و كان عدم الخمس في فرض عدم بلوغ النصاب دائرا مدار المئونة لكان النصاب لغوا) فخبر الأشعريّ المتضمّن للعقدين إن كان شاملا لموارد النصاب فاللازم تقديم العقد السلبيّ من أخبار النصاب، و إن لم يكن شاملا لها فالعقد السلبيّ في أخبار النصاب أيضا بلا مقيّد- و فرض تقيّد العقد السلبيّ في أخبار المئونة بالعقد الإيجابيّ في أخبار النصاب قد عرفت بطلانه، لعدم وجود الدليل المطلق في أخبار النصاب بالنسبة إلى العقد الإيجابيّ- و مقتضى ذلك هو عدم الخمس في غير البالغ حدّ النصاب و لو كان زائدا على المئونة، و في البالغ حدّ النصاب تراعى المئونة، و هو المطلوب، فافهم و تأمّل.

الرابع: عدم الدليل على استثناء مئونة السنة في مثل المعدن و الكنز و الغوص.

و الجواب عن ذلك أنّ رواية الأشعريّ ظاهرة في أنّ المراد بالمئونة ليس خصوص مئونة الربح، إذ المفروض فيه: جميع أفراد الفائدة و جميع مقاديرها من القليل و الكثير، و قليل الفائدة لا مئونة له نوعا، خصوصا لو كانت العبارة «و على الصناع» فإنّه لا مئونة لما يربحه الصانع كالخيّاط و أمثاله.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 1 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

190
کتاب الخمس (للحائري)

احتمال استثناء مئونة الشخص و العيال من المعدن أيضا ص 185

..........

مع أنّ الذي يكون على كلّ حال هو مئونة الشخص، فالإعراض عن حكمه و التعرّض لمئونة الربح الّتي ربما كان أغلب المكاسب في العصور الساذجة غير محتاجة إليها أصلا- حتّى في مثل البيع و الشراء- بعيد جدّا.

و من ذلك يظهر جواز التمسّك بما تقدّم من إطلاق أنّ الخمس بعد المئونة، «1» فإنّه لا بدّ أن يكون المراد إمّا خصوص مئونة الشخص أو الأعمّ، فإخراج مئونة الشخص كإخراج القدر المتيقّن في مقام الإرادة الاستعماليّة، و إن كان مئونة الربح هي القدر المتيقّن في مقام الانطباق بناء على أن يكون مئونة الربح هي مئونة الشخص أيضا، لكنّه مشكل أيضا في التجارات الّتي يكون المقصود فيها ازدياد الثروة، كيف؟ و إطلاق خبر الأشعريّ «2» و المعتبرين المتقدّمين «3» لا يخلو عن دلالة بعد فرض كون المقصود إخراج المئونة بوجودها السعي لا صرف الوجود، كما هو واضح.

و يدلّ عليه أيضا صحيح أبي عليّ بن راشد، ففيه:

فقال: «في أمتعتهم و صنائعهم» قلت: و التاجر عليه و الصانع بيده؟ فقال: «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» «4».

فإنّ المعدن متاع عرفا، و التاجر في المتاع- المذكور في الرواية- يصدق على من يستخرج المعدن و يبيعه.

مع أنّه لو اقتصر في استثناء المئونة بربح التجارات و الصناعات و الضيعات لخرج مثل الاصطياد و حيازة المباحات و جميع الفوائد الخارجة عن العناوين المتقدّمة الّتي منها أجور الأعمال غير الصناعيّة، فلو ألقيت الخصوصيّة في ذلك‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 1 و 2 من ب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) المتقدّم في ص 189.

(3) في ص 184.

(4) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 3 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

191
کتاب الخمس (للحائري)

لو ارتفعت قيمة المعدن يجب الخمس من حيث الأرباح أيضا ص 192

و لنا في ذلك إشكال، إلّا أنّه لا يترك الاحتياط بأداء الخمس من دون استثناء نفسه و عياله (1).

[لو ارتفعت قيمة المعدن يجب الخمس من حيث الأرباح أيضا]

ثمّ إنّه على المشهور بين الأصحاب لو استخرج المعدن مثلا و كانت قيمته أربعين دينارا مثلا فأعطى خمسة أو لم يعطه ثمّ ارتفعت قيمته فباعه فربح فيه كان الربح متعلّقا لخمس الأرباح بشرائطه بل و إن لم يبعه. (2)

فكذلك في مثل المعدن و الغوص.

فمقتضى الدليل استثناء مئونة السنة من المعدن و الكنز و الغوص إلّا أنّ الأصحاب- رضوان اللّه عليهم- لم يذكروه، فلا بدّ من الاحتياط الذي هو طريق النجاة.

و ذلك لكونه خلاف المشهور بين الأصحاب حتّى أنّهم لم ينبّهوا على خلاف في ذلك.

و ذلك لأنّ إعطاء خمس المعدن لا يجزئ عن خمس الربح الذي حصل له بعد الاستخراج، فهو داخل في الأرباح و قد تقدّم أنّ زيادة القيمة من دون البيع أيضا فأيده، ففيها الخمس بالشرط المذكور في المئونة من كونه زائدا على مئونة السنة.

و هو الذي تعرّض له قدس سرّه في كشف الغطاء «1».

و أمّا ما في العروة من قوله:

لو جعل الغوص أو المعدن مكسبا له كفاه إخراج خمسهما أوّلا، و لا يجب عليه خمس آخر من باب ربح المكسب بعد إخراج مئونة سنته «2».

______________________________
(1) ص 360.

(2) العروة: كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 82.

192
کتاب الخمس (للحائري)

لو ارتفعت قيمة المعدن يجب الخمس من حيث الأرباح أيضا ص 192

..........

و كذا ما في كتاب الشيخ الأنصاريّ قدس سرّه:

لو جعل الغوص أو استخراج الكنوز أو المعادن مكسبا فهل يتعلّق خمس آخر بها بعد إخراج مئونة الحول أو لا؟ وجهان «1».

فلا يخلو عن الإبهام، لأنّه إن كان المقصود من التقسيم أنّه إمّا أن يستخرج المعدن لا للانتفاع و التملّك- بل لأنّ يستفيد منه الناس مثلا- و إمّا أن يقصد بذلك التملّك.

ففيه أوّلا: أنّ ذلك لا مصداق له بحسب المتعارف.

و ثانيا: أنّه لا خمس عليه ظاهرا- لا من جهة استخراج المعدن و لا من جهة الاسترباح- في صورة عدم جعله مكسبا، كما هو واضح.

و ثالثا: أنّ مقتضى القاعدة عدم الخمس عليه في صورة جعله مكسبا إلّا من جهة المعدنيّة إذا كان المستخرج باقيا على قيمته، و أمّا إذا أعطى خمسه بعد الاستخراج ثمّ ارتفعت قيمته فهو كسائر الأرباح فيه الخمس.

و إن كان المقصود- كما هو ظاهر الكلامين- أنّه قد يجعل استخراج المعدن مكسبا له دائما- في سنة- و لا ينحصر بواقعة واحدة في شهر من الشهور، و قد لا يكون كذلك.

ففيه أوّلا: أنّه لا أثر لهذا التقسيم من حيث دخوله في المكاسب الّتي فيها الخمس، فإنّ التقسيم المذكور آت في جميع المكاسب، مثلا إذا كان شغل أحد التكسّب بالزراعة و الانتفاع بالضيعة فاشترى مثلا ثوبا و باعه فربح فيه فهل في ذلك تفصيل؟! فكما لا تفصيل في ذلك كذلك في مثل المعدن مثلا.

و ثانيا: أنّ مقتضى القاعدة الحكم بتعلّق الخمس من حيث الربح بشرائطه في‌

______________________________
(1) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ قدس سرّه: ص 226.

193
کتاب الخمس (للحائري)

لا تستثنى مئونة الشخص من خمس المال المختلط و لا من خمس الأرض التي يشتريها الذمي من المسلم و لا من غنائم دار الحرب ص 194

[لا تستثنى مئونة الشخص من خمس المال المختلط و لا من خمس الأرض الّتي يشتريها الذمّيّ من المسلم و لا من غنائم دار الحرب]

لكن لا يخفى أنّ مئونة الشخص لا تستثنى من خمس المال المختلط بالحرام، و لا من خمس الأرض الّتي يشتريها الذمّيّ من المسلم، و لا من غنائم دار الحرب (1).

الصورتين إذا ربح بعد استخراج المعدن و إعطاء خمسه، و عدم كونه متعلّق الخمس من حيث الربح إذا لم يستربح فيه و لم يكن له فائدة إلّا من حيث الاستخراج من المعدن، لا من حيث ارتفاع القيمة السوقيّة أو الانتقال من بلد إلى بلد للانتفاع بربحه الزائد.

أمّا الأوّل فلأنّ استثناء المئونة إنّما يكون ممّا يصرف عرفا فيها، و أمّا ما لا يصرف فيها بحسب المتعارف- و لو لم يكن دليل على وجوب الخمس فيه- فالدليل منصرف عنه قطعا، و من المعلوم أنّ المال المختلط بالحرام لا يجوز أن يتصرّف فيه مع قطع النظر عن الخمس و يصرف في المئونة، حتّى يكون مقتضى الدليل استثناء المئونة، مع أنّ جواز التصرّف يتوقّف على إعطاء الخمس فلو كان الخمس متوقّفا على استثناء المئونة و إخراجها منه لزم الدور، مع أنّه يجب أداء خمس المال المختلط بالحرام فورا بمحض تحقّق الموضوع، للزوم ردّ الأموال إلى أهلها و حرمة التصرّف في المال من دون إعطاء الخمس، فلا أمد بعد تحقّق الموضوع حتّى يستثني منه مئونة الشخص في ذلك الأمد.

و من بعض ما ذكرناه يظهر الكلام في الثاني أيضا، فإنّه ليس اشتراء الأرض بالربح للصرف في المئونة، لعدم فرض الربح و عدم تعلّق الخمس بخصوص الربح، بل بجميع الأرض، مضافا إلى أنّ الظاهر من الدليل أنّه بصدد بيان ما يؤخذ من المسلمين لا ما يؤخذ من خصوص الكفّار.

و أمّا الثالث فلأنّ من المعلوم من السيرة و من خبر حمّاد الطويل (قوله:

194
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثامنة الظاهر أن المستثنى هو مئونة سنته فقط ص 195

المسألة الثامنة: الظاهر أنّ المستثنى هو مئونة سنته فقط،

مطلقا من غير فرق بين أن يكون له شغل أو رأس مال يكفي لمئونة سنواته الآتية أم لا (1).

و يترتّب على ذلك أنّه لو كان الزائد على مئونة سنة ربحه ألفا مثلا لكن لا يفي كسبه بمئونته في السنوات الآتية بل لا بدّ من ضمّ الألف إلى «و يقسّم الأربعة الأخماس بين من قاتل عليه و ولي ذلك» «1» و كذا قوله في الذيل:

«فإن بقي بعد ذلك شي‌ء أخرج الخمس منه فقسّمه في أهله، و قسم الباقي على من ولي ذلك» «2») أنّه كان يؤخذ منهم الخمس بعد القتال من دون انتظار السنة حتّى يخرج منه مئونتها.

في المسألة وجوه:

منها: ما ذكرناه في المتن، المطابق لظاهر كلمات الأصحاب.

و منها: أن يكون متعلّق الخمس ما يزيد عن مئونة جميع سنواته بحسب ما يملكه من رأس المال أو بحسب شغله، فالمستثنى من الخمس: مئونة جميع سنواته، و الزائد إنّما يكون فيه الخمس إذا كانت مئونة جميع سنواته مؤمّنة و لو بملاك الشغل و رأس المال، فلو لم يكن كذلك و مع ذلك زاد على مئونة سنة ربحه اتّفاقا للتقتير على نفسه أو استيهاب أو نحو ذلك لم يتعلّق به الخمس، بخلاف الوجه الثالث الآتي. و هو الذي يلوح من كلام صاحب مصباح الفقيه «3»، و ربما يستفاد من مكاتبة عليّ بن مهزيار، قوله عليه السّلام:

«فأمّا الذي أوجب من الضياع و الغلّات في كلّ عام فهو نصف السدس ممّن كانت ضيعته تقوم بمئونته،

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 365 ح 4 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(3) مصباح الفقيه: ج 3 ص 130.

195
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثامنة الظاهر أن المستثنى هو مئونة سنته فقط ص 195

ربح كسبه في ما يأتي فعليه الخمس في تلك السنة، من غير فرق بين أن يكون ذلك للتقتير على نفسه أو لكونه منفردا و صار متأهّلا أو كان ذلك من جهة كون ربح تلك السنة ممّا يستفاد منه لسنتين، كأن يكون له أرض يزرع فيها سنة و يعطّل اخرى فيؤخذ ربحها لسنتين (1).

و من كانت ضيعته لا تقوم بمئونته فليس عليه نصف سدس و لا غير ذلك» «1».

و منها: أن يكون المتعلّق ما يزيد عن مئونته الخارجيّة- و لو اتّفاقا- في السنة الّتي يعطي فيها الخمس و عن مئونته بحسب ما يظنّ من وجود رأس المال مثلا بحسب المتعارف بالنسبة إلى السنوات الآتية.

و الدليل عليه أنّه مقتضى المكاتبة و مفاد سائر الأخبار بضمّ وجوب الخمس في كلّ عام كما يظهر من المكاتبة صدرا و ذيلا.

و الأوّل أظهر من جهة أنّه مقتضى إطلاق أنّ «الخمس بعد المئونة» منضمّا إلى وجوبه في كلّ عام، فهو بمنزلة أن يقال: يجب الخمس في كلّ عام بعد المئونة، و مقتضى العامّ الاستغراقيّ لحاظ كلّ عام من دون دخالة عام في وجوب الخمس في العام الآخر، و مقتضى الاشتراط للعامّ الاستغراقيّ: اشتراط كلّ فرد من العام بالشرط المذكور من دون لحاظ السنوات الأخر.

و أمّا المكاتبة فحيث إنّ مقتضاها وجوب نصف السدس في كلّ عام فيحتمل قويّا أن يكون الوفاء بمئونته بقول مطلق شرطا لوجوب نصف السدس في كلّ عام، فيكون الشرط في كلّ فرد من أفراد العام وفاء ضيعته بمئونته في ذلك العام، فلا ينافي مقتضى باقي الأدلّة.

و إن كان يحتمل فيه بالخصوص ملاحظة السنتين، لاحتمال ملاحظة‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

196
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة التاسعة اللقطة داخلة في الأرباح على فرض التملك ص 197

و كذا لو لم يكن له كسب يفي بمئونته لكن وهبه واهب مالا بمقدار يزيد عن مئونة سنته، (1) فكيف من كان له شغل يفي بمئونته مطلقا و حصلت له الهبة المذكورة (2).

المسألة التاسعة [اللقطة داخلة في الأرباح على فرض التملّك]

المال الذي ليس بحسب نوعه ممّا يفي بمئونة سنة واحدة فكيف بمئونة سنين (كاللقطة الّتي لا يوجد صاحبها على القول بثبوت الخمس فيها على تقدير التملّك، كما هو مقتضى القاعدة و ظاهر المكاتبة) يكون داخلا في ما يستثني منه المئونة في سنة الربح (3).

المسألة العاشرة [ظاهر كلمات الأصحاب أنّ الخمس في ما زاد عن المئونة، و يحتمل غير ذلك]

ظاهر كلمات الأصحاب- رضوان اللّه عليهم- أنّ المئونة بالنسبة إلى الربح بحسب ما يراد صرفه فيه من مئونته، لكنّه خلاف مقتضى الدليل، كما تقدّم في التعليق المتقدّم.

إذ مرّ أنّه لا يشترط في متعلّق الخمس أن يكون زائدا على مئونة سنته في كلّ عام بحسب شغله أو رأس ماله.

فإنّه- مضافا إلى ما تقدّم من أنّ الموضوع ما يزيد عن مئونة سنة الربح لا كلّ عام- لو كان الموضوع ما يزيد عن مئونة سنة الربح و عن مئونة سنته مطلقا فهو حاصل بالنسبة إلى مطلق الفائدة، فإنّ فوائده تكون كذلك و إن كانت مصاديقها- كالهبة- ليست كذلك.

و ذلك لأنّه و إن لم يكن بنفسه ممّا يصدق أنّه يفي بمئونة السنة أو السنين على القول بلزوم ذلك إلّا أنّه يصدق أنّ فائدته تزيد عن مئونة السنة أو السنين، كما في بعض المكاسب الجزئيّة الّتي لا تفي بنفسها بمئونة السنة أو السنين، كتنظيف السطح من الثلج في الشتاء.

و في كلّ ذلك إشارة إلى ما في مصباح الفقيه من الشبهة و الإشكال في مثل‌

197
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة العاشرة ظاهر كلمات الأصحاب أن الخمس في ما زاد عن المئونة و يحتمل غير ذلك ص 197

متعلّق الخمس ما يزاد على المئونة، فلا يكون مطلق الأرباح متعلّق الخمس بشرط أن يكون «نفس ما يعطى خمسا» زائدا على المئونة.

و يحتمل الثاني، و إن كان الصحيح ما هو ظاهر كلماتهم رضوان اللّه عليهم (1).

الهبة و الإرث و في مثل الأرض الّتي يزرع فيها سنة و يعطّل اخرى «1».

أمّا وجه الاحتمال الثاني- الذي لم يتفوّه به أحد من الأصحاب في ما أعلم- فأمور:

الأوّل: إطلاق مثل موثّق سماعة، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الخمس، فقال: «في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير» «2» و غيره «3»، و إجمال ما دلّ على أنّ «الخمس بعد المئونة» «4» لاحتمال أن لا يكون كلمة «بعد» متعلّقة بالكسر المشترك، بل تكون متعلّقة بالملكيّة و أنّ ملكيّة الخمس بعد المئونة بمعنى أن لا يوجب الخمس حصول كسر في المئونة، كما يقال في الوصيّة: إنّه يصرف في الحجّ و بعد ذلك في الصلاة و بعد ذلك في الخمس.

و الإجمال المذكور متحقّق حتّى في رواية النيشابوريّ: فوقّع «لي منه الخمس ممّا يفضل من مئونته» «5» أي يحتمل أن يكون المقصود أنّه يتعلّق بما يفضل من مئونته، لا أنّ الخمس يلاحظ من ما يفضل من مئونته، و حتّى في خبر أبي بصير، قوله:

و عن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة‌

______________________________
(1) مصباح الفقيه: ج 3 ص 129- 130.

(2) الوسائل: ج 6 ص 350 ح 6 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) مثل ما في المصدر: ص 349 ح 5.

(4) المصدر: ص 348 الباب 8 و ص 354 الباب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(5) المصدر: ص 348 ح 2 من ب 8.

198
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة العاشرة ظاهر كلمات الأصحاب أن الخمس في ما زاد عن المئونة و يحتمل غير ذلك ص 197

..........

يأكله العيال إنّما يبيع منه الشي‌ء بمائة درهم أو خمسين درهما هل عليه الخمس؟

فكتب: «أمّا ما أكل فلا، و أمّا البيع فنعم» «1».

فإنّه ربما يمكن أن يتوهّم أنّه ظاهر في أنّه ليس «ما أكل» موضوعا لتعلّق الخمس به، و ليس دعوى الظهور من جهة كلمة «بعد» حتّى يقال: إنّها مجملة من حيث ما يتعلّق به، بل من جهة كونه في مقام بيان ما هو الموضوع لتعلّق الخمس، و هو ظاهر في عدم كون «ما يصرف في المئونة» موضوعا له، لكنّه غير واضح أيضا، فإنّه بناء على ما نحتمله لا يتعلّق الخمس بما أكل- لا عينا و لا قيمة- بل يتعلّق الخمس بغير ما أكل، و هذا غير عدم احتساب ما أكل في التخميس.

إن قلت: ليس التردّد بين فتوى الأصحاب و الاحتمال المذكور من قبيل الأقلّ و الأكثر في مقام التخصيص حتّى يؤخذ بالمتيقّن و يتمسّك في الباقي بدليل وجوب الخمس في كلّ فائدة، فإنّه بناء عليه يكون مقتضاه عدم الخمس في ما إذا كان ما زاد عن مئونته أقلّ من الخمس، فإنّ الواجب هو خمس الأرباح بشرط أن يكون زائدا عن المئونة، و لا مصداق له في المفروض، فمن كان ربحه ثلاثين و مئونته خمسا و عشرين لا يجب عليه الخمس أصلا بناء على ذلك الاحتمال المخالف لهم، كما أنّه لا يجب الخمس على المشهور في الفرض المذكور إذا كانت مئونته أربعا و عشرين إلّا في الستّة فيجب خمس الستّة، بخلاف الاحتمال الآخر فيجب إعطاء تمام الستّة، فكما أنّ مقتضى المشهور: وجوب الخمس في بعض الموارد و عدمه في بعضها الآخر كذلك على الاحتمال المقابل له، فيصير العامّ مجملا في مقام الحجّيّة فيرجع إلى البراءة بالنسبة إلى من لا يحصل له العلم‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 351 ح 10 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

199
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة العاشرة ظاهر كلمات الأصحاب أن الخمس في ما زاد عن المئونة و يحتمل غير ذلك ص 197

..........

الإجماليّ بعدم إعطاء الخمس، بأن يكون في المثال المفروض مئونته في سنته خمسا و عشرين فأخذ بذلك و لم يعط الخمس و كانت في السنة الأخرى أربعا و عشرين فأخذ بالمشهور و أعطى خمس الستّة لا جميعها.

قلت: على الاحتمال الثاني يمكن أن يقال: إنّه لا بدّ من إعطاء ما يكون من الخمس زائدا عن المئونة كان تمام الخمس أو بعضه، كما يمكن أن يقال: إنّه إذا لم يكن جميع الربح متعلّقا للخمس فلا مانع من كون بعض الربح متعلّقا له، فعلى الأوّل يجب في المثال إعطاء جميع ما زاد عن المئونة و إن كان أقلّ من الخمس، و على الثاني يجب إعطاء خمس الخمسة، فيشترك في النتيجة مع المشهور، و على فرض رفض ذلك فإن كان العلم الإجماليّ حاصلا و منجّزا فلا يرجع إلى البراءة، و إن لم يكن كذلك فيرجع إلى العامّ، بل يمكن أن يقال: إنّ الرجوع إلى العامّ كالرجوع إلى الأصول المثبتة للتكليف خال عن الإشكال إذا لم يكن مستلزما للمخالفة العمليّة.

الثاني: مكاتبة ابن مهزيار، و فيه:

«فأمّا الذي أوجب من الضياع في كلّ عام فهو نصف السدس ممّن كانت ضيعته تقوم بمئونته» «1».

فإنّ معناه أنّ من كانت ضيعته تقوم بمئونته من حيث الربح و لو أدّى خمس ماله أو أدّى نصف السدس فاللازم هو أداؤه.

الثالث: خبر عبد اللّه بن سنان، و فيه:

«حتّى الخيّاط ليخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق «2»».

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) المصدر: ص 351 ح 8.

200
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة العاشرة ظاهر كلمات الأصحاب أن الخمس في ما زاد عن المئونة و يحتمل غير ذلك ص 197

..........

فإنّه كاد أن يكون صريحا في تعلّق الخمس بجميع الربح، و لا يأبى عن التخصيص بأنّه إذا أمكن له أداؤه بعد المئونة كما في خبر ابن راشد «1».

الرابع: خبر عمران بن موسى عن موسى بن جعفر عليهما السّلام، قال:

قرأت عليه آية الخمس، فقال: «ما كان للّه فهو لرسوله، و ما كان لرسوله فهو لنا» ثمّ قال: «و اللّه لقد يسر اللّه على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم، جعلوا لربّهم واحدا و أكلوا أربعة أحلّاء.» «2».

فإنّ المتيقّن من عنوان «الأرزاق» و «ما أكلوا» هو ما يصرف في المئونة، فهو مورد لتعلّق الخمس لكن لا بدّ من إعطاء الخمس ممّا زاد على ما أكلوا.

هذا بيان الاحتمال الثاني.

لكن يدفعه التوجّه إلى أمور:

منها: أنّه لو كان مورد الخمس مطلق الأرباح لكن بشرط الزيادة عن المئونة لكانت السيرة قائمة على ذلك. و إن أبيت عن قيام السيرة فلا أقلّ كان في الأصحاب من يفتي بذلك أو يحتمله، خصوصا مثل الخمس الذي متقوّم بالأخذ من ناحية الإمام عليه السّلام، خصوصا مع طول مدّة الغيبة الصغرى و أخذ الخمس من الناحية المقدّسة بواسطة وكلاء الناحية كما يظهر من الأخبار «3».

و منها: إمكان الجواب عن الأخبار الخاصّة:

أمّا المكاتبة فلأنّ المستفاد من صحيح إبراهيم «4» سقوط كلمة «بعد المئونة»‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 3 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 338 ح 6 من ب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) راجع الوسائل: ج 6 ص 375 الباب 3 من أبواب الأنفال.

(4) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 4 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

201
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة العاشرة ظاهر كلمات الأصحاب أن الخمس في ما زاد عن المئونة و يحتمل غير ذلك ص 197

..........

من ناقل المكاتبة الذي قرأها في طريق مكّة، و ليس فيه إيماء إلى النقل من المكتوب الشريف بالمشاهدة حيث إنّه في الصحيح الذي هو مكاتبة: «أقرأني عليّ كتاب أبيك في ما أوجبه على أصحاب الضياع أنّه أوجب عليهم نصف السدس بعد المئونة» فالإجمال في المكاتبة حينئذ ثابت كالإجمال في ما يشتمل على أنّ «الخمس بعد المئونة».

و أمّا خبر ابن سنان، فقد تقدّم توضيح ضعفه لجهات.

و يزيد ضعفه وضوحا اشتماله على تلك الجملة «حتّى الخيّاط.» فإنّ مفادها: عدم اشتراط الزيادة على المئونة، بل كاد أن يكون صريحا في ذلك، حيث إنّ قوله «حتّى الخيّاط» في مقام بيان حدّ أقلّ الربح مع فقد رأس المال بتّا، فمعناه أنّ الخمس في ذلك، لا ما إذا كان زائدا عن المئونة، فدفع ذلك مشترك بين الاحتمالين.

و احتمال عدم دخالة المئونة بأحد الوجهين ممّا لا يمكن إبداؤه، لكونه خلاف الأخبار المتظافرة و التسلّم بل الضرورة.

و يمكن أن يحمل على أنّه كذلك في مقام الجعل، و إن لم يكن موردا للعمل بل جعل موردا للتحليل. لكنّه بعيد جدّا، لكونه عسرا على المكلّفين فينا في الشريعة السهلة السمحة، إلّا أن يكون الجعل مع التحليل الذي قد يمكن رفعه، و أخذ الخمس حتّى من مثل الخيّاط المذكور لبعض الحوائج الاجتماعيّة، كالدفاع عن العدوّ و حفظ كيان الإسلام.

و كيف كان، فهو مردود بما ذكر من الوجهين.

و أمّا خبر عمران فالجواب عنه بوجوه:

الأوّل: ضعف السند، لأنّ عمران محتمل للانطباق على ثلاثة رجال أحدهم موثّق.

202
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة العاشرة ظاهر كلمات الأصحاب أن الخمس في ما زاد عن المئونة و يحتمل غير ذلك ص 197

..........

مضافا إلى نقله بسندين: أحدهما ما تقدّم عن موسى بن جعفر عليهما السّلام. ثانيهما بالطريق المتّصل إلى أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام، و المتن واحد كما يظهر من الوسائل، و هو بعيد، فراجع و تأمّل.

مع أنّ التعبير عن الإمام عليه السّلام في «أبي الحسن الأوّل» باسمه الشريف لا يخلو عن غرابة، من جهة أنّ الأكثر: الإشارة إليه عليه السّلام بالعبد الصالح أو الرجل أو أبي الحسن الأوّل أو أبي إبراهيم، و ذلك لكثرة التقيّة في عصره عليه السّلام.

الثاني: أنّ المحتمل أن يكون الموضوع للكلام في تيسير الأرزاق هو الغنائم، و الغنائم كما في المكاتبة- و لعلّه يومئ إلى ذلك قوله عليه السّلام في خبر أبي بصير:

«الخمس في ذلك» «1»- ليست مطلق الفائدة، بل الّتي تكون زائدة عن المئونة من غير الأرباح أو الأعمّ منها و من الأرباح، فالمقصود من الأرزاق هي الّتي ترتزق من الغنائم المذكورة و يتوسّع بها الرزق و المعيشة.

الثالث: أن يكون المقصود أنّ جعل الخمس في مورده- و بماله من الموضوع- للّه تعالى (لا جعل الكلّ و لا أكثر من الخمس) موجب للتيسير على العباد في أرزاقهم، و الشاهد على ذلك أنّه ليس جعل الكلّ له تعالى موجبا للعسر على العباد، بل موجب لهلاكهم، فتأمّل.

الرابع: ما تقدّم من احتمال أن يكون ذلك بأصل الجعل المورد للتحليل دائما إلّا ما شذّ و ندر.

و منها: إمكان الجواب عن الدليل الأوّل بأمور:

الأوّل: أنّ مئونة الربح أيضا مشمولة لدليل المخصّص، لبعد الإعراض عنها، لعدم وضوح خروجها، و من المعلوم أنّ مورد الخمس بالنسبة إليها ما زاد بعد‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 351 ح 10 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

203
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة العاشرة ظاهر كلمات الأصحاب أن الخمس في ما زاد عن المئونة و يحتمل غير ذلك ص 197

..........

مئونته، لعدم صدق الغنيمة على غير ما يزيد عن الربح.

و كون مفاد المستثنى بالنسبة إليه تعلّق الخمس بما زاد و بالنسبة إلى مئونة السنة تعلّقه بجميع الأرباح خلاف الظاهر جدّا، فهو قرينة على كون المتعلّق للخمس بتمامه هو الفاضل عن المئونة بالنسبة إلى الربح و الشخص.

الثاني: احتمال انصراف «الفائدة» عن ما يصرف في المئونة و لو بمناسبة الحكم و الموضوع، و كذا «الغنيمة».

و يومئ إلى ذلك المكاتبة، قوله: «فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام» «1» و قد مثّل لها بما هو خارج عن المئونة نوعا، و لعلّه يومئ إلى ذلك ما تقدّم من خبر أبي بصير «2».

الثالث: أنّ سيرة أخذ الحقوق من الرعيّة- كانت الحكومة حقّا أو باطلة- لم تكن على أخذ أرزاق الناس، فإنّ في ذلك هدم الاجتماع، فهو قرينة متّصلة بالكلام بحيث يعلم من المطلق الذي يحكم بأنّ الخمس في كلّ ما أفاد أنّه بعد المئونة في الجملة، فالإجمال للعامّ ثابت مطلقا فيرجع إلى البراءة.

الرابع: أنّ الظاهر من المطلق أنّ الموضوع هو الفائدة الموجودة، و بعد صرف المئونة لا تكون الفائدة موجودة إلّا ما زاد عن المئونة، و حين وجودها لم يكن متعلّقا للخمس، باعتبار أنّ الخمس يجب بعد مضيّ العام و لا يجب قبله أصلا- كما هو أحد القولين- أو يجوز التأخير، و التصرّف في المال و أخذ المئونة منه بلا إشكال، و لا يبعد أن يكون مقتضى ذلك أنّه يجب في كلّ فائدة تحصل و لو في أثناء السنة بشرط وجودها إلى آخر السنة و عدم صرفها في المئونة. و تمام الكلام في تحقيق تلك الجهة موكول إلى ما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

و منه يظهر قوّة ما ذهب إليه الأصحاب رضوان اللّه عليهم، و هو العالم بالحقائق.

______________________________
(1) تقدّم في ص 147.

(2) في ص 198.

204
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الحادية عشر المراد بالمئونة هو المصروف فعلا إذا لم يكن إسرافا و لا مصروفا في الحرام ص 205

المسألة الحادية عشر [المراد بالمئونة هو المصروف فعلا إذا لم يكن إسرافا و لا مصروفا في الحرام]

الظاهر أنّ المراد بالمئونة: ما يصرف فعلا إذا لم يكن إسرافا عرفيّا و لا شرعيّا بأن يبذل في الحرام (1).

المحتملات في المئونة خمسة:

الأوّل: أن يكون المقصود ما يكون ممّا يصرف في سنته بحسب المتعارف- صرف أم لا- فلو صرف أكثر من المتعارف لم يحسب منها، و لو قتّر على نفسه يحسب منها و يستثني من الخمس، و هو الذي يظهر من بعض كلمات الأصحاب على ما في الجواهر «1».

الثاني: ما قوّاه- لو لا الإجماع- في مصباح الفقيه «2» من أنّ الظاهر ما يصرف خارجا و لو كان إسرافا عرفا أو شرعا.

الثالث: ما تقدّم لكن بشرط عدم الإسراف العرفيّ. و أمّا الصرف في الحرام ممّا لا يعدّ تضييعا للمال عرفا فيعدّ منها، و هو الذي احتمله الشيخ الأنصاريّ قدس سرّه و إن قوّى خلافه في آخر كلامه «3».

الرابع: ما اختاره في الجواهر في أوّل كلامه «4»، و هو أن يكون المراد بها ما يصرف خارجا لكن بمقدار المتعارف، فلو زاد على المتعارف، و لو لم يكن إسرافا لم يحسب منها، و لو كان بحدّ المتعارف يحسب منها و لو زاد على ما يسمّى تقتيرا، و لو قتّر على نفسه لا يحسب منها لعدم الصرف، فيعتبر في صدقها بحسب ذلك أمران: أحدهما الصرف الخارجيّ، و ثانيهما كون ما يصرف بمقدار المتعارف.

الخامس: ما ذكرناه في المتن و هو الذي ربما يستظهر من المشهور بين الأصحاب حيث أخرجوا الإسراف بالإجماع.

و يحتمل أن يكون التقييد بالاقتصاد تحرّزا عن الإسراف.

______________________________
(1) ج 16 ص 62.

(2) ج 3 ص 131.

(3) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ قدس سرّه: ص 201.

(4) ج 16 ص 45.

205
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثانية عشر حكم ما يزيد من ربح سنته و يحتاج لمئونة السنين اللاحقة ص 206

المسألة الثانية عشر [حكم ما يزيد من ربح سنته و يحتاج لمئونة السنين اللاحقة]

الظاهر أنّ ما يزيد من ربح سنته و لا يصرفه في مئونة تلك السنة لا يعدّ منها و إن كان موردا للاحتياج في سنواته الآتية و أخرجه من رأس ماله و كان واجبا عليه صرفه فيها (1).

و الظاهر أنّ المراد بالإسراف ليس خصوص العرفيّ منه، بل الأعمّ منه و من الشرعيّ و هو الذي يبذل في الحرام.

و الدليل على ذلك مجموع الأمرين:

أحدهما: ظهور الدليل في ما يصرف خارجا، فإنّ المئونة الفرضيّة خلاف ظاهر لفظ «المئونة» و ظاهر كلمة «بعد» فإنّه أيضا ظاهر في البعديّة الحقيقيّة لا الرتبيّة.

ثانيهما: انصرافه إلى غير الحرام، من الإسراف و ما يبذل بإزاء الحرام كما يصرف في شراء الخمر.

و الوجه في الانصراف ظهور الاستثناء في الامتنان، و لا امتنان في الصرف في الحرام.

و من ذلك يظهر ضعف باقي الوجوه، و هو العالم.

أي في السنوات الآتية.

و شرح الكلام أنّ ما يزيد من الربح و يدّخر في السنوات الآتية إمّا أن يكون موردا للاحتياج إليه في سنة الربح و لكن يقتّر على نفسه، و إمّا أن لا يكون محتاجا إليه فيها، و على التقديرين إمّا أن يحتاج إليه في السنوات الآتية بحيث لا يمكن له التحصيل فيها فلا بدّ له من التحصيل في تلك السنة، و على جميع التقادير إمّا أن يقصد بذلك- أي بإبقاء الربح- صرفه في السنوات الآتية في ما يحتاج إليه من مئونته و الاستفادة منه فيها، و إمّا أن لا يقصد ذلك، و على جميع التقادير إمّا أخرجه من رأس ماله- بأن اشترى مثلا دارا للسكنى أو للتوريث منه- أو يكون‌

206
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثانية عشر حكم ما يزيد من ربح سنته و يحتاج لمئونة السنين اللاحقة ص 206

لكن يمكن القول بالاستثناء في ما إذا كان محتاجا إليه في سنواته الآتية و لم يكن متمكّنا من التحصيل في ما يأتي (1).

و الظاهر أنّ تحصيل جهاز العروس منها إذا كان نفس وجوده في ملكها أو ملك أبيها متعارفا قبل التزويج، و لا ينبغي الإشكال في ما إذا الربح من الثمن أو ما يكون من جنس رأس المال موجودا، و على تقدير الاحتياج إليه في السنوات الآتية إمّا أن يكون الصرف فيها واجبا عليه- كإسكان الزوجة مثلا- أم لا.

فمجمع القيود أن يشتري من ربح سنته دارا للسكنى مع الاحتياج إليها حتّى في سنة الربح، لكن لا يسكن فيها تقتيرا على نفسه، و كان واجبا عليه إسكان زوجته في السنة الآتية و لم يكن متمكّنا من اشتراء الدار في السنّة الآتية، فزاد الربح من دون الصرف في المئونة تقتيرا أوّلا، و أخرج الربح من رأس المال بحيث يصدق الصرف ثانيا، فإنّه اشترى دارا في الفرض و كان المقصود هو الاستفادة منها و السكونة فيها في السنة الآتية ثالثا، و لا يتمكّن من تحصيل الدار بعد ذلك رابعا، و الصرف في المئونة واجب عليه خامسا.

و مع ذلك كلّه فالظاهر عدم صدق المئونة، لعدم الصرف في المعيشة فعلا، فليس ذلك مئونة تلك السنة فعلا، فالاحتياج غير الصرف في ما يحتاج إليه، فهو كأن يشتري الحنطة لسنته الآتية و لم يكن متمكّنا من تحصيل ذلك فيها، فإنّ عدم صدق الصرف في المعيشة الذي هو ملاك صدق المئونة ظاهر جدّا.

لا من باب صدق المئونة، بل للقطع بالاستثناء من جهة الأولويّة، فلأنّه لو كان مئونة السعة- مثل المسافرة مع العائلة إلى البلاد البعيدة للسياحة و التفريح من دون أيّ ضرورة- غير مورد لتعلّق الخمس على ما تقدّم من استثناء جميع ما يصرف إلّا الحرام الذي يندرج في الإسراف، فتأمين قوته أو مسكنه الضروريّ لنفسه أو لعياله أولى بالاستثناء.

207
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثالثة عشر استثناء ما تأخذه الحكومات أو ما يصرفه خوفا أو ما يصرفه لحفظ العوائد و الأرباح ص 208

كان التزويج محتملا (1).

المسألة الثالثة عشر [استثناء ما تأخذه الحكومات أو ما يصرفه خوفا أو ما يصرفه لحفظ العوائد و الأرباح]

الظاهر استثناء ما يأخذه الجائر من السلطان و غيره بعنوان الضريبة على العوائد و الأرباح، و كذا ما يكره عليه فيعطي لحفظ النفس عن الضرر المخوف على النفس أو من يهمّه أمره أو للحفظ عن توجّه الضرر إلى العوائد و الأرباح (2).

إن قلت: ليس مقتضى الأولويّة المذكورة لزوم التسوية بين الموردين، فكما يمكن أن يستكشف من ذلك تقيّد دليل الخمس يمكن تقيّد دليل المئونة بالاقتصار على الاقتصاد بمقدار المتعارف و لا يستثني مئونة السعة.

قلت: إنّ بعض المصارف المتعارفة لا يكون ضروريّا أيضا، فالأولويّة باقية بحالها، و حينئذ لا دخل لتقيّد المئونة بالاقتصاد في ذلك و إن كان الأمر معه أوضح، مع أنّ تقيّد دليل الخمس أهون، لأوسعيّة دائرته من دليل المئونة المستثناة من دليل الخمس، مع أنّ الدوران يكفي في الحكم بعدم تعلّق الخمس للبراءة بعد سقوط العامّ عن الحجّيّة.

فإنّه من قبيل تحصيل الأثاث للضيف المحتمل وروده، أو تحصيل الكتاب المحتمل لكونه موردا لاستفادته في طيّ السنة، و هو العالم بالحقائق.

قال قدس سرّه في الجواهر:

لو اتّفق أنّه ظلم أو غصب منه شي‌ء- إلى أن قال- فإنّ احتساب ذلك كلّه من المئونة و إن لم يكن من مال التجارة لا يخلو من إشكال أو منع. و في آخر كلامه- أنّ إطلاق بعض الأصحاب عدّ ما يأخذه الظالم قهرا أو مصانعة منها قد ينزّل على ما هو المتعارف و المعتاد من الظلم- كالخراج و نحوه- لا الاتّفاقيّ «1».

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 60- 61.

208
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثالثة عشر استثناء ما تأخذه الحكومات أو ما يصرفه خوفا أو ما يصرفه لحفظ العوائد و الأرباح ص 208

..........

و المستفاد من مجموع كلامه أنّ المعتاد من الظلم مسلّم الدخول في المئونة، و إشكاله أو منعه في غير المعتاد منه.

أقول: يمكن أن يقال: إنّ المال المغصوب و نحوه من حيث الاستثناء من متعلّق الخمس على أقسام، لأنّه: إمّا أن يكون الغصب المذكور من حيث حصول الفائدة لصاحب المال- كالضرائب على العوائد، و ما يؤخذ منه مصانعة لعدم أخذ الضريبة على العوائد، و ما يعطي من حيث الخوف على العوائد- و إمّا أن يكون لحفظ نفسه أو عرضه أو من يهمّه أمره، و إمّا أن لا يكون لهذا و لا لذاك، كالمسروق منه، أو المفقود منه فإنّه بحكمه، أو ما يؤخذ منه خدعة بعنوان القرض بقصد عدم الإعطاء، فتلك أقسام ثلاثة:

أمّا الأوّلان فالظاهر هو الاستثناء بعنوان المئونة، كما تعرّضنا لهما في المتن المتقدّم.

أمّا الأوّل منهما فيمكن الاستدلال على استثنائه بأمور:

الأوّل: أنّه ممّا صرف في تحصيل الربح، إذ لا فرق بينه و بين ما يأخذه الحمّال زائدا على اجرة المثل، فلا يصدق الغنيمة على الربح إلّا مع فرض استثناء ذلك، مع أنّ الشكّ في الصدق كاف في الحكم بعدم تعلّق الخمس، لأصالة البراءة أو أصالة عدم تعلّق الخمس. و ملخّص ذلك عدم صدق الغنيمة إلّا على المستثنى منه ذلك أو الشكّ في الصدق.

الثاني: أنّه داخل في مئونة الشخص أيضا، فإنّها المخارج الّتي قد صرفت و لم تكن إسرافا و لا حراما من جهة أخرى، كما تقدّم.

الثالث: تصريح صحيح إبراهيم بن محمّد «1» باستثناء الخراج.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 4 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

209
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثالثة عشر استثناء ما تأخذه الحكومات أو ما يصرفه خوفا أو ما يصرفه لحفظ العوائد و الأرباح ص 208

..........

و الظاهر أنّه لا فرق من جهة صدق الاسم بين المعتاد و غيره، فلو ضرب السلطان مالا لجهة عارضة لسنة بالخصوص يصدق عليه اسم الخراج.

و لا فرق أيضا بين السلطان و غيره عرفا قطعا.

و الظاهر من الصحيح أنّ استثناء الخراج من جهة صدق المئونة عليه، لأنّ المفروض في السؤال أنّ المتيقّن المستفاد من لفظ المئونة هو مئونة الضيعة و الخراج.

لكنّ الإنصاف أنّ الاستدلال بذلك لا يخلو عن إشكال، لاحتمال أن يكون المراد من الخراج في عصر الصدور: ما يأخذه السلطان من باب حقّ الأرض من الأراضي المفتوحة عنوة، و لعلّ المستفاد من الروايات إمضاء ذلك من طرف أولياء الأمر عليهم السّلام، فيكون ما يأخذه السلطان حقّا، فلا يكون مربوطا بما يبحث عنه.

الرابع: قوله عليه السّلام في مكاتبة ابن مهزيار: «لما يغتال السلطان من أموالهم» «1» بتقريب أن يقال: إنّه علّل التحليل باغتيال السلطان من أموالهم، لا اغتيال جميع أموالهم، فإنّه لو كان المقصود أنّ جميع أموالهم بين ما ينوبهم لذاتهم و بين ما يغتال لم يكن مناسبا للمنّ و التخفيف، فمحلّ التحليل هو وجود مال آخر لهم وقع التحليل بالنسبة إليه فلا يخمّس لا بنفسه و لا بملاحظة المجموع.

و وضوح عدم التحليل بالنسبة إلى الأوّل لا يوجب رفع اليد عن مفاده بالنسبة إلى ملاحظة المجموع. و مقتضى التعليل إسراء الحكم بالنسبة إلى جميع موارد الاغتيال و الحكم بالتحليل بالنسبة إلى المجموع و عدم حساب ما يغتال، مضافا إلى استصحاب التحليل بالنسبة إلى ذلك الثابت في عصر أبي جعفر عليه السّلام.

لكنّ الظاهر عدم استقامة الدليل المذكور بكلا التقريبين.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

210
کتاب الخمس (للحائري)

حكم السرقة و الفقدان و تخريب البيت ص 211

و الظاهر أنّه لا فرق في ما ذكر بين المعتاد و غيره (1).

[حكم السرقة و الفقدان و تخريب البيت]

و أمّا مثل السرقة و الفقدان و تخريب البيت و غير ذلك ممّا ليس مصروفا في دفع ضرّ أو جلب نفع ففيه وجوه (2).

أمّا التعليل فلأنّ مقتضى لزوم كونه بالأمر الارتكازيّ و عدم كفاية اغتيال بعض المال لعدم الخمس في الباقي حتّى مع عدم حساب ما غصب منه: أنّ التعليل المذكور ليس في مقام بيان ما هو العلّة التامّة للتحليل، بل ربما كانت في المقام جهات أخر: من قلّة الأموال و عدم بسط يد الإمام عليه السّلام بحيث يصرفه في موارده، لعدم كون الحكومة بيده و لوجود التقيّة من بسط المال بين موارد الاستحقاق، فما ذكر قرينة على عدم كون العلّة المذكورة علّة تامّة يؤخذ بها و يسري بها التحليل.

و أمّا الاستصحاب فلما ذكره الوالد الأستاذ العلّامة- قدّس اللّه نفسه الشريفة- من أنّ دخالة القيود في الموضوعات الكلّيّة غير المنطبقة على الخارج حتّى تحصل الوحدة الخارجيّة مغيّرة للموضوع، و احتمال الدخالة مساوق لاحتمال تغيّر الموضوع و عدم إحراز وحدة القضيّة المتيقّنة و المشكوكة.

هذا بالنسبة إلى القسم الأوّل.

و أمّا القسم الثاني فقد ظهر وجهه ممّا ذكر في الأوّل من أنّه داخل في مئونة الشخص، فإنّها- على ما مرّ- جميع ما يصرفه لغرض عقلائيّ شرعيّ، و لا غرض أهمّ من حفظ النفس و العرض.

خلافا لما يظهر من الجواهر كما مرّ «1». و الوجه في الإطلاق: إطلاق مقتضى ما تقدّم من الدليل.

1- منها: الحكم بعدم الاستثناء أصلا، من باب أنّه ليس من المئونة كما‌

______________________________
(1) في ص 208.

211
کتاب الخمس (للحائري)

حكم السرقة و الفقدان و تخريب البيت ص 211

..........

هو واضح، فإنّها ليست مطلق ما يتلف، بل ما يصرف في غرض عقلائيّ محلّل كما تقدّم «1»، و لا وجه لاستثنائه من ما يتعلّق به الخمس.

2- و منها: الحكم بالاستثناء مطلقا- كما يظهر الميل إليه من صاحب المستمسك قدس سرّه «2»- من باب عدم صدق الفائدة، أو الشكّ في ذلك، فيكفي ذلك في الحكم بعدم الخمس.

3- و منها: التفصيل بين رأس المال و الأرباح و غير ذلك ممّا ليس منهما، فيستثنى من الأوّل دون الثاني.

4- و منها: التفصيل بين نوع واحد من الاكتساب فيتدارك التلف بالربح كالتجارة بأنواعها، و ما إذا كان نوعين كالتجارة و الزراعة فلا يتدارك، و هو الذي أفتى به صاحب العروة قدس سرّه فيها «3».

5- و منها: التفصيل بين نوع واحد من التجارة مثلا و غيره، فيتدارك في الأوّل دون الثاني.

6- و منها: التفصيل بين تجارة واحدة بأن اشترى عدلا من الألبسة فربح في بعضها و تلف بعضها الآخر فيتدارك، و غيرها فلا.

7- و منها: التفصيل بين الاستقلال في الكسب- بأن يكون له إدارة واحدة و حساب واحد- فيتدارك، كما في المتاجر المعمولة في العصر فيجعل محلّا لبيع ما يحتاج إليه الناس سواء فيه اللحم أو اللبن مثلا أو الكتاب، و عدم الاستقلال فلا يتدارك و لو كان كلّ منهما من نوع واحد، و هو الذي مال إليه بعض أساتيد العصر كان اللّه له في تحريره.

______________________________
(1) في ص 211 و 205.

(2) المستمسك: ج 9 ص 553.

(3) العروة: كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 74.

212
کتاب الخمس (للحائري)

حكم السرقة و الفقدان و تخريب البيت ص 211

و لعلّ الأقرب هو الاحتساب و التدارك إذا كان التلف واردا على رأس المال بمعنى التدارك بالربح أو على الربح بمعنى عدم الاحتساب في مقام تعلّق الخمس (1).

8- و منها: التفصيل بين وقوع التلف بعد الربح فيتدارك، بخلاف العكس فلا يتدارك، و هو الذي يظهر من الجواهر «1» أنّ له وجها و إن لم يختره.

9- و منها: التفصيل بين وقوع التلف على الربح فلا يحسب، أو وقوعه على غيره من رأس المال- كأن يتلف بعض آلات كسبه- فلا يتدارك بالربح.

10- و منها: التفصيل بين كون التلف في سنة الربح و ما كان بعد السنة، فيتدارك في الأوّل دون الثاني.

11- و منها: التفصيل بين وقوع التلف على ما يعدّ من مئونته- كالبيت المعدّة للسكنى- و غير ذلك و لو لم يكن من رأس ماله، كالمال الموروث المنقطع عن الاستفادة.

و ما ذكرناه من الوجوه يكون على طبق الأقوال أو الجهات المشار إليها في كلامهم أو ما يكون له وجه و إن لم يشيروا إليها.

و الوجوه المذكورة هي أصول الجهات الملحوظة في مقام التفصيل، و أمّا بملاحظة الاختلاط مع سائر الجهات تزيد على ذلك، كالقول باعتبار وحدة التجارة مثلا شخصا، و باعتبار كون التلف بعد الربح، و باعتبار وقوع التلف في سنته، و وقوعه على نفس الربح، إلى غير ذلك.

و الوجه في ذلك أنّه لا يمكن القول بعدم احتساب التلف أصلا، و إلّا فلو فرض وقوع التلف على جميع رأس المال بعد حصول الربح و لو بارتفاع السعر‌

______________________________
(1) ج 16 ص 61.

213
کتاب الخمس (للحائري)

حكم السرقة و الفقدان و تخريب البيت ص 211

و أمّا التلف الطارئ على غير رأس المال فالظاهر عدم الاحتساب (1)، خصوصا إذا كان واردا على ما يعدّ من مئونته (2).

كان اللازم إعطاء الخمس، و لا يمكن الالتزام به بحسب الارتكاز، فالظاهر بعد ذلك أنّه إن أسند الربح إلى نوع من رأس المال فالتلف منه أو من ربحه محسوب في مقام الاستناد، و كذا لو أسند الربح إلى الشخص، فلو قيل إنّ تجارة السمن في تلك السنة كانت فائدته ذلك المقدار من الربح فيلاحظ تلف السمن أو ربحه، و إذا أسند إلى تجارة خاصّة شخصيّة فيلاحظ التلف بالنسبة إليها أيضا و ليس عند العرف مشكوكا، و ليس ما لدى العرف أيضا مشكوكا، بل الأمر واضح عندهم، فإنّ احتساب التلف في مقام استناد الربح تابع لما يضاف إليه، و حينئذ إن أسند الربح إلى السنة- كما هو الظاهر من أدلّة الخمس- فلا ريب أنّ الظاهر منه هو الذي يصل إلى صاحبه بعد استثناء الخسارات من تلف الربح و رأس المال من جميع أنواع اكتساباته، من غير فرق بين الاختلاف في النوع أو الاختلاف في غيره، فلا يقال:

إنّ عوائد سنته بمقدار خاصّ إلّا بعد إخراج ما غصب أو سرق أو انهدم من جميع أنواع رأس ماله و لو كان اختلافه نظير اختلاف التجارة و الزراعة.

فإنّ التلف المستثنى من الربح هو الوارد على ما من شأنه الإفادة أو كان بنفسه الفائدة، فلو انهدم جدار داره أو فقد نعاله فلا يحتسب في مقام فوائد سنته، و كذا لو لم يكن ممّا يعدّ من مئونته، فإنّ غير رأس المال ليس ممّا يحتسب النفع و الضرّ بالنسبة إليه.

كانهدام جدار داره الّتي هي مسكنه.

وجه الخصوصيّة أنّ المفروض فيه: الصرف و الاستثناء من الخمس من أوّل الأمر فلا وجه لاستثنائه ثانيا، فوجه الخصوصيّة أمران: أحدهما الصرف الذي هو بحكم الإتلاف بالنسبة إلى ما جعل لأن يكون رأس ماله أو جعل لأن يصرف‌

214
کتاب الخمس (للحائري)

حكم التلف بعد سنة الربح ص 215

هذا كلّه بالنسبة إلى التلف الواقع في سنة الربح.

[حكم التلف بعد سنة الربح]

و أمّا التلف الواقع بعد ذلك فلعلّ الظاهر عدم الاحتساب فلا يجبر بالربح في السنة إذا كان التالف رأس المال و يكون متعلّقا للخمس المستقرّ فيه بعد تماميّة السنة (1) في مخارج سنته، كالمال الموروث من أبيه و إن لم يكن من رأس ماله. ثانيهما الاستثناء منه قبل ذلك من متعلّق الخمس، فتأمّل.

ثمّ إنّه لاستثناء تلف الربح وجهان آخران- غير ما تقدّم من عدم صدق الربح إلّا على الباقي-:

أحدهما: انصراف الربح إلى المستقرّ منه إلى آخر السنة، و لذا قالوا بعدم تعلّق الخمس بالبيع الخياريّ الذي فيه الربح إذا فسخ بالخيار.

ثانيهما: أنّ تلف الربح موجب لتلف الخمس، بناء على تعلّق الخمس من أوّل ظهور الربح- لا في آخر السنة- و بناء على كون التعلّق على النحو المشاع و تعلّق الربح بالنسبة إلى رأس المال أيضا كذلك.

و كيف كان، فقد ظهر أنّ تلف الربح أو رأس المال- من غير فرق بين أنواعه- بحكم المئونة و إن لم يكن منها حقيقة، لعدم صدق الغنيمة أو الشكّ في ذلك، بخلاف تلف غيرهما، و هو العالم.

لقد يسر اللّه تعالى لي كتابة ذلك عند مدفن مولانا أبي الحسن الرضا عليه و على آبائه و أبنائه التحيّة و الثناء، في السفرة الواقعة في سنة ثلاثمائة و خمس و تسعين بعد الألف من الهجرة النبويّة عليه آلاف السلام و التحيّة، و هي السفرة الثانية و الثلاثون، و هو الموفّق و عليه المعوّل في الشدّة و الرخاء و له الحمد في الآخرة و الاولى.

و ذلك لما تقدّم من أنّ موضوع الخمس هو فوائد السنة و هي حاصلة،

215
کتاب الخمس (للحائري)

حكم التلف بعد سنة الربح ص 215

..........

و التلف بعد السنة غير مضرّ بصدق فوائد السنة بالنسبة إلى التالف جبرا و من حيث تعلّق الخمس.

و ربما يدلّ على ذلك السيرة القطعيّة من جهة عدم معهوديّة استرداد الخمس بين المسلمين إذا وقع التلف على الربح أو على رأس المال بعد تماميّة السنة، خصوصا بعد مضيّ سنين متوالية من ذلك، و لا فرق من حيث الملاك بين سنة واحدة و سنين متوالية.

إن قلت: إذا تلف بعض رأس المال من تجارة واحدة فلا يصدق الفائدة بالنسبة إلى تلك التجارة إلّا بعد استثناء التالف منه فكيف يصدق فائدة مطلق التجارة أو مطلق الاكتساب؟! و إذا لم يصدق الفائدة على مقدار التالف إذا أضيفت إلى أصل الاكتساب أو إلى مطلق التجارة أو إلى تجارة خاصّة فكيف يصدق إذا أضيفت إلى السنة؟! قلت: الوجه في الصدق هو صدق الفائدة على مجموع الربح من دون استثناء التالف إذا أضيفت إلى بعض رأس المال.

و بالجملة، فالملاك صدق فائدة السنة و لو من حيث صدق الفائدة على مجموع الربح إذا أضيفت إلى بعض رأس المال.

إن قلت: هذا بالنسبة إلى تلف رأس المال، و أمّا بالنسبة إلى تلف الربح فمشكل من جهة أخرى و هي انصراف الربح إلى الربح المستقرّ، و لذا قالوا بعدم الخمس إذا اشترى ما فيه الربح و كان الخيار للبائع ففسخه، من جهة عدم استقرار الربح.

قلت: الانصراف إلى الربح المستقرّ من حيث الوجود بحيث لا يشمل الربح التالف و لو بعد السنة ممنوع جدّا، و الانصراف إلى الربح المستقرّ من حيث الملكيّة‌

216
کتاب الخمس (للحائري)

حكم استرداد ما فيه الربح بعد السنة ص 217

إذا كان التالف هو الربح،

[حكم استرداد ما فيه الربح بعد السنة]

إلّا أن يكون التلف باسترداد المال ممّن انتقل عنه إلى المالك للربح (1).

و إذا تمّت السنة و استقرّ الخمس و استجاز المالك من وليّ الخمس أن يؤخّر أداءه إلى مدّة فتلف بعض المال فيها ففيه وجوه (2).

- قبالا للملكيّة المتزلزلة- أو إلى الربح غير المستردّ من جانب من انتقل عنه المال غير الانصراف إلى المستقرّ من جميع الجهات، و لذا يمكن أن يقال باستثناء ما يستردّ من الأموال من الذي حصل له الربح، من جهة الأخذ من يده. فلو اغتنم المسلمون مالا من الكفّار فاستولى الكفّار عليهم ثانيا و أخذوا الأموال فالظاهر مساعدة العرف على عدم صدق الغنيمة.

لما تقدّم من الانصراف الذي يساعده العرف جدّا، فإنّ الاسترداد بمنزلة عدم التحقّق، و ربما يجي‌ء الكلام في ما يناسبه في مسألة الإقالة و الفسخ «1».

منها: وقوع التلف على الخمس أيضا، و عدم الضمان بنسبة الخمس إلى الربح و نسبة الربح إلى رأس المال.

و ذلك مبنيّ على إشاعة الخمس في الربح و إشاعة الربح من حيث الإضافة إلى رأس المال.

و منها: ما في قباله من عدم توجّه التلف إلى الخمس أصلا.

و الوجه فيه: أنّ متعلّق الخمس أحد الأمرين من العين أو القيمة، فإذا تعذّر العين يتعيّن الأداء من القيمة، فالحقّ المردّد في مقام التعلّق بين العين أو القيمة لم يتلف حتّى يصير ساقطا من جهة كون اليد أمانيّة.

و منها: أن يقال بعدم ورود التلف على الخمس ما دام مقدار الربح باقيا في المال، و إذا تلف جميع رأس المال و تلف بعض الربح فقد تلف من الخمس ما‌

______________________________
(1) في ص 226.

217
کتاب الخمس (للحائري)

حكم استرداد ما فيه الربح بعد السنة ص 217

ثمّ إنّ ما ذكر من عدم استثناء التلف إنّما هو بالنسبة إلى سنة الربح، و أمّا السنة اللاحقة فإن كان التالف رأس المال أو جعل الربح رأسا للمال في السنة اللاحقة فيجبر بربحها، و أمّا إذا لم يكن الربح التالف من رأس المال فلا يستثني كما تقدّم وجهه.

يكون خمسا لبعض الربح التالف.

و الوجه في ذلك أن يكون إضافة الربح إلى رأس المال على نحو الكلّيّ في المعيّن، و تعلّق الخمس بالربح على نحو الإشاعة.

و منها: عدم تعلّق التلف بالخمس ما دام مقدار الخمس باقيا في مجموع الأموال.

و الوجه في ذلك أن تكون إضافة الربح إلى المال على نحو الكلّيّ في المعيّن، و تعلّق الخمس بالمال أيضا كذلك.

و منها: وقوع التلف على الخمس إذا تلف مقدار الربح جميعا، و إذا تلف بعضه فبالنسبة. و هو مبنيّ على كون إضافة رأس المال إلى مجموع المال على نحو الكلّيّ في المعيّن، فالتلف واقع على الربح، و تعلّق الخمس بالربح على نحو الإشاعة.

و منها: وقوع التلف على الخمس إذا تلف تمام الربح، و أمّا إذا بقي رأس المال و بقي الربح بمقدار الخمس فهو الخمس.

و هذا مبنيّ على كون تعلّق الخمس بالربح على نحو الكلّيّ في المعيّن و إضافة رأس المال إلى المال أيضا على نحو الكلّيّ في المعيّن.

و تعيّن إحدى الوجوه متوقّفة على البحث عن مسألة كيفيّة تعلّق الخمس، و يجي‌ء الكلام في ذلك «1» إن شاء اللّه تعالى.

______________________________
(1) في ص 878 و ما بعدها.

218
کتاب الخمس (للحائري)

حكم الإتلاف ص 219

[حكم الإتلاف]

و أمّا الإتلاف (1) فهو على أقسام:

فإن كان من دون التعمّد فالظاهر أنّه بحكم التلف في ما مرّ (2).

و إن كان على وجه التعمّد لغرض عقلائيّ- كإلقاء الأثقال في البحر لنجاة المسافرين أو إحراق بعض الكتب للتقيّة- ففيه وجهان (3).

بأن يتلف الرابح رأس المال أو الربح بنفسه كأن يكسر شي‌ء في النوم أو في اليقظة. و الحاصل أنّ المراد من الإتلاف: ما لا يكون صرفا في مصرفه المعتاد له، فيخرج ما إذا كان صرفه بإتلافه في ما يستفاد منه، كصرف النفط لتوليد الحرارة.

إذ لا فرق في نظر العرف- من حيث عدم صدق الفائدة بالنسبة إلى التالف بالاشتباه- بينه و بين التالف بفعل غيره، فلو كسر شي‌ء من ماله يكون كما كسر الغير بلا إشكال عند العرف.

و يمكن الاستدلال لاستثناء التلف و الإتلاف غير العمديّ بالأولويّة، من جهة كونهما أولى من المئونة الّتي استفاد منها الرابح.

لكنّها غير واضحة، إذ يمكن أن يكون ذلك ملاكا للاستثناء، فإنّه و لو لم يصرف في مصرف الخمس فقد صرف في مصرف المؤمن المعطي للخمس المتولّي للأولياء عليهم السّلام، و هذا بخلاف صورة التلف أو الإتلاف غير العمديّ.

و أمّا استثناء ما يعطي مصانعة لدفع الظلم، فلا يدلّ على استثناء ذلك الذي لم يدفع به ظلم أصلا.

فإنّه يمكن القول بالاستثناء من جهة أنّه يعدّ من المئونة، للصرف في مصالحه، لكنّ الصرف في المصالح و استعماله في ما يتعارف في الأموال- من الأكل أو الشرب أو الإعطاء و التمليك- غير الإتلاف في المصالح، و لعلّ صدق المئونة متوقّف على صدق الصرف في المصالح في الجملة، أو من جهة الأولويّة المتقدّمة في التعليق المتقدّم، لكنّها أيضا غير واضحة، من جهة احتمال دخالة‌

219
کتاب الخمس (للحائري)

حكم تنزل القيمة ص 220

و إن كان عمدا من دون الغرض العقلائيّ كالمتلف غضبا فالظاهر عدم الاستثناء (1).

[حكم تنزّل القيمة]

و أمّا تنزّل القيمة فالظاهر أنّه بحكم التلف، فلو تنزّل قيمة رأس المال في تجارة في السنة فالظاهر هو الجبران بربح اكتساب آخر من الصرف في الاستثناء، فلا يستثني المتلف، أو من جهة عدم صدق الغنيمة أو الشكّ فيها، و هذا هو الأقرب.

و في قباله الحكم بعدم الاستثناء من جهة الإلحاق بالعمديّ الذي لا غرض فيه عند العقلاء.

لعدم كونه من المئونة قطعا، لما تقدّم «1» من خروج الإسراف عنها و عدم منافاته لصدق الربح، فكما أنّه لو ربح فأفناه في الهديّة إلى الغير أو بناء المسجد يصدق الربح كذلك في المقام.

و الوجه في صدقه في المقامين أنّ الإتلاف وقع عن عمده و اختياره، لا أن صرف في مصالحه، فتأمّل.

فلا وجه لاستثنائه إلّا أن يقال في الربح المتلف في وسط السنة: إنّ الغنيمة لا تكون موجودة، و متعلّق الحكم هو الغنائم الموجودة في آخر السنة.

و هو مردود بكونه خلاف ظاهر الآية و الروايات الدالّة على تعلّق الخمس بصرف صدق الغنيمة.

مع أنّ الالتزام بذلك موجب لسدّ باب الخمس، فإنّه يمكن للرابح إخراج المال عن ماله و نقله إلى ابنه- مثلا- إلى ما بعد السنة ثمّ الاسترداد منه برضاه، و هو أيضا يملك ماله أبوه في رأس سنته المختصّة به ثمّ يستردّ بعد السنة.

______________________________
(1) في ص 205.

220
کتاب الخمس (للحائري)

حكم تنزل القيمة ص 220

التجارة أو الزراعة (1).

و التنزّل الموجب لفقدان الربح أو قلّته بحكم عدم تحقّق الربح بالنسبة إلى سنة الربح (2).

و أمّا بعد تمام السنة فالظاهر عدم الإشكال في عدم جبران خسارته من حيث التنزّل بالربح الحاصل في السنة (3).

و ذلك لما تقدّم في التلف: من عدم صدق الغنيمة و الفائدة بالنسبة إلى السنة إلّا بعد ملاحظة الخسران، بل مقتضى عبارة العروة أنّ الحكم في الخسران أوضح، «1» و هو كذلك بالنسبة إلى التجارة لوحدة المنشأ، فإنّ الربح حاصل من جهة تغيّر السعر إلى جانب الارتفاع، و الخسران أيضا حاصل من تغيّره إلى جانب التنزّل.

و من ذلك يظهر أنّ في مثل الزراعات و الأشجار المثمرة يكون التلف أولى بالجبران من تغيّر السعر، فإنّ منشأ الربح فيها وجود الثمرات و نموّ الأشجار، فالتلف أقرب إلى منشأ الربح فيها.

لعدم صدق الربح المضاف إلى السنة، فإنّ الربح يحسب في العرف بالنسبة إلى مجموع السنة.

و يمكن أن يوجّه ذلك بوجه آخر، و هو عدم صدق الربح و الغنيمة عليه أصلا، و مقتضى ذلك هو عدم تعلّق الخمس و لو كان التنزّل بعد تمام السنة، و يجي‌ء الكلام فيه «2» إن شاء اللّه.

فإنّ الربح المضاف إلى السنة قد استقرّ في الفرض من دون العود إلى التنزّل، و أمّا الخسران من جهة نقصان رأس المال بعد السنة فهو غير مضرّ عرفا- قطعا- لصدق الغنيمة على ما حصل من الربح في السنة، كما مرّ في التلف بعد السنة. فلو تنزّل مثلا قيمة آلات الكسب بعد السنة من دون تنزّل في الربح فلا‌

______________________________
(1) العروة: كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 74.

(2) في الصفحة الآتية.

221
کتاب الخمس (للحائري)

حكم تنزل القيمة ص 220

و أمّا تنزّل الربح بعد السنة فهل يوجب سقوط الخمس أم لا أم فيه تفصيل؟ فيه وجوه (1).

يستثني ذلك من الربح، كما أنّ الأمر في الخسران في السنة غير المجبور بربح السنة كذلك أي لا ينجبر بربح السنة اللاحقة.

أمّا وجه سقوط الخمس- بمعنى الكشف عن عدم الثبوت- فهو عدم صدق الغنيمة على الربح غير المستقرّ أو يكون الصدق مشكوكا. و هو الذي يظهر من بعض التعاليق على العروة الوثقى.

و أمّا وجه الثبوت فهو منع الانصراف و ثبوت الخمس بظهور الربح المضاف إلى السنة.

و يمكن التفصيل بين صورة عدم التمكّن من البيع و إخراج الربح من التزلزل، من جهة عدم العثور على المشتري أو من جهة الغفلة عن ذلك فلا خمس، و غيرها فالحكم بالخمس و ضمانه، و هو الظاهر من عبارة العروة حيث قال قدس سرّه:

نعم، لو لم يبعها عمدا بعد تمام السنة و استقرار وجوب الخمس ضمنه «1».

من حيث التقييد بالعمد الموجب لخروج صورتي الغفلة و عدم التمكّن.

أو يفصّل بين ما إذا لم يبعها لعذر عقلائيّ فلا خمس، و ما إذا كان ذلك مسامحة ففيه الخمس. و هو الذي يظهر من بعض التعاليق على العروة.

و لعلّ الأقرب بالنظر تفصيل ثالث- و هو الوجه الخامس- و هو الحكم بثبوت الخمس إلّا إذا لم يتمكّن من البيع و أخذ الثمن، و أمّا إذا كان متمكّنا في الواقع و لم يبعه طلبا للزيادة أو للقطع بعدم التنزّل بل و لو كان غفلة، ففيه الخمس.

أمّا عدم ثبوت الخمس في صورة عدم التمكّن من البيع من دون الاستناد إلى‌

______________________________
(1) العروة: كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 54.

222
کتاب الخمس (للحائري)

حكم تنزل القيمة ص 220

لعلّ الظاهر هو التفصيل بين عدم التمكّن الواقعيّ من البيع فلا خمس، و غيره ففيه الخمس و إن كان ترك البيع من جهة الغفلة أو النسيان، و إن كان الاحتياط لا يترك في تلك الصورة بالاستيهاب (1).

الغفلة، فلعدم تحقّق مال في الخارج عنده، فإنّ صرف ارتفاع القيمة من دون زيادة عينيّة و من دون الارتفاع القابل للحصول في اليد لا يعدّ غنيمة، فإنّه صرف اعتبار لا أثر له في الخارج فكيف يصدق عليه الغنيمة؟! مع أنّ الشكّ في الصدق يكفي في عدم ثبوت الخمس.

و أمّا ثبوته في صورة التمكّن فلصدق عنوان الغنيمة و الفائدة فيه مسلّما و لو مع الغفلة، كما يظهر بالمقايسة إلى شركة الربح في باب المضاربة، فإنّه لو أخذ العامل ربحه و انفسخت المضاربة أو تمّت مدّته المضروبة لها فلا يرجع إليه بعد الأخذ و القسمة، و لا فرق قطعا بين صورة الأخذ و القسمة و عدمهما عرفا.

كما أنّ ذلك واضح لو كان تنزّل السعر الموجب لنقصان الربح بعد مدّة مديدة من الزمان، فإذا تحقّق ذلك و صدق عنوان الغنيمة عليه في صورة التمكّن فالظاهر أنّ التمكّن الواقعيّ كاف في ذلك، و الغفلة بالنسبة إليه كالغفلة بالنسبة إلى سائر الموضوعات ليست دخيلة في تغيّر عنوان الموضوع.

و الاحتياط في صورة الغفلة هو الاستيهاب من صاحب المال أيضا.

كما تبيّن وجه ذلك في التعليق المتقدّم و تحصّل أنّ الوجوه خمسة.

و ممّا ذكرنا يظهر مواقع الإيراد في ما ذكر قدس سرّه في كتاب العروة، قال قدس سرّه:

إذا اشترى عينا للتكسّب بها فزادت قيمته السوقيّة و لم يبعها غفلة أو طلبا للزيادة ثمّ رجعت قيمتها إلى رأس المال أو أقلّ قبل تمام السنة لم يضمن خمس تلك الزيادة، لعدم تحقّقها في الخارج. نعم، لو لم يبعها عمدا‌

223
کتاب الخمس (للحائري)

حكم تنزل القيمة ص 220

..........

بعد تمام السنة و استقرار وجوب الخمس ضمنه «1».

ففيه أوّلا: عدم الملاك للتقيّد بالغفلة أو طلب الزيادة في ما إذا تغيّر السعر في السنة، بل و لو كان من باب المسامحة أو كان قاطعاً بالتنزّل فلم يبعها من باب الاحتياج إلى السفر و كان السفر مخالفا لرفاهه فالظاهر عدم وجوب الخمس، لعدم الربح المضاف إلى السنة، فهو في حكم التلف في السنة المتقدّم حكمه.

و ثانيا: أنّ الرجوع إلى رأس المال أو الأقلّ ليس دخيلا في المسألة، بل لو قلّ الربح من جهة تنزّل السعر كان حكمه ذلك بالنسبة إلى المقدار النازل، و الظاهر أنّه من باب المثال، إلّا أنّه لا بدّ في كتب الفتوى من الدقّة في الإطلاق و التقييد.

و ثالثا: أنّ التعليل بعدم تحقّق الربح في الخارج لا يخلو عن ضعف، فإنّ الربح قد تحقّق في الخارج، فإنّ مقابل ارتفاع القيمة السوقيّة من المال الموجود هو الربح الخارجيّ، إلّا أنّ صدقه على ذلك متزلزل.

مع أنّه ليس الملاك التحقّق الخارجيّ، بل الملاك صدق الغنيمة المضافة إلى السنة و لو لم يتحقّق في الخارج، كالاشتراء المتعلّق بالكلّيّ الذي فيه الربح.

مع أنّه لو كان الملاك ذلك لم يكن فرق بين ما في السنة و ما بعدها.

مع أنّه لو كان المراد أنّ الملاك صرف التحقّق في الخارج- و لو لم يكن فائدة مضافة إلى السنة- لكان اللازم الحكم بالخمس في الثمرات الحاصلة في السنة التالفة قبل البيع، لتحقّقها خارجا، لكنّها ليست من الغنيمة المضافة إلى السنة، لتلفها قبل انقضاء السنة. فالتعليل مورد للإيراد من وجوه أربعة، فليتأمّل.

و رابعا: قوله «لو لم يبعها عمدا بعد تمام السنة» فيه تسامح، و الصحيح: «لو لم يبعها عمدا حتّى تمّت السنة»، إذ لا تأثير لعدم البيع بعد تمام السنة في استقرار وجوب الخمس.

______________________________
(1) العروة: كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 54.

224
کتاب الخمس (للحائري)

المضمون هو خمس نفس ما صدق عليه الربح لا ارتفاع القيمة ص 225

[المضمون هو خمس نفس ما صدق عليه الربح لا ارتفاع القيمة]

ثمّ إنّ المضمون خمس نفس ما صدق عليه الربح في الخارج، و لا يضمن خمس ارتفاع القيمة النازلة بالفرض بعد السنة (1).

[حكم الفسخ و الإقالة و فروعهما]

و أمّا الفسخ و الإقالة فتارة يكون بالنسبة إلى الربح و اخرى يكون بالنسبة إلى رأس المال، و على التقديرين إمّا أن يكون ذلك في سنة الربح أو بعد انقضائها.

و من ذلك يظهر التسامح في ما في تعليق الطباطبائيّ الحكيم قدس سرّه على ذلك من قوله «أو في أثنائها»، فإنّ الصحيح «بل في أثنائها».

و خامسا: أنّ الظاهر منه أنّه لو لم يبعها غفلة ليس الحكم فيه هو الضمان، مع أنّك قد عرفت أنّ الظاهر هو الضمان، بل لعلّ الظاهر- من جهة التقابل بينه و بين قوله: و لم يبعها غفلة أو طلبا للزيادة-: أنّ المقصود من العمد غير ما كان طلبا للزيادة أيضا، و هو مشكل، لوضوح الضمان في الصورة المذكورة.

كما أشار إليه بعض أعلام العصر في تعليقه، فلو كان رأس ماله عشرة آلاف تومان فاشترى بها ألف ذرع من الأرض للتجارة بها، ثمّ باع و اشترى حتّى صار رأس ماله في السنة ألفا و خمسمائة ذرع منها و كان قيمة ذلك خمسة عشر ألفا، ثمّ تنزّل السعر فصار بعد السنة قيمة الأرض الّتي مساحتها ألف و خمسمائة ذرع عشرة آلاف فتنزّل إلى رأس المال، فإنّ الذي يجب عليه من الخمس هو مائة ذرع من الأرض الّتي هي خمس خمسمائة الربح أو قيمة ذلك الّتي هي خمس ثلث عشرة ألف تومان، لا خمس خمسة آلاف.

و الوجه في ذلك هو تعلّق الخمس بالعين و لو كان التعلّق بها تخييريّا، فإنّ العدل الآخر هو قيمة العين فيجب على المكلّف إمّا أداء العين أو قيمتها، لكنّه و إن كان الواجب عليه حين كون القيمة مرتفعة في المثال أداء مائة ذرع من الأرض أو قيمتها الّتي هي ألف تومان و لكن بعد التنزّل يجب عليه على فرض التخيير أداء‌

225
کتاب الخمس (للحائري)

حكم الفسخ و الإقالة و فروعهما ص 225

أمّا الأوّل- و هو الفسخ و الإقالة بالنسبة إلى الربح في سنته- فالظاهر هو الاحتساب و عدم تعلّق الخمس (1).

المائة أو قيمتها الّتي هي أقلّ من الألف بالثلث، فإنّ متعلّق التخيير هو العين أو قيمة العين لا خصوص قيمة الارتفاع، كما هو الحال في جميع موارد كون مال الغير بيد الغاصب مثلا أو غيره.

هذا من غير فرق بين كون الفسخ من جانب البائع أو من جانب المشتري أو كان على وجه الإقالة، و من غير فرق بين كون الإقالة من شأن المشتري أم لا.

و الوجه الذي يمكن الاستدلال به لمورد المسألة على وجه الإطلاق أمران:

أحدهما: أنّ ردّ المعاملة في نظر العرف بمنزلة عدم تحقّق المعاملة، سواء قلنا بالكشف الحقيقيّ أو الحكميّ أو الانقلابيّ أو النقل المحض، إذ على الأخير مقتضاه الحكم بعدم العقد و عدم آثاره العرفيّة من حين الردّ، و ذلك موجب لانصراف موضوع الخمس و هو «الغنيمة المضافة» إلى الحول، و لا أقلّ من الشكّ في الظهور.

الثاني: أنّ مقتضى الردّ عرفا ذلك، و مقتضى صحّته شرعا هو الحكم بترتيب آثار الردّ من حين تحقّقه و لو لم يكن انصراف في دليل الربح و الغنيمة.

و هنا وجوه أخر تأتي في بعض موارد المسألة:

منها: انصراف الربح إلى ما يملكه الرابح بالملكيّة اللازمة، و مقتضى ذلك عدم صدق الغنيمة على صورة وجود الخيار للبائع.

و منها: أنّ الملاك هو الغنيمة المضافة إلى السنة، فالفسخ من قبل البائع يكون بحكم التلف. لكنّ الوجهين لا ينطبقان على مورد الإقالة و الفسخ من قبل المشتري، لما تقدّم من أنّ الإتلاف العمديّ لا ينافي صدق الربح المضاف إلى الحول الواحد، و لعدم تزلزل الملك له.

و منها: أن يكون الإقالة ممّا يعدّ من مئونته بحيث كانت من شأنه، كهباته و صدقاته.

226
کتاب الخمس (للحائري)

حكم الفسخ و الإقالة و فروعهما ص 225

و أمّا الثاني- و هو الفسخ أو الإقالة بالنسبة إلى رأس المال في سنة الربح- فالظاهر عدم الاحتساب (1).

و أمّا الثالث- أي الفسخ و الإقالة بعد انقضاء السنة بالنسبة إلى الربح- فالظاهر عدم الاحتساب إلّا إذا كان الفسخ من جانب البائع أي غير الرابح (2)، إلّا إذا كان مقصود الفاسخ هو الردّ من حين العقد على إشكال في ذلك.

و أمّا ردّ رأس المال بعد السنة فعدم احتسابه واضح (3).

فالوجوه الّتي يمكن ذكرها في المسألة لجميع مواردها أو بعضها خمسة، و الذي يتمشّى في الكلّ هو الوجهان الأوّلان.

لأنّ مقتضى الردّ عرفا أنّه كالعدم و بمنزلة عدم وصول ذلك إلى اليد و أنّ ما وصل إليه من الربح كان من دون وجود رأس المال، و ذلك كأن وهب بعض الأصدقاء للرابح مالا للتكسّب به فكسب و ربح و استنمى من ذلك ثمّ رأى أن يردّه إلى صاحبه، فالظاهر أنّه ليس في نظر العرف بمنزلة تلف رأس المال فيجبر بالربح كما تقدّم، و السرّ في ذلك أنّ الردّ في العرف بمنزلة عدم التحقّق.

أمّا عدم احتساب غير الفسخ من جانب البائع فلأنّ الردّ يكون من الحين- على المشهور المنصور- ففائدة السنة قد استقرّت فلا بدّ من الخمس.

و أمّا الفسخ من جانب البائع فالظاهر أنّه يكشف عن عدم تعلّق الخمس، من جهة انصراف الغنيمة إلى الملكيّة اللازمة، و أمّا المتزلزلة الّتي غير قابلة للوثوق بالحصول في اليد حتّى بالبيع في زمن الخيار- بناء على جوازه- لأنّه إن فسخ البائع يرجع إلى البدل من المثل أو القيمة، فالانصراف قويّ، مع أنّ الاحتمال كاف في عدم انعقاد الظهور بحيث يشمل المورد.

فإنّه إذا لم يستثن من الربح إن كان في السنة، فعدم استثنائه من بعد انقضاء ربح السنة أولى.

227
کتاب الخمس (للحائري)

حكم استرداد المال ظلما ص 228

[حكم استرداد المال ظلما]

و أمّا استرداد المال من غير حقّ من جانب من انتقل منه المال- كأن يأخذ الكفّار الغنائم من المسلمين بعد أخذها منهم- فلعلّ الظاهر أنّه بحكم الفسخ من قبله (1).

و من ذلك يظهر النظر في ما في العروة، قال قدس سرّه:

لو اشترى ما فيه ربح ببيع الخيار فصار البيع لازما فاستقاله البائع فأقاله لم يسقط الخمس، إلّا إذا كان من شأنه أن يقيله، كما في غالب موارد بيع شرط الخيار إذا ردّ مثل الثمن «1». انتهى.

أقول فيه أوّلا: ما تقدّم من أنّ الظاهر سقوط الخمس بالإقالة في السنة مطلقا، و ليس من جهة صدق المئونة حتّى يشترط كونها من شأنه.

و ثانيا: لا تأثير لكون الإقالة من شأنه إذا وقعت بعد سنة الربح.

و يمكن أن يوجّه سقوط الخمس مطلقا بالردّ (و لو كان بعد السنة من جانب الرابح) بأنّ الردّ و إن كان هو الفسخ من حينه- لا من حين العقد- بحسب المتعارف المعمول بين العقلاء، و لكن بعد فرض تصوير الكشف الانقلابيّ فلا مانع من قصد الفاسخ بفسخه فسخ العقد من حين العقد، بمعنى أنّ الفاسخ يملك بفسخه بملكيّة فعليّة المملوك السابق. هذا، مع ضمّ اشتراط صدق الغنيمة بأن لا يملكه مالك بعد ذلك بالنسبة إلى هذا الزمان.

و هذا الكلام جار بعينه في الإجازة و إن لم يقل به أحد من الأصحاب، فيكون الكشف و النقل في الإجازة و الفسخ تابعين لقصد من بيده الأمر.

و ملخّص الصور المذكورة في المسألة: أنّه قد يؤخذ المال من صاحبه إكراها، و قد يتلف أو يسرق من دون اطّلاعه، و قد يتلف عمدا أو خطأ، و رابعة يحصل تنزّل في ماله من ناحية السعر، و خامسة يحصل الفسخ أو الإقالة، و سادسة‌

______________________________
(1) العروة: كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 58.

228
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة عشر حكم الدين و أدائه ص 229

المسألة الرابعة عشر [حكم الدين و أدائه]

الظاهر أنّ الدين بنفسه من المئونة إذا صرف ما استدانه في مئونته (1).

يستردّ المال من صاحبه الأوّليّ غصبا. و على جميع التقادير قد يحصل ذلك بالنسبة إلى الربح، و اخرى بالنسبة إلى رأس المال، و ثالثة بالنسبة إلى غيرهما من سائر أمواله ممّا يكون من مئونته أو غير ذلك. و على جميع التقادير قد يكون ذلك في سنة الربح و قد يكون بعد انقضاء السنة، فتلك ستّة و ثلاثون فرعا قد ذكرنا حكم كلّ منها مع دليله بقدر ما وصل إليه النظر.

و ملخّص الحكم في ذلك أنّه لا يستثني النقصان الوارد على غير رأس المال و الربح مطلقا إلّا في ما عدّ من المئونة، و يستثني النقصان الوارد على رأس المال و الربح مطلقا إذا كان ذلك في سنة الربح، إلّا إذا كان ذلك بردّ المعاملة أو ما بحكم الردّ و هو الغصب من جانب من كان بيده المال، و لا يستثني النقصان الواقع بعد السنة إلّا إذا كان بالفسخ من الناقل أو الغصب منه أو كان المقصود بالردّ هو الردّ من حين العقد على إشكال في ذلك، و اللّه المستعان و هو العالم.

فإنّه لو استدان الرابح مالا فصرفه في مئونة سنته فالاستثناء ممّا لا ينبغي الإشكال فيه.

و الإشكال ب‍ «أنّ المستثنى هو المئونة المخرجة من الربح لا مطلق المئونة، و لذا لا يستثني من الربح إذا تبرّع متبرّع بمئونته» مندفع قطعا بأنّ الظاهر أنّ المستثنى ما يصرفه من ماله لنفسه فلا يشمل التبرّع، و أمّا الاختصاص بخصوص ما يصرف من الربح فهو مخالف لصريح الأدلّة، فإنّ اللازم عدم استثناء ما يصرفه في أوّل السنة قبل الاسترباح، مضافا إلى أنّ الغالب صرف الربح في أداء دين ما يصرفه في المئونة، إلّا أن يقال: إنّ ذلك من باب كون الأداء من المئونة، و ليس نفس الصرف منها، و هو تكلّف قطعا.

229
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة عشر حكم الدين و أدائه ص 229

و يترتّب على ذلك فروع:

منها: أنّه لو استدان فاشترى شي‌ء فتلف قبل الصرف في المئونة لم يكن الدين من المئونة، إلّا إذا أدّاه فيكون الأداء منها. و كذا تلف البعض أو التنزّل.

و منها: أنّه لو استدان فاشترى ما يمون به ممّا يصرف عينه كالحبوبات أو يبقى عينه- كالمسكن- و كان الدين مؤجّلا بأجل يحلّ بعد السنة، فالظاهر هو الاستثناء و إن لم يحلّ أجله (1).

و لو زاد الدين المذكور عن الربح فالباقي يستثني من ربح اللاحقة أداء في الأوّل (2).

و أمّا في الثاني فالظاهر هو استثناء الباقي بنفس وجود الدين (3) فلو اشترى مثلا حنطة من المال الذي استدانه فصرفها في مئونة سنة الربح و الدين و كان أجل الدين- كلّا أو بعضه- بعد السنة، فالدين جميعه يستثني من المئونة، لأنّه قد صرف في المئونة، و الخمس يكون بعدها، و لا يستثني من المئونة من حيث الأداء، لأنّ مقابله و هو الربح في سنته موجود. نعم، إذا لم يف ربح السنة بالدين المصروف في مئونة سنة الربح كان الأداء من مئونة السنة اللاحقة بالنسبة إلى المقدار الناقص، هذا إذا كانت المئونة ممّا يصرف عينه.

أي في ما يصرف عينه كالمأكولات، لأنّه ليس من مئونة السنة اللاحقة حتّى يحسب بصرف الصرف، فإنّه لم يصرف في السنة اللاحقة، لكن نفس أداء الدين الذي ليس مقابله باقيا يكون من مئونة السنة اللاحقة.

فلو استدان ستّين فاشترى به دارا و كان ربحه في السنة عشرين و كان الدين عليه في كلّ سنة عشرة بحسب الأجل المقرّر له فلا خمس عليه- بناء على ما ذكر- في ثلاث سنين، و عليه الخمس في تمام الربح من دون استثناء ما يؤدّيه‌

230
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة عشر حكم الدين و أدائه ص 229

و إن كان الأحوط في الثاني أيضا عدم الاستثناء في السنين اللاحقة إلّا من حيث الأداء (1).

و منها: أنّه لا فرق بين كون الاستدانة في سنة الربح أو قبلها لمئونة سنة الربح (2) أو كانت الاستدانة بالنسبة إلى ما بعد سنة الربح فاستدان للصرف في سنة الربح (3).

من الدين في الثلاثة الباقية.

و الوجه في ذلك مجموع الأمرين: أحدهما كون ما يصرف في المئونة مستثنى من الربح من حيث تعلّق الخمس. ثانيهما كون ما صرف في مئونة المسكن و أمثاله مئونة لجميع السنين الّتي يستفاد منه فيها.

و الوجه فيه: احتمال تقوّم صدق المئونة على «الصرف، و الإخراج من رأس المال و الربح و جعله لنفسه مدّة بقائه و بقاء المال» و حصل ذلك في السنة الأولى.

لكنّ الظاهر أنّه ليس صرف الإخراج من رأس المال و جعله لنفسه ملاكا لصدق المئونة، و إلّا لم يكن في ما بقي من الحبوب و الفحم المتّخذ للمئونة خمس، فالمسكن و أمثاله مئونة لجميع السنين، فدينه يكون مئونة له أيضا.

فإنّ الملاك هو الصرف في المئونة، و المفروض أنّ الصرف وقع في سنة الربح.

أمّا تصوير ذلك فبأنّه لا يكون الدائن مالكا لما في ذمّة المديون إلّا بالنسبة إلى ما بعد السنة.

و الفرق بينه و بين كون ما في الذمّة بالفعل مملوكا مع فرض الأجل: أنّ الأجل يكون لحقّ المطالبة، فلا يستحقّ المطالبة إلّا بعد حصول الأجل، و لكن يجوز للمديون أداء دينه قبله و ينطبق عليه ما في الذمّة فيبرأ، و ليس للدائن الامتناع عن الأخذ، و هذا بخلاف المقام فلا يستحقّ المديون أداءه بالفعل، بل لا ينطبق على‌

231
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة عشر حكم الدين و أدائه ص 229

هذا بالنسبة إلى أصل الدين، و أمّا أداؤه فهو أيضا من المئونة.

و ملاك ذلك عدم ما يقابله في الخارج- بحيث يكون أداؤه موجبا لنقص في ماله- و صدق صرف بعض أمواله في ما يحتاج إليه، من غير فرق بين الصرف في مئونة سنة الربح أو الصرف في مئونة السنة السابقة أو عدم صرف أصلا- كأن تلف ما استدانه- أو كان الدين من جهة جناية أو إتلاف لمال الغير أو كفّارة أو حقّ شرعيّ عليه (1).

و أمّا الدين الذي يكون ما يقابله موجودا فأداؤه ليس من المئونة (2).

كما أنّه من الواضح أنّه لا خمس في ما قابل الدين من المال الموجود، فلو كان رأس ماله خمسة آلاف و استدان خمسة آلاف الدين و لو مع التراضي، فلا بدّ من التراضي على أخذ ذلك و الإبراء.

و ذلك لصدق المئونة على الأداء بالقيد المذكور، و حينئذ قد يصدق الأمران، كما في أداء دين مئونة سنة الربح، فإنّه يستثني من حيث الدين و من حيث الأداء، و قد يكون الاستثناء من حيث الدين دون الأداء، كما لو استدان و صرف في مئونة سنة الربح و لكن لم يؤدّ دينه فيها، و قد يكون من حيث الأداء فقط، كأداء الكفّارات و الديون المصروفة مقابلها في مئونة السنة السابقة.

كأن استدان لزيادة رأس المال، و هو موجود فيؤدّي ذلك الدين، فإنّ أداءه ليس من المئونة بناء على عدم كون تكثير رأس المال من المئونة، كما تقدّم تحقيقه «1».

و الوجه في ذلك أنّه لم يصرف شي‌ء من ماله بأدائه الدين، فإنّه قد تملّك مالا و أدّى مقابله كأن اشترى شي‌ء و أدّى ثمنه. و ملاك المئونة- كما تقدّم- هو صدق الصرف من ماله لبعض مصالحه.

______________________________
(1) في ص 178 و ما بعدها.

232
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة عشر حكم الدين و أدائه ص 229

اخرى فربح خمسة آلاف فأدّى دينه لا يمكن أن يقال: إنّه ليس عليه الخمس من باب أنّ أداء الدين من المئونة، أو يقال: إنّ خمسة ألفان، فإنّ ما استدانه ليس من الأرباح، بل خمسه في المثال يكون ألفا (1).

و يترتّب على ما ذكر أنّه لو استدان الخمس من وليّه- بأن قبضه بعنوان الخمس و ردّه إلى من عليه الخمس قرضا فأدّاه في السنة اللاحقة- لم يكن أداؤه من مئونة تلك السنة، من غير فرق بين صرف المال في مئونة السنة اللاحقة أو عدم صرف مال أصلا بعد الاستدانة في مئونته- بأن تبرّع بذلك متبرّع مثلا- و من غير فرق أيضا بين تلف ما يقابل الدين في السنة اللاحقة- إذا ربح فيها أيضا بمقدار التلف- و عدم تلفه (2).

و الوجه في الكلّ واضح، أمّا عدم الخمس في ما يقابل فلأنّه ليس من الأرباح، و أمّا عدم استثناء أداء الدين فمن جهة أنّه ليس من المئونة، فإنّه لم يصرف مقدار الدين في حوائجه و لم يتلف، بل يكون موجودا فليس أداؤه صرفا لبعض أمواله، فحكمه حكم من اتّجر برأس ماله من دون الاستدانة فربح خمسة آلاف في المثال، فيبقى كون الخمس في خصوص الربح من دون استثناء أداء الدين منه.

و الوجه في الكلّ أنّ أداءه في السنة اللاحقة ليس من مئونتها حتّى يستثني من ربحها، و ذلك لبقاء ما يقابل الدين في جميع الفروض، أمّا الأوّل فواضح، و أمّا الثاني و الثالث فلأنّ الصرف أو التلف يستثني من ربح اللاحقة، فربح السابقة باق على حاله، فمقابل الدين موجود، و ذلك لأنّ الصرف و التلف متقدّمان على الأداء بالفرض، و هما علّتان لاستثناء التالف و المصروف من ربح السنة اللاحقة، فربح السنة السابقة باق على حاله، فالأداء ليس من مئونة السنة اللاحقة.

233
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الرابعة عشر حكم الدين و أدائه ص 229

و أمّا إذا لم يكن له في السنة اللاحقة ربح في فرض الصرف أو التلف فحينئذ و إن كان أداؤه يعدّ من مئونة السنة اللاحقة إلّا أنّه لا أثر لذلك.

و كذا الحكم إذا لم يؤدّ الخمس في سنة الربح عصيانا و أدّى من ربح السنة اللاحقة (1).

لوحدة الملاك، كما لا يخفى.

و ممّا ذكرناه في الدين يظهر النظر في كثير من كلمات الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في المقام:

ففي الجواهر: اشتراط مقارنة الدين لسنة الربح مع الحاجة أو سبقه و لو مع عدم الحاجة، فإنّه لو كان الدين مقارنا لسنة الربح من دون الحاجة إليه فتلف ما يقابله فأداؤه حينئذ من المئونة «1».

و قال في العروة:

أداء الدين من المئونة إذا كان في عام حصول الربح أو كان سابقا و لكن لم يتمكّن من أدائه إلى عام حصول الربح، و إذا لم يؤدّ دينه حتّى انقضى العام فالأحوط إخراج الخمس أوّلا، و أداء الدين ممّا بقي «2».

فإنّ فيه أوّلا: أنّ أداءه من المئونة إذا لم يكن ما يقابله موجودا، فمن استدان ألفا و هو موجود بنفسه أو ببدله و دفع الألف من باب أداء الدين لم يصرف مالا حتّى يصدق عليه المئونة، فالحكم بأنّ أداء الدين من المئونة إذا كان في عام حصول الربح أو مطلقا مورد للمناقشة من جهة الإطلاق.

و ثانيا: أنّه مع التقييد المذكور لا فرق بين كون الاستدانة في عام حصول‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 62.

(2) العروة: كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 71.

234
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الخامسة عشر الحج في سنة الربح و في غيرها ص 235

و لو لم يؤدّ دينه المصروف في مئونة سنة الربح في تلك السنة و أدّاه في السنة اللاحقة فأداؤه ليس محسوبا من مئونة اللاحقة (1).

المسألة الخامسة عشر [الحجّ في سنة الربح و في غيرها]

إذا استطاع من جهة المال أو تمّت استطاعته في سنة من سنوات استرباحه و حجّ في تلك السنة بحيث وقع جميع سفره ذهابا و إيابا فيها، فلا شبهة و لا كلام في استثناء ذلك من مئونة الربح أو قبل ذلك و لو مع التمكّن من أدائه قبله، فإنّ أداء الدين الذي ليس له مقابل في الخارج- كالكفّارات و قيم المتلفات و ما استدان فتلف أو استدان و صرف في مئونته- مئونة عرفا، فإنّه لا فرق في العدّ من المئونة بين أداء الحجّ الذي هو دين اللّه تعالى أو أداء دين الناس، و قد تقدّم عنه في مسألة الحجّ أنّ مصارف الحجّ من المئونة، و أنّه لو تمكّن و عصى حتّى انقضى الحول فهو أيضا من مئونة سنة الأداء على الأحوط «1». فراجع و تأمّل.

و ثالثا: أنّ الحكم بالاحتياط بالنسبة إلى أصل الدين من غير أن يؤدّيه مخدوش، لأنّ الدين إن صرف في مئونة عام الربح فقد تقدّم أنّ الظاهر هو الاستثناء، و أمّا إذا لم يصرف فيها فلا إشكال في أنّه لا بدّ من أداء الخمس من جميع المال من دون استثناء الدين، من غير فرق بين كون مقابله موجودا أم لا، و الفرق بينهما إنّما هو في احتساب الأداء من الخمس من حيث موضوعه الذي هو الربح بالنسبة إلى سنة الأداء، فإنّه يستثني من الربح في سنته في فرض عدم وجود مقابله و لا يستثني أبدا في فرض وجود ما يقابله.

لاستثناء ذلك قهرا في السنة السابقة، فمقابل الدين- و هو ربح السنة السابقة- موجود، و ليس أداؤه نقصا في المال حتّى يعدّ من المئونة بالنسبة إلى اللاحقة، فتأمّل.

______________________________
(1) العروة: كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 70.

235
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الخامسة عشر الحج في سنة الربح و في غيرها ص 235

سنته و لو كان بحيث لو أدّى خمس ربحه لم يكن مستطيعا (1).

و لو استطاع من جهة المال في السنة الّتي تكون للخمس- جعلا أو من جهة تطبيق الدليل- و لم يتمكّن من المسير فيها، فلا شبهة في عدم احتساب مئونته من تلك السنة (2).

و لو كانت استطاعته الماليّة في سنة الربح مع عدم التمكّن من المسير، بمقدار لو أدّى خمس ربحه لم يكن متمكّنا من الحجّ في العام القابل فالظاهر عدم وجوب الحجّ عليه (3).

و ذلك لأنّ الصرف في سفر الحجّ يعدّ من المئونة و لو لم يكن واجبا، فلا يرد شبهة الدور بأن يقال: «إنّ وجوب الحجّ عليه متوقّف على جواز صرف جميع الربح في سفر الحجّ، و هو يتوقّف على كون صرفه في الحجّ من المئونة، و هو يتوقّف على وجوبه»، فإنّه قد علم أنّ كون صرف الربح في الحجّ من المئونة لا يتوقّف على وجوبه، بل لا يتوقّف على الاستحباب أيضا، بل يكفي كونه عقلائيّا كسائر الأسفار المباحة.

لعدم صدق المئونة قطعا بصرف تحقّق شرط من شروط وجوب الحجّ الذي هو الاستطاعة الماليّة، من غير فرق بين التمكّن في ما بعد ذلك و المسير إليه أو عدمه أو عدم المسير أصلا، و إن كان عدم الاحتساب مع عدم المسير أوضح، و أوضح منه عدمه مع عدم التمكّن بعد ذلك، لكنّ الحكم المذكور شامل لجميع الصور الثلاثة في ما بعد سنة الربح: من التمكّن و المسير، و عدم التمكّن أصلا، أو عدم المسير.

فإنّه في ظرف تحقّق الاستطاعة الماليّة لم يكن متمكّنا من جهة الرفقة و الطريق، و في ظرف التمكّن من جهة الطريق فاقد للتمكّن الماليّ، لكون الخمس لصاحبه، و عدم استثناء مصارف الحجّ في العام اللاحق من ربح العام السابق.

236
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الخامسة عشر الحج في سنة الربح و في غيرها ص 235

و لو كان وليّ الخمس راضيا بالإقراض بعد انقضاء العام و تنجّز الخمس فهل يجب عليه الاستدانة أم لا؟ وجهان (1).

الظاهر هو الثاني، و إن كان الأحوط هو الأوّل (2)، بل لا يترك وجوبا (3).

وجه الوجوب: صدق الاستطاعة الواردة في الآية الشريفة «1» بالتمكّن من الاستدانة و أداء الدين بسهولة، و صدق بعض العناوين الواردة في الروايات (على ما هو المنقول في تعليق بعض علماء العصر- مدّ اللّه أعمارهم- على العروة الوثقى «2» و هو مثل «إذا قدر الرجل على ما يحجّ به» «3»، فإنّه قادر على ما يحجّ به و إن لم يكن مالكا له.

و أمّا وجه عدم الوجوب- الذي هو مختار صاحب العروة قدس سرّه- فهو أنّ الاستطاعة الّتي هي شرط لوجوب الحجّ هي الاستطاعة الفعليّة العرفيّة الّتي لا تصدق إلّا بمالكيّة الزاد و الراحلة أو ما يصلح أن يحصلا به، كيف؟ و لو كان الشرط هو الاستطاعة بمعنى القدرة العقليّة الّتي هي شرط في التكاليف لكان الكسب واجبا، و لا فرق بين الاستدانة و تحصيل المال بالتكسّب أو بالعمل.

و ملخّص وجهه أنّ الاستطاعة- الّتي تكون شرطا- هي واجديّة المال الذي يقدر به على الحجّ، و لو كان الاستدانة واجبة لكان العمل و التكسّب لحصول الاستطاعة واجبا أيضا، و هو خلاف الضرورة.

و أمّا وجه الاحتياط فلاحتمال الفرق بين المقدّمات البعيدة و القريبة، و لذا يمكن القول بلزوم قبول البذل للحجّ إن لم يكن حرجيّا.

لما عرفت من القياس بالبذل، و الفرق بين أن يكون تحصيل الاستطاعة‌

______________________________
(1) سورة آل عمران: 97.

(2) كتاب الحجّ: الفصل 2، المسألة 15 من الشرط الثالث «الاستطاعة».

(3) الوسائل: ج 8 ص 17 ح 3 من ب 6 من أبواب وجوب الحجّ.

237
کتاب الخمس (للحائري)

شراء بعض الأعيان لسفر الحج ص 238

و لو استدان فهل يجب عليه الحجّ بعد ذلك أم لا؟ الظاهر هو الأوّل، فيكون حجّة الإسلام (1).

و لو تمكّن في عام الربح من الشروع في المسافرة إلى الحجّ فهل يكون جميع مصارف السفر من مئونة عامة (2) أو ما يصرفه في ذلك فيه- كإعطاء أجرة المركب ذهابا و إيابا- دون ما لم يصرفه فيه في ذلك العام، سواء كان نقدا موجودا أو اشترى به المأكولات لكنّه لم يصرف بعد؟ الظاهر هو الثاني (3).

[شراء بعض الأعيان لسفر الحجّ]

و قد يقال: إنّ شراء الأعيان اللازمة في سفر الحجّ مثلا من المئونة المصروفة فعلا، فلو اشترى سيّارة في عام الربح للحجّ فهي محسوبة من مئونة ذلك العام (4)، و إن صالح حرجيّا أو غير حرجيّ و بين أن يكون له مقدّمات بعيدة أو قريبة. و تمام الكلام موكول إلى باب الحجّ، و هو الموفّق.

و ذلك لصدق العناوين المنقولة- في التعليق المتقدّم- عن الأخبار على ذلك «1»، مثل «إذا قدر الرجل على ما يحجّ به» و «إذا هو يجد ما يحجّ به» و «من قدر على ما يحجّ به». و على فرض الشكّ يرجع إلى الآية الشريفة «2» الظاهر صدقها على المورد.

كما أفتى بذلك في العروة فقال:

الظاهر أنّ المدار على وقت إنشاء السفر «3».

وفاقا لغير واحد من المحشّين على الكتاب، لعدم صدق المئونة بصرف إنشاء السفر و عدم صرف المال فيه، و المال الموجود الذي من شأنه الصرف- كالنقود و عين ما يحتاج إليه من المأكولات- لا يعدّ من المئونة.

كما هو المستفاد من تعليق الطباطبائي الحكيم قدس سرّه و بعض علماء‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 8 ص 16 الباب 6 من أبواب وجوب الحجّ و ص 21 الباب 8 من تلك الأبواب.

(2) سورة آل عمران: 97.

(3) العروة: كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 81.

238
کتاب الخمس (للحائري)

شراء بعض الأعيان لسفر الحج ص 238

شخصا بإعطاء مال فعلا له و كون الزاد و الراحلة و المسكن عليه فلا إشكال في الاحتساب (1).

و لو استطاع في عام الربح مالا و سيرا فعصى فالظاهر عدم استثناء مئونة الحجّ على تقدير الإتيان به من ربحه (2).

العصر- مدّ اللّه في أعمارهم- على العروة، لكنّه لا يخلو عن إشكال، من جهة أنّه قد تقدّم أنّ الوجه في كون مثل البيت المعدّ للسكنى من المئونة: صدق الصرف، و صدق الصرف متوقّف على صرف النظر عنه إلى الأبد، فيكون مثل ما يؤكل و يشرب. و اشتراء بعض اللوازم للحجّ مع وجود عينه و العزم على بيعها بعد الحجّ لا يعدّ من مئونة الحجّ.

و من ذلك يظهر الإشكال في البيت المسكونيّ الذي كان مالكه عازما على بيعه و الاتّجار به في ضمن السكونة، فإنّه لا يعدّ من المئونة.

لأنّ إعطاء مال المصالحة صرف فعلا فيعدّ من المئونة، كأن يعطى اجرة الدار المستأجرة للسنين اللاحقة في السنة الأولى.

كما قوّاه قدس سرّه في الجواهر و بنى ذلك على مسألة كلّيّة في الخمس «1»- و قد تقدّم ذلك- «2» من أنّ المراد بالمئونة المستثناة هو الخارجيّة أو ما يحتاج إليه و لو لم يصرف في الخارج حتّى لا يكون في ما زاد عن ربحه بواسطة التقتير خمس، لاستثناء المئونة.

و الظاهر من الدليل هو الأوّل، وفاقا لما نقله في الجواهر عن أستاده في كشف الغطاء «3» و خلافا لما نقله في الجواهر عن البيان و المسالك و الروضة و المدارك و الكفاية و التذكرة من النظر في الاحتساب في المسألة المبحوث عنها في‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 62.

(2) في ص 205- 206.

(3) الجواهر: ج 16 ص 63.

239
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السادسة عشر في الفاضل عن مئونة السنة بسبب التقتير أو غير ذلك و فيه إشكال و توضيح ص 240

المسألة السادسة عشر [في الفاضل عن مئونة السنة بسبب التقتير أو غير ذلك، و فيه إشكال و توضيح]

لو فضل من مئونته بسبب التقتير ممّا لم يتّخذ للقنية- كالحبوب- وجب الخمس فيه، و أولى منه: الفاضل لا للتقتير- كما في الجواهر «1»- و لكن لا يخلو عن إشكال (1).

فالظاهر أنّه يلاحظ مع مجموع المال، فإن لم يكن له ربح في تلك السنة أصلا فهو من رأس المال، و كذا إن كان بعد ملاحظة المجموع لا يكون الربح زائدا على المئونة، فلا خمس فيه أصلا، لعدم الفاضل عن المقام «2»، و لعلّه لا خصوصيّة لها.

و يمكن الفرق بين مطلق موارد فرض التقتير فيقال بالاحتساب، بخلاف مثل الحجّ الذي يكون تقتيره بترك الواجب، من جهة أنّ الاحتساب من المئونة و الاستثناء من باب الامتنان، و لا امتنان في الاستثناء في صورة التقتير بترك الواجب.

و العجب من صاحب العروة قدس سرّه حيث احتاط هنا بعدم الاستثناء «3» مع أنّه قوّى عدم الاستثناء في مطلق موارد التقتير «4»، مع أنّك قد عرفت أنّ المسألة من مصاديق المسألة المذكورة و إن احتملت فيه خصوصيّة، فهي مؤيّدة لعدم الاستثناء، فهي أولى بعدم الاستثناء، كما ربما يمكن أن يكون تلك الخصوصيّة موجبة للحكم بعدم الاستثناء في خصوص مسألة الحجّ المنقول عن التذكرة.

و كيف كان، فالظاهر أنّ الحكم معلوم بناء على كون المستثناة المئونة الخارجيّة لا الشأنيّة، و الخارجيّة منها هو الظاهر من الدليل إذا لم يصل إلى حدّ الإسراف أو إلى الصرف في الحرام، كما تقدّم «5».

و في العروة:

______________________________
(1) ج 16 ص 63.

(2) المصدر: ص 62.

(3) العروة الوثقى: كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 70.

(4) المصدر: المسألة 65.

(5) في ص 205.

240
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السادسة عشر في الفاضل عن مئونة السنة بسبب التقتير أو غير ذلك و فيه إشكال و توضيح ص 240

..........

لو زاد ما اشتراه و ادّخره للمئونة من مثل الحنطة و الشعير و الفحم و نحوها ممّا يصرف عينه فيها يجب إخراج خمسه عند تمام الحول «1».

و في المستمسك:

بلا خلاف ظاهر، لعدم كونه من المئونة «2».

لكن لا يخلو إطلاق ذلك عن إشكال، فإنّ ما يدّخر في البيت ليس هو الربح الخالص، بل إن كان ذلك مجلوبا إلى المنزل من دكّانه فهو مخلوط من الربح و رأس المال، و إن كان مشتري فالاشتراء بالنقد المخلوط من الربح و رأس المال، فإنّه ليس للربح بما هو ربح صندوق خاصّ، فالحكم بالخمس في ذلك على وجه الإطلاق ممنوع، و على فرض كون ذلك من الربح- بأن يكون صاحبه فاقدا لرأس المال بل هو عامل يأخذ الأجرة على عمله و يصرفه في مخارجه- فكلّ ما في البيت يكون من الأرباح، لكن صرف ذلك أيضا غير كاف في الحكم بوجوب الخمس على وجه الإطلاق، فإنّه قد يكون ما في يده من النقود المشترى بها المئونة المذكورة مخلوطا من الربح السابق و الفعليّ، و على فرض القطع بأنّ ما في البيت يكون من ربح ذلك العام فعلى فرض كون مئونة حول الربح محتسبة من ربح ذلك الحول و لو كان صرفها من محلّ آخر- كما يجي‌ء تحقيقه إن شاء اللّه تعالى- ففيه أيضا إشكال، مع أنّه لو كان الخمس في ذلك لكان الخمس واجبا على كلّ أحد، إذ ما من صاحب بيت إلّا و في بيته شي‌ء آخر السنة و لو كان شي‌ء من النفط أو الفحم أو ورقا من الكاغذ، و كان على مقامات التشريع التنبيه و لو بالنسبة إلى بعض الأفراد، لعدم كفاية الإطلاق في ذلك.

______________________________
(1) العروة: كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 67.

(2) المستمسك: ج 9 ص 542.

241
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السابعة عشر حكم هبة المال أو المعاملة الغبنية حيلة ص 242

المئونة في الصورتين، و إن كان الربح زائدا على المئونة فربما يكون المدّخر من الربح و ربما لا يكون و إن كان الربح الفاضل بذلك المقدار أيضا، فلا ينحصر في ما في البيت بل لا بدّ له من أداء خمس مجموع الربح (1).

المسألة السابعة عشر [حكم هبة المال أو المعاملة الغبنيّة حيلة]

لو وهب المال أو اشترى بغبن في أثناء الحول حيلة ففي الجواهر «1»: إنّه لا يسقط الخمس (2).

و الظاهر أنّه لو كان الانتقال جائزا و كان بداعي الرجوع بعد انقضاء الحول أو كان لازما و لكن كان العهد الخارجيّ على ذلك فلا يعدّ من فما في بعض التعاليق على العروة- كتعليق السيّد الأستاذ الحجّة الكوه‌كمري قدس سرّه- من تقييد ما في العروة «2» بالأرباح غير رافع لجميع الإشكالات و إن كان تقلّ به الإشكالات، بل لا بدّ من التقييد بكونه من أرباح تلك السنة بعد وضع المئونة، فتأمّل.

ثمّ لا يخفى أنّ ذلك الفرض بالخصوص ليس موردا لتعرّض الأصحاب غالبا، و التعرّض له في الجواهر «3» ليس المقصود به وجوب الخمس في ذلك مطلقا، بل المقصود بحسب الظاهر: عدم عدّ «ما يصرف عينه» من المئونة بصرف البيع و الادّخار، و هو كذلك بلا إشكال، فعدم الخلاف الذي في المستمسك «4» ناظر إلى ذلك، و لعلّ تطبيق عدم كونه من المئونة على إطلاق الحكم بأداء الخمس غفلة منه قدس سرّه أو كان الإطلاق غير مقصود، فتأمّل.

و كذا في العروة «5».

______________________________
(1) ج 16 ص 63.

(2) كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 67.

(3) ج 16 ص 63.

(4) ج 9 ص 542.

(5) كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 72.

242
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة السابعة عشر حكم هبة المال أو المعاملة الغبنية حيلة ص 242

المئونة (1).

و أمّا لو كان بداعي عدم الرجوع و لم يكن إسرافا في العرف فالظاهر عدّه من المئونة. و لا دخل لقصد الحيلة في عدم كونها منها، فلو كانت الحيلة في الفرار عن الخمس دخيلة في ذلك أو كانت تامّة الدخالة فلا إشكال في سقوط الخمس (2).

لعدم الصرف أو لانصراف المئونة عن ذلك الصرف الصوريّ الذي يرجع إليه بعد ذلك، مع أنّ الشكّ في الصدق كاف في ثبوت الخمس، إذ موضوعه حدوث الربح و قد حدث ذلك، مع أنّ مقتضى الاستصحاب المعلّق بحلول الحول هو وجوب الخمس، بل هو مقتضى الاستصحاب الفعليّ أيضا بناء على ثبوت الخمس في مطلق الربح- حتّى في ما يقابل المئونة أو ما يصرف بنفسه فيها- و بالصرف في المئونة يسقط الخمس، و ربما يجي‌ء الكلام في ذلك و أنّه هل الخمس في الربح الحادث بعد انقضاء العام- كما عن بعض قدماء الأصحاب- أو يتعلّق به في أوّل العام لكن بالنسبة إلى ما لا يصرف في المئونة بنحو الشرط المتأخّر، أو يتعلّق به فعلا مطلقا و يسقط بالصرف فيها؟ فيه وجوه.

فإنّ قصد الفرار عن الحرام إلى الحلال ليس ممّا يكون في نفسه مضرّا بالمقصود و موجبا لأن لا يكون صحيحا بعد ورود ذلك في الزكاة و فتوى المشهور به، مع أنّه في الزكاة يكون فراره سهلا جدّا و ميسورا للكلّ و موجبا لفرار الكلّ مثلا عن إعطاء زكاة النقدين بالتبديل، فإذا كان الفرار جائزا في مثل الزكاة ففي مورد البحث مع قيد عدم الإسراف و صدق المئونة و الإعطاء الجزميّ من دون قصد الرجوع يكون أولى. فمن وهب ماله الذي فيه الربح لابنه فرارا عن الخمس- بمعنى أنّه لو لم يكن ذلك كان يترك له حتّى يرثه- فالظاهر هو السقوط. و مثل ذلك ما لو اشترى فرشا لذلك و لو لا الفرار من الخمس كان يدع النقد بحاله. و أولى بذلك ما لو كان الفرار و الحيلة دخيلا في المعاملة المحاباتيّة.

243
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثامنة عشر لو كان عنده مال آخر غير الربح ففي إخراج المئونة منه أو من الربح أو منهما بالنسبة وجوه 1 ص 244

المسألة الثامنة عشر: لو كان عنده مال آخر غير الربح ففي إخراج المئونة منه أو من الربح أو منهما بالنسبة، وجوه (1).

في الجواهر:

أحوطها الأوّل و أقواها الثاني و أعدلها الأخير «1».

فلو كان ربحه مأتي دينار و كان المال الآخر الموروث مثلا ثلاثمائة و كانت المئونة مائة، فعلى الأوّل لا بدّ من إعطاء خمس تمام الربح و هو مأتان فيكون خمسة أربعين، و على الثاني يكون الخمس الواجب عليه عشرين، لأنّ الربح المستثنى منه المئونة مائة، و على الثالث يردّ الكسر على مجموع المال، و نسبة الكسر إلى المجموع نسبة الخمس، فالخمس يكسر من مجموع المال فيكسر من ثلاثمائة ستّون و من المائتين أربعون، فيكون متعلّق الخمس من الربح مائة و ستّين فيكون الخمس اثنين و ثلاثين.

و لا يخفى أنّ الثاني هو الذي قوّاه في الجواهر و نقله عن الكفاية و الحدائق و ظاهر الروضة «2».

و في المستمسك أنّه:

حكي عن المحقّق الثاني [كما في المستند] و المدارك و الكفاية و الذخيرة و شارح المفاتيح، و جعله أصحّ الأقوال في كشف الغطاء، و قوّاه الشيخ الأنصاريّ قدس سرّه «3».

و هو الظاهر من روايات استثناء المئونة، إذ قول أبي جعفر عليه السّلام في مثل صحيح البزنطيّ- حيث كتب إليه الخمس أخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة؟-:

«بعد المئونة» «4» لا يكون متعلّقا بالربح حتّى يكون متعلّق الخمس هو الربح الباقي‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 63.

(2) الجواهر: ج 16 ص 63.

(3) المستمسك: ج 9 ص 540.

(4) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 1 من ب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

244
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثامنة عشر لو كان عنده مال آخر غير الربح ففي إخراج المئونة منه أو من الربح أو منهما بالنسبة وجوه 1 ص 244

أقواها الاستثناء من الربح بالخصوص (1).

بعد صرف المئونة، المستلزم لوجود الخمس في جميع الربح إذا صرف مئونته من مال آخر أو من مجموع رأس المال و الربح و لكن كان الباقي بمقدار الربح، إذ هو خلاف الظاهر قطعا، إذ من المعلوم: أنّ الظاهر تعلّق كلّ ظرف و قيد بالنسبة، لا بالموضوع أو المحمول، خصوصا مع عدم التصريح بالموضوع في القضيّة. مضافا إلى عدم إمكان ذلك بالنسبة إلى مثل الرواية الصحيحة لإبراهيم بن محمّد الواردة في ربح الضيعة «1»، فإنّ بقاء مقدار الربح بعد المئونة بالنسبة إلى أرباب الضياع واضح، و كذا بالنسبة إلى رواية النيشابوريّ الواردة في الأكرار من الحنطة العائدة من الضيعة «2». و لا يناسب ذلك إطلاق المئونة بالنسبة إلى مئونة الربح، فإنّه يستثني منه و لو كان من مال آخر قطعا، لعدم صدق الربح، و اللفظ أو السياق واحد.

و من ذلك كلّه يظهر أنّه ليست البعديّة هي البعديّة الزمانيّة من دون الاستثناء أصلا، إذ لازمه تعلّق الخمس بجميع الربح و لو كان جميعه مصروفا في المئونة، مع أنّه لا تناسب بين تعلّق الخمس و كونه بعد صرف المئونة خارجا من دون دخالة الصرف المذكور في كيفيّة تعلّق الخمس كما هو واضح، فلم يبق إلّا كون المراد من البعديّة هو الاستثناء في مقام تعلّق الخمس، و ليس المستثنى منه شي‌ء غير الربح، إذ ليس ما هو المتصوّر في تلك القضيّة الّتي موضوعها الربح و محمولها الخمس إلّا الربح، و ملاحظة متعلّق الربح من الضيعة و غيرها غير مضرّ قطعا، لوضوح عدم تعلّق الاستثناء بمتعلّق الموضوع لا بنفس الموضوع مع كون الخمس متعلّقا بالربح لا بالضيعة، فبناء على ذلك تعلّق الاستثناء بالربح واضح جدّا.

كما تقدّم «3» أنّه الذي قوّاه في الجواهر و في رسالة الشيخ الأنصاريّ قدس سرّهما،

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 4 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) المصدر: ص 348 ح 2.

(3) في الصفحة السابقة.

245
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثامنة عشر لو كان عنده مال آخر غير الربح ففي إخراج المئونة منه أو من الربح أو منهما بالنسبة وجوه 1 ص 244

ثمّ إنّه هل الاستثناء من الربح بمعنى الصرف منه، فللمالك أن يصرف الربح في المئونة فإن صرفه فيها فبقي شي‌ء من الربح يتعلّق به الخمس، أو بمعنى أنّ له حقّ الاحتساب منه، أو تستثنى المئونة و لو صرفت من مال آخر من الربح قهرا فيتعلّق الخمس بغير ما صرف من المال في المئونة، سواء كان من الربح أو غيره؟ وجوه (1).

و نقل عن غير واحد من الأصحاب قدس سرّهم، بل في الجواهر:

إنّه الظاهر من معاقد الإجماعات «1».

و في المستند:

إنّ عدم الاستثناء ممّا ليس من شأنه أن يوضع منه المئونة إجماعيّ، كالضياع و آلات الصناعة و رأس المال «2».

فمحلّ الكلام- بناء على ذلك- مثل الإرث و الربح الباقي من السنة السابقة الذي لم يتّخذه لرأس المال، و قد عرفت أنّه المشهور عند من تعرّض للمسألة.

و الوجه فيه: ما تقدّم في التعليق المتقدّم، و هو الظهور القطعيّ في دليل استثناء المئونة على كون الاستثناء ممّا فيه الخمس، و هو الربح بلا إشكال.

فالأوّل هو الذي يظهر من الشيخ الأنصاريّ قدس سرّه في رسالته في الخمس، قال قدس سرّه:

و لو تبرّع متبرّع بمئونته فالظاهر عدم وضع مقدار المئونة من الربح- إلى أن قال:- و كذا لو اختار المئونة من مال آخر فليس له الإندار من الربح، و ما تقدّم ليس إلّا بمعنى جواز الإخراج من الربح، لا استثناء مقابل‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 63.

(2) المستند: ج 2 ص 81.

246
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثامنة عشر لو كان عنده مال آخر غير الربح ففي إخراج المئونة منه أو من الربح أو منهما بالنسبة وجوه 1 ص 244

أقواها الأخير (1).

المئونة منه و إن أخرجها من غيره «1». انتهى ملخّصا.

و في تعليق بعض علماء العصر على العروة التصريح بالصرف و أنّ المقصود من الإخراج من الربح هو الصرف منه.

و أمّا الثاني فهو الذي يظهر من الجواهر «2» حيث عبّر في أثناء كلامه بالاحتساب و حيث علّل عدم الاحتساب- في الفروع الآتية المفروض فيها عدم الصرف من الربح- بعدم صدق المئونة من باب عدم الاحتياج، الظاهر في أنّه لو صدق عنوان المئونة لكانت مخرجة من الربح. و عبارته في نجاة العباد صريحة في ذلك، قال قدس سرّه:

و لا بأس باحتساب مقدار ما وقع منه من المؤون قبل حصول الربح منه بعد حصوله «3».

و تبعه صاحب العروة حيث قال:

إذا استقرض من ابتداء سنته لمئونته أو صرف بعض رأس المال فيها قبل حصول الربح يجوز له وضع مقداره من الربح «4».

و أمّا الثالث فهو الذي يستفاد من تعليق السيّد الفقيه البروجرديّ قدس سرّه على العروة «5».

و الوجه فيه- بعد تحقيق أنّ المئونة المستثناة هي أعمّ ممّا يصرف من الربح أو غيره- هو الإطلاق من حيث الاحتساب و عدمه. نعم، يمكن أن يقال: إنّ‌

______________________________
(1) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ: ص 206- 207.

(2) ج 16 ص 64.

(3) نجاة العباد: ج 2 ص 90.

(4) العروة: كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 66.

(5) في المسألة 71 من الفصل الأوّل من كتاب الخمس.

247
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة التاسعة عشر حكم ما إذا كانت المئونة من الإنفاق الواجب أو المتبرع به ص 248

المسألة التاسعة عشر [حكم ما إذا كانت المئونة من الإنفاق الواجب أو المتبرّع به]

يمكن أن يقال بعدم استثناء المئونة الّتي لم يصرفها من ماله، كالّذي يتبرّع به له، أو ينفق عليه للوجوب على المنفق- كالزوج بالنسبة إلى الزوجة- و الدار الّتي يرثها من مورّثه (1).

الاستثناء تحليل، فحينئذ يمكن الأداء من باب الخمس و لو بعد الاحتساب. و هو أيضا خلاف الإطلاق، لأنّ مقتضى إطلاق كون الخمس بعد المئونة مطلقا و إلى الأبد: عدم احتياج ذلك إلى التحليل.

قال قدس سرّه في الجواهر:

إنّه لا يستثني من الربح ما كان عنده من دار أو عبد أو غيرهما ممّا ليس فيه الخمس، لظهور المئونة في الاحتياج، فمع فرض الاستثناء و الاكتفاء به لا يحتسب من المئونة حتّى يستثني من الربح، بل يتجه ذلك في ما يتبرّع به و ما ينفق لوجوبه، كما أنّ المتّجه ذلك بالنسبة إلى ما أخذه للقنية في السنة الماضية و بقي إلى السنة اللاحقة فلا يستثني من مئونة السنة اللاحقة «1» انتهى محرّرا و ملخّصا.

أقول: في ما ذكره قدس سرّه نظر من وجوه:

الأوّل: أنّ التعليل بعدم الاحتياج ضعيف، لأنّ الاحتياج غير دخيل في المئونة، بل الملاك هو الصرف غير المحرّم الذي لا يكون إسرافا.

الثاني: أنّه على فرض دخالة الاحتياج في صدق المئونة فالاحتياج إلى الدار المبحوث كونها من المئونة حاصل مع قطع النظر عن التحقّق، و بعد فرض الحصول فوصف عدم الاحتياج ثابت في أكثر المئونات.

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 64.

248
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة العشرون حكم اشتراء ما يتخذ للقنية في سنة لا ربح له فيها من جهة استثنائه من ربح السنة اللاحقة ص 249

المسألة العشرون [حكم اشتراء ما يتّخذ للقنية في سنة لا ربح له فيها من جهة استثنائه من ربح السنة اللاحقة]

لو اشترى في سنة ما يتّخذ للقنية- كالدار و الفرش- و استثنى من ربحها فبقي إلى السنة الأخرى فلا يستثني من ربحها (1).

و أمّا إذا لم يكن له ربح في السنة الأولى فاشتراه من إرث أبيه أو من رأس ماله و حصل له الربح في السنة اللاحقة فهل له الاحتساب و الاستثناء من ربحها أم لا؟ فيه وجهان، لعلّ الثاني منهما أرجح (2).

الثالث: أنّه لا فرق في ما ذكره بين كون مثل العبد و الدار عنده أو واصلا إليه في سنة الربح.

الرابع: أنّه لا دخالة لوصف عدم الخمس.

فالأولى التعليل بظهور المئونة في الصرف من كيسه، و بذلك يخرج التبرّع و الإنفاق من عنوان المئونة.

فالوجه في المسألة: توقّف صدق المئونة على أن يخرج ما يصرف في المئونة من ملك الرابح، فافهم و تأمّل.

فإنّه بعد الاستثناء من الربح لا يستثني ثانيا من الربح، فإنّ المئونة المستثناة من الربح هي الّتي لم تخرج منه، مضافا إلى أنّ الاستثناء من الربح بحكم تأمين المئونة عرفا، فلو فرض أنّه من مئونة السنة اللاحقة أيضا لكنّه قد تدوركت بالاستثناء من الربح السابق فهو بمنزلة التبرّع بربحه.

وجه الاحتساب أنّ مثل الدار بتمامه مئونة لجميع السنين فكما أنّها بتمامها مئونة للسنة السابقة فهي أيضا مئونة بتمامها للسنة اللاحقة، للاحتياج إليه و الصرف، فإنّه صرف في مورد الاحتياج بالنسبة إلى السنتين. و لو كان الاشتراء في السنة السابقة موجبا لكونه من مئونتها دون مئونة السنة اللاحقة فلا بدّ أن يكون كذلك بالنسبة إلى مثل المأكولات مع أنّ ما بقي من المأكول يعدّ من مئونة‌

249
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة العشرون حكم اشتراء ما يتخذ للقنية في سنة لا ربح له فيها من جهة استثنائه من ربح السنة اللاحقة ص 249

نعم، لو تلف ذلك فاشترى بدله يستثني ذلك من ربح تلك السنة (1).

السنة اللاحقة من دون شبهة على ما يظهر من كلماتهم. و كذلك لا بدّ أن يكون من السابقة في ما لو اشترى الدار للسنة اللاحقة- بأن لم يكن محتاجا إليها في السنة الاولى- مع أنّه لا شبهة أنّه من مئونة السنة اللاحقة.

و قد مرّ ترجيح ذلك الوجه «1».

و أمّا وجه عدم الاحتساب فمن جهة قوّة دخالة الإخراج من رأس المال و الصرف في حوائجه في المئونة، و مجموع الأمرين متحقّق في السنة الاولى، و أمّا الثانية فلم يحصل الإخراج و الصرف فيها، و إنّما الحاصل فيها بقاء الصرف، فلو كان البقاء في الصرف ملاكا لصدق المئونة لزم الحكم بعدم تعلّق الخمس في سنين متمادية بأرباح من اشترى ما يحتاج إليه من الدار و الفرش و الخادم و المركب من إرث أبيه، و هو ممّا يأبى عنه العرف جدّا.

و الفرق بينه و بين بقاء المأكولات: عدم الصرف فيها إلّا بالنسبة إلى ما سبق، و أمّا بالنسبة إلى الدار فالسكنى في البيت مثلا أمر واحد مستمرّ عند العرف قد حصل في السنة الأولى، فالدار بتمامها مصروفة في السنة الاولى، و هي باقية على حالها الاولى في السنين اللاحقة، كما أنّ الفرق بينه و بين اشتراء الدار من دون الصرف في حاجته واضح أيضا، فإنّ الملاك في المئونة ليس صرف إخراج المال من رأس ماله و جعله لمصرفه، بل لا بدّ من الصرف في مصرفه لا محالة، و من هنا يتّضح قوّة الوجه الثاني، فلا بدّ من القول في مسألة الدين المتقدّمة بكون الأداء من المئونة، لا نفس الدين.

كما في الجواهر «2»، و هو واضح بناء على أنّ ما يتّخذ للاقتناء يعدّ من المئونة كما هو المفروض، فإنّ المفروض أنّ مبدله كان من المئونة.

______________________________
(1) في ص 230- 231.

(2) ج 16 ص 64.

250
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة العشرون حكم اشتراء ما يتخذ للقنية في سنة لا ربح له فيها من جهة استثنائه من ربح السنة اللاحقة ص 249

و أمّا لو بدّله بشي‌ء آخر من دون واسطة أو مع الواسطة ففي الجواهر «1» أنّ المتّجه هو الاحتساب من المئونة. و في إطلاقه إشكال (1)، بل يمكن أن يقال بعدم الاحتساب (2).

و في ذلك إشكال أشير إليه في الجواهر «2» يأتي بيانه و بيان ما يمكن به حلّه إن شاء اللّه تعالى.

و لا فرق في ذلك بين كون التالف من الربح أو من رأس المال أو من الإرث مثلا كما هو واضح.

و ذلك لأنّ المفروض صرف ثمن ما كان مئونة في المئونة أيضا و ليس بصرف جديد، لا سيّما إذا بدّل مثلا فرشه بثمن ثمّ ابتاعه ثانيا بذلك أو بدّل فرشه بفرش آخر مثله، لا سيّما إذا كان ذلك مستثنى من الربح في السنة المتقدّمة أو كان من ربحها.

و الظاهر أنّه كذلك أيضا إذا بدّل فرشه بالبيت أو بالعكس للخروج من الربح أو لغرض آخر.

و أمّا لو باع فرشه الموروث مثلا أو غير المستثنى من الربح و اشترى بذلك دارا للاحتياج- لا لغرض الإخراج من الربح- فيمكن القول بأنّه صرف في المئونة فيستثنى من ربح تلك السنة.

لكنّ الإنصاف أنّه مشكل أيضا بمقتضى إطلاق الخمس و الشكّ في صدق المئونة من جهة الشكّ في أنّه إخراج جديد، بل لعلّ الأصحّ عدم صدق تعلّق مئونة جديدة في تلك السنة بالنسبة إليه.

لأنّه ليس إخراجا جديدا حتّى يصدق عليه أنّه مئونة تلك السنة.

و في بعض مصاديق المسألة وجه آخر يوجب وضوح عدم الاحتساب من‌

______________________________
(1) ج 16 ص 64.

(2) ج 16 ص 64.

251
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الحادية و العشرون بيع الدار في السنة و ادخار ثمنها حتى تمضي السنة ص 252

المسألة الحادية و العشرون [بيع الدار في السنة و ادّخار ثمنها حتّى تمضي السنة]

لو باع داره الّتي اشتراها في السنين السابقة و قبض ثمنها فلم يشتر به دارا أو مئونة أخرى في سنة البيع و كان ذلك من ربحه ففي تعلّق الخمس به و عدمه وجهان (1).

الربح فيه، و هو ما إذا كان الأصل من الربح أو مستثنى من الربح، فمقتضى الاحتساب من الربح ثانيا هو الاستثناء من الربح مكرّرا، و مقتضى ذلك: الفرار من الخمس بتّا، فإنّ من له ربح في كلّ سنة زائدا عن مئونته بمقدار ألف فاشترى فرشا في السنة الأولى بذلك المقدار ثمّ باعه في السنة ثانيا فاشتراه أيضا بألف و كذا في السنين التالية فلا خمس عليه مع أنّه استربح في كلّ سنة ألفا و لم يصرف في المئونة في جميع السنين إلّا ألفا.

أمّا وجه تعلّق الخمس فمن جهة أنّه ربح و ليس مصروفا في المئونة فعلا، و أولى بذلك ما إذا كان ذلك في السنة الأولى، فإنّه ربح غير مصروف فعلا في مئونة السنة.

و ردّ ذلك بأنّ الاستثناء من المئونة في السنة الاولى من دليل الخمس كاف في الإخراج من عموم الخمس، بناء على ما حقّقه الشيخ الأنصاريّ قدس سرّه من أنّ إخراج فرد من العامّ في زمان موجب للخروج من العامّ إلّا إذا كان العموم أزمانيّا، كما في أكرم العلماء كلّ يوم.

لكنّه مدفوع أوّلا: بعدم صحّة المبنى، من جهة أنّه مبنيّ على الخلط بين مقام الجدّ و الاستعمال، فإنّه لا فرق في بقاء الظهور و التصرّف في الجدّ في جميع الموارد بين العموم الأفراديّ و العموم الأزمانيّ و الإطلاق الأزمانيّ الثابت بمقدّمات الحكمة أو بمفاد الإطلاق أو الدوام في إخراج المتيقّن من دائرة الحجّيّة و الحكم بالتطابق بين الجدّ و الاستعمال بالنسبة إلى المشكوك.

و ثانيا: على فرض صحّة المبنى لا ينطبق على ما نحن فيه، لوجود العموم‌

252
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الحادية و العشرون بيع الدار في السنة و ادخار ثمنها حتى تمضي السنة ص 252

..........

الأزمانيّ و هو ما ورد في مكاتبة عليّ بن مهزيار المعتبرة: «و أمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام» «1»، فإذا خرج في عام من دليل الخمس فلا وجه للخروج منه في عام آخر.

و ثالثا: لا يستقيم في سنة الربح، فلا يصحّ القول بعدم الخمس مطلقا و لو خرج من المئونة في عام حصول الربح، و ذلك لعدم وقوع التخصيص أصلا، من جهة أنّ الخارج هو مئونة السنة، و هي الّتي جعلها لمصارفه إلى آخر السنة و هي الّتي تزاحم الخمس فتكون موردا للاستثناء.

و رابعا: يمكن القول بأنّه بعد البيع يكشف عن عدم كون مبدله مئونة من أوّل الأمر، لأنّ صدقها بملاك الصرف فيكون بمنزلة الأكل و الشرب في المأكول و المشروب، و ذلك غير معلوم الصدق إلّا بالنسبة إلى من يجعل لمصارفه إلى أن يتلف أو يهلك هو بنفسه بحسب عزمه و بحسب الخارج، فإذا لم يكن عزمه ذلك- كمن يشتري الدار للسكنى و التكسّب بربحها أيضا بالبيع و الشراء- أو كان عزمه السكونة الدائميّة إلّا أنّه باعها بعد ذلك فصدق المئونة من أوّل الأمر مشكوك، فالاستثناء من دليل الخمس غير معلوم من أوّل الأمر.

و أمّا وجه عدم تعلّق الخمس فهو أن يقال: إنّ الموضوع في الاستثناء هو أعمّ ممّا هو مئونة بالفعل أو ما مضى كونه مئونة، كيف؟ و لو لا ذلك لكان اللازم عدم الاستثناء في السنة الأولى حتّى بالنسبة إلى مثل المأكول، فإنّه بعد الصرف و الأكل ليس هو بمئونة بالفعل، إذ لا يحتاج إليه فعلا بل كان موردا للاحتياج و قد صرف في مورده، فلا بدّ من أداء خمسه، و ليس الموضوع للخمس الربح الموجود فعلا، و لذا لا يسقط الخمس بالإتلاف كما سبق، فلو كان مورد الاستثناء ما هو مئونة‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

253
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الحادية و العشرون بيع الدار في السنة و ادخار ثمنها حتى تمضي السنة ص 252

و يمكن أن يقال: إنّ الأحوط الأقوى هو الأوّل (1).

و مثله ما إذا لم يكن من الربح بأن كان ذلك في السنة الاولى من الإرث بالفعل في ما حدث من الربح فاللازم أداء خمسه، و هو مخالف للدليل قطعا، فالموضوع ما يكون مئونة أو صرف فيها و مضى و لو لم يكن متّصفا بكونه مئونة بالفعل، فإن فرض كون الدار مئونة له في العام الماضي ففي العام اللاحق يصدق أنّها كانت مئونة سابقا، و هي داخلة في مورد الاستثناء.

فلم يبق إلّا إشكال عدم كون مثلها مئونة حتّى في العام الماضي، من جهة أنّ الاستغناء عنه بتبديله بشي‌ء آخر من النقود و غيرها- كما في محلّ البحث- أو الاستغناء عن عينه (كما في مثل حليّ النسوان بعد البلوغ إلى سنّ الكهولة) يكشف عن عدم الصرف المقوّم لصدق المئونة.

و يمكن الجواب عنه بأنّه بعد كون حكم الخمس هو الوجوب في كلّ عام- كما في مكاتبة ابن مهزيار- ففي كلّ عام كأنّه لم يجعل الخمس إلّا بالنسبة إلى ذلك العام، فالمئونة الملحوظة في كلّ سنة إنّما يلاحظ صدقها بالنسبة إلى تلك السنة، فلا بدّ أن يقال بأنّه صرف و أغمض عنه في تلك السنة، و هو كاف في صدق مئونة تلك السنة و بلحاظ الإضافة إلى ذلك، و سيجي‌ء الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى في الفرع الآتي.

هذا، لكن مع ذلك فيه إشكال يأتي في التعليق الآتي.

من جهة أنّه و إن كان الموضوع هو الأعمّ من المئونة الفعليّة و ما مضى عنه الصرف إلّا أنّ الظاهر تقوّمه بالصرف أو مضيّه و لو في السنة السابقة بقول مطلق، لا ما يشمل ما صدق عليه الصرف إذا لوحظ بالنسبة إلى السنة الأولى مثلا، و الصرف في الماضي غير عدم صدق الصرف إلّا إذا لوحظ بالنسبة إلى ما مضى، فالظاهر تعلّق الخمس و لو كان الاستغناء حاصلا في السنة اللاحقة.

254
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الحادية و العشرون بيع الدار في السنة و ادخار ثمنها حتى تمضي السنة ص 252

أو من رأس المال، بأن كان قبل حصول الربح و لكن استثنى من الربح فيها بعد حصوله فباعه في السنة اللاحقة فإنّه عليه الخمس (1)، إلّا أنّ الخمس في الأوّل متعلّق بنفس ذلك المال لأنّه ربح، و بالنسبة إلى الثاني متعلّق بالربح لا بذلك، و لا فرق بينهما في مقام إعطاء القيمة، و الفرق يظهر في جواز التصرّف فيجوز التصرّف فيه في الثاني دون الأوّل (2).

و أمّا إذا لم يكن ما ابتاعه- من مثل الدار- من الربح و لا مستثنى منه (كأن لم يكن له ربح في سنة الابتياع أو كان و لكن كانت بمقداره مئونة لوحدة الملاك، و هو أنّ الموضوع هو الربح الحادث و لو لم يكن موجودا بالفعل إذا لم يكن بنفسه أو ببدله مصروفا فعلا أو في ما مضى في المئونة، فلا بدّ من إعطاء خمس ذلك إذا كان من الربح و إعطاء خمس الربح في تلك الصورة، و الظاهر عدم الفرق بينهما في مقام إعطاء القيمة بعد ما كان ارتفاع القيمة محسوبا من الربح و تنزّله موجبا لسقوط الخمس كما تقدّم في مسألة تلف الربح أو رأس المال، فتأمّل.

لأنّه نفس المال الذي يكون المفروض كونه ربحا و لو كان بدلا عنه و لا يخرج عن كونه ربحا بالتبديل بمال آخر، فإنّ عنوانه متقوّم بأصل الماليّة لا بالشخص، و المفروض عدم كون مصداق الربح في السنة الماضية متعلّقا للخمس، لصرفه في مئونة سنته، فكان الأصل ربحا. هذا في الأوّل، و أمّا في الثاني فالمفروض أنّه غير الربح، و صرف استثناء الربح من الخمس بمقدار ذلك المصروف لا يوجب أن يكون ربحا. و الفرق بين الاعتبارين يظهر في جواز التصرّف في تمام المال، فإنّه لا يجوز التصرّف فيه في الأوّل إلّا على النحو الذي يجي‌ء إن شاء اللّه تعالى، و يجوز التصرّف في الصورة الثانية في جميع المال المورد للبحث، فإنّ الواجب إعطاء خمس الربح فإن كان موجودا تعلّق به و إن كان تالفا تعلّق بالذمّة.

255
کتاب الخمس (للحائري)

حكم مثل حلي النسوان الخارج عن الاحتياج ص 256

مصروفة من المأكولات و غيرها) فلا خمس فيه (1).

و أمّا لو كان مخلوطا منهما فيلحق كلّ منهما حكمه (2).

ثمّ إنّ المقصود من تعلّق الخمس في الصور الثلاثة من كون الجميع من الربح أو مستثنى منه أو مخلوطا: احتسابه من ربح تلك السنة، فيتعلّق به الخمس على فرض الزيادة من مئونة السنة (3).

[حكم مثل حلي النسوان الخارج عن الاحتياج]

و ممّا ذكرنا يظهر حكم ما خرج من كونه مئونة مع بقاء عينه، كحليّ النسوان بعد البلوغ إلى الكهولة (4).

لعدم كونه من الربح و لا مستثنى منه حتّى يكون الاستثناء موقّتا و كان بالنسبة إلى السنة الاولى، فلا وجه لتعلّق الخمس به. هذا في ما إذا لم يكن له ربح أصلا، و أمّا إذا كان ربحه بمقدار قوته مثلا ففي السنة اللاحقة ليس له ربح لم يصرف معادله في المئونة، كما هو واضح.

فلو ربح عشرة مثلا فابتاع الدار بعشرين، فالمستثنى من الربح نصف الدار ففيه الخمس في السنة اللاحقة، بخلاف النصف الآخر ففي ثمنه الخمس على ما عرفت تفصيله.

و ذلك لما قلنا من أنّ الدار كانت مئونة للسنة الماضية فتستثنى من ربحه، لكنّه لا تستثنى من ربح السنة اللاحقة، لعدم كونها مصروفة في مئونته و لعدم مضيّ الصرف المطلق- كما مرّ بيانه- فهي كسائر الأرباح الموجودة في السنة اللاحقة، فلا يتعلّق بها الخمس إلّا إذا كانت زائدة عن مئونة تلك السنة، لا أنّه يتعلّق بها الخمس على كلّ تقدير، و لا بمعنى كون الخمس في الربح السابق فيستثنى مئونة السنة الماضية، لأنّه مبنيّ على عدم صدق الصرف بالنسبة إلى السنة الماضية، و قد مرّ أنّ الأصحّ هو صدقه إذا لوحظ بالنسبة إلى ذلك، كما أنّه مقتضى العامّ الاستغراقيّ المنحلّ إلى أفراد مستقلّة.

إذ لا فرق على الظاهر في الخروج من المئونة بين أن يكون ذلك‌

256
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثانية و العشرون لا يشترط في صدق المئونة الأكل فاشتراء الدار للاقتناء مئونة ص 257

و يظهر أيضا حكم ما خرج منه ثمّ صار مئونة في السنة اللاحقة و أنّه لا خمس فيه على الظاهر (1).

المسألة الثانية و العشرون [لا يشترط في صدق المئونة الأكل، فاشتراء الدار للاقتناء مئونة]

الظاهر أنّه لا يشترط في صدق المئونة الصرف بمعنى الأكل، فاشتراء الدار و الفروش للاقتناء يعدّ من المئونة (2).

بالتبديل بالثمن- كما هو مفروض المسألة- أو كانت العين باقية و حصل الاستغناء عنه.

و هذا مبنيّ على صدق المئونة بلحاظ تحقّق الصرف في المئونة إذا لوحظ بالنسبة إلى كلّ من العامين، و أمّا إذا بني على أنّه لا يصدق الصرف أصلا بالنسبة إلى ما تبقى عينه- كما يجي‌ء إن شاء اللّه بيانه- أو لا يصدق إذا خرج بعد ذلك من المئونة و لو كان عازما على الاستعمال فيها أبدا أو إذا لم يكن عازما عليه فيشكل الحكم، لكنّ الظاهر هو الصدق العرفيّ، و هو العالم و يجي‌ء إن شاء اللّه.

و هو الذي قوّاه في العروة «1» و التعاليق الستّة عشر الّتي عندنا عليه، و قوّاه في نجاة العباد «2»، و حكى في المستمسك «3» عن المستند و عنه عن بعض معاصريه، و في الجواهر- في أوائل بحث المئونة- عن المسالك و الروضة و المدارك و الرياض و كشف الغطاء عدّهم من المئونة الدابّة و الأمة و الثوب و نحوها، و في بعضها التصريح بدار السكنى و الكتب و الظروف و الأسباب و الغلمان و غير ذلك «4».

و من ذلك كلّه يظهر أنّ ذلك كالمتسالم عندهم، إلّا أنّ في الجواهر في آخر‌

______________________________
(1) في المسألة 67 من الفصل الأوّل من كتاب الخمس.

(2) ج 2 ص 87.

(3) ج 9 ص 543.

(4) الجواهر: ج 16 ص 59- 60.

257
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثانية و العشرون لا يشترط في صدق المئونة الأكل فاشتراء الدار للاقتناء مئونة ص 257

..........

بحث المئونة ما هذا لفظه:

قد يقال: إنّ ظاهر تقييد المئونة في السنة يقتضي وجوب إخراج خمس ما زاد منها عليها، من غير فرق بين المأكل و غيره من ملبس أو فرش أو أواني أو غير ذلك إلّا المناكح و المساكن. كما ستسمع الكلام فيهما- دون غيرهما، لإطلاق أدلّة الخمس المقتصر في تقييدها على المتيقّن، و هو مئونة السنة «1». انتهى ملخّصا.

أقول: منشأ الإشكال هو عدم صدق المئونة بصرف الاحتياج و التصرّف و إلّا كان رأس المال منها، بل احتمال أن يكون الملاك فيه هو الصرف- و هو الإعدام لأجل نفسه- و لو بالإخراج من ملكه، و الفرض الذي اشتراه للجلوس عليه موجود بعد السنة و غير مصروف فيه.

و ربما يومئ إلى ذلك ما في خبر النيشابوريّ من قوله عليه السّلام: «لي منه الخمس ممّا يفضل من مئونته» «2» فالملاك أن يفضل من مئونته، فمتعلّق الخمس: الفاضل من مئونته، و المستثنى منه هو غير الفاضل منها، و هذا داخل في الأوّل دون الثاني.

و منه يعلم أنّ ما في كلام الجواهر من أنّ «منشأ الإشكال تقييد المئونة بالسنة» لا يخلو عن خلط، فإنّ منشأه كون المستثنى ما لا يفضل من المئونة و لو لم يكن مقيّدا بالسنة، فلو كان متعلّق الخمس الفاضل من مئونة العمر لكان مقتضى الإشكال المذكور وجوب الخمس في ما يفضل منه. نعم، مقتضى التقييد بمئونة‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 64.

(2) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 2 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

258
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثانية و العشرون لا يشترط في صدق المئونة الأكل فاشتراء الدار للاقتناء مئونة ص 257

..........

السنة: عدم جواز التأخير عنها.

و عمدة الوجه في الجواب: دعوى صدق الصرف باعتبار الغضّ عنه للصرف في مصارفه و عدم جعله موردا للاسترباح و لو في سنته، فهو كالمأكول.

و الذي يمكن أن يوضح ذلك أمور:

منها: أنّ الظاهر أنّ مئونة الشخص على وزان مئونة الضيعة، و لا ريب أنّ تخصيص مئونة الضيعة بما لا يبقى منه بعد السنة أو بعد ذلك بعيد، فإنّ مثل غرس الأشجار و تعمير القنوات و اشتراء المسحاة و البقر كلّ ذلك ممّا يبقى بعد استيفاء الربح. و إخراج ذلك من مئونة الضيعة الوارد في مكاتبة إبراهيم «1» و من قوله «بسبب عمارة الضيعة» الوارد في خبر النيشابوريّ «2»- خصوصا الثاني من جهة لفظ «العمارة» الّتي هي أعمّ من المئونة من جهة- بعيد جدّا بل غير ممكن، لإخراج كثير من الأفراد. و عدم صدق المئونة بعيد جدّا، و عدم صدق تعمير الضيعة أبعد منه.

و منها: صدق المئونة من دون شبهة على مثل اللباس و النعال، فلا يحتمل أحد بحسب الارتكاز العرفيّ من قوله عليه السّلام في صحيح ابن راشد «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» «3» أنّ ما بقي على جسده من الألبسة العتيقة لا بدّ من التقويم و أداء الخمس، و لا فرق في الملاك بينه و بين الفرش و الدار و الأواني.

و منها: استصحاب التحليل الثابت في زمان أمير المؤمنين بل الثابت إلى زمان الصادقين عليهم السّلام غير المنافي للإطلاق، لأنّ إطلاق المالكيّة لا ينافي التحليل من صاحب الحقّ، و قد صرّح بالتحليل في مكاتبة عليّ بن مهزيار بالنسبة إلى مورد‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 4 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 2 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 3 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

259
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثانية و العشرون لا يشترط في صدق المئونة الأكل فاشتراء الدار للاقتناء مئونة ص 257

..........

البحث بقوله عليه السّلام: «و لم أوجب ذلك عليهم في متاع و لا آنية و لا دوابّ و لا خدم و لا ربح ربحه في تجارة» الحديث «1».

و منها: ما أشرنا إليه سابقا من عدم وضوح إطلاق يقتضي الخمس مطلقا من دون استثناء المئونة أصلا، لظهور كون تعلّقه على حسب الخراجات المأخوذة من الرعيّة في جميع الحكومات الحقّة أو الباطلة، و للزوم الحرج الذي هو بحسب الارتكاز كان مقرونا بسماع الأدلّة من معادن الوحي و التشريع، فشمول الإطلاق من أوّل الأمر غير واضح.

و أمّا قوله عليه السّلام «ما يفضل من مئونته» فجوابه واضح بعد صدق المئونة، لانّ المقصود حينئذ ما يكون فاضلا عمّا يصدق عليه المئونة، و ما في الخارج و إن كان فاضلا عمّا صرفه و أخرجه من ملكه لكنّه ليس فاضلا من مئونته.

و ممّا ذكر كلّه يظهر خلط واضح وقع في بيان الإشكال في المستمسك حيث جعل الإشكال هو الخروج من صدق المئونة بعد فرض الصدق، و أجاب أوّلا بأنّ صدق المئونة في أوّل الأمر كاف في عدم شمول العموم له بعد ذلك، و عليه بنى عدم الخمس في صورة طروّ الاستغناء في السنة اللاحقة، و ثانيا بأنّ الموضوع للخمس في كلّ سنة ربح تلك السنة، و ذلك لا يكون ربحا للسنة اللاحقة «2».

بيان الخلط: أمّا في الإشكال فلما عرفت من أنّ الإشكال في الصدق، و أمّا بعد الصدق و الصرف المطلق فالإشكال في الاستثناء من الربح في سنته و بعدها بالنسبة إليه هو الإشكال في المأكول، و قد تقدّم تحقيقه، و أمّا في الجواب الأوّل فلعدم صحّة المبنى، و أمّا في الثاني فلعدم كون الموضوع في خمس كلّ‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) المستمسك: ج 9 ص 543- 544.

260
کتاب الخمس (للحائري)

المسألة الثالثة و العشرون من يتجر بداره المسكونية فالظاهر تعلق الخمس بربحها ص 261

 

المسألة الثالثة و العشرون [من يتّجر بداره المسكونيّة فالظاهر تعلّق الخمس بربحها]

الظاهر تعلّق الخمس أيضا في صورة اشتراء دار السكنى للتكسّب بربحه (1).

السادس: إذا اشترى الذمّيّ أرضا من مسلم وجب فيها الخمس (2).

سنة ربح سنته.

و ذلك لصدق الفائدة و عدم صدق الصرف في المئونة، فإنّ المفروض:

جعله مكسبا أو الشكّ و وجود الإطلاق بالنسبة إليه.

كما في الشرائع «1». و في الجواهر:

عن الغنية الإجماع عليه، و في المنتهى و التذكرة نسبته إلى علمائنا، و في الروضة نسبته إلى الشيخ و المتأخّرين أجمع، و هو الذي قال به ابنا حمزة و زهرة و أكثر المتأخّرين، و عن الشهيد الثاني في فوائد القواعد الميل إلى عدم الخمس مستضعفا لما دلّ على وجوب الخمس «2». انتهى ملخّصا و محرّرا.

و قال في مصباح الفقيه:

و في المدارك (بعد نقل الخمس بالمعنى المعهود عن الشيخ و أتباعه) قال: و حكى العلّامة في المختلف عن كثير من المتقدّمين- كابن الجنيد و المفيد و ابن أبي عقيل و سلّار و أبي الصلاح- أنّهم لم يذكروا هذا القسم، و ظاهرهم سقوط الخمس، و مال إليه جدّي قدس سرّه، و استضعف الخبر في فوائده، و ذكر في الروضة أنّه‌

______________________________
(1) ج 1 ص 135.

(2) الجواهر: ج 16 ص 65.

 

261
کتاب الخمس (للحائري)

السادس إذا اشترى الذمي أرضا من مسلم وجب فيها الخمس 2 ص 261

..........

موثّق، و هو غير جيّد، فإنّ سنده في أعلى مراتب الصحّة. فالعمل به متعيّن، لكنّه خال عن ذكر متعلّق الخمس و مصرفه. و قال بعض العامّة: إذا اشترى الذمّيّ من المسلم أرضا و كانت عشريّة ضوعف عليه العشر و أخذ منه الخمس، و لعلّ ذلك هو المراد من النصّ.

ثمّ قال الفقيه الهمدانيّ قدس سرّه:

و الإنصاف أنّ هذا الاحتمال (من جهة عدم الاندراج في الغنائم، و اختصاصه بشراء الأرض دون غيرها من الأموال، و كون الحكم مربوطا بالحاكم الأخذ للعشر و الخراج) في غاية القوّة، و حينئذ يمكن أن يكون الخبر ناظرا إلى ذلك و كانت معروفيّة الفتوى في عصر الصدور بين العامّة مغنية عن إقامة القرينة اللفظيّة و صارفة للظهور المتراءى فعلا في الصحيح، لكن صرف قوّة الاحتمال لجهات خارجيّة مع عدم العلم باكتناف الكلام بما يصلح للقرينيّة لا يخرج الكلام عن الحجيّة، فالحجّة قائمة على ما هو المتراءى من ظاهره. «1» انتهى كلامه ملخّصا و محرّرا.

و في الحدائق ما يظهر منه الميل إلى ذلك، لما نقله عن صاحب المنتقى من معروفيّة فتوى لزوم الضعف في الأراضي العشريّة من مالك في عصر أبي جعفر‌

______________________________
(1) مصباح الفقيه: ج 3 ص 132.

262
کتاب الخمس (للحائري)

السادس إذا اشترى الذمي أرضا من مسلم وجب فيها الخمس 2 ص 261

..........

الباقر عليه السّلام، و لأنّه مخالف لما دلّ على أنّ متعلّق الخمس هو الغنائم خاصّة و لما دلّ على حصر الخمس في خمسة أشياء «1».

و يظهر من تقرير السيّد الفقيه البروجرديّ قدس سرّه:

أنّ للعامّة في ذلك أقوالا، أحدها: ما ذكر من انقلاب العشر إلى عشرين، و هو فتوى أبي يوسف.

ثانيها: انقلاب الأرض العشريّة إلى الخراجيّة، و هو فتوى أبي حنيفة. ثالثها: لزوم العشر على الذمّيّ كما كان على المسلم. رابعها: عدم لزوم شي‌ء عليه، و به قال الشافعيّ «2».

أقول: الأصل في ذلك ما في الوسائل عن الشيخ قدس سرّه بإسناده عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمّد عن الحسن بن محبوب عن أبي أيّوب إبراهيم بن عثمان عن أبي عبيدة الحذّاء، قال:

سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «أيّما ذمّيّ اشترى من مسلم أرضا فإنّ عليه الخمس» «3».

و قال: و رواه الصدوق بإسناده عن أبي عبيدة الحذّاء، و رواه المحقّق في المعتبر عن الحسن بن محبوب.

و في المقنعة عن الصادق عليه السّلام:

قال: «الذمّيّ إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس» «4».

______________________________
(1) الحدائق: ج 12 ص 360- 361.

(2) زبدة المقال: ص 59.

(3) الوسائل: ج 6 ص 352 ح 1 من ب 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) المصدر: ج 2.

263
کتاب الخمس (للحائري)

السادس إذا اشترى الذمي أرضا من مسلم وجب فيها الخمس 2 ص 261

..........

و قد عرفت أنّ في الحديث من حيث السند أقوالا، منها: الاستضعاف كما عن الشهيد قدس سرّه في فوائده. و منها: الصحّة، و هو المشهور بين المتعرّضين له. و منها: أنّه في أعلى مراتب الصحّة، و هو الذي تقدّم نقله عن صاحب المدارك قدس سرّه.

و لعلّ وجه الاستضعاف: احتمال تعدّد إبراهيم، فإنّ الموثوق في لسان النجاشيّ: إبراهيم بن عيسى و قيل ابن عثمان أبو أيّوب، و في لسان الكشّيّ: أبو أيّوب إبراهيم بن عيسى، و بعضهم قال إبراهيم بن زياد، و الموثوق في لسان الشيخ قدس سرّه: إبراهيم بن عثمان أبو أيّوب «1».

و حينئذ فيحتمل أن يكون الموثوق الجليل القدر هو إبراهيم بن عيسى، و الشيخ قدس سرّه إنّما وثّق ما كان مسمّى بإبراهيم بن عيسى واقعا و تخيّل أنّه إبراهيم بن عثمان، و لكن روى عن إبراهيم بن عثمان الذي هو غيره الذي لم يوثّق أصلا.

و لكنّه مردود جدّا أوّلا بما في جامع الرواة عن الشهيد الثاني قدس سرّه من استظهار وحدة الشخص و كون المسمّى بإبراهيم و المكنّى بأبي أيّوب الخزّاز شخصا واحدا «2»، و إنّما الاختلاف من حيث الجدّ أو من حيث الانتساب إلى الأب و الجدّ. و ثانيا بأنّه يبعد جدّا أن يكون إبراهيم المكنّى بأبي أيّوب الخزّاز متعدّدا.

و ثالثا بأنّ المستفاد من عبارة النجاشيّ: الشهادة بوحدة الرجل و أنّ إبراهيم بن عيسى هو الذي يقال إبراهيم بن عثمان. و رابعا بأنّه على فرض التعدّد فقد ورد التوثيق بعنوان إبراهيم بن عثمان في لسان الشيخ و المفيد قدس سرّهما، فراجع جامع الرواة «3» و غيره. و احتمال الاشتباه كاحتمال الاشتباه في الموارد الأخر. و منه يظهر صحّة السند قطعا.

و أمّا كونه في أعلى مراتب الصحّة فلوجوه، منها: كون الناقل هو الحسن بن‌

______________________________
(1) جامع الرواة: ج 1 ص 26.

(2) جامع الرواة: ج 1 ص 26.

(3) جامع الرواة: ج 1 ص 26.

264
کتاب الخمس (للحائري)

السادس إذا اشترى الذمي أرضا من مسلم وجب فيها الخمس 2 ص 261

..........

محبوب. و منها: كون الناقل عنه أحمد بن محمّد الذي هو ابن عيسى على الظاهر.

و منها: اتّكاء الشيخ قدس سرّه و من بعده عليه و عدم إعراض أحد عنه، فإنّ عدم ذكر الخمس المذكور لعدم العثور على الصحيح على الظاهر أو للحمل على أنّه تقيّة، أو أنّه هو الحكم المطابق لبعض العامّة و أنّه زكاة تؤخذ من الذمّيّ و يكون قائماً مقام العشر المأخوذ من المسلم. و منها: نقل الصدوق أيضا في الفقيه فهو حجّة بينه و بين اللّه تعالى.

فظهر أنّ ما في المدارك من كونه في أعلى مراتب الصحّة لا يخلو من الوجه، فلا إشكال من حيث السند.

نعم، يبقى الإشكال من جهة صحّة الاستدلال به على الخمس المصطلح، فإنّ فيه إشكالا من وجهين:

أحدهما: وجود بعض الإطلاقات الدالّة على أنّه لا خمس إلّا في الغنائم، كصحيح عبد اللّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصّة» «1»، و قريب منه خبر سماعة «2»، و غير واحد من الروايات الدالّة على أنّ الخمس من خمسة أشياء، كخبر حمّاد:

«الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم و من الغوص و الكنوز و من المعادن و الملّاحة» «3».

و غيره «4»، و في بعضها «يخرج من أربعة وجوه» «5» بإدخال الملّاحة في المعدن على الظاهر، و حينئذ يتعارض الظهوران، و لعلّ الترجيح لظهور الحصر‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 338 ح 1 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) المصدر: ص 342 ح 15.

(3) المصدر: ص 340 ح 9.

(4) المصدر: ص 339 ح 2 و 4، و ص 341 ح 11.

(5) المصدر: ص 341 ح 12.

265
کتاب الخمس (للحائري)

السادس إذا اشترى الذمي أرضا من مسلم وجب فيها الخمس 2 ص 261

..........

بعد ما عرفت من وجود القرينة الخارجيّة على كون المراد من الخمس هو الزكاة و أنّه ضعف العشر. و على فرض التكافؤ فلا دليل على لزوم الخمس على من يأخذ الأرض منه من المسلمين، فإنّه الذي يكون موردا للابتلاء. و يحتمل الحمل على التقيّة، فلا يكون في البين تكليف أصلا، لا بالنسبة إلى الخمس بالمعنى المصطلح و لا بالنسبة إلى الخمس بمعنى الزكاة.

ثانيهما: أنّه لم يعيّن في الدليل مصرف الخمس، و لو كان مجهولا لدى المخاطب لكان يسأل عنه، فهو دليل على معهوديّة المصرف في مقام التخاطب بين الطرفين، فهو مكتنف بما يدلّ على المصرف و لو لمناسبات خارجيّة، و المعهود يدور أمره بين المصرف المعيّن لخمس الغنائم- لكون الخمس واردا فيها في الآية الشريفة- و بين ما هو ضعف الزكاة لمعهوديّة الفتوى بذلك من فقهاء العامّة في عصر الصدور، كما تقدّم.

و الانصراف إلى خصوص الخمس بالمعنى المعهود ممنوع في غير الغنائم، و ليس الخمس كالزكاة من حيث ثبوت الحقيقة الشرعيّة أو المتشرّعيّة لها، فإنّه من الواضح عدم استعمال الزكاة في النموّ، و أمّا الخمس فقد استعمل في معناه الخاصّ اللغويّ من دون تغيير في المستعمل فيه لكن له أحكام و شرائط، و هو غير استعمال كلمة الخمس في غير الخمس اللغويّ.

هذا، مضافا إلى معهوديّة أخذ العشر و استعمال العشّار و عشر المال و عشر القوم كما في المنجد.

فكون الخمس إشارة إلى ما فيه العشر بقرينة الفتوى و بقرينة تناسب الأرض لذلك و بقرينة كون أخذ العشر معهودا متعارفا غير بعيد.

و المقصود بيان تكافؤ الاحتمالين مع اتّصال الكلام بما يصلح للاحتمالين، فيسقط عن الحجّيّة بالنسبة إلى خصوص أحدهما.

266
کتاب الخمس (للحائري)

السادس إذا اشترى الذمي أرضا من مسلم وجب فيها الخمس 2 ص 261

..........

ثمّ لا يخفى أنّ مقتضى كلّ واحد من الوجهين عدم ثبوت الخمس بالمعنى المصطلح، فيجوز للمسلم التصرّف في الأرض و اشتراء الأرض من الذمّيّ بعد اشترائه من المسلم من باب استصحاب عدم تعلّق الخمس برقبة الأرض، إذ بناء على كونه من باب تضعيف الزكاة فلا شبهة في تعلّقه بالغلّات المستخرجة من الأرض، و لا يعارض باستصحاب عن تعلّقه بالنماء إذا لم يكن ذلك موردا لابتلائه، كما أنّه لو كان مورد ابتلاء بعض المسلمين أخذ الغلّات و المنافع من دون ابتلاء بالنسبة إلى الأرض كان الحكم كذلك.

و مقتضى مجموع الوجهين- أي إجمال الدليل و عموم أدلّة حصر الخمس و أنّه لا خمس إلّا في الغنائم- هو تعيّن كونه ضعف الزكاة إن لم يحمل على التقيّة، كما أنّه كذلك إذ لا وجه للحمل على التقيّة بعد عدم التعارض. و صرف الموافقة للعامّة لا يوجب الحمل عليها، خصوصا مع أنّه أحد الأقوال الأربعة للعامّة- كما ذكره في تقرير الفقيه البروجرديّ قدس سرّه «1»- فكيف يتّقى من بعض و لا يتّقى من الآخر، مع أنّ الظاهر هو الابتداء بالكلام، و هو أيضا يبعّد التقيّة خصوصا إذا كان المخاطب من الشيعة، فلا وجه بحسب الظاهر للحمل على التقيّة، بل المظنون قويّا عدم صدوره تقيّة، فالأمر يدور بين الخمس بالمعنى المصطلح و بمعنى تضعيف الزكاة.

و يمكن دفع الإشكالين و الجزم بالخمس بالمعنى المعروف:

أمّا إشكال تعارض دليله لدليل حصر الخمس في الغنائم أو في الخمسة فبأنّ الظاهر من الغنائم في أصل صدور الروايات خصوصا مع تضمّن الصحيح لكلمة «خاصّة» و جعلها قسيما لباقي المنافع كالمعدن و الكنز و الغوص هو غنائم دار‌

______________________________
(1) تقدّم في ص 263.

267
کتاب الخمس (للحائري)

السادس إذا اشترى الذمي أرضا من مسلم وجب فيها الخمس 2 ص 261

..........

الحرب، و لا إشكال عند أئمّة الشيعة صلوات اللّه عليهم أجمعين في عدم الحصر بذلك، فحينئذ لا بدّ على كلّ حال من التصرّف في ما ذكر بأحد الوجوه: إمّا بالحمل على التقيّة، و إمّا بكونه في مقام بيان عدم تطرّق التحليل بالنسبة إلى الغنائم كما يومئ إلى ذلك المكاتبة «فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام» «1» الواردة في التحليل بالنسبة إلى بعض موارد الخمس و الإيجاب المشروط بالنسبة إلى البعض الآخر، و إمّا بأن يكون المقصود- و لو على فرض كون المقصود بالغنائم مطلق الفوائد- هو بيان الخمس الواجب على المسلمين، لا ما هو الواجب على الكافر الذي لا فائدة في هذا الحكم بالنسبة إليه، و لا ينبعث حكّام الجور من هذا الحكم الذي ذكره في الصحيح لأمثال ابن أبي عمير و عبد اللّه بن سنان، فالجواب عن المعارض سهل جدّا.

و أمّا إشكال الإجمال في نفسه من حيث المصرف فيمكن دفعه بمجموع أمور:

منها: عدم معهوديّة استعمال الخمس في ضعفي الزكاة حتّى في لسان العامّة المشهور أنّهم أفتوا بذلك.

و منها: أنّ الخمس ليس ضعف الزكاة إلّا إذا كان هي العشر، و قد يكون نصف العشر، فالضعف حينئذ هو العشر، و الاختصاص بما يكون الحقّ فيه هو العشر لا وجه له بحسب الارتكاز.

و منها: أنّ منشأ الانصراف أو الاحتمال الموجب للإجمال ليس إلّا دعوى اشتهار فتوى مالك- فقيه المدينة- في عصر أبي جعفر عليه السّلام، مع أنّ مقتضى ما في وفيات الأعيان: أنّ مالكا كان سنّه عند وفاته عليه السّلام تسعة عشر أو أربعا و عشرين «2»،

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) وفيات الأعيان: ج 3 ص 284 «مالك بن أنس».

و هذا مقتضى المقايسة بين سنة ولادة مالك- و هي خمس و تسعون للهجرة أو تسعون- و سنة ارتحال أبي جعفر عليه السّلام، و هي أربع عشرة و مائة للهجرة.

268
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الموضوع هل هو الشراء أو مطلق الانتقال المعاوضي أو مطلق الانتقال فيه وجوه ص 269

مسألة [الموضوع هل هو الشراء أو مطلق الانتقال المعاوضيّ أو مطلق الانتقال؟ فيه وجوه]

هل يختصّ الحكم بالشراء، أو يشمل مطلق انتقال الأرض بنحو المعاوضة و لو كان بعنوان الصلح، أو مطلق الانتقال الذي له العوض و لو بالاشتراط- فيشملها و الهبة المعوّضة- أو يشمل مطلق الانتقال و لو بنحو المحاباة و المجّانيّة؟ وجوه (1).

و ماله و الفتوى في السنّ المذكور؟! فكيف بالاشتهار! فالظاهر أنّ احتمال الانصراف من تلك الجهة ضعيف في الغاية، خصوصا مع أنّ الظاهر أنّه ليس أبو عبيدة من الفقهاء المشهورين بين الأصحاب كأمثال زرارة و محمّد بن مسلم، فالمظنون عدم اطّلاعه على الفتوى المذكور على تقدير صدورها.

و منها: اشتهار الخمس بالمعنى المذكور بين المسلمين، كيف؟ و قد ورد في القرآن الكريم و في حديث الفريقين و كان متداولا بينهم في غنائم دار الحرب و الركاز- كما في البخاريّ على ما تقدّم في أوائل هذا الكتاب- و هو المستفاد من خبر الأزديّ في رجل وجد ركازا في عهد أمير المؤمنين عليه السّلام «1»، فإنّه و إن لم يكن للخمس حقيقة شرعيّة كالزكاة إلّا أنّه مثله في أنّ المتبادر منه هو ما ورد في الموارد المعيّنة، و الشاهد على ذلك ورود الخمس في موارد عديدة في الأخبار المتعدّدة المتقدّمة أكثرها من دون السؤال عن المصرف و لا التنبيه عليه، و هذا دليل قطعيّ على التبادر المذكور، فالظهور منعقد قطعا، و ليس احتمال الانصراف إلى ضعف الزكاة لقرينة خارجيّة إلّا من مصاديق احتمال وجود القرينة، فليس المقام من احتمال قرينيّة الموجود قطعا، فله الحمد المتتالي على حلّ تلك العويصة الفقهيّة بعونه و منّه و توفيقه.

أمّا وجه الأوّل فهو الجمود على ظاهر لفظ الخبرين المتقدّمين «2» المأخوذ‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 346 الباب 6 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) في ص 263.

269
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الموضوع هل هو الشراء أو مطلق الانتقال المعاوضي أو مطلق الانتقال فيه وجوه ص 269

..........

فيهما عنوان الاشتراء، فكما لا يجري مثلا خيار المجلس في مطلق معاوضة العين بالمال كذلك هذا الحكم التعبّديّ الخارج عن عنوان الخمس في الغنائم و الأرباح و عن الزكاة و عن الجزية المضروبة على أهل الذمّة.

و أمّا وجه التعدّي إلى مطلق المعاوضة أمران، أحدهما: إلقاء الخصوصيّة عند العرف في مقام جعل مال على الذميّ إمّا من جهة التشديد عليه، أو من جهة أخذ المال عنه- كالجزية في قبال تكفّل مصالحه- و إمّا من جهة امتناع المسلمين أن يبيعوا أراضيهم من الذمّيّين، فإنّ العرف بحسب الارتكاز لا يرى وجها إلّا ذلك، و مقتضى جميع ذلك: إلقاء الخصوصيّة. ثانيهما: دعوى صدق الاشتراء على مطلق تملّك المال بالعوض، فإنّ معنى «اشتريت» في العرف ليس إلّا تملّكت ذلك بالعوض، و لذا يصحّ بلفظ التملّك، و كون الإنشاء بنفس ذلك المفهوم دخيلا في المعنى خلاف الظاهر قطعا، فليس معنى «اشتريت» أو «تملّكت»: أوجدت الملكيّة بالمفهوم، فليس الإيجاد بالمفهوم قيدا للمستعمل فيه.

لكنّه غير واضح، لاحتمال كون المنشأ- و هو الملكيّة بنفس العنوان المذكور- دخيلا في الوضع و الاستعمال على نحو الحقيقة و إن لم يكن دخيلا في المستعمل فيه، فالعمدة في المقام هو «إلقاء الخصوصيّة» المورد لاعتبار غير واحد من الأصحاب في هذا الباب، كما في الجواهر عن اللمعة و الروضة و البيان و كاشف الغطاء قدس سرّه، و اختاره أيضا بل قال: مقتضى المنقول عنهم غير كاشف الغطاء هو التعدّي إلى مطلق الانتقال، لكن أشكل في ذلك «1».

و من ذلك يظهر وجه الثالث أيضا، فإنّه بعد إلقاء الخصوصيّة لا فرق على الظاهر بين جعل شي‌ء عوضا أو كان من قبيل الالتزام في الالتزام المسمّى بالهبة‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 66.

270
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة في أن الموضوع هل هو مطلق الأرض أم بعض أفرادها ص 271

و لعلّ الأظهر الثالث (1).

و الأحوط هو اشتراط المسلم عليه أداء خمسه (2) في عقد المعاوضة و في ضمن العقد الخارج اللازم في الهبة (3).

مسألة [في أنّ الموضوع هل هو مطلق الأرض أم بعض أفرادها؟]

هل يختصّ الحكم بأرض المزرع، أو يشمل مطلق ما كان المبيع هو الأرض بعنوانها، أو يشمل مطلق ما كان الأرض هو المبيع و لو ضمنا؟ (4) المعوّضة إذا تسلّم العوض بل و إذا لم يتسلّم، للزوم المعاملة من قبل المسلم.

و أمّا الرابع- و هو التعدّي إلى مطلق الانتقال- فوجهه الأولويّة، لأنّه لو لم يرفق على الكافر مع أدائه العوض فعدم الإرفاق في فرض الانتقال المجّانيّ أولى.

لكن فيه: عدم معلوميّة الملاك فلعلّه لعدم الإرفاق من جانب المسلم دخل في ذلك، فإنّه ربما يمكن تصوّر عدم المناسبة في عدم إرفاق الشارع في فرض إرفاق صاحب المال، فهو يكون بحكم التصدّق مثلا من حيث عدم الرجوع إليها.

مع أنّ ندرة الهبة كافية في الفرق، فإنّ نوع المعاملات الّتي يمكن وقوعها بحسب الطبع بين المسلم و الذمّيّ هي المعاوضات منها، كما لا يخفى.

لما عرفت من إلقاء الخصوصيّة الّتي مرّ شرحها في التعليق المتقدّم.

و ذلك ليحصل بذلك العلم بتأمين غرض المولى على كلّ حال.

يعني إذا كان الانتقال بعنوان الهبة فالأحوط إيجاد عقد آخر مستقلّ لازم و اشتراط الخمس في ضمن ذلك.

في الجواهر عن المعتبر: اختصاصه بأرض المزرع، لكن قال:

و فيه تأمّل، خصوصا إن أراد إخراج الأرض المتّخذة للمسكن أيضا، لظاهر النصّ و الفتوى بل‌

271
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة في أن الموضوع هل هو مطلق الأرض أم بعض أفرادها ص 271

و لعلّ الظاهر هو الأخير (1)، فلو اشترى الذمّيّ دارا من المسلم لا بدّ من أداء خمس أرضه.

صريح جماعة حيث إنّهم صرّحوا بعدم الفرق «1». انتهى.

و تفصيل الكلام أنّ تعلّق الشراء بالأرض على أنحاء:

الأوّل: أن يكون المتعلّق هو أرض الزراعة فيشتري لها.

الثاني: أن يكون المتعلّق أرضا خالية عن الزرع و لكن يشتريها للزرع.

الثالث: أن يكون أرضا مشغولة به و لكن يشتريها لبناء المسكن مثلا.

الرابع: أن يكون متعلّقه أرضا خالية عنه و عن كلّ شي‌ء، يشتريها لغير الزرع.

الخامس: أن يكون أرضا مشغولة بالبناء و لكن يشتري أرضه و لا يشتري بناءه.

السادس: أن يشتري البناء و الأرض على نحو التفصيل.

السابع: أن يشتري الدار أو الحمّام مثلا المشتملتين على البناء و الأرض.

الثامن: أن يشتري الأرض و شي‌ء آخر منضمّا إليه في مقام البيع.

كلّ ذلك داخل في إطلاق الحديث و لا وجه لدعوى الانصراف، و اختلاف التعبير في العرف بين الأرض و الدار إنّما هو من جهة الاختلاف بين البعض و المجموع و الإجمال و التفصيل، و هذا غير مضرّ بإطلاق أنّه اشترى الأرض.

و لا ينبغي الإشكال في صورة تعلّق الشراء بنفس الأرض مستقلّا أو منضما إلى غيره بنحو التفصيل.

و الاختصاص بخصوص أرض الزرع- بحيث لا يشمل شراء الأرض البائرة للزراعة أو للمسكن- لا وجه له أصلا، و لعلّ المقصود إخراج شراء الأرض في ضمن شراء الدار مثلا، حيث إنّه ليس مستقلّا أوّلا، و ملحوظ بنحو الإجمال‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 66.

272
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة في ما إذا اشترى الذمي من المسلم الأرض المفتوحة عنوة أو أرض الخمس أو الأرض الموقوفة من متوليها ص 273

نعم، لعلّ الظاهر عدم تعلّق الخمس بما ينتقل إلى المشتري تبعا من دون كونه متعلّقا للبيع، كأمثال الطريق و الحريم (1).

مسألة [في ما إذا اشترى الذمّيّ من المسلم الأرض المفتوحة عنوة أو أرض الخمس أو الأرض الموقوفة من متولّيها]

إذا اشترى مسلم شي‌ء من الأراضي المفتوحة عنوة أو كان لبعض أصحاب الخمس من جهة تعلّق الخمس بها من جهة الغنائم أو قلنا بأنّ من بيده من المسلمين يملك الأرض تبعا للآثار، ثمّ اشتراها الذمّيّ من المسلم، فلعلّ الظاهر ثبوت الخمس في جميع ذلك (2).

ثانيا، و له صورة وحدانيّة في الخارج ثالثا، فيدّعى أنّ مجموع ذلك موجب للانصراف. و هو ممنوع جدّا.

لعدم صدق الاشتراء بالنسبة إلى مثل ذلك، و إن لم نجد التصريح بذلك في كلمات الأصحاب رضوان اللّه عليهم.

و الوجه فيه هو الإطلاق.

و الإشكال فيه بإخراج خمس الأرض قبل ذلك من جهة كونها من الغنائم فلا يتكرّر الخمس كما عن الأردبيليّ- و لعلّ وجهه ما ورد في خبر تحف العقول:

«و الخمس من جميع المال مرّة واحدة» «1»- مدفوع بأنّ المنساق منه أنّه ليس مثل الزكاة حتّى يكون في كلّ عام في الربح غير المصروف في المئونة أو في الغنائم الخمس، و أمّا إذا تعدّدت الجهة كالمستخرج من المعدن إذا اتّخذه متجرا فربح فيه فالظاهر عموم الدليل، مع أنّ أخذ الخمس من الغانمين غير أخذ الخمس من الذمّيّ المشتري للأرض، فإنّ المعدن إذا أخذ خمسه و اشتراه الغير و كان ربحا في ماله فعليه الخمس، و هذا ممّا لا إشكال فيه.

كما أنّ احتمال الانصراف في الملكيّة الموقّتة التابعة للآثار مدفوع أيضا، خصوصا مع عدم تزلزلها من قبل المشتري، فإنّ له إبقاء الآثار في تلك الأرض‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 341 ح 13 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

273
کتاب الخمس (للحائري)

في ما إذا اشترى الذمي الأرض لبعض المصالح العامة كأن يجعلها محل السفارة ص 274

[في ما إذا اشترى الذمّيّ الأرض لبعض المصالح العامّة، كأن يجعلها محلّ السفارة]

و أمّا إذا باعها منه وليّ المسلمين لبعض مصالحهم ففي تعلّق الخمس إشكال (1).

و منه يشكل في اشتراء الأرض الموقوفة من متولّي الوقف إذا جاز بيعها لبعض المجوّزات في الوقف العامّ (2).

و يشكل أيضا تعلّق الخمس في ما إذا اشترى الذمّيّ لبعض المصالح العامّة الّتي في نظره، كالأرض المشتراة لبناء السفارات في عصرنا (3).

حتّى تكون ملكا له دائما.

وجه الإشكال أنّ الوليّ لا يبيع من قبل نفسه و لا من قبل جميع المسلمين، بل من قبل المصرف الذي هو مصالح المسلمين- من جهاد الأعداء و تعمير البلدان و تأمين الطرق و المواصلات و غير ذلك- و بهذا الاعتبار لا يصدق أنّ الذمّيّ اشترى الأرض من مسلم، خلافا لما في الجواهر «1» و ظاهر العروة من الجزم بالخمس فيها «2».

لأنّه لم يشترها من المسلم بل اشتراها من مصلحة من المصالح العامّة، و أمّا الوقف الخاصّ فيصدق فيه الاشتراء من المسلم على ما هو المعروف بينهم من أنّه ملك للموقوف عليهم.

فإنّ المشتري من المسلم ليس ممّا يصدق عليه الذمّيّ الذي هو إنسان كتابيّ في ذمّة الإسلام، بل هو جهة من جهات مصالح الذمّيّين أو مطلق الكفّار أو مطلق أهل مملكة واحدة من الكفّار و المسلمين، و ذلك أيضا غير معنون عندهم على ما وقع عليه النظر.

______________________________
(1) ج 16 ص 66.

(2) العروة: كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 40.

274
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لو باعها الذمي من غيره ذميا كان أو مسلما لم يسقط الخمس 2 ص 275

و لعلّ الظاهر عدم تعلّق الخمس إذا باعها المسلم من الذمّيّ و لم نقل بمالكيّته للأرض أصلا و لو تبعا للآثار (1).

مسألة: لو باعها الذمّيّ من غيره- ذمّيّا كان أو مسلما- لم يسقط الخمس (2).

و حينئذ فهل يرجع وليّ الخمس إلى البائع مطلقا، أو يتخيّر مطلقا بين الرجوع إلى البائع أو المشتري، أو يفصّل بين ما إذا كان المشتري مسلما إماميّا فلا يرجع إليه- بل يرجع إلى البائع- و غيره فيتخيّر في الرجوع؟ وجوه (3).

و ذلك لعدم صدق الاشتراء الذي هو تملّك الأرض، و لعلّ المنشأ: إطلاق لفظ البيع على بيع الأراضي الخراجيّة من قبل من بيده الأرض في بعض الأخبار «1» كما في أوّل كتاب البيع للمحقّق الأنصاريّ قدس سرّه «2»، أو دعوى كون البيع عبارة عن انتقال اعتبار ماليّ متعلّق بالعين و لو لم يكن ذلك هو الملكيّة. و كلاهما ممنوعان، فتأمّل.

إذ لا وجه لسقوط الخمس بعد تحقّق الموضوع، و هو الاشتراء على وجه اللزوم مع فرض الاستقرار، إذ البيع من الغير ليس فسخا، بل هو مبنيّ على البيع السابق و من آثاره.

وجه الإطلاق أنّ المشتري لمّا كان مخيّرا بين الأداء من العين أو القيمة فمقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقود، تعيّن القيمة، كما هو الشأن في كلّ واجب تخييريّ إذا كان أحد عدليه واجدا للمحذور الشرعيّ.

و أمّا وجه التخيير مطلقا فهو أنّه ليس جواز الإعطاء من القيمة بمعنى مالكيّة صاحب الخمس لما هو الكلّيّ المتعلّق بمجموع العين و القيمة، بل بمعنى أنّه يملك‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 11 ص 118 الباب 71 من أبواب جهاد العدوّ.

(2) المكاسب: ص 79.

275
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لو باعها الذمي من غيره ذميا كان أو مسلما لم يسقط الخمس 2 ص 275

و لعلّ التفصيل هو الأقرب (1).

و في فرض التخيير لو رجع إلى البائع فيمكن أن يقال: إنّه يتعيّن عليه أداء القيمة (2).

خمس العين لكن للمالك ولاية التبديل بالقيمة، و لا يكون ذلك موجبا لسلب ملكيّته للمال الخاصّ على سبيل التعيين، فحينئذ يجوز الرجوع إلى البائع و المشتري و لو كان المشتري إماميّا، بناء على عدم شمول أخبار التحليل لذلك الخمس الذي ليس من الغنائم.

و أمّا وجه التفصيل فلما ذكر في وجه التخيير بالنسبة إلى صورة كون المشتري هو الذمّيّ، و أمّا إخراج الإماميّ فلعموم أخبار التحليل لذلك الخمس، و يكفي في ذلك متنا و سندا ما تقدّم من خبر أبي خديجة، و فيه «أو تجارة أو شي‌ء أعطيه» «1» المحكوم بأنّ ذلك حلال للشيعة إلى يوم القيامة.

لما مرّ في التعليق السابق. و ملخّصه ثبوت التخيير في ما لو كان المشتري غير الإماميّ، لبقاء الخمس في العين، و ولاية المالك على التبديل لا يكون موجبا لسلب الملكيّة عن العين فله الرجوع إلى من يكون عينه بيده، كما أنّ له الرجوع إلى البائع من باب كون المال في يده قبل ذلك فهو أيضا يضمن الأداء، و أمّا في فرض كون المشتري هو الإماميّ فلا شي‌ء عليه، لأخبار التحليل الذي أشير إلى بعضها في التعليق المتقدّم و ربما يجي‌ء توضيح الكلام في ذلك في ما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

و ذلك لعموم وجوب الوفاء بالعقد، فإنّه قد تعهّد بأن يكون جميع المال للمشتري فيجب عليه ذلك، و من تلك الجهة يمكن القول بوجوب ابتياع العين الّتي‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 379 ح 4 من ب 4 من أبواب الأنفال.

276
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لو باعها الذمي من غيره ذميا كان أو مسلما لم يسقط الخمس 2 ص 275

و إن رجع إلى المشتري فيمكن أن يقال: إنّه يتعيّن عليه أداء الخمس من العين، و أداء القيمة من باب المصالحة و التراضي مع صاحب الخمس (1)، و يرجع هو إلى البائع بما قابل الخمس من الثمن، سواء أدّى الخمس من العين أو من القيمة (2)، و له فسخ أصل البيع- لتبعّض الصفقة- إذا أدّاه من العين، و في حقّ الفسخ إذا أدّى القيمة إشكال (3)، و لو رجع إلى خمس الثمن و لم يختر الفسخ ففي ثبوت خيار التبعّض للبائع وجه (4).

باعها فضولة لنفسه.

و ذلك لأنّ القدر المتيقّن من ثبوت ولاية التبديل بالقيمة هو من وجب عليه أداء الخمس أوّلا، فلا يشمل من انتقل إليه المال الذي فيه الخمس، و لتحقيق الحقّ فيه محلّ آخر يأتي إن شاء اللّه تعالى.

لكون المعاملة بالنسبة إلى الخمس فضوليّا ردّ من قبل مالكه و هو صاحب الخمس.

وجه الإشكال أنّ المفروض: عدم تبعّض ما بيده من المال، لتحصيله و تلقّيه من صاحب الخمس، فيمكن القول بعدم الخيار حينئذ، و يمكن القول بثبوت الخيار إمّا من باب أنّ التبعّض السابق قبل أن يصالح مع صاحب الخمس كاف في ثبوت الخيار من باب توجّه الضرر إليه من جانب البائع، و رفعه من قبل نفسه لا يوجب رفع الحكم الأوّليّ الذي ثبت من جهة الإضرار من ناحية البائع، أو من باب عدم عمله بمقتضى تعهّده، فخيار التبعّض يرجع إلى خيار تخلّف الشرط- كما في أكثر الخيارات على ما بيّنه بعض أساتيد عصرنا قدّس اللّه إسراره- أو يستصحب الخيار المتحقّق قبل المصالحة مع صاحب الخمس.

لحصول التبعّض و عدم كون الإقدام على بيع حصّته من الغير حتّى مع العلم ببطلان المعاملة إقداما على الضرر.

277
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لو انفسخ البيع لا يسقط الخمس ص 278

هذا كلّه في فرض عدم إمضاء البيع أو ردّه من قبل صاحب الخمس، و أمّا إذا أمضاه فيرجع إلى المشتري إن لم يقبض الثمن (1). و كذا إن قبضه البائع و كان كلّيّا (2)، إلّا إذا أمضى قبضه أيضا (3) فلعلّه يرجع إلى البائع فقط، كما أنّ الأمر لعلّه كذلك إذا كان الثمن شخصيّا و أمضى قبض البائع له (4)، و أمّا إذا كان شخصيّا و لم يمض القبض فلعلّ الظاهر هو التخيير (5).

مسألة [لو انفسخ البيع لا يسقط الخمس]

لو انفسخ البيع بالإقالة أو الفسخ بخيار المشتري لم يسقط و الظاهر أنّه لا فرق في إيجاب التبعّض الخيار بين كون الثمن أو المبيع شخصيّا أو كلّيّا. و لتمام الكلام محلّ آخر، و هو الموفّق للصواب.

لأنّه لا حقّ له في ذمّة البائع حتّى من جهة جريان يده على الخمس، لأنّ إمضاء البيع في حكم حصول أدائه من قبله، كما هو واضح.

لأنّ الكلّيّ الذي في ذمّة المشتري لصاحب الخمس لا يتعيّن بقبض البائع فيبقى المال على ذمّته.

من جهة أنّ صحّة قبض الفضوليّ- و لو كان بقصد أن يكون له إذا أجازه صاحب الحقّ- تكون عرفا كصحّة سائر المعاملات، إذ تعيّن الذمّة في الخارج بنفسه نقل و انتقال اعتباريّ حاصل بالقصد و الإنشاء.

لأنّه بالإجازة يصير الإقباض إلى البائع بمنزلة الإقباض إلى وكيل صاحب الخمس فيحصل الأداء، فلا وجه حينئذ للرجوع إلى المشتري.

لإجراء يد كلّ منهما على المال، فكلّ منهما مأمور بالأداء، فإنّه «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» «1».

______________________________
(1) المستدرك: ج 14 ص 7 ح 12 من ب 1 من أبواب الوديعة.

278
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لو انفسخ البيع لا يسقط الخمس ص 278

الخمس (1)، بل و لو كان الفسخ بالخيار للبائع (2).

على ما في الجواهر «1»، و الوجه فيه: تحقّق الموضوع قطعا و هو اشتراء الذمّيّ من المسلم بالفرض.

و ما يمكن توهّم كونه مانعا عن اقتضاء دليل الخمس هو مقتضى الفسخ المفروض صحّته، فإنّ مقتضاه كون البيع الواقع بمنزلة عدم التحقّق، و هو واضح بناء على كون الفسخ كاشفا عن بطلان البيع، أو موجبا للانقلاب إلى البطلان في جميع الآثار، أو موجبا للحكم بعدم وقوع البيع من حين الفسخ بمعنى الحكم بارتفاع جميع آثار صحّة البيع من حين الفسخ، و أمّا إذا كان مقتضاها البطلان من حين الفسخ فيكون بمنزلة النقل الجديد، فلا يقتضي عدم الخمس.

و الأقوى عند المتأخّرين هو الأخير، و هو القدر المتيقّن من مقتضى الفسخ عند العقلاء، و من هنا لا يحكم ببطلان البيع الواقع في زمن الخيار بل يرجع إلى القيمة.

و أمّا احتمال «انصراف الدليل المقتضي للخمس في المقام إلى الاشتراء المستقرّ أثره» فمدفوع بالإطلاق.

كما اختاره في العروة «2»، و هو خلاف ما يظهر من الجواهر من الاختصاص بالإقالة و الفسخ بالخيار للمشتري «3».

و الوجه فيه هو إطلاق دليل الخمس. و وجه ما يظهر من الجواهر هو الانصراف إلى الاشتراء اللازم من جانب غير المشتري، و المفروض في المقام هو التزلزل، و الانصراف ممنوع. و الفرق بينه و بين الأرباح أنّ الخمس فيها من باب‌

______________________________
(1) ج 16 ص 67.

(2) في المسألة 41 من الفصل الأوّل من كتاب الخمس.

(3) الجواهر: ج 16 ص 67.

279
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لو انفسخ البيع لا يسقط الخمس ص 278

و لعلّ الأقرب أنّ لصاحب الخمس الرجوع إلى كلّ منهما (1).

الغنيمة و لا تصدق في مورد التزلزل، و في المقام تعبّديّ محض.

أمّا الرجوع إلى المشتري فلأنّه الذي يجب عليه الخمس، و هو الذي جرت يده أيضا عليه، فعليه أن يؤدّيه إلى مالكه، و أمّا الرجوع إلى البائع فلمّا مرّ من عدم سلب مالكيّة صاحب الخمس عن العين بصرف جواز أداء المشتري قيمة الخمس، فالخمس ثابت في العين و هو بيد البائع.

هذا، و لكن قال قدس سرّه في الجواهر:

لكن عليه يكون هو المستقرّ في ذمّته الخمس، بل قد يكون ليس له الردّ بدون رضي الناقل بناء على تعلّق الخمس بالعين و لم نكتف بضمانه، للزوم تبعّض الصفقة عليه حينئذ «1». انتهى.

أقول فيه أوّلا: أنّ ما ذكره من تعيّن الخمس على المشتري المستلزم لعدم جواز رجوع صاحب الخمس إلى البائع مناف لما تقدّم منه من تخيير صاحب الخمس بين الرجوع إلى البائع أو إلى المشتري في مسألة النقل إلى الآخر من الذمّيّ أو المسلم.

و ثانيا: أنّ الظاهر عدم سلب مالكيّة صاحب الخمس بالنسبة إلى العين بصرف ولاية التبديل إلى القيمة، كما مرّ.

و ثالثا: أنّ مقتضى قوله «و لم نكتف بضمانه» أن يكون المستقرّ على ذمّته الخمس في فرض الضمان، و هو مناف لإطلاق صدر كلامه.

فتحصّل أنّ في مسألة بقاء الخمس في العين و انتقاله إلى الذمّة وجوها ثلاثة:

الأوّل- و هو المبنى للمسألة المتقدّمة-: بقاؤه في العين مطلقا. الثاني: انتقاله إلى‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 67.

280
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لو انفسخ البيع لا يسقط الخمس ص 278

فإن رجع إلى المشتري فليس له إلّا أداء القيمة (1) إلّا إذا رضي البائع بردّ العين فله أن يؤدّي الخمس من العين (2)، و إن رجع إلى البائع فيمكن أن يقال: إنّ البائع يرجع إلى المشتري و يأخذ القيمة له منه أو يعطي من العين (3)، و إن لم يتمكّن من ذلك فلعلّ الظاهر وجوب الأداء من العين، و لزوم الضرر عليه من جهة ذلك غير موجب لسقوط التكليف بالخمس (4).

الذمّة إذا نقله إلى الغير. الثالث: انتقاله إليها بالضمان، فمقتضى التخيير في المسألة الأولى: بقاؤه في العين، و مقتضى صدر كلامه في المقام هو الانتقال إلى الذمّة بمحض النقل إلى الغير، و مقتضى قوله «و لم نكتف بضمانه» هو الانتقال إليها على فرض التضمين، نقله أو لم ينقله. و تأتي المسألة إن شاء اللّه تعالى «1».

لأنّ أخذ خمس العين من البائع من دون رضاه تصرّف في ماله بدون إذنه، و المفروض أداء تكليفه بأداء القيمة- فتأمّل- و لأنّه موجب لتبعّض الصفقة على البائع من دون أن يجبر بالفسخ، لأنّه ملك بالفسخ لا بالمعاملة، و لا فسخ بالنسبة إلى الفسخ.

فإنّ المشتري مخيّر بين أداء العين أو القيمة، و في الفرض الأوّل كان تبعّض الصفقة أو عدم رضايته مانعا، و حينئذ فقد المانع و ليس لصاحب الخمس إلزامه على أداء العين.

فإنّ أخذ القيمة من المشتري و أداءها عين متعلّق حقّه، كما أنّ أداء العين كذلك.

لأنّ صاحب الخمس مالك للخمس فهو كسائر الشركاء في مال الغير، و ليس الإلزام بالأداء ضررا على البائع، لأنّه لا يملك من المال إلّا أربعة أخماس‌

______________________________
(1) في ص 446- 447.

281
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة في المراد بالذمي ص 282

مسألة [في المراد بالذمّيّ]

لعلّ الظاهر أو المتيقّن من ظهور الدليل: كون المراد بالذمّيّ من انعقد بينه و بين المسلمين عقد الذمّة (1).

و لا يملك الخمس الآخر، فتأمّل.

فإنّه ليس المراد من الكلمة المذكورة في الخبرين «1» هو معناه اللغويّ، و إلّا لم يكن قسيما للمسلم، فلا يطلق على الحربيّ قطعا، و لا على المعاهد الذي له عقد المعاهدة مع بعض المسلمين أو مع الحكومة الموجودة في بلاد الإسلام المتشكّلة من المسلمين و لو لم تكن مبنيّة على القانون الإسلاميّ، و لا على المعاهد الذي له عهد مع الحكومة الإسلاميّة، كما ينبئ عن وجود ذلك في الجملة- مضافا إلى غير واحد من الروايات المذكورة في كتاب الجهاد- قوله تعالى:

إِلَّا الَّذِينَ عٰاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَ لَمْ يُظٰاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلىٰ مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ «2».

و قوله تعالى أيضا:

كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللّٰهِ وَ عِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عٰاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ فَمَا اسْتَقٰامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ «3».

بل لعلّ مفاد آخر الآيتين «إنّ اللّه يحبّ المتّقين» أنّ حفظ العهد مع المشركين من شئون التقوى.

و المقصود وجود قسم ثالث من الكفّار غير الحربيين و غير الذمّيّين، و هم المعاهدون، و من المعلوم عدم إطلاق أهل الذمّة عليهم باعتبار المعاهدة المذكورة، و لا أقلّ من الشكّ فلا يشملهم الدليل، فعلى هذا لا أثر لهذا البحث في زماننا، لأنّ‌

______________________________
(1) المتقدّمين في ص 263.

(2) سورة التوبة: 4.

(3) سورة التوبة: 7.

282
کتاب الخمس (للحائري)

السابع مما فيه الخمس الحلال إذا اختلط بالحرام و لا يتميز 1 ص 283

السابع ممّا فيه الخمس: الحلال إذا اختلط بالحرام و لا يتميّز (1).

الكفّار الموجودين في بلادنا لا يكونون ذمّيّين، من غير فرق بين غير أهل الملك أو من كان منهم من أهل ممالك الإسلام كالأرامنة و المجوس و اليهود الساكنين في إيران و العراق و مصر، و إلقاء الخصوصيّة غير واضح، لاحتمال دخالة وجود المعاهدة الخاصّة الّتي لها شرائط مذكورة في كتاب الجهاد، الّتي لا يمكن أن تكون موقّتة بل لا بدّ للحكومة الإسلاميّة من إدامتها في قبال أخذ الجزية و الشرائط الستّة المعلومة في محلّه، و لعلّه ملحق بذلك أيضا أخذ الخمس من الأراضي، و أمّا الكافر الحربيّ فيجوز أخذ جميع ماله و لا ينحصر بالخمس، و أمّا المعاهد فبعد تماميّة العهد يصير بحكم غيره، فلا دليل على التعدّي.

و من ذلك و ما تقدّم يظهر أنّ المسلم الإماميّ إذا اشترى من أهل الكتاب أرضه الّتي اشتراها من المسلم فلا خمس عليه فيها، و يجوز له التصرّف في الأرض المزبورة قبل الاشتراء من دون الضمان، لوجهين: أحدهما عدم الدليل على الخمس حتّى بالنسبة إليه أصلا، و الثاني أنّه على فرض تعلّق الخمس فالتصرّف فيه حلال للشيعة بمقتضى ما تقدّم من الدليل.

و أمّا شراء أراضي السفارة و التصرّف فيها فوجه الحلّيّة- مضافا إلى الأمرين المتقدّمين- أنّ المشتري هو المصرف الكلّيّ لا الكافر حتّى يتعلّق بها الخمس.

كما في الشرائع «1». و في الجواهر:

عن النهاية و الوسيلة و السرائر و النافع و القواعد و التذكرة و الإرشاد و التحرير و اللمعة و البيان و غيرها، و في الغنية دعوى الإجماع، و في المنتهى نسبته إلى‌

______________________________
(1) ج 1 ص 135.

283
کتاب الخمس (للحائري)

السابع مما فيه الخمس الحلال إذا اختلط بالحرام و لا يتميز 1 ص 283

..........

أكثر علمائنا، و المفاتيح إلى المشهور «1». انتهى.

و يستدلّ على ذلك بجملة من الروايات:

منها: ما في الوسائل عن الخصال عن أبيه عن محمّد بن يحيى عن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن عمّار بن مروان قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «في ما يخرج من المعادن و البحر و الغنيمة و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه و الكنوز الخمس» «2».

أقول: لا يخفى أوّلا: أنّه في الجواهر «3» نقله عن أبي الحسن عليه السّلام، و الظاهر أنّه اشتباه إذ لم يسند غيره إليه عليه السّلام، و لم يقل أحد بأنّ عمّارا من أصحاب أبي الحسن عليه السّلام، بل ذكر الكلّ- في ما أعلم- أنّه من أصحاب الصادق عليه السّلام.

و ثانيا: أنّ في نسختين من الخصال الذي عندنا: محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى، و حينئذ فالسند أوضح صحّة.

و ثالثا: أنّ في بعض نسخ الخصال- و هو المطبوع ثانيا بطهران- ليس فيه «الحلال المختلط بالحرام». و في المطبوع بقم «4» ذكر في تعليقه أنّ النسخة المطبوعة بطهران (و تلك على الظاهر هي النسخة الأولى المطبوع فيها الّتي ذكر في بعض حواشيها أنّها مكتوبة من نسخة خطّيّة هي بخطّ المصنّف قدس سرّه) ليس ذلك فيها أيضا. و يظهر من المستند عدم وجوده في نسخته أيضا.

لكنّ المظنون وجوده، و ذلك لأنّ عنوان الباب هو الخمسة، فلا معنى لذكر أقلّ‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 69- 70.

(2) الوسائل: ج 6 ص 344 ح 6 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) ج 16 ص 71.

(4) ج 1 ص 236.

284
کتاب الخمس (للحائري)

السابع مما فيه الخمس الحلال إذا اختلط بالحرام و لا يتميز 1 ص 283

..........

منها مع عدم ذكر رواية تدلّ على الخمسة إلّا الرواية الّتي نسي ابن أبي عمير عن الخامسة، و ذكر الصدوق رحمه اللّه أنّ المظنون أنّ الذي نسيه ابن أبي عمير هو المال الموروث المختلط بالحرام، مضافا إلى أنّ الظاهر أنّ الوجه في ظنّ الصدوق هو وجوده في خبر عمّار.

لكن مع ذلك كلّه الظنّ لا يغني من الحقّ شي‌ء، إلّا أن يقال بأنّا نقطع عدم تعمّد النسّاخ في الكذب من الزيادة أو النقيصة، فيكون كاختلاف العدول في النقل، و لا ريب أنّ أصالة عدم الزيادة متقدّمة في العرف على أصالة عدم النقيصة بحسب سيرة العقلاء، لأنّ السهو بالزيادة في قبال قيام الحجّة على النقيصة ممّا لا يعتنى به عند العقلاء، فالظاهر صحّة الاستناد إلى الرواية، و هو العالم.

و منها: خبر الحسن بن زياد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«إنّ رجلا أتى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: يا أمير المؤمنين إنّي أصبت مالا لا أعرف حلاله من حرامه، فقال له: أخرج الخمس من ذلك المال، فإنّ اللّه عزّ و جلّ قد رضي من ذلك المال بالخمس، و اجتنب ما كان صاحبه يعلم» «1».

و في التهذيب المطبوع بالنجف الأشرف «يعمل» «2»، كما في الوافي عنه قائلًا:

هكذا في النسخ الّتي رأيناها، و الأظهر «يعلم» بدل «يعمل» كما يوجد في حواشي بعضها «3». و قريب من ذلك ما في تعليق التهذيب «4» المذكور.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 352 ح 1 من ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) التهذيب: ج 4 ص 124 ح 358.

(3) الوافي: ج 10 ص 315.

(4) التهذيب: ج 4 ص 124 ح 358.

285
کتاب الخمس (للحائري)

السابع مما فيه الخمس الحلال إذا اختلط بالحرام و لا يتميز 1 ص 283

..........

أقول: ربّما يؤيّد نسخة «يعمل» بما ورد في بعض الروايات الواردة في الربا و فيه:

«و إن كان مختلطا فكله هنيئا، فإنّ المال مالك، و اجتنب ما كان يصنع صاحبه» «1».

لكنّ الأظهر هو الأوّل، لوجوه:

منها: عدم فرض كون الاختلاط قبل أن يصل بيده و كونه بواسطة عدم تجنّب صاحبه عن الحرام.

و منها: عدم دخالة الاجتناب عن الحرام بعد ذلك في حلّيّة المال فعلا، فتأمّل.

و منها: أنّ الظاهر أنّ ما وقع في عصر أميرنا عليه السّلام قضيّة واحدة، و ما يأتي ممّا يحكي عن القضيّة المذكورة لا يناسب فرض الأخذ ممّن لا يبالي، فراجع و تأمّل.

و منها: أنّ التقييد المذكور مربوط بهذا الحكم و لذا قيّد أيضا في ما مرّ من مصحّح عمّار. و القياس برواية الربا الواردة في المال المختلط بالربا- المفروض فيه تحقّق الاختلاط قبل ذلك، الموجب لتوهّم ان يكون الاختلاط به أيضا موجبا للحلّيّة- قياس مع الفارق الجليّ.

و ممّا ذكر يظهر دفع ما في مصباح الفقيه:

من أنّ الذيل شاهد على كون المال واصلا إليه ممّن لم يكن مباليا بالاجتناب عن الحرام، فيكون حلالا من جهة عدم العلم بوجود الحرام في المال الذي وصل إليه أو من جهة أنّ الاختلاط بالربا- و لو مع العلم بوجود الحرام فيه- إذا كان ذلك من غير‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 12 ص 431 ح 3 من ب 5 من أبواب الربا.

286
کتاب الخمس (للحائري)

السابع مما فيه الخمس الحلال إذا اختلط بالحرام و لا يتميز 1 ص 283

..........

ناحية من وصل المال إليه غير موجب لوجوب الاجتناب، كما في بعض الروايات الّتي يأتي بعضها إن شاء اللّه تعالى، فيكون المال حلالا له فيجب عليه الخمس من حيث الغنيمة، لا من حيث الاختلاط بالحرام «1».

وجه الدفع أنّ الفرض المبنيّ عليه الإيراد أن يكون الذيل «يعمل» بدل «يعلم» و قد عرفت أنّ الظاهر خلافه، مع أنّ الظاهر من قوله «لا أعرف حلاله من حرامه» وجود الحرام و الحلال في المال الذي بيد السائل فعلا و أنّ الاختلاط صار منشأ للسؤال و أنّ الخمس إنّما هو لدفع الإشكال الذي تعرّض له في السؤال و لو كان ذلك من جهة وقوع الخلط فيه قبل ذلك، إذ لا فرق بعد العلم بالاختلاط بين وقوع الاختلاط بيده أو بيد غيره إلّا في الربا على ما في بعض الأخبار.

و حمل الخبر على خصوص الربا حمل المطلق على فرد واحد من المحرّم و هو غير جائز قطعا، فالأصحّ تماميّة دلالة الخبر إلّا أنّ سنده لا يخلو عن وهن و إن كان مورد الاستدلال مجموع الروايات الثلاثة الحاكية لما عن مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام، و بعضها معتبر من حيث السند، و المجموع موجب للاطمئنان.

و منها: ما عن الفقيه قال:

جاء رجل إلى أمير المؤمنين فقال: يا أمير المؤمنين أصبت مالا أغمضت فيه، أفلي توبة؟ قال:

«ائتني خمسه» فأتاه بخمسه، فقال: «هو لك، إنّ الرجل إذا تاب تاب ماله معه» «2».

______________________________
(1) مصباح الفقيه: ج 3 ص 134- 135.

(2) الوسائل: ج 6 ص 353 ح 3 من ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

287
کتاب الخمس (للحائري)

السابع مما فيه الخمس الحلال إذا اختلط بالحرام و لا يتميز 1 ص 283

..........

و هو بنفسه لا يخلو عن الاعتبار من جهة نقل الصدوق عن الإمام عليه السّلام بنحو الجزم و الاكتفاء به في الحكم المذكور، فراجع «1».

و منها: معتبر السكونيّ (الذي أوضح المحدّث النوريّ اعتباره في خاتمة المستدرك «2»، مضافا إلى أنّ كتابه من الأصول الّتي ينقل عنها الصدوق في الفقيه، و هو كاف في الاعتبار) عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«أتى رجل أمير المؤمنين فقال: إنّي كسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا و حراما، و قد أردت التوبة و لا أدري الحلال منه و الحرام و قد اختلط عليّ، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: تصدّق بخمس مالك، فإنّ اللّه (قد) رضي من الأشياء بالخمس، و سائر المال لك حلال» «3».

و قد يستدلّ أيضا بموثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

إنّه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل، قال: «لا، إلّا أن لا يقدر على شي‌ء يأكل و لا يشرب و لا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شي‌ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت» «4».

و مصحّح الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم و يكون‌

______________________________
(1) الفقيه: ج 2 ص 43 ح 12 من باب الخمس.

(2) المستدرك: ج 3 من الطبعة الحجريّة ص 575 (لز) في ترجمة إسماعيل بن مسلم السكونيّ.

(3) الوسائل: ج 6 ص 353 ح 4 من ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) الوسائل: ج 6 ص 353 ح 2 من ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

288
کتاب الخمس (للحائري)

السابع مما فيه الخمس الحلال إذا اختلط بالحرام و لا يتميز 1 ص 283

..........

معهم فيصيب غنيمة، قال: «يؤدّي خمسا و يطيب له» «1».

و في الجواهر:

لكنّهما كما ترى و إن كانا لا يخلوان من نوع تأييد، خصوصا بعد انجبارهما كقصور غيرهما سندا و دلالة بما عرفت «2».

أقول: الظاهر عدم صحّة الاستدلال بهما، لعدم فرض الاختلاط فيهما، بل الظاهر أنّ الحكم ببعث الخمس من حيث صرف الأخذ في مقابل العمل للسلطان، الذي يكون الغالب في كلّ ما يأخذ عدم العلم بالاختلاط، فيكون حلالا فيكون الخمس من باب الغنيمة، و العلم بأخذ الحرام منهم في مدّة من الزمان يوجب العلم باشتغال الذمّة للمالك المجهول مع الشكّ في حلّيّة ما بيده، مضافا إلى أنّ قوله «فصار في يده شي‌ء» ربما يكون منصرفا إلى الزائد عن المئونة، و هذا يؤيّد أنّ الخمس فيها من باب الغنيمة، مع أنّ الخبر الثاني ظاهر في أخذ غنائم دار الحرب بقرينة «اللواء» و «الغنيمة» فهو أجنبيّ عن المال المختلط بالحرام، فإنّ ما يؤخذ من الحربيّ إمّا حلال له محضا و إمّا حرام له كذلك.

و أمّا الانجبار بفتوى الأصحاب كما في الجواهر، ففيه أوّلا أنّ اعتبار ضعف الدلالة بالفتوى غير واضح. و ثانيا أنّ الاستناد إلى الخبرين حتّى يكون منجبرا غير واضح إن لم يكن عدمه واضحا. و أمّا قصور غيرهما سندا فهو أيضا غير واضح، لما تقدّم من صحّة سند بعض الروايات المتقدّمة- كخبر عمّار- و اعتبار ما في الفقيه و اعتبار خبر السكونيّ، و الظاهر استناد الأصحاب إلى ذلك، لا إلى خبر عمّار الموثّق و لا إلى مصحّح الحلبيّ و لا إلى خبر ابن زياد الضعيف بنفسه.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 340 ح 8 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الجواهر: ج 16 ص 71.

289
کتاب الخمس (للحائري)

السابع مما فيه الخمس الحلال إذا اختلط بالحرام و لا يتميز 1 ص 283

..........

و كيف كان، فالظاهر وفاء الدليل بذلك، إلّا أنّه ربما يمكن أن يقال: إنّه معارض بطوائف من الأخبار:

الأولى: ما ورد في حكم مجهول المالك: من تعيّن التصدّق به، خصوصا ما ورد منه في خصوص المختلط، كخبر عليّ بن أبي حمزة من أنّه استأذن لصديق له كان من كتّاب بني أميّة، فدخل على أبي عبد اللّه عليه السّلام و قال:

جعلت فداك إنّي كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالا كثيرا، و أغمضت في مطالبه- إلى أن قال:- فهل لي مخرج منه؟ قال: «فاخرج من جميع ما كسبت في ديوانهم، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله، و من لم تعرف تصدّقت به، و أنا أضمن لك على اللّه عزّ و جلّ الجنّة.» «1».

فإنّ من المعلوم عدم كون جميع ماله الموجود حراما، للاشتراء بالذمّة في غالب ما اشتراه من الدار و العقار و غيرهما، فالحكم بالتصدّق لا ينحصر بالمتميّز كونه حراما.

و الجواب أنّ الظاهر عدم التنافي بين أن يكون حلّيّة المال المختلط له مشروطا بأداء الخمس على نحو التعيّن- فلو أدّى خمس ماله كان جميع المال على فرض الاختلاط حلالا له- و بين أن يكون الواجب عليه أداء جميع المال، لاشتغال الذمّة بالحرام بمقدار المال الموجود بل أزيد، لأنّه أعاش مدّة مديدة و مع ذلك كسب أموالا كثيرة.

و من ذلك يظهر الجواب عن غيره ممّا دلّ على وجوب التصدّق بالمجهول‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 12 ص 144 الباب 47 من أبواب ما يكتسب به.

290
کتاب الخمس (للحائري)

السابع مما فيه الخمس الحلال إذا اختلط بالحرام و لا يتميز 1 ص 283

..........

مالكه، فإنّه لا تنافي بين تعيّن اشتراط حلّيّة المال له في المختلط بأداء الخمس و تعيّن وجوب الأداء ما دام الاختلاط، الراجع إلى التخيير بين أداء جميع المال أو الإفراز بالخمس، فافهم و تأمّل.

الثانية: ما دلّ على حلّيّة المال المختلط بالربا من دون الاحتياج إلى أداء الخمس، كمعتبر الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«أتى رجل أبي عليه السّلام فقال: إنّي ورثت مالا و قد علمت أنّ صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربي و قد عرف أنّ فيه ربا و استيقن ذلك و ليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه- إلى أن قال:- فقال أبو جعفر عليه السّلام: إن كنت تعلم بأنّ فيه مالا معروفا ربا و تعرف أهله فخذ رأس مالك و ردّ ما سوى ذلك، و إن كان مختلطا فكله هنيئا، فإنّ المال مالك، و اجتنب ما كان يصنع صاحبه، فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قد وضع ما مضى من الربا و حرّم عليهم ما بقي.» «1».

إلى غير ذلك من الروايات.

و المستفاد منها: أنّ في خصوص الربا يغضى عنه موارد ثلاثة، الأوّل: ما أكله بجهالة ثمّ عرف و تاب. الثاني: ما استفاد مالا كثيرا فيه الربا بجهالة ثمّ تاب، فإنّ له ما أخذ إلّا ما إذا كان مالا معزولا بالخصوص يكون ربا فليأخذ رأس المال و ليردّ الزيادة إلى صاحبه. الثالث: المال المختلط الموروث من غيره.

و المستفاد منها أنّ كلّ ذلك لقوله تعالى:

______________________________
(1) الوسائل: ج 12 ص 431 ح 3 من ب 5 من أبواب الربا.

291
کتاب الخمس (للحائري)

السابع مما فيه الخمس الحلال إذا اختلط بالحرام و لا يتميز 1 ص 283

..........

فَمَنْ جٰاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهىٰ فَلَهُ مٰا سَلَفَ «1». فالآكل بجهالة و من جمع المال و كان مختلطا بجهالة ثمّ تاب داخل في مفاد الآية الشريفة. و من انتقل إليه من مال فيه الربا من غيره فهو ملحق بذلك، بل لعلّه أولى، لعدم ارتكابه الحرام أصلا من أوّل الأمر.

و من ذلك يظهر الجواب و أنّه لو قيل في الربا بذلك بملاك ما ورد في الآية الشريفة فهو حكم مختصّ ببابه و ليس في مطلق الحرام المختلط، كما هو واضح.

الثالثة: ما يدلّ على حلّيّة مطلق المال المختلط بالحرام، كخبر سماعة قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أصاب مالا من عمل بني أميّة- إلى أن قال عليه السّلام:- «إن كان خلط الحرام حلالا فاختلطا جميعا فلم يعرف الحرام من الحلال فلا بأس» «2».

و خبر أبي بصير، قال:

سألت عن أحدهما عليهما السّلام عن شراء الخيانة و السرقة، قال: «لا، إلّا أن يكون قد اختلط معه غيره.» «3».

و الجواب عن ذلك (بعد وضوح أنّ اختلاط المال المسروق لا يصيّره حلالا بحسب ارتكاز العرف و المتشرّعة، و لا يفهم ذلك من الخبرين أصلا، و إلّا كانت السرقة و الغصب سهل الدفع بالاختلاط بالحلال فيصير حلالا) أنّ الظاهر أنّ المقصود من الخبر الأوّل أحد الأمرين: إمّا أن يكون الضمير المستتر في «كان» راجعا إلى «المال» الذي أصابه منهم، و قرء «خلط» مجهولا، فيصير مفاده أنّ المال‌

______________________________
(1) سورة البقرة: 275.

(2) الوسائل: ج 12 ص 59 ح 2 من ب 4 من أبواب ما يكتسب به.

(3) المصدر: ص 60 ح 6.

292
کتاب الخمس (للحائري)

في مصرف خمس الحلال المختلط بالحرام ص 293

[في مصرف خمس الحلال المختلط بالحرام]

و مصرف هذا الخمس مصرف سائر أقسام الخمس (1).

الذي أصابه إن كان خلط في يد من أصيب منه المال بالحرام فلا بأس، و إمّا أن يكون المقصود أنّه خلط من أوّل الأمر الحرام بالحلال فأكل بعض ذلك المال و تلف بعضه الآخر و عوّض عن الثالث بأموال اشتراها بالذمّة فلا يعلم بالاختلاط في المال الموجود، فعلى الفرضين يخرج من موضوع المسألة، و هو وجود الحرام في المال الموجود فعلا، و أمّا الخبر الثاني فالظاهر منه صورة الاختلاط في اليد الأولى- بأن كان المال المشترى من السارق يحتمل أن يكون حلالا جميعه- كما هو واضح.

و منه يظهر جواز أخذ المال الذي يحتمل أن يكون حلالا بالاشتراء و غيره من أسباب الانتقال، و ذلك إمّا لقاعدة اليد غير المعارضة باليد بالنسبة إلى سائر الأموال، لخروجها عن محلّ الابتلاء، و إمّا لتعارض اليدين و الرجوع إلى أصالة الصحّة في البيع، و قد أوضحنا ذلك في كتاب ابتغاء الفضيلة.

و الجواب عن مثل خبر سماعة و غيره بتقيّد الحلّيّة بدليل الخمس ممّا يأباه الذوق السليم، فإنّ إخراج أوّل زمان الحكم من المطلق بعيد جدّا، مع أنّ معنى الحلّيّة: عدم الاحتياج إلى الإفراز و الصلح مع صاحب المال، و مفاد الخمس: لزوم الإفراز، فهما متعارضان، كما أنّ القول بأنّ مال الكافر الحربيّ حلال و القول باحتياج التصرّف فيه إلى إذن صاحبه متنافيان و لا يمكن أن يقال بالتقييد كذلك في الخمس الذي هو بمنزلة الإفراز من قبل صاحب المال، فافهم و تأمّل.

فظهر بحمد اللّه تعالى وفاء الدليل بثبوت الخمس في المال المختلط و عدم المعارض لذلك، و هو العالم.

قال قدس سرّه في الجواهر:

إنّ لفظ الخمس في النصوص و الفتاوى ظاهر في‌

293
کتاب الخمس (للحائري)

في مصرف خمس الحلال المختلط بالحرام ص 293

..........

ذلك، بل لعلّه حقيقة شرعيّة فيه، بل ينبغي القطع بالمتشرّعيّة الّتي تحمل عليها الفتاوى و بعض النصوص، و اعترف في البيان أنّ ظاهر الأصحاب ذلك «1». انتهى.

و في المستمسك عن رسالة الشيخ الأنصاريّ قدس سرّه نسبته إلى المشهور «2».

و في الحدائق: نسبته إلى جمهور الأصحاب، و عن جمع من متأخّري المتأخّرين أنّ مصرفه الفقراء، و نقل عن البيان التردّد في ذلك «3».

و في مصباح الفقيه نفى البعد عن التخيير، لأنّه مقتضى الجمع بين ما ظاهره الخمس بالمعنى المعروف و ما ظاهره الأمر بالتصدّق لو لا الإجماع على خلافه «4».

أقول: ففي المسألة وجوه، الأوّل: أنّ مصرفه مصرف سائر أقسام الخمس.

الثاني: أنّ مصرفه الفقراء. الثالث: التخيير.

و مقتضى الدليل هو الأوّل- الذي هو ظاهر كلمات الأصحاب- و ذلك لأنّه مقتضى مصحّح ابن مروان المتقدّم «5»، من جهة ذكر الخمس و عدم بيان المصرف- الذي لا شبهة في الانصراف إلى الخمس المعهود، كما في الزكاة- و لكونه بالنسبة إلى غيره من المعدن و الغوص و الكنز دالّا على ثبوت الخمس بلفظ واحد، و التفكيك في المعنى مشكل عرفا. و هو الظاهر أيضا من قوله: «إنّ اللّه قد رضي من الأشياء بالخمس» فإنّه ليس بالنسبة إلى خصوص المختلط كما لا يخفى، فوجود الدليل الحجّة على ذلك واضح.

و لا ينافيه إلّا توهّم أمور مدفوعة:

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 72.

(2) المستمسك: ج 9 ص 490.

(3) الحدائق: ج 12 ص 366- 367.

(4) مصباح الفقيه: ج 3 ص 136.

(5) في ص 284.

294
کتاب الخمس (للحائري)

في مصرف خمس الحلال المختلط بالحرام ص 293

..........

منها: قوله عليه السّلام في معتبر السكونيّ «تصدّق بخمس مالك» «1»، فإنّ الظاهر من التصدّق في مصطلح الشارع و المتشرّعة هو الإعطاء للفقير، خصوصا مع ما ورد من حرمة الصدقة على بني هاشم «2». و من هنا قد يقال بتقديم ظهور ذلك على مثل مصحّح ابن مروان الساكت عن المصرف، فإنّ ظهور الخمس في كون المصرف ذوي القربى من جهة السكوت عن ذكر المتعلّق، فهو من هذه الجهة بمنزلة الظهور الإطلاقيّ و خبر السكونيّ بمنزلة التقييد، أو يقال بحفظ الظهورين من جهة المادّة و التصرّف في الهيأة بالحمل على كفاية كلّ من المصرفين.

و دفع ذلك من وجوه:

منها: إطلاق الصدقة على الخمس أيضا، كما يستفاد من ذكر أبي جعفر عليه السّلام آية الصدقات «3» مقدّمة لأخذ الخمس من الضيعات «4».

و منها: أنّه على فرض ظهور التصدّق في ما يقابل الخمس فالظاهر عدم انعقاد الظهور المذكور في الرواية، لتعارضه بظهور قوله: «فإنّ اللّه قد رضي من الأشياء بالخمس» الظاهر في مطلق أقسام الخمس، فلا ينعقد الظهور المذكور.

و منها: أنّ الظاهر كون ما في خبر السكونيّ متّحدا- من حيث الواقع- لما في خبر ابن زياد و خبر الفقيه، و كلاهما خاليان عن عنوان التصدّق، فلعلّ الصادر من أمير المؤمنين عليه السّلام كان «ايتني بخمس مالك» أو «أخرج الخمس» و وقع عنوان التصدّق في خبر السكونيّ نقلا بالمعنى في عبارة الراوي أو في عبارة الصادق عليه السّلام من دون العناية بكون المقصود بيان المصرف.

______________________________
(1) تقدّم في ص 288.

(2) الوسائل: ج 6 ص 355 الباب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(3) سورة التوبة: 103- 105.

(4) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

295
کتاب الخمس (للحائري)

في مصرف خمس الحلال المختلط بالحرام ص 293

..........

و منها: أنّ ظهور التصدّق في ما كان مصرفه الفقراء هو في ما إذا لم يكن المصرف معلوما، و المستفاد من الروايات الحاكية للقصّة أنّ المصرف كان الإيصال إلى الإمام.

و منها: أنّه على فرض الظهور فيه مطلقا فظهور الخمس من دون ذكر المتعلّق أقوى من ظهور التصدّق من دون ذكر المتعلّق، لتكرّر ذكر الخمس من دون ذكر المتعلّق في الروايات، الدالّ على كونه معلوما عند المتشرّعة.

و منها: أنّه على فرض تكافؤ الظهورين ذاتا فظهور قوله في الذيل «فإنّ اللّه قد رضي من الأشياء بالخمس» مقدّم على ظهور الصدر، لما اشتهر من حكومة ظهور ما وقع في حيّز التعليل على ظهور ما يكون بصدد بيان أصل الحكم.

و منها: أنّ الظهور الثانويّ الذي يفرض للتصدّق ليس إلّا بمعنى ما جعل لكسب المثوبة، لا ما جعل إكراما. و بهذا المعنى منطبق على الخمس الذي يعطى لذوي القربى، إذ ليس المحرّم عليهم مطلق ما جعل للمثوبة، كما صرّح بذلك في غير واحد من الروايات «1»، و يشهده الضرورة القائمة بحلّيّة الأوقاف لهم مع أنّها من الصدقات الجارية الباقية، كما أشير إلى ذلك فيها أيضا «2». و المقصود حسم مادّة الإشكال و قد اتّضح بحمده تعالى ذلك.

و من الأمور الموجبة للتوهّم المذكور- كما قيل-: حكمه عليه السّلام بحمل الخمس إليه كما في خبر الصدوق «3» قدس سرّه.

و هو واضح الدفع، إذ الخمس بالمعنى المعروف يعطى إليه حتّى يأخذ سهمه‌

______________________________
(1) راجع الوسائل: ج 6 ص 188 و 189 الباب 31 و 32 من أبواب المستحقّين للزكاة، و ج 13 ص 311 الباب 10 و ص 322 الباب 16 من أبواب الوقوف و الصدقات.

(2) راجع الوسائل: ج 13 ص 311 و 322 الباب 10 و 16 من أبواب الوقوف و الصدقات.

(3) المتقدّم في ص 287.

296
کتاب الخمس (للحائري)

و المال المختلط على أقسام ص 297

 

و المال المختلط على أقسام:

الأوّل: أن يعلم مقدار المال المختلط و يعلم صاحبه بالخصوص،

و لا إشكال في عدم كونه متعلّقا للخمس (1).

و يعطي سهم السادات من الفقراء بمقدار حاجتهم.

و منها: أنّ الظاهر بمناسبة الحكم و الموضوع أنّ الخمس إفراز لمال المالك المجهول، فمصرفه مصرف مجهول المالك لا بدّ من الإيصال إليه، و حيث لا يمكن الإيصال يعطى إلى الفقراء، فإنّه نوع من الإيصال.

و الجواب أنّ ذلك أيضا نوع من الإيصال إلى صاحبه، فإنّ الإعطاء للفقير غير الهاشميّ و الإعطاء للإمام عليه السّلام و للهاشميّ مشتركان في عدم وصول المال حقيقة إلى صاحبه و مشتركان أيضا في وصول ثوابه إليه. نعم، الأحوط أن لا يقصد كون ذلك من جانبه بل يقصد كما يقصد في التصدّق على الفقراء من الإعطاء بقصد حصول ما هو المحبوب عند الشارع. و الظاهر عدم وجه معتدّ به للاحتياط في مقام الإعطاء من حيث قصد الخمس أو الصدقة، لأنّ الصدقة ليست في مقام عمل المكلّف إلّا إعطاء المال بقصد التقرّب، و الاختلاف بينهما من حيث الجعل الإلهيّ- من جهة كون الخمس إكراما، و الصدقة لأجل المثوبة- غير ما وقع حيّز الأمر، فافهم و تأمّل.

و ذلك لقيام الضرورة على ذلك، و لعدم العموم لروايات الباب:

أمّا خبر عمّار المتقدّم «1» فلما فيه من التقييد صريحا بعدم معلوميّة صاحبه، و ظاهره بيان الحكم الوضعيّ و تقييد الوضع أي يكون الخمس في المال بالقيد المذكور، كما أنّ ظاهر باقي الأخبار أيضا بيان الحكم الوضعيّ، فالجمع العرفيّ ينحصر في أن يكون مقيّدا لغيره من أخبار الباب و لا يمكن الحمل على التخيير.

______________________________
(1) في ص 284.

 

297
کتاب الخمس (للحائري)

الأول أن يعلم مقدار المال المختلط و يعلم صاحبه بالخصوص ص 297

..........

و بذلك يظهر عدم عموم جميع الأخبار، لوجود القيد الصريح في معتبر عمّار، مضافا إلى عدم العموم في الباقي في نفسه بوجهين، الأوّل: الانصراف عمّا علم المقدار. و وجه الانصراف أمران، أحدهما: ظهور الجملة المكرّرة في الروايات الواردة «فإنّ اللّه قد رضي من الأشياء بالخمس»- بحسب الجري على ما هو المتعارف في أمثال المقام- في وقوع المصالحة، و المصالحة بحسب الارتكاز العرفيّ تقع عند الجهل بالمقدار، و أمّا مع العلم بالمقدار فلا داعي على المصالحة في نظر العرف، و الكلام محمول على ما هو المرتكز عند العرف في مقام المصالحة. ثانيهما: أنّ الحكم بالخمس في ما كان أقلّ من الخمس غير مراد قطعا، إذ لا معنى لقوله «إنّ اللّه قد رضي من الأشياء بالخمس» الوارد في مقام الامتنان في المورد المذكور، و هذا يصلح لأن يكون قرينة على صورة عدم العلم بالمقدار.

الثاني: الانصراف عمّا علم صاحبه. و الوجه فيه: ظهور السؤال في أنّه لا يدري طريق التخلّص و التوبة، و لو كان صاحبه معلوما فطريق التخلّص معلوم أيضا بحسب ارتكاز العرف و المتشرّعة، مضافا إلى ما عرفت: من تصريح خبر عمّار بالقيد، و وجود القيد في خبر حسن بن زياد «1» الناقل لقصّة أمير المؤمنين، المظنون أو المعلوم كونها و المنقول عن الفقيه «2»- مرسلا و مسندا- قصّة واحدة، فالأخبار الثلاثة بمنزلة خبر واحد مشتمل على القيد المذكور في خبر حسن بن زياد و هو قوله عليه السّلام: «و اجتنب ما كان صاحبه يعلم»، و هذا مضرّ بالإطلاق و لو على فرض الدوران بين كون الصادر منه عليه السّلام ما ذكر أو ما تقدّم من كون الصادر «يعمل»، لاكتناف الكلام بما يصلح للقرينيّة، فتأمّل.

هذا. مضافا إلى أنّه على فرض الشمول فلا ريب أنّه يعارض لما دلّ على‌

______________________________
(1) المتقدّم في ص 285.

(2) المتقدّم في ص 287.

298
کتاب الخمس (للحائري)

الأول أن يعلم مقدار المال المختلط و يعلم صاحبه بالخصوص ص 297

و حينئذ فهل يحكم بحصول الشركة قهرا (1) وجوب ردّ مال الناس إلى صاحبه من حديث اليد «1» و ما هو المعروف من أنّ المغصوب مردود و غير ذلك ممّا هو معلوم، فلا إشكال في عدم شمول أخبار الخمس لذلك.

فقد قال الشيخ الأنصاريّ قدس سرّه:

و حكمه الشركة في العين بنسبة المالين، إلّا أن يكون الخليط ممّا يستهلك بالاختلاط بحيث لا يعدّ في حال الاختلاط ما لا فيجب القيمة على من اختلط، سواء كانا متجانسين أو متغايرين، و سواء كان الاختلاط بالامتزاج أو بالاشتباه، و سواء كان الامتزاج بالاختيار أو بدونه «2». انتهى.

قوله «سواء كانا» متعلّق بالمستثنى منه لا المستثنى، و مفاده أنّ حكمه الشركة في العين مطلقا.

و في الجواهر- بعد أن قال قدس سرّه في الشرائع: «و كلّ مالين مزج أحدهما بالآخر بحيث لا يتميّزان تحقّقت فيهما الشركة، اختيارا كان المزج أو اتّفاقا»- «3» قال:

مقصودا به الشركة أولا، بلا خلاف أجده فيه، بل لعلّ الإجماع بقسميه عليه، لكن فرق بين الاختياريّ المقصود به الشركة و غيره في أنّ الأوّل شركة واقعيّة و الثاني ظاهريّة، فلو اتّفق العلم بنقصه لأحدهما لم‌

______________________________
(1) المستدرك: ج 14 ص 7 ح 12 من ب 1 من أبواب الوديعة.

(2) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ قدس سرّه: ص 241.

(3) الشرائع: ج 2 ص 374.

299
کتاب الخمس (للحائري)

الأول أن يعلم مقدار المال المختلط و يعلم صاحبه بالخصوص ص 297

..........

يكن للآخر شركة فيه. إلى أن قال الماتن قدس سرّه: «يثبت ذلك في المالين المتماثلين في الجنس و الصفة، سواء كانا أثمانا أو عروضا. أمّا ما لا مثل له كالثوب و الخشب و العبد فلا تتحقّق فيه بالمزج «1»» «2». انتهى مع تلخيص ما.

و قال السيّد الطباطبائيّ قدس سرّه في تعليقه على المكاسب عند قول المصنّف قدس سرّه:

«فالقدر و المالك إمّا معلومان أو مجهولان أو مختلفان، و على الأوّل فلا إشكال» «3»: ما ملخّصه أنّ:

حكمه الشركة الظاهريّة، إلّا إذا كان الامتزاج بالاستهلاك الموجب لانعدام الماليّة فلا شركة في العين، بل تستقرّ القيمة على من استهلكه، لأنّه أتلفه، و أمّا في غيره (بأن لم يكن الامتزاج موجبا لذلك أو كان موجبا له لكن يتحقّق بذلك وصف في المستهلك فيه يوجب حصول الماليّة فيه، ككفّ من السكّر في كأس من الماء) فالظاهر ثبوت الشركة في العين بنسبة الماليّة، و يحتمل الرجوع إلى القيمة و لو لم يكن من بيده متلفا له. انتهى ملخّصا.

أقول: يمكن أن يستدلّ على الشركة بأمور، منها: الإجماع المشار إليه في الجواهر «4». و منها: بناء العقلاء على ذلك. و منها: أنّها أقرب من حيث وصول‌

______________________________
(1) الشرائع: ج 2 ص 374- 375.

(2) الجواهر: ج 26 ص 291.

(3) المكاسب: ص 71.

(4) الجواهر: ج 26 ص 291.

300
کتاب الخمس (للحائري)

الأول أن يعلم مقدار المال المختلط و يعلم صاحبه بالخصوص ص 297

أم لا؟ فيه وجهان (1). و الظاهر عدم حصول الشركة، و الأحوط المصالحة على ما هو حقّه بما يأخذه إن رضي بذلك، و إن امتنع و رجع الأمر إلى الحاكم فالأحوط له أن يستقرع فيختار إذا لم يكن ظنّ، و إلّا نصف ماله الواقعيّ إليه، فيقع في يده في ضمن جميع المال أو يصالح بشي‌ء آخر في مقام القسمة برضاه أو رضا وليّه الحاكم الشرعيّ، لكن ذلك صحيح في قبال استقلال ذي اليد و كون الاختيار بيده، و أمّا في قبال جعل الاختيار بيد ذي اليد في انطباق حقّ المستحقّ على المال من دون لزوم ضرر فلا ملزم للشركة، لأنّ المال الذي يصل إليه إمّا ماله الأصليّ و إمّا يكون عوضا عن ماله الأصليّ برضاه أو برضا الحاكم على فرض الامتناع، و الاحتياج إلى ذلك المقدار ضروريّ على الفرضين فلا ملزم للشركة الموجبة للتصرّف في مال الطرفين و نفسهما بإخراج نصف ماله عن ملكه و إدخال نصف مال الغير في ملكه من دون قبوله، و من هنا يشكل الجزم بوجود الإجماع و بناء العقلاء في مطلق الاختلاط و لو كان بالاشتباه، و القدر المتيقّن صورة الامتزاج الخارجيّ في المتماثلين- كامتزاج حنطة بحنطة مثلها- و لا يبعد وجود بناء العقلاء على الشركة فيه، بل لا يبعد أن يكون المقصود من الشركة الظاهريّة المصرّحة بها في الجواهر «1» هو معاملة الشركة مع المالين: من الاحتياج إلى الإفراز و إجبار الحاكم و تقسيم الثمن على حسب المقدار و تقسيم المنافع كذلك، و لذا خصّه المحقّق في الشرائع بالمتماثلين «2»، و لعلّ الظاهر صورة الامتزاج الخارجيّ لا الاشتباه حتّى يشمل صورة بيع نصف من البعض الموجود قبل القسمة فيرتّب عليه جميع أحكام الشركة.

قد مرّ وجه الشركة. و ملخّصه نقل الإجماع، لكنّ القدر المتيقّن منه هو الظاهريّة منها في خصوص مزج المتماثلين الذي مرجعه إلى عدم الشركة، و كذا بناء العقلاء.

______________________________
(1) الجواهر: ج 26 ص 291.

(2) الشرائع: ج 2 ص 374.

301
کتاب الخمس (للحائري)

الأول أن يعلم مقدار المال المختلط و يعلم صاحبه بالخصوص ص 297

ففيه وجهان و إن كان الأرجح تقدّم القرعة (1).

و الظاهر لزوم إيكال الأمر إليه أو إلى وليّه إذا لم يستلزم الضرر (2).

و ذلك لأنّ حجّيّة الظنّ كشفا أو حكومة في فرض عدم وجود طريق شرعيّ أو أصل كذلك من باب التبعيض في الاحتياط، و القرعة أصل شرعيّ فهي متقدّمة عليها.

و بتقريب آخر: احتمال عدم الحجّيّة في الظنّ من باب تعارضه للقرعة مساوق لعدم حجّيّته، بخلاف احتمال عدم الحجّيّة في القرعة فإنّ الظهور ينفيه.

و ذلك لمراعاة العلم الإجماليّ بقدر الإمكان، هذا على طبق الاحتياط.

و قد يحتمل أن يكون الاختيار بيد ذي اليد- كما هو الظاهر من العروة- لدلالة بعض الروايات على ذلك الّتي منها ما يأتي «1» إن شاء اللّه تعالى من خبر عليّ بن أبي حمزة و قد حكم فيه عليه السّلام بردّ ما يعلم صاحبه إليه مع أنّه من البعيد كون المال موجودا في الخارج متميّزا عمّا عداه، لكنّ الظاهر حمله على الغالب من الرضا بالمقدار، فتأمّل.

ثمّ لا يخفى أنّه لا إشكال في أنّ الظاهر هو القيمة في صورة الاستهلاك غير الموجب لزيادة الماليّة، و أمّا الموجب لها ففيه وجوه، الأوّل: هو الرجوع إلى القيمة و أخذها من المتلف بالاستهلاك لحصول التلف. الثاني: حصول الشركة- بنسبة ما للوصف الحاصل- من القيمة. الثالث: أخذ قيمة الماليّة الموجودة مخيّرا بين أن يأخذه من المستهلك أو ممّن بيده المال. الرابع: مالكيّة نفس الوصف، و لعلّ الأخير هو الأقرب في صورة استهلاك أحد الممتزجين دون الآخر، كما في الدبس في الدهن أو السكّر في الخبز، و أمّا في مثل السكنجبين فلعلّ الأظهر هو الشركة بنسبة الماليّة، و هو العالم.

______________________________
(1) في ص 305.

302
کتاب الخمس (للحائري)

الثاني أن يعلم مقدار الحرام مع فرض الاختلاط و كان مالكه مجهولا مرددا بين المحصور ص 303

الثاني: أن يعلم مقدار الحرام مع فرض الاختلاط و كان مالكه مجهولا مردّدا بين المحصور،

و فيه وجوه (1).

الأوّل: أن يقال بكونه متعلّقا للخمس، لشمول مثل معتبر عمّار بن مروان المتقدّم «1» بل و الأخبار الأخر، من جهة صدق قوله: «و لا أدري الحلال منه و الحرام» «2».

لكنّه مردود بعدم الشمول، لوجوه:

الأوّل: كون رواية عمّار في مقام الإهمال و الإجمال، و ذلك بقرينة ذكر المعادن و البحر و الغنيمة و الكنوز، فإنّ لكلّ من ذلك شرائط، فكونه في مقام بيان عدم اشتراط شي‌ء إلّا صدق العناوين المذكورة موجب لتقييد الإطلاق من جهات كثيرة، فلا بدّ أن يحمل على الإهمال و الإجمال. و اشتراط المختلط بعدم معرفة صاحبه ليس إلّا توضيحا لما ينصرف إليه اللفظ، لا تقييدا للإطلاق الظاهر في الشمول لولاه، كما لا يخفى، و أمّا الحاكي لقصّة أمير المؤمنين عليه السّلام فهو يشتمل على ما يكون بمنزلة بيان الملاك، و هو قوله «فإنّ اللّه قد رضي من الأشياء بالخمس» أو ما يقرب من ذلك، و هو لا يشمل صورة كون المقدار أقلّ من الخمس قطعا، لأنّه في مقام الامتنان، و ليس الرضا بالخمس بالنسبة إلى الأقلّ منه امتنانا كما لا يخفى، فهو أيضا قرينة على أنّ موضوعه ليس مطلق المختلط حتّى مع العلم بالمقدار.

الثاني: أنّ الاختلاط مع العلم بالمقدار لا يكون معضلة غالبا بنظر العرف حتّى يحتاج إلى الحلّ بالخمس. و الإعضال في مورد البحث من جهة الجهل بالصاحب، و لا دخالة للاختلاط في الإعضال، فإنّ الأغراض متعلّقة غالبا بأصل‌

______________________________
(1) في ص 284.

(2) تقدّم في ص 288.

303
کتاب الخمس (للحائري)

الثاني أن يعلم مقدار الحرام مع فرض الاختلاط و كان مالكه مجهولا مرددا بين المحصور ص 303

..........

الماليّة، و به يمكن تحصيل ما تعلّق به الغرض من الأعيان الخاصّة لا سيّما مع التماثل، كما لا يخفى.

و يؤكّد ذلك غير خبر عمّار من جهة وقوعه في حيّز السؤال و إرادة التوبة «1» الظاهر في الإعضال الذي لا يجد لحلّه سبيلا. و يؤكّده أيضا- مضافا إلى ذلك- ما يكون مشتملا على الإقرار بالإغماض «2»، فإنّ من يغمض في مقام جمع المال و لا يبالي بالحرام و الحلال لا يثبت المقدار قهرا، كلّ ذلك ملاك للانصراف عن صورة العلم بالمقدار.

الثالث: أنّ حلّ الإعضال المذكور- على فرض كونه إعضالا بنظر العرف- ليس في نظره بإعطاء الخمس في الأقلّ من الخمس قطعا أو الأكثر منه كذلك، كما لا يخفى.

الرابع: أنّ الخمس- الذي هو الكسر المشاع الذي هو أيضا مختلط- لا يصلح أن يكون حلًّا للاختلاط مع العلم بالمقدار، لبقاء الاختلاط بعد ذلك أيضا، فلا بدّ لحلّه من التمسّك بجهات أخر و أدلّة غير نفس روايات الباب، كما لا يخفى.

الخامس: أنّه يبعد جدّا مع حصر صاحبه بين اثنين أو ثلاثة- مثلا- أن يعطى الخمس إلى غيرهم، كما لا يخفى.

السادس: تقيّد خبر عمّار يمكن أن يكون مخرجا لذلك، لأنّه يعرف صاحبه و لو بالإجمال بناء على التقيّد، كما مرّ أنّه الظاهر في الوضعيّات.

الثاني: أن يكون من أفراد المجهول مالكه فيتصدّق عن صاحبه الواقعيّ، و نسب ذلك إلى صاحب المستند قدس سرّه.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 352 الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 353 ح 3 و 4 من ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

304
کتاب الخمس (للحائري)

الثاني أن يعلم مقدار الحرام مع فرض الاختلاط و كان مالكه مجهولا مرددا بين المحصور ص 303

..........

و الوجه في ذلك عموم بعض أخبارها بعد ما تقدّم من عدم شمول أخبار الخمس، كخبر عليّ بن أبي حمزة، و فيه: «فمن عرفت منهم رددت عليه ماله، و من لم تعرف تصدّقت به» «1» المؤيّد إطلاق الجملة الثانية بظهور الجملة الاولى في من يعرفه بشخصه، لأنّ الردّ إليه مستلزم للتشخّص.

لكنّ الإنصاف أنّه محمول على ما هو المرتكز من أداء الحقوق إلى صاحبه بحدّ الإمكان، و أنّ التصدّق في صورة الجهل بالمالك من جهة عدم إمكان الإيصال إلى صاحبه، و لا يدلّ قطعا على وجوب التصدّق في ما يرضى كلاهما مثلا بالتنصيف، كما لا يدلّ أيضا بلا إشكال على وجوب التصدّق بصرف عدم معرفة صاحبه فعلا، المحتاج إلى فحص قليل مثلا.

و على فرض الإطلاق في مثله فالظاهر هو الحمل على صورة عدم التمكّن من الإيصال إلى صاحبه، بقرينة خبر حفص بن غياث (الثابت اعتباره لمجموع وجوه، منها: نقل المشايخ الثلاثة قدس سرّه له في كتبهم المعروفة. و منها: كون سليمان بن داود من مشيخة الفقيه. و منها: أنّ الصدوق قدس سرّه نقله في المقنع في مقام الإفتاء.

و منها: شهادتهم بأنّ كتاب حفص معروف معتمد عليه، فراجع خاتمة المستدرك في شرح مشيخة الفقيه) قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا و اللصّ مسلم هل يردّ عليه؟

فقال: «لا يردّه، فإن أمكنه أن يردّه على أصحابه فعل، و إلّا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرّفها‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 12 ص 144 الباب 47 من أبواب ما يكتسب به.

305
کتاب الخمس (للحائري)

الثاني أن يعلم مقدار الحرام مع فرض الاختلاط و كان مالكه مجهولا مرددا بين المحصور ص 303

..........

حولا، فإن أصاب صاحبها ردّها عليه، و إلّا تصدّق بها.» «1».

فإنّ المفروض هو الجهل بصاحبه في جملة «و إلّا كان إلخ» بقرينة «فيعرّفها حولا» و مع الفرض المفروض أخذ عدم التمكّن ملاكا للحكم و دخيلا في الموضوع، فهو إمّا مستقلّ في كون الحكم هو التصدّق- كما عن بعض الأصحاب- و إمّا دخيل في ذلك، و كيف كان، فيدلّ على أنّ صرف الجهل و لو مع التمكّن من الإيصال إلى صاحبه ليس موجبا لوجوب التصدّق.

و يمكن أن يقال: إنّ ما يجي‌ء بعد ذلك إن شاء اللّه تعالى «2» من أخبار التوزيع و القرعة واردة في المجهول مالكه فيرفع اليد عن إطلاقه إن كان، فتأمّل. كما يمكن أن يقال: إنّ ما يدلّ على التوزيع أو القرعة يخرج الموضوع عن المجهول مالكه و لو في الظاهر، فتأمّل.

و يمكن أن يقال أيضا: إنّ في المحصور لا يصدق عدم معرفة المالك، لأنّ المالك معلوم و لو بالإجمال، كما تقدّم في ردّ الوجه الأوّل.

الثالث: أن يوزّع عليهم بالسويّة كما أفتى به في العروة «3»، و نقل قدس سرّه في الجواهر عن المدارك و الروضة في الجملة «4».

و الوجه في ذلك إلقاء الخصوصيّة بالنسبة إلى بعض موارد الأخبار الواردة الّتي:

منها: مرسل عبد اللّه بن مغيرة (الذي هو أقوى من المسند الصحيح لوجوه، منها: كونه من أصحاب الإجماع. و منها: نقله عن غير واحد من أصحابنا. و منها:

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 368 الباب 18 من أبواب اللقطة.

(2) في ص 307 و ما بعدها.

(3) في المسألة 30 من الفصل الأوّل من كتاب الخمس.

(4) الجواهر: ج 16 ص 73.

306
کتاب الخمس (للحائري)

الثاني أن يعلم مقدار الحرام مع فرض الاختلاط و كان مالكه مجهولا مرددا بين المحصور ص 303

..........

نقل غيره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ذلك من دون زيادة و نقيصة. و منها: كون ناقل الثاني ابن أبي عمير عن محمّد بن أبي حمزة عمّن ذكره عنه عليه السّلام، فالخبر في غاية الاعتبار):

في رجلين كان معهما درهما، فقال أحدهما:

الدرهمان لي، و قال الآخر: هما بيني و بينك.

فقال: «أمّا الذي قال هما بيني و بينك، فقد أقرّ بأنّ أحد الدرهمين ليس له و أنّه لصاحبه، و يقسّم الآخر بينهما» «1».

لكنّ الإنصاف عدم دليل على إلقاء الخصوصيّة، فإنّه ليس في مورد الرواية فرض الاختلاط و كون أحدهما معترفا بأنّ المال إمّا لفلان أو لفلان، فإنّ كلّا منهما يدّعي كون الدرهم له، و ليس في البين من يعترف بالغصب و يريد الاستخلاص من محذور الحرام، بل مورد الرواية مورد الدعوى الّتي لا بدّ من القضاوة بينهما بما لا يتوجّه ظلم على أحد.

ثمّ إنّه يظهر من الرواية حكم آخر، و هو أنّه لو أقرّ أحد بأنّ المال بينهما يحمل على النصف. و حيث إنّه عليه السّلام في مقام الاستدلال فيستفاد من الرواية قاعدة كلّيّة، و هي أنّ الوصيّة و الوقف المضافين إلى فردين أو أفراد متعدّدة يحملان على التسوية بينهم، كما لا يخفى.

و منها: خبر تميم بن طرفة:

إنّ رجلين ادّعيا بعيرا فأقام كلّ منهما بيّنة فجعله عليّ عليه السّلام بينهما «2».

______________________________
(1) الوسائل: ج 13 ص 169 ح 1 من ب 9 من أبواب الصلح.

(2) الوسائل: ج 13 ص 170 الباب 10 من أبواب الصلح.

307
کتاب الخمس (للحائري)

الثاني أن يعلم مقدار الحرام مع فرض الاختلاط و كان مالكه مجهولا مرددا بين المحصور ص 303

..........

و قد مرّ الكلام في مثله استدلالا و جوابا، مضافا إلى أمرين آخرين: أحدهما ضعف السند، و الآخر احتمال أن يكون أمير المؤمنين أرضاهما بالصلح بينهما.

و منها: خبر السكونيّ عن الصادق عن أبيه عليهما السّلام:

في رجل استودع رجلا دينارين فاستودعه آخر دينارا، فضاع دينار منها، قال: «يعطى صاحب الدينارين دينارا، و يقسّم الآخر بينهما نصفين» «1».

و عن الشيخ قدس سرّه: و يقسّمان الدينار الباقي بينهما نصفين. و عنه بسند آخر عن السكونيّ عن جعفر عن أبيه عن عليّ عليهم السّلام: فقضى أنّ لصاحب الدينارين دينارا.

و الجواب عنه يظهر ممّا تقدّم، لأنّ المفروض أنّ اليد الواقعة على الدنانير ودعيّة، و المفروض في المبحوث عنه أنّ اليد غصبيّة، و ليس المفروض في مورد الرواية وجود إعضال لصاحب اليد، لأنّ النزاع إن كان فهو بين صاحبي المالين، لعدم توجّه تقصير إلى المستودع، فكيف يسري الحكم من مورد الخبر إلى مورد البحث؟

مضافا إلى احتمال أن يكون الصحيح ما نقل بالسند الأخير و كان المقصود أنّ أمير المؤمنين قضى بذلك الصلح و أرشدهم إلى الرضا بذلك، و إلّا لم يكن المال يصل إلى أحد منهما.

و مضافا إلى إمكان أن يكون الحكم المذكور من باب الولاية العامّة للإمام غير الثابتة للفقيه.

و مضافا إلى ما يرد على الكلّ: من أنّه لو كان الحكم هو التوزيع في كلّ مال مردّد بين الشخصين لم يكن وجه لما في خبر إسحاق بن عمّار، قال:

______________________________
(1) الوسائل: ج 13 ص 171 الباب 12 من أبواب الصلح.

308
کتاب الخمس (للحائري)

الثاني أن يعلم مقدار الحرام مع فرض الاختلاط و كان مالكه مجهولا مرددا بين المحصور ص 303

..........

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يبضعه الرجل ثلاثين درهما في ثوب و آخر عشرين درهما في ثوب، فبعث الثوبين و لم يعرف هذا ثوبه و لا هذا ثوبه، قال: «يباع الثوبان فيعطى صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن، و الآخر خمسي الثمن» «1» الحديث.

فإنّ اللازم على الأوّل توزيع كلّ من الثوبين، و هو مستلزم للضرر على صاحب الثلاثين، فتأمّل.

ثمّ لا يخفى أنّ المستفاد من خبر السكونيّ عدم حصول الشركة في المختلط و لو كان من جنس واحد، إذ الأغلب في الدنانير الثلاثة هو الاختلاط، و مقتضى ذلك حصول الشركة قبل الغصب أو الضياع، و مقتضى ورود الضياع على المشاع أن يكون الباقي أثلاثا بينهما، فيكون لصاحب الدينار الواحد ثلثا الدينار لا نصفه، فافهم و تأمّل.

الرابع: أن يحكم بوجوب الاحتياط و لو كان مستلزما للضرر على ذي اليد.

و يستدلّ على ذلك بأمرين:

أحدهما: العلم الإجماليّ الموجب للتنجّز بالنسبة إلى جميع الأفراد.

و لا مانع منه إلّا لزوم الضرر على ذي اليد بإعطاء كلّ من يحتمل أن يكون صاحب المال.

و الجواب عن الضرر بوجوه:

الأوّل: أنّه أقدم- بجمعه للمال الحرام- على الضرر.

و هو واضح الدفع، و ذلك لعدم الإقدام قطعا، فإنّ من يحرز مال الحرام لا يقدم‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 13 ص 170 الباب 11 من أبواب الصلح.

309
کتاب الخمس (للحائري)

الثاني أن يعلم مقدار الحرام مع فرض الاختلاط و كان مالكه مجهولا مرددا بين المحصور ص 303

..........

على الضرر، بل يكون مقصوده الإضرار على الغير بجمع المال لنفسه.

الثاني: أنّ الغاصب يؤخذ بأشدّ الأحوال- و لذا لو بنى بناء على الحجر الغصبيّ يجوز لصاحب الحجر أن يحكم بخرابه و أخذ الحجر- كما في الجواهر «1» بلا خلاف بين الأصحاب.

و فيه: أنّ القدر المتيقّن منه مورد عدم مالكيّة أن يكون بناؤه في المغصوب أو عليه، فلا ضرر عليه، لعدم مالكيّته ذلك، بل هو توهّم للمالكيّة.

و إن منع ذلك و قيل بأنّه يصدق الضرر في مورد الإجماع نقول بأنّ الحكم بخراب البناء في المورد المذكور و حقّ قلع الشجر مثلا عن الأرض المغصوبة- كما في بعض روايات باب الغصب «2»- إنّما هو في ما إذا كان منشأ حصول المالكيّة أمرا غير ملكه، و حينئذ فيمكن أن يكون لصاحب الملك إيراد الضرر عليه، بخلاف المقام الذي ليس مالكيّته لغيره من أمواله مستندا إلى ملك غيره و مبنيّا عليه. و الحاصل أنّه لا يكون صرف الغصب مخصّصا لكلّ ضرر يرد على الغاصب من ناحية الردّ إلى المالك و لو من باب الجهل بصاحبه.

الثالث: أنّ ضرر ذي اليد معارض بضرر صاحب المال، و مقتضى الاستصحاب بعد أداء المال إلى بعض الأطراف: عدم وصول المال إلى صاحبه الواقعيّ الذي هو عين توجّه الضرر إليه، فتحقّق التعارض.

و الجواب عن ذلك بوجوه:

الأوّل: ما في المستمسك من أنّه من قبيل استصحاب الفرد المردّد بين مقطوعي البقاء و الارتفاع «3».

______________________________
(1) الجواهر: ج 37 ص 78.

(2) الوسائل: ج 17 ص 310 ح 2 من ب 2 من أبواب الغصب.

(3) المستمسك: ج 9 ص 497.

310
کتاب الخمس (للحائري)

الثاني أن يعلم مقدار الحرام مع فرض الاختلاط و كان مالكه مجهولا مرددا بين المحصور ص 303

..........

و فيه: أنّه يستصحب الكلّيّ الذي هو من قبيل القسم الثاني.

الثاني: أنّه مثبت، من باب أنّ لزوم الضرر غير الاستناد إلى حكم الشارع الذي هو موضوع للرفع.

الثالث: أنّ التعارض لا يثبت في الأصل حكما شرعيّا إلّا سقوط نفسه و غيره عن الاعتبار، بخلاف جانب الأمارة، فإنّها لا تقتضي إلّا سقوط معارضه و ثبوت نفسه، فيؤخذ به، فتأمّل.

الرابع: أنّ الأصل المذكور معارض بأصل عدم كون كلّ من الأطراف صاحب المال واقعا، الحاكم بعدم الردّ إلى واحد منها.

الخامس: أنّ الحقّ هو أن يكون باب دوران الأمر بين الضررين من قبيل التزاحم لا التعارض، فيؤخذ بأقلّ الضررين.

فقد تحصّل أنّه لا رادّ لحديث الضرر بحسب الظاهر.

و يمكن رفع العلم الإجماليّ أيضا بدليل القرعة، لأنّ وزانها وزان الأصول العمليّة الموجبة لانحلال العلم الإجماليّ، فحينئذ إن كان موضوعها المجهول- كما في موضوع سائر الأصول- فينحلّ به العلم الإجماليّ، و إن كان موضوعها المجهول من جميع الجهات فكلّ من القرعة و العلم الإجماليّ صالحان للورود فلا يحكم العقل بالتنجّز أيضا، فتأمّل.

ثانيهما: هو استصحاب وجوب ردّ المال إلى صاحبه، و استصحاب عدم وصول المال إلى صاحبه إن سلم من التعارض المشار إليه.

و قد تقدّم أنّ «لا ضرر» بعد عدم التعارض كما يردّ العلم الإجماليّ يردّ الاستصحاب المذكور أيضا، فقد انقدح من ذلك عدم صحّة الوجوه الأربعة المتقدّمة.

و لعلّ الأصحّ أن يقال: إنّ مقتضى قاعدة العلم الإجماليّ و الاستصحاب‌

311
کتاب الخمس (للحائري)

الثاني أن يعلم مقدار الحرام مع فرض الاختلاط و كان مالكه مجهولا مرددا بين المحصور ص 303

مقتضى القاعدة: وجوب التخلّص عن الكلّ إن لم يكن مستلزما للضرر، و إلّا فيقرع بينهما. و الأحوط أن يكون القرعة موكولا إلى الحاكم الشرعيّ (1).

المذكور هو وجوب الاحتياط بالصلح و الإرضاء إن لم يكن مستلزما للضرر، و إن استلزم الضرر فالظاهر هو القرعة، لما ورد في المعتبر: «كلّ مجهول ففيه القرعة» «1» و في الصحيح:

«فأيّ قضيّة أعدل من القرعة إذا فوّضوا أمرهم إلى اللّه عزّ و جلّ، أ ليس اللّه يقول فَسٰاهَمَ فَكٰانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ» «2».

أمّا وجوب التخلّص إن لم يكن مستلزما للضرر فلما مرّ من العلم الإجماليّ و استصحاب عدم وصول المال إلى صاحبه، و مع فرض عدم جريانه للمعارضة فيرجع إلى استصحاب وجوب الردّ.

و أمّا القرعة إذا كان مستلزما للضرر فلأنّ الضرر يحكم بعدم وجوب الاحتياط و عدم العمل بالاستصحاب- على ما مرّ تفصيله- فموضوع القرعة الذي يكون المتيقّن منه المجهول من جميع الجهات متحقّق فيرجع إليها.

و أمّا كون الاحتياط أن يكون المتصدّي لها الحاكم الشرعيّ فلمرسل حمّاد المعتبر عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «القرعة لا تكون إلّا للإمام» «3».

و احتمال «الاختصاص بالمعصوم من جهة عدم الدليل على عموم النيابة للفقيه» مدفوع بأنّها من شئون القضاوة عرفا، و القضاوة موكول من جانبهم عليهم السّلام‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 18 ص 191 ح 18 من ب 13 من أبواب كيفيّة الحكم.

(2) المصدر: ح 17.

(3) الوسائل: ج 18 ص 189 ح 9 من ب 13 من أبواب كيفيّة الحكم.

312
کتاب الخمس (للحائري)

الثاني أن يعلم مقدار الحرام مع فرض الاختلاط و كان مالكه مجهولا مرددا بين المحصور ص 303

هذا إذا لم يكن بعض الأطراف مظنونا كونه صاحب المال، و إلّا فالأحوط الجمع بين القرعة و العمل بالظنّ (1).

و الأحوط هو التخلّص بإرضاء الكلّ أو الإعطاء- و إن كان مستلزما للضرر- و الرجوع إلى القرعة على النحو المتقدّم إذا كان ذلك حرجيّا (2).

إلى الفقيه، فلا إشكال من تلك الجهة.

بمعنى أنّه يستقرع، فإن وافق الظنّ فلا إشكال، و إن خالفه فيخلص عنهما.

و الوجه في ذلك احتمال أن يكون موضوع القرعة هو المجهول من جميع الجهات- أي من جهة الحكم الواقعيّ و الظاهريّ الشرعيّ و العقليّ- و حجّيّة الظنّ ليست إلّا من باب مقدّمات الانسداد الصغير في خصوص أطراف العلم الإجماليّ الخاصّ الذي موضوعها الانسداد من جميع الوجوه، فلا ترجيح لأحدهما على الآخر.

كما يمكن أن يقال بترجيح القرعة من باب أنّ صرف الاحتمال في ناحية حكم العقل بحجّيّة الظنّ كشفا أو حكومة كاف في عدم الحكم، فلا حجّة في البين قطعا من ناحية الظنّ، بخلاف القرعة، فإنّ احتمال عدم الحجّيّة مدفوع بحجّيّة ظهور اللفظ في قبال اللاحجّة.

و يمكن أن يقال بترجيح الظنّ من باب أنّ الكبرى الواقعة في الصحيح المتقدّم موقع العلّة غير صادقة في المقام، لأنّ ملاحظة المظنون أعدل، فإنّ المستفاد منه أنّ القرعة تكون في مورد لا يكون قضاء آخر أعدل منه، فلعلّ الأقرب ترجيح الظنّ، و إن كان الأحوط الذي لا يترك هو الجمع بين مقتضى الأمرين من الظنّ و القرعة.

و ذلك لاحتمال إلقاء حديث نفي الضرر في ما إذا كان المال بيد الغير من دون إذن و استيمان و إن لم يكن استقرار اليد عليه بالعدوان، لما مرّ من حقّ التخريب بالنسبة إلى البيت المبنيّ على الحجر المغصوب و لو لم يكن الغاصب‌

313
کتاب الخمس (للحائري)

الثاني أن يعلم مقدار الحرام مع فرض الاختلاط و كان مالكه مجهولا مرددا بين المحصور ص 303

و أحوط منه هو التخلّص مطلقا- و لو كان حرجيّا- إذا كان ذو اليد غاصبا (1)، و أمّا إذا لم يكن استقرار اليد على المال المردّد بنحو العدوان و كان الاحتياط حرجيّا فلا مناص (2) إلّا عن القرعة على النحو المتقدّم (3).

صاحب الدار، كأن اشتراه من دون العلم بذلك أو ورثه من مورّثه.

و أمّا الرجوع إلى القرعة في صورة الحرج فلأنّه لا مخصّص لدليل نفي الحرج، بل يمكن القول بذلك في البناء المبنيّ على المغصوب أيضا، بأن يقال: إنّه إذا أدّى خراب داره إلى الوقوع في الحرج الشديد فدليل نفي الحرج كما يكون حاكما على سائر الأحكام يكون حاكما أيضا على خصوص هذا الحكم الوارد في الشرع، و ليس الحكم مجعولا في مورد الحرج، إذ ليس تخريب البناء المبنيّ على الحجر المغصوب موجبا لتوجّه الحرج إلى صاحب البناء مطلقا.

لما تقدّم من احتمال إلقاء حكم الحرج كالضرر في حقّ الغاصب، لكن قد مرّ جوابه في التعليق السابق.

لأنّه إذا لم يكن ذو اليد مقصّرا في استقرار اليد على مال الغير بل هو بصدد التخلّص و الردّ من أوّل ما استقرّت يده عليه و كان التخلّص بالإعطاء حرجيّا فالحكم بذلك كاد أن يكون ظلما موضوعا لاستقلال العقل بعدم لزوم تحمّله.

أي ملاحظة الظنّ أيضا و الجمع بينهما و بين القرعة، إلّا إذا كان ذلك حرجيّا أيضا فالظاهر حينئذ تقديم الرجوع إلى الظنّ كما تقدّم وجهه في التعليق على قولنا «فالأحوط الجمع بين القرعة و الظنّ»، و اللّه المتعالي هو العالم بالحقائق و له الشكر المتواصل.

ثمّ إنّه في المسألة وجوه ظهر بعضها ممّا تقدّم، الأوّل: الخمس. الثاني: أن يجري عليه حكم مجهول المالك. الثالث: التوزيع. الرابع: الاحتياط مطلقا.

314
کتاب الخمس (للحائري)

الثالث أن يعلم المقدار و يجهل صاحبه و كان مرددا بين غير المحصور ص 315

الثالث: أن يعلم المقدار و يجهل صاحبه و كان مردّدا بين غير المحصور

ففيه وجوه (1).

الخامس: الاحتياط إلّا إذا كان مستلزما للضرر فالقرعة. السادس: الاحتياط إلّا إذا كان حرجيّا فالقرعة. السابع: التفصيل بين الغاصب و غيره، فيجب على الغاصب الاحتياط مطلقا دون غيره. الثامن: إعطاؤه للحاكم الشرعيّ، كما عن الشيخ الأنصاريّ قدس سرّه. التاسع: التخيير في الدفع. العاشر: الرجوع إلى الظنّ، و إلّا فالقرعة أو الاحتياط أو التوزيع. الحادي عشر: الرجوع إلى القرعة مطلقا.

ثمّ إنّه لا يخفى أنّ مركز تلك الوجوه هو ما إذا لم يتشخّص المالك بموازين الدعوى من البيّنة و الحلف و غيرهما، و إلّا فالأمر واضح، كما لا يخفى.

المستفاد من الجواهر وجوه أربعة:

الأوّل- و هو الذي نسب إلى المشهور كما في المستمسك «1»-: أن يتصدّق به، فيكون من أفراد المجهول مالكه.

الثاني: هو التخميس و إعطاء الخمس إلى مصرف سائر أقسام الخمس، كما عن الحدائق.

الثالث: هو التفصيل بين ما إذا كان بقدر الخمس أو أقلّ فيخمّس و يصرف في مصرف سائر أقسام الخمس، و أمّا إذا كان زائدا عنه فيعطى خمسه إليهم و الزائد يتصدّق به، فيكون مصرف الزائد مصرف سائر الصدقات، و هو الذي نقله في المدارك عن التذكرة و جماعة كما في الجواهر «2».

الرابع: إعطاء المقدار المعلوم كائنا ما كان إلى مورد الخمس من الإمام عليه السّلام و الهاشميّين، و هو الذي يحتمل إرادته في عبارة التذكرة و نقل في الجواهر عن الكفاية عن بعضهم احتماله، و إن كان لا دليل عليه حينئذ «3».

______________________________
(1) المستمسك: ج 9 ص 491.

(2) ج 16 ص 73.

(3) الجواهر: ج 16 ص 73- 74.

315
کتاب الخمس (للحائري)

الثالث أن يعلم المقدار و يجهل صاحبه و كان مرددا بين غير المحصور ص 315

و الأوفق بالدليل هو التصدّق (1).

و هنا وجه خامس- لعلّه أقرب من بعض الوجوه المتقدّمة- و هو التخيير بين الخمس و صرفه في مصرفه من الهاشميّين أو التصدّق به على الفقراء.

و الوجه في ذلك: الأخذ بالدليلين و إلقاء خصوصيّة التعيّن، المؤيّد ذلك بقوله عليه السّلام: «فإنّ اللّه قد رضي من الأشياء بالخمس» الظاهر في الترخيص و يكون حاكما على ما يدلّ على التصدّق بجميع المقدار من باب أنّ المفروض فيه أنّه لو لا رضا اللّه تعالى بذلك لكان الحكم أشقّ من ذلك من باب لزوم إعطاء جميع المال مثلا حتّى يستخلص لو لا الضرر، أو جميع المقدار في ما إذا كان زائدا على الخمس. هذا بيان الوجوه بنحو الإجمال.

كما نسب إلى المشهور. و وجهه مركّب من أمرين: أحدهما شمول أخبار التصدّق، و الثاني عدم شمول أخبار الخمس.

أمّا الأوّل فيدلّ عليه خبر عليّ بن أبي حمزة «1» الشامل لصورة عدم تميّز المال قطعا، إذ المفروض أنّه كان ممّن لا يبالي و كان ممّن يغمض في مطالبه، و حينئذ كيف يحمل على خصوص ما كان شخص مال الحرام معلوما عنده، إلّا أن يكون مثل بعض البيوت و الفروش و الأبسطة، لكن لا معنى لحمله على خصوص ذلك، بل لا بدّ من حمله على الأعمّ منه و من غير المتميّز و ممّا استقرّ في ذمّته من أموال الناس، و حكم عليه السّلام في الكلّ بالتصدّق إذا لم يعرف صاحبه بقوله المبارك:

«و منهم لم تعرف تصدّقت به، و أنا أضمن لك على اللّه عزّ و جلّ الجنّة» «2».

و احتمال الإذن مدفوع بإطلاق كلامه عليه السّلام بالنسبة إلى عصره و عصر الخليفة بعده.

______________________________
(1) الوسائل: ج 12 ص 144 الباب 47 من أبواب ما يكتسب به.

(2) الوسائل: ج 12 ص 144 الباب 47 من أبواب ما يكتسب به.

316
کتاب الخمس (للحائري)

الثالث أن يعلم المقدار و يجهل صاحبه و كان مرددا بين غير المحصور ص 315

..........

و تضعيف سنده بإبراهيم بن إسحاق مدفوع بأمور، منها: أنّ الظاهر وثوقه أو حسن حاله، لنقل عدّة من المشايخ عنه، منهم أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعريّ و منهم سعد بن عبد اللّه الأشعريّ و غيرهم، فراجع خاتمة المستدرك «1». و منها: أنّه ممّن نقل عنه هو محمّد بن أحمد بن يحيى و لم يقع موردا لاستثناء محمّد بن الحسن بن الوليد. و منها: أنّ عبد اللّه بن حمّاد صاحب كتاب ينقل عنه، و كذا البطائنيّ، و الغالب هو النقل عن الكتاب المعتبر، و الطريق نوع تبرّك أو دقّة في التصحيح.

و أمّا البطائنيّ فهو غير متّهم بالجعل و إن انحرف عن الحقّ في آخر عمره حرصا على الدنيا. و القول بأنّه لا يطمئنّ حينئذ بشخص منحرف عن الحقّ في آخر عمره، للاستبداد بمال موسى بن جعفر عليهما السّلام، مدفوع بأنّه غير مضرّ بعدالته و حسن ظاهره قبل ذلك، و لذا كان مرجعا للوجوه و وكيلا على الظاهر من جانب الناحية المقدّسة، فالظاهر اعتبار الخبر و قوّة الدلالة على المطلوب.

و كذا يدلّ على عدم اشتراط التميّز خبر يونس المحكوم بصحّته عند الأكثر، قال:

سئل أبو الحسن الرضا عليه السّلام و أنا حاضر- إلى أن قال:- فقال: رفيق كان لنا بمكّة فرحل منها إلى منزله و رحلنا إلى منازلنا، فلمّا أن صرنا في الطريق أصبنا بعض متاعه معنا فأيّ شي‌ء نصنع به؟

قال: «تحملونه حتّى تحملوه إلى الكوفة».

قال: لسنا نعرفه و لا نعرف بلده و لا نعرف كيف نصنع؟

______________________________
(1) المستدرك: ج 3 من الطبعة الحجريّة ص 778.

317
کتاب الخمس (للحائري)

الثالث أن يعلم المقدار و يجهل صاحبه و كان مرددا بين غير المحصور ص 315

..........

قال: «إذا كان كذا فبعه و تصدّق بثمنه.» «1».

و دلالته على عدم اشتراط التميّز لوجهين، أحدهما: ترك الاستفصال- بعد السؤال عن كون بعض متاعه معهم- عن التميّز و عدمه، مع إمكان الثاني كالأواني و الأبسطة المتّحدة في الشكل. ثانيهما: حكمه عليه السّلام بالبيع و التصدّق بالثمن الدالّ على جواز التبديل بإعطاء المقدار من باب أنّه ماله أو بدل ماله، إذ لا فرق بين ذلك و بين البيع.

و من ذلك يظهر جواز الاستدلال للمطلوب- مع الغضّ عن ضعف السند- بخبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:

«جاء رجل من المدينة فسألني عن رجل أصاب شاة، فأمرته أن يحبسها عنده ثلاثة أيّام و يسأل عن صاحبها، فإن جاء صاحبها، و إلّا باعها و تصدّق بثمنها» «2».

الدالّ على ولاية من بيده المال على التبديل، و الإفراز نوع من التبديل.

و يمكن الاستدلال أيضا على عدم اشتراط التميّز بمعتبر الصائغ، قال:

سألته عن تراب الصوّاغين و إنّا نبيعه. قال: «أما تستطيع أن تستحلّه من صاحبه؟» قال، قلت: لا إذا أخبرته اتّهمني. قال: «بعه». قلت: بأيّ شي‌ء نبيعه؟

قال: «بطعام» قلت: فأيّ شي‌ء أصنع به؟ قال: «تصدّق به، إمّا لك و إمّا لأهله» «3».

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 357 ح 2 من ب 7 من أبواب اللقطة.

(2) الوسائل: ج 17 ص 365 ح 6 من ب 13 من أبواب اللقطة.

(3) الوسائل: ج 12 ص 485 ح 2 من ب 16 من أبواب الصرف.

318
کتاب الخمس (للحائري)

الثالث أن يعلم المقدار و يجهل صاحبه و كان مرددا بين غير المحصور ص 315

..........

و قريب منه خبره الآخر المنقول عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «1». و الظاهر كون الرواية واحدة.

و دلالة ذلك على عدم اشتراط التميّز في المتصدّق به واضح، إذ المعلوم فيه عدم التميّز و عدم العلم بالمقدار و حصر صاحب المال، إلّا أنّ الرجوع إليه مستلزم للمحذور، و دلالته على عدم اشتراط التميّز في المعلوم مقداره غير المعلوم صاحبه بالأولويّة.

إن قلت: إنّ ما ذكر في المال المختلط و حكمه الخمس فهو يدلّ على جواز التصدّق، فيمكن أن يكون الحكم في مجهول المقدار و المالك الخمس و جواز التصدّق، فلا يدلّ إلّا على جواز التصدّق بالأولويّة في ما يكون مقداره معلوما، لا على وجوبه.

قلت: إنّ إطلاقه شامل لصورة عدم العلم بالاختلاط لماله، و حكمه بحسب الدليل المتقدّم هو وجوب التصدّق، و يخرج عن الوجوب بالنسبة إلى صورة العلم بالاختلاط لماله و يحكم بالوجوب في المحتمل، و بالأولويّة في معلوم المقدار. مع أنّه لو فرض جواز التصدّق و فرض عدم كونه مشمولا لأخبار الخمس فلازمه الوجوب، إذ لا بدّ من التخلّص عن مال الغير بالإيصال إلى صاحبه أو مراعاة ما هو بحكم الإيصال.

إن قلت: إنّ ما ذكر إنّما هو بالنسبة إلى غير الغاصب، و قياس الغاصب التائب به- كما هو مورد البحث في المقام- قياس مع الفارق.

قلت: ذلك مدفوع أوّلا بأنّه إذا فرض أنّه لا فرق بين الغصب و غيره من حيث وجوب التصدّق، لدلالة خبر حفص بن غياث المتقدّم «2» الوارد في من‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 12 ص 484 ح 1 من ب 16 من أبواب الصرف.

(2) في ص 305.

319
کتاب الخمس (للحائري)

الثالث أن يعلم المقدار و يجهل صاحبه و كان مرددا بين غير المحصور ص 315

..........

«أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا» الشامل لصورة أخذ المال بقصد الردّ إلى اللصوص الذي هو من أفراد الغصب، و لا فرق أيضا بين المتميّز و غيره لما تقدّم من الأدلّة، فالمجموع من غير المتميّز و المغصوب ليس فيه إشكال بنظر العرف، فتلقى الخصوصيّة.

و ثانيا بأنّه يشمل مورد السؤال صورة وجود المغصوب في تراب الصوّاغين، فإنّ عدم المبالاة- بأن لا يراقب الصائغ عدم التفريط كالخيّاط- كثير، خصوصا مع كون المسؤول عنه تراب الصوّاغين، لا خصوص تراب دكّته الخاصّة به حتّى يقال: إنّه كان معلوما من حاله عدم التفريط، فعدم استفصال الإمام عليه السّلام دليل على الإطلاق.

و ثالثا بأنّه إذا كان حكم غير المتميّز المجهول المقدار هو التصدّق بل دلّ الدليل على جواز التبديل في المتميّز المجهول مالكه فلا فرق بين المغصوب و غيره في التصدّق، لأنّ احتمال تعيّن الخمس في ذلك مشترك مع التصدّق في ثبوت ولاية الغاصب على مال المالك- على إشكال في ذلك، لاحتمال أن لا يجوز التصدّق إلّا بإذن الحاكم- و يمتاز عنه بعدم لزوم إعطاء الزائد إذا كان المقدار المعلوم زائدا عليه، و بأنّه يعطى لمستحقّ الخمس من دون الضمان لصاحبه و تخييره بين الأجر و الغرم على فرض العثور عليه، و على فرض كونه أقلّ فلا يعطي الزائد عنه إلى مقدار الخمس المالك بل يعطى إلى مصرف الخمس و لم يبيّن أنّ الزائد يقع للمالك، بل مقتضى ما تقدّم من خبر الصائغ: وقوعه للمالك، و هو مقتضى القاعدة، و ما ذكر دليل على أنّ العرف يلقي خصوصيّة عدم الغصبيّة.

و رابعا بأنّه يكفي في الاستدلال على المشهور خبر البطائنيّ المتقدّم «1»

______________________________
(1) في ص 290.

320
کتاب الخمس (للحائري)

الثالث أن يعلم المقدار و يجهل صاحبه و كان مرددا بين غير المحصور ص 315

..........

الوارد في الغاصب التائب.

و خامسا بأنّ مقتضى خبر حفص المتقدّم «1» أنّه بمنزلة اللقطة، و لا ريب أنّ اللقطة حكمها التصدّق إذا كانت مخلوطة، كما تقدّم.

و سادسا بأنّا نقول- على ما سنبيّن و تقدّم- بعدم شمول أخبار الخمس للمورد، فبعد الرجوع إلى الحاكم الذي هو وليّ الغائب كيف لا يكون وليّه و هو وليّه في أمر زوجته حيث يطلّق و يأمرها بالعدّة؟! و بعد الرجوع يتميّز و يصير واردا في عنوان المتميّز الذي لا شبهة في أنّ حكمه التصدّق. هذا من حيث شمول أخبار التصدّق.

و أمّا الثاني- و هو عدم شمول أخبار الخمس- فلوجوه متقدّمة خلاصتها في المقام أمور:

الأوّل: عدم كون عدم التميّز من حيث الشخص و الخصوصيّة معضلة عند العرف مع فرض العلم بالمقدار.

الثاني: أنّه على فرض كونه معضلة فليس حلّها بالخمس الذي لا يوجب التميّز.

الثالث: أنّ رفع الإعضال بالخمس- الذي هو مقدار غير متميّز من المال- يناسب أن يكون حلًّا للمقدار لا للشخص.

الرابع: أنّ إعطاء الأقلّ من حقّ المالك في ما إذا كان زائدا على مقدار الخمس و الزائد في ما إذا كان أقلّ خلاف ارتكاز العقلاء في مقام أداء الحقوق.

الخامس: أنّ قوله عليه السّلام: «إنّ اللّه قد رضي من الأشياء بالخمس» لا يشمل الزائد عن الخمس و الخمس قطعا، لكونه في مقام الامتنان من حيث المقدار، فالظاهر‌

______________________________
(1) في ص 305.

321
کتاب الخمس (للحائري)

الثالث أن يعلم المقدار و يجهل صاحبه و كان مرددا بين غير المحصور ص 315

لكنّ الأحوط إعطاء الخمس، و ما يكون زائدا عليه لمستحقّ الخمس، بإعطاء النصف لبني هاشم و إعطاء النصف الآخر لمن يستحقّ السهم المبارك بقصد ما هو المحبوب عنده تعالى. هذا بناء على عدم حرمة الصدقة غير الزكاة على بني هاشم (1)، فنذكر حكم الصدقة استطرادا، فنقول:

لا إشكال في حرمة الزكاة الواجبة عليهم (2).

تماميّة ما نسب إلى المشهور من حيث الدليل.

وجه الاحتياط واضح. و المقصود من قولنا «ما هو المحبوب عند اللّه» أي يقصد وقوعه من حيث المستحقّ و أنّه هل هو الهاشميّ مثلا من حيث هو أو من حيث كونه فقيرا، و من حيث من له التصدّق و أنّه هل هو المالك الأصليّ أو المعطي أم ليس الواجب إلّا التصدّق من دون وقوع ذلك للمالك و لا للمعطي، و من حيث الضمان و أنّه هل الصدقة على وجه الضمان أو غيرها، كلّ ذلك على النحو المحبوب عند اللّه تعالى. و هذا احتياط في احتياط، إذ مقتضى الدليل: عدم لزوم قصد العنوان الواقعيّ الذي تعلّق به التكليف و لو كان العمل عباديّا.

قال قدس سرّه في الجواهر:

بلا خلاف أجده بين المسلمين، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكيّ من الفريقين متواتر كالنصوص، من غير فرق بين أهل العصمة منهم و بين غيرهم.

و خبر أبي خديجة «أعطوا من الزكاة بني هاشم من أرادها منهم، و إنّما تحرم على النبيّ صلى اللّه عليه و آله و الإمام الذي يكون بعده و الأئمّة عليهم السّلام» «1» بعد الغضّ عمّا في‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 186 ح 5 من ب 29 من أبواب المستحقّين للزكاة، مع اختلاف يسير.

322
کتاب الخمس (للحائري)

الثالث أن يعلم المقدار و يجهل صاحبه و كان مرددا بين غير المحصور ص 315

و أمّا باقي الصدقات الواجبة ففيها وجوه (1).

سنده مطروح أو محمول على حال الضرورة «1».

أقول: لا إشكال في أصل الحكم، و أمّا الخبر فالظاهر عدم إشكال في سنده، لأنّ أبا خديجة ثقة كما تقدّم «2»، و أمّا طريق الصدوق إليه و إن كان ضعيفا في الاصطلاح إلّا أنّ كون أبي خديجة من مشيخة الفقيه كاف في اعتبار ما يرويه عنه بالسند المذكور و في كونه معتبرا عنده، فراجع «شسح» من خاتمة المستدرك في ما كتبه قدس سرّه في شرح مشيخة الفقيه «3»، مع رواية المقنع في مقام الإفتاء و رواية الكلينيّ و الشيخ قدس سرّهما بطريقين آخرين، فالخبر في غاية الاعتبار من حيث السند، و يحمل على ظاهره أو على القدر المتيقّن من ظهوره، و هو حال عدم وفاء الخمس بمئونته و كونه فقيرا- كما هو المفتي به عند جماعة من الأصحاب- فإنّ قوله عليه السّلام «من أرادها منهم» لعلّه إشارة إلى الاحتياج، بأن يكون إرادة ذلك دليلا على الاحتياج، أو يكون المقصود منه الاحتياج فجعل الإرادة طريقا إلى احتياجهم، أو يكون المقصود هو الاحتياج، و فيه تأمّل لكنّه الظاهر من قوله تعالى فَوَجَدٰا فِيهٰا جِدٰاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ «4».

قال قدس سرّه في الجواهر ما ملخّصه أنّه:

يظهر من عدّة من الأصحاب إلحاق جميع الصدقات الواجبة- كالكفّارة و نحوها- بالزكاة، بل ربما يظهر من الانتصار و الخلاف و المعتبر الإجماع عليه، بل صرّح بعضهم بأنّ منها المنذور و الموصى‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 15 ص 406.

(2) في ص 156.

(3) المستدرك: ج 3 من الطبعة الحجريّة ص 705.

(4) سورة الكهف: 77.

323
کتاب الخمس (للحائري)

الثالث أن يعلم المقدار و يجهل صاحبه و كان مرددا بين غير المحصور ص 315

..........

بها، و ربما كان مقتضى ذلك حرمة ردّ المظالم الواجب عليهم، لكنّ الإجماع المتقدّم غير متحقّق من حيث الإطلاق، لاحتمال إرادة خصوص الزكاة من الصدقة الواجبة، و على تقدير تحقّقه موهون بمصير جماعة من المتأخّرين- كالفاضل و المقداد و الكركيّ و الشهيد الثاني و سبطه- إلى خلافه «1». انتهى.

أقول: في المسألة وجوه و بعضها قول:

الأوّل: هو الحكم بالتحريم في مطلق الصدقات الواجبة و لو كان وجوبها بالعرض أو كان واجبا بالنسبة إلى شخص و مستحبّا بالنسبة إلى الآخر، و هو مقتضى إطلاق القول بتحريم الصدقات الواجبة.

الثاني: اختصاص التحريم بالزكاة المفروضة.

الثالث: التفصيل بين الواجب بالذات فالتحريم، و الواجب بالعرض فعدمه.

الرابع: التفصيل بين الواجب الفعليّ و لو كان بالعرض و ما يكون واجبا من جهة و مستحبّا من جهة أخرى، كما لو كان الأجير وكيلا من قبل شخص استأجره لإعطاء الصدقات، فإنّ ذلك واجب من حيث كونه عمل الأجير بالمباشرة و يستحبّ فعلا بحيث له أن ينصرف عن ذلك من حيث الاستناد إلى الموكّل. و لعلّ ردّ المظالم من هذا القبيل، فإنّه صدقة مستحبّة من حيث وقوعها عن المالك، و واجبة من حيث نسبتها إلى ذي اليد، لوجوب إيصال المال إلى مالكه.

و كيف كان، فالعمدة هو الإطلاقات الدالّة على تحريم الصدقة على بني هاشم:

فمنها: صحيح عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

______________________________
(1) الجواهر: ج 15 ص 411- 412.

324
کتاب الخمس (للحائري)

الثالث أن يعلم المقدار و يجهل صاحبه و كان مرددا بين غير المحصور ص 315

..........

إنّ أناسا من بني هاشم أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي و قالوا:

يكون لنا هذا السهم الذي جعل اللّه عزّ و جلّ للعاملين عليها فنحن أولى به.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «يا بني عبد المطلّب (هاشم) إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم و لكنّي قد وعدت الشفاعة.» «1».

و يمكن المناقشة في إطلاق ذلك، لخصوص أنّ الموضوع هو الزكاة، فيمكن أن يكون اللام في «إنّ الصدقة» للعهد.

و منه يظهر الإيراد على حسن الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام الحاكي لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لبني عبد المطّلب «2»، الظاهر منه أنّ ما وقع قصّة واحدة.

لكن خبر عبد اللّه بن سنان «لا تحلّ الصدقة لولد العبّاس و لا لنظرائهم من بني هاشم» «3» خال عن المناقشة، إلّا أن يقال: إنّه بصدد عموم التحريم لبني العبّاس و ليس في مقام الإطلاق من حيث الصدقة.

و ممّا يستفاد منه الإطلاق معتبر زرارة و فيه: «و لا تحلّ لهم صدقات إنسان غريب» «4» و غير ذلك.

و يدفع الإطلاق المذكور بأمور:

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 185 ح 1 من ب 29 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(2) المصدر: ص 186 ح 2.

(3) الوسائل: ج 6 ص 186 ح 3 من ب 29 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(4) المصدر: ص 190 ح 6 من ب 32.

325
کتاب الخمس (للحائري)

الثالث أن يعلم المقدار و يجهل صاحبه و كان مرددا بين غير المحصور ص 315

..........

منها: انصراف الصدقة بقول مطلق عن كلّ مال يستحبّ أداؤه أو يجب من باب الكفّارة أو غير ذلك، بل المنصرف من قوله عليه السّلام مثلا: «أصله أم زكاة أم صدقة» «1» أو قولهم: «يجب أن يأكل من يذبح الهدي نفسه و يهدي ببعضه و يتصدّق ببعض» هو ما جعل للتطهير من حيث المال أو النفس أو يقصد بذلك التطهير و التمحيص، و إلّا كان إنفاق بعض الناس بعضا بقصد التقرّب به إلى اللّه و ضيافتهم- مثلا- من الصدقات، و هو ممّا يأبى عنه العرف، فالظاهر عدم انسياق الإطلاق إلّا للصدقات المجعولة لتطهير المال أو تطهير النفس أو المقصودة منها ذلك، لا مطلق ما يعطى متقرّبا به إلى اللّه تعالى.

و منها: أنّ المقصود بالمطلقات إن كان مطلق الصدقات فإخراج الصدقات المندوبة- كما عليه الإجماع المتحقّق، كما تعرّض له في الجواهر «2»- و إخراج صدقات بعضهم على بعض و إخراج الأوقاف بل الأوقاف الّتي تجعل من الزكاة من سهم سبيل اللّه و صدقات بعضهم على بعض إخراج كثير، و عند دوران الأمر بينه و بين الكشف عن الانصراف لا يمكن المصير إلى ترجيح الأوّل.

و منها: ما أشير إليه في الجواهر «3» من أنّ النسبة بين دليل حرمة الصدقة و ما يدلّ على إيجاب الصدقة الخاصّة- كالكفّارة و ردّ المظالم مثلا- هي العموم من وجه، فلا يمكن الحكم بالتحريم.

و فيه أوّلا: أنّ دليل تحريم الصدقة حاكم على دليل وجوب الإعطاء، لأنّ المستفاد من عنوان الصدقة ما يكون إخراجها مطلوبا شرعا، وجوبا أو استحبابا، فوجود الدليل على وجوب الإخراج- بحيث لو لا دليل تحريم الصدقة على بني هاشم لكان مقتضاه إجزاء الإعطاء لهم أيضا- مفروض في دليل حرمة الصدقة،

______________________________
(1) نهج البلاغة «فيض الإسلام»: الخطبة 215.

(2) ج 15 ص 413.

(3) ج 15 ص 413.

326
کتاب الخمس (للحائري)

الثالث أن يعلم المقدار و يجهل صاحبه و كان مرددا بين غير المحصور ص 315

..........

و هو معنى الحكومة على ما بيّنّاه في الأصول.

و ثانيا: أنّه لو كان في البين عامّان مثلا كأكرم و أكرم الفقهاء و أكرم المتكلّمين و خاصّ واحد بالنسبة إلى كلا العامّين كقوله «لا تكرم الفسّاق من العلماء» فنسبة كلّ من العامّين مع «لا تكرم الفسّاق» نسبة العموم من وجه، لكن لا شبهة في أنّ العرف يلاحظ النسبة مع المجموع- للزوم اللغويّة- كما في الخاصّ الواحد بالنسبة إلى العامّ الواحد، و القدر المتيقّن بحسب الخارج لا يغيّر حكم العرف بأنّ ذلك بحكم العامّ و الخاصّ المطلقين، كما في «لا ضرر و لا ضرار» و «لا حرج في الدين» و بتيقّن الضرر النفسانيّ من الخارج أو الحرج الشديد لا تتغيّر النسبة الملحوظة بحسب مفاد الدليل بين الخاصّ الواحد و العامّين أو العمومات.

و في المقام و إن كانت النسبة بين دليل تحريم الصدقة على بني هاشم و دليل لزوم إعطاء الكفّارة للمساكين هي العموم من وجه، إلّا أنّ مثل تلك النسبة موجودة بينه و بين دليل وجوب الزكاة أيضا، و لو بني على التعارض لزم لغويّة دليل حرمة التصدّق، فافهم و تأمّل.

و منها: دلالة بعض الروايات المعتبرة على جواز إعطاء الزكاة لبني هاشم، و هو خبر أبي خديجة سالم بن مكرم «1».

و قد تقدّم الجواب عنه «2»، مضافا إلى إباء روايات تحريم الصدقة للحمل على الكراهة، لأنّه كيف يتبدّل إلى الخمس بصرف الكراهة، أو كيف يقال ذلك حتّى بالنسبة إلى بني العبّاس، أو كيف يصير موجبا لعدم استطاعة الحجّ على فرض عموم التحريم!! مع أنّ الحرمة غير صرف النهي.

و منها- و هو العمدة-: وجود مقيّدات في الأخبار:

______________________________
(1) المتقدّم في ص 322.

(2) في ص 323.

327
کتاب الخمس (للحائري)

الثالث أن يعلم المقدار و يجهل صاحبه و كان مرددا بين غير المحصور ص 315

..........

منها: صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:

«لو حرمت علينا الصدقة لم يحلّ لنا أن نخرج إلى مكّة، لأنّ كلّ ماء بين مكّة و المدينة فهو صدقة» «1».

و منها: صحيح الهاشميّ عنه عليه السّلام قال:

قلت له: أ تحلّ الصدقة لبني هاشم؟ قال: «إنّما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحلّ لنا، فأمّا غير ذلك فليس به بأس، و لو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكّة، هذه المياه عامّتها صدقة» «2».

و الظاهر أنّ المراد بالصدقة الواجبة هي الزكاة، لقوله «تلك» كما في الجواهر «3»، و إلّا فلا معنى للإشارة بعد عدم كونه خبرا للمبتدإ، و لقوله «الواجبة على الناس» و إلّا فلا معنى لقوله «على الناس» كما في المستمسك «4»، و للاحتراز بذلك عن بعض أفراد الصدقة الواجبة بالعرض، و إلّا لم يحسن الاحتراز، فدلالته كسنده واضحة بحمده تعالى، و ملخّص مضمونه أنّ المقصود بالتحريم هو الزكاة الواجبة.

و منها: معتبر إسماعيل بن الفضل الهاشميّ، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصدقة الّتي حرّمت على بني هاشم ما هي؟ فقال: «هي الزكاة.» «5».

و لا إشكال في دلالته. أمّا من حيث السند فالإشكال من حيث قاسم بن محمّد، و الشيخ وثّقه و إن لم يؤيّد بتوفيق غيره، مضافا إلى نقل عدّة من المشايخ‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 188 ح 1 من ب 31 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(2) الوسائل: ج 6 ص 189 ح 3 من ب 31 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(3) ج 15 ص 412.

(4) ج 9 ص 308.

(5) الوسائل: ج 6 ص 190 ح 5 من ب 32 من أبواب المستحقّين للزكاة.

328
کتاب الخمس (للحائري)

الثالث أن يعلم المقدار و يجهل صاحبه و كان مرددا بين غير المحصور ص 315

..........

عنه، منهم أصحاب الإجماع- كابن أبي عمير و صفوان بن يحيى و حمّاد بن عيسى- و غيرهم كأحمد بن محمّد بن عيسى المعروف فراجع «شح» من خاتمة المستدرك «1»، مضافا إلى نقل ذلك في المقنع المكتوب للفتوى، هذا كلّه، مع أنّ سند الكلينيّ معتبر من جهة أنّ من لم يذكر في سنده هو «غير واحد عن أبان» و المذكورون فيه مصرّح بتوثيقهم.

و منها: خبر زيد الشحّام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

سألته عن الصدقة الّتي حرّمت عليهم، فقال: «هي الزكاة المفروضة و لم يحرّم علينا صدقة بعضنا على بعض» «2».

و السند بحسب الظاهر ضعيف بمفضّل بن صالح الذي نقل عن النجاشيّ أنّه قال: روى عنه- أي عن جابر بن يزيد- جماعة غمز فيهم و ضعّفوا، منهم مفضّل بن صالح، و هذا يدلّ على أنّه ممّن ضعّفه جماعة من الأصحاب أو غيرهم. و عن ابن الغضائريّ- بعد تضعيفه و الشهادة بكذّابيّته- نقل مسندا عن معاذ بن حكيم يقول:

«سمعت أبا جميلة يقول: أنّا وضعت رسالة معاوية إلى محمّد بن أبي بكر».

لكنّ الظاهر مع ذلك: اعتبار الخبر، فإنّ الظاهر أنّ الخبر منقول عن كتاب زيد الشحّام، و هو من الكتب المعتبرة الواصلة إلى أصحابنا بطرق غير ذلك صحيحة، أمّا كون الخبر منقولا عن الكتاب المذكور فلما عن فهرست الشيخ قدس سرّه:

له- أي لزيد- كتاب أخبرنا به ابن أبي جيّد عن محمّد بن الحسن بن الوليد، و عدّة من أصحابنا عن‌

______________________________
(1) ج 3 من الطبعة الحجريّة ص 674.

(2) الوسائل: ج 6 ص 190 ح 4 من ب 32 من أبواب المستحقّين للزكاة.

329
کتاب الخمس (للحائري)

الثالث أن يعلم المقدار و يجهل صاحبه و كان مرددا بين غير المحصور ص 315

..........

محمّد بن عليّ بن الحسين عن أبيه، و محمّد بن الحسن عن سعد بن عبد اللّه عن محمّد بن عبد الحميد عن أبي جميلة عن زيد الشحّام.

و السند بعينه هو السند الذي ذكره في الوسائل للخبر المذكور، إلّا أنّه أسقط الشيخ قدس سرّه موسى بن الحسن في الفهرست.

و أمّا كثرة الطرق إلى كتاب زيد فلقول النجاشيّ قدس سرّه في ما ينقل عنه:

إنّ له- أي لزيد- كتاب يرويه عنه جماعة و يذكر طريقه الذي هو غير طريق الشيخ يتّصل بصفوان بن يحيى.

و في جامع الرواة بعد أن ينقل طريق الشيخ قدس سرّه إلى زيد و يحكم بضعفه ينقل عنه سندا آخر غير ضعيف «1».

و الحاصل أنّ الظاهر أنّ الخبر منقول عن كتاب زيد، و هو معتمد معروف معلوم الانتساب إلى زيد الشحّام الموثّق الجليل.

و ممّا ذكرنا يظهر أنّ نقل مثل صفوان و غيره من المشايخ لا يدلّ على كون مفضّل موثّقا، لأنّ النقل كثيرا ما يكون عن كتاب زيد- و هو معتمد- و لذا ترى في سنده محمّد بن الحسن بن الوليد الدقيق في الرجال المستثني لعدّة من رجال نوادر الحكمة، فتوثيق المحدّث المحقّق النوريّ- مع تصريح مثل النجاشيّ بضعفه، مضافا إلى ابن الغضائريّ و العلّامة، مع نقل المسند اعترافه بالوضع- محلّ إشكال، كما لا يخفى.

و كيف كان، فقد ظهر وجود الدليل المعتبر على الاختصاص بالزكاة الواجبة،

______________________________
(1) جامع الرواة: ج 2 ص 494.

330
کتاب الخمس (للحائري)

الثالث أن يعلم المقدار و يجهل صاحبه و كان مرددا بين غير المحصور ص 315

..........

لكن يبقى في البين ما يمكن أن يعارض ما أسلفناه، و هو صحيح قرب الإسناد عن البزنطيّ عن الرضا عليه السّلام، قال:

سألته عن الصدقة هل تحلّ لبني هاشم؟ فقال:

«لا، و لكن صدقات بعضهم على بعض تحلّ لهم».

فقلت: جعلت فداك إذا خرجت إلى مكّة كيف تصنع بهذه المياه المتّصلة بين مكّة و المدينة و عامّتها صدقة؟ قال: «سمّ فيها شي‌ء» قلت: عين ابن بزيع و غيره، قال: «و هذه لهم» «1».

فإنّه لو لم يكن مطلق الصدقة حراما و كانت الحرمة منحصرة بالزكاة لكان يقول عليه السّلام: إنّ المقصود بها هو الزكاة، لا الصدقات بمعنى الخيرات.

و الجواب عنه أنّه يحتمل أن يكون المقصود بقوله «و هذه لهم» أنّ هذا القسم من الصدقات جائز لهم.

إن قلت: فلم يكن محتاجا إلى قوله عليه السّلام: «سمّ فيها شي‌ء».

قلت: لعلّ بعض العيون كان من الزكاة، لا وقفا من قبل الأشخاص و لا من قبل الزكاة من باب سهم سبيل اللّه، فإنّ الظاهر أنّه جائز لهم، فإنّ الضرورة قائمة على جواز تصرّف بني هاشم في المسجد المبنيّ من سهم سبيل اللّه و كذا الجادّة المعمورة منه.

و كيف كان، فلا يقاوم ذلك الإشعار أو الظهور ما تقدّم من التصريح بعدم البأس بالنسبة إلى خصوص المياه الّتي بين مكّة و المدينة و هي صدقة.

ثمّ لا يخفى أنّه لو قلنا بحرمة إعطاء مطلق الصدقة الواجبة فلا يشمل ردّ‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 190 ح 8 من ب 32 من أبواب المستحقّين للزكاة.

331
کتاب الخمس (للحائري)

الرابع أن يجهل المقدار و كان صاحبه مجهولا غير محصور و لكن يعلم بزيادته عن الخمس أو نقيصته عنه ص 332

الرابع: أن يجهل المقدار و كان صاحبه مجهولا غير محصور و لكن يعلم بزيادته عن الخمس أو نقيصته عنه،

و فيه وجوه (1).

المظالم، من باب أنّه ليس واجبا بالذات كالكفّارة و الهدي و نحوهما، بل صار واجبا من باب لزوم الاستخلاص من مال الغير، و على فرض العموم من تلك الجهة أيضا فلا يشمله لجهة أخرى، و هي كونه مستحبّة من جانب مالكه و إن كان واجبا من جهة الانتساب إلى ذي اليد، و إن أغمض عن ذلك فقد تقدّم عدم وضوح صدق الصدقة إلّا على ما جعل لأجل تطهير المال أو تطهير النفس أو كون المقصود به ذلك، و ليس ردّ المظالم من هذا القبيل.

هذا تمام الكلام في تلك المسألة، و نحمده على حسن الختام.

الأوّل: أنّ حكمه الخمس، و هو الذي نقله في مصباح الفقيه «1» عن المناهل و اختاره السيّد الفقيه الطباطبائيّ قدس سرّه في العروة «2» و بعض علماء العصر.

و الوجه فيه: إطلاق أخبار الخمس، للجهل بالمقدار و الجهل بالصاحب و منع الانصراف إلى صورة احتمال الزيادة أو احتمال النقصان.

الثاني: أن يحكم بالتصدّق، و هو الذي يظهر من صاحب الجواهر «3» و الشيخ الأنصاريّ- على ما حكي عنه «4»- و صريح مصباح الفقيه «5».

و الوجه فيه: شمول أخبار التصدّق من خبر الصائغ و خبر البطائنيّ المتقدّمين «6»، و عدم شمول أخبار الخمس:

أمّا من حيث النقصان فلعدم صدق قوله عليه السّلام: «إن اللّه قد رضي من الأشياء‌

______________________________
(1) ج 3 ص 139.

(2) في المسألة 29 من الفصل الأوّل من كتاب الخمس.

(3) الجواهر: ج 16 ص 73.

(4) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ ص 264- 265.

(5) ج 3 ص 139.

(6) في ص 290 و 318.

332
کتاب الخمس (للحائري)

الرابع أن يجهل المقدار و كان صاحبه مجهولا غير محصور و لكن يعلم بزيادته عن الخمس أو نقيصته عنه ص 332

..........

بالخمس»، فإنّ ذلك لا يقال قطعا إلّا في ما يحتمل الزيادة أو يعلم، و لا يقال قطعا في ما ينقص عنه بالقطع و اليقين، إذ لا معنى للرضاية إلّا في صورة ثبوت و زر أو احتماله قطعا، و ليس ذلك من باب التعيّن، لأنّ صرف الرضا بالخمس لا يجعله معيّنا.

و أمّا صورة الزيادة فلوجوه:

منها: أنّ الكبرى المذكورة لا تشمل النقصان، فهي قرينة على ملاحظة قيد في مقام الاستعمال، و القيد الملحوظ إمّا أن يكون هو قيد عدم العلم بالنقصان أو الزيادة و إمّا أن يكون خصوص عدم العلم بالنقصان، فالقيد الملحوظ في الكلام غير معلوم، فلا يمكن التمسّك بإطلاق مثل الكبرى المذكورة لصورة العلم بالزيادة أيضا، و أمّا خبر عمّار فقد تقدّم «1» عدم الإطلاق فيه.

و منها: أنّ إعطاء الزائد عمّا يجب على ذي اليد- خصوصا في صورة عدم الغصب- و كذا عدم إعطاء ما يزيد ممّا يستحقّه المالك المجهول- لا سيّما في صورة الغصب- خلاف ارتكاز العقلاء في مقام أداء الحقوق، و كذا المتشرّعة.

و منها: أنّه لو كان ذلك المعلوم أنّه أقلّ من الخمس أو أكثر معلوما من حيث الشخص لم يكن غائلة بالنسبة إلى المقدار المعلوم، و بالنسبة إلى المقدار المشكوك لا ترتفع غائلته بالخمس، و قد مرّ أنّ الجهل بالشخص لا يكون غائلة عند العرف بعد سهولة اليقين، فتأمّل.

و هو الأظهر، خصوصا بعد ملاحظة أنّ أخبار التصدّق تشمل صورة الاختلاط الذي هو المتيقّن من شمول أخبار الخمس، و أخبار الخمس لا تدلّ على تعيّن الخمس في مقام التحليل، و سيجي‌ء إن شاء اللّه تعالى لذلك مزيد توضيح.

______________________________
(1) في ص 303.

333
کتاب الخمس (للحائري)

الرابع أن يجهل المقدار و كان صاحبه مجهولا غير محصور و لكن يعلم بزيادته عن الخمس أو نقيصته عنه ص 332

..........

الثالث: التفصيل بين صورة العلم بالنقصان فيحكم بالتصدّق، لعدم شمول أخبار الخمس لذلك قطعا، و الحكم بالخمس في صورة العلم بالزيادة، لشمول التعليل.

و فيه: ما عرفت من الوجوه الثلاثة المتقدّمة، لكنّه أقرب من الأوّل، كما لا يخفى.

الرابع: ما اختاره بعض علماء العصر من الاقتصار على الأقلّ في صورة العلم بالنقصان، و في صورة العلم بالزيادة فيعطى الخمس لمصرفه و يعطي الزائد صدقة.

و لعلّ الوجه فيه: أمّا في صورة العلم بالنقصان فلما تقدّم من عدم شمول أخبار الخمس لها فيحكم بالتصدّق، و أمّا في صورة العلم بالزيادة فلأنّ ذلك جمع بين أخبار الخمس و التصدّق.

و فيه: أنّه لو أخذ بإطلاق أخبار الخمس لدلّ على أنّه تعالى قد رضي من الأشياء بالخمس فلا يجب الزائد، و إن لم يدلّ عليه فلا وجه لأداء الخمس إلى مصرفه.

الخامس: إعطاء الزائد و الناقص خمسا أي إعطاؤه لمصرف الخمس، كما هو محتمل كلام العلّامة في صورة الزيادة. و في الجواهر: إنّه قد أوجب في الروضة دفع ما يتيقّن البراءة به خمسا في وجه، و إن كان استظهر قبل ذلك كونه صدقة «1».

و قيل: إنّه لا وجه لذلك، و لعلّ وجهه هو ادّعاء أنّ المستفاد من أخبار الخمس أمران بنحو تعدّد المطلوب، أحدهما: أنّ تحليل المال المختلط بأن يصرف في مصرف الخمس. ثانيهما: المصالحة بالخمس في صورة احتمال الزيادة، و حيث لا يمكن الأخذ بالأخير فلا مانع من الأخذ بالأوّل.

و هو ممنوع، كما لا يخفى.

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 74.

334
کتاب الخمس (للحائري)

الرابع أن يجهل المقدار و كان صاحبه مجهولا غير محصور و لكن يعلم بزيادته عن الخمس أو نقيصته عنه ص 332

..........

و هنا وجه سادس، و هو التخيير بين إعطاء الصدقة- كان أقلّ من الخمس أو أكثر- و إعمال عمل في المال يوجب دخوله في منصرف أخبار الخمس:

فإن كان زائدا عن الخمس و أعطى الزائد المتيقّن من مال آخر يصير المال الذي بيده مصداقا لما يحتمل فيه الخمس أو الزيادة و يكفي فيه الخمس، فلو علم في العشرة إنّ حرامها ثلاثة و احتمل كونه أزيد فأعطى واحدا منها- الذي هو الزائد عن الخمس قطعا في المثال المفروض- من مال آخر، فالمال الذي بيده مردّد بين أن يكون حرامه اثنين- و هو الخمس- أو أزيد، فيرضى تعالى عنه بالخمس.

و إن أشكل في ذلك- من باب عدم الولاية على التبديل، مع أنّه قد تقدّم الدليل على ذلك- فيمكن أداء الزائد من عين المال في المثال مضافا إلى ثلاث أعشار من عشر المال فيعطي واحدا و ثلاث أعشار من الواحد فيصير الحرام مردّدا بين الأقلّ من الخمس و الأكثر، لأنّ الحرام المسلّم الباقي في المثال واحد و سبع أعشار الواحد، لأنّه خمس ثمان و خمس أعشار مع كون المال ثماني و سبع أعشار كما لا يخفى، و في المثال لا يعطي حينئذ إلّا المتيقّن و لا يقع في إشكال محتمل الحرام.

كما أنّه في مورد العلم بالنقصان يفرز من ماله بقدر ما يصير الحرام المحتمل مردّدا بين الخمس و الزائد فيعطي الخمس، ففي المثال- أي كون المال المحتمل اشتماله على الحرام عشرة- لو علم بأنّ الحرام واحد و احتمل كونه أزيد عنه بنصف واحد فأفرز لنفسه من ماله خمسه فالحرام يكون حينئذ مردّدا بين الخمس و الزائد فيعطي الخمس، و بذلك لا يعطي إلّا المقدار المتيقّن.

هذا بحسب الصغرى.

335
کتاب الخمس (للحائري)

الرابع أن يجهل المقدار و كان صاحبه مجهولا غير محصور و لكن يعلم بزيادته عن الخمس أو نقيصته عنه ص 332

و الأقرب هو التصدّق. و يحتمل جواز إعطاء الزائد المتيقّن من عين المال أو من مال آخر، بمقدار ينطبق على دليل الخمس بحيث يكون الحرام الموجود في المال بمقدار الخمس أو أقلّ و يصير الزيادة عن الخمس محتملة فيعطي الخمس، و لا يجب عليه شي‌ء في ما يحتمل من الحرام المختلط.

و إذا تصدّق بجميع المتيقّن ففي الزيادة المحتملة وجوه (1).

و أمّا بحسب الكبرى و شمول أخبار الخمس فقد يخدش في ذلك من حيث الظهور في المال المختلط غير المعلوم من حيث المقدار و المالك و غير المعلوم كونه زائدا عن الخمس أو ناقصا عنه بنفسه لا بالعلاج.

و الجواب عن ذلك بمجموع وجوه، منها: منع الانصراف إلى ذلك، فإنّه يكفي الجهل و الاختلاط من أوّل الأمر أي من دون علاج، و لا ينصرف عمّا يصير واجدا للشرط الأخير بالعلاج. و منها: أنّ قوله «إنّ اللّه قد رضي من الأشياء بالخمس» ظاهر في الكبرى الكلّيّة، و حمله على المورد- من جميع الجهات و الخصوصيّات- تكرار لما قبله من دون نكتة تقتضي ذلك، فافهم و تأمّل. و منها:

أنّ شموله لحصول الاختلاط الخاصّ بواسطة التصرّف غير الجائز واضح، فشموله للمورد أولى، كما لا يخفى.

منها: التنصيف، لدوران الزائد بين المال المجهول مالكه أو مصرف التصدّق و بين صاحب المال.

و فيه: ظهور عدم شمول الأخبار للمورد، من جهة عدم التداعي و كون مورد الأخبار تردّده بين مالكين معلومين.

و منها: إعطاء خمس ذلك، من جهة دعوى أنّ مورد الأخبار هو الاختلاط بمعنى الاشتباه الشامل لاحتمال كون المال جميعه حراما أو جميعه حلالا.

336
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس أن يعلم المالك و يجهل المقدار 3 ص 337

و مقتضى الاحتياط إخراج المحتمل أيضا بإذن الحاكم (1). و الأحوط إعطاء الكلّ لمصرف الخمس بقصد ما هو المحبوب عند اللّه (2).

الخامس: أن يعلم المالك و يجهل المقدار (3).

و منها: جواز التصرّف في الكلّ، لاستصحاب عدم مالكيّة أحد للمال إلّا من وصل المال منه إلى يده على النحو الصحيح، و كون الملاك لحرمة التصرّف كون المال ملكا لغيره، و هو غير ثابت بل مقتضى الاستصحاب عدم التحقّق.

و منها: لزوم إعطاء المحتمل حتّى تثبت البراءة اليقينيّة، لاستصحاب بقاء الحرام في المال الحاكم بالاحتياط، و سيجي‌ء لذلك إن شاء اللّه تعالى مزيد تحقيق.

لقد عرفت الوجه في ذلك في التعليق المتقدّم.

بناء على جواز إعطاء الصدقة لبني هاشم أو الإمام عليه السّلام إذا لم تكن من الزكاة، كما تقدّم ذلك مفصّلا.

و هو على قسمين:

أحدهما: أن تكون الزيادة عن الخمس محتملة فيه.

قد يقال- كما في الجواهر عن العلّامة- بأنّ المالك إذا لم يرض بالصلح و أبى عنه يعطى الخمس، لأنّ اللّه جعل الخمس مطهّرا للمال «1».

و فيه أوّلا- كما في الجواهر «2»-: أنّ مقتضى معتبر عمّار المتقدّم «3» هو التقيّد بعدم معلوميّة المالك، و لا محيص في الوضعيّات عن التقييد، بخلاف الحكم التكليفيّ الذي له مراتب، فإنّ الأقرب فيه التوفيق بحمل المقيّد على بعض المراتب و الأخذ بالإطلاق، و هذا لا يجري في الوضعيّات.

و ثانيا: وضوح انصراف باقي أدلّة الخمس عن صورة العلم بالمالك الّتي‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 75.

(2) الجواهر: ج 16 ص 75.

(3) في ص 284.

337
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس أن يعلم المالك و يجهل المقدار 3 ص 337

و حكمه في المتيقّن حكم القسم الأوّل من الشركة (1)، ليست هي معضلة عرفيّة حتّى يرجع إلى الإمام في علاج ذلك، كما تقدّم.

و ثالثا: خبر عليّ بن أبي حمزة «1» يحكم بإعطاء ما يعلم مالكه إليه، من غير فرق بين العلم بالمقدار أو الجهل به.

و رابعا: أنّ المصرف فيه- كما تقدّم «2»- هو المصرف في سائر أقسام الخمس، ففي تلك الصورة إن قيل بأنّه يصرف الخمس في غير المالك مع معلوميّته فهو أمر مستنكر في العرف، و إن قيل إنّه يعطى المالك- كما في كلام العلّامة- فيلزم التفكيك في المصرف في أدلّة الخمس، و هو ممّا يأباه العرف.

و خامسا: إن كان المورد مشمولا لأخبار الخمس فلا وجه للتقيّد بصورة الإباء عن الصلح، و إلّا فلا وجه للخمس مع فرض الإباء عن الصلح، إلّا أن يكون نظره إلى صورة الإعضال كما قدّمناه في الإيراد الثاني. و كيف كان، فلا شبهة في عدم شمول أخبار الخمس للمورد.

ثانيهما: ما يكون أقلّ من الخمس أو أكثر قطعا، و في هذا القسم لا يتأتّى الشبهة المتقدّمة.

و من العجب عدم تفوّه الأصحاب بالشركة في هذا القسم بالنسبة إلى المتيقّن مع أنّه لا فرق أصلا و قد عرفت عدم الدليل على الشركة، بل خبر السكونيّ المتقدّم «3» يدلّ على عدمها- كما تقدّم «4»- فإنّ مقتضاها كون الدينارين الباقيين بينهما أثلاثا، و بعد فرض الحكم بكون أحدهما لصاحب الدينارين لا بدّ أن يكون الباقي بينهما أثلاثا، فكان لصاحب الواحد ثلثان كما تقدّم.

______________________________
(1) المتقدّم في ص 290.

(2) في ص 293.

(3) في ص 308.

(4) في ص 309.

338
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس أن يعلم المالك و يجهل المقدار 3 ص 337

أو عدمها و الصلح ثمّ القرعة بتصدّي الحاكم، و أمّا المقدار المجهول ففيه وجهان في كلام الأصحاب، أحدهما: عدم لزوم إعطائه، لليد أو البراءة.

ثانيهما: لزومه، كما اختاره في الجواهر «1».

و هنا وجوه أخر (1) أقواها التفصيل بين كون المحتمل طرفا للعلم الإجماليّ فلا بدّ من الاحتياط و إن كان حين الاستيلاء عليه مشكوكا من دون الأخذ من اليد الحجّة، كما أخذ المال المشترك بينه و بين صاحبه من الغاصب و كان مال صاحبه من أوّل الأمر مردّدا بين القليل و الكثير من دون أن يكون موردا للعلم الإجماليّ، كأن علم مثلا أنّ دينارا من الدينارين ملك له و شكّ في الآخر و كان الاحتمال المذكور الخارج عن طرفي العلم الإجماليّ حادثا في يده أو في يد غيره، فيمكن الحكم بجواز الاكتفاء بالأقلّ.

من التفصيل بين ما انتقل إليه من يد الغير- كالمورّث و البائع و نحوه- فلا يجب عليه التفريغ عن المحتمل، لليد الحجّة عليه بلا إشكال، و ما كان محتملا في يده فيجب التفريغ، لعدم حجّيّة اليد بالنسبة إلى نفسه، لعدم وضوح دليله، و سنبيّنه إن شاء اللّه تعالى.

أو التفصيل بين ما إذا انتقل المحتمل عن يد الغير أو صار محتملا- بعد ما كان غافلا عنه- في يده بأن احتمل أن يكون حين الاستيلاء عالما و محرزا أنّ المحتمل ماله فيحكم باليد، و ما إذا كان من أوّل ما وقع في يده محتملا (كأن أخذ مجموع المال المشتمل على ماله و مال غيره من الغاصب و كان بعض المال من أوّل الأمر محتملا لأن يكون له و لغيره) فلا تكون اليد حينئذ حجّة كما نشير إلى‌

______________________________
(1) ج 16 ص 73.

339
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس أن يعلم المالك و يجهل المقدار 3 ص 337

..........

ذلك إن شاء اللّه تعالى في بيان دليل حجّيّة اليد بالنسبة إلى نفس المالك.

أو التفصيل بين كون المحتمل طرفا للعلم الإجماليّ، بأن يعلم إمّا أنّ هذا الكتاب الذي قيمته خمسمائة لزيد أو ذاك الكتاب الذي قيمته ألف، أو يعلم بأنّ هذا الدينار بالخصوص له أو ذينك الدينارين اللذين هما غير الدينار الأوّل، فبعد إفراز المقدار المتيقّن- كما هو المفروض- يصير الباقي محتملا و قد كان طرفا للعلم الإجماليّ، فيجب التخلّص عنه بالصلح أو الإعطاء و إن كان مأخوذا من يد الغير الذي كانت يده حجّة، لإسقاط اليد عن الحجّيّة بالنسبة إلى ما كان طرفا للعلم، و بين ما إذا لم يكن طرفا للعلم، كما لو كان في المثال دينار من الدينارين معلوما كونه من الغير و كان الدينار الآخر مشكوكا، فإن لم يكن هذا الدينار الواقع في اليسار ملكا له يكون أحد الدينارين الواقعين في اليمين ملكا له لا كلاهما و يكون الآخر محتملا، فبعد إفراز المتيقّن في الواحد يبقى الآخر مشكوكا فيحكم بكونه له إذا انتقل إليه من غيره أو قلنا بحجّيّة اليد لنفسه أو قلنا بجريان أصالة البراءة عن حرمة التصرّف و عن وجوب الردّ بالنسبة إلى الذي ليس طرفا للعلم الإجماليّ.

أو يفصّل بين العلم الإجماليّ و غيره، ففي الأوّل يحكم بالإعطاء، و في الثاني يحكم بعدم لزومه إذا كان منتقلا من غيره أو كان في يده و لم يكن احتمال كونه لغيره منقدحا من أوّل الأمر، و أمّا إذا كان منقدحا من أوّل الأمر فالظاهر لزوم الإعطاء.

أمّا لزوم الإعطاء في صورة العلم الإجماليّ فقد اتّضح ذلك.

إن قلت: إنّ العلم الإجماليّ بلزوم إعطاء الدينار أو الدينارين الآخرين لا يكون منجّزا، للزوم الضرر، فلا أثر له.

340
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس أن يعلم المالك و يجهل المقدار 3 ص 337

..........

قلت: لا يكون منجّزا إذا استلزم الضرر، و أمّا إذا رضي في المتيقّن بالصلح و الإفراز في خصوص مال خاصّ أو عيّن ذلك بالقرعة و طلب المحتمل فلا يكون ضررا قطعيّا، و الضرر المحتمل غير مشمول لدليل نفي الضرر، فتأمّل.

و أمّا الثاني فلدليل حجّيّة يد الغير إذا كان منتقلا إليه من غيره، و أمّا إذا كان عند نفسه محتملا و لم يكن الاستيلاء عليه من أوّل الأمر على وجه الاحتمال، فلحجّيّة اليد بالنسبة إلى نفسه، كما يظهر من صحيح جميل، قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل وجد في منزله دينارا؟ قال: «يدخل منزله غيره؟» قلت: نعم، كثير.

قال: «هذا لقطة».

قلت: فرجل وجد في صندوقه دينارا؟ قال:

«يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شي‌ء؟» قلت: لا. قال: «فهو له» «1».

فإنّه يشمل صورة كون الدينار الذي وجده محتملا لأن يكون من بقيّة مال كان في الصندوق لغيره أو كان في يده لغيره و صورة العلم الإجماليّ، فإنّ إطلاقه يحكم بكونه له إذا صار موردا للعلم الإجماليّ ثمّ صولح عليه بدينار خارج مع احتمال كونه لغيره، ذاك الغير أو غيره، مع أنّ المسبوقيّة بالعلم التفصيليّ- كما في جميع الأموال- غير مضرّ بحجّيّة اليد فكيف بالمسبوقيّة بالعلم الإجماليّ.

و أمّا خصوصيّة انقداح الاحتمال بعد الوجود الظاهرة من قوله «فوجد دينارا في صندوقه» فلعلّه من باب بيان وجه الشكّ و أنّ الشكّ من هذه الجهة، فإنّه لو كان عالما بالدينار من أوّل ما يجعله في الصندوق لكان عالما بكونه له أو‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 353 الباب 3 من أبواب اللقطة.

341
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس أن يعلم المالك و يجهل المقدار 3 ص 337

..........

لغيره، أو لبيان أنّه لم يكن من أوّل وضعه في الصندوق و من ابتداء استيلاء اليد عليه شاكّا في ذلك حتّى لا تكون اليد حجّة، فيحتمل أن يكون وضعه فيه من باب إحراز أنّه من ماله.

و أمّا السؤال عنه بأنّه هل يدخل أحد يده فيه، فلا يدلّ على أنّ المقصود بيان الاطمئنان بكونه له لا من باب حجّيّة اليد، فإنّ الاطمئنان المذكور غير حاصل قطعا مع تعارف وضع الأشياء الأمانيّة في صناديق التجّار بيدهم لا بيد غيرهم، مع أنّه لو كان كذلك فليس هذا ممّا يسأل عنه، فإنّ الناس يعرفون موارد اطمينان كون المال لهم دون غيرهم.

إن قلت: قوله «أو يضع فيه شي‌ء» بعد قوله «يدخل أحد يده في صندوقه غيره» لعلّه ظاهر في الأمانات الّتي توضع في الصناديق بيد التجّار و لكن ينسب إلى صاحب الأمانات و يقال: إنّ فلانا وضع ماله في صندوق فلان، فهو كناية عن وضع مال الغير بيد صاحب الصندوق، كما أنّ الأوّل عبارة عن وضع شخص ماله بنفسه في صندوق غيره، و بعد فرض عدم ذلك فلا محالة يكون المال لصاحب الصندوق.

قلت: هذا غير مراد قطعا، لأنّه بعد فرض ذلك فلا يبقى شبهة حتّى تحتاج إلى الجواب، بل يعدّ جواب ذلك مع الفرض المذكور من المضحكات فكيف يصدر عن الإمام المعصوم عليه السّلام؟! فلعلّ المقصود من الأوّل- «يدخل أحد يده»- المعبّر عنه بالفعل المضارع هو الدوام و الملكة، بأن يكون الصندوق مشتركا من حيث اليد، و من الثاني بقرينة مادّة «الوضع» المناسب للدوام- لا الوضع و الرفع- و قوله «شي‌ء» المشعر بأنّه من باب الاتّفاق هو وضع شخص ماله بيده بحسب الاتّفاق.

فنقول: إنّه يشترط في حجّيّة اليد لنفسه أن يكون حدوث الاستيلاء بيده قطعا لا‌

342
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس أن يعلم المالك و يجهل المقدار 3 ص 337

..........

بيد غيره، و لذا نقول: إنّه لا تنافي بين صدر الرواية- قوله عليه السّلام «رجل وجد في منزله دينارا» و ذيلها، مع أنّه لعدم التنافي جواب آخر، و هو عدم صدق كون الشي‌ء بيده بصرف كونه في منزله، فإنّ اليد على النقود بكونها في الموضع المعدّ لجعل النقود فيه، فلا يحكم بكونه له مثلا إذا وجد في أراضيها المتّسعة.

و يمكن أن يكون المقصود من الأوّل إحراز إدخال اليد دون الوضع، و من الثاني إحراز الوضع.

و يمكن أن يكون الثاني- كما أشير إليه في الاعتراض- كناية عن الأمانة، لا عن كلّ إدخال مال الغير في صندوقه و لو على النحو المحرّم، فعلى الأخير أيضا غير مضرّ بالاستدلال في ما نحن فيه المفروض أنّه ليس على وجه الأمانة بل يكون على الوجه المحرّم.

فالاستدلال بالصحيح للمورد وجيه، و الاعتراض عليه بمنافاته للصدر و بأنّ مقتضى السؤال هو أنّ المقصود بيان حصول الاطمئنان و عدم إطلاقه لمورد البحث، كلّ ذلك مدفوع و مردود.

نعم، قد يقال: إنّه معارض بمعتبر إسحاق بن عمّار، قال:

سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن رجل نزل في بعض بيوت مكّة فوجد فيه نحوا من سبعين درهما مدفونة، فلم تزل معه و لم يذكرها حتّى قدم الكوفة كيف يصنع؟

قال: «يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها».

قلت: فإن لم يعرفوها؟ قال: «يتصدّق بها» «1».

فإنّ المنساق منه معلوميّة أنّ الدراهم ليست لهم و لا لآبائهم، بل للمسافرين‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 355 ح 3 من ب 5 من أبواب اللقطة.

343
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس أن يعلم المالك و يجهل المقدار 3 ص 337

..........

الداخلين في المنزل، فإنّه لو كان كنزا من آبائهم فلا يجعلونها في محلّ يعرفها المسافرون، مع أنّ سبعين درهما لا يدفن كنزا، مع أنّ حفر المنزل في فرض سكونة أهل المنزل- كما هو الظاهر- ممّا لا وجه للمسافرين، مع أنّه مع فرض الاحتمال المذكور لا بدّ من إعطائهم من دون السؤال عن التعريف كانت يده حجّة عليهم أم لا، مع أنّ قوله عليه السّلام «لعلّهم يعرفونها» غير السؤال عن كون المال مالهم، فهو يناسب المفروغيّة عن عدم كون المال مالهم لكنّهم يمكن أن يعرفوا أنّ ذلك لأيّ قافلة من القوافل الواردة في منزلهم، فالظاهر أنّه كان لبعض المسافرين و دفن، بأن كان تحت لبنة أو آجر لعدم الصندوق المعتبر.

و أمّا احتمال كون الأموال لصاحبي المنزل من دون أن يكون لآبائهم فهو أبعد، لبعض الوجوه المتقدّمة، و لأنّ الساكن الذي هو أهل البلد لا محالة يكون له صندوق و محلّ للمال و تكون عدّة منهم في المنزل دائما بحسب النوع. هذا مع أنّه لو احتمل ذلك يكون كصدر الرواية.

و الحاصل أنّ اليد حجّة لنفسه إذا لم يكن حدوث الاستيلاء عليه محتملا كونه من غيره، و في غيره يكون كالفرض الثالث، مع أنّه لو كان لهم يعرفونها بحسب العادة. و فيه إشعار إلى حجّيّة يدهم إذا ادّعوا أنّها لهم و يعرفونها.

و أمّا لزوم الاحتياط في ما إذا كان المال من ابتداء الاستيلاء عليه محتملا كونه لغيره- كما في أخذ المال المشترك من الغاصب- فلوضوح عدم حجّيّة اليد، لوضوح عدم تأثير اليد في كون الاستيلاء على وجه الاستحقاق، و من المعلوم: عدم شمول الصحيح المتقدّم «1» لذلك، لقوله في السؤال «وجد. دينارا»، فلا يبقى إلّا أصالة الحلّيّة في المال المحتمل كونه حلالا- كما أفتوا به في ما يؤخذ من أموال‌

______________________________
(1) في ص 341.

344
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس أن يعلم المالك و يجهل المقدار 3 ص 337

لكنّ الأصحّ التنصيف فيه و في مورد العلم الإجماليّ الخارج عن استقرار اليد (1).

السلطان و بيّنّا الدليل عليه في ابتغاء الفضيلة- فتدلّ الأخبار الكثيرة على حلّيّته.

مضافا إلى أنّ مقتضى أصالة الحلّيّة: جواز التصرّف في المال المشكوك أنّه له أو لغيره. و الإجماع المشهور لعلّ مورده هو المال الذي علم كونه مال الغير لكن لا يعلم طيب نفسه، أو كان مالا للغير بالخصوص فيشكّ في الانتقال إليه.

فيمكن أن يقال: إنّه لا مانع من أصالة الإباحة في المقام، و لكنّ الأخبار المشار إليها واردة في الأخذ من الغير الذي ماله مخلوط بالحرام (بمعنى كون الحرام فيه) فيحتمل أن يكون ذلك- الذي وقع فيه الإباحة أو النقل- من أمواله المباحة، فيحكم بذلك، و هو على طبق القاعدة من باب اليد غير المعارض بيده في سائر أمواله للخروج عن محلّ الابتلاء، أو من جهة التعارض بين مقتضى الأيادي و الرجوع إلى أصالة الصحّة في البيع، كما هو المعروف في باب الملاقي و الملاقي.

و أمّا أصالة الإباحة فمدفوعة بصحيح جميل، بل بذيله، بل بمعارضة في وجه.

مضافا إلى معارضة استصحاب كون المال للغير لاستصحاب عدم كون الشخص المورد للبحث مالكا، فيرجع إلى استصحاب عدم جواز التصرّف.

لكنّ الظاهر حكومة استصحاب عدم الفرد على بقاء الكلّيّ في ما إذا كان للفرد أثر، لكنّ الحكم بكونه لقطة أو عدم الحكم بجواز التصرّف لا يثبت إلّا وجوب الفحص، لا الإعطاء بعد الفحص و التردّد، فالظاهر أنّ أصالة الحلّيّة خالية عن هذا الإشكال.

لأنّ دليل التنصيف شامل لصورة عدم اليد الحجّة بلا شقّيها، فإنّ خبر السكونيّ «1» وارد في مورد عدم استقرار اليد من أحدهما، و لا فرق بين الغاصب‌

______________________________
(1) المتقدّم في ص 308.

345
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس أن يعلم المالك و يجهل المقدار 3 ص 337

و من ذلك يظهر حكم ما لم يكن في يدهما أصلا، كأن كان بيد الغاصب أو كانت اليد على المال على وجه الاشتراك.

ثمّ إنّه في مورد لزوم الاحتياط- من جهة طرفيّة المحتمل للعلم الإجماليّ مع فرض اليد الحجّة الساقطة بالعلم و عدم الاكتفاء بالأقلّ- فهل يجب إعطاء الزائد و يجب عليه الرضا حتّى يجوز للمالك التصرّف فيه أو يجوز إرجاع الأمر إلى الحاكم و مطالبته أن يستقرع بينهما؟ فيه إشكال (1)، و الأحوط إعطاؤه تماما، و قيل بالتنصيف (2).

و الودعيّ و بين ما كان المال في الصندوق المشترك أولا، و حيث إنّ خبر السكونيّ وارد في مورد وجود العلم الإجماليّ لأحدهما دون الآخر فيحكم بالتنصيف في مورد التساوي- من جهة طرفيّة المحتمل للعلم الإجماليّ و عدمها بالنسبة إلى الطرفين- بالأولويّة القطعيّة، فلعلّ الظاهر هو التنصيف في مطلق ما ليس لأحدهما يد على المال.

وجه الإشكال: احتمال أن يكون مورد القرعة هو الأمر المشتبه فيقدّم على العلم الإجماليّ، و احتمال أن يكون موردها ذلك في كلّ مورد تكون القرعة أعدل من العلم الإجماليّ، كما في الصحيح من أنّ «أيّ قضيّة أعدل من القرعة إذا فوّضوا أمرهم إلى اللّه عزّ و جلّ» «1»، و احتمال أن يكون بينهما التوارد، فإنّ القرعة كما ترفع موضوع التنجّز و هو العلم الإجماليّ كذا العلم الإجماليّ يرفع موضوع القرعة و هو المشكل، فيدور الأمر بين التعيين و التخيير في مقام الحكم الظاهريّ.

كما أفتى به غير واحد من علماء العصر استنادا إلى ما تقدّم من أخبار التنصيف. و هو غير واضح، إذ جميع تلك الأخبار واردة في مورد التداعي و عدم استقرار اليد من أحدهما دون الآخر و لو كان تلك اليد طرفا للعلم الإجماليّ، فإسراء الحكم إلى المورد غير واضح، فإنّ يده حجّة في مقام الدعوى، و المقصود‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 18 ص 191 ح 17 من ب 13 من أبواب كيفيّة الحكم.

346
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس أن يعلم المالك و يجهل المقدار 3 ص 337

هذا كلّه في فرض كون طرفه أيضا شاكّا في ذاك المحتمل، و أمّا إذا كان عالما بكون المال له أو مدّعيا لذلك و كان الواجب على الآخر الإعطاء من باب كون الزائد المحتمل طرفا للعلم الإجماليّ، فلا إشكال في المسألة.

و كذا لو كانت الحجّة- من يد الغير أو يد نفسه- قائمة على كونه ملكا له، فإنّه يجب عليه الإعطاء و يجوز له الأخذ في الفرض الأوّل، و لا أثر لدعواه في الفرض الثاني، لأنّ توهّم حجّيّة الدعوى الّتي لا معارض لها مختصّ بعدم وجود حجّة لطرفه.

إنّما الإشكال في فرض عدم لزوم إعطاء المحتمل تماما و الحكم بالتنصيف. وجه الإشكال أنّ علمه و دعواه أنّ المال بتمامه له لا معارض له، و من احتمال شمول دليل التنصيف. و الأصحّ هو الأوّل (1).

العمل بتكليفه في ما بينه و بين اللّه، بخلاف مورد عدم اليد الحجّة، فإنّ المورد مورد الدعوى و إن لم تتحقّق في الخارج.

هذا كلّه في ما إذا كان من يحتمل أن يكون المال له شاكّا أيضا، و أمّا إذا لم يكن كذلك بأن كان عالما بأنّ المال له أو كان عالما بأنّ المال ليس له، فيختلف تكليف من بيده المال على ما سيجي‌ء شرحه إن شاء اللّه تعالى.

قال الطباطبائيّ قدس سرّه في ملحقات عروته ما ملخّصه أنّه:

نسبت حجّيّة الدعوى المذكورة إلى الأصحاب، بل نقل الاستدلال عليها بالإجماع و بموثّق منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

قلت: عشرة كانوا جلوسا وسطهم كيس فيه ألف درهم، فسأل بعضهم بعضا أ لكم هذا الكيس؟ فقالوا‌

347
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس أن يعلم المالك و يجهل المقدار 3 ص 337

..........

كلّهم: لا، و قال واحد منهم: هو لي، فلمن هو؟ قال:

«للّذي ادّعاه» «1».

و بصحيح البزنطيّ، قال:

سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن الرجل يصيد الطير الذي يسوى دراهم كثيرة و هو مستوي الجناحين و هو يعرف صاحبه أ يحلّ له إمساكه؟ فقال:

«إذا عرف صاحبه ردّه عليه، و إن لم يكن يعرفه و ملك جناحه فهو له، و إن جائك طالب لا تتّهمه ردّه عليه «2»» «3».

أقول: الظاهر أنّ المقصود من السؤال الأوّل أنّه بعد عدم قرينة على التصرّف فيه مع العلم بالمالك هل يجوز التصرّف أم لا؟ فكأنّه احتمل أن يكون شرط مالكيّة الطير المباح التصرّف فيه و لا يملكه بصرف الحيازة و استقرار اليد عليه، كما يقال بالنسبة إلى الأراضي الموات الّتي ليس لها ربّ: إنّه لا بدّ من التحجير و لا‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 18 ص 200، الباب 17 من أبواب كيفيّة الحكم.

أقول: في الوسائل- بعد نقله عن الكافي في الصحيح عن إبراهيم بن هاشم عن بعض أصحابه عنه-: و رواه الشيخ قدس سرّه بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن الوليد عن يونس عنه، و رواه في النهاية عن يونس بن عبد الرحمن عنه. انتهى.

و لا يخفى أنّ سند الشيخ قدس سرّه إلى محمّد صحيح- كما ذكروه- و كون الخبر موثّقا باعتبار محمّد بن الوليد، و في المستدرك- ج 17 ص 381، الباب 13 من أبواب كيفيّة الحكم- نقل ملخّص مضمونه عن الصدوق قدس سرّه في المقنع. فالخبر في غاية الاعتبار، بل لا يبعد الحكم بكونه صحيحا أو حسنا بإبراهيم، من جهة أنّ بعض أصحاب إبراهيم مقطوع أنّه من أهل الصلاح و السداد أو مورد للوثوق (منه قدس سرّه).

(2) الوسائل: ج 17 ص 366 ح 1 من ب 15 من أبواب اللقطة.

(3) ملحقات العروة: ج 2 ص 138، المسألة 14.

348
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس أن يعلم المالك و يجهل المقدار 3 ص 337

..........

يكفي صرف الحيازة و جعلها تحت اليد، كما أنّ الظاهر أنّ المقصود من قوله عليه السّلام «و إن لم يكن يعرفه و ملك جناحه فهو له» أنّ استواء الجناح و مالكيّة الطير له إذا لم يعرف صاحبه ملاك لجواز التصرّف ما دام لم يعرف له صاحب، فاستواء الجناح أمارة على عدم المالكيّة، لا أنّه ملاك واقعا.

قال قدس سرّه- بعد نقل الاستدلال المذكور-:

و لكنّ المتيقّن من الدليل عدم جواز معارضته و مزاحمته، لا الحكم بالملكيّة بمجرّد الدعوى، خصوصا قبل إثبات اليد عليه:

أمّا الإجماع فلأنّه القدر المتيقّن منه.

و أمّا الموثّق ففيه أوّلا: أنّ الظاهر أنّ مورده فرض العلم بعدم الخروج عن العشرة، و حينئذ ينحصر في العاشر فيقطع بذلك.

و ثانيا: على فرض عدم القطع يكون موردا لاستقرار يد الكلّ، فإذا نفوا إلّا واحد منهم انحصر اليد فيه، فهو له من باب استقرار اليد الاختصاصيّ.

و أمّا الصحيح ففيه أوّلا: أنّ الحكم بالردّ مقيّد بعدم اتّهامه، و هو ظاهر في عدم تجويز الكذب عليه، فيقطع بكونه له حينئذ.

و ثانيا: أنّ في المورد لا بدّ من العلم أو الاطمئنان، لوقوعه في يد من يجب عليه الردّ إلى صاحبه كاللقطة، و مورد الدعوى بلا معارض: ما ليس لأحد يد عليه تكون دليلا على مالكيّته أو يد مكلّفة بالدفع إلى‌

349
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس أن يعلم المالك و يجهل المقدار 3 ص 337

..........

صاحبه، ضرورة أنّه لا يمكن الحكم بحسب الإجماع و الأخبار بإعطاء اللقطة لمن يدّعيها من دون بيان علامتها، فهو دليل على الحمل على صورة العلم بعدم الكذب «1». انتهى ملخّصا مع إسقاط بعض أدلّته من أصالة الصحّة و غيرها.

أقول أوّلا: إنّه ليس مراد الأصحاب قطعا أنّه لا يجوز معارضته إلّا أنّه بعد الأخذ لا يحكم بملكيّته و يحرم التصرّف فيه و لا يجوز الشراء منه و لا غير ذلك، فإنّ تحقّق هذا الموضوع العجيب ممّا لم يعهد في العرف و الشرع، فإن كان إجماع على حجّيّة الدعوى فلا محالة يكون المقصود هو الحكم بملكيّته لو لم يقم دليل على خلافه.

و ثانيا: إنّ الحكم بالملكيّة بعد استقرار اليد واضح غير محتاج إلى الدليل الخاصّ، لعدم الفرق بينه و بين غيره من الأيادي، فإنّه ليس في الأيادي الأخر إلّا استقرار اليد مع احتمال أن يكون على الوجه المشروع، و في المقام حاصل، فلا وجه لعدم الحكم بالملكيّة حتّى في صورة استقرار اليد، بل هنا أولى، لأنّ المفروض أنّه مدّع للملكيّة فاستقرّ يده عليه بعنوان الملكيّة، و في الموارد الأخر يحتمل أن لا يكون كذلك و إذا سئل عنه يقول: لا أدري أنّ المال لي و إنّي أحكم بالملكيّة لأجل يدي أو يد غيري.

و ثالثا: إنّ ما ذكره من الحمل على صورة القطع لا معنى له، إذ لو كان المقصود هو الإرشاد إلى حجّيّة القطع أو كان المقصود هو الإرشاد إلى أنّه في مورد انحصار الأمر في العشرة يقطع بكون المال للعاشر إذا لم يكن لغيره، كلّ ذلك من‌

______________________________
(1) ملحقات العروة: ج 2 ص 138، المسألة 14.

350
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس أن يعلم المالك و يجهل المقدار 3 ص 337

..........

الواضحات و خارج عن شأن الإمام و شأن السائل.

و رابعا: إنّه لا وجه لظهور معلوميّة الانحصار فيهم، إذ لو كان مثلا في طريق الحجّ أو في المسجد فيخرج بعضهم و يدخل و كان غيرهم في ذلك المكان أيضا فلا يعلم الانحصار.

و خامسا: إنّ سؤال بعضهم عن بعض و الجواب بالنفي الصرف المشعر بعدم علمه إلّا بعدم كونه له دليل على احتمال أن يكون المال لشخص خارج، إذ لو كان لأحد العشرة الجلوس و كان كلّهم عارفا بذلك لكان عارفا بشخصه أيضا بحسب العادة.

و سادسا: إنّ ظاهر السؤال و الجواب أنّ لدعوى ذلك خصوصيّة في تملّك المال، و بناء على ما ذكره قدس سرّه لا خصوصيّة و لا دخالة للدعوى في ذلك، بل يحصل القطع، ادّعى أم لا.

و سابعا: نمنع كون المال في وسطهم مصداقا لليد، و إلّا لكان الكلّ ضامنين إذا كان مال غيرهم و كان المال لقطة.

و ثامنا: إن كانت اليد صادقة فهي اليد على وجه الشركة، لا اليد الاختصاصيّ قطعا، فإنّ المحلّ المذكور لم يكن محلّ المال الاختصاصيّ لواحد منهم.

و تاسعا: إنّ ما ذكره «من أنّ المقصود بعدم الاتّهام: عدم تجويز الكذب» لا يوافق العرف و اللغة، ففي اللغة اتّهمه بكذا: ظنّه به، و المستفاد من موارد الاستعمال من هذه المادّة: ذلك، مثل قوله: «فإن ذهب وهمه إلى الأربع أو الثلاث» مثلا، أو غير ذلك. و ظنّي أنّه ليس الوهم مرادفا للظنّ، لكن في مورد يتساوى الأمران مع قطع النظر عن القرائن الخارجيّة يكون المقصود هو الظنّ، من جهة ذهاب الذهن إلى أحد الطرفين و يخرج بذلك عن التساوي.

و عاشرا: إنّ ما ذكره «من كون مورده غير مورد حجّيّة الدعوى من دون‌

351
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس أن يعلم المالك و يجهل المقدار 3 ص 337

..........

المعارض» مدفوع بأنّ مورد عدم جواز الإعطاء: ما يعلم أنّه لو لم يكن للمدّعي لكان لغيره- كما في اللقطة- و أمّا في المورد فليس كذلك، فإنّه لو لم يكن للمدّعي لكان مباحا يصحّ تملّكه، أو محكوما بذلك لأصالة البقاء على الإباحة، فإنّ مورده الطير المباح الأصل على ما هو الظاهر من مساق الرواية من تقسيمهما إلى مالك جناحيه و غيره.

و في الحادي عشر يقال: إنّه لو اختصّ الدليلان بصورة القطع فلا دليل على عدم جواز معارضته في صورة عدم القطع إلّا الإجماع، و لا منشأ له إلّا الأخبار و غير ذلك و لم يثبت كونه إجماعا تعبّديّا، و أمّا أصالة الصحّة في الدعوى فلم يقم دليل على اعتبارها، و أصالة الصحّة في اليد إن أثبتت لازمها فتثبت الملكيّة، و إلّا لا يثبت عدم جواز المعارضة و المزاحمة.

و في الثاني عشر يقال: إنّه لا فرق في نظر العقلاء بين نفس اليد و بين دعوى المالكيّة ليثبت بعد ذلك عليه اليد، فإنّه إن كان منشأ الاعتبار باليد عدم الاعتبار باحتمال الانحراف عن المشروع- فإنّ بناء نوع الناس على عدم السرقة و الخيانة، و السارق و الخائن قليل نوعا- فلا فرق بين اليد و الدعوى لأن يثبت عليه اليد، إلّا أن يقال: إنّ العمدة في الاعتبار باليد حفظ نظام المعاملات- لا الظنّ النوعيّ- فليست المصلحة فيها طريقيّة صرفة و الوصول إلى الواقع، بل الملاك في نفس الجعل، و هو خلاف ما هو المعروف بينهم من كون اليد أمارة.

و كيف كان، فالظاهر عدم الخفاء في الحكم من حيث الدليل و دلالة الدليلين على حجّيّة الدعوى من غير المعارض في صورة عدم وجود اليد الحجّة.

إن قلت: إنّ دليل التنصيف «1» يحكم فيه بالتنصيف فيعارض دليل حجّيّة‌

______________________________
(1) المتقدّم في ص 307 و ما بعدها.

352
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس أن يعلم المالك و يجهل المقدار 3 ص 337

..........

الدعوى من غير المعارض.

قلت أوّلا: لا يشمل دليل التنصيف لتلك الصورة، فإنّ مورده إمّا صورة تحقّق الدعوى من الطرفين كما في مورد الإبل «1» و إمّا صورة الجهل من الطرفين كما في مورد خبر السكونيّ المتقدّم «2».

و ثانيا: إنّ نفس حكم التنصيف ظاهر في صورة عدم الحجّة في المقام على كون المال كلّه لأحد الطرفين، و إلّا لكان الدليل معارضا للبيّنة و اليد و غير ذلك من الأصول و الأمارات، و هو واضح.

إن قلت: إنّ صحيح البزنطيّ قيّد الردّ بعدم الاتّهام، و ذلك ممّا لا يقول به الأصحاب، فالخبر معرض عنه من حيث الفتوى، من جهة عدم تقييدهم بذلك.

قلت: إنّ منطوق الخبر لا يخالف المشهور- و هو وجوب الردّ في صورة عدم الاتّهام- و أمّا المفهوم فلا يدلّ عليه إلّا بنحو الإجمال و القضيّة الجزئيّة، و يمكن أن يكون ذلك باعتبار تحقّق كون الدعوى بلا معارض، فيكون المفهوم أنّه لو كان متّهما فلا بدّ من الفحص و التثبّت حتّى يعلم أو يطمئنّ بعدم مدّع آخر لذلك، و هو الذي أفتى به الأصحاب، فراجع ملحقات العروة «3»، فإنّ من فروع الباب هو تحقّق موضوع عدم المعارض بالفحص و التأمّل و التثبّت عن حال المدّعي.

______________________________
(1) المتقدّم في ص 307.

(2) في ص 308.

(3) ج 2 ص 138، المسألة 14.

353
کتاب الخمس (للحائري)

فرع ص 354

فرع

ما ذكر إنّما هو بيان تكليف من بيده المال بالنسبة إلى الزائد على القدر المتيقّن، و أمّا تكليف من يحتمل كون المال له: فإن علم أنّه له فلا إشكال، و إن علم أنّه ليس له و لم يكن أداء المحتمل واجبا على ذي اليد من جهة يده أو يد من أخذ منه المال أو من جهة أصالة الحلّيّة في المفروض- و هو كون صاحبه عالما بأنّه غير مالك للمحتمل- فلا إشكال أيضا (1).

و حينئذ إن كان واجبا على ذي اليد أداء المال من باب طرفيّته للعلم الإجماليّ فهل يجب على صاحبه الرضا بتملّك ذي اليد للمال حتّى يخلص عن الحرام المنجّز عليه و على فرض الامتناع يرجع إلى الحاكم فيتولّى ذلك من جانبه، أو لا يجب عليه بل يجب على الحاكم بملاحظة مصلحة صاحب اليد، أو لا يجب عليهما أصلا بل يجب على صاحب اليد تمليك صاحبه أو الرضا بالتصرّف فيه حتّى يحصل الردّ؟ وجوه.

مقتضى القاعدة هو الأخير (2).

و كذا لو كان العلم الإجماليّ من الطرفين إذا كان لمن بيده المال يد حجّة على غيره و إن لم تكن حجّة لنفسه، لطرفيّته للعلم الإجماليّ (3).

و أمّا إذا كان العلم الإجماليّ من الطرفين و لم يكن لأحدهما يد لاختصاص دليل التنصيف بغير صورة كون أحدهما عالما بأنّ المال لا يكون له، فلا مانع من أصالة الحلّيّة.

لأنّه مقتضى منجّزيّة العلم الإجماليّ من دون القطع بالضرر.

فإنّه لا يجري في المقام دليل التنصيف، لأنّه ليس موردا للدعوى، فإنّ لصاحب اليد ادّعاء المالكيّة و أخذ جميع المال.

354
کتاب الخمس (للحائري)

السادس صورة احتمال حرمة جميع المال و حليته ص 355

حجّة (1) فالتنصيف تكليف بالنسبة إليهما على ما تقدّم.

السادس [صورة احتمال حرمة جميع المال و حلّيّته]

إذا كان محتملا لكونه حراما أو حلالا بأن كان احتمال حلّيّة جميع المال و حرمته كذلك متحقّقا سواء كان احتمال الاختلاط أيضا منقدحا أم لا فهل يكون إخراج خمسه محلّلا مطلقا أم لا يكون محلّلا كذلك، أو يفصّل بين صورة كون المال طرفا للعلم الإجماليّ- بأن علم إمّا باشتغال الذمّة و إمّا بوجود الحرام في المال أو بأنّ جميعه حرام- و بين غيره، أو يفصّل بين صورة احتمال الاختلاط و غيره و يحكم بأنّه في فرض احتمال الاختلاط محلّل للمال بالنسبة إلى الفرض المزبور؟

وجوه، يمكن القول بكون الخمس محلّلا مطلقا (2).

كالشريكين اللذين كان يدهما على نحو الاشتراك و بقي دينار مردّدا بينهما بأن يعلم كلّ منهما إمّا هذا الدينار الواحد لصاحبه أو الديناران.

أقول: ذكر الشيخ الأنصاريّ قدس سرّه في ما لو كانت الجائزة المأخوذة من السلطان الجائر أو بعض عمّاله من المال الذي فيه الحرام قطعا لكنّه خارج عن محلّ الابتلاء أو كانت الشبهة غير محصورة:

أنّه حلال و مكروه و أنّ جماعة من الأصحاب حكموا برفع الكراهة بأمور، و عدّ منها الخمس، كما حكي عن المنتهى و المحقّق الأردبيليّ، و ظاهر الرياض هنا عدم الخلاف- إلى أن قال:- يمكن أن يستأنس أو يستدلّ على استحباب الخمس (بعد فتوى النهاية الّتي هي كالرواية، و كذلك فتوى السرائر مع عدم العمل فيها إلّا بالقطعيّات) بالموثّق المسؤول فيه عن عمل السلطان «1». انتهى ملخّصا.

______________________________
(1) المكاسب للشيخ الأنصاريّ قدس سرّه: ص 67- 68.

355
کتاب الخمس (للحائري)

السادس صورة احتمال حرمة جميع المال و حليته ص 355

..........

أقول: هو موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

إنّه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل، قال:

«لا، إلّا أن لا يقدر على شي‌ء يأكل و لا يشرب و لا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شي‌ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت» «1».

و قد أورد على الاستدلال به بإمكان حمله على وجوبه من باب وجوب الخمس في أرباح المكاسب، كما في تعليق الميرزا محمّد تقيّ الشيرازيّ «2» قدس سرّه.

و قد أجيب عن ذلك بأنّ ذلك مندفع بالإطلاق لو لا المعارضة بظهور الأمر في الوجوب، كما في تعليق تلميذه الشيخ محمّد كاظم الشيرازيّ «3» قدس سرّه. و قد تبعه بعض مقرّري بحث بعض علماء العصر «4» كان اللّه لهم.

أقول: في الإيراد و الجواب و المعارضة بظهور الأمر في الوجوب نظر:

أمّا الأوّل فلأنّ قوله «فإن فعل» ظاهر جدّا في أنّ بعث الخمس بمنزلة الكفّارة لذلك العمل، فإنّ السؤال و الجواب بصدد حكم ذلك العمل من حيث الحلّيّة و الحرمة و من حيث ما يصل إليه من العوض، و الحكم بوجوب الخمس من حيث الفائدة أجنبيّ عن ذلك، و لذا لم يعهد ذلك في جميع الأدلّة المتعرّضة للنهي عن المعاملة. ثمّ الإجازة فيها على وجه الكراهة أو الاضطرار كأن يقال مثلا: «لا تجعل شغلك الحياكة و لكن إن فعلت فأعط خمسه» فإنّ ذلك إن كان من باب مطلق‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 353 ح 2 من ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) حاشية المكاسب: ص 164.

(3) بلغة الطالب: ج 1 ص 226.

(4) مصباح الفقاهة: ج 1 ص 500.

356
کتاب الخمس (للحائري)

السادس صورة احتمال حرمة جميع المال و حليته ص 355

..........

الفائدة لا من باب رفع الكراهة لا يخلو عن حزازة لا تليق بكلام أبي عبد اللّه عليه السّلام.

و أمّا الثاني- و هو الجواب عنه بالإطلاق- فهو غير واضح، لأنّ قوله عليه السّلام «فصار في يده شي‌ء» ظاهر أو مشعر بالزيادة على المئونة في الجملة، فيمكن أن يكون المقصود من قوله «يخرج»: يسافر في عمل السلطان فيصير في يده شي‌ء بعد مئونة السفر، أو يكون المقصود أنّه يخرج من وطنه و يصير عاملا للسلطان على وجه الدوام في بلد آخر، فيكون المقصود حصول مال من ذلك زائدا على مئونته السنويّة، و كيف كان، فلا إطلاق له.

و حينئذ يتوجّه إيرادان:

أحدهما: أنّ الخمس المحلّل ليس بعد المئونة.

و الجواب عنه أنّ مسألة الخمس بالخصوص من الأمور المفوّضة إلى الإمام عليه السّلام فيمكن صرف النظر عمّا صرفه في المئونة.

ثانيهما: أنّه إذا كان الخمس هو المحلّل فلا بدّ من خمس آخر من جهة أرباح المكاسب بالنسبة إلى الباقي بعد الخمس.

و الجواب أوّلا: أنّ تعدّد الخمس غير واضح، و يأتي الكلام فيه «1» إن شاء اللّه تعالى.

و ثانيا: أنّ المستفاد من الأخبار من سيرة أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام أنّهم لا يأخذون خمس الأرباح و كانوا يحلّلونه لشيعتهم.

و أمّا الثالث- و هو المعارضة بظهور الأمر في الوجوب- فهو إيراد آخر على الاستدلال الذي ذكره الطباطبائيّ قدس سرّه في تعليقه من ظهور الأمر في الوجوب، مع أنّ الخمس المحلّل في ما يؤخذ من السلطان لرفع الكراهة، و هو‌

______________________________
(1) في ص 408.

357
کتاب الخمس (للحائري)

السادس صورة احتمال حرمة جميع المال و حليته ص 355

..........

مستحبّ، فهو دليل على كون الخمس من حيث الأرباح.

و الجواب عنه بوجهين:

أحدهما: عدم معلوميّة الاستحباب في مورد الرواية ممّا لم يقع معاملة صحيحة- كالهبة و البيع و غير ذلك- و إنّما جعل مال في قبال العمل الذي هو إعانة للظالم، فلا محلّ لأصالة الصحّة في العمل، و مقتضى الأصل: عدم حصول الملكيّة للعامل، و حينئذ يجب الخمس، لاحتمال الحلّيّة من باب كونه من الخراج و المقاسمة فيحلّ ذلك للشيعة المحتاج إلى ذلك كما هو الظاهر من صدر الرواية.

ثانيهما: أنّ الظاهر أنّ الأمر إرشاد إلى ما هو الشرط في حصول الحلّيّة، فإن كان التحليل واجبا من جهة القطع بوجود الحرام كان الخمس واجبا، و إن كان التحليل حسنا للخروج عن احتمال الحرمة كان الخمس مستحبّا، فهو كأوامر الاحتياط و الأمر بالسورة في الصلاة أو الأمر بالأجزاء الأخر فيها، فإنّ كلّ ذلك إرشاد إلى الشرطيّة، و وجوب الشرط أو استحبابه تابع لوجوب المشروط أو استحبابه، كما لا يخفى.

و هنا إشكال آخر في الرواية من حيث إنّه يعلم في المقام بحرمة جميع المال من حيث إنّه إن لم يكن الأجرة من أموال حلال السلطان فحرام و إن كان من أمواله الشخصيّة فحيث إنّه واقع في قبال الحرام فهو أيضا حرام.

و الجواب أنّه إن كان من أموال الخراج و المقاسمة و كان العمل مشروعا مع قطع النظر عن الإعانة فظاهر الأخبار و الفتاوى حلّها للشيعة فيحتمل قويّا أن يكون من ذلك الأموال، فالظاهر أنّ الاستدلال به لا يخلو عن وجه. و هو العالم.

و يستدلّ على ذلك أيضا بمرسل الفقيه، قال:

جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: يا أمير المؤمنين أصبت مالا أغمضت فيه، أفلي توبة؟ قال:

358
کتاب الخمس (للحائري)

السادس صورة احتمال حرمة جميع المال و حليته ص 355

..........

«ائتني خمسه» فأتاه بخمسه. فقال: «هو لك، إنّ الرجل إذا تاب تاب ماله معه» «1».

و السند مع إرساله معتبر، لأمرين: أحدهما: نقله في الفقيه بنحو الجزم و إسناده إلى الإمام عليه السّلام جزما. ثانيهما: الاكتفاء في حكم الخمس المختلط بهذا الحديث، و هذا هو المتيقّن ممّا ذكره في ديباجة الفقيه من أنّ ما ينقله حجّة في ما بينه و بين اللّه تعالى، كما أنّ عمومه للمورد واضح.

و الإشكال فيه عندي ينحصر في أنّ قضيّة المراجعة إليه عليه السّلام منقولة في الأوّل «2» و الرابع «3» أيضا، و احتمال تعدّد القضيّة و إن كان متحقّقا إلّا أنّه يبعّده عدم الإشارة في تلك الروايات المتعرّضة للرجوع إليه عليه السّلام إلى التعدّد، و معه لا يرى العرف حجّيّة لظهور أحدها مستقلّا عن الآخر، فكلّها عند العرف بمنزلة رواية واحدة. و هو العالم.

و يمكن الاستدلال أيضا بخبر السكونيّ المتقدّم «4» المبيّن هناك اعتباره من حيث السند، و نزيد هنا أنّه منقول في كتب المشايخ الثلاثة و المقنعة و المحاسن، كما في الوسائل «5».

و تقريب الاستدلال به (بعد وضوح أنّ مثل تلك القضايا الشخصيّة الّتي تشبه القضايا الخارجيّة محمولة على ما هو المتعارف في الخارج، و من المعلوم أنّ من لا يبالي بالحرام و الحلال لا يدّخر المال المأخوذ بالجملة بل يشتري به الأشياء المطلوبة له، مع كون المعلوم اشتراء عمدة الأشياء بالذمّة، فليس الاختلاط في الخارج متيقّنا في جميع الصور بل لعلّ الأغلب عدم العلم باشتمال المال الموجود‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 353 ح 3 من ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 352 و 353 ح 1 و 4 من ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 352 و 353 ح 1 و 4 من ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) في ص 388.

(5) ج 6 ص 353.

359
کتاب الخمس (للحائري)

السادس صورة احتمال حرمة جميع المال و حليته ص 355

..........

على الحرام) أنّه يحتمل أن يكون الضمير في قوله «و لا أدري الحلال منه و الحرام» راجعا إلى المال المكتسب الأعمّ من التالف و الموجود الذي أغمض عن مطالبة، أو يقال: على فرض انصراف قوله «إنّي كسبت مالا» إلى أنّ المال موجود بالفعل كما هو الظاهر، فليس ظاهرا- خصوصا بعد وضوح عدم وجود جميع المال المكتسب بعينه نوعا- في أنّ جميع المكتسب موجود، فالمال المكتسب هو الذي يكون عمدته موجودا بسنخه- لا بشخصه- فيكون المكتسب هو الأعمّ من الموجود و التالف مع الانصراف إلى وجود عمدة المال على النحو المذكور، أو يقال: إنّ المرجع هو ما أغمض فيه و هو المطالب، أي لا أدري الحلال من مطالب المال و حرامها، و الأمر في الضمير سهل بعد وجود نكتة خارجيّة و كذا نكتة أخرى في الرواية- و هي مناسبة الحكم و الموضوع- تقتضيان أن يكون مورد الإغماض هو بعينه مورد الجهل من حيث الحلّيّة و الحرمة، أو يقال باحتمال ذلك و احتمال الرجوع إلى المال الموجود، و على الجميع يصحّ الاستدلال، إذ لم يستفصل الإمام عليه السّلام عن ذلك و أنّ المقصود أنّه لا يدري الحلال من المال من الحرام أو الحلال ممّا اكتسب من الحرام منه و لو كان تالفا؟ و الذي يؤيّده- مضافا إلى ما ذكر- أنّه من البعيد جدّا عدم التصرّف في المال الحرام المأخوذ من ممرّه، و عدم السؤال عنه، و عدم تنبيه الأمير عليه السّلام على ذلك، فالظاهر أنّ المسؤول عنه هو تكليفه في ما اكتسبه، أعمّ من الموجود و التالف، فيحكم بمحلّليّة الخمس في المال الذي لا يعلم بوجود الحرام فيه في صورة وجود العلم الإجماليّ إمّا بوجود الحرام في المال و إمّا باشتغال الذمّة بذلك، و كذا في ما إذا كان الاشتغال بالحرام من حيث الذمّة معلوما. و أمّا اشتمال المال على الحرام فغير معلوم، من جهة أن يكون الشراء بالذمّة غالبا، و إذا كان التخميس في المال الذي يكون الحرام المحتمل فيه طرفا للعلم الإجماليّ محلّلا له و رافعا للاشتغال يكون محلّلا للمحتمل بالأولويّة.

360
کتاب الخمس (للحائري)

مسائل ص 361

 

و ذلك من غير فرق بين كون الحرام المحتمل في المال طرفا للعلم الإجماليّ بحرمته أو باشتغال الذمّة بمال آخر و بين كون احتمال الحرمة بدويّا.

و لا فرق أيضا في محلّليّة الخمس بين أن يكون المال المعيّن محتملا لكونه حراما أو حلالا أو يكون المحتمل مردّدا بين أموال، فإنّ في كلّ ذلك يكفي الخمس في الحكم بالحلّيّة على ما هو المستفاد من الدليل (1).

مسائل

الاولى: لو تبيّن المالك بعد إخراج الخمس

ففي الضمان و عدمه وجهان بل قولان (2).

و لعلّ الأظهر عدم الضمان (3).

كلّ ذلك مستفاد من خبر السكونيّ و الفقيه على ما شرحناه في التعليق المتقدّم، فراجع.

كما في الجواهر «1». أمّا وجه الضمان فلإطلاق دليل اليد و الإتلاف، و الحكم بوجوب الخمس غير مناف لأن يكون ذلك على وجه الضمان، كما يجي‌ء من نقل عدم الخلاف في الضمان في مورد اللقطة، و أمّا وجه عدمه فنذكره في التعليق الآتي.

و عليه أكثر محشّي العروة في تلك الصور، لأنّ مقتضى مثل معتبر السكونيّ المتقدّم «2» «و سائر المال لك حلال» هو الحلّيّة الواقعيّة من دون اشتغال الذمّة، و إطلاقه يشمل صورة تبيّن المالك.

إن قلت: يعارض ذلك إطلاق دليل الضمان.

______________________________
(1) ج 16 ص 75.

(2) في ص 288.

 

361
کتاب الخمس (للحائري)

الاول لو تبين المالك بعد إخراج الخمس ص 361

..........

قلت: يجاب عنه أوّلا بأنّ مقتضى دليل الضمان و وجوب ردّه أو بدله إلى صاحبه هو عدم التصالح بالخمس في حال عدم تبيّن المالك و في حال التبيّن، فالدليل الشامل لكلا الحالين نسبته إلى دليل الضمان الذي مقتضاه وجوب أداء العين و عدم إتلافه و التصدّق و غيره هي العموم المطلق، كما لا يخفى.

و ثانيا بأنّ الظاهر حكومة دليل الخمس على دليل وجوب أداء العين و بدله، فإنّ كون مقتضى الدليل لو لا دليل الخمس هو لزوم الخروج عن عهدة المالك مفروض في دليل الخمس، و دليل الخمس متكفّل لعلاج ذلك المشكل، فالخمس بدل اضطراريّ عن الأداء فالأداء متحقّق ببدله الاضطراريّ، و هذا من صغريات أجزاء الأمر الاضطراريّ عن الواقعيّ الأوّل، و العمدة في وجه الإجزاء هو الحكومة بتوسعة دائرة الامتثال، فافهم و تأمّل.

و ثالثا على فرض المعارضة يرجع إلى استصحاب الحلّيّة و عدم الضمان.

إن قلت: يعارضه استصحاب لزوم التدارك لو كان تبيّنه قبل أداء الخمس بل يقدّم عليه، لتقدّم الاستصحاب التعليقيّ على الفعليّ، كما شرحناه و كتبناه في الأصول.

قلت: فعليّة وجوب الأداء عينا أو بدلا قبل الخمس على تقدير التبيّن عقليّ لا شرعيّ، فتأمّل.

و على فرض الجريان فالظاهر هو التعارض في المقام لا الحكومة، لأنّ ملاك حكومة التعليقيّ على الفعليّ هو كون التعليقيّ مشتملا على الحكم مع زيادة، و هي الاستناد إلى المعلّق عليه، بخلاف الفعليّ، و نتيجة ذلك كون التعليقيّ رافعا للشكّ بالنسبة إلى الفعليّ دون العكس. و هذا الوجه غير جار في المقام، لأنّ الفعليّ أيضا هو الحلّيّة المستندة إلى الخمس و كون الخمس محلّلا، فلا وجه لتقدّم أحدهما على الآخر. و هذه من الفوائد الأصوليّة الّتي لم تذكر في الأصول.

362
کتاب الخمس (للحائري)

الاول لو تبين المالك بعد إخراج الخمس ص 361

و أمّا اللقطة فلعلّ الظاهر هو الضمان (1).

و أمّا سائر الأموال المجهول مالكها ففي الضمان إشكال، و لعلّ الظاهر هو الضمان أيضا (2).

ففي مكاسب الشيخ الأنصاريّ قدس سرّه: إنّه لا خلاف في الضمان «1».

و يدلّ عليه غير واحد من الأخبار، منها: معتبر عليّ بن جعفر عن أخيه عليهما السّلام، قال:

و سألته عن الرجل يصيب اللقطة فيعرّفها سنة ثمّ يتصدّق بها فيأتي صاحبها ما حال الذي تصدّق بها؟

و لمن الأجر؟ هل عليه أن يردّ على صاحبها أو قيمتها؟

قال:

«هو ضامن لها و الأجر له، إلّا أن يرضى صاحبها فيدعها و الأجر له» «2».

و المستفاد منه أمور، أحدها: الضمان. ثانيها: كون الأجر لصاحب المال إن رضي بذلك، و للمتصدّق إن لم يرض بذلك و اغترم بل و إن لم يغترم. ثالثها: عدم ضمان الفقير أصلا حتّى في صورة بقاء عين المال.

و يلحق بذلك عدم ضمان الفقيه الأخذ لها من جانب الفقير في الصورتين.

و ذلك الرواية حفص بن غياث، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا و اللصّ مسلم هل يردّ عليه؟

______________________________
(1) المكاسب للشيخ الأنصاريّ: ص 71.

(2) الوسائل: ج 17 ص 352 ح 14 من ب 2 من أبواب اللقطة.

363
کتاب الخمس (للحائري)

الاول لو تبين المالك بعد إخراج الخمس ص 361

..........

فقال: «لا يردّه، فإن أمكنه أن يردّه على أصحابه فعل، و إلّا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرّفها حولا، فإن أصاب صاحبها ردّها عليه و إلّا تصدّق بها، فإن جاء طالبها بعد ذلك خيّره بين الأجر و الغرم، فإن اختار الأجر فله الأجر، و إن اختار الغرم غرم له و كان الأجر له» «1».

و الغمض في السند بالقاسم بن محمّد الذي عن النجاشيّ «إنّه لم يكن بالمرضيّ» و عن ابن الغضائريّ «إنّه غال في مذهبه» يمكن دفعه بمجموع أمور يورث الاطمئنان النوعيّ الحجّة عند العقلاء بالصدور:

منها: وجوده في كتب المشايخ الثلاثة و منها الفقيه.

و منها: روايته في المقنع المعدّ للفتوى عن حفص.

و منها: تصحيح العلّامة- كما في جامع الرواة- سند الصدوق قدس سرّه إلى سليمان بن داود المنقريّ و فيه القاسم بن محمّد.

و منها: كونه واقعا في طريق الصدوق المذكور في المشيخة الّتي أعدّها للفقيه الذي ذكر في مقدّمته ما ذكر.

و منها: أنّهم صرّحوا بأنّ لحفص بن غياث كتابا معتمدا، و المظنون المجزوم به عند بعض الخبرة من المحدّثين أنّ ما نقله الفقيه عن حفص ينقله من كتابه المعتمد، و ذكر الطريق ليس إلّا من باب اتّصال السند لا من باب الاعتماد على الواسطة.

و منها: أنّ في مكاسب الشيخ الأنصاريّ قدس سرّه:

أنّ المشهور- كما في جامع المقاصد- على أنّه إذا أودع الغاصب مال الغصب لم يجز الردّ إليه بل‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 368 الباب 18 من أبواب اللقطة.

364
کتاب الخمس (للحائري)

الثانية لو كان الحلال المختلط بالحرام موردا لتعلق الخمس من جهة أخرى ص 365

الثانية: لو كان الحلال المختلط بالحرام موردا لتعلّق الخمس من جهة أخرى

فيجب خمس آخر و لا يكفي خمس التطهير (1).

يجب ردّه إلى مالكه، فإن جهل عرّف سنة ثمّ يتصدّق به عنه مع الضمان، و به رواية حفص «1».

و منه يستفاد اعتماد المشهور على خبر حفص و كفى بذلك دليلا على الاعتبار.

و منها: أنّ المستفاد من تضعيف ابن الغضائريّ أنّ الوجه في ذلك: نقل أحاديث يكون فيها الغلوّ و الارتفاع، لا مشاهدة فسق أو كذب صريح منه. و هذا يمكن أن يكون من باب الاعتماد على الناقل و يمكن أن لا يكون ارتفاعا و لكن كان ارتفاعا بنظره. و كيف كان، فالظاهر هو الاعتماد عليه من حيث السند.

و أمّا دلالته على حكم مجهول المالك بنحو الإطلاق فمن جهة أنّ مورده يمكن أن يكون أخذ المال من الغاصب للردّ عليه فيكون يده يد ضمان، كما أنّه يمكن أن يكون الأخذ عنه من باب أن يراعي فيه تكليفه كائنا ما كان، و الظاهر أنّه بعد ما لم يردعه عن الأخذ منهم بهذا النحو فالمستفاد منه عدم تبعة عليه لو أخذه من باب الإحسان و الردّ إلى أصحاب المال ثمّ التصدّق عنهم إن كان يمكنه ذلك.

و الحاصل أنّه يشمل اليد العدوانيّة و اليد الإحسانيّة الأمانيّة، فحينئذ يحكم بالضمان مطلقا على طبق الرواية المتقدّمة. و منه يستفاد حكم اللقطة أيضا، كما لا يخفى.

كما في الجواهر، و فيها أنّه:

صرّح به بعضهم، لتعدّد الأسباب المقتضي لتعدّد المسبّبات، فما في الحواشي البخاريّة من الاكتفاء به ضعيف جدّا كدليله من الإطلاق الذي لم يسق لبيان‌

______________________________
(1) المكاسب للشيخ الأنصاريّ: ص 70.

365
کتاب الخمس (للحائري)

الثانية لو كان الحلال المختلط بالحرام موردا لتعلق الخمس من جهة أخرى ص 365

..........

ذلك «1». انتهى.

أقول أوّلا: إنّ الاستناد إلى قاعدة أنّ «تعدّد الأسباب يقتضي تعدّد المسبّبات» لا يخلو عن ضعف، فإنّ القاعدة تكون في فرض وحدة المسبّب، و في المقام يكون المسبّب متعدّدا، إذ متعلّق خمس التطهير هو مجموع المال المشتمل على الحرام و الحلال و متعلّق خمس الأرباح مثلا هو خصوص الحلال منه، و الخمس في المختلط واجب بالوجوب الشرطيّ بخلاف خمس الأرباح، فإنّ المعروف بينهم هو مالكيّة المال بنحو الإشاعة أو الكلّيّ في المعيّن أو بنحو حقّ الرهانة، فظاهر الدليل هو التعدّد و لو لم نقل بأنّ السبب مقتض للتعدّد، كما لا نقول به كما كتبناه و شرحناه في الأصول.

و ثانيا: إنّ ما ذكره من الإشكال في الإطلاق- من عدم سوقه إلّا لبيان الخمس الواجب من جهة التخلّص عن الحرام، و لذا لا يدلّ على عدم وجوب الزكاة لو كان في المال نصاب- إنّما هو بالنسبة إلى الإطلاق اللفظيّ، و أمّا الإطلاق المقاميّ فيمكن دعواه في المقام، فإنّ من لا يبالي بالحرام و الحلال مع فرض جمع المال و اكتسابه الذي هو مصداق للأرباح- خصوصا مع عدم تعارف إعطاء خمس الأرباح في عصر الأمير عليه السّلام من جهة التحليل- فالظاهر أنّه لا يعطي خمسه و لن يعطي بعد ذلك، فمحلّ التنبيه عليه يكون عرفا في هذا المقام، و حيث لم ينبّه في تلك الأخبار الناقلة للرجوع إليه عليه الصلاة و السلام لا منه و لا من الإمام الناقل له فهو دليل على عدم لزوم الخمس.

فالأولى: الجواب عنه بما أشير إليه- في ضمن بيان الإطلاق المقاميّ- من أنّ ذلك لعلّه من باب التحليل في عصره عليه السّلام و عصر أبي عبد اللّه عليه السّلام، فلا يدلّ على‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 76.

366
کتاب الخمس (للحائري)

الثانية لو كان الحلال المختلط بالحرام موردا لتعلق الخمس من جهة أخرى ص 365

و كيفيّته أداء خمس التطهير من مجموع المال ثمّ أداء الخمس الآخر من الباقي (1).

العدم بعد ما ورد بعد ذلك من الأخبار الرافعة للتحليل السابق، فافهم و تأمّل.

و من هنا يظهر أنّ الأقرب هو لزوم الخمسين، و هو العالم بالحقائق.

كما هو الظاهر من عبارة الجواهر حيث قال قدس سرّه:

«فيجب حينئذ بعد إخراج خمس التطهير خمس آخر» «1».

و الوجه في ذلك أنّ في مثل عشرة لو فرض أنّ الواحد منها حرام قطعا و احتمل أنّ الاثنين أو الثلاثة منها حرام و كان جميع المال إن لم يكن حراما من أرباح المكاسب- مثلا- فكما أنّ أربعة أخماس من المال مخلوط من الحرام كذلك الخمس، و لا ترجيح لأحد السهمين على الآخر. كما لو فرض وجود مال بين الشركاء بالإشاعة و تلك الشركة قد أغمضت في جمع المال فاختلط حرامه بالحلال، فإنّ تحليل كلّ واحد من السهام بإعطاء خمسه، و حينئذ يكون من بيده المال مالكا لأربع سهام من هذا المال و صاحب الخمس لسهم واحد من السهام الخمسة، و كلّ واحد من السهمين يكون من الحلال المختلط بالحرام، فإعطاء الاثنين في المثال المذكور يكون من باب تطهير العشرة، فيطهر بذلك مال ذي اليد فيملك بذلك أربعة أخماس من الثمانية و يملك صاحب الخمس من حيث الأرباح الخمس الباقي من الثمانية، فالمعطى لصاحب الخمس من باب التطهير- و هو الاثنان- ينقسم إلى سهام خمسة فيكون أربع منها لذي اليد و موجبا لتطهير سهمه و الواحد منه من طرف صاحب الخمس من حيث الأرباح فيعطى من باب تملّكه لخمس الباقي من حيث الأرباح.

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 76.

367
کتاب الخمس (للحائري)

الثانية لو كان الحلال المختلط بالحرام موردا لتعلق الخمس من جهة أخرى ص 365

و من ذلك يظهر حكم المال المشترك المختلط بالحرام (1).

و من ذلك يظهر النظر في ما أفيد من إخراج خمس التطهير من مجموع الحلال و الحرام بعد استثناء خمس الأرباح مثلا، إذ ليس على صاحب المال إلّا تخميس ماله المشتبه بينه و بين المجهول مالكه، و الثمانية من تلك المال في المثال فيه الحرام من المجهول و الحلال له و المحتمل كونه له أو للمجهول، و أمّا الاثنان فبعضه لصاحب الخمس قطعا و بعضه الآخر للمالك المجهول و القسم الثالث مردّد بين صاحب الخمس و المالك المجهول، فلا بدّ أن يعطي ذو اليد ستّة عشر ريالا مثلا لتحليل ماله و الأربعة الأخرى لتحليل الخمس من حيث الأرباح فيملك صاحب الأرباح بعد ذلك ستّة عشر ريالا في المثال، ثمّ إنّه يصير الثمانية الباقية بعد التطهير خمسها لصاحب الخمس و أربعة أخماسها لذي اليد.

و كذلك ما أفيد أيضا من الترديد في إعطاء الخمس الآخر من الأقلّ أو الأكثر أو تنصيف المحتمل، فإنّ مقتضى ما ذكر: إعطاء خمس الباقي بعد التطهير من دون إشكال الموافق للتنصيف في المثال، و أمّا في مثل ما إذا كان المتيقّن كونه حراما هو الخمس و احتمل الزائد فعلى ما ذكرناه في مثال عشرة توأمين يصير خمس الأرباح ستّة عشر ريالا، و أمّا على التنصيف فلا بدّ من إعطاء خمسة عشر ريالا لصاحب الخمس، فافهم و تأمّل فإنّه حقيق بذلك.

فإنّه يجب على كلّ من الشريكين خمس سهمه بالنسبة، كما تقدّم في التعليق المتقدّم.

و احتمال اختصاص مثل خبر السكونيّ «1» بغير مورد الشركة مدفوع بأنّ الحكم بإعطاء الخمس يشمل ما إذا وهب بعض ماله بنحو الإشاعة لبعض ولده، فإنّ المستفاد منه عرفا أنّ التخميس طريق لتطهير المال من دون دخالة للشخص،

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 353 ح 4 من ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

368
کتاب الخمس (للحائري)

الثالثة تبين كون الحرام أزيد من الخمس بعد الإخراج و كذا تبين أنه أقل منه كذلك ص 369

الثالثة [تبيّن كون الحرام أزيد من الخمس بعد الإخراج، و كذا تبيّن أنّه أقلّ منه كذلك]

لو تبيّن بعد أداء الخمس أنّ المال الحرام أكثر من الخمس أو تبيّن أنّه أقلّ منه ففيه وجوه: من الاكتفاء به في صورة الزيادة و عدم استرداد الزائد في صورة النقصان، أو التفصيل بين الجهل بالمقدار و بين العلم به، أو الحكم بعدم استرداد الزائد في فرض النقصان و وجوب التصدّق بالزائد، أو الحكم بجواز الاسترداد في فرض النقصان و وجوب التصدّق بالزائد. الظاهر هو الأوّل (1).

مضافا إلى ما سيجي‌ء إن شاء اللّه تعالى، خلافا لما تقدّم «1» سابقا من أنّه لعلّ الأظهر جواز التمسّك بخبر عمّار بن مروان «2».

أمّا وجه الاكتفاء فلأنّ الظاهر من خبر السكونيّ هو أنّ سائر المال حلال لذي اليد واقعا، و لو فرض تبيّن ذلك بعد الأداء فهو كالصلح الواقع بين اثنين في المحتمل.

و القول ب‍ «احتمال كون الحكم بالتصدّق بالخمس و حلّيّة المال ظاهريّا» من جهة إطلاق دليل التصدّق بمجهول المالك إذا كان أزيد من الخمس أو أقلّ مع عدم وجوب الزائد في ما إذا كان أقلّ، مدفوع بتقدّم إطلاق دليل الخمس على دليل مجهول المالك من جهة الحكومة، لأنّ المفروض فيه وجوب ردّ المال الواقعيّ بعنوان التصدّق واقعا، و أنّ الخمس إنّما جعل للاستخلاص من احتمال الزيادة عن الخمس الواجب إيصاله إلى صاحبه إن كان معلوما أو ما بحكم الإيصال إليه من التصدّق الذي هو نوع إيصال إليه في حال الاضطرار.

و أمّا وجه التفصيل الأوّل فمن جهة أنّ الموضوع لمحلّليّة الخمس باق حينئذ بعد الأداء، فإنّه في مورد الجهل بالمالك و الجهل بالمقدار و لو كان أقلّ من الخمس‌

______________________________
(1) في ص 358.

(2) الوسائل: ج 6 ص 353 ح 2 من ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

369
کتاب الخمس (للحائري)

الرابعة العلم الإجمالي بزيادة الحرام عن الخمس في أحد المالين المختلطين بالحرام ص 370

الرابعة [العلم الإجماليّ بزيادة الحرام عن الخمس في أحد المالين المختلطين بالحرام]

لو كان بيده مالان مختلطان بالحرام- كأن كان وليّا على أحد المالين و مالكا للآخر- فعلم إجمالا بزيادة الحرام في أحد المالين عن الخمس فالظاهر كفاية إعطاء الخمس في الحلّيّة.

و كذا إذا عثر على مال مختلط بعد أن كان مالا مختلطا له و علم بالزيادة في أحد المالين (1).

أو أكثر.

و قد تقدّم بطلان ذلك.

و أمّا وجه التفصيل الثاني فهو أنّ الظاهر كون التصدّق الواقعيّ موجبا لحلّيّة المال ظاهرا، فالتصدّق واقعيّ يوجب خروج المال عن ملك المالك المجهول أو عن ملك ذي اليد قطعا فلا وجه لاسترداد الزائد. و أمّا في صورة الزيادة فعدم لزوم التصدّق بالزائد حكم ظاهريّ ما دام الجهل بذلك.

و فيه: أنّ الظاهر أنّ التصدّق واقعيّ و الحلّيّة أيضا واقعيّة، خصوصا بلحاظ كون المستفاد من الدليل بمناسبة الحكم و الموضوع أنّه بمنزلة الصلح المتعارف بين الناس، و لا سيّما بملاحظة قوله عليه السّلام: «إنّ اللّه قد رضي من الأشياء بالخمس» «1» بناء على بعض محتملاته، لكن لو لم نقل بالاكتفاء فهو أقرب من باقي الوجوه، إذ لا وجه لحمل التصدّق بالخمس على التصدّق الظاهريّ.

و ممّا ذكر يظهر الوجه في الاحتمال الأخير، و مبناه على كون التصدّق و الحلّيّة الحاصلة منه ظاهريّين.

و قد عرفت ضعفه. فالظاهر عدم استرداد الزائد و عدم وجوب التصدّق بالزائد. و هو العالم بالحقائق.

و الوجه في ذلك ما تقدّم من حصول الحلّيّة الواقعيّة و البراءة الواقعيّة عن‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 353 ح 4 من ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

370
کتاب الخمس (للحائري)

الخامسة العلم الإجمالي بنقصان الحرام عن الخمس في أحد المالين المختلطين بالحرام ص 371

الخامسة [العلم الإجماليّ بنقصان الحرام عن الخمس في أحد المالين المختلطين بالحرام]

لو علم صاحب الخمس بنقصان أحد المالين عن الخمس فلا إشكال أيضا في أخذ الخمسين (1).

السادسة: لو احتمل الزيادة عن الخمس فالأحوط إعطاء الخمس فورا من دون انتظار الفحص، ثمّ الفحص و التصدّق بالزائد (2).

و لو بقي بعد الفحص على الجهل بالمقدار فيحتمل كفاية ما أعطاه خمسا للتحليل و إن كان الأحوط إجراء ما تقدّم في محتمل الزيادة.

و مقتضى الاحتياط أن يقصد حين أداء الخمس في الفرض المزبور ما هو المحبوب عنده تعالى من التصدّق أو الخمس أو القرض و احتسابه خمسا بعد الفحص و بقاء الجهل (3).

الزائد، فلا يعلم بمخالفة التكليف الواقعيّ.

و ذلك لما تقدّم من كون التصدّق واقعيّا بلا إشكال، فلا يعلم من يأخذ الخمس بأخذ الزائد عمّا يستحقّه قطعا.

لأنّ لزوم التخلّص من الحرام فوريّ.

فإنّه يحتمل أن يتبيّن بعد ذلك أنّه أزيد عن الخمس فيكون حكمه التصدّق على ما مرّ، و يحتمل أن يبقى الجهل بالمقدار بعد الفحص و يكفي الخمس حتّى من أوّل الأمر، لشمول الأدلّة لصورة وجود المشكل واقعا- و لو لم يحصل له العلم بأنّه مشكل- و يشمله إطلاق خبر عمّار المعتبر المتقدّم «1»، و يحتمل أن يكون التكليف هو الخمس بعد الفحص و بقاء الجهل، فيقصد الخمس من الحال.

إن قلت: إنّه لا بدّ من الإعطاء و لا يكفي الاحتساب.

قلت: إنّ إعطاء الخمس كإعطاء سائر الحقوق العرفيّة، فكما يكفي الاحتساب في سائر الحقوق العرفيّة كذلك في المقام، و لكن لا بدّ من البحث عن المسألة بعد‌

______________________________
(1) في ص 284.

371
کتاب الخمس (للحائري)

السابعة لو أوجد الاختلاط عمدا كي يصلح بالخمس ص 372

و الأحوط هو التمليك بعد ذلك من باب الخمس و القبول من صاحب الخمس.

و أحوط من كلّ ذلك حصول القبض و الإقباض، و إن كان ضعيفا (1).

السابعة [لو أوجد الاختلاط عمدا كي يصلح بالخمس]

لو كان الحرام المجهول مالكه مشخّصا مع فرض الجهل بمقداره فخلطه لأن يحصل به موضوع المال المختلط بالحرام فيتخلّص منه بالخمس (2) فهل يجزئه دفع الخمس و يحلّ بذلك المال، أو يجب التصدّق بمقدار يتيقّن معه بالبراءة، أو يكون حكمه حكم المختلط الذي لا يشمله أخبار الخمس فيكون الواجب عليه إعطاء المتيقّن و في الزائد المحتمل يجري ما تقدّم «1»؟ وجوه (3).

ذلك، فإنّه مورد للابتلاء.

فإنّ صدق إعطاء الخمس بصرف الإبراء غير واضح. نعم، الظاهر صدقه بالتمليك و القبول كما ذكرناه في المتن.

من غير فرق بين أن يكون مقصوده من الخلط هو عدم بذل الزائد- كما لو علم بأنّ الحرام ليس أقلّ من الخمس و يحتمل الزيادة- أو كان احتمال الزيادة عنده أحرى بالمراعاة احتمالا أو محتملا، أو كان المقصود بذلك جهات أخر- كإعطاء المال بعنوان السهم المبارك- فمقصوده من الخلط: الدخول في عنوان الخمس.

أمّا وجه إجزاء الخمس فلشمول الدليل.

و دعوى «الانصراف في رواية عمّار المتقدّمة «2» المعتبرة» ممنوعة، إذ ليس الحكم بذلك إلّا كالحكم بترك الصيام و وجوب القصر في السفر أو اشتراط الحجّ بالاستطاعة و غير ذلك ممّا لا إشكال في شمول الدليل له و لو كان إيجاد الموضوع من باب تعلّق الحكم به.

______________________________
(1) في الصفحة السابقة.

(2) في ص 284.

372
کتاب الخمس (للحائري)

السابعة لو أوجد الاختلاط عمدا كي يصلح بالخمس ص 372

..........

و أمّا ما ذكرناه سابقا من الإهمال- من جهة ذكر سائر موارد الخمس المعلوم أنّ له شرائط- فمردود بأنّ الحمل على الإهمال موجب لإلقاء الكلام عن الفائدة في العمل في أكثر الموارد، فإنّه إذا احتمل مثلا وجود نصاب في المال المختلط أو احتمل استثناء المئونة أو احتمل اشتراط احتمال النقصان أو احتمل اشتراط كون استقرار اليد من أوّل الأمر على النحو الحرام- لا على نحو الإحسان- أو احتمل أن يجب الصبر إلى حلول الحول بعد اليأس عن صاحبه أو غير ذلك فلا يكون حجّة للمكلّف، و هذا ممّا يقطع بعدم صحّته، فالحمل على الإطلاق لبيان القاعدة أولى حتّى بالنسبة إلى الموارد المذكورة، خصوصا مع التقييد ب‍ «ما إذا لم يعرف صاحبه» كما في أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» فإنّ ورود التخصيص لا يوجب الحمل على الإهمال، فالظاهر جواز التمسّك به. فالإطلاق على أقسام: الأوّل أن يكون ملقى على وجه لا يكون قابلًا للتقييد. الثاني أن يكون ملقى لإعطاء القاعدة فيخرج منه ما يخرج. الثالث أن يكون ظاهرا في إرادة الإطلاق بحسب الواقع، فيعلم بعد التقييد أنّه لم يكن كذلك بحسب الواقع. و الإطلاق المذكور أحد القسمين الأخيرين، فتأمّل. هذا بالنسبة إلى معتبر عمّار.

و أمّا خبر السكونيّ فحيث إنّه ورد بالنسبة إلى ما وقع من الخارج فلا إطلاق له لصورة كون الاختلاط بداعي الدخول في دليل الخمس، إذ من المعلوم عدم علم من راجع الأمير عليه السّلام بالخمس كما هو واضح، و لكن لا إشكال في شموله لصورة كون المال متميّزا بوصف الحرمة من أوّل الأمر ثمّ صار مخلوطا، بل الغالب في كسب من يبالي بالحرام و الحلال ذلك، و مقتضى ترك الاستفصال: عدم الفرق بين كون المتميّز قبل الاختلاط معلوم المالك أو مجهول المالك فيشمل الموردين،

______________________________
(1) سورة المائدة: 1.

373
کتاب الخمس (للحائري)

السابعة لو أوجد الاختلاط عمدا كي يصلح بالخمس ص 372

..........

فإذا كان شاملا للمسبوق بالتميّز بلا إشكال فلا فرق بين أن يكون الاختلاط بماله الحلال من جهة عدم المبالاة أو من جهة العمل بالحكم الشرعيّ، بل الثاني أولى بالحكم، فإنّه لو حكم بكفاية الخمس لمن يختلط الحرام بالحلال حتّى يتصرّف في الكلّ فكفايته في من يخلط للعمل بالحكم الشرعيّ أولى في نظر العرف.

هذا هو الدليل للوجه الأوّل، و قد ظهر أنّه أقرب.

و أمّا وجه عدم كفاية الخمس و لزوم إعطاء ما تيقّن معه بالبراءة فلأنّ الاختلاط كان عصيانا فهو غصب زائد على تصرّفاته السابقة فيؤخذ بأشقّ الأحوال، كما في الجواهر «1».

و هو كما ترى، إذ ليس معنى ما ذكر أنّه يؤخذ منه شي‌ء زائد على مقتضى الدليل و يؤدّى إلى المغصوب منه، بل معناه أنّه يؤخذ منه و لو كان ذو عسرة و ليس كالمديون الذي ينظر إلى حال اليسر مثلا، كما هو واضح.

و أمّا وجه الاحتمال الأخير المختار لصاحب الجواهر قدس سرّه في آخر كلامه «2» و الطباطبائيّ قدس سرّه في العروة «3» و أكثر المحشّين فأمور كلّها مخدوشة:

منها: أنّه من قبيل الخلط بالمعلوم مالكه، فإنّ مالكه معلوم و هو الفقراء.

و منها: أنّه كمعلوم المالك، حيث إنّه يجب صرفه قبل الخلط في الفقراء.

و الوجهان مستفادان من العروة حيث قال قدس سرّه في مقام التعليل على أنّه باق على حكم مجهول المالك: «لأنّه كمعلوم المالك حيث إنّ مالكه الفقراء قبل التخليط» فمقتضى الجملة الاولى «أنّه كمعلوم المالك» و مقتضى قوله «حيث إنّ مالكه الفقراء» أنّه مصداق لمعلوم المالك حقيقة.

______________________________
(1) ج 16 ص 76.

(2) الجواهر: ج 16 ص 77.

(3) في المسألة 35 من الفصل الأوّل من كتاب الخمس.

374
کتاب الخمس (للحائري)

السابعة لو أوجد الاختلاط عمدا كي يصلح بالخمس ص 372

و لعلّ الأقرب أنّه متعلّق للخمس (1).

و لا إشكال في كونها عاصيا بذلك (2) إن لم يطمئنّ برضا صاحب المال في ذلك و لم يكن ذلك بإذن الحاكم، و أمّا لو اطمأنّ بذلك (3) فلا و في الوجهين ما لا يخفى، فإنّ كون المال معلوم المالك أو كمعلوم المالك قبل الخلط لا أثر له من حيث ارتفاع دليل الخمس، لأنّ موضوع دليل الخمس «المال المختلط المجهول مالكه» و بعد الخلط يكون كذلك. و كون حكمه معلوما قبل الخلط لا ربط له بما بعد الخلط. و بعده لا فرق بينه و بين غيره في كونه مجهول المالك بحسب الجعل الأوّليّ و معلوم المالك بحسب دليل التصدّق إن كان شاملا لغير المتميّز، و عدم كون ذلك مانعا من إجراء دليل الخمس فيجوز التصدّق و الخمس أو يخصّص دليل التصدّق بدليل الخمس- على اختلاف الوجهين المتقدّمين- و عدم كونه معلوما مالكه حتّى بحسب دليل التصدّق إن لم يكن شاملا لغير المتميّز.

و يختصّ الوجه الأوّل بإيراد آخر و هو عدم كون مالكه معلوما، إذ الحكم بوجوب صرفه إلى الفقراء لا يوجب أن يكونوا مالكين، خصوصا بعد وضوح أنّ ذلك من باب الإيصال إلى مالكه الواقعيّ كما هو واضح.

و منها: الانصراف. و عمدة الوجه فيه أنّ الحكم بالتحليل بالخمس يشمل المختلط مع قطع النظر عن الحكم.

و فيه منع بالنسبة إلى القضيّة الكلّيّة الشاملة لما بعد الحكم كما في خبر عمّار، و أمّا خبر السكونيّ فتقدّم تقريب شموله بالفحوى و إن لم يشمله بالإطلاق.

كما يظهر وجهه من التعليق المتقدّم فراجع.

كما في الجواهر «1» على وجه الإطلاق.

كما لو كان احتمال كونه أكثر من الخمس مرجوحا أو كان المحتمل‌

______________________________
(1) ج 16 ص 76.

375
کتاب الخمس (للحائري)

الثامنة لو تصرف في المختلط بالمعاوضة ص 376

عصيان. و أمّا كفاية إذن الحاكم ففيه إشكال (1).

الثامنة: لو تصرّف في المختلط بالمعاوضة

ففيه وجوه (2).

قليلا بالنسبة إلى الطرف الأقلّ، فإنّه يقطع أو يطمئنّ برضا صاحب المال بذلك.

من جهة أنّه وليّ الغائب مطلقا- كما هو المعروف بينهم- و من عدم وضوح قيام دليل على ولايته في ما كان الحكم معلوما، فإنّ حكمه التصدّق، فولايته على الإذن في الاختلاط حتّى يصير متعلّقا للخمس غير واضحة، فلا بدّ من التأمّل في دليل ولايته، و هو موكول إلى بابه.

1- القول ببطلان المعاملة بالنسبة إلى مقدار الحرام، فكما أنّ المختلط مردّد بين أقلّ من الخمس أو الأكثر- مثلا- كذلك البدل مردّد كالمبدل، إلّا أنّ صاحب الأوّل مجهول و صاحب الثاني هو المنقول إليه.

و الوجه في ذلك مجموع أمرين: بطلان المعاوضة بالنسبة إلى مقدار الحرام، و عدم التعيّن بالخمس، لأنّ التعيّن بالأداء، و لا يتبدّل المخلوط بنفسه بالخمس، كما سنذكره إن شاء اللّه تعالى، فالمبدل باق على الاختلاط بمعنى الاشتباه فكذا البدل.

2- القول بالبطلان و كون الحرام في البدل هو الخمس، كما هو الظاهر من الجواهر «1».

و الوجه في ذلك تبدّل الحرام المخلوط بنفسه بالخمس. و سيجي‌ء وجه ذلك و الإيراد عليه.

3- القول بالصحّة مطلقا و انتقال الخمس إلى البدل.

و الوجه في ذلك ولاية من بيده المال على تبديل مجهول المالك و التصدّق ببدله، كما يظهر من خبر يونس عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام في بعض متاع رفيق‌

______________________________
(1) ج 16 ص 76.

376
کتاب الخمس (للحائري)

الثامنة لو تصرف في المختلط بالمعاوضة ص 376

..........

مكّة الذي لا يعرف بلده و لا شخصه، قال: «إذا كان كذا فبعه و تصدّق بثمنه.» «1»،

و ما في خبر ابن أبي يعفور في الرجل الذي أصاب شاة أنّه يبيعها و يتصدّق بثمنها «2»، و ممّا في تراب الصياغة في خبر الصائغ «بعه. بطعام. تصدّق بثمنه» «3».

و الإيراد على ذلك تارة بأنّ الحكم وارد في ما حكمه التصدّق على الفقراء لا في ما حكمه الخمس، و اخرى بأنّه وارد في غير اليد العادية كاللقطة و ما يكون أصحابه راضين بذلك بحسب المتعارف- كما في تراب الصياغة- مدفوع:

أمّا الأوّل فلأنّه ليس شرط صحّة البيع هو التصدّق و إلّا لزم الدور، فالحكم هو جواز البيع مقدّمة للتصدّق، فجواز البيع ثابت مع قطع النظر عن التصدّق، مع أنّ الخمس تصدّق أيضا، كما ورد في خبر السكونيّ «4»، مع أنّه لو جاز البيع في ما لا بدّ من إعطاء جميعه و كان المال جميعا للمالك المجهول فله الولاية في ما يكون بعض المال له، و له المصالحة بالخمس أيضا بولايته و هو أولى بالولاية بحسب الظاهر.

و أمّا الثاني فدفعه بخبر حفص بن غياث المتقدّم «5» الوارد في رجل أودعه بعض اللصوص دراهم أو متاعا و فيه «كان في يده بمنزلة اللقطة» فجعل المأخوذ على وجه العدوان (أي بقصد الردّ على اللصّ، لشموله لتلك الصورة قطعا) بمنزلة اللقطة. و حكم اللقطة هو الولاية على البيع و التصدّق بالثمن كما مرّ. و قوله عليه السّلام بعد ذلك «فيعرّفها حولا» غير ضائر بالإطلاق، بل يؤيّد إطلاقه، لأنّه لو كان المقصود‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 357 ح 2 من ب 7 من أبواب اللقطة.

(2) المصدر: ص 365 ح 6 من ب 13 من أبواب اللقطة.

(3) الوسائل: ج 12 ص 485 ح 2 من ب 16 من أبواب الصرف.

(4) الوسائل: ج 6 ص 353 ح 4 من ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(5) في ص 363.

377
کتاب الخمس (للحائري)

الثامنة لو تصرف في المختلط بالمعاوضة ص 376

و الأصحّ التفصيل بين المعاوضة الّتي روعيت فيها مصلحة المالك المجهول فيحكم بالصحّة و انتقال الخمس إلى الثمن، و غيرها- كأن يعاوض مع ابنه مثلا مبنيّا على المحاباة- فلا يصحّ (1).

خصوص الحكم المذكور بعد ذلك لما كان وجه لذكر الكلّيّ المذكور، فهو بمنزلة التعليل، خصوصا إذا كان ما بعده مقرونا بالفاء الذي للتفريع، إذ لا فرق عرفا بين أن يقال «الخمر حرام، لأنّه مسكر» أو يقال «الخمر مسكر فلا تشربه» فافهم و تأمّل.

4- القول بالصحّة و تعيّن الخمس في القيمة.

و توجيه ذلك أنّ مقتضى ما يجي‌ء- إن شاء اللّه تعالى- هو تخيّر من بيده المال بين أداء الخمس من العين أو من القيمة، فإذا ملكه الغير فمقتضى تعيّن أحد عدلي التخيير بعد محذور العمل بالآخر شرعا من باب وجوب الوفاء بالعقد هو تعيّن القيمة و صحّة المعاملة من دون الانتقال إلى البدل.

و هذا الوجه مردود بأنّ القيمة بعنوان المال المختلط بالحرام، و على فرض الصحّة لا يكون في الخارج مال مخلوط بالحرام، و على فرض كون مقتضى وجوب الوفاء تصحيح المعاملة بأداء القيمة و إن كان المال المخلوط بالحرام موجودا في الخارج، إلّا أنّه ليس ماله الحلال مخلوطا بالحرام، بل المال الحلال المنقول إليه مخلوط بالحرام و لا يشمله دليل الخمس من حيث أداء القيمة.

5- التفصيل بين المعاوضة المبنيّة على مراعاة مصلحة المالك المجهول فتصحّ، و الأحوط الاستجازة من الحاكم. و الوجه فيه ما تقدّم «1» من الدليل الوارد في اللقطة بضمّ ما ورد في خبر حفص من كون المال المأخوذ على وجه العدوان «بمنزلة اللقطة». و بين ما لا يكون كذلك- كالمعاوضة المبنيّة على المحاباة- فيبطل. و الوجه فيه هو الخروج عن منصرف دليل البيع و التصدّق بالثمن قطعا.

و الوجه في ذلك ما تقدّم تفصيله «2». و إجماله أنّ ما تقدّم من الدليل الوارد‌

______________________________
(1) في ص 317 و 318.

(2) في ص 376 و 377.

378
کتاب الخمس (للحائري)

الثامنة لو تصرف في المختلط بالمعاوضة ص 376

و الأحوط في صورة الحكم بالصحّة الاستجازة من الحاكم الشرعيّ أيضا. و أحوط منه إعطاء الخمس مع الاستيذان عن المنقول إليه بقصد ما هو المحبوب عند اللّه تعالى: من كونه خمسا محلّلا لماله أو محلّلا للمال المنقول إليه إن كان خمس البدل بمقدار خمس المبدل أو أزيد.

و لو كان خمس المبدل أزيد فمقتضى الاحتياط أن يؤدّيه المنقول إليه و يعرض عمّا يحتمل كونه زائدا عن الخمس. و كذا الناقل بالنسبة في اللقطة و تراب الصياغة بضمّ ما دلّ على أنّ المال الذي يودعه اللصّ «بمنزلة اللقطة» يدلّ على ولاية من بيده المال على المعاملة الّتي روعيت فيها مصلحة المالك المجهول. فهذا وجه صحّة المعاملة الّتي روعي فيها المصلحة له.

و أمّا وجه البطلان في غيرها فلعدم الدليل على الولاية، و مقتضى ذلك هو البطلان بالنسبة إلى مقدار الحرام.

ثمّ إنّه في صورة البطلان يجي‌ء الوجهان المتقدّمان من أنّ مقتضاه استحقاق المشتري من البائع مثلا خمس الثمن أو يكون مردّدا كما كان المبيع مردّدا قبل ذلك، فالوجوه ستّة:

البطلان مطلقا و استحقاق المشتري ما هو المردّد بين ما يملكه المالك المجهول مع قطع النظر عن الخمس في المال المبدل.

البطلان مع استحقاقه الخمس.

الصحّة و تعلّق الخمس بالثمن.

الصحّة و لزوم القيمة على الناقل.

التفصيل بين المعاوضة الّتي فيها المصلحة و البطلان في غيرها، باستحقاق المنقول إليه الخمس أو باستحقاقه المردّد كما أشير إليه، و ظهر أنّ الصحيح هو التفصيل، و الأظهر هو الوجه الأوّل من وجهي التفصيل كما يظهر إن شاء اللّه تعالى.

379
کتاب الخمس (للحائري)

الثامنة لو تصرف في المختلط بالمعاوضة ص 376

إلى ما يحتمل أن يكون أقلّ منه و أعطاه من قبل المشتري (1).

و أمّا في فرض البطلان فلا إشكال في جواز رجوع صاحب الخمس إلى المنقول إليه (2).

و أمّا المنقول إليه فيرجع إلى الناقل فيأخذ الأقلّ و يتصالح معه على المحتمل زيادته (3) على الأحوط و إن كان لأخذ الخمس منه و عدم أمّا إجازة الحاكم فلاحتمال كونه وليّ الغائب. و عدم تعيّنه يكون من باب ما تقدّم من قيام الدليل على ولاية من بيده المال على البيع في الصورة المفروضة.

و أمّا الاستيذان من المنقول إليه فلاحتمال البطلان و عدم ولاية الحاكم في ما يكون حكمه معلوما و لم يعمل بذلك و عدم ولاية الناقل أيضا، فيكون مقابل الحرام المجهول للمنقول إليه فيستأذن منه أن يكون من قبله إن كان ما يقابل الحرام ملكا له و كان بقدر الخمس أو زائدا عليه، و أمّا إن كان أقلّ منه فلا بدّ من تمليكه له و قبوله من جانبه ثمّ الإعطاء بالعنوان المذكور.

و أمّا إعراض المنقول إليه فلاحتمال أن يكون الحرام زائدا عن الخمس فيستحقّ الزائد من البدل الذي عند الناقل بالفرض.

و أمّا إعراض الناقل فلاحتمال أن يكون أقلّ و أعطى الخمس من جانبه مع تمليكه و قبوله فلا بدّ أن يكون ذلك بنحو الهبة.

لكن كلّ ذلك احتياط لا يوافقه الدليل، فإنّ مقتضى الدليل على ما عرفت هو الصحّة و انتقال الخمس إلى البدل. و اللّه المتعالي هو العالم.

لأنّ المنقول إليه صاحب الحلال المختلط بالحرام المجهول صاحبه، فيجب عليه الخمس، فيجوز لوليّ الخمس الرجوع إليه.

و ذلك لما يجي‌ء إن شاء اللّه تعالى من عدم تبدّل المختلط بالخمس قهرا، فالمال الذي جعل موردا للمعاوضة كان ملكا للناقل و المالك المجهول على‌

380
کتاب الخمس (للحائري)

الثامنة لو تصرف في المختلط بالمعاوضة ص 376

أخذ الزائد عليه وجه (1).

و الظاهر جواز رجوع صاحب الخمس إلى الناقل أيضا (2)، لكن ما يؤدّيه الناقل في هذا الفرض- أي فرض البطلان- ليس الخمس بنفسه، لأنّه ليس للناقل مال حلال مخلوط بالحرام، بل هو بدل الحيلولة، و حينئذ فهل يملك الناقل أن يأخذ الخمس من المنقول إليه أو يجوز الوجه المجهول، و لازمه كون البدل للمشتري على طبق المبدل، فتملّك على طبق ملك المجهول مالكه، من غير فرق بين أداء الخمس إلى صاحبه و عدم أدائه، إذ على الفرض الأوّل وقع الصلح مع صاحب الخمس بالنسبة إلى ماله و مال غيره، فإن كان الحرام زائدا على الخمس تملّكه من صاحب الخمس و إن كان أقلّ منه فقد أعطاه من ماله و ليس مربوطا بالبائع.

أمّا أخذ الخمس فلأنّ مقتضى استصحاب عدم حصول الملكيّة للناقل بالنسبة إلى البدل بمقدار الخمس: جواز أخذه منه بهذا المقدار، و ليس مقتضى اليد ملكيّة المبدل له بعد حكم الشارع بوجوب الخمس حتّى يحكم بأنّه يملك البدل بالنسبة إلى الزائد عن القدر المتيقّن. و أمّا عدم أخذ الزائد فلأنّ مقتضى اليد ملكيّة الباقي، فافهم و تأمّل.

فإنّه جرت يده على مال المالك المجهول، و مقتضى قاعدة «على اليد» هو كون المال على عهدته كما كان في يده، فإنّه إذا كان في يده كان يجب عليه الخمس، فإنّ وليّ الخمس بمنزلة وكيل المالك المجهول، فتأديته إليه بمنزلة تأديته إلى المالك، فلا بدّ من أدائه إليه، فيجوز لوليّ الخمس أخذه منه كما لا يخفى.

و حينئذ لا وقع لإشكال بعض علماء العصر في تعليقته على العروة من عدم ولاية صاحب الخمس على الأخذ فإنّ المال للمالك المجهول، فإنّ الجواب عنه أنّ صاحب الخمس بمنزلة الوكيل أو الوليّ للصاحب المجهول.

381
کتاب الخمس (للحائري)

التاسعة في التصرف في المختلط على نحو الهبة أو المصالحة المحاباتية ص 382

لوليّ الخمس الرجوع إليه و ردّ ما أخذه من الناقل؟ وجهان (1). و الأحوط أن يحيل صاحب الخمس إليه فيأخذ منه الخمس (2).

التاسعة [في التصرّف في المختلط على نحو الهبة أو المصالحة المحاباتيّة]

لو تصرّف في المختلط بالإعطاء إلى غيره من دون العوض- بأن وهبه أو صالحه بنحو المحاباة- فلصاحب الخمس الرجوع إليهما، و ما يعطيه الناقل لا يكون خمسا، بل بدلا عنه كما تقدّم. و حكم رجوع صاحب الخمس إلى المنقول إليه بعد الأخذ من الناقل و رجوع الناقل إليه بأخذ الخمس منه مطلقا أو مع حوالة صاحب الخمس هو ما مرّ في المسألة المتقدّمة.

العاشرة [في ما إذا غصب منه المختلط بالحرام]

لو غصب منه و رجع صاحب الخمس إليه فيعطي القيمة (3).

مبنيّان على أنّ الضامن هل يملك العين بعد أداء البدل فيملك حينئذ مال المجهول، لأداء بدله، أم لا بل هو باق على ملك المالك الأوّل؟ و قد فصل السيّد الطباطبائيّ قدس سرّه- صاحب العروة في تعليقه على المكاسب- تفصيلا متّضحا، و رجّح التبديل و كون العين ملكا للضامن «1»، و لعلّه الأصحّ، فإنّ بناء العرف على ذلك.

فصاحب الخمس يأخذ البدل و يعوّض عنه بتحويل الخمس إليه، فإنّه لا إشكال في تلك الصورة في رجوع الناقل إلى المنقول إليه في أن يأخذ الخمس عنه و يحلّ بذلك ماله.

على ما هو المعروف و يأتي تحقيقه بتوفيقه تعالى من أنّ من عليه الخمس مخيّر بين أداء الخمس من عين المال و من القيمة، فلو تعذّر عليه الأداء من العين لفرض الغصب فلا بدّ من أداء القيمة، و ليس وجوب الخمس وجوبا شرطيّا محضا حتّى يقال: «إنّه لا فائدة له في أداء الخمس ليحلّ بذلك ماله الذي بيد الغاصب» بل هو أداء لمال الغير و يحلّ بذلك باقي المال، كما في التوبة فإنّها واجبة‌

______________________________
(1) تعليقة السيّد على المكاسب: ص 39.

382
کتاب الخمس (للحائري)

الحادية عشر في تلف المختلط بالحرام ص 383

الحادية عشر [في تلف المختلط بالحرام]

لو تلف المختلط ففيه وجهان (1): كون ما في الذمّة بحكم المظالم المردّدة بين الأقلّ و الأكثر، و كونه متعلّقا للخمس. و لعلّ و موجبة لغفران الذنوب، فتأمّل.

الأوّل أن يقال بأنّه كالمال المشخّص المجهول المقدار، و ليس حكمه الخمس، بل هو صدقة- و هو الذي نقل التصريح به في مصباح الفقيه «1» عن الشيخ الأنصاريّ قدس سرّه- و لعلّ مقتضى ذلك هو الاقتصار على المتيقّن، لأنّ اشتغال الذمّة به معلوم، و في الباقي تجري البراءة. و هو الذي اختاره غير واحد من علماء العصر الّذين علّقوا على العروة.

و الدليل على ذلك مركّب من أمرين: أحدهما عدم تبدّل الحرام المجهول مقداره بالخمس قهرا من دون الأداء، كما مرّ مرارا، و سيجي‌ء وجهه إن شاء اللّه تعالى. ثانيهما عدم الدليل على كون الحكم بالنسبة إلى ما في الذمّة هو أداء الخمس.

و الجواب أنّ مقتضى دليل الضمان هو أداء العين التالفة ببدلها، و أداؤه كان بأداء الخمس، فإنّه لو كان الحرام زائدا عن الخمس فقد عفي عنه بشرط أداء الخمس و إن كان أقلّ منه، فمقتضى دليل الخمس ثبوت الحقّ لصاحب الخمس بأخذ الباقي إلى مقدار الخمس. و هذا كما لو كان مال بين شخصين و كان أحدهما مالكا لمقدار غير معلوم مردّد- مثلا- بين الخمس و أقلّ منه و أكثر فتعهّدا على إعطاء الخمس و العفو عن الزائد بشرط الإعطاء و تمليك الباقي إن كان أقلّ من الخمس واقعا فتلف ذلك المال، فالظاهر أنّ مقتضى دليل «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» «2» و دليل الضمان هو وجوب الأداء على نحو كان العين موجودة،

______________________________
(1) ج 3 ص 140.

(2) المستدرك: ج 14 ص 7 ح 12 من ب 1 من أبواب الوديعة.

383
کتاب الخمس (للحائري)

الثانية عشر الظاهر أن المال المخلوط لا يتبدل بالخمس قبل الأداء 3 ص 384

الأصحّ هو الثاني، و هو العالم (1).

و مقتضى الأوّل جواز الاقتصار على المتيقّن و إعطاؤه للفقير غير الهاشميّ. و الثاني أيضا مطابق للاحتياط (2).

الثانية عشر: الظاهر أنّ المال المخلوط لا يتبدّل بالخمس قبل الأداء (3).

و أداؤه بأداء خمسه.

و من ذلك يظهر قوّة الوجه الثاني.

كما ظهر وجهه من التعليق المتقدّم.

بناء على جواز التصدّق على بني هاشم إذا لم يكن زكاة، كما تقدّم تفصيله.

كما صرّح بذلك في مصباح الفقيه «1»، فإنّ ظاهر خبر السكونيّ و فيه قوله عليه السّلام «تصدّق بخمس مالك» «2» أنّ التطهير يحصل بالتصدّق و لا يحصل بنفس ذاته.

و أمّا خبر عمّار الحاكم بأنّ في المال المختلط الخمس الظاهر في كون الخمس بالفعل في المال المختلط- خصوصا مع ذكر سائر موارد الخمس- فظهور اللفظ و السياق يقتضي تحقّق الخمس فعلا في نفس المال المختلط، فمدفوع:

أوّلا بإنكار ظهور لفظة «في» في الملكيّة بالفعل، فيكفي في الصدق لزوم الأداء بالخمس و عدم كفاية الأقلّ، و هذا غير ظهور اللام في الملكيّة في آية الخمس.

و ثانيا بأنّه على فرض الظهور في مالكيّة الخمس بالفعل فهو معارض بظهور «الاختلاط»- الذي هو بمعنى الاشتباه- في بقاء الموضوع و إلّا لم يكن مشتبها‌

______________________________
(1) ج 3 ص 136 و 140.

(2) الوسائل: ج 6 ص 353 ح 4 من ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

384
کتاب الخمس (للحائري)

الثالثة عشر لو أتلف المال المخلوط بالحرام الذي فيه الخمس و لم يعرف مقداره حتى يؤدي خمسه ففيه وجوه 1 ص 385

الثالثة عشر: لو أتلف المال المخلوط بالحرام الذي فيه الخمس و لم يعرف مقداره حتّى يؤدّي خمسه ففيه وجوه (1).

بعد ذلك. و كونه مشتبها مع قطع النظر عن دليل الخمس خلاف الظاهر لا يصار إليه.

و ثالثا بأنّه محمول بحسب ارتكاز العقلاء على مقام الأداء، فإنّ الإعضال إنّما هو في التبرّي عن الحقوق و إيصالها إلى أصحابه، فالحلّ راجع إلى الإعضال في تلك المرحلة.

و رابعا بأنّ تعليل مرسل الفقيه- المتقدّم بيان اعتباره «1»- من «أنّ الرجل إذا تاب تاب ماله معه» «2» يقتضي التقيّد بحصول التوبة بالإعطاء، و من المعلوم عدم حصولها بصرف الاختلاط.

و يترتّب على ذلك مسائل: منها ما تقدّم في طيّ المسألة الثامنة من أنّه في فرض بطلان المعاوضة يستحقّ المنقول إليه على الناقل مالا مردّدا على نحو تردّد المال المنقول إليه. و منها جواز هبة غير الخمس أو انتقاله إلى الغير. و منها ثبوت الإرث في غيره. و منها أنّه لو فرض بطلان المعاملة و جهل المشتري كان حكمه إعطاء الخمس. و منها لزوم الإعطاء لمالكه لو تبيّن قبل الإعطاء، كما هو واضح.

و منها لزوم إعطاء الزائد لو تبيّن المقدار بعد حين أو لم يتبيّن و لكن كان أكثر من الخمس. و منها عدم لزوم الخمس لو تبيّن كونه أقلّ منه. كلّ ذلك متفرّع على عدم التبديل بصرف الاختلاط.

ذكر قدس سرّه في الجواهر وجوها أربعة:

الأوّل: إعطاء ما يحصل به اليقين بالبراءة.

الثاني: الاكتفاء بالمتيقّن.

الثالث: الصلح مع الإمام عليه السّلام أو من يقوم مقامه.

______________________________
(1) في ص 359.

(2) في ص 359.

385
کتاب الخمس (للحائري)

الثالثة عشر لو أتلف المال المخلوط بالحرام الذي فيه الخمس و لم يعرف مقداره حتى يؤدي خمسه ففيه وجوه 1 ص 385

..........

الرابع: الصلح بما يرضى به ما لم يعلم زيادته على ما اشتغلت ذمّته به «1».

و لعلّ المقصود بما يرضى به من حيث خصوصيّة الأموال.

و هنا وجه خامس ذكره السيّد الفقيه البروجرديّ و الشيخ الجليل كاشف الغطاء الشيخ محمّد حسين قدس سرّهما و هو التنصيف في المحتمل و أفتيا بذلك.

و لعلّ الأصحّ هو الوجه الثاني كما في العروة «2» و لم يعلّق عليه أكثر المحشّين كان اللّه لهم.

و الوجه فيه أنّه من قبيل الأقلّ و الأكثر فيجري فيه البراءة.

و الإفتاء بالتنصيف منهما لا يخلو عن غرابة، فإنّ دليل التنصيف- كما مرّ «3»-:

رواية عبد اللّه بن مغيرة الواردة في رجلين كان معهما درهمان، و رواية تميم بن طرفة في رجلين ادّعيا بعيرا فأقام كلّ منهما بيّنة، و رواية السكونيّ في دينار و دينارين لرجلين و كانا مستودعين عند رجل فضاع أحدها.

و لا يمكن إلقاء الخصوصيّة للمبحوث عنه لوجوه:

منها كون الكلّ واردا في العين لا في الذمّة.

و منها كون الكلّ واردا في ما يكون صاحب المال مردّدا بين الاثنين، و في المقام صاحب المال مجهول مردّد بين غير المحصور.

و منها ورودها في مورد التداعي الذي لا يكون لأحد الطرفين دليل ليس للآخر، بخلاف المورد، فإنّ مقتضى البراءة هو عدم الاشتغال بالمقدار الزائد عن القدر المتيقّن، و ليس في المقام دليل يقتضي كون المحتمل للمالك المجهول، كما لا يخفى. و لو بني على التنصيف في جميع الأموال المردّدة بين الشخصين لانهدم‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 76.

(2) في المسألة 38 من الفصل الأوّل من كتاب الخمس.

(3) في ص 307 و 308.

386
کتاب الخمس (للحائري)

الثالثة عشر لو أتلف المال المخلوط بالحرام الذي فيه الخمس و لم يعرف مقداره حتى يؤدي خمسه ففيه وجوه 1 ص 385

..........

بناء القضاء الشرعيّ المبنيّ على الإقرار و اليد و البيّنة و الأصول و الأمارات، و لذا كان الإفتاء المذكور بالتنصيف في المقام من الغرائب.

و أمّا شبهة الاشتغال فلا تخلو عن إعضال، و ذلك من جهة مجموع أمرين:

أحدهما أنّ الحكم في العين في ما إذا كان مردّدا بين أن يكون لذي اليد أو يكون للمالك المجهول هو أداء الخمس. و الاقتصار على القدر المتيقّن مخالف لصريح أخبار الخمس، فإنّه لو اقتصر في العين على القدر المتيقّن لزم عدم وجوب الخمس إلّا في موارد لا يحتمل فيها النقصان عن الخمس، فأداء المحتمل منجّز على المكلّف بمقدار الخمس في العين.

ثانيهما: ما تقدّم في المسألة السابقة من أنّ البدل يقوم مقام العين في كون أداء مال الغير بالخمس، فلا تنقلب بعد الانتقال إلى الذمّة إلى حكم مجهول المالك، و مقتضى ذلك هو وجوب الاحتياط، لأنّ المحتمل كونه للغير منجّز عليه فلا بدّ من أدائه بالخمس، و لا يعلم ذلك إلّا بإعطاء الأكثر، كما هو واضح.

و من ذلك يظهر أمور:

الأوّل: عدم ابتناء كون ما في الذمّة هو الخمس في التالف المعلوم من حيث المقدار- أي مقدار التالف لا مقدار مال الغير، فإنّ المفروض أنّه مجهول- على تبديل المختلط بنفسه إلى الخمس، بل الظاهر وجوب الخمس في التالف المعلوم أيضا حتّى على فرض عدم التبديل كما هو الصحيح، و ذلك من جهة دليل الضمان و تبعيّة البدل للمبدل، كما مرّ «1».

الثاني: أنّ مقتضى صحّة الشبهة المذكورة- أي الحكم بالاشتغال في ما في الذمّة بالأكثر- هو الحكم به في المال غير المعلوم من حيث المقدار بالأولويّة.

______________________________
(1) في ص 383.

387
کتاب الخمس (للحائري)

الثالثة عشر لو أتلف المال المخلوط بالحرام الذي فيه الخمس و لم يعرف مقداره حتى يؤدي خمسه ففيه وجوه 1 ص 385

..........

وجه الأولويّة: عدم الاحتياج إلى الأمرين المتقدّمين بل يكفي فيه الأمر الأوّل، و هو أنّ المحتمل منجّز على عهدة المكلّف لا يرتفع إلّا بالخمس، مضافا إلى عدم وضوح جريان أصالة البراءة في العين و عدم وضوح حجّيّة اليد بالنسبة إلى ذي اليد نفسه.

الثالث: أنّ الاشتغال إنّما هو على فرض سراية تنجّز المحتمل من العين إلى الذمّة، فيحكم فيها بالخمس أيضا، كما هو الصحيح المطابق لمسلك المشايخ العظام و صاحب العروة، المخالف لمسلك غير واحد من المحقّقين من المحشّين.

و أمّا على فرض كون ما في الذمّة للمالك المجهول- و لا يجب أداؤه إلّا كأداء المجهول مالكه إذا لم يكن موردا لدليل الخمس- فلا وجه للاشتغال أصلا، لأنّ منشأ الاشتغال تنجّز المحتمل الذي يكون ذلك من باب إسراء دليل الخمس من العين إلى الذمّة بمقتضى مفاد الضمان.

و الجواب عن الشبهة المذكورة أنّ المحتمل المنجّز هو المحتمل من جهة كون حقّ الغير أقلّ من الخمس أو الأزيد لا مطلق احتمال كون المال للغير، و لذا لا إشكال في أنّه لو علم أنّ متعلّق حقّ الغير إنّما هو مقدار الخمس و لكن تردّد في مال أنّه ماله أو للغير- من جهة عدم معلوميّة مقدار مجموع المال- لا يكون ذلك الاحتمال منجّزا عليه.

و الذي يوضح ذلك أنّه ليس المحتمل المنجّز أولى بالاجتناب بالنسبة إلى العنوان المقطوع، فلو كان خمس المال مثلا لشخص خاصّ قطعا و تردّد بعد التلف و النقل إلى الذمّة بين الأقلّ و الأكثر فلا إشكال في البراءة.

فثبت أنّ الحكم بالبراءة واضح بحمده تعالى، لكن بناء على كون التكليف بالنسبة إلى ما في الذمّة إعطاء الخمس فلا بدّ من أخذ المتيقّن من الخمسين، و بناء‌

388
کتاب الخمس (للحائري)

الثالثة عشر لو أتلف المال المخلوط بالحرام الذي فيه الخمس و لم يعرف مقداره حتى يؤدي خمسه ففيه وجوه 1 ص 385

..........

على أنّ ما في الذمّة بدل عن الملك المجهول صاحبه فلا بدّ من أخذ المتيقّن بالنسبة إلى أصل المال، و الفرق بينهما غير خفيّ.

قال قدس سرّه في الجواهر بعد ذكر المحتملات الّتي مرّ نقلها في صدر المسألة، معلّلا للصلح بكون صاحبه معلوما أو كالمعلوم حيث إنّه الإمام عليه السّلام:

بل قد يقال: إنّ عليه الصلح بما يرضى به ما لم يعلم زيادته على ما اشتغلت ذمّته به، كما عرفته سابقا في نظيره، لكن قد يفرق بينهما بوجود الأعيان هناك دونه هنا، فالوجه حينئذ الصلح مع إمكانه، و إلّا فدفع ما يحصل به اليقين بالبراءة، أو إعطاء الأقلّ في وجه قويّ «1». انتهى ملخّصا.

أقول: فيه أوّلا: أنّ التعليل للصلح ب‍ «أنّ صاحبه معلوم» غير واضح، لأنّ مقتضى القاعدة عدم وجوب الصلح حتّى في ما إذا كان صاحبه معلوما، كما هو واضح بحسب الدليل.

و ثانيا: أنّه لا معنى لاحتمال تعيّن وجوب الصلح، بل إن كان مقتضى القاعدة هو الاحتياط فيكون المديون مخيّرا بين الصلح و إعطاء الأكثر.

و ثالثا: أنّه لا معنى لاحتمال تعيّن الأكثر، بل له أن يصالح الحاكم الشرعيّ في ذلك كما في الملك المعلوم مالكه. نعم، على فرض وجوب إعطاء الأكثر فجواز الصلح بغيره له غير معلوم، و لكن هذا لا ينافي تخيّر من بيده المال بحيث لو رأى الحاكم المصلحة في الصلح بالأقلّ و لو من باب ملاحظة المديون صالحه به.

و رابعا: أنّ ما ذكره أخيرا بقوله «فالوجه حينئذ الصلح» مورد للمناقشة أيضا،

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 76- 77.

389
کتاب الخمس (للحائري)

الرابعة عشر هل يجب الفحص عن مقدار الدين أم لا ص 390

و لعلّ الأظهر هو الاقتصار على المتيقّن من محتملات الخمس.

الرابعة عشر: هل يجب الفحص عن مقدار الدين أم لا؟

فيه وجهان (1).

لما عرفت أنّ الوجه هو الاكتفاء بالأقلّ.

و خامسا: أنّه على فرض إعطاء الأكثر فلا معنى لتعيّن الصلح أوّلا، بل لا بدّ من التخيير.

و سادسا: أنّه إذا وجب الصلح أوّلا فلا معنى لاختيار البراءة عند عدم إمكانه، بل لا بدّ من إعطاء الأكثر.

إنّ مسألة الفحص عن المقدار المشكوك في العين أو الدين في الخمس و الزكاة و الكفّارات و استطاعة الحجّ و الديون غير الشرعيّة سيّالة غير محرّرة على ما تفحّصت تفحّصا ناقصا و تكون موردا للابتلاء جدّا.

فهل يحكم بوجوب الفحص مطلقا- كما أفتى به بعض أعلام العصر في تعليقه على العروة «1»- من باب قيام السيرة القطعيّة عليه، فإنّ العرف يراجعون إلى الدفاتر في مقام الاطّلاع على الديون و الحقوق. و الاكتفاء بالمتيقّن و الاعتذار عن الرجوع إلى الدفاتر بعدم وجوب ذلك و جريان البراءة مورد للملامة قطعا عند العرف و العقلاء، و الأحكام الشرعيّة واردة على طبق الارتكازات العرفيّة، أو يفصّل بين العين و الدين، أو يفصّل بين كون أصل الحقّ معلوما و كان الشكّ في مقداره فيحتاط أو يتفحّص، أو يفصّل بين ما إذا كان متعلّقه العين و كان أصل تعلّق الحقّ معلوما فيحكم بالتفحّص أو الاحتياط- فيكون الشرط في الفحص أمرين- و لا يتفحّص في غير ذلك، أو يختصّ ذلك بالدراهم المغشوشة الوارد فيها خبر زيد الصائغ، قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي كنت في قرية من‌

______________________________
(1) في المسألة 21 من الشرط الثالث من شرائط وجوب الحجّ.

390
کتاب الخمس (للحائري)

الرابعة عشر هل يجب الفحص عن مقدار الدين أم لا ص 390

..........

قرى خراسان يقال لها «بخارى» فرأيت فيها دراهم تعمل ثلث فضّة، و ثلث مسّا، و ثلث رصاصا «1»، و كانت تجوز عندهم و كنت أعملها و أنفقها؟ قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس بذلك إذا كان تجوز عندهم».

فقلت: أ رأيت إن حال عليه الحول و هي عندي و فيها ما يجب عليّ فيه الزكاة أزكّيها؟ قال: «نعم، إنّما هو مالك».

قلت: فإن أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها مثلها فبقيت عندي حتّى حال عليها الحول أزكّيها؟ قال: «إن كنت تعرف أنّ فيها من الفضّة الخالصة ما يجب عليك فيه الزكاة فزكّ ما كان لك فيها من الفضّة الخالصة من فضّة ودع ما سوى ذلك من الخبيث».

قلت: و إن كنت لا أعلم ما فيها من الفضّة الخالصة إلّا أنّي أعلم أنّ فيها ما يجب فيه الزكاة؟ قال: «فاسبكها حتّى تخلص الفضّة و يحترق الخبيث ثمّ تزكّي ما خلص من الفضّة لسنة واحدة» «2».

هذا، و لكن مقتضى القاعدة عدم وجوب الفحص:

أمّا الخبر فاعتباره غير ثابت، من جهة مجهوليّة زيد و محمّد بن عبد اللّه بن هلال، و الاستناد في وثاقتهما إلى نقل محمّد بن الحسين الثقة عن الثاني و العلاء‌

______________________________
(1) السرب أو القلع.

(2) الوسائل: ج 6 ص 104 الباب 7 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.

391
کتاب الخمس (للحائري)

الرابعة عشر هل يجب الفحص عن مقدار الدين أم لا ص 390

..........

عن الأوّل و لو نادرا- كما في المستدرك- ضعيف، لأنّه لا يحرم نقل محتمل الصدق حتّى يتحرّز عنه العادل بل هو حسن، لأنّه قد يحصل بضمّ غيره الاستفاضة أو التواتر أو ما يطمئنّ النفس بصدور المضمون عنهم عليهم السّلام، و قد يكون موجبا للاحتياط أو يؤيّد به القواعد و غير ذلك.

و إثبات اعتباره بالانجبار بالعمل مشكل أيضا، فإنّه لم أر الاستناد إليه في المسألة في عدّة من كتب الأصحاب كالمدارك و الجواهر و المسالك و المصباح، بل الظاهر من نقل المدارك: استناد الشيخ قدس سرّه للزوم الاختبار بقاعدة الاشتغال الدالّ على عدم الاستناد إليه.

و نقلهم الخبر في البحث عن صدق الدراهم على المغشوشة لا يدلّ على حجّيّته، لأنّ إطلاق الدراهم عليها لا يتوقّف على صدور الكلام عنه عليه السّلام.

مع أنّ دلالته على المقصود لا تخلو عن المناقشة، و ذلك لمجموع وجوه:

الأوّل: حكمه في الصدر بوجوب الزكاة بشرط المعرفة بكونه على حدّ النصاب، و لا فرق بحسب القاعدة بين الموردين. الثاني: عدم الحكم بالتخيير في الذيل بين إعطاء الأكثر أو السبك. الثالث: قوله عليه السّلام «لسنة واحدة» المشعر بأنّ المقصود من ذلك هو الإرشاد إلى صيرورة الدراهم فضّة مسبوكة حتّى لا يتعلّق بها الزكاة في كلّ سنة، فهو احتياط و موجب لرفع التكليف بالنسبة إلى السنين اللاحقة.

مع أنّه لو دلّ على ذلك فلا يمكن الإسراء إلى مطلق موارد الشكّ في ثبوت الحقّ، بل لا بدّ من الاقتصار على مورده- من الدراهم المغشوشة- فإنّ احتمال الخصوصيّة من حيث كون الحقّ هو الزكاة و هو متعلّق لحقّ العموم و المصارف المتعدّدة، و من حيث كون موضوعه الدراهم الّتي تبقى تحت الأيادي طول السنين، و هذا غير الحنطة أو العنب الذي يؤكل و يتلف في السنة الأولى غالبا. نعم، على فرض‌

392
کتاب الخمس (للحائري)

الخامسة عشر في ما لو علم بالاختلاط في الذمم التي تحت اختياره ص 393

و لا فرق بين سبق العلم أو احتمال السبق و عدمهما (1).

الخامسة عشر [في ما لو علم بالاختلاط في الذمم الّتي تحت اختياره]

إذا علم أنّ بعض ما هو له و تحت اختياره من الذمم و الديون يكون لغيره و كان مردّدا بين الأقلّ من الخمس و الأكثر فالظاهر وجوب الخمس عليه و حلّيّة باقي المال بذلك (2) بل و لو لم تكن الذمم تماميّة السند و الدلالة بالنسبة إلى مورده يمكن التعدّي إلى الدنانير المغشوشة أيضا.

و أمّا السيرة، ففيها أوّلا أنّها لعلّه من جهة حصول العلم بعد ذلك بالمراجعة إلى الدفاتر لجهات أخر راجع نفعها إلى صاحبها، فعدم الرجوع عند مطالبة الدائن كاللغو. و ثانيا أنّ السيرة مردوعة بدليل الأصل الشرعيّ، كما بيّنّا ذلك في الأصول من أنّ العموم الرادع مقدّم على السيرة قطعا. و ثالثا على فرض عدم الترجيح بين الأخذ بالعموم أو السيرة فيحكم بتعارض ذلك بالنسبة إلى الاستصحاب فيرجع إلى عموم «ما لا يعلمون» «1».

فإنّ العلم السابق لا يكون حجّة على وجوب الأداء في حال الجهل، و أمّا الفوريّة فلا ترتفع عقوبتها- إن كان العلم حاصلا بالأكثر- بأدائه فعلا، فالتكاليف على أقسام ثلاثة: الأوّل: التكليف الموقّت الذي ليس له قضاء أصلا. و الثاني:

التكليف الموسّع الذي لا يجب المسارعة إليه، فلا يمكن العقوبة على الترك في زمان العلم، لكون التكليف موسّعا و بعده تكون العقوبة من غير بيان. و الثالث: أن يكون موردا للتكليفين على نحو تعدّد المطلوب، فبالنسبة إلى الموسّع كالثاني و بالنسبة إلى الفوريّة لا تأثير للأداء، و العلم السابق بالنسبة إلى التكليف اللاحق لا يكون حجّة بعد زواله، لعدم الدليل، بل مقتضى أدلّة الأصول خلافه.

لإطلاق معتبر عمّار «2» بعد وضوح كون المقصود من الاختلاط هو الاشتباه‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 11 ص 295 الباب 56 من أبواب جهاد النفس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 344 ح 6 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

393
کتاب الخمس (للحائري)

الخامسة عشر في ما لو علم بالاختلاط في الذمم التي تحت اختياره ص 393

في يده و تحت اختياره، بأن أتلف الغاصب مالا بعضه له و بعضه للمالك المجهول و كان مردّدا عنده بين الأقلّ من الخمس و الأكثر (1).

و كذلك في الأعيان الموجودة الّتي تكون بيد الغاصب (2).

و تكليف الغاصب إعطاء الخمس لوليّه بإذن صاحب باقي المال إذا كانت الأموال أعيانا (3).

لا الاختلاط الخارجيّ غير الصادق على الذمم، فإنّ الاختلاط الخارجيّ بما هو مع عدم الاشتباه ليس ممّا يصلح لجعل الخمس.

و يمكن التمسّك له أيضا بخبر السكونيّ «1»، من حيث صدقه على ما لو كان المجموع الذي اكتسبه ممّا يكون بعضه في ذمم الأشخاص مشتملا على الحرام.

نعم، الظاهر عدم شموله للصورة المبحوث عنها- و هي أن يكون جميع المال المشتمل على الحرام في ذمم الأشخاص- لندرة ذلك، و قد مرّ غير مرّة أنّ الغلبة معتبرة في القضايا الخارجيّة، و الموضوع في خبر السكونيّ قضيّة خارجيّة فيسري الحكم إلى مورد البحث من باب إلقاء الخصوصيّة، بل لعلّ الظاهر شمول الخبر لصورة كون بعض ما في الذمّة مشتملا على الحرام أيضا بأن يكون المكتسب من موارد الحلال و الحرام بعضها في الذمّة و بعضها في الخارج و كان كلّ منهما بنفسه معلوم الاختلاط. و كيف كان، فالظاهر أنّه لا إشكال من حيث الدليل و لم أر التعرّض له في كلمات الأصحاب.

لأنّه لا فرق من حيث صدق عنوان الاختلاط بين ما كان الدين تحت اختيار مالك باقي الديون و بين ما لم يكن كذلك.

لما ذكر في الديون، من غير فرق بينهما بل فيه أولى.

سواء بذل من العين أو من القيمة، لأنّ الخمس تكليفه، و اختيار التبديل‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 353 ح 4 من ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

394
کتاب الخمس (للحائري)

السادسة عشر لا فرق في الاقتصار على الأقل بين كون المال مثليا أو قيميا ص 395

على الأحوط (1) إن كان المال عنده مختلطا أيضا، و إلّا فإن أعطى أكثر ما يحتمل فيه بإذنه فلا إشكال (2). و إن أعطى الأقلّ من الخمس مع احتمال الزيادة على الخمس فالواجب على صاحب المال إعطاء الباقي حتّى يتيقّن بالبراءة أو إعطاء الخمس حتّى يحلّ باقي المال له (3).

السادسة عشر [لا فرق في الاقتصار على الأقلّ بين كون المال مثليّا أو قيميّا]

قد مرّ أنّه لو أتلف المال المختلط الذي فيه الخمس يجب أن يعطي الخمس إن كان معلوما، و إن كان الخمس مجهولا- من باب أنّ مقدار المال يكون غير معلوم- يكفي الأقلّ، و لا فرق في ذلك بين كون العين قيميّا أو مثليّا من جنس واحد أو من أجناس مختلفة أو كان مشتملا على القيميّ و المثليّ (4).

إلى القيمة- بحسب ظاهر الأخبار- إلى من يخمّس لتحليل المال و تخليصه.

لاحتمال كون الخمس تكليف من يكون المال بيده و إن كان أثره- و هو الحلّيّة- ظاهرا لصاحب باقي المال. نعم، لا بدّ من إذنه إذا أراد البذل من عين المال من جهة الاختلاط.

بناء على ما تقدّم من عدم كون مقتضى دليل الخمس: انحصار التخلّص بذلك من حيث الأكثر بأن لا يكفي الأكثر، بل مقتضاه الامتنان و أنّه تعالى قد رضي من الأشياء بالخمس، و بعد ذلك لا يكون المال مختلطا حتّى يجب فيه الخمس لأجل الاختلاط.

و ذلك لأنّ المحتمل لا يحلّ له التصرّف إلّا بإعطاء الخمس أو إعطاء الكلّ حتّى يحصل له البراءة القطعيّة، كما لا يخفى.

و ذلك لأنّ المكلّف بالخمس- كما يجي‌ء- مخيّر بين أداء الخمس من عين المال أو قيمته و إن كان مثليّا، فلو كان المال الذي يكون متعلّقا للخمس و قد أتلفه مردّدا بين كونه خمسا من الحنطة أو خمسا من الأرز فقيمة خمس الحنطة‌

395
کتاب الخمس (للحائري)

السابعة عشر لو أتلف الحرام ثم عرض له الاشتباه ص 396

السابعة عشر: لو أتلف الحرام ثمّ عرض له الاشتباه

فإن كان مثليّا من جنس واحد أو قيميّا يجوز الاكتفاء بالمتيقّن (1).

أمّا إذا كان مثليّا من جنسين أو مردّدا بين المثليّ و القيميّ ففيه إشكال: من لزوم الاحتياط بأداء المالين (2)، أو الرجوع إلى متيقّن و يجري في الباقي البراءة، كما لا يخفى.

و إن كان الحرام المحتمل مردّدا بين الخمس و الأكثر، و ذلك لخروجه عن دليل وجوب الخمس في المختلط، لعدم الاختلاط حين وجود العين، و بالنسبة إلى الذمّة لا يكون إلّا المال الحرام كما هو واضح، و حينئذ إن كان الحرام مردّدا بين منّ من الحنطة مثلا أو منّين فمقتضى القاعدة هو الأخذ بالمتيقّن و إجراء البراءة في الأكثر. و كذا في ما إذا كان التالف من أجناس مختلفة و لكن كان كلّها قيميّا، لأنّ ما يستقرّ في الذمّة هو القيمة المردّدة بين الأقلّ و الأكثر، فلو تردّد التالف بين كونه حمارا أو فرسا فالقدر المتيقّن قيمة الحمار.

إن قلت: هذا بناء على كون ما في الذمّة منحصرا في القيمة، و أمّا إذا كان الثابت في الذمّة عهدة العين فيحصل له العلم الإجماليّ بأنّه إمّا على عهدته عين الحمار أو عين الفرس، و لا يحصل اليقين بالبراءة عن العهدة المعلومة بالإجمال إلّا بإعطاء أكثر القيمتين، و لا يكتفي بالأقلّ.

قلت: أوّلا ليست العهدة حقيقة اعتباريّة كالزوجيّة و الملكيّة في قبال ملكيّة ما في الذمّة، بل هي عبارة أخرى عن اشتغال الذمّة بالأقرب إلى التالف الذي هو المثل في المثليّ و القيمة في القيميّ على ما يقال. و ثانيا على فرض كونها اعتبارا خاصّا فكون العلم الإجماليّ به منجّزا غير واضح.

كما أفتى به بعض علماء العصر قدس سرّه «1» في تعليقه الشريف لو لا الإجماع،

______________________________
(1) هو مولانا و صديقنا العلّامة البجنورديّ. منه قدس سرّه.

396
کتاب الخمس (للحائري)

السابعة عشر لو أتلف الحرام ثم عرض له الاشتباه ص 396

..........

و مال إليه السيّد الطباطبائيّ اليزديّ قدس سرّه في تعليقه الشريف على مكاسب الشيخ الأنصاريّ. و وجهه أنّ ذلك مقتضى تنجّز العلم الإجماليّ.

و الإيراد عليه ب‍ «أنّه مرفوع بحديث نفي الضرر» مندفع بأنّ أداء الحقوق حكم ثبت بالنصوص حتّى في مورد الضرر، فقد ورد:

«الحجر الغصب في الدار رهن على خرابها» «1».

و عن الدراورديّ في من أخذ أرضا بغير حقّها و بنى فيها، قال عليه السّلام:

«يرفع بناؤه و تسلم التربة إلى صاحبها، ليس لعرق ظالم حقّ» «2».

و في خبر محمّد بن مسلم في الدار المستأجرة.

«و له الزرع و الغرس و يقلعه و يذهب به حيث شاء» «3».

إذا كان بدون الاستيمار عن صاحب الأرض. و قد حكم الأصحاب بذلك كلّه و بأنّه لو دخلت دابّة في دار أحد بتسبّب صاحب الدار و توقّف الردّ على هدم الجدار يهدم الجدار من دون ضمان على صاحب الدابّة- فراجع الشرائع «4» كتاب الغصب- فبناء عليه حديث نفي الضرر ملقى في مقام أداء الحقوق.

إن قلت: إنّ الاحتياط غير ممكن، من جهة أنّ الدائن لا يتمكّن شرعا من أخذ المالين- كما في بعض تعاليق العروة «5»- فلا بدّ له من إلقاء خصوصيّة المثليّة،

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 309 ح 5 من ب 1 من أبواب الغصب.

(2) المصدر: ص 311 ح 1 من ب 3 من أبواب الغصب.

(3) الوسائل: ج 17 ص 310 ح 2 من ب 2 من أبواب الغصب.

(4) ج 4 ص 774.

(5) في المسألة 31 من الفصل الأوّل من كتاب الخمس.

397
کتاب الخمس (للحائري)

السابعة عشر لو أتلف الحرام ثم عرض له الاشتباه ص 396

القرعة (1)، أو الحكم بالتنصيف في القيمة في الزائد على المقدار المعلوم (2)، أو الحكم به إمّا في الزائد على المقدار المعلوم في القيمة أو في نفس المال (3)، أو التفصيل بين المردّد بين المثليّ و القيميّ بنحو الشبهة المفهوميّة (4) فيتردّد بين الأقلّ و الأكثر، فيجري البراءة بالنسبة إلى الأكثر بعد ذلك.

قلت: كما على المديون الأداء و تحمّل الضرر في مقام الأداء كذا يجب عليه الرضا بأخذ المالين ليرتفع المنع و يتحقّق الأخذ، فإنّ الممنوع شرعا كالممتنع الخارجيّ، فكما عليه رفع المنع الخارجيّ كذلك عليه رفع المنع الشرعيّ.

كما أفتى به السيّد الفقيه الحكيم قدس سرّه في مستمسكه «1». و منشأه عدم جريان الاحتياط، لبعض ما ذكر و يجي‌ء في الوجه المنصور و هو البراءة و عدم جريان البراءة في المتباينين كما لا يخفى، و عدم جواز الاكتفاء بالموافقة الاحتماليّة، لأنّ مقتضى الأصل بقاء الاشتغال و عدم جواز أخذ المالك ما يؤدّيه، لاحتمال عدم كونه ماله، فهو مشكل يرجع فيه إلى القرعة.

كما في تعليق السيّد الفقيه البروجرديّ قدس سرّه في المسألة المذكورة، للانتقال إلى القيمة من باب تعذّر الاحتياط، و الزائد على المقدار المعلوم مردّد بين كونه للمديون أو الدائن فتجري فيه قاعدة التنصيف.

و فيه: ما لا يخفى من الضعف، و يظهر ذلك إن شاء اللّه عند ذكر وجه المختار.

بأن ينصف المنّ من الأرز و المنّ من الحنطة مثلا إذا كان التالف المجهول مالكه مردّدا بين الجنسين المذكورين، و التخيير المذكور مفتى به في كلام بعض علماء العصر كان اللّه له، و هو أضعف من الوجه المتقدّم، فتأمّل.

كالثوب المصنوع بالمكينة الّتي تعطّلت، فيقلّ له المثل و إن كان‌

______________________________
(1) ج 9 ص 501.

398
کتاب الخمس (للحائري)

السابعة عشر لو أتلف الحرام ثم عرض له الاشتباه ص 396

فيحكم بالمثل (1) و المردّد بينهما بنحو الشبهة المصداقيّة فالاحتياط أو القرعة أو التنصيف على أحد الوجهين أو البراءة أو بالعكس (2)، أو الحكم بالبراءة في المقدار الزائد مطلقا، و لعلّه الأقرب (3).

موجودا ميسورا.

و الوجه في ذلك أنّ مقتضى إطلاق «على اليد» «1» هو المثل مطلقا، خرج ما لا يوجد له مثل إلّا شاذّا فيعسر تحصيله، و بقي الباقي تحت الدليل.

و الوجه فيه أنّ مقتضى دليل الضمان الذي منه حديث «على اليد» «2» هو التدارك من حيث الماليّة، و مقتضاه كفاية القيمة حتّى في المثليّات، فخرج منه ما هو من المثليّات المتيقّنة و بقي الباقي تحت الإطلاق.

و ذلك لأمرين تتحصّل من مجموعهما صحّة القول بالبراءة:

أحدهما: عدم منجّزيّة العلم الإجماليّ في المقام، لقاعدة الضرر.

ثانيهما: عدم الدليل على لزوم المثل في مورد يكون مقتضاه الاحتياط الموجب للضرر.

أمّا الأمر الأوّل فللعموم المذكور. و المخصّص من النصوص المتقدّمة و فتوى الأصحاب مختص بصورة كون ملك الغاصب مبنيّا على ملك المغصوب منه، كالشجر و البناء.

و فيه: أنّه لا يملك الغاصب ما يتضرّر من جهة القلع أو خراب البناء، بل لا يكون ضررا حقيقة، لأنّه نقص في ما يملك أو كان البعد الحاصل بين العين و مالكه حاصلا بفعل الغاصب- كما في مورد فتوى الشرائع- فمنجّزيّة العلم الإجماليّ حتّى في مورد وجود العين بحيث يلزم الاحتياط ممنوع، فكيف بالدين! و على فرض المنجّزيّة بالنسبة إلى العين فاقتضاء البدليّة انتقال الحكم‌

______________________________
(1) المستدرك: ج 14 ص 7 ح 12 من ب 1 من أبواب الوديعة.

(2) المستدرك: ج 14 ص 7 ح 12 من ب 1 من أبواب الوديعة.

399
کتاب الخمس (للحائري)

السابعة عشر لو أتلف الحرام ثم عرض له الاشتباه ص 396

..........

المذكور- الذي مفاده وجوب أداء البدل، و غيره- ممنوع.

و على فرض ذلك فمفروض الكلام حصول الاشتباه بعد الإتلاف، فالحكم بوجوب أداء المالين لم يكن متحقّقا في ظرف وجود العين، و المنتقل إلى البدل هو الحكم الفعليّ الموجود حين وجود العين، و الحكم الفعليّ لم يكن إلّا وجوب أداء مال واحد، لا مالين مختلفين.

و على فرض انتقال الحكم التعليقيّ إلى البدل- بأن يقال: إنّ العين كان بحيث إذا تردّد بين المالين كان يجب أداؤهما احتياطا و الحكم في البدل مثله- نقول:

ليس إسراء الحكم من المبدل إلى البدل إلّا بعموم البدليّة، و العموم المذكور محكوم بنفسه بحديث نفي الضرر «1».

فالجواب عن وجوب الاحتياط يلخّص في أربعة: الأوّل: عدم لزومه في العين. الثاني: عدم تحقّقه خارجا في العين حتّى ينتقل إلى البدل. الثالث: عدم اقتضاء البدليّة ذلك على فرض التحقّق أو إسراء الحكم التعليقيّ. الرابع: محكوميّة دليل البدليّة بحديث نفي الضرر «2» بنفسه. هذا كلّه بيان للأمر الأوّل.

و أمّا الأمر الثاني فلعدم الدليل على إطلاق ضمان المثليّ بالمثل إلّا الإجماع و السيرة، و القدر المتيقّن منهما غير صورة اقتضاء الضمان بالنحو المذكور إعطاء المالين:

فإنّ حديث اليد غير ظاهر بالنسبة إلى صورة التلف بقرينة «حتّى تؤدّي» و لأنّ الظاهر أنّ العين بخصوصيّتها على العهدة، و مقتضى ذلك: الاقتصار على صورة وجود العين.

و أمّا آية الاعتداء «3» فهي غير دالّة، لأنّ المنع عن الخصوصيّة النوعيّة مع‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 340 الباب 12 من أبواب إحياء الموات.

(2) الوسائل: ج 17 ص 340 الباب 12 من أبواب إحياء الموات.

(3) سورة البقرة: 194.

400
کتاب الخمس (للحائري)

الثامنة عشر لو علم إجمالا بالاختلاط في أحد المالين مع كون قيمة المالين واحدة ص 401

و الأحوط التصالح مع الحاكم و له التصالح بقيمة الأكثر (1).

الثامنة عشر [لو علم إجمالا بالاختلاط في أحد المالين مع كون قيمة المالين واحدة]

لو علم إجمالا أنّ الملك المزروع الموروث عن أبيه الذي قيمته عشرة- مثلا- مختلط بالحرام أو دار سكناه الّتي بتلك إعطاء المال المعادل للقيمة و تدارك التالف لا يكون اعتداء عرفا، و كذلك أخذها.

مع أنّه لو دلّ على وجوب مراعاة المماثل من باب اشتماله على الجهات النوعيّة فلا ريب أنّ البغل- الذي هو بمقدار قيمة البغل التالف- أقرب من القيمة مع أنّ مقتضى صحيح أبي ولّاد «1» المعروف هو الضمان بالقيمة، و في رواية محمّد بن مسلم الواردة في مورد الإجارة و أنّ المستأجر غرس فيه النخيل و الفواكه: إنّه يعطي القيمة إذا كان ذلك بالاستيمار من المالك «2» مع أنّ مثل التمر مثليّ.

و يمكن أن يقال بعدم الاحتياج إلى الأمر الأوّل، من جهة عدم الدليل على لزوم المثل في المثليّ في مورد الاشتباه، سواء كان مقتضاه الاحتياط أو الاكتفاء بالموافقة الاحتماليّة، فلعلّ البراءة قويّ حينئذ، فلا يرجع إلى القرعة، لعدم الاشتباه. و قد مرّ أنّ التنصيف لا دليل عليه بالنسبة إلى ما في الذمّة و إلى ما إذا كان مقتضى الأصل أو الأمارة تعيين أحد الطرفين.

و الأحوط الصلح مع الحاكم بإعطاء قيمة الأكثر، و للحاكم أن يصالح بذلك، لكونه على وفق مصلحة المالك المجهول، كما لا يخفى.

لكونه على وفق المصلحة، لأنّه لا دليل على مراعاة الأصلح فالأصلح حتّى لا يجوز له المصالحة إلّا بإعطاء المالين، و إلّا لكان الواجب عليه وقف المجهول- كما لا يخفى- مع أنّ مصرفه الفقراء و قد يصل إليهم ما يستحقّونه بالفرض المذكور يقينا.

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 313 الباب 7 من أبواب الغصب.

(2) الوسائل: ج 17 ص 310 ح 2 من ب 2 من أبواب الغصب.

401
کتاب الخمس (للحائري)

الثامنة عشر لو علم إجمالا بالاختلاط في أحد المالين مع كون قيمة المالين واحدة ص 401

القيمة، و كان الحرام المحتمل في كلّ واحد منهما الواحد أو الاثنان أو الخمسة فبالنسبة إلى المجموع يحتمل أن يكون زائدا على الخمس، فهل يكفي إعطاء اثنين بعنوان القيمة أو لا بدّ من إعطاء خمس المجموع الذي هو الأربعة؟ وجهان (1).

و لعلّ الأرجح هو الأوّل و إن كان الأحوط هو الثاني (2).

وجه الأوّل أنّ إعطاءه بعنوان قيمة ما هو الخمس موجب لرفع الاختلاط فيقطع بحلّيّة جميع المال.

و أمّا الثاني فلأنّ مقتضى كون المجموع مختلطا و مقتضى ظهور دليل الخمس في انحصار الحلّيّة في المال المختلط بأداء الخمس: عدم حصول الحلّيّة إلّا بأداء خمس المجموع بمعنى عدم كفاية الأقلّ من ذلك، و أمّا من حيث الأكثر فلا يقتضي الانحصار، فمقتضى الشمول للمجموع: عدم حصول الحلّيّة بأداء خمس كلّ واحد على تقدير كونه مختلطا، لكونه أقلّ من خمس المجموع.

و ذلك بالجواب عن المعارضة بذلك من وجوه:

منها: أنّ مثل رواية السكونيّ لا إطلاق لها بالنسبة إلى ذلك، لحملها على الغالب في القضايا الخارجيّة. و أمّا خبر عمّار فمقتضاه الانحصار في أداء ما يصدق عليه الخمس بالنسبة إلى مجموع ذلك المال، و له فردان: أحدهما خمس المجموع. ثانيهما الخمس المضاف إلى كلّ واحد من الطرفين.

و منها: أنّ الحصر في ذلك إنّما هو ما دام كون الحرام محتملا فيه، فلا يجزي الاكتفاء بالأقلّ و إجراء الأصل و الأمارة النافيين للتكليف بالأداء، و مقتضى شمول دليل المختلط لكلّ واحد من الطرفين على تقدير عدم كون الآخر كذلك هو الخروج عن الموضوع، كما لا يخفى.

و منها: أنّه على فرض الظهور في الحصر فمقتضى الأمرين هو التصرّف في‌

402
کتاب الخمس (للحائري)

التاسعة عشر لو علم إجمالا بذلك مع الاختلاف في القيمة ص 403

التاسعة عشر [لو علم إجمالا بذلك مع الاختلاف في القيمة]

لو علم إجمالا أنّه إمّا يكون الملك المزروع المساوي قيمته عشرين فيه الخمس أو الدار الّتي يسكنها مثلا المساوي قيمتها للعشرة فيها الخمس فبناء على ما تقدّم في المسألة المتقدّمة من عدم لزوم خمس المجموع فهل يكفي الاكتفاء بالأقلّ بأداء الاثنين في المثال (1) أو الأكثر بأداء الأربعة؟ وجهان، و لعلّ الثاني أقرب (2).

ظهور الدليل في الحصر بكفاية أحد الأمرين.

و منها: أنّه على فرض التعارض يرجع في مقدار الزائد إلى البراءة.

من باب أنّه يجب إمّا أداء خمس العشرة و هو الاثنان و إمّا أداء خمس العشرين و هو الأربعة، فالاثنان متيقّن و الباقي يكون مجرى البراءة.

من باب أنّ المال الواقعيّ الذي يكون في أحد المالين و يكون للمالك المجهول لا يحلّ التصرّف فيه إلّا بإعطاء الخمس. فهنا تكليفان: أحدهما أداء الخمس و ثانيهما إحراز حلّيّة أحد المالين المعلوم وجود الحرام فيه المنجّز على المكلّف بالعلم الإجماليّ، فالشكّ في لزوم الاثنين الآخرين من قبيل الشكّ في ما يحصل به الحرام المنجّز عليه. و الفرق بينه و بين ما تقدّم في السابقة من جريان البراءة على تقدير دوران الأمر بين وجوب خمس المجموع أو خمس واحد ممّا هو المختلط في البين: عدم تنجّز الزائد على المقدار المعلوم، لأنّ منجّز الزائد على المقدار المعلوم هو دليل الخمس غير الواضح في مقام الدلالة، بخلاف المقام فإنّ المفروض أنّه أوجب الخمس إمّا في هذا المال ليحلّ به المحتمل الواقعيّ أو في ذاك المال كذلك، فلا بدّ من تحصيل ذلك، فالشكّ في الزائد هو الشكّ في المحصّل من باب أنّ الواجب هو الاجتناب عن الحرام الواقعيّ المردّد بين المالين إلّا بعد أداء الخمس أو شكّ في الرافع من باب حرمة التصرّف في الحرام الواقعيّ الموجود في المالين، و رافع ذلك هو الخمس المنطبق على كلا التقديرين، فتأمّل.

403
کتاب الخمس (للحائري)

العشرون لو كان المحتمل في كلا الطرفين موردا لحكم التصدق بأن كان معلوما ص 404

العشرون: لو كان المحتمل في كلا الطرفين موردا لحكم التصدّق، بأن كان معلوما،

بأن دار الأمر بين كون الحرام في أحد المالين النصف منه الذي هو ربع المجموع في فرض كون المالين متساويين في القيمة و في الآخر الخمس منه، فبالنسبة إلى المجموع يصير موردا للمختلط فيكفي إعطاء خمس المجموع، و إن أعطى الربع صدقة فلا إشكال أيضا في ذلك (1).

الحادية و العشرون [في العلم الإجماليّ على النحو المتقدّم لا يجزي الأقلّ]

في ما يساوي كلّ من المالين العشرة لو كان الحرام المحتمل في أحد المالين العشر و في الآخر الخمس أو النصف فالظاهر لزوم إعطاء خمس المجموع أو إعطاء الأكثر و هو الربع، أمّا إعطاء العشر من الكلّ ففيه إشكال بل الظاهر عدم الاكتفاء (2).

فإنّه في مثال كون كلّ واحد من المالين مساويا للعشرة فبالنسبة إلى المجموع في ما إذا كان المحتمل في أحدهما النصف و في الآخر الخمس يتردّد الحرام الموجود فيه بين الربع و العشر فيحكم بالخمس الذي هو الأربعة في المثال.

و لو أعطى الفقير خمسة بعنوان القيمة لكفى و ليس مخالفا لظهور دليل الخمس في حصر الحلّيّة بالخمس، لأنّه في مقام عدم جواز الأقلّ لا في مقام إعطاء ما يعلم به البراءة بإعطاء محتمل الحرمة، فالحرام المحتمل لا يحلّ إلّا بالخمس، و لا مضايقة في إعطاء جميع ما يحتمل.

أمّا إعطاء خمس المجموع فمن جهة أنّ الحرام المردّد بالنسبة إلى المجموع مردّد بين نصف العشر و العشر و الربع فيكون مصداقا للمختلط. و أمّا كفاية إعطاء الأكثر فلما مرّ من عدم دلالة أخبار الخمس على عدم الاكتفاء بالأكثر، بل الحكم من تلك الجهة وارد مورد الامتنان. و أمّا وجه الاكتفاء بالأقلّ فلأنّ الحكم بالنسبة إلى كلّ من المالين هو التصدّق فيكفي إعطاء العشر من النصف‌

404
کتاب الخمس (للحائري)

الثانية و العشرون في ما إذا كان أحد طرفي العلم الإجمالي مصداقا للتصدق و الآخر مصداقا للخمس المختلط و بالنسبة إلى المجموع مصداقا للمختلط ص 405

الثانية و العشرون [في ما إذا كان أحد طرفي العلم الإجماليّ مصداقا للتصدّق و الآخر مصداقا للخمس المختلط و بالنسبة إلى المجموع مصداقا للمختلط]

في ما إذا كان الحرام المردّد في المالين إذا لوحظ بالنسبة إلى أحدهما كان موردا للتصدّق بالمعلوم مقدارا و بالنسبة إلى الآخر كان مصداقا للمختلط و بالنسبة إلى المجموع كان مصداقا للمختلط فالظاهر أنّه لا إشكال في كفاية خمس المجموع مطلقا (1).

على تقدير و إعطاء الخمس منه على التقدير الآخر و يجري في الباقي ما يدلّ على ملكيّة المال لصاحبه من يده أو يد غيره، لكن أخبار الخمس مخصّصة لذلك. و أمّا احتمال كفاية نصف العشر قيمة من باب أنّه المتيقّن فلا وجه له بعد فرض وجود المال، للعلم الإجماليّ إمّا بحرمة عشر هذا المال أو بحرمة خمس ذلك، و الواجب:

التخلّص منه، و لا يحصل العلم به إلّا بإعطاء الأكثر منهما، فالشكّ إنّما هو في المحصّل بتقريب و في الرافع بتقريب آخر قد مرّ في المسألة التاسعة عشر.

من غير فرق بين كون جانب ردّ المظالم المعلوم قدرا أقلّ من الخمس أو كان هو الخمس أو كان أزيد من الخمس- بأن كان الربع مثلا- ففي مثال المالين المتساويين من حيث القيمة- بأن يكون كلّ واحد منهما مساويا للعشرة- إن كان المحتمل في أحد الطرفين أقلّ من الخمس أو الخمس أو النصف و في الآخر كان المحتمل ربعه الذي هو ثمن المجموع أو كان المحتمل في الآخر هو خمسة أو أقلّ منه ففي جميع ذلك يكفي إعطاء الأربعة الّتي هي خمس المجموع، و لا يجب إعطاء ربع المجموع المحتمل كونه حراما بلا إشكال. نعم، يمكن أن يقال بجواز إعطاء قيمة الربع في الفرض الأوّل و قيمة الخمس في الفرض الثاني احتياطا بالنسبة إلى أحد المالين و إعطاء الخمس بالنسبة إلى المال الآخر على وجه التفريق، بأن يعطي الحدّ الأكثر في جانب ردّ المظالم للفقير غير الهاشميّ صدقة أو هبة و يعطي الخمس بالنسبة إلى المال الآخر لمصرفه، أو يدغم ذلك فيعطي في الأوّل ربع النصف قيمة لمصرف الخمس من باب الخمس أو الصدقة و في الثاني‌

405
کتاب الخمس (للحائري)

الثانية و العشرون في ما إذا كان أحد طرفي العلم الإجمالي مصداقا للتصدق و الآخر مصداقا للخمس المختلط و بالنسبة إلى المجموع مصداقا للمختلط ص 405

و في كفاية إعطاء ما يحتمل أن يكون ردّ المظالم بالنسبة إلى أحد المالين و إعطاء الخمس بالنسبة إلى الآخر على وجه التفريق أو الإدغام إشكال (1).

خمس النصف قيمة بقصد ما هو المحبوب عنده تعالى، لأنّه يحصل العلم بحلّيّة ذلك، و منشأ العلم هو دليل الخمس الجاري في أحد الطرفين على تقدير وجود الحرام و دليل الصدقة بالنسبة إلى الحدّ الأكثر الذي لا يعارضه دليل الخمس.

قد مرّ وجه الكفاية في التعليق المتقدّم. و أمّا وجه الإشكال فهو من جهة أنّ مقتضى دليل الخمس في المجموع: انحصار المحلّل من جهة حدّ الأقلّ بذلك، فلا بدّ إمّا من خمس المجموع أو الخمس المضاف إلى كلّ واحد من المالين.

و الحكم بإعطاء ردّ المظالم الذي هو الأكثر إنّما هو في مورد يكون أكثر من خمس المجموع بحيث يقطع بإعطاء ما يحتمل كونه ملكا للغير في المالين، الذي في المثال هو ربع المجموع، الذي هو أكثر بالضرورة من خمس المجموع.

إن قلت: إذا أعطى المحتملين على وجه التفريق فأعطى ربع النصف إلى الفقير غير الهاشميّ من باب الصدقة احتياطا و أعطى الخمس لمصرفه فقد أعطى أكثر من الخمسين، و لا يدلّ دليل الخمس على عدم الاكتفاء.

قلت: ما أعطاه على وجه الصدقة المحضة أو على وجه الخمس لا يزيد عن ربع النصف، و الباقي هبة، فلا فرق بين الهبة و الإدغام في عدم إعطاء جميع ما في المال من الحرام على وجه القطع و اليقين. و أمّا قياس المقام بما تقدّم في المسألة الثامنة عشر من كفاية قيمة خمس أحد الطرفين، فمردود بأنّ المستفاد من الدليل أنّ المحلّل منحصر في الخمس، و قد حصل في المسألة المذكورة دون المقام.

و مع ذلك فالمسألة لا تخلو عن شوب الإشكال، لكن لا إشكال في كفاية إعطاء خمس المجموع.

406
کتاب الخمس (للحائري)

الثالثة و العشرون إذا اكتسب مالا من الحرام و الحلال و لو لم يكن جميع المال الموجود مخلوطا بالحرام ص 407

الثالثة و العشرون: إذا اكتسب مالا من الحرام و الحلال و لو لم يكن جميع المال الموجود مخلوطا بالحرام

بل كان أعمّ من الموجود و ممّا بدّله به بالبيع و الشراء كذلك يمكن أن يقال إنّه يخرج خمس الموجود (1).

و على ما ذكر يجب إخراج الخمس الموجود و إن لم يكن بانفراده مصداقا للمختلط أو كان مختلطا و لكن لم يكن واجدا لشرائطه (2) و لكن كان مع ملاحظة ما في ذمّته كذلك، و يكفي ذلك في براءة الذمّة (3) و القول الكلّيّ في جميع الموارد من حيث الاحتياط هو إعطاء أكثر الأمرين من مقتضى كلّ واحد من الطرفين و مقتضى المجموع لمصرف الخمس و الصدقة، بإعطاء النصف في مورد الهاشميّ الفقير و النصف الآخر في مورد السهم المبارك الذي تنطبق عليه الصدقة، و لا فرق في هذا الاحتياط بين كون كلا الطرفين موجودين بعينهما أو تلفا أو تلف أحدهما، و اللّه العالم.

و ذلك لخبر السكونيّ المتقدّم، فإنّ من لا مبالاة له في الحرام يأكل من المختلط و يعامل معه و يجمع بعضه، فالحمل على خصوص العلم بوجود الحرام في المال الموجود و عدم العلم بما أتلفه أو بدّله حمل على الفرد غير الغالب مع صدق الاكتساب من المختلط إذا كان أعمّ من التبديل و وجود نفس الحرام.

و ملخّص الوجه في استفادة ذلك مجموع أمور: منها: صدق الاكتساب من الحرام على ذلك. و منها: كون ذلك غالبيّا بالنسبة إلى مورد الرواية من كون السائل ممّن أغمض في مطالب ما اكتسبه حلالا و حراما. و منها: كون نوع المعاملات متعلّقا بالذمّة فيكون المال حلالا و إن كان مديونا بالنسبة إلى طرف المعاملة.

بأن كان أقلّ من الخمس قطعا أو كان أكثر منه قطعا.

و ذلك لوجهين: الأوّل: السكوت عن ذلك. الثاني: كون خمس الموجود مع عدم كونه مختلطا أو عدم كونه واجدا لشرائط الاختلاط بلحاظ‌

407
کتاب الخمس (للحائري)

الرابعة و العشرون في ما إذا كان في الحرام المختلط خمس لسبب آخر ص 408

و ليس عليه الاسترضاء ممّن عامل معه بالمختلط (1)، لكن لا يترك الاحتياط بإعطاء الأكثر (2).

الرابعة و العشرون [في ما إذا كان في الحرام المختلط خمس لسبب آخر]

إذا كان في المختلط (الذي يحتمل أن يكون الحرام فيه زائدا على الخمس) خمس لسبب آخر- كالأرباح و المعادن- فالمشهور بينهم عدم الاكتفاء بإخراج الخمس (3)، اختلاط المجموع بالحرام، فهو صلح عن الجميع.

و ذلك لوجهين أيضا: أحدهما السكوت عن ذلك. و فيه تأمّل. ثانيهما أنّ الخمس محلّل لجميع ما صرفه، فيكون معاملاته من قبيل من باع شي‌ء ثمّ ملكه.

في جميع الصور الّتي ليس الاختلاط بشرائطه منحصرا في المال الموجود، بأن يكون مجموع المكتسب مختلطا أو كلّ واحد من الموجود و التالف كذلك واجدين لشرائط الاختلاط أم لا، و لكن على التقدير الثاني إذا كان المجموع واجدا له فإنّ الاحتياط المزبور مبرئ للذمّة إن شاء اللّه تعالى.

المقصود من الشهرة هي الشهرة بين علماء العصر و من قارب عصرنا، كصاحب العروة و المحشّين و صاحب الجواهر قدّس سرّهم حيث قوّى كونه من أفراد معلوم المالك «1»، و نفى عنه الإشكال الشيخ الأنصاريّ قدّس سرّه في رسالته في الخمس «2».

نعم، الظاهر من عبارة كشف الغطاء «3» الاكتفاء بالخمس من حيث المختلط.

و الإنصاف أنّ له وجه قويّ من جهة أنّ صدر خبر السكونيّ قابل للانطباق عليه أيضا، و هو قوله «إنّي كسبت مالا أغمضت في مطالبه» «4» و كذا صدر مرسل‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 76.

(2) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ: ص 263.

(3) ص 361.

(4) الوسائل: ج 6 ص 353 ح 4 من ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

408
کتاب الخمس (للحائري)

الرابعة و العشرون في ما إذا كان في الحرام المختلط خمس لسبب آخر ص 408

..........

الفقيه الذي تقدّم وجه اعتباره، و هو قوله: «أصبت مالا أغمضت فيه» «1».

و يمكن التمسّك أيضا بالتعليل الوارد في الخبر السكونيّ، و هو قوله: «فإنّ اللّه قد رضي من الأشياء بالخمس» «2» بناء على أنّ المقصود أنّه إذا كان الطرف في المال المشتبه هو الحقّ المتعالي فإنّه ليس كسائر الناس بل هو يرضى بالخمس، و هذا التعليل بهذا المعنى صادق على الخمس المردّد بين الأقلّ و الأكثر، فإنّ جميع ما يعطى بقصد التقرّب يكون الطرف هو اللّه تعالى:

أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبٰادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقٰاتِ «3».

فدلالة الخبر الأوّل من وجه و الثاني من وجهين.

إلّا أنّه يشكل الوجه الأوّل بأنّه لو بني على إطلاق خبر السكونيّ لشمل المالك المعلوم الشخصيّ، و من المعلوم عدم شموله، من جهة أنّه في صورة العلم بالمالك لا يكون في البين معضلة يرجع فيها إلى الإمام عليه السّلام.

لكن هذا في غير مثل الخمس الذي لا بدّ فيه من الرجوع إلى الإمام في صورة الاختلاط و الدوران بين القليل و الكثير، فاندفع الإشكال بذلك عن الوجه الأوّل.

و قد يشكل الوجه الثاني بعدم وضوح كون مفاد التعليل ذلك، لأنّه لا بدّ من حمل «الأشياء» على الأشياء المجهولة، فيكون اللام للعهد و هو خلاف الظاهر، بل يحتمل أن يكون المقصود جميع المنافع و كان المقصود بيان أنّه كان المقتضي للحكم بصرف جميع المنافع بعد المئونة على وجه الاقتصاد في سبيل اللّه تعالى موجودا فقد عفا عن ذلك و رضي من الأشياء بالخمس. و يؤيّد كون المقتضي هو‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 353 ح 3 من ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) المصدر: ج 4.

(3) سورة التوبة: 104.

409
کتاب الخمس (للحائري)

الرابعة و العشرون في ما إذا كان في الحرام المختلط خمس لسبب آخر ص 408

..........

الإنفاق بالنسبة إلى جميع المنافع قوله تعالى وَ يَسْئَلُونَكَ مٰا ذٰا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ «1» الظاهر- بحسب ما يستفاد- أنّ المقصود بذل الزائد عمّا يحتاج إليه في سبيله تعالى و اللّه تعالى قد رضي في جميع المنافع بالخمس. و قياس مال الغير بالمنافع ليس ممّا يلقى إلى المخاطب لبيان ما هو الموضوع للحكم واقعا، كما في «الخمر حرام لأنّه مسكر».

و قد يشكل الاستدلال بالمجموع من مرسل الفقيه و صدر خبر السكونيّ و ذيله- مع قطع النظر عن الإيراد المتقدّم- بالمعارضة بمفهوم خبر عمّار أي قوله:

«و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه» «2» الدالّ بالمفهوم على أنّه إذا عرف صاحبه فلا خمس فيه.

و يدفع ذلك أوّلا باحتمال أن يكون المنصرف إليه هو الصاحب المشخّص للمال القابل للصلح معه، لا المصرف المنطبق على الملأين من الفقراء من السادات مثلا.

و ثانيا بأنّه ليس مفهوم السالبة الكلّيّة إلّا الموجبة الجزئيّة كما بيّنّا في الأصول، وفاقا للمرحوم الأستاذ الوالد العلّامة تغمّده اللّه برحمته و غفرانه و للشيخ محمّد تقيّ صاحب الحاشية و خلافا للشيخ الأنصاريّ قدّس سرّهم.

و ثالثا بأنّه على فرض تماميّة الاستدلال بذيل خبر السكونيّ من حيث التعليل فلا ريب أنّ التعليل حاكم على المفهوم المستفاد من العلّيّة المنحصرة المستفادة من المفهوم، إذ به يتبيّن أنّ التقييد بعدم الصاحب المعلوم من باب أنّ صاحبه الحقّ المتعالي فينطبق على الخمس أيضا.

______________________________
(1) سورة البقرة: 219.

(2) الوسائل: ج 6 ص 344 ح 6 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

410
کتاب الخمس (للحائري)

الرابعة و العشرون في ما إذا كان في الحرام المختلط خمس لسبب آخر ص 408

لكن في الاكتفاء به وجه (1)، بل يمكن القول بالاكتفاء به في الأوقاف العامّة المقصود بها أن تصرف منافعه في سبيل اللّه تعالى (2).

و أمّا الزكاة و إن كان للاكتفاء بالخمس في المختلط منها وجه أيضا (3) إلّا أنّ فيها إشكال (4).

كما فصّلناه و نقلنا القول به من الفقيه المعروف كاشف الغطاء قدّس سرّه.

لما تقدّم في التعليق السابق حرفا بحرف.

و هو الاستدلال بصدر خبر السكونيّ و مرسل الفقيه.

و قال في الجواهر:

ينبغي القطع فيها بعدم الاندراج في دليل الخمس المقصود به الصرف في الذّريّة «1». انتهى.

و الوجه في الإشكال فيها بالخصوص أنّ مقتضى حرمة الزكاة على الهاشميّ عدم الجواز، فعلى فرض دلالة الدليل على الاكتفاء بالخمس يعارض بما دلّ على عدم جواز إعطائها لهم.

و يمكن دفع الإشكال عن ذلك بوجهين:

أحدهما: أنّ ما هو الظاهر في أنّ مصرف المختلط هو مصرف باقي الأنواع هو رواية عمّار الّتي لا يستدلّ بها للمقام. و أمّا خبر السكونيّ و الفقيه فلا ظهور لهما في ذلك، بل من حيث إضافة كلمة «الخمس» فيهما إلى المال لعلّ الأظهر أن يكون المقصود هو الكسر المشترك لا الخمس المعهود المعلوم مصرفه، و من حيث الظنّ باتّحاد القضيّة فالظاهر أنّه قد أمر الأمير عليه السّلام بإعطاء الخمس إليه عليه السّلام. و يمكن أن يقال: إنّ الإمام عليه السّلام يملك الأموال العموميّ الذي يلاحظ فيها المصلحة العامّة من‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 77.

411
کتاب الخمس (للحائري)

الرابعة و العشرون في ما إذا كان في الحرام المختلط خمس لسبب آخر ص 408

و لو كان الحرام المخلوط مشتبها بين الزكاة و الخمس و الأوقاف الّتي مصرفها التصدّق على وجه التقرّب أو بين الخمس و الزكاة أو بين الخمس و الأوقاف المذكورة أو بين الزكاة و الأوقاف أو بين بعض مصارف الأوقاف و البعض الآخر أو بين سهم السادة و الإمام عليه السّلام أو بين الخمس و مجهول المالك أو غير ذلك ففي جميع ذلك و إن كان في الاكتفاء بالخمس وجه ربما يكون أقوى من صورة الاختلاط بخصوص أحد العناوين المتقدّمة (1)، إلّا أنّ الاحتياط لا يترك.

غير فرق بين الخمس و الزكاة، و يقضي بها حاجة السادات و الفقراء ثمّ يصرف الباقي في مصالح المسلمين، و ليس عليه عليه السّلام أن يشخّص كلّ مال بعينه حتّى لا يجوز الإعطاء للسادة الفقراء من عين مال الزكاة إذا كان يعطي من الخمس عوضا عن ذلك للفقراء من غيرهم، فتأمّل. و مقتضى ذلك أنّ الخمس من الزكاة المختلط إذا اعطي إلى غير الإمام عليه السّلام فلا بدّ أن يعطى لمستحقّ الزكاة.

ثانيهما: أنّه على فرض الظهور في الخمس المعلوم مصرفه فكما أنّ دليل الخمس يبدّل المال من الصدقة على مطلق الفقراء إلى التصدّق في خصوص مصرف الخمس كذلك بالنسبة إلى الزكاة فيبدّل الموضوع من الزكاة إلى الخمس. و المقصود بيان وجه الاكتفاء بالخمس في المسائل الثلاثة، و أمّا الإفتاء بذلك فمشكل.

و ذلك لعدم معارضة مدلول مرسل الفقيه و خبر السكونيّ بخبر عمّار، لعدم معرفة الصاحب، بل يمكن التمسّك بإطلاقه، لأنّه يصدق عدم معرفة صاحبه.

و عدم الشمول لصورة المحصور إذا كان المالك هو الأشخاص فلأنّه خلاف الارتكاز العقلائيّ بل المتشرّعيّ، فإنّه إذا كان المال مردّدا بين الشخصين مثلا فمن المعلوم أنّه لا يؤدّى ذلك إلى غيرهما، و هذا بخلاف الأموال العموميّ، خصوصا‌

412
کتاب الخمس (للحائري)

الرابعة و العشرون في ما إذا كان في الحرام المختلط خمس لسبب آخر ص 408

و طريق الاحتياط إمّا بإعطاء حدّ الأكثر إلى المصرفين أو المصارف الثلاثة أو بأن يعطى قيمة الأكثر لوكيل المصرفين أو الحاكم الشرعيّ.

و تكليف الحاكم هو التصالح بين المصرفين و لو بإعطاء النصف مثلا إلى أحد المصرفين و إعطاء النصف الآخر إلى الآخر مع فرض قبول كلّ منهما للمال و إعطائه الطرف الآخر بشرط المصالحة على النصف، و إن لم يمكن فالقرعة (1).

إذا كان مردّدا بين الخمس و الصدقة أو كان مردّدا بين الخمس و الزكاة، بأن كان أحد طرفي الاحتمال هو الخمس.

و مبني الاحتياط المذكور على مجموع أمور:

منها: احتمال ان يكون التكليف هو الخمس من باب المختلط.

و منها: أنّ إعطاء حدّ الأكثر لا ينافي اندراجه في دليل الخمس فإعطاؤه لا ينافي دليل الخمس كما تقدّم ذلك.

و منها: أنّه لا يحتمل التنصيف في الأموال العموميّ، لعدم الدليل إلّا في الأموال الخصوصيّة الّتي هي مثار الدعوى، بخلاف الأموال الّتي مصرفها العموم من الفقراء أو السادة، فإنّه ليس لها مدّع بالخصوص، فلا يمكن إسراء الحكم ممّا ورد في الأموال الّتي للمالكين المعلومين بالخصوص إلى غيرها بل أسراؤه إلى مطلق المردّد حتّى المردّد بين الخمسين مشكل جدّا.

و منها: أنّ القرعة و إن كانت لكلّ أمر مشكل من جميع الجهات، لكن حيث إنّ موضوعها المشكل فلا يصار إليها إلّا إذا لم يمكن تحصيل براءة الذمّة عن التكليف بغيرها.

و منها: أنّ مقتضى القرعة و دليل التنصيف و قاعدة لا ضرر و ظاهر كلمات‌

413
کتاب الخمس (للحائري)

الخامسة و العشرون الظاهر عدم اشتراط البلوغ و العقل في خمس المختلط ص 414

الخامسة و العشرون [الظاهر عدم اشتراط البلوغ و العقل في خمس المختلط]

الظاهر أنّه لا يشترط في تعلّق الخمس بالمختلط شرائط التكليف من البلوغ و العقل و إن قلنا بعدم التعلّق بسائر أنواع مال غير المكلّف (1).

الأصحاب: عدم لزوم تحمّل الضرر بإعطاء المالين للمصرفين.

و بعد ذلك فإن احتاط بذلك و إن لم يكن واجبا فلا بأس عليه، و لكن لا يصار إلى القرعة ما دام المال في يد صاحبه، لاحتمال كون الحكم هو أداء الخمس و لأنّه لم يشكل عليه الأمر ما دام يمكن أداؤه إلى وليّ الطرفين أو وكيلهما، لكن بعد الوصول إلى الحاكم أو وكيلهما فلا إشكال من جهة دليل الخمس، لعدم المال المختلط فعلا بعد أداء قيمة حدّ الأكثر للحاكم، فإن أمكن التصالح و الاسترضاء على الوجه المشروع لهما و هو التنصيف فلا تصل النوبة إلى القرعة، و إلّا فيرجع إلى القرعة.

و أمّا كون الاحتياط هو التصالح بالتنصيف فمن جهة شبهة تضييع مال السادة مثلا أو الفقير من غيرهم، و أمّا التنصيف فلا يصدق عليه التضييع عرفا، بل هو ممّا يختاره العرف في موارد الدوران، كما لا يخفى.

كما صرّح بذلك الشيخ الأنصاريّ قدّس سرّه في كتابه خلافا لصاحب المناهل «1».

و الوجه في ذلك يلخّص في أمور ثلاثة:

الأوّل: أنّه يمكن أن يقال بالاختصاص بالمكلّف في الأنواع الأخر، من باب الظهور في التكليف أو الوضع الملازم للتكليف، و التكليف مختصّ بالمكلّف، و هذا الوجه غير جار في المقام، لأنّ الحكم بالخمس و لو كان تكليفا في المقام لكن هو من باب كون مال الغير في ماله، فحقّ الغير (و هو أنّه من باب الاختلاط يستحقّ‌

______________________________
(1) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ: ص 270.

414
کتاب الخمس (للحائري)

الخامسة و العشرون الظاهر عدم اشتراط البلوغ و العقل في خمس المختلط ص 414

..........

إخراج الخمس ليصل ثوابه إليه) يكون في ماله فلا بدّ لوليّه من أدائه.

الثاني: أنّه لو قلنا بالاختصاص من باب أنّ سلب مالكيّة الصغير مثلا و جعل خمس ماله للهاشميّ خلاف الامتنان فهو موضوع عنه فلا يجري في المورد أيضا، لأنّ الموضوع عنه هو خصوص قلم المؤاخذة، و إذا كان الحرام المختلط مردّدا بين الخمس و الزائد فلم يخرج من ماله إلّا مال غيره، و أمّا إذا كان الواقع أقلّ من الخمس فاستحقاقه للخمس ليس من باب إخراج مال الصغير، بل من باب المصالحة للأكثر، و هذا لا يعدّ قلما موضوعا على الصغير و لا يكون سلبا لمالكيّة الصغير، مع أنّه يتبدّل احتمال الأقلّ من الخمس باحتمال الأكثر، و هو ليس خلاف الامتنان على الصغير كما في سائر مبادلاته، و لا يمكن أن يقال: إنّه لا يصحّ المبادلة من الصغير مثلا، لأنّه خلاف الامتنان، مع أنّه لو بني على الأقلّ لكان خلافا للامتنان على المالك المجهول، و هو الوجه في ضمان الصغير لما يتلفه من الأموال مثلا.

الثالث: أن يكون الوجه في عدم الخمس في سائر الأنواع حسن محمّد بن مسلم و زرارة عنهما عليهما السّلام:

«ليس على مال اليتيم في الدين و المال الصامت شي‌ء.» «1».

و من المعلوم أنّ المقصود أنّه لا يتعلّق بماله شي‌ء، و هذا الخمس ليس متعلّقا بماله، بل هو مال الغير الذي يكون في ماله و له تبديل المحتمل بالمحتمل، و يكون وزانه وزان المعاملات الواقعة على مال غير المكلّف، فالظاهر وضوح تعلّق‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 54 ح 2 من ب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة.

415
کتاب الخمس (للحائري)

السادسة و العشرون عدم اشتراط البلوغ و العقل في سائر أقسام الخمس ص 416

السادسة و العشرون [عدم اشتراط البلوغ و العقل في سائر أقسام الخمس]

لعلّ الظاهر عدم اشتراط البلوغ و العقل في غير المختلط بالحرام من سائر موارد الخمس أيضا (1)، فيجوز بل يجب على الوليّ إخراجه من مالهما.

الخمس من حيث المختلط بمال الصغير و إن لم نقل بذلك في سائر أنواع الخمس.

في المسألة بحسب الدليل وجوه:

الف- عدم ثبوت الخمس، و ذلك:

لأنّ مقتضى بعض الأدلّة هو التكليف، كما في خبر أبي عليّ بن راشد «يجب عليهم الخمس» «1» و خبر الهمدانيّ «أنّه أوجب عليهم نصف السدس» «2» و مكاتبة عليّ بن مهزيار «3»، و يحمل ما بقي ممّا له الظهور في أنّ الخمس لمصرفه (كالآية الشريفة «4» و موثّق سماعة «5» و الأخبار الأخر الواردة في الوسائل في الباب الثاني من أبواب ما يجب فيه الخمس «6» و غير ذلك ممّا لا يخفى على المراجع إلى الأخبار) على أنّه لبيان التكليف.

أو لأنّه يقال: إنّ مقتضى ما ورد في باب الزكاة عدم الزكاة في مال الطفل و لا في مال المجنون إلّا في بعض الصور المستحبّة، كصورة الاتّجار «7»، و الظاهر أنّه من باب عدم كونه مكلّفا، و الملاك موجود في المقام.

أو لأنّه يقال: إنّه بضمّ ما ورد من أنّ الخمس عوض عن الصدقات المجعولة‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 3 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) المصدر: ص 349 ح 4.

(3) المصدر: ص 349 ح 5.

(4) سورة الأنفال: 41.

(5) الوسائل: ج 6 ص 350 ح 6 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(6) الوسائل: ج 6 ص 338.

(7) راجع الوسائل: ج 6 ص 54 الباب 1 و ص 57 الباب 2 و ص 59 الباب 3 من أبواب من تجب عليه الزكاة.

416
کتاب الخمس (للحائري)

السادسة و العشرون عدم اشتراط البلوغ و العقل في سائر أقسام الخمس ص 416

..........

لسائر الناس كما في خبر حمّاد «1» و غيره «2» فالظاهر أنّه بحكمه في جميع الجهات.

إلّا من جهة المصرف.

أو لأنّه يقال: إنّ مقتضى إطلاق خبر زرارة و محمّد بن مسلم عنهما عليهما السّلام:

«ليس على مال اليتيم في الدين و المال الصامت شي‌ء.» «3» عدم ثبوت الخمس أيضا.

أو لأنّه يقال: إنّ مقتضى حديث رفع القلم عن الصبيّ و المجنون «4»: عدم ثبوت الخمس و لو كان مفاد الدليل هو الوضع، لأنّ القلم كناية عن الجعل الموجب لضيق عليهما من غير فرق بين الوضع و التكليف. و لا ريب أنّ جعل الخمس في مال الصغير موجب لحصول النقص في ماله، و رفعه موافق للامتنان من دون أن يوجب ذلك ضررا على غيره، إذ عدم جعل الخمس لمصرفه ليس ضررا عليه، كما في عدم جعل أموال أخر له أو لغيره، بل يكون ذلك صرف عدم النفع، و هذا بخلاف عدم الضمان على الصغير إذا أتلف مال الغير، فإنّ عدم ضمانه و إن كان على وفق الامتنان بالنسبة إلى الصغير لكنّه ضرر على غيره. و لعلّ هذا هو الوجه في فتوى بعض أعاظم العصر حيث أفتى بعدم ثبوت الخمس في مال الصغير مطلقا. لكنّ الإنصاف أنّه إن تمّ فلا وجه له بالنسبة إلى الحلال المختلط بالحرام، لأنّه من قبيل وجود حقّ الغير في مال الصغير.

و في الكلّ نظر و إيراد:

أمّا الأوّل فلأنّ عدم شمول ما اشتمل على التكليف لا يصير قرينة على تقييد‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(2) مثل ما في المصدر: ص 359 ح 9.

(3) المصدر: ص 54 ح 2 من ب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة.

(4) الوسائل: ج 1 ص 32 ح 11 من ب 4 من أبواب مقدّمة العبادات.

417
کتاب الخمس (للحائري)

السادسة و العشرون عدم اشتراط البلوغ و العقل في سائر أقسام الخمس ص 416

..........

ما ليس مشتملا عليه، بل الظاهر شموله أيضا للصغير و المجنون، فإذا رفع التكليف فلا وجه لرفع ما يدلّ على الوضع.

و أمّا الثاني فلم يعلم مناط الحكم فيه و أنّه من باب رفع القلم حتّى يقال بذلك في الخمس، مع أنّ مقتضى الخبر المتقدّم عدم وجوب الزكاة في المال الصامت و الدين و وجوبها في الغلّات.

و أمّا الثالث فلأنّ مفاده البدليّة في الجعل، لا المماثلة في المجموع في جميع الأحكام و الشرائط، كما هو واضح.

و أمّا الرابع فمن الواضح أنّ المراد من الشي‌ء هو الزكاة بقرينة ذكر «الدين و المال الصامت» في مقابل ما يدلّ عليه الأخبار الكثيرة من الزكاة في المال الصغير إذا اتّجر به «1» و بقرينة قولهما عليهما السّلام بعد ما نقلناه: «فأمّا الغلّات فعليها الصدقة واجبة» «2».

و أمّا الخامس ففيه: أنّ المستفاد من غير واحد من روايات باب اشتراط البلوغ في التكليف (كخبر طلحة بن زيد، و فيه: «فإذا بلغوا اثنتي عشرة سنة كتبت لهم الحسنات، فإذا بلغوا الحلم كتبت عليهم السيّئات» «3» و خبر ابن سنان، و فيه:

قال «إذا بلغ ثلاث عشرة سنة كتب له الحسن و كتب عليه السيّئ» «4» و قريب منه خبره الآخر «5» و خبره الثالث «6» و خبره الرابع «7» و ما ورد في الآيات الكثيرة من‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 54 الباب 1 و ص 57 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة.

(2) المصدر: ص 54 ح 2 من ب 1.

(3) الوسائل: ج 1 ص 30 ح 1 من ب 4 من أبواب مقدّمة العبادات.

(4) المستدرك: ج 14 ص 123 ح 2 من ب 37 من أبواب الوصايا.

(5) الوسائل: ج 13 ص 430 ح 8 من ب 44 من كتاب الوصايا.

(6) المصدر: ص 431 ح 11 و 12.

(7) المصدر: ص 431 ح 11 و 12.

418
کتاب الخمس (للحائري)

السادسة و العشرون عدم اشتراط البلوغ و العقل في سائر أقسام الخمس ص 416

..........

قوله تعالى مٰا لِهٰذَا الْكِتٰابِ لٰا يُغٰادِرُ صَغِيرَةً وَ لٰا كَبِيرَةً إِلّٰا أَحْصٰاهٰا «1» و قوله تعالى وَ لَدَيْنٰا كِتٰابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لٰا يُظْلَمُونَ «2» و إِنَّ كِتٰابَ الفُجّٰارِ لَفِي سِجِّينٍ «3» و كِتٰابٌ مَرْقُومٌ «4» و إِنَّ كِتٰابَ الْأَبْرٰارِ لَفِي عِلِّيِّينَ. وَ مٰا أَدْرٰاكَ مٰا عِلِّيُّونَ. كِتٰابٌ مَرْقُومٌ «5» و قوله تعالى فَمَنْ أُوتِيَ كِتٰابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولٰئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتٰابَهُمْ «6» و قوله تعالى وَ أَمّٰا مَنْ أُوتِيَ كِتٰابَهُ بِشِمٰالِهِ «7» و قوله تعالى:

كِرٰاماً كٰاتِبِينَ «8» و ما ورد في تضاعيف الروايات من أنّه لا يكتب قصد السيّئة و يكتب قصد الحسنة «9»، و غير ذلك ممّا ورد في كتابة الحسنات و السيّئات: أنّ المقصود من رفع القلم في المقام ليس قلم الجعل، بل هو قلم ما بعد الجعل، بل استعمال الكتاب و القلم و ما يتعلّق بذلك في قلم الجعل قليل جدّا، فإنّ الكتاب في اصطلاح القرآن و الحديث في أكثر استعمالاته إمّا ما تقدّم و إمّا الكتاب النازل من جانبه تعالى- كالقرآن و التوراة- و إمّا كتاب التقدير، بل لعلّه لم يستعمل في الجعل أصلا حتّى في مثل كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيٰامُ «10» فإنّه يحتمل أن يكون من قبيل وَ لَقَدْ كَتَبْنٰا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ «11» فيكون بعناية ضبط ذلك في الكتاب المنزل من جانب اللّه تعالى، فحينئذ يبعد إرادة رفع قلم الجعل، بل الظاهر أنّ المقصود رفع قلم السيّئة المكتوب بأيدي الكرام الكاتبين، و هو المناسب للوضع و الرفع و الجري، و أمّا قلم الجعل فقد وضع من أوّل الأمر بالنسبة إلى موضوعه من‌

______________________________
(1) سورة الكهف: 49.

(2) سورة المؤمنون: 62.

(3) سورة المطفّفين: 7.

(4) سورة المطفّفين: 9.

(5) سورة المطفّفين: 18- 20.

(6) سورة الإسراء: 71.

(7) سورة الحاقّة: 25.

(8) سورة الانفطار: 11.

(9) الوسائل: ج 1 ص 35، الباب 6 من أبواب مقدّمة العبادات.

(10) سورة البقرة: 183.

(11) سورة الأنبياء: 105.

419
کتاب الخمس (للحائري)

السادسة و العشرون عدم اشتراط البلوغ و العقل في سائر أقسام الخمس ص 416

..........

البالغ العاقل، و الجري إنّما هو في مقام الانطباق لا في مقام الجعل. هذا.

مضافا إلى ضعف رواية ابن ظبيان المشتملة على رفع القلم «1» و كذا خبر أبي البختريّ «2» الذي قيل إنّه من أكذب البريّة «3».

و أمّا خبر عمّار الساباطيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ قال:

«إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة و جرى عليه القلم.

و الجارية مثل ذلك إن أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة و جرى عليها القلم» «4».

ففيه إشكال من وجوه:

منها: كونه معرضا عنه بين الأصحاب، من حيث إنّ بلوغ الغلام يحصل بثلاث عشرة سنة و كذلك بلوغ الجارية.

و منها: أنّه غير ظاهر- مع قطع النظر عمّا تقدّم- في قلم الجعل، بقرينة ذكر قلم الجعل قبل ذلك و هو وجوب الصلاة، و من المعلوم أنّه لم يكن إيجاب أمور أخر غير الصلاة محتاجا إلى التوضيح، لوضوح ذلك عند المسلمين، فإنّه إن كان مكلّفا يجب عليه جميع التكاليف و إلّا لم تجب عليها الصلاة، فالمتراءى أنّ المقصود هو قلم المؤاخذة الذي في الرتبة المتأخّرة عن الجعل.

______________________________
(1) الوسائل: ج 1 ص 32 ح 11 من ب 4 من أبواب مقدّمة العبادات.

(2) الوسائل: ج 19 ص 66 ح 2 من ب 36 من أبواب القصاص في النفس.

(3) رجال الكشّيّ: ج 2 ص 597.

(4) الوسائل: ج 1 ص 32 ح 12 من ب 4 من أبواب مقدّمة العبادات.

420
کتاب الخمس (للحائري)

السادسة و العشرون عدم اشتراط البلوغ و العقل في سائر أقسام الخمس ص 416

..........

و منها: أنّه على فرض الظهور فلا شبهة في أنّه من قبيل ذكر العامّ بعد الخاصّ، فيكون المقصود أنّ المجعول هو وجوب الصلاة و جميع أقلام الجعل، فلا يكون مفهومه إلّا عدم ذلك قبل البلوغ على نحو القضيّة المهملة فلا ينافي ثبوت الخمس.

فالمحصّل في الجواب عن عموم رفع القلم لمثل جعل الخمس وجوه، الأوّل:

الانصراف إلى قلم الكاتبين، من جهة اعتبار ذلك في نفس الباب، فيكون من قبيل المجمل و المبيّن. الثاني: الانصراف إلى ذلك، من جهة أنّ كتابة السيّئات ممّا تكرّرت كثيرا في الكتاب و السنّة. الثالث: الانصراف إليه، من باب أنّه القلم الذي يجري في الخارج و يوضع، بخلاف قلم التكليف. الرابع: عدم دليل معتبر على عنوان رفع القلم.

ب- و من ذلك يظهر أنّ الأظهر ثبوت الخمس حين الصغر.

ج- و هنا وجه ثالث أقرب من الأوّل، و هو ثبوت الخمس بعد التكليف بالنسبة إلى ما قبله. و وجهه مركّب من أمرين: أحدهما عموم رفع القلم لقلم الوضع.

ثانيهما أنّ الموضوع للخمس هو حدوث الغنيمة، فمن حدث الغنيمة بالنسبة إليه يجب عليه الخمس، و بعد التكليف يكون الصغير البالغ موضوعا لذلك فلا مانع من تعلّق التكليف به.

و يترتّب على هذا الوجه أمور:

الأوّل: عدم وجود الخمس في ماله حال الصغر فلا يجب على الوليّ بل لا يجوز له الأداء من ماله.

الثاني: حساب المئونة بالنسبة إلى مجموع سنوات صغره الّتي حصلت له فيها الغنيمة، فلو جمع أرباح جميع سنوات صغره و اشتري له دار آخر أعوام صغره لم يكن فيها الخمس.

421
کتاب الخمس (للحائري)

السابعة و العشرون المشهور بين الأصحاب رضوان الله عليهم عدم اشتراط الحول في أصل وجوب الخمس لكن يكون وجوبه موسعا إلى آخر الحول ص 422

و لعلّ الاحتياط أن يصالح الوليّ بشي‌ء من ماله للمولّى عليه بشرط أن يؤدّي الخمس من جانبه و يجعل اختيار فسخها لنفسه بعد البلوغ أو رفع الجنون (1).

السابعة و العشرون: المشهور بين الأصحاب رضوان اللّه عليهم عدم اشتراط الحول في أصل وجوب الخمس، لكن يكون وجوبه موسّعا إلى آخر الحول

و إلى إخراج المئونة- بالنسبة إلى أرباح المكاسب، (2) الثالث: عدم الخمس لو مات الصغير، لا عليه كما تقدّم، و لا على الوارث، لعدم الخمس في الإرث.

الرابع: جواز معاملاته في حال الصغر و لو بعد مضيّ سنة الربح كما هو ظاهر.

لكنّ الأصحّ ما تقدّم من ثبوت الخمس و لزوم ذلك على الوليّ، من باب وجوب أداء الحقّ على من بيده الحقّ، كما في سائر ديون الصغير أو أماناته الّتي تكون عنده.

أمّا المصالحة فلأنّ القرض فيه شبهة الربا من حيث الشرط الراجع نفعه إلى الوليّ أيضا، من باب أداء تكليفه المحتمل، و أمّا الشرط فلأنّه معه ليس التصرّف في مال الصغير إلّا من باب حقّ الوليّ الذي شرط على المولّى عليه.

كما في الجواهر، فإنّه قال قدّس سرّه:

و كذا لا اعتبار للحول في الأرباح أيضا على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل لا أجد فيه خلافا إلّا ما يحكى عن ابن إدريس، و عبارته ليست بتلك الصراحة بل و لا ذلك الظهور- إلى أن قال:- و لكن يؤخّر جوازا في الأرباح احتياطا للمكتسب «1».

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 79.

422
کتاب الخمس (للحائري)

السابعة و العشرون المشهور بين الأصحاب رضوان الله عليهم عدم اشتراط الحول في أصل وجوب الخمس لكن يكون وجوبه موسعا إلى آخر الحول ص 422

..........

انتهى ملخّصا.

أقول: فالمسألة بالنسبة إلى غير الأرباح إجماعيّة من حيث عدم اعتبار الحول، و أمّا في الأرباح فمظنّة الخلاف من ابن إدريس حيث يقال: إنّ ظاهره عدم الخمس إلّا بعد حلول الحول.

و هنا وجه ثالث و هو أن يكون وجوب الخمس مضيّقا من ابتداء حدوث الغنيمة لكن يستثني من ابتداء الأمر مقدار المئونة فلا يجب إلّا في ما عدا مقدار المئونة.

و لعلّ الأظهر ما هو المشهور بين الأصحاب رضوان اللّه عليهم لكن بالنسبة إلى الأرباح.

و الوجه في ذلك أمران:

أحدهما: ما دلّ على استثناء المئونة.

و تقريب الاستدلال بذلك يتمّ في طيّ ثلاث أمور:

الأوّل: أنّ الظاهر من المئونة هو مئونة السنة، لا مئونة العمر و لا مئونة اليوم كما هو واضح، فإنّه المتفاهم عرفا من استثناء المئونة. مع أنّه لو كان المستثنى مئونة العمر فعلى ما نذكره في الأمر الثاني من أنّ المراد بالمئونة هو المئونة الخارجيّة لم يجب الخمس إلّا بعد مضيّ العمر و لم يكن محلّ للاستثناء في رواية النيشابوريّ مع وقوع السؤال فيها عمّا يجب في ستّين كرّا من الحنطة «1». و من المعلوم أنّه ليس المراد من قوله عليه السّلام في المكاتبة «ممّن كانت ضيعته تقوم بمئونته» «2» هو القيام بمئونة يوم واحد كما لا يخفى.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 2 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

423
کتاب الخمس (للحائري)

السابعة و العشرون المشهور بين الأصحاب رضوان الله عليهم عدم اشتراط الحول في أصل وجوب الخمس لكن يكون وجوبه موسعا إلى آخر الحول ص 422

..........

الثاني: أنّ الظاهر من المئونة هو المئونة الخارجيّة، لأنّها المصداق الحقيقيّ منها، و أمّا مقدار المئونة فليس بمئونة حقيقة، مع أنّه لو كان المقصود منها هي بمقدارها لكان في جميع الموارد مشكوكا فلا بدّ من وقوع السؤال عن حكم الشكّ أو الإرشاد إلى حكم المشكوك مع عدم وضوح حكم الشكّ للعلماء- كما نبيّن ذلك إن شاء اللّه- فكيف بغيرهم.

الثالث: أنّ القدر المتيقّن من السؤال و الجواب في استثناء المئونة هو الوجوب المضيّق (بقرينة أنّ الذي يكون موردا للملاحظة و المراقبة عند العقلاء في مقام الديون هو فرض التضيّق) لا سيّما مثل صحيح البزنطيّ و فيه: «الخمس أخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة؟» «1» المشعر بوجود الخمس في المال و إنّما السؤال وقع عن وجوب الإخراج، و كذا خبر النيشابوريّ الذي تقدّم الإيماء إليه «2»، و فيه: «ما الذي يجب لك من ذلك؟» فإنّ السؤال عن الوجوب و الاستثناء متعلّق بالوجوب، و الوجوب المنصرف إليه في الديون هو الوجوب المضيّق.

الرابع: أنّ مقتضى إطلاق مثل الآية الشريفة «3» أنّ الخمس يكون في المال من أوّل الأمر، و مقتضى كونه في المال: جواز الردّ إلى مصرف الخمس من أوّل الأمر.

مضافا إلى الروايات الأخر الواردة في باب المصرف، كخبر الجعفيّ «4» و غيره «5»، فمقتضى تلك الروايات أن يكون ملكيّة الخمس لمصرفه من أوّل الأمر و وجوبه أيضا كذلك، لكن لا يتضيّق ذلك إلّا بحلول الحول أي بعد إخراج المئونة‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 1 من ب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) في الصفحة السابقة.

(3) سورة الأنفال: 41.

(4) الوسائل: ج 6 ص 355 ح 1 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(5) المصدر: الباب.

424
کتاب الخمس (للحائري)

السابعة و العشرون المشهور بين الأصحاب رضوان الله عليهم عدم اشتراط الحول في أصل وجوب الخمس لكن يكون وجوبه موسعا إلى آخر الحول ص 422

..........

الخارجيّة الّتي يحتاج إليها في السنة، لكن مقتضى ذلك في بعض المقامات وجوب التعجيل، كما إذا قطع بعدم تجدّد مئونة بعد ذلك، بل لو لم يكن له مئونة من أوّل الأمر، كأن تكفّل لمئونته متبرّع.

ثانيهما: مكاتبة عليّ بن مهزيار، و فيها: «فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام» «1» فإنّه ظاهر في الوجوب الموسّع و عدم لزوم أدائه عند حصول الغنيمة، مضافا إلى أنّ قوله عليه السّلام: «الذي أوجبت في سنتي هذه» و قوله عليه السّلام: «و لم أوجب عليهم ذلك في كلّ عام» و كذا قوله: «و إنّما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب و الفضّة الّتي قد حال عليهما الحول» و كذلك قوله: «فأمّا الذي أوجب من الضياع و الغلّات في كلّ عام» يكون ظاهرا في الاعتبار بالسنة في الجملة، كما لا يخفى. هذا وجه كلام المشهور.

و أمّا وجه ما نسب إلى ابن إدريس- من عدم وجوب الخمس حتّى بنحو السعة إلّا بعد حلول الحول- فيمكن أن يكون أمورا تقدّم بعضها في مقام الاستدلال للمشهور:

منها: كون المئونة هي مئونة السنة.

و منها: كون المستثنى هو المئونة الخارجيّة.

و منها: أنّ الظاهر أنّها مستثناة من أصل الخمس، لا عن وجوبه المضيّق، و لا ريب أنّ مقتضى ذلك هو أن لا يكون الخمس إلّا بعد حلول الحول و إخراج مئونة السنة بوجوده الواقعيّ. و أمّا المكاتبة فيمكن فيها دعوى الانصراف إلى رأس العام، كما في الخراجات المعمولة بين الحكومات و الرعيّة.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

425
کتاب الخمس (للحائري)

السابعة و العشرون المشهور بين الأصحاب رضوان الله عليهم عدم اشتراط الحول في أصل وجوب الخمس لكن يكون وجوبه موسعا إلى آخر الحول ص 422

بل التوسعة إلى آخر العام ليست مختصّة بمن يتجدّد له بعد ذلك مئونة إلى حلول الحول (1).

و فيه: منع أنّ المئونة مستثناة من أصل الخمس- كما تقدّم ذلك- بل تكون مستثناة من وجوبه المضيّق، و احتمال ذلك بحسب مقام الظهور و الإثبات كاف لصحّة ما عليه المشهور، و منع الانصراف في المكاتبة، و منع عدم اعتبار الخراج في الحكومات من أوّل السنة بحيث لو أدّى أحد خراجه قبل حلول الحول لكان قرضا.

و أمّا وجه الاحتمال الثالث فهو أن تكون المئونة المستثناة هي مقدارها- لا نفسها بخارجيّتها- و ما في المكاتبة يكون من حيث التحليل من جانب الإمام كما أنّه لم يوجب في الضياع إلّا نصف السدس.

و الأوّل خلاف الظاهر قطعا، و كذا الثاني من جهة أنّ الظاهر منها أنّ جملة «فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام، قال اللّه تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ.» في مقام بيان أصل الحكم، من جهة عدم الاستناد إلى نفسه الشريف و من جهة الاستدلال بالآية الشريفة، بخلاف سائر مقامات الإيجاب الذي فيه التحليل، مثل قوله عليه السّلام: «فأمّا الذي أوجب من الضياع» و قوله عليه السّلام: «إنّ الذي أوجبت في سنتي هذه»، مع أنّ وجوب الخمس في كلّ غنيمة بصرف حصولها يكاد يكون حرجا شديدا على أرباب الحرف و الصناعات بل على أرباب الضياع و البساتين، فإنّ بعض الثمار يكون وقت اقتطافها أقرب من البعض الآخر، بل يختلف الأشجار أيضا، فهو مردود قطعا، مضافا إلى أنّه لم يقل به أحد على الظاهر.

و ذلك لإطلاق المكاتبة الدالّة على التوسعة.

فما في الشرائع من قوله «احتياطا للمكتسب» لعلّه لبيان حكمة الجعل، و هو خارج عن وظيفة الفقيه، مع أنّ الانحصار بذلك غير معلوم، كما في توسعة وقت‌

426
کتاب الخمس (للحائري)

السابعة و العشرون المشهور بين الأصحاب رضوان الله عليهم عدم اشتراط الحول في أصل وجوب الخمس لكن يكون وجوبه موسعا إلى آخر الحول ص 422

..........

الصلاة، فإنّ التوسعة في التكليف بنفسها امتنان و تسهيل على المكلّفين، و ربّما يكون في البين مصالح أخر، كالعثور على الأشدّ استحقاقا من حيث ضيق المعيشة أو من حيث الجهات الأخر كالرحميّة و التقوى و العلم و غير ذلك.

و الحاصل أنّه إن أريد بذلك التقييد فهو محجوج عليه بالمكاتبة الظاهرة في التوسعة مطلقا، و إن أريد بذلك بيان الحكمة فهو مع كونه غير معلوم خارج عن وظيفة الفقيه.

و من ذلك يظهر الإيراد على عبارة العروة العروة الوثقى حيث قال:

متى حصل الربح و كان زائدا على مئونة السنة تعلّق به الخمس و إن جاز له التأخير في الأداء إلى آخر السنة، فليس تمام الحول شرطا في وجوبه، و إنّما هو إرفاق بالمالك، لاحتمال تجدّد مئونة اخرى زائدا على ما ظنّه، فلو أسرف أو أتلف ماله في أثناء الحول لم يسقط الخمس «1».

إذ فيه أوّلا: أنّ مقتضى ذلك وجوب التعجيل لمن يقطع بعدم المئونة له إلى آخر السنة، و الظاهر أنّهم لا يقولون به، و هو أيضا خلاف المستفاد من المكاتبة.

و ثانيا: أنّ مقتضى قوله «فلو أسرف.» أنّ عدم سقوط الخمس مبنيّ على ذلك مع أنّه لا يكون مبنيّا عليه، فإنّه لو قيل بمقالة ابن إدريس- من عدم وجوب الخمس فعلا حتّى بنحو الموسّع- لم يسقط الخمس، لأنّ الموضوع حدوث الغنيمة و عدم الصرف في المئونة، و هو محقّق عليه أيضا.

______________________________
(1) العروة الوثقى: كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 72.

427
کتاب الخمس (للحائري)

الثامنة و العشرون التعجيل في الأداء و تبين كون المئونة أكثر مما ظنه أولا ص 428

الثامنة و العشرون [التعجيل في الأداء و تبيّن كون المئونة أكثر ممّا ظنّه أوّلا]

لو تعجّل في الأداء فبان كون المئونة أكثر ممّا ظنّه فلعلّ الظاهر جواز الاسترداد مع وجود العين، و الضمان مع التلف أو الإتلاف في صورة العلم بالحال، و أنّه خمس على وجه الاستعجال.

و كذا في صورة الاحتمال بأن احتمل كونه كذلك.

أمّا مع تخيّل الخلاف بأن تخيّل كونه غير الخمس أو كونه خمسا بعد حلول الحول فلعلّ الظاهر أيضا الضمان إذا صرفه و انتفع به.

و أمّا مع الفرض المذكور و التلف من غير انتفاع ففي الضمان إشكال، و الأحوط التصالح (1).

أمّا استرداد العين و الضمان مع التلف في الصورة المذكورة فلأنّه مع تجدّد المئونة يكشف عن عدم كون ما أعطاه خمسا، فهو كالمقبوض بالعقد الفاسد، فإنّه و إن لم يكن غصبا إلّا أنّه يد الأخذ ليست بأمانيّة، فإنّ مقتضى دليل اليد هو الضمان، خرج منه ما استقرّت عليه اليد على وجه الإذن، لا على وجه تخيّل الاستحقاق، لوضوح أنّه لو أعطى لشخص مالا من باب تخيّل أنّه له لا من باب التمليك فتبيّن العدم فإنّه ضامن من دون شبهة، و المسألة من مصاديق الكلّيّ المزبور.

إن قلت: إنّ كشف تجدّد المئونة عن عدم كون المعطى خمسا ممنوع، لما تقدّم من أنّ استثناء المئونة إنّما هو بالنسبة إلى تضيّق وجوب الخمس، لا بالنسبة إلى نفس كون الخمس للمصارف المعهودة و وجوب إعطائه و صرفه في المصارف المعهودة على وجه الوجوب الموسّع. و إعطاؤه بتخيّل أنّه الذي يجب عليه بعد التضيّق لا يوجب التقييد بحسب البرهان، فإنّ التقييد إنّما هو بالتخيّل لا بالواقع، و إلّا لم يصدر منه الإعطاء على وجه الخمس على نحو الإطلاق، فإنّ إعطاءه على وجه الإطلاق يتوقّف على الرضا بذلك على وجه الإطلاق، و إلّا لزم وجود المعلول من دون وجود ما فرض دخالته في العلّيّة، و ليس مثل الأوصاف‌

428
کتاب الخمس (للحائري)

الثامنة و العشرون التعجيل في الأداء و تبين كون المئونة أكثر مما ظنه أولا ص 428

..........

المذكورة دخيلة في العنوان حتّى يكون الاختلاف في المتعلّق، فمثل وصف كونه هو الواجب المضيّق عليه- فعلا أو بعد ذلك- من الجهات التعليليّة الّتي ترجع إلى علّيّة الصورة التخيّليّة، لا من الجهات التقييديّة الّتي هي موضوع في مقام الإعطاء، فلا يجب ردّه بل لا يجوز استرداده مع بقاء العين فكيف بالضمان في صورة التلف أو الإتلاف، من غير فرق بين الاستعجال أو أن أعطى الربح خمسا بعد حلول الحول و زاد على ما صرف في المئونة اشتباها أو نسيانا.

قلت: الإنصاف أنّ المستفاد عرفا من استثناء المئونة: عدم مالكيّة المصرف لمقدار المئونة من الربح.

و الوجه في ذلك أنّ جواز التصرّف في ملك الغير حتّى التصرّفات المتوقّفة على الملك- كالهبة و الوقف و جعل المهر، الذي كلّ ذلك من المئونة- مستنكر عرفا، مع أنّه على فرض عدم المالكيّة لا شبهة في أنّ جواز التصرّف حقّ ماليّ في مال الغير مستلزم لاسترداد العين حتّى يصرفه في ماله الحقّ في ذلك، فالاستثناء و إن كان بالنسبة إلى تضيّق الوجوب إلّا أنّ لازمه العرفيّ عدم كون ما يصرف في المئونة خمسا، و حينئذ يتّجه ما عليه الأصحاب في ظاهر كلماتهم من التوسّع في الوجوب و الحكم بالضمان. كيف! و لو لا ذلك لكان مقتضى مالكيّة المصرف للخمس بقاءه في مال المالك حتّى بعد أداء الخمس و استثناء المئونة، فإنّ صرف الاستثناء من الوجوب لا ينتج إلّا عدم الوجوب، و لازم ذلك جواز أن يتملّك المصرف بالمصالحة مع شخص آخر، فحينئذ يصير لازم الأداء، لأنّه ملك لغيره و ليس بخمس، و هو خلاف الضرورة.

هذا كلّه في وجوب الردّ مع بقاء العين.

و أمّا الضمان في صورة التلف في الجملة فلأنّه مقتضى عموم دليل الضمان من‌

429
کتاب الخمس (للحائري)

الثامنة و العشرون التعجيل في الأداء و تبين كون المئونة أكثر مما ظنه أولا ص 428

..........

حديث اليد و غيره، و الخارج منه اليد الأمانيّ المأذون فيه بالعنوان المنطبق عليه.

و أمّا الضمان في صورة الجهل البسيط و احتمال عدم كونه خمسا أو عدم كونه كذلك بعد استثناء المئونة الواقعيّة، فللعموم المذكور و عدم صدق الغرور.

و أمّا الضمان في صورة الجهل المركّب و فرض الانتفاع به بصرفه في مصارفه، فلعدم صدقة أيضا من جهة عدم الضرر.

و أمّا الإشكال في صورة الجهل المركّب و فرض عدم الاستفادة- كالتلف و الإتلاف في غير المصرف من غير عمد- فمن جهة صدق الغرور و شمول قاعدته، كما أشير إليه في تعليق بعض الأعاظم قدّس اللّه أسرارهم على العروة «1».

لكنّه لا يخلو عن إشكال من جهة أنّ مورد قاعدة الغرور هو الرجوع إلى الغارّ بأخذ ما تضرّر منه، و المقصود هنا هو الحكم بعدم الضمان، فرجوع المغرور إلى الغارّ غير عدم رجوع الغارّ إلى المغرور.

و يمكن تقريب الإشكال بوجه عقليّ، و هو أنّ الحكم بعدم ضمان المغرور شي‌ء للمالك مستندا إلى القاعدة مستلزم لعدم صدق الغرور، إذ صدقه متوقّف على الضرر، فلا يشمله القاعدة فلا مانع من دليل الضمان، فالحكم بعدم الضمان يستلزم الحكم بالضمان، كما أنّ الحكم به يستلزم عدمه، و ليس ذلك إلّا من جهة فرض شمول القاعدة للمورد.

و يمكن الجواب عن الإشكال العقليّ بأنّه يحكم بالضمان للمالك بقاعدة اليد و يحكم بضمان المالك لما ضمنه المغرور بقاعدة الغرور، فيحكم بعدم ضمان المغرور لتساوي الدينين و حصول التهاتر القهريّ، فلا يحكم بعدم الضمان أصلا لقاعدة الغرور حتّى يتوجّه الإشكال العقليّ، بل يحكم به فيصدق توجّه الضرر إلى‌

______________________________
(1) في كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 79.

430
کتاب الخمس (للحائري)

التاسعة و العشرون إمكان القول بجواز المعاوضة على الخمس لأحد من المستحقين ص 431

و لعلّ الأقرب عدم الضمان في الفرض المذكور (1).

التاسعة و العشرون [إمكان القول بجواز المعاوضة على الخمس لأحد من المستحقّين]

يمكن أن يقال بجواز نقل الخمس بالبيع أو الصلح أو الحوالة من جانب مستحقّه و لو لم يكن وليّا على الخمس- بأن يكون مثلا هاشميّا مستحقّا له- من غير فرق بين الحول و بعده (2)، المغرور فيتدارك ذلك بضمان المالك، فالضرر قد توجّه إلى المغرور و صار متداركا بضمان الغارّ المالك- كما في سائر موارد الغرور- و لا يحكم بعدم توجّه الضرر أصلا، لكن إشكال خروجه عن ظاهر القاعدة (الحاكمة برجوع المغرور إلى الغارّ و أخذ ما تضرّر منه خارجا، لا صرف الاعتبار الذي لا فرق بينه و بين عدم الضمان من رأس عرفا) باق بحاله.

لأنّ الأظهر هو الشمول، من جهة أنّ الرجوع إلى الغارّ ليس المقصود به إلّا الضمان، لا الرجوع الخارجيّ. كيف! و لو كان ذلك ملاكا لصدق القاعدة لم يحكم بها في ما إذا كان الغارّ غير المالك و كان مالكا لما في ذمّة المغرور ما يعادل بدل التالف الذي غرمه لمالكه، و ذلك لأنّه لا نتيجة في ذلك الرجوع الخارجيّ، بل يحكم بفراغ ذمّة المغرور، للتهاتر القهريّ.

لم أر التعرّض لتلك المسألة في كلامهم رضوان اللّه عليهم لكنّه مقتضى قاعدة تسلّط الناس على أموالهم أو حقوقهم، من غير فرق بين كون الخمس ملكا لمصرفه بالإشاعة أو بنحو الكلّيّ في المعيّن. نعم، لو كان وجوب الخمس تكليفا صرفا لا وجه لذلك.

إن قلت: يشترط على المشهور أن يكون إعطاء الخمس بقصد القربة من المالك، و المفروض أنّه لا إعطاء حينئذ حتّى يقصد به القربة.

قلت: المتيقّن من لزوم قصد التقرّب هو ما إذا كان الإعطاء من جانب المالك، لا مطلقا.

431
کتاب الخمس (للحائري)

الثلاثون الأحوط لمن ليست له مئونة بعد ذلكعدم التأخير بعد الدخول في الشهر الثاني عشر 2 ص 432

و لكن لا يخلو عن الإشكال (1).

الثلاثون: الأحوط لمن ليست له مئونة بعد ذلك: عدم التأخير بعد الدخول في الشهر الثاني عشر (2).

إن قلت: إنّ النقل يتوقّف على عدم كونه مخالفا لحقّ المالك، و المالك له حقّ التعيين من حيث المصرف و حقّ التبديل بالقيمة و حقّ التأخير إلى الحول.

قلت: أمّا حقّ التعيين من حيث المصرف فهو من باب عدم اقتضاء ما يعيّنه في شخص خاصّ، و أمّا الحقّان الآخران فهما ثابتان أيضا في بدل الخمس، فله حقّ التأخير و التبديل كما كان له في أصل الخمس.

من جهة أنّ المالك هو المصرف بنحو الكلّيّ. و معنى الكلّيّ أنّ المالك متعهّد و في عهدته و ضمانه أن يعطي الخمس إلى فرد من الأفراد من غير أن يملك ذلك الفرد شي‌ء في الخارج، كما في الكلّيّ في الذمّة بالنسبة إلى المملوك، فكما أنّ تعيين المصداق في الذمّة بعهدته كذلك تعيين مصداق المالك بعهدته أيضا، فالفرد الخاصّ لا يملك حتّى يصالح أو يبيع الخمس، كما أنّ مالك الذمّة ليس له أن يبيع مصداق ما ينطبق على ما يملكه في ذمّة صاحبه.

كما في الزكاة، لا من باب القياس عليها، بل من باب أنّ الدليل على التأخير إمّا استثناء المئونة الخارجيّة المفروض عدمه، و إمّا المكاتبة الظاهرة في أنّ مورد الوجوب هو العام، و العام صادق على الشهر الثاني عشر، ففيه إشكال من جهة قوله عليه السّلام:

«و لم أوجب عليهم ذلك في كلّ عام و لا أوجب عليهم إلّا الزكاة الّتي فرضها اللّه عليهم» «1».

و العام الملحوظ في الزكاة يتمّ بالورود في الثاني عشر، و السياق واحد،

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

432
کتاب الخمس (للحائري)

الحادية و الثلاثون كيفية ملاحظة السنة لمن يكون له أرباح متدرجة ص 433

و إن تأخّر عن ذلك فلا يتأخّر عن العام (1).

الحادية و الثلاثون [كيفيّة ملاحظة السنة لمن يكون له أرباح متدرّجة]

في الأرباح المتدرّجة هل يلاحظ لكلّ ربح سنة (فيختصّ الربح الأوّل بإخراج المئونة منه و يوزّع في المشترك من دون ملاحظة النسبة أو بملاحظة النسبة بالنسبة إلى أصل الربح أو بملاحظتها بالنسبة إلى ما بقي بعد المئونة أو يتخيّر في التوزيع و عدمه (2) و هذا يصلح للقرينيّة على كون المراد بالعام في قوله عليه السّلام «فهي واجبة عليهم في كلّ عام» «1» هو العام الزكاتيّ، فلا ظهور له في الإطلاق حينئذ، فيرجع إلى ما دلّ على وجوب ردّ مال الغير إلى صاحبه فورا، فيجب.

لظهور قوله عليه السّلام المتقدّم «فهي واجبة عليهم في كلّ عام» في لزوم أن يكون في العام، فلا يتأخّر عن العام كما هو المعمول خارجا.

كما عن المسالك و الروضة و كشف الغطاء بالنسبة إلى أصل كون السنة لكلّ ربح و أصل التوزيع في المشترك مع السكوت عن كيفيّة التوزيع في المشترك، «2» لكن في الجواهر الترديد في كون التوزيع بالنسبة أو غيرها مع السكوت عن كيفيّة النسبة «3» و في المستمسك: الترديد في المشترك بين التوزيع و التخيير «4». فالوجوه في الربح المشترك من حيث استثناء المئونة أربعة.

فمن استفاد ربحا في أوّل محرّم الحرام بمقدار ستّة آلاف و في أوّل رجب بمقدار ثمانية آلاف و في أوّل ذي الحجّة بمقدار ألفين و بقي له في أوّل المحرّم الثاني ألف من المجموع (بأن صرف بعض الربح الأوّل في الأشهر الستّة الاولى و صرف الباقي و الربح الثاني في الأشهر الخمسة الأخيرة و كانت مئونته في الشهر الثاني عشر من الربح الثالث و بقي منه ألف) فيكون مئونته في الستّة الأولى‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الجواهر: ج 16 ص 80 و 81.

(3) الجواهر: ج 16 ص 80 و 81.

(4) المستمسك: ج 9 ص 531.

433
کتاب الخمس (للحائري)

الحادية و الثلاثون كيفية ملاحظة السنة لمن يكون له أرباح متدرجة ص 433

..........

مستثناة من ستّة آلاف، و في الخمسة الّتي بعد الستّة يوزّع أو يتخيّر- على ما يجي‌ء شرحه- و في الشهر الأخير يختصّ الربح الأخير باستثناء المئونة.

و التوزيع في المشترك إمّا بالمناصفة من دون ملاحظة النسبة، فينصف ما بقي من الربح الأوّل و ما حصل له من الربح الثاني إلى أن ينفد الربح الأوّل، أو بالنسبة إلى أصل الربح، ففي المثال يقسّم المئونة أربعة عشر قسما، فيستثني ستّة منها من الربح الأوّل و ثمانية منها من الربح الثاني، أو يلاحظ بالنسبة إلى الربح الثاني و ما بقي من الربح الأوّل، فلو بقي من الربح الأوّل ألفان يقسّم المئونة خمسة أقسام فيخرج من الأوّل خمسة و من الربح الثاني الباقي.

و أمّا التخيير فظاهره التخيير بين التوزيع بالمناصفة، أو بالنسبة إلى أصل الربح، أو بالنسبة إلى الربح الثاني و ما بقي من الربح الأوّل، أو استثناء جميع المئونة من الربح الأوّل حتّى ينفد، أو استثناء جميعه من الربح الثاني.

لكن هذا المبنى- أي ملاحظة السنة لكلّ ربح- مورد للإيراد من وجوه:

منها: أنّ لازمه عدم تعلّق الخمس بمن يزيد ربحه عن مجموع مئونته من أوّل حصول أوّل الأرباح- كالتاجر قليل المال أو الصانع بيده في أغلب مصاديقه- إلّا بعد ما حصل له من أرباح السنين المتعدّدة ما يزيد على مئونته في السنة الّتي مبدأها من أوّل مالكيّته للأرباح الزائدة مجموعها على مئونته. وجه الاستلزام أنّ الربح الأوّل لا يفي بمئونته من أوّله إلى رأس سنته و باقي الأرباح لم تتمّ سنته.

و هو كاد أن يكون مخالفا لصريح مكاتبة عليّ بن مهزيار الحاكمة بإعطاء نصف السدس لمن يقوم ضيعته بمئونته في كلّ عام، فإنّه بعد أن حصل له الشعير ثمّ حصلت له الحنطة بعد شهرين ثمّ حصلت له الأثمار ثمّ حصلت له الشتويّات- كالشلغم و الطماطة- و صرف جميع ذلك في مئونته و زاد عنها في موقع حصول أوّل الربح و هو الشعير فلا بدّ له من أداء نصف السدس من الكلّ من باب الخمس،

434
کتاب الخمس (للحائري)

الحادية و الثلاثون كيفية ملاحظة السنة لمن يكون له أرباح متدرجة ص 433

..........

و إلّا لم يكن أداء نصف السدس في كلّ عام بالنسبة إلى مجموع الغلّات، بل لا بدّ له من الصبر حتّى يصير مجموع غلّاته الموجودة فعلا زائدا عن مئونة سنته. و كذا كاد أن يكون مخالفا صريحا لرواية أبي عليّ بن راشد، قلت: و التاجر عليه و الصانع بيده؟ فقال «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» «1» كما لا يخفى، فإنّ الصانع بيده متى يحصل في يده أرباح سنين متعدّدة بمقدار يزيد عن مئونة سنته؟ مع أنّ الحكم بنصف السدس في مجموع الغلّات في كلّ عام لا ينطبق إلّا على إعطاء نصف السدس بعد تماميّة العام من أوّل حصول الربح أو أوّل الاكتساب على الخلاف الآتي، فلو وجب عليه نصف السدس إذا تمّت السنة من أوّل حصول ربح الشعير من الشعير بعد إخراج المئونة و وجب في الحنطة و الأثمار و غير ذلك نصف السدس إذا مضت السنة من ظهور هذه الأرباح لم يكن وجوب نصف السدس في مجموع الغلّات الحاصلة في كلّ عام بل في العام الأوّل يكون في العام و شهور بعده.

و منها: أنّ جعل السنة لكلّ ربح بالنحو المذكور في أوّل البحث موجب للحرج على من يعطي الخمس و من يأخذ الخمس.

و منها: أنّه لو كان كذلك لوقع حكم الحساب في القطعات المشتركة بين الأرباح و المختصّة بالأوّل أو الآخر موردا للسؤال و الجواب من جهة التخيير في المشترك أو التوزيع بالمناصفة أو بالنسبة إلى أصل الربح أو بالنسبة إلى ما بقي من الربح بعد استثناء المئونة منه، و الأخبار خالية عن ذلك كلّه، كما لا يخفى.

و منها: السيرة المستمرّة بين الشيعة الممتدّة قطعا إلى عصر الأئمّة عليهم السّلام على أداء الخمس من مجموع ربح السنة الواحدة، من دون جعل السنة لكلّ ربح.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 3 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

435
کتاب الخمس (للحائري)

الحادية و الثلاثون كيفية ملاحظة السنة لمن يكون له أرباح متدرجة ص 433

أو يكون لمجموع الأرباح سنة واحدة يجب خمس ما زاد على المئونة بالنسبة إلى المجموع دفعة واحدة؟ و لعلّ الأصحّ هو الثاني (1).

و هذا من غير فرق بين وجود أنواع مختلفة للتكسّب و عدمه، و لا بين اختلاف مبدأ كلّ نوع من التكسّبات و عدمه، و لا بين كون بعض الفوائد حاصلا بالتكسّب و بعضها حاصلا قهرا أو كون جميع فوائده حاصلا قهرا (2).

و منها: عدم مناسبة استثناء المئونة من كلّ ربح، بل المناسب استثناؤه من مجموع الأرباح، لعدم وفاء كلّ ربح في الغالب لمئونة السنة.

و منها: أنّه لو فرض الشكّ في ذلك فبعد حلول الحول بالنسبة إلى الربح الأوّل يشكّ في وجوب الخمس فورا، و مقتضى الدليل لو لا استثناء المئونة وجوبه فورا، و القدر المتيقّن استثناء المئونة من مجموع الربح، فيكون الربح الباقي زائدا على مئونة السنة، فيجب الخمس بعد حلول الحول من أوّل الربح الأوّل على الأصحّ- كما يأتي- أو من أوّل الشروع في الاكتساب كما عن بعض الأصحاب.

كما تقدّم في التعليق السابق و ظهر من مجموع ما أوردناه على الوجه الأوّل من الوجوه الستّة.

و ذلك لبعض الوجوه المتقدّمة: من السيرة، و مكاتبة عليّ بن مهزيار- المعتبرة- حيث إنّه جعل موضوع الخمس في كلّ عام مجموع الغلّات الّتي قد عرفت وضوح الاختلاف في أنواعها و الاختلاف في مبدأ حصولها، و من المعلوم أنّ فوائد الغلّات منها ما يحصل قهرا من دون التكسّب- كالمراتع و الأحطاب و الكتيرا و غير ذلك- و لا فرق بينه و بين غيره عرفا، مضافا إلى أنّه مع فرض الشكّ يجب الخمس فورا، كما تقدّم في التعليق الأسبق، مع أنّ كلمة «التاجر» بل «الصانع» تشمل من كان له أنواع من التجارات أو أنواع من الصناعات، بل تشمل‌

436
کتاب الخمس (للحائري)

الحادية و الثلاثون كيفية ملاحظة السنة لمن يكون له أرباح متدرجة ص 433

فلو أدّاه في رأس العام على النحو المتقدّم من التقديم على الرأس فلا إشكال فيه، و أمّا لو لم يؤدّه فلوجوب أداء المجموع في رأس السنة من ابتداء الربح الثاني وجه (1).

لكنّ الظاهر عدم كونه موجّها و لا يجب عليه إلى السنة الآتية أن من كان له شغلان: التجارة و الصناعة.

إن قلت: إنّ مقتضى ظاهر قوله عليه السّلام في المكاتبة: «فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام»- الظاهر منها هو الفوائد الحاصلة من غير ترقّب- أنّه في تلك الفوائد عام برأسه.

قلت: ظهوره كظهور رواية النيشابوريّ في استثناء المئونة من ستّين كرّا، المستلزم لجواز التأخير إلى رأس السنة من ابتداء هذا الربح الخاصّ، و مقتضى تطبيق الآية الشريفة عليها أنّ الحكم المذكور من حيث الغنيمة من دون خصوصيّة للربح الخاصّ، كما أنّ الجمع بين خبر النيشابوريّ و ذيل المكاتبة- الظاهر في كون الموضوع للخمس مجموع الغلّات- أيضا ذلك.

و ذلك من جهة أنّه يصدق من ابتداء الربح الثاني مجموع الربح من السنة الّتي لم يؤدّ خمسة، فيجب أيضا خمس المجموع و لا يجوز له التأخير بالنسبة إلى ما بعد تمام السنة من الربح الأوّل إلى السنة الآتية.

لكن يردّه مجموع أمور:

الأوّل: لزوم سنين متعدّدة لمن له ربح في كلّ يوم إذا لم يؤدّ ذلك حين انقضاء الحول الأوّل، فلا بدّ من حساب المئونة من ابتداء الربح الأوّل إلى الثاني من السنة الاولى، و في المشترك يجي‌ء إشكال أنّه من الربح الأوّل أو من الربح الثاني أو التوزيع و طريقته. و هذا مقطوع العدم.

الثاني: أنّ مقتضى الاعتبار بالسنتين: جواز التأخير بالنسبة إلى الربح الثاني‌

437
کتاب الخمس (للحائري)

الثانية و الثلاثون مبدأ الحول هل هو ظهور أول الربح أو الشروع في الاكتساب أو فيه تفصيل وجوه ص 438

يؤدّي خمسا إلّا ما وجب عليه من رأس السنة من أوّل الربح (1).

الثانية و الثلاثون [مبدأ الحول هل هو ظهور أوّل الربح أو الشروع في الاكتساب أو فيه تفصيل؟ وجوه]

مبدأ الحول هل هو ظهور أوّل الربح أو من حين الاكتساب أو يفصّل بين التدريجيّات و الدفعيّات أو بين ما يقرب من أوان الاكتساب و غيره؟ وجوه (2).

إلى رأس سنته. و هو خلاف أدلّة وجوب الخمس في الغنائم، الخارج منه مئونة السنة، الصادق على السنة الأولى بالفرض، مع أنّه لو شكّ في ذلك- أي في الاعتبار بالسنة الثانية أيضا في جواز التأخير- فمقتضى إطلاق وجوب الخمس هو الفوريّة، كما هو مقتضى إثبات كلّ حقّ لمن له الحقّ.

الثالث: أنّه في مورد مكاتبة عليّ بن مهزيار لو لم يؤدّ نصف السدس في آخر السنة من الربح الأوّل و أدّاه في ابتداء الربح الثاني من غلّات الضيعة ممّا يحصل في الخريف ثمّ أدّى نصف السدس من العام الثاني في آخر ذلك العام يصدق أنّه قد أدّى نصف السدس في ذلك العام، و لا يكون إلّا من جهة واحدة، و هي عدم أدائه في رأس العام الأوّل، فإذا أدّى مثلا نصف السدس من العام السابق في العام الثاني و نصف سدس غلّات العام الثاني فيه أيضا فلا يكون عاصيا من حيث أداء ذلك بالنسبة إلى العام الثاني في آخر العام، كما هو واضح.

مضافا إلى أنّ السيرة المستمرّة المستقرّة على الخمس من عصر أهل البيت عليهم السّلام ليس على ثبوت الحول بعد حول بالنسبة إلى كلّ ربح، كما لا يخفى.

كما أوضحناه في التعليق السابق بالوجوه الثلاثة.

قد اختار الأوّل في الجواهر تبعا لما نقله عن المدارك من قوله:

و لو قيل باعتبار الحول من حين ظهور شي‌ء من الربح ثمّ احتساب الأرباح الحاصلة بعد ذلك إلى تمام السنة و إخراج الخمس من الفاضل عن مئونة ذلك‌

438
کتاب الخمس (للحائري)

الثانية و الثلاثون مبدأ الحول هل هو ظهور أول الربح أو الشروع في الاكتساب أو فيه تفصيل وجوه ص 438

..........

الحول كان حسنا «1». انتهى.

و علّل ذلك في الجواهر بأنّ أوّل حصول الربح أوّل توجّه الخطاب بالخمس «2».

و أمّا الثاني فهو ظاهر ما عن الدروس و الحدائق من قولهما:

و لا يعتبر الحول في كلّ تكسّب، بل يبتدئ الحول من حين الشروع في التكسّب «3».

و أمّا الثالث فقد اختاره بعض علماء العصر في تعليقه على العروة.

و أمّا الرابع فاختاره بعضهم الآخر في التعليق عليها.

و اختار الشيخ المرتضى قدّس سرّه الثاني، و استدلّ له بأنّ:

المراد بالعام هو العام الذي يضاف إليه الربح و يلاحظ المئونة بالنسبة إليه. و مبدأ حول المئونة في ما يحصل بالاكتساب هو زمان الشروع في التكسّب، لأنّ المتعارف وضع مئونة زمان الشروع في الاكتساب من الربح، و أمّا في ما لا يحصل بالاكتساب فمبدأ سنته زمان حصوله، لأنّ نسبة الأزمنة السابقة إليه على السواء، فلا وجه لعدّ بعضها من سنته، بل السنة من حين ظهوره «4». انتهى ملخّصا.

أقول: في ما ذكره و حقّقه و تبعه جماعة من الأصحاب منهم صاحب العروة «5» و غير واحد ممّن علّق عليها إيراد من وجوه:

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 82.

(2) الجواهر: ج 16 ص 82.

(3) الجواهر: ج 16 ص 81.

(4) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ قدّس سرّه: ص 215.

(5) في العروة: كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 60.

439
کتاب الخمس (للحائري)

الثانية و الثلاثون مبدأ الحول هل هو ظهور أول الربح أو الشروع في الاكتساب أو فيه تفصيل وجوه ص 438

..........

الأوّل: منع تعارف وضع مئونة الشخص و عياله حين اكتساب الربح من الربح الذي يأتي بعد ذلك. نعم، نفس مئونة اكتساب الربح مستثناة من الربح من باب عدم صدق الربح و الغنيمة إلّا على الخالص من الفوائد بعد وضع المخارج و المصارف، و ليس ذلك مربوطا بالسنة حتّى يكون ذلك ملاكا لابتداء السنة، و ليست المستثناة مئونة زمان الاكتساب، بل لو كان الاكتساب في سنة متوقّفا على مئونة- من بذل مال لمحلّ الكسب قبلها بسنتين- لكان ذلك محسوبا و مستثنى من الربح، لعدم صدق الربح بدون ذلك.

و ما ذكرناه من منع استثناء مئونته حال الاكتساب من الربح الذي يأتي بعد ذلك يتّضح جدّا في ما لا يصرف المكتسب نفسه في ذلك و ليس له مصارف، و إن كان فهو خارج من باب مئونة الربح- كأن يخابر مثلا لإرسال متاع من الخارج بعد شهرين- فكيف يحكم العرف باستثناء مئونة نفسه و عياله بمالها من السعة من دخول الصدقات و الأوقاف و الهبات من ذلك، فصرف زمان الاكتساب ليس إلّا كزمان العزم على الاكتساب، فكما أنّه في زمان الاكتساب يرجو تأمين مئونته من الربح الحاصل بعد ذلك في كثير من الأوقات كذلك في زمان العزم أيضا يكون كذلك، و صرف ذلك ليس موجبا لإضافته إلى الربح، كما لا يخفى.

الثاني: ما هو المستفاد من مصباح الفقيه «1» الظاهر منه أنّه سلّم الصغرى و أنّ المتعارف وضع مئونة زمان الاكتساب من الربح المكتسب بعد ذلك، و قد عرفت منع ذلك. و بعد ذلك أورد عليه بعدم استقامة الكبرى، فإنّ الظاهر من المئونة المستثناة من الغنيمة هي الّتي تخرج خارجا من الربح أو تصلح لذلك، لا الأعمّ منه و ممّا تعارف وضع مقداره منه، كما لا يخفى.

______________________________
(1) ج 3 ص 142.

440
کتاب الخمس (للحائري)

الثانية و الثلاثون مبدأ الحول هل هو ظهور أول الربح أو الشروع في الاكتساب أو فيه تفصيل وجوه ص 438

..........

الثالث: أنّ دليل استثناء المئونة الذي يستفاد منه السنة إنّما هو بعد فرض دليل الخمس، فإنّه مخصّص لدليل الخمس، فلا يشمل المئونة قبل دليل الخمس، كما في سائر العمومات و المخصّصات.

الرابع: أنّه لو شكّ في استثناء مطلق المئونة أو خصوص ما يكون بعد الربح فالقدر المتيقّن مئونة ما بعد الربح، فيستدلّ بإطلاق وجوب الخمس في جميع ما يصدق عليه الغنيمة.

إن قلت: بعد حلول الحول من مبدأ الاكتساب و عدم حلوله من مبدأ حصول الربح يشكّ في وجوب الخمس فورا، و مقتضى إطلاق الدليل وجوبه فورا، لأنّه من الحقوق، لا من باب دلالة الأمر على الفور، و مقتضى ذلك أنّ الإطلاقين بالنسبة إلى تعيين مبدأ الحول متعارضان.

قلت: الإطلاق الأوّل وارد على الثاني، لأنّ الثاني قد قيّد بمئونة السنة و حكم بجواز التأخير إلى تماميّة مئونة السنة، فهو بعد التقييد من حيث الفوريّة و جواز التأخير تابع لمقدار ما يستثني من الربح من مئونة السنة، فإذا حكم بمقتضى الإطلاق الأوّل أنّ سنة المئونة من ابتداء حصول الربح فجواز التأخير يكون إلى آخر تلك السنة، من دون تخصيص زائد على ما خصّص على النحو الكلّيّ، و هو جواز التأخير إلى آخر سنة المئونة إرفاقا، فافهم و تأمّل.

الخامس: أنّ ما ذكره بالنسبة إلى الفائدة الحاصلة من غير اكتساب- من كون المبدأ هو حصول الفائدة، لأنّ سائر الأزمنة بالنسبة إليه يكون على وجه التساوي- جار بعينه بالنسبة إلى الحاصل بالاكتساب بنوع آخر بعد الاكتساب بالنوع الأوّل، فإنّه لا بدّ أن يلتزم بأنّ لكلّ اكتساب سنة جديدة، لأنّ نسبة سائر الأزمنة إلى الاكتساب الثاني متساوية، و الاكتساب الأوّل غير مربوط بالاكتساب الثاني.

441
کتاب الخمس (للحائري)

الثالثة و الثلاثون وجه الاعتبار بالسنة الجعلية ص 442

و لعلّ الأصحّ هو الأوّل، و المقصود أنّ ظهور أوّل الربح أوّل السنة، من غير فرق بين أرباح النوع الأوّل من الاكتساب و غيره، و بين كون الأوّل حصول الفائدة قهرا و الثاني كان بالاكتساب أو بالعكس (1).

الثالثة و الثلاثون [وجه الاعتبار بالسنة الجعليّة]

المتداول بين الإماميّة رضوان اللّه عليهم الاعتبار بالسنة الجعليّة.

و يمكن القول بحصولها بأداء الخمس في وسط السنة، و حينئذ يجوز و هذا غير موافق للمكاتبة الحاكمة بنصف السدس في مجموع غلّات الضيعة في كلّ عام مع التوجّه إلى أنّ اكتساب الحبوب مبدأها قبل اكتساب الزراعات الشتويّة.

و هذا أيضا دليل على أنّ الملاك هو حصول الفائدة، و حصولها بالاكتساب أو بغيره لا دخل له في الحكم أصلا، و حينئذ مبدأ حصول الربح بما هو ربح مبدأ السنة بالنسبة إلى كلّ ربح يحصل له في السنة.

هذا. مع أنّ في مورد المكاتبة قد يحصل لصاحب الضيعة فوائد غير مكتسبة من ضيعته، كالأحطاب و المراتع و النباتات الخارجة بنفسها من غير قصد المستخرج منها الكتيرا و الكز. و صرف وجود الجامع القريب لكلّ ذلك من باب أنّه محصول الضيعة لا يوجب بنظر العرف فرقا، فإنّ من يكون كاتبا في شركة تجاريّة و يتّجر هو بنفسه يكون أيضا موضوعا لجامع قريب، و هو أنّ مجموع فوائده من المحلّ الخاصّ، خصوصا إذا كان له فوائد غير مقصودة، كأن يعطي بعض المشترين أنعاما له في تلك الموارد.

لما تقدّم في التعليق السابق من الإيرادات الخمسة على مسلك الشيخ قدّس سرّه.

و نزيد ذلك وضوحا للاندماج و كثرة الابتلاء أنّ ما ذكرناه مطابق لظاهر المكاتبة في قوله عليه السّلام: «فأمّا الذي أوجب من الضياع و الغلّات في كلّ عام فهو‌

442
کتاب الخمس (للحائري)

الثالثة و الثلاثون وجه الاعتبار بالسنة الجعلية ص 442

..........

نصف السدس ممّن كانت ضيعته تقوم بمئونته» بعد التوجّه إلى ما قدّمناه من اختلاف محصول الضيعة من حيث مبدأ الاكتساب و ظهور الربح و من حيث الحصول بالاكتساب و غيره، فإنّه يصدق قطعا في العرف إذا أخرجت مئونته بعد ظهور أوّل المحصول إلى رأس السنة و أدّى نصف السدس أنّه امتثل إيجاب الإمام عليه السّلام، و يستفاد منه قطعا أنّه ليس لكلّ نوع من الاكتساب أو للفائدة الحاصلة قهرا سنة مستقلّة. و هو الذي يستفاد من عموم وجوب الخمس في كلّ ما استفاد من قليل أو كثير «1» أو في الغنائم «2» بعد التقيّد بالمئونة الظاهرة في السنة، فإنّ الموضوع عرفا حينئذ مجموع ربح السنة، فإنّه الذي يستثني منه مئونة السنة، و هو يتحقّق بأوّل مصداق الربح إن لم يزد عليه، و إن زاد عليه فالمفهوم باق بحاله و إنّما الزيادة في المصداق، فافهم و تأمّل. و هو المستفاد ممّا ورد في التاجر و الصانع «3»، كما لا يخفى.

و هنا توجيهات أخر للاعتبار بأوّل الاكتساب نذكرها و نذكر ما فيها:

منها: أنّ ذلك من جهة أنّ مئونة الربح تستثنى منه.

و فيه: ما عرفت من أنّه غير مربوط بالسنة حتّى يكون ذلك ملاكا لمبدئها.

و منها: أنّ الظاهر استثناء مئونة الربح، و هي من أوّل الشروع في الاكتساب، فإنّ السنة من أوّل الشروع في اكتساب الربح يكون سنة الربح، و مقتضى الدليل استثناء مئونة سنة الربح.

و فيه أوّلا: أنّ إطلاق سنة الربح عليه بصرف الشروع في مقدّماته غير واضح.

و ثانيا: أنّ الظاهر أنّ الخارج هو المئونة بعد الربح و تعلّق الخمس إلى السنة.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 348 الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) المصدر: ص 338 الباب 2.

(3) مثل ما في المصدر: ص 348 ح 3 من ب 8.

443
کتاب الخمس (للحائري)

الثالثة و الثلاثون وجه الاعتبار بالسنة الجعلية ص 442

له تأخير خمس باقي الربح إلى رأس السنة الجديدة (1)، فهل تستثنى منه و ثالثا: أنّه لو كان مبدأ السنة من حين الاكتساب فلا يقتضي أن تكون المئونة من حينه إذا كان ظاهرا في استثناء مئونة ما بعد الربح إلى آخر سنة الربح، فاللازم هو الاعتبار بسنة الاكتساب في عدم جواز التأخير من دون احتساب مئونة حال الاكتساب، و ذلك وجه آخر في المسألة لم يقل به أحد، و هو مخالف لما دلّ على أنّ الخمس بعد المئونة «1»، كما لا يخفى.

و منها: أن يقال إنّه الظاهر من قوله: و التاجر عليه و الصانع بيده؟ فقال عليه السّلام:

«إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» «2» حيث إنّ المنصرف إليه بعد مؤونتهم من حين التجارة و الصناعة.

و فيه: منع الظهور أصلا، إذ الظاهر من الكلام صدرا و ذيلا أنّ الخمس في كلّ ما استفيد من قليل أو كثير، فالمقصود من التاجر: الذي يستفيد المال في التجارة، و من الصانع: الذي يستفيده بالصناعة، و أنّه لا ينحصر بغنائم دار الحرب أو بالجوائز الخطيرة مثلا.

و ذلك لأنّ مبدأ السنة جاء من قبل المئونة، و المئونة مستثناة مع فرض اقتضاء دليل الخمس للوجوب، و بعد الأداء لا يكون الربح السابق متعلّقا للخمس حتّى يستثني منه المئونة و حتّى لا يجوز التأخير من ابتداء ذلك، فإعطاء خمس الربح السابق في حكم عدم الربح أو وجود الربح غير المتعلّق للخمس، و لا فرق بينه و بينهما في عدم كون السابق متعلّقا للخمس.

إن قلت: قبل الأداء قد تعلّق به الخمس مع استثناء مجموع المئونة من مجموع الربح من أوّل الربح، فسقوط الخمس بالنسبة إلى ما أدّاه لا يقتضي سقوط‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 354 الباب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) المصدر: ص 348 ح 3 من ب 8.

444
کتاب الخمس (للحائري)

الثالثة و الثلاثون وجه الاعتبار بالسنة الجعلية ص 442

المئونة الّتي حصلت في الخارج- قليلا كان أو كثيرا- أو تستثنى المئونة الخارجيّة إذا كانت بقدر المجموع أو أقلّ دون الكثيرة الخارجة عن مقدار المجموع، أو يستثني مطلقا مقدار المجموع، أو لا تستثنى المئونة أصلا؟ وجوه، الأحوط هو الأخير (1).

و من مصاديق الأداء أن يأخذ المستحقّ تملّكا و يقرضه على المالك (2).

السنة عن الاعتبار بالنسبة إلى حساب المئونة بالنسبة إلى مجموع السنة من أوّل الربح، المستلزم لجواز التأخير إلى تمام الحول الأوّل.

قلت: إن كان المستثنى منه هو الربح الذي تعلّق به الخمس فعلا أو يتعلّق به بعد ذلك بحسب الجعل الأوّل و لو لم يكن واجبا فعلا فالأمر كما ذكر، لكنّ القدر المتيقّن من الاستثناء إنّما هو بالنسبة إلى ما هو واجب فعلا أو يجب بعد ذلك، لا ما كان واجبا و قد سقط وجوبه، فالحكم بحساب المئونة من المجموع الشامل للربح الأوّل إنّما هو ما دام كون وصف الوجوب باقيا، فعلى هذا فالمئونة تستثنى و تقدّر بعد الأداء من حين الربح الجديد.

أمّا كون ذلك على وفق الاحتياط فواضح، و أمّا لزوم ذلك الاحتياط فلأنّه بعد فرض انصراف المئونة إلى مجموع مئونة السنة بشرط البقاء على وصف الوجوب أو حدوث الوجوب بعد ذلك لا دليل على استثناء المئونة ممّا أدّاه و سقط به وجوبه، و وجود إطلاق يدلّ على استثناء المئونة بحيث يقتضي مئونة السنة لمن لم يؤدّ خمسه إلى آخر السنة و مئونة الشخص في غير ذلك إلى زمان الأداء غير واضح، مع أنّ الحكم بأنّ مئونة ذلك الربح بخارجيّته مستثناة على تقدير الأداء في ذلك الوقت و المجموع مستثنى منه بالنسبة على تقدير عدم الأداء لا يخلو عمّا يستحيل، لأنّ الكسر عن المجموع إن أدّاه خمسا كان خمسا، فتأمّل.

من غير فرق بين النصف الذي للهاشميّ و النصف الذي للإمام عليه السّلام، بناء‌

445
کتاب الخمس (للحائري)

الثالثة و الثلاثون وجه الاعتبار بالسنة الجعلية ص 442

و هل تحصل السنة الجعليّة بالمصالحة مع الحاكم الشرعيّ؟ (1) لا يبعد ذلك إذا اطمأنّ الحاكم بجواز ذلك له من باب رضا الإمام عليه السّلام، فإنّه وليّ السهمين، و كان جائزا للمالك الأخذ بما يطمئنّ به الحاكم.

و أمّا بالقبض و الإقباض من الحاكم الشرعيّ بعنوان الخمس- بأن يأخذ من باب الخمس و يقرضه أيضا بعنوان أن يكون الخمس على ذمّته- فحصول السنة الجعليّة محلّ إشكال (2).

على حصول الملكيّة للمستحقّ بالأخذ بعنوان التملّك أو بالأخذ بعنوان الصرف في مصارفه المتوقّفة على التصرّفات المتوقّفة على الملكيّة.

كما يظهر من المنهاج للسيّد الفقيه الحكيم قدّس سرّه في المسألة 34.

و لكن لا بدّ من تقييد ما ذكر بأمرين: أحدهما الاطمئنان برضاه عليه السّلام للحاكم بذلك، و ذلك لا يحصل لا سيّما بالنسبة إلى سهم السادة الفقراء إلّا بجعل شي‌ء على المالك لهم. ثانيهما حجّيّة نظره للحاكم بالنسبة إلى تكليف المالك.

و العجب إطلاقه الحكم في ذلك و حكمه في المسألة 73 بأنّ الأحوط لزوما مراجعة المرجع العامّ المطّلع على الجهات العامّة.

و هو أيضا محلّ إشكال، إذ من يجوز تقليده نظره حجّة على المالك و إن لم يكن مرجعا عامّا، فإنّه مع فرض العدالة و حجّيّة نظره يراعي ذلك أيضا إن رأى دخالته في رضا الإمام عليه السّلام.

وجه الإشكال أنّ فيه وجهان، من جهة انقطاع دليل الخمس بالنسبة إلى الأرباح الخارجيّة المحدّدة بالسنة و استثناء المئونة، فالأرباح الحاصلة بعد ذلك مبدأ لشمول دليل الخمس، فالسنة تلاحظ منه، و من جهة أنّ الدليل و إن فرض قطعه إلّا أنّ إعطاءه بعنوان الخمس بعد ذلك بمنزلة إدخاله في دليل الخمس، كما في سائر الأحكام بالنسبة إلى الخمس و سائر الأحكام بالنسبة إلى الحقوق الأخر،

446
کتاب الخمس (للحائري)

الثالثة و الثلاثون وجه الاعتبار بالسنة الجعلية ص 442

و كذا إذا صالح الحاكم على انتقال الخمس من العين إلى الذمّة (1).

و من ذلك يظهر أنّ نقل الخمس من العين إلى ذمّة المالك لا يتوقّف على القبض و الإقباض، بل يحصل بالمصالحة مع الحاكم فيصير الخمس على ذمّة المالك.

كما أنّه يمكن القول بجواز تمليك شخص من يستحقّ التملّك من الهاشميّ الفقير من دون القبض و الإقباض ثمّ المصالحة معه بالذمّة بعد قبوله فيصير ما في ذمّة المالك للشخص المذكور. و كذا مستحقّ التمليك من السهم المبارك (2).

و هنا قسم ثالث و هو المصالحة أو القبض و الإقباض القرضيّ بعنوان فمقتضاه كونه كما في الخارج.

لعين ما ذكر، بل هو أقلّ إشكالا من جهة قطع البدليّة في جميع الأحكام في الأوّل عند إعطائه للحاكم، إذ لا معنى لاستثناء المئونة و جواز التأخير و وجوب الأداء بالنسبة إليه، و إن أمكن الجواب عنه بأنّه حين الإعطاء إلى المالك بعنوان الخمس يعود الأحكام بعنوان المعاملة، كما لا يخفى. و هذا الإشكال غير جار في الصورة الثانية.

و حينئذ لا يتوقّف النقل إلى الذمّة- على وجه الخمس أو على وجه الملكيّة للشخص- على القبض و الإقباض المعمولين في زماننا، فإنّ الحاكم إن كان مستحقّا للأخذ فله حقّ أن يصالح من دون القبض و الإقباض.

و ما في بعض الأدلّة من عنوان الإعطاء فليس إلّا من باب لزوم إعطاء الحقّ على الظاهر، و ليس للإعطاء موضوعيّة. و إن شكّ في ذلك ففي إطلاق باقي أدلّة الخمس الّتي منها الآية الشريفة كفاية في إلقاء خصوصيّة الإعطاء.

447
کتاب الخمس (للحائري)

الرابعة و الثلاثون هل المدار في الحول على الشمسية أو القمرية ص 448

ملكيّة المصرف (1). و الظاهر حصول السنة الجعليّة بذلك أيضا (2).

الرابعة و الثلاثون [هل المدار في الحول على الشمسيّة أو القمريّة؟]

المدار في الحول هل هو القمريّة مطلقا (3) أو الشمسيّة كذلك (أي من غير فرق على كلا الوجهين بين الأداء في رأس السنة الشمسيّة أيضا فلا تنقلب إليها على الأوّل، أو الأداء في رأس السنة القمريّة الّتي قبل الشمسيّة فلا تنقلب إلى القمريّة بذلك، و من غير من عموم السادات و الإمام عليه السّلام من دون أن يكون بعنوان الخمس حتّى يجري عليه أحكام الخمس: من إخراج المئونة منه، و جواز التأخير إلى آخر السنة، و وجوب الأداء بعدها، و لزوم قصد التقرّب في الأداء.

و ذلك لانقطاع دليل الخمس و انقطاع ما يحكم بكونه بحكم الخمس الموجود في الخارج- من دليل البدليّة و صحّة المعاملة- فدليل الخمس مبدأه من حين الربح الجديد أو من السنة الجديدة.

كما قيل: إنّه الظاهر من الأصحاب، كما في جامع المدارك «1» للفقيه الخوانساريّ دام ظلّه. و في السرائر التصريح بأنّ الخمس بعد إخراج مئونة السنة الهلاليّة «2». و في جامع الفروع- المطابق لفتاوى الفقيه الطباطبائيّ البروجرديّ قدّس سرّه- ما ترجمته: إنّه لا يبعد أن يكون المعتبر في باب الخمس السنة الشمسيّة «3».

و ربما يدلّ على الأوّل وضوح أنّ السنة و العام في عصر صدور الروايات لم يكن يعرف إلّا السنة القمريّة، فإنّ جميع كتب التواريخ و السير و القرآن الكريم- المشير إلى الأشهر الحرم و شهر رمضان و أشهر الحجّ- و الأدعية و الزيارات و الصيام المستحبّة شاهدة على ذلك.

و من ذلك الشواهد الكثيرة ما في هذا الباب من مكاتبة عليّ بن مهزيار، و فيها:

______________________________
(1) ج 2 ص 119.

(2) السرائر: ج 1 ص 489.

(3) جامع الفروع: كتاب الخمس، المسألة 10 من الفصل الثاني من الباب الأوّل.

448
کتاب الخمس (للحائري)

الرابعة و الثلاثون هل المدار في الحول على الشمسية أو القمرية ص 448

فرق بين أنحاء الربح ممّا يكون مداره على البروج الشمسيّة- كالزراعات- و غير ذلك) (1) أو يفصّل بين ما إذا كان الربح الحاصل له «إنّ الذي أوجبت في سنتي هذه و هذه سنة عشرين و مائتين» «1».

و هو بنفسه موجب لانصراف العام و الحول- المكرّر في تلك المكاتبة الشريفة- إلى القمريّة، و لعلّه لشدّة وضوحه لم يتعرّض له الأصحاب، و من تعرّض له- كما في السرائر- لم يشر إلى احتمال غيره.

و الوجه في ذلك أوّلا: أنّه الظاهر من جميع ما يدلّ على استثناء المئونة الشامل لمئونة العيال كصحيح البزنطيّ على ما بيّنّاه، فإنّ من حصل له زرعه في أوّل محرّم الحرام و كان أوّل الخريف مثلا فمحرّم الحرام الآتي الذي هو قبل حصول زرعه بعشرة أيّام لم تتمّ مئونة سنته أي المئونة الّتي يتحصّل الربح لأجل الصرف فيها.

و ثانيا: أنّ ما ورد في خصوص الزرع ظاهر في المئونة المنطبقة على سنته الزراعيّة بلا إشكال، كخبر النيشابوريّ الوارد في ستّين كرّا من الحنطة «2».

و ثالثا: أنّه لو كانت أرباحه الزراعيّة زائدة على مئونته- في المثال المتقدّم- من أوّل المحرّم إلى ذلك الوقت و لم تكن كافية لها إلى أوّل حصول الزراعة فهذا ممّن لا تقوم ضيعته بمئونته مع أنّ مقتضى كون السنة قمريّة وجوب الخمس.

و رابعا: لو بني على السنة القمريّة و كان ابتداء الخمس في السنة الآتية من ظهور الربح إلى سنة قمريّة اخرى فاللازم تغيّر السنة القمريّة في كلّ سنة مثل‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 2 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

449
کتاب الخمس (للحائري)

الرابعة و الثلاثون هل المدار في الحول على الشمسية أو القمرية ص 448

..........

الزرع، و هو خلاف المقطوع من السيرة بين الإماميّة، و لو بني على الاستقرار في وقت واحد فقد يفترق بين مبدأ الربح و السنة القمريّة بأشهر كثيرة- كالسبعة و الثمانية بل أزيد- و حينئذ لازمه وجوب الخمس في السنة الّتي كان الفرق بينهما كذلك على من تفي ضيعته من ابتداء ظهور الربح إلى السنة القمريّة و كانت له زيادة مع عدم وفائها بباقي مئونته إلى ظهور الربح- و هو الأشهر السبعة أو الثمانية- و هو مستنكر جدّا.

و ليس في البين ما يوجب جعل السنة هي القمريّة إلّا مكاتبة عليّ بن مهزيار «1».

و الإنصاف أنّه لا ظهور لها في ذلك، من جهة أنّ العام المذكور في قوله عليه السّلام:

«فهي واجبة عليهم في كلّ عام» و في قوله: «فأمّا الذي أوجب من الضياع و الغلّات في كلّ عام» و في قوله: «و إنّما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب و الفضّة الّتي قد حال عليهما الحول» كلّ ذلك في قبال ما نبّه عليه السّلام عليه في الصدر بقوله: «إن الذي أوجبت في سنتي هذه و هذه سنة عشرين و مائتين»، فالعام بحسب الظاهر هو العام القمريّ الذي في قبال العام المذكور في الصدر أي في كلّ من السنين الأخر الّتي تكون من هذا القبيل الذي أوّله محرّم الحرام و آخره ذو الحجّة أي لا يكون جميع السنين ظرفا للتحليل بالنسبة إلى جميع الفوائد الأخر غير ما ذكره عليه السّلام، و ليس العام ظرفا للتحليل بالنسبة إلى الذهب و الفضّة الّتي حال عليهما الحول، و هذا غير مربوط بالسنة القمريّة الّتي تكون لأصحاب الأرباح أو الشمسيّة الّتي تكون لهم، فإنّه ليس المقصود أنّ كلّ من يعطي الخمس لا بدّ أن تكون سنته من ابتداء محرّم الحرام و لو كان ربحه أوّل ذي الحجّة مثلا، كما هو واضح.

و يوضح ذلك أيضا قوله عليه السّلام:

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

450
کتاب الخمس (للحائري)

الرابعة و الثلاثون هل المدار في الحول على الشمسية أو القمرية ص 448

على الحساب الشمسيّ و بين ما إذا كان على الحساب القمريّ، فالأوّل كالزراعات و ما يعطى من الأجرة على حساب البروج الشمسيّة، «و إنّما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب و الفضّة الّتي قد حال عليهما الحول».

فإنّه ليس الحول هو عين السنة الّتي ذكره عليه السّلام في الصدر، و إلّا لم يحل عليه الحول، لأنّ المفروض أنّ سنة عشرين و مائتين لم تتمّ بعد.

نعم، يبقى الكلام بالنسبة إلى قوله عليه السّلام «قد حال عليهما الحول» الظاهر في القمريّ قطعا، فإنّ المستفاد منه لزوم مضيّ الحول القمريّ.

و الجواب عنه بوجوه:

الأوّل: أنّه طريق إلى الشمسيّ المجهول تحقّقه عند العامّة، فإنّ حلول الحول القمريّ إذا صار متيقّنا مع أنّ من الواضح عدم كتابة تاريخ لذلك ملازم لحول الحول الشمسيّ، كما أنّ جعل اثنى عشر من الدور القمريّ سنة بلحاظ أنّه سنة شمسيّة تقريبيّة، و إلّا لا وجه لذلك.

الثاني: أن يقال: إنّ مقتضى الجمع بينه و بين أدلّة استثناء المئونة أنّ الحول لاستثناء المئونة، فهي بمنزلة التعليل لاشتراط الحول، فحيث إنّ ظهور التعليل حاكم بالنسبة إلى المعلّل له يحكم بأنّ المقصود هو الحول الشمسيّ، فتأمّل.

الثالث: أن يقال: إنّ مضيّ الحول القمريّ لا ينافي كون الاعتبار بالشمسيّ من حيث المئونة، ففي الخمس شرطان: أحدهما مضيّ الحول القمريّ. الثاني استثناء المئونة المنطبقة على السنة الشمسيّة، و ليس أحد الشرطين مغنيا عن الآخر، فإنّه قد لا يكون له مئونة أصلا حتّى تستثنى، فله التأخير إلى حلول الحول القمريّ، بناء على إلقاء الخصوصيّة عن الذهب و الفضّة و إسراء الحكم إلى كلّ ربح مضى عليه حول و لم يصرف في المئونة.

451
کتاب الخمس (للحائري)

الرابعة و الثلاثون هل المدار في الحول على الشمسية أو القمرية ص 448

و الثاني كمن يؤجر دارا على حساب الأشهر القمريّة (1)، أو يقال بكفاية التقدير بكلّ من السنتين؟ (2) وجوه، و لعلّ الأقرب هو الأخير، و هو العالم.

و ذلك من باب أن يقال: إنّ المئونة المستثناة من الربح هي الّتي يستربح لها، فعلى هذا فالزارع يزرع لصرف محصولها في مئونته إلى حصول الربح، و أمّا من يؤجر داره أو يكون أجيرا بحساب الأشهر القمريّة فليس الربح الذي يستربح في السنة القمريّة للصرف في مئونته بعد انقضائها، فإنّ له ربحا آخر يصرف في مئونته، و في حكم ذلك من كان أجيرا لكلّ يوم أو التاجر الذي هو بحكم من يكون أجيرا يوما فيوما.

لكن مقتضى ذلك مع قطع النظر عن المكاتبة الظاهرة في عدم وجوب الخمس كلّ يوم أو كلّ شهر: وجوب الخمس في كلّ يوم لمن يأخذ الأجرة كذلك و في كلّ شهر قمريّ لمن يأخذ الأجرة في كلّ شهر، و لو كان ذلك مفهوما من أخبار المئونة لفزعوا منه و لكثر السؤال عنه. فهذا دليل على أنّه ليست المئونة المستثناة هي المقدّرة بالإضافة إلى الربح المقصود به الصرف في المئونة، بل المراد بالمئونة هي ما يحتاج إليها بحسب الفصول الأربعة من وسائل الدفاع عن البرد في الشتاء و الدفاع عن الحرّ في الصيف و الاحتياج إلى الفواكه في الربيع و الصيف و غير ذلك، و ذلك لا ينطبق إلّا على السنة الشمسيّة، فلا ريب أنّ مقتضى ظاهر الدليل من حيث تقدير المئونة هي السنة الشمسيّة.

أمّا الشمسيّة فلأنّها مقتضى ظواهر استثناء المئونة الّتي أساسها ما يحتاج إليها بحسب اختلاف الفصول الّتي لا دخالة للشهور القمريّة في ذلك. و أمّا القمريّة فلأنّها هي الّتي قد قامت عليها السيرة القطعيّة المستمرّة إلى عصر الأئمّة المعصومين عليهم السّلام بلا إشكال، مع كون الشهور القمريّة و أيّامها معروفة عند الناس بواسطة رمضان و أشهر الحجّ و الأيّام المتبرّكة الّتي لها مراسم في عرف المتشرّعة‌

452
کتاب الخمس (للحائري)

الخامسة و الثلاثون حكم من كان استرباحه في سنة و صرف أرباحه في سنتين مثلا ص 453

الخامسة و الثلاثون [حكم من كان استرباحه في سنة و صرف أرباحه في سنتين مثلا]

من كان استرباحه في سنة و صرف ما استفاده في سنتين فقد يشكل في كون حوله سنة واحدة قمريّة أو شمسيّة (1)، و لعلّ الظاهر هو وجوب الخمس في رأس السنة من دون انتظار الربح الجديد لكن بشرط أن يكون شغله وافيا بمئونته في السنين الآتية، المأخوذة من مصادر التشريع- كالغدير و المولود و المبعث و العاشوراء و غير ذلك من الوفيات و الأعياد و ما ورد فيه العبادات من رجب و شعبان و غيرهما- و كون ذلك مفروغا عنه في كلامهم بحيث لم يتعرّضوا لذلك، مع كون الدورات الاثني عشريّة القمريّة مطابقة تقريبا للدور الواحد الشمسيّ، فهي وافية بالمسامحة بالمئونة المحتاجة إليها بحسب الفصول، مع أنّه لو كان الملاك هي الشمسيّة بالخصوص لم يكن عند العامّة في الأعصار القديمة مبانا بالخصوص، فوقت ظهور الحنطة مثلا أو الشعير ليس وقتا معيّنا و يوما معيّنا بالخصوص، فالتسامح فيه واقع لا محالة، و مع جعل السنة قمريّة لا تتخلّف عن الشمسيّة إلّا بأيّام قلائل لا بدّ من التسامح فيها على كلّ حال.

كما في مصباح الفقيه، فإنّه قال ما ملخّصه أنّه:

يشكل في ما لو كان له ضيعة تفيده في سنة دون سنة فيزرع سنة و يعطّل سنة لأن يكمل استعدادها، فإنّه لو قيل إنّها تفي بمئونته لا يراد منه مئونة السنة بل سنتين، فإنّ معنى وفائها بمئونته: استغناؤه بفائدتها في معاشه على الإطلاق «1». انتهى.

أقول: و مثله التاجر الذي يسافر في طريق الاسترباح في سنة و لا يقدر على المسافرة في كلّ سنة، و ذلك أيضا قد يفي ربحه المستفاد من سنة واحدة مثلا‌

______________________________
(1) مصباح الفقيه: ج 3 ص 130.

453
کتاب الخمس (للحائري)

الخامسة و الثلاثون حكم من كان استرباحه في سنة و صرف أرباحه في سنتين مثلا ص 453

..........

لسنتين و قد لا يفي لذلك، و على كلّ حال قد يكون الوصف المذكور من طبيعة شغله- كأن تكون ضيعته لا تستقيم إلّا بذلك- و قد لا يكون كذلك، بل الاكتفاء بسنة واحدة لسنتين مثلا من باب كفاية ذلك لمئونته في طولهما أو مع عدم الكفاية و تتميم المئونة من غير شغله، كالأخذ من أبيه أو التعيّش من تركة أبيه أو من ماله الذي كان له قبل ذلك. و على الأخير قد يكون فقيرا في السنة التالية- فيحتاج إلى الصدقات أو إنفاق من يجب عليه نفقته بشرط الفقر- أو لا.

و في جميع ذلك قد يمكن أن يقال: إنّ المئونة المستثناة هي المقدّرة بالربح الذي يستفاد و يستخرج عرفا لتلك المئونة، ففي مثل الضيعة المذكورة يستربح في سنة لمئونة سنتين، و السنة ليست في أكثر الروايات، بل هي مستخرجة من استثناء المئونة، فهي تتقدّر بمقدار استثنائها، فإذا فرض أنّ المئونة المستثناة هي الربح الذي يستفاد لتلك المئونة فلا بدّ من جواز تأخير الخمس إلى آن حصول الربح الذي هو في الفرض في السنة الثانية إذا كان زائدا على مئونة سنتين، و عدم وجوب الخمس أصلا إذا لم يف بها.

و لكن فيه: أنّه ليس هذا مفاد الدليل، إذ لو كان ذلك مفاده لوجب الخمس في كلّ يوم لمن يستربح في كلّ يوم لمئونة ذلك اليوم، و في كلّ شهر لمن كان ربحه في كلّ شهر من اجرة بيته أو اجرة شغله كما هو المتعارف في هذه العصور في الإدارات و الشركات و المؤسّسات. و هذا ممّا يقطع بخلافه.

و يمكن أن يقال- أيضا- بما هو ظاهر إطلاق كلمات الأصحاب من حساب الربح إذا تمّت السنة و إعطاء خمسه بعد استثناء مئونة سنته مطلقا و لو كان ما بقي من ربحه غير واف بمئونة سنته الثانية.

و الوجه في ذلك أنّ مثل قوله عليه السّلام «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» لا يراد به مئونة اليوم و لا الشهر و لا العمر بالضرورة و لا المئونة من الربح إلى الربح، فلا بدّ أن‌

454
کتاب الخمس (للحائري)

الخامسة و الثلاثون حكم من كان استرباحه في سنة و صرف أرباحه في سنتين مثلا ص 453

..........

يكون المقصود مئونة السنة، فالواجب هو الخمس بعد ذلك، من غير تأثير لمئونة السنة اللاحقة في ذلك.

و هذا أيضا مشكل جدّا لأمرين:

أحدهما: أنّه مخالف لظاهر مكاتبة عليّ بن مهزيار من إيجابه نصف السدس الذي هو المحلّل من الخمس بلا إشكال، كما هو صريح معتبر الهمدانيّ أقرأني عليّ كتاب أبيك إلى قوله عليه السّلام: «عليه الخمس بعد مئونته و مؤنة عياله» «1» و شرط في تلك المكاتبة أنّ الذي يجب عليه الخمس من يقوم ضيعته بمئونته، و من كانت ضيعته لا تقوم بمئونته فليس عليه نصف السدس و لا غير ذلك.

ثانيهما: انصراف مثل خبر أبي عليّ بن راشد في «و التاجر عليه و الصانع بيده» «2» إلى ما يزيد عن مئونة سنته إذا كان له شغل أو ضيعة تقوم بمئونة سنواته اللاحقة.

و الوجه في الانصراف المذكور أنّ الانصراف إلى السنة من باب تشابه السنين نوعا من حيث الاحتياجات الصيفيّة و الشتائيّة و من حيث الاسترباحات الّتي ربما تدور مدار ذلك، فاستثناء مئونة السنة طريق عرفا إلى وفاء شغله أو ضيعته أو تجارته بمئونة سنواته اللاحقة ما دام له هذا الشغل، و لا داعي له إلى ترك شغله إذا كان كذلك إلّا إلى شغل يكون أوفى بمعيشته من ذلك الشغل، فالمظنون وفاء شغله بمئونة سنواته الآتية، فلا يحكم بوجوب الخمس إذا كان عالما بأنّه يتمّ شغله في تلك السنة و ليس له شغل في السنين الآتية، و لا يقاس تلك السنة بالسنة اللاحقة من حيث الشغل أو من حيث المئونة.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 4 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) المصدر: ص 348 ح 3.

455
کتاب الخمس (للحائري)

الخامسة و الثلاثون حكم من كان استرباحه في سنة و صرف أرباحه في سنتين مثلا ص 453

أو كانت مئونته موجودة من ماله السابق من إرث أو كسب (1).

و يمكن تقريب ذلك بوجه آخر، و هو الأولويّة، فإنّه إذا فرض استثناء المئونة الخارجيّة للسنة الاولى من الربح مع كون الربح الحاصل فيها كافيا لمئونة سنين متمادية أو كان له مال كثير مع قطع النظر عن الربح الحاصل له فعدم وجوب الخمس إذا كان بحيث إذا أدّى الخمس يصير محتاجا إلى الاستعطاء أولى من دون شبهة، فما عن ظاهر إطلاق الأصحاب لا يوافق الأدلّة، و كأنّهم لا يقصدون بذلك الإطلاق حتّى في المورد المذكور.

و يمكن أن يقال أيضا بالتقسيط، بأن يقسّط الربح على السنتين في المثال و يعطي خمس ما يقع في قبال السنة الاولى في رأس السنة و خمس الباقي بعد تمامية السنة الأخرى.

و الوجه في ذلك تقدير المئونة بالربح الذي يستفاد لهما في سنة، فيقدّر المئونة بأمرين: أحدهما الربح و الآخر السنة.

و الإنصاف أنّ استفادة القيدين في المئونة المستثناة مشكل جدّا و خلاف إطلاق مثل المكاتبة.

و هو الوجه الرابع، لا الوجوه المتقدّمة في التعليق السابق: من وجوب أداء الخمس بالنسبة إلى جميع الربح حين حلول الحول مطلقا، أو تأخير الخمس إلى السنة الثانية، أو التقسيط.

و قد ظهر ممّا مرّ وجه ذلك، و عمدته الأمران: أحدهما أنّ مقتضى إطلاق المكاتبة اشتراط أن تكون له مئونة بالنسبة إلى سنواته الآتية. ثانيهما انصراف باقي أدلّة استثناء المئونة إلى ذلك، و قد مرّ تقريبه في التعليق المتقدّم، و قد عرفت له وجها ثالثا و هو الأولويّة.

إن قلت: مقتضى وجوب الخمس- بحسب المكاتبة- في الذهب و الفضّة الّتي‌

456
کتاب الخمس (للحائري)

السادسة و الثلاثون لو أدى خمسه في رأس السنة و تأخر الاسترباح عنها فالسنة الجديدة هل هي من انقضاء السنة الأولى أو من أول الربح ص 457

السادسة و الثلاثون: لو أدّى خمسه في رأس السنة و تأخّر الاسترباح عنها فالسنة الجديدة هل هي من انقضاء السنة الأولى أو من أوّل الربح؟

وجهان (1).

حال عليهما الحول و إلقاء الخصوصيّة عن ذلك: لزوم خمس مجموع الربح بصرف حلول الحول.

قلت: المكاتبة لا تدلّ إلّا على اشتراط الحول في الوجوب الفوريّ، و لا تدلّ على عدم شرط آخر، و هو استثناء المئونة الخارجيّة منهما إن كانا من ربح تلك السنة، و اشتراط وجود المئونة له بعد ذلك إذا أدّى الخمس كما هو الغالب في من يكنز الذهب و الفضّة.

أمّا وجه كونه من أوّل الربح فلأنّه بعد الأداء ليس في البين دليل الخمس حتّى يحكم بأنّه بعد المئونة السنويّة، فإذا تعلّق الخمس- و زمانه حين ظهور الربح- فلا محالة يحكم بإخراجه من الربح الموجود إلى آخر السنة من حين التعلّق أي من حين ظهور الربح، و لازمه عدم حساب المئونة المتخلّلة بين آخر السنة الاولى و أوّل الربح من السنة الثانية، و جواز تأخير أداء خمس السنة الثانية إلى مضيّ السنة على حصول الربح منها، و وجوب أداء خمس الربح المتخلّل بين آخر السنة المنقضية على السنة الاولى و بين مضيّ سنة على ظهور الربح من السنة الثانية في آخر السنة الثانية المنقضية على ظهور الربح في السنة الثانية.

و أمّا وجه كونه من أوّل السنة الثانية قبل ظهور الربح فلأنّه مقتضى الجمع بين دليل وجوب الخمس الحاكم بوجوبه في كلّ ربح و ما دلّ على استثناء مئونة السنة الحاكم بأنّ الخمس في مجموع الربح الحاصل في كلّ سنة، فمجموع الربح الحاصل في السنة الأولى فرد من دليل الخمس، و مجموع الربح الحاصل في السنة الثانية فرد آخر منه.

و فيه: أنّه لا إشكال في ذلك، إلّا أنّ الكلام في أنّ ابتداء السنة لمجموع الربح‌

457
کتاب الخمس (للحائري)

السادسة و الثلاثون لو أدى خمسه في رأس السنة و تأخر الاسترباح عنها فالسنة الجديدة هل هي من انقضاء السنة الأولى أو من أول الربح ص 457

و لعلّ الأوجه هو الأوّل (1)، لكن إذا كان شغله واحدا بحسب العرف، هل يكون بعد ظهور أوّل الربح أو من أوّل السنة المفروضة؟ فإن كان الأوّل فلا بدّ أن يكون المجموع من حين ظهور الربح مصداقا لما يجب فيه الخمس. و إن كان المقصود مجموع الربح في السنة الّتي يشمله دليل الخمس و لو بنحو التعليق فاللازم أيضا وجوب الخمس في السنة الاولى من أوّل البلوغ أو أوّل الميلاد على الاختلاف في اشتراط البلوغ في الخمس و عدمه.

و يمكن أن يوجّه ذلك- أي كونه من رأس السنة الأولى- بأنّ مقتضى مثل خبر أبي عليّ بن راشد:

قلت: و التاجر عليه و الصانع بيده؟ فقال: «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» «1».

أنّ المئونة تحتسب في مقام تعلّق الخمس، و حيث إنّه لا تستثنى من ربح السنة الأولى لعدم خارجيّة المئونة، و المئونة المستثناة هي المئونة الخارجيّة، فلا بدّ من الاستثناء من ربح السنة الثانية.

و يزيد ذلك وضوحا بناء على وضوح الاكتفاء بالسنة القمريّة المستقرّة، و قد يختلف ذلك مع الربح بأحد عشر شهرا أو أكثر، و بعد وضوح عدم استثناء المئونة من ربح السنة السابقة- لعدم خارجيّتها- فلا بدّ من الحكم باستثنائه من السنة الثانية، و إلّا كان في حكم عدم استثناء المئونة أصلا، لأنّ استثناء مئونة شهر أو أقلّ لا يصدق عليه أنّ الخمس بعد المئونة، و الظاهر أنّ ذلك ما دام تاجرا أو صانعا، فالابتداء من حين الشروع في الاستفادة بالتجارة أو الصناعة، فربح كلّ سنة من سنوات تجارته أو صناعته إذا كان زائدا على مئونته الخارجيّة يجب فيها الخمس.

كما تقدّم في بيان الوجهين و اتّضح وجهه.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 3 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

458
کتاب الخمس (للحائري)

السابعة و الثلاثون لا شبهة في التسامح في السنة في الجملة 2 ص 459

و أمّا لو أعرض عن شغله فلعلّ الظاهر أنّه من حصول الربح الحاصل له من شغله الجديد (1).

و لكن لا يترك الاحتياط بعدم حساب المئونة المتخلّلة بين رأس السنة الّتي أدّى خمسها و بين الاسترباح أصلا و أداء الخمس في السنة الثانية بعد حلول الحول من حين أدائه في السنة الاولى و أداء خمس الربح المتخلّل بين آخر السنة المنقضية على السنة الاولى و بين مضيّ سنة على أوّل حصول الربح من السنة الثانية. و حينئذ فيصير سنته من حين ظهور الربح في أوّل الثانية.

السابعة و الثلاثون: لا شبهة في التسامح في السنة في الجملة (2).

و لكن لا يترك الاحتياط بعدم التأخير.

و ذلك لأنّ القدر المتيقّن من الدليل ما دام بقاء الشغل الأوّل، و بعد الإعراض عن الشغل السابق فلا حول له و لا يشمله مثل خبر أبي عليّ بن راشد، فافهم و تأمّل فإنّه لا يخلو عن دقّة و غموض.

و ذلك لأمور:

منها: أنّه ليست السنة موردا للاعتبار في الأخبار إلّا في قوله عليه السّلام في المكاتبة بالنسبة إلى الذهب و الفضّة الصريح في أنّ الشرط فيهما حلول الحول، فهي من باب أنّها مورد للانصراف، و المنصرف إليها هي الأعمّ من السنة التسامحيّة و الدقّيّة.

و منها: أنّ ذلك ظاهر جدّا بل يكون قريبا من الصراحة بالنسبة إلى ما ورد في الزراعة من المكاتبة و خبر النيشابوريّ، لوضوح أنّ سنتهم لم تكن بالدفتر و أمثاله، بل كان ذلك بحساب حصول الربح، و من المعلوم اختلاف ظهور الربح في السنين بحسب المتعارف.

و منها: أنّ عدم التنبيه على لزوم الدقّة في السنة- بجعلها أوّل رمضان أو عيد الفطر أو الأضحى أو أمثال ذلك- دليل قطعيّ على عدم لزوم الدقّة.

459
کتاب الخمس (للحائري)

الفصل الثاني في مصرف الخمس ص 461

الفصل الثاني في مصرف الخمس

المشهور (1) أنّ الخمس يقسّم ستّة أقسام: ثلاثة للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و هي سهم اللّه و سهم رسوله و سهم ذي القربى- و هو صلّى اللّه عليه و آله الإمام- و بعده للإمام القائم مقامه، و ثلاثة للأيتام و المساكين و أبناء السبيل من أقاربه صلّى اللّه عليه و آله (2).

في الجواهر:

إنّه المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل هي كذلك في صريح الانتصار و ظاهر الغنية و كشف الرموز أو صريحهما «1».

في الجواهر:

كتابا، و سنّة مستفيضة جدّا بل متواترة، و إجماعا، بقسميه عليه، بل و على أنّ المراد بهم أقارب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، لا مطلقا «2».

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 84.

(2) الجواهر: ج 16 ص 88.

461
کتاب الخمس (للحائري)

الفصل الثاني في مصرف الخمس ص 461

..........

أقول: فما حكم به المشهور ينحلّ إلى أمور:

الأوّل: تقسيم الخمس إلى ستّة أقسام.

الثاني: كون سهم اللّه لرسوله صلّى اللّه عليه و آله، و كذا سهم ذي القربى حال حياته.

الثالث: كون السهام الثلاثة للإمام القائم مقامه صلّى اللّه عليه و آله.

الرابع: كون الثلاثة الباقية لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من أهل البيت.

و ما يمكن أن يستدلّ به للمشهور عدّة من الأخبار:

منها: موثّق ابن بكير عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما السّلام في قول اللّه تعالى:

وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ «1» قال:

«خمس اللّه للإمام، و خمس الرسول للإمام، و خمس ذوي القربى لقرابة الرسول: الإمام، و اليتامى يتامى الرسول، و المساكين منهم، و أبناء السبيل منهم، فلا يخرج منهم إلى غيرهم» «2».

بيان دلالته على المشهور أنّ في قوله «و اليتامى» احتمالين بحسب بادئ النظر:

الأوّل- و هو الظاهر، بل لا يحتمل غيره بعد الدقّة، و لا يلزم ما يلزم على الفرض الآخر- أن يكون «و اليتامى» جملة مستقلّة جيئت لتفسير باقي الآية الشريفة.

الثاني أن يكون عطفا على الإمام، فيكون المقصود أنّ خمس ذوي القربى لقرابة الرسول صلّى اللّه عليه و آله: الإمام و اليتامى، أي يكون اليتامى من قرابة الرسول، و يكون خمس ذوي القربى للإمام و اليتامى و المساكين و أبناء السبيل منهم.

______________________________
(1) سورة الأنفال: 41.

(2) الوسائل: ج 6 ص 356 ح 2 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

462
کتاب الخمس (للحائري)

الفصل الثاني في مصرف الخمس ص 461

..........

و هذا مردود من وجوه:

الأوّل: عدم نكتة لقوله «و اليتامى يتامى الرسول»، فإنّ الأولى أن يقول:

للإمام و يتامى آل الرسول و المساكين منهم و أبناء السبيل منهم، فلا وجه لتكرار كلمة «يتامى» و لا نكتة لقوله «و المساكين منهم». و هذا بخلاف الوجه الأوّل، فإنّه مبنيّ على تفسير ألفاظ الآية الشريفة، فيكون المعنى أنّ المقصود ب‍ «اليتامى» يتامى الرسول إلخ.

الثاني: أنّه لو كان كلّ ذلك تفسيرا ل‍ «ذوي القربى» و بيانا لمصرف خمس ذوي القربى فلم يفسّر باقي الآية و أنّه ما المراد بالمساكين و أبناء السبيل و اليتامى مع احتياج ذلك إلى التفسير، و لم يسأل الراوي عن ذلك، فمن المعلوم أنّ المستفاد أنّه تفسير لباقي الآية.

الثالث: أنّه لو كان المراد بيان خمس ذوي القربى فعدم خروج خمس ذوي القربى إلى غيرهم ضروريّ مطابق لظاهر الآية بل نصّها، فلم يكن محتاجا إلى التوضيح بقوله: «فلا يخرج منهم إلى غيرهم».

الرابع: أنّ جعل بعض خمس ذوي القربى للأيتام و المساكين و أبناء السبيل من آل الرسول لا يسدّ خلّتهم و ليس ممّا يمنّ به من جانب اللّه عليهم بالاختصاص بهم، فإنّه بعض السدس مع حرمانهم عن الزكاة.

فكلّ ذلك موجب للاطمئنان أو القطع بكون الجملة مستأنفة، و حينئذ يدلّ على مسلك المشهور: من تقسيم الخمس إلى ستّة أقسام، و كون الثلاثة من الستّة للإمام عليه السّلام، و كون المراد بالأيتام و المساكين و أبناء السبيل الفرق الثلاثة من آل محمّد عليهم السّلام. نعم، لا يفي بأنّ السهام الثلاثة كانت للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله في عصره. هذا بحسب الدلالة.

463
کتاب الخمس (للحائري)

الفصل الثاني في مصرف الخمس ص 461

..........

و أمّا بحسب السند فحيث إنّ ابن بكير مورد لنقل إجماع الكشّيّ و ما أرسل عنه عنونه ببعض أصحابه المشتمل على المدح فلا يخلو عن الاعتبار.

و منها: مرسل حمّاد الطويل الذي أيضا يكون بحكم الصحيح أو الحسن، لكون المرسل مثل حمّاد بن عيسى الذي هو من أصحاب الإجماع، و له خصوصيّة في الدقّة مذكورة في الكتب، فإنّه نقل النجاشيّ عنه أنّه قال:

«سمعت من أبي عبد اللّه عليه السّلام سبعين حديثا فلم أزل ادخل الشكّ على نفسي حتّى اقتصرت على هذه العشرين» «1».

هذا، مع توصيفه الواسطة ببعض أصحابنا، و فيه:

«و يقسّم بينهم «2» الخمس على ستّة أسهم: سهم للّه، و سهم لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و سهم لذي القربى، و سهم لليتامى، و سهم للمساكين، و سهم لأبناء السبيل، فسهم اللّه و سهم رسول اللّه لأولي الأمر من بعد رسول اللّه وراثة، و له ثلاثة أسهم: سهمان وراثة، و سهم مقسوم له من اللّه، و له نصف الخمس كمّلا، و نصف الخمس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم، و سهم لمساكينهم، و سهم لأبناء سبيلهم» «3».

و هو كالأوّل في الدلالة على الجهات المتقدّمة في كلام المشهور: من التقسيم إلى الستّة، و كون السهام الثلاثة للإمام، و كون المراد باليتامى و المساكين و أبناء‌

______________________________
(1) رجال النجاشيّ: ص 142 تحت الرقم 370.

(2) أي «بين من جعله اللّه له تعالى» على ما يستفاد من الصدر. منه قدّس سرّه.

(3) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

464
کتاب الخمس (للحائري)

الفصل الثاني في مصرف الخمس ص 461

..........

السبيل خصوص قرابة الرسول صلّى اللّه عليه و آله. و مثله ساكت عن سهم ذي القربى في زمان الرسول صلّى اللّه عليه و آله إلّا أنّه أصرح- كما لا يخفى- في الجهات الثلاثة المذكورة. و لا يخفى أنّ كون سهم اللّه تعالى للإمام وراثة مشعر أو ظاهر في أنّ الإمام عليه السّلام لا يتلقّى سهم اللّه منه تعالى، بل يتلقّى من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و هو منه تعالى.

و منها: مرفوع أحمد بن محمّد. و الظاهر أنّه ابن محمّد بن عيسى الأشعريّ الدقيق في النقل، و ذلك لأنّ سند الشيخ قدّس سرّه إلى الأشعريّ يكون بتوسيط محمّد بن الحسن الصفّار، و أمّا سنده إلى أحمد بن محمّد بن خالد فليس بتوسيط الصفّار، و حيث إنّ الخبر عن الشيخ قدّس سرّه بإسناده عن الصفّار عنه فهو الأشعريّ بحسب الظاهر، و حينئذ فلا يبعد اعتباره أيضا و لو كان مرسلا مرفوعا، كما لا يخفى على من له اطّلاع على سيرة الأشعريّ في دقّته في الصدق و نهيه عن شيوع الأكاذيب. و فيه:

«فأمّا الخمس فيقسم على ستّة أسهم: سهم للّه، و سهم للرسول صلّى اللّه عليه و آله، و سهم لذوي القربى، و سهم لليتامى، و سهم للمساكين، و سهم لأبناء السبيل، فالّذي للّه فلرسول اللّه، فرسول اللّه أحقّ به فهو له خاصّة، و الذي للرسول هو لذي القربى و الحجّة في زمانه، فالنصف له خاصّة، و النصف لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من آل محمّد عليهم السّلام الذي لا تحلّ لهم الصدقة و لا الزكاة عوّضهم اللّه مكان ذلك بالخمس» «1».

و دلالته على الجهات الثلاثة واضحة، بل يمكن الاستدلال به على أنّ السهمين الآخرين كانا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و هما لذي القربى، فالنصف للحجّة في‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 359 ح 9 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

465
کتاب الخمس (للحائري)

الفصل الثاني في مصرف الخمس ص 461

..........

زمانه من باب أنّ ما لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فهو للحجّة في زمانه. و في قوله «و الحجّة في زمانه» ربّما يكون إشعار بأنّ ذي القربى مالك للسهم من باب أنّه الحجّة في زمانه.

و بذلك يستدلّ على ما حكم به المشهور في ظاهر كلامهم من أنّ سهم ذي القربى كان للرسول صلّى اللّه عليه و آله أيضا في عصره من باب أنّه للحجّة، و هو صلّى اللّه عليه و آله الحجّة في زمانه.

و منها: ما من عليّ عليه السّلام- و سنده غير ثابت الاعتبار و لا بدّ من التتبّع في ذلك- و فيه:

«و يجري هذا الخمس على ستّة أجزاء، فيأخذ الإمام منها سهم اللّه و سهم الرسول و سهم ذي القربى، ثمّ يقسم الثلاثة السهام الباقية بين يتامى آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و مساكينهم و أبناء سبيلهم» «1».

و هذا ظاهر في الجهات الثلاثة المتقدّمة الّتي يقتضيها كلام المشهور.

لكن قد يخالف ذلك بعض الأخبار، كخبر زكريّا بن مالك الجعفيّ الذي يمكن الحكم باعتباره من وجوه، أحدها: نقل صفوان بن يحيى عن عبد اللّه بن مسكان عنه، و هما من أصحاب الإجماع. ثانيها: كون زكريّا ممّن يروي عنه في الفقيه و ذكر سنده في المشيخة، فهو ممّن يصل إليه السند، و ليس في الطريق الذي ربّما لا يكون دليلا على الوثوق به، لأنّ الكتاب كان معلوم الانتساب إلى صاحبه. ثالثها:

رواية أبان عنه، و هو أيضا من أصحاب الإجماع، بناء على اتّحاد زكريّا بن مالك الجعفيّ لزكريّا النقّاض كما صرّح بذلك الصدوق قدّس سرّه في المشيخة، فراجع تنقيح المقال في ترجمة «زكريّا بن مالك الجعفيّ».

قال:

إنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ:

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 360 ح 12 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

466
کتاب الخمس (للحائري)

الفصل الثاني في مصرف الخمس ص 461

..........

وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ «1» فقال:

«أمّا خمس اللّه عزّ و جلّ فللرسول يضعه في سبيل اللّه، و أمّا خمس الرسول فلأقاربه، و خمس ذوي القربى فهم أقرباؤه وحدها، و اليتامى يتامى أهل بيته، فجعل هذه الأربعة أسهم فيهم، و أمّا المساكين و ابن السبيل فقد عرفت أنّا لا نأكل الصدقة و لا تحلّ لنا، فهي للمساكين و أبناء السبيل» «2».

فإنّه و إن كان موافقا للمشهور في التقسيم إلى الأقسام الستّة إلّا أنّه يخالفه في أمرين:

أحدهما: جعل خمس الرسول- الذي هو يشتمل على خمس اللّه تعالى لقوله بعد ذلك: «فجعل هذه الأربعة أسهم فيهم»- لمطلق أقرباء الرسول صلّى اللّه عليه و آله و خصّ اليتامى بسهم فقط و خصّ اليتامى بيتامى الرسول صلّى اللّه عليه و آله.

ثانيهما: من حيث ظهوره في كون المساكين و أبناء السبيل غيرهم.

و وجه الظهور في ذلك أمور:

منها: قوله «فجعل هذه الأربعة أسهم فيهم» أي في أقرباء الرسول الذي فيهم الأيتام، الظاهر في أنّ الباقي ليس فيهم.

و منها: عدم التقييد بمساكين آل الرسول و أبناء سبيلهم.

______________________________
(1) سورة الأنفال: 41.

(2) الوسائل: ج 6 ص 355 ح 1 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

467
کتاب الخمس (للحائري)

الفصل الثاني في مصرف الخمس ص 461

..........

و منها: التعليل بقوله «أنّا لا نأكل الصدقة». و كلّ ذلك إمّا موجب للظهور في كونهما من غيرهم أو لا يكون مقيّدا بهم.

لكنّ الإنصاف أنّه ليست المخالفة بمثابة لا يمكن الجمع العرفيّ بينه و بين ما تقدّم.

أمّا الأوّل فلإمكان أن يقال: إنّه ليس المراد بالأقرباء مطلق من له نسبة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و إلّا كان شاملا لطائفة قريش جميعا، مضافا إلى أنّ مفاده أنّ سهم اللّه- و هو الذي يضعه الرسول في سبيل اللّه- ينتقل إليهم، و هذا لا يناسب مطلق الأقارب، مع أنّه لو كان كذلك فما تقدّم من أنّ ذوي القربى هم الأئمّة عليهم السّلام حاكم على ذلك.

و أمّا الثاني فلأنّ التعليل المذكور واقع في غير واحد من الروايات موقع العلّة لكون الخمس مختصّا بأبناء سبيلهم و مساكينهم، فبقرينة ذلك و وقوع التعليل المذكور في الكلام ربّما يختلّ الظهور في الاختصاص بغيرهم أو في كون من له الخمس مطلق الفريقين، فيصير قرينة على كون المقصود أنّه حيث إنّهم لا يأكلون الصدقة فالخمس لأبناء السبيل منهم و لمساكينهم، فيكون اللام في «للمساكين» للعهد لا للجنس، و المقصود من قوله «فيهم» أي في الأقرباء و اليتامى من آل الرسول، و القسمة الباقية للمساكين و أبناء السبيل منهم، فلا مخالفة لا يمكن الجمع بينه و بين دليل المشهور.

و من الأخبار الّتي ربّما تخالف المشهور صحيح ربعيّ بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له، ثمّ يقسم ما بقي خمسة أخماس و يأخذ خمسه، ثمّ يقسم أربعة أخماس بين الناس الّذين قاتلوا عليه، ثمّ قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس،

468
کتاب الخمس (للحائري)

الفصل الثاني في مصرف الخمس ص 461

..........

يأخذ خمس اللّه عزّ و جلّ لنفسه، ثمّ يقسم الأربعة الأخماس بين ذوي القربى و اليتامى و المساكين و أبناء السبيل، يعطي كلّ واحد منهم جميعا «1»، و كذلك الإمام يأخذ كما أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» «2».

و قد حمل الشيخ قدّس سرّه- و تبعه العلّامة- على أنّ العمل لا يخالف ما تقدّم في الروايات، فإنّه قد قنع بما دون حقّه ليتوفّر على المستحقّين «3».

أقول: ليس منشأ الإشكال صرف العمل حتّى يجاب بما تقدّم، بل الإشكال لأمرين آخرين:

أحدهما: ظهور الصحيح في مداومة الرسول صلّى اللّه عليه و آله على ذلك و مداومة الإمام عليه السّلام واحدا بعد واحد، المشعر أو الظاهر في كونه مبنيّا على كون الحكم كذلك، خصوصا مع أنّ شأنهم عليهم السّلام بيان الحكم للراوي حتّى يعمل به، لا صرف نقل التأريخ الذي ليس موردا لعمله.

و الجواب عن ذلك أنّ المداومة في العمل و إن كان دالّا على حكم شرعيّ لكن يكفي في ذلك الاستحباب و لا يدلّ على الإيجاب. و أمّا ما ذكر من كون شأن الإمام عليه السّلام بيان الحكم لا نقل التأريخ، فإنّه مدفوع بأنّ خروج الموضوع عن مورد عمل ربعيّ قرينة على أنّه ليس بصدد بيان عمله، فإنّه ظاهر أو صريح في غنائم دار الحرب، فلعلّه لبيان سيرة الإمام العادل و الطعن على سلاطين الجور و أنّ الفصل بين السيرتين كثير، فالنافع للراوي هو الاعتماد و التوجّه إلى أئمّة‌

______________________________
(1) في الوسائل «حقّا» بدل «جميعا».

(2) هكذا في الوافي: ج 10 ص 326 ح 7 من ب 38 و التهذيب: ج 4 ص 128 ح 1 من ب 37، لكن في الوسائل: ج 6 ص 356 ح 3 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس: «أخذ كما أخذ الرسول صلّى اللّه عليه و آله». و الأصحّ هو الأوّل كما لا يخفى. منه قدّس سرّه.

(3) الوسائل: ج 6 ص 356.

469
کتاب الخمس (للحائري)

الفصل الثاني في مصرف الخمس ص 461

..........

العدل و التبرّي عن خلفاء الجور.

ثانيهما- و هو أشكل من المتقدّمين- أنّ ما يأخذه هو خمس اللّه، لقوله:

«يأخذ خمس اللّه عزّ و جلّ لنفسه، ثمّ يقسم الأربعة الأخماس.»، مع أنّ مقتضى ما تقدّم أنّ ما للّه تعالى هو السدس، كما لعلّه الظاهر من الآية الشريفة.

و يمكن الجواب عن ذلك بأنّ كلمة القسمة الواحدة من الأقسام الخمسة أو الخمس إذا نسبت إلى الغير المنقسم في الخارج فلا ريب في الظهور في السهام المتساوية، و أمّا إذا كان بلحاظ الخارج (بأن جعل قسما واحدا في الخارج لنفسه صلّى اللّه عليه و آله و جعل الباقي أربعة أقسام في الخارج يعطي كلّ واحد من المستحقّين حقّا) فالظاهر أنّه يصدق على غير المتساوي، و لا أقلّ من الحمل على ذلك في مقام الجمع من باب حمله على النصّ أو الأظهر، خصوصا مع أنّ المعهود أنّ خمس اللّه هو السدس- أي سهمه تعالى من الخمس- و تسمية السدس الذي له تعالى خمسا- كما في خبر زكريّا المتقدّم «1»- و أنّ ما يعطي لباقي الأربعة يكون حقّا الظاهر في غير المتساوي، فافهم و تأمّل.

فهذان الأمران ممّا يؤيّدان كون المراد من أربعة أخماس هو الأعمّ من المتساوي و غيره و أنّ المراد بخمس اللّه هو السدس، و هو العالم.

ثمّ إنّه ربما يمكن أن تختلج بالبال إيرادات على المشهور:

منها: أنّ حمل ذي القربى على خصوص الأئمّة الاثني عشر عليهم السّلام موجب لعدم مورد لسهم ذي القربى في عصر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، لعدم وجودهم في الخارج أو عدم اتّصافهم بالإمامة.

و الجواب أنّ المستفاد من مرفوع أحمد عن بعض أصحابنا أنّ مورد الخمس‌

______________________________
(1) في ص 467.

470
کتاب الخمس (للحائري)

الفصل الثاني في مصرف الخمس ص 461

..........

الإمام المنطبق على ذوي القربى بعد الرسول و عليه صلّى اللّه عليه و آله في حال حياته، فإنّ فيه:

«و الذي للرسول هو لذي القربى و الحجّة في زمانه» «1»، فإنّ الظاهر أنّ الثاني من قبيل العطف التفسيريّ بالنسبة إلى الأوّل، و هو منطبق على الرسول صلّى اللّه عليه و آله في زمانه.

و منها: أنّ تخصيص ذي القربى بهم تخصيص بالنادر.

و الجواب أنّه لم ينعقد له عموم و لا إطلاق من أوّل الأمر، إذ من المعلوم الذي هو بمنزلة المتّصل أنّه ليس مطلق أقرباء الرسول صلّى اللّه عليه و آله الذي هو مطلق قبائل قريش بل مطلق ولد إسماعيل عليه السّلام، فحينئذ يكون له لا محالة حدّ مذكور في ما مرّ من الدليل، كما في إطلاق المسافر المحدود بالحدّ الخاصّ و البعد عن الوطن المحدود بحدّ الترخّص، مع أنّ إطلاق ذي القربى أو العترة عليهم عليهم السّلام كأنّه كان شائعا في لسان الكتاب و السنّة، كقوله تعالى لٰا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبىٰ «2» مع ضمّ قُلْ مٰا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ «3» و قوله صلّى اللّه عليه و آله إنّي تارك فيكم الثقلين. كتاب اللّه و عترتي «4»، و من يستحبّ أو يجب الصلاة عليه بعنوان الآل ليس بحسب الظاهر مطلق المنسوب إليه صلّى اللّه عليه و آله.

و منها: أنّ مقتضى بعض الأخبار- كصحيح ربعيّ المتقدّم «5»- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يعطي لذوي القربى سهما، و أنّ أبا بكر منعهم عن الخمس و لم يعط ذوي القربى شي‌ء، و أنّ أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام كان يقول ما معناه: لو لا خوف التفرّق لأعطيت ذوي القربى حقّهم «6»، كلّ ذلك يدلّ على أنّ سهم ذوي القربى غير سهم‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 359 ح 9 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(2) سورة الشورى: 23.

(3) سورة سبأ: 47.

(4) الوسائل: ج 18 ص 19 ح 9 من ب 5 من أبواب صفات القاضي.

(5) في ص 468.

(6) المستدرك: ج 7 ص 289 ح 6 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

471
کتاب الخمس (للحائري)

الفصل الثاني في مصرف الخمس ص 461

..........

النبيّ و الإمام عليهما السّلام و الصلاة.

و الجواب أنّ إعطاء الرسول صلّى اللّه عليه و آله سهما لذي القربى غير أنّ المراد من ذي القربى في الآية الشريفة غير الإمام، و الإشكال على أبي بكر تركه لسيرة الرسول و ظاهر القرآن الذي أقرب إلى الواقع من الإلقاء، و أمّا إعطاء عليّ عليه السّلام فهو كإعطاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

و منها: أنّ الوارد في غير واحد من الروايات أنّه لمّا نزل قوله تعالى وَ آتِ ذَا الْقُرْبىٰ حَقَّهُ «1» أوحى اللّه بإعطاء فدك لفاطمة عليها السّلام «2».

و الجواب أنّ الظاهر أنّه لم يكن من الخمس، بل كان من الفي‌ء.

و منها: أنّ فاطمة عليها السّلام نازع أبا بكر في ما بقي من خمس خيبر، فالظاهر أنّه كان من باب سهم ذوي القربى.

و الجواب أنّه لعلّه كان من باب سهم الفقراء، أو كان عطيّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من الخمس الذي كان حقّه أو من جميع الخمس، لأنّ اختياره بيد الإمام عليه السّلام.

و منها: أنّ حمل المساكين و اليتامى و ابن السبيل على خصوص من كان من أهل البيت حمل على الفرد النادر.

و الجواب أنّ ذلك على فرض انعقاد عموم أو إطلاق لذلك، و بعد ما كان الموضوع هو الرسول و ذو القربى فيمكن أن يكون المقصود يتاماهم و مساكينهم و أبناء سبيلهم، كما في ذي القربى، فإنّه لو كان مورد الحكم كلّ واحد من المكلّفين فالظاهر منه ذو قرباته، كما في قوله تعالى إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسٰانِ وَ إِيتٰاءِ ذِي الْقُرْبىٰ «3». و أمّا لو كان مورده الرسول صلّى اللّه عليه و آله فالظاهر قرابته، كما في قوله‌

______________________________
(1) سورة الإسراء: 26.

(2) مثل ما في الوسائل: ج 6 ص 366 ح 5 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(3) سورة النحل: 90.

472
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الظاهر عندهم أن المقبوض من سهم الإمام ينتقل إلى وارثه عليه السلام ص 473

مسألة: الظاهر عندهم أنّ المقبوض من سهم الإمام ينتقل إلى وارثه عليه السّلام،

بخلاف غير المقبوض و لو كان منطبقا عليه في زمان حياته (1).

تعالى وَ آتِ ذَا الْقُرْبىٰ حَقَّهُ «1» أو قوله لٰا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبىٰ «2»، فنقول: إنّ الآية إمّا ظاهرة في الاختصاص بهم و إمّا لا ينعقد له ظهور في الإطلاق، لاكتناف الكلام بما يصلح للقرينيّة على التقييد، فالمسألة بحمده تعالى خالية عن الإشكال، خصوصا مع السيرة القطعيّة بين الإماميّة و الشهرة القريبة بالإجماع بين الأصحاب، فلا ينبغي الشبهة في ذلك لتوهّم إطلاق الآية الشريفة أو بعض الروايات المتقدّم بعضها.

كما في الشرائع «3» و جرى على منواله في الجواهر «4» و غيرها من دون الإشارة إلى شبهة و إشكال.

لكن يمكن المناقشة في ذلك من وجوه:

الأوّل: أنّه لا فرق بين المقبوض و غير المقبوض المنطبق عليه، حيث إنّ كلّ ذلك ملك له، و مقتضى أدلّة الإرث هو الانتقال إلى الوارث و إن قيل بعدم الانتقال إليهم لخبر ابن راشد، قال:

قلت لأبي الحسن الثالث عليه السّلام: إنّا نؤتى بالشي‌ء فيقال: هذا كان لأبي جعفر عندنا فكيف نصنع به؟ فقال:

«ما كان لأبي عليه السّلام بسبب الإمامة فهو لي، و ما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب اللّه و سنّة نبيّه» «5».

فلا فرق أيضا بين المقبوض و غيره.

______________________________
(1) سورة الإسراء: 26.

(2) سورة الشورى: 23.

(3) ج 1 ص 135.

(4) ج 16 ص 87.

(5) الوسائل: ج 6 ص 374 ح 6 من ب 2 من أبواب الأنفال.

473
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الظاهر عندهم أن المقبوض من سهم الإمام ينتقل إلى وارثه عليه السلام ص 473

..........

الثاني: أنّه على فرض الفرق فالتساوي في المقبوض بين السهمين و سهم سبيل اللّه غير واضح، فإنّ حصول الملكيّة له صلّى اللّه عليه و آله قهرا بالنسبة إليه غير واضح، فإنّ مقتضى قوله في خبر زكريّا المتقدّم «1»: «أمّا خمس اللّه عزّ و جلّ فللرسول يضعه في سبيل اللّه» أنّ له حقّ أن يتملّك لنفسه، لا أنّه يملكه حتّى يرثه الوارث.

الثالث: ما أشير إليه من الخبر المتقدّم «2»، فإنّه ظاهر- بحسب ما يتراءى في بادئ النظر- في عدم التوريث بالنسبة إلى سهم الإمام مطلقا، لأنّه الذي كان للإمام السابق بسبب الإمامة، من غير فرق بين المقبوض و غيره.

و يمكن الجواب عن الكلّ:

أمّا الأوّل فلأنّ مقتضى القاعدة و إن كان ذلك إلّا أنّ مقتضى صريح مثل مرسل حمّاد المعتبر «3» أنّ سهم اللّه و سهم رسوله و سهم ذي القربى لأولي الأمر من بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «سهمان وراثة و سهم مقسوم له من اللّه و له نصف الخمس كمّلا» و هو لا يشمل المقبوض قطعا، لقوله عليه السّلام في الصدر: «يؤخذ من كلّ هذه الصنوف الخمس» و بعد ذلك قال: «و يقسّم الأربعة الأخماس بين من قاتل»، و مقتضى إطلاقه الشمول للمنطبق على الرسول صلّى اللّه عليه و آله و على الإمام الذي قبل الإمام الحيّ.

إن قلت: دليل الإرث لا يشمل غير المنطبق على وليّ الأمر الذي ارتحل، لعدم كونه مالكا له، كما أنّ مثل المرسل المتقدّم لا يشمل المقبوض، فيتعارض الدليلان في مورد الاجتماع- و هو المنطبق غير المقبوض- فلا بدّ من التصالح أو استصحاب بقاء ملكيّة الميّت إلى حين موته، فينتقل إلى ورّاثه، فتأمّل.

قلت: مقتضى دليل الإرث بالنسبة إلى سهم اللّه و سهم رسوله على فرض كون‌

______________________________
(1) في ص 467.

(2) في الصفحة السابقة.

(3) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

474
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الظاهر عندهم أن المقبوض من سهم الإمام ينتقل إلى وارثه عليه السلام ص 473

..........

الأوّل كالثاني هو الانتقال إلى الوارث بعد ذلك أيضا فيشمل غير المنطبق أيضا المنطبق عليه بعد ذلك، إلّا أنّ مثل خبر حمّاد يدلّ على أنّ وارثه صلّى اللّه عليه و آله في ذلك الإمام ثمّ الإمام واحدا بعد واحد، و هو بنفسه يدلّ على كون غير كون المنطبق سهما لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنّ الانتقال إلى الإمام من باب الوراثة و أنّ السهمين المذكورين- كالحبوة المنتقلة إلى الابن الأكبر- ينتقلان بالوراثة إلى الإمام واحدا بعد واحد، فبين الدليلين من حيث سهم اللّه و سهم رسوله العموم و الخصوص المطلقان. هذا بالنسبة إلى السهمين.

و أمّا بالنسبة إلى سهم ذي القربى فمقتضى المرسل عدم مالكيّة الرسول له حتّى بعد موته ليرث منه الوارث، فهو كملكيّة الطبقات في الوقف، فلا يشمله دليل الإرث أصلا، إذ موضوع الإرث ما تركه الميّت، و هو ما كان للميّت حتّى بعد موته بحسب المقتضي و السبب الموجب للملكيّة.

فتلخّص أنّ المقدّم على دليل الإرث هو مثل المرسل لكن بملاكين، فتقدّمه بالنسبة إلى ما للرسول صلّى اللّه عليه و آله من باب كونه أخصّ من دليل الإرث، و بالنسبة إلى سهم ذي القربى من باب خروج المورد بذلك عن مورد دليل الإرث الذي موضوعه ما يكون باقيا على ملك الميّت لو لا حكم الإرث. فهذا هو وجه الفرق بين المقبوض و غيره.

و أمّا المناقشة الثانية فهي مدفوعة بأنّه على فرض عدم كون المقبوض ملكا له لكنّه لا شبهة أنّ له حقّ التملّك، فهذا الحقّ ينتقل إلى ورّاثه، فتأمّل.

و أمّا الثالثة فظاهر الخبر أنّ موضوعه غير المقبوض، لأنّ أبا عليّ بن راشد كان على الظاهر وكيلا للناحية المقدّسة، كما يدلّ عليه خبر عليّ بن مهزيار عنه، قال:

قلت له: «أمرتني بالقيام بأمرك و أخذ حقّك» الخبر «1». فيسأل في هذا الخبر عن‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 3 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

475
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الأشهر 1 أنه يعتبر في الطوائف الثلاثة انتسابهم إلى عبد المطلب بالأبوة ص 476

مسألة: الأشهر (1) أنّه يعتبر في الطوائف الثلاثة انتسابهم إلى عبد المطّلب بالأبوّة،

فلو انتسبوا بالأمّ خاصّة لم يعطوا شي‌ء من الخمس (2).

قبض ما انطبق عليه و لم يقبض لا بنفسه عليه السّلام و لا بوكيله، مع أنّ قوله عليه السّلام «بسبب الإمامة» ليس بحسب الظاهر ما يكون أصل حدوث ملكيّته له بحسب الإمامة (لوضوح أنّه لو نذر أحد لأبي جعفر عليه السّلام شي‌ء من باب أنّه إمام و أقبضه يكون ملكا له و يرثه وارثه، و كذا لو وهبه و كان وصف الإمامة من الجهات التعليليّة) بل لعلّ الظاهر ما كان عنوان الإمام حدوثا و بقاء موضوعا للملكيّة، و ذلك لا ينطبق على المقبوض أو يكون مشكوك الانطباق، فلا يشمله الدليل، مع أنّه لعلّه من الواضحات، إذ لم يعهد من الإمام الذي بعد الماضي أخذ الأموال من الورّاث، كما لا يخفى.

هذا كلّه بالنسبة إلى الإمام عليه السّلام، و لا جدوى فيه بالنسبة إلى إعمال المكلّفين في هذا العصر إلّا من باب قياس الفقيه بالإمام عليه السّلام، و لعلّ ذلك يكون مفيدا في ما يرجع إلى الفقيه و يأتي إن شاء اللّه تعالى و بعونه عزّ و جلّ.

كما في الجواهر «1».

قال قدّس سرّه في الجواهر:

إنّه عليه عامّة الأصحاب كما في الرياض، عدا المرتضى، و نسب إلى ابن حمزة لكن هو في وسيلته موافق للمشهور، و تبعه صاحب الحدائق و لقد أطال الكلام في إثبات أنّ النسبة من ناحية الامّ كافية في جواز أخذ الخمس و حرمة الزكاة «2».

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 90.

(2) الجواهر: ج 16 ص 90- 91.

476
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الأشهر 1 أنه يعتبر في الطوائف الثلاثة انتسابهم إلى عبد المطلب بالأبوة ص 476

..........

أقول: يمكن أن يستدلّ للمشهور بأمور:

الأوّل: صحيح حمّاد المرويّ عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح، و فيه:

«و من كانت امّه من بني هاشم و أبوه من سائر قريش فإنّ الصدقات تحلّ له و ليس له من الخمس شي‌ء، لأنّ اللّه تعالى يقول ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ» «1».

و قد ذكر في الجواهر قرائن تدلّ على اعتباره من حيث السند: منها اتّفاق المحمّدين الثلاث على نقله. و منها اشتماله على الأحكام المخالفة للعامّة. و منها عمل الأصحاب بذلك عدا المرتضى «2».

أقول: و منها أنّ الناقل من أصحاب الإجماع، و له خصوصيّة مرّ شرحها. و منها اتّصافه المرويّ عنه بأنّه من أصحابنا. و منها أنّ الواسطة واحد يروي عنه حمّاد من دون واسطة شخص آخر. و منها إسناد عبارة الرواية في التذكرة بنحو الجزم إلى الكاظم عليه السّلام.

و دلالته على مطلوب المشهور واضحة، إلّا أنّ فيها إشكال من وجوه:

الأوّل: أنّ التعليل و الاستدلال بقوله تعالى ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ غير مستقيم، من جهة عدم ربطه بالمقام، قال تعالى:

وَ مٰا جَعَلَ أَدْعِيٰاءَكُمْ أَبْنٰاءَكُمْ ذٰلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوٰاهِكُمْ وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ.

ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّٰهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبٰاءَهُمْ فَإِخْوٰانُكُمْ فِي الدِّينِ وَ مَوٰالِيكُمْ الآية «3».

فإنّه وارد في مورد التبنّي و جعله كالولد الحقيقيّ في سائر الأحكام حتّى‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(2) الجواهر: ج 16 ص 91.

(3) سورة الأحزاب: 4- 5.

477
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الأشهر 1 أنه يعتبر في الطوائف الثلاثة انتسابهم إلى عبد المطلب بالأبوة ص 476

..........

أنّهم أعابوا على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لمّا تزوّج بزينب زوجة زيد، فالمقصود النهي عن إسناد الولد الجعليّ إلى أبيه كذلك و الأمر بإسناده إلى والده الحقيقيّ، و بعد عدم استقامة التعليل يشكل الاستدلال بالخبر الثابت سنده بالقرائن الموجبة للاطمئنان بالصدور، و ليس مصداقا لدليل الحجّيّة حتّى لا يتوقّف على ثبوت الاطمئنان- كما ذكرناه سابقا في الفقه و الأصول- فإنّ ما ذكرناه إنّما هو بالنسبة إلى ما يكون مشمولا لدليل الحجّيّة، فإنّه و إن كانت الحكمة هي الاطمئنان النوعيّ لكن لا يدور مداره، و أمّا ما يكون ملاك حجّيّته حصول الاطمئنان بالصدور فيدور الأمر مداره، و بعد ورود التعليل غير المستقيم الذي لا يكون من الإمام عليه السّلام على الفرض- لأنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه- يكشف عن وجود خلل في الرواية و اختلاطها بغير كلامه، و حينئذ فيبعد أن يكون المخلوط بكلامه خصوص ذلك التعليل. هذا، خصوصا مع طول الخبر و عدم الإشارة بالاستكتاب عن العبد الصالح عليه السّلام.

هذا. و لكن يمكن رفع ذلك الإشكال بأنّ في المقام نهيا و أمرا، أمّا النهي فهو مخصوص بالمورد الذي هو التبنّي، و أمّا الأمر فلا خصوصيّة للمورد، فالظاهر أنّ الدعوة للآباء أمر مطلوب مرغوب فيه، و إن كان المقصود هو النهي عن الانتساب إلى الآباء الجعليّة لكفى ما تقدّم من الآية و لم يكن الكلام محتاجا إلى قوله تعالى:

ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ.

الثاني: أنّ عدم كون الجدّ الأمّيّ أبا أوّل الكلام في تلك المسألة، فليس مفروضا حتّى يستدلّ بالآية الشريفة، فالتعليل غير مستقيم من جهة الاستدلال بما هو مورد الإشكال في نفس المسألة.

و الجواب أنّ الظاهر من الآية الشريفة- بقرينة المقايسة بالآباء الجعليّة و كون‌

478
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الأشهر 1 أنه يعتبر في الطوائف الثلاثة انتسابهم إلى عبد المطلب بالأبوة ص 476

..........

الكلام في الأدعياء- هو الآباء في مقابل الأجداد و الأمّهات، لا الآباء في قبال الأمّهات، فإنّ المتعارف في التبنّي اتّخاذ شخص ولدا، لا اتّخاذ شخص حفيدا، فالظاهر أنّ المقصود بالآباء هو الآباء بلا واسطة المقابل للأجداد و الأمّهات.

الثالث: أنّ ترتيب الأثر على الانتساب من جانب الآباء مخالف لأحكام كثيرة عرفيّة و شرعيّة أشير إليها في الروايات الواردة في مقام المحاجّة مع الخلفاء و من كان يحذو حذوهم، فإنّه لا شبهة في أنّ الولد ولد الأمّ أيضا و ترث منه امّه و يرث منها و يحرم عليه نكاحها، و كذا بالنسبة إلى أولاد البنت، فإنّه يحرم بنت البنت على الجدّ و بنت ابن البنت عليه، و كذا بالنسبة إلى حلائل الأبناء، و كذا بالنسبة إلى الميراث و الإنفاق، فالإسناد إلى الأمّ و إلى الأب من ناحية الأمّ من الضروريّات في الإسلام، بل لعلّه كذلك في جميع الأقوام و الملل.

و الجواب أنّه ليس المقصود ترتيب الأثر من حيث الانتساب إلى الآباء فقط، بل المقصود النسبة إلى الآباء في مقام التمييز، أي تمييز شخص عن شخص أو تمييز قبيلة عن قبيلة. و هذا من الأمور المتداولة في الأمم خصوصا في الملل العربيّة، و من المعلوم أنّه في مقام تمييز المسمّى بحسن مثلا عن مسمّى بحسن آخر إذا دار الأمر بين التمييز بواسطة الأمّ أو الأب فلا شكّ في أنّ مقتضى الجهات الأخلاقيّة و الاجتماعيّة هو التمييز بواسطة الأب، لا بواسطة الأمّ و لا بواسطة شخص أجنبيّ يتكفّله بعض التكفّل، فإنّه تضييع لحقّ الأبوّة الحقيقيّة. و كذا بالنسبة إلى القبائل، فإنّ تمييز قبيلة عن قبيلة اخرى لا بدّ إمّا أن يكون من جانب الآباء بلا دخالة الأمّهات و إمّا من جانب الأمّهات بلا دخالة الآباء، و من المعلوم أنّ ترجيح جانب الأمّهات بطنا من بطن و إلقاء الآباء ترجيح المرجوح على الراجح، خصوصا بالنسبة إلى الملل العربيّة و الإسلاميّة المبنيّة على الستر و العفاف و عدم المعروفيّة.

479
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الأشهر 1 أنه يعتبر في الطوائف الثلاثة انتسابهم إلى عبد المطلب بالأبوة ص 476

..........

و كون الانتساب من الجانبين أي من جانب الأب إلى أبيه و من جانبه إلى امّه و من جانب الأمّ إلى أبيه و من جانبها إلى امّه موجب لعدم التميّز، فيكون شخص هاشميّا و أمويّا و تيميّا و طائيّا إلى غير ذلك، و هذا خلف قصد التمييز، فلا ريب أنّ الأقسط هو الانتساب إلى الآباء صلبا بعد صلب، فالآية بحسب الظاهر في مقام بيان التكليف من تلك الجهة أي جهة التمييز من حيث القبيلة أو من حيث الشخص، فلا يقال لزيد: زيد بن محمّد صلّى اللّه عليه و آله، و لا يقال له: إنّه من بني هاشم، بل يقال له: زيد بن حارثة و يقال: إنّه من طائفته، و هذا لا خصوصيّة له بالنسبة إلى مورد التبنّي و ليس المقصود ترتيب الأثر.

الرابع: تعارض مفاد التعليل للأخبار الواردة في أنّ الحسنين عليهما و على آبائهما الصلاة و السلام أبناء الرسول، و الظاهر بل المقطوع أنّ ذلك يصحّ في مقام التميز و الدعاء، و إلّا لم يكن إجمال في ترتيب سائر آثار الولادة.

و الجواب أنّ الأمر بذلك في الآية الشريفة إنّما هو من باب كونه أقسط عند اللّه، فالأمر ورد بالتمييز بما هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّٰهِ من جهة حفظ الحقوق و من الجهات الصالحة للتمييز، و حينئذ لا إشكال في أنّ ولد فاطمة عليها السّلام أبناء رسول اللّه حقيقة، و أمّا الانتساب في مقام تشكيل القبائل و امتياز قبيلة عن قبيلة فلا ريب في أنّه لا يحسن العدول في مقام الانتساب عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى أبي طالب أو إلى عليّ أمير المؤمنين، و ذلك لوضوح امتياز الرسول صلّى اللّه عليه و آله من وجوه كثيرة حتّى بالنسبة إلى المعروفيّة الاجتماعيّة، مضافا إلى عدم ذرّيّة أخرى له غير ماله من فاطمة عليها السّلام، فالانتساب إليه حقيقيّ، و حسن الانتساب إليه في مقام تمييز القبيلة الّتي مبدأها الرسول صلّى اللّه عليه و آله واضح للأمور المذكورة الّتي خلاصتها: كونه أحقّ من غيره أوّلا، و كونه ممتازا عن غيره ثانيا، و كونه فاقدا للذرّيّة من ناحية فاطمة عليها السّلام‌

480
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الأشهر 1 أنه يعتبر في الطوائف الثلاثة انتسابهم إلى عبد المطلب بالأبوة ص 476

..........

ثالثا، فجعل ولد فاطمة مبدأ قبيلتهم غير رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من أمير المؤمنين أو أبي طالب لا يخلو عن حزازة، بل هو غير صحيح عرفا، و هذا غير القبيلة المنسوبة إلى هاشم، فإنّها على وزان سائر القبائل من غير فرق أصلا. نعم، بالنسبة إلى ما بعد الحسنين عليهما السّلام يكون الانتساب إلى الآباء على حاله، فلا يعدّ ابن بنتهما إن كان أبوهما من الطوائف الأخر ابنا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بحسب الانتساب في مقام تمييز القبائل، فتأمّل.

و من ذلك يظهر أنّ كلام المشهور مستدلّ جدّا لأمور:

الأوّل: صحيح حمّاد عن بعض أصحابنا.

الثاني: نفس الآية الشريفة ببركة ما استفدناه من الخبر في تفسير الآية الشريفة.

الثالث: وضوح عدم صدق بني هاشم على بني أميّة و بني عديّ و تيم و غير ذلك إذا كان الانتساب من جانب الامّ، و هذا مع الالتزام بصدق الانتساب بعنوان الولديّة، و هذا غير ما يكون الموضوع قبيلة بني هاشم، و مع الالتزام بأنّ ولد فاطمة عليها السّلام ولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و يصحّ أن يقال في امتياز قبيلة عن أخرى: إنّهم آل الرسول أو بنو الرسول أو غير ذلك مع الالتزام بعدم صحّة انتساب أولاد بنات ولد فاطمة عليها السّلام إليه صلّى اللّه عليه و آله بل و لا إلى فاطمة عليها السّلام.

الرابع: السيرة القطعيّة المؤيّدة بالشهرة القريبة بالإجماع، بل و لو كان ملاك جواز أخذ الخمس و حرمة أخذ الصدقة هو الانتساب إلى هاشم و لو من ناحية الامّ لاشتهر ذلك حتّى كان يخرق الأسماع على ما عبّر في الجواهر «1»، فعدم شهرة ذلك كاف فكيف بتحقّق الشهرة المعتبرة و السيرة المستمرّة على خلافه.

الخامس: أنّه لو كان أحد الانتسابين كافيا يحصل العلم الإجماليّ إمّا بحرمة‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 92.

481
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة المعروف من مذهب الأصحاب أنه لا يجب استيعاب أشخاص كل طائفة من الطوائف الثلاثة ص 482

مسألة: المعروف من مذهب الأصحاب أنّه لا يجب استيعاب أشخاص كلّ طائفة من الطوائف الثلاثة،

بل لو اقتصر من كلّ طائفة على واحد جاز (1).

الخمس أو حرمة الزكاة في كثير من الموارد إذا فرض عدم جريان أصالة عدم الانتساب إلى هاشم أبا و امّا من أجل أنّ المتيقّن هو العدم من باب عدم الموضوع، و المقصود ترتيب الأثر عليه مع فرض الموضوع، و هما متغايران عرفا، و هو المسمّى عند المتأخّرين باستصحاب العدم الأزليّ، و لعلّه المشهور بينهم و إن كان عندنا موردا للمناقشة.

نعم، إن جرى الاستصحاب المذكور ينحلّ العلم الإجماليّ حكما، و لا يعارض بأصالة عدم الانتساب إلى القبائل الأخر، من جهة أنّ مورد الأثر للخمس و حرمة الصدقة: الانتساب إلى هاشم، و موضوعه في حرمة الخمس و جواز الصدقة: عدم الانتساب إلى هاشم، لا الانتساب إلى قبيلة أخرى غير قبيلة هاشم، فالمخلوق بدون الأب و الامّ يحرم عليه الخمس و يجوز له الصدقة.

كما في الجواهر. و فيها حكاية نفي الخلاف عن بعض، بل قد يفهم من المنتهى الإجماع عليه «1».

أقول: في مسألة البسط و الاستيعاب وجوه و احتمالات:

الأوّل: أن يقال: إنّه يكفي إعطاؤه لواحد من الطوائف الثلاثة، فلا يجب الاستيعاب على الطوائف بالنسبة إلى الأشخاص و لا البسط عليها في الجملة.

الثاني: وجوب البسط على الطوائف في الجملة، من دون لزوم الاستيعاب بالنسبة إلى كلّ طائفة.

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 101.

482
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة المعروف من مذهب الأصحاب أنه لا يجب استيعاب أشخاص كل طائفة من الطوائف الثلاثة ص 482

..........

الثالث: وجوب البسط عليها كذلك، مع لزوم الاستيعاب بمقدار ما جعل لها.

الرابع: وجوب البسط على الطوائف بنحو التساوي، من دون لزوم الاستيعاب في الأفراد.

الخامس: وجوب البسط عليها بنحو التساوي مع لزوم الاستيعاب في الأفراد بنحو التساوي.

السادس: كذلك، و لكن لا بنحو التساوي، بل بنسبة الاحتياج.

السابع: عدم وجوب البسط على الطوائف، و لكنّ اللازم الاستيعاب بالنسبة إلى من اختار من الطوائف، و هو لا يخلو عن بعد من جهة الدليل.

و ممّا ذكرناه يظهر اختلال ما في عبارة العروة الوثقى حيث قال قدّس سرّه:

لا يجب البسط على الأصناف، بل يجوز دفع تمامه إلى أحدهم، و كذا لا يجب استيعاب أفراد كلّ صنف «1».

فإنّه بعد فرض عدم وجوب البسط على كلّ صنف فعدم وجوب استيعاب أفراد كلّ صنف واضح، إذ لا يمكن الجمع بين جواز الاقتصار على صنف من الأصناف و بين وجوب استيعاب كلّ طائفة، فالأصحّ ما في الشرائع من الحكم بعدم وجوب الاستيعاب أوّلا و ذكر البسط على الأصناف في المسألة الثانية «2».

و الأولى البحث عن جواز الاقتصار على واحد من إحدى الطوائف كما هو المشهور- على ما يستفاد من الجواهر في المسألتين المتضمّنتين لعدم وجوب الاستيعاب «3» و لا البسط «4»- و عدمه، فإن ثبت جواز ذلك لم يحتج إلى بحث آخر.

______________________________
(1) العروة: كتاب الخمس، الفصل الثاني، المسألة 2.

(2) الشرائع: ج 1 ص 136.

(3) الجواهر: ج 16 ص 101.

(4) المصدر: ص 108.

483
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة المعروف من مذهب الأصحاب أنه لا يجب استيعاب أشخاص كل طائفة من الطوائف الثلاثة ص 482

..........

و يمكن أن يستدلّ للمشهور بأمور:

الأوّل: صحيح البزنطيّ المزيد في اعتباره بواسطة نقل الحميريّ عن أحمد بن محمّد بن عيسى عنه، فإنّه يدلّ على أنّ أحمد الذي في سند الكافي هو ابن عيسى المتقن في النقل، لا ابن خالد الموثّق الراوي عن الضعفاء، و بواسطة نقل الشيخ قدّس سرّه عنه بسند آخر عن الرضا عليه السّلام، قال:

سئل عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ فقيل له:

فما كان للّه فلمن هو؟ فقال: «لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و ما كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فهو للإمام» فقيل له: أ فرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر و صنف أقلّ ما يصنع به؟ قال:

«ذاك إلى الإمام، أ رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كيف يصنع أ ليس إنّما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الإمام» «1».

بتقريب أنّه لو كان له حدّ محدود من جانبه تعالى لم يصلح الجواب إلّا بالحدّ الخاصّ، كما أنّه لو سئل عن الإرث لا يصلح الجواب بأنّ ذلك إلى الإمام و بأن يكون المقصود أنّ الإمام يقسم بالحدّ المخصوص لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ «2» فإنّ الظاهر أنّ الحكم في الواقع أن يكون اختياره بيد الحجّة في الوقت من الرسول أو الإمام عليهم السّلام، لا سيّما مع فرض الدوام المستفاد من الخبر.

لكن فيه أوّلا: أنّ مقتضى السؤال في الصدر أنّه مع فرض البسط فهل يكون على نحو التساوي مع فرض قلّة أفراد بعض الأصناف و كثرة أفراد الآخر؟

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 362 ح 1 من ب 2 من أبواب قسمة الخمس.

(2) سورة النساء: 11.

484
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة المعروف من مذهب الأصحاب أنه لا يجب استيعاب أشخاص كل طائفة من الطوائف الثلاثة ص 482

..........

فمقتضى كون ذلك للإمام في ذلك المورد الخاصّ: عدم لزوم التساوي بالنسبة إلى الأصناف.

و ثانيا: أنّ ذلك إنّما يكون مع فرض اختلاف أفراد الأصناف في القلّة و الكثرة، فلا يدلّ على عدم لزوم التساوي في صورة تساوي الأفراد.

و ثالثا: أنّ كون ذلك للإمام لا يستفاد منه ثبوت الاختيار لغيره ممّن يكون الخمس له أو يكون عنده الخمس: من الوكيل أو الفقيه، مع فرض وجود جهات في الإمام لا يكون في غيره يمكن أن يخصّ من أجلها بذلك الاختيار، فمنها: كون الخمس مفوّضا إليه من حيث التحليل و الأخذ، فإذا كان مختارا في التحليل فاختياره في عدم البسط يكون بالأولويّة، بل هو دليل على الاختيار من غير احتياج إلى الصحيح المذكور، فكما أنّ التحليل غير جائز لغيره فكذا الاختيار في البسط و عدمه و التساوي و عدمه غير واضح الثبوت لغيره. و منها: كون التتميم في صورة النقص عليه كما أنّ الزيادة له، فلا يلزم من عدم التساوي حرمان بالنسبة إلى فرد من الأصناف. و منها: كون الخمس مجتمعا عنده، فإن لم يقسّط على بعض الطوائف من خمس يعطي من خمس آخر. و منها: أنّ كون الاختيار إلى الإمام العارف بالمصالح مع قطع النظر عن الجهات المذكورة لا يقتضي أن يكون لغيره ممّن ليس له ذاك الدرك و العلم بل و ما دونه بمراتب عديدة.

و رابعا: أنّ مقتضى القياس أنّه كما أنّ الإمام عليه السّلام يعطي على ما يرى كذلك غيره، و الظاهر من ذلك هو الإعطاء على ما يرى من المصلحة، و المدّعى أعمّ من ذلك، فإنّ المقصود جواز إعطاء شخص جميع خمسه للهاشميّ الفقير و لو كان الأصلح أن يعطيه غيره و يرى هو ذلك لكن يرجّح الأوّل لجهات من الملاحظات مع مراعاة قصد القربة في أصل أداء الخمس.

485
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة المعروف من مذهب الأصحاب أنه لا يجب استيعاب أشخاص كل طائفة من الطوائف الثلاثة ص 482

..........

الثاني: أنّه مقتضى التعليل بالاحتياج و حصول الغنى بذلك من أن يصيروا في موضع الذلّ و المسكنة كما في المرسل المعتبر:

«فجعل لهم خاصّة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذلّ و المسكنة» «1».

و فيه: أنّه فرق بين أن يقال: لا تشرب الخمر لأنّه مسكر أو يقال: إنّ اللّه جعل الخمر حراما لإسكاره، فإنّ الأوّل بمنزلة «لا تشرب المسكر» و الثاني ظاهر في أنّ الإسكار ملحوظ في مقام الجعل و لم يلاحظ في الإلقاء على المكلّف أن يجعل تكليفه على طبقه، لا سيّما إذا كان مقتضى الظهور أنّه ليس ذكر الجهة المذكورة لانطباق العمل عليه، بل كان لدفع بعض ما ربّما يتوهّم من أنّه لم خصّ اللّه تعالى طائفة خاصّة بالخمس، فلا يمكن الأخذ بإطلاق التعليل الظاهر في أنّه حكمة للجعل.

الثالث: كون الظاهر من مرسل حمّاد «2» و غيره- كمرفوع أحمد بن محمّد «3»- أنّه عوض عن الزكاة.

و الجواب نظير ما تقدّم من أنّ الظاهر أنّ المعاوضة ملحوظة في مقام الجعل، و لم يلق الكلام لتطبيق عمل المكلّف عليه، كما في قوله عليه السّلام: «التيمّم أحد الطهورين» «4» و «يكفيك الصعيد عشر سنين» «5».

و ممّا ذكرنا يظهر الإشكال في مسألة غير محرّرة في كتب الأصحاب، و هي‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(3) المصدر: ص 359 ح 9.

(4) الوسائل: ج 2 ص 991 ح 1 من ب 21 من أبواب التيمّم.

(5) المصدر: ح 7 من ب 20.

486
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة المعروف من مذهب الأصحاب أنه لا يجب استيعاب أشخاص كل طائفة من الطوائف الثلاثة ص 482

..........

أداء الخمس في الغارمين مثلا مع فرض عدم الفقر، فإنّه لو كانت المعاوضة في الزكاة حكما مجعولا لأن يكون بيد المكلّف، كأن يقال: أجعل الخمس بالنسبة إلى الهاشميّين مقام الزكاة بالنسبة إلى غيرهم، فيمكن أن يقال حينئذ بجوازه خمسا و إلّا يشكل الأمر.

و كيف كان، ففيه وجوه ربّما يأتي التكلّم فيها:

الأوّل: إعطاء الغارم من الزكاة، لأنّ أداء الدين ليس صدقة معطاة للهاشميّ.

الثاني: إعطاؤه من الخمس، لحرمة الصدقة حتّى بهذا النحو و كون الخمس بدلا عن الزكاة.

الثالث: عدم الإعطاء لا من الخمس و لا من الزكاة، أمّا الأوّل فلعدم الدليل بعد كون الخمس لليتامى و المساكين و أبناء السبيل، و أمّا الثاني فلرجوع ذلك عرفا إلى الهاشميّ، و الصدقة محرّمة عليه.

الرابع: جواز الإعطاء من الموردين، أمّا الزكاة فلأنّه ليس ممّا يعطي الهاشميّ، و أمّا الخمس فلكونه فقيرا أو محتاجا. و المسألة موكولة إلى محلّ آخر.

الرابع: أن تحمل الآية الشريفة على بيان مصرفيّة الأصناف الثلاثة و مصرفيّة كلّ فرد منها. و ذلك لقرائن:

منها: عدم قابليّة أكثر الأخماس للتقسيم على جميع المصارف على وجه الاستيعاب و هي الموجبة لحمل «الوصيّة على فقراء البلد» على المصرف.

و منها: ثبوت الحرج في ذلك على فرض القابليّة للتقسيم.

و منها: عدم وجود ابن السبيل في كثير من الموارد مع عدم بيان من ينوب منابه على فرض عدم وجدانه، بل قد لا يكون في ما يعلم يتيم محتاج إلى المساعدة مع عدم تعيين بدله.

487
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة المعروف من مذهب الأصحاب أنه لا يجب استيعاب أشخاص كل طائفة من الطوائف الثلاثة ص 482

..........

و منها: كون آية الزكاة باللسان الوارد في الخمس مع وضوح كونه لبيان المصرف.

و منها: عوضيّة الخمس عن الزكاة.

و منها: أنّ التقسيم بالسويّة بين الأصناف ثمّ بين أفراد كلّ صنف مناف لما هو واضح من الاشتراط بالاحتياج و لو من جهة البعد عن الوطن، و أمّا إعطاء كلّ واحد من أفراد الأصناف ما يحتاج إليه فقد يقصر الخمس عن ذلك، و أمّا التقسيم بنسبة الاحتياج فهو بعيد عن درك المكلّفين.

و منها: أنّ الملكيّة الإشاعيّة- بأن يكون المالك لدرهم واحد ملايين من الأشخاص و الأصناف- غير معهودة عند العرف و العقلاء.

و منها: أنّ مقتضى المناسبة العرفيّة أنّ مستحقّ الأسهم الثلاثة صنف واحد و هم المحتاجون.

و كلّ ذلك إن لم يكن موجبا للظهور في المصرفيّة فلا أقلّ من عدم انعقاد ظهور لها في البسط و الاستيعاب، و القدر المتيقّن هو الصرف في الطبقات الثلاثة في الجملة، و التقييد بالبسط و الاستيعاب غير معلوم مرفوع بالبراءة، فإنّ أصل الاختصاص و لو بنحو المصرفيّة و تخيّر الإعطاء إليه أو غيره- ممّن لا يكون خارجا عن الطبقات الثلاثة- مسلّم، و كونه بنحو التعيّن و البسط و الاستيعاب مشكوك مرفوع بالبراءة الشرعيّة و العقليّة.

و هنا إيرادات ربّما تختلج بالبال:

منها: أنّ ذلك مناف لظاهر خبر حمّاد، و فيه:

«فسهم ليتاماهم، و سهم لمساكينهم، و سهم لأبناء سبيلهم، يقسّم بينهم على الكتاب و السنّة (الكفاف‌

488
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة المعروف من مذهب الأصحاب أنه لا يجب استيعاب أشخاص كل طائفة من الطوائف الثلاثة ص 482

..........

و السعة)» «1».

و لما في خبر النعمانيّ:

«ثمّ يقسّم الثلاثة السهام الباقية بين يتامى آل محمّد و مساكينهم و أبناء سبيلهم» «2».

فإنّ ذلك كالصريح في التقسيم بين الأصناف.

و الجواب عن ذلك بوجوه على سبيل منع الخلوّ: إمّا الحمل على المصرفيّة، فسهم لمساكينهم أي يكون المساكين مصرفا، و المقصود من القسمة: عدم الاختصاص بصنف خاصّ، فالقسمة بالنسبة إلى مجموع الخمس المصروف فيهم.

و الذي يوجب سقوط الظهور في المرسل اشتمال صدره على التسهيم في باب الزكاة مع وضوح كون ذلك للمصرف، و هو قوله عليه السّلام:

«فوجّهه في الجهة الّتي وجّها اللّه على ثمانية أسهم للفقراء و المساكين»- إلى أن قال-: «ثمانية أسهم، يقسّم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا ضيق» «3».

و تقيّد التقسيم بينهم بالكتاب و السنّة على نسخة، و إمّا الحمل على أنّ التقسيم حاصل قهرا عند فرض جمع الخمس عند الإمام أو الرسول عليهما الصلاة و السلام، و إمّا على استحباب التقسيم في الصورة المذكورة، و إمّا على وجوب التقسيم في الصورة المذكورة بمقدار لا يلزم منه الحرج. و جميع ذلك خارج عن‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 360 ح 12 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 184 ح 3 من ب 28 من أبواب المستحقّين للزكاة.

489
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة المعروف من مذهب الأصحاب أنه لا يجب استيعاب أشخاص كل طائفة من الطوائف الثلاثة ص 482

..........

فرض عدم اجتماعه عنده عليه السّلام.

و منها: أنّ عمدة الإشكالات المذكورة في الاستدلال إنّما هي في فرض عدم كون الحكم هو الاجتماع عند الحجّة، و إلّا فالخمس قابل للتقسيم و لا حرج في ذلك، و يسهل العثور على ابن السبيل لمثل السلطان العادل، و ليس البسط بالتساوي أو بنسبة الاحتياج بل بمقدار الاحتياج، و الباقي عليه صلوات اللّه و سلامه عليه، و المستفاد من مجموع الروايات الواردة في الخمس- من الّتي وردت في الغنائم و في عصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ما وردت في عصور الأئمّة من ولده عليهم السّلام- أنّ الخمس كان يجتمع عند الحجّة، و هو الذي كان عليه الإتمام من عنده لو لم يكفهم كما أنّه إن فضل شي‌ء فهو له.

و الجواب عن ذلك أوّلا أنّه لا يستفاد ممّا تقدّمت الإشارة إليه اشتراط صحّة الأداء بذلك بحيث يسقط الخمس عن العهدة مع عدم إمكان الجمع عنده، فما ذكر من القرائن موجود عند فقد ذلك. و ثانيا أنّه لم يكن في عصر الأئمّة من ولد الرضا عليه السّلام سلطان ظاهريّ لهم، و الظاهر عدم اجتماع خمس كثير عندهم، خصوصا مع اشتهار التحليل قبل ذلك و اقتصار أبي جعفر الثاني عليه السّلام على نصف السدس بالنسبة إلى من تفي ضيعته بمئونته، و لم يعهد منهم جعل قيّم بأمر السادات يتعهّد أيتامهم و أبناء سبيلهم، فالاستيعاب في عصرهم غير ممكن عملا و كان البسط حرجيّا على الظاهر.

و منها: أنّه كيف؟ يمكن حمل الاختصاص المستفاد من اللام على الاختصاص الحقيقيّ التعيينيّ بالنسبة إلى السهام الثلاثة الّتي للإمام عليه السّلام و على الاختصاص النسبيّ التخييريّ بالنسبة إلى الطبقات الثلاثة مع كون اليتامى و المساكين و ابن السبيل عطفا على ذي القربى و ليس له لام بالخصوص.

490
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة المعروف من مذهب الأصحاب أنه لا يجب استيعاب أشخاص كل طائفة من الطوائف الثلاثة ص 482

..........

و الجواب عنه أنّ ذلك نظير أن يوصي بقسمة من ثلث ماله لابنه الكبير المشخّص و يجعل الباقي للفقراء أو للفقراء البلد، فإنّه لا شبهة عند العرف في أنّ الأوّل مالك لذلك، و أمّا بالنسبة إلى الثاني فيكون بالنسبة إلى أفراده بنحو التخيير لا البسط و الاستيعاب، و السرّ في ذلك أنّ مقتضى الاختصاص التعيينيّ و الاستغراق: اختصاص كلّ واحد من فقراء البلد بهذا السهم، و هو محال، فيحمل العرف على التخيير و الاختصاص النسبيّ أي عدم خروج المال عن الفقراء إلى غيرهم.

و منها: أنّه لا شبهة عند العرف في ما لو أوصى بثلث ثلثه لزيد مثلا و ثلثه للفقراء و ثلثه الآخر للعلماء أنّه لا بدّ من البسط بالنسبة إلى الأصناف الثلاثة، لكن بالنسبة إلى زيد على نحو التعيّن، و أمّا بالنسبة إلى الفقراء و أفرادهم على نحو المصرفيّة، لكن لا يجوز التخيير في المصرف بين الفقراء و العلماء بل لا بدّ من التساوي بحسب الظاهر.

و الجواب عن ذلك أنّ مقتضى المناسبة بين الحكم و الموضوع أنّ موضوع السهام الثلاثة صنف واحدهم المحتاجون و لو لم يكن من باب الفقر الأصليّ كابن السبيل، و لا فرق بين ما في الآية و أن يقال: للمحتاجين من اليتامى و المساكين و أبناء السبيل، و لعلّه تعالى ترك ذكر اللام بالنسبة إليهم.

إن قلت: فما معنى لذكر اليتامى بعد فرض عدم وجوب البسط.

قلت: لعلّه للاهتمام، أو لبيان أنّهم ممّن يحرم عليهم الصدقة، لأنّه محلّ توهّم جواز الصدقة عليهم من باب عدم جعل التكليف لهم بل هو مقتضى القاعدة، أو لبيان أنّه و لو لم يحرم عليهم الصدقة لكن يكونون مصرفا للخمس، أو كان موردا لتوهّم أنّهم ليس لهم كرامة الكبار من بني هاشم حتّى يحرم عليهم الصدقة‌

491
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة ذرية هاشم محصورة في عبد المطلب و إلا فالملاك هو الانتساب إلى هاشم ص 492

مسألة [ذرّيّة هاشم محصورة في عبد المطّلب، و إلّا فالملاك هو الانتساب إلى هاشم]

مستحقّ الخمس من انتسب إلى هاشم، و ذرّيّته محصورة في من ولده عبد المطلّب، و هم بنو أبي طالب و العبّاس و الحارث و أبي لهب (1).

فيصيرون مصرفا للخمس.

و محصّل الكلام في تقريب الدلالة: عدم انعقاد الظهور لأدلّة التسهيم في البسط و الاستيعاب، فيرجع في دوران الأمر بين المطلق و المقيّد إلى البراءة.

الخامس: السيرة و الشهرة، فإنّه لو كان الواجب البسط على الأصناف و الاستيعاب على الأفراد لشاع و اشتهر، فما ذكرناه كاف في قوّة المشهور، و له الحمد و هو العالم بجميع الحقائق.

كما في الجواهر و الشرائع «1»، و قال في الأوّل:

إنّ الإجماع المحصّل و المنقول على استحقاقهم الخمس «2».

و يدلّ على ذلك معتبر حمّاد، و فيه:

«و هؤلاء الّذين جعل اللّه لهم الخمس هم قرابة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الّذين ذكرهم اللّه، فقال وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ «3»، و هم بنو عبد المطلّب أنفسهم، الذكر منهم و الأنثى، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش و لا من العرب أحد».

إلى أن قال عليه السّلام:

«و من كانت امّه من بني هاشم و أبوه من سائر‌

______________________________
(1) ج 1 ص 136.

(2) الجواهر: ج 16 ص 104.

(3) سورة الشعراء: 214.

492
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة ذرية هاشم محصورة في عبد المطلب و إلا فالملاك هو الانتساب إلى هاشم ص 492

..........

قريش فإنّ الصدقات تحلّ له» «1».

و دلالته واضحة. و قد مرّ اعتبار سنده بما لا مزيد عليه ظاهرا.

و يدلّ عليه أيضا ما يستفاد من غير واحد من الروايات من أنّ الخمس عوض الزكاة «2» بضمّ ما ورد في الزكاة من قوله صلّى اللّه عليه و آله:

«يا بني عبد المطلّب إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم» «3».

و في صحيح عبد اللّه بن سنان:

«لا تحلّ الصدقة لولد العبّاس و لا لنظرائهم من بني هاشم» «4».

نعم، ربما يخالفه إطلاق بعض الروايات المستفاد منها أنّها لقرابة الرسول «5» أو أنّها لآل محمّد صلّى اللّه عليه و آله «6» بناء على كونها أعمّ من الذرّيّة.

و الجواب أنّ مرسل حمّاد صريح في عدم استحقاق غير بني هاشم- من سائر طوائف قريش- الخمس، و أنّه ليس المستحقّ له مطلق قرابة الرسول، و إلّا فقريش قرابة الرسول صلّى اللّه عليه و آله، بل هو حاكم على ما ورد فيه عنوان القرابة، فراجع و تأمّل.

و ربّما يخالفه أيضا ما دلّ على أنّه لولد فاطمة عليها السّلام- كرواية الدوانيق «7»-

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 359 ح 9 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس و ص 337 ح 2 من ب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس و ص 187 ح 7 من ب 29 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(3) الوسائل: ج 6 ص 185 ح 1 من ب 29 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(4) الوسائل: ج 6 ص 186 ح 3 من ب 29 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(5) المصدر: ص 355 الباب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(6) المصدر: ص 355 الباب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(7) المصدر: ص 351 ح 8 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

493
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ادعاء النسب ص 494

مسألة [حكم ادّعاء النسب]

قيل إنّه يصدّق مدّعي النسب (1).

و لولد الأئمّة عليهم السّلام «1»، و موثّق ابن بكير و فيه: «و اليتامى يتامى الرسول» «2».

و الجواب أنّ الأوّل صريح في الأعمّ، لأنّه يدلّ على أنّ مستحقّ الخمس من كان في الدار و لم يكن اليوم على الظاهر من ذرّيّته صلّى اللّه عليه و آله أحد في الدار، و ما ذكر ليس صريحا في ذلك بل و لا ظاهرا، لأنّ الأوّلين بالنسبة إلى أصل الخمس الذي فيه سهم الإمام عليه السّلام، و لا ريب أنّه لولد فاطمة عليها السّلام الحجج على الناس، كما ورد في الخبر، و كذا الثاني فراجع. و أمّا الموثّق فلعلّ الأظهر أن يكون المقصود من يتامى الرسول يتامى آله و عشيرته بقرينة «و المساكين منهم» فإنّ ضمير الجمع دليل على ملاحظة الجمع كالآل و العشيرة، فيكون من قبيل القسم الأوّل الذي هو محكوم بالمرسل المتقدّم. هذا، مع أنّ الظاهر من مرفوع أحمد «3» أنّ الملاك عدم حلّيّة الصدقة لهم، فالتعليل أيضا حاكم على ما يوهم الخصوصيّة أو ظاهر فيها. و لو كان المقصود من آل محمّد هو الأعمّ ممّن تحلّ لهم الصدقة و تحرم فهو أيضا دليل على الإطلاق، و هذا ممّا لا إشكال فيه بحمده تعالى.

كما في الجواهر «4» عن كشف الأستاذ. و الوجوه المستفادة من الجواهر «5» للحكم المذكور أمور:

منها: أنّه دعوى بلا معارض، و حجّيّتها ثابتة بما تقدّم «6» من خبري منصور بن حازم المعتبر و البزنطيّ الصحيح، و لكن إسراء الحكم من موردهما الذي هو الحقوق الشخصيّة (لا النوعيّة الّتي لها موارد محقّقة يرتفع شغل الذمّة بها قطعا) إلى‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 386 ح 21 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(2) الوسائل: ج 6 ص 356 ح 2 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 359 ح 9 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(4) الجواهر: ج 16 ص 105.

(5) الجواهر: ج 16 ص 105.

(6) في ص 347 و 348.

494
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ادعاء النسب ص 494

..........

الأمانات أو ما بحكمها الّتي لا بدّ من الفحص في اعتبار العقلاء خال عن الوجه، لأنّه من القياس مع الفارق.

و منها: أصالة الصحّة في عمله، فإنّ أخذه المحتمل للصحّة محمول عليها فيحكم بأنّه خمس، كما بالنسبة إلى الشخص الثالث من دون شبهة.

و ما في الجواهر من أنّ:

أصالة صحّة دعوى المسلم في ما لا يعارضه فيها أحد لا تكفي قطعا في فراغ ذمّة الدافع، بل أقصاها عدم الحكم بفسق الأخذ لو اتّفق «1».

لا يخلو عن الخلط و الإيراد: أمّا الخلط فلأنّ أصالة الصحّة في العمل غير حجّيّة الدعوى بلا معارض، و أمّا الثاني فلأنّ مقتضى أصالة الصحّة على فرض الجريان في الأعمال- من العقود و الإيقاعات، و العبادات، و الأعمال الّتي لها أثر كالقبض و غيره- هو الصحّة الواقعيّة، لا صرف عدم الحكم بالفسق، كيف؟ فإنّه يكفي في ذلك الشكّ في صدور الفسق. و لكن يردّه أنّ صحّة الأخذ لا تثبت صحّة الإقباض، و ليس أثر صحّة الأوّل صحّة الثاني، بل هما متلازمان بواسطة الاشتراك في العلّة و هي صحّة النسب.

و منها: أنّ ملاك حجّيّة اليد- الذي هو عدم الانحراف نوعا عن الكسب المشروع في نظرهم- موجود في دعوى النسب.

و فيه: أنّ كون ذلك ملاكا غير معلوم، بل لعلّه في بناء السوق و أمور الناس عليها دخل في ذلك، مضافا إلى أنّ حجّيّة اليد بالنسبة إلى ما بعد وقوع اليد عليها مبنيّ على عدم الانحراف في الأخذ و الإعطاء كليهما.

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 105.

495
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ادعاء النسب ص 494

..........

و منها: أنّه بعد الأخذ و استقرار اليد عليه تكون اليد حجّة، و لازمها صحّة الإعطاء.

و فيه: أنّ حجّيّة اليد بالنسبة إلى المعطي غير معلوم عند العقلاء و الشرع، و إلّا لجاز إعطاء اللقطة لكلّ من يدّعي أنّها له، و جاز إعطاء الأمانة لكلّ من يدّعي أنّها له من باب كونه وارثا لصاحبها أو لجهات أخر، و لعلّ كلّ ذلك معلوم العدم.

و في الجواهر: إنّه يمكن الاحتيال بالدفع إليه و توكيله في الإيصال إلى مستحقّ الخمس و لو كان المستحقّ هو بنفسه، إذا فرض عدالته أو قلنا بعدم اشتراطها «1». و تبعه على ذلك في العروة الوثقى «2» مع اشتراط العدالة. لكن قال في الأوّل:

الإنصاف أنّه لا يخلو من تأمّل.

و قال في الثاني:

لكنّ الأولى بل الأحوط عدم الاحتيال المذكور.

أقول: الوجه في صحّته واضح، فإنّ القبض و الإقباض كلاهما في الفرض المذكور يكون بيد الوكيل، و مقتضى أصالة الصحّة في أعمال المسلمين هو الحمل على الصحّة، و إلّا لأشكل في جميع معاملات الوكيل، و مقتضى ذلك عدم اشتراط العدالة، إذ لم يقل أحد باشتراط العدالة في أصالة الصحّة إذا تمّت أركانها، فالصحيح أن يقال بعدم اشتراطها بعد فرض العلم بالقبض و الإقباض على وجه الخمس و كان الشكّ في الصحّة، و العدالة معتبرة في أصل تحقّق الموضوع، و من ذلك يظهر الخلط في كلامهما. لكن مقتضى ذلك جريانها في أداء الأمانة و ما يشبه ذلك من الموقوفات المجهول مصرفها، و لا يصحّ الالتزام به عند المتشرّعة و العقلاء.

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 106.

(2) كتاب الخمس، الفصل الثاني، المسألة 4.

496
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ادعاء النسب ص 494

..........

و من ذلك تحصل معضلة في المقام، فإنّ مقتضى أصالة الصحّة هو الحكم بها و ببراءة الذمّة، و مقتضى عدم جواز أداء الأمانة بصرف الدعوى و التوكيل في الإعطاء إلى مستحقّها و لو كان المستحقّ هو بنفسه: عدم جريانه من دون وجه يصحّ الاعتماد عليه.

و يمكن أن يقال: إنّ الواجب في مثل الخمس و أداء الأمانة كون المال لدى المستحقّ، و الإعطاء و الأخذ مقدّمتان لذلك، فالواجب هو كون المال لدى المستحقّ، و هو مردّد بين الوجود و العدم، و العمل ليس بواجب بالذات حتّى يصير اتّصافه بالصحيح و الفاسد موجبا للحكم بالصحّة، فافهم و تأمّل فإنّه لا يخلو عن دقّة و جودة، و به ينحلّ الإعضال، و الحمد للّه المنعم المتعالي.

و يمكن الاستدلال للاعتبار بذلك بوجوه أخر:

منها: ما ورد في سماع دعوى الفقر، ففي خبر عامر و سعدان المرويّ عن حسن بن محبوب الذي هو من أصحاب الإجماع أنّه:

جاء رجل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال له: يا أبا عبد اللّه قرض إلى ميسرة، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إلى غلّة تدرك؟»، فقال الرجل: لا و اللّه، قال: «فإلى تجارة تؤوب؟» قال: لا و اللّه، قال: «فإلى عقدة تباع؟»، فقال:

لا و اللّه، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «فأنت ممّن جعل اللّه له في أموالنا حقّا» ثمّ دعا بكيس فيه دراهم فأخذ يده فيه فناوله قبضة ثمّ قال: «اتّق اللّه و لا تسرف و لا تقتّر و لكن بين ذلك قواما، إنّ التبذير من الإسراف، قال اللّه‌

497
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ادعاء النسب ص 494

..........

عزّ و جلّ وَ لٰا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً» «1».

بيان: «تؤوب» يحتمل أن يكون مضارع «آب» أي تجارة ترجع إلى وطنك، من باب أنّ المعمول في السابق هو التجارة في الأسفار، و يحتمل أن يكون مضارع أبّ إذا قصد أي تجارة تقصدها أي تريد الاشتغال بها. و قوله «عقدة تباع» في الوافي: العقدة- بالضمّ-: الضيعة و العقار «2». و قوله عليه السّلام: «إنّ التبذير من الإسراف» لعلّ المقصود منه أنّ التبذير في الإنفاق- بإعطاء المال المحتاج إليه في نفقته و نفقة عياله لغيره في مقام المفاخرة و الصرف في ضيافة الموسرين- من الإسراف، كما أنّ الظاهر أنّ الآية الشريفة واردة في ذلك أيضا، قال تعالى:

وَ آتِ ذَا الْقُرْبىٰ حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ لٰا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً «3».

و المظنون أنّه في مقام نصح المستقرض و أنّه لا بدّ من تقدير المعيشة حتّى يكون لك شغل من تجارة أو زراعة أو غير ذلك.

و أمّا تقريب الاستدلال فلأنّ المستفاد منه أنّ الوجه و العلّة في السؤال هو أنّ إعطاء شي‌ء من المال يتوقّف على إحراز الفقر، و لا خصوصيّة لما يشترط بالفقر و كأنّه قال: لا بدّ من السؤال، فإنّ إعطاء الحقّ المعلوم أو الصدقة يتوقّف على إحراز الفقر، و مقتضى ذلك كفاية السؤال في إحراز الفقر. و احتمال «حصول العلم في المورد من القرائن الخارجيّة» يدفعه أنّ الظاهر من السؤال عدم معرفة الإمام عليه السّلام بحاله، و إلّا لكان يعرف أنّ له تجارة أم لا أو أنّه لا عقار له و لا ينتظر حصول غلّة، و ليس البناء في تلك الأمور على الاتّكاء بما يعلم الإمام عليه السّلام من‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 27 ح 1 من ب 7 من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(2) الوافي: ج 10 ص 379.

(3) سورة الإسراء: 26.

498
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ادعاء النسب ص 494

..........

غيب الأحوال. نعم، الظاهر أنّه ليس في ظاهر حاله ما يوجب الاتّهام، و حينئذ كان الفقر ممّا يثبت بذلك مع أنّ دعوى الفقر من دون وجود الحقيقة و تطابقها للواقع كثيرة جدّا، و منشأ ذلك خوف الفقر.

و هذا بخلاف دعوى النسب، فإنّه لم يعهد لنا الكذب حتّى في مورد واحد، فحجّيّة قول مدّعي النسب ثابتة بالأولويّة.

و خلاصة التقريب بإثبات أمرين: أحدهما: دلالة الرواية على حجّيّة دعوى الفقر في إعطاء الحقّ المشترط بالفقر، فيسري إلى الزكاة و الخمس إن لم يكن المورد منهما. ثانيهما: ثبوت دعوى النسب بالأولويّة.

و من ذلك يظهر وجه التمسّك بخبر العرزميّ عنه عليه السّلام، قال:

«جاء رجل إلى الحسن و الحسين عليهما السّلام و هما جالسان على الصفا فسألهما فقالا: إنّ الصدقة لا تحلّ إلّا في دين موجع، أو غرم مفظع، أو فقر مدقع، ففيك شي‌ء من هذا؟ قال: نعم، فأعطياه، و قد كان الرجل سأل عبد اللّه بن عمر و عبد الرحمن بن أبي بكر فأعطياه و لم يسألاه عن شي‌ء، فرجع إليهما فقال: ما لكما لم تسألاني عمّا سألني عنه الحسن و الحسين؟ و أخبرهما بما قالا، فقالا: إنّهما غذّيا بالعلم غذاء» «1».

بيان: في النهاية، فيه- أي في الحديث-:

«لا تحلّ المسألة إلّا لذي غرم مفظع». الفظيع:

الشديد الشنيع.

______________________________
(1) الكافي: ج 4 ص 47 ح 7.

499
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ادعاء النسب ص 494

..........

و في المجمع في الحديث:

«لا تحلّ الصدقة إلّا في دين موجع أو فقر مدقع» أي المفضي صاحبه إلى الدقعاء- على وزن حمراء- أي التراب.

فلعلّ المقصود أنّ الصدقة لا تحلّ إلّا للمحتاج الذي هو فقير بالذات و بحسب عادة حياته و معيشته، أو الذي ليس كذلك لكن عرض له عارض من دين لا يتمكّن من أدائه أو ورود غرامة عليه و لو كان هي الدين الذي مات المديون أو لا يقدر على أدائه، فالغرامة المذكورة صارت سببا لاختلال معيشته و نقص رأس ماله مثلا.

و تحصّل ممّا نقلناه عن النهاية و المجمع اعتبار السند في الجملة و كون الحديث معروفا في اللغة في الجملة. و أمّا تقريب الاستدلال فهو كما مرّ، فلا نعيده.

و يمكن أن يقال بكفاية الظنّ بالنسب من باب الانسداد، و هو إمّا من باب الحرج لو اكتفي بالمتيقّن، و إمّا من جهة الحرج على المحتاج، فإنّه لا يجوز التصدّق عليه بالزكاة على وفق إقراره، و لو لم يجز إعطاؤه الخمس لزم وقوعه في الحرج، فلا بدّ من حجّيّة الظنّ بالنسب.

و يمكن الحكم بالنسب من جهة حصول اليد على الخمس من جهته أو من جهة آبائه و أجداده، كما في اليد على الموقوفة الّتي بيد المتولّي و لا بدّ له من إعطائها إلى ولد الواقف مع عدم وجود الشاهد و لا العلم، فسبق أخذ الخمس بنفسه أو أبا و جدّا على فرض الفقر نحو يد على المال، فهو لهم.

و يمكن أن يقال أيضا بأنّه لو حلف على ذلك يقبل قوله، لما دلّ على أنّ الحلف باللّه حجّة مطلقا، ففي الوسائل عن الفقيه:

500
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ادعاء النسب ص 494

..........

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من حلف لكم على حقّ فصدّقوه، و من سألكم باللّه فأعطوه، ذهبت اليمين بدعوى المدّعي و لا دعوى له» «1».

و الإيراد عليه بالإرسال أوّلا، و بعدم دلالته على وجوب العمل ثانيا من جهة كونه في سياق «و من سألكم باللّه فأعطوه»، و بكون الذيل قرينة على عدم الإطلاق، و كون ذلك واردا في مورد اليمين المردودة من المدّعي إذا لم يقم على دعواه شاهدا و أنّه يذهب بدعوى المدّعي و لا يجديه بعد ذلك إقامة الشهود ثالثا، كلّ ذلك مندفع:

أمّا الأوّل فلإسناده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بنحو الجزم، و هو يدلّ على الشهادة باعتبار السند، مضافا إلى أنّ المفيد للإطلاق ليس غير هذا الخبر، و مقتضى ما تقدّم منّا مرارا شمول الشهادة الّتي في أوّل كتابه للفتوى على كلّ ما ليس متعدّدا في بابه، فتأمّل.

و أمّا الثاني فمندفع بالذيل الصريح في الحجّيّة و ذهابه بدعوى المدّعي.

و أمّا الثالث فلأنّ حمل الإطلاق في الصدر على ما ذكر في الذيل تخصيص بالفرد النادر، فهو إمّا حكم آخر ذكره و إمّا يكون بمنزلة التعليل للإطلاق الذي هو الأولويّة، فإنّه لو كان الحلف ذاهبا بدعوى المدّعي و لو كان مقرونا بالقسامة- كما ورد في الخبر «2»- ففي غيره أولى. و ليكن ذلك هو الوجه الثاني للإطلاق.

و يمكن أن يستدلّ على ذلك بخبر ضمرة- الذي يمكن الاتّكاء على سنده، من جهة كون ما في الخصال مرويّا بسند صحيح عن البزنطيّ- عن أمير‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 18 ص 179 ح 2 من ب 9 من أبواب كيفيّة الحكم.

(2) الوسائل: ج 18 ص 178 ح 1 من ب 9 من أبواب كيفيّة الحكم.

501
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ادعاء النسب ص 494

..........

المؤمنين عليه السّلام، قال:

«جميع أحكام المسلمين على ثلاثة: شهادة عادلة، أو يمين قاطعة، أو سنّة ماضية من أئمّة الهدى (أو سنّة جارية مع أئمّة الهدى)» «1».

و الظاهر أنّه ليس المراد بالأحكام هي الأحكام الإلهيّة الّتي توجّهت إلى المسلمين، و إلّا لم يكن للإعراض عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و القرآن في ذلك وجه، بل لعلّ المقصود هو الأحكام الصادرة من المسلمين، و ليست هي إلّا الأحكام بالنسبة إلى الموضوعات، و من المعلوم أنّه ليس الحكم دخيلا في الحجّيّة، بل الحجّيّة دخيلة في الحكم.

و ممّا ذكرنا يظهر جواز التمسّك لحجّيّة الحلف مطلقا بما ورد على حجّيّتها في مقام الدعوى، إذ كون الدعوى دخيلة في الحجّيّة خلاف ارتكاز العقلاء، بل لمّا كان الحلف حجّة جعل الاتّكاء عليه في مقام الدعوى كالبيّنة و اليد و الإقرار.

فتحصّل من ذلك وجوه للاتّكاء على قول مدّعي النسب و عدم الاقتصار على الشياع المفيد للعلم أو البيّنة، منها: حجّيّة الظنّ من باب الانسداد. و منها: حجّيّة ظهور حاله الذي يحصل بصرف عدم وجود قرينة في حاله يوجب سوء الظنّ نوعا بما يدّعيه، للخبرين المتقدّمين. و منها: حجّيّة يده على الخمس. و منها: كفاية الحلف في ذلك.

فما في العروة من الانحصار في الشياع المفيد للعلم و قوله بعد ذلك: «و يكفي‌

______________________________
(1) الخصال: باب الثلاثة ح 195 و الوسائل: ج 18 ص 168 ح 6 من ب 1 من أبواب كيفيّة الحكم.

502
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ادعاء النسب ص 494

و هو لا يخلو عن وجه إذا لم يكن مقرونا بما يوجب التهمة، و الأحوط مع ذلك اعتبار الظنّ الفعليّ، و أحوط منهما مع ذين الأمرين المسبوقيّة في أخذ الخمس، و أحوط من الكلّ اقتران ما ذكر بالحلف.

و الظاهر اعتبار دعوى الفقر في الخمس و الزكاة على طبق ما مرّ (1)، لكنّ الأحوط الذي لا يترك في المسبوق بالغنى هو الوثوق أو الحلف (2).

الشياع و الاشتهار في بلده» «1» لا يخلو عن الإيراد و الاختلال، فإنّك قد عرفت عدم الانحصار بذلك، مضافا إلى أنّه لا وجه لخصوصيّة الشياع بل لو لا الوجوه المتقدّمة لا بدّ من العلم أو البيّنة. و أمّا قوله بكفاية الاشتهار في بلده فلعلّ الظاهر أنّه يكفي في حصول العلم الاطمئنانيّ الشياع الذي في البلد، لا في أخذ الخمس حتّى يقال: إنّه إن كان مراده كفاية مطلق الشياع في البلد فهو ينافي ما تقدّم من اشتراط كون الشياع مفيدا للعلم، و إن كان المراد أنّه يكفي إذا كان مفيدا للعلم فهو واضح، فإنّه لا يحتمل أن لا يكون الشياع في بلد مدّعي النسب المفيد للعلم ملاكا لأخذ الخمس، فإنّ الظاهر أنّه يكفي ذلك في حصول العلم، فلا يرد ما في تعليق بعض علماء العصر رحمهم اللّه على العروة. نعم، يرد عليه أنّه خارج عن وظيفة الفقيه، كما أنّ أصل اعتبار الشياع بما هو كذلك لا وجه له إلّا الإرشاد إلى بعض ما يفيد العلم.

و من ذلك كلّه يظهر اعتبار قول مدّعي النسب إذا لم يكن متّهما، و هو الذي يكون موجبا للظنّ المعتبر عند العرف في الموضوعات العرفيّة. و الأحوط حصول الظنّ الفعليّ، و أحوط منهما اشتراط المسبوقيّة بالأخذ الموجبة لصدق اليد، و أحوط من الكلّ اقترانه بالحلف.

لما مرّ من الخبرين و غير ذلك من الوجوه المشتركة لدعوى النسب.

لأنّ عدم الاستحقاق مقتضى الاستصحاب، و الخبران واردان في غير‌

______________________________
(1) العروة: كتاب الخمس، الفصل الثاني، المسألة 4.

503
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الظاهر اختصاص نصف الخمس ببني هاشم و لا يشترك فيه بنو مطلب 1 ص 504

مسألة: الظاهر اختصاص نصف الخمس ببني هاشم، و لا يشترك فيه بنو مطّلب (1)،

المعروف بذلك، كما لا يخفى.

كما هو المشهور بين الأصحاب، بل هو ظاهر معقد إجماع الانتصار و غيره، بل لم يعرف خلاف إلّا ما حكي عن الإسكافيّ و المفيد في الغريّة كما في الجواهر «1».

و عمدة وجه الاشتراك بين الطائفتين موثّق زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث:

«إنّه لو كان العدل ما احتاج هاشميّ و لا مطّلبيّ إلى صدقة، إنّ اللّه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم».

ثمّ قال: «إنّ الرجل إذا لم يجد شي‌ء حلّت له الميتة، و الصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلّا أن لا يجد شي‌ء و يكون ممّن يحلّ له الميتة» «2».

و الجواب عنه تارة بالحمل على التقيّة، و اخرى بالحمل على العطف التفسيريّ- الذي مفاده أنّ الهاشميّ الذي هو المطّلبيّ و المقصود منه عبد المطّلبيّ، و حذف العبد في النسبة لا بأس به في اصطلاح العرب، و المقصود بيان أنّ الهاشميّ منحصر في بني عبد المطّلب- مدفوع:

أمّا الأوّل فلأنّ أصل الخبر وارد في الطعن على خلفاء الجور، لقوله «لو كان العدل»، و إعطاء الخمس لبني هاشم خلاف ما هم عليه من منع ذي القربى سهمهم‌

______________________________
(1) ج 16 ص 107.

(2) الوسائل: ج 6 ص 191 الباب 33 من أبواب المستحقّين للزكاة.

504
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الظاهر اختصاص نصف الخمس ببني هاشم و لا يشترك فيه بنو مطلب 1 ص 504

..........

فكيف بضمّ بني مطّلب، مع أنّ ذلك خلاف مقتضى الدليل، إذ لا فرق من جهة القرابة بين مطّلب و سائر أخوة هاشم كعبد شمس و النوفل، فلا بدّ من شركة بني أميّة في الخمس أيضا، فالتقيّة مقطوع العدم.

و أمّا الثاني فلأنّ مقتضى العطف التفسيريّ هو عدم تكرار «لا» النافية، إذ لا وجه لتكرار ذلك كما لا يخفى.

و معارضته بما هو ظاهر في الاختصاص ببني هاشم و عدم استحقاق سائر بيوتات قريش تكون بنحو العموم و الخصوص المطلق، إذ ليس مفاده إلّا عدم استحقاق سائر البيوتات إمّا منطوقا- كخبر حمّاد المتقدّم- أو مفهوما و هو مخصّص بني المطلّب.

و ردّه بعدم خصوصيّة له، إذ لا فرق بينه و بين سائر أخوة هاشم من حيث القرابة، مدفوع أيضا بإمكان ملاحظة جهة في المطّلب غير القرابة، و هو كفالة مطّلب ابن أخيه عبد المطّلب بن هاشم- كما هو معروف في التأريخ- فالمجي‌ء به بنفسه من المدينة إلى مكّة.

و حينئذ يكون مدرك غير المشهور لا يخلو عن القوّة لو لا جهتان أخريان:

إحداهما: إعراض المشهور عنه المؤيّد بوجود خلل في الحديث، فإنّ صدره هكذا:

قال: «مواليهم منهم، و لا تحلّ الصدقة من الغريب لمواليهم، و لا بأس بصدقات مواليهم عليهم» «1».

فإنّ الخلل ثابت فيه من جهتين، إحداهما: وضوح سقوط صدر الكلام، و لعلّه كان في الصدر ما كان يوضح المقصود من الذيل. ثانيتهما: دلالة غير واحد من‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 193 ح 5 من ب 34 من أبواب المستحقّين للزكاة.

505
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة يجب إعطاء الخمس للإمام عليه السلام في عصر الحضور 2 ص 506

خلافا لما يحكى عن بعض الأصحاب (1).

مسألة: يجب إعطاء الخمس للإمام عليه السّلام في عصر الحضور (2).

الروايات على حلّيّة الصدقة لموالي بني هاشم «1»، فيحمل «لا تحلّ» على الكراهة الشديدة. و يمكن حينئذ حمل «لا تحلّ» بالنسبة إلى بني المطّلب على ذلك.

ثانيتهما: احتمال أن يكون بنو مطّلب ممّن لهم سهم ممّا أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى، و لعلّه شامل لنصف الخمس أيضا، فلو كان العدل لكان الإمام يعطي بني المطلّب من سهمه من الفي‌ء و نصف الخمس فلم يكن يحتاج بنو مطّلب كبني هاشم إلى الزكاة و كانت الزكاة محرّمة عليهم بواسطة الفي‌ء، و كان الموالي أيضا كذلك، فلو كان العدل لأعطى الإمام مواليهم من الفي‌ء أو من سهمه من نصف الخمس فلم يكونوا محتاجين إلى الصدقات، فحرمة الصدقات على بني هاشم قبل إيجاب الخمس، فحيث حرّمه الصدقات عليهم وجب إعطاء الخمس إليهم، و أمّا حرمة الصدقات على بني مطّلب و الموالي بعد فرض وجوب إعطاء الفي‌ء للإمام و كذا إعطاء نصف الخمس إليه، و بعد ذلك كان يعطي الموالي و بني المطّلب فتحرم عليهم الصدقة، فافهم و تأمّل.

و ربما يظهر منه حكم آخر، و هو جواز إعطاء سهم من الفي‌ء إلى بني مطّلب و موالي بني هاشم، و لعلّه يجوز أيضا من سهم الإمام عليه السّلام، بناء على كونه منه لغة أو حكما، فالمسألة بحمد اللّه اتّضحت على طبق فتوى المشهور، و اللّه المستعان.

كابن الجنيد الإسكافيّ و المفيد على ما تقدّم نقله «2» عن الجواهر.

كما في الجواهر، و فيها: إنّه «المفهوم من النصوص و الفتاوى» «3».

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 192 الباب 34.

(2) في ص 504.

(3) الجواهر: ج 16 ص 109.

506
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة يجب إعطاء الخمس للإمام عليه السلام في عصر الحضور 2 ص 506

..........

أقول: و هو الظاهر من خبر النيشابوريّ: فوقّع «لي منه الخمس» «1»، و خبر أبي عليّ بن راشد، و فيه:

و أيّ شي‌ء حقّه؟ فقال: «يجب عليهم الخمس» «2».

و المكاتبة:

«فمن كان عنده شي‌ء من ذلك فليوصله إلى وكيلي، و من كان نائيا بعيد الشقّة فليتعمّد لإيصاله و لو بعد حين» «3».

و خبر ابن سنان:

«و لمن يلي أمرها من بعدها من ذرّيّتها الحجج على الناس» «4».

و مرسل الصدوق الوارد في المال المختلط «ائتني خمسه»، «5» و صحيح ربعيّ، و فيه: «و يأخذ خمسه» إلى أن قال:

«و كذلك الإمام أخذ كما أخذ الرسول صلّى اللّه عليه و آله» «6».

و في مرسل حمّاد المعتبر:

«يؤخذ من كلّ هذه الصنوف الخمس فيجعل لمن جعله اللّه له» «7».

و في صحيح البزنطيّ قال:

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 2 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) المصدر: ح 3.

(3) المصدر: ص 349 ح 5.

(4) المصدر: ص 351 ح 8.

(5) الوسائل: ج 6 ص 353 ح 3 من ب 10.

(6) المصدر: ص 356 ح 3 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(7) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

507
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة يجب إعطاء الخمس للإمام عليه السلام في عصر الحضور 2 ص 506

..........

«ذاك إلى الإمام، أ رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كيف يصنع؟ أ ليس إنّما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الإمام» «1».

و في المرسل المتقدّم:

«فإن فضل عنهم شي‌ء فهو للوالي، فإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده» «2».

و في المرفوع:

«فهو يعطيهم على قدر كفايتهم، فإن فضل شي‌ء فهو له، و إن نقص عنهم و لم يكفهم أتمّه لهم من عنده» «3».

و هذا ممّا لا شبهة فيه. إنّما الكلام في أنّه هل الوجوب المذكور شرط في صحّة الخمس، أو وجوب تكليفيّ محض، أوله حقّ الأخذ؟ و على الأخيرين هل هما باقيان بعد الأداء، فيجب على من يأخذه مراجعة الإمام عليه السّلام؟ و على جميع الفروض فهل ذلك مقيّد بالتمكّن و الحضور أم يكون مطلقا أم يكون مرجع الوجوه المذكورة أخذ الجميع و الجمع عنده؟ فالشرط هو الجمع عنده و الصرف بنظره الشريف، و الأخذ مقدّمة له، فهو حينئذ شرط أو حقّ أو صرف الوجوب التكليفيّ أو الشرط هو الاجتماع في محلّ واحد أو يكون ذلك واجبا و يكون الواجب أن يكون ذلك بيد الإمام عليه السّلام بنحو تعدّد المطلوب؟

و العمدة هي بيان مقتضى الدليل حتّى يعلم حال زمان الغيبة، فنقول: الظاهر‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 362 ح 1 من ب 2 من أبواب قسمة الخمس.

(2) المصدر: ص 363 ح 1 من ب 3.

(3) المصدر: ص 364 ح 2 من ب 3.

508
کتاب الخمس (للحائري)

و الظاهر عدم لزوم الاستيذان من الفقيه في عصر الغيبة 1 ص 509

و الظاهر عدم لزوم الاستيذان من الفقيه في عصر الغيبة (1)

بالنسبة إلى النصف من الخمس الذي هو سهم السادة، أنّه لا ينبغي الإشكال في أنّه لا يحتاج إلى إذن الفقيه، و سنوضح الحال إن شاء اللّه في التعليق الآتي.

و في العروة الوثقى:

يجوز للمالك دفعه إليهم بنفسه، لكنّ الأحوط فيه أيضا الدفع إلى المجتهد أو بإذنه، لأنّه أعرف بمواقعة و المرجّحات الّتي ينبغي ملاحظتها «1».

و في المستمسك حكى في ذلك أقوالا:

الأوّل: السقوط و إباحته للشيعة، لأنّ تقسيمه منصب الإمام، و لا دليل على ثبوت ولاية ذلك لغيره.

الثاني: وجوب الدفن. الثالث: وجوب الوصيّة به، كما عن التهذيب. الرابع: التخيير بين الإعطاء و العزل و الحفظ و الوصيّة أو بين ذلك و الدفن. الخامس:

وجوب الإعطاء لكن بإذن الفقيه، و حكي عن زاد المعاد للمجلسيّ نسبته إلى المشهور، لأنّه من وظيفة الإمام فيكون وظيفة نائبه. و قال السيّد الحكيم قدّس سرّه:

و هو غير ظاهر. نعم، هو مقتضى قاعدة الاشتغال، للشكّ في ولايته على التعيين، و لا إطلاق واضح يقتضي ذلك، فتأمّل جيّدا. السادس: هو الإعطاء من دون الاحتياج إلى الإذن، ثمّ قال في المستمسك:

______________________________
(1) العروة: كتاب الخمس، الفصل الثاني، المسألة 7.

509
کتاب الخمس (للحائري)

و الظاهر عدم لزوم الاستيذان من الفقيه في عصر الغيبة 1 ص 509

..........

اختاره جماعة «1». انتهى.

و هو المختار عندي. و يدلّ على ذلك أمور:

الأوّل: أنّ ما دلّ من الأخبار من وجوب الإيصال إلى الإمام كلّه راجع إلى عصر الحضور، فإنّه على طوائف ثلاث، منها: مثل خبر النيشابوريّ «2» و أبي عليّ بن راشد «3» ممّا هو متعرّض لقضايا شخصيّة راجعة إلى زمان الهادي أو العسكريّ أو إلى زمان أبي جعفر عليهم السّلام، كالمكاتبة الآمرة بالإيصال إلى وكيله «4». و منها: ما دلّ على أنّ عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان كذا و عمل الإمام يكون كذا «5»، فهي أيضا راجعة إلى زمان تحقّق العمل، فالمستفاد منها و إن كان أنّ حكمه كذلك، إلّا أنّه لا مطلقا، كما لا يخفى. و منها: ما يدلّ على أنّه يقسم و يعطي، المفروض فيه جمع الخمس عنده من دون تعرّض لوجوب الجمع عنده، كما في مرفوع أحمد بن محمّد عن بعض أصحابنا «6». و ترى أنّ جميع ذلك غير راجع إلى عصر الغيبة الكبرى حتّى يكون الفقيه نائبا عنه في ذلك، فيرجع إلى إطلاق الآية الشريفة غير المشترطة للإذن أو الإيصال.

الثاني: عدم دليل مطلق يقتضي النيابة المطلقة في كلّ ما للإمام عليه السّلام.

الثالث: على فرض ذلك فيمكن أن يكون وجوب الإيصال إلى الإمام عليه السّلام مضافا إلى إمامته- الّتي هي الرئاسة العامّة في الدين و الدنيا- من باب كونه رئيس الطائفة و أقرب الأشخاص إلى الرسول صلّى اللّه عليه و آله أي من يكون جامعا بين صفة القرابة الماسّة و كونه رئيس الطائفة و كونه إماما، و الحكم الذي يكون من هذا القبيل ثبوته‌

______________________________
(1) المستمسك: ج 9 ص 585- 586.

(2) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 2 و 3 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 2 و 3 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(5) كما في المصدر: ص 356 ح 3 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(6) الوسائل: ج 6 ص 359 ح 9 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

510
کتاب الخمس (للحائري)

و الظاهر عدم لزوم الاستيذان من الفقيه في عصر الغيبة 1 ص 509

..........

للفقيه مقطوع العدم و إن كان الدليل وافيا بالإطلاق.

الرابع: مع الغضّ عمّا ذكر لا دليل على وجوب الإيصال إلى الإمام عليه السّلام أو الاستيذان منه من دون مراقبة المورد، بأن يكون ذلك من قبيل التشريفات، كما هو الظاهر من تعليق صاحب المستمسك على العروة حيث استشكل صاحب العروة في جواز دفع المالك الخمس إلى الأصناف الثلاثة بنفسه، و لكن أذن هو قدّس سرّه للجميع «1»، فإنّ الإذن المذكور غير المقرون بالمراقبة الموجبة لأخذ الزائد و دفع الناقص عن السهم المبارك لا وجه له و ليس بمعلوم الثبوت للإمام عليه السّلام حتّى ينوب عنه المجتهد.

الخامس: أنّه يمكن أن يقال: إنّ الإذن حتّى مع المراقبة لم يثبت للإمام، بل المستفاد من الأخبار هو وجوب الإيصال خارجا و الأخذ من يد الإمام عليه السّلام، و لعلّ السرّ في ذلك حفظ كرامة السادة و عدم رجوعهم إلى المالكين، بل كان مرجعهم شخصا واحدا هو الإمام عليه السّلام. و كون تأمينهم عليه غير مربوط بوصول الخمس إليه و عدمه و كفايته لحوائجهم و عدمها، فهو يعطي من أسهمهم أو من سهمه ما يغنيهم بذلك، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

السادس: أنّه على فرض الغضّ عن جميع ذلك فلا دليل على الاشتراط، بل مقتضى الجمع بين إطلاق مثل الآية الشريفة «2» و ما ورد في بيان معناها «3» و ما ورد من وجوب الإيصال إلى الإمام عليه السّلام «4»: كون الواجب هو الإيصال إليه أو كون‌

______________________________
(1) العروة: كتاب الخمس، الفصل الثاني، المسألة 7.

(2) سورة الأنفال: 41.

(3) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، و ص 355 الباب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(4) الوسائل: ج 6 ص 375 الباب 3 من أبواب قسمة الخمس.

511
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لعل الظاهر جواز إعطاء الخمس للهاشمي إذا كان محترفا أو ذا ضيعة أو دار و لا تكفي منافعه لمئونة سنته ص 512

بل الاحتياط بالاستيذان لعلّه خلاف الاحتياط (1).

نعم، الأولى و الأحوط تكفّل تلك المصلحة من قبل فقيه عادل مجتنب للهوى مطيع لأمر المولى بحيث يحفظ إكرامهم (2).

مسألة: لعلّ الظاهر جواز إعطاء الخمس للهاشميّ إذا كان محترفا أو ذا ضيعة أو دار و لا تكفي منافعه لمئونة سنته

و إن كان المال بنفسه الإيصال إليه حقّا له، لا أن يكون ذلك شرطا في الخمس بحيث لا يقع ما يعطى للسادة خمسا. و مقتضى ذلك الوجه: صحّة المعطى خمسا و إن كان أخلّ بالواجب، على فرض كون الواجب حتّى في زمان الغيبة الرجوع إلى الإمام عليه السّلام و كون الفقيه نائبا في ذلك.

السابع: أنّه على فرض الغضّ عن جميع ذلك فلا دليل على أنّه كان واجبا على الإمام ذلك حتّى يكون واجبا على الفقيه ذلك. نعم، لو طالب الإمام عليه السّلام لكان الواجب الإيصال إليه، فلا دليل حينئذ على الفتوى بلزوم الإرجاع إلى الفقيه إيصالا أو إذنا على جميع التقادير.

و ذلك من باب قوّة احتمال أن يكون لزوم الإيصال إلى الإمام عليه السّلام الذي هو كما هو و الذي له الرئاسة العامّة و الرئاسة في القبيلة و الطائفة و الذي عليه إتمام ما نقص عن معيشتهم نوع إكرام لهم، فلا يحتاجون إلى اللئام من الخلق أو غيرهم ممّن يفتخرون بذلك أو يمنّون أو يوهنون أو لا يدركون مالهم من العزّة أو لا يراقبون مصالحهم بل يراقبون مصالح أنفسهم، و أين ذلك من الرجوع إلى الفقيه و الرجوع إلى المالكين؟ فليس هذا إلّا عكس المقصود، أم كيف ينطبق الاستغناء عن أوساخ ما في أيدي الناس على ذلك؟! المستلزم للرجوع إلى الناس و الرجوع إلى الفقيه معا.

و ذلك لاحتمال درك بعض مصلحة قيام الإمام عليه السّلام بذلك و صرف الزائد‌

512
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لعل الظاهر جواز إعطاء الخمس للهاشمي إذا كان محترفا أو ذا ضيعة أو دار و لا تكفي منافعه لمئونة سنته ص 512

كافيا لذلك (1).

في السهم المبارك و إتمام ما نقص عنهم من سهمه المبارك.

في الجواهر في كتاب الزكاة:

إنّ الفقير الذي يحلّ له الصدقة هو الذي لا يملك قوت سنته بالفعل أو بالقوّة، و إنّه المشهور بين المتأخّرين، بل هو المشهور من غير تقييد، بل الخلاف نادر «1».

و نقل بعد ذلك قولين آخرين:

أحدهما أنّه من لا يجب في ماله الزكاة. الثاني أنّه الذي لا يملك قوت عمره، نسب ذلك في المفاتيح إلى الشيخ قدّس سرّه في المبسوط «2».

أقول: لعلّ المراد بقوت سنته مالكيّة ذلك بحسب الملكة أي في كلّ سنة، بأن يكون له ضيعة تفي بمئونة سنته أو يكون له شغل أو صنعة أو رأس مال كذلك، الذي هو عبارة أخرى عن القول الثالث.

و الذي يؤدّيه دقيق النظر في الخمس أنّ الملاك هو الاستغناء عن الناس في مدّة عمره بحسب المتعارف إمّا بما ذكر، أو بالمالكيّة الفعليّة لقوت عمره و هو في ما لا يقدر على العمل و لا على جعل بعضه رأس المال بشراء دار أو عقار أو بالمضاربة مع غيره، فيجوز للأخير أخذ ما يكفيه لعمره، و كونه خلاف المشهور غير مسلّم، لأنّ كلامهم مبنيّ على المتعارف بحصول الغنى بإعطاء رأس المال بحيث يكون منافعه كافية لجميع سنواته بحسب القاعدة ما دام لم تحدث حادثة من حرب أو زلزلة أو غير ذلك.

______________________________
(1) الجواهر: ج 15 ص 304- 307.

(2) الجواهر: ج 15 ص 304- 307.

513
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لعل الظاهر جواز إعطاء الخمس للهاشمي إذا كان محترفا أو ذا ضيعة أو دار و لا تكفي منافعه لمئونة سنته ص 512

..........

و يدلّ على ما قلناه أمور:

الأوّل: الآية الشريفة «1». و يتمّ تقريب الاستدلال بها في طيّ أمور: الأوّل أنّ المراد بالمساكين هم الفقراء أو يشمل الفقراء قطعا، و ذلك للإجماع المحكيّ في الجواهر عن المسالك أي دعوى نفي الخلاف في أنّ المسكين إذا افترق عن الفقير فهو شامل له «2». الثاني أنّ الظاهر هو جواز أداء الخمس إليه ما دام هذا الوصف ثابتا له. الثالث أنّ الظاهر عند العرف صدق الفقير على من لا يملك قوت سنواته الآتية لا بالقوّة و لا بالفعل، و إلّا كان غنيّا، إذ لا واسطة في العرف بين الفقير و الغنيّ.

الثاني: معتبر حمّاد الطويل، و فيه:

«يقسم بينهم على الكتاب و السنّة ما يستغنون به في سنتهم، فإن فضل عنهم شي‌ء فهو للوالي، فإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به» «3».

فإنّ مقتضى الذيل أي قوله «نقص عن استغنائهم» و قوله «بقدر ما يستغنون به» هو أنّ الملاك مطلق الاستغناء.

و أمّا الصدر فندّعي أنّ الظاهر منه هو الاستغناء في سنتهم بالقول المطلق أي في كلّ سنة من سنوات عمرهم في قبال إعطاء رأس ماله يستغني به في نصف السنة في كلّ سنته، فهذا كما يقال: إنّ لزيد ملكا يفي بمئونة سنته.

و إن أبيت عن ذلك فيحمل عليه من باب كونه في مساق التعليل و بمنزلة أن يقال: «يعطي من الخمس لكي يستغنوا في سنتهم»، و ظهور التعليل يأبى عن التعبّد.

______________________________
(1) سورة الأنفال: 41.

(2) الجواهر: ج 15 ص 297.

(3) الوسائل: ج 6 ص 363 ح 1 من ب 3 من أبواب قسمة الخمس.

514
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لعل الظاهر جواز إعطاء الخمس للهاشمي إذا كان محترفا أو ذا ضيعة أو دار و لا تكفي منافعه لمئونة سنته ص 512

..........

و التحديد بالسنة الواحدة مع فرض الفقر المدقع بعد ذلك- دون أقلّ من ذلك و لا أكثر- تعبّد محض لا يناسب مقام التعليل.

و إن أبيت عن ذلك فيحمل المجمل في الصدر على المبيّن. هذا. خصوصا مع أنّه ليس المفروض إعطاء الخمس في السنة الواحدة، فافهم و تأمّل.

الثالث: مرفوع أحمد بن محمّد، و فيه:

«فهو يعطيهم على قدر كفايتهم» «1».

و الاستدلال به ظاهر، فإنّه لا وجه لحمل الكفاية المطلقة في العرف على السنة الواحدة، إذ لو فرض التقييد لا فرق بينه و بين كفاية الشهر أو اليوم و اليومين، و لا ريب أنّ الكفاية المطلقة هي الكفاية الدائمة الحاصلة غالبا بكون ما بيده رأس مال يكفي ربحه أو غلّته لسنته في جميع سنوات عمره.

الرابع: ما ورد في باب الزكاة، مثل موثّق سماعة، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟ قال: «نعم، إلّا أن تكون داره دار غلّة فخرج له من غلّتها دراهم ما يكفي به لنفسه و عياله، فإن لم يكن الغلّة تكفيه لنفسه و لعياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير إسراف فقد حلّت له الزكاة، فإن كانت غلّتها تكفيهم فلا» «2».

و غير ذلك من الروايات الناصّة في استثناء رأس المال و لو كان بنفسه أزيد‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 364 ح 2 من ب 3 من أبواب قسمة الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 161 ح 1 من ب 9 من أبواب المستحقّين للزكاة.

515
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لعل الظاهر جواز إعطاء الخمس للهاشمي إذا كان محترفا أو ذا ضيعة أو دار و لا تكفي منافعه لمئونة سنته ص 512

..........

من قوت سنة واحدة «1»، فإنّ حمل مثل الموثّق على ما لو لم يكن دار غلّته- و لو باعها- كافية لمئونة سنته حمل على الفرد النادر، و استثناء ذلك لا وجه له إلّا من جهة أنّ المطلوب وفاء رأس ماله بقوت سنته و أنّه يحلّ له الزكاة إذا لم يكن كذلك، و إلّا فلا فرق في نظر العرف بين أن يكون ما يكفي لقوت سنته و لا يكفي ربحه لقوت سنته، دارا أو نقودا، جعلها قبل ذلك رأس ماله أو يريد أن يجعله رأس ماله.

و يدلّ على المطلوب أي استثناء رأس المال مطلقا في باب الزكاة:

صحيح معاوية بن وهب، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم و له عيال و هو يحترف فلا يصيب نفقته فيها أ يكبّ فيأكلها و لا يأخذ الزكاة أو يأخذ الزكاة؟ قال: «لا، بل ينظر إلى فضلها فيقوت بها نفسه و من وسعه ذلك من عياله و يأخذ البقيّة من الزكاة و يتصرّف بهذه لا ينفقها» «2».

فإنّ مقتضى الإطلاق أنّه يأخذ من الزكاة و إن كان رأس ماله كافيا لقوته في سنته، بل ربّما يشعر بالتعرّض لخصوص صورة كفايته لسنته قوله «و لا يأخذ الزكاة» إذ لو كان غير كاف بذلك كان محتاجا إلى الزكاة أيضا، كما لا يخفى.

و معتبر أبي بصير- من جهة عدم قدح في السند إلّا من جهة كون الراوي عنه عليّ بن أبي حمزة، و هو إن كان قادحا في الموارد الأخر لكن لا يكون قادحا في المقام، لأنّ الراوي عنه ابن أبي عمير، فراجع مشيخة الفقيه- قال:

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 158 الباب 8 و ص 161 الباب 9 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(2) الوسائل: ج 6 ص 164 ح 1 من ب 12 من أبواب المستحقّين للزكاة.

516
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لعل الظاهر جواز إعطاء الخمس للهاشمي إذا كان محترفا أو ذا ضيعة أو دار و لا تكفي منافعه لمئونة سنته ص 512

..........

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل له ثمانمائة درهم و هو رجل خفّاف و له عيال كثير إله أن يأخذ من الزكاة؟ فقال: «يا أبا محمّد أ يربح في دراهمه ما يقوت به عياله و يفضل»؟ قال: نعم. قال: «كم يفضل»؟ قال: لا أدري. قال: «إن كان يفضل عن القوت مقدار نصف القوت فلا يأخذ الزكاة، و إن كان أقلّ من نصف القوت أخذ الزكاة» قال: قلت: فعليه في ماله زكاة تلزمه؟

قال: «بلى». قال: قلت: كيف يصنع؟ قال: «يوسّع بها على عياله في طعامهم و كسوتهم و يبقي منها شي‌ء يناوله غيرهم، و ما أخذ من الزكاة فضّه على عياله حتّى يلحقهم بالناس» «1».

و لعلّ اشتراط زيادة نصف القوت للمخارج الأخر من الكسوة و المداواة و الضيافة و المسافرة و غير ذلك، كما أنّ الحكم بوجود الزكاة في ماله محمول على الاستحباب على ما هو المذهب في مال التجارة و مقتضى الإطلاق جواز الأخذ و لو كان رأس ماله كافيا لقوت سنته.

و يؤيّد ذلك أيضا خبر عبد العزيز- غير المعتبر، اللائح من متنه آثار الصدق- قال:

دخلت أنا و أبو بصير على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال له أبو بصير: إنّ لنا صديقا- إلى أن قال:- و له دار تسوي أربعة آلاف درهم، و له جارية و له غلام يستقي‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 159 ح 4 من ب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة.

517
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لعل الظاهر جواز إعطاء الخمس للهاشمي إذا كان محترفا أو ذا ضيعة أو دار و لا تكفي منافعه لمئونة سنته ص 512

..........

على الجمل كلّ يوم ما بين الدرهمين إلى الأربعة سوى علف الجمل، و له عيال إله أن يأخذ من الزكاة؟ قال:

«نعم».

قال: و له هذه العروض؟ فقال: «يا أبا محمّد فتأمرني أن آمره ببيع داره و هي عزّه و مسقط رأسه أو ببيع خادمه الذي يقيه الحرّ و البرد و يصون وجهه و وجه عياله؟ أو آمره أن يبيع غلامه و جمله و هو معيشته و قوته؟ بل يأخذ الزكاة فهي له حلال، و لا يبيع داره و لا غلامه و لا جمله» «1».

و دلالته على ذلك تكون من حيث إطلاق الحكم و من حيث التعليل الحاكم بأنّه لا يباع ما هو معيشته.

و لا يعارضه صحيح أبي بصير أو حسنه، قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره». قلت: فإنّ صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة. قال: «زكاته صدقة على عياله، و لا يأخذها إلّا أن يكون إذا اعتمد على السبعمائة أنفذها في أقلّ من سنة فهذا يأخذها و لا تحلّ له الزكاة لمن كان محترفا و عنده ما تجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة» «2».

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 162 ح 3 من ب 9 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(2) الوسائل: ج 6 ص 158 ح 1 من ب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة.

518
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لعل الظاهر جواز إعطاء الخمس للهاشمي إذا كان محترفا أو ذا ضيعة أو دار و لا تكفي منافعه لمئونة سنته ص 512

..........

أمّا بيان التعارض فهو أنّ مقتضى إطلاقه أنّه لو كان سبعمائة كافيا لقوت سنته لا يجوز له أخذ الزكاة و لو كان المقدار المذكور رأس ماله و لم يكن ربحه كافيا لمئونة سنته.

و أمّا دفعه فهو بأن يقال: إنّ قوله «و لا تحلّ له الزكاة لمن كان محترفا» موجب لإلقاء ظهور ما قبله في الإطلاق، بل هو مشعر بأنّ الموضوع لعدم جواز أخذ الزكاة و جوازه في صورتي الكفاية و عدمها إنّما هو بالنسبة إلى غير المحترف.

فالظاهر أنّ جواز أخذ الزكاة للمحترف إذا كان رأس ماله ناقصا بالنسبة إلى مئونة سنته من حيث العوائد ممّا لا إشكال فيه نصّا و فتوى- كما أفتى به في العروة «1»- من غير فرق بين كون رأس ماله من قبيل الدار و الضيعة و كان من الأعيان الثابتة أو غير ذلك، كما في الجواهر عن المدارك عن الشيخ و المحقّق و العلّامة و غيرهم، و عن المحكيّ عن الأردبيليّ نسبته إلى صريح الأصحاب «2».

لكنّ الأمر في مثل الدار و الضيعة أوضح، لخلوّ ما يقتضي فيه جواز أخذ الزكاة عن شبهة التعارض.

و لا فرق أيضا بين رأس المال أو غيره بأن يكون فقير أو هاشميّ فقير لا يقدر على الاستفادة من رأس المال- لا بالمباشرة و لا بالتسبيب- فاستغناؤه منوط بأخذ الخمس أو الزكاة دفعة واحدة، فمقتضى القاعدة هو جواز الأخذ في البابين إلّا أنّه يحتاج ذلك في باب الزكاة إلى التأمّل و التتبّع، لكن مقتضى الدليل في باب الخمس ذلك بلا إشكال ظاهر و لو لم نقل بذلك في باب الزكاة، لما عرفت. و اللّه المتعالي هو العالم.

______________________________
(1) في الفصل السادس من كتاب الزكاة، المسألة 1.

(2) الجواهر: ج 15 ص 308- 309.

519
کتاب الخمس (للحائري)

يستثني من ذلك ما إذا كان رأس ماله كافيا لقوت عمره ص 520

[يستثني من ذلك ما إذا كان رأس ماله كافيا لقوت عمره]

لكن يستثني من ذلك ما إذا كان رأس ماله كافيا لقوت عمره المتعارف (1)، بل الأحوط بل لعلّ الظاهر استثناء ما إذا كان قابلًا للتبديل بما يفي ربحه بمئونة سنته إذا لم يكن التبديل حرجيّا (2).

فإذا ثبت ذلك في الزكاة ثبت في الخمس أيضا، لأنّه في كلّ ما يستحقّ الزكاة على تقدير عدم كون المستحقّ هاشميّا يستحقّ الخمس في ذلك المورد.

و هذا ما يستفاد من أخبار التعويض «1» و إن لم يكن ذلك دليلا على العكس، فيمكن أن يكون باب الخمس أوسع، كرامة لقرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

كما في الأراضي الملصقة بالمدن الكبار في عصرنا، فإنّ منافعها من حيث الزرع يمكن أن لا تكون وافية بمئونة السنة و لكنّها بنفسها كافية لمئونة جميع عمره، و ذلك لعدم صدق الفقير عليه قطعا.

و في الجواهر: «إنّ حلّ الزكاة لأمثالهم كما ترى»، «2» و كأنّه بصدد الإيراد على الأصحاب من إطلاقهم الحكم بجواز أخذ الزكاة مع عدم وفاء الربح بمئونة سنته.

و العجب من صاحب العروة و من علّق عليها ممّن عثرنا على تعاليقهم من الإطلاق و عدم استثناء ذلك «3».

في الجواهر:

إنّه قد يتوقّف في حلّ أخذ الزكاة في مثل ذلك، بل يمكن دعوى عدم شمول النصوص لذلك، حملا لها على المتعارف «4».

أقول: ليس فيها ما قيّدنا به الحكم في المتن من عدم الحرج، و الظاهر دخالته‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 و ص 359 ح 9 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(2) الجواهر: ج 15 ص 311.

(3) العروة: كتاب الزكاة، الفصل السادس، المسألة 1.

(4) الجواهر: ج 15 ص 311.

520
کتاب الخمس (للحائري)

من يريد الاحتراف ملحق بالمحترف الفعلي ص 521

[من يريد الاحتراف ملحق بالمحترف الفعليّ]

و لعلّ الظاهر إلحاق من يريد الاحتراف بمن هو محترف فعلا في جميع ما ذكر (1).

في الحكم المذكور. و الدليل على ما ذكر: عدم صدق عنوان الفقير و المسكين في الزكاة و الخمس.

و أمّا دعوى إطلاق مثل موثّق سماعة المتقدّم «1»، فيمكن دفعه بما أشير إليه في الجواهر من الانصراف إلى المتعارف «2».

و توضيحه أن يقال: إنّه لا وجه للانصراف إلى المتعارف في الأحكام الكلّيّة المتعلّقة بنفس موضوعاتها، لأنّها من قبيل القضايا الحقيقيّة الّتي موضوعها تقدير الوجود، لا الموجود الفعليّ، و لا يفرض الغلبة في التقدير المساوق للقضيّة الشرطيّة، بخلاف ما إذا كان الموضوع هو الخارج أو ما يحصل في الخارج بحسب النوع، فالحكم الكلّي الذي مفاده مثلا وراثة الطبقة الأولى عن الميّت لا يحمل على الغالب، و أمّا السؤال عمّا وقع في الخارج يحمل على الغالب، و ليس له إطلاق بحيث يشمل فرض كون الابن أو البنت قاتلين لأبيهما، و كذا لو صار الابن موضوعا من باب المثال للموضوع الكلّيّ فقيل: «إنّ دين الميّت على ابنه» و كان ذلك من باب المثال للوارث فلا يشمل صورة عدم كونه وارثا. و في ما نحن فيه لا يكون الدار الموضوع في موثّق سماعة موضوعا حقيقيّا للحكم بل هو من باب المثال، و مورد المثال هو الموضوعات الخارجيّة أو ما يحصل في الخارج بحسب النوع، و هو محمول على الغالب، فافهم و تأمّل.

و لا يخفى أنّ شبهة الإطلاق جائية في الفرع المتقدّم مع جوابها، فالظاهر عدم جواز الأخذ.

و الدليل عليه أمران: أحدهما إلقاء الخصوصيّة ممّا ورد في المحترف بنظر‌

______________________________
(1) في ص 515.

(2) الجواهر: ج 15 ص 311.

521
کتاب الخمس (للحائري)

في من لا يحتاج في السنة الواحدة إلى الخمس و يحتاج في السنوات الآتية إليه ص 522

في من لا يحتاج في السنة الواحدة إلى الخمس و يحتاج في السنوات الآتية إليه

و أمّا من لا يقدر على الاحتراف أصلا و هو مالك لقوت سنته أو يكون محترفا و هو مالك لقوت سنته بالاحتراف و لكن يحتاج إلى الزكاة أو الخمس في السنين الآتية فهل يجوز له أخذهما مطلقا، أو يفصّل بين اليأس من أخذهما بعد ذلك و غيره، أو يفصّل بين الخمس و الزكاة؟

وجوه. الأحوط ترك الأخذ لمن يطمئنّ بالعثور عليهما بعد ذلك و جواز الأخذ خصوصا في الخمس للآيس عن ذلك بحسب العادة (1).

العرف قطعا في الزكاة، و قد تقدّم أنّه إذا حلّ أخذ الزكاة حلّ أخذ الخمس. ثانيهما أنّ الحكم بذلك من باب صدق الفقر بل لعلّه أولى من المحترف بالمراعاة، لأنّ المحترف مالك للمنافع أو في حكمه بخلاف غير المحترف و أولى بصدق عنوان الفقير عليه، مع أنّ الظاهر صدق عنوان الفقير عليه عرفا، فإنّه محتاج إلى رأس ماله للسنين الآتية، فلا فرق بين رأس المال و الدار الّتي اتّخذها مسكنا لنفسه، كما أنّ الحكم أيضا واضح لمن يكفي أمواله لقوت عمره و أنّه ليس بفقير عرفا فلا يشمله دليل الزكاة و الخمس.

فيمكن أن يقال: إنّه لا يحلّ له الزكاة، و ذلك لمعتبر أبي بصير المتقدّم «1».

و يمكن التمسّك بخبر الدغشيّ الذي لا يبعد اعتباره من جهة نقل صفوان و من جهة كونه الميثميّ، لأنّ الطريق هو بعينه طريق الصدوق رحمه اللّه إلى الميثميّ، قال:

سألت أبا الحسن عليه السّلام عن السائل و عنده قوت يوم أ يحلّ له أن يسأل؟ و إن اعطي شي‌ء من قبل أن يسأل يحلّ له أن يقبله؟ قال: «يأخذ و عنده قوت شهر ما يكفيه لسنته من الزكاة، لأنّها إنّما هي من سنة إلى سنة» «2».

______________________________
(1) في ص 517.

(2) الوسائل: ج 6 ص 160 ح 7 من ب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة.

522
کتاب الخمس (للحائري)

في من لا يحتاج في السنة الواحدة إلى الخمس و يحتاج في السنوات الآتية إليه ص 522

..........

وجه الاستدلال أن يقال: إنّه لا وجه للاكتفاء بقوت السنة إلّا من جهة عدم جواز أخذ الزكاة إذا ملك قوت سنته، فافهم.

و لا يعارض ذلك بإطلاق ما دلّ على أنّ الصدقات للفقراء لوجوه:

منها: التخصيص إن لم نقل إنّ المعتبر حاكم عليه، من جهة كونه بصدد بيان ما هو المقصود من الفقر عرفا.

و منها: عدم شمول الآية له، إذ لا وجه للشمول إلّا من جهة كون المورد فقيرا بالنسبة إلى جميع آنات حياته و إن لم يكن فقيرا بالفعل، و هو يحتاج إلى لحاظ جميع حالات عمره و ملاحظة المجموع أمرا واحدا، و هو عناية زائدة، فالظاهر هو الفقير الفعليّ في الحول، و الحول مستفاد من أخذ الحول في الزكاة، كما ربّما يشير إليه التعليل المتقدّم في خبر الدغشيّ.

و منها: أنّه على فرض التعارض يرجع إلى أصالة عدم استحقاقه لمال كان يملكه صاحبه قبل النصاب و قبل حلول الحول.

إن قلت: إنّ الأولويّة المشار إليها في الفرع المتقدّم جارية في المقام، فإنّ من يملك قوت سنته و لا يحترف و لا يقدر على الاحتراف أولى بالمراعاة و أولى بصدق عنوان الفقير عليه من المحترف، فإنّهما يشتركان في مقدار المال بالفرض و المحترف يقدر على الوصول إلى العوائد الّتي تقابل أصل رأس المال بأضعاف مضاعفة.

قلت أوّلا: إنّه لعلّه لوحظ مراعاة الفقراء أيضا، فإنّه لا فرق بالنسبة إليه من أخذ الزكاة في تلك السنة أو بعد ذلك، و لا فرق بالنسبة إلى الفقراء أيضا من حيث كمّيّة المال المأخوذ من الزكاة و لكن لوحظ باقي الفقراء من حيث إعطاء ما كان يعطى إليهم في تلك السنة، و أمّا بالنسبة إلى المحترف فإنّه لو كان مأمورا بالارتزاق‌

523
کتاب الخمس (للحائري)

في من لا يحتاج في السنة الواحدة إلى الخمس و يحتاج في السنوات الآتية إليه ص 522

..........

من رأس ماله فإنّه يتمّ رأس ماله حينئذ و يكون كلّا على الزكاة جميع سنوات عمره و لوحظ أيضا نفسه فهو أولى بالمراعاة، من جهة أنّه إن كان مأمورا بإتلاف رأس ماله فقد أتلف مالا كثيرا، بخلاف من لا يحترف، فإنّ ماله هو الذي يأكله، و أمّا الفقر فإن كان الفقر ملحوظا بالنسبة إلى جميع العمر فهو أفقر ممّن له رأس المال، و إن كان الفقر ملحوظا بالنسبة إلى تلك السنة- كما هو محتمل التعليل الوارد في خبر الدغشيّ المتقدّم «1»، و له وجه قويّ بالنسبة إلى مثل الآية الشريفة «2»، من جهة أنّ الصدقة هي المأخوذة فيها الحول- فالفقير فقير الحول، فهو ليس بفقير، بخلاف المحترف فإنّه فقير في تلك السنة، فإنّ رأس ماله ممّا يحتاج إليه في السنين الآتية، فهو فقير في أن يأخذ من الزكاة فعلا.

فلعلّ الحكم واضح إن شاء اللّه تعالى إذا فرض القدرة على أخذ الزكاة في السنة القادمة، و أمّا إذا فرض عدم القدرة على الأخذ إلّا في تلك السنة فهو ليس بذلك الوضوح، و ذلك من باب أنّه و إن كان مشمولا لإطلاق صحيح أبي بصير أو الحسن المتقدّم «3» إلّا أنّه يمكن أن يكون مصداقا للفقير، لأنّه فقير في الأخذ و إن لم يكن فقيرا في الصرف، فيمكن أن يدّعى أنّه مشمول لإطلاق مثل الآية الشريفة «4».

و يمكن الاستدلال بالتعليل في خبر الدغشيّ المتقدّم «5»، بناء على كون المقصود أنّه حيث يكون الزكاة من سنة إلى سنة فلا يقدر الفقير نوعا على أخذ الزكاة في طول السنة فلا بدّ أن يأخذ مقدار قوت سنته.

لكنّ التعليل محتمل لوجه آخر تقدّم الإيماء إليه من كون الحكم العامّ الذي‌

______________________________
(1) في ص 522.

(2) سورة التوبة: 60.

(3) في ص 518.

(4) سورة التوبة: 60.

(5) في ص 522.

524
کتاب الخمس (للحائري)

في من لا يحتاج في السنة الواحدة إلى الخمس و يحتاج في السنوات الآتية إليه ص 522

..........

موضوعه الفقراء هو الحكم في الحول، فهو موجب لانصراف الفقير إلى فقير الحول فلا يمكن الاعتماد عليه.

و أمّا الآية الشريفة فالإطلاق من حيث الفقر في المصرف بعد ذلك تقدّم أنّه يحتاج إلى عناية زائدة، و أمّا من حيث الفقر إلى الأخذ فخلاف المنصرف إليه.

و إن أبيت عن ذلك فنقول: إنّ متعلّق الفقر غير مذكور في الدليل و محوّل إلى ما هو المنصرف إليه، و هو مردّد بين الفقير إلى الصرف أو الفقير إلى المال و لو من حيث الأخذ، و حيث لا يكون في الكلام فليس في المتن عنوان يتمسّك بإطلاقه، فالقدر المتيقّن هو الفقير في الصرف في الحول، الملازم لكونه فقيرا إلى الأخذ كذلك.

و ثانيا: على فرض الإطلاق له من حيث لحاظ المصرف بالنسبة إلى مجموع العمر حيث ورد التخصيص من تلك الجهة و لم يكن له إطلاق من جهة الفقر في الأخذ فلا إطلاق حجّة في البين.

و ثالثا: يكون المعتبر حاكما كما عرفت وجهه.

و رابعا: يكون مخصّصا.

هذا إذا كان صاحب مال بالفعل بالنسبة إلى قوت سنته، و أمّا إذا كان محترفا في تلك السنة فيملك قوت سنته بالاحتراف لكن لا يقدر بعد ذلك عليه، فالظاهر أنّه بكلا شقّيه ملحق بالأوّل- أي من غير فرق بين كونه فقيرا في الأخذ في تلك السنة أو غير فقير من تلك الجهة- و ذلك لعدم الدليل. هذا بالنسبة إلى الزكاة.

هذا، لكن في ما ذكر إشكال. وجه الإشكال: إطلاق الآية الشريفة. و تقريبه أنّه ليس المقصود بالآية الشريفة «1» مع قطع النظر عن الأدلّة الأخر هو الفقر‌

______________________________
(1) سورة التوبة: 60.

525
کتاب الخمس (للحائري)

في من لا يحتاج في السنة الواحدة إلى الخمس و يحتاج في السنوات الآتية إليه ص 522

..........

الفعليّ، فإنّه ليس بناء العقلاء بالنسبة إلى مساعدة فقرائهم ذلك، خصوصا مع كون الحدّ الذي يمكن إعطاء الزكاة هو الغنى، فإنّ ذلك موجب للحرج العظيم فلا بدّ أن يؤتى لكلّ فقير قوت يومه و بعد اليوم قوت ليلته، فالمجموع ملحوظ في جري عنوان الفقراء، فالأمر يدور بين التحديد بالسنة و عدمه، و مقتضى الإطلاق عدم التحديد. و كون الزكاة مشروطا بالحول لا يقتضي كون الفقر محدودا به، خصوصا مع عدم اشتراط الغلّات بالحول، و الحول المشروط به الزكاة في ما فيه الحول هو الحول من حين الوجوب إلى الوجوب، و الحول المدّعى في المقام هو الحول من حين الأداء، فلا وجه للتقييد بالسنة من حيث الفقر.

هذا. مضافا إلى الروايات الحاكمة بإعطاء الزكاة حتّى يغني «1»، الصريحة في غير الغنى الفعليّ- أي الغني اليوميّ الحاصل بإعطاء قليل من الزكاة-، و مضافا إلى أنّ في بعضها السؤال عن إعطاء ثمانين و مائة، قال: «نعم، و أغنه إن قدرت أن تغنيه» «2»، و بعضها حسن و صحيح. و من المعلوم أنّه لا وجه للحمل على خصوص الإعطاء الدفعيّ، إذ لا يدفع الزكاة- خصوصا مثل المواشي- دفعة، كما أنّ النقود القديمة لا تدفع دفعة، فهذا يدلّ على جواز إعطاء المالك لقوت سنته بمقدار يستغني عن الناس بتملّك رأس مال يكفيه و إذا لم يقدر على ذلك يجوز أن يتملّك ما يقوت به عمره، فيحمل ما يدلّ على الاكتفاء بقوت السنة إمّا على جواز ذلك- كما هو المستفاد من خبر بشر «3» و خبر ابن الحجّاج «4»- أو على الاستحباب. و ما في خبر ابن الحجّاج- المتقدّم إليه الإيماء- من الكيّ بين عينيه فلعلّ المنساق منه الادّخار و عدم الصرف و الصرف من الزكاة أو الصدقات مع أنّه من ادّخار الصدقات.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 178 الباب 24 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(2) المصدر: ص 179 ح 3 من ب 24.

(3) الوسائل: ج 6 ص 180 ح 8 و 9 من ب 24 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(4) الوسائل: ج 6 ص 180 ح 8 و 9 من ب 24 من أبواب المستحقّين للزكاة.

526
کتاب الخمس (للحائري)

في من لا يحتاج في السنة الواحدة إلى الخمس و يحتاج في السنوات الآتية إليه ص 522

..........

إن قلت: يمكن العكس، بأن يحمل ما تقدّم- من المستفيضة الدالّة على الإعطاء إلى حدّ الغنى- على قوت السنة.

قلت: بعد كون الملحوظ فيها من حيث الغنى مجموع الآنات المستقبلة- لوضوح أنّه ليس المراد به الغنى الفعليّ الذي يحصل بدرهم أو أنقص- فحملها على خصوص السنة الواحدة حمل المطلق على الفرد النادر. هذا، مع أنّه إذا فرض الاحتياج فتأمين ذلك دفعة واحدة أولى بحفظ شرف الإنسان المؤمن مع عدم الفرق من حيث الجهات الأخر، مضافا إلى أنّ عدم جواز الأخذ في اليوم الأوّل من السنة و جوازه في اليوم الثاني دفعة واحدة بمقدار قوت السنين المتعدّدة- على ما هو المشهور بينهم- خلاف المرتكز العقلائيّ.

و يدلّ في الخمس على جواز الأخذ في الشقّ الثاني من شقيّ الفرع المبحوث عنه- و هو عدم العثور على ما يستحقّه بعد تلك السنة- قوله عليه السّلام في معتبر حمّاد:

«فجعل لهم خاصّة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذلّ و المسكنة» «1».

و هو كالصريح في الجواز، إذ تقييد الجملة المنقولة عنه بالسنة الواحدة ممّا يستقلّ العقل بقبحه.

و يدلّ عليه بالنسبة إلى الزكاة و الخمس قوله فيه:

«فلم يبق فقير من فقراء الناس و لم يبق فقير من فقراء قرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلّا و قد استغنى» «2».

فإنّ الظاهر منه أنّ عدم الفقر هو المقصود الأصليّ من جعل الخمس و الزكاة،

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(2) المصدر.

527
کتاب الخمس (للحائري)

في من لا يحتاج في السنة الواحدة إلى الخمس و يحتاج في السنوات الآتية إليه ص 522

..........

و المفروض أنّه إن لم يأخذهما لا بدّ من السؤال عن الناس مثلا في السنة اللاحقة.

و أمّا ما تقدّم من المعارض لذلك من معتبر أبي بصير المتقدّم «1»، فهو غير صريح في التعارض، لإمكان أن يكون لفظة «أنفذها» في قوله: «إذا اعتمد على السبعمائة أنفذها في أقلّ من سنة» بالذال المعجمة- كما في الوسائل الّتي عندنا و هي طبعة طهران- و المقصود حينئذ أنّه يجريها في الاستنماء و تحصيل الفوائد في أقلّ من سنة، فيكون المقصود من الصدر و الذيل هو المحترف الذي له رأس مال بمقدار سبعمائة- و غير المحترف خارج عن مصبّ الرواية- أو الأعمّ من المحترف و القادر عليه، فإنّ غير القادر على الاستنماء من سبعمائة نادر خارج عن مورد الرواية الذي هو المثال، و قد مرّ أن المثال محمول على الغالب، أو يقال:

إنّها بالدال المهملة لكنّ الغالب هو العثور على أخذ الزكاة في السنوات الآتية، و عدم القدرة عليه نادر نوعا، خصوصا إذا فرض أنّه مع عدم القدرة قادر على التكسّب في السنوات الآتية، فلا يدلّ على عدم حلّيّة الزكاة بالنسبة إلى صورة اليأس عن القدرة على أخذ الزكاة أو الكسب و كان أمره منحصرا بالسؤال و التكدّي.

و أمّا رواية الدغشيّ المتقدّم «2» فهي غير صريحة و لا ظاهرة في عدم جواز أخذ الأكثر من قوت سنته، فإنّها واردة لبيان جواز الأخذ بمقدار قوت السنة و إن كان واجدا بمقدار قوت شهر، و على فرض الدلالة تحمل على الاستحباب كما تقدّم «3».

فالظاهر أنّ الأصحّ جواز أخذ الزكاة و إن كان الاحتياط لا يترك لمن يقدر على أخذ الزكاة أو الخمس في السنين القادمة، و أمّا بالنسبة إلى من لا يقدر على ذلك فالاحتياط ضعيف لا سيّما في الخمس، لصراحة خبر حمّاد في جواز الأخذ لأن لا يصير في موضع الذلّ و المسكنة.

______________________________
(1) في ص 518.

(2) في ص 522.

(3) في ص 526.

528
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم القادر على الاحتراف ص 529

مسألة [حكم القادر على الاحتراف]

هل يجوز أخذ الزكاة و الخمس للقادر على الاحتراف من الصنائع و الأعمال البدنيّة أو لا يجوز ذلك؟ فيه خلاف بينهم (1).

في الجواهر عن المدارك: نسبة عدم الجواز إلى المشهور. و فيها عن مفتاح الكرامة: إنّه ممّا لا خلاف فيه كما في تخليص التلخيص، إلّا ما حكاه في الخلاف و هو نادر. لكن اختار قدّس سرّه بنفسه جواز الأخذ بعد أن أشكل في ذلك و جعل منشأ الإشكال اختلاف عبارات الأصحاب في المقام فنقل عن نهاية الشيخ قدّس سرّه و التحرير و الدروس و البيان أنّ المعتبر هو الاحتراف الفعليّ و أنّه الذي لا يحلّ له الزكاة، و نقل عن المفيد قدّس سرّه و عن الغنية مع الاستدلال بالإجماع، و عن السرائر و المدارك و مفتاح الكرامة و القواعد ما يكون ظاهرا أو صريحا في عدم حلّيّة أخذ الزكاة للقادر على التكسّب و الاحتراف، و هو صريح عبارة الشرائع، ثمّ اختار بعد ذلك الجواز «1».

و نحن نذكر الأخبار الواردة حتّى يتّضح أنّ الحقّ ما نسب إلى المشهور و المجمع عليه بين الأصحاب المنقول في الغنية و التخليص، فنقول: يدلّ على المشهور المنصور أمور:

منها: صحيح زرارة أو حسنه- بإبراهيم- عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:

سمعته يقول: «إنّ الصدقة لا تحلّ لمحترف، و لا لذي مرّة سويّ قويّ فتنزّهوا عنها» «2».

و في الوسائل: إنّه رواه المفيد في المقنعة.

بيان: «ذو مرّة» إمّا بمعنى ذي العقل الصحيح- كما في اللغة- فيكون المراد من يكون سالما من حيث العقل و سويّا من حيث الأعضاء البدنيّة و قويّا له القدرة‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 15 ص 312- 314.

(2) الوسائل: ج 6 ص 159 ح 2 من ب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة.

529
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم القادر على الاحتراف ص 529

..........

على العمل، و إمّا بمعنى الاستحكام في الخلق- كما في الحبل الذي هو ذو مرّة- الذي لازمه القوّة و القدرة على الأعمال الصعبة.

و منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا تحلّ الصدقة لغني، و لا لذي مرّة سويّ، و لا لمحترف، و لا لقوي» قلنا: ما معنى هذا؟ قال: «لا يحلّ له أن يأخذها و هو يقدر أن يكفّ نفسه عنها» «1».

بيان: يحتمل أن يكون «مرّة» في هذا الحديث الشريف هي العقل السالم، لذكر القويّ بعد ذلك.

و منها: خبر أبي البختريّ عن جعفر عن أبيه عن عليّ عليهم السّلام:

أنّه كان يقول: «لا تحلّ الصدقة لغني، و لا لذي مرّة سويّ» «2».

و لا يخفى أنّ السند صحيح إلى أبي البختريّ- و هو وهب بن وهب- و قد حقّق المحدّث النوريّ في خاتمة المستدرك في رمز (شله) أنّ كتابه معتبر لأمور:

منها: كونه مذكورا في مشايخ الصدوق، و نقله في الفقيه عنه روايات كثيرة مع أنّه قال قدّس سرّه في أوّل الفقيه ما هو معروف. و منها: نقل عدّة من الثقات عنه عدّها فيها.

و منها: نقل الحميريّ الجليل ما يزيد على مائة حديث بنسق واحد عن السنديّ بن محمّد الموثّق عنه، فكتابه معتبر «3».

و لكن عندي فيه نظر، فإنّه يظهر من مراجعة ترجمته أنّه كان لا يبالي في‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 160 ح 8 من ب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة عن معاني الأخبار: ص 262.

(2) الوسائل: ج 6 ص 161 ح 11 من ب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(3) المستدرك: ج 3 من الطبعة الحجريّة ص 692 «الفائدة الخامسة».

530
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم القادر على الاحتراف ص 529

..........

جعل الحديث و قيل فيه: «إنّه كذّاب» و «إنّه من أكذب البريّة» و «إنّه نقض الأمان»، و كأنّه كان بحسب الظاهر يميل إلى الرشيد و أفتى بقتل من كان الرشيد يميل إلى قتله فوهبه منصب القضاء و وصله بمال كثير، و حينئذ كيف يمكن أن يكون كتابه معتبرا بمعنى أنّه تنزّه عن الكذب في خصوص ذلك الكتاب؟!، و لذا نقل عن الغضائريّ أنّه روى عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام أحاديث كلّها لا يوثق به. و نقل الفقيه و كذا قرب الإسناد و غير ذلك لا يدلّ على الاعتبار، لعدم معلوميّة الاستناد إليه منفردا في موضع من المواضع. و نقله إذا كان موافقا للأخبار المعتبرة الأخر لا يدلّ على الاعتماد بكتابه حتّى يستند إليه في موضع الانفراد، فغاية الأمر أنّ حديثه مؤيّد للحديثين المعتبرين السابقين. و اللّه المتعالي هو العالم بالحقائق.

و من أدلّة المشهور: عدم صدق الفقير و المسكين عليه، لعدم فقره إلى أخذ الزكاة و الخمس.

و منها: أنّه على فرض الشكّ لا يمكن الأداء إليه، لأنّ مقتضى الاستصحاب عدم مالكيّته لذلك، و ليس المقام مقام البراءة عن القيد المشكوك (بأن يقال: إنّ المسلّم أصل فقد المال، و أمّا الاشتراط بعدم القدرة على التحصيل فمقتضى حديث الرفع مثلا إلقاء قيديّته، و هو مقدّم على الاستصحاب) و ذلك لأنّه ليس في المقام حكم تكليفيّ محض مردّد بين المطلق و المقيّد، بل جعل اللّه تعالى الزكاة ملكا لعدّة عناوين، و الواجب التكليفيّ هو إيصال الحقّ إلى صاحبه، و موضوع ذلك التكليف معلوم بحسب المفهوم غير مردّد بين الأقلّ و الأكثر، و عند تردّد الأمر في مقام الامتثال بينهما يرجع إلى البراءة. و تردّد موضوع الوضع بين المطلق و المقيّد و الرجوع إلى رفع القيد بإطلاق حديث الرفع لا يثبت الإطلاق الذي به يثبت كونه ذا حقّ يجوز أداء الزكاة إليه. و هذا بخلاف التكليف، فإنّ عدم التكليف‌

531
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم القادر على الاحتراف ص 529

..........

بالقيد كاف في رفع العقوبة و لا يدور الأثر مدار ثبوت التكليف بالمطلق على وجه الإطلاق، فتدبّر. و هذا المعنى جار في الوصايا و الأوقاف.

فما نسب إلى المشهور في الزكاة- و الظاهر إلحاق الخمس به- هو الأصحّ لا سيّما في الزكاة.

و لا يعارض ذلك بصحيح معاوية بن وهب، قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: يروون عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّ الصدقة لا تحلّ لغني و لا لذي مرّة سويّ، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا تصلح لغني» «1».

و مرسل الصدوق عن الفقيه:

و قيل للصادق عليه السّلام: إنّ الناس يروون عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «إنّ الصدقة لا تحلّ لغني و لا لذي مرّة سويّ» فقال: «قد قال: لغني و لم يقل لذي مرّة سويّ» «2».

و مرسلة الآخر عن معاني الأخبار عن الصادق عليه السّلام أنّه قال:

«قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّ الصدقة لا تحلّ لغني، و لم يقل: و لا لذي مرّة سويّ» «3».

بيان عدم المعارضة:

أمّا الصحيح فلعدم ظهوره أصلا في الإنكار، بل لعلّ المقصود بيان كلام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بأنّه لا تصلح الصدقة للغنيّ الذي يكون ذو مرّة سويّ من أفراده، فهو تأييد مشتمل على ما يوافق الارتكاز و أنّ العلّة فيه هو الغنى، و هو المناسب‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 159 ح 3 من ب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(2) الوسائل: ج 6 ص 159 ح 5 من ب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(3) المصدر: ص 160 ح 9.

532
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم القادر على الاحتراف ص 529

..........

لقوله عليه السّلام «لا تصلح» الذي مفاده أنّه ممّا يدركه الذوق و أنّه ممّا لا يصلح الزكاة له لانّه غنيّ. و على فرض الظهور في الإنكار فيرفع اليد عنه من جهة الجمع بينه و بين صحيح معاني الأخبار- الصريح في أنّه صلّى اللّه عليه و آله قال ذلك- و أنّ الجامع بين الغنيّ و المحترف و القويّ و ذي المرّة هو عدم الاحتياج الذي هو عين الغنى.

و أمّا المرسلان فالظاهر كونهما واحدا ذكره تارة في الفقيه و اخرى في معاني الأخبار، و كلاهما مفاد صحيح معاوية بن وهب، و لذا اعترف بذلك في الجواهر مع ذهابه إلى خلاف المشهور، فقال قدّس سرّه:

و كأنّه إليه أشار الصدوق في الفقيه بقوله: قيل للصادق عليه السّلام. «1».

فحينئذ إمّا أنّ الصدوق فهم من ذلك الإنكار فنقل ذلك بالمعنى و إمّا لم يفهم هو أيضا ذلك، بأن يكون قوله: «و لم يقل و لا لذي مرّة سويّ» مقولا لقول الصدوق أي لم يقل الصادق عليه السّلام: «إنّ رسول اللّه قال: و لا لذي مرّة سويّ»، فالمعتبران المتقدّمان فارغان عن المعارض.

فلا محيص عن المشهور الذي لم يعلم خلاف معتدّ به إلّا من صاحب الجواهر، و ذلك من العجائب، فإنّه قدّس سرّه مع ندرة مخالفته المشهور خالفهم في هذا المقام مع ضعف المستند، فإنّه قد فرض أوّلا اختلاف عبارات الأصحاب في اعتبار الاحتراف الفعليّ في عدم حلّيّة الزكاة أو الأعمّ منه و القدرة عليه، و استدلّ بعد ذلك على الجواز أوّلا بما تقدّم في حسن زرارة أو صحيحه من قوله عليه السّلام «فتنزّهوا عنها» الظاهر في الكراهة، و بذلك يتصرّف في ظهور «لا تحلّ» فيحمل على الكراهة، و ثانيا بإنكار أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح معاوية بن وهب أنّ‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 15 ص 313.

533
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم القادر على الاحتراف ص 529

..........

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «و لا لذي مرّة سويّ»، و الإنكار ظاهر في جواز أخذها له، و ثالثا بإطلاق الدليل، و رابعا بالسيرة المستمرّة على إعطائها للأقوياء القابلين للاكتساب، و أيّده بما عساه يظهر من بعضهم من الإجماع على جواز إعطاء ذي الصنعة إذا أعرض عنها و ترك التكسّب بها «1».

و في ما ذكره قدّس سرّه مواقع للنظر:

الأوّل: أنّه لا اختلاف في ما نقله من عبارات الأصحاب بوجه من الوجوه، فإنّ مفاد العبارات الّتي ذكرها بعنوان أنّهم يعتبرون الاحتراف الفعليّ ليس مفادها إلّا التعرّض للمحترف الفعليّ من حيث وفاء عوائده بمئونته و أنّه يأخذ الزكاة و لو كان له سبعمائة الوافي بمئونة سنته و أنّه لا يأخذ الزكاة إذا وفى و لو كان مالكا لخمسين درهما، كما في عبارة الشيخ، بل في عبارة الشيخ «يقدر أن يتعيّش بها» الشامل لغير المحترف.

الثاني: أنّه لا ظهور لمادّة التنزّه في الكراهة أصلا، بل هي ظاهرة في الحرمة قطعا، و ذلك من باب الخلط بين الاصطلاح المتداول عند الفقهاء- من إطلاق النهي التنزيهيّ على المكروهات و التحريميّ على المحرّمات- و اللغة، و إلّا ففي اللغة لا شاهد على ذلك أصلا، فإنّا إذا قلنا: «إنّ اللّه تعالى منزّه عن القبائح» هل معناه أنّ الأصلح أن لا يرتكب القبيح؟! بل معناه أنّه لا يجوز له ذلك، كما أنّ المكروه كذلك، فإنّ قوله تعالى كُلُّ ذٰلِكَ كٰانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً «2» بعد قوله تعالى وَ لٰا تَقْتُلُوا أَوْلٰادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلٰاقٍ «3» و قوله تعالى وَ لٰا تَقْرَبُوا الزِّنىٰ «4» و قوله عزّ من قائل وَ لٰا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّٰهُ «5» لا يراد به إلّا‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 15 ص 312- 314.

(2) سورة الإسراء: 38.

(3) سورة الإسراء: 31.

(4) سورة الإسراء: 32.

(5) سورة الإسراء: 33.

534
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم القادر على الاحتراف ص 529

..........

الحرمة الشديدة، كما لا يخفى.

الثالث: أنّه على فرض الظهور فلا وجه للجزم بالتصرّف في ظهور «لا تحلّ» بذلك، فلم لم يكن بالعكس كما في المستمسك «1»؟! (و إن كان فيه إشكال و لعلّه أيضا ناش من الخلط بين الحلّيّة الاصطلاحيّة في الفقه الّتي في قبال الحرام و العرفيّة اللغويّة الّتي يمكن التطبيق على المكروه أيضا، فإنّه ليس الطريق إلى المكروه مفتوحا و ليست العقدة منحلّة من جميع الجهات و إن كان ظاهرا في الحرمة). نعم، لو كان الدالّ على الحرمة هي النهي، كأن يقال: «لا يأخذ الزكاة» كان ما دلّ بمادّته على الكراهة مقدّما عليه على مبني عدم ظهور البعث و الزجر في الوجوب و الحرمة، بل هما ظاهران في البعث و الزجر، و هما حجّتان على الوجوب و التحريم إذا لم يقم دليل على الإذن في الخلاف، و في المقام يكون دلالة عدم الحلّيّة على التحريم بالمادّة و دلالة «تنزّهوا عنها» على الكراهة- على المفروض الممنوع- بالمادّة أيضا، فلا ترجيح لأحدهما على الآخر.

الرابع: أنّه لا دلالة لصحيح معاوية بن عمّار على الإنكار- كما مرّ وجهه- بل هو ظاهر عندي في مقام بيان التعليل المحمول على الارتكاز بقرينة «لا تصلح» فكأنّه قال: نعم، فإنّه لا ينبغي للغنيّ أن يأخذ الزكاة و لا يصلح له ذلك.

الخامس: أنّه على فرض الدلالة على الإنكار لا يدلّ على جواز الأخذ كما هو ظاهر، فلعلّ وجهه كفاية «غنيّ» لذلك.

السادس: أنّه على فرض دلالة الإنكار على الجواز يعارض ذلك بصريح خبر معاني الأخبار المتقدّم «2» الدالّ على أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال ذلك، فيجمع بينهما عرفا بأنّ الصحيح «3» الخالي عن ذكر «ذي مرّة» بصدد بيان المعنى، كما أنّه‌

______________________________
(1) ج 9 ص 220.

(2) في ص 532.

(3) في ص 532.

535
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم القادر على الاحتراف ص 529

و الأقوى عدم الجواز (1).

كذلك في صحيح معاني الأخبار «1».

السابع: أنّه على فرض عدم الجمع العرفيّ يرجع إلى المرجّح، و لا ريب أنّ الترجيح من حيث الشهرة الروائيّة و الفتوائيّة في دليل المنع، و كذا من حيث الأعدليّة و الأفقهيّة، لأنّ الراوي زرارة بن أعين في المعتبرين «2» المؤيّدين بخبر أبي البختريّ «3»، لا سيّما مع عدم وجه للحمل على التقيّة في المورد بالنسبة إلى خبر معاني الأخبار، لأنّ ظاهره أنّ أبا جعفر عليه السّلام بنفسه روى الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و لا تقيّة في ذلك أصلا إلّا بوجه بعيد كثير البعد لا يعبأ به في مقام الترجيح المحوّل على الجهات العرفيّة.

الثامن: أنّه على فرض التكافؤ يرجع إلى العموم الدالّ على الانحصار في الفقراء و المساكين.

التاسع: أنّه على فرض الشكّ في العموم فقد عرفت أنّ مقتضى الأصل هو عدم مالكيّة ذلك القويّ القادر للزكاة و الخمس.

العاشر: ما ذكره من السيرة ممنوعة جدّا، فإنّه لم يعهد استقرار السيرة على إعطاء الزكاة إلى القويّ السويّ- الذي لا عذر له في ترك الاشتغال- في حال عدم العجز كي يحتاج إلى التوجيه بأنّه لعلّه من باب طروّ العجز كما في الجواهر «4»، و كأنّه خلط بين إعطاء السائل من باب عدم نهره أو إعطاء الزكاة من باب براءة الذمّة.

و قد ظهر وجهه نصّا و فتوى من التعليق السابق، بل لعلّ إيجاد الخلاف من‌

______________________________
(1) المتقدّم في ص 530.

(2) المتقدّمين في ص 529- 530.

(3) المتقدّم في ص 530.

(4) ج 15 ص 314.

536
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم القادر على الاحتراف ص 529

إلّا بعد طروّ العجز و لو بسوء الاختيار (1).

صاحب الجواهر قدّس سرّه الذي أودع الإشكال «1» فاحتاط صاحب العروة «2» مع أنّ عدم الجواز ظاهر جدّا.

و الوجه في ذلك صدق الفقير عليه فعلا فيشمله العموم.

و الذي يوضح ذلك أنّ عدم الصدق إن كان من باب القدرة السابقة فلا بدّ من حرمان العاجز الذي كان قادرا سابقا على الاكتساب فعرض له العجز بسوء الاختيار، و إن كان من باب طروّ الاختيار بعد ذلك فمقتضاه الحرمان للعاجز غير المسبوق بالقدرة، من جهة أنّه يقدر بعد ذلك، و كلاهما خلاف المقطوع، و المجموع من الأمرين- كالبنّاء الذي ترك العمل في الصيف تكاسلا و في الشتاء لا يقدر أيضا و يعلم بطروّ القدرة بعد ذلك- ليس شي‌ء آخر غير نفس الأمرين من دون الاجتماع.

و في مصباح الفقيه عن الشيخ العلّامة الأنصاريّ قدّس سرّه:

لو ترك المحترف حرفته فاحتاج في زمان لا يقدر عليها- كما لو ترك البنّاء عمله في الصيف فاحتاج في الشتاء- فيه إشكال: من صدق الفقير عليه، و من صدق المحترف و ذي المرّة السويّ فيشمله دليل المنع، و عدم معلوميّة صدق الفقير عليه و إلّا لصدق على المحبوس الغنيّ، و لم يجعل ابن السبيل قسيما للفقير في الدليل. نعم، لا بأس بالإعطاء من سهم سبيل اللّه «3». انتهى ملخّصا.

______________________________
(1) الجواهر: ج 15 ص 312- 314.

(2) في العروة، كتاب الزكاة، أوائل الفصل السادس.

(3) مصباح الفقيه: ج 3 ص 88.

537
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم القادر على الاحتراف ص 529

..........

و ردّه بأنّه:

لا عبرة بصدق المحترف و ذي المرّة بعد ورود تفسيرهما في خبر زرارة المتقدّم، فإنّ ظهور الحاكم مقدّم عرفا- من دون إشكال- على ظهور المحكوم إن كان له ظهور «1». انتهى ملخّصا.

أقول: في ما ذكره الشيخ و الفقيه الهمدانيّ قدّس سرّهما إشكال من وجوه:

أمّا ما ذكره الشيخ، ففيه أوّلا: أنّ الظاهر عدم صدق المحترف، لأنّه ظاهر في المحترف الفعليّ لا في من له ملكة الاحتراف من دون الاشتغال الفعليّ، فالمحترف عبارة أخرى عن المشتغل.

و ثانيا: غاية ما في الباب الشكّ، فلا دليل على المنع.

و ثالثا: أنّ ذي المرّة السويّ طريق عرفا إلى القدرة على الكسب، و ليس في العرف موضوعيّة لذي المرّة السويّ، و إلّا لم يجز له الأخذ إذا كان في المثال قويّا ذا مرّة و قادرا في الشتاء مع عدم قدرته على ذلك في الصيف، و لا يلتزم به أحد.

و رابعا: على فرض عدم القطع بعدم الصدق فلا أقلّ من الشكّ.

و خامسا: يرد عليه ما في مصباح الفقيه من تقدّم ظهور الحاكم على المحكوم.

و سادسا: نلتزم بصدق الفقير على الغنيّ المحبوس، إذ ليس الفقير لغة هو المعدم للمال و ليس الغنيّ صاحب المال، بل الأوّل هو المحتاج و الثاني غير المحتاج، و هما من لوازم عدم وجدان المال و وجدانه، فوقع الخلط بين اللازم و الملزوم، فصدق الفقير على صاحب المال المحبوس مسلّم كصدقه على صاحب القدرة الّتي هي بمنزلة المال الذي لا يقدر على الاستفادة منه إلّا في الشتاء.

______________________________
(1) مصباح الفقيه: ج 3 ص 88- 89.

538
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم القادر على الاحتراف ص 529

..........

و سابعا: أنّ التقابل لا يقتضي حمل الفقير على ما لا يشمل ابن السبيل، الملازم لعدم شموله لمن يقدر على التكسّب بعد ذلك، فإنّه يكفي في التقابل الاختلاف في العموم و الخصوص إذا كانت في البين نكتة في ذلك، كما أنّ «اليتامى» جعلت في قبال «المساكين» في آية الخمس، و جعل «المؤلّفة قلوبهم» في قبال «سبيل اللّه» مع أنّها من مصاديق الصرف في سبيل اللّه و لو لدفع الموانع عن رواج الدين.

و ثامنا: أنّه لو فرض الإشكال في الآية للتقابل فلا مانع من التمسّك ببعض الروايات الخالية عن التقابل المذكور، كخبر زرارة و محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«إنّ اللّه عزّ و جلّ فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم.» «1».

و تاسعا: أنّه لو فرض الإشكال من جهة التقابل في إطلاق الفقير لكان مقتضى ذلك: الإشكال في سهم سبيل اللّه، فلا بدّ أن يكون أمرا آخر غير ما ينطبق على صرف الإعطاء إلى الفقير.

و عاشرا: على فرض الغضّ عن التقابل فالإعطاء من سهم سبيل اللّه من دون أن يكون ذلك لحصول عبادة للآخذ- بل كان التعبّد من طرف المعطي كافيا في ذلك- مشكل جدّا بل عدمه مقطوع، فإنّ مقتضاه جواز الصرف في نفسه أو في الأغنياء بالضيافة إذا قصد التقرّب، فالظاهر أنّ المقصود أن يحصل به قرب غير القرب الحاصل لنفس المعطي الموجود في جميع موارد إعطاء الزكاة، فإعطاؤه من سهم سبيل اللّه من دون أن يكون ذلك في قبال عمل قربيّ مشكل جدّا.

و أمّا النظر في كلام صاحب المصباح، فلأنّه لم يدفع إلّا إشكال المحترف‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 3 ح 2 من ب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

539
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم المشتغل بمقدمات ما يحصل منه المنفعة ص 540

مسألة [حكم المشتغل بمقدّمات ما يحصل منه المنفعة]

من يشتغل بمقدّمات علم أو صنعة و ليس له منافع يتعيّش بها فهل يجوز له أخذ الزكاة أم لا؟ فيه تفصيل، فإنّه إن لم يكن قادرا على الاكتساب غير ما اشتغل بمقدّماته فيجوز له الأخذ منها و من الخمس.

و أمّا إذا كان التكسّب حرجيّا ففيه إشكال و إن كان الأقرب هو الجواز (1).

و ذي المرّة دون إشكال عدم صدق الفقر للوجهين.

و ممّا ذكرنا يظهر الكلام في الخمس، لصدق الفقير و إطلاق ما في خبر حمّاد المتقدّم «1» من قوله عليه السّلام:

«فجعل لهم خاصّة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذلّ و المسكنة».

وجه الإشكال: التردّد في صدق ما جعل في صحيح معاني الأخبار «2» ملاكا لعدم حلّيّة أخذ الزكاة من قوله «لا يحلّ له أن يأخذها و هو يقدر أن يكفّ نفسه عنها»، و احتمال عدم صدق الفقير عليه، لأنّه يقدر على التكسّب و لو بالحرج و المشقّة.

لكنّه مدفوع بما يستفاد من غير واحد من الأخبار: من عدم لزوم تحمّل الحرج لعدم أخذ الزكاة، و عدم لزوم بيع الدار و الخادم و الاستغناء بذلك عن الزكاة «3»، و بما ورد من جواز أخذ الزكاة للتوسعة، كما في صحيح ابن الحجّاج عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام، قال:

سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مئونته، أ يأخذ الزكاة فيوسّع به إن كانوا لا‌

______________________________
(1) في ص 527.

(2) المتقدّم في ص 530.

(3) الوسائل: ج 6 ص 161 الباب 9 من أبواب المستحقّين للزكاة.

540
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم المشتغل بمقدمات ما يحصل منه المنفعة ص 540

..........

يوسّعون في كلّ ما يحتاج إليه؟ فقال: «لا بأس» «1».

و في خبر أبي بصير المعتبر:

«و ما أخذ من الزكاة فضّه على عياله حتّى يلحقهم بالناس» «2».

و في المستمسك في ذيل ما في العروة- من جواز أخذ الزكاة لمن يقدر على التكسّب بالعسر و المشقّة شأنا أو حالا «3»- قال:

بلا خلاف ظاهر، و يستفاد من نصوص استثناء العبد و الخادم «4».

إن قلت: المفروض في الروايات جواز التوسعة و عدم لزوم بيع الدار و الخادم في فرض أخذ الزكاة الذي لعلّه يتوقّف على عدم التمكّن الحقيقيّ من التكسّب للمقدار الوافي بقوت سنته، فمن لا يقدر على ذلك لا يجب عليه تحمّل الحرج، و هذا غير من يقدر عليه لكن مع الحرج و المشقّة.

قلت: فرض عدم القدرة في الروايات المتقدّمة ممنوع، بل مورد السؤال: من كان له دار و خادم مثلا، فيمكن أن يكون قادرا ببيع ذلك على تحصيل قوت سنته بنحو الحرج و المشقّة، بل في خبر ابن الحجّاج فرض مالكيّة قوت سنته بنحو الحرج و المشقّة بإعطاء أبيه نفقته، فمن ليس مالكا له بالفعل و لكن يقدر التكسّب على نحو الحرج و المشقّة أولى بذلك.

هذا، مع أنّه لا فرق عرفا بين من يقدر على التقليل في أخذ الزكاة و لكن يقع في الحرج و من يقدر على عدم أخذ أصل الزكاة كذلك. و يمكن دعوى صدق الفقر‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 163 ح 1 من ب 11 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(2) المصدر: ص 159 ح 4 من ب 8.

(3) العروة: كتاب الزكاة، الفصل السادس، المسألة 4.

(4) المستمسك: ج 9 ص 225.

541
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم المشتغل بمقدمات ما يحصل منه المنفعة ص 540

..........

عرفا إذا كان تحصيل المال له حرجيّا.

و يمكن الاستدلال أيضا بعموم دليل نفي الحرج مع فرض الشكّ في الفقر، لا مع فرض القطع بعدم صدق الفقر:

أمّا عدم جواز التمسّك على الفرض الثاني، فلتزاحمه لدليل نفي الضرر، فإنّ المال للفقراء و سائر المصارف، فيرجع بعد التزاحم أو التعارض- على اختلاف المسلكين- إلى عموم عدم جواز التصرّف في حقّ الغير و إن كان الحقّ هو التزاحم. و لا فرق بينه و بين التعارض إلّا في ما أحرز أهمّيّة ملاحظة الحرج من الضرر و من ملاك عدم جواز التصرّف في مال الغير، فإنّه على التعارض يكون الواجد للملاك أحدهما فلا يفرض الأهمّيّة، و أمّا على فرض التزاحم فيرجع إلى الإطلاق إلّا إذا قطع بعدم الإطلاق من حيث أهمّيّة مخالف الإطلاق، فافهم و تأمّل.

و أمّا جواز التمسّك بدليل نفي الحرج على الأوّل، فلعدم التعارض أو التزاحم لدليل نفي الضرر و عدم وجود إطلاق يحكم بعدم الجواز لفرض احتمال كونه مصداقا للعامّ، و لا يتوقّف شمول دليل نفي الحرج على ثبوت حكم حرجيّ يرتفع ذلك بدليل نفي الحرج، بل مقتضاه عدم جعل الحكم الحرجيّ في الشريعة الغرّاء، و لازمه تقيّد الإطلاق إن كان و عدم الجعل إن لم يكن، و يكفي في الحكومة نظره إلى مجموع الأحكام المجعولة في الشريعة و أنّه ليس في الأحكام المجعولة في الشرع حكم يلزم منه الحرج، و لازم ذلك اقتضاؤه لتقييد الإطلاق إن كان مقتضى الإطلاق شموله لمورد البحث من باب صدق الفقير، و كذا إن كان مقتضى الإطلاق عدم الشمول من باب عدم صدقه لفرض الشكّ و عدم فعليّة الحكم حتّى يتعارض لدليل نفي الحرج.

و من ذلك يظهر الكلام في الخمس، فإنّه يمكن الاستدلال له بأمور: منها‌

542
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم المشتغل بمقدمات ما يحصل منه المنفعة ص 540

و أمّا إذا لم يكن التكسّب حرجيّا لا شأنا و لا حالا فلجواز أخذ الزكاة و كذا الخمس للمشتغل بمقدّمات علم أو صنعة يترقّب منه زيادة العوائد بحيث يقدم على ذلك العقلاء وجه (1).

و يمكن الاحتيال لأخذهما بالنذر على الاشتغال بالمقدّمات المنظور منها العلم أو الصنعة، دعوى صدق الفقر. و منها أنّ الخمس عوض عن الزكاة بحسب الدليل. و منها الاستدلال بدليل نفي الحرج.

الوجه في ذلك عدم الإشارة في الأخبار المتعرّضة لوجود رأس المال من الدار الّتي لها غلّة أو الدراهم أو الغلام الذي يستقي له إلى أنّ ذلك إذا لم يمكن تبديل ذلك برأس مال يمكن أن يفي بجميع مئونته كما أنّ ذلك في الدار كثير الاتّفاق، أو مع ضمّ ذلك بالمشاغل البدنيّة حتّى يفي المجموع بمئونته، فالمستفاد من ذلك أنّ عدم الوفاء بالمئونة مع عدم الخروج عمّا عليه نوع العقلاء من الاشتغال بشغل لإعاشته كاف في صدق الفقر، فإذا لم يجب التبديل مع التمكّن من ذلك من دون الحرج مع وجود بعض مئونة السنة و جاز له أخذ الزكاة فمن كان مشتغلا بمقدّمات علم- كالطبّ أو الهندسة أو الصنائع الموجبة لازدياد المال- أولى بذلك.

لا يقال: هذا مخالف لما تقدّم «1» في حديث معاني الأخبار من أنّ الملاك عدم القدرة على كفّ النفس عنها.

فإنّه يقال: يمكن حمله على القدرة مع الوضع الفعليّ الذي اتّخذه لنفسه و يكون ممّا يقدم عليه العقلاء، للانصراف إلى عدم القدرة مع فرض ملاحظة الجهات العقلائيّة، و خروج القدرة بواسطة التبديل عن منصرف الدليل، و للزوم حمل تلك الأخبار على الموارد غير الكثيرة و إخراج موارد كثيرة عنها.

______________________________
(1) في ص 530.

543
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم المشتغل بالعلوم الدينية ص 544

أو الحلف مع وجود شرائط انعقادهما (1).

مسألة [حكم المشتغل بالعلوم الدينيّة]

هل يجوز للمشتغل بالعلوم الدينيّة من المعارف و الفقه و التفسير و الحديث و مقدّمات ذلك من الأدبيّات و الأصول أن يأخذ من الزكاة أو الخمس أم لا (2)؟ فيه وجوه، و مقتضى الاحتياط الأخذ من السهم المبارك بالاستيجار مع القطع بالرضا و عدم الأخذ منه مع الشكّ فيه و لكن يحلف على التفقّه و على عدم أخذ السهم المبارك حتّى يقطع بجواز الأخذ من الزكاة أو الخمس. و هو العالم.

فإنّه يشترط في متعلّق النذر الرجحان الشرعيّ، فيمكن تعلّق النذر بتحصيل علم الطبّ مثلا لأن يخدم به الناس، كما أنّه على ما ذكره الفقهاء يشترط في اليمين أن يكون له رجحان و لو كان من الجهات الدنيويّة، فيحلف على أن يتعلّم مثلا سياقة السيّارة لأن يخلص بذلك عن حمل الأمتعة للناس ببدنه، و لا ريب أنّه عقلائيّ فالحلف عليه جائز نافذ، و مقتضاه صدق الفقر بعد ذلك، لأنّ عدم القدرة المأخوذة في الحلّيّة إن كانت هي الأعمّ من الشرعيّة و الخارجيّة فمعلوم، و أمّا إن كان المقصود بها القدرة الخارجيّة فلا ريب في عدمها في فرض العمل بالواجب، و العمل به واجب في الشرع خارج عن دائرة القدرة، و لقد شرحنا ذلك في الأصول، مع أنّ لازم الاقتصار على القدرة الخارجيّة عدم جواز أخذ الزكاة إذا كان قادرا على كفّ النفس عنها بسرقة أموال الناس، و هو معلوم البطلان.

ففي الجواهر عن التحرير:

لو كان كسبه يمنعه من التفقّه في الدين فالأقرب عندي جواز أخذها (أي الزكاة). و عن البيان: و يعطى ذو الحرفة و الصنعة إذا قصرتا عن حاجته أو شغلاه عن طلب العلم. و عن محكيّ النهاية و المنتهى و التحرير‌

544
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم المشتغل بالعلوم الدينية ص 544

..........

و غيرها: لو كان التكسّب يمنعه عن التفقّه جاز أخذها، لأنّه مأمور به. و عن الأخير: و أمّا ما زاد على الواجب على التفقّه فإن كان طالبا لدرجة الاجتهاد أو قد بلغها و يحتاج الناس إلى التعلّم منه جاز له ترك التكسّب، و إن كان يعلم أنّه لا يبلغ درجة الاجتهاد و كان في ازدياد و يعلم حاجة الناس إلى القدر الذي عنده جاز له الاشتغال بالتعلّم و التعليم عن التكسّب، و إلّا فلا «1».

و في المستمسك في التعليق على العروة حيث قال الماتن بجواز أخذ الطالب للعلم مع قدرته على الاكتساب للزكاة «2»، قال:

إنّ في ذلك أقوالا ثلاثة: الأوّل هو الجواز مطلقا.

الثاني و هو عن بعض: إطلاق المنع. الثالث: التفصيل بين الذي يجب عليه الاشتغال فيجوز و من لا يجب عليه فلا يجوز. و هذا هو الأظهر «3». انتهى ملخّصا.

أقول: يمكن أن يقال بعدم جواز الأخذ حتّى في فرض الوجوب العينيّ بالذات أو بالحلف أو النذر، و ذلك لجواز الأخذ من السهم المبارك فهو حينئذ غنيّ، فلا يجوز للهاشميّ أخذ الخمس و لا لغيره أخذ الزكاة، لغناه بواسطة الاشتغال و العلم أو الاطمئنان برضا الإمام عليه السّلام في التصرّف في السهم المبارك.

و يمكن دفع ذلك بأنّه ليس المقصود من الفقر هو الفقر إلى خصوص الزكاة عرفا و بالضرورة، لأنّه لو كان المقصود ذلك لم يجز أخذ الزكاة إلّا لمن لا يقدر‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 15 ص 312- 315.

(2) العروة: كتاب الزكاة الفصل السادس، المسألة 8.

(3) المستمسك: ج 9 ص 226- 227.

545
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم المشتغل بالعلوم الدينية ص 544

..........

على غير ذلك من غير حرج، فجواز الأخذ من مال الإمام عليه السّلام للعلم برضاه بذلك لا يخرجه من الفقر. و من ذلك يظهر الوجه في عدم وجوب الاستدانة.

إن قلت: فعلى هذا يجوز إعطاء الزكاة و الخمس لولد الأغنياء من الصغار و الكبار.

قلت: وجوب النفقة عليهم بمنزلة الاستحقاق من مالهم عرفا.

إن قلت: يمكن القطع بوجوب ذلك على الإمام عليه السّلام، لأنّه أيّ مصرف أبرّ و أوفى و أحسن من الصرف في العلوم الإسلاميّة و ترويج مذهب الحقّ و هداية الناس.

قلت: وجوب حصول ذلك لا يقتضي إلّا الصرف إليه، و وجوب الصرف إمّا من الزكاة أو من السهم المبارك أو من غير ذلك من الأوقاف و منافع الأراضي الخراجيّة، و لا يعيّن ذلك في السهم المبارك حتّى يستكشف بذلك وجوب الإذن من الإمام عليه السّلام.

و يمكن أن يشكل في ذلك بأنّه إذا فرض رضي الإمام عليه السّلام بالتصرّف في السهم المبارك فرضاه بالاستيجار أيضا حاصل بالأولويّة، لأنّه حينئذ يجب عليه التحصيل بعد الإجارة. و دعوى لزوم الإذن في صحّة الإجارة غير معلوم، لعدم الدليل إلّا على مدخليّة الرضا، و أمّا دخالة الزيادة عليه خصوصا في الصحّة محلّ منع مناف للإطلاق، فإذا صحّ ذلك فهو داخل في من يقدر على الاحتراف بصيرورته أجيرا فلا يصحّ له أخذ الزكاة أو الخمس.

و يمكن أن يجاب عن ذلك بأنّ مقتضى إطلاق غير واحد من الروايات (كموثّق سماعة «1» الوارد في الدار الّتي غلّتها لا تفي بمئونته مع ترك الاستفصال‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 161 ح 1 من ب 9 من أبواب المستحقّين للزكاة.

546
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم المشتغل بالعلوم الدينية ص 544

..........

عن إمكان الاحتراف و عدمه و إمكان ضمّ الحرفة إلى الغلّة أو تبديل الدار بسهولة بالأرض الزراعيّة أو غير ذلك من التبديل بالنقود الّتي ربّما يكفي خمسون درهما لرأس ماله في العمر- كما هو وارد في بعض الروايات «1»- و غير ذلك) كفاية الفقر الفعليّ مع فرض اتّخاذ طريقة يتّخذها العقلاء في أمورهم، و بذلك يخرج عن ذي مرّة سويّ وارد في الروايات، و التبديل و إن كان أيضا عقلائيّا لكنّه لا يخلو عن إشكال و لو من جهة كون ذلك خلاف عادته المعتادة عليها أو من جهة صعوبته و إن لم تلحق بالحرج، و لا ريب أنّ التحصيل مع عدم الاستيجار عقلائيّ خوفا من عدم وفائه كاملا بمقتضى الإجارة، أو احتمال كون ذلك أقرب إليه تعالى، أو احتمال عدم جواز الأجرة على الواجبات، أو احتمال تنافي الأجرة للعباديّة، إلى غير ذلك من الجهات العقلائيّة، فيرتفع الإشكال من تلك الجهة أيضا في ما يكون التفقّه واجبا عينيّا بالذات- كالتفقّه في العقائد الحقّة بالدليل، و في الواجبات العمليّة و لو بتعلّم مسائل من يصلح الرجوع إليه- أو من باب قيام من به الكفاية به لعدم إقدام نوع الناس بذلك و حصول الخلل بتركه التفقّه في الدين، أو من باب النذر أو الحلف على ذلك، بل إذا كان واجبا كفائيّا (كما إذا لزم نفر عشرة من المستعدّين من بلد إلى مركز التفقّه مثلا و يكون ثلاثون نفرا طالبين لذلك فيختار ذلك لنفسه بحيث لو لم ينفر لنفر غيره) أو كان مستحبّا صرفا، لكون ذلك من الأمور العقلائيّة الّتي يقدم عليها العقلاء و مع ذلك يكونون فقراء بالفعل.

و مقتضى الاحتياط في ما ليس بواجب بالذات أن يوجبه على نفسه بالحلف أو النذر و أن يحلف على عدم أخذ السهم المبارك مع الترديد في رضي الإمام عليه السّلام بوجه من الوجوه حتّى يقطع بالفقر في تلك الصورة و يأخذ من السهم المبارك‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 160 ح 6 من ب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة.

547
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة ما يزيد عن الطوائف الثلاثة من النصف فهو للإمام عليه السلام و عليه النقصان ص 548

مسألة [ما يزيد عن الطوائف الثلاثة من النصف فهو للإمام عليه السّلام و عليه النقصان]

الظاهر أنّ ما يزيد عن الطوائف الثلاثة من نصف الخمس فهو للإمام عليه السّلام، و على فرض النقصان كان عليه أن يمونهم (1).

بالاستيجار لنفسه إن كان يقطع برضاه بذلك، و هو العالم بالحقائق. و أمّا الأخذ من الزكاة من سهم سبيل اللّه فلا يحصل به الاحتياط خصوصا في الهاشميّ، لاحتمال اشتراط الفقر و عدم كون الأخذ هاشميّا.

في الجواهر:

على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل في المسالك نسبته إلى أجلّاء الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافا صريحا إلّا من الحليّ. و توقّف فيه في المختلف و المنتهى «1». انتهى.

أقول: و يدلّ على ذلك في الجملة:

مرسل حمّاد المعتبر، و فيه:

«فإن فضل عنهم شي‌ء فهو للوالي، فإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به، و إنّما صار عليه أن يمونهم لأنّ له ما فضل عنهم» «2».

و مرفوع أحمد بن محمّد، و فيه:

«فإن فضل شي‌ء فهو له، و إن نقص عنهم و لم يكفهم أتمّه لهم من عنده، كما صار له الفضل كذلك يلزمه النقصان» «3».

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 109.

(2) الوسائل: ج 6 ص 363 ح 1 من ب 3 من أبواب قسمة الخمس.

(3) المصدر: ص 364 ح 2.

548
کتاب الخمس (للحائري)

فرع بيان المقصود من الفضل و الإعواز ص 549

و الظاهر أنّه لا فرق في ذلك بين عصر الحضور و الغيبة (1).

فرع [بيان المقصود من الفضل و الإعواز]

هل المقصود بالإعواز و الفضل هو بعد فرض العمل بالجعل الإلهيّ في باب الخمس، أو بعد ملاحظة جميع ما يعطي من الخمس إلى و يمكن الاستدلال بالآية الشريفة «1» لكلا الأمرين:

أمّا كون الفضل للإمام عليه السّلام فلظهور الآية في التقسيم بالسويّة في فرض وجود الصنف الآخر، و الصنف الآخر هم المحتاجون من آل بيت هاشم، فكأنّه قال تعالى: فإنّ الخمس للإمام و للمحتاج من قرابة الرسول على فرض وجودهم، أو قال: إنّ الخمس كلّه للإمام إلّا في صورة وجود المحتاج من قرابته صلّى اللّه عليه و آله فهو لهما.

و أمّا كون النقص في سهم الإمام عليه السّلام فلأنّ مقتضى التقسيم كون الخمس الموجود كائنا ما كان لهما، فلو لم يف النصف لهم فما حصل لهما، و أدلّة التنصيف تكون في مورد عدم الإعواز، كما لا يخفى.

و هو المستفاد من الجواهر ناقلا عن المحقّق الثاني و عن الرياض عن الفاضل- في بعض كتبه- و صاحب الذخيرة «2».

و يدلّ على التعميم ما تقدّم في التعليق السابق: من الخبرين المتقدّمين.

إن قلت: الحكم بتعميم الذيل للعصرين مناف لما تقدّم من اختصاص الجمع عند الإمام عليه السّلام بعصر الحضور.

قلت: ذيلهما ظاهر في التعليل، فلو كان الصدر نصّا في عصر الحضور كان غير مضرّ بعموم الذيل، لمكان التعليل بقوله «لأنّ له ما فضل عنهم»، و قريب منه المرفوع، فافهم و تأمّل و تبصّر. و مقتضى الآية هو التعميم، كما لا يخفى.

و إن أبيت عن ذلك كلّه فثبوت الحقّين مقتضى الاستصحاب، كما لا يخفى على اولي الألباب.

فمقتضى ما تقدّم هو التنصيف في كلّ خمس يتعلّق بالمال، فللمكلّف ثواب‌

______________________________
(1) سورة الأنفال: 41.

(2) الجواهر ج 16 ص 111.

549
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة جواز أخذ الهاشمي من الخمس بمقدار الاستغناء ص 550

وقت الملاحظة، أو بالنسبة إلى ما بيد كلّ من يعطي الخمس من المالك أو وكيله أو المجتهد الذي يعطي الخمس، أو يلاحظ الحرج و السهولة؟

لعلّ الأقرب هو الأخير (1).

مسألة [جواز أخذ الهاشميّ من الخمس بمقدار الاستغناء]

لعلّ الظاهر جواز أن يأخذ الهاشميّ من الخمس بمقدار صلة الإمام عليه السّلام و صلة المحتاجين من قرابة الرسول إلى حدّ الإعواز أو الفضل عن المحتاجين.

و الحمد للّه الملك الوهّاب على التوفيق للإلقاء و الاكتتاب، و كان ذلك في 18 ج 2 من السنة 1396 حامدا شاكرا لأنعمه الّتي لا تحصى، ذاكرا لآلائه الّتي ليس لها منتهى، مصلّيا على النبيّ الإكرام و آله المعصومين و مستشفعا بهم، لا سيّما بخليفة اللّه تعالى في أرضه في عصرنا عصر الفنون و الصنائع و كثرة أفراد البشر الموجبة لهيجان الشهوات و الميل إلى المادّيّات، و نسأله المتعالي التوفيق لما يحبّ و يرضى و الاستعداد للموت قبل حلول الفوت.

فإنّ الأوّل خلاف صريح معتبر حمّاد من أنّه لو عمل بتكليف الخمس لم يبق فقير من قرابة الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و الثاني غير معلوم حتّى في عصر الحضور، فإنّه لم يكن يجتمع جميع الخمس عند الإمام عليه السّلام مع عسر المواصلات و التقيّة الشديدة، بل كان عند الوكلاء و ليس في الأخبار إشارة إلى أنّ كلّ وكيل يسأل الوكيل الآخر و يكاتبه في الزيادة و النقصان و لم يسأل عن ذلك، و أمّا الثالث فهو خلاف إطلاق التتميم و الفضل، فالأوفق أن لا يكون السؤال للهاشميّ و لا للمعطي حرجيّا بل يمكن أن يسأل بسهولة عن سهم السادة، فإن كان عند رفيقه أو كان عند أقرباء الهاشميّ مثلا يتمكّن من السؤال بسهولة فلا يصدق العجز عرفا الوارد في معتبر حمّاد المتقدّم.

550
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة جواز أخذ الهاشمي من الخمس بمقدار الاستغناء ص 550

الاستغناء (1)، لما تقدّم «1» من أنّ الغنى و الفقر يلاحظ بالنسبة إلى مجموع الحياة و العمر بحسب المتعارف، فإن كان ما يأخذ من الخمس زائدا على مئونة سنة واحدة لا يوجب ذلك الغنى حتّى يشكل أو يمنع عليه أخذه أو يقيّد بالأخذ دفعة.

و يؤيّد ذلك بما ورد في باب الزكاة من أنّ مالك دار الغلّة الّتي غلّتها لا تفي بمئونة سنته يجوز له أخذ الزكاة «2».

وجه التأييد بل الاستدلال يتمّ بعد ملاحظة أمور:

منها: أنّه لا يمكن حمل مثله على عدم كفاية نفس الدار لمئونة سنة واحدة، لأنّ ذلك تخصيص بالفرد غير الغالب لو لم يكن هو النادر، مع أنّه لو لا ذلك لا داعي إلى التقييد.

و منها: أنّه لا فرق في نظر العرف قطعا بين من كان كذلك و بين من ليس له شي‌ء و يريد أن يأخذ الزكاة أزيد من مئونة سنته و يجعله دار غلّة غير كافية بمئونة سنته، بل الثاني أولى من حيث صدق الفقر.

و منها: أنّه لا فرق بين الخمس و الزكاة، إمّا من باب أنّ المقصود بذلك صدق الفقير على ذلك و ليس تعبّدا خاصّا بخصوص باب الزكاة، و إمّا من حيث ما دلّ على أنّ الخمس لقرابة الرسول صلّى اللّه عليه و آله بدل عن الزكاة «3»، و كونهم محرومين من الزكاة لكونهم هاشميّين و محرومين من الخمس لعدم شمول الدليل خلاف المستفاد من دليل المعاوضة عرفا قطعا. نعم، لا يدلّ ذلك على جواز الأخذ بمقدار الاستغناء، بل يدلّ على جواز الزائد عن مئونة السنة، و لا قائل بالتفصيل و لا‌

______________________________
(1) في ص 513.

(2) الوسائل: ج 6 ص 161 ح 1 من ب 9 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(3) مثل ما في الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

551
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة جواز أخذ الهاشمي من الخمس بمقدار الاستغناء ص 550

..........

تفصيل في البين أصلا و لا وجه لذلك، كما يظهر بالتأمّل.

و بما دلّ في باب الزكاة من جواز إعطاء الزكاة إلى حدّ حصول الغنى، كما ورد في غير واحد من الروايات «1» المعتبرة بعضها جدّا المفتي به عند الأصحاب، ففي الجواهر عن المنتهى:

يجوز أن يعطى الفقير ما يغنيه و ما يزيده على غناه، و هو قول علمائنا أجمع «2».

لا يقال: ذلك معارض بما يدلّ على جواز الأخذ المحدود بمقدار سنة إلى سنة، كخبر الدغشيّ المتقدّم «3» و ما فيه من الكيّ بين العينين المتقدّم إليه الإيماء «4»، فيحمل ذلك على الغنى بمقدار قوت السنة.

قلت: قد مرّ أنّ الحمل على ذلك ممّا لا يحتمل في أخبار الإعطاء إلى حصول الغنى، لعدم مناسبة إعطاء عشرة آلاف درهم في عصر كان الخمسون كافيا لأن يكون رأس مال يعيش به أحد في بعض الشرائط و الأحيان لأن يحمل على قوت السنة، مع أنّه بعد فرض عدم كون المراد بها الغنى الفعليّ الصادق على يوم واحد فالتخصيص بخصوص السنة الواحدة تخصيص بالفرد النادر بالنسبة إلى باقي السنين، فيحمل مثل الدليل المشار إليه (خصوصا بقرينة التعليل الذي ليس مفاده تقييد الفقر بذلك قطعا، إذ لا فرق في ذلك بين إعطاء الزكاة من سنة إلى سنة أو عدم الإعطاء بعد ذلك أصلا، و مقتضاه جواز الأخذ- أي أخذ قوت سنتين- لمن لا يقدر على أخذ الزكاة إلّا بعد سنتين و عدم الجواز لمن يقدر عليها بعد ستّة أشهر أي عدم‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 178 الباب 24 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(2) الجواهر: ج 15 ص 318.

(3) في ص 522.

(4) في ص 526.

552
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة جواز أخذ الهاشمي من الخمس بمقدار الاستغناء ص 550

..........

جواز أخذ أكثر من قوت ذلك) على أحد المحامل الّتي تذكر: من الحمل على الاستحباب مطلقا، أو الحمل على الاستحباب في خصوص عدم الداعي للأخذ إلّا الحرص و سوء الظنّ باللّه تعالى كما ورد في مورد خبر الكيّ بين عينيه، أو الحمل على عدم الجواز في خصوص ذلك كما هو المستفاد من مورد خبر الدغشيّ- الوارد في السائل- و خبر الكيّ، فإنّ مورد السؤال غير مذكور فيه فيحتمل أن يكون مثل الأوّل، و هو المناسب لقصّة ذاخر الدينارين، فتأمّل. أو يحمل على صورة جمع الخمس و الزكاة في محلّ واحد غير الواصل نوعا إلى حدّ رافع لاستحقاق الكلّ، لأنّ جمع المال ملازم لجمع المستحقّين، كما في خبر حمّاد، مع أنّه في خبر حمّاد يحتمل أن يكون ذلك من باب مصلحة الإمام عليه السّلام، من باب وصول الحقّ إلى الكلّ فلعلّه يبقى شي‌ء منه فيصرف في موارد السهم المبارك، و إلّا ففيه أنّه:

«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقسّم صدقات البوادي في البوادي، و صدقات أهل الحضر في أهل الحضر» إلى أن قال عليه السّلام: «و لكن يقسّمها على قدر من يحضره من أصناف الثمانية على قدر ما يقيم (يغني) كلّ صنف منهم بقدر سنته، ليس في ذلك شي‌ء موقوت و لا مسمّى و لا مؤلّف، إنّما يصنع ذلك على قدر ما يرى و ما يحضره حتّى يسدّ كلّ فاقة كلّ قوم منهم» «1».

فإنّه ظاهر في أنّ ملاحظة السنة في الزكاة بملاحظة سدّ فاقة كلّ قوم ليس من جهة التعبّد و التوقيت، أو يحمل على جواز الأخذ حتّى قوت السنة و عدم لزوم‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 184 ح 3 من ب 28 من أبواب المستحقّين للزكاة.

553
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة جواز أخذ الهاشمي من الخمس بمقدار الاستغناء ص 550

و لو قلنا بأنّ ملاك الفقر أن لا يكون مالكا لقوت سنته (1).

الاقتصار على قوت الشهر الواحد أو اليوم مع السكوت عن عدم الجواز بالنسبة إلى ما بعد ذلك. أو يحمل في بعض موارد ورود السنة على كلّ سنة بقرينة الاستغناء كما تقدّم.

هذا، مع أنّ التقييد بالسنة الواحدة من حين أداء الخمس ممّا لا وجه له عند الاعتبار العرفيّ، فإنّ الخمس ليس كالزكاة، فإنّهم يعطونه في كلّ شهر من شهور السنة، لأنّ سنة كلّ شخص يختلف باختلاف الشروع في الكسب و الأداء.

مع أنّه في خبر حمّاد ينظر إلى غنائم الحرب، و لا وجه لاعتبار السنة في ذلك عرفا، مع أنّه يبعد أن لا يجوز في ذلك اليوم أن يأخذ الزائد و يجوز في اليوم البعد أن يأخذ بمقدار كسر اليوم، لأنّه فقير لا يملك مئونة سنته و يجوز له الأخذ بمقدار المئونة.

هذا كلّه، مع أنّه ليس في باب الخمس ما يتوهّم منه لزوم الأداء بمقدار السنة إلّا خبر حمّاد «يقسّم بينهم على الكتاب و السنّة ما يستغنون به في سنتهم» «1»، و هو مضافا إلى المحامل المتقدّمة معارض لظهور الذيل في أنّ تشريع الخمس لأن لا يبقى فقير من فقراء قرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «2»، و ليس المقصود منه النوعيّة، بل عدم وجود فقير أصلا و لو واحدا منهم، و هذا لا يجتمع مع لزوم الكفّ عن استغنائهم- و لو لم يكن معارضا بما هو أهمّ منه- و أن يجعل ذلك سهما للإمام و يصرف في المصارف الأخر و يبقى ذلك فقيرا فيحتاج إلى الخمس في السنة الآتية.

و ذلك للأخبار المتقدّم إليها الإيماء «3»، فيحمل ما دلّ على أنّ حدّ الفقر أن لا‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 363 ح 1 من ب 3 من أبواب قسمة الخمس.

(2) المصدر: ص 358 ح 8 من ب 1.

(3) الوسائل: ج 6 ص 178 الباب 24 من أبواب المستحقّين للزكاة.

554
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة جواز أخذ الهاشمي من الخمس بمقدار الاستغناء ص 550

ثمّ إنّ أخذ الخمس لجعله رأس مال لا يكفي عوائده لقوت سنته ثمّ الأخذ لجعله كذلك حتّى يكفي عوائده لقوت سنته في كلّ سنته إذا كان فقيرا غير مالك لقوت سنته واضح جدّا.

و أخفى من الكلّ أن يأخذ للإعاشة من ليس له القدرة على جعله رأس المال و لكن يكون ذلك لداع عقلائيّ غير الحرص و جمع المال (1)، و أمّا الأخذ حرصا و لجمع المال ففيه إشكال (2) في باب الزكاة، و إن كان الأقرب هو الإعطاء في باب الخمس إلّا أن يكون في البين من هو أحقّ بالخمس (3).

يملك قوت سنته «1»- إن دلّ- على عدم المالكيّة مع قطع النظر عن الزكاة، فلا ينافي الغنى بالنظر إلى أخذ الزكاة و لو تدريجا. و حمل الأخبار المتقدّمة على خصوص الإعطاء دفعة- كما في الجواهر الجزم بذلك «2» و كأنّه حمل كلام الأصحاب أيضا على ذلك- مردود قطعا، إذ كيف يمكن الحمل على الإعطاء الدفعيّ في الدراهم الّتي لا بدّ من عدّها و تحويلها و في المواشي و الأنعام الّتي يدخل واحد منها بعد واحد. و لا فرق في التدريج بين قلّة تخلّل الزمان و كثرته مع أنّه خلاف إطلاق الأخبار بالنسبة إلى التدريج مع الفصل بيوم أو شهر.

فالظاهر أنّ الكلّ مشمول لإطلاق الفقراء و المساكين، و ما دلّ في الزكاة يجي‌ء في الخمس بالتقريبين المتقدّمين «3»: من بيان الموضوع و من دليل التعويض.

من جهة أنّه القدر المتيقّن من خبري الدغشيّ و ابن الحجّاج المتقدّمين «4»، الوارد ثانيهما في قصّة الكيّ.

لعدم الدليل في الخمس على المنع إلّا ما تقدّم «5» و تقدّم الجواب عنه «6».

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 158 الباب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(2) الجواهر: ج 15 ص 318.

(3) في ص 551.

(4) في ص 552 و 526.

(5) في الصفحة السابقة.

(6) في الصفحة السابقة.

555
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة جواز أخذ الهاشمي من الخمس بمقدار الاستغناء ص 550

ثمّ إنّه لا يجوز له الأخذ زائدا على مقدار الاستغناء و لو بعوائده و لو دفعة (1).

و ليس مقتضى الاحتياط الاقتصار في مقام الإعطاء على مئونة السنة كما في العروة «1»، و لم يعلّق عليه في ما رأيت إلّا من قال: «بل الأظهر عدم الإعطاء، و الاقتصار على مئونة السنة».

و قد ظهر ما في الأخير. و أمّا كونه أحوط بنحو الإطلاق ففيه إشكال، فإنّه قد لا يكون في المحلّ مستحقّ إلّا الهاشميّ المستحقّ لجعل الخمس رأس المال لمجموع معيشته فمقتضى ذلك نقل الخمس من المحلّ المزبور إلى غيره، و هو خلاف الاحتياط، و قد لا يكون مستحقّ آخر أيضا لا يملك قوت سنته و لو برأس ماله فلا بدّ أن يجعل ذلك في مصرف سهم الإمام عليه السّلام، و هو خلاف الاحتياط أيضا، مع أنّ ذلك مخالف لما تقدّم من التشريع.

و ما ذكرناه لا شبهة أنّه أقرب إلى الغرض من الجعل من الاقتصار على مئونة السنة الواحدة و إبقاء قرابة الرسول فقيرا إلى آخر عمره، مع أنّ ذلك أيضا أصرف بالنسبة إلى حقوق قرابة الرسول صلّى اللّه عليه و آله، فإنّ الغالب- الذي يكون خلافه نادرا- أخذ الزائد عن مقدار قوت سنة واحدة للاسترباح و الاستنماء، كي لا يحتاج بعد ذلك إلى أخذ الخمس بل يعطي الخمس بنفسه. و أمّا النادر الذي لا يقدر على التكسّب فيعطى بمقدار قوت عمرة إذا لم يكن غيره أهمّ منه، لحفظ عفّته و عدم احتياجه كلّ سنة إلى أن يموت فيرجع ما بقي إلى مصرف الخمس، فإعطاؤه لا يوجب تضييعا للخمس أصلا، فإنّ المقدار المذكور يصرف إليه على كلّ حال، و لا فرق بين الدفعة و التدريج إلّا حفظ كرامة قرابة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و عدمه.

إذ لا فرق عرفا و عقلا بين الدفعة و التدريج، فإعطاء أزيد ممّا يحتاج إليه‌

______________________________
(1) كتاب الزكاة، الفصل السادس، المسألة 2.

556
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم أخذ الهاشمي الفقير الخمس ثم الإعطاء لغير المستحق ممن أخذ عنه أو لغيره ص 557

مسألة [حكم أخذ الهاشميّ الفقير الخمس ثمّ الإعطاء لغير المستحقّ ممّن أخذ عنه أو لغيره]

هل يجوز للهاشميّ الفقير أخذ الخمس بمقدار ما يجوز له ثمّ إعطاؤه لغير المستحقّ ممّن أخذ عنه أو غيره أو لا يجوز ذلك أو فيه تفصيل؟ و لعلّ الظاهر هو الجواز إذا علم عدم محروميّة مستحقّ آخر من الأخذ الثاني بعد الأخذ الأوّل و الإعطاء (1).

في دفعة واحدة كإعطائه دفعة واحدة خمسا و هبة تكفيه لمعيشته، فإنّه في حال تملّك الخمس يملك الزائد فيصير غنيّا فلا يجوز له أخذ الخمس، و لا أثر للفقر القبليّ من حيث الزمان في الخمس، كما أنّه لا وجه لعدم مانعيّة الغنى الحاصل في آن تملّك الخمس لتملّكه، و كون الفقر موضوعا لا يقتضي التقدّم الزمانيّ، بل يقتضي التقدّم الرتبيّ الذي ليس إلّا بمعنى احتياج صحّة الخمس إليه من غير احتياجه إليها، و هو واضح و إن غفل عنه مثل صاحب الجواهر و يرى الفرق بين الدفعة و التدريج «1».

فإنّ وجه الإشكال أمور كلّها مندفعة:

الأوّل: أنّ مقتضى معتبر حمّاد «2»:

«و لم يبق فقير من فقراء قرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلّا و قد استغنى».

أنّ المقصود من الخمس حصول الغنى لهم، و الأخذ ثمّ الإعطاء و البقاء على الفقر مخالف لذلك الغرض الذي ورد التصريح به في المعتبر.

و فيه: أنّ الظاهر هو الامتنان عليهم من جانب اللّه تعالى بحيث لا يكونون مجبورين على البقاء على الفقر، و هو الذي يكون مترتّبا على جعل الخمس، و أمّا الفقر الاختياريّ الحاصل بسوء الاختيار عمدا بالأخذ و البذل أو الأخذ و الإتلاف فلا يمكن ترتّب عدمه على جعل الخمس.

______________________________
(1) الجواهر: ج 15 ص 318.

(2) المتقدّم في ص 527.

557
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم أخذ الهاشمي الفقير الخمس ثم الإعطاء لغير المستحق ممن أخذ عنه أو لغيره ص 557

..........

و الوجه في هذا الظهور- مضافا إلى انصرافه في نفسه إلى المجبوريّة على الفقر- وروده في مقام الامتنان الذي لا ينافي الاختيار و ترتّب ذلك على الجعل من دون دخالة الأمور الخارجيّة الّتي منها الكفّ عن الهبات و العطايا.

الثاني: أنّ الجملة المذكورة ظاهرة في أنّ جعل الخمس على نحو لو عمل به لم يبق مجبور على الفقر بحيث لا يكون لقرابة الرسول صلّى اللّه عليه و آله مفرّ من الفقر، و من المعلوم أنّه لو جاز الإعطاء على الوجه المطلق بحيث يكون في كلّ بلد و قرية هاشميّ يأخذ و يعطي لصار بعض الهاشميّين مجبورا على الفقر و الفاقة فالقضيّة التعليقيّة الموجودة في معتبر حمّاد لا تكون مطابقة للواقع.

و الجواب عنه أنّه لا يقتضي إلّا عدم جواز الإعطاء على الوجه المطلق بحيث يعلم أنّه يصير كذلك أو يحتمل، من باب أنّه حينئذ يكون مخصّصا لعموم كون الخمس للمساكين الشامل لهذا المسكين الباذل، فالتمسّك بعموم المساكين في مورد الشبهة يكون من باب التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة للمخصّص، و أمّا إذا لم يحتمل ذلك كما في عصرنا هذا- لا سيّما مع كون الكفّار مكلّفين بالفروع- و ذلك لكثرة المنافع، فيقطع بعدم نقصان الخمس بحسب الجعل عن حوائج السادات المستحقّين.

الثالث: أن مقتضى معتبر حمّاد «يقسم بينهم على الكتاب و السنّة (الكفاف و السعة) ما يستغنون به في سنتهم» «1» عدم جواز أخذ الزائد عن مقدار الاستغناء بعد حصوله و إن لم يبق ذلك، كما أنّه لو جعل لمن خدم شركة أو مؤسّسة أن يعطى مصارف سنته في حال انقطاعه عن الشغل بواسطة المرض أو كبر السنّ، فإنّه إذا أخذ ذلك و وهب لا يكون مستحقّا للاستغناء الجديد.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

558
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم أخذ الهاشمي الفقير الخمس ثم الإعطاء لغير المستحق ممن أخذ عنه أو لغيره ص 557

..........

و فيه أوّلا: أنّ مقتضى ذلك عدم الاستحقاق بعد حصول الاستغناء لو تلف المال من دون اختيار.

و ثانيا: أنّ الاستغناء المقدّر ليس إلّا من باب تحقّق الموضوع و أنّه لا يبقى موضوع بعد حصول الاستغناء، و ليس وراء ذلك تحديد، و المفروض حصول الفقر، و كلّ فقير له أن يأخذ بقدر الاستغناء في سنته، و على فرض الشكّ يؤخذ بإطلاق الدليل، بل لعلّه مقتضى إطلاق المعتبر، فإنّه يستحقّ أن يأخذ ما يستغني به في سنته، و الحكم في مورد النقض و المقايسة إنّما هو بحسب القرائن الخارجيّة.

الرابع: ما في العروة من أنّه حيلة لتفويت حقّ الفقراء «1». و الظاهر أنّ مقصوده أنّه يعلم أنّ الشارع لا يرضى بذلك.

و فيه: أنّه بعد فرض كفاية الخمس بحسب الجعل لجميع المستحقّين- كما تقدّم- و عدم مستحقّ محروم معلوم بالفعل (كما نفرضه أيضا في الإشكال المذكور بعد ذلك) و استحقاقه في الأخذ و كونه بعد الأخذ ملكا لشخص هذا الفقير- لا ملكا لكلّيّ الفقراء- فمن أين يعلم عدم رضا الشارع بذلك إذا كان إعطاؤه لأمر عقلائيّ يقدمون العقلاء أيضا في أموالهم، و لم يكن ذلك من باب عدم فرضه مالا لنفسه و كان الإعطاء بطيب نفسه، فليس تفويتا لحقّ الفقراء بل تفويت لمال نفسه، إلّا من حيث الأخذ الثاني و هو أيضا ليس تفويتا بل وقع في محلّه، و لم يعلم بعدم رضا الشارع بذلك، لأنّ رضاه يعلم بعموم دليله إذا لم يكن مخالفا لما يستقلّ به العقل القطعيّ.

الخامس: أنّ المستفاد من مثل العبارة المتقدّمة من معتبر حمّاد «2» أنّ عدم‌

______________________________
(1) العروة: كتاب الزكاة، المسألة السادسة عشرة من الختام.

(2) في ص 557.

559
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم أخذ الهاشمي الفقير الخمس ثم الإعطاء لغير المستحق ممن أخذ عنه أو لغيره ص 557

..........

الإجبار على الفقر مرغوب و مطلوب، فيكون عدم اضطرار قرابة الرسول صلّى اللّه عليه و آله إلى أن يكون فقيرا مرادا و مطلوبا لزوميّا عند اللّه تعالى، فيكون أخذ الخمس ثمّ الردّ ثمّ الأخذ إذا كان موجبا لذلك قطعا غير مشمول لدليل الخمس، و في صورة الاحتمال حيث خصّص دليله يكون من التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة بالنسبة إلى المخصّص.

و الجواب أنّ المستفاد منه عدم الاضطرار من ناحية جعل الشارع، لا رفع الاضطرار بالجعل و لو كان ذلك من جهة عدم أداء الناس حقوقهم، بأن يرفع صحّة الهبة و تسلّط الناس على أموالهم أو يرفع جواز أخذ الخمس ثانيا عن الهاشميّ الأخذ أوّلا الواهب لغيره.

السادس: أنّ جواز أخذ الخمس كذلك إذا كان سببا لمحروميّة مستحقّ آخر و وقوعه في الحرج و المشقّة فجوازه مرفوع فيكون محرّما عليه وضعا، و أمّا الحرمة التكليفيّة من دون الوضع فهو ممّا يأبى عنه العرف، و ذلك صحيح بحسب الظاهر بالنسبة إلى صورة القطع، و أمّا بالنسبة إلى صورة الشكّ فلا يبعد التمسّك بعموم جواز أخذ الخمس للمستحقّين الّذين يكون الأخذ ثمّ الواهب من جملتهم.

و الإشكال في ذلك ب‍ «أنّه تمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة للمخصّص» مدفوع بأنّه على فرض تسليمه فهو في ما لم يكن التخصيص من باب التزاحم و تقدّم ملاك رفع الحرج بملاك وصول الحكم إلى المستحقّ من غير فرق بين مستحقّ و مستحقّ آخر، و أمّا إذا كان التخصيص من باب التزاحم فلا تزاحم في فرض عدم فعليّة حكم المخصّص من باب الشكّ في ذلك.

إن قلت: من أين يحكم أنّه من باب التزاحم؟

قلت: ذلك لوجهين: أحدهما فهم العرف، فإنّه لو فرض نفي الحرج و الضرر بالنسبة إلى التكاليف الّتي بين الموالي و العبيد فلا يفهم أحد من العرف رفع الملاك،

560
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم أخذ الهاشمي الفقير الخمس ثم الإعطاء لغير المستحق ممن أخذ عنه أو لغيره ص 557

..........

فلو أمر المولى خادمه بأن يسقي البستان في الليل إذا لم يكن حرجا عليه أو على الجيران فسقي البستان و تحمّل الحرج و وصل حرجه إلى الجيران فلا شبهة عندهم في الامتثال و حصول الملاك و الغرض، و لا يحتمل لزوم السقي الآخر بدلا عن السقي في زمان الحرج. ثانيهما أنّه مع الشكّ في ذلك فمقتضى الإطلاق في حال الشكّ هو الحمل على التزاحم، فافهم و تأمّل فإنّه من الفوائد الأصوليّة.

و مقتضى جميع ذلك جواز الأخذ و الردّ إذا لم يعلم كونه موجبا لمحروميّة مستحقّ آخر عن الخمس.

ثمّ إنّه يرد على ما في العروة وجوه من الإيراد ظهر بعضها ممّا تقدّم:

منها: ما تقدّم أنّه لا دليل على عدم جواز ذلك.

و منها: أنّه على فرض عدم الجواز فلا وجه لعدم الجواز في صورة الأخذ و الردّ من دون أن يأخذ الخمس ثانيا بل كان يستوهب من أخيه أو بعض أصدقائه و كان بحيث إذا لم يردّ على المالك كان يصرف الخمس في مصارفه، فلم يحصل تفويت بالنسبة إلى مال الفقراء، لعدم توجّه ضرر إلى مال الفقراء أصلا.

و منها: أنّه على فرض الأخذ و الردّ ثمّ الأخذ فلا وجه لحرمة الردّ، بل الحرام على فرض كونه تفويتا هو الأخذ الثاني، إلّا أن يكون مقصوده أنّ وقوع مال الفقراء في كيس غير المستحقّ و لو بالواسطة إتلاف لمال الفقراء و لو لم يلزم من ذلك ضرر عليهم- بحيث لو لم يردّه السيّد الفقير عليه لكان يصرفه في مصرفه و لو ردّه لا يأخذ مال الخمس أصلا- و هو ممنوع جدّا.

و منها: أنّه ذكر قدّس سرّه أنّه ليس للحاكم أيضا ذلك، لأنّه حيلة لإتلاف مال الفقراء «1»، مع أنّه ليس للحاكم ولاية على مال الفقراء بالأخذ و الردّ بصرف كون‌

______________________________
(1) العروة: كتاب الزكاة، المسألة السادسة عشرة من الختام.

561
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم أخذ الهاشمي الفقير الخمس ثم الإعطاء لغير المستحق ممن أخذ عنه أو لغيره ص 557

..........

الردّ عقلائيّا، لأنّه ليس على طبق مصلحة الفقراء، فليس لفعل الحاكم صورة شرعيّة أصلا تسمّى حيلة.

و منها: ما ذكره قدّس سرّه في الاستثناء من أنّه يمكن تفريغ الذمّة بالردّ إلى المالك أو المصالحة معه بشي‌ء يسير أو قبول شي‌ء منه بأزيد من قيمته الواقعيّة «1»، الظاهر في أنّ للحاكم ذلك أيضا، مع أنّ في ولاية الحاكم على ذلك إشكال، من جهة أنّ القدر المسلّم من ولايته: الأمور الّتي يعلم إنّها مطلوبة للشارع المقدّس. و أمر من يتصدّى ذلك مردّد بين الموثّق و العادل و الفقيه الموثّق العادل، و الثالث هو المتيقّن، و في المقام لا يكون مطلوبيّة ذلك محرزا، لأنّه في الفرض المذكور إن تاب بالنسبة إلى ما سبق و لا يقدر بالنسبة إلى اللاحق و لا يكون لذلك أثر في الآخرة من باب التوبة و عدم القدرة فلا أثر لهذا الأخذ و الردّ، و أمّا إن كان ممّن يقدر بعد ذلك في الدنيا و لا بدّ من تأمين طلب السادات من حسناته في الآخرة و إن لم يكن له عقوبة للتوبة و العجز فهو إتلاف لمال الفقراء و حقوقهم إمّا في الدارين و إمّا في دار الآخرة إذا لم يعرض له التمكّن بعد ذلك، فمطلوبيّة ذلك غير معلوم، و على فرض مطلوبيّته فلا يتردّد الأمر بين ما ذكر من الأمور، بل متصدّيه بحسب العنوان الأوّليّ هو السيّد الفقير، فما دام يمكن أن يتصدّى مالكه الحقيقيّ لا تصل النوبة إلى الموثّق أو العادل أو الفقيه حتّى يكون الثالث متيقّنا.

و منها: أنّه من ذلك يظهر الإيراد في الفقير على فرض كون الأخذ و الردّ إتلافا لحقّ الفقراء، فإنّ ذلك الأخذ و الردّ إمّا لغو صرف و إمّا تفويت لمال الفقراء و حقوقهم بالنسبة إلى الدنيا أو الآخرة.

و منها: ما يظهر من غير واحد من المحشّين من عدم جواز مصالحة الفقير للزكاة و الخمس بالشي‌ء اليسير.

و صورة الإشكال أنّه:

______________________________
(1) العروة: كتاب الزكاة، المسألة السادسة عشرة من الختام.

562
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم أخذ الهاشمي الفقير الخمس ثم الإعطاء لغير المستحق ممن أخذ عنه أو لغيره ص 557

..........

إن كانت تلك المصالحة من جانب الفقراء بحيث يكون الشي‌ء اليسير لهم فلا ولاية له عليهم، كما في المستمسك «1».

و إن كانت لنفسه ففيه إشكال من جهات:

الاولى: أنّ ذلك موجب لإتلاف مال الغير و وقوع مال الفقراء في كيس غير المستحقّ.

و الجواب عنها أنّ ذلك مفروض الاندفاع في فرض صحّة الأخذ و الردّ، و الإشكال في المصالحة.

الثانية: أنّ ذلك إتلاف لمال الفقراء من دون واسطة و حيلة، بخلاف الأخذ و الردّ، فإنّه إتلاف لمال نفسه.

الثالثة: من حيث إنّ مصالحة المال المشترك من جانب الشريك و لو كان له حقّ الإفراز تتوقّف على التملّك و الأخذ أوّلا ثمّ المصالحة فتندرج في الأخذ و الردّ، و أمّا المصالحة من دون ذلك فلا تصحّ، لعدم حصول الملكيّة له حتّى يصالح بشي‌ء آخر. و الإشكال الثالث يسري إلى المصالحة بالمساوي أيضا.

الرابعة: من جهة عدم الولاية على تمليك مال الغير و إن كان له حقّ التملّك لنفسه ثمّ التمليك.

الخامسة: من جهة عدم الولاية على تمليك مال الغير بالعوض اليسير و لو فرض له الولاية على المبادلة بالمساوي أو الكثير.

و يمكن دفع الإشكالات الثلاثة الأخيرة بأنّ الصلح الواقع لنفسه تملّك لنفسه بنفس الصلح و تمليك للغير بإنشاء واحد، فيحصل التملّك و التمليك في آن واحد.

إن قلت: التملّك لنفسه و حصول التمليك للغير في آن واحد محال، إذ لازم‌

______________________________
(1) ج 9 ص 368.

563
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم أخذ الهاشمي الفقير الخمس ثم الإعطاء لغير المستحق ممن أخذ عنه أو لغيره ص 557

..........

تمليك الغير حصول الملكيّة له و عدم مالكيّة نفسه، و هو ينافي تملّك نفسه.

قلت: يكفي في صحّة الصلح مالكيّة المصالح للمال مع قطع النظر عن الصلح الموجب لمالكيّة المتصالح، بل لا أثر لمالكيّة المصالح مورد الصلح قبله أصلا، فإنّ ما ينتقل إلى المتصالح عين ما يملكه المصالح، فبالصلح يصدق الأخذ لنفسه، فيصير مالكا من غير جهة الصلح و منتقلا إلى المتصالح من جهة الصلح.

إن قلت: ما ذكر صحيح لو حصلت ملكيّة المصالح في آن تملّك المتصالح من غير ناحية الصلح الصحيح، و المفروض أنّ ملكيّته تحصل في المقام بالصلح الصحيح، فملكيّة المصالح تتوقّف على الصلح الصحيح، و الصلح الصحيح يتوقّف على الملكيّة.

قلت: ملكيّة المصالح تتوقّف على الصلح الذي لو تحقّق و تحقّقت به ملكيّته لصار صحيحا، و هو لا يتوقّف على ملكيّة المصالح، بل صحّة الصلح فعلا تتوقّف على ملكيّة المصالح، فالصلح يقع من دون فرض حصول وصف الصحّة و يصدق بذلك الأخذ للتملّك، فيصير المال ملكا للمصالح فيصير الصلح صحيحا فعليّا.

و على ما بيّنّا يظهر أمور:

منها: عدم لزوم فرض الملكيّة في آن ما في بيع العبد على من ينعتق عليه، بل لا تأثير للملكيّة قبل العتق، فإنّ العتق يتوقّف على الملكيّة بنحو الترتّب لا بنحو التقدّم الزمانيّ، و ما يعتق إنّما هو ما كان ملكا للمعتق عليه لو لا العتق، لا ما كان ملكا له قبل العتق، و عدم دلالة «بع ما لي لنفسك» على تملّكه قبل ذلك زمانا.

و منها: صحّة بيع من فوّض إليه الإفراز من الشريكين النصف المعيّن بقصد الإفراز لنفسه، و لا يلزم الإفراز أوّلا ثمّ البيع.

و منها: صحّة المصالحة في الزكاة و الخمس لأحد المستحقّين بالمساوي أو الأكثر بلا إشكال.

564
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة عدم كفاية العزم على السفر في صدق ابن السبيل ص 565

مسألة [عدم كفاية العزم على السفر في صدق ابن السبيل]

لا إشكال في عدم كفاية العزم على السفر إذا كان لضرورة- كالمعالجة و نحوها- في صدق ابن السبيل و جواز الأخذ من الخمس من باب انطباق ذلك العنوان (1).

مسألة [في الاستحقاق من سهم ابن السبيل بعد الخروج عن الوطن للذهاب إلى السفر الضروريّ إشكال]

إذا خرج المسافر عن وطنه و يريد البعد عنه و الخروج لمقصد ضروريّ- كالمعالجة أو وجدان الضالّ- و ليست له نفقة الذهاب ففي الاستحقاق من سهم ابن السبيل إشكال (2). نعم، الظاهر أنّه يجوز دفع الخمس إليه للفقر، فإنّه حينئذ فقير إلى ذلك، كما أنّ الظاهر و منها: أنّ المصالحة مع الشي‌ء اليسير بحكم الأخذ و الردّ. و اللّه العالم بحقائق الأمور.

كما في الجواهر «1» و ظاهر المشهور، خلافا لما فيها عن الإسكافيّ و الشهيد في الدروس و اللمعة «2»، فإنّ ابن السبيل على ما في عدّة من كتب اللغة- كالمفردات و المنجد- هو المسافر (و هو الذي فسّره به في الجواهر «3») و في لسان العرب هو كثير السفر. و كيف كان، فلا ينطبق على هذا قطعا.

و أمّا وجه الإلحاق فهو أنّه بعد الخروج و العبور عن حدّ الترخّص يصير مسافرا فيصدق عليه ابن السبيل فيجوز إعطاؤه الخمس مثلا، و لا فرق بين الوطن و العبور عن حدّ الترخّص في نظر العرف قطعا، إذ يرى العرف الملازمة العرفيّة بينهما.

و الجواب أنّ الحكم في المقيس عليه غير معلوم كما نبيّنه، مع أنّ القياس باطل إلّا أن يكون مقطوعا، و هو غير واضح.

من عموم الدليل- فإنّه المسافر المنقطع عن السير، لعدم وفاء نفقته- و من وجود أمور تمنع عن ذلك:

______________________________
(1) الجواهر: ج 15 ص 373.

(2) الجواهر: ج 15 ص 373.

(3) ج 16 ص 112.

565
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة في الاستحقاق من سهم ابن السبيل بعد الخروج عن الوطن للذهاب إلى السفر الضروري إشكال ص 565

..........

منها: عدم تجدّد ذهاب النفقة، بل قصور النفقة كان من أوّل الأمر.

و الجواب أنّه لا دليل على اشتراط ذلك، كما في الجواهر «1» و أشير إليه في العروة «2».

و منها: أنّ في معتبر عليّ بن إبراهيم- الذي روي عنه بسند معتبر جدّا، و هو نسبه بنحو الجزم إلى العالم عليه السّلام-:

«و ابن السبيل: أبناء الطريق، الّذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه فيقطع عليهم و يذهب مالهم فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات» «3».

فإنّ فيه في مقام التفسير أنّ الحكم هو الردّ إلى الأوطان، لا إعطاء المصرف للبعد عن الأوطان للقيام بالضرورات.

و يمكن الجواب عن ذلك بأنّه بعد تفسير ابن السبيل بما يعمّ المطلوب فقوله عليه السّلام: «فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم» لا يكون ظاهرا في التقييد و الاشتراط، بل غايته أنّه عليه السّلام في ذلك بصدد بيان حكم البعيد عن الوطن القاصد للرجوع إليه فيتمسّك بالإطلاق.

و منها:- و هو العمدة- انصراف ابن السبيل في مقام استحقاق الخمس و الزكاة إلى استحقاق أحدهما للرجوع إلى الوطن.

و وجه الانصراف أمور:

منها: أنّه من المحتمل قريبا أن يكون البعد عن الوطن مأخوذا فيه من جهة كلمة «ابن» بالمقايسة إلى أمثاله- كابن الدنيا و ابن البطن- فإنّ المزاولة مأخوذة‌

______________________________
(1) ج 15 ص 373.

(2) كتاب الزكاة، الفصل السادس، «الثامن».

(3) الوسائل: ج 6 ص 145 ح 7 من ب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة.

566
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لا يعتبر في ابن السبيل الفقر في الوطن ص 567

جواز الإعطاء من سهم ابن السبيل للمراجعة إلى وطنه (1).

مسألة [لا يعتبر في ابن السبيل الفقر في الوطن]

الظاهر عدم اعتبار كونه فقيرا في بلده (2). و لا فرق في ذلك بين كونه في بلده معدما لمخارج سفره أو كان واجدا له و لكن لا طريق فيه و لذا فسّره في لسان العرب بكثير السفر، فلعلّ المقصود من بعد عن وطنه بحيث لا بدّ له من السير الكثير حتّى يصير إلى وطنه، فلا يشمل القريب إلى الوطن القاصد للبعد عنه.

و منها: أنّ الظاهر بحسب مناسبة الحكم و الموضوع أنّ المقصود بالزكاة و كذا الخمس: علاج داء الاستحقاق و علاج داء كونه ابن السبيل برفع ذلك، و ليس ذلك إلّا بالإيصال إلى وطنه.

و منها: أنّه لو شرّع الخمس أو الزكاة للمسافرة الضروريّة لم يكن وجه لاشتراط وصف السفر، فمقتضى ذلك أنّ السفر صار موجبا للحاجة لا أنّ الحاجة أوجبت السفر، و جميع ذلك- المؤيّد بما تقدّم- موجب للانصراف إلى المسافر البعيد عن الوطن، فيعطى من السهم المزبور حتّى يصل إلى وطنه.

لكونه ابن السبيل من دون إشكال إلّا إشكال احتمال تجدّد ما يوجب ذهاب النفقة، و قد تقدّم عدم الدليل عليه.

في الجواهر:

بلا خلاف أجده، بل في المنتهى: الإجماع عليه «1».

و دليله واضح، فإنّه لا نكتة ظاهرة في عدّ ابن السبيل في قبال المساكين إلّا المسكنة في حال السفر، فلو كان مسكينا في بلده و مسكينا في حال السفر فهو أولى بالمراعاة و إعطاء الخمس و الزكاة، فهو كالصريح في ذلك، لأنّ ذكره لو لا ذلك ملحق باللغو، تعالى كلامه عن ذلك علوّا كبيرا.

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 112.

567
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لا يعتبر في ابن السبيل الفقر في الوطن ص 567

..........

و النقض باليتامى مردود:

أوّلا باحتمال عدم اعتبار الفقر فيهم أيضا، و هو محلّ اختلاف، كما ربّما يجي‌ء إن شاء اللّه تعالى.

و ثانيا بأنّ في ذلك نكات: منها بقاء أموال من آبائهم لا تكفي لغناهم، فربّما يكون ذلك مانعا من إعطائهم الخمس. و منها توقّع الاشتغال بالمشاغل غير المناسبة لهم من سنوات السبع إلى خمس عشر، و كان ذلك دفعا لذلك. و منها عدم من يتصدّى لهم و ربّما يصيرون منسيّين، و هذا بخلاف ابن السبيل الذي جاء من بلده مع قلّة الاستعداد الماليّ مثلا و عدم ملاحظة عن الناس لغربته في السفر، فالدليل المذكور متقن جدّا.

و لا ينافيه ما ورد في معتبر حمّاد:

«و جعل للفقراء قرابة الرسول صلّى اللّه عليه و آله نصف الخمس فأغناهم به عن صدقات الناس» «1».

و لا ما ورد في الزكاة من أنّها لا تحلّ لغني «2». و ذلك لما تقدّم من أنّه ليس الغنيّ واجد المال و الفقير فاقده، بل الأوّل هو غير المحتاج و لو لم يكن له مال و الثاني هو المحتاج، و ابن السبيل محتاج، مضافا إلى أنّه ليس الأوّل صريحا في أنّ نصف الخمس جميعه للفقراء، بل المقصود أنّ سهم الفقراء بحيث يستغنون به في نصف الخمس، و ذلك بقرينة ما قبله بالنسبة إلى الزكاة، و هو قوله:

«لأنّ فقراء الناس جعل أرزاقهم في أموال الناس على ثمانية أسهم، فلم يبق منهم أحد.» «3».

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 158 الباب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(3) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

568
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة اشتراط غير واحد من الأصحاب فيه عدم القدرة على الاستدانة أو الاعتياض ص 569

للوصول إليه (1).

مسألة [اشتراط غير واحد من الأصحاب فيه عدم القدرة على الاستدانة أو الاعتياض]

قد اشترط غير واحد من الأصحاب- بل الخلاف غير معلوم- عدم التمكّن من الاعتياض ببيع أو استدانة (2)، و لكن لعلّ الظاهر التفصيل بين ما كان عوض الدين و المبيع مملوكا له زائدا على مئونته فالاشتراط واضح إذا لم يكن فيه حرج، و إلّا كان مع أنّ المؤلّفة قلوبهم و العاملين منهم، و لا معنى لاشتراط الفقر في بعض موارد سهم سبيل اللّه، لأنّه يصرف في مثل المساجد و الأبنية الخيريّة. و أمّا الثاني فهو مربوط بالزكاة و غير مربوط بالخمس، فالمسألة بحمد اللّه واضحة نصّا و فتوى.

للإطلاق و إن لم نجد من يصرّح بذلك.

كما في الجواهر «1» و العروة «2».

و الوجه في ذلك عدم صدق المحتاج حينئذ بعد فرض اشتراط الاحتياج، و ما تقدّم «3» من خبر عليّ بن إبراهيم «فيقطع عليهم» الظاهر في عدم تمكّنهم من السير و لو بالاستدانة أو الاعتياض ببيع ما في وطنه و أخذ ثمنه من دون حرج و مشقّة.

و فيه أوّلا: النقض بالاستيهاب، فإنّه مع التمكّن من الاستيهاب من دون الحرج و المذلّة يتمكّن من السير من دون أن يأخذ الزكاة أو الخمس.

و ثانيا: النقض أيضا بالاستدانة بالنسبة إلى غير ابن السبيل من المساكين الّذين يرجى لهم الوصول إلى المال و يمكن لهم الاستدانة، و لا أظنّ منهم الالتزام بذلك.

و ثالثا: أنّ الظاهر أنّ الاستدانة و الاعتياض على قسمين: فتارة يكون ذلك في قبال ما يملكه زائدا على مئونته، فالظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في عدم الفقر و عدم الانقطاع بذهاب مالهم، فإنّه بمنزلة تبديل بعض الأثمان بالبعض الآخر،

______________________________
(1) ج 15 ص 373.

(2) كتاب الزكاة، الفصل السادس، «الثامن».

(3) في ص 566.

569
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة ذهب الأصحاب إلى اشتراط أن لا يكون السفر في معصية الله 2 ص 570

الأقرب عدم الاشتراط. و أمّا الاستيهاب فالظاهر عدم لزومه و لو لم يكن حرجيّا (1).

مسألة: ذهب الأصحاب إلى اشتراط أن لا يكون السفر في معصية اللّه (2).

و اخرى يكون في قبال منزله المسكونيّ أو فروشه و لوازمه أو يكون الاستدانة برجاء أن يرجع و يزيد على شغله و يعطي دينه، فالظاهر أنّه ممّن قطع به السير، لأنّ الظاهر أنّ المقصود من القطع ليس عدم التمكّن المطلق من جميع الجهات، و إلّا لم يكن وقع لقوله بعد ذلك «و يذهب مالهم» بل المقصود قطع السير بذهاب المال، فيكون الجملة الثانية مفسّرة للجملة الاولى بالعطف التفسيريّ، و اللّه العالم.

و يشمله إطلاق «ابن السبيل» و لو مع إضافة المحتاج، لأنّه إن كان في بلده كان محتاجا أيضا و لم يكن ما يملكه من المئونة شي‌ء لرفع الاحتياج، فالظاهر- و هو العالم- أنّه ابن السبيل خصوصا في باب الخمس، و أمّا الاستيهاب فالظاهر عدم اللزوم أصلا، لأنّ الفقير هو الفقير إلى مال الغير، لا الفقير إلى خصوص الزكاة، فربما يستحيل جعل الزكاة للفقير من حيث الزكاة، كما لا يخفى.

كما ظهر في التعليق المتقدّم.

في الجواهر:

بلا خلاف كما اعترف به بعضهم، بل نفاه في المدارك بين العلماء، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه «1».

و استدلّ له بأمرين: أحدهما ما تقدّم «2» من معتبر عليّ بن إبراهيم، و فيه «الّذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه». ثانيهما أنّ إعطاءه للعاصي إعانة على‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 15 ص 376.

(2) في ص 566.

570
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة ذهب الأصحاب إلى اشتراط أن لا يكون السفر في معصية الله 2 ص 570

..........

الإثم و العدوان «1».

هذا كلّه في الزكاة، و الظاهر حوالة الخمس إلى باب الزكاة كما صرّح به في الجواهر «2».

ثمّ إنّه نقل عن بعض الأصحاب اعتبار كون السفر في الإطاعة فلا اعتبار بالسفر في المباح، و عن بعض آخر جوابه بصدق الإطاعة على المباح أيضا «3».

أقول أوّلا: إنّ قياس الخمس على باب الزكاة يتوقّف- بعد تماميّة دلالة الرواية- على كونها بصدد بيان لغة ابن السبيل، أو بصدد بيان ما يكون ابن السبيل في الشرع حقيقة فيه، أو قيام دليل على الملازمة بين الخمس و الزكاة في الثبوت و النفي. و الكلّ ممنوع، كما لا يخفى.

و ثانيا: إنّ دلالة الرواية على مسلك المشهور غير واضح، لأنّ الظاهر أنّ كلمة «في» متعلّقة ب‍ «يكونون» لا ب‍ «الأسفار»- كما هو واضح- فالظاهر أنّ الشرط هو أن يكونوا في حال سفرهم في طاعة اللّه تعالى من التروك و الأفعال، لا أن يكون خصوص سفرهم في طاعة اللّه، و خصوصيّة السفر لعلّها من باب أنّ السفر قد يوجب ترك بعض الواجبات للتعب و قد يقتضي فعل بعض المحرّمات- كالدخول في الأراضي المغصوبة- فالمقصود كونهم عدولا بحيث لا يتخطّون في حال السفر أيضا عن الطريقة الحقّة، و حيث إنّ اشتراط ذلك خلاف الإجماع و الضرورة و موجب للتخصيص الكثير بالنسبة إلى إطلاق ابن السبيل (لأنّه راجع إلى العدالة الّتي لا بدّ في إحرازها في مقام إعطاء المال الذي للمصرف الكلّيّ، و يشكل ذلك غالبا في ابن السبيل الغريب المسافر) فيحمل على التأكيد. و ربّما يمكن تأييد ذلك بما فيه بالنسبة إلى سهم الغارمين من قوله عليه السّلام:

______________________________
(1) الجواهر: ج 15 ص 376.

(2) الجواهر: ج 16 ص 113.

(3) الجواهر: ج 16 ص 113.

571
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة ذهب الأصحاب إلى اشتراط أن لا يكون السفر في معصية الله 2 ص 570

..........

«و الغارمين: قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف» «1».

فإنّ تخصيص الغارم بذلك أيضا لعلّه خلاف ما هو المسلّم بينهم، فلا بدّ من الحمل على التأكيد، أي خصوصا بالنسبة إلى من استدان لذلك و من كان في سفره في طاعة اللّه.

لكنّ الإنصاف أنّ ما ذكر خلاف المتفاهم عرفا من الجملة الشريفة المتقدّمة، بل لعلّ الأظهر كون المراد لا يكونون في حال السفر على خلاف إطاعة اللّه بالنسبة إلى ترك الواجبات أو فعل المحرّمات الّتي ترتكب في السفر- كقطع الطريق و إيذاء الناس و ترك الصلوات الواجبة- سواء كان السفر لذلك أم لا، فلو سافر أحد لغير الحرام فارتكب المحرّمات الّتي يقصدها الفسّاق من السفر- كقطع الطريق و الإجحاف على الناس و سرقة أموال الناس و غير ذلك- فالظاهر خروجه عن العنوان الذي جعل في الخبر شرطا لاستحقاق الزكاة.

و ثالثا: إنّ الاستدلال بدليل الإعانة غير واضح في ما كانت الإقامة في بلاد الغربة موجبة لصدور معاص كثيرة أكثر ممّا يصدر منه في السفر.

و رابعا: لا يصحّ بالنسبة إلى المراجعة إلى الوطن إذا كان قد ارتكب ما قصده من المعصية و إن لم يتب.

و خامسا: إذا تاب جدّا فالظاهر صدق كون السفر بعد ذلك في طاعة اللّه، فلا إشكال لا من جهة دليل الإعانة و لا من جهة الرواية.

و سادسا: إن فرض الصدق فالظاهر حكومة دليل التوبة على ما يقتضيه الدليل الآخر ممّا يتبع الذنوب من دون شبهة، فإنّ التوبة من الشرك يجبّ ما قبله و يوجب‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 145 ح 7 من ب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة.

572
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة يدفع إلى ابن السبيل من الخمس بالمقدار اللائق بحاله ص 573

مسألة: يدفع إلى ابن السبيل من الخمس بالمقدار اللائق بحاله.

و إذا كان ذلك مردّدا بين الأقلّ و الأكثر فالظاهر هو الاقتصار على الأقلّ (1).

و لو اعطي الأكثر مشروطا بصرفه في الأكثر أجرة ففيه إشكال (2).

الحكم بالإسلام و ترتيب آثار الإسلام فكيف! لا يقتضي دليل التوبة رفع آثار سفر المعصية.

و سابعا: إنّ ما نسب إلى بعض الأصحاب من اعتباره كون السفر في الطاعة قد مرّ أنّه لا دليل عليه.

و ثامنا: إنّ الجواب بصدق الطاعة على المباح غير واضح.

و كيف كان، فقد ظهر أنّ مقتضى القاعدة: استحقاق الأخذ من الخمس من باب سهم ابن السبيل إذا تاب عن معصيته في المراجعة إلى الوطن. و الأحوط إن لم يكن أقوى: عدم جواز الإعطاء لمن كان في السفر مشغولا بالمعاصي الّتي يؤتى بها في السفر، أو تمّت معصيته من دون أن يتوب عن ذلك، و اللّه العالم.

فلو كان الركوب مع السيّارة الصغيرة لائقا بشأنه و كان السير مع الكبيرة المشتملة على كثير من المسافرين أيضا لائقا بحاله فإعطاء اجرة الصغيرة الّتي هي أكثر مع إرجاع الأمر إليه لا يجوز بحسب الظاهر، لأنّه يصير بأخذ الأقلّ غنيّا، فلا يجوز أخذ المقدار الزائد. و كذا إعطاء مقدار ثمن المركوب مع إرجاع الأمر إليه. و كذا إعطاء عين المركوب مقرونا بإعطاء المنافع مستقلّا.

وجه الإشكال أنّ الشرط على تقدير لزوم الوفاء به في إعطاء الخمس كما هو مقتضى إطلاق «المؤمنون عند شروطهم» «1» إنّما هو في فرض كون‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 15 ص 30 ح 4 من ب 20 من أبواب المهور.

573
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة جواز إقراض ابن السبيل ما أخذه ثم الاسترداد و الصرف في الطريق ص 574

و أمّا إذا اعطي عين المركوب أو استوجر له أكثر اجرة و كان ذلك متعارفا فالظاهر أنّه خال عن الإشكال (1).

مسألة [جواز إقراض ابن السبيل ما أخذه ثمّ الاسترداد و الصرف في الطريق]

لعلّ الظاهر جواز أن يقرض ابن السبيل ما أخذه ثمّ الأخذ عنه و صرفه في مصارف الطريق (2).

المجموع خمسا، و كون المجموع خمسا يتوقّف على لزوم الوفاء بالشرط، فلا يشمله دليل وجوب الوفاء بالشرط، و لعلّ الظاهر صحّة الخمس بالنسبة إلى الأقلّ، و لا دليل على الفسخ خصوصا في باب الخمس و خصوصا في الشرط الباطل.

فإنّ سدّ خلّته بأحد الأمرين، و لا معيّن لخصوص الأقلّ بعد كون الأكثر متعارفا أيضا و لم يوجب الشارع في باب الخمس و الزكاة أن يلاحظ الأهمّ فالأهمّ الموجب للعسر النوعيّ و الاقتصار على أقلّ ما يدفع به البلاء بإعطاء القوت المانع عن الموت مثلا.

لأنّه إن كان يملك ما يقبضه بملكيّة لازمة- كما يجي‌ء نقله عن الشيخ قدّس سرّه- أو بملكيّة متزلزلة فلا إشكال في ذلك، لأنّ «الناس مسلّطون على أموالهم» «1» بل لا يلزم عليه أخذه و صرفه في مصارف الطريق، لكن بناء على الأوّل يكون ذمّة المديون بعد الوصول إلى وطنه مشغولة له، و أمّا على الفرض الثاني ينتقل إلى المالك أو الحاكم على ما يجي‌ء بعد ذلك إن شاء اللّه تعالى، و أمّا على فرض عدم كونه مالكا فهو يتصوّر أيضا على وجهين، فإنّ المالك إمّا أن يكون بنوّة السبيل على الوجه الكلّيّ و إمّا أن يكون المالك خصوص تلك المسافرة، فهو أيضا وليّ ذلك فله التصرّف فيه ما دام لم يكن موجبا لبعده عن الوطن بل و لو كان لكن لا يوجب أن يحتاج إلى غيره بالتكدّي و أمثاله المرغوب عنه شرعا. و أمّا الدليل على الولاية للمصرف فللأمر بالإعطاء إليه و عدم الشرط عليه بأن لا يصرفه إلّا‌

______________________________
(1) البحار: ج 2 ص 272 ح 7 من ب 33 من كتاب العلم.

574
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما يصرفه في غير الرجوع إلى الوطن ص 575

 

مسألة [حكم ما يصرفه في غير الرجوع إلى الوطن]

لا ينبغي الإشكال في عدم جواز إعطاء مخارج ما يصرفه في ما لا يتوقّف الرجوع إلى وطنه إليه و لا يكون العود إلى الوطن بعد ذلك مستلزما للمحذور أيضا، كأن يقيم مدّة لاشتراء الكتب مثلا، فليس ثمن الكتب و لا مدّة إقامته لاشتراء الكتب محسوبا من مصرف ابن السبيل (1).

[حكم ما يصرفه للرجوع لكن من باب رفع المحذور عن كونه في الوطن، لا من جهة الصرف في مصارف الرجوع]

و أمّا إذا كان ما يصرفه ممّا يكون دخيلا في الرجوع إلى الوطن لكن لا يكون ممّا يتوقّف عليه الرجوع بل كان دخله من جهة الوقوع في المحذور على تقدير الرجوع و لا يكون إلزامه بالبعد من باب الفقر بل لا بدّ له من البعد و لو لم يكن فقيرا- كالمريض الذي ينحصر علاجه بالبقاء في بلد غير وطنه- ففيه إشكال، إلّا أنّ الظاهر عدم الاحتساب في العود إلى الوطن أو في التبديل المتوقّف على الصرف بحيث لا يشمل التبديل غير المتوقّف على الصرف، و لعلّه يجي‌ء لذلك مزيد توضيح إن شاء اللّه تعالى.

و ذلك لأنّ المأخوذ في ابن السبيل أمور ثلاثة: الأوّل كونه ملزما بالسفر، و ذلك مستفاد من كلمة «ابن» الدالّ على اللزوم بقرينة سائر موارد استعمال الابن المضاف إلى الطريق أو العلم أو البطن أو الدنيا، فراجع لسان العرب. الثاني كون منشأ لزوم السفر عليه هو الفقر و الاحتياج إلى المال، و هو المستفاد من مناسبة الحكم و الموضوع، فإنّه لو كان المنشأ مثلا وجود المانع في الطريق من تسلّط القطّاع أو الحرب أو غير ذلك من البرد الشديد أو الحرّ فلا يدفع ذلك بإعطاء الصدقات أو الخمس. الثالث أن يصرف ذلك في دفع ذلك البلاء- و هو البعد من جهة الفقر- بأن يحصل به الوصول إلى الوطن و يصرف في ذلك المصرف المخصوص، و من المعلوم أنّ- في المثال- مدّة إقامته لشراء الكتاب ليست من البعد اللازم و ليس ذلك من جهة الفقر و ليس ما يصرف فيه صرفا في الرجوع إلى‌

 

575
کتاب الخمس (للحائري)

حكم ما يصرفه في ما يتوقف عليه الرجوع إلى الوطن من التذكرة و ما تأخذه الحكومات ص 576

من ابن السبيل (1).

[حكم ما يصرفه في ما يتوقّف عليه الرجوع إلى الوطن من التذكرة و ما تأخذه الحكومات]

و كذا إذا كان البقاء من جهة الفقر و لكن ليس تأمين ذلك من مقدّمات الرجوع بل يكون البقاء من جهة توجّه المحذور بعد الرجوع، كالّذي فرّ من ديونه الكثيرة من وطنه (2). و الظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ ما يتوقّف عليه الرجوع إلى وطنه (من صرف مال في شي‌ء، أو في مدّة لتحصيله، كتحصيل التذكرة أو الإجازة للخروج عن مملكته إلى أخرى) يصرف فيه من ابن السبيل (3).

ثمّ الظاهر جواز إعطاء المحتاج إلى الأمور المذكورة (من المعالجة الوطن. و من الملاك المذكور يعرف الوجه في الفروع الآتية. و الوجه في القيد الثالث أنّ الظاهر أنّ ما لا بدّ من صرفه فيه هو رفع عنوان ابن السبيل عنه لا ما هو خارج عنه.

و ذلك لوجهين: أحدهما عدم صرف ما يصرفه في العلاج في الرجوع إلى وطنه أو مقدّماته، فإنّ المفروض هو التمكّن من الرجوع إلى وطنه و إنّما المحذور أنّه بعد الرجوع يكون مبتلى بالمرض الذي ربّما ينجرّ إلى هلاكه مثلا. ثانيهما أنّ إلزامه بالبعد ليس من جهة الفقر بل من جهة المرض، فإنّه لو كان متموّلا في مثل المثال لكان عليه البقاء و البعد عن الوطن للعلاج.

فإنّه و إن كان ملزما بالبعد عن وطنه و يكون منشأ إلزامه الفقر الممكن رفعه بالصدقات لكنّه ليس ممّا يصرف في نفس عنوان الوصول إلى الوطن أو مقدّماته، بل هو لا يتوقّف على ذلك و المحذور يكون بعد الوصول.

و ذلك للإطلاق الذي لا وجه للانصراف عنه، من غير فرق بين كون المالك نفس ابن السبيل أو مسافرته إلى الوطن.

فالمسألة ذات فروع أربعة: الأوّل أن يكون الإقامة و الحاجة لمثل شراء‌

576
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الذي يجوز الأخذ لابن السبيل هو مقدار الكفاية إما للوصول إلى الوطن أو إلى المكان الذي يمكن له الاعتياض بمال يكفيه أو الاستدانة ص 577

و أداء الدين و أمثال ذلك و ما يصرف في مدّة إقامته لذلك) من سهم الفقراء (1).

مسألة: الذي يجوز الأخذ لابن السبيل هو مقدار الكفاية إمّا للوصول إلى الوطن أو إلى المكان الذي يمكن له الاعتياض بمال يكفيه أو الاستدانة

بالشرط المتقدّم (2).

مسألة [حكم ما فضل عن سفره ممّا ينفد كالنقود أو يبقى كالمركب و الثياب و الفروش]

لو فضل شي‌ء ممّا أخذه ابن السبيل ممّا ينفد في السفر- كالنقود و المأكولات- أو لا ينفد بل يبقى عينه (كالدابّة أو المركب المتعارف تملّكه للسير أو غير ذلك من الثياب و الفروش) فالمشهور أنّه الكتب. الثاني أن يكون ذلك لمثل أخذ التذكرة للعبور عن الثغور و الوصول إلى الوطن. و الأوّل لا إشكال في عدم صرفه من ابن السبيل، و في الثاني لا إشكال في صرفه منه. الثالث أن يكون ذلك لقضاء الوطر، و مدّة قضائه لم يكن ممّا يتوقّف عليه الرجوع و لكنّه فيه محذور بعد الرجوع، و ليس منشأ لزوم قضائه و البعد عن الوطن لذلك هو الفقر بل لا بدّ له من ذلك و لو لم يكن فقيرا. الرابع أن يكون منشأ ذلك هو الفقر، كالفارّ من الديون مع الاشتغال بكسب يفي بديونه أم لا. و الإعطاء من ابن السبيل في ذين الموردين مشكل، بل الظاهر عدم جوازه.

فإنّا قد ذكرنا مرارا أنّ الفقير ليس مرادفا لمعدم المال كما أنّ الغنيّ ليس من يكون ذا مال، بل الفقير هو المحتاج إلى مال الغير، فهو حينئذ فقير يشمله ما دلّ على أنّ الخمس للفقراء، فكونه ابن السبيل لا يتبع ثمرة إلّا إذا قلنا بلزوم البسط، أو قلنا بأنّ الفقير هو معدم المال، أو في الوصيّة و الوقف على ابن السبيل الذي هو مورد الزكاة كما أنّه مورد للابتلاء في زماننا، فافهم و تبصّر.

و هو أن يكون عوضه موجودا في وطنه زائدا على مئونته أو بحكم الموجود، بإمكان التحصيل من دون حرج و مشقّة.

و الوجه في ذلك- بناء على التحقيق المتقدّم- أنّ أخذ ما يوصله إلى المكان‌

577
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما فضل عن سفره مما ينفد كالنقود أو يبقى كالمركب و الثياب و الفروش ص 577

يردّ (1)، المفروض موجب لغناه فلا يكون بالنسبة إلى الباقي مصداقا لابن السبيل، و أمّا على مسلك الأصحاب فللانصراف القطعيّ إلى مقدار الكفاية، و إلّا لجاز الأخذ زائدا على ما يوصله إلى وطنه أيضا، فعدم جواز الزائد عن المكان المفروض في المتن كعدم جواز الزائد عن مصارف الرجوع إلى الوطن، من حيث الدليل و وضوح عدم الجواز.

كما في الجواهر، فقال بعد قول المحقّق قدّس سرّهما «و لو فضل منه شي‌ء أعاده»: وفاقا للأكثر بل المشهور «1». و فيها أنّه:

قال الشيخ قدّس سرّه في الخلاف: لا يعيد، و في المسالك عن نهاية الفاضل و عن بعض الحواشي أنّه لا يردّ الدابّة و الثياب و الآلات «2».

ففي المسألة أقوال ثلاثة، و المشهور هو الردّ.

أقول: مبني المسألة على أنّ المالك لسهم ابن السبيل هل هو الجهة أي المسافرة و المراجعة إلى الوطن، فمن كان يملك قد انعدم فيرجع إلى الزكاة أو إلى ملك المالك أو إلى ابن سبيل غيره (على ما يأتي تحقيقه في المسألة الآتية إن شاء اللّه تعالى) أو الشخص لخصوص الجهة الخاصّة فيكون كالأوّل، أو الشخص لرفع احتياجه و التمكّن من المراجعة و خروجه عن كونه ابن السبيل بذلك فأخذ قدر الكفاية و خرج عن كونه ابن السبيل، أي الذي يكون ملزما بالغربة لعدم المال فملك ذلك.

لكنّ الظاهر من آية الخمس هو الثالث، فيملك قدر الكفاية و يخرج عن ملك المالك و عن كونه زكاة.

______________________________
(1) الجواهر: ج 15 ص 376.

(2) الجواهر: ج 15 ص 377.

578
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما فضل عن سفره مما ينفد كالنقود أو يبقى كالمركب و الثياب و الفروش ص 577

..........

إن قلت: مقتضى ذلك جواز الصرف في غير مصارف المراجعة و صيرورته ابن السبيل بعد ذلك، فهلمّ جرّا.

قلت أوّلا: نظير هذا الإشكال وارد في الفقير أيضا، كما لا يخفى.

و ثانيا: إنّه قد تقدّم منّا أنّ ابن السبيل هو الملزم بالمسافرة من جهة فقد المال، و هو الذي إن أخذ المال رجع إلى وطنه، فإن أخذ و لم يرجع إلى وطنه فهو ليس بابن السبيل.

إن قلت: مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع هو الصرف في رفع بليّة بنوّة السبيل كما تقدّم.

قلت: دفع ذلك تارة بتبديل السفر بالحضر، فيخرج عن كونه ابن السبيل بالوصول إلى وطنه، كأن يتكفّل صاحبه في السفر لإعطاء مصارفه من الزكاة إلى الوصول إلى الوطن، ففي كلّ آن ملزم بالسفر و محتاج إلى المال لذلك، و اخرى يحصل دفعة، بأن لا يكون ملزما بالبقاء في الغربة من جهة فقد المال، فهو أيضا مناسب للحكم.

هذا، مضافا إلى أنّه لم يسمع في طيلة عصر الإسلام ردّ مال اعطي بعنوان الزكاة أو الخمس أو شرط على ابن السبيل الردّ عند الوصول إلى الوطن أو سئل مصادر التشريع عن ذلك، بل ربما يستفاد من الإطلاقات المقاميّة (الواردة في ابن السبيل في باب الزكاة و الخمس، المقرونة بغلبة زيادة شي‌ء من زاد السفر- نقدا أو جنسا- و السكوت عن الردّ إلى الحاكم أو الفقير أو المالك) عدم لزوم الردّ، كما لا يخفى.

إن قلت: مقتضى خبر العالم المعتبر، و فيه:

«و ابن السبيل أبناء الطريق الّذين يكونون في‌

579
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما فضل عن سفره مما ينفد كالنقود أو يبقى كالمركب و الثياب و الفروش ص 577

و مقتضى الدليل عدم لزوم الردّ في الخمس، و إن كان الأحوط الردّ خصوصا في مثل الدابّة الّتي تكفي منفعتها للوصول إلى الوطن.

ثمّ إنّه على تقدير الردّ لزوما أو من باب الاحتياط فالمستفاد من الجواهر أنّ في المسألة قولين: أحدهما الردّ إلى المالك أو وكيله، فإن تعذّر فإلى الحاكم. ثانيهما تعيّن الردّ إلى الحاكم (1). و لعلّ الظاهر جواز الردّ إلى المستحقّ منه أو الحاكم إن لم يستلزم التأخير في الأداء.

و على هذا الفرض هل يجوز الصرف في مصرف الزكاة على وجه الإطلاق أو لا بدّ من الصرف في خصوص الأسفار في طاعة اللّه فيقطع عليهم و يذهب مالهم فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات» «1».

أنّ ابن السبيل يملك الردّ إلى الوطن و لا يملك غير ذلك، فمورد حقّه الردّ إلى الوطن من الزكاة. و الظاهر كونه في مقام بيان المراد من «ابن السبيل» ففي الخمس يكون كذلك أيضا.

قلت: الظاهر أنّ قوله عليه السّلام «فعلى الإمام» ليس تفسيرا لابن السبيل و بيانا لما يستحقّه، بل هو تفريع على بيان ابن السبيل و شروع في بيان الآثار من دون أن يكون بصدد تفسير ما هو الأثر له بنحو الجامعيّة و المانعيّة، بل يكون بصدد ذكر ما هو الغالب الظاهر من آثاره. كيف؟! و ليس ذلك مختصّا بالإمام بحيث لا يجب على غير الإمام ذلك فيسقط بغيبته أو يتوقّف على عموم النيابة للفقيه، بل الظاهر منه من حيث الإطلاق المقاميّ عدم لزوم ردّ ما يبقى غالبا من زاد المسافرين.

فمقتضى الدليل ما ذهب إليه الشيخ من عدم الردّ إذا أخذ بمقدار الكفاية.

ففي الجواهر نقل الأوّل عن الروضة و اختار الثاني لنفسه «2».

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 145 ح 7 من ب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(2) الجواهر: ج 15 ص 377.

580
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما فضل عن سفره مما ينفد كالنقود أو يبقى كالمركب و الثياب و الفروش ص 577

..........

و هنا وجه ثالث- لم أر ذكره في زبر الأصحاب- و هو الردّ إلى الفقير أو إلى ابن سبيل آخر، بمعنى جواز الردّ إلى الفقير بنفسه من دون مراجعة الحاكم.

ثمّ إنّه على تقدير فرض المقسم للوجوه عدم بقائه على ملك ابن السبيل المراجع إلى وطنه فهنا وجه رابع، و هو كون ذلك المال بمنزلة المباحات، لإعراض صاحبه عنه بجعله زكاة، و المفروض خروج المال عن ملكيّة مصرف الزكاة، و الزكاة الّتي جعل المال في مصرفها قد أدّيت بإعطائها إلى ابن السبيل المخصوص.

و كيف كان، فنقول: مقتضى الدليل هو الوجه الثالث:

فإنّ الرجوع إلى المالك إن كان بنحو المالكيّة من باب أنّه جعله زكاة على النحو الخاصّ (بأن يكون مصروفا في خصوص الرجوع إلى الوطن بالنسبة إلى الشخص الخاصّ) فإذا انعدم المالك الثاني بالفرض- و هو السفر المخصوص- يرجع إلى المالك فيكون ملكا له (كما في الفسخ و ما يزيد عن مورد الوصيّة و الوقف المنقطع الآخر) فهو مردود أوّلا بأنّ ارتكاز المتشرّعة مستقرّ على أنّ ما يجعل زكاة يجعل زكاة بنحو الإطلاق، لا أنّه يجعل زكاة بنحو التقييد. و ثانيا بأنّ جعله زكاة بنحو التقييد محال، فإنّ صيرورته ملكا لابن السبيل الخاصّ لجهة خاصّة متوقّف على كون المال زكاة، لأنّ السهم المذكور من السهام الّتي جعلت للزكاة و الصدقات، فلو فرض توقّف زكاتيّته على كونه ملكا لابن السبيل على النحو الخاصّ لزم الدور. و ثالثا بأنّ بناء الفقهاء المتّخذ من العرف على أنّ جميع الشروط المذكورة في المعاملات من قبيل الالتزام في الالتزام، لا من قبيل التقييد.

و أمّا إن كان الرجوع إليه من باب كونه وليّا على المصرف و ولايته موكولة إليه، و لو شكّ في ذلك يستصحب ولايته عليه فيرجع إليه زكاة (و بعد الرجوع إليه ففيه وجهان: صرفه في أصل الزكاة أو صرفه في خصوص ابن السبيل) ففيه: أنّه‌

581
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة مسألةفي حكم الغارمين من بني هاشم ص 582

سهم ابن السبيل؟ وجهان، الأحوط إن لم يكن الأظهر هو الثاني (1).

و الأحوط كونه بإذن الحاكم و المالك أيضا، و اللّه العالم.

مسألة [مسألة: في حكم الغارمين من بني هاشم]

في الغارمين من الهاشميّين وجوه:

الأوّل: جواز الصرف في أداء دينهم من الزكاة و الخمس، و تمليك الخمس لهم في أداء الدين.

الثاني: عدم جواز ذلك كلّه. و هو ضعيف جدّا.

الثالث: عدم جواز الصرف من الزكاة، و جواز الأمرين من الخمس.

الرابع: جواز إعطائهم من الخمس لأداء الدين، و عدم جواز أداء دينهم من الخمس من دون تمليكهم و من دون رضا المديون بذلك.

بعد الخروج عن ملكه و صيرورته زكاة فلا يحلّ لأحد التصرّف في مال غيره بغير إذنه، فالاستصحاب منقطع بعموم عدم جواز التصرّف في مال الغير.

و أمّا الرجوع إلى الحاكم بنحو التعيّن فيتوقّف على ولاية الحاكم على الأموال العموميّة- من الخمس و الزكاة- و عدم ولاية لغيره من مصاديق المستحقّين، و هو خال عن الدليل.

فالوجه الثالث و هو جواز الرجوع إلى الفقير- لأنّه مصداق المستحقّ بعد فرض كونه زكاة- مطابق للدليل. و يجوز الأداء إلى الحاكم أيضا من باب أنّه يصرفه في الزكاة و يعطيه الفقراء.

و ذلك لأنّه قد تشخّص في خصوص ابن السبيل، و هو مردّد في أوّل الأمر بين أن يكون من طرف المالك لأصل ابن السبيل، و تشخّصه في خصوص الخاصّ من باب قبض ذلك الخاصّ، و بين أن يكون خصوص الخاصّ المنفيّ بالرجوع إلى الوطن، فيستصحب الكلّيّ المردّد بين الباقي و الزائل، فلا بدّ من الصرف في ابن السبيل.

582
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة مسألةفي حكم الغارمين من بني هاشم ص 582

الخامس: جواز تمليكهم الخمس للأداء و جواز أداء الدين من الخمس مع رضا المديون بذلك.

و لعلّ الأظهر هو الثالث، (1) لكنّ الأحوط التمليك بشرط أن يؤدّي به الدين، و لا يعطى بعد ذلك إن لم يف المديون بالشرط و لم يكن له عذر شرعيّ في ذلك.

و كذلك في مسألة البدل للحجّ من باب سهم سبيل اللّه لشخص خاصّ إذا تعذّر عليه و فرض عدم إمكان الاستيذان من المالك أو قلنا بعدم ولايته بقاء بعد تعيّنه في خصوص الحجّ بالإعطاء و الأخذ، من باب أنّه أحد المصاديق.

و كذا في غير ذلك من الوصيّة و الوقف، فافهم و تأمّل.

الوجه في جواز الإعطاء من باب الخمس لأداء الدين أنّ المديون فقير و محتاج إلى مال الغير، من دون فرق بين مطالبة الدائن و إعساره و عدمهما أو عدم أحدهما أو كونه مطالبا على تقدير جواز أخذ الخمس له من غير جهة المطالبة أو مع فرض المطالبة، فإنّ الفرض- كما هو واضح- في جميع الغارمين فرض عدم القدرة على أداء الدين، فهو محتاج إلى مال الغير و لو كان ذلك المال هو الدين الذي للدائن في ذمّته، فهو كالمسكن المحتاج إليه و يكون لغيره و لا يطالبه التخلية و لا الأجرة، فلا شبهة عندي في فقره في جميع تلك الصور، و ليس الفقير معدم المال كما مرّ ذلك كرارا، بل الفقير هو المحتاج و المسكين، باعتبار عدم جريان معيشته بحيث يتمكّن من تأمين جميع حوائجه.

و أمّا الوجه في جواز إعطاء الدين من باب الخمس فلأنّه نوع من الإعطاء عرفا.

إن قلت: فيجوز إعطاء مال الغير لدينه من دون إذنه و إحراز رضاه.

قلت: الإعطاء الذي لا يرضى به المالك غير جائز، فلا يتحقّق به أداء الدين،

583
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة مسألةفي حكم الغارمين من بني هاشم ص 582

..........

فلا يتحقّق به الإعطاء، بخلاف مال الخمس الذي مقتضى الإطلاق أنّ إعطاءه بيد المالك، فيصدق الإعطاء و لو من دون رضا مالكه على فرض حصول الأداء، فلا مانع من الأداء. و إن أبيت عن ذلك فيكفي رضا المديون بذلك بل رضا غيره من السادات الفقراء، فيتّجه الوجه الخامس بل أعمّ منه.

ثمّ إنّ هنا فروعا:

الأوّل: لو أخذ المديون الخمس من دون اشتراط أن يصرفه في دينه و إن كان بذاك الداعي هل يجوز صرفه في غيره؟ مقتضى القاعدة هو الجواز، إذ صار مالكا بملاك الفقر الذي ملاكه الدين و إن لم يصرف فيه. نعم، لو طالبه الدائن يجب صرفه في الدين من باب وجوب أداء الدين، لا من باب كون الخمس لذلك.

الثاني: لو صرفه في غيره هل يجوز له أخذ الخمس ثانيا بذلك الملاك؟

الظاهر بمقتضى القاعدة هو الجواز إن لم يوجب الضرر على مستحقّ آخر، كما تقدّم في مسألة أخذ الخمس وهبته من المالك.

الثالث: لو شرط المالك المؤدّي للخمس أن يصرفه في أداء الدين فهل يجب على مستحقّ الخمس ذلك؟ الظاهر هو الوجوب، فإنّ المؤمنين عند شروطهم «1»، و ليس ذلك شرطا ابتدائيّا بل يكون في ضمن الإعطاء التمليكيّ الخمسيّ.

الرابع: هل يوجب عدم الوفاء بالشرط اختيار الفسخ؟ فيه إشكال.

الخامس: هل يجوز للمعطي شرط الخيار على تقدير عدم أداء الدين به؟

مقتضى عموم «المؤمنون عند شروطهم» «2» هو الجواز و ثبوت خيار الفسخ.

السادس: هل يجوز اشتراط أن يكون الخمس بعد ملكيّته له ملكا للدائن بنحو شرط النتيجة مع قبول الدائن أيضا؟ مقتضى عموم دليل وجوب الوفاء‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 15 ص 30 ح 4 من ب 20 من أبواب المهور.

(2) الوسائل: ج 15 ص 30 ح 4 من ب 20 من أبواب المهور.

584
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم نقل سهم السادة من بلد إلى بلد آخر ص 585

مسألة [حكم نقل سهم السادة من بلد إلى بلد آخر]

هل يجوز نقل سهم السادة من بلد إلى بلد آخر أم لا؟ الظاهر هو الجواز مع فرض الرضا بذلك من عدّة ينطبق المال عليهم، إذا فرض عدم رجحان التقسيم في المحلّ على النقل و لو من حيث وجود الخمس في المحلّ (1).

بالشروط لشرط النتيجة هو الجواز.

السابع: هل يجوز اشتراط جواز أخذ الخمس للدائن من باب أداء دينه؟

مقتضى القاعدة هو الجواز، من دون الحاجة إلى قبول الدائن- كجعل الخيار للأجنبيّ في البيع- فإنّ الحقّ ثابت للمعطي، فتأمّل.

الثامن: هل يمكن قبول الخمس من جانب الهاشميّ المديون، ثمّ أداء الدين منه، ثمّ الاستجازة منه، فيكون فضوليّا، أم لا؟ فيه إشكال، فلا بدّ من التأمّل.

التاسع: الظاهر أنّه لا إشكال في أخذ الوكالة عن الهاشميّ في قبول الخمس له، ثمّ أداء دينه منه.

العاشر: الظاهر جواز ما ذكر من الشرط في الخمس في ضمن عقد خارج لازم، بالطريق الأولى.

بأن يكون في قبال مصلحة الإعطاء في المحلّ من جهة الجيران و الرفقاء و من تحمّل مشقّة الانتفاع بالمال مصلحة أخرى في الحمل، فيكون التقسيم في المحلّ و النقل من حيث المجموع متساويين، و ذلك لعدم الدليل على عدم جواز الحمل من حيث هو مع قطع النظر عن طروّ عنوان إمساك مال الغير بدون الرضا و مع قطع النظر عن كون الحمل على خلاف المصلحة، و ذلك لأنّه لا دليل عليه إلّا ما ورد في باب الزكاة في مصحّح عبد الكريم بن عتبة الهاشميّ، و فيه:

كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر،

585
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم نقل سهم السادة من بلد إلى بلد آخر ص 585

..........

و لا يقسمها بينهم بالسويّة، و إنّما يقسمها على قدر ما يحضرها منهم و ما يرى، ليس عليه في ذلك شي‌ء موقّت موظّف، و إنّما يصنع ذلك بما يرى على قدر من يحضرها منهم» «1».

و صحيح الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب، و لا صدقة الأعراب في المهاجرين» «2».

قال في الوسائل:

و رواه المفيد في المقنعة كما مرّ، و الذي قبله مرسلا، إلّا أنّ في نسخة «لا تصلح» «3».

و فيه أوّلا: عدم صحّة الاستدلال بهما في الزكاة، لمكان الروايات الأخر الصريحة في جواز النقل في الجملة «4».

و ثانيا: عدم وضوح دلالتهما في نفسهما:

أمّا الأوّل فلأنّ الظاهر أنّ المقصود جواز الاقتصار على الحاضر و لا يجب الجمع و التقسيم بالسويّة، بقرينة قوله: «ليس عليه في ذلك شي‌ء موقّت موظّف» و أنّه خلاصة ما هو بصدد بيانه.

و أمّا الثاني فلأنّ مقتضى ظهوره جواز النقل من بلد هجرة إلى بلد هجرة اخرى و من أعراب محلّ إلى محلّ أعراب آخر، فلعلّ المقصود هو الإرشاد إلى التناسب من حيث الاحتياج، فإنّ الأعراب متاعهم الإبل مثلا فالمناسب أن‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 183 ح 1 من ب 28 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(2) المصدر: ص 197 ح 1 من ب 38.

(3) الوسائل: ج 6 ص 197.

(4) المصدر: ص 195 الباب 37 من أبواب المستحقّين للزكاة.

586
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم نقل سهم السادة من بلد إلى بلد آخر ص 585

..........

يجعلوا زكاة الإبل في الأعراب المحتاجين إليها، و أمّا أهل البلاد فهم محتاجون إلى الغلّات و تلك متاعهم أيضا، فلعلّ الأنسب ما في نسخة اخرى تكون فيها «لا تصلح» بدلا عن كلمة «لا تحلّ»، و حيث إنّ المنقول مردّد بين «لا تصلح» و «لا تحلّ» فلا يصحّ الاستدلال المبنيّ على «لا تحلّ».

و أمّا إذا لم يكن في ذلك صلاح بل كانت المصلحة في التقسيم في المحلّ فهل يجوز النقل مع فرض الرضا من عدّة من المستحقّين أم لا؟ فيه إشكال. و الأحوط مراعاة المصلحة، لا سيّما إذا كانت لازمة عرفا، كما إذا لزم من تركها الحرج أو الضرر على بعض المستحقّين.

وجه الجواز أنّ التصرّف في المال يكون برضا ربّ المال. و وجه عدم الجواز أنّ مقتضى صحيح البزنطيّ أنّ الإمام له الولاية في الخمس بحسب ما يرى من المصلحة، و من المقطوع أنّه ليس ولاية صاحب المال بأوسع من ولاية الإمام عليه السّلام، ففيه عن الرضا عليه السّلام.

فقيل له: أ فرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر و صنف أقلّ ما يصنع به؟ قال: «ذاك إلى الإمام، أ رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كيف يصنع أ ليس إنّما يعطي على ما يرى؟ كذلك الإمام» «1».

إن قلت: إنّ ذلك في كيفيّة التقسيم من حيث أقلّيّة بعض الأصناف و أكثريّة البعض الآخر.

قلت: الظاهر بحسب متعارف الصرف عدم الفرق في ذلك.

إن قلت: صدر الخبر ظاهر في الإرجاع إلى الإمام عليه السّلام، و الذيل ليس بظاهر‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 362 ح 1 من ب 2 من أبواب قسمة الخمس.

587
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم نقل سهم السادة من بلد إلى بلد آخر ص 585

و أمّا إذا كان مراعاتها لازمة شرعا فلا إشكال في لزومها، كما إذا خيف من تركها تلف النفس (1).

و إن كان النقل على وفق المصلحة و كان أرجح و لكن كان مخالفا لرضا مستحقّي البلد و خارجه فالظاهر عدم الجواز (2).

في التقييد بالرأي و المصلحة، بل يكون من باب أنّ الإمام إذا اختار لا يختار إلّا ما يراه مصلحة، لا أنّه يختار- نعوذ به تعالى- على طبق هواه خلاف ما يراه من المصلحة.

قلت: الذيل علّة لبيان اختيار الإمام عليه السّلام، و ظهور العلّة مقدّم على المعلّل له، و عدم ظهور الذيل في الإرجاع إلى رأي الإمام عليه السّلام ممنوع.

لكن لقائل أن يقول: إنّ ظهور الذيل في الجهة الإثباتيّة غير معلوم، بل لعلّ المقصود بيان عدم حدّ مقرّر و موظّف من اللّه تعالى في ذلك، كما يومئ إلى ذلك ما تقدّم «1» في مصحّح عبد الكريم: من قوله:

«على قدر ما يحضرها منهم و ما يرى، ليس عليه في ذلك شي‌ء موقّت موظّف».

مع أنّ كون الذيل علّة إنّما هو بحسب الاستدلال، و أمّا بحسب مقام الثبوت فرجوع الأمر إلى الإمام عليه السّلام لاختيار الإمام ما يراه من المصلحة.

فالنقل إن كان موافقا للمصلحة و الرضا على حسب ما عرفت فالظاهر عدم الإشكال فيه، و إن كان مخالفا لهما فالظاهر عدم الإشكال في عدم الجواز، و إن كان على خلاف المصلحة و موافقا للرضا فالأحوط مراعاة المصلحة.

و هذا هو القسم الرابع. و وجه عدم الجواز أنّ النقل تصرّف في مال الغير من دون الرضا، و جواز مراعاة المصلحة أو لزومها بالنسبة إلى الإمام عليه السّلام- كما هو‌

______________________________
(1) في ص 586.

588
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم تأخير الخمس ص 589

و لا يخفى أنّ الأقسام الأربعة جائية في التأخير، فإنّه قد يكون مقرونا بالمصلحة و الرضا، و قد يكون فاقدا للمصلحة و الرضا، و ثالثة يكون فاقدا للرضا و واجدا للمصلحة، فالظاهر أنّه جائز في الأوّل و غير جائز في الأخيرين. و قد يكون واجدا للرضا و فاقدا للمصلحة، فالأحوط فيه ترك التأخير، كما مرّ في النقل (1).

مسألة [حكم تأخير الخمس]

الظاهر أنّه لا إشكال في الضمان إذا تلف الخمس في يده و لم يكن تأخيره جائزا له، بأن كان المستحقّ موجودا أو غير راض ببقائه عنده أو لم يحرز ذلك (2).

و الظاهر عدم الضمان إذا كان التأخير واجبا عليه (3).

المستفاد من الصحيح المتقدّم «1»- لا يستلزم ذلك بالنسبة إلى غيره، كما لا يخفى.

و الوجه فيه هو الوجه في النقل.

و ذلك لأنّه غصب فيشمله ما دلّ على الضمان في المغصوب، و لأنّه مشمول لما يأتي من روايات الضمان في باب الزكاة «2»، بل هو المتيقّن من دلالته فيحكم في الخمس مثله بإلقاء الخصوصيّة الظاهر من معتبر محمّد بن مسلم الآتي تقريبه في التعليق الآتي، و لأنّه مقتضى استصحاب وجوب أداء العين أو البدل و لو من باب حقّ التبديل- كما يأتي تقريبه إن شاء اللّه في التعليق الآتي- فالدليل عليه أمور ثلاثة.

و ذلك لوجوه:

منها: ما دلّ على عدم الضمان في الوديعة، كالصحيح أو الحسن- بإبراهيم- عن زرارة، قال:

______________________________
(1) في ص 587.

(2) الوسائل: ج 6 ص 198 الباب 39 من أبواب المستحقّين للزكاة.

589
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم تأخير الخمس ص 589

..........

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن وديعة الذهب و الفضّة، قال: فقال: «كلّ ما كان من وديعة و لم تكن مضمونة لا تلزم» «1».

بدعوى أنّ الوديعة هي ما جعل أمانة في يد غير المالك و لو كان ذلك من قبل اللّه تعالى، و الانصراف إلى الوديعة من قبل الناس بالخصوص بدويّ ليس منشأه اللفظ بل منشأه كثرة الوجود و الابتلاء في الخارج.

و منها: ما دلّ على عدم الضمان معلّلا بأنّ من بيده المال أمين، كموثّق غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أتي بصاحب حمّام وضعت عنده الثياب فضاعت فلم يضمّنه، و قال: إنّما هو أمين» «2».

بتقريب أنّه إمّا أن يكون المقصود عدم الضمان ثبوتا في فرض عدم التعدّي و التفريط معلّلا بأنّه مورد للأمانة، فينطبق على المورد، أو بتقريب أنّ عدم الضمان ثبوتا في الصورة المذكورة مفروض بحسب الارتكاز، و يكون المقصود عدم الضمان في صورة احتمال التعدّي و أنّه محكوم بعدم التعدّي، لأنّه مورد للأمانة، فيصدق أيضا على مورد البحث. و مثله ما إذا كان المقصود بقوله «إنّما هو أمين» أنّه يعلم أنّه لا يخون، لمعرفته بحال صاحب الحمّام بالخصوص، فافهم و تأمّل.

و منها: ما دلّ على عدم الضمان صريحا في باب الزكاة إمّا على وجه الإطلاق و إمّا في صورة عدم وجود المستحقّ، فراجع روايات الباب التاسع و الثلاثين من‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 13 ص 228 ح 4 من ب 4 من أبواب الوديعة.

(2) الوسائل: ج 13 ص 270 ح 1 من ب 28 من أبواب الإجارة.

590
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم تأخير الخمس ص 589

..........

أبواب المستحقّين للزكاة الّتي منها الصحيح أو الحسن- بإبراهيم- عن محمّد بن مسلم، قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تقسم؟

فقال: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان، لأنّها قد خرجت من يده.

و كذلك الوصيّ الذي يوصى إليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربّه الذي أمر بدفعه إليه، فإن لم يجد فليس عليه ضمان» «1».

و دلالته بالنسبة إلى الزكاة كادت أن تكون صريحة.

و أمّا بالنسبة إلى الخمس فيمكن الاستدلال به من باب إلقاء الخصوصيّة، بل هو ظاهر نفس الخبر، من جهة ذكر الوصيّة المشعر بأنّه بصدد بيان الكلّيّ لا خصوص مورد الزكاة.

مضافا إلى التعليل، فإنّه ليس المقصود من التعليل خروجه من يد شخصه و وقوعه بيد وكيله، لأنّ يده يد نفسه عرفا و شرعا، مع أنّه لا ينطبق على مورد الوصيّة، و ليس المقصود ظاهرا أنّه صار مشخّصا و خارجا عن كونها في المال بنحو الكلّيّ في المعيّن، كما ربما يظهر من خبر عبيد بن زرارة عنه عليه السّلام:

«إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمّها لأحد‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 198 ح 1 من ب 39 من أبواب المستحقّين للزكاة.

591
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم تأخير الخمس ص 589

لكنّ الأحوط هو الاستيذان من بعض المستحقّين في التأخير.

و أحوط منه الاستيذان منه و من الحاكم الشرعيّ. و أحوط منهما أخذ الوكالة عن بعض المستحقّين في النقل إليه من باب الخمس، ثمّ التأخير إلى أن يوصله إليه أو إلى مستحقّ آخر (1). و أحوط من الكلّ أن يكون فقد برء منها» «1».

فإنّه لا ينطبق على مورد الوصيّة.

مضافا إلى دلالته أيضا على المقصود حيث جعل عدم الضمان من باب تلف مال الغير في تلك الصورة مبنيّا على الارتكاز الموجود في المبحوث عنه، فالظاهر هو الخروج عن اختياره شرعا، فلا بدّ من التأخير في البلد انتظارا للمستحقّ أو النقل إلى بلد آخر للإيصال إلى المستحقّ، و العلّة المذكورة موجودة في باب الخمس أيضا.

و منها: عدم الدليل على الضمان في تلك الصورة، لمنع دلالته على اليد، للإشكال فيه سندا و عدم وضوح استناد الأصحاب إليه بالخصوص في الضمان، و لأنّ الغاية ظاهرة في صورة إمكان أداء العين فلا يشمل فرض التلف. و التعليق منتزع من الحكم في فرض التلف و ليس بغصب حتّى يشمله دليل ضمان المغصوب.

لكن يمكن ردّ هذا الدليل باستصحاب وجوب أداء أحد الأمرين: من العين أو البدل و لو من باب حقّ المالك للتبديل، و اختصاصه بصورة وجود العين مرفوع بالاستصحاب.

أمّا الأوّل فلصيرورته بذلك أمانة مالكيّة، فيتّضح دخوله في مصداق الوديعة و الأمانة و يتّضح صدق عنوان الأمين عليه.

و أمّا الثاني فلاحتمال عدم ولاية كلّ واحد من المستحقّين إلّا في الأخذ من‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 199 ح 4 من ب 39 من أبواب المستحقّين للزكاة.

592
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم تأخير الخمس ص 589

ذلك أيضا بإذن الحاكم (1) على نحو لا يكون مخالفا لحرمة المستحقّ.

و أمّا إذا وجد المستحقّ و أخّر أداءه لبعض المصالح و كان ذلك بإحراز الرضا من عدّة من المستحقّين فكان جائزا، ففي الضمان و عدمه إشكال (2).

باب الانطباق، و عدم ولايتهم على الإذن من دون أن يكونوا مالكين بالفعل، و يكون ولاية جميع ذلك راجعة إلى الحاكم الشرعيّ.

و أمّا الثالث فمنشأه عدم ولاية الشخص و لا الحاكم، و كانت ولاية الشخص على الأخذ فيصير ملكا له.

بناء على ما تقدّم من احتمال كون ولاية سهم السادات موكولة إلى الحاكم من باب النيابة عن الامام عليه السّلام.

لكن قد تقدّم دفع ذلك و أنّ ملاحظة هذا الاحتياط خلاف الاحتياط، من جهة ملاحظة حرمة آل الرسول صلّى اللّه عليه و آله و إن كان احتياطا من حيث القطع ببراءة الذمّة.

من دلالة غير واحد من الروايات الّتي منها ما تقدّم «1»- من معتبر محمّد بن مسلم- على الضمان، و فيه:

«إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن».

فإذا قلنا بذلك في الزكاة فيقاس الخمس عليها، خصوصا في مرحلة الزيادة، كما أشير إليه من أنّه يمكن أن يكون الخمس أشمل من الزكاة، لكنّ النقيصة منه ربما تكون مخالفة لدليل المعاوضة، فيحكم في الخمس بالضمان أيضا.

فهذا الدليل مركّب من أمرين: أحدهما الضمان في الزكاة لمثل الدليل المذكور. و ثانيهما قياس الخمس بها لدليل المعاوضة.

و يمكن أن يستدلّ للضمان باستصحاب وجوب أداء العين أو البدل في باب‌

______________________________
(1) في ص 591.

593
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم تأخير الخمس ص 589

..........

الخمس و الزكاة و لو من باب حقّ المالك للتبديل، فإنّه كان ذلك متيقّنا عند وجود العين فيستصحب ذلك بعد التلف أيضا، و مقتضى ذلك هو الضمان في الجملة، لا بأن يكون ضامنا في المثليّ بالمثل و في القيميّ بالقيمة.

هذا تفصيل وجه الضمان.

و أمّا وجه عدم الضمان فلمنع ذلك في المقيس عليه و هو الزكاة، و ذلك لأنّ مقتضى إطلاق بعض الروايات «1» عدم الضمان، ففي معتبر بكير بن أعين، قال:

سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يبعث بزكاته فتسرق أو تضيّع، قال: «ليس عليه شي‌ء» «2».

فحكم فيه بعدم الضمان، من غير فرق بين وجود المستحقّ في المحلّ و عدمه.

و على مبني الوالد قدّس سرّه من «تقدّم التصرّف في الهيأة- بالحمل على الاستحباب- على التصرّف في المطلقات» يحمل ما يدلّ على الضمان على الاستحباب.

و ربما يؤيّد ذلك الجمع في خصوص مورد البحث بأمرين: أحدهما بعد عدم المستحقّ في المحلّ بحيث يحتاج إلى الحمل و البعث من بلد إلى بلد، فالحمل على صورة عدم وجود المستحقّ حمل على الفرد البعيد. ثانيهما خبر وهب بن حفص عن أبي بصير قال:

قلت لأبي جعفر عليه السّلام:- جعلت فداك- الرجل يبعث بزكاة ماله من أرض إلى أرض فيقطع عليه الطريق، فقال: «قد أجزأته عنه، و لو كنت أنا لأعدتها» «3».

______________________________
(1) مثل ما في الوسائل: ج 6 ص 198 و 199 من خبر 3 و 4 و 5 و 6 من ب 39 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(2) المصدر: ص 199 ح 5.

(3) الوسائل: ج 6 ص 199 ح 6 من ب 39 من أبواب المستحقّين للزكاة.

594
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم تأخير الخمس ص 589

و لعلّ الأظهر هو الضمان (1).

و طريق التخلّص عن الضمان في تلك الصورة هو الاستيذان عن المستحقّ. و الأحوط الجمع بينه و بين الاستيذان من الحاكم. و أحوط منهما أخذ الوكالة عن المستحقّ لنقل الخمس إليه بإذن الحاكم، كما تقدّم في فرض الحكم بعدم الضمان.

الدالّ على الاستحباب. فالجمع بالحمل على الاستحباب قويّ في خصوص المورد.

و على فرض الضمان في مورد الزكاة فقياس الخمس عليه غير واضح، لأمرين: أحدهما أنّ عدم نقصان الخمس عن الزكاة في مقام الجعل لا ينافي النقصان في مقام السقوط و عدم الضمان، فتأمّل فإنّه لا فرق بين عدم الجعل أو الجعل و السقوط، في النتيجة. ثانيهما أنّ معاوضة الخمس عن الزكاة ليست إلّا بمعنى عدم احتياج الهاشميّين من الفقراء إلى الزكاة و إلى الناس مع فرض إعطائهم الخمس، و لا يقتضي جعل الخمس في جميع موارد جعل الزكاة، بل لا بدّ أن يكون الخمس كافيا لهم و لو من باب قلّة عددهم بالنسبة إلى مساكين الناس، و لعلّه لذا قد حلّل الخمس إلى زمان الكاظم عليه السّلام كما يستفاد من الأخبار، فهذا يقوّي عدم الضمان.

لكن مقتضى الاستصحاب المتقدّم «1»: الضمان، و مقتضى معتبر محمّد بن مسلم «2» (الظاهر أنّه في مقام بيان الحكم الكلّيّ، بقرينة ذكر مورد الوصيّة) أيضا ذلك، فالضمان لا يخلو عن وجه قويّ مع أنّه أحوط.

لما تقدّم من معتبر محمّد بن مسلم «3»- الظاهر في عدم الخصوصيّة، بقرينة ذكر مورد الوصيّة- و للاستصحاب.

______________________________
(1) في ص 592.

(2) المتقدّم في ص 591.

(3) المتقدّم في ص 591.

595
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة اعتبار الإيمان في مستحق الخمس ص 596

مسألة [اعتبار الإيمان في مستحقّ الخمس]

قال في الشرائع: الإيمان معتبر في المستحقّ على تردّد «1» (1).

في الجواهر ما ملخّصه أنّه:

صرّح جماعة باعتباره (بل لا أجد فيه خلافا محقّقا- كما اعترف به بعضهم- بل في الغنية: الإجماع عليه) للشغل، و كون الخمس كرامة و مودّة لا يستحقّهما غير المؤمن، و لأنّه عوض عن الزكاة المعتبر فيها ذلك إجماعا كما في المدارك و غيرها.

و أمّا منشأ تردّد المحقّق في الشرائع و النافع فهو إطلاق الكتاب و السنّة «2».

و الجواب عنه أوّلا بعدم كونه في مقام بيان جميع الشرائط. و ثانيا بالانصراف.

و ثالثا بالخروج عنه بما تقدّم: من المعاوضة، و كون الخمس كرامة، و الإجماع المنقول.

أقول: و قد يستدلّ لاعتبار الإيمان- كما في المستمسك «3»- بخبر إبراهيم الأوسيّ الوارد في كتاب الزكاة، و فيه بعد فرض عدم معرفة المستحقّ من الشيعة:

«فانتظر بها سنة» قال: فإن لم أصب لها أحدا؟ قال:

«انتظر بها سنتين» حتّى بلغ أربع سنين، ثمّ قال له: «إن لم تصب بها أحدا فصرها صررا و اطرحها في البحر، فإنّ اللّه عزّ و جلّ حرّم أموالنا و أموال شيعتنا على عدوّنا» «4».

و قد يستدلّ عليه بما في مرسل حمّاد المعتبر من قوله:

______________________________
(1) الشرائع: ج 1 ص 136.

(2) الجواهر: ج 16 ص 115.

(3) ج 9 ص 570.

(4) الوسائل: ج 6 ص 153 ح 8 من ب 5 من أبواب المستحقّين للزكاة.

596
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة اعتبار الإيمان في مستحق الخمس ص 596

..........

«و إنّما جعل اللّه هذا الخمس لهم خاصّة دون مساكين الناس و أبناء سبيلهم عوضا لهم من صدقات الناس، تنزيها من اللّه لهم لقرابتهم برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كرامة من اللّه لهم عن أوساخ الناس» «1».

فإنّ من المعلوم أنّ اللائق بكرامة اللّه تعالى هو المؤمن، دون غيره من الكافر أو غير العارف بما فرضه اللّه تعالى من ولاية الأولياء عليهم السّلام.

أقول: و هنا احتمال ثالث لم يذكره الأصحاب رضوان اللّه عليهم، و هو أن يكون المستحقّ هو المؤمن، فإذا لم يوجد فيعطى إلى غيره بشرط عدم النصب.

ينشأ ذلك الاحتمال من خبر يعقوب بن شعيب عن العبد الصالح، و فيه:

«فإن لم يجد من يحملها إليهم؟ قال: «يدفعها إلى من لا ينصب» «2».

و ربّما يومئ إلى ذلك الحسن أو الصحيح عن زرارة و محمّد بن مسلم، و فيه:

أ كلّ هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف؟ فقال: «إنّ الإمام يعطي جميعا، لأنّهم يقرّون بالطاعة».

قال زرارة: قلت: فإن كانوا لا يعرفون؟ فقال: «يا زرارة لو كان يعطى من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع، و إنّما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه، فأمّا اليوم فلا تعطها أنت و أصحابك إلّا من يعرف» «3».

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 153 ح 7 من ب 5 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(3) الوسائل: ج 6 ص 143 ح 1 من ب 1 من أبواب المستحقّين.

597
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة اعتبار الإيمان في مستحق الخمس ص 596

..........

فإنّ المستفاد منه أنّه لو فرض عدم موضع للزكاة بالنسبة إلى من يعرف لا بدّ من إعطائها من لا يعرف ليرغب في الدين و يثبت عليه، فتأمّل.

هذا بيان ما يمكن أن يستدلّ به للوجوه الثلاثة من الاعتبار و عدمه و التفصيل.

و لا يخفى أنّ مجي‌ء التفصيل في الخمس على القول به في الزكاة لا بدّ أن يكون بضمّ قاعدة مقايسة الخمس على الزكاة.

و بعد ذلك نقول: العمدة في عدم الاستحقاق في باب الخمس أنّ إطلاق الخمس نظير إطلاق دليل الرفع مسوق للامتنان و الإكرام بالنسبة إلى الرسول الإكرام صلّى اللّه عليه و آله، و من كان خارجا عن طريقته و معرضا عن قوله و لو في أمر الولاية فاستحقاقه له لا يناسب مقام الإكرام و الامتنان، إذ لو لم يكن ذلك شرطا فيستحقّ الخمس مثلا أمثال رئيس الفرقة البابيّة و الكسرويّ و و و، و من المعلوم عدم شمول الإطلاق لمثلهما، و إذا كان كذلك فلا فرق بينهما و بين غيرهما من المنحرفين عن الحقّ إلّا بالشدّة و الضعف، فالظاهر عدم انعقاد الإطلاق في هذا الباب، خصوصا بالنسبة إلى المقصّر، مضافا إلى التصريح بأنّه من باب الكرامة في مرسل حمّاد المعتبر، و فيه:

«و إنّما جعل اللّه هذا الخمس لهم خاصّة دون مساكين الناس و أبناء سبيلهم، عوضا لهم من صدقات الناس، تنزيها من اللّه لهم لقرابتهم برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و كرامة من اللّه لهم عن أوساخ الناس» «1».

و لعلّ الفرق بين الخمس و الزكاة استثناء المئونة على وجه التوسعة في الأوّل دون الثاني، فتأمّل.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

598
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة اعتبار الإيمان في مستحق الخمس ص 596

..........

هذا هو عمدة ما يمكن الاستدلال به.

و أمّا الاستدلال بقاعدة الشغل، و العوضيّة عن الزكاة، و الاستدلال بالكرامة- تخصيصا للإطلاقات- و خبر إبراهيم الأوسيّ فكلّ ذلك مردود:

أمّا الأوّل فلأنّه لا يقاوم الإطلاق.

و أمّا الثاني فلأنّه لو كانت العوضيّة علّة- لا حكمة لجعل الخمس- فلا تقتضي إلّا وجود الحكم في تمام موارد جعل الزكاة بالنسبة إلى فقراء السادات، و لا تقتضي عدم الخمس في فرض عدم جعل الزكاة، لإمكان وجود علّة أخرى غير العوضيّة، كعدم اختلاف عشيرة واحدة في الاستحقاق و عدم حصول النصب لهم بالنسبة إلى أهل البيت مثلا، فإنّه في مثال «الخمر حرام لأنّه مسكر» لا تقتضي العلّيّة إلّا حرمة كلّ مسكر، لا عدم حرمة الخمر لعلّة أخرى، كالنجاسة و الغصبيّة إذا لم يكن مسكرا.

و أمّا الثالث فكون الإكرام دليلا بنفسه يقطع بدوران الحكم مداره وجودا و عدما غير معلوم. و ما في المرسل المتقدّم لا يدلّ إلّا على أنّه علّة لذلك- لو لم يكن على وجه الحكمة- و لا يدلّ على الانحصار، كما تقدّم بيانه في العوضيّة.

و أمّا خبر إبراهيم الأوسيّ فلا بدّ من شرح الكلام فيه حتّى يتّضح ضعفه، فإنّ فيه ضعفا من وجوه:

الأوّل من حيث الإرسال حيث إنّه في الوسائل عن الشيخ بإسناده عن سعد عن بعض أصحابنا عن محمّد بن جمهور عن إبراهيم الأوسيّ.

الثاني أنّ سند الشيخ إلى خمسة من المسمّين بسعد ضعيف و إلى سعد بن عبد اللّه صحيح، و المذكور في السند غير معلوم أنّه سعد بن عبد اللّه.

الثالث أنّ محمّد بن جمهور غال ضعيف في الحديث فاسد المذهب، و قيل فيه‌

599
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة اعتبار الإيمان في مستحق الخمس ص 596

..........

أشياء اللّه أعلم بها من عظمها «1».

الرابع أنّ إبراهيم الأوسيّ مجهول الحال لم يصرّح أحد بوثوقه و لم يرو عنه خبر، كما يظهر من جامع الرواة و رجال الخوئيّ مدّ ظلّه و لم يذكره في تنقيح المقال أصلا.

الخامس أنّ نقل الرضا عليه السّلام عن أبيه عن جدّه أمرا خلاف التقيّة من دون سؤال أحد عنه بعيد، فإنّ الأكثر وقوع الأحكام بعد السؤال، و فيه عن الرضا عليه السّلام قال: «سمعت أبي يقول».

السادس أنّه لو كان إبراهيم الأوسيّ من المقرّبين و أصحاب السرّ لشاع بين الشيعة، و إلّا فلا وجه لذكر أمر يخالف التقيّة و يورث النصب لشخص مجهول غير معروف.

السابع أنّه يظهر من قوله:

إلى من أدفعها؟ فقال: «إلينا»، فقال: أ ليس الصدقة محرّمة عليكم؟ فقال: «بلى إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا» «2».

أنّ المقصود هو الدفع إلى الشيعة، فلو قال من أوّل الأمر ذلك لكان أسهل و أخصر، غاية ما في الباب أنّه يقول بعد ذلك: إنّه كالدفع إلينا.

الثامن أنّه كان الأولى أن يقول في جواب إيراده: «إنّا نأخذ و نعطي المستحقّين و لا نتصرّف فيه»، فهو أقرب إلى ظاهر الكلام الأوّل و أقرب من حيث التطبيق على الواقع، لأنّه أعرف بموارده.

التاسع أنّه فرض عدم المستحقّ في أربع سنين، و هو بعيد جدّا.

______________________________
(1) رجال النجاشيّ: ص 337 تحت الرقم 901.

(2) الوسائل: ج 6 ص 153 ح 8 من ب 5 من أبواب المستحقّين للزكاة.

600
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لا يعتبر العدالة في مستحق الزكاة و الخمس 2 ص 601

و لعلّ الظاهر اعتباره (1).

مسألة: لا يعتبر العدالة في مستحقّ الزكاة و الخمس (2).

العاشر أنّه لا إشكال في الصرف في سبيل اللّه: من المساجد و القناطر و غيرها.

الحادي عشر أنّه بعد فرض وجوب الإعراض عنها و إلقائها في البحر لا وجه لجعلها صررا.

الثاني عشر أنّ الإلقاء في البحر مع عدم وجود المستحقّ و عدم مصرف آخر للزكاة تبذير للمال، فالصرف لنفسه أو للتوسعة على غير الفقراء من المؤمنين متعيّن، إذ لا وجه للتبذير.

فإنّ جميع ما ذكر في متن الحديث ممّا يورث الاطمئنان بل القطع بعدم صدوره عن الرضا عليه السّلام. و تطويل الكلام في ذلك من باب تحرّز الأصحاب عن ذكر مثل تلك الروايات الّتي ضعفها واضح و لا تناسب شأن الأئمّة الّذين هم أمناء اللّه على وحيه و حججه على بريّته.

و هنا إشكال آخر، و هو قوله بعد ذلك: «فإنّ اللّه حرّم أموالنا و أموال شيعتنا على عدوّنا» فإنّه مصادرة بحسب الظاهر، فإنّ البحث في أنّ الزكاة هل تكون لخصوص الشيعة أو لمطلق المسكين مثلا، فلم يفرض أنّها مال الشيعة حتّى يعلّل بذلك، و لو فرض أنّها للشيعة فمقتضى ذلك: عدم جواز أن يعطي الإمام أو أحد من الشيعة من ماله غيرهم.

فذلك الإيراد الثالث عشر. و أعوذ به تعالى من العجب و البطر، و نسأله الهداية إلى الحقّ في كلّ مسألة تقع مورد النظر، و الغفران و الرحمة في القبر و الحشر.

لما تقدّم من عدم شمول الإطلاق المسوق للإكرام- بالنسبة إلى خير الأنام صلّى اللّه عليه و آله- لغير المؤمن.

و هو في الخمس أظهر، إذ لم ينسب اعتبارها إلى أحد. و في الجواهر: إنّه‌

601
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لا يعتبر العدالة في مستحق الزكاة و الخمس 2 ص 601

..........

يمكن نسبته إلى المرتضى رحمه اللّه للفتوى به في باب الزكاة مستندا إلى تعليلات آتية في الخمس أيضا، مضافا إلى قاعدة مقايسة الخمس على الزكاة «1».

و أمّا في الزكاة ففي الشرائع:

و قد اعتبرها كثير، و اعتبر آخرون مجانبة الكبائر. و الأوّل أحوط «2».

و في الجواهر عن الشيخ رحمه اللّه في الخلاف:

الظاهر من أصحابنا أنّ زكاة الأموال لا تعطى إلّا العدول، و خالف جميع الفقهاء في ذلك، و به قال قوم من أصحابنا. و في الغنية: الإجماع على اعتبار العدالة.

و في الانتصار: الإجماع على عدم إعطائها الفسّاق.

و في الرياض: نسبته إلى الشهرة العظيمة بين القدماء، بل لم نر منهم مخالفا. و عدم ذكر بعضهم في مقام تعداد الشرائط- كالصدوقين و الديلميّ- ليس صريحا في عدم الاعتبار، مع أنّه يمكن الاكتفاء عنه بذكر الإيمان، لكن أكثر المتأخّرين على عدم الاعتبار «3».

أقول: أمّا الإجماعان المنقولان المتقدّمان فهما موهونان قطعا بشهادة الشيخ رحمه اللّه بذهاب قوم من أصحابنا إلى عدم الاعتبار، و بالشهرة العظيمة الّتي ادّعاها في الرياض، فلعلّها تابعة لكلام الشيخ- في الخلاف- الظاهر في ذلك ظهورا قويّا، لكنّ المستفاد من كلام الشيخ أنّ ظاهر الأصحاب ذلك، و لعلّه اجتهاد منه، من باب ذكر الإيمان الذي ورد في بعض الأخبار أنّه يشمل العمل بالأركان‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 115.

(2) الشرائع: ج 1 ص 123.

(3) الجواهر: ج 15 ص 388- 389.

602
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لا يعتبر العدالة في مستحق الزكاة و الخمس 2 ص 601

..........

أيضا، و من باب التعليل بالكرامة و الإكرام غير المنطبق على الفاسق، فالشهرة بين القدماء غير معلومة أيضا.

هذا بحسب الأقوال.

و أمّا بحسب الدليل فقد يستدلّ بخبر أبي خديجة، و فيه:

«و إن لم يكن له عيال و كان وحده فليقسمها في قوم ليس بهم بأس، أعفّاء عن المسألة، لا يسألون أحدا شي‌ء» «1».

و فيه أوّلا: ضعف السند من حيث سند الشيخ إلى ابن فضّال، فراجع.

و ثانيا: ضعف الدلالة من جهة عدم عطف لفظة «أعفّاء.» بالواو، المشعر بأنّه بدل من قوله عليه السّلام «ليس بهم بأس» فيكون المقصود كونهم أعفّاء.

و ثالثا: أنّ الصدر ظاهر في عدم ما يعطى زكاة واجبة، و إلّا لا يجوز صرفه في إنفاق العيال، بل من المحتمل- الذي لا يأبى ظهوره- كونه واردا في زكاة مال التجارة المستحبّة، فراجع و تأمّل.

و بخبر داود الصيرفيّ كما في الجواهر «2»، أو الصرميّ كما في غيرها و هو الصحيح، قال:

سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شي‌ء؟

قال: «لا» «3».

و رميه بضعف السند- كما في المستمسك «4»- غير واضح، فإنّ سنده إلى‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 168 ح 6 من ب 14 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(2) ج 15 ص 390.

(3) الوسائل: ج 6 ص 171 ح 1 من ب 17 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(4) ج 9 ص 284.

603
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لا يعتبر العدالة في مستحق الزكاة و الخمس 2 ص 601

..........

محمّد بن عيسى اليقطينيّ صحيح في الفهرست، و الظاهر وثاقته- كما بيّن في محلّه- بشهادة النجاشيّ و ابن شاذان بوثاقته و أنّه ليس في أقرانه مثله. و استثناء ابن الوليد ما رواه عن يونس لا يدلّ على عدم الوثاقة، بل لعلّه لضعف في خصوص رواياته عنه، و لعلّه كان بالواسطة و لم يذكر الواسطة. و الصرميّ من مشيخة الفقيه. و تردّد غيره في اليقطينيّ أو الرمي بالضعف ليس له منشأ إلّا ما ذكر من الاستثناء.

لكن في دلالته على اعتبار العدالة المناقشة من وجوه:

الأوّل: أنّ الظاهر منه حرمة إعطاء الزكاة لمدمن الخمر و المعتاد له- نعوذ به تعالى منه- و من يكون كذلك لا يكون فقيرا إن لم يصرف مبلغا معتدّا به من نفقته في شرب الخمر بحسب النوع، أو لا يعلم فقره نوعا مع قطع النظر عن ذاك القبيح، أو جعل ذلك أمارة على عدم فقره.

الثاني: أنّه على فرض الإطلاق و شموله لمن يعلم بفقره و لو مع تركه لشرب الخمر فلا دليل على إلقاء الخصوصيّة لكلّ معصية بعد وضوح الخصوصيّة في الخمر حتّى ورد أنّه:

«لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الخمر عشرة: غارسها، و حارسها، و عاصرها، و شاربها، و ساقيها، و حاملها، و المحمولة إليه، و بائعها، و مشتريها، و آكل ثمنها» «1».

الثالث: أنّه على فرض إلقاء الخصوصيّة يحكم بعدم إعطائها لكلّ من يد من ارتكاب كبيرة من الكبائر، فلا دليل من النصّ و الإجماع على اعتبار العدالة، بل الظاهر أنّه يمكن الجزم بعدم اعتبار العدالة لأمرين: أحدهما أنّه لو كانت العدالة‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 300 ح 1 من ب 34 من أبواب الأشربة المحرّمة.

604
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لا يعتبر العدالة في مستحق الزكاة و الخمس 2 ص 601

و أمّا اشتراط عدم كون الأخذ معلوم الفسق أو عدم كونه متجاهرا بالفسق فلعلّ الأحوط في بعض الموارد اعتباره و إن كان الأصحّ عدم الاعتبار في الزكاة و الخمس (1).

نعم، الأحوط عدم إعطاء الزكاة لشارب الخمر، القدر المتيقّن منه مدمنه (2).

و أمّا إذا صدق على الإعطاء في البابين عنوان الإعانة على الإثم أو كان عدم الإعطاء مصداقا للنهي عن المنكر فلا يجوز الإعطاء (3).

معتبرة في الصدقات و الخمس- كما أنّها معتبرة في الطلاق و إمام الجماعة و المرجع- لبان و اشتهر في مثل ذلك الحكم المورد للعمل من صدر الإسلام.

ثانيهما أنّ اعتبار ذلك موجب للتخصيص الكثير في الإطلاقات، خصوصا مع لزوم الإحراز و عدم إحرازها بالأصل، بل مقتضى الأصل عدم حصول الملكيّة، خصوصا مع تقارن المساكين باليتامى في آية الخمس.

و ذلك للإطلاق و عدم الدليل.

لرواية الصرميّ المتقدّم «1»، و إن عرفت الإشكال في دلالته حتّى بالنسبة إلى شارب الخمر، لاحتمال أن يكون ذلك من جهة عدم الفقر أو عدم العلم به.

لإطلاق الدليلين. و الظاهر عدم انحصار دليل النهي عن المنكر بالنهي اللفظيّ بل ما يحتمل أن يكون زاجرا عن وقوع المنكر المشغول به أو العازم عليه.

إن قلت: إن كان العنوانان موجبين للحرمة فلا بدّ من جواز عدم أداء الدين إذا كان في ذلك إعانة على الإثم أو كان عدم أدائه محتملا للتأثير في النهي عن المنكر، و لا أظنّ الالتزام به.

قلت: إذا كان الإثم و المنكر أهمّ من أداء الدين- كقتل النفوس و أمثال ذلك-

______________________________
(1) في ص 603.

605
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لا يعتبر العدالة في مستحق الزكاة و الخمس 2 ص 601

لكن صدق الإعانة في ما يعلم بصدور الإثم منه على كلّ حال و لو مع العلم بصرف ما يأخذه في ذلك مشكل (1)، لكنّ الظاهر صدقها في صورة العلم بحصول الإثم بذلك و إن كان لا يريده فعلا (2). و لا دليل على الحرمة في صورة الشكّ.

و أمّا في النهي عن المنكر فبعد العلم بالمنكر أو العزم عليه لا بدّ من النهي، بترك الإعطاء و لو مع احتمال التأثير (3).

و الظاهر عدم الصحّة أيضا لو كان المعطي متوجّها إلى ذلك (4).

و الحرمة بالنسبة إلى صورة انطباق النهي عن المنكر في ما إذا كان فلا ريب في الالتزام بعدم جواز أداء الدين، و أمّا في صورة العكس فالأمر واضح، و أمّا في صورة التساوي في الملاكين أو كون كلّ واحد من الطرفين محتمل الأهمّيّة فالظاهر تقديم وجوب أداء الدين، لرفع حرمة الإعانة و النهي عن المنكر بحديث نفي الضرر و الضرار، و إن كان في ذلك تأمّل في خصوص النهي عن المنكر، فيبقى وجوب أداء الدين على فعليّته من دون تزاحم.

لعدم صدق الإعانة، أو الشكّ في ذلك.

خلافا للمستمسك «1»، و ذلك للإطلاق.

لكفاية احتمال التأثير في الوجوب.

و ذلك لكون الخمس و الزكاة من العبادات المحتاجة إلى كونها مقرّبة و قاصدا بها القربة، و لذا لا بدّ من الحكم بالصحّة الواقعيّة في مورد الشكّ في صدق الإعانة- حكما أو مصداقا- و كذا في صورة الغفلة عن ذلك و إن صار بعد ذلك معلوما أنّه كان إعانة أو حراما.

______________________________
(1) ج 9 ص 284.

606
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لا يعتبر العدالة في مستحق الزكاة و الخمس 2 ص 601

الكفّ عن الأداء مصداقا منحصرا لذلك (1).

و أمّا لو كان النهي عن المنكر يحصل بأحد أمور: إمّا الكفّ عن الإعطاء و إمّا ترك المراودة و إمّا النهي اللفظيّ و الزجر اللسانيّ، فلا يكون ذلك حراما، فيتعيّن الوجوب بالنسبة إلى مصداقه الآخر.

فكيف كان، فقد ظهر عدم اعتبار العدالة و عدم مانعيّة الفسق المعلوم و لا التجاهر به عن ذلك، إلّا بالنسبة إلى شارب الخمر في مسألة إعطاء الزكاة.

و يمكن الاستدلال على جواز الإعطاء- مضافا إلى ما تقدّم- بخبر الحلبيّ (الذي حكم بأنّه حسن في بعض مؤلّفات الأصحاب) قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام و سأله إنسان فقال: إنّي كنت أنيل البهميّة «1» من زكاة مالي حتّى سمعتك تقول فيهم فأعطيهم أم أكفّ؟

قال: «بل أعطهم، فإنّ اللّه حرّم أهل هذا الأمر على النار» «2».

الظاهر في أنّ المستحقّ للخمس من يكون أهل هذا الأمر- و إن كان منحرفا من بعض الجهات- من باب حرمة أبدانهم على النار، و لعلّه لحصول التوفيق للتوبة و الإنابة كما يساعده الاعتبار و مشاهد في كثير من الموارد، فإنّ من اهتدى حقيقة إلى الإسلام و إلى مذهب الحقّ- و هو الاعتقاد بالأئمّة الاثني عشر من عترته- فلا محالة يتوجّه إلى ترك الذنوب بعد زوال منابع الشهوات.

و بخبر بشر عن أبي الحسن عليه السّلام:

ما حدّ المؤمن الذي يعطى من الزكاة؟

______________________________
(1) و لعلّه البهشميّة، القائلون بأنّ كلامه تعالى مخلوق.

(2) الوسائل: ج 6 ص 155 ح 16 من ب 5 من أبواب المستحقّين للزكاة.

607
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة اشتراط أن لا يكون مستحق الزكاة ممن تجب نفقته على المالك ص 608

مسألة [اشتراط أن لا يكون مستحقّ الزكاة ممّن تجب نفقته على المالك]

يشترط في مستحقّ الزكاة أن لا يكون ممّن يجب إنفاقه على المالك، فلا يجوز له أن يعطي زكاته لمن يجب عليه نفقته إمّا بأن يكون مقصوده امتثال الأمر بالزكاة و الإنفاق بإعطاء واحد أو كان المقصود إعطاءه زكاة لئلّا يحتاج إلى النفقة (1).

قال: «يعطى المؤمن ثلاثة آلاف» ثمّ قال: «أو عشرة آلاف، و يعطى الفاجر بقدر، لأنّ المؤمن ينفقها في طاعة اللّه و الفاجر في معصية اللّه» «1».

و الحمل على التقيّة من باب عدم تحديد المؤمن بالشيعة بعيد، لحصولها بالكلام الأوّل، فلا يحتاج إلى قوله «و يعطى الفاجر بقدر».

و أمّا من باب ما ذكر و من جهة ملاحظة فتاوى علماء العامّة من عدم الفرق بين العادل و الفاجر، فلا يناسب التعليل الموجب لبيان حقيقة الحكم، الموجب لجواز إعطاء الفاجر في ما يصرف في غير معصية اللّه.

و أمّا ما استند به صاحب الجواهر قدّس سرّه للحمل عليها من عدم تناسب السؤال للجواب فإنّ السؤال عن حدّ المؤمن و الجواب عن حدّ الإعطاء «2»، فيمكن دفعه بأنّ ذلك إذا كان الجارّ متعلّقا بكلمة «يعطى»، و أمّا إذا كان متعلّقا بلفظة «حدّ» فيصير مفاده: ما حدّ المؤمن من حيث إعطاء الزكاة؟ فينطبق الجواب على السؤال، و هو العالم.

في الجواهر:

بلا خلاف أجده فيه مع القدرة عليها و البذل لها،

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 171 ح 2 من ب 17 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(2) الجواهر: ج 15 ص 391- 392.

608
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة اشتراط أن لا يكون مستحق الزكاة ممن تجب نفقته على المالك ص 608

..........

كما اعترف به في السرائر، و الإجماع عليه منقول عن التذكرة و التحرير و فوائد الشرائع و غير ذلك، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه «1». انتهى ملخّصا.

و يدلّ عليه غير واحد من النصوص الّتي منها: صحيح ابن الحجّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«خمسة لا يعطون من الزكاة شي‌ء: الأب و الامّ و الولد و المملوك و المرأة، و ذلك إنّهم عياله لازمون له» «2».

المؤيّد ذلك بمرفوع العدّة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:

«خمسة لا يعطون من الزكاة: الولد و الوالدان و المرأة و المملوك، لأنّه يجبر على نفقتهم» «3».

و دلالة ذلك الصحيح كسنده واضحة، إنّما الإشكال في مفاد التعليل ففيه وجوه:

الأوّل: أن يكون المقصود أنّهم لا يكونون فقراء، لتأمين معاشهم بواسطة إنفاق المنفق.

لكن هذا خلاف الظاهر قطعا، من جهة أنّ صرف اللزوم و الإنفاق لا يوجب في كثير من الموارد رفع الفقر، فإنّه قد يكون المالك بنفسه فقيرا غير قادر على نفقة عياله بتمامها و قد يكون للعيال من يجب نفقته عليهم- كالوالدين للمرأة و كالزوجة‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 15 ص 395.

(2) الوسائل: ج 6 ص 165 ح 1 من ب 13 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(3) المصدر: ص 166 ح 4.

609
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة اشتراط أن لا يكون مستحق الزكاة ممن تجب نفقته على المالك ص 608

و لو لم يكن قادرا على الإنفاق فالظاهر جواز إعطاء الزكاة (1).

أو الزوجات للأولاد- فهذا مخالف لإطلاق التعليل قطعا، مع أنّه ليس بنفسه علّة بل هو حينئذ علّة لما هو العلّة.

و أمّا ما في المستمسك من الإيراد على ذلك بعدم رفع الفقر بصرف اللزوم و بالاحتياج إلى مقدّمة أخرى- و هي عدم جواز إعطاء الزكاة للغنيّ- «1» فمدفوع بأنّ العلّة الخارجة عن التعبّد هي الّتي يساعد عليها العرف في مقام الاعتبار، لا ما يحكم العقل بذلك حكما قطعيّا من دون الاحتياج إلى الشرع، كما في «الخمر حرام لأنّه مسكر» و «فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ» «2». و لو لا ما ذكرناه من الإشكال لكان ممّا يساعد عليه الاعتبار، مع أنّ عدم جواز أخذ الزكاة للغنيّ معلوم للمسلمين بعد ورود الآية و الروايات الكثيرة و عمل رؤساء الإسلام.

الثاني: أن يكون المقصود عدم الجمع في الامتثال، بأن يعطي مالا واحدا بعنوان الزكاة و الإنفاق.

و هو أيضا كسر للإطلاق المنعقد في الصدر، لأنّه حينئذ يجوز إعطاء الزكاة للخمسة المذكورة على غير النحو المذكور.

الثالث: أن يكون مفاد العلّة هو اللزوم، و كان ذلك علّة اتّكى عليها الشارع لعدم جواز أداء الزكاة بعنوان الإنفاق، و لا بعنوان الزكاة حتّى لا يحتاج إلى الإنفاق.

و هو الظاهر الصحيح.

لأنّه في فرض عدم القدرة لا يكون الإنفاق لازما، و اللزوم بالذات خلاف الظاهر، و على فرض الاحتمال يرجع إلى إطلاق دليل الصدقات.

______________________________
(1) المستمسك: ج 9 ص 289.

(2) الوسائل: ج 2 ص 1061 ح 1 من ب 41 من أبواب النجاسات.

610
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة اشتراط أن لا يكون مستحق الزكاة ممن تجب نفقته على المالك ص 608

..........

لكن ظاهر إطلاق كلمات غير واحد من الأصحاب هو عدم الجواز، و لم أجد من صرّح بذلك إلّا الطباطبائيّ الفقيه في عروته «1»، و ظاهره أو صريحه عدم الجواز و لو بعنوان الزكاة من دون قصد عنوان الإنفاق، بل من باب رفع وجوب الإنفاق المتوجّه إليه بالذات.

و ما يمكن أن يستند إليه هو إطلاق خبر زيد الشحّام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«في الزكاة يعطى منها الأخ و الأخت و العمّ و العمّة و الخال و الخالة، و لا يعطى الجدّ و لا الجدّة» «2».

فإنّ الجدّ و الجدّة مذكوران من باب المثال أي لا يعطى من يجب عليه نفقته، و هو مخصّص لدليل كون الزكاة للمساكين.

و أمّا التعليل الوارد في الصحيح «و ذلك إنّهم عياله لازمون له» الموهم لاعتبار «اللزوم» المفقود في المقام من جهة فرض عدم القدرة، فيمكن دفعه بأمور:

منها: إمكان القول بأنّ المقصود ملازمتهم له و كونهم بمنزلته، فيكون إعطاء الزكاة إليهم كصرفه لنفسه إن كان فقيرا، فكما لا يجوز لنفسه مطلقا كذلك لا يجوز صرفها في من هو بمنزلته، فلا ينافي الإطلاق.

لكن يجاب عن ذلك أوّلا بأنّ إرادة ذلك من كلمة «لازمون» بعيد عرفا.

و ثانيا بأنّه لو كان المقصود أنّه من قبيل الصرف في نفسه كان المناسب أن يقول: «إنّهم بمنزلة نفسه» حتّى ينطبق عليه الكبرى، لا الملازم الذي لا يكون متّحدا مع ملازمه عقلا و عرفا.

______________________________
(1) العروة: كتاب الزكاة، الفصل السابع، المسألة 19.

(2) الوسائل: ج 6 ص 166 ح 3 من ب 13 من أبواب المستحقّين للزكاة.

611
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة اشتراط أن لا يكون مستحق الزكاة ممن تجب نفقته على المالك ص 608

..........

و ثالثا بأنّ مقتضى ذلك أن لا يجوز له صرف الزكاة في من لزمه قهرا: من إخوانه و أخواته الصغار الّذين هم ألزم و ألصق به من الجدّ و الجدّة و الأولاد الكبار الّذين هم ذوو الأولاد، و لا يلتزم بذلك أحد.

و رابعا بأنّه لا يناسب ما في خبر إسحاق بن عمّار المعتبر «فمن ذا الذي يلزمني من ذوي قرابتي» «1»، فإنّه صريح في السؤال عن اللزوم الشرعيّ الذي ليس إلّا وجوب النفقة، و كذا لا يناسب التعليل الواقع في المرفوع «لأنّه يجبر على النفقة عليهم».

و خامسا بأنّ غاية ما يمكن أن يقال: احتمال ذلك، فلا دليل على الإطلاق في التعليل، و لا إطلاق لخبر زيد الشحّام، من جهة أنّ الاقتصار على الجدّ و الجدّة موجب للظهور في أنّه عليه السّلام ليس بصدد بيان عدم جواز إعطاء الزكاة لواجب النفقة، بل يكون بصدد بيان الموضوع للحكم المفروض عند السائل و الواضح لديه، و لعلّهم كانوا يعلمون إطلاقه أو تقييده، مضافا إلى ضعف الخبر جدّا بأبي جميلة- مفضّل بن صالح- الذي عن الخلاصة: إنّه كان يضع الحديث.

و منها: إمكان القول بأنّ اللزوم شامل للزوم الذاتيّ فيرجع إلى إطلاق خبر الشحّام.

و فيه: أنّ الظاهر من اللزوم هو الفعليّ، و مع الشكّ لا إطلاق له كما عرفت.

و منها: أنّه على فرض ظهور التعليل في اللزوم الفعليّ لا يقتضي التعليل إلّا العموم في غير مورد الخمسة المذكورة في الخبر و لا يدلّ على المفهوم، فيرجع إلى الإطلاق المذكور.

و الجواب ما تقدّم من عدم إطلاق يرجع إليه فيرجع إلى إطلاق الكتاب و السنّة.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 165 ح 2 من ب 13 من أبواب المستحقّين للزكاة.

612
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة اشتراط أن لا يكون مستحق الزكاة ممن تجب نفقته على المالك ص 608

..........

هذا، مضافا إلى ما ورد من إعطاء الزكاة الواجبة لواجب النفقة من جهة التوسعة عليهم من حيث الإدام، كموثّق سماعة:

سألته عن الرجل يكون له ألف درهم يعمل بها و قد وجب عليه فيها الزكاة و يكون فضله الذي يكسب بماله كفاف عياله لطعامهم و كسوتهم و لا يسعه لأدمهم و إنّما هو ما يقوتهم في الطعام و الكسوة.

قال: «فلينظر إلى زكاة ماله ذلك فليخرج منها شي‌ء قلّ أو كثر فيعطيه بعض من تحلّ له الزكاة، و ليعد بما بقي من الزكاة على عياله فليشتر بذلك إدامهم.» «1».

و هم قد صرّحوا بأنّ الإدام جزء من النفقة الواجبة في الزوجة، كما في الشرائع في باب النفقات من النكاح «2».

و كخبر أبي خديجة الذي في صدره «لا تعط من الزكاة شي‌ء ممّن تعول» و فيه: «ليس عليه زكاة ينفقها على عياله» «3».

لكن في ذلك إشكال يأتي في مسألة التوسعة، فراجع و تأمّل.

و يمكن التمسّك للمقام بإطلاق ما دلّ على جواز إعطاء الزكاة لقرابتهم، فراجع «4».

فالمحصّل هو الاستدلال لذلك (مضافا إلى ما مرّ من إطلاق الفقير و المسكين عليه و عدم مخصّص لذلك) بأمور ثلاثة:

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 167 ح 2 من ب 14 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(2) الشرائع: ج 2 ص 570.

(3) الوسائل: ج 6 ص 168 ح 6 من ب 14 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(4) الوسائل: ج 6 ص 169 الباب 15 من أبواب المستحقّين للزكاة.

613
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة اشتراط أن لا يكون مستحق الزكاة ممن تجب نفقته على المالك ص 608

و من ذلك يظهر جواز إعطاء الخمس في الصورة المذكورة أي فرض عدم القدرة على الإنفاق (1). و الأحوط- لا سيّما في الزكاة- عدم الإعطاء أو يعطى فقيرا آخر فيعطي له.

الأوّل: الأولويّة العرفيّة بالنسبة إلى جواز التوسعة.

الثاني: خصوص موثّق سماعة الوارد في النفقة الواجبة.

الثالث: إطلاق جواز إعطاء الزكاة لذي القربى.

و ذلك لعدم ما يمكن أن يوهم عدم الجواز في باب الزكاة، فإطلاق اليتامى و المساكين باق على حاله يتمسّك به.

و الإنصاف: أنّه بحسب الاعتبار العقليّ إذا فرض عدم القدرة على الإنفاق فوجوب إعطاء خمسه إلى الغير و ترك زوجته بلا إنفاق- خصوصا مع عدم القدرة على أخذ الخمس لنفسه أو لزوجته- بعيد جدّا، كما أنّ جواز الإنفاق على وجه التوسعة و عدم جواز الإنفاق بمقدار القوت من الخمس أيضا بعيد عقلا.

و العجب من صاحب المستمسك قدّس سرّه حيث أفتى بجواز إعطاء الزكاة لغير الهاشميّ في مفروض المسألة و أنّه لا يبعد الجواز فيه «1» و مع ذلك وافق السيّد قدّس سرّه في باب الخمس قائلًا بأنّ الإشكال فيه قويّ «2»، مع أنّه في صورة عدم القدرة على الإنفاق إذا لم يكن فيه إشكال في باب الزكاة فالخمس أولى بعدم الإشكال فيه، إلّا أن يقال: إنّ المقصود في مسألة الخمس: من يجب عليه نفقته فعلا فلا يشمل غير القادر.

و كيف كان، فقد ظهر ما في العروة «3» من عدم وجه للإشكال في فرض عدم‌

______________________________
(1) تعليقة العروة الوثقى: المسألة 19 من فصل أوصاف المستحقّين للزكاة.

(2) المصدر: المسألة 5 من الفصل الثاني من كتاب الخمس.

(3) كتاب الزكاة، الفصل السابع، المسألة 19.

614
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة اشتراط أن لا يكون مستحق الزكاة ممن تجب نفقته على المالك ص 608

و أمّا إذا كان من يجب عليه الإنفاق قادرا عليه و باذلا له فالظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في عدم الجواز بالنسبة إلى الزوجة الدائمة (1)، و لعلّ الظاهر عدم صحّة الخمس بأن يقصد الإنفاق و الخمس معا بإعطاء واحد و لو بالنسبة إلى غير الزوجة ممّن يجب نفقته على فرض الفقر (2).

و أمّا إذا كان المقصود به الخمس و كان المنفق عليه ممّن يجب نفقته على تقدير الفقر ففيه إشكال (3).

القدرة على الإنفاق.

و ذلك لعدم صدق المسكين عليها قطعا، إذ هي مالكة على الزوج نفقتها من دون الاشتراط بالفقر، و لا فرق بينها و بين من يكون مالكا على ذمّة شخص ما يكفي مئونة عمره، و لا بينهما و بين من يملك دارا أو عقارا يكفي منافعها لمئونة سنته.

فما في العروة الوثقى من الإشكال في إعطاء الخمس إلى واجب النفقة- خصوصا الزوجة- فالأحوط عدم الدفع «1» مورد للإيراد، فلا بدّ أن يقال بعدم الجواز قطعا بالنسبة إلى الزوجة في صورة القدرة و البذل على تقدير عدم إعطاء الخمس.

كالوالد و إن علا و الولد و إن نزل، لوضوح بناء العقلاء على عدم التداخل في الديون و الأموال، و إلّا جاز إعطاء شي‌ء كفّارة و زكاة و نذرا و دينا، و هو واضح البطلان، و حيث لا ترجيح لأحد الأمرين و لم يتّضح دليل على كفاية الوقوع بنحو الترديد فالظاهر المطابق للاستصحاب هو بقاء المال على ملك مالكه، فلا يقع خمسا و لا إنفاقا.

ففي خمس الشيخ المعظّم الأنصاريّ قدّس سرّه ما ملخّصه أنّه:

______________________________
(1) العروة: كتاب الخمس، الفصل الثاني، المسألة 5.

615
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة اشتراط أن لا يكون مستحق الزكاة ممن تجب نفقته على المالك ص 608

..........

لا يخفى اعتبار عدم كونه ممّن يجب إنفاقه، للبدليّة عن الزكاة، و لحصول الغنى بذلك، و لإشعار التعليلات الواردة في باب الزكاة «1».

من «إنّهم عياله لازمون له» كما في الصحيح «2»، أو «يجبر على النفقة عليهم» كما في المرفوع «3»، أو «من ذا الذي يلزمني من ذوي قرابتي» كما في موثّق إسحاق بن عمّار «4»، المتقدّم جميعها.

لكن في ذلك كلّه إشكال:

أمّا الأوّل فلما فيه:

أوّلا من أنّه على فرض جواز إعطائه الزكاة من جانب غير المنفق فالبدليّة حاصلة في المقام، فإنّه جعل له الخمس- سواء كان المعطي هو المنفق أو غير المنفق- عوضا عن الزكاة إن لم يكن هاشميّا، فإنّه يصحّ من غير المنفق كما عليه غير واحد من الأصحاب- من صاحب المدارك و صاحب الجواهر و غيرهم من المتأخّرين- و ليس مقتضى البدليّة و العوضيّة عرفا المساواة في جميع الجهات، فإنّه يجعل في مقام المعاملة مالا مشخّصا معيّنا بدلا عن الكلّيّ القابل للانطباق على أفراد كثيرة في الذمّة أو في المعيّن، فالخمس الواحد الذي يصحّ من غير المنفق و المنفق يكون بدلا عن الزكاة الّتي يصحّ إعطاؤها من غير المنفق بالخصوص.

و ثانيا أنّ مقتضى قوله عليه السّلام في المرسل المعتبر:

______________________________
(1) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ: ص 317- 318.

(2) الوسائل: ج 6 ص 165 ح 1 من ب 13 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(3) المصدر: ص 166 ح 4.

(4) الوسائل: ج 6 ص 165 ح 2 من ب 13 من أبواب المستحقّين للزكاة.

616
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة اشتراط أن لا يكون مستحق الزكاة ممن تجب نفقته على المالك ص 608

..........

«و إنّما جعل اللّه هذا الخمس لهم خاصّة دون مساكين الناس و أبناء سبيلهم عوضا لهم من صدقات الناس، تنزيها من اللّه لهم لقرابتهم برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و كرامة لهم من اللّه عن أوساخ الناس، فجعل لهم خاصّة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذلّ و المسكنة» «1».

أنّ منشأ العوضيّة عدم الاحتياج إلى الأموال الّتي تعطى للفقراء، و لا ريب أنّ المفروض أنّ النفقة في المقام إنّما هي من حيث الفقر.

و ثالثا أنّ استفادة العلّيّة من قوله عليه السّلام «عوضا» (حتّى يستفاد منها الكلّيّة في مقام صدق العوضيّة و البدليّة، كما في الغرماء من السادات إن لم يصيروا فقراء بذلك، و عدم جواز الإعطاء من الخمس في فرض عدم جواز إعطائهم الزكاة إن لم يكونوا هاشميّين) غير واضحة، فإنّه في مقام الجعل، فلا يدلّ إلّا على ملاحظة العوضيّة في مقام الجعل فيحتمل أن يكون حكمة للجعل.

و رابعا على فرض العلّيّة لا يدلّ على المفهوم، بل يدلّ على عدم كفاية نفس عنوان اليتيم و المسكين في جعل الخمس، فلا بدّ من علّة أخرى، فيحتمل قيام علّة أو علل اخرى شاملة لجميع أفراد الموضوع، و لو كانت العلّة الأخرى في طول علّة التعويض و البدليّة (كعدم اختلاف عشيرة واحدة في الحكم أو تتميم الإكرام أو غير ذلك) فيتمسّك بإطلاق دليل الخمس.

إن قلت: الظاهر من الموضوع المأخوذ في الإطلاقات- مثل قوله «الخمر حرام»- كفاية الموضوع لمعروضيّته للحكم (كان متّصفا بوصف لازم أو مفارق أم‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

617
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة اشتراط أن لا يكون مستحق الزكاة ممن تجب نفقته على المالك ص 608

..........

لا) و بعد ورود التعليل ينهدم هذا الظهور، فلا يبقى إطلاق في البين.

قلت: لا إطلاق لجميع الإطلاقات من حيث واجديّته لملاك الحكم، لوضوح تقيّد الحكم بوجود الملاك، لكن مقتضى الإطلاق أنّه مبنيّ على الفحص عن ذلك و أنّه واجد للملاك إمّا بنفسه أو بعلّة أو علل ملازمة للموضوع، فليس مفاد «الخمر حرام» أنّه حرام سواء كان واجدا للملاك أم لا، بل مفاده بضمّ المخصّص اللبّيّ أمور ثلاثة: الأوّل أنّ مطلق الخمر حرام. الثاني إلّا إذا لم يكن فيه الملاك. الثالث أنّ الملاك موجود في الجميع، و حينئذ يتمسّك بالإطلاق.

إن قلت: فلا مفهوم للتعليل أصلا و لو بنحو القضيّة المهملة.

قلت: إذا كان المتكلّم في مقام بيان الحكم للعمل على طبقه و لم يكن بصدد إفادة اخرى و لم يكن للتعليل أثر في مقام العمل فالظاهر أنّه للمفهوم و لدخالة العلّة في مقام العمل، كما يقال: «يجب احترام المسلم» و ورد دليل آخر بوجوب احترام المسلم لأنّه اثنى عشريّ، فلو كان احترام المسلم واجبا مطلقا و لو بعلل مختلفة لم يكن للتعليل في مقام العمل أثر أصلا، و كذا في «الخمر حرام» و «الخمر حرام لأنّه مسكر» بضمّ كونه في مقام الزجر عن حرمة الخمر حتّى يجتنب عنه و ليس بصدد بيان حكم كلّ مسكر، فلو كان الخمر مطلقا حراما لم يكن للتعليل أثر في مقام العمل على طبق تحريم الخمر.

و أمّا في المقام فليس مقتضى مرسل حمّاد أنّه في مقام العمل على طبق وجوب الخمس، بل التعليل للاعتذار عن عدم جعل الخمس لمطلق المساكين و اليتامى و أبناء السبيل، ففيه:

«و إنّما جعل اللّه هذا الخمس لهم خاصّة دون مساكين الناس و أبناء سبيلهم عوضا لهم من صدقات‌

618
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة اشتراط أن لا يكون مستحق الزكاة ممن تجب نفقته على المالك ص 608

و الأحوط عدم الإعطاء من الخمس و إن لم يقم على ذلك دليل واضح الناس، تنزيها من اللّه تعالى لهم لقرابتهم برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.» «1».

و أمّا الثاني فلأنّ المفروض أنّ الإنفاق واجب عليه أيضا على تقدير الفقر، فالفقر الموضوع لهما إن كان الفقر إلى مال الغير و لو لم يكن فقيرا إلى خصوص الزكاة فالفقر موجود بالنسبة إلى كلا الأمرين- من الإنفاق و الزكاة- فيجوز إعطاؤها، و إن كان الموضوع في كلّ منهما الفقر إلى خصوص الزكاة و خصوص الإنفاق لزم المحال، فإنّه يلزم من عدم جواز إعطائهما جوازه و من جوازه عدمه، و هو محال، فلا بدّ أن يكون الموضوع هو الفقر إلى مال الغير من دون أن يكون له حقّ المطالبة إلّا بشرط الفقر، و لا وجه لأن يكون تعيّن الحقّ في جانب الإنفاق و عدم التعيّن في جانب الزكاة فارقا، فتأمّل.

و أمّا الثالث- أي إشعار التعليلات- فلأنّ التعليل رافع للخصوصيّة بالنسبة إلى من ينطبق عليه و هو المعطي و المعطى له، فلا خصوصيّة للخمسة المذكورة في الخبر المتقدّم «2»، بل كلّ من وجب نفقته و لو بالنذر و الشرط مشمول لعموم التعليل، و لا خصوصيّة أيضا للمنفق، بأن يكون زوجا أو والدا أو مالكا، و أمّا بالنسبة إلى ما يعطى و يجب إعطاؤه- الذي هو الزكاة- فالتعليل غير منطبق عليه، فهذا كأن يقال:

«شرب الخمر مانع عن صحّة الصلاة لأنّه مسكر» فليس مقتضاه إلّا مانعيّة كلّ مسكر عن الصلاة، لا مانعيّته عن كلّ عبادة حتّى السعي و الوقوف بالعرفات مثلا.

نعم، لو كان التعليل هكذا، بأن يقال: «إنّه لا يجزي ما هو لازم عليه عن لازم آخر و لو برفع ملاكه» لكان ينطبق عليه، كما لا يخفى.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(2) في ص 609.

619
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة اشتراط أن لا يكون مستحق الزكاة ممن تجب نفقته على المالك ص 608

في باب الخمس (1).

و الظاهر إلحاق كلّ من يجب نفقته عليه بالشرط أو بالنذر و الحلف- بنحو الإطلاق أو على تقدير الفقر- بالزكاة في عدم جواز إعطائه الزكاة (2).

كما يظهر من التعليق المتقدّم، فراجع و تأمّل.

إن قلت: مقتضى ما تقدّم من أنّ «الخمس بعد المئونة» «1» أنّ ما يكون مصداقا للخمس لا يكون مصداقا للمئونة.

قلت: المئونة ما يصرفه من ماله، لا من مال المنفق عليه.

إن قلت: ذلك ضرر على المحتاجين من الهاشميّين الّذين ليس لهم من يعولهم.

قلت: الضرر هو إيراد النقص على مال شخص أو غيره ممّا يهمّه، و ليس الخمس مالا لهم بالخصوص حتّى يصدق الضرر.

إن قلت: الأصلح إعطاؤه لغيره.

قلت: قد تقدّم عدم لزوم ملاحظة الأصلح لغير الإمام عليه السّلام.

إن قلت: السيرة على خلافه.

قلت: السيرة الّتي هي حجّة للفقيه هي العمل بين المسلمين بحيث لا يحتملون الخلاف بحسب الطبع. و هذا ممنوع أوّلا، بل ربما يسألون و ربما لا يسألون لاشتهار الفتوى أو مراعاة الاحتياط. و ثانيا إنّ الاستمرار إلى زمان الحضور ممنوع جدّا، إذ كان الخمس يعطى له عليه السّلام، تماما.

كالزوجة المنقطعة المشروط إنفاقها، و كالأخ و العمّ أو غيرهما إذا شرط لهم الإنفاق في ضمن عقد لازم أو نذر أو حلف، سواء كان ذلك على وجه الإطلاق‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 354 الباب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

620
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة اشتراط أن لا يكون مستحق الزكاة ممن تجب نفقته على المالك ص 608

و لو لم يكن باذلا للنفقة على كلّ تقدير فهل يجزي الإعطاء من الزكاة؟ فيه إشكال سيّما في غير الزوجة (1).

هذا في الزكاة، و أمّا في الخمس فمقتضى الإطلاق هو الكفاية (2).

أو كان على تقدير الفقر، فإنّه لا يجوز له الإعطاء من الزكاة إذا كان موسرا و باذلا لنفقتهم على تقدير عدم إعطائهم الزكاة، و الملخّص أنّه ملحق بالزكاة أيضا و يأتي بعد ذلك بعض أحكامه الأخر.

أمّا صورة الإطلاق فلعدم الفقر عرفا، و أمّا صورة كون الشرط أو أخواته على تقدير الفقر فلعموم التعليل الوارد في أخبار المنع عن إعطاء الزكاة لواجب النفقة، و هو الذي اختاره في العروة في بعض فروعه «1» و أفتى به في نجاة العباد «2» لكن لم يتّضح أنّ مقصوده الوجوب على نحو الإطلاق أو الأعمّ منه و من الوجوب على تقدير الفقر.

و ذلك لإطلاق التعليل، و قلّة المناسبة عرفا في المثال لا توجب عدم الأخذ بالإطلاق، فإنّ مناسبته في المقام رفع العصيان في حقّه بقاء بإعطائه الزكاة في غير الزوجة، و في الزوجة حصول رضايتها بذلك في كثير من الأوقات، و هذا المقدار كاف في مناسبة التعليل للإطلاق.

حتّى في الزوجة، لأنّ واجب النفقة فقير حينئذ، و لا دليل على مقايسة الخمس بالزكاة في جانب التوسعة، فيمكن أن يكون الأمر في الخمس أوسع، و قد مرّ أنّ التعليلات لا توجب إلقاء خصوصيّة الزكاتيّة. و الإشكال ب‍ «أنّ الصرف في واجب النفقة ليس إعطاء للفقير فهو كصرف الخمس في نفسه» مدفوع بأنّ الدفع إلى الغير غير واضح وجوبه، فإنّ مقتضى الآية الشريفة أنّ الخمس للسهام الستّة.

______________________________
(1) العروة: كتاب الزكاة، الفصل السابع، المسألة 12.

(2) ج 2 ص 69 «الوصف الثالث من أوصاف المستحقّين».

621
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم إعطاء الزكاة لواجب النفقة إذا كان فقيرا ص 622

و من ذلك يظهر جواز إعطاء المديون الزكاة و كذا الخمس إلى الدائن إذا كان مديونا بمقدار لو أدّى دينه لصار الدائن غنيّا (1).

و لو كان من عليه الخمس مستحقّا له فلعلّ الظاهر جواز الأخذ لنفسه (2).

مسألة [حكم إعطاء الزكاة لواجب النفقة إذا كان فقيرا]

هل يجوز إعطاء الزكاة لواجب النفقة إذا كان فقيرا من جهة عياله الواجبة نفقتها عليه أو دين لازم أو غير ذلك ممّا ليس داخلا في عنوان التوسعة و يكون مصداقا للفقير قطعا أم لا يجوز؟ فيه إشكال (3).

و منه يظهر فرع آخر و هو جواز أخذ خمسة لنفسه إن كان منطبقا عليه من حيث الفقر.

لأنّه فقير، و قد عرفت أنّ التعليل لا يوجب إلقاء خصوصيّة كون المعطى زكاة.

و هذا بناء على مسلك المشهور واضح تصويره، فإنّه ربّما يزاد عن مئونة سنته، كأن يكون منفردا و يتزوّج بعد حلول الحول و الخمس باق في ماله فيأخذ لنفسه، و أمّا بناء على ما احتملناه (من أنّ الملاك مئونة جميع السنين، بأن يقال: إنّ متعلّق الخمس هو ما يزيد عن مئونة جميع سنواته، و السنة الواحدة من باب تشابه السنين للتاجر على الأموال و الصانع بيده، و متعلّقه ما زاد عن المئونة الخارجيّة بالنسبة إلى سنة الخمس و ما زاد عن مئونته المتعارفة بالنسبة إلى السنين الآتية) فيفرض في ما إذا عرضته مئونة غير متعارفة من جهة مرض أو غيره و الخمس باق في ماله و هو محتاج إليه فله أن يأخذ خمس نفسه لنفسه. هذا بحسب ما وصل إليه النظر و لم أر التعرّض لذلك في كتب الأصحاب رضوان اللّه عليهم، و أمّا الدليل على ذلك فإطلاق كون الخمس للسهام المذكورة في الآية الشريفة من دون اعتبار عنوان الإعطاء.

وجه الإشكال أنّ مقتضى أدلّة الزكاة و أنّها للفقراء: جواز الإعطاء، و لا‌

622
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم إعطاء الزكاة لواجب النفقة إذا كان فقيرا ص 622

..........

مانع منه إلّا أدلّة عدم جواز إعطاء الزكاة لواجب النفقة، و الظاهر منها بمقتضى التعليل أنّه لا يجوز إعطاؤها في مورد النفقة الواجبة- لا في ما يستحبّ الإنفاق فيه- كما في الجواهر «1».

و على فرض عدم ظهور التعليل و فرض الإجمال فيه يرجع إلى إطلاق دليل جواز الإعطاء للفقراء.

مضافا إلى ما ورد من جواز إعطاء الزكاة لواجب النفقة من باب التوسعة عليهم.

فالوجوه المقتضية للجواز أمور: الأوّل: الإطلاق مع ظهور التعليل في أنّ موضوع عدم الجواز هو النفقة الواجبة. الثاني: الإطلاق مع فرض إجمال الدليل.

الثالث: أخبار التوسعة إمّا بالعموم، أو بالأولويّة، فإنّه إذا جاز لهم الزكاة من باب التوسعة في المأكول و المسكن و الخادم جاز بالنسبة إلى عيلولة واجب النفقة بمقدار القوت الواجب بالأولويّة.

هذا غاية بيان وجه الجواز الذي لعلّه لم يعلم له مخالف، و قد صرّح في الجواهر بذلك و نقل عن تصريح المدارك و غيرها «2»، و هو الذي أفتى به في العروة «3» من دون تعليق من المحشّين في ما تفحّصت.

و أمّا وجه عدم الجواز فإطلاق التعليل و وجود المناسبة أيضا بالنسبة إلى النفقة غير الواجبة من جهة اللزوم، فإنّ مقتضى اللزوم إعطاء واجب النفقة من ماله و بذل شطر من أمواله في ذلك، فيتناسب أن لا يجوز له إعطاء زكاته له الذي بمنزلة‌

______________________________
(1) ج 15 ص 399 و 401.

(2) الجواهر: ج 15 ص 399.

(3) في كتاب الزكاة، الفصل 7 «الثالث من أوصاف المستحقّين» و في المسألة 18 من ذلك الفصل.

623
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم إعطاء الزكاة لواجب النفقة إذا كان فقيرا ص 622

..........

الصرف في نفسه، و قلّة المناسبة في بعض صور التعليل بالنسبة إلى بعضها الآخر لا توجب التقييد أو الإجمال فيه.

فلو فرض في المثال المعروف للتعليل أن يقال «الخمر حرام، لأنّه مسكر نوعا» فصلاحيّته من حيث المناسبة العرفيّة- و هو زوال العقل- بالنسبة إلى صورة اقترانه بالإسكار الفعليّ لا توجب تقييد التعليل (من حيث إنّ العرف يرى الإسكار الفعليّ أنسب بالحرمة ممّا كان مسكرا بالنوع و لكن كان فعليّا بالنسبة إلى شخص لجهة من الجهات) مع أنّ كون الشي‌ء مسكرا نوعا بوجه الإطلاق قابل للعلّيّة مع حفظ المناسبة و الاعتبار العرفيّ، فبالتعليل- الظاهر في الخروج عن التعبّد- و الإيكال إلى اعتبار يساعده العرف يؤخذ في ما يساعده الاعتبار العرفيّ و لو كان في بعض الأفراد أقرب بنظر العرف و في بعضها أبعد، كما أوضحناه في المثال المذكور.

فالتعليل بكون الخمسة المذكورة- في الصحيح و المرفوع- واجب النفقة صادق على المورد، و المناسبة العرفيّة في ما يقصد بإعطاء واحد النفقة و الزكاة في النفقة الواجبة أوضح، لوجود جهات من المناسبة، كعدم التداخل في الماليّات و الديون بنظر العرف قطعا، و كونه مصرفا لنفسه- لأنّه ممّا يجب عليه، فلم يصرف في غيره- و إبطال حقّ واحد إلهيّ بالأخذ بالحقّ الآخر، و أمّا في صورة الإعطاء بعنوان الزكاة أوّلا فلا يكون بعض المناسبات المذكورة لكنّه يناسب بحسب الاعتبار منع صحّته زكاة، لأنّه صرف في نفسه نتيجة و موجب لإسقاط حقّ إلهيّ آخر، و في الصورة و إن لم يكن كذلك إلّا أنّه مرتبة من مراتب الصرف في نفسه.

و الأولى بنظر العرف أن لا يصرف جميع إنفاقاته في من يجب نفقته و يجعل الباقي محروما. و على هذا يبتني- على الظاهر- ما أفتى صاحب المستمسك قدّس سرّه في‌

624
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم إعطاء الزكاة لواجب النفقة إذا كان فقيرا ص 622

..........

منهاجه من وجوب التمام على من شغله السفر كالمكاري إذا سافر في غير شغله- كالزيارة- فإنّ التعليل الوارد في صحيح زرارة «لأنّه عملهم» «1» صادق عليه، فإنّ السفر عملهم و شغلهم و حرفتهم و لو في هذا الحال. و تحقيق الكلام في مسألة كثير السفر موكول إلى محلّه، و المقصود توضيح قاعدة أصوليّة، و ملخّصها الأخذ بعموم التعليل مطلقا إذا لم يكن خاليا عن المناسبات العرفيّة و إن كانت ضعيفة و لم تكن مثل بعض الأفراد الأخر.

و بهذا البيان يسقط الوجهان الأوّلان (من ظهور التعليل في الاختصاص بالنفقة الواجبة أو إجماله) عن الاعتبار.

و يبقى الكلام في الوجه الثالث و هو التمسّك بما ورد من جواز صرف الزكاة في التوسعة على واجب النفقة:

فمنها خبر إسحاق بن عمّار، قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل له ثمانمائة درهم و لابن له مائتا درهم، و له عشر من العيال و هو يقوتهم فيها قوتا شديدا و ليس له حرفة بيده إنّما يستبضعها فتغيب عنه الأشهر ثمّ يأكل من فضلها، أ ترى له إذا حضرت الزكاة أن يخرجها من ماله فيعود بها على عياله يتّسع عليهم بها النفقة؟

قال: «نعم، و لكن يخرج منها الشي‌ء الدرهم» «2».

و منها خبر سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

______________________________
(1) الوسائل: ج 5 ص 515 ح 2 من ب 11 من أبواب صلاة المسافر.

(2) الوسائل: ج 6 ص 166 ح 1 من ب 14 من أبواب المستحقّين للزكاة.

625
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم إعطاء الزكاة لواجب النفقة إذا كان فقيرا ص 622

..........

سألته عن الرجل يكون له ألف درهم يعمل بها و قد وجب عليه فيها الزكاة و يكون فضله الذي يكسب بماله كفاف عياله لطعامهم و كسوتهم و لا يسعه لأدمهم و إنّما هو ما يقوتهم في الطعام و الكسوة.

قال: «فلينظر إلى زكاة ماله ذلك فليخرج منها شي‌ء قلّ أو كثر فيعطيه بعض من تحلّ له الزكاة، و ليعد بما بقي من الزكاة على عياله فليشتر بذلك إدامهم و ما يصلحهم من طعامهم في غير إسراف و لا يأكل هو منه، فإنّه ربّ فقير هو أسرف من غنيّ».

فقلت: كيف يكون الفقير أسرف من الغنيّ؟ فقال:

«إنّ الغنيّ ينفق ممّا اوتي، و الفقير ينفق في غير ما اوتي» «1».

و منها رواية أبي خديجة، و فيها:

«الزكاة تحلّ لصاحب الدار و الخادم و من كان له خمسمائة درهم بعد أن يكون له عيال، و يجعل زكاة الخمسمائة زيادة في نفقة عياله يوسّع عليهم» «2».

و منها خبر أبي بصير، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل له ثمانمائة درهم و هو رجل خفاف و له عيال كثير إله أن يأخذ من الزكاة؟

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 167 ح 2 من ب 14 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(2) المصدر: ص 168 ح 6.

626
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم إعطاء الزكاة لواجب النفقة إذا كان فقيرا ص 622

..........

فقال: «يا أبا محمّد أ يربح في دراهمه ما يقوت به عياله و يفضل»؟ قال: نعم- إلى أن قال-:

قلت: فعليه في ماله زكاة تلزمه؟ قال: «بلى» قال:

قلت: كيف يصنع به؟ قال: «يوسّع بها على عياله.» «1».

و لا يخفى أنّ ما ذكر من الأخبار ظاهر أو صريح في زكاة رأس المال المقصود به التجارة الذي لا يبقى الدراهم من أوّل السنة إلى آخرها في يده، أمّا الأوّل فلقوله: «و ليس له حرفة بيده إنّما يستبضعها» أي يجعل الدراهم موردا للمعاملة «فتغيب عنه الأشهر» أي يأخذ متاعا للانتفاع ببيعه ثانيا، و كذا خبر سماعة، لقوله:

«يعمل بها. و يكون فضله الذي يكسب بماله كفاف عياله».

و كذا الرابع، لقوله:

«يا أبا محمّد أ يربح في دراهمه ما يقوت به عياله».

و كذا الثالث بقرينة الصدر أي قوله:

«إذا كان لرجل خمسمائة درهم و كان عياله كثيرا، قال: ليس عليه زكاة ينفقها على عياله يزيدها في نفقتهم».

و المفروض أنّ الحكم يكون في مورد عدم وجوب الزكاة عليه، بل الظاهر من نفس القضيّة أنّه يعمل بذلك لإنفاق عائلته، و أمّا لو كان له عمل واف- مثلا-

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 159 ح 4 من ب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة.

627
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم إعطاء الزكاة لواجب النفقة إذا كان فقيرا ص 622

..........

لمصارف عياله و لو بنحو السعة لم يكن وجه لجعله موردا للزكاة، فالظاهر أنّه معيشته بذلك و إلّا فصرف كون العيال له و كون ماله خمسمائة درهم لا يوجب حلّيّة الزكاة له، مع أنّه يمكن أنّ ما سمعه من أبي عبد اللّه عليه السّلام بالنسبة إلى الخمسمائة- من الإنفاق على عياله للتوسعة- كان في مجلس واحد و قد نقل مثلا لعبد الرحمن بالصورة المذكورة في الصدر و نقل في مجلس آخر بالصورة المذكورة في الذيل فجمعهما عبد الرحمن في رواية واحدة، فافهم و تأمّل.

فإذا كان ذلك في خصوص مال التجارة فنقول: المشهور بين الأصحاب كما في الجواهر نقلا و تحصيلا هو الاستحباب «1»، و القول بالوجوب منسوب إلى قوم من الأصحاب- كما في الخلاف «2»- و إلى المشهور بين العامّة، بل في الجواهر عن الانتصار نسبته إلى الإماميّة كما هو الظاهر من الغنية «3». و حينئذ جواز التوسعة في المستحبّ لا يدلّ على جوازه في الزكاة الواجبة.

إن قلت: مقتضى خبري سماعة و أبي بصير أنّها لازمة واجبة.

قلت: أمّا خبر سماعة فليس إلّا في كلام السائل، فيمكن أن يحمل على الثبوت من حيث حلول الحول و النصاب أي صار واجدا لشرائط تعلّق الزكاة، و يمكن الحمل على تأكّد الاستحباب، و يمكن أن يحمل على الوجوب الاصطلاحيّ و كان مبنيّا على تخيّل الوجوب مطابقا للمشهور بين العامّة، و لم يردع عنه الإمام عليه السّلام لمحذور التقيّة، خصوصا في خصوص المورد الموجب للردّ على الأئمّة عليهم السّلام بإسقاط حقوق الفقراء مثلا و تشنيعهم، مع أنّه لا يوجب مخالفة عمليّة للواقع، كما لا يخفى، مع أنّ قوله عليه السّلام في الذيل: «إنّ الغنيّ ينفق ممّا اوتي و الفقير ينفق من غير ما أوتي» إشارة إلى الردّ و أنّه لا يجب عليه إخراج ما لم يعط‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 15 ص 73.

(2) ج 2 ص 92، كتاب الزكاة، المسألة 106.

(3) الجواهر: ج 15 ص 73.

628
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم إعطاء الزكاة لواجب النفقة إذا كان فقيرا ص 622

..........

إليه من جانب اللّه تعالى.

فالأدلّة المذكورة واردة في الزكاة المربوطة بمال التجارة الّتي هي مستحبّة عند المشهور بين الأصحاب، مضافا إلى أنّه على فرض الوجوب لا يدلّ على جواز ذلك في مطلق موارد الزكاة، مضافا إلى أنّه على الفرضين لا يدلّ على كفايته زكاة إذا كان المنفق قادرا على التوسعة من غير الزكاة. هذا، مع أنّ صدر خبر أبي خديجة و هو قوله: «ليس عليه زكاة ينفقها على عياله» مشعر بأنّ الوجه في جواز التوسعة عدم كون الزكاة عليه.

و أمّا خبر عمران:

كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السّلام: إنّ لي ولدا رجالا و نساء أ فيجوز أن أعطيهم من الزكاة شي‌ء؟

فكتب عليه السّلام: «إنّ ذلك جائز لك» «1».

ففيه أوّلا: ضعف السند بجهالة عمران، و لا يتعيّن «أحمد» في ابن عيسى حتّى يكون قرينة على وثوقه، لأنّ محمّد بن يحيى ينقل عنه و عن أحمد بن محمّد بن خالد.

و ثانيا: ضعف الدلالة من جهة أنّ ما في مكاتبته عليه السّلام «جائز لك» ظاهر في وجود خصوصيّة له، و لعلّه لم يكن قادرا على الإنفاق الواجب فلم يكن الإنفاق واجبا عليه. و ربّما يؤيّد ذلك بأنّ الولد المفروض ظاهر في كونهم كبارا، لصدق الرجال و النساء عليهم، و عدم القدرة على نفقة الكبار نوعيّ، لأنّ المتعارف أنّ الكبار يكفي مؤونتهم لأنفسهم و أنّ كلّ شخص متكفّل لمن في بيته من الزوجة و الصغار من البنين و البنات، مع أنّ المفروض في السؤال إعطاء شي‌ء من الزكاة‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 167 ح 3 من ب 14 من أبواب المستحقّين للزكاة.

629
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم إعطاء الزكاة لواجب النفقة إذا كان فقيرا ص 622

..........

المنطبق على نفقة أنفسهم لا نفقة عيالهم.

و يحتمل أن يكون الخصوصيّة من باب كون الزكاة الواجبة عليه من باب التجارة.

إن قلت: قوله عليه السّلام في خبر أبي بصير: «و هو رجل خفاف» مشعر بأنّ معيشته تحصل بعمل الخفّ، فالزكاة بالنسبة إلى ثمانمائة لازمة كما في الذيل.

قلت: ينافيه صريحا قوله عليه السّلام: «أ يربح في دراهمه ما يقوت به عياله؟»، فإنّه أيضا صريح في مال التجارة.

و «الخفاف» يحتمل أن يكون- بالكسر- بمعنى خفيف القلب و فاقد شرح الصدر، و يحتمل أن يكون- بالفتح و تشديد الفاء- صيغة المبالغة بمعنى بيّاع الخفّ، و يحتمل أن يكون بمعنى العامل و البيّاع معا كما أنّه لعلّه كان متعارفا في العصور القديمة عصر السذاجة و البساطة، و أمّا الصانع محضا فهو مناف لما سبق، و لعلّه لم يكن متعارفا أصلا، و أمّا فرض اللزوم فقد مرّ جوابه عند الجواب عن خبر سماعة فيجري فيه بعض ما يجري فيه، فراجع و تأمّل.

و أمّا خبر محمّد بن جزك، قال:

سألت الصادق عليه السّلام أدفع عشر مالي إلى ولد ابنتي؟ قال: «نعم، لا بأس» «1».

ففيه- مضافا إلى ضعف السند بالإرسال- عدم الظهور في الزكاة أصلا، لأنّ العشر ليس مقدار الزكاة إلّا في الغلّات إذا سقيت سيحا، مع أنّ الزكاة في عرف المتشرّعة تسمّى باسمها لا بالعشر. فلعلّ المقصود بالسؤال رفع توهّم عدم الجواز من باب الإضرار إلى الأولاد المتقرّبين به بلا واسطة، كما لا يخفى.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 167 ح 4 من ب 14 من أبواب المستحقّين للزكاة.

630
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم إعطاء الزكاة لواجب النفقة إذا كان فقيرا ص 622

و لعلّ الظاهر عدم الجواز فيه فكيف بصورة التوسعة الّتي لا يكون صدق الفقر من تلك الجهة معلومة! (1).

و أمّا الخمس فالظاهر هو الجواز في الصورة الاولى، و أمّا في مطلق التوسعة فيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه بعد الكلام في الزكاة (2).

و أمّا خبر عليّ بن يقطين «1» فغير مربوط بالمقال، لأنّ السؤال فيه يكون بالنسبة إلى ما بعد الموت، و ليس ولده بعده ممّن يجب نفقتهم عليه، كما لا يخفى.

و أمّا التمسّك بخبر ابن الحجّاج عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام- كما في المستمسك «2»- قال:

سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مئونته أ يأخذ من الزكاة فيوسّع به إن كانوا لا يوسّعون عليه في كلّ ما يحتاج إليه؟ قال: «لا بأس» «3».

من حيث الإطلاق ممّن يأخذ منه الزكاة، فمدفوع بأنّه ليس إلّا في مقام بيان عدم المانعيّة من حيث تكفّل المئونة من جانبهم، لا من حيث جواز الأخذ من كلّ من يعطي الزكاة، فهو كأخبار الباب التاسع «4» و كأن يقال: يجوز الصلاة في ما يؤخذ من الجلود من يد المسلمين، فإنّ كلّ ذلك في مقام بيان عدم المانعيّة، و لا يدلّ على جواز الصلاة فيه و لو كان متّخذا من غير المأكول أو كان متنجّسا أو غصبا مثلا.

كما ظهر وجهه من التعليق المتقدّم، فراجع و تأمّل.

فإنّ العمدة في عدم الجواز في الزكاة: عموم التعليل الذي لا يتمشّى في‌

______________________________
(1) الوسائل: ص 168 ح 5 من ب 14 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(2) المستمسك: ج 9 ص 291.

(3) الوسائل: ج 6 ص 163 الباب 11 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(4) الوسائل: ج 6 ص 161.

631
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة جواز أخذ الزكاة لمن كان مالكا لما يحتاج إليه من غير القوت و الكسوة ص 632

مسألة [جواز أخذ الزكاة لمن كان مالكا لما يحتاج إليه من غير القوت و الكسوة]

لعلّ الظاهر أنّه لو كان الشخص مالكا لما يحتاج إليه من غير القوت و الكسوة- من الدار و الخادم و غيرهما- و كان ذلك يكفي للقوت و الكسوة يجوز له أخذ الزكاة (1).

الخمس، كما تقدّم مرارا من عدم إلقاء الخصوصيّة بالنسبة إلى الزكاة، فلا يجري في الخمس، فمقتضى إطلاق دليل الخمس هو الجواز، و أمّا التوسعة بنحو الإطلاق من جانب واجب النفقة في الخمس فلا بدّ من التكلّم فيه بعد التكلّم في الزكاة بالنسبة إلى جواز الزكاة من جانب غير واجب النفقة للتوسعة، و اللّه الموفّق.

قال قدّس سرّه في الشرائع:

و يعطى الفقير و لو كان له دار يسكنها أو خادم يخدمه إذا كان لا غنى له عنهما «1».

و قال في الجواهر:

و لو لشرفه، بلا خلاف أجده، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه. و في المدارك تعليقه بالحاجة «2».

و في الجواهر جعل المدار الحاجة أو العادة أو الحاجة بحيث تعمّ العادة «3».

و في العروة جعل العنوان الحاجة «4».

أقول: و يدلّ على ذلك:

ما رواه ابن أذينة في الصحيح عن غير واحد عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام أنّهما:

سئلا عن الرجل له دار و خادم أو عبد أ يقبل‌

______________________________
(1) الشرائع: ج 1 ص 120.

(2) الجواهر: ج 15 ص 318 و 319.

(3) الجواهر: ج 15 ص 320.

(4) العروة: كتاب الزكاة، الفصل السادس، المسألة 3.

632
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة جواز أخذ الزكاة لمن كان مالكا لما يحتاج إليه من غير القوت و الكسوة ص 632

..........

الزكاة؟ قالا: «نعم، إنّ الدار و الخادم ليسا بمال» «1».

و خبر ابن يسار، قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «تحلّ الزكاة لصاحب الدار و الخادم» لأنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام لم يكن يرى الدار و الخادم شي‌ء «2».

و خبر عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام، قال:

سألته عن الزكاة أ يعطاها من له الدابّة؟ قال: «نعم، و من له الدار و العبد» قال: الدار ليس يعدّها مالا «3».

و موثّق سماعة، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟

فقال: «نعم، إلّا أن تكون داره دار غلّة فخرج له من غلّتها دراهم ما يكفيه لنفسه و عياله، فإن لم يكن الغلّة تكفيه لنفسه و لعياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير إسراف فقد حلّت له الزكاة.» «4».

و غير ذلك «5»، فراجع.

و مقتضى التعليل في غير واحد من الروايات المتقدّمة (من أنّ الدار و الخادم‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 162 ح 2 من ب 9 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(2) المصدر: ح 4.

(3) الوسائل: ج 6 ص 162 ح 5 من ب 9 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(4) المصدر: ص 161 ح 1.

(5) مثل ما في المصدر: ص 162 ح 3.

633
کتاب الخمس (للحائري)

المدار في الحاجة ص 634

[المدار في الحاجة]

و لعلّ الظاهر أنّ المدار في الحاجة هو المشقّة و الكراهة النفسانيّة عند فقد ما يحتاج إليه مشقّة تكون حقّا له بحسب النوع و لو من جهة العزّ و الشرف أو من جهة الاعتياد بذلك، و يكون كمشقّة الصبر على الخبز بدون الإدام أو الصبر على أكل الطعام في اليوم و الليل مرّة واحدة، و ليس ملاكه العسر الرافع للتكليف، كما أنّه ليس الملاك هو الأعمّ منه و من الاحتياج للرفاه و التفريح من غير أن يكون إسرافا (1).

ليسا بمال و أنّهما ليسا بشي‌ء، مع وضوح كون ذلك مالا يبذل بإزائه المال) أنّ ذلك مورد للاحتياج، و مقتضى التعميم أنّ كلّ ما يحتاج إليه في معيشته بحسب عزّه و شرفه أو من جهة الاعتياد بذلك بحيث يشقّ تركه له و لغيره ممّن يكون مثله لا يكون ملاكا للغنى عن الزكاة.

و يدلّ على جواز أخذ الزكاة- مضافا إلى الروايات المتقدّمة- قوله تعالى:

إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ «1»، فإنّ الفقر ليس خصوص الاحتياج إلى القوت و ستر العورة، لعموم المتعلّق من جهة عدم ذكره.

فالمحتملات في «الحاجة» في بدو الأمر ثلاثة:

الأوّل: أن يكون فقده موجبا للوقوع في العسر و الحرج الرافعين للتكليف.

و هو مدفوع جدّا بما تقدّم من الروايات، و بالضرورة القاضية بعدم لزوم الصبر على الطعام من دون الإدام أو الطعام في اليوم و الليلة مرّة واحدة، و بعدم توقّف صدق الفقر على ذلك.

الثاني: أن يكون الملاك هو الاحتياج من غير إسراف، كما يومئ إليه ما تقدّم من الموثّق حيث قال: «من غير إسراف».

______________________________
(1) سورة التوبة: 60.

634
کتاب الخمس (للحائري)

المدار في الحاجة ص 634

و لعلّ الظاهر أنّ وجود أثمان ما ذكر أيضا بحكمه (1).

و هذا أيضا مدفوع بالتعليل المتقدّم الظاهر في أنّ الملاك هو الاحتياج بحيث لا يمكن له عرفا أن يصرفه في قوته و كسوته، فالإسراف الذي في الموثّق يكون في فرض عدم كفاية غلّة الدار لمعيشته، فإن كان عدم كفاية ذلك لا من باب الإسراف يستحقّ الزكاة و إن كان من باب الإسراف لا يستحقّ الزكاة. و الإسراف الملحوظ في الفرض هو الصرف في غير مورد الاحتياج الضروريّ الموجب فقده لانقباض النفس عن حقّ، فافهم و تأمّل.

الثالث (و هو المتوسّط بين الأمرين المشار إليه في المتن و هو ملاك حسن):

نقص و فقدان يشمئزّ منه النفس.

و يدلّ عليه- مضافا إلى التعليل- صدق الفقر و وضوح عدم الفرق بين كون النقص من باب قلّة القوت أو اللباس أو من باب كسر الشأن، بل حفظ الشؤون عند نوع الناس أهمّ من تأمين القوت و اللباس فهو أولى بالمراعاة، و كذا ما صار معتادا باستعماله كشرب الدخان أو معتادا أن يكون فراشا له عند النوم بحيث يصعب عليه النوم بدونه.

و لقد أطلنا الكلام في ذلك، لعدم وضوح ملاك الحاجة في كلمات الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم.

كما في الجواهر عن المدارك «1». و قال قدّس سرّه في الجواهر: إنّه «لا يخلو من وجه» «2».

و يدلّ عليه ما تقدّم من التعليل بحسب ما تقدّم من البيان: من أنّ المراد أنّه محتاج إليه.

______________________________
(1) الجواهر: ج 15 ص 320.

(2) الجواهر: ج 15 ص 320.

635
کتاب الخمس (للحائري)

المدار في الحاجة ص 634

و لعلّ الظاهر جواز أخذ الزكاة لما ذكر و إن كان مالكا لغيره من مئونة قوت السنة (1).

و كذا ثمن التزويج، فكما أنّه لا يجب عليه تطليق زوجته لئلّا يحتاج إلى الزكاة كذلك يجوز له استثناء ثمن التزويج، كما هو واضح مصرّح به في ما حكي عن المدارك في الجواهر «1».

كما أفتى به في العروة «2» من غير تعليق عليه من المحشّين حسب ما اطّلعنا عليه، و ذلك لصدق الفقر، و لدلالة التعليل، بناء على ما مرّ من كون المراد من عدم كون الدار و الخادم مالا أنّه محتاج إلى ذلك، و المقصود من الاستدلال بالتعليل ليس كالاستدلال بمثل «الخمر حرام لأنّه مسكر» للتعميم لكلّ مسكر، فإنّ ذلك يناسب تعميم الحكم لغير الدار و العبد من التزويج و الفروش و غير ذلك، بل المقصود ترتّب حكم آخر على الموضوع، كأن يقال: «إنّ الفقّاع حرام لأنّه مسكر» و كان بصدد أنّ الإسكار القليل داخل في الإطلاق، و ليس ذلك من باب التعبّد بل من باب التمسّك بإطلاق الدليل، فإنّ مقتضى ذلك هو الحكم بنجاسته، بناء على نجاسة كلّ مسكر مائع.

و بهذا النحو نقول: إنّ واجد الدار و الخادم محتاج إليهما ففاقدهما محتاج أيضا، إذ لا دخالة للوجود و العدم في الاحتياج، فهو فقير محتاج فالصدقة تحلّ له، مضافا إلى دلالة صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج على ذلك عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام، قال:

سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مئونته، أ يأخذ من الزكاة فيوسّع به إن كانوا لا‌

______________________________
(1) ج 15 ص 320.

(2) كتاب الزكاة، الفصل السادس، المسألة 3.

636
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم أخذ الزكاة أو الخمس للتوسعة غير المحتاج إليها ص 637

و من ذلك يظهر الكلام في الفروع الثلاثة في الخمس، فمن كان واجدا لما يحتاج إليه أو لأثمانه يحلّ له أخذ الخمس لقوته و يحلّ له أخذ الخمس لشراء ذلك و للتزويج إن لم يكن عنده ما يحتاج إليه من الدار و الخادم (1).

مسألة [حكم أخذ الزكاة أو الخمس للتوسعة غير المحتاج إليها]

الظاهر عدم الدليل على التوسعة بأزيد ممّا ذكر في المسألة المتقدّمة في الزكاة الواجبة (2)، يوسّعون عليه في كلّ ما يحتاج إليه؟ فقال: «لا بأس» «1».

و ما أشرنا إليه هو التعليل في مقام الإثبات، إذ من المعلوم أنّ الصدقة للمحتاج، فالمقصود بيان أنّ صاحب الدار و الخادم محتاج داخل في إطلاق دليل الزكاة.

لصدق الفقر كما عرفت، و لدليل المعاوضة عن الزكاة بالنسبة إلى مرحلة الإثبات كما مرّ سابقا، و من حيث صدق التعليل بأنّ الدار و الخادم لا يكونان مالا بالتقريب المتقدّم، فلا إشكال في المسألة، و له الحمد.

فلا يجوز لمن يملك ما يحتاج إليه من حيث القوت و الكسوة و العزّ و الشرف و الاعتياد أن يأخذ الزكاة للمسافرة للتفرّج و التفريح أو للضيافة غير اللازمة و إن لم يكن إسرافا، لعدم صدق الفقر الموضوع للزكاة.

و يشير إلى ذلك ما في عدّة من الروايات: منها: ما تقدّم آنفا من خبر ابن الحجّاج، و فيه: «إن كانوا لا يوسّعون عليه في كلّ ما يحتاج إليه» الدالّ على مفروغيّة عدم الجواز إن كانوا يوسّعون عليه في كلّ ما يحتاج إليه. و منها: خبر إسحاق بن عمّار، و فيه (بعد السؤال عن إعطاء الزكاة لقرابته) قال: «مستحقّون لها؟» قلت: نعم «2». و منها: خبر أبي بصير، و فيه: «و ما أخذ من الزكاة فضّه على‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 163 الباب 11 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(2) الوسائل: ج 6 ص 169 ح 2 من ب 15 من أبواب المستحقّين للزكاة.

637
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم أخذ الزكاة أو الخمس للتوسعة غير المحتاج إليها ص 638

و كذا الخمس (1).

مسألة [حكم أخذ الزكاة أو الخمس للتوسعة غير المحتاج إليها]

من ليس له مقدار ما يكفي لمئونته فهل يجوز له أخذ الزكاة أو الخمس و يصرفه في التوسعة غير المحتاج إليها أو لا يصرفه أصلا و يدّخره أو يأخذه و يعطيه لغيره- و الجامع بين الكلّ أن لا يصرفه في رفع فقره- أم لا؟ فيه وجهان، لعلّ الأظهر هو الأوّل، و الأحوط هو الثاني (2).

عياله حتّى يلحقهم بالناس» «1».

و ما في بعض الأخبار من إطلاق التوسعة، كخبر ابن عمّار، و فيه:

أ ترى له إذا حضرت الزكاة أن يخرجها من ماله فيعود بها على عياله يتّسع عليهم بها النفقة؟ قال: «نعم، و لكن يخرج منها الشي‌ء الدرهم» «2».

فهو في مورد مال التجارة الذي يكون الزكاة فيه مستحبّة، كما تقدّم. فراجع و تأمّل.

لعدم صدق الفقر، كما تقدّم.

وجه الجواز: إطلاق الدليل.

و وجه عدم الجواز: انصراف قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ. «3» و أمثاله إلى أنّ ذلك جعل دواء لداء الفقر، كأن يقال: «يلزم على الأطبّاء أن يصلوا المرضى» فإنّ المقصود هو المعالجة و التداوي، لا مطلق الصلة كصلة الأرحام.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 159 ح 4 من ب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(2) الوسائل: ج 6 ص 166 ح 1 من ب 14 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(3) سورة التوبة: 60.

638
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم أخذ الزكاة أو الخمس للتوسعة غير المحتاج إليها ص 638

..........

و الذي يؤيّد الانصراف أنّه لا يحلّ للغارمين أخذ الزكاة بمجرّد صدق الغارم و صرفها في الموارد الأخر، و كذا للعاملين عليها.

لكن يمنع الانصراف بأنّ أخذ الزكاة بنفسه دافع للفقر لا بصرفها، فإنّه ليس بفقير إذا أخذ مئونة سنته و إن لم يصرفها فيها، و يرفع فقره بالنسبة إلى بعض السنة إن أخذ أقلّ من ذلك، و لو كان مشروطا بالصرف في رفع الفقر لزم الدور، إذ الصرف في الفقر يتوقّف على مالكيّة المال، لأنّه لا بيع إلّا في ملك، و الملكيّة حسب الفرض متوقّفة على الصرف في رفع الفقر. و الاشتراط بمعنى الالتزام في الالتزام خارج عن منصرف الدليل.

و الإشكال ب‍ «أنّ الأخذ و الصرف في غير مصرف رفع الفقر إن عمّ موجب لإبطال حكمة الزكاة، إذ يمكن أخذ الزكاة مثلا وهبتها لابنه أو لغيره فيتّسع الضياع و العقار» منقوض بلزوم ذلك في الحجّ مثلا بالنذر، بأن نذر أن يزور كلّ عرفة مثلا فاطمة المعصومة بقم أو عبد العظيم الحسنيّ عليهما السّلام بالريّ، أو يهب ماله قبل خروج الرفقة لابنه فيسترجع منه بعد ذلك، إلى غير ذلك من الحيل، و ذلك لا يقتضي إلّا عدم جواز ذلك إذا انجرّ إلى تعطيل الحكم مطلقا أو بالنسبة إلى بعض الأشخاص، و لا يوجب المنع عنه مطلقا.

و أمّا القياس بالغارمين فمدفوع بأنّها دواء لرفع عنوان الغارم، و العامل لا بدّ من إعطاء أجرة عمله. و هذا يقتضي أن يكون بالنسبة إلى الفقير دواء لرفع فقره، و ذلك يحصل بالتملّك لا بالصرف. نعم، بعد الصرف يصير فقيرا أيضا. و أمّا الغارم فلا يجوز له الأخذ من دون أداء دينه، لأنّه جعل لرفع غرامته. نعم، يجوز له الاستدانة ثانيا فيصير غريما، كما أنّ العامل إذا أخذ أجرة عمله للمسافرة لأخذ الزكاة لا يجب- بناء على ما قلنا- أن يردّ الزكاة إذا أضافه أحد في السفر، كما في‌

639
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة هل يجوز إعطاء سهم السادة إلى الأيتام منهم مع القطع بالصرف في مصالحهم من دون الرجوع إلى الولي من الجد أو الحاكم أم لا بد أن يكون بإذنه أو بقبضه ص 640

مسألة: هل يجوز إعطاء سهم السادة إلى الأيتام منهم مع القطع بالصرف في مصالحهم من دون الرجوع إلى الوليّ من الجدّ أو الحاكم أم لا بدّ أن يكون بإذنه أو بقبضه؟

وجهان (1).

سائر الاجراء. فافهم و تأمّل. و هو اللّه المتعالي العالم بالحقائق.

و الأحوط أن لا يأخذ للصرف في غير مصرف رفع الفقر و أن لا يأخذ الزكاة من كان له دار يحتاج إلى السكنى فيها لكن لا يسكنها أو كان له ثمن ذلك.

وجه عدم الجواز كون اليتيم محجورا عن التصرّف، كما ورد في غير واحد من الروايات: من عدم جواز أمر الصبيّ حتّى يحتلم «1» و أنّ عمده و خطأه واحد «2».

و الجواب عنه أنّ مقتضى ولاية صاحب المال على التعيين و عدم اختيار للقابض من حيث تعيّن كون الخمس مالا له: عدم الاحتياج في حصول الملكيّة إلى القبول، كما في بيع الصاع من الصبرة بعد حصول المعاملة إذا انحصر في صاع واحد أو اختار البائع صاعا معيّنا، و لا دخالة لقبض المشتري، لعدم اختيار له في اختيار الصاع، فهو ملك له قبض أو لم يقبض، و هذا كالوقف على المسجد أو المدرسة أو الوقف على الأيتام.

مع إمكان أن يقال: إنّ الصرف في اليتيم مبرئ للذمّة، و إيصال لمال الغير إليه.

و الدليل على التسلّط المذكور هو عموم تسلّط الناس على أموالهم «3» و عدم دخالة غيره في حصول التعيّن بالضرورة حتّى على فرض الإشاعة، و إلّا لانجرّ الأمر إلى النزاع. و الملكيّة بعنوان السادة متحقّقة و حاصلة بحكم الشارع، و تعيّن فرد خاصّ إنّما هو بيده، فلا وجه لدخالة القبض في التملّك. نعم، لو لم يقبل السيّد المتشخّص‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 1 ص 30 الباب 4 من أبواب مقدّمة العبادات.

(2) الوسائل: ج 19 ص 66 ح 2 من ب 36 من أبواب القصاص في النفس.

(3) البحار: ج 2 ص 272 ح 7 من ب 32 من كتاب العلم.

640
کتاب الخمس (للحائري)

في الأنفال 1 ص 641

و لعلّ الأوفق هو الجواز بمعنى صرف نفس الخمس في مصلحته أو توكيل من يتكفّل أمره لشراء ما يصرف عينه في أمره من المأكول و المشروب و الملبوس، فتأمّل. و الأحوط هو المراجعة إلى الوليّ من الجدّ و القيّم و الحاكم.

في الأنفال (1)

بتشخيصه- إذا كان كبيرا مثلا- كان كصورة عدم انفتاح باب المسجد لأن ينتقل المال الموقوف على مسجد خاصّ إليه، فلا بدّ من الصبر أو الانتقال إلى مسجد آخر إن كان الوقف أعمّ، امتثالا للأمر، فحصول الملكيّة لليتيم بالأخذ يكون من باب الانطباق التكوينيّ غير المحتاج إلى الإنشاء، كما في المسجد، و لا دليل على كون اليتيم أخسّ قدرا من الجماد.

و أمّا أنّ مال اليتيم لا يجوز التصرّف فيه إلّا بإذن الوليّ- كما في إرثه- فلأنّ الإقباض غير جائز، لأنّه تصرّف في مال اليتيم و لا يجوز إلّا بإذن الوليّ، و أمّا قبض الصغير و صرفه لنفسه فهو كالقبض عن الوليّ، فإنّ قبضه ليس بإجازة الوليّ، بل الإقباض بإجازته، لأنّه لكلّيّ السيّد و بالقبض ينطبق تكوينا، و قبضه لصرف ماله في نفسه لمصلحة- من دون أن يكون إنشاء- لا دليل على الاحتياج إلى إذن الوليّ. و أمّا لزوم الصرف في المصلحة فلا فرق بين صاحب الخمس و الوليّ.

و من ذلك يظهر أنّ الأوفق هو الجواز.

في الجواهر:

إنّها جمع «نفل» ساكنا و محرّكا، و نقل عن المصباح أنّه بمعنى الغنيمة، و عن القاموس: عطف الهبة عليه، و عن الأزهريّ: ما كان زيادة «1».

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 115.

641
کتاب الخمس (للحائري)

في الأنفال 1 ص 641

..........

أقول: الظاهر أنّ النفل في مقابل الفرض و اللازم، و الأصل فيه هو الزيادة.

قال قدّس سرّه بعد ذلك:

و هي هنا ما يستحقّه الإمام عليه السّلام كما يستحقّه الرسول صلّى اللّه عليه و آله بالخصوص، سمّيت بذلك لأنّها هبة من اللّه تعالى زيادة على ما جعل له من الشركة في الخمس «1».

أقول: الظاهر أنّ الأنفال في اصطلاح الفقهاء هي الزائدة على ما يستحقّه الناس بحسب العمل أو بحسب الحيازة و الإحياء، و لعلّه الظاهر من قوله تعالى:

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ «2» لا ما كان مختصّا بالرسول، و إلّا لم يكن مناسبا للجواب عن ذلك بأنّها «لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ»، فإنّ القضيّة حينئذ تصير ضروريّة، و الفقهاء جروا على هذا المنوال، و دخول ما ليس من هذا القبيل- كصفو الغنائم- من باب الاستطراد.

فالمقصود بذلك هو ما يستحقّه المعصوم عليه السّلام غير الخمس. و ذلك في الأكثر هو ما يكون زائدا على أموال الناس و على محصول عملهم، كالأرض المفتوحة صلحا أو الموات أو سيف البحار أو غير ذلك.

و المذكور في الشرائع:

خمسة: الأرض الّتي تملّك من غير قتال، و الأرضون الموات، و ما كان لسلطانهم إذا فتحت دار الحرب: من قطائع و صفايا، و له أن يصطفي من الغنيمة‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 116.

(2) سورة الأنفال: 1.

642
کتاب الخمس (للحائري)

تعريف الأنفال في اصطلاح الفقهاء ص 643

[تعريف الأنفال في اصطلاح الفقهاء]

و هي- كما ذكروه- الأرض الّتي تملك من غير قتال، سواء انجلى أهلها أو سلّموها للمسلمين طوعا (1)، بعوض أو بنحو الهبة.

ما شاء ما لم يجحف، و ما يغنمه المقاتلون بغير إذنه «1».

و يحتمل أن يكون الآجام أحد الخمسة، و الاصطفاء من الغنيمة يكون في سهمه من أخذ الغنائم.

و في الجواهر بعد ذلك:

كان على المصنّف ذكر ميراث من لا وارث له، و ذكر حكم المعادن، لكونها موردا للاختلاف. و قد عدّ في المقنعة منها البحار. و زاد في كشف الأستاذ ما يوضع له من السلاح و الجواهر و القناديل و السيوف و الدروع، و ما يجعل نذرا له عليه السّلام «2».

في الجواهر:

بلا خلاف أجده، بل الظاهر أنّه إجماع «3».

أقول: و يمكن أن يستدلّ على ذلك بقوله تعالى في سورة الحشر:

وَ مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمٰا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لٰا رِكٰابٍ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلىٰ مَنْ يَشٰاءُ وَ اللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ. مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لٰا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيٰاءِ مِنْكُمْ «4».

______________________________
(1) الشرائع: ج 1 ص 136- 137.

(2) الجواهر: ج 16 ص 128- 132.

(3) المصدر: ص 116.

(4) سورة الحشر: 6- 7.

643
کتاب الخمس (للحائري)

تعريف الأنفال في اصطلاح الفقهاء ص 643

..........

إلى أن قال عزّ من قائل:

لِلْفُقَرٰاءِ الْمُهٰاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيٰارِهِمْ وَ أَمْوٰالِهِمْ «1».

و مورد الآية و إن كان صورة الجلاء عن الوطن للرعب عن المسلمين كما يشهد بذلك قوله تعالى:

وَ لَوْ لٰا أَنْ كَتَبَ اللّٰهُ عَلَيْهِمُ الْجَلٰاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيٰا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذٰابُ النّٰارِ «2».

إلّا أنّ المستفاد عرفا من قوله تعالى فَمٰا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لٰا رِكٰابٍ أنّ الملاك في ذلك عدم الأخذ عنهم بالحرب.

إن قلت: ظاهر الآية الأولى أنّها للرسول صلّى اللّه عليه و آله، (لقوله وَ مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ و قوله وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلىٰ مَنْ يَشٰاءُ) و لكن ظاهر الآية الثانية أنّها للسهام الستّة، و الجمع بينهما بأنّها ليست لمن تهيّأ للقتال، و لكن اختيارها بيد الرسول صلّى اللّه عليه و آله فيقسمها في الأسهم الستّة على ما يرى.

قلت: الجواب عنه بوجهين:

أحدهما أنّ ما يكون ملكا للرسول صلّى اللّه عليه و آله يصرفه في ذلك خارجا (لا أنّهم يملكون ذلك من ابتداء الأمر، و لا أنّه يجب على الرسول صلّى اللّه عليه و آله ذلك) أو يقال: إنّه يجب عليه ذلك لكنّهم يتلقّون الملك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، كما أنّه يجب على وليّ البيت نفقة عياله، فإنّ الملك له و هم يستحقّون ذلك على تقدير الفقر أو مطلقا، و الثاني أولى بظاهر الآية. و على ذلك يستفاد مصرف السهم المبارك أيضا من ذلك، و هو الظاهر من سياق الآية و المناسب للتعليل المستفاد من قوله تعالى:

______________________________
(1) سورة الحشر: 6- 8.

(2) سورة الحشر: 3.

644
کتاب الخمس (للحائري)

تعريف الأنفال في اصطلاح الفقهاء ص 643

..........

كَيْ لٰا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيٰاءِ مِنْكُمْ.

الثاني أن يقال: إنّ الذيل مربوط بالغنائم المأخوذة بالقهر و الغلبة، و ذلك لخبر محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:

سمعته يقول: «الفي‌ء و الأنفال: ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة الدماء و قوم صولحوا و أعطوا بأيديهم و ما كان من أرض خربة أو بطون أو دية، فهو كلّه من الفي‌ء، فهذا للّه و لرسوله. فما كان للّه فهو لرسوله يضعه حيث شاء، و هو للإمام بعد الرسول».

و أمّا قوله وَ مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمٰا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لٰا رِكٰابٍ قال: «ألا ترى هو هذا.

و أمّا قوله مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ فهذا بمنزلة المغنم، كان أبي يقول ذلك، و ليس لنافيه غير سهمين: سهم الرسول و سهم القربى، ثمّ نحن شركاء الناس في ما بقي» «1».

و ربما يؤيّد ذلك بقوله تعالى في الآية الثانية مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ المشعر بعدم الانجلاء و البقاء في أراضيهم و كون أراضيهم بأيديهم، فيكون المقصود من الآية الثانية: الخمس الذي يفي‌ء إلى الرسول صلّى اللّه عليه و آله. و لا ينافي قوله «بمنزلة المغنم»، فإنّه بمعنى كونه في درجة المغنم و مصداقا له على الظاهر، لا المنزلة المعروفة في الأصول، كما أنّه لا ينافيه قوله: «نحن شركاء الناس في ما بقي»، فإنّ المقصود من «الناس» على هذا: الناس المذكور سابقا الّذين هم أقرباء الرسول صلّى اللّه عليه و آله.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 368 ح 12 من ب 1 من أبواب الأنفال.

645
کتاب الخمس (للحائري)

تعريف الأنفال في اصطلاح الفقهاء ص 643

..........

و المقصود بالشركة: رجوع سهمهم بعد الاستغناء إليهم، كما تقدّم. و لا ينافي أيضا ذلك قوله لِلْفُقَرٰاءِ الْمُهٰاجِرِينَ، فإنّ الأغلب لعلّهم كانوا من أقرباء الرسول صلّى اللّه عليه و آله.

و ربما يؤيّد ذلك أيضا بخبر سليم بن قيس عن أمير المؤمنين عليه السّلام:

«نحن و اللّه الّذين عنى اللّه بذي القربى و الّذين قرنهم بنفسه و بنبيّه فقال مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ «1» منّا خاصّة، و لم يجعل لنا سهما في الصدقة، أكرم اللّه نبيّه و أكرمنا أن يطعمنا أو ساخ ما في أيدي الناس» «2».

وجه التأييد أنّه هو بعينه مصرف الخمس.

لكن فيهما ضعف:

أمّا الأوّل فلأنّ سند الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال غير معتبر في المشيخة، مضافا إلى الاختلال في المتن الذي يبعد أن يكون من الإمام عليه السّلام، و لعلّ الذيل وارد في آية الخمس و اشتبه بعض الرواة، مع أنّ الظاهر أنّ الباقي لمطلق الناس، و الحمل على العهد خلاف الظاهر جدّا، و ليس المغنم كلّه لرسول اللّه و للسهام المذكورة.

و أمّا الثاني فلأنّ أبان بن أبي عيّاش مرميّ بالضعف و بجعل كتاب سليم، و اللّه العالم، مضافا إلى أنّ الخبر الآخر المنقول عن سليم بواسطة إبراهيم بن‌

______________________________
(1) سورة الحشر: 7.

(2) الوسائل: ج 6 ص 356 ح 4 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

646
کتاب الخمس (للحائري)

تعريف الأنفال في اصطلاح الفقهاء ص 643

..........

عثمان «1» وارد- بالألفاظ المذكورة في الخبر الأوّل تقريبا- في آية الخمس، و المظنون اشتباه الآيتين، فاشتبه أبان آية الخمس بآية الفي‌ء، و اللّه العالم.

و يدلّ عليه أيضا حسن حفص بن البختريّ- بإبراهيم- أو صحيحه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«الأنفال: ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم.

و كلّ أرض خربة و بطون الأودية فهو لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و هو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء» «2».

أقول: «أو قوم صالحوا» يكون من قبيل عطف الخاصّ على العامّ و يشمل صورة عدم التمكين بالصلح إلّا بقسمة من الأراضي مثلا. و الثالث ظاهر في التمكين من دون الصلح بشي‌ء، فالثالث إعطاء محض. و الثاني إمّا خصوص الصلح مع العوض أو الأعمّ، و يدلّ عليه غير واحد ممّا يأتي ذكره.

و دلالته كسنده واضحة.

و الإشكال في السند من حيث غمز آل أعين حفصا باللعب بالشطرنج، و عدم وضوح توثيق النجاشيّ لأنّه قال بعد ذلك «ذكره أبو العبّاس» مدفوع:

أمّا الأوّل فبأنّ الغمز لا يكون معلوما بأنّه من مثل زرارة المجتنب عن إشاعة عيوب المؤمنين، فلعلّه من غيره من طائفته غير الحجّة قولهم، مع أنّه لعلّه لم يكن اللعب به خاليا عن المراهنة و القمار ذنبا عنده كما هو غير واضح في الفقه و إن كان‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 357 ح 7 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 364 ح 1 من ب 1 من أبواب الأنفال.

647
کتاب الخمس (للحائري)

حكم غير الأرض مما يتعلق بها من الأبنية و الأشجار أو المنقولة المأخوذة من غير الحرب ص 648

[حكم غير الأرض ممّا يتعلّق بها- من الأبنية و الأشجار- أو المنقولة المأخوذة من غير الحرب]

و لعلّ الظاهر أنّ غير الأرض ممّا يتعلّق بها من الأبنية و الأشجار أو المنقولة المأخوذة من غير الحرب كذلك (1).

مقتضى الإطلاق الحرمة، المناقش فيه من قبل الشيخ قدّس سرّه بالانصراف إلى اللعب الخاصّ المقرون بالمراهنة.

و أمّا الثاني فبأنّ ظاهر عبارة النجاشيّ هو التوثيق جزما و استدلّ بذكر أبي العبّاس، و لعلّه بعض أدلّته، مع أنّ أبي العبّاس على ما ذكر المامقانيّ قدّس سرّه مردّد بين ابن نوح و ابن عقدة و كلاهما موثّقان.

في الجواهر:

إنّ ظاهر الصحيح المتقدّم (أي صحيح حفص بن البختريّ المتقدّم في التعليق السابق) أنّ كلّ ما لم يوجف عليه من خيل و لا ركاب من الأنفال، لا خصوص الأرض منه كما هو ظاهر المصنّف و غيره من الأصحاب «1».

و في مصباح الفقيه:

نسبه ذلك بعض المتأخّرين إلى الأصحاب.

و يشهد له صحيح معاوية بن وهب، قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف تقسم؟ قال: «إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أخرج منها الخمس للّه و للرسول و قسم بينهم أربعة أخماس، و إن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 117.

648
کتاب الخمس (للحائري)

حكم غير الأرض مما يتعلق بها من الأبنية و الأشجار أو المنقولة المأخوذة من غير الحرب ص 648

..........

حيث أحبّ «1»» «2».

و في المستمسك:

إنّ إطلاق خبر حفص يقيّد بما هو مقيّد بالأرض الوارد في مقام الحصر و التحديد «3».

أقول: و في الكلّ نظر:

أمّا ما في الجواهر فلأنّ قوله «عليه» إن كان بمعنى الاستقلال الخارجيّ فلا يشمل غير الأرض، و إن كان بمعنى الاستقلال الاعتباريّ الذي بمعنى العلّيّة للفتح (أي كلّ ما لم يصر الإيجاف بخيل و لا ركاب علّة للأخذ) فيشمله، و الاستعمال في المعنيين- الاعتباريّ و الحقيقيّ- من قبيل الاستعمال في أكثر من معنى واحد الذي هو مستحيل أو مخالف للظاهر قطعا. و أمّا خبر معاوية الصحيح أو الحسن بإبراهيم فيمكن حمله على التقيّة، لأنّ الإمام الذي كان في عصر أبي عبد اللّه لم يكن هو المعصوم، إلّا أن يجاب عن ذلك بعدم الحمل على التقيّة من دون التعارض، فلعلّ المقصود بيان الحكم الكلّيّ- كما في خبر حمّاد- أو كان تصرّفات الإمام الجائر كتصرّفاته في الأراضي الخراجيّة موردا للإمضاء بالنسبة إلى ما يصرفه في المصالح العامّة، و نتيجة ذلك جواز أخذ الجائزة من الخلفاء من هذا الوجه، فالظاهر صحّة الاستدلال.

و أمّا ما في المستمسك فمردود أوّلا بأنّه لا يقيّد خبر معاوية، لأنّ الظاهر من إصابة الغنائم و التقسيم من دون ذكر الأرض أنّ الموضوع غيرها أو الأعمّ من الأرض و الغنائم المنقولة بحيث يكون الثاني متيقّنا عرفا. و ثانيا بأنّ التحديد ليس‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 365 ح 3 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(2) مصباح الفقيه: ج 3 ص 151.

(3) المستمسك: ج 9 ص 597.

649
کتاب الخمس (للحائري)

حكم غير الأرض مما يتعلق بها من الأبنية و الأشجار أو المنقولة المأخوذة من غير الحرب ص 648

..........

ظاهرا في نفي ما يتبع الأرض من الأشجار و الأبنية، فإنّها تابعة للأرض عرفا.

و أمّا المنقولات: فإن كان عدم الإيجاف بالخيل و الركاب بالجلاء فهم يحملون معهم بحسب القاعدة، و إن كان بالصلح فهي لهم فلا يكون موردا للابتلاء في مورد الإيجاف بالخيل و الركاب فلا يدلّ على المفهوم، مع أنّه لم يذكر في غير واحد من روايات الأنفال جميع ما للرسول و الإمام عليهم السّلام فهو دليل على أنّه كان بصدد بيان معنى الأنفال في الجملة، فراجع و تأمّل.

و يدلّ على أصل المطلوب أيضا خبر حمّاد، و فيه:

«و كلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و لكن صالحوا صلحا و أعطوا بأيديهم.» «1».

و يمكن تقريب شموله للأعمّ من الجلاء عنها و الصلح بكون قوله «و لكن» محمولا على المثال. و لكن فيه إشكال.

و خبر زرارة، و فيه:

«كلّ أرض جلا أهلها من غير أن يحمل عليها بخيل و لا رجال و لا ركاب.» «2».

بدعوى أنّ الظاهر منه أنّ الملاك قوله: «من غير أن يحمل عليها إلخ» فهو بمنزلة التعليل الشامل للفردين من الأرض الّتي لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب.

و أمّا ما يستفاد من بعض الروايات من أنّ الأنفال تقسم بين الناس و الرسول صلّى اللّه عليه و آله كخبر حريز عن محمّد بن مسلم، قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: و سئل عن الأنفال‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 365 ح 4 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(2) المصدر: ص 367 ح 9.

650
کتاب الخمس (للحائري)

حكم غير الأرض مما يتعلق بها من الأبنية و الأشجار أو المنقولة المأخوذة من غير الحرب ص 648

..........

فقال: «كلّ قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل للّه عزّ و جلّ، نصفها يقسم بين الناس، و نصفها لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. فما كان لرسول اللّه فهو للإمام» «1».

و قريب منه مرسل العيّاشيّ عن حريز «2». و لعلّه هو بعينه، فهو لا يخلو من الضعف في السند، فإنّ الأخير مرسل، و الأوّل ضعيف بإسماعيل بن سهل، أو يحمل على أنّه يصرفه في الناس بحسب ما يراه من المصلحة بحسب سيرته المطلوبة، واجبة كانت عليها أو مستحبّة، كما مرّ تقريب ذلك في قوله تعالى مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ.

تنبيه وقع في بعض الأخبار إطلاق الفي‌ء و الأنفال على شي‌ء واحد، ففي معتبر محمّد بن مسلم:

«و ما كان من أرض خربة أو بطون أو دية فهذا كلّه من الفي‌ء و الأنفال للّه و للرسول» «3».

و في بعضها الآخر:

«الفي‌ء ما كان من أموال لم يكن فيها هراقة دم أو قتل، و الأنفال مثل ذلك هو بمنزلته» «4».

و في بعضها الآخر «الفي‌ء و الأنفال و الخمس» في الجواب عن السؤال عن‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 367 ح 7 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(2) المصدر: ص 372 ح 25.

(3) الوسائل: ج 6 ص 367 ح 10 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(4) الوسائل: ج 6 ص 367 ح 11 من ب 1 من أبواب الأنفال.

651
کتاب الخمس (للحائري)

حكم غير الأرض مما يتعلق بها من الأبنية و الأشجار أو المنقولة المأخوذة من غير الحرب ص 648

..........

حقّ الإمام عليه السّلام «1».

و يظهر من المجموع أنّ ذلك بالوجوه و الاعتبار، فإطلاق الأنفال على الكلّ باعتبار أنّه ليس ملك شخص بالخصوص و لا ممّا حصل بإتعاب الأنفس و بذل الأموال- كالتجارات و الصناعات و الغنائم الحاصلة بالحرب- و هو من الفي‌ء، لأنّ الأموال كلّها للإمام، فهو ممّا يرجع إليه إمّا بأنّه كان ملكا للغير و لو في طول ملك الإمام فصار ملكا له- كالأراضي المأخوذة من الكفّار و كالخمس المأخوذ من المسلمين- و إمّا بأنّه كان يصلح أن يصير ملكا للغير فرجع عنه إليه كالموات، فالفي‌ء ككلمة الرجوع، فإنّ الرجوع قد يطلق على العود إلى الشخص و قد يطلق على التوجّه إليه في ما كان في مظانّ الرجوع إلى الغير أو بعد التوجّه إلى الغير، كالرجوع إلى الطبيب و الفقيه، و الخمس قسم من الفي‌ء باعتبار بعض سهامه، لأنّ بعضه الآخر لغير الإمام، أو هو قسم من الفي‌ء مطلقا، باعتبار أنّ أمره راجع إليه عليه السّلام، فافهم و تأمّل.

ثمّ إنّ الخبر الأخير لا يخلو عن اضطراب في المتن، فعن تفسير العيّاشيّ مرسلا عن زرارة و محمّد بن مسلم و أبي بصير أنّهم قالوا له:

ما حقّ الإمام في أموال الناس؟ قال: «الفي‌ء و الأنفال و الخمس، و كلّ ما دخل منه في‌ء أو أنفال أو خمس أو غنيمة فإنّ لهم خمسه، فإنّ اللّه يقول:

وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ «2» و كلّ شي‌ء في الدنيا فإنّ لهم فيه نصيبا، فمن وصلهم بشي‌ء‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 373 ح 33 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(2) سورة الأنفال: 41.

652
کتاب الخمس (للحائري)

حكم أقسام أرض الصلح ص 653

[حكم أقسام أرض الصلح]

ثمّ إنّ أرض الصلح على أقسام: الأوّل أن يكون الصلح مع الإمام بأن يكون له. (1) الثاني إذا أعرضوا عنها الكفّار صلحا و جعلوها باختيار الإمام و المسلمين. و الظاهر أنّه للإمام أيضا (2).

فممّا يدعون له لا ممّا يأخذون منه» «1».

ففيه الإضمار و الإرسال و الاضطراب.

أمّا الإضمار فيمكن رفعه برجوعه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام، لأنّه روى الخبر السابق عنه عليه السّلام.

و يمكن أن يكون «و كلّ ما دخل» عطفا على سابقه (لا جملة مستأنفة) أي كلّ ما دخل منه- أي ممّا ذكر من أموال الناس- فيه في‌ء أو أنفال أو خمس أو ما فيه الخمس و هو الغنيمة فهو أيضا حقّ للإمام، بمعنى الأعمّ من كونه خالصا له أو يكون شريكا و يكون أمره بيده، كما يومى‌ء إليه الذيل، فالتعليل بقوله: «فإنّ لهم خمسه، فإنّ اللّه يقول.» راجع إلى الأخير و هو الغنيمة.

و يمكن أن يكون المقصود أنّ المخلوط بذلك فيه الخمس من باب المختلط.

و هو بعيد من وجوه لا يخفى. و اللّه العالم بحقيقة الحال.

و هذا ممّا لا إشكال في دخوله في الأخبار المتقدّمة، و هو مقتضى صحّة الصلح، خصوصا إذا كان طرفه الإمام.

و ذلك لإطلاق ما تقدّم من الأخبار في أرض الصلح و ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب «2» بل سلّط اللّه رسله على من يشاء، و إطلاق أنّ «الأرض كلّها للإمام» المنعقد لذلك باب في الكافي «3»، و يأتي الإشارة إليها «4» و تقدّم في أوائل هذا الكتاب، «5» و لم أر التعرّض لذلك في كتب الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 373 ح 33 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(2) تقدّم في ص 650 و ما بعدها.

(3) ج 1 ص 407.

(4) في ص 658.

(5) في ص 15 و 16.

653
کتاب الخمس (للحائري)

حكم أقسام أرض الصلح ص 653

الثالث أن يصالحوا معه على أن يكون الأرض لهم. الرابع أن يقع الصلح على أن يكون الأرض للمسلمين (1).

مقتضى كلام الأصحاب أنّ الأرض في الثالث لهم حتّى الموات إن دخل في عقد الصلح صريحا أو ظاهرا (2). و لو شكّ في الظهور فهي للإمام (3) و في الرابع للمسلمين (4).

و ما ذكرناه يكون على طبق الأدلّة الّتي وصلت إلينا، من غير تصريح بالخلاف منهم.

في الشرائع في باب الجهاد:

و كلّ أرض فتحت صلحا فهي لأربابها، و عليهم ما صالحهم الإمام. هذا إذا صولحوا على أنّ الأرض لهم، أمّا إذا صولحوا على أنّ الأرض للمسلمين و لهم السكنى و على أعناقهم الجزية كان حكمها حكم الأرض المفتوحة عنوة «1».

كما في الجواهر «2»، و فيه أنّه لا فرق في ذلك بين أهل الذمّة و غيرهم «3»، كما هو واضح من حيث الدليل.

للاستصحاب.

فيكون بحكم الأرض المفتوحة عنوة.

إن قلت: إنّ مقتضى إطلاق ما تقدّم- من أنّ ما أخذ بغير إيجاف خيل و لا ركاب و لا رجال يكون من الأنفال- أنّه للإمام عليه السّلام فكيف يكون للمسلمين حتّى يكون بحكم الأرض المفتوحة عنوة! و كذا إطلاق أرض الصلح شامل لذلك.

______________________________
(1) الشرائع: ج 1 ص 246.

(2) ج 21 ص 171.

(3) الجواهر: ج 21 ص 172.

654
کتاب الخمس (للحائري)

حكم أقسام أرض الصلح ص 653

و مقتضى صحّة الصلح و كون المتصالح للمسلمين هو الإمام: كون الموات لهم أيضا على النحو المذكور في القسم الثالث (1).

قلت: لا منافاة بين كونها ملكا للإمام عليه السّلام و كونها للمسلمين بعقد الصلح الواقع من الإمام الذي هو مالك لو لا عقد الصلح، إذ لا يشترط في الصلح أن يتملّك الإمام عليه السّلام آنا ما ثمّ يصالحها لغيره من المسلمين، بل الشرط هو المالكيّة حال الصلح. و لم أر التعرّض للإيراد و الجواب في كلمات الأصحاب رضوان اللّه عليهم، و لكن كونها للمسلمين مسلّم عندهم.

بمعنى أنّه إن كان مقتضى الصلح أنّ الموات أيضا للمسلمين فهي لهم بمقتضى صحّة الصلح، و الحقّ لا يعدو عن المصالح و المتصالح بحسب الصراحة أو الظهور، و مع الشكّ فهي للإمام كما تقدّم. و لم أر التعرّض لذلك أيضا في زبر الأصحاب و إن لم نبذل الجهد الوافي في ذلك، فلا بدّ من التتبّع التامّ و هو وليّ الإنعام.

و المستفاد من الجواهر أنّ ما يجعل الإمام على القسم الثالث من الأراضي الّتي للكفّار هو الجزية بالنسبة إلى أهلها، فلا يؤخذ منهم جزية على الرؤوس «1».

و هو المستفاد من الأخبار «2»، و لذا قالوا بأنّه لو باعها من مسلم أو من كافر آخر لا يسقط عنه الحقّ الذي جعله الإمام عليه السّلام، لأنّه لا جزية على مسلم و لا جزيتين على الكافر، فالجزية تكون على البائع.

فما في المستمسك «3» من نقل خبر إسحاق بن عمّار: «و ما كان من أرض الجزية لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب» «4»- أي يكون من الأنفال- لا يخلو عن‌

______________________________
(1) راجع الجواهر: ج 21 ص 171 و ص 252.

(2) الوسائل: ج 11 ص 113 الباب 68 من أبواب جهاد العدوّ.

(3) ج 9: ص 597.

(4) الوسائل: ج 6 ص 371 ح 20 من ب 1 من أبواب الأنفال.

655
کتاب الخمس (للحائري)

حكم أقسام أرض الصلح ص 653

و الظاهر من كلماتهم أنّ ما يأخذه الإمام من صاحب الأرض يكون من الجزية، و هي إمّا على الرؤوس أو على الأرض. و أمّا مستحقّ الجزية فيمكن أن يكون هو الإمام فيصرفها في ما يراه من المصالح (1).

اشتباه، فإنّ الأرض الّتي عليها الجزية ملك للكفّار و يؤخذ الجزية منها، و إلّا- بأن كانت للإمام أو للمسلمين- فما يؤخذ منهم هو اجرة الأرض و الجزية من حيث الرؤوس، و يمكن أن يجعل على الأرض زيادة على الخراج إلّا أنّها ليست حينئذ بأرض الجزية، بل تكون أرض الخراج، و الجزية من حيث الرؤوس لا من حيث كون الأرض بيدهم.

و يمكن أن يكون «بخربة»- كما في الوسائل- أي القرى الخربة و الأرض الّتي بالقرى الخربة فهما للإمام عليه السّلام.

و يمكن أن يكون «بجزية» أي ما يؤخذ من الأرض بعنوان الجزية فهي للإمام.

و من هنا ينقدح فرع آخر- لم أر التعرّض له في كلماتهم- ذكرناها في المتن و التعليق الآتي.

قد مرّ أنّه لم أر التعرّض له في كلمات الأصحاب، إلّا أنّه ذكر في الوسائل في الباب التاسع و الستّين من جهاد العدوّ خبرين- ثانيهما معتبر جدّا- يدلّان على أنّ مصرف الجزية ليس مصرف الزكاة، بل هي عطاء المهاجرين فراجع «1»، و ذكر في الباب السبعين خبرا فيه «ذلك للإمام و المسلمين حلال» «2». و يستشعر منهما أنّها للإمام فيضعها حيث يشاء، و إلّا فليس المستحقّ منحصرا بالمهاجرين فربما لا يكون مهاجر في الإسلام مثلا، و يشعر بذلك أيضا كلمة «العطاء».

______________________________
(1) الوسائل: ج 11 ص 116 الباب 69 من أبواب جهاد العدوّ.

(2) المصدر: ص 118 ح 2 من ب 70.

656
کتاب الخمس (للحائري)

و من الأنفال الموات من الأرضين ص 657

[و من الأنفال: الموات من الأرضين]

و منها: الموات من الأرضين، سواء لم يجر عليها ملك أحد أو ملكت و اعرض عنها بحيث لم يكن لها ربّ معروف و لا غير معروف. و هذا هو المتيقّن (1).

و ربما يمكن الاستدلال لذلك بعموم الأنفال، فإنّها عرفا ما لا يملكه أحد و ليس ممّا حصل بتعب النفوس، و الجزية من هذا القبيل. و كون أساس إعطائها الرعب من جيوش المسلمين غير مضرّ بذلك كما لا يخفى، مع منع ذلك، لإمكان أنّ ذلك من لوازم التوطّن في ملك، فلا بدّ من الضريبة للحكومة يصلح بها طريقهم و يؤمّن ثغورهم، فلا يبعد دخولها في الأنفال فتكون للإمام، و لا بدّ مع ذلك من التتبّع و التأمّل. و اللّه المتعالي هو الهادي.

قال قدّس سرّه في الجواهر:

لإطلاق المستفيضة المعتضدة بظاهر اتّفاق الأصحاب «1».

أقول: فيدلّ عليه حديث حفص البختريّ، و فيه: «و كلّ أرض خربة و بطون الأودية» «2» و مرسل حمّاد المعتبر، و فيه: «و له رءوس الجبال و بطون الأودية و الآجام و كلّ أرض ميتة لا ربّ لها» «3» و في خبر سماعة: «كلّ أرض خربة» «4» و في معتبر محمّد بن مسلم: «و ما كان من أرض خربة أو بطون أو دية» «5» و في خبر الحلبيّ: «ما كان من الأرضين باد أهلها» «6» و في مرسل أحمد بن محمّد:

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 117.

(2) الوسائل: ج 6 ص 364 ح 1 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(3) المصدر: ص 365 ح 4.

(4) المصدر: ص 367 ح 8.

(5) المصدر: ص 367 ح 10.

(6) الوسائل: ج 6 ص 367 ح 11 من ب 1 من أبواب الأنفال.

657
کتاب الخمس (للحائري)

حكم موات الأرض التي لها مالك معروف ص 658

[حكم موات الأرض الّتي لها مالك معروف]

و أمّا ما كان له مالك معروف لكن تركه مواتا فهل هو للإمام، أو له إلّا إذا علم الإعراض عنه، أو يفصّل بين حصول الملكيّة بالإحياء و حصولها بالشراء أو الإرث أو الفتح ففي الأوّل للإمام و الثاني لنفسه، أو يقال: إنّه إذا تركه حتّى مات و خرب فإنّه يجوز الإحياء بإذن الإمام فيحكم بكونه للإمام عليه السّلام، و إن ادّعى بعد ذلك أنّه له لم يسمع منه إلّا إذا ثبت ذلك و حينئذ يعطى حقّه من الأرض؟ وجوه. و لعلّ الأخير هو الأوفق بالدليل (1).

«و الموات كلّها هي له» «1».

و يدلّ على ذلك أيضا الروايات الواردة في أنّ الأرض كلّها للإمام عليه السّلام، و عقد لذلك بابا في الكافي و فيه تسعة أحاديث «2»، و مقتضاها الإطلاق في المالكيّة، خرجت المحياة بإذنه من إطلاق مالكيّته مع بقاء أصل مالكيّته له، فإنّ له الأخذ عنه أو أخذ خراجها أو بعضها، لكن ما دام تكون في يده بلا شرط عليه تكون منافعها له، يستفيد منها و يؤجرها و يبيعها و يرث منها، كما تقدّم سابقا في أوائل هذا الكتاب، الموافق ذلك للاعتبار.

قال في الجواهر:

نسب الأوّل في الحدائق إلى تصريح جملة من الأصحاب «3».

أقول: و يدلّ عليه أمور:

منها: إطلاق ما تقدّم من أنّ «الأرض كلّها للإمام» خرجت المحياة ما دامت باقية على وصف الإحياء و بقي الثاني تحت الإطلاق. قال في الجواهر:

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 369 ح 17 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(2) الكافي: ج 1 ص 407 باب أنّ الأرض كلّها للإمام عليه السّلام.

(3) الجواهر: ج 16 ص 117.

658
کتاب الخمس (للحائري)

حكم موات الأرض التي لها مالك معروف ص 658

..........

و عليه يبتني أنّ من ملك موات الأرض المفتوحة عنوة بإذن الإمام بالإحياء ثمّ عرض عليها الموت يعود إلى الإمام و يزول ملكه عنها «1».

و منها: إطلاق ما تقدّم من الأدلّة الدالّة على أنّ أرض الموات للإمام، و أنّ الخربة الّتي جلا عنها أهلها للإمام، و أنّ الخربة من الأرض له عليه السّلام.

و منها: إطلاق ما دلّ على أنّ من أحيا أرضا مواتا كانت له «2»، فيشمل ما عرض عليه الموت، و لازم ذلك كونه للإمام عليه السّلام و مشمولا لإذنه، و إلّا كان غصبا و ملكا للمالك الأوّل.

و لا فرق في ما ذكر من الدليل بين من ملك بالإحياء أو بغيره من الإرث أو الشراء، للإطلاق و لأنّ الإرث و الشراء موجبان لانتقال ما كان للأوّل من الحقّ و المالكيّة، فلو كانت مالكيّة الأوّل محدودة بالإحياء فلا تنتقل إلى الثاني إلّا ذلك، لأنّ مقتضى النقل بالشراء أو الإرث أو الفتح ليس إلّا نقل ما يملكه عرفا و شرعا.

فما في الجواهر من التفصيل «3» مدفوع جدّا.

و أمّا الثاني ففي الجواهر عن المدارك:

إنّها ليست من الأنفال، و الأنفال هي الموات الّتي لا مالك لها و أنّ ما كان له مالك معروف فليس من الأنفال «4».

و يمكن الاستدلال لذلك بمرسل حمّاد المعتبر، أي قوله: «و كلّ أرض ميتة لا‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 117.

(2) الوسائل: ج 17 ص 326، الباب 1 من أبواب إحياء الموات.

(3) الجواهر: ج 16 ص 117- 118.

(4) الجواهر: ج 16 ص 117.

659
کتاب الخمس (للحائري)

حكم موات الأرض التي لها مالك معروف ص 658

..........

ربّ لها»، «1» إذ لو كان مطلق الأرض الميتة للإمام لم يكن للتقييد وجه و كان التقييد لغوا عرفا، و بما في خبر داود بن فرقد: «و كلّ أرض ميتة قد جلا أهلها «2»»، و بصحيح الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها و يجري أنهارها و يعمرها و يزرعها ما ذا عليه؟ قال:

«الصدقة».

قلت: فإن كان يعرف صاحبها؟ قال: «فليؤدّ إليه حقّه» «3».

و ربما يؤيّد ذلك بما ذكروه- في باب إحياء الموات- من أنّه لا يملك موات الأرض المحياة المفتوحة عنوة بالإحياء، و ذلك لوجود المالك المعروف له.

لكن مقتضى صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«أيّما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها و كرى أنهارها و عمرها فإنّ عليه فيها الصدقة، فإن كانت أرض لرجل قبله فغاب عنها و تركها فأخرجها ثمّ جاء بعد يطلبها فإنّ الأرض للّه و لمن عمرها» «4».

هو كون الأرض للمحيي الثاني، المقتضي لكون مواتها للإمام عليه السّلام.

و كذلك مصحّح أبي خالد الكابليّ عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 365 ح 4 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(2) المصدر: ص 372 ح 32.

(3) الوسائل: ج 17 ص 329 ح 3 من ب 3 من أبواب إحياء الموات.

(4) الوسائل: ج 17 ص 328 ح 1 من ب 3 من أبواب إحياء الموات.

660
کتاب الخمس (للحائري)

حكم موات الأرض التي لها مالك معروف ص 658

..........

«وجدنا في كتاب عليّ أنّ الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتّقين، أنا و أهل بيتي الّذين أورثنا الأرض و نحن المتّقون و الأرض كلّها لنا، فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها و ليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي و له ما أكل منها، فإن تركها و أخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و أحياها فهو أحقّ من الذي تركها فليؤدّ خراجها.» «1».

و لكن في صحيح الحلبيّ المتقدّم «2» ما عرفت من أداء حقّها إلى صاحبها إن كان يعرف صاحبها، فالخبران محمولان على صورة الإعراض أو الظهور في الإعراض، كما يشعر بذلك قوله: «فإن تركها و أخر بها»، فإنّ ذلك ظاهر في الإعراض عنها، و هو حجّة على ذلك، فيجوز الإحياء ظاهرا و إذا عرف صاحبه يؤدّي إليه حقّه، كما يصرّح بذلك ما تقدّم من صحيح الحلبيّ. و أولى بالحمل المذكور قوله: «و تركها فأخر بها» الظاهر في الترك حتّى يصير خرابا، و ظهوره في الإعراض غير خفيّ، فالخبران يدلّان على حجّيّة ذلك الظهور، و مقتضى ظاهر صحيح الحلبيّ أنّه لا يؤخذ حينئذ من المحيي الثاني بل عليه حقّ الأرض، و لعلّ ذلك حكم منه عليه السّلام بذلك.

و كيف كان، فمقتضى الإطلاق هو العموم المقتضي لكون ذلك حكما شرعيّا، لا من باب الإذن من باب الحكومة الشرعيّة الولائيّة.

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 329 ح 2 من ب 3 من أبواب إحياء الموات.

(2) في الصفحة السابقة.

661
کتاب الخمس (للحائري)

حكم موات الأرض التي لها مالك معروف ص 658

..........

فما قال قدّس سرّه في الجواهر في المقام و ملخّصه أنّ:

مقتضى الإطلاق كون الموات للإمام حتّى المسبوق بالملك لأحد، لكن إذا كان مالكيّته بالإحياء لا ما إذا كانت مالكيّته بالإرث أو الشراء.

و قال أيضا:

إنّه لا يعتبر في ماله من الموات بقاؤه على صفة الموت، فلو اتّفق إحياؤه كان له عليه السّلام من غير فرق بين المسلمين و الكفّار. و إطلاق ما دلّ على أنّ «عامر الأرض المفتوحة للمسلمين» يراد به ما أحياه الكفّار من الموات قبل نزول آية الأنفال، و أمّا بعده فهو له.

و احتمال «أنّها و إن كانت له و لكن يدخل في ملك المسلمين، لإطلاق ما دلّ على كون المفتوحة عنوة للمسلمين» مدفوع بقوّة عموم أدلّة المقام أي كون أرض الموات للإمام عليه السّلام حتّى بعد الإحياء. نعم، لو ثبت عموم الإذن أمكن القول بانتقالها إلى المسلمين، على أنّه قد يناقش في جريان سائر أحكامه «1». انتهى.

ملخّصا.

فيه نظر من وجوه:

الأوّل: أنّه على فرض إطلاق كون أراضي الموات للإمام حتّى المسبوق‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 117- 119.

662
کتاب الخمس (للحائري)

حكم موات الأرض التي لها مالك معروف ص 658

..........

بملكيّة غيره فلا فرق بين التملّك بالإحياء أو غيره، مضافا إلى أنّ الإرث و الانتقال لا يوجب حقّا جديدا للمنتقل إليه قطعا كما تقدّم سابقا، و كذا لو قلنا بالعدم- كما عرفت- فإنّ مقتضى التقييد ب‍ «لا ربّ لها» أنّ ملك الإمام مقيّد بعدم المالك لها، فالتفصيل المذكور في الجواهر «1» ممّا لا عين و لا أثر له في الأدلّة.

الثاني: ما قاله من «أنّ الموات الّتي للإمام كانت له حتّى بعد الإحياء إلّا مع الإذن»، فيه: أنّ الإذن العموميّ للكافر و المسلم ثابت، فراجع الباب الأوّل من أبواب إحياء الموات من الوسائل، فإنّ الخبر الأوّل منه صحيح صريح في خصوص الكفّار، و فيه:

«و أيّما قوم أحيوا شي‌ء من الأرض أو عملوه فهم أحقّ بها و هي لهم» «2».

الثالث: أنّ ما قاله من «اختصاص كون الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين بما قبل نزول آية الأنفال» مدفوع جدّا بلزوم تخصيص الأكثر بالنسبة إلى دليل ذلك إلى قيام القيامة.

الرابع: أنّ مقتضى الآية أنّ الأرض للّه و لرسوله و لو قبل نزول الآية، فكون الخبر في وقت خاصّ غير أن يكون المخبر عنه هو الوقت الخاصّ كما هو واضح، بل لعلّ مقتضى عموم الآية أنّها له تعالى و لمطلق الرسول الذي من أفراده خاتم الرسل صلّى اللّه عليه و آله، بل هو المستفاد من الخبر المنقول عن تفسير النعمانيّ، و فيه:

«قال اللّه تعالى إِنِّي جٰاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً «3» فكانت الأرض بأسرها لآدم ثمّ هي‌

______________________________
(1) ج 16 ص 117- 188.

(2) الوسائل: ج 17 ص 326 ح 1 من ب 1 من أبواب إحياء الموات.

(3) سورة البقرة: 30.

663
کتاب الخمس (للحائري)

حكم الأرض الموات التي يقطع بكونها لصاحب خاص مجهول ص 664

[حكم الأرض الموات الّتي يقطع بكونها لصاحب خاصّ مجهول]

و أمّا الأرض الموات الّتي يقطع بكونها لصاحب خاصّ مجهول فيمكن أن يقال: إنّها للإمام، فيشملها عموم الإذن في الإحياء فيملكها المحيي الثاني (1). و يمكن أن يقال: إنّها لمالكها فيجب التصدّق إلّا أن للمصطفين الّذين اصطفاهم اللّه.» «1».

الخامس: أنّ ما ذكره من «أنّ محياة الكفّار للإمام و لا تنتقل إلى المسلمين، و أنّ انتقالها إلى المسلمين مناف للدليل» منظور فيه جدّا، إذ لا منافاة ما بين الملكيّة للإمام و الانتقال منه إلى المسلمين، فيكون الفتح بأيدي المسلمين بمنزلة الإحياء بإذنه، كما هو واضح.

السادس: أنّ ما ذكره من أنّه «نعم لو ثبت عموم الإذن» يقال: قد ثبت ذلك بحمده تعالى. و أمّا المناقشة في جريان سائر الأحكام فهي ممّا لم نتحقّقه.

و كيف كان، فلا شبهة بحسب الأدلّة أنّ الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين، من غير فرق بين ما كانت مواتا فصارت محياة قبل نزول الآية أو بعدها.

و لا شبهة في عدم بقاء الملكيّة المطلقة للإمام بعد الإحياء بحيث يكون التصرّف فيه منوطا بإذنه و كانت المنافع له و لا يجوز له بيعها.

نعم، له الملكيّة الطوليّة كملكيّته تعالى لجميع الخلائق من حيث الطوليّة لا بنحو نتيجة الملكيّة، فللإمام أخذ الأرض منه للمصالح- كالشوارع و المساجد و غير ذلك- إن كان ذلك بنظره الشريف أصلح من كون المال بيده. و لقد مضى بعض القول في ذلك في أوائل هذا الكتاب، و التوفيق لنا من ذلك الجناب.

و هو الذي يظهر من الشرائع أي من قوله: «و إن لم يكن لها مالك معروف معيّن فهي للإمام عليه السّلام»، «2» و لكن يظهر من الجواهر مخالفته و أنّها مجهول‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 370 ح 19 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(2) الشرائع: ج 4 ص 792.

664
کتاب الخمس (للحائري)

حكم الأرض الموات التي يقطع بكونها لصاحب خاص مجهول ص 664

يحييها فتصير ملكا للثاني (1).

المالك «1».

و يمكن الاستدلال لما في الشرائع- الذي نقله في الجواهر عن بعض العبارات أيضا «2»- بأمور:

منها: إطلاق أنّ الأرض الخربة و الأراضي الموات كلّها للإمام. و لا منافاة بينه و بين مرسل حمّاد الذي فيه «و كلّ أرض ميتة لا ربّ لها» «3»، إذ لا معارضة بين المنطوقين، و أمّا المفهوم فيكفي فيه أن يكون ما كان مالكه معلوما له، لا للإمام.

و لا ينافيه «من أحيا أرضا ميتة فهي له» «4» المقتضي لكون الموات لمن أحياها أوّلا و إن عرضت لها الموت، للانصراف إلى كون ذلك له ما دام الإحياء أو هو القدر المتيقّن من ظهوره، فيرجع إلى الإطلاق.

و منها: الرجوع إلى إطلاق أنّ «الأرض كلّها للإمام» بضمّ المقدّمة الثانية في الدليل السابق: من الانصراف أو القدر المسلّم من الظهور.

و منها: أنّه مع فرض التعارض في مادّة الاجتماع (و هي الأرض الموات الّتي سبقها الإحياء المفترق عنها دليل الموات في الأرض المحياة بالفعل و المفترق عنها دليل المحياة في الموات بالأصل) يرجع إلى عموم أنّ الأرض كلّها للإمام. فتأمّل.

و الوجه فيه أنّ عمومات مالكيّة الإمام عليه السّلام للأراضي لا تنافي ملكيّة المالك المجهول أيضا، فكانت أرضا ملكا للإمام من دون أن تكون ملكا لغيره في طوله- كما في الموات الّتي لا ربّ لها- أو كانت له أيضا، فإنّه لا فرق في مالكيّة‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 38 ص 27.

(2) الجواهر: ج 38 ص 27.

(3) الوسائل: ج 6 ص 365 ح 4 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(4) الوسائل: ج 17 ص 328 الباب 2 من أبواب إحياء الموات.

665
کتاب الخمس (للحائري)

حكم المحياة المجهول مالكها ص 666

[حكم المحياة المجهول مالكها]

و أمّا المحياة المجهول مالكها فما دام الإحياء مستندا إليه فلعلّ الظاهر وجوب التصدّق (1)، و بعد كون الإحياء مستندا إلى الغير يملكه (2).

و مقتضى الاحتياط هو التصدّق فيكون المتصدّق عليه هو المحيي حدوثا أو بقاء.

الإمام عليه السّلام للأراضي بين ما لا ربّ لها و مالها ربّ، كما نبيّنه «1» إن شاء اللّه تعالى.

و مقتضى «من أحيا أرضا.» ثبوت الملكيّة و مقتضى الملكيّة عدم رفعها إلّا برافع، بل لا تعارض لدى الدقّة بين دليل أرض الموات و ظهور «من أحيا أرضا» في ثبوت الملكيّة للمحيي، فإنّ ملكيّة كلّ أرض للمالك بمعنى أنّها له ما دام لم تنتقل، و ليس معناه أنّ الإمام لا ينقل الأرض الموات إلى غيره أبدا. و الفرق بين الموات و المحياة حصول الانتقال في الثاني، بخلاف الأوّل فإنّه يمكن الانتقال و يمكن عدمه، و حينئذ فمقتضى بقاء المال على ملك صاحبه بمقتضى «من أحيا أرضا» الشامل لها أوّلا: وجوب التصدّق، و مقتضى كون اختيار الأرض بيد الإمام و شمول «من أحيا» للثاني: أنّه يتملّك بالإحياء و لو كان للغير، و ليس مقتضى دليل الإحياء الأوّل أنّه مالك حتّى بعد دلالة الدليل على الانتقال إلى الغير بإذن المالك الذي يكون المحيي في طول ذلك المالك، و مقتضى ذلك ما ذكر في المتن:

من وجوب التصدّق أو الإحياء حتّى يصير ملكا للمحيي.

لأدلّة مجهول المالك الّتي منها خبر عليّ بن أبي حمزة الوارد في من جمع مالا أغمض في مطالبه «2»، و قد أوردنا أخبارها في ابتغاء الفضيلة «3».

لإطلاق بعض أخبار الإحياء غير المشروط فيه الموت، كصحيح محمّد‌

______________________________
(1) في ص 673.

(2) الوسائل: ج 12 ص 144 الباب 47 من أبواب ما يكتسب به.

(3) ج 1 ص 237.

666
کتاب الخمس (للحائري)

حكم المحياة المجهول مالكها ص 666

ثمّ إنّه إن جاء صاحبها بعد أن أحياها المحيي فصار ملكا له و لم يتصدّق عنه فيمكن أن يقال بأنّ له حقّ الأرض (1).

بن مسلم، و فيه:

«و أيّما قوم أحيوا شي‌ء من الأرض أو عملوه فهم أحقّ بها و هي لهم» «1».

فيجري في ذلك ما تقدّم «2» من تقريب الدليل في الموات المجهول مالكها.

و ذلك لصحيح الحلبيّ، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها و يجري أنهارها و يعمرها و يزرعها ما ذا عليه؟ قال: «الصدقة». قلت: فإن كان يعرف صاحبها؟ قال: «فليؤدّ إليه حقّه» «3».

فإنّ مقتضاه أنّه (سواء كان يعرف صاحبها من أوّل الأمر و لكن يقطع بالإعراض أو يظنّ به لترك الأرض حتّى خربت، أو كان لا يعرف صاحبها من أوّل الأمر و لكن يعرف صاحبها بعد الإحياء) يؤدّي إليه حقّه، و هو بنفسه ظاهر أو مشعر بأداء أجرة الأرض، لا ردّ الأرض و استرداد حقّ الإحياء منه من باب أنّه عمله.

و الوجه في ذلك أوّلا أنّه يعبّر عن إرجاع الأرض بالإرجاع أو الردّ، لا أداء الحقّ.

و ثانيا أنّه موافق لما مرّ من أداء الصدقة.

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 326 ح 1 من ب 1 من أبواب إحياء الموات.

(2) في ص 665.

(3) الوسائل: ج 17 ص 329 ح 3 من ب 3 من أبواب إحياء الموات.

667
کتاب الخمس (للحائري)

حكم المحياة المجهول مالكها ص 666

..........

و ثالثا أنّه لو كان المقصود ردّ الأرض لكان يسأل عن اجرة الإحياء و ما عمله في الأرض حتّى صارت محياة مزروعة، خصوصا بعد إجراء الأنهار فيها.

و إن أبيت عن ذلك فهو وجه الجمع بينه و بين صحيح معاوية بن وهب، و فيه:

«فإن كانت أرض لرجل قبله فغاب عنها و تركها فأخرجها ثمّ جاء بعد يطلبها فإنّ الأرض للّه و لمن عمرها» «1».

و الجمع بينهما بحمل الأوّل على القطع بأنّه صاحبها فعلا من باب القطع بعدم الإعراض و حمل الثاني على القطع بالإعراض، فيكون المطالبة بلا وجه أو من باب أنّه يرى نفسه أحقّ بها من باب سبق مالكيّتها أو الأعمّ منه.

و احتمال عدم الإعراض بعيد بل مقطوع العدم، لوجوه:

منها: أنّ الإعراض أو عدمه ليس مطرحا في الروايتين.

و منها: أنّ المفروض في الخارج هو ترك الأرض حتّى خربت، فمن أين يعلم الإعراض في الثاني و يقطع بعدمه أو يشكّ في الأوّل مع أنّ الإعراض مع قطع النظر عمّا في الخارج أمر قلبيّ لا يقطع بتحقّقه في مورد و يشكّ في مورد آخر؟! إلّا مع فرض العدالة القطعيّة في أحد الموردين و عدمها في الثاني، و ذلك أيضا غير مفروض في الخبرين.

و منها: أنّ حمل الأوّل على خصوص القطع بالإعراض لا وجه له، لقلّة ذلك، فلا بدّ أن يحمل مع قطع النظر عن الجمع المذكور على الأعمّ منه و من صورة الشكّ في الإعراض، فيكون المقصود أنّ الترك حجّة على الإعراض، و هو لا يناسب التعليل الوارد في الثاني الصريح في أنّ الأرض تكون للثاني المعمّر واقعا. فمورد‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 328 ح 1 من ب 3 من أبواب إحياء الموات.

668
کتاب الخمس (للحائري)

حكم المحياة المجهول مالكها ص 666

..........

الخبرين بحسب الظاهر متّحد من حيث العموم و الخصوص و أنّ صاحبه الأوّل معلوم فعلا و يحتمل الإعراض و عدمه أو يقطع بعدم الإعراض، و أمّا صورة القطع بالإعراض فالظاهر خروجها عن الخبرين، لأنّه مع الاعتراف بذلك لا يأخذ الحقّ و لا يطالب الأرض بحسب الارتكاز. نعم، بينهما فرق من جهة فرض مطالبة الأرض في الثاني دون الأوّل، فلا محيص إلّا عن الجمع بأنّ الأرض كالأراضي الخراجيّة خارجا لا بدّ أن يكون بيد من أحياها و يؤدّي أجرة الأرض إلى صاحبها، و هو المطابق للاعتبار العقلائيّ.

و إن قيل: إنّ الثاني لا يشمل المجهول مالكها و كذا الأوّل، فإنّ المستفاد منه أنّ صاحبها كان من أوّل الأمر معلوما، فذلك مردود ببعده جدّا، بل الجهل بمالكه أو عدم إمكان الوصول إليه لا بدّ أن يكون مفروضا، و إلّا لما كان يقدم المعمّر الثاني على التعمير و الإحياء من دون الاستيذان منه أو الاشتراء بثمن بخس حين الخراب. و إن فرض عدم الشمول في كلّ منهما فإنّ دلالة الثاني على أنّ الأرض لمن يعمرها في فرض الجهل بالمالك و عدم التمكّن من ردّ الأرض إليه و المراجعة إليه واضحة من باب الأولويّة، و قلنا: إنّ مقتضى الجمع هو الحمل على كون الأرض بيده فيقال بذلك في المجهول مالكها، فتأمّل.

و إن أبيت عن ذلك كلّه و فرضت احتمال «أن يكون المقصود من أداء الحقّ في الأوّل ردّ الأرض إليه و المقصود من معلوميّة صاحبها هو العلم بأنّه مالكها من باب القطع بعدم الإعراض للعلم بقوله، و كان المقصود من الثاني خصوص الإعراض أو عدم معلوميّة الإعراض مع الادّعاء الذي هو في قبال الحجّة الظاهريّة و هي ترك الأرض حتّى خربت» فيرجع إلى استصحاب جواز تصرّف المحيي الثاني في الأرض و الانتفاع بها كما كان له ذلك قبل وجدان صاحبه من‌

669
کتاب الخمس (للحائري)

حكم المحياة المجهول مالكها ص 666

و مقتضى الاحتياط ردّ الأرض إلى صاحبها مع مالكيّته للأغراس الّتي غرسها. و كذا البناء، لعدم كونه غاصبا (1). و لو تصدّق بالأرض لنفسه (بأن كان مستحقّا لها أو تصدّق و اشترى من المتصدّق عليه أو كان الاشتراء منه ميسورا فاختار صاحبها الغرم لا الأجر) فلعلّ الظاهر كفاية أداء العين (2).

و ما ذكر يجري في بيع المبيع الخياريّ- بأن باع و اشترى أو كان الاشتراء ميسورا- فهل يجب ردّ العين في جميع الصور (3) أم لا؟ باب أنّ «من أحيا أرضا ميتة فهي له» المتقدّم تقريب ذلك «1». و المتيقّن من الحقّ الذي يلزم أداؤه هو ترتيب أثر مالكيّة الأرض في الجملة و لو بأداء أجرة الأرض و جواز الانتفاع بها. و احتمال «أن يكون المراد أداء قيمتها بحيث لا تحصل براءة الذمّة بأداء الأرض» مدفوع قطعا بأنّ القيمة بدل عن العين، فإن كان المقصود ذلك فهو حقّ لمن بيده الأرض من باب مالكيّة الأرض.

فإنّه لو كان الواجب أداء الخراج من باب أنّ الأرض ملك له و بيده فهو حقّ له. و كذا لو كان الواجب عليه أداء قيمة الأرض، فإنّ ذلك من باب البدليّة عن العين أو المنافع الّتي تكون أصل الأرض دخيلة في ذلك، فلا يقال مقتضى الاحتياط هو التصالح.

فإنّ مقتضى فهم العرف من «حقّ الغرم» أنّ القيمة أو المثل من باب البدليّة عن العين و أنّه أقرب إلى التالف، و أمّا إذا كان نفس التالف بحسب الاعتبار قابلًا لأن يصير موجودا في مقام الاعتبار حتّى يؤدّى إليه فالظاهر عدم الشبهة في الكفاية. فالضمان هو الأعمّ من العين و القيمة و المثل، لأنّ المضمون هو ما كان أقرب إلى التالف، و لا شي‌ء أقرب من الشي‌ء إلى نفسه.

من باب أنّ متعلّق الضمان هو العين، و مقتضى «على اليد ما‌

______________________________
(1) في ص 659.

670
کتاب الخمس (للحائري)

حكم المحياة المجهول مالكها ص 666

الأحوط إن لم يكن أقوى هو الأوّل (1).

و لو عرف صاحبها في الصورتين و لكن لا يمكن الردّ إليه و لا إلى وكيله فلعلّ الظاهر إلحاقها بصورة الجهل، و يمكن القول فيها بوجوب أداء حقّ الأرض إلى الإمام، لأنّه وليّه (2)، و لعلّ الظاهر هو الأوّل.

أخذت» «1» ردّ العين. و الانتقال إلى البدل في الفسخ و أمثاله طوليّ، بمعنى أنّ مقتضى الفسخ مالكيّة الفاسخ على المفسوخ عليه ردّ العين، لا نفس العين حتّى ينافي ذلك كون العين ملكا لغيره، لفرض صحّة المعاملة و لزومها. و على تقدير عدم التمكّن منه لا بدّ أن يتداركه بالبدل، فإنّ ذلك مقتضى «على اليد» و مقتضى ضمان الخروج عن عهدة المالك الذي هو الوجه في تقدّم المثل في المثليّ على القيمة و القيمة في القيميّ على عين آخر يعادله في القيمة و ليس ماليّة محضة، فتأمّل.

كما ظهر وجهه من التعليق المتقدّم.

أمّا الأوّل فلإطلاق ما تقدّم «2» من أنّ «من أحيا أرضا ميتة فهي له»، و أمّا وجوب التصدّق على تقدير عدم الإحياء فهو الذي يستفاد من الدليل و موكول إلى بابه.

و أمّا وجوب أداء حقّ الأرض إلى الإمام فلتوهّم الإطلاق في صحيح الحلبيّ «3» و أنّ المستفاد منه أنّه في صورة معلوميّة الصاحب يكون مستحقّا لأخذ حقّ الأرض فيعطى لوليّه.

لكنّ الظاهر هو الأداء إليه أو إلى من يكون بمنزلته من الوكيل أو الوليّ العرفيّ، لا الإمام و عدول المؤمنين الّذين لا يكونون بمنزلته بل ولايتهم من باب‌

______________________________
(1) المستدرك: ج 17 ص 88 ح 4 من ب 1 من أبواب كتاب الغصب و ج 14 ص 7 ح 12 من ب 1 من أبواب كتاب الوديعة.

(2) في ص 665.

(3) المتقدّم في ص 667.

671
کتاب الخمس (للحائري)

و منها العامرة بالأصالة أي ما لم تكن بيد معمر 1 ص 672

و منها: العامرة بالأصالة أي ما لم تكن بيد معمّر (1).

الحسبة و حفظ الحقوق، فلا يعدّ الأداء إلى وليّ الأمر أداء إليه بل لا بدّ له من الأداء إليه بنحو من الأداء، مع أنّه لو كان ذلك كافيا في الأخذ و كان وليّ الأمر أو عدول المؤمنين بمنزلة الوكيل فيكون صاحبه معلوما في جميع موارد الجهل بالمالك.

فيشمل ما كان عامرا بالأصالة من يوم خلق اللّه الأرض، أو كانت عمارتها من باب الخروج عن البحر (كسيف البحار بجزر البحر و كشف بعض الأراضي العامرة في أطرافه أو من باب المدّ ثمّ الجزر) أو كان من قبيل الآجام الّتي ينتفع بها من حيث الأخشاب و الفحم و الثمار كالانتفاع بالمحياة بالعرض الّتي أحييت بيد المحيي.

و يدلّ على ذلك كلّا أو بعضا أمور:

الأوّل: ما دلّ على أنّ الأرض الموات للإمام- كمرفوع أحمد بن محمّد «1»- و ما دلّ على أنّ الأرض الميتة الّتي لا ربّ لها للإمام، و هي من الأنفال «2».

و هو يدلّ على بعض المقصود أي على أغلب أفراده، و هي الأرض المسبوقة بالموت فهي كانت ملكا للإمام، و مقتضى الملكيّة عرفا عدم خروجها عن ملك مالكه إلّا بإذنه، و كذلك شرعا، لأنّه مقتضى «لا يحلّ مال امرء مسلم إلّا بطيب من نفسه» «3»، و العمارة من غير معمّر ليست ممّا حصل بإذن الإمام أو صارت مملّكة لشخص أو أشخاص بإذنه، لوضوح ذلك، كسائر التغيّرات الواردة على الملك، بأن كانت الأرض سبخة ثمّ رفعت عنها تلك و صارت مركزا للسباع مثلا، فلا يحتاج إلى الاستصحاب و إن كان مقتضيا له على فرض الشكّ.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 369 ح 17 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(2) المصدر: ص 365 ح 4.

(3) عوالي اللآلئ: ج 1 ص 222 ح 98.

672
کتاب الخمس (للحائري)

و منها العامرة بالأصالة أي ما لم تكن بيد معمر 1 ص 672

..........

الثاني: ما دلّ على أنّ الأرض الّتي لا ربّ لها للإمام و هي من الأنفال، كموثّق إسحاق بن عمّار، و فيه: «و كلّ أرض لا ربّ لها» «1» و المرويّ عن العيّاشيّ عن أبي بصير، و فيه أيضا: «و كلّ أرض لا ربّ لها» «2».

الثالث: ما دلّ على أنّ الأرض كلّها للإمام «3»، و مقتضاه الملكيّة المطلقة حتّى في حال كون الأرض لغيره بإذنه، فيملك الثاني الأرض في طول ملكيّة الإمام عليه السّلام، بمعنى أنّه يملك ترتيب آثار الملكيّة في فرض عدم ترتيب آثار الملكيّة من جانب الإمام، فمنافعها له إن أعرض الإمام عن الانتفاع به و يجوز له البيع إن لم يمنعه عنه. و الملكيّة المطلقة في صورة عدم الربّ عين الملكيّة المطلقة في صورة وجود الربّ لها، لأنّه ليس معنى الملكية إلّا استحقاق جميع التصرّفات فيه، و ملكيّة الثاني في طول الإعراض و صرف النظر عن الاستفادة، و هذا الترتّب كالترتّب في التكليفيّات، فإنّ الأمر بالمهمّ مقيّد بالإعراض عن الأهمّ، و إطلاق الأهمّ محفوظ.

فلا يشكل على ذلك بأنّ الأرض كلّها للإمام، و بالنسبة إلى ما يملكه الناس بالإحياء أو بالحيازة هي الملكيّة الطوليّة، و بالنسبة إلى الموات و ما لا ربّ لها هي الملكيّة المطلقة العرضيّة، و لا يمكن استعمال ذلك في المعنيين أو يكون خلاف الظاهر قطعا، فيمكن أن يكون المقصود بها هو الملكيّة الطوليّة غير المقتضية لكون ما لا ربّ لها للإمام على وجه الإطلاق.

و ملخّص الجواب أنّ دلالتها على وجه الإطلاق تكون بضمّ أنّه لا مملّك‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 371 ح 20 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(2) المصدر: ص 372 ح 28.

(3) الكافي: ج 1 ص 407 باب أنّ الأرض كلّها للإمام عليه السّلام.

673
کتاب الخمس (للحائري)

و منها العامرة بالأصالة أي ما لم تكن بيد معمر 1 ص 672

..........

لغيره في طوله من الإحياء أو الحيازة كما هو المفروض.

و من ذلك يظهر أنّه يمكن التمسّك للملكيّة المطلقة للإمام- في حال ملكيّة الغير لجميع الأموال- بقوله تعالى النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ «1» فهو أولى به على أموالهم و أنفسهم من أنفسهم.

فإذا تبيّنت الملكيّة المطلقة للإمام بالنسبة إلى الأراضي الّتي لها ربّ و مالك فملكيّته لغيرها أوضح. و الفرق بين الأنفال و غيرها إنّما هو في مالكيّة الغير بنحو الطوليّة في الثاني دون الأوّل.

الرابع: عموم الأنفال، لشمولها لها عرفا، بناء على أنّ المقصود منها هو ما يكون زائدا في الاعتبارات- المبنيّ عليها الاجتماع- عن الأسباب الموجبة للاختصاص بخصوص أشخاص خاصّة أو جهة خاصّة، كالأوقاف و المساجد و المدارس و الخانات.

و يؤيّد العموم المذكور خبر أبان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

في الرجل يموت و لا وارث له و لا مولى، قال:

«هو من أهل هذه الآية يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ» «2».

بناء على ظهور كون ذلك في مقام الاستدلال، و لا وجه لملاك الاستدلال إلّا عدم صاحب للمال الذي ترك منه.

و ما في المستمسك من الإيراد على ذلك بأنّ مقتضى مرسل حمّاد المتقدّم «3» «و كلّ أرض ميتة لا ربّ لها» يقيّد ما يدلّ على أنّ مطلق ما لا ربّ‌

______________________________
(1) سورة الأحزاب: 6.

(2) الوسائل: ج 6 ص 369 ح 14 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(3) في ص 657.

674
کتاب الخمس (للحائري)

حكم الأرض المحياة بإحياء شخص خاص ثم أعرض عنها ص 675

[حكم الأرض المحياة بإحياء شخص خاصّ ثمّ أعرض عنها]

و في حكمها الأرض المحياة بإحياء شخص خاصّ ثمّ أعرض عنها (1). و يمكن أن يقال بتملّكها بالحيازة الخارجيّة من إحاطتها بحائط أو بالتحجير أو غير ذلك ممّا يعدّ في العرف أنّه استولى عليها خارجا لها للإمام عليه السّلام «1».

ففيه أوّلا: أنّه لا يبقى لهذا القيد ظهور بعد ذكر الآجام الّتي هي من الأراضي العامرة بالأصالة.

و ثانيا: أنّ الميتة واردة مورد الغالب، لأنّ أكثر مصاديق الأرض الّتي لا ربّ لها هي الموات منها، فكأنّه قال: كلّ أرض لا ربّ لها كالموات.

و ثالثا: أنّه يكفي في ذلك بعض النكات، فإنّه لو قال: «و كلّ أرض لا ربّ لها» لعلّه يوهم أنّ المقصود ما يصلح أن يكون لها ربّ و لا ربّ لها، كالأرض الّتي لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، الظاهرة في ما كان محلّا لإيجاف الخيل و الركاب لكن أخذت بغير ذلك، فلا يشمل الموات بالأصالة الّتي ليست تحت يد أحد حتّى يوجف عليها بالخيل و الركاب. و عليه فيمكن أن لا يشمل الموات لتلك النكتة أو يتوهّم عدم الشمول، و هذا يكفي في صحّة الذكر، كما لا يخفى، فذكر الأمرين يدلّ على المقصود مع بيان العلّة، كأنّه قال: و كلّ أرض ميتة، لأنّه لا ربّ لها.

و أمّا ما في الجواهر من تماميّة المسألة من حيث الدليل إلّا أنّ الأصحاب لم يتعرّضوا لذلك «2»، فهو مناف لما في مكاسب الشيخ الأنصاريّ من نقل الإجماع من التذكرة و عدم نقل الخلاف من غيره في العامرة من غير معمّر «3».

فإنّها للإمام عليه السّلام، للأدلّة الثلاثة المتقدّمة: من موثّق إسحاق بن عمّار و غيره المتقدّمين، «4» و أدلّة كون الأرض كلّها للإمام «5»، و عموم الأنفال.

______________________________
(1) المستمسك: ج 9 ص 601.

(2) الجواهر: ج 16 ص 120.

(3) المكاسب: ص 161.

(4) في ص 673.

(5) الكافي: ج 1 ص 407 باب أنّ الأرض كلّها للإمام عليه السّلام.

675
کتاب الخمس (للحائري)

حكم الأرض المحياة بإحياء شخص خاص ثم أعرض عنها ص 675

بأن عمل فيها عملا يدلّ على الحيازة (1)، و يمكن التمسّك لذلك بوجوه:

منها: ما في المستدرك عن عوالي اللآلئ:

«من سبق إلى ما لا يسبقه إليه المسلم فهو أحقّ به» «1».

و هو الذي استدلّ به الشيخ الأنصاريّ قدّس سرّه في مكاسبه «2».

و قد أورد عليه بوجوه:

الأوّل: ما في تعليق المحقّق الخراسانيّ من أنّه سيق لبيان أحقّيّة السابق لا لبيان جواز السبقة «3».

و فيه: أنّ أحقّيّة السابق مع فرض جواز السبق ضروريّ بحسب ارتكاز العقلاء و مستلزم للتقييد على فرض جواز السبق المجهول، فالظاهر أنّه لا شبهة في إطلاقه و دلالته على أنّ من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم- سواء فرض أصل جواز السبق أم لم يفرض- فهو أحقّ، فيدلّ على الجواز و أحقّيّته به من غيره، سواء أراد الغير حيازته أو التصرّف فيه بأنحاء التصرّفات.

الثاني: أنّ الأحقّيّة غير الملكيّة.

و فيه: وضوح أنّ الأحقّيّة المطلقة من جميع الجهات هي ملازمة للملكيّة، أو هي عين الملكيّة بناء على إنكار الاعتباريّات أي الجعليّات الصرفة باعتبار الآثار كما هو الأصحّ عندنا. هذا، مع أنّ «الحقّ» ليس شي‌ء وراء الملكيّة فإنّه مرتبة منها، إلّا أنّ الأكثر استعمال كلمة «الحقّ» في مالكيّة الأعمال، كالفسخ و العمل المشترط عليه و العمل المورد للاستيجار، بخلاف كلمة «الملك» فإنّ الظاهر استعماله في الأعمّ.

______________________________
(1) المستدرك: ج 17 ص 111 ح 4 من ب 1 من أبواب إحياء الموات.

(2) ص 163.

(3) تعليقة المحقّق الخراسانيّ على المكاسب: ص 105.

676
کتاب الخمس (للحائري)

حكم الأرض المحياة بإحياء شخص خاص ثم أعرض عنها ص 675

..........

الثالث: أنّ موضوع الأحقّيّة هو عدم كونه ملكا للغير قبل ذلك، و قد تقدّم أنّ العامرة بالأصالة ملك للإمام عليه السّلام.

و فيه أوّلا: أنّ مقتضى العموم أنّ السبق إلى ما لم تحصل ملكيّته بالسبق إليه من نفسه أو من مورّثه موجب للملكيّة و لو كان ملكا لغيره سابقا.

و ثانيا: أنّه لا بدّ أن يكون المقصود ملكيّة غير الإمام، و إلّا فهو مالك لجميع الأراضي بل لجميع الموجودات الأرضيّة، لقوله تعالى: «النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ «1»، فإذا كان مالكا لأملاك المسلمين و لنفوسهم فهو أولى بمالكيّته للموات و العامرة بالأصالة و المياه و الأنهار العظيمة، فهو بمنزلة «من أحيا أرضا ميتة فهي له» «2».

و ثالثا: أنّ ملكيّة الناس بالأسباب المختلفة- من الإحياء و الحيازة- في طول ملكيّة الإمام عليه السّلام أي في فرض صرف نظره عن التصرّف فيه من الانتفاع و البيع و الشراء، فملكيّته للحائز أو المحيي بمعنى عدم جواز تصرّف غيره فيه مع بقاء اختيار الإمام عليه السّلام على ما هو عليه قبل ذلك، و لا نعني بالملكيّة إلّا ذلك، و اجتماع مالكين على مال واحد بالطوليّة متصوّر و لو في غير الإمام، بأن يشتري اثنان شي‌ء بذلك النحو، و هذا كالترتّب في التكليفيّات، فافهم و تأمّل فإنّه نافع.

و ينحلّ بذلك ما دلّ على أنّ الأرض كلّها للإمام المطابق للآية الشريفة النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «أ لست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا:

بلى» «3» و المطابق للعقل و الوجدان السليم، فإنّ الحكومات الإلهيّة كالحكومات‌

______________________________
(1) سورة الأحزاب: 6.

(2) المستدرك: ج 17 ص 111 ح 1 من ب 1 من أبواب إحياء الموات.

(3) البحار: ج 37 ص 118 ح 7 من ب 52 في أخبار الغدير.

677
کتاب الخمس (للحائري)

حكم الأرض المحياة بإحياء شخص خاص ثم أعرض عنها ص 675

..........

المادّيّة محتاجة إلى أخذ أموال الناس للمصالح العامّة أو للمصالح الإلهيّة و لو لم يكن نفعها راجعا إلى العموم. هذا.

و لكن السند غير واضح و إن نسبه في الجواهر إلى بعض كتب الأصحاب و نقله عن أبي داود- و في الإسعاد أنّه صحّحه الصابي- إلّا أنّ فيه:

«من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له» «1».

و منها: ما في المستدرك عن سمرة أيضا:

«من أحاط حائطا على أرض فهي له» «2».

وجه الاستدلال عدم الخصوصيّة للحائط، بل المقصود إيجاد ما يكون حيازة عرفا، لكنّ السند غير واضح.

و منها: خبر السكونيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«من غرس شجرا أو حفر واديا بديّا لم يسبقه إليه أحد أو أحيا أرضا ميتة فهي له.» «3».

و ظهوره من باب كون الأوّلين في قبال الإحياء، فالمقصود أنّه لو عمل عملا في الأرض العامرة أيضا بزيادة الإحياء فالأرض له، و دلالته على الملكيّة بالحيازة مبنيّة على أنّ ذلك من باب المثال.

و قد استدلّ به في تعليق الأصفهانيّ قدّس سرّه على الملكيّة بزيادة الإحياء و أنّه لا يدلّ على مملّكيّة الحيازة «4».

و الظاهر أنّ ذلك من باب المثال فيمكن التمسّك به لمملّكيّة الحيازة أيضا.

______________________________
(1) الجواهر: ج 38 ص 57.

(2) المستدرك: ج 17 ص 111 ح 3 من ب 1 من أبواب إحياء الموات.

(3) الوسائل: ج 17 ص 328 الباب 2 من أبواب إحياء الموات.

(4) تعليقة المحقّق الأصفهانيّ: ج 1 ص 243.

678
کتاب الخمس (للحائري)

حكم الأرض المحياة بإحياء شخص خاص ثم أعرض عنها ص 675

..........

لكن فيه: أنّ رجوع ضمير «هي» إلى الأرض غير معلوم بل الظاهر رجوعه إلى الأعمّ من الأرض الميتة و الشجر المغروس و مجرى القناة، لا الأرض الواقع فيها ذلك.

و منها: ما ورد في الصحيح:

«و أيّما قوم أحيوا شي‌ء من الأرض أو عملوه فهم أحقّ بها» «1».

و في الصحيح الآخر عن أبي جعفر عليه السّلام:

«أيّما قوم أحيوا شي‌ء من الأرض أو عمروها فهم أحقّ بها» «2».

فيدلّ على أنّ التعمير في العامرة بالأصالة بزيادة الإحياء و تنظيم الأرض و الأشجار أيضا مملّك، فلا بدّ من إلقاء الخصوصيّة و أنّ المقصود بذلك الحيازة.

و هذا بخلاف الصحيح الأوّل المضمر غير المضرّ إضماره.

و منها: أنّ الحيازة الخارجيّة بقصد التملّك من المملّكات العقلائيّة بالنسبة إلى ما ليس ملكا لغيره، و العامرة بالأصالة كالموات- في رتبة صرف النظر عن ملكيّة الإمام عليه السّلام- لا تكون ملكا لغيره، فهي مملّكة لم يردع عنها الشارع، بل عدم الردع يكشف عن الإعراض و الإذن، فافهم و تأمّل في تلك الوجوه الخمسة، و العمدة هي الوجهان الأخيران، و اللّه المتعالي هو العالم.

ثمّ إنّ الحكم بملكيّة العامرة بالأصالة بالحيازة الّتي منها التحجير لا ينافي عدم حصول الملكيّة بتحجير الموات، المبنيّ على الإجماع- كما نقل في الجواهر «3»-

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 326 ح 1 من ب 1 من أبواب إحياء الموات.

(2) الوسائل: ج 17 ص 326 ح 3 من ب 1 من أبواب إحياء الموات.

(3) ج 38 ص 56.

679
کتاب الخمس (للحائري)

و من أفراد المحياة بالأصالة الآجام ص 680

بشرط أن لا يكون حريما لملك غيره (1).

[و من أفراد المحياة بالأصالة: الآجام]

و منها: الآجام (2).

و من الموات: بطون الأودية و رءوس الجبال.

المبنيّ ظاهرا على عدم جواز تعطيل الأرض المستفاد من بعض الأخبار، فإنّ المفروض في المقام كون الأرض عامرة بالأصالة.

و يمكن الاستدلال على عدم حصول الملكيّة في الموات بالتحجير بما في صحيح ابن وهب: «فإنّ الأرض للّه و لمن عمرها» «1» و بقوله صلّى اللّه عليه و آله: «من أحيا أرضا مواتا فهي له» كما في صحيح زرارة «2» الدالّ على أنّ المملّك هو الإحياء، لا العمل الذي هو شروع في الإحياء و دليل على نيّة الإحياء، و التحجير من هذا القبيل، فالجمع بينه و بين أدلّة الحيازة هو ثبوت ما أمكن من الحقّ و هو حقّ الأولويّة، فافهم و تأمّل.

فإنّ الحريم عرفيّ قد نبّه عليه الشارع في موارد عديدة، فهو ليس ممّا لم يسبق إليه أحد حتّى يشمله دليل الحيازة. و من ذلك أطراف البحر الذي قد صار في حيازة قوم، فيكونون محتاجين إليها للركوب و الخروج و محلّ الأحمال و الأثقال.

أي من أفراد المحياة بالأصالة غالبا الآجام الّتي من الأرض الملتفّة بالأشجار، سواء كانت قصبا أو غير قصب، فما عن الروضة و الرياض: «أنّها الأرض المملوّة من القصب و نحوه» لا ينافي ما ذكروه في اللغة (كما في لسان العرب و عن المصباح المنير و القاموس)، لأنّ كلمة «نحوه» يشمل جميع الأشجار‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 328 ح 1 من ب 3 من أبواب إحياء الموات.

(2) المصدر: ص 327 ح 6 من ب 1.

680
کتاب الخمس (للحائري)

و من الموات بطون الأودية و رءوس الجبال ص 680

و لعلّ استقلال تلك الثلاثة بالذكر في كتب الفقهاء تبعا للروايات لبعض النكات (1).

و ليس خصوص الأشجار كما أنّه ليس خصوص الأرض، فما في بعض كتب اللغة من «أنّها الشجر الملتفّ» و في بعضها الآخر «إنّها منبت الشجر» كلّ ذلك من باب شرح الاسم و تبديل لفظ بلفظ آخر أوضح، و الشاهد على ذلك العلم بترادفها للفظة «جنگل» و «بيشه» بالفارسيّة كما في بعض كتب الأصحاب، مضافا إلى أنّ الغابة أيضا مرادفة للأجمة كما في اللغة، فلو كان المقصود خصوص الأرض أو خصوص الأشجار فالمجموع المورد للابتلاء- كما في مثل البساتين و الروضات و الحدائق- لا اسم له و هو مقطوع العدم، فالمجموع للإمام عليه السّلام القابل للتملّك بالحيازة بالشرط المتقدّم.

أمّا الآجام فلبيان أنّه لا تنحصر الأنفال بالموات بل تشمل العامرة بالأصالة. و أمّا رءوس الجبال و بطون الأودية فلدفع توهّم الملكيّة بالتبعيّة أي توهّم أنّه لو أحدث مثلا شخص قرية في أطراف الجبل فيملك حتّى قلّته فلا يجوز لغيره التصرّف و البناء. و كذا الكلام في بطون الأودية.

ثمّ إنّ المقصود من بطون الأودية ليس ما في بطن الأرض من المعادن، لورود اللفظين في خبر داود بن فرقد:

قلت: و ما الأنفال؟ قال: «بطون الأودية و رءوس الجبال و الآجام و المعادن.» «1».

بل الظاهر أنّ المقصود ما ينتهي إليه الجبل من الجانبين، فعن المصباح المنير هو المنفرج بين الجبال أو الآكام يكون منفذ السيل.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 372 ح 32 من ب 1 من أبواب الأنفال.

681
کتاب الخمس (للحائري)

إذا فتحت دار الحرب فالقطائع و الصفايا التي كانت لسلطانهم فهي للإمام عليه السلام إذا لم تكن مغصوبة ص 682

[إذا فتحت دار الحرب فالقطائع و الصفايا الّتي كانت لسلطانهم فهي للإمام عليه السّلام إذا لم تكن مغصوبة]

و إذا فتحت دار الحرب فما كان لسلطانهم من قطائع و صفايا فهو للإمام عليه السّلام (1).

و يدلّ على كون ذلك من الأنفال- مضافا إلى ما تقدّم من صدق الأنفال عليها و أنّ الأرض و ما فيها للإمام و إنّما تملك بالحيازة و الإحياء و التعمير- غير واحد من الروايات:

ففي مرسل حمّاد المعتبر: «و له رءوس الجبال و بطون الأودية و الآجام» «1»، و في صحيح البختريّ: «و بطون الأودية» «2»، و في معتبر محمّد بن مسلم: «أو بطون أو دية» «3»، و في المنقول عن المقنعة عن محمّد بن مسلم: «و بطون الأودية و رءوس الجبال» «4»، و في خبر أبي بصير: «المعادن و الآجام» «5»، و في خبر داود بن فرقد: «بطون الأودية و رءوس الجبال و الآجام» «6».

و لا خلاف في ذلك ظاهرا كما في خمس الشيخ الأنصاريّ «7»، و لم ينقل عن أحد في أصل ذلك خلافا في الجواهر «8». نعم، وقع بعض الخلاف في بعض الفروع الذي لا يهمّنا ذكره، لوضوح ذلك عند من يحيط خبرا بما قدّمناه و حرّرناه بحمده و توفيقه و عنايته.

في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه «9».

و في خمس المامقانيّ قدّس سرّه نقل ما في عبارة الجواهر- الذي ذكرناه في المتن- من الشيخين و ابن حمزة في الوسيلة و سائر من تأخّر، و عن المنتهى‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 365 ح 4 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(2) المصدر: ص 364 ح 1.

(3) المصدر: ص 368 ح 12.

(4) المصدر: ص 371 ح 22.

(5) المصدر: ص 372 ح 28.

(6) المصدر: ص 372 ح 32.

(7) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ: ص 354.

(8) ج 16 ص 121.

(9) الجواهر: ج 16 ص 123.

682
کتاب الخمس (للحائري)

إذا فتحت دار الحرب فالقطائع و الصفايا التي كانت لسلطانهم فهي للإمام عليه السلام إذا لم تكن مغصوبة ص 682

..........

الإجماع عليه «1».

أقول: و يدلّ عليه مصحّح داود بن فرقد، و فيه: «قطائع الملوك كلّها للإمام» «2».

و عنه أيضا في المرسل: «و قطائع الملوك» «3» إلّا أنّه في المرسل جعلها من الأنفال بحسب الظاهر. هذا بالنسبة إلى القطائع.

و أمّا الصفايا ففي مرسل حمّاد المعتبر:

«و له صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب، لأنّ الغصب كلّه مردود» «4».

و في موثّق سماعة:

«أو شي‌ء يكون للملوك فهو خاصّ للإمام» «5».

و في موثّق إسحاق:

«و ما كان للملوك فهو للإمام» «6».

و عن الثماليّ:

«ما كان للملوك فهو للإمام» «7».

فذلك في الجملة ممّا لا شبهة فيه.

و محلّ الإشكال و الكلام موارد لم تذكر في كلمات الأصحاب أو لم تحرّر:

منها: ما في الجواهر و غيرها من أنّ المراد بالقطائع هو الأراضي الّتي هي ملك‌

______________________________
(1) هداية الأنام في حكم أموال الإمام «خمس المامقانيّ»: ص 35.

(2) الوسائل: ج 6 ص 366 ح 6 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(3) المصدر: ص 372 ح 32.

(4) المصدر: ص 365 ح 4.

(5) المصدر: 367 ح 8.

(6) المصدر: ص 371 ح 20.

(7) المصدر: ص 372 ح 31.

683
کتاب الخمس (للحائري)

إذا فتحت دار الحرب فالقطائع و الصفايا التي كانت لسلطانهم فهي للإمام عليه السلام إذا لم تكن مغصوبة ص 682

..........

للملوك «1».

و هو غير واضح، لأنّ المستفاد من اللغة أنّ القطائع جمع قطيعة، و المستفاد من موارد استعمال القطيعة أنّها هي الأراضي المشتركة الّتي يحصل فيها نوع اختصاص بالتعيين من وليّ الأمر، ففي القاموس:

القطيعة: ما يقطع من أرض الخراج، جمعها: قطائع.

و قطيعة بغداد: محلّة أقطعها المنصور لأناس من أعيان دولته ليسكنوها.

و حينئذ قد يحتمل أن يكون المقصود ما أقطعه السلطان من الأراضي الّتي يؤخذ منها الخراج لنفسه، و قد يحتمل أن يكون الإضافة إلى السلطان في خبري داود بن فرقد هي الإضافة إلى الفاعل أي القطائع الّتي أقطعها السلطان لبعض الأشخاص أو لقسمة من الجنود، كما ربما يومئ إلى ذلك خبر الثماليّ عن أبي جعفر عليه السّلام:

سمعته يقول في الملوك الّذين يقطعون الناس، قال: «هو من الفي‌ء و الأنفال و أشباه ذلك» «2».

و الاحتمال الثالث أن يكون أعمّ، باستعمال الإضافة في الأمرين أو في الإضافة الفاعليّة أعمّ من أن يكون لنفسه أو لغيره، و هو الأوفق بالإطلاق و الملاك و هو كون ذلك من الأنفال، إذ لا فرق بين ما يقطعه لنفسه أو لغيره.

و منها: أنّ صريح الجواهر أنّ الصفايا و القطائع من الأنفال «3».

و هو عندي غير معلوم، لأنّ المراد من الأنفال بحسب الظاهر ليس جميع‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 123.

(2) الوسائل: ج 6 ص 372 ح 30 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(3) الجواهر: ج 16 ص 123.

684
کتاب الخمس (للحائري)

إذا فتحت دار الحرب فالقطائع و الصفايا التي كانت لسلطانهم فهي للإمام عليه السلام إذا لم تكن مغصوبة ص 682

..........

أموال الإمام بل ما يكون نفلا في قبال الفرائض، و كاد أن يكون ذلك صريح الآية الشريفة يعني قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ. «1»، فإنّه لو كان الأنفال ما كان للّه و للرسول فالقضيّة ضروريّة، إلّا أن يكون المقصود هو السؤال عن معنى الأنفال، و هو خلاف الظاهر جدّا. و ليس في رواية داود بن فرقد الصحيحة أنّ القطائع من الأنفال، و الثاني مرسل، و الظاهر وحدة الرواية، إلّا أن يقال: إنّ المراد من القطائع هي الأموال الّتي أخذها السلطان لنفسه أو لغيره فليس ممّا يبتني عليه اقتصاد مملكته، لأنّه ليست بأيديهم بل يأكل منها السلطان أو أعوانه من دون أن يكون اجرة لأعمالهم بل من باب التسلّط. و حينئذ يبقى إشكال عدّ الصفايا من الأنفال و عدّ مطلق أرض السلطان منها، بناء على كون القطائع من الأنفال، إذ لا فرق بين ملك الإمام و ملك سائر الناس في حصول ذلك بالحرب و التعب.

و الحاصل أنّ عدّ الصفايا و مطلق أراضي الملك من الأنفال محلّ إشكال، فالإشكال في القطائع على ظاهر الأصحاب من وجهين: أحدهما تفسيرها بمطلق الأراضي. ثانيهما عدّ مطلق ذلك من الأنفال، و الإشكال في الصفايا من وجه واحد و هو عدّها من الأنفال. و أمّا على ما ذكرناه في معنى دليل القطائع- و لعلّه مراد الأصحاب رضوان اللّه عليهم- فالظاهر تطابقها للّغة و كونها من الأنفال، فإنّها من الأموال الّتي يأكل منها أناس بالتسلّط و الجبر من دون أن تكون اجرة، و لعمري إنّ ذلك أيضا يؤيّد عدم كون القطائع مطلق أراضي الملك حتّى المملوك الموروث من أبيه.

و منها: أنّه قد يقال: إنّ ما للإمام لا يختصّ بالصوافي كما في الجواهر، بل كلّ‌

______________________________
(1) سورة الأنفال: 1.

685
کتاب الخمس (للحائري)

إذا فتحت دار الحرب فالقطائع و الصفايا التي كانت لسلطانهم فهي للإمام عليه السلام إذا لم تكن مغصوبة ص 682

إذا لم تكن مغصوبة من مسلم أو معاهد ممّن كان محترم المال (1).

ما كان للملك- كما تقدّم في بعض الروايات- ممّا كان المقصود به الاقتناء، نقل ذلك عن المدارك و لكن اختار نفسه اختصاصه بالصفايا، قال: لأنّه المنساق من الأخبار السابقة المعاضدة للأصل «1».

أقول: إن أخذ بالإطلاق فلا وجه للتقييد بما كان معتادا للاقتناء كما عن المدارك، و إن قيّد الإطلاق بما في مرسل حمّاد المعتبر من قوله: «و له صوافي الملوك» فلا وجه لذلك بل لا بدّ من القول بمقالة سائر الأصحاب، فما في المدارك غير منطبق على الدليل على كلا الفرضين، و أمّا ما في الجواهر فلم يعلم وجهه.

لكنّ الذي يصل إليه النظر أن يكون المراد ب‍ «ما للملوك» ما يكون نوعا لنوع الملوك خاصّة، فالعامّ مجموعيّ بحسب النوع- كأن يقال: ألبسه الرجال للرجال و تحرم على النساء- فينطبق على الصوافي بل كان أضيق منها، فيحكم بمطلق الصوافي لمرسل حمّاد المعتبر، و إلّا فلا وجه لانسياق خصوص الصوافي من جملة «ما للملوك فهو للإمام».

كما في الشرائع «2» و الجواهر من غير نقل خلاف في ذلك «3»، و هو الذي نقله المامقانيّ قدّس سرّه عن الشيخين و الفاضلين و الشهيدين و سائر من تأخّر عنهم، و في المنتهى الإجماع عليه «4».

و يدلّ على ذلك مرسل حمّاد المعتبر المتقدّم «5» صريحا، و هو الذي يدخل في منصرف «ما كان للملوك» و لو لم تكن تلك الإضافة إضافة مالكيّة، إلّا أنّ‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 124.

(2) ج 1 ص 137.

(3) الجواهر: ج 16 ص 124.

(4) هداية الأنام في حكم أموال الإمام: ص 35.

(5) تقدم في ص 682.

686
کتاب الخمس (للحائري)

إذا فتحت دار الحرب فالقطائع و الصفايا التي كانت لسلطانهم فهي للإمام عليه السلام إذا لم تكن مغصوبة ص 682

..........

المنصرف إليه المالكيّة، فتأمّل.

و هذا ممّا لا إشكال فيه بالنسبة إلى المغصوب من المحترم ماله، إنّما الإشكال في ما إذا كان مغصوبا من غير محترم المال، و هو أيضا لا إشكال فيه من حيث عدم ردّه إلى صاحبه المفروض عدم احترام ماله، فالأمر يدور بين كونه غنيمة للمسلمين أو كونه للإمام. وجه الأوّل أنّه ليس مملوكا له قطعا بل أخذ على وجه الغصب و لو من كافر حربيّ آخر. و وجه الثاني إطلاق دليل أنّ «ما كان للملوك فهو للإمام»، إلّا أن يشكل في ذلك، فالإشكال يقوى حينئذ من ناحيتين: من ناحية مرسل حمّاد المعتبر المقيّد بكونه على غير وجه الغصب، و من ناحية عدم شمول سائر الأدلّة، فإنّه ليس ملكا للملوك حتّى يدخل في ملك الإمام عليه السّلام.

إن قلت: لا بدّ من حمل ما تقدّم على المغصوب من محترم المال، فإنّ نوع أموال السلاطين غصب من معلوم أو غير معلوم، فلو حمل ما دلّ على أنّ «ما للملوك فهو للإمام» على ما يملكه السلطان على النحو الصحيح المشروع لزم حمل ذلك على الفرد النادر.

قلت: تبديل الأموال المغصوبة بالمعاملات الذمّيّة- خصوصا مع طول تاريخ السرير للسلاطين- موجب لرفع ذلك الإشكال، فالظاهر حلّيّة نوع أموالهم، إذ ليس نوعها عين أموال الناس. هذا.

و يمكن دفع الإشكال بأنّ المستفاد من التعليل استثناء المغصوب من باب أنّه مردود، فكلّ ما كان غير مردود ممّا يكون في يد السلطان فهو للإمام، و المفروض غير مردود إلى صاحبه الحربيّ، و أمّا المردوديّة إلى سائر المسلمين من باب الغنيمة فهي غير مرادة أصلا، لأنّ ماله الحلال أيضا مردود مع قطع النظر عن هذا الحكم، فالتخصيص يتحقّق على كلّ حال.

687
کتاب الخمس (للحائري)

و للإمام أن يصطفي من الغنيمة ما شاء 1 ص 688

و للإمام أن يصطفي من الغنيمة ما شاء (1).

ثمّ إنّه من الواضح أنّ صيرورة ذلك ملكا لمسلم أسلم بعد ذلك أو صار معاهدا لا يخرجه عن الحكم، فإن أسلم الملك بعد ذلك أو أسلم من كان المال مغصوبا منه بعد ذلك فلا يخرج بذلك عن ملك الإمام كما في الغنائم، و فيها أيضا لا بدّ من الشرط المذكور، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ فائدة هذه الأبحاث- مضافا إلى تعلّم أحكام الإسلام الذي فيه بركة و نورانيّة- يمكن أن تظهر بناء على عموم نيابة الفقيه عن الإمام، و يبحث بعد ذلك عن أنّه هل يختار ذلك لنفسه أو للإمام؟. و يمكن أن تظهر بناء على دلالة أخبار حلّيّة الخراج و الجوائز على إمضاء ما يحقّ لسلاطين العدل بالنسبة إلى سلاطين الجور في مقام ترتيب الأثر عليه من جانب شيعة الأئمّة عليهم السّلام، فلا تغفل.

في الجواهر: عند علمائنا كما في المنتهى «1».

و يدلّ عليه صحيح ربعيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له، ثمّ يقسم ما بقي خمسة أخماس» الحديث «2».

و موثّق أبي الصباح الكنانيّ و فيه:

«لنا الأنفال و لنا صفو المال» «3».

و خبر أبي بصير، قال:

سألته عن صفو المال، قال: «الإمام يأخذ الجارية الروقة و المركب الفاره و السيف القاطع و الدرع قبل أن‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 124.

(2) الوسائل: ج 6 ص 356 ح 3 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 373 ح 2 من ب 2 من أبواب الأنفال.

688
کتاب الخمس (للحائري)

و للإمام أن يصطفي من الغنيمة ما شاء 1 ص 688

..........

تقسم الغنيمة فهذا صفو المال» «1».

و في مرسل حمّاد المعتبر:

«و للإمام صفو المال أن يأخذ من هذه الأموال، صفوها الجارية الفارهة، و الدابّة الفارهة، و الثوب، و المتاع ممّا يحبّ أو يشتهي، فذلك له قبل القسمة» «2».

بيان: الفارهة من الجارية: المليحة، و من الدابّة: جيّد السير. و الروقة: الحسناء، يطلق على المذكّر و المؤنّث و الجمع و المفرد كما في المنجد. و في تعليق مصباح الفقيه عن منتهى الإرب:

إنّ «الفارهة» تقال للبغال و الحمير و لا تقال للفرس بل يقال فرس جواد «3».

و كيف كان، فما ذكر لا إشكال فيه نصّا و فتوى، إنّما الإشكال في مواضع:

الأوّل: أنّه هل هو من الأنفال؟ فيقال:

إن كان مصطلح الفقهاء أنّ كلّ ما للإمام- غير النصف من الخمس- أنفال فلا مشاحّة في الاصطلاح، لكن ظاهر الآية و الرواية غير ذلك، لأنّ الأنفال لا تقال لما يكون اجرة عمل الناس و يكون نتيجة سعيهم أو منافع ملكهم، و ليس الأنفال ما جعله اللّه تعالى للإمام و الرسول زائدا على الخمس، إذ لا معنى حينئذ لقوله تعالى:

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ «4» فإنّه يصير جملة قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ من القضايا الضروريّة، إلّا أن يكون المقصود بالسؤال هو السؤال عن معنى هذا اللفظ، و هذا بعيد من وجوه: منها: عدم معهوديّة السؤال‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 369 ح 15 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(2) المصدر: ص 365 ح 4 من ب 1.

(3) مصباح الفقيه: ج 3 ص 153.

(4) سورة الأنفال: 1.

689
کتاب الخمس (للحائري)

و للإمام أن يصطفي من الغنيمة ما شاء 1 ص 688

..........

اللغويّ عنه صلّى اللّه عليه و آله. و منها: عدم معهوديّة أن يكون جواب اللغة من جانب اللّه تعالى.

و منها: عدم وجود اللفظ المذكور في آية أخرى حتّى يتحرّوا في معناه و يسألوه.

و منها: عدم تناسبه لقوله تعالى بعد ذلك فَاتَّقُوا اللّٰهَ وَ أَصْلِحُوا ذٰاتَ بَيْنِكُمْ.

و منها: عدم استقامة اللفظ المعجز لو كانت القضيّة لفظيّة بأن يكون المقصود أنّ معنى لفظ «الأنفال» ذلك، فإنّه ليس معنى لفظ الأنفال «للّه و الرّسول» بل «ما كان للّه و الرسول» فيحتاج إلى تقدير خال عن النكتة، و هو غير مناسب للكلام الإلهيّ، و على هذا فليس صفو المال من الأنفال، لأنّه ممّا حصل بالحرب و التعب و إن كان ملكا للإمام كنصف الخمس.

و إن قيل: إنّ الغنائم كلّها من الأنفال- بالمعنى الذي ذكر- لأنّها ليست اجرة للعمل بل الجهاد أمر يتسارع إليه للّه تعالى، فهو مدفوع بأنّه خلاف مرتكز العرف، فإنّ بناءهم على أنّ الغنيمة من منافع أعمالهم و إن كانت ملكا له تعالى- كمنافع الدار و البساتين- و هكذا كان بناء عرب الجاهليّة، مع أنّه لو كان كذلك لكانت الغنائم للإمام جميعا، لأنّها من الأنفال.

و ما ذكرناه مطابق لموثّق الكنانيّ المتقدّم «1» حيث إنّه ظاهر في التغاير، و هو الظاهر من مرسل حمّاد حيث ذكر أوّلا صفو المال ثمّ قال عليه السّلام بعد ذلك و بعد فرض القسمة و التخميس: «و له بعد الخمس الأنفال» «2».

و أمّا الثمرة فغير ظاهرة بالنسبة إلى عملنا، لكن يمكن أن يكون حكم الأنفال القسمة على اليتامى و المساكين و ذي القربى كما ربما يشير إلى ذلك في سورة‌

______________________________
(1) في ص 688.

(2) الوسائل: ج 6 ص 365 ح 4 من ب 1 من أبواب الأنفال.

690
کتاب الخمس (للحائري)

و ما يغنمه المقاتلون بغير إذن الإمام فهو له 1 ص 691

و ما يغنمه المقاتلون بغير إذن الإمام فهو له (1).

الحشر «1»، و هذا بخلاف مثل صفو المال.

الثاني: يتصوّر كون صفو المال له عليه السّلام على وجوه: الأوّل أن يكون ذلك غير ما يقدّر له من سهم المقاتلين، فإنّه مقاتل إمّا بالتسبيب أو بالمباشرة و التسبيب.

الثاني أن يكون ذلك زائدا على سهمه. الثالث أن لا يكون له سهم في ذلك غير أخذ صفو المال، إلّا أن يكون مقاتلا بالمباشرة و لم يكن في البين صفو المال.

ظاهرهم الثاني لكن يحتمل الثالث أيضا.

الثالث: في الجواهر عن المدارك:

إنّه لو كان جميع الغنيمة من الصفو كان له أخذها «2».

و فيه: أنّ الظاهر أو الصريح من صفو المال صفو أموال الغنيمة، لا صفو مطلق الأموال الموجودة في العالم، و إلّا ففي كثير من الأوقات لا يكون فيها صفو بالنسبة إلى مطلق الأموال، و حينئذ لا يمكن أن يكون جميع الغنيمة صفوا.

الرابع: الظاهر أنّ الموضوع صفو جميع المال لا صفو كلّ نوع، فلو كان بعض الغنيمة مقدارا كثيرا من كرباس و كان بعضه أحسن من بعض آخر و الأحسن من الكلّ الجارية أو الجواد أو الدرع يستحقّ ذلك. و حينئذ فلو كان كلّ فرد اغتنم من النوع الواحد يكون صفوا بالنسبة إلى الجميع فله أخذ ذلك، كأن يكون لنوع الجارية أفراد يكون كلّها حسنا وصفوا بالنسبة إلى مجموع المال، و مقتضى ذلك أن لا يستحقّ إن لم يكن صفو في المال أصلا بأن كان جميع المال من غير المرغوب أو كان جميعه مرغوبا وصفوا بالنسبة إلى الأموال على وجه العموم، و لا بدّ من التأمّل في جميع ذلك.

في الجواهر:

______________________________
(1) سورة الحشر: 7.

(2) الجواهر: ج 16 ص 125.

691
کتاب الخمس (للحائري)

و ما يغنمه المقاتلون بغير إذن الإمام فهو له 1 ص 691

..........

على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا. و في التنقيح: نسبته إلى عمل الأصحاب، و في الروضة: نفي الخلاف عنه، و في المسالك: إنّ المعروف من المذهب مضمون المقطوعة- أي مرسل الورّاق الآتي إن شاء اللّه تعالى- لا نعلم فيه مخالفا، و عن الحليّ الإجماع عليه، و هو الحجّة. و يظهر من النافع أنّ المحقّق توقّف في الحكم، بل في المنتهى: قوّة قول الشافعيّ من مساواة المأذون لغير المأذون في الحكم، بل في المدارك: إنّه جيّد، لإطلاق الآية الشريفة «1». انتهى ملخّصا.

لكن في خمس الشيخ الأنصاريّ قدّس سرّه:

إنّ العلّامة رجع عمّا في الخمس في موضعين من كتاب الجهاد بل نسبه في المنتهى إلى علمائنا أجمع «2».

أقول: و استدلّ لذلك بخبر العبّاس الورّاق عن رجل سمّاه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام، و إذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس» «3».

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 126 و 127.

(2) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ: ص 363.

(3) الوسائل: ج 6 ص 369 ح 16 من ب 1 من أبواب الأنفال.

692
کتاب الخمس (للحائري)

و ما يغنمه المقاتلون بغير إذن الإمام فهو له 1 ص 691

..........

و إشكال الإرسال في الرواية مندفع بعمل الأصحاب به و الفتوى على طبقه، خصوصا في قبال إطلاق الآية الشريفة، و لا سيّما مع ما تقدّم عن الشهيد قدّس سرّه من أنّ المعروف بين الأصحاب مضمون المقطوعة، لا سيّما مع خفاء دلالة الرواية الآتية جدّا، و لا بدّ من تقريب دلالته على وجه دقيق ربما غفل عنه مثل الشيخ الأنصاريّ قدّس سرّه، و إن كان لا يتمّ دلالته مع ذلك أيضا كما سنوضحه إن شاء اللّه، مع أنّ الأنصاريّ قدّس سرّه، و إن كان لا يتمّ دلالته مع ذلك أيضا كما سنوضحه إن شاء اللّه، مع أنّ الإرسال من مثل الورّاق الموثّق (الذي نقل عنه المشايخ- كابن محبوب و سعد و ابن عيسى- عن رجل سمّاه الدالّ على معرفته له) لعلّه غير مضرّ، إنّما الإشكال في باقي السند و لا بدّ من التأمّل فيه، إذ لم يعرف حسن بن أحمد بن يسار أو بشار أو الوشّاء و أنّه هل هو حسن بن بشار أو حسين بن بشار أو هو شخص بالاسم الأوّل غيرهما، و لم يعرف يعقوب أيضا. و أوكلنا ذلك إلى الآخرين، و ذلك لانجبار الضعف- إن كان- بعمل الأصحاب و الفتوى على طبقه من غير إنكار واضح إلّا من المدارك، و هو شاذّ مسبوق بالإجماع و العمل.

و استدلّ أيضا بحسن معاوية أو صحيحه، قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف يقسم؟ قال: «إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أخرج منها الخمس للّه و للرسول و قسم بينهم ثلاثة أخماس، و إن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ» «1».

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 365 ح 3 من ب 1 من أبواب الأنفال.

693
کتاب الخمس (للحائري)

و ما يغنمه المقاتلون بغير إذن الإمام فهو له 1 ص 691

..........

و فيه إشكال من وجوه:

الأوّل: اختلال المتن، لأنّ الباقي بعد إخراج الخمس يصير أربعة أخماس لا ثلاثة أخماس.

و الجواب عنه بوجوه:

الأوّل: أنّ نسخ الكافي مختلفة، ففي الكافي المطبوع أخيرا بطهران: «أربعة أخماس»، و ينقل عن الكافي المطبوع قبله أنّه كذلك أيضا، و في الوسائل «1» في الباب الحادي و الأربعين من جهاد العدوّ أيضا كذلك، لكن في الوافي و المنقول عن المرآة: «ثلاثة أخماس» من دون احتمال السهو منهما، فإنّه في الأوّل نقل حديثا آخر ظاهرا في أنّ الخمسين للّه و للرسول و للباقي ثلاثة أقسام، و نقل هذا الخبر أيضا و قال: إنّهما من الشواذّ، و في المنقول عن الثاني ما يقرب من ذلك و أنّه يحتمل الحمل على التقيّة «2».

الثاني: ما ظهر من الأوّل من احتمال أن يكون المقصود من قوله: «أخرج منها الخمس» أي خمسا للّه و خمسا آخر للرسول فيستقيم اللفظ. لكنّه خلاف الضرورة، فيحمل على بعض المحامل أو الاشتباه من الكلّ في ذلك على فرض اتّفاق النسخ.

الثالث: أنّ عدم العمل أو وقوع السهو في بعض الجملات لا يوجب رفع اليد عن الباقي، و الظاهر هو الاشتباه في النقل من بعض الكتّاب، كما أنّ المظنون في الخبر الآخر الذي في الوافي، قال:

سألته عن الغنيمة، فقال: «يخرج منه خمس للّه‌

______________________________
(1) ج 11 ص 84 ح 1.

(2) الوافي: ج 15 ص 126 و مرآة العقول: ج 18 ص 380.

694
کتاب الخمس (للحائري)

و ما يغنمه المقاتلون بغير إذن الإمام فهو له 1 ص 691

..........

و خمس للرسول، و ما بقي قسم بين من قاتل عليه و ولي ذلك» «1».

أنّ بعض الرواة سها، و لعلّه لزيادة التوضيح كرّر المعطوف عليه بتخيّل أنّ مقتضى العطف جواز تكرّر المعطوف عليه، مع إمكان التوجيه بأنّ المقصود هو القسمة من الخمس الّتي للّه و لرسوله. و كيف كان، فلا إشكال في المعتبر من تلك الجهة.

الثاني أنّه:

إن كان الاستدلال به للمطلوب بمنطوق الذيل و هو قوله: «و إن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام» بدعوى «أنّ المقصود منه مفهوم الصدر أي لم يقاتلوا المشركين بالكيفيّة المذكورة- أي مع أمير أمّره الإمام- إمّا بعدم القتال بأن أخذوا الغنائم بالصلح من دون القتال أو مع القتال لكن لا على النحو المذكور في الصدر» فهو مدفوع، لأنّ المفروض في الشقّين أنّ السريّة مبعوثة من جانب الإمام، و لأنّ عدم القتال صريح أو كاد أن يكون صريحا في عدم وقوع القتال، لا في عدم القتال المقيّد.

و إن كان بلحاظ الشرط المذكور في الصدر و هو قوله: «إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام» فحيث إنّ مبعوثيّتها من قبل الإمام مفروضة فالاشتراط ليس للتخصيص قطعا، فليس له مفهوم كما في خمس الشيخ الأنصاريّ قدّس سرّه «2»، و هو أيضا مدفوع بأنّ التقييد بالشرط مع فرض الشرط في الموضوع يكون أظهر في التقييد، لأنّه ليس لبيان تحقّق الموضوع، فإنّ الموضوع مفروض. و ما ذكره من أنّه «ليس للتخصيص قطعا» مدفوع بأنّ المدّعى التخصيص بالنسبة إلى سنخ‌

______________________________
(1) الوافي: ج 15 ص 126 ح 3 من باب كيفيّة قسمة الغنائم.

(2) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ: ص 362.

695
کتاب الخمس (للحائري)

و ما يغنمه المقاتلون بغير إذن الإمام فهو له 1 ص 691

..........

الحكم لا شخص الحكم الملحوظ في القضيّة، كما لا يخفى.

الثالث: ما وصل إليه النظر من أنّ المقصود احتمالا أن يكون بصدد بيان أنّ السريّة المبعوثة على قسمين فقسم يكون تعيين الأمير أيضا من جانب الإمام، و قسم يكون من جانب السريّة المبعوثة- فهم الّذين يعيّنون أميرا لأنفسهم بإذن الإمام و تفويض اختيار ذلك إليهم- فإن كان الأوّل فإخراج الخمس و تقسيم الباقي مفوّض إليه، و مقتضى المفهوم أنّه لو لم يكن كذلك فليس كذلك، و لعلّه لا بدّ أن يؤتى بالغنائم عند الإمام فيأخذ الخمس و يقسم الباقي، و أمّا إذا غنموا بغير القتال فالكلّ للإمام، لأنّها حينئذ من الأنفال كما تقدّم، و هو إيراد وجيه على الاستدلال به للمطلوب و لا مدفع له.

الرابع: أنّ السؤال عن السريّة الّتي يبعثها الإمام عليه السّلام مع عدم مصداق له في عصر الصادق عليه السّلام بعيد جدّا، فيحتمل أن يكون المقصود بالإمام هو الأعمّ من العادل و غيره.

و هذا الإشكال متوجّه على المرسل المتقدّم على نحو أخفّ، لعدم وجوده في السؤال، و أمّا وجه التوجّه فلأنّ الظاهر أنّ الإلقاء في كلام الإمام عليه السّلام بداعي التفهيم للعمل، لا بيان الحكم الذي لا أثر له في الخارج إلّا في زمان ظهور الحقّ.

الخامس: أنّ اصطلاح الإمام في الروايات لم يثبت أنّه غير اصطلاح القرآن الذي أطلق فيه الإمام على الهادي و المضلّ، فهو يكون كالسلطان، فالمقصود أنّه إذا كان الغزو بإذن السلطان ففيه الخمس و إلّا فالكلّ للإمام. و هذا الإشكال أيضا مشترك بين الخبرين.

و الجواب عن ذلك أنّ قوله: «أخرج منها الخمس للّه و للرسول» و قوله: «كان للإمام الخمس» قرينة قطعيّة على أنّ المراد هو المعصوم، و ذكر ذلك من باب بيان‌

696
کتاب الخمس (للحائري)

و ما يغنمه المقاتلون بغير إذن الإمام فهو له 1 ص 691

..........

الحكم الكلّيّ لتعليم الأحكام كما في خبر حمّاد أيضا المرويّ عن العبد الصالح عليه السّلام «1»، فالإشكالان الأخيران مدفوعان.

السادس: مخالفته للقرآن بحيث يلزم التخصيص الكثير في قوله تعالى:

وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ «2» فكما أنّ تخصيص كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيٰامُ كَمٰا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ «3» بزمان ظهور الإمام المعصوم ممّا لا يوافق عليه العرف كذلك تخصيص إطلاق آية الخمس بالنسبة إلى الغنائم.

و هذا أيضا مدفوع بأنّ المقصود من الغنائم لغة و بمقتضى الروايات: مطلق الفوائد، و إخراج غنائم الحرب بالخصوص ليس من هذا القبيل بالنسبة إلى كثير من الأزمنة.

السابع: مخالفة ذلك لمثل حسن الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

في الرجل من أصحابنا في لوائهم و يكون معهم فيصيب غنيمة، قال: «يؤدّي خمسا و يطيب له» «4».

و حمله على كونه مأذونا مع تعريف «الرجل» أو حمله على تحليل الباقي خلاف الظاهر خصوصا الأوّل، و لو كان تحليل فهو أيضا عموميّ بالنسبة إلى جميع الأزمنة، لإلقاء الخصوصيّة.

الثامن: مخالفته لمكاتبة عليّ بن مهزيار، و فيها:

«فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام» إلى أن قال: «فالغنائم و الفوائد يرحمك اللّه» إلى‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 365 ح 4 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(2) سورة الأنفال: 41.

(3) سورة البقرة: 183.

(4) الوسائل: ج 6 ص 340 ح 8 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

697
کتاب الخمس (للحائري)

و ما يغنمه المقاتلون بغير إذن الإمام فهو له 1 ص 691

..........

أن قال: «و مثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله، و مثل مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب، و ما صار إلى مواليّ من أموال الخرّميّة «1» فقد علمت أنّ أموالا عظاما صارت إلى قوم من مواليّ» «2».

و الحمل على المخالف كما عن الحدائق لا يخلو عن العجب بعد وجود قوله:

«من أموال الخرّميّة»، و حصول الإذن مخالف لظاهر قوله «فقد علمت» الدالّ على عدم كونه عليه السّلام مسبوقا بذلك بحسب الظاهر، مع أنّ قوله «و مثل عدوّ يصطلم» مطلق.

التاسع: مخالفته لبعض الأخبار الناصّة على أنّه في حروب الملك العضوض الجبر هو حقّ الإمام في غنائمه، ففي المنقول عن تفسير الإمام عن أمير المؤمنين عليهما السّلام أنّه.

«قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: قد علمت يا رسول اللّه إنّه سيكون بعدك ملك عضوض و جبر فيستولي على خمسي من السبي و الغنائم.» «3».

العاشر: مخالفته لما يستفاد منه الطعن على الخلفاء من منعهم الخمس الذي جعل اللّه لهم، كخبر أبي جميلة عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما السّلام، قال:

«فرض اللّه في الخمس نصيبا لآل محمّد فأبى أبو بكر أن يعطيهم نصيبهم» «4».

______________________________
(1) أي أصحاب التناسخ و الإباحة، كما في القاموس. منه قدّس سرّه.

(2) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 385 ح 20 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(4) الوسائل: ج 6 ص 361 ح 16 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

698
کتاب الخمس (للحائري)

و ما يغنمه المقاتلون بغير إذن الإمام فهو له 1 ص 691

..........

و غير ذلك «1».

الحادي عشر: مخالفته لإطلاق بعض ما ورد في خصوص غنائم الحرب الذي ليس كإطلاق الآية، كخبر أبي بصير:

«كلّ شي‌ء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإنّ لنا خمسه، و لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شي‌ء حتّى يصل إلينا حقّنا» «2».

بل ذيله كاد أن يكون صريحا في وقوع المقاتلة من دون المراجعة إلى الإمام عليه السّلام و تكفّلها بالبعث و التأمير.

الثاني عشر: مخالفته للأخبار المستفيضة الواردة في الأراضي الخراجيّة المصرّحة بأنّها ملك للمسلمين، و مقتضاه أنّ الكلّ ملك للإمام عليه السّلام.

و الجواب عن السابع إلى الأخير- المتوجّه على التفصيل بين وقوع القتال بإذنه عليه السّلام و من دون إذنه- أن يقال: إنّ مقتضى الجمع هو حصول الإذن في الحروب الواقعة مع الكفّار الموجبة لبسط الإسلام و لو كان بيد الفاسق، و الإذن هو الرضا بذلك و ليس للإنشاء خصوصيّة.

لكن ينافي ذلك ما ورد من النصوص الدالّة على تحريم الجهاد مع غير الإمام المفترض طاعته، ففي خبر سويد بن مسلم القلاء عن بشير الدهّان:

«إنّ القتال مع غير الإمام المفترض طاعته حرام مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير» «3».

______________________________
(1) مثل ما في الوسائل: ج 6 ص 357 ح 7 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 339 ح 5 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) الوسائل: ج 11 ص 32 ح 1 من ب 12 من أبواب جهاد العدوّ.

699
کتاب الخمس (للحائري)

و ما يغنمه المقاتلون بغير إذن الإمام فهو له 1 ص 691

..........

و في خبر يونس المرويّ في كتب المشايخ الثلاثة قدّس سرّهم: أنّ السبيل مع هؤلاء لا يجوز، و يردّ السيف و القوس الذي أخذه لذلك «1». فراجع «2».

و يمكن الجواب عن ذلك بأمور:

منها: أنّ المستفاد من بعض تلك الأخبار أنّ الاشتراط هو من باب عدم العمل بما قرّره اللّه تعالى من الأحكام في الجهاد، كما يومئ إلى ذلك خبر أبي بصير:

«لا يخرج المسلم في الجهاد مع من لا يؤمن على الحكم، و لا ينفذ في الفي‌ء أمر اللّه عزّ و جلّ» «3».

و في خبر السمندريّ في وجه عدم جواز الخروج معهم:

«أ رأيتك إن خرجت فأسرت رجلا فأعطيته الأمان و جعلت له من العقد ما جعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للمشركين أ كان يفون لك به؟» قال: قلت: جعلت فداك ما كانوا يفون لي به. قال: «فلا تخرج» «4».

لكن بذلك لا ينحلّ ما تقدّم من دلالة الدليل على أنّ في الغنائم الخارجيّة الّتي كانت في عصر الإمام عليه السّلام الخمس، مضافا إلى عدم دلالة ما ذكر على العلّة المنحصرة، و يفهم من البعض ما ذكره و من البعض الآخر عدم العلم بالمصلحة (سيّما إن كان المراد هو العلم بالواقعيّات و ملاحظة أصلاب الرجال و العواقب الغائبة عن مبادئ العلوم البشريّة المنحصر بالإمام) و هذا كما ربما يومئ إلى ذلك قول الصادق عليه السّلام على ما في خبر عبد الملك:

______________________________
(1) الوسائل: ج 11 ص 19 ح 2 من ب 6 من أبواب جهاد العدوّ.

(2) الوسائل: ج 11 الباب 6 و 12 و 13 من أبواب جهاد العدوّ.

(3) الوسائل: ج 11 ص 34 ح 8 من ب 12 من أبواب جهاد العدوّ.

(4) المصدر: ح 7.

700
کتاب الخمس (للحائري)

حكم غنائم الحرب التي تكون على وجه الدفاع في زمان الغيبة ص 701

[حكم غنائم الحرب الّتي تكون على وجه الدفاع في زمان الغيبة]

و الحرب الّتي تكون في زمان الغيبة على وجه الدفاع عن النفس أو عن نفوس المسلمين أو عن بيضة الإسلام مأذون فيها من قبل الإمام عليه السّلام ففي غنائمها الخمس على الظاهر (1).

«بلى و اللّه إنّي لأراه- أي الجهاد- و لكنّي أكره أن أدع علمي إلى جهلهم» «1».

و من بعضها الإعانة على إبطال حقوق إمام الحقّ، كما في ذيل ما تقدّم من خبر أبي بصير:

«فإنّه إن مات في ذلك المكان كان معينا لعدوّنا في حبس حقّنا و الإشاطة بدمائنا» «2».

و منها: إمكان أن يقال: إنّ الحرام هو الورود في القتال، و إنّ القتال غير المطابق للشرع غير مأذون فيه، إلّا أنّه بعد الورود مورد القتال ربما يجب للدفاع عن النفس و بيضة الإسلام، و إن كان يقع حراما بالنهي السابق الساقط، فهو كالخروج عن الدار المغصوبة المعنون في الأصول، أو يقال: إنّ الإذن حاصل من باب التقيّة، و هي على ضربين: تقيّة الشيعة بحيث يتّضح عدم مشاركة الشيعة في الجهاد، و ذلك موجب للضرر العظيم عليهم من جهات، و التقيّة بالنسبة إلى غيرهم، فإنّ حكومة الحكّام على أساس الجنود فلو لم يكن بعض الناس راضيا بذلك يكرهونهم عليه.

و بهذا و ما قبله ينحلّ الإشكال، و اللّه المتعالي عالم بحقيقة الحال.

في الشرائع و الجواهر:

و قد تجب المحاربة على وجه الدفع كأن يكون‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 11 ص 32 ح 2 من ب 12 من أبواب جهاد العدوّ.

(2) الوسائل: ج 11 ص 34 ح 8 من ب 12 من أبواب جهاد العدوّ.

701
کتاب الخمس (للحائري)

حكم غنائم الحرب التي تكون على وجه الدفاع في زمان الغيبة ص 701

..........

بين أهل الحرب و يغشاهم عدوّ يخشى منه على نفسه فيساعدهم دفعا عن نفسه «1» أو يخشى منه على بيضة الإسلام أو كان العدوّ بصدد الاستيلاء على بلادهم و أسرهم و أخذ أموالهم «2».

و استدلّ في الجواهر «3» بخبر طلحة بن زيد (و الخبر معتبر جدّا إلى طلحة، و أمّا طلحة فلم يصرّح بوثوقه، لكنّ القرائن على ذلك أمور: منها كونه من مشيخة الفقيه. و منها نقل عدّة من المشايخ عنه فيهم صفوان. و منها شهادة الشيخ قدّس سرّه بأنّ كتابه معتمد، و هو دليل عرفا على الوثوق، فإنّ من لا يوثق به لا وجه للاعتبار بكتابه) و فيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

سألته عن رجل دخل أرض الحرب بأمان فغزا القوم الّذين دخل عليهم قوم آخرون، قال: «على المسلم أن يمنع نفسه و يقاتل عن حكم اللّه و حكم رسوله» «4».

و في خبر يونس المرويّ عن المشايخ الثلاثة قدّس سرّهم:

«و إن خاف على بيضة الإسلام و المسلمين قاتل فيكون قتاله لنفسه ليس للسلطان، لأنّ في دروس الإسلام دروس ذكر محمّد صلّى اللّه عليه و آله» «5».

و عن بعض المصادر: «دروس دين محمّد صلّى اللّه عليه و آله».

و في الصحيح:

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من‌

______________________________
(1) الشرائع: ج 1 ص 232.

(2) الجواهر: ج 21 ص 14.

(3) الجواهر: ج 21 ص 14.

(4) الوسائل: ج 11 ص 20 ح 3 من ب 6 من أبواب جهاد العدوّ.

(5) الوسائل: ج 11 ص 19 ح 2 من ب 6 من أبواب جهاد العدوّ.

702
کتاب الخمس (للحائري)

حكم غنائم الحرب التي تكون على وجه الدفاع في زمان الغيبة ص 701

و أمّا الحرب مع الكفّار في غير صورة الدفاع فمقتضى الاحتياط في الغنائم ملاحظة سهمي الإمام عليه السّلام و السادة في العشر و ملاحظة كونه مال الإمام في الباقي (1).

قتل دون مظلمته فهو شهيد» «1».

فإنّ الظلم من حيث الضرر على الإسلام أعظم، و هو داخل في المظلمة، فيتمسّك بمفاد الصحيح و بالأولويّة، و بها يتمسّك للخوف على نفوس عدّة من المسلمين من القتل و الأسر.

و كيف كان، فلا إشكال في ذلك، فما يظهر من العروة من الاحتياط في جميع أقسام الغنائم في عصر الغيبة «2» مورد للإيراد بل فيه الخمس، لثبوت الإذن من دون إشكال.

و ذلك لاحتمال الإذن و لو بعد الورود في ميدان القتال فيكون موردا للخمس، و احتمال عدم الإذن إلى آخر الأمر فيكون الكلّ للإمام، و لاحتمال التحليل في الصورتين فيكون الكلّ له، فما في العروة من أنّ الأحوط إعطاء الخمس مورد للإيراد من وجهين: أحدهما أنّه بناء على عدم شمول أخبار التحليل للخمس فكون العشر ممّا لا بدّ من إخراجه لا بنحو الاحتياط، و أمّا بناء عليه فلا بدّ من الاحتياط في جميع موارد الخمس، إلّا أن يدّعى أنّ أخبار التحليل تشمل الأنفال و خمس الغنائم لا مطلق الخمس، و يأتي بمشيئته تعالى الكلام فيه بعد ذلك. ثانيهما أنّ مقتضى الاحتياط مراعاة حقّ الإمام في الكلّ كما عرفت. هذا بحسب الاحتياط.

و أمّا بحسب مقتضى الدليل فيمكن أن يقال: إنّ ما علم فيه الإذن من باب‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 11 ص 92 ح 8 من ب 46 من أبواب جهاد العدوّ.

(2) العروة: كتاب الخمس، الفصل الأوّل، «الأوّل: الغنائم.».

703
کتاب الخمس (للحائري)

و من الأنفال أموال من لا وارث له غير الإمام 1 ص 704

و من الأنفال: أموال من لا وارث له غير الإمام (1).

العلم بكون ترك القتل موجبا للفساد و الهلاك أو من باب الدفاع و لو بعد الورود في ميدان القتال أو من باب العلم بكون القتال في عصر الغيبة كالقتال في عصر خلفاء الجور موردا للخمس- كما تقدّم- و لو من باب المأذونيّة من باب الوقوع فيه أو من باب التقيّة فيقال في ذلك بأداء الخمس، و أمّا في ما علم عدم الإذن أو شكّ في ذلك فمقتضى إطلاق ما تقدّم من الدليل الدالّ على حرمة الجهاد مع غير الإمام المفترض طاعته الوارد في مقام بيان عدم المأذونيّة هو الحرمة، و إن شكّ في ذلك بعد ثبوت الحرمة قبل الورود في القتال يستصحب ذلك.

في الجواهر:

عند علمائنا أجمع، كما في المنتهى «1».

و في إرث الشرائع:

و هو [أي ضامن الجريرة] أولى من الإمام و يرث معه الزوج و الزوجة نصيبهما الأعلى، فإذا عدم الضامن كان الإمام وارث من لا وارث له. فإن كان موجودا فالمال له يصنع به ما يشاء، و كان عليّ عليه السّلام يعطيه فقراء بلده و ضعفاء جيرانه «2». انتهى.

و في الجواهر بعد قوله: «فإذا عدم الضامن»:

أو لم يكن له ضامن و لا زوج أو زوجة بناء على الردّ عليهما «3».

و في نجاة العباد: التفصيل بين الزوج فيردّ باقي المال إليه فلا يرث الإمام،

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 128.

(2) الشرائع: ج 4 ص 839.

(3) الجواهر: ج 39 ص 260.

704
کتاب الخمس (للحائري)

و من الأنفال أموال من لا وارث له غير الإمام 1 ص 704

..........

بخلاف الزوجة فلا يردّ عليها فينقل إلى الإمام عليه السّلام «1».

و المتحصّل من تلك الجهة وجوه ثلاثة راجعة إلى أنّه هل يردّ الزائد على النصيب الأعلى إلى الزوج أو الزوجة أو لا يردّ إليهما أو يردّ إلى الزوج دون الزوجة؟ و تحقيق ذلك موكول إلى باب الإرث، و اللّه الموفّق.

و أمّا أصل المسألة فقد مرّ نقل الإجماع في الجواهر عن المنتهى، و فيها في كتاب الإرث دعوى الإجماع بقسميه على ذلك «2».

و يدلّ عليه غير واحد من الأخبار:

منها خبر أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

في الرجل يموت و لا وارث له و لا مولى، قال:

«هو من أهل هذه الآية يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ «3».

و رواه الكلينيّ عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، كما في الوسائل «4». و رواه الشيخ قدّس سرّه بإسناده إلى الحسين بن سعيد.

و الجوهريّ الموجود في السند و إن لم يوثّق إلّا أنّ نقل عدّة من المشايخ- فيهم ابن أبي عمير و صفوان و حمّاد- عنه يدلّ أو يورث الظنّ القويّ بوثوقه.

هذا. مع أنّ الصدوق رواه- من دون زيادة و نقصان كما هو ظاهر الوسائل- بطريق آخر عن أبان بن تغلب. و قد نقله في الوسائل «5» في كتاب الإرث عن الشيخ قدّس سرّه بإسناده- و هو موثّق إلى الحسن بن محمّد بن سماعة- عن محمّد بن زياد (و هو ابن أبي عمير كما شهد بذلك في جامع الرواة، و الحسن موثّق في لسان‌

______________________________
(1) نجاة العباد: المقصد الثاني في الميراث بالسبب، الفصل الرابع «ولاء الإمامة».

(2) الجواهر: ج 39 ص 259.

(3) الوسائل: ج 6 ص 369 ح 14 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(4) الوسائل: ج 6 ص 369 ح 14 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(5) ج 17 ص 549 ح 8 من ب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة.

705
کتاب الخمس (للحائري)

و من الأنفال أموال من لا وارث له غير الإمام 1 ص 704

..........

النجاشيّ و ممدوح في كلام الشيخ قدّس سرّهم) مع تغيير في العبارة غير مضرّ بشي‌ء من المفاد، فراجع. و رواه العيّاشيّ كما في الوسائل «1» عن أبان.

فمحصّل الكلام أمور: الأوّل: نقل المشايخ الثلاثة في كتبهم. الثاني: كلّ واحد منهم نقله بطريق غير طريق الآخر. الثالث: عدم الاختلاف في المتن إلّا في تبديل لفظ الماضي بالمضارع و غير ذلك ممّا يشبهه. الرابع: الظاهر اعتبار كلّ من الطرق الثلاثة في نفسه حتّى طريق الصدوق المشتمل على أبي عليّ صاحب الكلل، لنقل صفوان عن أبي أيّوب عنه. الخامس: نقل غيرهم الخبر أي العيّاشيّ في تفسيره.

فالخبر كاد أن يكون مقطوع الصدور، و ذلك يكفي في الاستدلال جدّا.

مضافا إلى أخبار أخر واردة في المسألة، كخبر محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام:

«من مات و ليس له وارث من قرابته و لا مولى عتاقه قد ضمن جريرته فماله من الأنفال» «2».

و خبر الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ قال:

«من مات و ليس له مولى فماله من الأنفال» «3».

إلى غير ذلك من الروايات.

و لا يعارضه خبر معاوية بن عمّار:

«من أعتق سائبة فليتوال من شاء، و على من والى جريرته و له ميراثه، فإن سكت حتّى يموت أخذ ميراثه‌

______________________________
(1) ج 17 ص 549 ح 8 من ب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة.

(2) الوسائل: ج 17 ص 547 ح 1 من ب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة.

(3) المصدر: ص 548 ح 3.

706
کتاب الخمس (للحائري)

و من الأنفال أموال من لا وارث له غير الإمام 1 ص 704

..........

فجعل في بيت مال المسلمين إذا لم يكن له وليّ» «1».

لأنّه لا يدلّ على عدم كونه إجازة من الإمام عليه السّلام في ذلك كما يشعر قوله «أخذ فجعل» و لم يقل «هو للمسلمين»، و لا شبهة أنّ ذلك ممّا يمكن أن يجيزه الإمام عليه السّلام كما ورد في خراج الأراضي الخراجيّة، فإنّه و إن كان ذلك تقوية للجائر إلّا أنّه موجب لحفظ الإسلام و إصلاح الطرق و أمن البلاد، فهو في قبال عدم الحكومة أصلا- كما هو مسلك الخوارج- مورد للاهتمام، كما يدلّ على ذلك مطالبة الخراج و أنّه كيف يصنع بخراج المسلمين في أخبار الأراضي الخراجيّة «2».

كما أنّه لا يعارضه أيضا خبر أبي بصير عنه عليه السّلام أيضا:

«السائبة ليس لأحد عليها سبيل، فإن والى أحدا فميراثه له و جريرته عليه، و إن لم يوال أحدا فهو لأقرب الناس لمولاه الذي أعتقه» «3».

فإنّه يمكن الحمل على إنشاء الإذن كما يقول الأب: إنّ هذا لا بني فلان، لا الإخبار عن حكم اللّه تعالى، كما يمكن أن يكون في مورد موت المعتق الذي له الولاء و كونه سائبة، و عدم ولاء عليه من جهة موت المولى و عدم إرث الولاء كما في نجاة العباد. «4» و حمله على مورد الموت لقوله: «لأقرب الناس لمولاه» المشعر بأنّ مولاه قد فات و صار سائبة، و لكنّ المال إن لم يتصرّف فيه بالإتلاف أو‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 549 ح 9 من ب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة.

(2) راجع الوسائل: ج 11 ح 2 من ب 41 و الباب 68 و 71 و 72 من أبواب جهاد العدوّ، و ج 12 الباب 21 من أبواب عقد البيع و شروطه.

(3) الوسائل: ج 17 ص 550 ح 10 من ب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة.

(4) راجع نجاة العباد: الفصل الثاني من المقصد الثاني في الميراث.

707
کتاب الخمس (للحائري)

و قد عد بعضهم المعادن من الأنفال 1 ص 708

و قد عدّ بعضهم المعادن من الأنفال (1).

بالإرجاع إلى ضامن الجريرة- كما هو المفروض- ينتقل إلى وارث المعتق المنعم كما يظهر من نجاة العباد، «1» أو يكون قوله «لمولاه الذي أعتقه» بدلا عن قوله «لأقرب الناس» فاللام للملكيّة، فيكون المقصود أنّ السائبة الّتي لا ولاء لها من جانب معتقه لا مانع له من التوالي مع شخص آخر يضمن جريرته و يتوارثه، و أمّا إن لم يفعل و كان مولاه المعتق حيّا يرجع أمواله إليه. و هذا مخصّص لما دلّ على أنّ المال للإمام عليه السّلام فيخرج تلك الصورة النادرة و لا يكون مخالفا للأخبار إلّا بالتخصيص بالفرد النادر، و لعلّه لا إطلاق في كلمات الأصحاب أيضا يشمل المورد، و اللّه العالم.

ففي الجواهر:

إنّ الأصحاب اختلفوا في المعادن فبعضهم أطلق كونها للإمام كالمفيد و غيره، و بعضهم أطلق كون الناس فيها شرعا سواء كما في النافع و البيان، و بعضهم فصل بين أرضه عليه السّلام فالمعادن له و أرض غيره فليست من الأنفال «2».

أقول: أمّا المعادن الّتي في الموات فلا ينبغي الإشكال في كونها للإمام، سواء كانت من المعادن الموجودة في باطن الأرض أو الظاهرة فيها.

و ذلك لوجوه:

منها: صدق الأنفال عليها.

و منها: آية النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ «3» فهو مالك للنفوس‌

______________________________
(1) راجع نجاة العباد: الفصل الثاني من المقصد الثاني في الميراث.

(2) الجواهر: ج 16 ص 129.

(3) سورة الأحزاب: 6.

708
کتاب الخمس (للحائري)

و قد عد بعضهم المعادن من الأنفال 1 ص 708

..........

و للأموال المملوكة للناس فكيف لا يملك المعادن الّتي في الموات؟! و منها: أنّ الموات ملك له فيملك المعادن إن صدق عليها الأرض فتكون مصداقا للأراضي الموات، و الموات صادقة على الباطن أيضا، و إن لم تصدق كانت تابعة له، لكون الباطن ملكا له فيصير المعدن الموجود في الباطن كالموجود في الظاهر ملكا له، و هو ملك للّه و لرسوله، و لموثّق إسحاق بن عمّار [الدالّ على أنّ المعادن من الأرض] قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الأنفال، فقال: «هي القرى الّتي قد خربت و انجلى أهلها فهي للّه و للرسول، و ما كان للملوك فهو للإمام، و ما كان من الأرض بخربة لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، و كلّ أرض لا ربّ لها، و المعادن منها، و من مات و ليس له مولى فماله من الأنفال» «1».

و في الجواهر عن بعض النسخ: «و المعادن فيها» «2».

و على ذلك فمرجع الضمير هو الأرض. و على كون الصحيح «منها» فيحتمل أن يكون مرجع الضمير هو الأنفال فيكون خبرا للمعادن، و يحتمل أن يرجع الضمير إلى الأرض أيضا- أي المعادن من الأرض الّتي لا ربّ لها- فيكون عطفا على «كلّ أرض لا ربّ لها» بأن يكون الكلّ عطفا على «هي القرى الّتي قد خربت» أو عطفا على «ما كان للملوك» أي يكون للإمام. و الأقرب رجوع الضمير إلى الأرض، إذ لو كان المقصود أنّ المعادن للإمام أو من الأنفال كان ذكر‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 371 ح 20 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(2) الجواهر: ج 16 ص 130.

709
کتاب الخمس (للحائري)

و قد عد بعضهم المعادن من الأنفال 1 ص 708

و الظاهر كونها كذلك، من غير فرق بين الظاهرة و الباطنة (1).

«منها» مستدركا بلا وجه في كلام الفصيح و لم يكن وجه لذكره إلّا مزيد الإجمال، فالأقرب أن يكون المقصود اختصاص المعادن الّتي في الموات في هذا الحكم، لا المعادن الّتي في الأرض المحياة الّتي للملّاك المخصوصة أو للمسلمين. و كيف كان، فالظاهر أو المتيقّن هو الحكم بأنّ المعادن الّتي في الموات للإمام عليه السّلام، و أمّا وجه ذكر المعادن بالخصوص فلعدم توهّم أنّها من المباحات الأصليّة فإذنها مربوط بالإمام عليه السّلام و ليس مملوكا لمن كان ملكه قريبا منه من باب الحريم و غير ذلك.

ففي الشرائع و الجواهر في كتاب إحياء الموات:

من فقهائنا (و هو المفيد و سلّار بل حكي عن الكلينيّ و شيخه عليّ بن إبراهيم و عن الشيخ أيضا) من يخصّ المعادن بالإمام فهي عنده من الأنفال، و على هذا لا يملك ما ظهر منها و ما بطن إلّا بتمليك منه «1».

و في مفتاح الكرامة عن جامع المقاصد:

زعم بعض المتأخّرين أنّ المعادن الّتي في ملكه لا خلاف في أنّها له. قال: و ليس كما زعم «2».

و في التذكرة:

فالظاهرة عند أكثر علمائنا من الأنفال «3».

و أمّا الباطنة ففي الجواهر:

إنّه لا خلاف و لا إشكال في أنّه يجوز للإمام‌

______________________________
(1) الشرائع: ج 4 ص 796 و الجواهر: ج 38 ص 108.

(2) مفتاح الكرامة: ج 7 ص 30.

(3) التذكرة: ج 2 ص 403.

710
کتاب الخمس (للحائري)

و قد عد بعضهم المعادن من الأنفال 1 ص 708

..........

إقطاعها قبل أن تملك «1».

و المقصود عدم إجماع في البين على عدم كون الظاهرة للإمام، بل تكون من المباحات الأصليّة، لما تقدّم من الدلائل.

خلافا لصاحب الجواهر فردّ الموثّق بعدم الجابر بل الموهن متحقّق، فإنّ:

المشهور نقلا و تحصيلا على أنّ الناس فيها شرع سواء، بل قيل قد يلوح من كلام المبسوط و السرائر نفي الخلاف فيه، مضافا إلى السيرة المستمرّة في الأعصار و الأمصار على الأخذ منها بلا إذن، و لقوله تعالى:

خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً «2»، و لشدّة حاجة الناس إلى بعضها نحو الماء و النار و الكلأ، و في خبر أبي البختريّ عن جعفر عن أبيه عن عليّ عليهم السّلام:

«لا يحلّ منع الملح و النار» «3»، و غير ذلك ممّا لا يخفى على السارد لأخبارهم يوجب الخروج عن ذلك. «4»

انتهى ملخّصا.

و فيه مواقع للنظر:

الأوّل: قوله «لا جابر له»، و ذلك لاعترافه في كتاب الخمس بأنّه موثّق فلا يحتاج إلى الجابر.

الثاني: ما ذكره من نفي الخلاف، فإنّه معارض بمثله- كما تقدّم- و موهون بما تقدّم، مضافا إلى عدم التنافي بين كونه للإمام و كون الناس فيها شرع سواء من‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 38 ص 111.

(2) سورة البقرة: 29.

(3) الوسائل: ج 17 ص 331 ح 2 من ب 5 من أبواب إحياء الموات.

(4) الجواهر: ج 38 ص 108 و 109.

711
کتاب الخمس (للحائري)

و قد عد بعضهم المعادن من الأنفال 1 ص 708

..........

حيث الإحياء أو الحيازة.

الثالث: قوله «مضافا إلى السيرة المستمرّة»، فإنّه ليست السيرة المستمرّة إلّا كالسيرة المستمرّة على التملّك بالإحياء و الحيازة، كما تقدّم بالنسبة إلى الأراضي الموات و المحياة بالأصالة، فإنّه أجاز للكلّ ذلك، بل قد مرّ سابقا أنّ الملكيّة الطوليّة- و هي كونها له عند فرض عدم تصرّف الإمام عليه السّلام و الإعراض عنها- لا تحتاج إلى شي‌ء سوى الحيازة أو الإحياء.

الرابع: قوله خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً «1»، فإنّه لا يدلّ على إباحة جميع الأشياء لجميع الناس و إلّا كان خلاف ضرورة جميع الأديان، بل الظاهر أنّ المقصود أنّ ما في الأرض خلق لانتفاع البشر به بأسبابه المشروعة الّتي منها إذن الإمام و منها الولاية الإلهيّة له بالنسبة إلى ملكه للموات بل لجميع الأرض، كما تقدّم.

الخامس: قوله «لشدّة حاجة الناس»، فإنّ الناس أشدّ احتياجا إلى الحنطة من الملح، و هذا لا يدلّ على كونهم شرعا سواء من دون الاحتياج إلى إذن الإمام.

السادس: الاستدلال بحديث أبي البختريّ، فإنّ النار ليست من المعادن بل ممّا يملكه الناس أكثر مباديه الذي هو الأشجار، و عدم الحلّيّة لا يدلّ على عدم الملكيّة فالمنع غير التملّك و البيع و أخذ الثمن، كما في عدم حلّيّة احتكار الطعام في زمان الغلاء.

السابع: عدّ الكلأ و الماء أيضا في طيّ ذلك، مع أنّه من المعلوم أنّ الماء و الكلأ في الأرض المملوكة لمالكه، و لا فرق بين كون المالك هو الإمام أو غيره.

______________________________
(1) سورة البقرة: 29.

712
کتاب الخمس (للحائري)

حكم المعادن التي تكون في الأرض المحياة المملوكة بالإحياء ص 713

[حكم المعادن الّتي تكون في الأرض المحياة المملوكة بالإحياء]

و أمّا ما كان منها في الأرض المحياة المملوكة بالإحياء ففي كونها للإمام أو لصاحب الملك إشكال (1).

و الحاصل أنّ جميع ذلك يحصل بكون ذلك كلّه للإمام مع الإذن للإحياء و الحيازة و الأخذ، و مع كون احتياج الناس إلى الأرضين أشدّ من الاحتياج إلى القير و الكبريت و الموميا، كما لا يخفى.

في الشرائع:

لو أحيا أرضا فظهر فيها معدن ملكه تبعا لها، لأنّه من أجزائها «1».

و في الجواهر:

بلا خلاف أجده فيه كما عن المبسوط و السرائر، بل قيل: إنّ ظاهرهما نفي الخلاف بين المسلمين «2».

انتهى.

أقول: لم أر لذلك دليلا في الأخبار و الروايات، و الاستشهاد بالتبعيّة و الجزئيّة الذي في كلمات الأصحاب من دون تعرّض لغير ذلك دليل على عدم دليل لفظيّ يقتضي ذلك. فلا بدّ من التأمّل و الدقّة في طريقة العقلاء و بنائهم.

فنقول: لا شبهة في تبعيّة المنافع للعين في الجملة، (فإنّ مالك العين يملك المنافع الّتي توجد فيها و تستفاد منها، و إلّا فلا يعتبر تملّك العين بما هي عين مسلوبة المنافع) إنّما الإشكال في المعادن من وجهين:

الوجه الأوّل: أنّ ما يتحقّق من المعدن بعد تملّك العين فهو كالنباتات الّتي توجد بعد ذلك، لكنّ المعدن كان موجودا من قبل حصول التملّك بالإحياء فهو كالأشجار الّتي كانت في الأرض قبل تملّكه الأرض، و هذا بخلاف الأشجار الّتي تغرس أو توجد بنفسها بعد التملّك.

______________________________
(1) الشرائع: ج 4 ص 797.

(2) الجواهر: ج 38 ص 113 و 114.

713
کتاب الخمس (للحائري)

و قد عد من الأنفال المفاوز 1 ص 714

و قد عدّ من الأنفال: المفاوز (1).

و الوجه الثاني: أنّ المعدن الواقع تحت الأرض الخارج عن مورد الإحياء لا دليل على تملّكه بالإحياء، لعدم ربطه به، من جهة عدم تملّكه بنفسه و عدم تملّك الأرض الّتي فيها إذا كان بعيد الفوز.

و يمكن الجواب عن الأوّل بأنّ إحياء المعدن أو حيازته من منافع الأرض المتجدّدة بعد التملّك عرفا.

و عن الثاني بأنّه لا شبهة في تبعيّة الفوق و التحت في الجملة، و ليس ذلك في العرف من باب التعبّد الخاصّ بل من باب اعتبار الملكيّة باعتبار المنافع المعتدّة بها احتمالا و محتملا، فإن كان المعدن خارجا عن دائرة الإحياء لكن كانت الأرض الّتي فيها المعدن ممّا يحتمل فيه ذلك عرفا- كأراضي شمال إيران بالنسبة إلى معدن الفحم الحجريّ- فالظاهر أنّ اعتبار الملكيّة مختلف باختلاف الأمكنة و الأزمان، و أمّا المعادن الّتي في الأراضي المفتوحة عنوة فمقتضى القاعدة أنّها ملك للمسلمين. و هو العالم.

كما في الجواهر عن المقنعة. و أورد عليه بأنّه لا دليل عليها إن لم ينطبق عليها العناوين السابقة «1».

و يشكل بأنّ المفاوز هي البرّ الذي فيه مظانّ الهلكة كما هو المستفاد من اللغة، فهي من الموات فلا وجه للتكرار و لا وجه للترديد بين أن تكون داخلة في الموات أو خارجة عنها.

و لكن يمكن دفع ذلك بأنّه يتصوّر مع عدم الماء و كونها مظانّ الهلكة أن تكون من المحياة أو متعلّقة للحيازة بأن يزرع فيها في وقت نزول الغيث أو يجعل فيها طريقا قابلًا للترديد أو يستخرج منها معدنا، و حينئذ فتكون من المحياة و لا دليل‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 131.

714
کتاب الخمس (للحائري)

و قد عد من الأنفال البحار 1 ص 715

و قد عدّ من الأنفال: البحار (1).

على كونها من الأنفال بصرف أن تكون من الأراضي الّتي لا تكون فيها الماء و تكون مظانّ للهلكة، فافهم و تأمّل.

كما في المقنعة «1». و يدلّ عليه صحيح حفص بن البختريّ المرويّ عنه بغير واحد من الطرق عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«إنّ جبرئيل كرى برجله خمسة انهار: لسان الماء «2» يتبعه الفرات، و دجلة، و نيل مصر، و مهران، و نهر بلخ، فما سقت أو سقي منها فللإمام، و البحر المطيف بالدنيا» «3».

و لا إشكال في دلالته، إذ لا خصوصيّة للبحر المطيف بالدنيا. و يحتمل أن يكون المقصود: كلّ بحر يكون في الدنيا أي البحار المطيفة بالدنيا في الشرق و الغرب.

و أمّا فقه الحديث، فلعلّ المقصود من أنّ جبرئيل كرى برجله- أي حفر الأنهار المذكورة- أنّه ليس الحفر بإحياء الناس حتّى يملكوا النهر و إنّما ذلك بالأسباب الإلهيّة غير المربوطة بأيدي الإنسان، و الملك يتعلّق بكلّ جسم و يوجد لكلّ جسم صالح لإدارته فيفعل ما يناسبه بإذنه تعالى. و لعلّ المقصود من «لسان الماء» أنّه أخرج ابتداء الماء ثمّ حفر نهره من الفرات و غيره، أو حفرة و لسان الماء‌

______________________________
(1) ص 278.

(2) في الوافي (ج 10 ص 288): «و لسان الماء» بزيادة الواو.

(3) الوسائل: ج 6 ص 370 ح 18 من ب 1 من أبواب الأنفال.

و في الفقيه- ج 2 ص 45 ح 20-: «و هو أفسيكون»، فالظاهر أنّه تفسير من الصدوق قدّس سرّه.

715
کتاب الخمس (للحائري)

و قد عد من الأنفال البحار 1 ص 715

..........

يتبعه أي يجري الماء عقيب حفرة، أو يكون الفرات أوّله لسان الماء ثمّ يكون اسمه الفرات. و يحتمل أن يكون الموصول في قوله «فما سقت أو سقي منها» هو الماء أي الماء الذي سقت الأنهار منه أو سقى منها، و إلّا كان مشكلا من باب ثبوت ملكيّة الغير بالإحياء و حيازة الماء في نهر و استقاء أرض موات به و إن كانت الأرض و الماء كلّهما للإمام، و لكنّ الظاهر أنّ الحديث في مقام بيان ما يختصّ بالإمام بحيث لا يكون غيره مالكا و لو في الرتبة المتأخّرة، كما بيّنّاه مرارا.

هذا، مضافا إلى صدق الأنفال و عموم تملّك الناس للأرض و ما فيها و دلالة الآية الشريفة «1» على أولويّة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالمؤمنين من أنفسهم. و لا ينافي ذلك التملّك بالحيازة و الإحياء في رتبة إعراض الإمام عن التصرّف فيها.

و أمّا الاستدلال برواية يونس أو المعلّى «2» فضعيف من وجوه، لأنّ سنده ضعيف من وجوه لا تخفى.

و أمّا الاستدلال برواية مسمع بن عبد الملك، قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي كنت وليت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم و قد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم، و كرهت أن أحبسها عنك، و أعرض لها و هي حقّك الذي جعل اللّه تعالى لك في أموالنا، فقال:

«و ما لنا من الأرض و ما أخرج اللّه منها إلّا الخمس؟! يا أبا سيّار، الأرض كلّها لنا، فما أخرج اللّه منها من شي‌ء فهو لنا» قال:

______________________________
(1) سورة الأحزاب: 6.

(2) الوسائل: ج 6 ص 384 ح 17 من ب 4 من أبواب الأنفال.

716
کتاب الخمس (للحائري)

و قد عد من الأنفال البحار 1 ص 715

..........

قلت له: أنا أحمل إليك المال كلّه؟ فقال لي:

«يا أبا سيّار قد طيّبناه لك و حلّلناك منه فضمّ إليك مالك، و كلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون، و محلّل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم، فإنّ كسبهم من الأرض حرام عليهم حتّى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم و يخرجهم منها صغرة» «1».

و في المتن إشكال من وجوه:

منها: ظهوره في تحليل الخمس للشيعة إلى قيام القائم، و هو مخالف لأخبار كثيرة ربما بلغت حدّ التواتر بضمّ روايات أخذ الخمس من الناحية المقدّسة «2».

و منها: ظهوره في كون كسب غير الشيعة في الأرض حراما، و هو مخالف لما ورد في خصوص الكفّار من أنّ من أحيا أرضا ميتة فهي له «3».

و منها: أنّه مخالف لوجوب الخمس على الذمّيّ إذا اشترى أرضا من المسلم الظاهر في حلّيّة الباقي له، فيحتمل كون اللام في الأرض هو العهد أي أرض البحرين، كما يظهر ممّا رواه الكلينيّ من قوله: «إنّي كنت وليت البحرين الغوص» «4». و أرض البحرين من الأنفال على ما صرّح به الموثّق، و فيه:

«و منها البحرين لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب» «5».

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 382 ح 12 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(2) راجع الوسائل: ج 6 ص 375 الباب 3 من أبواب الأنفال.

(3) راجع الوسائل: ج 17 ص 330 ح 1 من ب 4 من أبواب إحياء الموات.

(4) الوسائل: ج 6 ص 382 ح 12 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(5) المصدر: ص 367 ح 8 من ب 1.

717
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما لو جعل شي‌ء للمشاهد المقدسة للتزين ص 718

مسألة [حكم ما لو جعل شي‌ء للمشاهد المقدّسة للتزيّن]

لو جعل شي‌ء للمشاهد المقدّسة للتزيّن- كالسلاح و الجواهر- فالظاهر أنّه وقف عليها، و يحصل ذلك بوضعه فيها، و لا يحتاج إلى قبول الحاكم و لا المتولّي (1).

مع أنّه لو كان مطلق الأرض حراما على غير الشيعة فلا فائدة في الإخراج من تلك الأرض، لأنّهم لا بدّ من أن ينتفعوا من الأرض بالسكونة و غيرها، فتأمّل.

هذا. مع عدم اعتبار السند، لأنّ عمر بن يزيد مشترك بين الموثّق و غيره، و لم يثبت كون حسن بن محبوب من أصحاب الإجماع، لأنّ الحسن مردّد بينه و بين ابن فضّال، و قيل مكانهما فضالة بن أيّوب، لكن أصل المسألة خال عن الإشكال أي كون البحار للإمام عليه السّلام و إن لم يذكرها الأكثر.

كما صرّح بذلك في المنهاجين. و المسألة مبنيّة على فروع ثلاثة:

الأوّل: عدم احتياج أصل الوقف إلى القبول، و قد صرّح بذلك الفقيه الطباطبائيّ في ملحقاته، و اختار أنّ الوقف مطلقا لا يحتاج إلى القبول، لإطلاق أدلّة الوقف، و لخلوّ الروايات المبيّنة لوقف الأئمّة عليهم السّلام عن ذلك، و لأنّه لو احتاج إلى القبول لما كان وجه لصحّة الوقف على الطبقات المعدومة بالفعل «1».

أقول: على فرض الإشكال في الوقوف المشتملة على التمليك أو لجعل الحقّ على الأشخاص فعدم الاحتياج إلى القبول في المبحوث عنه الذي ليس تصرّفا في سلطنة شخص بل يجعل زينة و اعتبارا للمشهد الشريف لعلّه واضح، لما ذكر، و لعدم توهّم منافاته لتسلّط الناس على أموالهم و أنفسهم، بل مقتضى الإطلاق جوازه للمالك.

الثاني: صحّة الوقف المعاطاتيّ، و هي أيضا في مثل المساجد و المشاهد و ما يتعلّق بها واضحة، لقيام السيرة، مضافا إلى أنّها على طبق القاعدة، و قد ذكر ذلك‌

______________________________
(1) ملحقات العروة: ج 1 ص 185، المسألة 2.

718
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما لو جعل شي‌ء للمشاهد المقدسة للتزين ص 718

و أمّا المشكوك ففيه إشكال و إن كان لا يبعد الجواز في صورة عدم المزاحمة (1).

أيضا في الملحقات «1».

الثالث: حصول القبض بالجعل و الوضع في الموضع المعدّ له، و هو أيضا صحيح، لأنّ العناوين الموجودة في الأخبار كالتسليم و الحيازة و أمثالهما تحصل بذلك إن فرض اشتراط القبض في الوقف على العناوين العامّة- و إن أشكل فيه صاحب العروة قدّس سرّه في ملحقاته «2»- فالظاهر أنّ حصول الوقف و تنجّزه بذلك لا إشكال فيه.

أي الشكّ في الإطلاق و التقييد و أنّه هل ذلك وقف لمطلق البيوتات المتعلّقة بالمرقد الشريف أو البيت الذي فيه المرقد بنحو الإطلاق و التقييد أو بنحو العامّ و الخاصّ؟ و أنّه هل هو وقف على الحرم الشريف أو على كلّ مكان متعلّق بالمدفن المبارك؟

المشهور بين من تعرّض للمسألة- كصاحب العروة و المنهاجين و التحرير- هو الاقتصار على القدر المتيقّن. و في الملحقات عن المحقّق القمّيّ قدّس سرّه: إجراء أصالة الحلّ. و ردّه بأنّ الأصل في الأموال هو الحرمة «3».

أقول: العمدة في المقام استصحاب عدم وجود الوقف الشامل للمورد المشكوك. و لا يعارض باستصحاب عدم تحقّق الوقف المتعلّق بالمقيّد، لأنّه لا يثبت تعلّقه بنحو يشمل المشكوك حتّى يتعارض الأصل المذكور. و ليس المستصحب عدم شمول الوقف المتحقّق المفروض للمشكوك حتّى يقال: إنّه ليس له حالة سابقة إلّا بعدم الموضوع، لأنّ الأثر مترتّب على وجود الوقف الشامل‌

______________________________
(1) ج 1 ص 185، المسألة 1.

(2) ج 1 ص 190، المسألة 8.

(3) ملحقات العروة: ج 1 ص 272، المسألة 66.

719
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما لو جعل شي‌ء للمشاهد المقدسة للتزين ص 718

..........

و عدم وجوده، و لا دخالة لكيفيّة الوقف المتحقّق في ذلك، و هو و إن لم يكف بنفسه لعدم جواز التصرّف- إذ المال المعرض عنه ممّا لم يتحقّق بالنسبة إليه الوقف الشامل- إلّا أنّه بضمّ العلم بالوقفيّة يثبت عدم الجواز، فالموضوع لعدم الجواز:

الوقف الذي لم يتعلّق به الوقف الشامل للمشكوك.

و يمكن الجواب عن ذلك بأنّ عدم الوقف الشامل لا يدلّ على عدم الجواز، فإنّ عدم الشمول لا يقتضي إلّا عدم جعل الجواز للمشكوك و جعل الجواز للمتيقّن، فلا ينافي الجواز للمشكوك، فيشكّ في ذلك من جهة التقييد و شرط الاختصاص و عدم جواز تصرّف الغير، و في مثل ذلك تجري أصالة الإباحة فيحكم بجواز تبديل فرش الحرم المقدّس بالرواق، لعدم الدليل على عدم الجواز.

نعم، لو كان المتولّي للحرم غير المتولّي للرواق و متولّي الحرم الشريف لا يجيز تبديل الفرش لا يجوز ذلك.

و يمكن أن يقال أيضا في صورة دوران الأمر بين المطلق و المقيّد- لا العامّ و الخاصّ-: إنّ استصحاب عدم القيد إلى حال الإنشاء بضمّ بناء العقلاء على كونه في مقام البيان يحرز موضوع الحجّة و أنّ متعلّق الوقف مطلق، و هو حجّة على الإطلاق، فالأثر الشرعيّ المثبت في الاستصحاب في المفروض هو الحجّة الّتي تكون من المجعولات الّتي تصل إليها يد الجعل وضعا و رفعا، و أمّا في مورد العامّ و الخاصّ فيجري الجواب الأوّل كما لا يخفى، فيرجع إلى أصالة الحلّيّة.

إن قلت: إنّ أصالة الحلّيّة محكومة باستصحاب عدم الجواز حين كونه ملكا للواقف.

قلت: المجعول الشرعيّ المتيقّن في السابق هو اشتراط التصرّف بإحراز رضا المالك، و المنتزع منه قضيّة فعليّة و هي عدم الجواز من دون إحراز الرضا من‌

720
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما لو جعل ملك وقفا على أن يصرف منافعه في رضا الإمام عليه السلام ص 721

مسألة [حكم ما لو جعل ملك وقفا على أن يصرف منافعه في رضا الإمام عليه السّلام]

لو جعل ملك وقفا على أن يصرف منافعه في رضا الإمام عليه السّلام فالظاهر صحّته و عدم احتياجه إلى القبول و حصول قبضه جانب المالك، فإن كان المستصحب هو اشتراط الجواز بالإحراز (و هو له فردان:

أحدهما مقطوع الانتفاء و هو اشتراط الجواز بإحراز رضا المالك، و مشكوك الحدوث و هو الاشتراط بإحراز التعميم) فهو من قبيل الاستصحاب القسم الثالث من الكلّيّ، و مقتضى استصحاب عدم الفرد المشكوك: عدم الكلّي، و إن كان المستصحب هو عدم جواز التصرّف خارجا فعدم جواز التصرّف من باب الاشتراط بإحراز رضا المالك غير عدم الجواز من باب الاشتراط بإحراز التعميم، لأنّ نسبة عدم الجواز إلى التصرّف الخارجيّ في المتيقّن من باب تعلّق الحرمة بصورة ذهنيّة غير الصورة الذهنيّة في عدم الجواز في القضيّة المشكوكة، فهو أيضا من باب القسم الثالث من الكلّيّ.

و إن أبيت عن ذلك و كان عدم الجواز المتيقّن و المشكوك فردا واحدا فيقال:

إنّ قسمة المعلول بلزوم إحراز التعميم من ناحية الوقف مشكوكة و مقتضى الاستصحاب: العدم، و له أثر شرعيّ، أي خصوصيّة كونه من باب عدم إحراز كيفيّة الوقف، لأنّ رفعه بإحراز كيفيّة الوقف.

و إن أبيت عن ذلك فإنّ الأصل عدم الشرطيّة الأخرى، أي لا يكون الجواز في الوقف متوقّفا على إحراز التعميم في الوقف بل يكفي الشكّ، لأنّ المتيقّن من بناء العقلاء هو صورة كون الملك لمالك خاصّ و شكّ في الرضا.

هذا كلّه في صورة كون مفاد الوقف هو صرف التصرّف و لم يكن يد تقتضي الاختصاص، فلو كان مفاد الوقف هو الصرف و التمليك، كما أنّه جعل منافع ملك إمّا للعلماء الفقهاء أو لمطلق علماء المذهب فالأصل عدم حصول الملكيّة للمشكوك، كما أنّه لو كان في يد المتيقّن لا يجوز الصرف في غيره، كما في التربة الّتي تجعل لمسجد من المساجد فلا تنقل إلى المسجد الآخر، كما لا يخفى.

721
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما لو جعل ملك وقفا على أن يصرف منافعه في رضا الإمام عليه السلام ص 721

بالصرف فيه و لو مرّة واحدة (1).

و لكنّ الأحوط جعل التولية لنفسه أو للغير و قبول المتولّي و قبضه.

و الأحوط أن يكون تشخيص رضا الإمام عليه السّلام بالمراجعة إلى الحاكم الشرعيّ (2).

و لو جعل وقفا لما يرجع مصلحته إليه عليه السّلام فالأحوط كما في سابقه قبض المتولّي، لكن لا يرجع إلى الفقيه بل يصرف في رضاه أو في الصدقات عنه عليه السّلام أو في النيابات عنه (3).

و لو جعل وقفا على أن يكون منافعه ملكا له عليه السّلام ففي صحّته من دون الاحتياج إلى قبوله إشكال (4).

لما تقدّم من عدم قيام دليل على الاحتياج إلى القبول في ما لا يتضمّن التمليك أصلا، و أمّا حصول القبض بالصرف فيه و لو مرّة واحدة فلصدق التسليم بذلك، كما في المسجد و المقابر.

لأنّه يمكن أن يكون ذلك من الموضوعات المستنبطة فيكون فتواه حجّة عليه و لو لم يقطع بذلك و لا يكتفي بظنّه.

و ذلك لوضوح المصرف و أنّ الصدقة عنه عليه السّلام أو الصرف في النيابة عنه في العبادات من الحجّ و الزيارات يرجع نفعه إليه، و لا يلزم ملاحظة الأهمّ فالأهمّ.

وجه الإشكال أنّ حصول الملكيّة لشخص من دون إعمال سلطنة منه خلاف قاعدة التسلّط على الأنفس، و من جهة عدم الدليل على صحّة الوقف بتلك الكيفيّة.

و ذلك مدفوع بإطلاق «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها» «1» كما لا يخفى. و أمّا مخالفته لقاعدة السلطنة فمدفوعة بأنّه إذا كانت الملكيّة قابلة‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 13 ص 295 ح 1 من ب 2 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات.

722
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم الأموال التي تجعل للصرف في جهة من الجهات أو للصرف في مصرف شخص خاص لله تعالى ص 723

و لو جعل على أن يملّكه منافعه فأشكل (1).

و يمكن القول بالجواز في الكلّ، لكن الأحوط أن يكون على الوجه الثالث، و أحوط منه أن يجعل على الوجه الثاني مع جعل التولية و قبول المتولّي (2).

مسألة [حكم الأموال الّتي تجعل للصرف في جهة من الجهات أو للصرف في مصرف شخص خاصّ للّه تعالى]

الأموال الّتي تجعل للصرف في جهة من الجهات- كالصرف في المشاهد المشرّفة و تأمين ما تحتاج إليه أو الصرف في تعميرها أو بناء المساجد أو تعميرها- أو تجعل للصرف في مصرف شخص فقير أو عالم أو صغير للّه تعالى و ابتغاء لمرضاة اللّه و تعطى لمتولّي الصرف كالمتولّي المشروع للمسجد أو المشهد أو المتولّي لأمر اليتيم- كالجدّ أو القيّم الشرعيّ- فالظاهر صحّته (3).

للإعراض عنها حدوثا و بقاء فلا ينافي السلطنة، كما في جعل الخيار في البيع لثالث من دون اطّلاعه.

من حيث عدم إمكان العمل بالوقف، لعدم دليل على نيابة الفقيه عنه في القبول إذا ملّكه شخص مالا، إلّا أن يقال بكفاية القبول من جانبه مع العلم بالرضا في التمليك المحاباتيّ، لصدق الهبة و عدم منافاته للسلطنة على النفس، كما تقدّم.

و قد ظهر وجه الاحتياط.

أمّا الصحّة فلأنّها مقتضى قاعدة السلطنة الّتي عليها بناء العقلاء في أموالهم، فإنّ مقتضى الملكيّة نفوذ جميع تصرّفاته الاعتباريّة ما لم يزاحمها سلطنة أخرى.

و يدلّ عليه «الناس مسلّطون على أموالهم» المرويّ في البحار عن عوالي اللآلئ «1»، و عموم وجوب الوفاء بالعقود «2»، و ما ورد من أنّ «الصلح جائز بين‌

______________________________
(1) البحار: ج 2 ص 272 ح 7 من ب 32 من أبواب كتاب العلم عن عوالي اللآلئ: ج 1 ص 222 ح 99 من الفصل التاسع و ص 457 ح 198 من المسلك الثالث.

(2) سورة المائدة: 1.

723
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم الأموال التي تجعل للصرف في جهة من الجهات أو للصرف في مصرف شخص خاص لله تعالى ص 723

..........

الناس» الوارد في صحيح البختريّ «1»، و ما ورد من لزوم الصدقة و صحّتها، مثل صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام، و فيه:

«لا يرجع في الصدقة إذا ابتغي بها وجه اللّه عزّ و جلّ» «2».

و غير ذلك من الروايات «3»، لصدق الصدقة على ذلك، سواء كان مفادها الإعراض و الجعل في المصرف الخاصّ أو كان مفادها تمليكا للمصرف.

و على فرض عدم صدق الصدقة يمكن التمسّك بالتعليل الشامل لغير صورة التمليك أيضا، كخبر حكم- الذي هو ابن أبي عقيل على الظاهر- و فيه:

«إنّما الصدقة للّه عزّ و جلّ، فما جعل اللّه عزّ و جلّ فلا رجعة له فيه» «4».

فإنّ الظاهر أنّ الجملة الثانية بمنزلة الكبرى للأولى، و هي بمنزلة التعليل، و مفادها الأعمّ من التمليك، لأنّ مفادها الجعل للّه تعالى، و كذا الصحيح عن طلحة الذي له كتاب معتمد، و هو يدلّ على الاعتماد عليه، و فيه:

«من تصدّق بصدقة ثمّ ردّت عليه فلا يأكلها، لأنّه لا شريك للّه عزّ و جلّ في شي‌ء ممّا جعل له إنّما هو بمنزلة العتاقة» «5».

______________________________
(1) الوسائل: ج 13 ص 164 ح 1 من ب 3 من أبواب أحكام الصلح.

(2) المصدر: ص 317 ح 7 من ب 11 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات.

(3) المصدر: ص 315 الباب 11.

(4) المصدر: ص 316 ح 1 من ب 11 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات.

(5) الوسائل: ج 13 ص 316 ح 3 من ب 11 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات.

724
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم الأموال التي تجعل للصرف في جهة من الجهات أو للصرف في مصرف شخص خاص لله تعالى ص 723

و لزومه (1). و أمّا إذا لم يقصد بذلك القربة إليه تعالى ففي جواز الرجوع و عدمه وجهان (2)، و الحاصل أنّ أخبار الصدقة شاملة للإعراض للّه تعالى بلا شبهة، و الشاهد على ذلك أنّ إطلاق الصدقة على الوقف في الأخبار الواردة في أوقاف الأئمّة عليهم السّلام كثير جدّا بل لم أجد فيها كلمة الوقف على ما هو بالبال، مع أنّه يمكن أن يكون ذلك تمليكا، إذ لا حقيقة للتمليك إلّا الجعل للمالك، مع أنّه لو لا التمليك و لا صدق عنوان الصدقة يمكن الحكم بالصحّة و اللزوم من حيث التعليل المتقدّم.

فإنّ وجوب الوفاء بالعقود و دليل لزوم الصدقة عنوانا و تعليلا و استصحاب بقاء الاعتبار الحادث و عدم رجوعه إلى المالك الأوّل بالفسخ كلّ ذلك دالّ على اللزوم.

وجه الجواز صدق الهبة و النحلة عليه، و قد ورد أنّه يجوز الرجوع إليها في غير المعوّضة و غير ذي الرحم، ففي الصحيح المعتبر جدّا:

«الهبة و النحلة يرجع فيها صاحبها إن شاء، حيزت أو لم تحز، إلّا لذي رحم فإنّه لا يرجع فيها» «1».

فإنّه يقال أوّلا: إنّه هبة. و ثانيا: على فرض الشكّ في صدق الهبة على الإعراض للصرف أو التمليك للصرف فإذا جاز الرجوع في الهبة الّتي يكون لها مالك شخصيّ فما ليس له مالك شخصيّ أولى بالجواز.

و وجه عدم الجواز: عدم صدق الهبة عليه أو الترديد في ذلك، و منع الأولويّة، من جهة أنّ التمليك على الصرف إقدام على الإتلاف فكأنّه لا يريد الرجوع، بخلاف تمليك العين الموجودة، فإنّ الإعراض عنه أضعف.

______________________________
(1) الوسائل: ج 13 ص 338 ح 2 من ب 6 من أبواب الهبات.

725
کتاب الخمس (للحائري)

هل يشترط في مورد الكلام و في الصدقة و الهبة مطلقا الإيجاب و القبول اللفظيان أم لا ص 726

و الأحوط عدم الرجوع. هذا ما دام الحياة، و أمّا بعدها فلا رجوع، لأنّه لا يورث ذلك (1). هذا كلّه في صورة القبض و القبول.

[هل يشترط في مورد الكلام و في الصدقة و الهبة مطلقا الإيجاب و القبول اللفظيّان أم لا؟]

و هل يشترط في الصدقة و الهبة- مطلقا- و في مورد الكلام الإيجاب و القبول اللفظيّان أم لا؟ الظاهر العدم، بل هو مقطوع في الصدقة (2).

و الإنصاف عدم الاطمئنان بأحد الطرفين.

كما ظهر وجهه في آخر التعليق المتقدّم.

قال قدّس سرّه في الجواهر في باب الصدقة بعد قول المحقّق قدّس سرّه «و أمّا الصدقة فهي عقد يفتقر إلى إيجاب و قبول» «1»:

بلا خلاف أجده، بل عن بعض الكتب الإجماع عليه، لكن في الرياض: كفاية الفعل وفاقا لبعض أصحابنا خلافا لجماعة- إلى أن قال في الجواهر:- يحتمل دعوى أعمّيّة الصدقة من العقد، ضرورة صدقها على الإبراء المتقرّب به إليه تعالى و على بذل الطعام و الماء و نحوهما للفقراء، و لقد كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام يتصدّق على الفقراء في السرّ «2» على وجه لا يحصل فيه معنى العقديّة الّتي هي الارتباط «3».

و قال السيّد الطباطبائيّ قدّس سرّه في ملحقات العروة:

لا إشارة في شي‌ء من الأخبار على اعتبار اللفظ فيها، فما أدري من أين اشترطوا فيها الإيجاب و القبول؟ «4». انتهى ملخّصا.

______________________________
(1) الشرائع: ج 2 ص 454.

(2) الوسائل: ج 6 ص 276 ح 8 من ب 13 من أبواب الصدقة.

(3) الجواهر: ج 28 ص 124 و 125.

(4) ملحقات العروة: ج 1 ص 274.

726
کتاب الخمس (للحائري)

هل يشترط في مورد الكلام و في الصدقة و الهبة مطلقا الإيجاب و القبول اللفظيان أم لا ص 726

بقي الكلام في اعتبار القبول و القبض، أمّا الأوّل فهو صريح عبائر الأصحاب (1). و يمكن أن يقال: يكفي في الصدقة و الهبة أحد الأمرين من القبض أو القبول اللفظيّ (2).

أقول: أمّا عدم اشتراط اللفظ فبعد التدبّر لعلّه من الضروريّات، و ذلك للسيرة القطعيّة بين المسلمين في إعطاء الخبز و الطعام و غير ذلك، و لا يخطر ببال أحد أنّه لا بدّ من الإيجاب و القبول، و لخلوّ الأخبار الكثيرة الواردة في إنفاقات المعصومين عليهم السّلام من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام الذي تصدّق بخاتمه في الركوع، و من المعلوم عدم اشتماله على الإيجاب و القبول اللفظيّين، كما هو واضح لا يعتريه شكّ.

لكنّ الإنصاف أنّ كلمات الأصحاب ليست صريحة في ذلك، بل لعلّ المقصود هو الاحتياج إليهما على النحو الأعمّ من اللفظيّ و الفعليّ.

كما تقدّم، و لعلّ الوجه فيه أنّ لزوم الصدقة أو صحّتها و كذا الهبة من دون القبول خلاف تسلّط المتّهب على نفسه، و الناس مسلّطون على أموالهم فكيف بأنفسهم، و أنفسهم أموالهم أيضا.

و الجواب عنه بوجهين:

أحدهما أنّه إذا تمكّن المتّهب- من الشخص أو متولّي المصرف- من الإعراض عن ذلك حدوثا و بقاء فلا ينافي التسلّط.

ثانيهما أنّ الإعراض و الجعل للمصرف أو تمليك المصرف لا ينافي تسلّط الشخص و ليس تصرّفا في سلطان الشخص، و لذا صرّح صاحب العروة قدّس سرّه في ملحقاته بعدم احتياج الصدقة إلى القبول «1».

أمّا الاولى فلأنّ الأخبار مختلفة، فبعضها دالّ على صحّة الصدقة في‌

______________________________
(1) ملحقات العروة: ج 1 ص 274.

727
کتاب الخمس (للحائري)

هل يشترط في مورد الكلام و في الصدقة و الهبة مطلقا الإيجاب و القبول اللفظيان أم لا ص 726

..........

فرض عدم القبض، و هو صحيح عليّ بن جعفر:

و سألته عن الرجل يتصدّق على الرجل بجارية هل يحلّ فرجها ما لم يدفعها إلى الذي تصدّق بها عليه؟

قال: «إذا تصدّق بها حرمت عليه» «1».

و بعضها دالّ على البطلان في صورة عدم القبض، كصحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام:

أنّه قال في الرجل يتصدّق على ولده و قد أدركوا:

«إذا لم يقبضوا حتّى يموت فهو ميراث، فإن تصدّق على من لم يدرك من ولده فهو جائز، لأنّ والده هو الذي يلي أمره.» «2».

و لا يخفى أنّ مثل الصحيح الأوّل صريح في الصحّة في صورة عدم القبض مع وقوع القبول، لأنّه القدر المتيقّن من دلالته، مضافا إلى أنّ الحكم بالحرمة على فرض وقوع التصدّق في غير الوقف غير المحتاج إلى القبول غير معلوم الصدق، لأنّه غير معلوم أنّه تصدّق بها عليه من دون إعطاء و لا قبول. و مثل الصحيح الثاني صريح في صورة عدم القبض و القبول، فنحكم بالصحّة في صورة القبول و عدم القبض، للصحيح الأوّل، و نحكم بالبطلان في صورة عدم القبض و عدم القبول اللفظيّ، فلا بدّ أن يقال بأنّ القبض من دون القبول اللفظيّ كاف، إذ لو كان القبول من دون القبض كافيا- لصحيح عليّ بن جعفر- و الخالي عن القبض و القبول باطلا و الخالي عن القبول أيضا باطلا كان الاعتبار بالقبض لغوا صرفا، فمقتضى الجمع‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 13 ص 320 ح 2 من ب 14 من أبواب الوقوف و الصدقات.

(2) الوسائل: ج 13 ص 297 ح 1 من ب 4 من أبواب الوقوف و الصدقات.

728
کتاب الخمس (للحائري)

هل يشترط في مورد الكلام و في الصدقة و الهبة مطلقا الإيجاب و القبول اللفظيان أم لا ص 726

..........

كفاية أحد الأمرين.

و الإنصاف أنّ ذلك لا يوجب خلاف ظاهر معتدّ به في مثل صحيح محمّد بن مسلم، إذ الغالب في الخارج وقوع التصدّق من دون القبول اللفظيّ، و القبول اللفظيّ ليس متعارفا، مضافا إلى عدم ذكره في مقام السؤال و عدم أخذه في موضوع الحكم، خصوصا بملاحظة أنّ القبض في العرف يعتبر من باب أنّه قبول عرفيّ و اعتباره تعبّدا خلاف الارتكاز العرفيّ، و على فرض الشكّ يقال بأنّ مقتضى صحّة العقود و لزوم الوفاء به هو صحّة العقد المركّب من الإيجاب و القبول الأعمّ من الفعليّين أو القوليّين.

هذا بالنسبة إلى الصدقة، و بالنسبة إلى الهبة فالأخبار مختلفة، فبعضها يدلّ على اعتبار القبض، كموثّق داود بن حصين:

«الهبة و النحلة ما لم تقبض حتّى يموت صاحبها- قال:- هي ميراث.» «1».

و بعضها يدلّ على صحّة الهبة بدون القبض، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

«الهبة جائزة قبضت أو لم تقبض، قسمت أو لم تقسم، و النحل لا يجوز حتّى تقبض» «2».

و كذا رواية أبي مريم:

«إذا تصدّق الرجل بصدقة أو هبة قبضها صاحبها أو لم يقبضها علمت أو لم تعلم فهي جائزة» «3».

و التقريب ما تقدّم في الصدقة. و المقصود من «علمت أو لم تعلم» الظاهر أنّه أشهدت على ذلك أو لم تشهد على ذلك، و على فرض الشكّ فمقتضى عموم صحّة‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 13 ص 335 ح 5 من ب 4 من أبواب الهبات.

(2) المصدر: ح 4.

(3) المصدر: ح 2.

729
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم المال المعطى للصرف في وجوه الخير مع تعذر صرفه فيه ص 730

مسألة [حكم المال المعطى للصرف في وجوه الخير مع تعذّر صرفه فيه]

المال المعطى للصرف في وجوه الخير إن تعذّر صرفه فيه فمقتضى القاعدة هو الصرف في غيره من سبل الخير (1). و إن شكّ بعد الوقوع في يد المصرف يمكن أن يقال: إنّه يحكم أنّه له (2).

مسألة [الإحياء و الحيازة يوجبان الملكيّة لمن يقصد بهما ذلك]

لعلّ الظاهر أنّ الإحياء و الحيازة يوجبان الملكيّة لمن المعاملة التامّة بالإيجاب و القبول الفعليّين أو اللفظيّين هو الصحّة. و اللّه العالم.

لأنّه إن كان من باب الإعراض فليس الإعراض مشروطا بالصرف بالشرط المقارن- لأنّه لا محلّ للإعراض بعد الصرف- و لا بالشرط المتأخّر، فإنّ الإعراض للصرف، و ليس الصرف دخيلا في الإعراض عرفا، مضافا إلى أنّ الشرط المتأخّر خلاف الارتكاز العرفيّ، فالظاهر بل المقطوع أنّ الإعراض له تعالى وقع مطلقا بداعي الصرف في المصرف المعيّن، و لا يمكن الرجوع عن هذا الإعراض أو حيازته، لأنّ الإعراض وقع له تعالى فلا يمكن الرجوع فيه بمقتضى ما تقدّم من الأخبار، و إن كان من باب التمليك للمصرف فالتمليك قد وقع، و لا دليل للرجوع إلى المالك الأوّل، بل الدليل يدلّ على عدم الرجوع في ما اعطي له تعالى «1».

لقاعدة اليد، فإنّ موثّق يونس بن يعقوب:

في امرأة تموت قبل الرجل أو رجل قبل المرأة، قال: «ما كان من متاع النساء فهو للمرأة، و ما كان من متاع الرجال و النساء فهو بينهما، و من استولى على شي‌ء منه فهو له» «2».

مع أنّ كثيرا من مختصّات النساء منتقلة إليهنّ من الرجال، فافهم و تأمّل.

______________________________
(1) الوسائل: ج 13 ص 334 ح 1 من ب 3 من أبواب الهبات.

(2) الوسائل: ج 17 ص 525 ح 3 من ب 8 من أبواب ميراث الأزواج.

730
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الإحياء و الحيازة يوجبان الملكية لمن يقصد بهما ذلك ص 730

يقصد بهما ذلك مطلقا (1).

قال قدّس سرّه في الجواهر:

المتّجه الحكم بالإحياء مطلقا.، و لا فرق في ما ذكرنا بين موات أرض الإسلام و موات غيرها، و لا بين الذمّيّ و غيره و إن كان لنا تملّك ما يحييه الحربيّ «1».

و قال الشيخ الأنصاريّ قدّس سرّه:

إنّه الظاهر من عموم قوله عليه السّلام: «من أحيا أرضا» و إن كان في بعض الأخبار ما يخالفه «2».

أقول: قد تقدّم الإطلاقات الّتي منها صحيح محمّد بن مسلم، قال:

سألته عن الشراء من أرض اليهود و النصارى، قال:

«ليس به بأس» إلى أن قال: «و أيّما قوم أحيوا شي‌ء من الأرض أو عملوه فهم أحقّ بها و هي لهم» «3».

و منها عن الصدوق أنّه قال:

«قد ظهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على خيبر فخارجهم على أن يكون الأرض في أيديهم يعملون فيها و يعمرونها و ما بأس لو اشتريت منها شي‌ء، و أيّما قوم أحيوا شي‌ء من الأرض فعمروه فهم أحقّ به و هو لهم» «4».

و دلالة المعتبرين صريحة، لأنّ إطلاق التملّك بالإحياء وارد في مورد الكفّار.

نعم، في شموله لغير الذمّيّ يكون دلالته بالإطلاق، و لا ينافي ذلك كون الموات‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 38 ص 16 و 17.

(2) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ: ص 351.

(3) الوسائل: ج 17 ص 326 ح 1 من ب 1 من أبواب إحياء الموات.

(4) المصدر: ص 327 ح 7.

731
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الإحياء و الحيازة يوجبان الملكية لمن يقصد بهما ذلك ص 730

..........

للإمام و كون التملّك موقوفا على إذنه عليه السّلام، لأنّ الإطلاق كاشف عن ثبوت الإذن.

و كذا الكلام بالنسبة إلى دليل الحيازة و إن كان دليله أخفى، مع أنّ قوله عليه السّلام في الصحيح «أو عملوه» دالّ عليه كما تقدّم.

إنّما الإشكال في دلالة بعض الأخبار على أنّ التملّك بالإحياء خاصّ بالشيعة، كخبر أبي خالد الكابليّ عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:

«وجدنا في كتاب عليّ عليه السّلام أنّ الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتّقين، أنا و أهل بيتي الّذين أورثنا الأرض، و نحن المتّقون، و الأرض كلّها لنا، فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها و ليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي و له ما أكل منها، فإن تركها و أخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و أحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي و له ما أكل منها حتّى يظهر القائم عليه السّلام من أهل بيتي بالسيف فيحويها و يمنعها و يخرجهم منها كما حواها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و منعها إلّا ما كان في أيدي شيعتنا، فإنّه يقاطعهم على ما في أيديهم و يترك الأرض في أيديهم» «1».

و تقريب المعارضة أنّ الظاهر عدم تملّك غير الشيعة بالإحياء فلا بدّ أن يؤدّي خراجها إلى الإمام من أهل البيت، و الخراج ظاهر في جميع المنافع، خصوصا مع استثناء ما أكل منها.

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 329 ح 2 من ب 3 من أبواب إحياء الموات.

732
کتاب الخمس (للحائري)

حلية غير إرث من لا وارث له من الأنفال للشيعة ص 733

[حلّيّة غير إرث من لا وارث له من الأنفال للشيعة]

و أمّا غير ذلك من الأنفال، فغير إرث من لا وارث له (من الغنائم و الجواب عنه بوجوه:

الأوّل: عدم وضوح السند، من جهة تردّد أبي خالد الكابليّ- الذي اسمه وردان- بين الأكبر الموثّق و الأصغر غير الموثّق.

الثاني: أنّ مقتضى ظاهره عدم تملّك الشيعة أيضا بالإحياء، و أنّ الخراج لا بدّ أن يؤدّي إلى الإمام و له ما أكل منها، و الفرق بين الشيعة و غيرهم إنّما يظهر عند خروج القائم عليه السّلام، و لم يقل به أحد على الظاهر، فالظاهر أنّ المراد بالخراج هو ما يجب أن يخرج من الأرض و يؤتى للسلطان لا ما يخرج منها خارجا، و يكون المراد بقوله «و له ما أكل منها» ما تصرّف منها واحد لنفسه، مثل قوله تعالى وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ «1». و في المنجد جعل من معاني «الخراج» المال المضروب على الأرض، فراجع.

الثالث: أنّ قوله: «و ليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي» مشعر بأنّ ظرف هذا الحكم عصر تكون الحكومة بيد الإمام من أهل بيت أمير المؤمنين عليه السّلام غير القائم المأمور بالسيف، فلا ينطبق على عصرنا و عصر حضور الأئمّة عليهم السّلام من غير أن تكون لهم الحكومة.

الرابع: أنّ في متنه ما يشعر بالضعف، و هو قوله «كما حواها و منعها»، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم يمنع أهل خيبر- كما تقدّم- و أبقى الأراضي في أيديهم، فلا بدّ من التوجيه بأنّه يمكن أن يمنع كما منع الرسول صلّى اللّه عليه و آله في الجملة، بخلاف الشيعة، فإنّه لا يمنع أحد منهم عن الأرض.

و ما تقدّم من خبر مسمع بن عبد الملك «2» تقدّم الجواب عنه «3»، و قد تقدّم أنّ‌

______________________________
(1) سورة البقرة: 188.

(2) في ص 716.

(3) في ص 717.

733
کتاب الخمس (للحائري)

حلية غير إرث من لا وارث له من الأنفال للشيعة ص 733

المأخوذة من الكفّار بغير إذن الإمام، و أرض الصلح، و صفايا الغنائم، و قطائع الملوك) لعلّ الظاهر أنّه حلال للشيعة (1).

خبر يونس بن ظبيان أو المعلّى ضعيف جدّا «1».

و ممّا يوضح أنّه ليس جميع الأراضي غصبا إلّا بالنسبة إلى الشيعة ما ورد من أنّ منشأ التحريم و الغصب هو الخمس، فراجع «2».

لمثل صحيح الفضلاء عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:

«قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: هلك الناس في بطونهم و فروجهم، لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا، ألا و إنّ شيعتنا من ذلك و آباءهم في حلّ» «3».

و غير ذلك فراجع «4».

و لا ينافيه ما عن عوالي اللآلئ:

«سئل الصادق عليه السّلام، فقيل له: يا ابن رسول اللّه ما حال شيعتكم في ما خصّكم اللّه به إذا غاب غائبكم و استتر قائمكم؟

فقال عليه السّلام: «ما أنصفناهم إن و أخذناهم، و لا أحببناهم إن عاقبناهم، بل نبيح لهم المساكن لتصحّ عبادتهم، و نبيح لهم المناكح لتطيب ولادتهم، و نبيح لهم المتاجر ليزكوا أموالهم» «5».

فإنّ المتاجر تشمل جميع ما يكون رأس مالهم من مال التجارة أو الأراضي‌

______________________________
(1) تقدّم في ص 716.

(2) الوسائل: ج 6 ص 375 و 378 الباب 3 و 4 من أبواب الأنفال.

(3) المصدر: ص 378 ح 1 من ب 4.

(4) المصدر: ص 378، الباب 4.

(5) المستدرك: ج 7 ص 303 ح 3 من ب 4 من أبواب الأنفال.

734
کتاب الخمس (للحائري)

مصرف مال من لا وارث له في زمان الغيبة ص 735

[مصرف مال من لا وارث له في زمان الغيبة]

و أمّا مال من لا وارث له ففي الشرائع أنّه «إن كان عليه السّلام غائبا قسم في الفقراء و المساكين» «1» (1).

و العقار، و ذلك للتعليل بطهارة الأموال، فمن المحتمل القريب أن يكون الخبر بصدد التعميم لا التخصيص بالموارد الثلاثة بحيث يفرض فرد يكون خارجا من تلك الأفراد.

و في الجواهر:

إنّه المشهور، و عن اللمعة: إنّه يقسّم بين فقراء بلد الميّت و مساكينه، و عن الشيخ في المبسوط: إنّه يدفن أو يوصى به كسائر حقوقه، بل ظاهر الخلاف الإجماع عليه، و يحتمل كون ذلك حلالا للشيعة، لإطلاق أدلّة التحليل «2». انتهى ما في الجواهر من الوجوه الأربعة.

أقول: و هنا احتمال خامس و هو أن يجعل في بيت مال المسلمين و يصرف في المصالح العامّة لهم، و سادس و هو أن يعطى لأقرب الناس إليه، و سابع و هو أن يكون ميراثه لعامّة المسلمين، و لعلّه على وجه الإباحة- أي يباح لكلّ مسلم أخذه فيصير ملكا له-، و ثامن و هو أن يكون حكمه حكم سهم الإمام عليه السّلام من نصف الخمس فلا بدّ أن يصرف في ما يقطع أو يطمأنّ برضا الإمام عليه السّلام.

و يشهد للأوّل ما في مرسل حمّاد المعتبر:

«و هو وارث من لا وارث له يعول من لا حيلة له» «3».

و للثاني أنّ جميع ما ورد من الصرف في الفقراء أو فقراء البلد أو غير ذلك من‌

______________________________
(1) الشرائع: ج 4 ص 839.

(2) الجواهر: ج 39 ص 262.

(3) الوسائل: ج 6 ص 365 ح 4 من ب 1 من أبواب الأنفال.

735
کتاب الخمس (للحائري)

مصرف مال من لا وارث له في زمان الغيبة ص 735

..........

باب أنّه ملكه عليه السّلام، و في غيبته لا يرجع إلى ما كان يعمل في حال حياته بل يرجع إلى العموم الوارد بالنسبة إلى أموال الغير، فيجب الردّ إلى صاحبه و الإيصال إليه عليه السّلام بالدفن و الإيصاء.

و للثالث ما ورد في غير واحد من الروايات من الدفع إلى همشاريجه (أي همشهرى‌هاى ميّت) كخبر ابن أبي عمير عن الخلّاد السنديّ- أو السريّ أو السدّيّ- البزّاز (أو البزّار) عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«كان عليّ يقول في الرجل يموت و يترك مالا و ليس له أحد: أعط المال همشاريجه» «1».

و قريب منه ما يتلوه «2». و في ثالث إنّه:

«دفع أمير المؤمنين عليه السّلام ميراثه إلى همشهريجه» «3».

و للرابع ما دلّ على حلّ جميع حقوقهم لشيعتهم، كما يظهر من إطلاق صحيح الفضلاء المتقدّم «4».

و للخامس خبر معاوية بن عمّار، و فيه:

«فإن سكت» أي المعتق الذي لم يوال أحدا «حتّى يموت أخذ ميراثه فجعل في بيت مال المسلمين» «5».

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 551 ح 1 من ب 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة.

(2) المصدر: ص 552 ح 2.

(3) المصدر: ص 552 ح 3.

(4) في ص 734.

(5) الوسائل: ج 17 ص 549 ح 9 من ب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة.

736
کتاب الخمس (للحائري)

مصرف مال من لا وارث له في زمان الغيبة ص 735

..........

و قريب منه خبر سليمان بن خالد «1».

و للسادس خبر أبي بصير، و فيه:

«و إن لم يوال أحدا فهو لأقرب الناس لمولاه الذي أعتقه» «2».

فإنّه إمّا أن يكون المقصود أنّه لأقرب الناس إليه- و هو المولى الذي أعتقه- أو لأقرب الناس إلى المولى الذي أعتقه، و هذا من باب أنّه أقرب الناس إليه.

و عن الصدوق قدّس سرّه قال: روي في خبر آخر أنّ:

«من مات و ليس له وارث فميراثه لهمشاريجه» يعني أهل بلده «3».

قال الصدوق رحمه اللّه:

متى كان الإمام ظاهرا فماله للإمام، و متى كان الإمام غائبا فماله لأهل بلده متى لم يكن له وارث و لا قرابة أقرب إليه منهم بالبلد به «4».

و للسابع خبر أبي البختريّ:

«أنّ عليّا عليه السّلام أعتق عبدا نصرانيّا ثمّ قال: ميراثه بين المسلمين عامّة إن لم يكن له وليّ» «5».

و للثامن أنّ كلّ ذلك من باب الإذن، و إلّا فالمال للإمام عليه السّلام لا بدّ أن يردّ إليه أو يصرف في ما يقطع أو يطمأنّ برضاه. و مقتضى الجمع بين الروايات أنّه حلال‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 553 ح 8 من ب 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة.

(2) الوسائل: ج 17 ص 552 ح 6 من ب 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة.

(3) المصدر: ح 4.

(4) الوسائل: ج 17 ص 552.

(5) الوسائل: ج 17 ص 553 ح 9 من ب 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة.

737
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة مصرف السهم المبارك في زمان الغيبة ص 738

و لعلّ الأحوط في الجملة أن يصرف في ما يطمئنّ برضا الإمام عليه السّلام بإذن المجتهد الجامع للشرائط فيلاحظ فقراء بلده، فإن أعطى لمحصّلي العلوم الدينيّة العدول من أهل بلده كان موافقا للاحتياط في الجملة (1).

مسألة [مصرف السهم المبارك في زمان الغيبة]

قال في الشرائع «1» إنّ في مصرف السهم المبارك في زمان غيبته عليه السّلام أقوالا، فقيل يكون مباحا (2).

للشيعة لإطلاق مثل صحيح الفضلاء، و أنّه يجوز صرفه في فقراء بلده و في الفقراء الّتي لا حيلة لهم و في مصالح المسلمين و لأقرب الناس إليهم و لأحد من المسلمين.

فإنّه إن كان مصرفه مصرف السهم المبارك أو كان مصرفه المصالح العامّة أو كان مصرفه عامّة المسلمين أو الشيعة أو كان مصرفه الهمشهريجة فقد عمل بالجميع. نعم، إن كان مصرفه قرابة الميّت لم يلاحظ ذلك، و هو ليس إلّا بالنسبة إلى العبد المعتق، كما تقدّم دليله. و اللّه المتعالي هو المستعان.

ما ذكرناه هو النقل بالمعنى. و القائل هو الديلميّ، و تبعه صاحب الذخيرة، و لا ثالث لهما إلّا ما حكاه في المقنعة و النهاية عن القائل المجهول و في الحدائق عن جملة من معاصريه بل قال: إنّه مشهور بينهم. هذا كلّه على ما في الجواهر «2».

أقول: قد تقدّم سابقا روايات الحلّ «3» و قد جمعها في الوسائل في الباب الرابع من الأنفال «4».

و الجواب عن ذلك بوجوه على سبيل منع الخلوّ:

الأوّل: عدم دلالة بعضها على التعميم بالنسبة إلى كلّ زمان، كخبر عليّ بن مهزيار: «من أعوزه شي‌ء من حقّي فهو في حلّ»، «5» و خبر يونس: «ما أنصفناكم إن‌

______________________________
(1) ج 1 ص 138.

(2) ج 16 ص 156.

(3) في ص 154 و ما بعدها.

(4) الوسائل: ج 6 ص 378.

(5) الوسائل: ج 6 ص 379 ح 2 من ب 4 من أبواب الأنفال.

738
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة مصرف السهم المبارك في زمان الغيبة ص 738

..........

كلّفناكم ذلك اليوم» «1»، بل فيه إشعار أو ظهور في أنّ التحليلات من باب عروض أحوال خاصّة موجبة لكون الأخذ منهم خلاف الإنصاف و التسهيل، فهو من باب الحرج على الشيعة. و خبر حكيم في قوله تعالى:

وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ قال: «هي و اللّه الإفادة يوما بيوم إلّا أنّ أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلّ ليزكوا» «2».

لاحتمال أن يكون المقصود حلّيّة التأخير إلى السنة و عدم وجوب الأداء فورا، أو يكون من باب استثناء مئونة العام لا مئونة اليوم. و خبر عبد العزيز بن نافع، و فيه:

«أنت في حلّ ممّا كان من ذلك، و كلّ من كان في مثل حالك من ورائي فهو في حلّ من ذلك» «3».

فإنّه لا يشمل من لا يكون في مثل حاله بعد ذلك، و لا يشمل من لا يكون أباه من سبايا بني أميّة.

الثاني: أنّ مفاد بعضها أنّه حلال للشيعة لا لمن وجب عليه الخمس، كخبر عيسى بن المستفاد، و فيه:

«فمن عجز و لم يقدر إلّا على اليسير من المال فليدفع ذلك إلى الضعفاء من أهل بيتي من ولد الأئمّة، فمن لم يقدر على ذلك فلشيعتهم ممّن لا يأكل بهم‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 380 ح 6 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(2) المصدر: ح 8.

(3) المصدر: ص 384 ح 18.

739
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة مصرف السهم المبارك في زمان الغيبة ص 738

..........

الناس و لا يريد بهم إلّا اللّه» «1».

الثالث: أن يكون موضوع التحليل حقّهم الأعمّ من الأنفال و الخمس الذي يصل إلى يد من لم يتوجّه إليه تكليف الخمس من حيث إنّه استفاد بنفسه، سواء كان واصلا إليه ممّن لا يعتقد الخمس أو ممّن يعتقده، و لا يشمل الغنيمة الحاصلة لنفسه، كخبر أبي خديجة، و فيه:

إنّما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوّجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شي‌ء أعطيه، فقال: «هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم و الغائب، و الميّت منهم و الحيّ، و ما يولد منهم إلى يوم القيامة.» «2».

فإنّه من الواضح أنّه ليس السؤال عن الحقّ الحادث في ماله بسبب الغنيمة الحاصلة له، بقرينة الخادم و المرأة و الميراث الذي فيه الخمس، فإنّ التجارة و الهبة في السياق المذكور، فالمقصود مال التجارة الذي يصل إلى يده ممّن لا يخمّس و لا يلاحظ حقوق الأئمّة عليهم السّلام و لا حقوق السادات. و خبر الفضيل، و فيه:

«إنّا أحللنا أمّهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا» «3».

و من المعلوم أنّ ذلك من المئونة، و ليس فيها الخمس من حيث فوائد نفسه، بل من جهة أنّها من الغنائم الّتي لم يعط خمسها أو يكون كلّها للإمام عليه السّلام باعتبار عدم الإذن. و خبر التفسير عن أمير المؤمنين عليه السّلام، و فيه:

«فقد وهبت نصيبي منه [أي من السبي و الغنائم] لكلّ من ملك شي‌ء من ذلك من شيعتي» بعد قوله:

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 386 ح 21 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(2) المصدر: ص 379 ح 4.

(3) المصدر: ص 381 ح 10.

740
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة مصرف السهم المبارك في زمان الغيبة ص 738

..........

«و يبيعونه فلا يحلّ لمشتريه» «1».

فلا يشمل من كان في الحرب و اغتنم بنفسه.

الرابع: ضعف إسناد بعضها، كخبر محمّد بن مسلم «2»، لصباح الأزرق، و خبر يونس «3»، لاحتمال كون الراوي عنه محمّد بن سالم المحتمل كونه هو الضعيف أو المجهول، و خبر الرقّيّ «4»، للسنديّ و يحيى المهملين في الرجال، و خبر حكيم «5»، فإنّه مجهول، و خبر معاذ، «6» لحمّاد بن طلحة فإنّه مهمل، و خبر أبي سيّار «7»، لعمر بن يزيد المشترك بين الثقة و غيره، و خبر النصريّ، «8» لجعفر بن محمّد بن حكيم الذي هو ليس بشي‌ء على المنقول عن الكشّيّ عمّن نسي اسمه، و خبر إسحاق «9»، له و لعدم نقله الكلينيّ في الكافي و إن كان في ذلك تأمّلا، و خبر يونس أو المعلّى، «10» ليونس المعروف بالكذب كما قالوا، و خبر عبد العزيز بن نافع «11»، له، و خبر أبي حمزة «12»، لحسن بن عبد الرحمن، و عليّ بن العبّاس رمي بالغلوّ و الضعف و الخبث و تهالك مذهبه (صه)، و خبر التفسير «13»، للإرسال، و خبر عيسى بن المستفاد «14»، له، و خبر العيّاشيّ «15»، للإرسال.

الخامس: ورود التحليل بالعنوان الأعمّ من المال الذي فيه حقّ من الخمس أو غيره و الخمس الذي يحصل في منافع نفس من ورد التحليل بالنسبة إليه.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 385 ح 20 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(2) الوسائل: ج 6 ص 380 ح 5 و 6 و 7 و 8 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(3) الوسائل: ج 6 ص 380 ح 5 و 6 و 7 و 8 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(4) الوسائل: ج 6 ص 380 ح 5 و 6 و 7 و 8 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(5) الوسائل: ج 6 ص 380 ح 5 و 6 و 7 و 8 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(6) المصدر: ص 381 ح 11.

(7) المصدر: ص 382 ح 12.

(8) المصدر: ص 383 ح 14 و 16.

(9) المصدر: ص 383 ح 14 و 16.

(10) المصدر: ص 384 ح 17.

(11) المصدر: ص 384 ح 18.

(12) الوسائل: ج 6 ص 385 ح 19 و 20 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(13) الوسائل: ج 6 ص 385 ح 19 و 20 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(14) المصدر: ص 386 ح 21.

(15) الوسائل: ج 6 ص 386 ح 22 من ب 4 من أبواب الأنفال.

741
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة مصرف السهم المبارك في زمان الغيبة ص 738

..........

و هو مخصّص بما ورد من أنّه يجب الخمس في ما أفاد حتّى في عصر أبي جعفر الباقر، كخبر أبي بصير عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام:

«من اشترى شي‌ء من الخمس لم يعذره اللّه، اشترى ما لا يحلّ له» «1».

و خبر عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام إنّه قال:

«إنّي لآخذ من أحدكم الدرهم و إنّي لمن أكثر أهل المدينة مالا، ما أريد بذلك إلّا أن تطهروا» «2».

السادس: أنّه على فرض التعميم حتّى من حيث الغنيمة الحاصلة للشخص فالتحريم من عصر موسى بن جعفر عليهما السّلام ثابت، فراجع الروايات الواردة في الباب الثامن من أبواب ما يجب فيه الخمس «3»: من خبر أبي جعفر الثاني «4» و أبي الحسن الثالث عليهما السّلام «5»، و خبر أبي عليّ بن راشد المأمور بالقيام بأمره و أخذ حقّه «6»، و خبر الهمدانيّ عن أبي الحسن عليه السّلام «7»، و مكاتبة عليّ بن مهزيار «8»، و الأخبار الواردة في الباب الثالث من أبواب الأنفال «9». و قصّة الواقفيّة المستبدّين بمال موسى بن جعفر عليهما السّلام معروفة، و أخذ الخمس سنين عديدة من الناس من جانب الناحية المقدّسة أيضا واضحة. و أخبار قسمة الخمس و عدم وجوب الاستيعاب و أنّه يقسم ستّة أقسام «10» و حكم أنّ الخمس بعد المئونة «11»، و غير‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 376 ح 5 من ب 3 من أبواب الأنفال.

(2) الوسائل: ج 6 ص 337 ح 3 من ب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 348.

(4) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 1 و 2 و 3 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(5) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 1 و 2 و 3 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(6) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 1 و 2 و 3 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(7) المصدر: ص 349 ح 4 و 5.

(8) المصدر: ص 349 ح 4 و 5.

(9) الوسائل: ج 6 ص 375.

(10) الوسائل: ج 6 ص 355 الباب 1 و ص 362 الباب 2 من أبواب قسمة الخمس.

(11) الوسائل: ج 6 ص 354، الباب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

742
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة مصرف السهم المبارك في زمان الغيبة ص 738

و اختار صرف السهم المبارك في الطوائف الثلاثة المستحقّين لنصف الخمس (1).

ذلك من الأخبار- الواردة في أبواب ما يجب فيه الخمس- كلّ ذلك مخالف قطعيّ للتحليل المطلق، فلا بدّ من حمل التحليل على بعض المواقع أو بالنسبة إلى ما يؤخذ من يد الغير، سواء كان معتقدا بوجوب الخمس أم لا.

السابع: أنّ التعليل بطيب الولادة- الظاهر في أنّه من جهة الأعمّ من النطفة و المهر الحلال و نفس أمّهات الأولاد الّتي هي سبايا و كلّها للإمام أو الخمس منها له عليه السّلام- ظاهر في انحصار الطريق في ذلك، و هو في مورد ثبوت الحرج في أداء الخمس و هو أداء خمس مال الغير، و أمّا أداء خمس فوائده الشخصيّة بعد إخراج المئونة على نحو السعة فلا حرج فيه و لا يحسن التعليل بطيب الولادة، فإنّ أداءه من أسهل الأمور.

الثامن: أنّ عمومات التحليل على نحو الإطلاق مخالف للتعليل الوارد في خبر حمّاد المعتبر، و هو قوله:

«فجعل لهم خاصّة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذلّ و المسكنة» «1».

و التعليل حاكم على العموم كما هو المعروف.

و من ذلك كلّه يظهر الجواب عن التوقيع «2» و قد مرّ «3». و فيه- مضافا إلى ما مرّ-: ثبوت أخذ الخمس بعد ذلك، فإنّ التوقيع كان بوسيلة محمّد بن عثمان النائب الثاني، و الحسين بن الروح و السمريّ كانا بعد ذلك.

قال قدّس سرّه في الجواهر:

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 383 ح 16 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(3) في ص 157 و ما بعدها.

743
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة مصرف السهم المبارك في زمان الغيبة ص 738

..........

وفاقا للتحرير و ظاهر المحكيّ عن غريّة المفيد و زاد المعاد للمجلسيّ و كشف الغطاء و المنقول في الرياض عن الديلميّ و جمع من متأخّري المتأخّرين «1».

أقول: و عمدة الدليل لذلك القول مرسل حمّاد، و فيه:

«فإن فضل عنهم شي‌ء فهو للوالي، فإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به، و إنّما صار عليه أن يمونهم لأنّ له ما فضل عنهم» «2».

و ما عن أحمد بن محمّد عن بعض أصحابنا رفعه:

«فإن فضل شي‌ء فهو له، و إن نقص عنهم و لم يكفهم أتمّه لهم من عنده، كما صار له الفضل كذلك يلزمه النقصان» «3».

و قد أورد عليه في الجواهر. بما يرجع خلاصته إلى أمور:

الأوّل: الإرسال و عدم ثبوت الانجبار، قال:

و احتمال عدم احتياج العمل بهما بالنسبة إلى ذلك إلى الجابر (إذ مدلولهما قسمة الإمام عليه السّلام الخمس بينهم قدر الكفاية، فإن أعوز كان عليه، و إن زاد كان له الذي قد عرفت انجباره بعمل الأصحاب هناك، بل لا خلاف‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 170.

(2) الوسائل: ج 6 ص 363 ح 1 من ب 3 من أبواب قسمة الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 364 ح 2 من ب 3 من أبواب قسمة الخمس.

744
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة مصرف السهم المبارك في زمان الغيبة ص 738

..........

إلّا من الحليّ) يدفعه أنّ العمل بهما هناك لا يكفي للمسألة الّتي يكون المبحوث عنها حال غيبة الإمام «1».

و فيه أوّلا: أنّ حمّاد بن عيسى من أصحاب الإجماع، و ليس المقصود من ذلك بحسب الظاهر أنّ الإجماع على الوثوق بهم، لأنّه لا يعبّر عن ذلك إلّا بكونهم ثقات بالإجماع، و مورد الإجماع تصحيح ما يصحّ عنهم، فالقدر المتيقّن هو الذي يروي عنه، لا سيّما مثل حمّاد بن عيسى الدقيق في النقل كما يظهر من حاله، خصوصا بعد كونه في الكافي و التهذيب، لا سيّما مع توصيفه ببعض أصحابنا الذي لا يكون متجاهرا بالفسق، مع أنّ المتن ممّا صدر عن الفقيه و هو ليس بجاعل قطعا، لا سيّما المتن المفصّل المشتمل على مسائل عديدة.

و ثانيا: أنّ الانجبار إذا ثبت في أصل الحكم فالحكم بعدم الفرق بين عصر الحضور و الغيبة ليس مستفادا من جملة أخرى حتّى يحتاج إلى الانجبار، مع وضوح أنّ الانجبار يقتضي تصحيح الرواية و جعلها بحكم الصحيح، و الانجبار بالعمل غير الاستناد إلى الإجماع.

الثاني: أنّهما ظاهران في كيفيّة قسمة تمام ما شرعه اللّه تعالى من الخمس حال انبساط يد الإمام عليه السّلام و ظهور سلطانه و تساوي القريب و البعيد، المقتضي لجلب تمام ما يحصل من الخمس فيقسمه تلك القسمة «2».

و فيه أوّلا: أنّ مقتضى التعليل في معتبر حمّاد- المتقدّم المؤيّد بالمرفوع- أنّ علّة كون مؤونتهم عليه كون ما فضل عنهم له عليه السّلام، و ليس فيه فرض زمان الحضور و لا بسط اليد، و ليس فيه فرض جمع المال عند الإمام عليه السّلام، بل الجملة المذكورة صادقة على الخمس المجموع عند أحد أو في مكان بل على مجموع الخمس‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 171.

(2) الجواهر: ج 16 ص 171.

745
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة مصرف السهم المبارك في زمان الغيبة ص 738

..........

الحاصل واقعا، فإنّ ما فضل عن الخمس للإمام عليه السّلام و النقص على الإمام، كان الإمام غائبا أو حاضرا، مبسوط اليد أو غير مبسوط اليد، فلو كان ذلك لا يمكن إلّا في فرض الجمع فلا يدلّ ذلك على عدم سقوط هذا الحكم، بل لا بدّ من الجمع في محلّ واحد عند الموثّقين أو العدول أو الفقيه، و الفقيه هو المتيقّن.

و ثانيا: نمنع ظهوره في الجمع كما تقدّم سابقا، بل هو في كلّ خمس يكون قابلًا للوصول إليه من نفسه أو رفقائه، فإنّه لم يسمع و لم يثبت في كتب التأريخ و الروايات أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يجمع خمس جميع غنائم الحروب المتقاربة أو يجمع خمس غنائم الحرب و الكنز و المعدن ثمّ يقسم على ما ذكر، و لم يكن ذلك مسموعا أو مكتوبا بالنسبة إلى وكلاء الأئمّة عليهم السّلام بأن يلاحظوا مقادير الخمس ثمّ يفحصوا عن الهاشميّين في جميع أقطار المسلمين. و كون ذلك منحصرا بعصر سلطنة القائم عليه السّلام فيخرج عنه عصر الرسول و الأمير و أبي محمّد الحسن عليهم الصلاة و السلام كما ترى إخراج للقدر المتيقّن من مفاده، و ليس الحكم المذكور إلّا حكما لم يعمل به قطّ و لا يعمل به بعد ذلك.

إن قلت: موضوع الكلام في معتبر حمّاد هو الوالي، و هو ظاهر في الفعليّ، و هو الذي يكون مأخوذا في حيّز التعليل، لرجوع الضمير إليه، و لا يمكن إلقاء الخصوصيّة، لاحتمال دخالة الخصوصيّة، فلا يكون الفضل للإمام غير الوالي و لا يكون النقص عليه.

قلت: المقصود من الوالي هو وليّ الأمر بعد الرسول صلّى اللّه عليه و آله، فإنّ في صدر الحديث:

«فسهم اللّه و سهم رسول اللّه لأولي الأمر من بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وراثة».

746
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة مصرف السهم المبارك في زمان الغيبة ص 738

..........

إلى أن قال:

«و له نصف الخمس كمّلا، و نصف الخمس الباقي بين أهل بيته» «1».

إلى أن قال:

«فإن فضل عنهم شي‌ء فهو للوالي، فإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به، و إنّما صار.» «2».

و من المعلوم أنّ نصف الخمس ليس للإمام بشرط السلطنة الظاهريّة، فإنّه خلاف الضرورة، فالمقصود من الوالي من له حقّ الولاية، و ليس المقصود أنّ الزائد يعطى للوالي بمعنى السلطان و لو كان جائرا، لأنّه مع معلوميّته في نفسه يدلّ على عدمه قوله: «و إنّما جعل اللّه هذا الخمس لهم خاصّة» «3» فتأمّل.

فالمقصود من الوالي هو الإمام من دون شبهة، و الشبهة جارية في لفظ الإمام، و الدفع في الكلّ واضح، فإنّ الإمام و الوالي و اولي الأمر بعد الرسول واضح المراد عند الشيعة، و إلّا فلا بدّ من التطبيق على الجائر و هو واضح البطلان ثبوتا و إثباتا.

الثالث: خلوّ الأخبار عن إعطاء النصف المختصّ بالإمام للسادة الفقراء «4».

و فيه: أنّ ما ظفرنا عليه من الأخبار خال عن إعطاء نصفهم إليهم، بل الظاهر من الأخبار و السيرة حمل الخمس بنصفيه إليهم، و ذلك لا يدلّ على عدم استحقاقهم لنصفه، كيف؟ و الإشكال مشترك الورود، إذ مرّ منه أنّ كون الفضل له‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(2) المصدر: ص 363 ح 1 من ب 3.

(3) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(4) الجواهر: ج 16 ص 172.

747
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة مصرف السهم المبارك في زمان الغيبة ص 738

..........

و النقصان عليه مسلّم عند الحضور و قد أفتوا بذلك.

الرابع: أنّه لو بني على العمل بخبر حمّاد دلّ على أنّ الوالي يمون الأصناف الثمانية الّتي تكون مصرفا للزكاة، فإنّ فيه بعد تعيين مصرف الزكاة:

«فإن فضل من ذلك شي‌ء ردّ إلى الوالي، و إن نقص من ذلك الشي‌ء و لم يكتفوا به كان على الوالي أن يمونهم من عنده بقدر سعتهم حتّى يستغنوا» «1».

فلا بدّ من الحمل على بسط السلطنة للإمام و لا يشمل هذا الزمان «2».

و فيه: أنّا نلتزم به في هذا الزمان أيضا، لكنّ الواجب أوّلا تأمين السادات الفقراء ثمّ الإعطاء من السهم المبارك للأسهم الثمانية.

و تقريب ذلك من وجوه:

أحدها: ما تقدّم من معتبر حمّاد في الفقراء و باقي موارد السهام الثمانية بالنسبة إليهم، و ذيل خبر حمّاد المتقدّم بالنسبة إلى السادات. و أمّا الترتيب فيجي‌ء الكلام فيه بعد ذلك.

ثانيها: آية الفي‌ء و هي قوله تعالى:

مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ الآية «3».

فإنّ مقتضى إطلاقه الشمول للسهم المبارك، فإنّه ممّا أفاء اللّه على رسوله.

و الظاهر من تلك الآية كون ذي القربى مصرفا للسهم المبارك، و اليتامى‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 184 ح 3 من ب 28 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(2) الجواهر: ج 16 ص 172.

(3) سورة الحشر: 7.

748
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة مصرف السهم المبارك في زمان الغيبة ص 738

..........

و المساكين و ابن السبيل مصرفا أيضا من غير ذي القربى. و يدلّ على التعميم قوله تعالى كَيْ لٰا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيٰاءِ مِنْكُمْ «1» و قوله تعالى بعد تماميّة الآية:

لِلْفُقَرٰاءِ الْمُهٰاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيٰارِهِمْ وَ أَمْوٰالِهِمْ «2».

لكنّ الإنصاف أنّه فيه إشكال من وجوه:

الأوّل: أنّ الظاهر أنّ ما يكون داخلا فيها ليس ملكا للإمام عليه السّلام بل يكون تحت سلطنته، و مقتضى آية الخمس و الأخبار أنّ النصف ملك له، فلو كان المقصود من «ما أفاء اللّه» ما كان ملكا له فيصير معنى الآية أنّ ما كان ملكا للرسول فهو ملك للرسول و لغيره، فهو قضيّة ضروريّة أو خلف.

الثاني: أنّ ما يصير ملكا له أيضا يجري فيه التقسيم المذكور إلى غير النهاية، فلا بدّ أن يقال: إنّ ما أفاء اللّه- أي ما جعل اللّه تعالى تحت سلطنة رسوله صلّى اللّه عليه و آله- ينقسم إلى الأقسام المذكورة، فيقال: إنّ أرض الصلح ليست ملكا له صلّى اللّه عليه و آله بل تكون تحت اختياره، أو يقال: إنّ ما أفاء اللّه هو الأعمّ من الملك و غيره و يكون السهام المذكورة بيانا للمصرف فيشمل السهم المبارك أيضا، لكنّه خلاف ظاهر الآية، إذ لم يفرض الملكيّة في الموضوع، و ظاهر اللام هو الملكيّة.

الثالث: أنّ قوله تعالى قبل ذلك:

وَ مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمٰا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لٰا رِكٰابٍ «3».

يوجب الظهور أو الإشعار في أنّ قوله تعالى مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ بصدد بيان ما أفاء اللّه تعالى من غير دخالة عمل القوم، فينحصر في أرض الصلح الّتي هي مورد الآية خصوصا مع قرينة مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ، «4» فإنّه لا يفهم من الآية‌

______________________________
(1) سورة الحشر: 7.

(2) سورة الحشر: 8.

(3) سورة الحشر: 6.

(4) سورة الحشر: 7.

749
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة مصرف السهم المبارك في زمان الغيبة ص 738

..........

الشريفة الإطلاق للخمس أو السهم المبارك، كما لا يخفى.

ثالثها: آية الخمس الشاملة للنصف الآخر بالنسبة إلى الطوائف الثلاثة من قرابة الرسول. و دليل التنصيف مورده القابليّة لذلك، أمّا بعد عدم النصف و كون الطوائف الثلاثة موجودة فلا يقتضي التنصيف الموجب لعدم استحقاقهم للنصف الآخر، فاستحقاقهم للنصف الأوّل مشروط بالفقر و استحقاقهم للنصف الثاني أيضا مشروط بالفقر حتّى من جهة النصف الأوّل، مضافا إلى أنّه لا دليل على التنصيف إلّا المرسلان الحاكمان بأنّ الباقي للإمام عليه السّلام و على الإمام أن يمونهم عند النقص أو العجز.

و يدلّ على جواز إعطاء السهم المبارك لغير السادة إذا كان المورد مصداقا لسبيل اللّه نفس آية الخمس، فإنّ فيها فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ «1».

و يوضح ذلك خبر زكريّا بن مالك الجعفيّ، و فيه:

«أمّا خمس اللّه عزّ و جلّ فللرسول يضعه في سبيل اللّه» «2».

و الظاهر اعتبار الخبر من حيث السند، لأنّ الناقل عنه عبد اللّه بن مسكان الذي هو من أصحاب الإجماع، و الناقل عن عبد اللّه هو صفوان بن يحيى الذي نقل الشيخ في العدّة الإجماع على أنّه ممّن لا يرسل و لا يروي إلّا عن الثقة «3»، و ليس المقصود بحسب الظاهر المرويّ عنه المتّصل، لأنّه لا فائدة في ذلك، مع أنّ زكريّا المذكور من مشيخة الفقيه، مع أنّهم ذكروا أنّه له كتاب معتمد. و هو دليل عرفا على الاعتماد عليه، لأنّ من لا يتحرّز عن الكذب لا يؤلّف كتابا تمامه‌

______________________________
(1) سورة الأنفال: 41.

(2) الوسائل: ج 6 ص 355 ح 1 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(3) مقباس الهداية للمامقانيّ: ج 2 ص 263 «المقام الثاني في سائر أسباب المدح».

750
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة مصرف السهم المبارك في زمان الغيبة ص 738

..........

الصدق، كما هو واضح. و الإشكال في المتن قد تقدّم تقريبه و دفعه «1».

ثمّ إنّه هل يجب مراعاة الترتيب فيعطى السهم المبارك للفقراء من السادات عند إعواز النصف الذي لهم ثمّ من الأسهم الثمانية للزكاة عند الإعواز أم لا؟

وجه الأوّل حكم معتبر حمّاد بالتتميم من عنده «2» الظاهر في أنّ موضوعه الخمس فعليه أن يعطيهم من الخمس، فهو الظاهر في الكلّيّ في المعيّن، و عند الانحصار يتعيّن أن يكون ملكا للسادات.

و فيه: أنّه لا ظهور في أنّ الواجب عليه الإعطاء من الخمس، بل ممّا عنده الأعمّ من الخمس و غيره، و هو الذي يقتضيه الاعتبار، إذ لا معنى لإبقاء السادات على فقرهم مع وجود غير الخمس من أموال أراضي الصلح أو ميراث من لا وارث له أو غير ذلك.

و له وجه آخر و هو حكم الآية الشريفة بالملكيّة على وجه المصرف و التخيير بمعنى عدم اقتضاء التعيّن، و معتبر حمّاد يحكم بأنّ عليه الإتمام، فأصل المصرفيّة يستفاد من الآية الشريفة و التعيّن من خبر حمّاد.

و فيه: أنّ التعيّن على الإمام عليه السّلام لا يوجب صيرورة مصرف الخمس تعيينا، فالآية الشريفة باقية على ظهورها من أنّ السادات مصرف و الإمام عليه السّلام مصرف، فإن أطبق الإمام عليه السّلام عليهم لا يبقى شي‌ء لغيرهم من الفقراء في المفروض الذي هو صورة الدوران، و إن أطبق على نفسه فإن أدّاه إلى السادات لا يبقى عنده شي‌ء و إن أدّاه إلى المصارف الثمانية عند الإعواز لا يبقى عنده شي‌ء، فلا تعيّن حينئذ و لا ترتيب في البين.

______________________________
(1) في ص 467 و 468.

(2) الوسائل: ج 6 ص 363 ح 1 من ب 3 من أبواب قسمة الخمس.

751
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة مصرف السهم المبارك في زمان الغيبة ص 738

..........

فالمحصّل أنّ السادات من الفقراء مصرف للسهم المبارك، و السهام الثمانية أيضا كذلك عند إعواز الصدقات، خصوصا سهم سبيل اللّه المشمول لآية الخمس أيضا، و لا ترتيب بحسب الظاهر.

إن قلت: و إن اتّضح عدم خصوصيّة للجمع و لا لكون الوالي سلطانا بالفعل لكنّ القدر المتيقّن من ظهور معتبر حمّاد: اعتبار مباشرة الإمام عليه السّلام بذلك أو وكيله الخاصّ فلا يشمل حال الغيبة.

قلت: الجواب عنه أمور على سبيل منع الخلو:

الأوّل: أنّ المرتكز في العرف أنّ الحقوق الّتي تضاف إلى غير الحاضر لا تسقط بعدم إمكان العثور على الغائب و لا تبطل بالموت فكيف بالغيبة؟ فلو جعل حقّ طريق على شخص في بيته لا يسقط بموته أو غيبته بل لا بدّ أن يوصل الحقّ إلى مستحقّه.

الثاني: أنّه لو فرض الشكّ في السقوط فالثبوت مقتضى الاستصحاب.

الثالث: أنّه قد تقدّم أنّ آية الخمس شاملة لصورة إعواز النصف و لا دليل على الاستثناء حتّى في صورة الإعواز، و كذلك بالنسبة إلى غير السادات من سهم سبيل اللّه، و قد تقدّم تقريبه.

الرابع: أنّ التعليل الوارد في خبر حمّاد المقتضي لكون التتميم على الإمام عليه السّلام من باب أنّ الفضل له عامّ لعصر الغيبة، لأنّ كون الفضل له لا يتوقّف على الحضور.

فلا إشكال بحسب الظاهر في كونهم مستحقّين للسهم المبارك في الجملة.

إنّما الإشكال في أنّه هل لا بدّ من المراجعة إلى الفقيه أم لا؟

وجه الأوّل أمور:

الأوّل: نيابة الفقيه عن الإمام و كونه بمنزلته، فيملك كما يملك الإمام عليه السّلام‌

752
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة مصرف السهم المبارك في زمان الغيبة ص 738

..........

و يعطي كما يعطي عليه السّلام.

و فيه: أنّ النيابة بذلك المعنى المثبت للملكيّة بعيدة عن متفاهم العرف في جميع أقسام النيابة و الوكالة، و لا دليل عليه.

الثاني: النيابة في الأخذ عنه، فيصير متعيّنا في السهم المبارك و يصرف عن قبله. و عمدة ما يستفاد هذا منه هو التوقيع أي قوله عليه السّلام: «فإنّهم حجّتي عليكم و أنا حجّة اللّه» «1».

و فيه: أنّ الحجّة لا تثبت الموضوعيّة، فإنّها مرادفة للدليل، فلو لم يكن في البين دلالة على شي‌ء مجهول فلا يشمله ذلك قطعا، كما لا يخفى.

الثالث: ثبوت ولايته من باب الولاية على مال الغائب، كما يشعر به كلام الشرائع في الباب «2». و الوجه في ذلك أنّ الولاية على مال الغائب ثابتة للفقيه من باب أنّها من لوازم الحكومة خارجا، حقّا كان أو باطلا. فإذا جعل حقّ الحكومة لشخص فلازمه الولاية على مال الغائب إذا كان ذلك غير مناف لمصلحة الغائب و لو لم يكن واجبا، كما في دائن الغائب الذي لا يطالب المال، فإنّ مقتضى الولاية الإعطاء من مال الغائب له.

و فيه: أنّ ولايته في المقام ممنوعة، إذ بالنسبة إلى أصل الصرف في الموارد الأربعة المتقدّمة- من الطوائف الثلاثة من السادات، و سهم سبيل اللّه من السهام الثمانية- فمقتضى الآية الشريفة أنّهم ما لكون لذلك، فيعطى صاحب المال و لا يحتاج إلى ولاية الفقيه، كما في الغائب الذي قد أحال ماله على شخص ليعطيه شخصا آخر، فإنّ ولاية الفقيه في مثل ذلك الموضوع المبيّن ليست من لوازم‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 18 ص 101 ح 9 من ب 11 من أبواب صفات القاضي.

(2) راجع الشرائع: ج 1 ص 138.

753
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة مصرف السهم المبارك في زمان الغيبة ص 738

..........

الحكومة قطعا، و أمّا بالنسبة إلى ترجيح بعض الموارد على الآخر حتّى يحرز رضا الإمام عليه السّلام فإن أحرز رضاه في ذلك فلا يحتاج إلى الفقيه، و إن لم يحرز رضاه عليه السّلام فلم يحرز المصلحة فلا ولاية للحاكم أيضا، و أمّا الاحتياج إلى الفقيه من الجهة المذكورة في تعيين المال في مصرف السهم و تعيين المصرف بعد التعيين الأوّل فالظاهر أنّه يكفي القطع بالرضا، و إلّا فلا يحصل ذلك بالولاية، فإنّ الولاية عرفا غير النيابة و الوكالة.

الرابع: الرجوع إليه من باب الأمور الحسبيّة، و هي في الأمور الّتي ثبت لزومها فورا و ليس التصدّي لها مطابقا للقواعد الأوّليّة الشرعيّة من عدم التصرّف في مال الغير إلّا برضاه أو جهة أخرى، و قد مرّ أنّه مع انحصار المصرف أو كفاية المال للجميع ليس أداء السهم المبارك إلى المصارف الأربعة المتقدّمة مخالفا للدليل، لكون ذلك واردا في إطلاق الآية الشريفة و موردا لتصرّف الإمام عليه السّلام.

و أمّا في فرض الدوران بين الموارد المشكوكة فإن قطع بالمصلحة قطع بالرضا فلا يكون التصرّف أيضا مخالفا لدليل التصرّف في مال الغير، و إن لم يقطع بذلك لا يقطع بالمصلحة أيضا فلا يكون من الأمور الحسبيّة الّتي يجب التصرّف فيها قطعا.

الخامس: أنّ الرجوع إلى الفقيه من باب أنّ المستفاد من الأدلّة المتقدّمة أنّ الخمس الشامل للنصفين يؤدّى إلى الإمام عليه السّلام، و المستفاد من ذلك عرفا مدخليّة تشخيصه و رضاه في ذلك لتأمين مصلحة المصرف، أو من باب إكرامه يكون رضاه معتبرا في براءة ذمّة صاحب المال، أو يكون ذلك من باب واجب في واجب آخر من دون التقييد. و على كلّ حال فمراعاة رضاه عليه السّلام واجب في كيفيّة الصرف إذا دار الأمر في المصرف بين شخص و شخص آخر أو نوع من سبيل اللّه و نوع آخر منه، و لا ريب أنّ تشخيص رضاه تابع لتشخيص المصلحة الإلهيّة، و تشخيص المصالح الإلهيّة من الموضوعات المستنبطة الّتي لا بدّ فيها من التقليد، و مقتضى‌

754
کتاب الخمس (للحائري)

ختام فيه مسائل متفرقة ص 755

ختام فيه مسائل متفرّقة

[الخمس بجميع أقسامه متعلّق بالعين]

قال قدّس سرّه في العروة «1» الخمس بجميع أقسامه متعلّق بالعين (1).

ذلك: الرجوع في تشخيص رضا الإمام إلى المقلّد أي الذي يصحّ تقليده، إلّا أن يقطع هو بنفسه برضاه عليه السّلام، فقطع الفقيه بما هو فقيه مرجع للفتوى حجّة في الكلّيّات، و أمّا الصغريات فربما يكون صاحب المال أبصر فيها.

قال الشيخ الأنصاريّ قدّس سرّه ما ملخّصه:

أنّ الظاهر تعلّق الخمس بالعين في غير أرباح المكاسب، و المظنون عدم الخلاف في ذلك، و أمّا فيها فالظاهر أنّها كذلك أيضا، لأنّه الظاهر من أدلّتها، سيّما الآية «2» الّتي استدلّ بها كثير من الأصحاب «3».

انتهى.

أقول: الظاهر أنّ المقصود من قوله «كذلك» أنّها مثل ما تقدّم في الأمرين أي كون الخمس فيها متعلّقا بالعين و كون المظنون عدم الخلاف في ذلك، للإطلاق و لقوله: «سيّما الآية الّتي استدلّ بها كثير من الأصحاب».

و أمّا أنّ الظاهر من الأدلّة ذلك، فلأنّ مقتضى الطوائف الستّة من الأدلّة تعلّق الخمس بالعين:

الاولى: ما دلّ على أنّ للمصارف الستّة خمسة أي خمس المغنم، كالآية الشريفة «4» و خبر أبي بصير، و فيه: «فإنّ لنا خمسه» «5».

الثانية: ما دلّ على أنّ الخمس على موارد عدّها و عبّر ب‍ «على»، كخبر ابن أبي‌

______________________________
(1) كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 75.

(2) سورة الأنفال: 41.

(3) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ: ص 278.

(4) سورة الأنفال: 41.

(5) الوسائل: ج 6 ص 339 ح 5 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

755
کتاب الخمس (للحائري)

الخمس بجميع أقسامه متعلق بالعين ص 755

ختام فيه مسائل متفرّقة

[الخمس بجميع أقسامه متعلّق بالعين]

قال قدّس سرّه في العروة «1» الخمس بجميع أقسامه متعلّق بالعين (1).

ذلك: الرجوع في تشخيص رضا الإمام إلى المقلّد أي الذي يصحّ تقليده، إلّا أن يقطع هو بنفسه برضاه عليه السّلام، فقطع الفقيه بما هو فقيه مرجع للفتوى حجّة في الكلّيّات، و أمّا الصغريات فربما يكون صاحب المال أبصر فيها.

قال الشيخ الأنصاريّ قدّس سرّه ما ملخّصه:

أنّ الظاهر تعلّق الخمس بالعين في غير أرباح المكاسب، و المظنون عدم الخلاف في ذلك، و أمّا فيها فالظاهر أنّها كذلك أيضا، لأنّه الظاهر من أدلّتها، سيّما الآية «2» الّتي استدلّ بها كثير من الأصحاب «3».

انتهى.

أقول: الظاهر أنّ المقصود من قوله «كذلك» أنّها مثل ما تقدّم في الأمرين أي كون الخمس فيها متعلّقا بالعين و كون المظنون عدم الخلاف في ذلك، للإطلاق و لقوله: «سيّما الآية الّتي استدلّ بها كثير من الأصحاب».

و أمّا أنّ الظاهر من الأدلّة ذلك، فلأنّ مقتضى الطوائف الستّة من الأدلّة تعلّق الخمس بالعين:

الاولى: ما دلّ على أنّ للمصارف الستّة خمسة أي خمس المغنم، كالآية الشريفة «4» و خبر أبي بصير، و فيه: «فإنّ لنا خمسه» «5».

الثانية: ما دلّ على أنّ الخمس على موارد عدّها و عبّر ب‍ «على»، كخبر ابن أبي‌

______________________________
(1) كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 75.

(2) سورة الأنفال: 41.

(3) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ: ص 278.

(4) سورة الأنفال: 41.

(5) الوسائل: ج 6 ص 339 ح 5 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

755
کتاب الخمس (للحائري)

الخمس بجميع أقسامه متعلق بالعين ص 755

..........

عمير عن غير واحد: «الخمس على خمسة أشياء» «1» و غير ذلك «2».

الثالثة: ما عبّر فيه ب‍ «من»، كمرسل حمّاد المعتبر، و فيه: «الخمس من خمسة أشياء» «3».

الرابعة: ما دلّ على وجوب إخراج الخمس، كخبر الحسن بن زياد، و فيه:

«أخرج الخمس من ذلك المال» «4». و من ذلك يعرف أنّ التعلّق بالعين لا ينافي القول بأنّ الخمس ليس إلّا موردا للحكم التكليفيّ كما يستفاد أو ربما يستفاد من تعليق الفقيه الأصفهانيّ على العروة «5» أنّه حقّ ماليّ يشبه منذور التصدّق.

الخامسة: ما دلّ على أنّه «يؤدّي خمسا» من دون أداة التعدية و من دون الإضافة إلى المال، كخبر عبد اللّه بن مسكان، «6» فإنّ الخمس لا يصدق على المعادل، لأنّه ليس خمسا لذلك.

السادسة: ما دلّ على أنّه فيه الخمس، كخبر زرارة، و فيه: «كلّ ما كان ركازا ففيه الخمس» «7» و غير ذلك «8».

و ما في المستمسك من أنّ:

جعله مظروفا للعين يناسب جدّا- بقرينة ظهور تباين الظرف و المظروف- أن يكون المراد منه مقدارا‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 344 ح 7 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) المصدر: ص 342 ح 1.

(3) المصدر: ص 339 ح 4 من ب 2.

(4) المصدر: ص 352 ح 1 من ب 10.

(5) في كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 76.

(6) الوسائل: ج 6 ص 340 ح 8 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(7) الوسائل: ج 6 ص 343 ح 3 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(8) مثل ما في المصدر: ح 4 و 5، و ص 344 ح 6.

756
کتاب الخمس (للحائري)

الخمس بجميع أقسامه متعلق بالعين ص 755

..........

من المال يساوي الخمس «1».

مردود بأنّه لا ظهور قطعا في تباين الظرف و المظروف، بل يكفي الاختلاف بينهما من حيث المجموع فيكون الظرف هو المجموع و يكون البعض هو المظروف، فيقال: يكون في العلماء عدول أو سادات. و في المنجد: جاء زيد في القوم، و في القرآن الكريم وَ عِنْدَهُمُ التَّوْرٰاةُ فِيهٰا حُكْمُ اللّٰهِ «2» و قوله تعالى:

وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرٰاةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ «3» و إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتٰابٍ مَكْنُونٍ «4» وَ لٰا رَطْبٍ وَ لٰا يٰابِسٍ إِلّٰا فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ «5»، و قد ورد في الحديث ما لا يعدّ و لا يحصى، فحسبك من ذلك باب القراءة، فراجع أبواب القراءة في الصلاة «6».

و هذا ممّا لا ينبغي الإشكال فيه، فلا إشكال في ظهور الطوائف الستّة في تعلّق الخمس بالعين.

إلّا أنّه ربما يمكن أن يشكل بما ربما يستدلّ به على «التخيير في الأداء بين العين و القيمة أو جنس آخر» من الأخبار، كخبر الحرث بن الحرث الأزديّ عن الحرث الأزديّ، قال:

وجد رجل ركازا على عهد أمير المؤمنين عليه السّلام فابتاعه أبي منه بثلاثمائة درهم و مائة شاة متبع، فلامته أمّي و قالت: أخذت هذه بثلاثمائة شاة أولادها مائة، و أنفسها مائة، و ما في بطونها مائة؟! قال: فندم أبي فانطلق ليستقيله فأبى عليه الرجل، فقال: خذ‌

______________________________
(1) المستمسك: ج 9 ص 559.

(2) سورة المائدة: 43.

(3) سورة التوبة: 111.

(4) سورة الواقعة: 77 و 78.

(5) سورة الأنعام: 59.

(6) الوسائل: ج 4.

757
کتاب الخمس (للحائري)

الخمس بجميع أقسامه متعلق بالعين ص 755

..........

منّي عشر شياه، خذ منّي عشرين شاة، فأعياه، فأخذ أبي الركاز و أخرج منه قيمة ألف شاة، فأتاه الآخر فقال: خذ غنمك و آتني، فأبى فعالجه فأعياه، فقال:

لأضرّنّ بك، فاستعدى أمير المؤمنين عليه السّلام على أبي فلما قصّ أبي على أمير المؤمنين عليه السّلام أمره قال لصاحب الركاز:

«أدّ خمس ما أخذت، فإنّ الخمس عليك، فإنّك أنت الذي وجدت الركاز و ليس على الآخر شي‌ء، لأنّه إنّما أخذ ثمن غنمه» «1».

و إشكال الاضطراب في المتن بأنّ «البائع مغبون و كان بصدد الفسخ فلا بدّ أن يحكم فيه عليه السّلام بأنّ الركاز يعود إليه» مدفوع بأنّ القيمة السوقيّة في مثل الركاز- غير المعلوم حاله من جهة رغبة الناس إليه- لعلّه كانت في ابتداء وجدانه ما باعه به، و الظاهر أنّه تفحّص عن ذلك حين البيع و لم تكن قيمته أغلى من ذلك و لذا كان يدّعي المشتري و امرأته الغبن له، فلا إشكال من تلك الجهة، و إن شكّ في ذلك فمقتضى الاستصحاب عدم الخيار.

لكنّه غير واضح السند كما لا يخفى، و لم يحرز العمل على ذلك.

و الحسن أو الصحيح عن ريّان بن الصلت قال:

كتبت إلى أبي محمّد عليه السّلام: ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلّة رحى أرض في قطيعة لي و في ثمن سمك و برديّ و قصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟

فكتب: «يجب عليك فيه الخمس إن شاء اللّه تعالى» «2».

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 346 الباب 6 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 351 ح 9 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

758
کتاب الخمس (للحائري)

الخمس بجميع أقسامه متعلق بالعين ص 755

..........

و خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه، و المنقطع إليه هديّة تبلغ ألفي درهم أو أقلّ أو أكثر هل عليه فيها الخمس؟ فكتب عليه السّلام: «الخمس في ذلك».

و عن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال إنّما يبيع منه الشي‌ء بمائة درهم أو خمسين درهما هل عليه الخمس؟ فكتب: «أمّا ما أكل فلا، و أمّا البيع فنعم هو كسائر الضياع» «1».

لكنّه غير واضح من حيث السند، لضعف أحمد بن هلال الصوفيّ المتصنّع كما ورد في ذمّة «2». لكنّ ابن الغضائريّ المسرع في التضعيف استثنى من رواياته ما ينقله عن نوادر ابن أبي عمير، و في المقام و إن كان رواه عن ابن أبي عمير إلّا أنّ نقله من نوادر غير معلوم.

لكنّ المظنون اعتباره و إن كان الظنّ لا يغني من الحقّ شي‌ء، فإنّ المتن مستقيم جدّا بالنسبة إلى الهبة و بالنسبة إلى التفصيل بين ما يؤكل و ما يباع، فيشبه أن يكون كلام الإمام عليه السّلام، مع أنّ الناقل ابن محبوب الذي هو من الثقات، مع أنّه لعلّه كان معلوما عندهم أنّ ما ينقله عن ابن أبي عمير ينقله عن نوادره لا عن شخصه بغير واسطة أو مع الواسطة، و إلّا لم يكن وجه للاستثناء المذكور، لأنّه إن كان معلوما أنّه من نوادر ابن أبي عمير فلا تأثير لأحمد، و إن لم يكن معلوما فلا يكون حجّة، فالمقصود كلّ ما يروي عن ابن أبي عمير، فافهم و تأمّل.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 351 ح 10 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) راجع اختيار معرفة الرجال «رجال الكشّيّ»: ج 2 ح 1020.

759
کتاب الخمس (للحائري)

الخمس بجميع أقسامه متعلق بالعين ص 755

..........

و كيف كان، قد يورد على الاستدلال بالخبرين لجواز الإعطاء من القيمة بأمرين، كما في المستمسك:

الأوّل: أنّه لا إطلاق للخبرين يشمل الانتقال إلى البدل بعد الحول، لعدم كونهما في مقام البيان من تلك الجهة، اللهمّ إلّا أن يتعدّى باستصحاب الولاية إلى ما بعد الحول «1».

أقول: المفروض وقوع المعاملات على ما فيه الربح بالبيع و نحوه و قد صرّح في خبر ريّان بأنّ الخمس فيه- أي في ثمن السمك و البرديّ و القصب و غلّة الرحى- من غير فرق بين أن يكون بيعه في السنة أو بعد السنة، و الظاهر أنّه حكم و ليس إذنا في البيوع السابقة. و فرض الصحّة في المعاملة ليس من جهة الخمس ليختصّ بما في الحول، فإنّه ليس معلوما في هذا العصر فكيف بذاك العصر الذي لم يكن أصل الحقّ معلوما و أنّه الخمس أو أقلّ منه، مع أنّ البيع بعد السنة من حيث الشروع في الاكتساب أو من حيث ظهور الربح غالبيّ، فالظاهر من الإطلاق هو صحّة البيع قبل السنة و بعد السنة و تعلّق الخمس بالبدل، و أمّا الاستصحاب فلا يصار إليه مع عموم عدم جواز التصرّف في مال الغير.

الثاني: أنّ مفاد الخبرين جواز إيقاع المعاملة على المال الذي فيه الخمس فينتقل إلى الثمن، و لا يدلّ على جواز دفع القيمة إلّا أن يكون نوعا من المعاوضة، و لا يخلو عن تأمّل «2». انتهى.

أقول: لا تأمّل في أنّ دفع القيمة بدلا عن العين نوع معاوضة، لكن ذلك لا‌

______________________________
(1) المستمسك: ج 9 ص 556.

(2) المستمسك: ج 9 ص 555.

760
کتاب الخمس (للحائري)

الخمس بجميع أقسامه متعلق بالعين ص 755

..........

يدفع الإشكال- و هو أنّ المعاوضة الّتي دلّ على صحّتها الدليل هي الواقعة على المال الذي فيه الخمس لا على نفس الخمس- فلا بدّ من دفع الإشكال بإلقاء الخصوصيّة، فإنّه إذا صحّ تبديل الخمس بالثمن في ضمن المال صحّ تبديله مستقلّا، إذ لا فرق بين الصورتين، و صرف ضمّ ماله إليه لا تأثير له في الصحّة.

لكن يشكل بأنّ مقتضى ارتكاز العرف مع كون الخمس في الفائدة أنّه إذا انتقلت الفائدة إلى مال آخر فهي الفائدة، و الخمس يتعلّق بها لا من باب التبديل بل من باب انتقال موضوع الخمس من المثمن إلى الثمن، فإذا باع السمك الذي هو المال الذي فيه الخمس ينتقل أصل المال غير الخمس إلى المشتري و ليس ذلك فائدة حتّى يكون فيه الخمس، فلا يكون خمسه خمسا مملوكا لوليّ الخمس فيملكه البائع فينتقل إلى المشتري و يتعلّق الخمس بما يملكه البائع بعد ذلك. و هذا المعنى لعلّه يكون موجبا لنقل الخمس إلى البدل، لا أن يكون نفس الخمس ممّا يصحّ تبديله، بل يمكن أن يقال: إنّ تعلّق الخمس بأرباح المكاسب مع التوجّه إلى أنّ بناءها على التبدّل في كلّ يوم و شهر يكون بحسب الدليل الأوّليّ على هذا النحو، و هو مطابق للقاعدة، و هذا غير إعطاء الخمس من الإرث- مثلا- الذي لا يكون من الأرباح و لا من أعواضها.

و استدلّ الشيخ قدّس سرّه أيضا بخبر مسمع بن عبد الملك، فإنّه ولي الغوص فأصاب أربعمائة ألف درهم و قد جاء بخمسها ثمانين ألف درهم إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فحلّله أبو عبد اللّه عليه السّلام له «1»، مع أنّه لم يكن ذلك عين الغوص الذي هو الجواهر الخارجة من الماء بالضرورة.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 382 ح 12 من ب 4 من أبواب الأنفال.

761
کتاب الخمس (للحائري)

الخمس بجميع أقسامه متعلق بالعين ص 755

..........

و الإشكال المتقدّم في الخبرين غير وارد هنا، لأنّ المستفاد منه بمناسبة الارتكازات العرفيّة شمول قوله: «و قد جئت بخمسها ثمانين» لصورة كون تمام الخمس أو بعضه من مال آخر غير ما هو بدل للّذي خرج بالغوص، لكنّ الإشكال في أنّه حيث كان الإمام عليه السّلام في مقام التحليل لم يكن وقع للاستفصال، لأنّه على كلّ حال كان حلالا له.

فالتحقيق أنّه لا دليل على التخيير و ولاية المالك على أداء بدل الخمس من مال آخر غير ما يكون ربحا أو بدلا عن الربح، و المقصود من نقل تلك الروايات بيان الإشكال على تعلّق الخمس بالعين.

لكن في المقام طائفة ثالثة من الروايات تدلّ على عدم جواز التصرّف في الخمس، الظاهرة في الإطلاق من حيث التصرّف في مجموع ما فيه الخمس أو خصوص الخمس، بل لعلّ الأوّل هو الأظهر، كخبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام، و فيه:

«و لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شي‌ء حتّى يصل إلينا حقّنا» «1».

و هو مؤيّد بما عن المفيد في المقنعة، و فيه:

«و لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شي‌ء حتّى يصل إلينا نصيبنا» «2».

و الظاهر وحدة الخبر، لكون كليهما عن أبي بصير عن أبي جعفر، و عدم الاختلاف في المفهوم صدرا و ذيلا إلّا في بعض الألفاظ، فراجع و تأمّل.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 339 ح 5 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) المقنعة: ص 280 و الوسائل: ج 6 ص 378 ح 9 من ب 3 من أبواب الأنفال.

762
کتاب الخمس (للحائري)

الخمس بجميع أقسامه متعلق بالعين ص 755

..........

و مرسل العياشيّ:

«لا يعذر عبد اشترى من الخمس شي‌ء أن يقول:

يا ربّ اشتريته بمالي حتّى يأذن له أهل الخمس» «1».

و صحيح الفضلاء عن أبي جعفر عن أمير المؤمنين عليهما السّلام، و فيه:

«هلك الناس في بطونهم و فروجهم، لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا، ألا و إنّ شيعتنا من ذلك و آباءهم في حلّ» «2».

إلى غير ذلك ممّا يشبهه «3».

و الجمع بينها و بين ما تقدّم هو تخصيص ذلك بما يستفاد من خبر ريّان بن الصلت المعتبر «4»، فإنّها عامّ لمن يعتقد و من لا يعتقد و لمن كان بناؤه على أداء الخمس أو على عدمه أو كان مردّدا في ذلك، و خبر ريّان بقرينة المورد و السؤال مورده البناء على أداء ما يجب عليه في المال و سأل أبا محمّد عليه السّلام عن مقدار ذلك، و لعلّ السؤال و الجهل من باب تحليل مقدار من الخمس في عصر أبي جعفر الثاني كما يظهر من مكاتبة عليّ بن مهزيار «5»، و من المعلوم أنّ بناءه على أداء حقّ الإمام عليه السّلام بلغ ما بلغ و إن كان زائدا من الخمس، فإنّه من الأجلّاء الثقات، فالجمع على هذا المنوال ليس من المجموع التبرّعيّة، بل من باب العامّ و الخاصّ، فهو جمع عرفيّ.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 378 ح 10 من ب 3 من أبواب الأنفال.

(2) الوسائل: ج 6 ص 378 ح 1 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(3) المصدر: ص 375 الباب 3 و ص 378 الباب 4 من أبواب الأنفال.

(4) المصدر: ص 351 ح 9 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(5) المصدر: ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

763
کتاب الخمس (للحائري)

الكلام حول التخيير في أداء الخمس بين العين و القيمة أو جنس آخر ص 764

[الكلام حول التخيير في أداء الخمس بين العين و القيمة أو جنس آخر]

و يتخيّر المالك بين دفع خمس العين أو دفع قيمته من مال آخر نقدا أو جنسا (1) على ما في العروة. «1» و فيه إشكال فالمحصّل أنّ الخمس متعلّق بالعين، و أثره عدم جواز التصرّف فيه لمن ليس بناؤه على أداء الخمس و يجوز له التصرّف بتبديل المجموع إذا كان بانيا على ذلك.

كما استظهره الشيخ الأنصاريّ قدّس سرّه و نقل عن حاشية المدقّق الخوانساريّ نسبته إلى مذهب الأصحاب و استدلّ بما تقدّم نقله من خبر الأزديّ و حسن ريّان ابن الصلت أو الصحيح و خبر أبي بصير و خبر مسمع بن عبد الملك «2» المتقدّم كلّ ذلك في التعليق السابق.

و قد مرّ الإشكال فيه و عدم الدلالة على جواز التبديل، و الدليل يدلّ على جواز تبديل المال الذي فيه الخمس لا على تبديل نفس الخمس بالبدل الواقعيّ من المثل أو القيمة أو بالقيمة مطلقا أو بما يعادله من مال آخر كما في المتن.

و يمكن الاستدلال لذلك بما ورد في باب الزكاة، كقول أبي جعفر الثاني عليه السّلام على ما حكي معتبرا عن البرقيّ: «أيّما تيسّر يخرج» «3» و خبر يونس بن يعقوب المعتبر في مورد السؤال عن شراء الثياب و الطعام لهم فقال: «لا بأس» «4» بضمّ ما دلّ على أنّ الخمس عوض عن الزكاة «5».

و لا يخفى ما فيه من الضعف، لأنّ العوضيّة غير المماثلة في جميع الجهات،

______________________________
(1) كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 75.

(2) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ: ص 278.

(3) الوسائل: ج 6 ص 114 ح 1 من ب 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.

(4) المصدر: ح 4.

(5) الوسائل: ج 6 ص 358 و 359 ح 8 و 9 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

764
کتاب الخمس (للحائري)

الكلام حول التخيير في أداء الخمس بين العين و القيمة أو جنس آخر ص 764

..........

كما لا يخفى.

و أقوى من ذلك: الاستدلال له بخبر إسحاق بن عمّار، قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك ما تقول في الفطرة يجوز أن أؤدّيها فضّة بقيمة هذه الأشياء الّتي سميّتها؟ قال: «نعم، إنّ ذلك أنفع له، يشتري ما يريد» «1».

و فيه إشكال من وجوه:

الأوّل: عدم وضوح السند، من حيث استثناء ابن الوليد ما يرويه محمّد بن عيسى عن يونس من رجال نوادر الحكمة، و الخبر من هذا القبيل.

الثاني: عدم صراحته في التعليل و لا ظهور فيه. نعم، هو غير الحكم، فيمكن أن يكون حكمة للحكم- أي ذكر بعض جهاته- فيمكن أن يكون كونه صدقة دخيلة في ثبوت الولاية للمعطي مستقلّا، بخلاف الخمس الذي هو كرامة.

الثالث: أنّه يمكن أن يكون في مقام بيان الاستحباب مع بيان جواز أصل التبديل بقوله «نعم»، فكأنّه قال: يجوز، بل يكون أرجح، لأنّ ذلك أنفع.

الرابع: أنّه على فرض كونه علّة يمكن أن يكون علّة في مقام الإثبات فيكون المقصود أنّ أنفعيّة القيمة دليل على رضاه بالتبديل، لا أن يكون علّة للولاية على وجه الاستقلال.

الخامس: أنّ كونه علّة في مقام الثبوت مستلزم للالتزام بما لا يلتزمون به من سراية الحكم إلى الكفّارات و كلّ ما يتلف و كلّ ما يضمن، فليس في المثليّ المثل، بل لا بدّ أن يقال في الكلّ بالقيمة و تقييد الحكم بما إذا كانت القيمة أنفع، فلو كان‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 241 ح 6 من ب 9 من أبواب زكاة الفطرة.

765
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الظاهر جواز التصرف في الربح قبل حلول الحول بالصرف في المئونة ص 766

فالأحوط بل لعلّه الأقرب أن يرضى مستحقّ الخمس بالمبادلة. و لعلّه يكفي في ذلك رضاه بأخذه من باب الخمس (1) و إن كان رضاه من باب تخيّل أنّه من عين الربح أو يعلم أنّه ليس عينه و لكن يتخيّل أنّ له حقّ التبديل (2)، لكنّ الأحوط الرضا بعنوان التبديل أو إطلاق الرضا بالنسبة إلى صورة التبديل و عدمه. و أحوط منه الرضا بعنوان الولاية و أنّ التبديل لا بدّ أن يكون برضاه أيضا، بأن يعطيه بعنوان كونه بدلا عن الخمس و يأخذ بذاك العنوان أو يكون راضيا حين الأخذ على كلّ حال.

و على ما قلنا لو لم يرض بذلك و طالب المالك بعين ما فيه الخمس- الذي في الأرباح و هو الأعمّ من الربح الأوّل و بدله- لم يكن للمالك أن يعطيه من غيره.

مسألة: الظاهر جواز التصرّف في الربح قبل حلول الحول بالصرف في المئونة.

و لعلّ الظاهر عدم الفرق بين الناوي لأداء الخمس أو غيره (3).

مسألة [الظاهر جواز الاتّجار بالربح في أرباح المكاسب في الحول]

لعلّ الظاهر جواز الاتّجار بالربح في أرباح المكاسب في في وقت ضيق الطعام يكون نفس الطعام أنفع، و ربما كان بعض الأطعمة أولى من نفس القيمة و أنفع، و كذلك بعض الثياب، فلا يمكن الاستدلال بذلك و لا بغيره ممّا تقدّم في جواز الإبدال بالقيمة فكيف بغيرها من سائر الأموال! فإنّه حصل الرضا من كلّ من المالك و المستحقّ، و الحقّ لا يعدوهما.

لحصول الرضا فعلا و لو كان مقيّدا، و كان حصوله من باب تخيّل وجود القيد كما هو مبني بناء العرف و الشرع في المعاوضات و الهبات و الصدقات حتّى مع الشرط، فإنّه يصحّ المعاملة إلّا أنّه له الفسخ في بعض الموارد.

لأنّ الخمس بعد المئونة، فما يصرفه ليس فيه الخمس، و الخمس في غيره.

766
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الظاهر عدم الاشتراك على فرض الخسران في الفرض المذكور ص 767

الحول و لا يجب عزل مقدار الخمس و الاتّجار بالباقي (1).

مسألة [الظاهر عدم الاشتراك على فرض الخسران في الفرض المذكور]

لعلّ الظاهر عدم الاشتراك على فرض الخسران، فلو ربح في مكاسبه خمسين و كان رأس ماله مائة ثمّ خسر فيها في معاملات أخر ذلك الخمسين فلا خمس عليه و لا يشرك في المائة صاحب الخمس (2).

جواز الاتّجار من الضروريّات، و إلّا لزم التعطيل بمجرّد ظهور أوّل الربح.

و أمّا عزل مقدار الخمس من الربح فقال الشيخ الأنصاريّ قدّس سرّه في رسالته في الخمس: إنّه لم يلتزم به أحد لا فتوى و لا عملا «1». و في كلام صاحب الجواهر:

جواز الاتّجار من دون العزل مفروض «2». و هو أيضا مفروض في خبر ريّان بن الصلت «3» و المكاتبة «4» الظاهرة القريبة بالصريح في الاتّجار و التبديل من دون العزل، كما نوضحه إن شاء اللّه تعالى.

خلافا لما نسبه الشيخ الأنصاريّ قدّس سرّه إلى بعض مشايخه «5».

و الوجه في ذلك أنّ الظاهر من المكاتبة- المصرّحة بأنّ الخمس يؤخذ في كلّ سنة بعد المئونة «6»- أنّ الربح يلاحظ بالنسبة إلى مجموع السنة و ليس كلّ ربح موضوعا مستقلّا للخمس، و كذا ما ليس فيه عنوان السنة بل فيه استثناء مئونة الشخص أو الشخص و عائلته، كخبر أبي عليّ بن راشد، «7» فإنّ المقصود بحسب‌

______________________________
(1) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ: ص 281.

(2) الجواهر: ج 16 ص 55.

(3) الوسائل: ج 6 ص 351 ح 9 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) المصدر: ص 349 ح 5.

(5) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ: ص 282.

(6) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(7) المصدر: ص 348 ح 3.

767
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الظاهر عدم الاشتراك على فرض الخسران في الفرض المذكور ص 767

و لعلّ الظاهر أيضا عدم الاشتراك في الربح الحاصل في أثناء السنة، فلو ربح ستّمائة و كانت مئونته مائة و قد أخذها و اتّجر بالباقي من غير فصل معتدّ به فربح خمسمائة كان الخمس مائتين، لا مائتين و ثمانين (1).

متفاهم العرف مئونة سنته مع كفاية رأس ماله بمئونة كلّ سنة كما يظهر من المكاتبة «1»، و سنوضحه إن شاء اللّه في الفرع الآتي.

كما في الجواهر في مبحث أرباح المكاسب، نظرا إلى أنّ الخمس في الخمسمائة الأولى هي المائة و يتبعها نماؤها و هو المائة أيضا، فيكون الباقي من الربح الثاني الذي للمالك أربعمائة و خمسها ثمانون «2».

وجه عدم صحّته ظهور ما أشير إليه من الأخبار- في التعليق المتقدّم- في ملاحظة نسبة الربح إلى مجموع السنة مضافا إلى مالك المال الذي له رأس المال أو يعمل بيده، فالموضوع للخمس هو الربح الحاصل من عمله مع قطع النظر عن تعلّق الخمس أو و لو مع تعلّق الخمس لكن كان الصادق عليه أنّه ربح ماله و لو بالواسطة، و لا ريب أنّ ربح ماله و لو بواسطة الربح الأوّل الذي فيه الخمس يكون في المثال ألفا و خمسه مائتان.

لكنّ الإنصاف أنّ هذا التقريب غير واضح، فإنّ الربح المضاف إلى السنة:

إن فرض أنّه هو ما كان ربحا لمال المالك و لو مع الخروج عن ماله- بأن وهب بعض ربحه إلى غيره و اتّجر بالمجموع بإذنه- فهو غير صحيح، بل لا بدّ أن يكون مالكا للربح حتّى يتعلّق به الخمس.

و إن فرض أنّ الموضوع للخمس هو ما كان ربحا للسنة بشرط عدم حصول شركة في الأثناء و لو من ناحية الخمس فالربح الذي حصل له في السنة من دون‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الجواهر: ج 16 ص 55.

768
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الظاهر عدم الاشتراك على فرض الخسران في الفرض المذكور ص 767

..........

الشركة هو الخمسمائة الاولى و خمسها مائة و الأربعمائة الثانية و خمسها ثمانون.

و إن فرض أنّ الموضوع للخمس هو الربح الحاصل للمالك و كونه ملكا للمالك مع قطع النظر عن تعلّق الخمس فيتمّ الدليل، إلّا أنّه يعارض دليل تبعيّة الربح للأصل.

و يمكن الجواب عن التعارض بوجوه: منها الرجوع إلى الاستصحاب بعد التعارض. و منها أنّه إذا كان مقتضى الدليل عدم تبعيّة النماء للأصل في المقام نقول به من باب فرض جواز التصرّف، و لا فرق في ذلك بين التصرّف بنحو الشركة أو التصرّف بأن يجعل ما يعادل قيمة الخمس له، لأنّ كليهما مشتركان في كونهما على خلاف قاعدة عدم التصرّف في المال إلّا بإذن صاحبه، و المرجّح هو الأخذ بدليل الخمس من غير تعارض، إلّا أنّ الفرض خلاف الظاهر، إذ الظاهر أنّ الخمس متعلّق بربح مال المالك، لا بالأعمّ منه و مال شريكه و لو بالنظر إلى دليل الخمس، فالدليل غير واضح.

و يمكن الاستدلال على ذلك بأنّ الموضوع للخمس هو الغنيمة الباقية من أوّل السنة إلى آخرها، و بعد النقل لا يكون الخمسمائة غنيمة باقية بل الغنيمة الباقية بدلها، فالخمس ينتقل من المبدل إلى البدل و يملك المالك جميع الخمسمائة و ينتقل إلى المشتري من ملك المالك بعد ارتفاع عنوان الخمس منها، فيكون الخمس في المثال مائتين.

و يدلّ على ذلك من دون شبهة مكاتبة عليّ بن مهزيار «1» المستفاد منها تعلّق الخمس بالبدل و أنّ الضياع بما لها من الحبوب و الفواكه ليس فيها نصف السدس‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

769
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الظاهر عدم الاشتراك على فرض الخسران في الفرض المذكور ص 767

و لا فرق بين الباني على إعطاء الخمس و غيره من حيث جواز الاتّجار أوّلا، و عدم الاشتراك في الخسران ثانيا، و عدم الاشتراك في و أنّ الذي لا يأخذ خمسه منّا منه عليهم ليس نفس الخادم و الإناء و غير ذلك ممّا في المكاتبة، و ربما يكون المبدل في أوّل ظهور الربح بل بعد حصاده قيمته ستّمائة فيأخذ المئونة و ترتفع قيمته السوقيّة فيبيع الخمسمائة الباقية ألفا، و الظاهر القريب بالصريح أنّ إرسال نصف السدس من القيمة الّتي هي الألف بلا إشكال.

و خبر ريّان بن الصلت أظهر من ذلك، بل لو كان ربح التجارة الواحدة موردا للاسترباح و موجبا للشركة فإذا فرض النقل و الانتقال في كلّ يوم و حصول الربح بمئات من التجارات فلا يمكن عادة حساب الشركة، لأنّ كلّ تجارة ربح و فيه خمس و في خمسة ربح، و كذا في النماءات الخارجيّة، فإنّ القصب إذا صار بمقدار ذراع كان ربحا مثلا فخمسه لوليّ الخمس، فالذراع الثاني مشترك بينه و بين صاحب الخمس يتبعه خمس الذراع الثاني و ربحه أربع أجزائه الأخر، بل في كلّ شبر يكون ذلك الحساب، و كذا بالنسبة إلى ارتفاع القيمة السوقيّة. و لا فرق في تبعيّة النماء بين الفروض المذكورة، و ذلك ممّا يقطع بخلافه، فإنّ حساب ذلك في النماءات التدريجيّة و التجارات التدريجيّة و الارتفاعات التدريجيّة غير ممكن عادة و لم يقع في سؤال أحد ذلك و ينافي الشريعة السهلة السمحة، و هذا أصعب جدّا من إعطاء خمس الربح في كلّ تجارة من دون التأخير. فالمسألة بحمد اللّه تعالى و حسن توفيقه واضحة جدّا، فإنّه مقتضى أدلّة الخمس الظاهرة في الإبدال أو الصريحة في ذلك، خصوصا ما كان الموضوع فيه التجارة، كخبر أبي عليّ «1» و ما في المكاتبة من تحليل الخمس في التجارات «2».

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 3 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) المصدر: ص 349 ح 5.

770
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الظاهر عدم الاشتراك على فرض الخسران في الفرض المذكور ص 767

الربح ثالثا (1).

هذا كلّه بالنسبة إلى أرباح المكاسب في الحول، و أمّا بالنسبة إلى ما بعد الحول فيها فيمكن القول بذلك أيضا مع البناء على إعطاء الخمس و وجود العذر الشرعيّ في التأخير (2)، و كذا بالنسبة إلى مثل الكنز و المعدن (3).

فإنّ خبر ريّان «1» و إن كان غير شامل لصورة عدم البناء على أداء الخمس لأنّه في مورد خاصّ، لكن ظهور المكاتبة «2» و ما دلّ على أنّ الخمس بعد المئونة «3» الظاهرة في المئونة السنويّة بضمّ ما تقدّم من المحذورات و الإشكالات كاف في القطع بعدم كون الحكم الشرعيّ ذلك.

لإطلاق مورد خبر ريّان بن الصلت «4» الحاكم بأنّ الخمس في ثمن البيع.

لإلقاء الخصوصيّة قطعا، فإنّ المعدن و الكنز و الغوص من الغنائم، بل هي أشبه بالموارد المذكورة بالنسبة إلى أرباح التجارات الحاصلة بالنقل و الانتقال في كلّ يوم أو أسبوع، لأنّ مورد خبر ريّان بن الصلت «5» هو القصب و البرديّ الذي يشبه معدن الملح من حيث كونه أمرا ثابتا، و ربما كان مالكيّته له بالحيازة كالمعادن الظاهرة. و غلّة الرحى أمر ثابت، بل قد مرّ منّا سابقا أنّ عدم استثناء مئونة السنة من ذلك غير واضح. و الكنز و الغوص و المعدن داخل في المكاسب، و يدلّ عليه ما تقدّم من الخبر من أنّه لا خمس إلّا في الغنائم «6»، و أنّ ما ذكر‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 351 ح 9 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) المصدر: ص 349 ح 5.

(3) المصدر: ص 348 الباب 8 و ص 354 الباب 12.

(4) الوسائل: ج 6 ص 351 ح 9 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(5) الوسائل: ج 6 ص 351 ح 9 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(6) تقدّم في ص 143.

771
کتاب الخمس (للحائري)

عدم حلية التصرف في المختلط بالحرام و لو في الحول ص 772

[عدم حلّيّة التصرّف في المختلط بالحرام و لو في الحول]

و أمّا المختلط بالحرام فالظاهر عدم حلّيّة التصرّف في الحول فكيف بما بعده (1)، و إن اتّجر كانت المعاملة فضوليّة بالنسبة إلى المقدار الحرام المجهول، فإن أجازها الحاكم يتبعه الربح بالنسبة إلى ذلك (2). و لا فرق في ذلك بين أن يصرف في المئونة أو غيرها (3).

الظاهر عدم جواز الاتّجار بالخسران حتّى في الحول عمدا إذا لم يكن ذلك من مئونته عرفا (4).

في الروايات من باب كونه من مصاديق الغنيمة «1».

لأنّه لا يمكن الحكم بذلك من باب خبر ريّان بن الصلت و المكاتبة الواردة في الضياع و الأرباح تحليلا و إيجابا، المنصرف عن المال المختلط بالحرام- بمعنى عدم التعرّض له أصلا- فمقتضى العلم الإجماليّ بوجود الحرام عدم جواز التصرّف لا بالاتّجار و لا بالتصرّف.

لعدم كون الخمس فيه، بل يكون إعطاء الخمس محلّلا لما فيه من الحرام، فالوجه في فضوليّة المعاملة عدم دلالة الدليل على جواز التصرّف بالاتّجار، و الوجه في الشركة في الربح تحقّق الشركة في المال، و الربح يتبعه، من دون دلالة دليل على خلاف القاعدة المذكورة. و ربما يأتي الكلام في الفضوليّة بعد ذلك.

لعدم استثناء المئونة منه، فإنّ المستثنى منه هو الخمس، و ليس فيه الخمس قبل الإعطاء بل الإعطاء محلّل له.

كأن كانت المعاملة الخسرانيّة لتأمين معيشة من يهمّ أمره أو مساعدته كأخيه و أخته، فحينئذ يكون ذلك من مئونته عرفا كالهبة لولده أو أقربائه.

و الوجه لعدم الجواز في غير فرض المستثنى أنّه تصرّف في مال الغير من‌

______________________________
(1) تقدّم في ص 144.

772
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لا يجوز التصرف في الخمس بعد الحول إذا لم يكن له عذر في التأخير ص 773

فإذا اتّجر به تكون المعاملة فضوليّة و يجوز للحاكم إجازتها بشرط أخذ الباقي منه (1) أو جعله عليه و قبوله. و أمّا الخسران من دون التقصير فلا يوجب شي‌ء عليه، لأنّه لا يصدق الغنيمة بالنسبة إلى الحول.

و منه يظهر حكم التلف أو الإتلاف غير العمديّ، من جهة عدم الضمان و أنّ الإتلاف العمديّ غير جائز من جهتين: الإسراف و التصرّف في مال الغير (2).

مسألة [لا يجوز التصرّف في الخمس بعد الحول إذا لم يكن له عذر في التأخير]

الظاهر أنّه لا يجوز التصرّف في الخمس بعد الحول إذا لم يكن له عذر في التأخير أو كان و لم يكن بانيا على الأداء، دون الإذن، لأنّ الإذن الثابت في الاتّجار من خبر ريّان و المكاتبة و غيرهما محمول على النقل و الانتقالات المقصود بها المعاملة، و في المفروض تكون المعاملة صوريّة، و المقصود الأصليّ هو المحاباة، فالمعاملة حينئذ تصير فضوليّة إذا وقعت على عين المال الذي فيه الخمس.

فإنّ مقدارا من الربح الذي في البدل موضوع للغنيمة المتبدّلة من حيث الأفراد، و الباقي يتلف بالبيع و الإجازة فيضمنه البائع، و الإتلاف و إن كان مستندا إليهما إلّا أنّه جعل الحاكم الضمان عليه في ضمن الإجازة و أنّه قبل ذلك.

فالتصرّف المضرّ بالخمس إمّا بنحو الاتّجار بالخسران و إمّا بنحو الإتلاف، و كلّ منهما إمّا أن يكون عن قصور و إمّا أن يكون بنحو العمد إلى ذلك، و العمد إمّا أن يكون بنحو يكون ذلك الخسران و الضرر ممّا يصرف في المئونة و إمّا لا يكون كذلك، فتلك صور ستّة. و عدم الجواز و الضمان منحصران بالاتّجار مع الخسران و الإتلاف العمديّ غير المصروف في المئونة.

إن قلت: الموضوع للخمس إمّا أن يكون هو الغنيمة الباقية إلى آخر الحول أو الغنيمة الحاصلة في الحول، فإن كان الأوّل فلا خمس في صورتي الإتلاف‌

773
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لا يجوز التصرف في الخمس بعد الحول إذا لم يكن له عذر في التأخير ص 773

من غير فرق بين أن يصرفه في مئونته أم لا (1).

و الخسران العمديّين، لعدم بقاء الغنيمة، و إن كان الثاني فلا بدّ من الحكم بالخمس حتّى في صورة القصور و غير العمد.

قلت: الموضوع هو الغنيمة الحادثة في السنة المستقرّة في اليد بحيث لا تخرج عن يده إلّا بالعمد و الاختيار، فيرتفع الإشكال. و المقصود من الغنيمة الحادثة هي كلّيّ الغنيمة الصادقة على الأفراد المتبادلة في التحقّق لكن بشرط الاستقرار في اليد، فلا يخرج عن يده بالفسخ من طرفه أو بالغفلة. و أمّا العمد فلا ينافي الاستقرار. و اللّٰه العالم.

أمّا عدم جواز التصرّف فيه في غير المئونة من الاتّجار و غيره فهو مقتضى عموم أدلّة عدم جواز التصرّف المتقدّمة «1» و مقتضى عموم دليل عدم جواز التصرّف في مال الغير بغير إذنه «2». و أمّا عدم الجواز في صورة الصرف في المئونة فلأنّ الجواز مبنيّ إمّا على كون الموضوع للخمس ربح العمر و المستثنى منه مئونة العمر، و هذا خلاف الضرورة، لأنّ مقتضاه جواز التأخير إلى آخر العمر إذا كان بانيا على الصرف في المئونة بتوسعة الدار و المتاع و الشروع في الأسفار و السياحات، و خلاف صريح قوله عليه السّلام في المكاتبة: «فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام»، «3» و إمّا على كون المستثنى من الربح في كلّ سنة في مقام تعلّق الخمس هو الربح الذي لا يصرف في المئونة في السنة أو في ما بعد السنة، و ذلك لعدم تحديد المئونة المستثناة لمئونة السنة.

و هو مردود أيضا بوجوه:

______________________________
(1) في ص 762 و 763.

(2) مثل ما في الوسائل: ج 17 ص 309 ح 4 من ب 1 من أبواب الغصب.

(3) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

774
کتاب الخمس (للحائري)

فروع في التلف و الإتلاف من حيث الضمان ص 775

 

فروع في التلف و الإتلاف من حيث الضمان

الأوّل: لو أتلف المالك الخمس بعد الاستقرار

بحلول الحول في الأرباح و من دون اشتراط في غيرها على المشهور بينهم- فلا إشكال في الضمان مطلقا (1)، إنّما الإشكال في أنّ ضمانه هل يكون كضمان سائر المتلفات فيكون مضمونا بالمثل في المثليّ و القيمة في القيميّ أو يكفي منها: أنّه يلزم أن لا يجب الخمس في كلّ عام إذا كان بناؤه على صرف ربح السنة الاولى في مئونة السنة الثانية. و هو خلاف الضرورة أيضا.

و منها: أنّ مقتضى العامّ الاستغراقيّ وجوب الخمس في كلّ سنة، و بقاء الوجوب في السنة التالية من باب أنّ مقتضى بناء العقلاء على بقاء الحقّ ما لم يوف به، و مقتضى الاستثناء هو الاستثناء بالنسبة إلى المجعول من دون نظر إلى السنوات الأخر، و مقتضاه استثناء مئونة سنة الربح لا مطلق السنين.

و منها: منافاته للمكاتبة الدالّة على وجوب الخمس في كلّ عام، فافهم و تأمّل.

و منها: أنّه على فرض كون المستثنى هو مئونة العمر فليس المقصود هو إخراج المئونة من نفس ربح السنة الأولى، فإنّ المئونة المستثناة هي المصارف الّتي تصرف في معيشته كانت من الربح أو من غيره، فإذا فرض أنّ له ربح في السنة الثانية كافية بمئونة السنة فالربح فيه الخمس، لأنّه فاضل عن مئونته. نعم، يبقى الإشكال في مسألة من لا يفي ضيعته مثلا بمئونته و تقدّم الكلام فيه و ربما يأتي إن شاء اللّه تعالى الكلام فيه، و له وجه قويّ في عدم وجوب الخمس كما تقدّم، و هو غير الفرض، فالمسألة واضحة بحمده تعالى.

أي من غير فرق بين الصرف في المئونة و غير ذلك و من غير فرق بين أن‌

 

775
کتاب الخمس (للحائري)

الأول لو أتلف المالك الخمس بعد الاستقرار ص 775

أداء مال آخر غيرهما؟ (1) يكون الإتلاف عمديّا أو غيره، فإنّه مقتضى حكم المغصوب الواضح الوارد في الأدلّة الكثيرة الّتي منها صحيح أبي ولّاد المعروف «1».

و المشهور بينهم التمسّك بعموم «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» «2» من حيث إنّ الحكم بالضمان على فرض التلف داخل في إطلاقه. و هو مشكل بملاحظة الغاية الظاهرة في صورة الوجود.

و يمكن تقريب دلالته بأنّه بعد فرض دلالته على ضمان المنافع غير المستوفاة فضمان العين لا سيّما في صورة الإتلاف أولى من حيث الضمان، كما هو واضح.

هذا، مضافا إلى «قاعدة من أتلف» المستخرجة من الأخبار الكثيرة. و هذا لا إشكال فيه.

الظاهر أنّه على المعروف بين المتأخّرين من «جواز الأداء من مال آخر في صورة وجود العين» يجوز أيضا في صورة تلفه.

و الوجه فيه أمران:

أحدهما: الأولويّة، فإنّه إذا كان أداء المال الآخر الذي ليس بدلا واقعيّا للخمس مجزيا في صورة وجود العين و إمكان أداء نفس الحقّ ففي صورة الإتلاف أولى بالإجزاء.

ثانيهما: أنّ ذلك مقتضى البدليّة، فإنّ المالك كان له حقّ التبديل بالنسبة إلى العين فمقتضى البدليّة ثبوت ذلك الحقّ له، كما أنّه لو أتلفه الغير كان‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 313 الباب 7 من أبواب الغصب.

(2) المستدرك: ج 14 ص 7 ح 12 من ب 1 من أبواب كتاب الوديعة.

776
کتاب الخمس (للحائري)

الثاني الإتلاف العمدي غير المصروف في المئونة ص 777

و لعلّ الظاهر لزوم أداء المثل في المثليّ و القيمة في القيميّ (1). و يجوز أداء غيرهما برضا صاحب الخمس كما تقدّم في صورة وجود العين.

الثاني: الإتلاف العمديّ غير المصروف في المئونة

و الفاضل عن المئونة قبل استقرار الخمس بحكم الإتلاف بعد الاستقرار (2).

الثالث:

التلف القهريّ في الحول غير موجب للضمان (3).

الرابع:

التلف بعد استقرار الخمس إذا لم يكن معذورا في التأخير موجب للضمان (4).

مقتضى البدليّة ذلك.

هذا على المشهور، و أمّا بناء على ما استفدنا من الأدلّة من «عدم ثبوت التخيير في التبديل في صورة وجود العين إلّا في ضمن الربح» فيكون الغنيمة هي البدل فلا وجه لإجزاء غير المثل و القيمة.

كما تقدّم في التعليق السابق، فإنّ التخيير مع وجود العين غير ثابت إلّا بتبديل الغنيمة بغنيمة أخرى، و مع فرض إتلاف المالك لا غنيمة في البين حتّى ينتقل الخمس إليها، كما لا يخفى.

لأنّ الغنيمة متعلّقة للخمس في أثناء الحول بشرط كونها فاضلة عن مئونة السنة و بشرط بقاء صدق الغنيمة على ما أفاد، و لذا يشترط فيها الشرطان، فإنّه إن كان الإتلاف بنحو الخطأ فهو بحكم التلف و الخسران فلا يصدق عليه غنيمة السنة بنحو الاستقرار، و إن كان بنحو العمد و كان مصروفا في المئونة فلا يتعلّق به الخمس.

قد ظهر وجهه ممّا علّق على الفرع السابق، فإنّ التلف القهريّ بحكم الخسران فلا يكون موردا للخمس، لعدم صدق غنيمة السنة الملحوظة بالنسبة إلى مجموع ما حصل في السنة، فهو كفسخ البيع الخياريّ.

لكونه غصبا و المغصوب مضمون، لدلالة غير واحد من الأدلّة على‌

777
کتاب الخمس (للحائري)

الخامس ص 778

الخامس:

هل التلف بعد استقرار الخمس إذا كان المالك معذورا في التأخير لا يوجب الضمان مطلقا، أو يوجبه مطلقا، أو يفصّل بين صورة الإذن في التصرّف و الاتّجار و غيرها، أو يفصّل بين كون الإذن من جانب اللّه فقط أو كان من جانب وليّ الخمس، أو يفصّل بين كون الإذن المفروض في التأخير لمصلحة المالك أو لمصلحة صاحب الخمس؟ وجوه (1).

ذلك الّتي منها صحيح أبي ولّاد «1»، إذ لا خصوصيّة للدابّة و الشخص الخاصّ. و منها حديث «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» «2» بتقريب دلالته على ضمان المنافع حتّى غير المستوفاة، فيدلّ على ضمان العين بالأولويّة، كما تقدّم في الفرع الأوّل من تلك الفروع. و منها ما دلّ على الضمان في الأمانات إذا تخلّف أمر صاحب المال فتلف «3». إلى غير ذلك «4». فلا إشكال في هذا الفرع أصلا.

فيمكن أن يقال بعدم الضمان مطلقا حتّى في فرض عدم جواز التصرّف، بأن لا يكون بانيا على أداء الخمس أوّلا، و عدم الإذن المالكيّ من طرف صاحب الخمس أو وليّه- أي الحاكم الشرعيّ على فرض ولايته بالنسبة إلى الخمس- ثانيا، و عدم تحقّق الإذن الإلهيّ الشرعيّ من باب ملاحظة مصلحة المالك- كدفع الضرر و الحرج عنه- ثالثا.

و الوجه في ذلك مثل صحيح الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«صاحب الوديعة و البضاعة مؤتمنان».

و قال: «ليس على مستعير عارية ضمان، و صاحب العارية و الوديعة مؤتمن» «5».

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 313 الباب 7 من أبواب الغصب.

(2) عوالي اللآلئ: ج 2 ص 345 ح 10 من باب القضاء.

(3) راجع الوسائل: ج 13 ص 229 الباب 5 من أبواب الوديعة.

(4) راجع المصدر: ص 271 الباب 29 من أبواب الإجارة.

(5) الوسائل: ج 13 ص 237 ح 6 من ب 1 من أبواب العارية.

778
کتاب الخمس (للحائري)

فروع في التلف و الإتلاف ص 779

فروع في التلف و الإتلاف

الأوّل: الإتلاف قبل استقرار الخمس في غير المئونة إذا كان عن عمد و بعد استقرار الخمس مطلقا موجب للضمان.

الثاني: التلف بعد الاستقرار في فرض عدم الإذن في التأخير موجب له أيضا، لأنّه غصب.

الثالث: التلف في فرض الإذن في التأخير لمصلحة المالك من باب العسر أو الضرر مع فرض عدم جواز التصرّف هل يوجب الضمان أم لا؟

فيه وجهان، لعلّ الأظهر عدم الضمان (1)، يمكن الاستدلال على عدم الضمان بما استدلّ به في المستمسك «1»- في باب الإجارة بعد تماميّة مدّتها و التخلية بين العين و الموجر- الدالّ عرفا على الاستيمان، من صحيح الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«صاحب الوديعة و البضاعة مؤتمنان».

و قال: «ليس على مستعير عارية ضمان، و صاحب العارية و البضاعة مؤتمن» «2».

و الاستدلال بذلك يتمّ بأمور:

منها: كون المأذونيّة أعمّ من مصلحة صاحب المال أو من بيده المال، و هذا حاصل في المقام قطعا، فإنّ المستعير مأذون لمصلحة نفسه و المستودع مأذون لمصلحة صاحب المال.

و منها: كون الايتمان أعمّ من المالكيّ و الشرعيّ، و هو مقتضى الإطلاق.

______________________________
(1) ج 12 ص 69.

(2) الوسائل: ج 13 ص 237 ح 6 من ب 1 من أبواب العارية.

779
کتاب الخمس (للحائري)

فروع في التلف و الإتلاف ص 779

..........

و منها: أن يكون قوله: «و صاحب العارية و البضاعة مؤتمن» بمنزلة التعليل لعدم الضمان واقعا في صورة التلف.

و منها: كون المقصود بالايتمان هو التسليط مع الرضا و لو لم يكن موردا للأمن، كالعارية لرحمه القريب الذي يظنّ به السوء، أو الوديعة عند من لا مفرّ من التوديع إلّا إليه، كما إذا كان صاحب المال في حال الموت فيدور الأمر بين تلف المال أو الإيصال إلى ورثته بوسيلة من يتحمّل ذلك و لا يعتمد عليه، و هو الذي يظهر من تعليق الأصفهانيّ قدّس سرّه «1» على المكاسب، أو كون المقصود هو الايتمان بحسب النوع و لو لم يكن في نفس المورد مؤتمن.

لكنّ الإنصاف أنّ الأمر الثالث- و هو التعليل في الرواية- غير ظاهر، بل ظاهر العطف بالواو: عدم التعليل و كونه في مقام بيان حكم آخر.

و الأظهر أن يكون المقصود بالجملة الّتي قبله عدم الضمان الواقعيّ عند التلف، لأنّ الظاهر من عدم الضمان هو عدمه واقعا، و من الجملة الثانية المعطوفة بالواو هو عدم الضمان في مرحلة الظاهر بأن يكون التعدّي أو التفريط محتملا في حقّه، فإنّه مقتضى بعض الروايات، كخبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«ليس لك أن تتّهم من ائتمنته» «2».

و الأصحاب بين من أفتوا بقبول قوله من دون يمين مطلقا- كالشيخ و الصدوق و ابن حمزة- و بين من يقول بأنّه مقبول القول باليمين مطلقا و بين من فصل بين صورة التهمة و عدمها على ما في الجواهر «3».

و الظاهر من الايتمان هو المأذونيّة لا مطلق التسليط مع الرضا، لكن لا يبعد‌

______________________________
(1) ج 1 ص 85 «في المقبوض بالعقد الفاسد».

(2) الوسائل: ج 13 ص 233 ح 1 من ب 9 من أبواب الوديعة.

(3) ج 27 ص 147 و 148.

780
کتاب الخمس (للحائري)

فروع في التلف و الإتلاف ص 779

..........

أن يقال بكفاية الايتمان النوعيّ و لو لم يكن في شخص المورد، و إلّا يشكل العارية بالنسبة إلى غير المأمون إذا قطع بعدم الخيانة، و كذا الوديعة.

و الأولى الاستدلال لذلك بما رواه في الوافي عن التهذيب عن الحسين عن الثلاثة و عن الصدوق- و سنده معتبر- بإسناده عن حمّاد عن الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

في رجل استأجر أجيرا فأقعده على متاعه فسرق، قال: «هو مؤتمن» «1».

فإنّ المفروض هو فرض السرقة و عدم خيانته، و احتمال الإهمال في الحفظ مدفوع بالإطلاق. و ظهوره في بيان الصغرى لدخوله في كبرى «كلّ مؤتمن غير ضامن» واضح.

نعم، يبقى إشكال ظهوره في الايتمان الفعليّ و لو بنحو الظنّ لا عدم الاطمئنان أصلا، و يمكن منع ذلك.

و يمكن أن يقال: إنّ الحكم بالضمان في صورة التلف القهريّ مع فرض الإذن من صاحبه ضرر على الضامن مدفوع بحديث نفي الضرر، و لا يتعارض الضرران، لعدم توجّه الضرر إلى الضامن بل إلى صاحب المال، و لا فرق عرفا و عقلا بين تلف المال عند نفسه و بين تلفه عند المأذون من دون تقصير منه.

مع أنّ حديث «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» «2» لا يدلّ على ضمان العين، لوجود الغاية الظاهرة في فرض وجود العين، و دلالتها على ضمان المنافع مطلقا حتّى غير المستوفاة لا يلازم ضمان العين، فالأصل براءة الذمّة عن الضمان في صورة الإذن.

______________________________
(1) الوافي: ج 18 ص 877 ح 8 من ب 143.

(2) المستدرك: ج 17 ص 88 ح 4 من ب 1 من أبواب الغصب.

781
کتاب الخمس (للحائري)

فروع في التلف و الإتلاف ص 779

و لكنّ الأحوط هو الضمان. و أمّا مع فرض سبق الرضا و استصحابه فالظاهر هو الضمان (1).

و من ذلك يظهر وجه عدم الضمان في فرض الإذن في التصرّف مع الإذن في التأخير سواء كان لمصلحة المالك أو لمصلحة وليّ الخمس، و كذا صورة عدم الإذن في التصرّف و كان الإذن في التأخير لمصلحة وليّ الخمس، و صورة الإذن من وليّ الخمس من الحاكم الشرعيّ أو الهاشميّين، فإنّ كلّ ذلك أولى بعدم الضمان (2).

و ذلك لوجهين:

الأوّل: بناء العقلاء على عدم الاكتفاء بالاستصحاب، بل لا بدّ من الإذن أو تحصيل العلم بالرضا و لو من باب السكوت، و إلّا لم يكن فرق بين استصحاب الرضا و أصالة الحلّيّة في صورة الشكّ في الرضا.

ثانيهما: صحيح أبي ولّاد «1» المعلوم احتمال رضا صاحب البغل بالتعدّي عن مورد الإجارة مع أداء الأجرة أو شموله لذلك قطعا، و لا يمكن حمل ذلك على صورة القطع بعدم الرضا، لأنّه فرد نادر بالنسبة إلى من يكتري البغل الذي لا يريد إلّا كراء بغله نوعا، و عدم الرضا بالتأخير من باب توليد احتمال الهلاك لا ينافي الرضا بالتصرّف على تقدير الوجود و إعطاء كراء بغله.

نعم، قد يعارض صورة الإذن الشرعيّ بما رواه في الوسائل بالسند الصحيح عن الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين عن جعفر عن أبيه عليهم السّلام قال:

كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول في الضالّة يجدها الرجل فينوي أن يأخذ لها جعلا فتنفق، قال: «هو ضامن، فإن لم ينو أن يأخذ لها جعلا و نفقت فلا‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 313 الباب 7 من أبواب الغصب.

782
کتاب الخمس (للحائري)

فروع في التلف و الإتلاف ص 779

..........

ضمان عليه» «1».

و مقتضى ذلك بعد إلقاء الخصوصيّة أنّ الإذن الشرعيّ رافع للضمان إذا كان ذلك لمصلحة خصوص صاحب المال لا لمصلحة نفسه فقط أو للأعمّ.

لكن ذلك مردود من وجوه:

منها: عدم العثور على العامل به.

و منها: أنّ الغالب في من يأخذ الضالّة لأن يردّها إلى صاحبها مع الجعل أو بلا جعل إنّما هو العثور عليها في العمران، و مقتضى النصّ و الفتوى عدم جواز أخذ الضالّة في العمران- إلّا إذا أراد الإحسان كما إذا كان الحيوان في معرض الخطر لمرض و نحوه أو كان قاطعاً برضا صاحبه- فلم يكن مأذونا من قبل الشارع و لم يحرز رضائه المالك أيضا حيث يتّخذها لنفسه.

هذا. مع أنّ السند لا يخلو عن إشكال، لحسين بن زيد، فإنّه قد تعرّض له مثل الشيخ و النجاشيّ و لم يصرّحوا بوثوقه مع أنّه حارب مع محمّد و إبراهيم ابني عبد اللّه بن الحسن مع ورود الأمر بالسكون و الاتّقاء ما سكنت الأرض و السماء من الصادق عليه السّلام على ما نقل «2»، مع أنّ المتن لا يخلو عن خلاف الأدب، فإنّ أصحاب أبي عبد اللّه لا ينقلون عنه على ما هو ببالي بلفظ «جعفر» بل الجابر الجعفيّ يقول حدّثني وارث علوم الأنبياء على ما هو ببالي. و أمّا ما جعله المحدّث النوريّ دالّا على وثاقته فليس إلّا نقل ابن أبي عمير و يونس و أبان عنه، و نزيد أنّه من مشايخ الفقيه، مع أنّ المتن لا يخلو عن اضطراب، لقوله: «كان. يقول» و قوله «قال»، فلعلّ أمير المؤمنين عليه السّلام قاله في مورد خاصّ غير مؤتمن.

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 369 الباب 19 من أبواب اللقطة.

(2) البحار: ج 47 ص 273 ح 13 و ج 52 ص 188 و 189 ح 16 و 17.

783
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة كيفية تعلق الخمس بالمال ص 784

مسألة [كيفيّة تعلّق الخمس بالمال]

قد يقال بتعلّق الخمس بالمال على نحو الإشاعة (1).

كما عن غير واحد من علماء العصر و من قارب عصرنا، و هو الذي يظهر من الجواهر في ذيل مسألة خمس أرباح المكاسب، فإنّ فيه:

ضرورة اشتراك ذوي الخمس معه و إن كان له تأخير الأداء «1».

و هو الذي استظهره في المدارك عن عبارة الأصحاب في الزكاة على ما في مصباح الفقيه «2».

و قد احتمل صاحب المصباح في تعلّق الزكاة وجوها:

الأوّل: ما ذكر من الشركة الإشاعيّة الحقيقيّة.

ثانيها: الكلّيّ في المعيّن. ثالثها: أن يكون كحقّ غرماء الميّت بالتركة، فإنّه مورد لهذا الحقّ لا يجوز النقل و الانتقال و التقسيم حتّى يؤدّى حقّه و لو من غير هذا المال، سواء كان المؤدّي هو المالك أو غيره، و ليس الدين متعلّقا بذمة الورثة، بل لا يقسم المال حتّى يؤدّى الدين من التركة أو غيرها. رابعها: أن يكون كحقّ الرهانة، فهو متعلّق بالذمّة و العين مرهونة لها. خامسها: أن يكون من قبيل حقّ الجناية. و قيل في الفرق بينهما بأنّ الأوّل مانع عن النقل و الانتقال دون الثاني. سادسها: أن يكون من قبيل منذور التصدّق «3».

انتهى.

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 55.

(2) ج 3 ص 43.

(3) مصباح الفقيه: ج 3 ص 42.

784
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة كيفية تعلق الخمس بالمال ص 784

..........

و الظاهر قياسهم باب الخمس بالزكاة، لكنّ القياس ممنوع، إذ لا وجه لذلك، فلا بدّ من ملاحظة دليل الخمس، و في الخمس بحسب الأدلّة وجهان: أحدهما الإشاعة، و الثاني الكلّيّ في المعيّن.

وجه الأوّل دعوى ظهور الآية الشريفة في ذلك، و هي قوله تعالى:

وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ. «1».

فإنّ ظهور اللام في مالكيّة الخمس لا ينكر، و ظهور الخمس في المشاع أيضا كذلك، و أمّا ما في غير واحد من الروايات من التعدية بلفظة «في» «2» و التعدية بلفظة «على» المتعلّق بالمال، الظاهر مع قطع النظر عن كلمة «الخمس» في الكلّيّ في المعيّن كما في خبر جميل «3» و خبر ابن أبي عمير «4» و التعدّي بلفظة «من» كما في خبر حمّاد «5» و غير واحد من الأخبار الأخر «6» فلا ينافي الإشاعة.

لكن فيه: أنّ في المنجد و لسان العرب أنّ الخمس جزء من خمسة أجزاء، و في المجمع: «الأخماس: الأصابع الخمس»، فهي جمع الخمس الذي ليس فيه الإشاعة، و في القاموس كما في لسان العرب، و فيه و في غيره: «خمستهم أخمسهم:

أخذت خمس أموالهم»، و من المعلوم أنّه ليس بعد الأخذ مشاعا. و في القرآن:

قُمِ اللَّيْلَ إِلّٰا قَلِيلًا. نِصْفَهُ «7» و ليس المقصود هو النصف المشاع، فالظهور في الكسر المشاع ممنوع جدّا، و هو من باب اشتباه المصداق بالمفهوم، فإنّ المقصود‌

______________________________
(1) الأنفال: 41.

(2) مثل ما في الوسائل: ج 6 ص 338 ح 1 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 342 ح 1 من ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) المصدر: ص 339 ح 2 من ب 2 و ص 344 ح 7 من ب 3.

(5) الوسائل: ج 6 ص 340 ح 9 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(6) المصدر: ص 338 الباب 2.

(7) سورة المزّمّل: 2- 3.

785
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة كيفية تعلق الخمس بالمال ص 784

و الظاهر أنّه على نحو الكلّيّ في المعيّن (1). و سواء كان التعلّق على به في الأراضي و الدور هو الكسر المشاع، إذ لا معنى للبيت الذي في أحد طرفيه العمارة العالية و في أحد طرفيه المزبلة هو الحكم بأنّ النصف لفلان و كان المقصود هو الكلّيّ في المعيّن، بخلاف المال و الغنيمة بما هو مال و غنيمة، كما أنّه لو لم يكن انتقال الخمس و السدس من أحد إلى الآخر و كان المالك لتلك الأجزاء على التسوية فالظاهر هو الكسر المشاع، كما في ورثة الميّت و الثلث الذي يجعل موردا لوصيّته، فإنّ الكلّ في عرض واحد. هذا، مع أنّ ظهور «على هذا المال الخمس» في الكسر المشاع ممنوع، بل الظاهر هو الكلّيّ في المعيّن فيتعارض ظهوره مع ظهور مثل الآية الشريفة، مع أنّ مقتضى الكسر المشاع أن يكون الإفراز بيد الطرفين فيكون من عليه الخمس في كلّ سنة كمن مات أبوه، فيحضر صاحب الخمس و يقرع في الخمسة أو يرضى هو و صاحب الخمس على القسمة، و هو خلاف ضرورة المسلمين.

لوجوه:

الأوّل: أنّ الشياع و السريان في كلّ جزء من أجزاء المال خلاف إطلاق لفظ الخمس.

الثاني: أنّ تحديد مالكيّة من ملك المال بالتجارة أو بسائر أسباب الملك من الحيازة و الاستخراج خلاف دليل المالكيّة.

الثالث: أنّ تعلّقه بالمال معلوم، و كونه على وجه السريان قيد غير معلوم مرفوع بحديث الرفع، و لا نحتاج إلى ثبوت الإطلاق و أنّ متعلّق الحقّ مطلق المال، فإنّ إعطاء المالك لا يوجب مخالفة للشرع، لأنّه إمّا أن يكون ماله و إمّا أن يكون مال وليّ الخمس، و كذا لا إشكال لصاحب الخمس في الرضا بذلك، بخلاف اشتراط العربيّة أو الماضويّة أو أصل اللفظ في المعاملات، فإنّ أخذ المشتري و البائع للمال غير جائز إلّا بإثبات الإطلاق، فافهم و تأمّل.

786
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة كيفية تعلق الخمس بالمال ص 784

نحو الإشاعة أو على نحو الكلّيّ في المعيّن فالموضوع هو المال الموجود للمالك، لا خصوص الغنيمة الحاصلة أوّلا و لا الأعمّ منها و من بدلها كما ذكرناه ثانيا، بل الموضوع للخمس مقدار الغنيمة الّتي في المال و لو كان المال إرثا من مورّثه (1).

و الوجه في ذلك أمور:

منها: أنّ العرف يرى الموضوع الذي هو معنون بعنوان «الفائدة» الماليّة الزائدة في المال، فمن كان له مركز للتجارة يبيع فيه أنواع المأكولات من الحبوب و القبول و اللحوم و الفواكه- كما في عصرنا الحاضر- فبعضها إرث و بعضها من السنوات الماضية و بعضها من السنوات الحاليّة، فلا يلاحظ كلّ غنيمة موجودا مستقلّا، فإذا ورد أنّ «في كلّ ما أفاد من قليل أو كثير الخمس» يفهم أنّ في الألف الحاصل في تلك السنة المنتشر في الآلاف الموجودة الّتي لا ميز لها الخمس.

و منها: أنّ ذلك هو المستفاد من الروايات الكثيرة: منها قوله عليه السّلام على ما في خبر ابن بكير:

«إنّي لآخذ من أحدكم الدرهم و إنّي لمن أكثر أهل المدينة مالا» «1».

و قوله عليه السّلام على ما في خبر عمران بن موسى:

«و اللّه لقد يسر اللّه على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم، جعلوا لربّهم واحدا و أكلوا أربعة أحلّاء» «2».

فجعل الموضوع للخمس و نفسه الدراهم مع أنّ أموال الناس مختلفة، و قد جعل في الأوّل المأخوذ هو الدرهم مع أنّه قد يكون التمر مثلا، فالمقصود من الكلّ هو الماليّة. و منها خبر الأزديّ، و فيه:

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 337 ح 3 من ب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) المصدر: ص 338 ح 6.

787
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة كيفية تعلق الخمس بالمال ص 784

..........

«فإنّ الخمس عليك، فإنّك أنت الذي وجدت الركاز» «1».

و في المكاتبة:

«و لم أوجب ذلك عليهم في متاع و لا آنية و لا دوابّ و لا خدم» «2».

المعلوم أنّه لو كان واجبا كان الواجب أداء ماليّة ذلك و لو من مال آخر، لا أداء نفس الآنية أو الدوابّ أو الخادم، و في خبر أبي بصير: «هل عليه الخمس» «3» الصادق على أداء الخمس من غير نفس الغنيمة أو بدلها، و في خبر أبي عبيدة: «فإنّ عليه الخمس» «4» أي على الذمّيّ و ليس المقصود خمس الأرض، و في خبر حمّاد جعل علّة الجعل هي الاستغناء «5»، و هو حاصل بإعطاء المال، و كلّ ذلك يؤيّد كون الحقّ في المال لا في الغنيمة أو بدلها، و يعطي المال من باب الولاية على التبديل.

و منها: أنّ التعلّق بالمال معلوم، و كون المتعلّق خصوص الغنيمة أو بدلها غير معلوم مرفوع بحديث الرفع «6»، و لا يتوقّف على إثبات الإطلاق، لأنّه إذا أدّى المالك و رضي صاحب الخمس بذلك فلا إشكال لهما، و احتمال عدم العمل بالتكليف مشترك في جميع موارد دوران الأمر بين المطلق و المقيّد.

و منها: أنّ بناء العقلاء على عدم الخصوصيّة في الأموال إذا كان المقصود جهة المالّية، و لذا لا يحتمل العقلاء في مرسلاتهم بتوسيط التجّار أو المراكز الأخر تعلّق الغرض بخصوص إسكناس مخصوص و نوت خاصّ إلّا أن لا يكون الغرض‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 346 الباب 6 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) المصدر: ص 349 ح 5 من ب 8.

(3) المصدر: ص 351 ح 10 من ب 8.

(4) الوسائل: ج 6 ص 352 ح 1 من ب 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(5) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(6) الوسائل: ج 5 ص 345 ح 2 من ب 30 من أبواب الخلل.

788
کتاب الخمس (للحائري)

تعلق الخمس بالمالية أيضا في الكنز و الغوص و المعدن ص 789

[تعلّق الخمس بالماليّة أيضا في الكنز و الغوص و المعدن]

و لا يبعد أن يكون تعلّق الخمس بالكنز و الغوص و المعدن من باب الغنيمة، فيتعلّق بالماليّة (1).

فروع

ألف: على فرض الإشاعة في مقدار ماليّة خاصّة فالمقدار المذكور بالنسبة إلى أصل المال من قبيل الكلّيّ في المعيّن (2).

و المقصود هو الماليّة، و الظاهر من الخمس أنّ الشرط هو حصول المال و أنّ الواجب أداء المال لا المال الخاصّ.

كما سبق في خبر الأزديّ بالنسبة إلى الركاز، «1» و هو المستفاد ممّا ورد أنّه «ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصّة» «2»، و في موثّق سماعة بعد السؤال عن الخمس: «في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير» «3»، فهو شامل للمعادن و جميع موارد الخمس إلّا المختلط و الأرض المشتراة من المسلم و دالّ على أنّ ذلك من حيث الفائدة، و ذكر في المكاتبة: «فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام» ثمّ ذكر الآية الشريفة و ذكر كلّ فائدة و الجائزة و ما يؤخذ من العدوّ و غير ذلك «4»، فراجع و تأمّل، مضافا إلى روايات التقسيم المستدلّ فيها بالآية الشريفة «5» في جميع موارد الخمس، و رواية مسمع:

إنّي كنت وليت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم، و قد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم «6».

فلو كان مالكا لأربعين ألفا مخمّسا و ملك بعد ذلك عشرة آلاف فالخمس‌

______________________________
(1) تقدّم في ص 757 و 758.

(2) الوسائل: ج 6 ص 338 ح 1 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 350 ح 6 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(5) الوسائل: ج 6 ص 355 الباب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(6) الوسائل: ج 6 ص 382 ح 12 من ب 4 من أبواب الأنفال.

789
کتاب الخمس (للحائري)

فروع ص 789

ب: على فرض الكلّيّ في المعيّن فالظاهر أنّ للمالك العزل الحقيقيّ أو العزل النسبيّ بجعل ملك الخمس في قسمة من المال (1).

و الظاهر لزومه و عدم جواز التبديل إلى ملك آخر (2).

ج: ما ذكرناه من تعلّق الخمس بالمال المتبدّل بتبديله مسألة كلّيّة تجري في المعاملات، فيمكن أن يجعل مهر الزوجة هو النصف من الدار أو بدله فملكيّة الزوجة للنصف إنّما هي في فرض ملكيّة الزوج للنصف الآخر بالنسبة إليه أو بدله (3).

ألفان من عشرة آلاف الّتي في المال على نحو الكلّيّ في المعيّن، و لا دليل على الإشاعة بالنسبة إلى جميع المال، لعدم صدق الخمس بالإضافة إلى الجميع و عدم كون الجميع غنيمة.

لأنّ ولاية المالك على ذلك باقية لا دليل على ارتفاعها بعد عدم منافاتها لمالكيّة صاحب الخمس للخمس على نحو الكلّيّ في المعيّن.

لدخوله في ملك وليّ الخمس و لا دليل على خروجه منه.

فإذا باع الدار يملك المشتري نصفها لعدم المانع، و نصفها الآخر لأنّ الزوجة لا تملكها، إذ المفروض أنّ ملكيّتها في فرض ملكيّة الزوج فيملك الزوج النصف الآخر فينتقل كلّ ذلك إلى المشتري في آن واحد من دون التقدّم الزمانيّ.

و كذا الحال في ما إذا شرط الزوج مثلا للزوجة أنّها تملك نصف الدار بمحض الشراء من مالكها، فإنّها تملك من حين العقد و لا يحتاج إلى الملكيّة آنا ما، فإنّ الموضوع لتملّك الزوجة تملّك الزوج من جميع الجهات إلّا من ناحية الشرط للزوجة.

و كذا الكلام في شراء من ينعتق عليه، فإنّ الملكيّة آنا ما بعد العقد لا تأثير لها بالنسبة إلى ما بعد هذا الآن. فهذا الخلط من باب الخلط بين التقدّم الرتبيّ و الخارجيّ، و معنى التقدّم الرتبيّ ليس إلّا الاحتياج إلى المتقدّم دون المتأخّر.

790
کتاب الخمس (للحائري)

فروع ص 789

د: ما قلنا من أنّ تعلّق الخمس على نحو الكلّيّ في المعيّن إنّما هو في غير المختلط بالحرام، و أمّا المختلط فهو مخلوط بالحرام على ما هو عليه من الواقع (1).

ه‍: لعلّ الظاهر جواز نقل الغنيمة الّتي فيها الخمس إلى البدل، و تعلّق الخمس بالبدل (2) حتّى بعد السنة (3).

و: لو انحصر المال الموجود بالخمس فلا يجوز نقله و لو مع البدل، و ذلك لأنّ الوارد في الخبر الأوّل: «أخرج الخمس من ذلك المال» «1» و في الثاني: «فليبعث بخمسه» «2» و في الثالث: «ائتني خمسه» «3» و في الرابع: «تصدّق بخمس مالك» «4»، و مقتضى قاعدة الملك و الاستصحاب ذلك و عدم حصول المصالحة القهريّة من دون الأداء، مضافا إلى أنّه الظاهر من قوله: «فإنّ اللّه عزّ و جلّ قد رضي من ذلك المال بالخمس»، فإنّه من باب الولاية على المالك يرضى بذلك، و من المعلوم أنّ المالك لا يرضى بحصول المصالحة قهرا مع عدم إعطاء الخمس أصلا، و هو الظاهر من قوله عليه السّلام على ما في الثالث: «إنّ الرجل إذا تاب تاب ماله معه»، فإنّ التوبة بالإعطاء و التصدّق، و حصول المصالحة القهريّة لا يحتاج إلى التوبة.

و الوجه في ذلك أنّ متعلّق الخمس ليس خصوص المال الموجود بل هو مقدار الغنيمة الموجودة في المال، فإذا انتقل المال إلى الغير فليس موضوع الغنيمة، بل موضوع الغنيمة هو البدل فينتقل الخمس إليه فينتقل بتمامه إلى المشتري، فافهم و تأمّل.

لأنّه ليس منافيا لثبوت الخمس في المال الأعمّ من العين و البدل و مال آخر لا يكون من العين و البدل.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 352 ح 1 من ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 353 ح 2 و 3 و 4 من ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 353 ح 2 و 3 و 4 من ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) الوسائل: ج 6 ص 353 ح 2 و 3 و 4 من ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

791
کتاب الخمس (للحائري)

فروع ص 789

فإن نقل يجي‌ء فيه ما سيأتي من فروع الفضوليّة (1).

و يظهر منه مسألة كلّيّة و هي تصوير الملكيّة المقيّدة من حيث الحدوث و البقاء، كما لو جعل شي‌ء مهرا لزوجته على تقدير كونه مالكا له لو لا مالكيّتها و إلّا انتقل ذلك إلى بدله، (2) أو لا يكون مشروطا بذلك أصلا فيزول مهرها بتّا.

ز: مقتضى الكلّيّ في المعيّن هو الملكيّة على وجه الترديد- كالواجب التخييريّ و الواجب الكفائيّ- فيتعلّق بالخارج (3).

لأنّه و إن أمكن أن يكون كونه خمسا على فرض كونه غنيمة له و ملكا لمالكه على تقدير عدم كونه خمسا، فيكون ملكيّة صاحب الخمس مشروطا حدوثا و بقاء بكون المال ملكا لصاحب المال لو لا تعلّق الخمس، لكن ظاهر دليل الخمس هو الملكيّة المطلقة من حيث البقاء فلا يجوز التبديل.

فإنّ مقتضى البيع أو المصالحة انتقال الملكيّة لو لا ملكيّة الزوجة في المثال إلى المشتري، فتزول ملكيّة الزوجة عن المبيع و تنتقل إلى البدل فيملك المشتري المال، كلّ ذلك في الرتبة من غير أن يكون ذلك موجبا لإشكال الزمان كما تقدّم آنفا، لكنّ الخمس ليس كذلك.

خلافا لصاحب التعليق المحقّق الأصفهانيّ، فإنّه أنكر أن يكون المملوك في الصاع من الصبرة خارجيّا، لاستحالة الفرد المردّد ذهنا و خارجا، و الأمر الاعتباريّ لا بدّ أن يتعلّق بما هو موجود في وعاء من الأوعية، و الوجود مساوق للتشخّص، و ليس فرد موجود في الخارج أو الذهن مردّدا بين نفسه و غيره، فالكلّيّ في المعيّن هو بمعنى استحقاق الاستيفاء على وجه تقوّم الكلّيّ به لا على وجه الاشتراط- بمعنى الالتزام في الالتزام-، و لا يتعلّق بالخارج أصلا «1».

أقول: فيه أوّلا: أنّه لا يمكن أن ينكر تعلّق العلم الإجماليّ بأحد الشيئين من‌

______________________________
(1) تعليقة المحقّق الأصفهانيّ على المكاسب: ج 1 ص 313.

792
کتاب الخمس (للحائري)

فروع ص 789

..........

دون وجود جامع، و كذا تحقّق الوجوب التخييريّ، و تعلّق الإرادة التخييريّة بأحد الشيئين أو بصرف الوجود المردّد في الانطباق، كما أراد إطفاء العطش و كان بين يديه إناءان متساويان من جميع الجهات، و قد قال قدّس سرّه في أثناء كلامه- و نعم ما قال-: إنّه لا فرق في استحالة الفرد المردّد بين التردّد في أصل الحصص أو المفردات، فلا بدّ من علاج الإشكال المتقدّم.

و ثانيا: حلّ ذلك أنّ الترديد في التعلّق لا في المتعلّق.

بيان ذلك أنّه في الخارج قد يكون الأمر بنحو يكون شي‌ء متعلّقا لأمر في وقت و متعلّقا لضدّه في وقت آخر كما في الأرض بالنسبة إلى النور و الظلمة، و قد يكون متعلّقا لإضافة شي‌ء إليه إذا لم يكن متعلّقا لإضافة شي‌ء آخر، كما في الإرادة التكوينيّة المتعلّقة بأحد الشيئين مثلا، فإنّها مضافة إلى الخارج و لذا تؤثّر في التحريك نحو الخارج، و لكن تلك الإضافة من قبيل إضافة العلّة إلى المعلول لا من إضافة العرض إلى المعروض، فإنّه في فرض عدم تعلّق الإرادة بمجموع الأمرين و عدم خلوّ المجموع عن الإرادة تتعلّق الإرادة بشرب الإناء الواقع في اليمين إذا فرض عدم تعلّق الإرادة بالإناء الواقع في اليسار، و كذا العكس، و كذا إذا فرض تعلّقها باليمين لا تعلّق لها باليسار، فإرادة أحد الشيئين منحلّة إلى أربع قضايا تعليقيّة في الفرض المزبور، فلا يرد أنّه يلزم من تعلّق الإرادة بكلّ واحد من الإناءين عدم تعلّقها بهما، فإنّ فرض عدم التعلّق خارج عن موضوع القضايا التعليقيّة، و كذا الإيراد بأنّه يلزم من عدم تعلّق الإرادة كذلك بكلّ واحد منهما التعلّق بهما، فإنّه أيضا خارج عن الموضوع. هذا بالنسبة إلى الخارج.

و أمّا بالنسبة إلى الذهن فهو أيضا كالخارج في المثالين، فإنّه قد يحصل العلم لشخص بفقر شخص آخر و قد يحصل بعدمه في الوقتين المتعدّدين، و كذلك تعرض إرادته في الذهن إلى الإناء الذي في اليمين على فرض عدم تعلّقها بالإناء الواقع في اليسار على ما عرفت تفصيله بالنسبة إلى الخارج.

793
کتاب الخمس (للحائري)

فروع ص 789

و مقتضى ذلك أن يكون اختيار الإخراج عن طرفيّة ملكيّة الخمس و إدخاله بيده (1)، فلو أخرج من المال قسمة لنفسه أو جعل قسمة من و الفرق بينهما أنّ تعلّق الإرادة بالخارج من باب الإضافة إليه و تعلّقها بالذهن الحاكي عن الخارج تعلّق عروضيّ، و في الذهن مضافا إلى المثالين المتقدّمين ينتزع من التفصيل المذكور المنحلّ إلى القضايا التعليقيّة عنوان أحدهما، و عنوان أحدهما إجمال لذلك التفصيل، و هو بالحمل الأوّليّ يكون عنوان أحدهما و بالحمل الشائع موجودا واحدا و فردا متميّزا، فهو لا ينقص عن مفهوم العدم و مفهوم شريك الباري و مفهوم المتناقضين، فما بالحمل الأوّليّ مردّد بالحمل الشائع موجود غير مردّد.

فما بحمل الأوّليّ شريك حقّ

عدّ بحمل شائع ممّا خلق

و هذا ملخّص حلّ ذلك، فافهم و تأمّل.

و ثالثا: هو خلاف الظاهر في الصاع من الصبرة، فإنّ الظاهر عند العرف تعلّق الملكيّة بالخارج كتعلّقها بجميع الصبرة، فلا بدّ أن يقال بالبطلان على فرض عدم التصوير العقليّ حتّى في الاعتباريّات كما صرّح بذلك.

و رابعا: لو لم تتعلّق الملكيّة بالخارج فكيف يحكم بالملكيّة عند الانحصار في الصاع الواحد، فلو لم يكن مفاده إلّا حقّ الاستيفاء فعند الانحصار أيضا ليس إلّا ذلك.

و خامسا: أنّ مقتضى ذلك عدم مالكيّة النماء أصلا و لا أظنّ الالتزام به.

و سادسا: أنّ حقّ الاستيفاء لا بدّ أن يتعلّق بالخارج فيعود إشكال الفرد المردّد.

هذا. و إن كان يمكن أن يقال: إنّ القدر المتيقّن في باب الخمس هو حقّ الاستيفاء، لكنّ الإنصاف أنّه خلاف ظاهر قوله تعالى: «فأنّ للّه خمسه»، و لا ينافيه غيره ممّا دلّ على أنّ «فيه الخمس» أو «منه الخمس» أو «عليه الخمس»، فالكلّيّ في المعيّن على نحو تعلّق الملكيّة بالخارج قويّ. و اللّه العالم.

إذ ليس مقتضى ملكيّة صاحب الخمس إلّا مالكيّة الخمس من المال (لا‌

794
کتاب الخمس (للحائري)

فروع ص 789

المال للخمس أو جعل قسمة الخمس في مال آخر يجوز له التصرّف (1).

و الظاهر أنّه لا يشترط نيّة الأداء من مال آخر، بل لو عيّن بأحد الأنحاء المذكورة و كان بانيا على عدم أدائه فمقتضى القاعدة جواز التصرّف في الباقي (2).

و لو وهب المال لغيره كان من مصاديق الإخراج.

و لو أخرج قسمة من المال و كان الباقي بمقدار الخمس أو أزيد فصرف في مئونته فلا إشكال، لكن لو صرفها فيها من دون ذلك أو صلّى فيه أو تصرّف تصرّفا آخر كان حراما (3).

من عين خاصّ) و هي على نحو القضيّة التعليقيّة بمعنى أنّه لو لم يملك هذا الطرف يملك الطرف الآخر و بالعكس، و حصول المعلّق عليه يكون بيد المالك و تحت اختياره.

لأنّه مقتضى الولاية على التعيين. و لا فرق في ذلك بين الإخراج من طرفيّة ملكه و الإدخال في طرفيّته، و لا بين الإخراج بقدر سهمه و الإدخال بقدر سهم صاحب الخمس و إخراج قسمة من الباقي زائدا على سهمه- أي الخمس- أو جعل ماله في قسمة خاصّة.

لأنّه مقتضى الولاية على الإخراج و الإدخال، فلو كان التعيين بيده فلا فرق بين قبض صاحب الخمس و عدم قبضه، إذ لا مدخليّة لذلك، فكما أنّه لو أقبضه المالك و قبضه صاحب الخمس ثمّ جعل عنده أمانة يجوز له التصرّف في البقيّة و إن كان بانيا على عدم أداء الأمانة كذلك الصورة المذكورة في المتن، من غير فرق بين الصورتين.

و ما يتحقّق به الحرمة هو كون جميع المال بيده و تحت تصرّفه إمساكا أو تصرّفا، فالمجموع حرام، و هو حاصل، إلّا أن يقال: إنّ ما يصرف في المئونة لا يكون متعلّقا للخمس فالصرف في المئونة بمنزلة الإخراج عن طرفيّة الخمس.

795
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لزوم أداء الخمس من العين في المختلط بالحرام ص 796

مسألة [لزوم أداء الخمس من العين في المختلط بالحرام]

ما تقدّم من تخيير صاحب الخمس في الأرباح بل في و هذا لا ينافي ما أوضحناه سابقا من عدم استثناء مئونة السنة اللاحقة عن الخمس، بل هذا مبنيّ على أن يكون دليل أنّ «الخمس بعد المئونة» مضافا إلى دلالته على استثناء المئونة أن يدلّ على أنّ ما يصرف في المئونة لا يكون فيه الخمس و لو لم يخرج منه، فنقول: تارة يكون مفاد قوله عليه السّلام «الخمس بعد المئونة» «1» بعد ضمّه إلى دليل وجوب الخمس في كلّ عام: أنّ المستثنى هو مئونة العام الحاصل فيه الربح فيدلّ على البعديّة في التعلّق أيضا بالنسبة إلى ذلك العام، و اخرى يكون مفاده أنّ الخمس في كلّ عام بعد مئونة العمر، و بعديّته بالنسبة إلى مئونة السنة بخارجيّته و صرفه، و أمّا بعديّته بالنسبة إلى ما بقي من العمر فهي بوجود ما يكفي لمئونته من ضيعة أو علم أو صنعة أو رأس مال يكتسب به في سنوات عديدة، و يكفيه بالظنون العقلائيّة لما يستقبله من الأيّام، كما لا يبعد أن يكون هو المستفاد من قوله عليه السّلام: «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» «2» و قوله عليه السّلام: «من كانت ضيعته تقوم بمئونته» «3».

فالبعديّة ليست إلّا بالنسبة إلى ما صرف في المئونة و ما يكون رأس ماله للسنين الآتية، فلا يدلّ على عدم كون مئونة السنة اللاحقة غير متعلّق للخمس الثابت في السنة الاولى.

و أمّا احتمال استثناء المئونة الخارجيّة مدّة العمر و كون وجود رأس المال طريقا إليه الموجب لرجوعه- لو تلف بعد ذلك رأس ماله أو جنّ جنونا لا يمكن له الاسترباح من علمه بالطبابة أو الكتابة- إلى صاحب الخمس و استرجاع ما أخذه من الخمس، فهو خلاف الضرورة الثابتة من السيرة.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 2 من ب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 3 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) المصدر: ص 350 ح 5.

796
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لزوم أداء الخمس من العين في المختلط بالحرام ص 796

الغنائم مطلقا لا يتمشّى في الحلال المختلط بالحرام (1)، فالأحوط بل لعلّ الأظهر لزوم الأداء من العين (2). و كذا في الأرض الّتي يشتريها الذمّيّ و أوضح بطلانا من الثالث استثناء المئونة الخارجيّة المستلزمة لجواز تأخير الخمس إلى آخر العمر كما في السنة الأولى، فحينئذ لا دليل على أنّ ما يصرف في المئونة في السنة اللاحقة مع فرض عدم الإخراج منه ليس فيه الخمس فتأمّل، و ربّما تقدّم فيه الكلام و يجي‌ء بإذنه تعالى إن شاء اللّه.

فإنّه في الخبر الأوّل:

أصبت مالا لا أعرف حلاله من حرامه، فقال له:

«أخرج الخمس من ذلك المال، فإنّ اللّه عزّ و جلّ قد رضي من ذلك المال بالخمس، و اجتنب ما كان صاحبه يعلم» «1».

فإنّ إعطاء مال آخر غير مربوط بالمختلط ليس أداء لذلك أوّلا. و قال: «من ذلك المال» مرّتين ثانيا. و ثالثا قال: «و اجتنب ما كان صاحبه يعلم»، فإنّه من ذلك المال، لا مقداره من مال آخر. مضافا إلى كلمة «الخمس» الذي لا يكون مضافا إلى نفس المال، فإن كان المقصود هو الأعمّ من خمس العين و معادله فالخمس ليس إلّا باعتبار شخص المال فلا بدّ من تقدير المعادل على وجه التخيير و هو خلاف الظاهر.

و في الخبر الثاني: «فليبعث بخمسه إلى أهل البيت» «2» و في الثالث: «ائتني خمسه» «3» و في الرابع: «تصدّق بخمس مالك» «4».

وجه الاحتياط و عدم الجزم هو عدم العلم بمساعدة كلمات الأصحاب‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 352 ح 1 من ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 353 ح 2 من ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 353 ح 3 من ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) الوسائل: ج 6 ص 353 ح 4 من ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

797
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لزوم أداء الخمس من العين في المختلط بالحرام ص 796

من المسلم (1).

على ذلك، مضافا إلى احتمال دلالة بعض الأخبار على جواز أداء القيمة في اللقطة فيقال لا فرق بينها و بين المقام.

ففي ما عن الصادق عليه السّلام: «فعليه فيها الخمس» «1» و ظهوره في تعلّقه بالأرض غير قابل للإنكار، لقوله عليه السّلام- على ما فيه-: «فيها». و في ما عن أبي جعفر عليه السّلام: «فإنّ عليه الخمس» «2»، و لا شبهة أنّ الخمس إنّما هو باعتبار الأرض و إلّا فليس متعلّقا بمال آخر بعنوان الخمس كما هو واضح، فعلى فرض التخيير لا بدّ من تقدير «أو معادله»، و هو خلاف الظاهر قطعا.

إن قلت: كما تقدّم سابقا «3» أنّ مصرف الخمسين- أي المتعلّق بالمختلط و بالأرض المشتراة من المسلم- هو مصرف سائر أقسام الخمس مع عدم التصريح بذلك في نفس روايات البابين و تقدّم «4» أنّ الوجه فيه ظهور الروايات في كون الخمس حكمه واحد بالنسبة إلى الجهات الّتي لم تذكر في بعض أفراده، كذلك يقال في المقام، فإنّه إذا ثبت التخيير في الغنائم ثبت في غيرها أيضا بنفس التقريب المذكور.

قلت: ما تقدّم إنّما هو بالنسبة إلى الجهات غير المذكورة، و أمّا في الموردين فالدليل ظاهر في تعلّقه بالعين.

هذا، مع أنّه لم يحصل الافتراق من حيث الحكم عند الدقّة و التأمّل، فإنّ الموضوع في خمس الأرباح هو الفوائد و الغنائم المكتسبة مثلا و الموضوع فيهما الأرض و شخص المال المختلط بالحرام، فالافتراق إنّما هو من جهة الموضوع لا من جهة الحكم.

ثمّ إنّه قد ذكر في الجواهر أنّه:

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 352 ح 2 من ب 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 352 ح 1 من ب 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) في ص 266.

(4) في ص 294.

798
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لزوم أداء الخمس من العين في المختلط بالحرام ص 796

..........

يتخيّر من إليه أمر الخمس بين أخذ رقبة الأرض و بين ارتفاعها كما صرّح به غير واحد، و في الحدائق:

إنّ الأقرب التخيير إذا لم تكن الأرض مشغولة بغرس أو بناء، و إلّا تعيّن أخذ الارتفاع، و قال في البيان:

و يجوز الأخذ من الرقبة و من الارتفاع، و في المسالك:

يتخيّر الإمام أو الحاكم بين أخذ خمس العين أو خمس الارتفاع، و قال الشهيد قدّس سرّه في المنسوب إليه من حواشي القواعد: و يتخيّر الإمام عليه السّلام بين خمس أصلها و حاصلها، و قال صاحب الجواهر قدّس سرّه في ضمن كلامه: و له أخذ القيمة لو بذلت «1». انتهى ملخّصا.

و العجب من العروة و ما رأينا من التعليقات عليها من غفلتهم عن ذلك و حكمهم بتخيير الذمّيّ «2».

إن قلت: بعد ما ثبت التخيير في الأقسام الأخر يمكن الحكم فيهما بإلقاء الخصوصيّة.

قلت: احتمال الخصوصيّة فيهما واضح، فإنّ الحرام المختلط هو شخص المال، و في الأرض المشتراة يحتمل أن يكون المقصود عدم اجتماع الكفّار في أراضي الإسلام فيفسدون الأمر، كما وقع ذلك في عصرنا بالنسبة إلى فلسطين و قد قامت الحرب بين اليهود و المسلمين و هي بعد باقية. و اللّه المرتجى و إليه المشتكى و عليه المعوّل في الشدّة و الرخاء.

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 68.

(2) العروة: كتاب الخمس، الفصل الأوّل «السادس».

799
کتاب الخمس (للحائري)

فروع في بيع الخمس فضولة ص 800

فروع في بيع الخمس فضولة

الأوّل: أنّه بناء على ما ذكره الأصحاب من تعلّق الخمس بالعين فقد مرّ أنّ الظاهر كونه على نحو الكلّيّ في المعيّن و أنّه يجوز تبديله فيتعلّق الخمس بالبدل و لو بعد السنة، و حينئذ فلا يفرض الفضوليّة إلّا على القول بعدم جواز التبديل- كما لعلّه ظاهر الأصحاب- أو في ما أتلف الغنيمة كلّها إلّا بمقدار الخمس و انحصر المال الموجود بالخمس (1).

الثاني: أنّه لو باع عين الخمس فضولة ممّن يحلّ له الخمس- كما قلنا و نقول إن شاء اللّه تعالى بأنّ الخمس الذي يصل إلى الشيعة حلال لهم- فلعلّ الظاهر صحّة المعاملة و عدم الاحتياج إلى الإجازة (2)، لكن مقتضى الاحتياط هو الأداء برضى صاحب الخمس بالأعمّ من عين لما مرّ من أنّ مقتضى فهم العرف أنّ موضوع الخمس في الأرباح هو الماليّة المتبدلة بالنقل و الانتقال، لا العين، بل لا يبعد أن يكون في غير الأرباح أيضا كذلك إلّا المختلط، فإنّ كلّ ذلك من باب الغنائم، فتأمّل.

و حينئذ إنّما يتصوّر الفضوليّة بالنسبة إلى الخمس بصرف الغنيمة كلّها غير الخمس بحيث لم يبق إلّا مقدار الخمس، فلا يجوز له حينئذ نقله و تبديله و إن نقل كان من باب الفضوليّة.

لأنّه المستفاد من التحليل عرفا فيكون ملكا للمشتري، و الظاهر أنّه ليس الثمن ملكا له أيضا فيجوز للبائع مطالبة الثمن منه، لأنّه ينجرّ إلى تعطيل الخمس، فإنّ كلّ من يجب عليه الخمس يبيع خمسه من بعض الشيعة و يهب الثمن له، فالظاهر أنّه إمضاء للمعاملة فينتقل إلى البدل، و إن أبيت فهو إتلاف، مضافا إلى أنّه مقتضى استصحاب وجوب الخمس على الأوّل إمّا بعينه أو ببدله، و مقتضى الاستصحاب هو الوجوب.

800
کتاب الخمس (للحائري)

فروع في بيع الخمس فضولة ص 800

حقّه أو بدله (1).

الثالث: أنّه لو باع الخمس من غير من يحلّ له فأجاز وليّ الخمس ينتقل ذلك إلى بدله.

و أمّا الأداء من مال آخر فهل يوجب صحّة المعاملة أم لا؟ فيه وجوه (2).

و الأحوط المصالحة بالنسبة إلى الخمس بأن يكون له بعد الأداء و أن يكون بدله بعد ذلك (3).

الرابع: أنّه تارة يكون القبض فضوليّا بأن أجازه وليّ الخمس في البيع و لم يجزه في القبض، فالظاهر أنّ المال الخارجيّ بعد البيع لا ولاية للبائع عليه، فليس من أفراد الفضوليّ حتّى يكون قبضه فضوليّا.

لأنّه إن كان مقتضى التحليل هو الإمضاء فحقّ صاحب الخمس بدل المعاملة، و إن لم يكن إمضاء في البين و قد أتلف الخمس فمقتضى القاعدة هو الرجوع إلى بدله الواقعيّ من المثل أو القيمة.

منها الصحّة و وجوب الأداء، لأنّ ذلك مقتضى وجوب الوفاء بالعقد، لكنّه مخالف لأخبار عدم صحّة بيع ما عنده «1». و منها الصحّة لو أدّى الخمس من دون الإجازة. و منها الصحّة مع الإجازة. و منها البطلان حتّى مع الأداء و التملّك و الإجازة، و هو بعيد جدّا. و مقتضى معتبر يحيى بن الحجّاج «2»: مع إيجاب البيع بحيث يكون واجبا عليه، فلا يشمل صورة التملّك بالاختيار بالأداء في المقام ثمّ الإجازة.

حتّى لا يكون مشمولا للأخبار المتقدّمة و لو مع فرض الإطلاق لصورة الإجازة، لأنّ كلّ ذلك راجع إلى البيع لا المصالحة.

______________________________
(1) مثل ما في الوسائل: ج 12 ص 252 الباب 2 من أبواب عقد البيع و ص 374 و 375 ح 2 و 5 من ب 7 من أبواب أحكام العقود.

(2) الوسائل: ج 12 ص 378 ح 13 من ب 8 من أبواب أحكام العقود.

801
کتاب الخمس (للحائري)

فروع في بيع الخمس فضولة ص 800

الخامس: أنّه إذا كان القبض شرطا في حصول المعاملة (1) فالظاهر صحّته بالإجازة (2)، لكن لا تصحّح القبض السابق على إشكال. و أولى بعدم التصحيح: التقابض في المجلس أو القبض فيه (3).

السادس: إذا لم يكن أصل المعاملة فضوليّا بل كانت الفضوليّة في الإبراء- بأن أدّى الخمس بعنوان أداء ما في الذمّة- فهو نوع معاملة بين عين الخمس و ما يملكه طرف المعاملة على المالك الذي بيده الخمس، فلوليّ الخمس إجازة ذلك فيملك على المالك ذمّته، و لو أدّى ما يقابله لصاحب الخمس فلعلّ الظاهر صحّته (4).

كأن وقف الخمس بإذن وليّه أو وهبه الشخص بإذنه لكن لم يجزه في القبض فقبضه فضولة للموقوف عليهم أو للموهوب له.

و إن لم يجز الفضوليّة في القبض، لأنّ القبض اللازم هو المقبوضيّة و كونه بيد الموهوب له أو الموقوف عليهم، و لا يشترط القبض الحدوثيّ بحيث لو كان المال عندهما يجب الأخذ ثمّ الإقباض، و المقبوضيّة حاصلة مع الرضا بذلك فيصحّ من حين الرضا، لحصول المقبوضيّة مع فرض الإجازة. و في تصوير الكشف الانقلابيّ في المقام إشكال، لأنّ المقبوضيّة المقرونة بالرضا أمر تكوينيّ لم يحصل قبل، و المقبوضيّة المتعقّبة بالرضا لم يدلّ عليها دليل، و الرضا بحصول الملكيّة من حين حدوث القبض كالرضا بحصول الملكيّة بالإيجاب فقط.

بعد حصول المقبوضيّة المقرونة بالرضا في المجلس في بيع الصرف و السلم.

و ذلك لكونه على طبق القاعدة، فالإضافة حاصلة و الملكيّة حاصلة بعد ذلك بالأداء إلى صاحب الخمس و التبديل معه على اختلاف المسلكين كما مرّ، و لا يشمله أخبار بيع ما ليس عنده، لأنّ الدفع بعنوان الإبراء ليس بيعا عرفا بل هو تطبيق.

802
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما لو علم أن مورثه لم يؤد خمس ما تركه ص 803

و لو ضمن الخمس ثمّ أبرأ ذمّته بالخمس فالواقع في الخارج معاملتان فيمكن إجازة ضمانه فيملك ما ضمنه و يمكن إجازة إبرائه فيملك ما كان يملكه المالك على طرفه، و لو أدّاه فلعلّ الظاهر صحّة المعاملتين، و هو العالم (1).

مسألة [حكم ما لو علم أنّ موّرثه لم يؤدّ خمس ما تركه]

إذا علم أنّ مورّثه لم يؤدّ خمس ما تركه و كان عين الخمس موجودا في ماله فقيل بلزوم الأداء (2).

و لكن عندي في ذلك إشكال (3).

لنحو ما ذكر في التعليق السابق، فإنّ التضمين أيضا تملّك لمال الغير على وجه الضمان فعرض التلف ببيعه للغير و ضمن وجهه، و إن كان الاحتياط فيه هو معاملة البيع بالإجازة بعد الأداء و المصالحة مع طرفه على أن يكون المال له و أن يكون ذمّته بريئة، و اللّه العالم.

كما في العروة الوثقى «1»، و لم يعلّق عليه أكثر المحشّين بل جميع ما ظفرت عليه إلّا بعض علماء العصر كان اللّه له فاحتاط بذلك.

وجه الإشكال أمران:

أحدهما: إطلاق أخبار التحليل مثل معتبر الفضلاء عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

«قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: هلك الناس في بطونهم و فروجهم، لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا، ألا و إنّ شيعتنا من ذلك و آباءهم في حلّ» «2».

و غير ذلك «3»، خرج منه الخمس المتعلّق بفوائد صاحب المال نفسه على ما بيّنّاه سابقا و بقي الباقي.

______________________________
(1) كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 50.

(2) الوسائل: ج 6 ص 378 ح 1 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(3) المصدر: الباب.

803
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما لو علم أن مورثه لم يؤد خمس ما تركه ص 803

..........

ثانيهما: خصوص خبر أبي خديجة «1» الذي أوضحنا اعتباره في ما تقدّم «2»، و ملخّصه أنّ النجاشيّ قال: إنّه ثقة ثقة، و نقل الكشّيّ عن محمّد بن مسعود العيّاشيّ قال: سألت أبا الحسن عليّ بن الحسن- و هو ابن فضّال المعتبر جدّا- عن اسم أبي خديجة، قال: سالم بن مكرم، فقلت له: ثقة؟ فقال: صالح «3».

و أمّا تضعيف الشيخ فمورده سالم بن مكرم، و مكرم يكون مكنّى بأبي سلمة، مع أنّ أبي سلمة كنية أخرى لأبي خديجة و ليس كنية لمكرم، فيحتمل أنّه تخيّل أنّه سالم بن أبي سلمة الضعيف مع أنّه وثّقه في موضع آخر على ما نقله العلّامة في الخلاصة. فإن كان توثيقه بعد تضعيفه فلا أثر للتضعيف، لأنّ مفاده الاشتباه في ذلك، و إن شكّ في ذلك فلا دليل على التضعيف حتّى يعارض التوثيقان. هذا، مع أنّ التضعيف ليس جرحا و تفسيقا حتّى يعارض التوثيق، بل غاية ما يستفاد منه وجود جهة في الرجل يوجب سوء الظنّ به، مضافا إلى أنّه يومئ إلى وثاقته أمور:

منها نقل الثقات عنه مثل ابن أبي عمير، فراجع خاتمة المستدرك. و منها كون أبي خديجة من مشايخ كتاب الفقيه. و منها نقل مثل أبي جعفر- و هو أحمد بن محمّد بن عيسى- هذا الخبر عنه، الذي هو معروف بالدقّة في نقل الأخبار. و منها نقله المفيد في المقنعة، فالخبر معتبر جدّا، و فيه:

قال رجل و أنا حاضر: حلّل لي الفروج، ففزع أبو عبد اللّه عليه السّلام، فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق إنّما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوّجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شي‌ء أعطيه.

فقال: «هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم و الغائب، و الميّت منهم و الحيّ، و ما يولد منهم إلى يوم القيامة،

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 379 ح 4 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(2) في ص 156.

(3) اختيار معرفة الرجال «رجال الكشّيّ» ج 2 ص 641 ح 661.

804
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما لو علم أن مورثه لم يؤد خمس ما تركه ص 803

..........

فهو لهم حلال.» «1».

و المقصود هو الاستدلال بخصوص قوله: «أو ميراثا يصيبه»، فإنّه ليس المراد منه السؤال عن نفس الإرث من باب أنّه فائدة، فإنّ المسلّم من الدليل و السيرة عدم الخمس في الإرث إلّا الإرث ممّن لا يحتسب، فليس موردا للتحليل بالنسبة إلى الشيعة و التحريم بالنسبة إلى غيرهم كما ورد في ذيل المعتبر، مع أنّ سياقه سياق التجارة الّتي ليس في التجارة بما هي تجارة الخمس. و كذا شراء الخادم من حيث هو، فإنّه من المئونة و لا يكون من باب التحليل، مع أنّه لو كان ناظرا إلى ذلك فلا يمنع أن يكون ناظرا إلى وجود الخمس فيه قبلا، و ظاهر السؤال هو الإطلاق و أنّه يستدعي التحليل في الميراث من حيث هو و من حيث وجود الخمس فيه قبلا فيدلّ أيضا على المدّعى.

و الغرض أنّ الظاهر أنّه ليس من باب أنّ الميراث بنفسه لا يكون فيه الخمس، و لا يمكن حمله على خصوص الميراث ممّن لا يعتقد الخمس، لأنّ الغالب في الوارث و المورّث اتّحاد المذهب، و حمله على الاختلاف في المذهب بعيد جدّا بل لا يحتمل في مقام الإطلاق.

و لا يمكن حمله على غير الخمس من الأموال المتعلّقة بالإمام كالسبايا- كما في تقرير الفقيه البروجرديّ «2»- فإنّ الخمس هو عمدة مال الإمام، مع أنّ السبايا فيها الخمس كما تقدّم، مع أنّه لو ثبت التحليل في ما يكون جميعه للإمام عليه السّلام فثبوته في ما يكون خمسه له و باختياره أولى، مع أنّ ترك الاستفصال كاف في الإطلاق، مع أنّ قوله: «خادما يشتريها» راجع إلى السبايا فلا معنى للتكرار.

و أمّا قوله في الصدر: «حلّل لي الفروج» فالظاهر أنّه كان في مقام جلب عاطفة الإمام و شدّة احتياجه إلى تحليله و أنّه لو لا عنايته لم تحلّ له الفروج أيضا‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 379 ح 4 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(2) زبدة المقال في خمس الرسول و الآل: ص 107.

805
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما لو علم أن مورثه لم يؤد خمس ما تركه ص 803

..........

و هو ممّا لا بدّ منه، بخلاف الأموال فإنّه يمكن فيها التجنّب في الجملة، مع أنّ أثره الوضعيّ و التكليفيّ أسهل، لعدم إيجابه للحدّ و لا لتوليد ولد الزنا و غير ذلك، فإنّه ليس أثره إلّا الضمان القابل للتدارك أو الاسترضاء بسهولة بالنسبة إلى الفروج.

إن قلت: مقتضى كون الإرث بعد الدين تعلّق الخمس بتركته.

قلت: مقتضى التحليل هو عدم التعلّق إمّا من باب أنّه لا يكون دينا باقيا على ذمّة المورّث و إمّا من باب عدم تعلّقه بتركته لصريح خبر أبي خديجة، مع أنّ الإشكال مشترك الورود، فإنّه لو حمل على غير المعتقد لزم ذلك، و الجواب الجواب.

و لا يخفى أنّ في رسالة الشيخ الأنصاريّ قدّس سرّه أنّ:

صريح الروضة و ظاهر السرائر في شراء الخمس أنّه لا فرق في التحليل بين من يعتقد الخمس و من لا يعتقده «1».

و عبارة السرائر منقولة في الجواهر «2»، و مقتضاها الإطلاق، كما أنّ مقتضى عبارة العروة الوثقى أنّه لا فرق بين الإرث و غيره لكن بالنسبة إلى المال المنتقل ممّن لا يعتقد «3».

و لم نظفر على مصرّح بعدم الخمس في الإرث الذي يصيب ممّن لا يخمّس و لو كان معتقدا، فلا بدّ من الاحتياط، لكنّ الشيخ المعظّم قدّس سرّه اختار الاختصاص بمن لا يعتقد بالنسبة إلى المتاجر و ادّعى ظهور أخبار التحليل في ذلك و استدلّ بعموم حرمة شراء الخمس «4».

أقول: أمّا أخبار التحليل فقد ظهر أنّها ظاهرة في الإطلاق، و أمّا عموم حرمة شراء الخمس فلم نظفر به إلّا ما يذكر من خبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام:

______________________________
(1) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ: ص 384.

(2) الجواهر: ج 16 ص 147.

(3) العروة الوثقى: آخر كتاب الخمس، المسألة 19.

(4) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ: ص 384.

806
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما لو علم أن مورثه لم يؤد خمس ما تركه ص 803

..........

«لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شي‌ء حتّى يصل إلينا حقّنا» «1».

و ما عنه أيضا عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:

سمعته يقول: «من اشترى شي‌ء من الخمس لم يعذره اللّه، اشترى ما لا يحلّ له» «2».

و عنه عنه عليه السّلام أيضا بالسند الأوّل، قال:

«كلّ شي‌ء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإنّ لنا خمسه، و لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شي‌ء حتّى يصل إلينا حقّنا» «3».

و لا يخفى اتّحاد الرواية الثالثة مع الاولى، لكون السند واحدا. و الكلّ محتمل جدّا لأن يكون المراد منه أن يشتري من الخمس شي‌ء بأن يجعل الخمس بدل الاشتراء لا أن يكون هو المشترى، و الذي يؤيّد ذلك قوله عليه السّلام: «حتّى يصل إلينا حقّنا» فالظاهر أنّ المكلّف بالخمس هو المشتري و هو الذي لا بدّ أن يصل إلى صاحب الخمس حقّه. و «وصل» استعمل متعدّيا.

و أمّا قوله عليه السّلام في الخبر الثاني: «اشترى ما لا يحلّ له» فالجواب عنه بوجوه:

الأوّل: أنّ المفروض بناء على ما ذكرناه هو الاشتراء لعين الخمس، و هو الذي يصدق عليه الاشتراء من مال الخمس شي‌ء و إلّا لم يكن الثمن إلّا ما في الذمّة القابل للانطباق خارجا على الخمس و على غيره، فحينئذ يكون الثمن ممّا لا يحلّ له، لأنّه بدل الخمس.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 337 ح 4 من ب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) المصدر: ص 338 ح 5.

(3) الوسائل: ج 6 ص 339 ح 5 من ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

807
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما لو علم أن مورثه لم يؤد خمس ما تركه ص 803

..........

الثاني: أنّ من المحتمل أن يكون أصل الخبر واحدا نقل بالمعنى، لاتّحاد الراوي و المرويّ عنه، فالجميع عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام.

الثالث: أنّه لو فرض الاشتراء بالذّمة و الإعطاء من الخمس فالظاهر أنّه لا يحلّ له أيضا، لأنّه لم يقبض الثمن واقعا فليس له حقّ قبض المثمن، فقبض المبيع من دون إقباض الثمن تصرّف في حقّ الغير عدوانا فلا يحلّ له.

و قد ذكر الشيخ الأنصاريّ قدّس سرّه أنّه:

صرّح بعض بعدم الخلاف في جواز الحبس لامتناع الآخر عن التسليم، و قد ذكر في وجهه أنّ العقد مبنيّ على التقابض «1».

أقول: فهو بمنزلة الشرط الضمنيّ بل هو أصل المقصود المقوّم للمعاملة، لأنّ المقصود بالمعاملة التقابض.

ثمّ قال:

إنّ مقتضى ما ذكر عدم صحّة قبض الممتنع بدون رضا صاحبه «2».

إن قلت: في المقام قد رضي بالقبض.

قلت: إنّ الرضا متقيّد بتخيّل القبض، فالتقابض بمنزلة المعاملة بعد المعاملة الأولى، فافهم و تأمّل.

و ممّا يؤيّد ما ذكرناه خبر العيّاشيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«لا يعذر عبد اشترى من الخمس شي‌ء أن يقول:

يا ربّ اشتريته بمالي» «3».

______________________________
(1) المكاسب: ص 312.

(2) المكاسب: ص 312.

(3) الوسائل: ج 6 ص 378 ح 10 من ب 3 من أبواب الأنفال.

808
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما لو علم أن مورثه لم يؤد خمس ما تركه ص 803

و لا فرق في ما ذكرناه بين كون عين الخمس موجودا في المال أو كان الموجود بدله (1).

فإنّ الظاهر من الذيل أنّ المنكر هو الاشتراء بمال الغير بدعوى أنّه ماله، فلو كان الاشتراء بماله و كان المشترى هو الخمس كان دعواه صحيحة و لا يصحّح المعاملة.

هذا، مع إمكان أن يقال: إنّ أخبار التحليل حاكمة على عدم الجواز من حيث الخمس، لا سيّما في عصر أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام الذي من الظاهر أنّهما لا يأخذان الخمس من صاحب الغنيمة أيضا، فالمقصود هو الاعتراض على العامّة، فيمكن أن يكون شراء العامّة من أنفسهم حراما، فان التحليل ثبت للشيعة.

ثمّ إنّه يمكن أن يكون اشتراء الخمس حراما و لكن لم يكن في الإرث خمس، لخصوص خبر أبي خديجة المتقدّم «1».

أمّا بناء على المعروف من تعلّق الخمس بالغنيمة الأوّليّة فالتبديل الصحيح إنّما هو بالتجارة في أثناء السنة أو بالتجارة بعد السنة بإذن وليّ الخمس، و أمّا بناء على ما قدّمناه من تعلّقه بالغنيمة من دون خصوصيّة لمال خاصّ فيفرض في السنة إذا فرض إتلاف تمام الغنيمة و صرفها في غير المئونة و لم يبق سوى الخمس، و كذا يفرض بعد السنة إذا فرض الصرف و لو في المئونة و لم يبق سوى الخمس فبدّله فأجاز وليّ الخمس، فلا وقع لما في المستمسك من عدم الفرض لبطلان المعاملة «2»، كما هو واضح. هذا بالنسبة إلى إمكان الفرض.

و أمّا وجه الحكم بعدم الفرق فلأنّه ليس في ما ذكرناه من دليل التحليل عموما و خصوصا عنوان الخمس، بل الظاهر منه هو مطلق ما كان من حقوق الإمام عليه السّلام‌

______________________________
(1) في ص 805.

(2) المستمسك: ج 9 ص 525.

809
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما لو علم أن مورثه لم يؤد خمس ما تركه ص 803

أو كان الخمس على ذمّة الميّت (1).

نعم، لو كان إمضاء المعاملة الفضوليّة من مستحقّ الخمس بعنوان التملّك لشخصه- لا بعنوان كون البدل للمصرف الكلّيّ القابل للانطباق على المستحقّين- لا يشمله الدليل فلا بدّ من أدائه (2).

أو ما كان أمره بيده بحسب الجعل الأوّليّ لا بحسب الولاية العامّة.

بأن أتلف الغنيمة الأوّليّة على مسلك أو أتلف جميع ماله إلّا مئونته على ما سلكناه فالخمس تعلّق بذمّته ثمّ حصّل مالا جديدا فمات. و الدليل عليه ما تقدّم في التعليق المتقدّم.

لأنّه حينئذ ليس حقّا للإمام و لا بيده و اختياره بحسب الولاية الأوّليّة، بل ملك شخص خاصّ فلا يشمله ما تقدّم من الدليل، كما لا يخفى.

فقد تحصّل أنّ مقتضى الدليل عدم الخمس في الإرث، لكن في تقرير الفقيه الطباطبائيّ البروجرديّ حمل مثل رواية أبي خديجة على غير الخمس من أموال الإمام من السبايا «1».

و هو منه غريب في خبر أبي خديجة، فإنّ في ما ذكره نظرا من وجوه:

الأوّل: أنّه ذكر الخادم الذي يشتريها، و لا يمكن حمل الميراث و التجارة و الشي‌ء الذي يعطاه على السبايا، فإنّه ممّا يقطع بخلافه.

الثاني: أنّه قد تقدّم منّا أنّ السبايا فيها الخمس أيضا و أنّها من الأموال المتعلّق بها الخمس.

الثالث: أنّ الخمس هو الحقّ الواضح و الفرد الشاخص منه للإمام، و إخراج ذلك من الإطلاق إخراج للفرد الكثير، فإنّه لا يبقى له إلّا الأوقاف و السبايا مع قطع‌

______________________________
(1) زبدة المقال في خمس الرسول و الآل: ص 107.

810
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما لو علم أن مورثه لم يؤد خمس ما تركه ص 803

لكنّ الاحتياط لا يترك في جميع الفروع الثلاثة: من فرض وجود العين، و فرض وجود البدل الذي هو حقّ للمصرف، و فرض اشتغال ذمّة الميّت (1).

النظر عمّا تقدّم، و أمّا أراضي الموات فقد تقدّم أنّه أجيزت لمن أحياها.

الرابع: أنّه إذا حلّل جميع ماله فالخمس أولى بالتحليل من جهة أنّه خمس و من جهة أنّه نتيجة عمل العامل.

الخامس: أنّه لو أغمض عن جميع ذلك فما وجه التقييد في الإطلاق المستفاد من ترك الاستفصال في معتبر أبي خديجة و من عدم التقييد في غيره من أخبار التحليل؟! لكن ما ذكرناه بحسب الدليل، و حيث لم نظفر على فتوى أحد من الأصحاب في الإرث بالتحليل فاللازم هو الاحتياط الذي هو طريق النجاة. نعم، في رسالة الخمس للشيخ المؤسّس الأنصاريّ تصريح الشهيد قدّس سرّه- في متاجر الروضة- بعدم الفرق من حيث الحلّيّة بين الأخذ ممّن لا يعتقد أو يعتقد و لا يخمّس «1». و في العروة:

إنّه لا خمس في ما ينتقل ممّن لا يعتقد «2».

و مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين التجارة و الإرث، فقد ظفرنا في التجارة بالفتوى بعدم الفرق بين من يعتقد و من لا يعتقد، و ظفرنا بالنسبة إلى من لا يعتقد بعدم الفرق بين الاشتراء و الإرث، لكن لم نظفر بالفتوى بالحلّيّة بالنسبة إلى الإرث ممّن يعتقد و لا يخمّس فالاحتياط لا يترك.

و ذلك لما عرفت في التعليق المتقدّم من عدم الظفر بالفتوى من الأصحاب‌

______________________________
(1) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ: ص 384.

(2) العروة الوثقى: آخر كتاب الخمس، المسألة 19.

811
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة فروع الشك في أنه أدى الميت ما كان مكلفا بأدائه من زكاة أو خمس أو غيرهما أو لا ص 812

مسألة [فروع الشكّ في أنّه أدّى الميّت ما كان مكلّفا بأدائه من زكاة أو خمس أو غيرهما أو لا]

إذا علم أنّ الميّت كان مكلّفا بأداء مال من زكاة أو خمس- على فرض عدم التحليل- أو كفّارة أو حقّ لشخص خاصّ و شكّ في أنّه أدّاه أم لا ففيه فروع:

الأوّل: لو فرض كون التكليف متعلّقا بالعين و قد تلف العين مع فرض العلم بأنّ يده عليه كانت بنحو العدوان فهل الواجب على الورّاث أداء دينه؟ (1) الظاهر وجوب الأداء إلّا في الحقوق الشخصيّة مع عدم المطالبة الظاهر في الأداء أو الإبراء.

رضوان اللّه عليهم، لكن احتاط بعض علماء العصر في تعليقه على العروة و هو في محلّه.

قد يقال: إنّ ذلك واجب، لاستصحاب بقاء تكليف الميّت بالأداء إلى حال الموت فيجب الأداء من تركته.

و قد يشكل ذلك بأنّ استصحاب بقاء تكليف الميّت متفرّع على يقين الميّت و شكّه، و هما ليسا بمحرزين حتّى يستصحب بقاء تكليف الميّت.

و قد يبدل الأصل المذكور باستصحاب عدم الأداء إلى أن تلف المال فهو موجب للضمان.

و الأوّلان مستفادان من العروة في المسألة الخامسة من ختام كتاب الزكاة، و الثالث مستفاد من المستمسك «1».

و في الكلّ نظر:

أمّا استصحاب بقاء التكليف حتّى يثبت به اشتغال الذمّة ففيه إشكال من وجوه:

الأوّل: أنّه من قبيل القسم الثالث من الكلّيّ، فإنّه كان موجودا منطبقا على أداء الزكاة من العين أو بدله، و الآن إن كان باقيا لا يكون متعلّقا إلّا بتفريغ الذمّة.

______________________________
(1) ج 9 ص 359.

812
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة فروع الشك في أنه أدى الميت ما كان مكلفا بأدائه من زكاة أو خمس أو غيرهما أو لا ص 812

..........

الثاني: أنّه معارض باستصحاب عدم الفرد الثاني و هو اشتغال الذمّة.

الثالث: أنّ بقاء التكليف لا يترتّب عليه التعلّق بتركة الميّت، و ما هو الموضوع لذلك هو اشتغال الذمّة بالمال، لا صرف الوجوب التكليفيّ، لكن نقطع في المقام بأنّه إن كان الوجوب التكليفيّ باقيا فهو من باب اشتغال الذمّة، فإثبات اشتغال الذمّة بذلك من الأصول المثبتة الواضحة.

و أمّا ما أورده في العروة فهو لا يخلو عن غرابة، لأنّ المستصحب هو الوارث، و لا يريد الوارث أن يجري الاستصحاب للميّت و يحكم بأن كان للميّت الاستصحاب، بل بنفسه واجد لليقين بتكليف الميّت و شاكّ في بقاء التكليف على الميّت، و الشكّ المزبور موجود مهما كانت الحالة للميّت في حال حياته- من القطع ببقاء التكليف أو القطع بالعدم أو الشكّ- فيحكم ببقاء التكليف للميّت، و أثره التعلّق بتركته لو لا الإشكالات الثلاثة المتقدّمة.

و أمّا ما في المستمسك فالظاهر أنّه مثبت، لأنّ عدم الأداء ليس موضوعا للضمان، بل الضمان متفرّع على كون المال في يد الميّت مع عدم كونه أمانة شرعيّة أو مالكيّة حين وقوع التلف عليه، مع أنّه قد لا يكون ملازما عقليّا أيضا للضمان، إذ عدم الأداء يجتمع مع اليد الأمانيّ الشرعيّ أو المالكيّ.

فالأحسن أن يقال في مقام الاستدلال على الضمان في هذا الفرع: إنّ مقتضى استصحاب بقاء اليد العدوانيّ على المال إلى وقوع التلف عليه في ما إذا علم ذلك- كما هو المفروض- و هو موضوع لاشتغال ذمّة الميّت الذي هو أثر شرعيّ، و هو موضوع لوجوب الأداء من تركته.

و الذي يمكن أن يكون مانعا عن الاستصحاب المذكور هو اليد بدعوى أنّ اليد كما تكون أمارة على الملكيّة حدوثا تكون أمارة عليها بقاء، فإذا احتمل‌

813
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة فروع الشك في أنه أدى الميت ما كان مكلفا بأدائه من زكاة أو خمس أو غيرهما أو لا ص 812

..........

تملّكه لمال قبل التلف بإعطاء بدله فيحكم بملكيّته حين التلف.

و هذه مسألة ذكرها غير واحد من علماء العصر رحمهم اللّه تعالى فلا بدّ من ملاحظة دليل اليد أوّلا و البحث عن مقدار دلالتها ثانيا.

فنقول: قد استدلّ على أماريّة اليد بأمور:

منها: بناء العقلاء.

و منها: الإجماع.

و منها: الأخبار، كخبر عبّاس بن هلال عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام:

ذكر أنّه «لو أفضى إليه الحكم لأقرّ الناس على ما في أيديهم، و لم ينظر في شي‌ء إلّا بما حدث في سلطانه» و ذكر أنّ «النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم ينظر في حدث أحدثوه و هم مشركون، و أنّ من أسلم أقرّه على ما في يده» «1».

لكن فيه: أنّ عبّاس بن هلال مجهول، مضافا إلى ضعف الدلالة من حيث إنّ الظاهر أنّه عليه السّلام ليس بصدد بيان حجّيّة اليد. و الوجه في ذلك أمران: أحدهما قوله عليه السّلام: «لو أفضى إليه الحكم»، فإنّ ترتيب الأثر على اليد أمر عقلائيّ مورد لاستمرار سيرة المسلم و الكافر، و ليس متوقّفا على إفضاء الحكم إلى السلطان العادل. ثانيهما قوله عليه السّلام: «أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلخ»، فإنّ المستفاد منه أنّ محطّ النظر استقرار الكفّار على ما في أيديهم إذا أسلموا و لا ينظر إلى ما أحدثوه حال الكفر، و المتراءى منه أنّ خلفاء الجور كانوا يصادرون أموال الكفّار الّذين أسلموا مع‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 18 ص 214 ح 1 من ب 25 من أبواب كيفيّة الحكم.

814
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة فروع الشك في أنه أدى الميت ما كان مكلفا بأدائه من زكاة أو خمس أو غيرهما أو لا ص 812

..........

التشبّث بأمور راجعة إلى ما عملوه في عصر كونهم كفّارا، و بذلك كانوا يجوّزون ذلك في نظر المسلمين المتعصّبين غير المتعمّقين، مضافا إلى أنّه لو كان المقصود ترتيب الأثر على أيادي الناس كلّا لكن ليس المقصود بيان الحجّيّة، فإنّ حجّيّتها محرزة عند المسلمين بما هم مسلمون و بما هم عقلاء، و إنّما المقصود بحسب الظاهر التعريض لسلاطين الجور من مصادرة أموال الناس و الظلم عليهم من دون مجوّز شرعيّ.

و يستدلّ عليها أيضا بخبر حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

قال له رجل: إذا رأيت شي‌ء في يدي رجل يجوز لي أن أشهد أنّه له؟ قال: «نعم» قال: أشهد أنّه في يده و لا أشهد أنّه له فلعلّه لغيره، فقال أبو عبد اللّه: «أ فيحلّ الشراء منه؟» قال: نعم. فقال أبو عبد اللّه: «فلعلّه لغيره فمن أين جاز لك أن تشتريه و يصير ملكا لك ثمّ تقول بعد الملك: هو لي و تحلف عليه و لا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك؟» ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

«لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق» «1».

و يمكن الحكم باعتبار السند لقرائن ربما توجب الاطمئنان بالصدور- مضافا إلى متانة متنه من حيث الاستدلال القويّ على من كان يجتنب من الشهادة، و التعليل القويّ بأنّه لولاه لم يقم للمسلمين سوق-:

منها: كون سليمان بن داود من مشيخة الفقيه.

و منها: نقل محمّد بن الحسن بن الوليد كتابه، و هو الذي استثنى من رجال‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 18 ص 215 ح 2 من ب 25 من أبواب كيفيّة الحكم.

815
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة فروع الشك في أنه أدى الميت ما كان مكلفا بأدائه من زكاة أو خمس أو غيرهما أو لا ص 812

..........

نوادر الحكمة عدّة من الرواة.

و منها: نقل النجاشيّ كتابه بواسطة عدّة من الأصحاب.

و منها: توثيق النجاشيّ سليمان بن داود، و المتراءى من كتب الرجال أنّ كتابه كان مشهورا بينهم.

لكن في دلالتها على الإطلاق بحيث يشمل اليد المسبوقة بالعدوان و غيرها تأمّل، إذ الظاهر أنّ حجّيّة اليد كانت مفروضة في مورد السؤال و الجواب و كان الكلام في جواز الشهادة و عدمه. و أمّا قوله في الذيل: «لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق» يحتمل أن يكون هو الشهادة و الحلف، لأنّ قيام السوق بقيام القضاوة العادلة، و أساسها على الحلف و الشهادة، مع أنّ مقتضى التعليل هو الاقتصار على المتيقّن، و قيام السوق متحقّق مع عدم حجّيّة اليد المسبوقة بالأمانة و العدوان و غير ذلك.

و يستدلّ عليها أيضا بالمعتبر جدّا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث فدك:

«أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال لأبي بكر: أ تحكم فينا بخلاف حكم اللّه في المسلمين؟ قال: لا. قال: فإن كان في يد المسلمين شي‌ء يملكونه ادّعيت أنا فيه من تسأل البيّنة؟ قال: إيّاك كنت أسأل البيّنة على ما تدّعيه على المسلمين. قال: فإذا كان في يدي شي‌ء فادّعى المسلمون تسألني البيّنة على ما في يدي و قد ملكته في حياة رسول اللّه و بعده و لم تسأل المؤمنين البيّنة عليّ كما سألتني البيّنة على ما ادّعيت عليهم» إلى أن قال عليه السّلام: «و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: البيّنة على من‌

816
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة فروع الشك في أنه أدى الميت ما كان مكلفا بأدائه من زكاة أو خمس أو غيرهما أو لا ص 812

..........

ادّعى، و اليمين على من أنكر» «1».

لا إشكال فيه من حيث السند، لكن في دلالته على حجّيّة اليد نظر من جهة أنّ مقتضاه حجّيّة اليد المقرونة بالحلف في مقام الدعوى، و لا دليل على الملازمة بينها و بين حجّيّتها في غير مقام الدعوى من دون الحلف، إلّا أن يقال: إنّه يدلّ على حجّيّة اليد و أنّه ليس على صاحبها إلّا اليمين في مقام الدعوى.

و من ذلك يظهر وجه الاستدلال بما تكرّر نقله عنه صلّى اللّه عليه و آله من أنّ «البيّنة على من ادّعى، و اليمين على من أنكر» «2» أو «على من ادّعي عليه» «3»، فإنّ من أنكر هو الذي إذا ترك ترك عرفا فلا بدّ أن يكون هو من يكون المال في يده، فيقال: إنّ المستفاد من الدليل أنّه ليس عليه شي‌ء في ترتيب آثار الملكيّة على ما في يده إلّا اليمين في مقام الدعوى.

لكن قد عرفت عدم وضوح هذه الدلالة و أنّه لا يدلّ على أكثر من حجّيّة اليد مع الحلف في مقام الدعوى، و يدلّ على حجّيّتها في غير مقام الدعوى بالأولويّة إذا ادّعى نفسه أنّه له، و هو في غير مسألتنا المبحوث عنها الذي هو مات و لعلّه على فرض حياته لا يدّعي ذلك أصلا.

مضافا إلى ما في خصوص الحديث الشريف من الإيراد على إطلاقه أوّلا بأنّه ليس في مقام بيان حجّيّة اليد بل هي مفروضة بين الطرفين، بل في مقام مطالبة الفرق بين الصورتين، و لا ريب في أنّه مفحم جدّا في قضاؤه الإسلام و جميع التشكيلات القضائيّة العالميّة، مضافا إلى أنّ فاطمة عليها السّلام لا تكذب فهو قطعيّ، و عليّ عليه السّلام لا يكذب و هو قطعيّ بين المسلمين، و الحسن و الحسين عليهما السّلام لا يكذبان‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 18 ص 215 ح 3 من ب 25 من أبواب كيفيّة الحكم.

(2) الوسائل: ج 18 ص 215 ح 3 من ب 25 من أبواب كيفيّة الحكم.

(3) المصدر: ص 170 الباب 3.

817
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة فروع الشك في أنه أدى الميت ما كان مكلفا بأدائه من زكاة أو خمس أو غيرهما أو لا ص 812

..........

و ذلك أيضا قطعيّ، و أمّ أيمن لا تكذب فإنّها من نساء أهل الجنّة، مضافا إلى الإرث على تقدير عدم الملكيّة.

و ثانيا بأنّ في كلامه عليه السّلام: «إن كان في يد المسلمين شي‌ء يملكونه»، و الظاهر منه عدم حجّيّة صرف اليد، بل مع كون المال ممّا يترتّب عليه آثار الملكيّة بأن يجعله مورد الإجارة و يصرف منافعه في نفسه و يهب منافعه لغيره و يعرضه للبيع، أو لا يدلّ على حجّيّة غيرها، فالمقصود إقامة الحجّة القويّة بأنّ اليد المقرونة بالتصرّف المالكيّ حجّة واضحة و هي أوضح من غيرها.

و ثالثا بأنّ قوله عليه آلاف الصلاة و السلام في آخر الحديث: «و قد ملكته في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» ظاهر في حدوث اليد بعنوان الملكيّة.

و يستدلّ عليها أيضا بموثّق يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

في امرأة تموت قبل الرجل أو رجل قبل المرأة، قال: «ما كان من متاع النساء فهو للمرأة، و ما كان من متاع الرجال و النساء فهو بينهما، و من استولى على شي‌ء منه فهو له» «1».

و الاستدلال به للإطلاق مشكل، لعدم الإطلاق لقوله «و من استولى» بالنسبة إلى البقاء، و القدر المتيقّن من ظهوره هو حدوث الاستيلاء، و حيث إنّه بمنزلة التعليل و الكبرى الكلّيّة يكون موجبا لرفع اليد عن إطلاق الصدر بمعنى عدم انعقاده بالنسبة إلى ما كان تحت يد الزوجة بالخصوص و يعلم أنّ يدها عليه يد أمانة أو عادية، كما لا يخفى، مع أنّ الظاهر أنّه ممّا لا خلاف في عدم حجّيّته على ما يظهر‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 17 ص 525 ح 3 من ب 8 من أبواب ميراث الأزواج.

818
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة فروع الشك في أنه أدى الميت ما كان مكلفا بأدائه من زكاة أو خمس أو غيرهما أو لا ص 812

..........

من الجواهر، فإنّ في الشرائع و الجواهر:

لو شهدت بيّنة المدّعي بأنّ صاحب اليد غصبه أو استأجره حكم بها بلا خلاف و لا إشكال «1».

و لو كان في البين إطلاق لم يجز ردّه بما ذكره بعض المتأخّرين من الأصحاب من أنّ مقتضى الاستصحاب كون اليد عادية مثلا.

فإنّ فيه أوّلا: أنّ الاستصحاب الموجب للحكم بكون اليد عادية يجري في جميع موارد اليد أو أكثرها، فإنّه كان سابقا ملكا للغير و لم يكن صاحب اليد مأذونا في التصرّف فيستصحب ذلك بضمّ الوجدان و هو وقوع اليد على المال، فوقوع اليد على المال ثابت بالوجدان و كون المال ملكا للغير من دون الإذن ثابت بالأصل، و ليست حقيقة اليد العادية إلّا ذلك.

و ثانيا: أنّ مقتضى الاستصحاب عدم جعل الشكّ بماله من الحكم ناقضا لليقين، و الحجّيّة على الملكيّة ليست من آثار الشكّ بل من آثار نفس اليد و الاستيلاء، و عدم العلم شرط في ذلك كما في الجفاف بالنسبة إلى الإحراق المستند إلى النار لا إلى الجفاف، فإنّ ما منه الوجود هو المقتضي، و الشرط دخيل في قابليّة القابل أو فاعليّة الفاعل، فنقول: إنّ الظاهر من الاستصحاب عدم جعل الشكّ بماله من الحكم- لا بما هو شرط في الحكم- ناقضا، و إنّه ليس في البين حكم للشكّ قابل للنقض فيرفع حتّى لا يصير ناقضا، فإنّ حكم الشكّ هو الشرطيّة و إن رفعت لا يرفع التأثير بل يصير التأثير في الحجّيّة الرافعة لمقتضى الاستصحاب مطلقا غير مقيّد بالشكّ، مع أنّه لا يمكن رفعها، لأنّ مقتضاه التأثير‌

______________________________
(1) الشرائع: ج 4 ص 899 و الجواهر: ج 40 ص 456.

819
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة فروع الشك في أنه أدى الميت ما كان مكلفا بأدائه من زكاة أو خمس أو غيرهما أو لا ص 812

..........

في صورة العلم أيضا و هو محال. و هذا التقريب لا يتوقّف على إثبات أماريّة اليد المتوقّف على مقدّمتين معضلتين: إحداهما وجود الكشف الناقص، و ثانيتهما كون جعل الشارع باعتبار ذلك.

و لو لا ما ذكر من عدم الإطلاق لما أمكن إنكار حجّيّة اليد المقطوعة من حيث الحدوث بما ذكره بعضهم الآخر في رسالته في اليد «1»، و محصّله أنّ اليد أمارة، و ملاك الأماريّة هو غلبة التوافق للواقع، و تلك الغلبة مقيّدة بغلبة بقاء الحادث في ظرف الشكّ على ما كان فلا ملاك لأماريّتها.

إذ فيه أوّلا: أنّ غلبة البقاء في الحادث حال الشكّ لا تنافي عدم الغلبة في مورد اليد، فإنّ الاستصحاب لا يدور مدار وجود الغلبة حتّى في المورد الخاصّ، فإنّه يستصحب حياة زيد و لو بعد مضيّ تسعين سنة و يستصحب الطهارة و لو كان الوضوء قبل الظهر و الشكّ في وقت صلاة العشاء. و الظاهر أنّ ملاك الغلبة- و هو التنفّر من الغصب، و إرجاع الأمانات أو تشخّصها و كذلك الأعيان المستأجرة، فإنّ لها مدارك معلومة نوعا- موجود في صورة الشكّ الملازم لعدم الأمارات المذكورة.

و ثانيا: أنّه لو فرض كون اليد دائرة مدار الغلبة في كلّ مورد فلا بدّ من عدم الاتّكاء على اليد المشكوكة من حيث الحدوث أيضا في كثير من الموارد إذا لم يكن الغلبة، كيد المراجع الشرعيّة، من حيث وجود الأمانات الشخصيّة و النوعيّة عندهم مع فرض عدم العلم الإجماليّ، و كيد من لا يبالي من التصرّف في مال الغير، من حيث احتمال الغصب لعدم المبالاة به مع فرض عدم العلم الإجماليّ.

______________________________
(1) هو المحقّق الأصفهانيّ في رسالته المطبوعة في آخر تعليقته على الكفاية. منه قدّس سرّه.

820
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة فروع الشك في أنه أدى الميت ما كان مكلفا بأدائه من زكاة أو خمس أو غيرهما أو لا ص 812

..........

و لا بدّ من السؤال إذا شكّ في ذلك، لأنّ المفروض أنّ يد من يكون غالبا يده يد ملكيّة حجّة، و هو ممّا يقطع بخلافه.

و ثالثا: أنّا ذكرنا مرارا أنّ وجود جهة الكشف في الأمارات بمنزلة الحكمة لحكم الشارع، فإن كان في البين إطلاق لم يكن مفاده إمضاء الكشف الموجود و لم يكن معلّلا بذلك حتّى يدور الحكم مداره و لم يكن إمضاء لبناء العقلاء و لم يكن معلّلا به فيؤخذ بإطلاقه، كما في الخبر الصحيح فإنّه لا يلاحظ في كلّ مورد وجود الكشف أو وجود بناء العقلاء، بل المستفاد من الأخبار العلاجيّة حجّيّة الخبر حتّى في مورد التعارض الذي ربما يشكّ في بناء العقلاء على الحجّيّة في الجملة حتّى يقدّم الأفقه أو الأعدل أو غير ذلك و بعد ذلك يحكم بالتخيير.

و الحمد للّه الذي وفّق العبد الذليل للتدريس و الكتابة مع تشتّت البال و كثرة الاشتغال، و ذلك أيضا نعمة نشكره تعالى عليها و إن كانت نعمه لا تحصى و لا نقدر على شكره تعالى كما ينبغي له، و الصلاة و السلام على رسوله و آله الطاهرين و جميع الأنبياء و المرسلين و الخلفاء الهادين المهديّين لا سيّما سيّدنا و مولانا الحجّة بن الحسن المهديّ و أستشفع بهم جميعا للتجافي عن دار الغرور و الإنابة إلى دار الخلود، و كان ذلك في أواخر ذي الحجّة من السنة 1397.

إن قلت: و إن تحقّق عدم حجّيّة اليد بقاء على الملكيّة لعدم الإطلاق، إلّا أنّ مقتضى أصالة الصحّة في الإمساك بقاء هو كونه ملكا له و عدم كون يده يد عدوان أو كونه أمانة عنده مع فرض عدم الإتلاف.

قلت: و لا دليل على أصالة الصحّة إلّا بناء العقلاء، و أمّا الأدلّة اللفظيّة فالظاهر أنّها ناظرة إلى أحد أمرين من عدم سوء الظنّ و مراقبة النفس عن ذلك، أو إلى عدم الحكم بصدور الفاسد منه و عدم الحكم بكونه مفسدا للعمل أو فاسقا،

821
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة فروع الشك في أنه أدى الميت ما كان مكلفا بأدائه من زكاة أو خمس أو غيرهما أو لا ص 812

..........

لا ترتيب آثار الصحّة على العمل، و إلّا كان القول من الأعمال فيحكم بصحّته و مطابقته للواقع، و القول المردّد بين السلام و السبّ لا يحمل على السلام بالضرورة فيجاب عنه، و حينئذ لا دليل على أصالة الصحّة في البقاء لو كان حدوث العمل مبنيّا على الفساد، و لذا لا يلتزمون بصحّة المعاملة الفضوليّة المعلومة فسادها الفعليّة ابتداء بصرف احتمال طروّ الإجازة بعد ذلك، كما أشار إليه الشيخ المؤسّس في رسائله «1» و إن لم يستند إلى ما ذكرناه من المبنى. هذا.

مضافا إلى أنّ عدم الضمان ليس مقصودا من الإمساك حتّى يلاحظ الصحّة و الفساد بالنسبة إليه، و حينئذ فمقتضى استصحاب كون اليد عدوانيّا حين التلف هو الضمان، و هو حاكم على أصالة عدم الضمان.

إن قلت: مقتضى خبر عبد الرحمن- القويّ على ما في الجواهر «2»- عن الشيخ (الذي قال الصدوق رحمه اللّه: يعني موسى بن جعفر عليهما السّلام) و فيه:

«و إن كان المطلوب بالحقّ قد مات فأقيمت عليه البيّنة فعلى المدّعي اليمين باللّه الذي لا إله إلّا هو لقد مات فلان و إنّ حقّه لعليه، فإن حلف، و إلّا فلا حقّ له، لأنّا لا ندري لعلّه قد أوفاه ببيّنة لا نعلم موضعها، أو غير بيّنة قبل الموت.» «3».

أنّه لا حقّ لذي الحقّ الثابت حقّه حدوثا مع احتمال أداء حقّه، لمكان التعليل الصادق على الورّاث، فإنّهم لا يدرون أنّ حقّ المدّعي باق إلّا أن يحلف أو يقيم‌

______________________________
(1) ص 419 من الطبعة المحشّاة بحاشية رحمة اللّه.

(2) ج 40 ص 195.

(3) الوسائل: ج 18 ص 172 الباب 4 من أبواب كيفيّة الحكم.

822
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة فروع الشك في أنه أدى الميت ما كان مكلفا بأدائه من زكاة أو خمس أو غيرهما أو لا ص 812

الثاني: لو فرض التلف و لكن كانت اليد مسبوقة بالأمانيّة فلعلّ الظاهر عدم الاشتغال في فرض التلف القهريّ و عدم وجوب الأداء من التركة على الوارث و إن احتمل تبديلها باليد العدوانيّة، و كذا في فرض الشكّ في كونه على وجه التلف أو الإتلاف، و أمّا في فرض الإتلاف فالظاهر هو الضمان إلّا في فرض احتمال تبديل اليد الأمانيّة بالمالكيّة إذا احتمل الأداء و علم أنّ عدم الأداء و الإتلاف بعده إن كان فهو من باب الغفلة و عدم التذكّر (1).

البيّنة على البقاء أيضا.

قلت: لا سترة في أنّ المراد من قوله «لا حقّ له» عدم الحقّ من حيث القضاوة، لا عدم الحقّ ثبوتا، فإنّ عدم الحقّ ثبوتا لا يصحّ تعليله بعدم العلم، و ليس المراد عدم الحقّ له ظاهرا بحيث يكون هذا الظهور حجّة لكلّ من لا يدري من الورّاث و غيرهم، و إلّا لكان جميع المنكرين الّذين يكون قولهم مطابقا للأصل لا يجوز ترتيب آثار الأصل عليهم إلّا بعد الحلف، فالظاهر عدم الحقّ من حيث القضاء و أنّ القاضي لا يحكم بالحقّ له إلّا بعد الحلف عنده، و التعليل إنّما هو بالنسبة إليه أي لا يحكم عليه القاضي، لعدم ثبوت حقّه، فإنّ الأمارات و الأصول ملقاة في مقام الدعوى إلّا مع الحلف.

فقد تحصّل أنّ مقتضى القاعدة- مع قطع النظر عمّا تقدّم من تحليل الخمس على الورّاث- لزوم الأداء، و كذا بالنسبة إلى الزكاة و سائر الحقوق النوعيّة الّتي لا يكون لها مطالب مخصوص، و أمّا الحقوق الشخصيّة الحاضرة أشخاصها المبنيّة على المطالبة فلعلّ السكوت و عدم المطالبة ظاهر عرفا في الأداء أو الإبراء، و هو حجّة عند العرف. و اللّه المتعالي هو العالم.

اليد المسبوقة بالأمانيّة على ثلاثة أقسام: فتارة يعلم بقاؤها أمانة إلى حين‌

823
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة فروع الشك في أنه أدى الميت ما كان مكلفا بأدائه من زكاة أو خمس أو غيرهما أو لا ص 812

الثالث: لو كان المال الموجود فيه الخمس موجودا و مات المالك قبل حلول الحول فبناء على المشهور من عدم التحليل في ما يتوارث- و إن تقدّم عدم البعد في التحليل- فالأحوط وجوب أدائه قبل حلول الحول و عدم احتساب ما للميّت من المئونة الواجبة، كالكفن و المخارج الواجبة للتجهيز، لكنّ الظاهر استثناء الدين الذي استدانه لمئونة سنته و صرفه فيها (1).

التلف، و اخرى يشكّ في ذلك لاحتمال انقلابها إلى المالكيّة، و ثالثة يشكّ من جهة احتمال انقلابها إلى العدوان، ففي جميع الصور الثلاثة يحكم بعدم الضمان إلّا أنّ عدم الضمان في الأوّلين واقعيّ، و في الثالث ظاهريّ، لاستصحاب بقاء وصف الأمانيّة إلى حصول التلف.

و كذا الحال في صورة الشكّ في التلف أو الإتلاف و إن كان عدم الضمان فيها ظاهريّا في فروضها الثلاثة، لاحتمال إتلاف الأمانة لكن مقتضى الأصل عدم الإتلاف، فإنّ أصل التلف الجامع بين القهريّ و غيره مسلّم لكن كونه مستندا إلى صاحب اليد المحقّق لصدق الإتلاف مشكوك فالأصل عدمه، و أمّا صورة الإتلاف بفروضها الثلاثة- من القطع ببقاء وصف الأمانيّة أو الشكّ في ذلك من باب احتمال التبديل إلى العدوان أو الملكيّة- فيمكن القول بعدم الضمان من باب استصحاب كون اليد أمانة حين الإتلاف، و يمكن أن يقال في الأخير بعدم الضمان إذا كان ترك الأداء و الإتلاف بعده من باب احتمال الغفلة، لأنّ وقت الأداء قبل الإتلاف العمديّ، و قاعدة التجاوز تحكم بالأداء، و يجي‌ء الكلام فيها عمّا قريب إن شاء اللّه تعالى.

قال قدّس سرّه في العروة:

إذا مات المكتسب في أثناء الحول بعد حصول‌

824
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة فروع الشك في أنه أدى الميت ما كان مكلفا بأدائه من زكاة أو خمس أو غيرهما أو لا ص 812

..........

الربح سقط اعتبار المئونة في باقيه، فلا يوضع من الربح مقدارها على فرض الحياة «1».

أقول: هنا مسائل:

الأولى: تعلّق الخمس بمال الميّت و لا يكشف موته عن عدم الخمس.

و فيه: إشكال من حيث الإشكال في الفرق بينه و بين التلف في أثناء السنة و قد تقدّم فيها عدم تعلّق الخمس. و الوجه أنّ الغنيمة تلاحظ مضافة إلى مجموع السنة فلا غنيمة له في مجموع السنة.

و الحاصل أنّه يسأل أنّه ما الفرق بين إرث المال الذي فيه الخمس و سرقته؟

و حلّ الإشكال أنّه يقاس بالهبة غير اللائقة بشأنه الّتي لا تعدّ من المئونة.

و الوجه في الفرق بين الهبة و الإرث و بين التلف و السرقة أنّ الأوّلين من باب غنيمة المكتسب فإرث وارثه من باب أنّ الميّت ملك المال إلى آخر السنة، بخلاف السرقة و التلف فإنّهما ليسا من باب الغنيمة، و العرف يحكم بأنّه اغتنم في مسألتنا هذه بالنسبة إلى تمام السنة، و الانتقال إلى وارثه من آثار الاغتنام إلى آخر السنة، لا من باب الاغتنام إلى حين الموت فالإشكال مندفع، و على فرض الشكّ يرجع إلى إطلاق دليل الخمس في الغنيمة.

الثانية: عدم احتساب مئونته على تقدير الحياة.

و هو واضح، لأنّ المستثناة هي المئونة الخارجيّة لا المئونة الفرضيّة.

الثالثة: عدم استثناء مئونة الوارث للغنيمة.

و الوجه في ذلك عدم الخمس من حيث الإرث، و الخمس واجب على من‌

______________________________
(1) العروة: كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 68.

825
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة فروع الشك في أنه أدى الميت ما كان مكلفا بأدائه من زكاة أو خمس أو غيرهما أو لا ص 812

..........

اغتنم أوّلا غنيمة تضاف إليه إلى آخر السنة و لو من باب التوارث الذي هو من آثار اغتنامه.

الرابعة: أنّه لا إشكال في استثناء ما استدانه الميّت لمئونة سنته الّتي مات فيها و صرفه.

و ذلك لما تقدّم سابقا من أنّ المئونة الخارجيّة مستثناة من الخمس، سواء أخرجت من عين الغنيمة أو من مال آخر له أو استدان لذلك، فالاستثناء وقع قبل الموت، و هذا ممّا لا خفاء فيه عندي.

الخامسة: أنّه في مصباح الهدى أنّ التجهيز الواجب للميّت يعدّ من مئونته «1».

أقول: و على هذا يكون أداء ديونه الّتي عليها من باب إتلاف الأموال أو الكفّارات أو الحجّ أو الوصيّة كلّ ذلك يعدّ من مئونة الميّت أي الّتي لا بدّ أن تصرف من مال الميّت، و لا يخلو عن وجه، لإطلاق «الخمس بعد المئونة»، لكنّه يحتمل الانصراف إلى مئونته في حال الحياة، فالأحوط ما ذكرناه في المتن.

السادسة: مقتضى ما في العروة- من أنّ الحول إرفاق بالمالك من باب احتمال تجدّد المئونة «2»- هو فوريّة الأداء.

لكنّه مردود بأنّ مقتضى المكاتبة:

«فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام» «3».

______________________________
(1) مصباح الهدى: ج 11 ص 132.

(2) العروة: كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 72.

(3) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

826
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة فروع الشك في أنه أدى الميت ما كان مكلفا بأدائه من زكاة أو خمس أو غيرهما أو لا ص 812

الرابع: بناء على المشهور إذا علم أنّ الخمس إمّا في المال أو في ذمّة الميّت فمقتضى الاستصحاب كونه في المال، فيجوز التصرّف في المال إذا كان مقدار الخمس باقيا، و لا تصير التركة بمجموعها رهنا للدين على القول بذلك (1).

الخامس: إذا علم بأنّ الخمس كان في مال الميّت و كان أمانة إلى مدّة و مضت المدّة قطعا و شكّ في أنّه أدّاه في المدّة الّتي كان التأخير عنها مخالفا للشرع أم غفل عن ذلك، فلا يبعد جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى نفسه في حال الحياة (2).

أنّ ظرف الوجوب مجموع العام فيجوز التأخير إلى حلول الحول، و أنّ احتمال تجدّد المئونة حكمة لا علّة لجواز التأخير، و إلّا لوجب التعجيل للحيّ أيضا إذا يعلم بعدم تجدّد مئونة اخرى، بل مقتضى الاستصحاب رفع الاحتمال تعبّدا، و القطع حاصل لكثير من المتموّلين بالنسبة إلى مقدار من الربح، و الحكم بوجوب الخمس في ما يقطع أنّه زائد عن المئونة خلاف السيرة القطعيّة فكيف بصورة الاحتمال الّتي هي مجرى الاستصحاب.

و من هنا ظهرت مسألة سابعة، و هي عدم وجوب التعجيل في الأداء لمن يقطع بعدم تجدّد مئونة أخرى أو يعلم بزيادة الربح عمّا يجدّد أو يحتمل.

كما تعرّض لذلك في الجواهر «1» في كتاب الحجر.

و مثله في ذلك كلّ ما كان المضيّ من باب أنّه مضى وقت لزومه بحيث لو كان الترك على وجه العمد لكان عاصيا و إن صحّ أيضا بعد ذلك و ليس بقضاء و ليس المشكوك جزء من أجزاء العمل المتقدّم نفس عمله، كطواف النساء و صلاة‌

______________________________
(1) ج 26 ص 84.

827
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة فروع الشك في أنه أدى الميت ما كان مكلفا بأدائه من زكاة أو خمس أو غيرهما أو لا ص 812

..........

الآيات للزلزلة، و في الماليّات كلّ دين مؤجّل مضى وقت أجله، هذا مع فرض أنّه لو ترك كان الترك لأجل الغفلة.

و الدليل على تلك الكلّيّة غير المحرّرة في كلمات الأصحاب رضوان اللّه عليهم أمور:

الأوّل: بناء العقلاء في جميع الأمور الماضية المستمرّة عليها في المسلمين، فإنّه من كان بناؤه على إعطاء الخمس لا يترك ذلك إلّا من باب الغفلة، و كذا الزكاة بأقسامها، و كذا طواف النساء في ما قبل الاستمتاع بالنساء و مضى على ذلك سنوات متمادية مثلا ثمّ شكّ في بعض ذلك- كما هو حاصل لغير واحد من الناس- لا يعتني بشكّه، و كذا بالنسبة إلى الخراج الحكوميّ، فإنّه لا يطالبون بمحض الشكّ و الغفلة عن الأداء أو الاستعطاء بعد سنين متمادية، و لو لا ذلك لصار الأمر حرجيّا، خصوصا في العصر السابق عصر قلّة القدرة على الكتابة و الثبت في الدفتر، خصوصا بالنسبة إلى مثل طواف النساء و صلاة الآيات للزلزلة، و مثلهما ما ليس كتابته معمولا في عصر من العصور حتّى في عصرنا الذي سهلت الكتابة بإذنه تعالى على عامّة الناس رجالا و نساء.

الثاني: عموم موثّق محمّد بن مسلم- لعبد اللّه بن بكير الذي وثّقه الشيخ و غيره و يكون من الرجال الّذين نقل إجماع الإماميّة على تصحيح ما يصحّ عنه- و فيه:

«كلّما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو» «1».

و إطلاقه يشمل ما كان جزء المركّب أو غيره، و ما كان صحيحا أيضا بعد المضيّ أو غير صحيح، و ما كان أداء بعد ذلك أو قضاء.

______________________________
(1) الوسائل: ج 5 ص 336 ح 3 من ب 23 من أبواب الخلل.

828
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة فروع الشك في أنه أدى الميت ما كان مكلفا بأدائه من زكاة أو خمس أو غيرهما أو لا ص 812

..........

الثالث: التعليل الوارد في معتبر بكير بن أعين، قال:

قلت له: الرجل يشكّ بعد ما يتوضّأ؟ قال: «هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ» «1».

و خصوصيّة المورد من كون المشكوك جزء و من جهة كونه في الوضوء ملقاة بنظر العرف بعد ما كان في مقام التعليل المبنيّ على الارتكاز، إذ لا خصوصيّة للجزء من باب نوعيّة الذكر إلّا أنّ الوظيفة هي الإتيان به حين الإتيان بسائر الأجزاء و أنّه لو مضى و لم يعمل بوظيفته من باب الغفلة عن الوظيفة.

الرابع: التعليل الوارد في خبر السرائر المعتبر، و فيه بعد الحكم بعدم الإتيان بالظهر بعد أن أتى بالعصر إذا شكّ في ذلك:

«لأنّ العصر حائل في ما بينه و بين الظهر» «2».

و ليس المقصود من الحائل عدم صحّة الظهر بعد العصر، لأنّ من الواضح صحّتها أداء فليس المقصود إلّا مضيّ الوقت بحسب جعله الأوّليّ، فاحتمال اختصاصها بأجزاء المركّبات مدفوع بنصّ الخبر، و كذا الاختصاص بما لا يصحّ أو يكون قضاء بعد ذلك، فلا فرق بين مورد الخبر و مورد البحث أصلا، لأنّ الحكم بالإتيان بالظهر ليس من باب أنّه شرط للعصر فيصحّ العصر من باب الإتيان بشرطه، لوضوح أنّه ليس شرطا في موقع الغفلة، مع أنّ الحكم بصحّة العصر من باب الإتيان بشرطه لا يقتضي رفع التكليف عن الظهر من باب أنّه واجب بنفسها أيضا.

إن قلت: فلا بدّ على ذلك من القول بالإتيان بالوضوء بعد الصلاة- إذا شكّ-

______________________________
(1) الوسائل: ج 1 ص 331 ح 7 من ب 42 من أبواب الوضوء.

(2) الوسائل: ج 3 ص 205 ح 2 من ب 60 من أبواب المواقيت.

829
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة فروع الشك في أنه أدى الميت ما كان مكلفا بأدائه من زكاة أو خمس أو غيرهما أو لا ص 812

هذا كلّه في عمل نفسه.

و أمّا الوارث إذا شكّ و علم أنّه إن لم يؤدّ الخمس كان من باب الغفلة و قد مضى وقت لزوم الأداء، فلا يبعد أن يقال أيضا بالحكم بالمضيّ (1).

حتّى بالنسبة إلى الصلوات الآتية، و لا يقولون بذلك، لأنّه لم يتجاوز وقته بالنسبة إلى الصلوات الآتية.

قلت أوّلا: يمكن أن يقال في الفرع المزبور بالصحّة أيضا و إجراء القاعدة، فإنّ المضيّ بالنسبة إلى الوضوء صادق فيحكم بالحكم بالمضيّ.

و ثانيا: إنّه في مورد البحث يكون المفروض تحقّق خلاف الشرع في نفسه مع قطع النظر عن كون أداء الخمس أو الزكاة شرطا في صحّة التصرّفات التالية.

سواء كان الوارث عالما بأنّ الميّت كان شاكّا و لم يؤدّ في موقع الشكّ لقاعدة التجاوز، أو احتمل أنّه كان عالما بالأداء أو عالما بعدم الأداء و لكنّ الوارث يعلم بأنّ عدم الأداء في مدّة لزوم الأداء الذي كان التأخير عنها خلاف الحكم الشرعيّ إن كان لم يكن إلّا للغفلة و لو كان ذاكرا لأدّاه.

و ذلك لبعض ما تقدّم، كموثّق محمّد بن مسلم المتقدّم «1»، و ظهور التعليل الوارد في خبر بكير المتقدّم «2» في حجّيّة «حين العمل» على الذكر من غير مدخليّة لشكّ نفس من يحتمل الذكر و الغفلة، و عدم الاعتناء بالشكّ ليس بمثابة كون الشكّ علّة، بل المقصود أنّه لا يعتني لوجود الحجّة على الذكر، و الملازمة بين الذكر و الإتيان مفروغ منها.

و عليه يبتني مسألة أخرى و هي الاقتداء بمن هو في السجود و المأموم شاكّ‌

______________________________
(1) في ص 829.

(2) في الصفحة السابقة.

830
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة ليس للمالك أن ينقل الخمس إلى ذمته ثم يتصرف فيه 1 ص 831

مسألة: ليس للمالك أن ينقل الخمس إلى ذمّته ثمّ يتصرّف فيه (1).

في أنّه أتى بالركوع أم لا و الإمام أيضا شاكّ في ذلك بحيث يشكل جريان أصالة الصحّة مع شكّ نفس العامل في صحّة عمله.

ثمّ لا يخفى أنّه حصل من تلك الفروع مسائل كلّيّة لا بأس بالإشارة إليها:

الاولى: عدم حجّيّة اليد إذا كانت حال حدوثها معلومة أنّها يد عدوانيّة أو أمانيّة أو استيجاريّة.

الثانية: عدم حجّيّة أصالة الصحّة في العمل الواحد الذي كان فساده من ابتداء العمل معلوما و احتمل عروض الصحّة بعد ذلك.

الثالثة: حجّيّة البيّنة على الميّت إذا قامت على ثبوت الحقّ على ذمّة الميّت حين الموت من دون الاحتياج إلى الحلف، و الاحتياج إليه إذا كانت البيّنة قائمة على أصل حدوث الحقّ من جهة أنّها لا تدلّ على البقاء.

الرابعة: عدم كفاية البيّنة للحكم على الحيّ إذا كان للحيّ إنكاران: أحدهما عدم ثبوت الحقّ و الثاني أداؤه على تقدير الثبوت، فإذا أقام المدّعي البيّنة على ثبوت الحقّ ينقلب المدّعي منكرا و المنكر مدّعيا فلا بدّ للمنكر الأوّل من إقامة البيّنة، و على تقدير عدمها يحلف المدّعي الأوّل أو يردّ الحلف عليه.

الخامسة: جريان قاعدة التجاوز في ما يتجاوز وقت عمله بمعنى فوريّته الواجبة بحيث لو كان عامدا لكان عاصيا في ذلك مع فرض الصحّة بعد ذلك و عدم القضاء.

السادسة: جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى عمل الغير إذا كان ذا أثر بالنسبة إلى ذلك الغير، كما في الاستصحاب.

كما في العروة «1»، إذ لا دليل على ولاية المالك على نقل الخمس إلى ذمّته،

______________________________
(1) كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 78.

831
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة ولاية الحاكم الشرعي على أخذ الخمس و الزكاة ص 832

مسألة [ولاية الحاكم الشرعيّ على أخذ الخمس و الزكاة]

ظاهر الأصحاب أنّ للحاكم الشرعيّ الولاية على أخذ الخمس و الزكاة بحيث تبرأ ذمّة المالك بأداء ذلك للفقيه (1).

فإنّه مال السادة و الإمام عليه السّلام. نعم، لا يتوقّف التصرّف بالاتّجار على ذلك، كما أنّه لا يتوقّف اختصاص الربح به على ذلك، فالمقصود أنّ ذلك لا يصير منشأ لجواز التصرّف، بل يجوز التصرّف بالاتّجار بغير ذلك في السنة، و لا يجوز غير ذلك بأن يصرف في غير مئونته من الهبة غير اللائقة بشأنه و تكون المعاملة بعد السنة فضوليّة على ما مرّ في العروة و على ما قلناه في بعض الصور، و لو فرض جواز النقل فيجوز له التصرّف في المال في السنة بالاتّجار لوجهين، و الربح مختصّ به لوجهين، و بعد السنة يكون كذلك لوجه واحد.

و الحاصل أنّ ذلك النقل غير جائز، لعدم الاختيار في ذلك، فلا يرد على العروة ما أورد من التناقض لما سبق من جواز التصرّف بالاتّجار في السنة من دون توقّف على النقل، إذ ليس المقصود بحسب الظاهر توقّف جواز مطلق التصرّفات على ذلك، بل المقصود بحسب الظاهر جواز التصرّف المطلق و كون الربح له مطلقا حتّى بعد السنّة، و ذلك ينافي فرض النقل و الصلح في السنة.

و هو الذي يستفاد من العروة حيث قال:

نعم، يجوز له ذلك [أي النقل إلى الذمّة] بالمصالحة مع الحاكم «1» [الشرعيّ].

و قال:

لا تبرأ ذمّته إلّا بقبض المستحقّ أو الحاكم «2».

______________________________
(1) العروة: كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 78.

(2) المصدر: الفصل الثاني، المسألة 15.

832
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة ولاية الحاكم الشرعي على أخذ الخمس و الزكاة ص 832

..........

و قال قدّس سرّه:

إذا قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية العامّة برئت ذمّة المالك و إن تلفت عنده بتفريط. «1».

و في المستمسك:

لأنّه مقتضى دليل الولاية في المقام و في سائر مواردها «2».

و في الجواهر:

لا إشكال و لا خلاف في أنّه يجب دفعها إليه عند المطالبة «3».

و قال في موضع آخر:

يمكن تحصيل الإجماع عليه من الفقهاء، فإنّهم لا يزالون يذكرون ولايته في مقامات عديدة المؤيّد بمسيس الحاجة إلى ذلك أشدّ من مسيسها في الأحكام الشرعيّة «4». انتهى ملخّصا.

و قال صاحب العروة قدّس سرّه في ملحقاتها:

الأقوى كونها [أي التولية للأوقاف الّتي لم يجعل لها التولية] للحاكم مطلقا [من غير فرق بين الأوقاف العامّة و الخاصّة] «5».

______________________________
(1) العروة: كتاب الزكاة، الفصل الثامن، المسألة الرابعة عشر.

(2) المستمسك: ج 9 ص 329.

(3) الجواهر: ج 15 ص 423.

(4) المصدر: ص 422.

(5) ملحقات العروة: ج 1 ص 227، المسألة 2 من الفصل السادس من كتاب الوقف.

833
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة ولاية الحاكم الشرعي على أخذ الخمس و الزكاة ص 832

..........

ثمّ قال بعدها:

كون التولية للحاكم في غير مثل وقف الأشجار للاستظلال بها أو الانتفاع بثمرها لكلّ أحد، و كذا الخان الذي وقف لنزول الزوّار و المسافرين، فما في المسالك من الاستشكال فيه بأنّ مقتضى القاعدة توقّف التصرّف فيها على إذن الحاكم لا وجه له «1».

انتهى ملخّصا.

مع أنّه لا فرق بين الخانات المذكورة و المدارس الّتي وقفت للطلّاب، فإنّه ليس ذلك لكلّ أحد، فلا يجوز جعل إحدى حجراته دكّانا أو صرف ثمرة الأشجار مثلا في مجالس التعزية بأن يبيعها و يصرفها كذلك. نعم، لو كان وقفا على كلّ أحد من دون قيد و لا شرط أصلا فلما ذكره قدّس سرّه وجه.

و كيف كان، فالمقصود بيان أقوال الفقهاء في الأموال العامّة، و العمدة ذكر الدليل على ذلك، فقد يستدلّ عليها- أي على ولاية الفقيه بحيث يشمل الأموال العامّة الّتي للمصارف الكلّيّة- بمقبولة عمر بن حنظلة، و قد أوضحنا اعتبار طريقها في رسالة صلاة الجمعة، و فيها أنّه:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان و إلى القضاة- إلى أن قال:- فكيف يصنعان؟ قال:

«ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فليرضوا به حكما،

______________________________
(1) ملحقات العروة: ج 1 ص 228، المسألة 3 من الفصل السادس من كتاب الوقف.

834
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة ولاية الحاكم الشرعي على أخذ الخمس و الزكاة ص 832

..........

فإنّي قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخفّ بحكم اللّه و علينا ردّ» إلى أن قال:

فإن كان كلّ واحد اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما و اختلف في ما حكما و كلاهما اختلفا في حديثكم؟ فقال:

«الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما» «1» الحديث.

تقريب الاستدلال أنّ المراد بقوله عليه السّلام: «فإنّي قد جعلته عليكم حاكما» هو السلطنة و الولاية على جميع ما يرجع إلى مصالح المسلمين من الأمور الدينيّة الشرعيّة الكلّيّة أو القضائيّة أو سائر الأمور، و لا شبهة في أنّ التصرّف في الأموال العموميّة ممّا يرجع إلى السلطان. و ممّا يؤيّد كونه أعمّ قوله في الصدر: «فتحاكما إلى السلطان و إلى القضاة» فالظاهر أنّ ما أثبته عليه السّلام في قبال ما نفى الرجوع إليه.

لكن في هذا التقريب نظر و إشكال، فإنّه لا يستفاد قطعا من تلك الرواية الشريفة الولاية المطلقة لهم كولاية الناس على أموالهم و أنفسهم فيكشف بتلك الولاية أنّ اللّه تعالى و الإمام راضيان بتصرّفاتهم على وفق ما يظنّون من المصلحة في الأموال كولاية الأب و الجدّ على أموال الصغار. و هذا لأمرين: أحدهما قوله عليه السّلام: «فإذا حكم بحكمنا» فحرمة الردّ متوقّفة على أن يكون حكمه على طبق حكم الإمام عليه السّلام. ثانيهما أنّ موضوع جعل الحكومة هو معرفة حلالهم و حرامهم، لا عدالتهم و كفايتهم حتّى يصلح لجعل الحكومة.

______________________________
(1) الوسائل: ج 18 ص 75 و 98 ح 1 من ب 9 و 11 من أبواب صفات القاضي.

835
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة ولاية الحاكم الشرعي على أخذ الخمس و الزكاة ص 832

..........

و بهذا يردّ خبر أبي خديجة:

«اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا و حرامنا، فإنّي قد جعلته عليكم قاضيا» «1».

فإنّه لا تناسب بين الموضوع و جعل السلطنة.

فالأولى أن يقال: إنّ الحكم الذي يحكم على طبق حكم الأئمّة عليهم السّلام بحسب نظره فهو حجّة على الناس، و هذا من غير فرق بين الشبهات الموضوعيّة الواقعة فيها النزاع الّتي هي المتيقّنة من دلالة الروايتين- لأنّ الغالب وقوع المخاصمة في ذلك- و الشبهات الحكميّة الّتي هي أيضا متيقّنة في مورد المقبولة، للذيل المفروض فيه اختلاف الحاكمين لاختلاف الرواية، و الظاهر أنّه لا يختصّ بفصل الخصومة، لمكان التعليل في الخبرين أي قوله: «فإنّي قد جعلته عليكم حاكما» و «فإنّي قد جعلته عليكم قاضيا» فإنّه لا وجه للخدشة في إطلاقه، لمكان التعليل، بل لو كان في التعليل خصوصيّة تلقى، كيف بما إذا لم تكن فيه خصوصيّة! و كيف بما إذا كانت الخصوصيّة و هي الخصومة ممّا يقطع بعدم دخلها في الحجّيّة عرفا! فإنّه يرجع إليه لكون حكمه حجّة، لا أنّه حجّة لقيام الخصومة كما هو واضح، و الظاهر أنّه لا يختصّ بسبق حكم الإمام عليه السّلام فعلا، و لا بكونه على فرض رجوع الواقعة إليه عليه السّلام لكان يحكم بذلك قطعا.

فالتعميم ثابت من جهات: الاولى من حيث الحكم و الموضوع. الثانية من حيث فصل الخصومة و غيره. الثالثة من حيث سبق إحراز حكم الإمام عليه السّلام أو كونه عليه السّلام بحيث لو كان لحكم. الرابعة من حيث إنّه لا فرق بين ذلك و بين أنّ له أن يحكم. و الأخيرتان لشمولهما لمورد المخاصمة في الموضوعات قطعا، و ليس فيها‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 18 ص 100 ح 6 من ب 11 من أبواب صفات القاضي.

836
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة ولاية الحاكم الشرعي على أخذ الخمس و الزكاة ص 832

..........

حكم الإمام فعلا، و ليس فيها القضيّة التعليقيّة الجزميّة أيضا بحيث يعلم أنّه لو كان الإمام ظاهرا و أرجعت الواقعة إليه لكان يحكم قطعا، بل لعلّه كان يحملهما على الصلح أو يكشف كشفا قطعيّا لهم الأمر كما في بعض قضايا أمير المؤمنين عليه السّلام لكن كان له الحكم بالبيّنات و الأقارير و الأيمان، فله أيضا الحكم بذلك.

فقوله «فإذا حكم بحكمنا» يشمل جميع ذلك و منه يستخرج الحكومة و الولاية للفقيه لكن بشرط العلم أو قيام الحجّة على حكم الإمام عليه السّلام بأحد الوجوه الثلاثة، فإذا حكم كذلك فحكمه حجّة على الناس.

و من ذلك يمكن التمسّك للمطلوب بأنّ تلك الحكومة المشروطة المبنيّة على القطع أو الحجّة بحكم الإمام بأحد الوجوه الثلاثة من لوازمها التصرّف في الأموال العموميّة، كالخمس و الزكاة و الخراج و بيع الوقف إذا صارت مسلوبة المنفعة و قصّ الطرق و الشوارع و أخذ أموال الناس و أداء أثمانهم جبرا لدى الاحتياج إلى ما هو الأهمّ كما ورد في بعض الفروض، مضافا إلى أنّه يشمله خبر حمّاد «1» الموضوع فيه الوالي، فإنّ الوالي ليس متولّي الأمر غصبا، كما في اولي الأمر، و بذلك يكون الفقيه أيضا واليا من قبل الإمام، و الإمام من قبل اللّه تعالى بواسطة الرسول، و الرسول من قبل اللّه تعالى، كانت له الحكومة الفعليّة أم لا، فإنّ ولاية الرسول صلّى اللّه عليه و آله ثابتة بالضرورة حين كونه في مكّة في شعب أبي طالب أو قبله مع عدم كونه صلّى اللّه عليه و آله حاكما بالفعل، و كما في أبي الحسن موسى عليه السّلام المرويّ عنه تلك الرواية المعتبرة.

و قد يستدلّ لذلك بما في الوسائل عن الفقيه، قال:

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 363 ح 1 من ب 3 من أبواب قسمة الخمس.

837
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة ولاية الحاكم الشرعي على أخذ الخمس و الزكاة ص 832

..........

قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «قال رسول اللّه: اللّهمّ ارحم خلفائي. قيل: يا رسول اللّه و من خلفاؤك؟ قال:

الذين يأتون من بعدي يروون حديثي و سنّتي» «1».

و ما عن الرضا عن آبائه عليهم السّلام، قال:

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: اللّهمّ ارحم خلفائي ثلاث مرّات. فقيل له: يا رسول اللّه و من خلفاؤك؟ قال: الّذين يأتون بعدي و يروون عنّي أحاديثي و سنّتي فيعلّمونها الناس من بعدي» «2».

و قد أوضحنا اعتبار طريقه في رسالة صلاة الجمعة.

و تقريب الدلالة أنّ المقصود غير الأئمّة عليهم السّلام، لأنّ شأنهم أجلّ من التعريف بذلك، أو هو الأعمّ منهم و من الفقهاء، فهم- أي الفقهاء- خلفاء الرسول في جميع ما للرسول الولاية، و منها أخذ الخمس و الزكاة و التصرّف في الموقوفات الّتي ليس لها متولّ خاصّ.

و لكن فيه إشكال من وجوه:

الأوّل: أنّ ظاهر «حديثي» خصوصا «أحاديثي» أنّ خليفته من يروي عنه جميع أحاديثه و سننه، و لذا لو أقرّ أحد بأنّ مالي لزيد أو أوصى بذلك فلا شبهة في أنّه ظاهر في الإطلاق. و الخروج عن هذا الإطلاق في مثل «و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا» (بقرينة أنّه ليس في وسع أحد من الرواة رواية جميع أحاديث جميع الأئمّة عليهم السّلام أو بقرينة أنّ المقصود بيان ما هو الحجّة‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 18 ص 65 ح 50 من ب 8 من أبواب صفات القاضي.

(2) الوسائل: ج 18 ص 66 ح 53 من ب 8 من أبواب صفات القاضي.

838
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة ولاية الحاكم الشرعي على أخذ الخمس و الزكاة ص 832

..........

في كلّ واقعة، و يكفي في ذلك معرفة جملة معتدّ بها من الأحاديث فيفتي بما يعلم و يحكم بالاحتياط في ما لم يتفحّص و بالبراءة في ما تفحّص بقدر المتعارف الميسور) لا يقتضي رفع اليد عن الإطلاق في تلك الرواية أو عن الجمع المضاف في المنقول عن الرضا عليه السّلام، مع أنّ رفع اليد عن الإطلاق مستلزم للتخصيص الكثير، فإنّ الرواة عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله أكثرهم من العامّة، و يشمل المستشرقين الراوين لتاريخ الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سننه و أحاديثه.

الثاني: أنّه ليس المراد من قوله صلّى اللّه عليه و آله «من بعدي»- بحسب الظاهر- الّذين يتولّدون بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و إلّا لم يشمل العدول من الأصحاب، كسلمان و أبي ذرّ و مقداد و غيرهم، فالظاهر أنّ المقصود من يأتي بعده بعنوان القيام مقامه، كما في قوله تعالى وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ «1».

الثالث: أنّه يبعد جدّا عدم التعرّض للخلفاء الأصليّ في مقام بيان الخلافة، و التعرّض للفقهاء- كما هو مبني التقريب الأوّل- و الجمع بينهما مع كمال التفاوت.

الرابع: أنّ من يروي حديث رسول اللّه و سنّته حقيقة ليس إلّا الإمام، و أمّا فقهاء الشيعة فيروون أحاديث الأئمّة عليهم السّلام و لذا ورد فيهم ما ورد من قوله عليه السّلام:

«روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا» أو «عرف شي‌ء من قضايانا» أو «فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا».

الخامس: أنّه يحتمل قريبا أن يكون في مقام الخلافة في جهة واحدة، لا أن يكون الخلافة هي الولاية و الموضوع لها رواة أحاديثه و سننه عليه الصلاة و السلام، و ذلك لأنّه لو كان المقصود مطلق من يكون خليفة له في جميع الشؤون فلم يكن محتاجا إلى السؤال، فإنّه ليس اللفظ مجملا، فالظاهر أنّ السائل أحسّ‌

______________________________
(1) سورة الصفّ: 6.

839
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة ولاية الحاكم الشرعي على أخذ الخمس و الزكاة ص 832

..........

بأنّه صلّى اللّه عليه و آله في مقام بيان وجود جهة من الخلفاء مورد للاهتمام الشديد و قد سأل عن الجهة المذكورة، فعلى هذا يكون في مقام بيان الماهيّة المقصودة، لا إخراج العلوم عن الخلافة مع كونها أشرف و جعل الخلافة في الولاية الظاهريّة الدنيويّة.

السادس: أنّه يحتمل أن يكون المقصود من رواية الحديث و السنّة استحكام ذلك و صونها عن الزيادة و النقصان الوارد بعد الرسول صلّى اللّه عليه و آله من «روى الحبل إذا فتله و لواه» كما في اللغة.

و من جميع ما ذكر يظهر أنّ الظاهر أنّ المقصود هم الأئمّة العالمون بجميع سنن الرسول و أحاديثه، الحافظون لأحكامه و أصوله في الجبر و التفويض و التجسّم بالنسبة إليه تعالى و كونه قابلًا للرؤية في الآخرة و.، فكيف لا يترحّم عليهم و يرحم على أمثال بني فضّال و غيرهم أو يدخل جميعهم في بيان واحد في مقام الترحّم و الخلافة؟! فهو يصير مطمعا لأمثال أبي هريرة.

و يستدلّ أيضا بما في تحف العقول «1» في ما روى عن السبط الشهيد عليه السّلام، قال: و يروى عن أمير المؤمنين، و فيه مخاطبا لعصابة سامعين لكلامه عليه السّلام:

«و أنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تشعرون، ذلك بأنّ مجاري الأمور و الأحكام على أيدي العلماء باللّه الأمناء على حلاله و حرامه، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة» إلى أن قال: «و لو صبرتم على الأذى و تحمّلتم المئونة في‌

______________________________
(1) ص 237- 238 طبعة تهران، مكتبة الصدوق. و في البحار: إنّ نظمه (أي تحف العقول) يدلّ على رفعة شأن مؤلّفه. و في تنقيح المقال عن أمل الآمل: إنّه فاضل محدّث جليل و له كتاب تحف العقول، ذكره صاحب كتاب مجالس المؤمنين. منه قدّس سرّه.

840
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة ولاية الحاكم الشرعي على أخذ الخمس و الزكاة ص 832

..........

ذات اللّه كانت أمور اللّه عليكم ترد و عنكم تصدر و إليكم ترجع، و لكنّكم مكّنتم الظلمة من منزلتكم.».

و في صدره المصدّر بذكر بعض آيات الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر:

«و ذلك أنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام مع ردّ المظالم و مخالفة الظالم و قسمة الفي‌ء و الغنائم و أخذ الصدقات من مواضعها و وضعها في حقّها».

وجه الاستدلال أنّه كاد أن يكون صريحا في أنّ تلك الأمور محوّلة إليهم و هم الّذين قصروا عن أخذ مقامهم و منزلتهم الّتي هي الأمور المذكورة بعضها في الصدر و ذكر أصل كبراها في الذيل بقوله: «ذلك بأنّ مجاري الأمور و الأحكام على أيدي العلماء.» مع قوله: «فأنتم المسلوبون تلك المنزلة» و قوله: «مكّنتم الظلمة من منزلتكم» و ليس في الكلام منزله إلّا منازل العلماء و كون مجاري الأمور بأيديهم.

إن قلت: ليس المقصود من «العلماء» هو العصابة من الرجال المخاطبين، لتوجّه الذمّ إليهم كثيرا (بعد مدحه إيّاهم بأنّهم «عصابة بالعلم مشهورة و بالخير مذكورة و بالنصيحة معروفة.») بقوله: «و إن كنتم عن أكثر حقّه تقصّرون.» من الاستخفاف بحقّ الأئمّة عليهم السّلام و تضييع حقّ الضعفاء و عدم المخاطرة بالنفس للّه تعالى و عدم الاعتناء بالظلم و عدم الدفاع عن المظلومين و الادهان و المصانعة مع الظالمين، فهم مع تلك الأوصاف ليسوا ممّن بأيديهم مجاري الأمور و الأحكام قطعا، فلا بدّ أن يكون المقصود بذلك الأئمّة عليهم السّلام.

قلت: الظاهر أنّ المقصود أمرهم بتغيير الرويّة و إصلاح نفوسهم و رفع نقائصهم حتّى يصيروا مصداقا لما ذكر من كون مجاري الأمور بأيديهم. هذا‌

841
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة ولاية الحاكم الشرعي على أخذ الخمس و الزكاة ص 832

..........

تقريب الاستدلال.

لكن في ذلك إشكال من وجوه:

الأوّل: من حيث عدم وضوح السند، فإنّه مرسل مع عدم شهادة مؤلّفه بصحّة جميع ما ينقله في الكتاب، بل قال في ديباجته: «و أسقطت الأسانيد تخفيفا و إيجازا و إن كان أكثره لي سماعا، و لأنّ أكثره آداب و حكم تشهد لأنفسها» الظاهر منه الاكتفاء ببعضها من حيث إنّ متنه يشهد لنفسه، و هو حدس محض، فإنّه لا يمكن التيقّن بكون تمام المنقول كلام الإمام عليه السّلام و إن كان المظنون بالنسبة إلى تلك الخطبة البليغة أنّ أكثرها كلام الإمام عليه السّلام، إلّا أنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شي‌ء، بل لا بدّ من الاستحكام في الأصول و الأحكام وَ لٰا تَقْفُ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ «1». و اعتماد الشيخ الحرّ العامليّ و المجلسيّ- عليهما الرحمة و الغفران- على الكتاب ليس بمعنى تصحيح جميع رواياته، بل بمعنى أنّ الكتاب للحسن بن عليّ بن شعبة و ليس مدخولا فيه.

و في الخبر المذكور خصوصيّة توجب ضعفا زائدا فيه، و هي أنّ المرويّ عنه غير معلوم أنّه أمير المؤمنين أو أبو عبد اللّه السبط الشهيد عليهما السّلام، و هذا الترديد يدلّ على أنّ السند غير واضح، و لو كان السند كلّهم إثبات عدول لم يكن ترديد في ذلك، فإنّ السهو في كلام أو كلامين غير الترديد بين أبي عبد اللّه و أمير المؤمنين عليهما السّلام. و الظاهر أنّه ليس المقصود أنّه يروي أبو عبد اللّه عن أمير المؤمنين عليهما السّلام، و إلّا لذكره في خطب الأمير عليه السّلام. هذا.

مضافا إلى أنّ آخر الخبر:

«اللهمّ إنّك تعلم. فيأمن المظلومون من عبادك».

______________________________
(1) الإسراء: 36.

842
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة ولاية الحاكم الشرعي على أخذ الخمس و الزكاة ص 832

..........

من صدر الخطبة 131 من نهج البلاغة، و أوّله أمور أخر غير مربوطة بصدر تلك الخطبة، و ذلك ممّا يوجب سوء الظنّ بذلك.

و الثاني أنّ المفروض في الحديث وجود الإمام المفترضة طاعته، لأنّ الفرض أنّه إمّا للإمام الأوّل أو الإمام الثالث مع أنّه في الصدر عدّ من تقصيراتهم الاستخفاف بحقّ الأئمّة عليهم السّلام و في ذيله:

«فاللّه الحاكم في ما فيه تنازعنا و القاضي بحكمه في ما شجر بيننا».

و قوله:

«اللّهمّ إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافسا في سلطان و لا التماسا من فضول الحطام».

و فيه أيضا:

«و ذمّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله محقورة».

و كلّ ذلك دليل واضح على أنّه ليس المقصود بيان أنّ الحكومة لهم و مجاري الأمور و الأحكام بأيديهم استقلالا من دون أن يكون أصل الحكومة و رئيسها الإمام المنصوب من قبله تعالى، فحينئذ إمّا أن يكون المقصود من العلماء الّذين بأيديهم مجاري الأحكام و الأمور خصوص الأئمّة عليهم السّلام، و المراد من سلب المنزلة سلب المنزلة الّتي يصلح أن يخدموا في ظلّها، لا أنّ المنزلة لهم، فالمنزلة بنفعهم لا أنّهم مصداق لتلك المنزلة، فهم مغلوبون و مسلوبون ذلك المقام الذي للإمام عليه السّلام و هم يخدمون الدين و الناس في ظلّ تلك المنزلة الرفيعة، و المراد بقوله: «مكّنتم الظلمة من منزلتكم» بناء على هذا يمكن أن يكون مقام الخدمة و إجراء الأمور بأمر الإمام، فيحتمل أن يكون غير منازل العلماء، و يمكن أن يكون المراد بالعبارة المذكورة هو الأعمّ من الإمام و المأموم و الخادم و المخدوم، فإنّ مجموع من به‌

843
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة ولاية الحاكم الشرعي على أخذ الخمس و الزكاة ص 832

..........

قوام الحكومة: العلماء باللّه و أمناؤه على حلاله و حرامه باختلاف مراتبهم من الإمام أو الفقيه الحافظ لآلاف من الأحاديث الصالح للإفتاء، كأبان بن تغلب و من يحفظ عدّة مسائل يقولها للناس، فهم العلماء باللّه الأمناء على حلاله و حرامه بهيئة المجموع أو كان إسناد المنزلة إليهم من باب أنّ قوام الحكومة بهم لا أنّهم الحاكمون، و يمكن أن يكون المقصود خصوص الفقهاء غير الإمام، و لكن ليس المقصود قطعا مع فرض وجود الإمام و أنّ التنافس معه، و هو مقتضى مراعاة ذمّة الرسول صلّى اللّه عليه و آله جعل الحكومة لهم مستقلّا، بل المقصود من قوله: «مجاري الأمور و الأحكام على أيدي العلماء باللّه» حال كونهم مأمورين بأمر الإمام، فليس ما ذكر ملاكا تامّا للحكومة المستقلّة حتّى يؤخذ به في زمان الغيبة بل هو جزء الملاك، و هذا واضح صدرا و ذيلا.

و خلاصة الكلام أنّ الملاحظ في الخبر صدرا و ذيلا يقطع بأنّه ليس المقصود أخذ الحكومة للفقهاء مع انعزال الإمام، بل المقصود أخذ الحكومة الحقّة حتّى يصير مجرى الأمور و الأحكام بأيدي العلماء باللّه الأمناء على حلاله و حرامه.

هذا، مع أنّ العالم باللّه بحسب اللغة كالعالم بالفقه أي من يدرك الحقّ بقدر الطاقة البشريّة، و «الأمناء على حلاله و حرامه» ظاهر في كون جميع حلاله و حرامه عندهم، و ذلك لا ينطبق على غير الإمام عليه السّلام.

و قد يستدلّ أيضا بخبر العلل «1» المرويّ بطريقين في العيون «2» عن الفضل بن شاذان، و في آخر أحد الطريقين أنّ فضل بن شاذان قال:

«سمعت هذه العلل من مولاي أبي الحسن بن موسى الرضا عليهما السّلام فجمعتها متفرّقة و ألّفتها».

______________________________
(1) طبعة قم ج 1 ص 336 ح 9 من ب 182.

(2) طبعة قم ج 2 ص 99 الباب 34.

844
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة ولاية الحاكم الشرعي على أخذ الخمس و الزكاة ص 832

..........

و في آخر الطريق الآخر:

«سمعتها من مولاي أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليهما السّلام المرّة بعد المرّة و الشي‌ء بعد الشي‌ء فجمعتها. فقلت له: فأحدّث بها عنك عن الرضا عليه السّلام؟

قال: نعم».

و فيه:

«فإن قال قائل: فلم جعل اولي الأمر و أمر بطاعتهم؟ قيل: لعلل كثيرة:

منها أنّ الخلق لمّا وقفوا على حدّ محدود و أمروا أن لا يتعدّوا تلك الحدود» الخبر.

و ملخّص ذلك إيقاف الأشخاص على حدودهم و إقامة الحدود و الأحكام.

قال:

«و منها أنّا لا نجد فرقة من الفرق.».

و ملخّصه إدارة أمورهم الاجتماعيّة من مقاتلة العدوّ و تقسيم الفي‌ء و إقامة الجمعة و الجماعة و منع الظالمين عن التسلّط على المظلومين، و لعلّ المقصود منع الجماعة الظالمة عن المظلومين بخلاف الأوّل فالمقصود مراقبة كلّ شخص، إلى أن قال:

«و منها أنّه لو لم يجعل لهم إماما قيّما أمينا حافظا مستودعا لدرست الملّة و ذهب الدين و غيّرت السنن و الأحكام».

و ملخّص ذلك حفظ الدين- من العقائد و الأحكام العمليّة- عن التغيير و الإفراط و التفريط و البدع و النقائص.

845
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة ولاية الحاكم الشرعي على أخذ الخمس و الزكاة ص 832

..........

تقريب الاستدلال بهذا أنّ ذلك مطلوب فتجب إقامته، فإن لم يكن الإمام حاضرا فلا بدّ أن يرجع إلى الفقيه في القيام بالأمور المذكورة.

و فيه أوّلا: أنّ ذلك حكمة الجعل، لا علّة ألقيت على المخاطب لتطبيق الحكم عليها كما في مثل «الخمر حرام لأنّه مسكر»، و إلّا لزم بناء على كون التعليل مخصّصا أيضا عدم وجوب إطاعة الإمام الذي لا يتكفّل الأمور المذكورة لغصب حقوقه و للتقيّة عن الظالمين. و يشهد لذلك باقي ما ذكره في العلل، كالعلّة للأمر بالصلاة من الإقرار بالربوبيّة و القيام بين يدي الجبّار و الخضوع و الاعتراف و الطلب في الإقالة من سالف الذنوب، إلى غير ذلك ممّا ينطبق على غير الصلاة أيضا، و ذلك لا يدلّ على كفاية ذلك أو لزومه عند عدم القدرة على الصلاة بحدودها الخاصّة.

و ثانيا: أنّه لا تطمئنّ النفس بصدور ذلك كلّه عن الرضا عليه السّلام بعد ما ذكر من أنّه سمعه مرّة بعد مرّة ثمّ جمعها، فإنّ احتمال النسيان قويّ في تلك الصورة، مضافا إلى أنّ بعضها لا ينطبق على مذهب الشيعة، كالتعليل لكون الإمام واحدا باختلاف الإمامين و يلزم من ذلك عصيان الكلّ و باختلاف المتخاصمين في الرجوع، و الأوّل لا يوافق العصمة عن الخطأ، و الثاني لا يوافق ضرورة جعل القاضي مطلق الفقيه، و بغير ذلك ممّا يقطع بعدم صدوره عن الإمام عليه السّلام و لعلّه سها و اشتبه عليه، مع أنّه يظهر من الصدوق قدّس سرّه عدم الاعتماد عليه حيث قال في موضعي هذا الخبر: «غلط الفضل»، فراجع و تأمّل.

نعم، لا ينبغي الشكّ في محبوبيّة ذلك، فإنّه ممّا يستقلّ به العقل، مضافا إلى كفاية أدلّة وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الذي لا يتحقّق إلّا بالسلطة الإسلاميّة، فذلك واجب فيصير من الأمور الحسبيّة الّتي يعلم بلزوم تحقّقها، و الأصل عدم ولاية أحد على أحد إلّا المتيقّن، و المتيقّن هو الفقيه الأعدل الأورع‌

846
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة ولاية الحاكم الشرعي على أخذ الخمس و الزكاة ص 832

..........

الأعقل مع مشاورة الفقهاء و العقلاء، و أمّا الحكومة الثابتة من غير جهة الأمور الحسبيّة فالدليل عليها ما تقدّم من قوله عليه السّلام: «فإنّي قد جعلته عليكم حاكما» «1» و قوله عليه السّلام: «فإنّي قد جعلته عليكم قاضيا» «2»، و هو يدلّ على أنّ له الحكم بالنسبة إلى ما يقطع بأنّه حكم الإمام عليه السّلام كما تقدّم «3»، و على الناس اتّباعه لما تقدّم «4» و لقوله عليه السّلام: «فإنّهم حجّتي عليكم و أنا حجّة اللّه» «5».

و من ذلك يتوجّه معضل لا بدّ من حلّه، و هذا من وجهين: أحدهما من جهة فتوى الأصحاب، و ثانيهما من حيث الدليل:

أمّا الأوّل فقد صرّح في العروة بأنّه:

لا يجوز نقض حكم الحاكم و لو لمجتهد آخر إلّا إذا علم الخطأ «6».

و قال في الصوم بنفوذ حكمه في رؤية الهلال «7».

و قال أيضا:

إنّه لو حكم مجتهد بأنّ هذا المائع خمر ليس له تقليده إذا جهل المقلّد «8».

فإطلاق كلامه الأوّل و خصوص كلامه الثاني الوارد في الموضوع في غير مورد المخاصمة ينافي- بحسب الظاهر- الأخير، فما الفرق بين مسألة الهلال‌

______________________________
(1) تقدّم في ص 836.

(2) تقدّم في ص 837.

(3) في ص 838.

(4) في ص 837- 838.

(5) الوسائل: ج 18 ص 101 ح 9 من ب 11 من أبواب صفات القاضي.

(6) العروة: التقليد، المسألة 57.

(7) العروة: كتاب الصوم، الفصل 12 «السادس».

(8) العروة: التقليد، المسألة 67.

847
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة ولاية الحاكم الشرعي على أخذ الخمس و الزكاة ص 832

..........

و المائع المشكوك خمريّته؟

و أمّا الثاني فمن جهة إطلاق الدليلين المتقدّمين بعد الشمول للموضوعات قطعا، فإنّ عمدة المخاصمات تكون في الموضوعات، و لا دخالة للخصومة في حجّيّة الحكم قطعا، للإطلاق و لقطع العرف بأنّ المخاصمة لا تقتضي الحجّيّة، بل حجّيّة حكم الحاكم تقتضي الرجوع إليه عند المخاصمة، و مقتضى ذلك حجّيّة حكمه في الموضوعات مطلقا بعد القطع بالموضوع أو قيام البيّنة عنده عليه، و الظاهر أنّه لا يلتزمون به.

و حلّ ذلك أنّه ليس للحاكم الحكم بترتيب أثر الخمريّة بالنسبة إلى الشاكّ، لأنّ حكمه الظاهريّ هو الطهارة و الحلّيّة، و الإمام عليه السّلام لا يحكم بذلك بالنسبة إلى ما يقطع بنفسه أو ما قامت عنده البيّنة، و هذا بخلاف مورد المخاصمة، فإنّ المخاصمة لا ترتفع إلّا بالحكم بترتيب آثار الملكيّة للمدّعي مثلا مع قيام البيّنة على دعواه، و إلّا لم يكن ترتفع الخصومة، فإنّ الناس كلّهم شاكّون في مالكيّة المدّعي و اليد كانت مع المنكر، فإذا لم يكن حكم الحاكم حجّة عليهم لم يثبت ملكيّة المدّعي، فحكمه في مورد المخاصمة بالنسبة إلى كلّ شاكّ، و هو الحكم الذي لو كان الإمام عليه السّلام مرجعا للقضاوة كان يحكم به، بخلاف مورد المائع المشكوك، و أمّا الفرق بين المائع المشكوك و الهلال فلورود مصحّح محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:

«إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم.» «1».

فالمستفاد أنّه لو كان الإمام حاضرا لكان يأمر بالإفطار بالبيّنة و لو بالنسبة‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 7 ص 199 ح 1 من ب 6 من أبواب أحكام شهر رمضان.

848
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة هل في ما ملك بالخمس أو الزكاة خمس أم لا ص 849

مسألة [هل في ما ملك بالخمس أو الزكاة خمس أم لا؟]

لعلّ الظاهر أنّه لا خمس في ما ملك بالخمس (1).

إلى من لا يكون مطّلعا على البيّنة. و احتمال خصوصيّة شخص الإمام في ذلك منقدح في مورد الحكم في الخصومة، فمعنى «إذا حكم بحكمنا» أنّه إذا حكم بحكم لو رجع إلينا لكنّا نحكم بذلك فله حقّ الحكم في ذلك و على الناس متابعته، فافهم و تأمّل.

هذا كلّه بالنسبة إلى الزكاة و سهم السادة، و أمّا السهم المبارك فقد تقدّم بعض الكلام فيه، و يمكن أن يقال بأنّ له الصرف في المصارف الثمانية عند الإعواز، لمعتبر حمّاد و شمول «الوالي» للفقيه أيضا كما تقدّم، و اللّه العالم.

كما في العروة «1»، و فيه فروع:

الأوّل: أنّه إذا كان المملوك خمسا سهما للسادة فلا يكون فيه سهم السادة.

و الوجه في ذلك أنّه لا يتعلّق به الخمس حين كونه ملكا للمصرف و كلّيّ السادة، و ذلك لاستلزام ذلك أخماسا لا يتناهى- بناء على بطلان الجزء الذي لا يتجزّى- أو المتناهي مع الكثرة، و هما ممّا يقطع بكونه خارجا ممّا يفهمه العرف، و لأنّ «الخمس بعد المئونة»، و الخمس الذي ملك لكلّيّ السادة لا بدّ أن يصرف في الأفراد، و أمّا حين أخذ السيّد الفقير و تملّكه و تشخّصه فليس ذلك بغنيمة، فإنّه كتعيّن الدين في المال الخاصّ، و كتعيّن الكلّيّ في المعيّن في الفرد الخاصّ، و كتعيّن المشكل بالقرعة كما ربما يقال في من طلّق إحدى زوجاته، فإنّ القرعة ليست بطلاق.

و يمكن التمسّك لذلك بمعتبر حمّاد حيث قال: «و ليس في مال الخمس زكاة» «2»، فإنّ عدم ذكر الخمس مع كون الموضوع هو الخمس من باب الإيكال‌

______________________________
(1) كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 51.

(2) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

849
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة هل في ما ملك بالخمس أو الزكاة خمس أم لا ص 849

..........

إلى وضوحه، و الذي هو واضح بحسب الارتكاز بعد بيان أنّه «ليس في مال الخمس زكاة» هو أنّه ليس فيه خمس، فتأمّل.

هذا، و لكن في ما ذكرناه من الوجهين إشكال:

أمّا الأوّل فهو من وجوه بعضها قابل للدفع:

منها: أنّ تقوّم الغنيمة بالتعيّن في شخص المال، و حيث لا تعيّن في مقام الجعل فلا غنيمة إلّا بعد الوقوع في يد أشخاص المستحقّين.

و هو ممنوع قطعا، إذ المنافع الّتي في الأموال المشتركة كلّها من هذا القبيل و هي من الغنائم بالضرورة.

و منها: أنّ كون الخمس لكلّيّ الهاشميّ الفقير معناه أنّه إمّا لهذا الشخص أو لذاك أو لذلك مثلا و إمّا بنحو الشركة في الكلّ بنحو التساوي أو التفاضل أو بنحو الشركة في البعض كذلك، و لا يصدق على ذلك الغنيمة فلا يصدق الغنيمة إلّا بعد التشخّص بأخذ المستحقّ ففيه الخمس.

و فيه: أنّ أخذ المستحقّ محقّق لانطباق الغنيمة على الشخص، و أمّا أنّ أصل كلّيّ السادة حصلت لهم الغنيمة فهو من أوّل الأمر، و المفروض عدم الخمس فيها.

و منها: أنّ ثبوت الملكيّة في مقام الجعل للكلّيّ الطبيعيّ البدليّ بالمعنى المتقدّم (من أنّ الخمس الثابت في مال زيد إمّا لتلك العشرة من المستحقّين الموجودين في المحلّ بحيث لا يمكن الإيصال إلى غيرهم مثلا بنحو التساوي أو بنحو التفاضل، أو للتسعة منهم كذلك، أو للثمانية منهم كذلك، أو للاثنين منهم كذلك، أو لأحدهم) أمر لا يساعده العرف و الاعتبار و لذا لا يبيعون كذلك و لا يهبون كذلك، بل المتعارف في أمثال ذلك هو ملكيّة المصرف- أي لا بدّ أن يصرف في الطوائف المذكورة في الآية- و أثر مالكيّة المصرف أنّ للطوائف حقّ أن يطالبوا بالتمليك‌

850
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة هل في ما ملك بالخمس أو الزكاة خمس أم لا ص 849

..........

إمّا لهم أو لأمثالهم، أو موضوع الحقّ هو المصرف، فللمصرف حقّ في الخمس المنطبق ذلك على سهم سبيل اللّه في الزكاة، فلا يملك الكلّيّ الخمس حتّى يصدق الغنيمة بالنسبة إليه من ابتداء الأمر مع وضوح عدم شمول الدليل، فيصدق الغنيمة من حين الأخذ.

و الجواب أنّ نفس جعل الحقّ غنيمة، و أخذ المستحقّ ليس غنيمة جديدة، كما لو ورث الورّاث الحقّ من الميّت و تملّكوا بالحقّ الموروث من المورّث، و لا أقلّ من الشكّ في صدق الغنيمة.

و منها: أنّ عدم شمول الدليل مع كون المأخوذ غنيمة من أوّل صدق الغنيمة لا يقتضي عدم الشمول بقاء. و الفرق بين مورد البحث و إرث الدين حيث إنّه ليس على الورّاث الخمس بعد أخذ الدين أنّ مقتضى الدليل عدم الخمس في ما يملك بالإرث أبدا لا مدّة معيّنة، فلو اقتضى الدليل عدم الخمس في الإرث في السنة الاولى فلا مانع من شمول دليل الخمس بالنسبة إلى السنة الثانية، كما لو اخترنا عدم الخمس إلّا بعد حلول الحول و عدم الصرف في المئونة، و كما قلنا بالخمس في باب خروج الغنيمة عن كونها مئونة كما في حليّ النسوان في حال الكبر، و ليس ذلك مبنيّا على التمسّك بعموم العامّ لا استصحاب حكم المخصّص، لأنّه لم يرد استثناء و مخصّص في المقام، فإنّ دليل الخمس لم يشمله من ابتداء الأمر، لا أنّه شمله و استثني منه حتّى يكون من مصاديق المسألة المعروفة.

و أمّا الوجه الثاني و هو التمسّك بما في مرسلة حمّاد: «و ليس في مال الخمس زكاة» فلعلّه للإيكال إلى وضوحه من حيث الوجه الثالث و كون خمس الخمس له بشرط الفقر حتّى السهم المبارك، لأنّ المفروض فقره، لا أنّه ليس فيه خمس أصلا.

و يمكن أن يذكر لذلك وجه ثالث، و هو أنّه بنفسه مصرف سهم السادة فالانطباق قهريّ، و لا دليل على لزوم قصد التشخّص، لأنّه للمصرف و يقصد‌

851
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة هل في ما ملك بالخمس أو الزكاة خمس أم لا ص 849

و في العروة: إنّه ليس في ما ملك بالزكاة خمس «1» (1).

التملّك و هو مصداق للمصرف، بل يمكن أن يقال بعدم لزوم ذلك القصد أيضا، لأنّ المعطي نفسه و المعطى إليه أيضا نفسه فهو واقع في محلّه و الحقّ لا يعدوهما، و أمّا قصد القربة في الخمس فلا دليل على لزومه في المقام الذي يكون الخمس منه إليه.

الثاني: أنّ ما ملكه بعنوان سهم السادة لا يكون فيه سهم الإمام بناء على الوجه الأوّل و الثاني المتقدّمين في الفرع السابق، و أمّا الثالث فينطبق عليه إن كان مصرفا له على وجه الانطباق، أي لم يكن في البيت سهم السادة و هو محتاج في جبران كسر معيشته إلى السهم المبارك، بناء على أنّ السهم له حينئذ لا أنّه يعطى إليه من ملك الإمام عليه السّلام، و إلّا فمقدار سهم هذا المال المفروض إذا تقبّله لنفسه فهو غنيمة لسهم السادة لنفسه أيضا، و سهم الإمام عليه السّلام أيضا غنيمة فلا بدّ من تقبّل ذلك كلّه لنفسه، فتأمّل.

الثالث: أنّه ليس في سهم الإمام عند كونه في يد الإمام سهم، لأنّه له، و لا سهم السادة إن لم يكن في البين هاشميّ فقير، لأنّ سهم السادة له أيضا في هذا الحال و إن كان في البين هاشميّ فقير، فعليه الإعطاء من سهمه على كلّ حال، فلا أثر لوجوب سهم السادة عليه.

الرابع: أنّ ما يملك من سهم الإمام برضاه عليه السّلام فهو غنيمة فيه الخمس، فلا بدّ إمّا من التقبّل إن كان مصرفا أو الإعطاء بلا إشكال، و لا يتمشّى فيه الوجهان المتقدّمان.

الوجه فيه ما تقدّم في «عدم الخمس في الخمس» من الدليل الأوّل، و هو عدم كون الخمس في مال الزكاة قبل الإعطاء للفقير، لوجوه: منها قيام الضرورة على ذلك. و منها أنّ الخمس بعد المئونة، و الصرف في المصاديق مئونة. و منها أنّ ذلك مقتضى دليل الزكاة كالآية الشريفة، فإنّه في مقام بيان المصرف لم يقيّد بأنّ تلك المصارف الثمانية بعد الخمس. و بعد الإعطاء للفقير يكون الأخذ من باب‌

______________________________
(1) العروة الوثقى: كتاب الخمس: الفصل الأوّل، المسألة 51.

852
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة هل في ما ملك بالخمس أو الزكاة خمس أم لا ص 849

و لكن لعلّ الظاهر وجوب الخمس فيه (1).

و منه يعلم وجوب الخمس في الكفّارات و الصدقة في المظالم و اللقطة فكيف بالصدقة المندوبة (2).

أخذ الحقّ و لو لم يكن كلّيّ الفقير مالكا بل كان المصرف مالكا كما مرّ تحقيقه في آية الخمس، و هو في دليل الزكاة أوضح، لوجود العاملين و الرقاب و سبيل اللّه فيها، و لا يصلح أن تكون الملكيّة في هذه المصارف على نحو الكلّيّ، فإنّ العامل لا يملك إلّا بالاستيجار، و لا يملك مالك الرقاب إلّا بالشراء، و سبيل اللّه ليس مالكا في العرف بل لا بدّ أن يصرف فيه، و مالكيّة الكلّيّ متوقّفة على القابليّة للانطباق عليه بعنوان الزكاة.

لكن قد عرفت ما فيه من أنّ صدق الغنيمة في السابق و لو بواسطة الحقّ لا ينافي صدق الغنيمة بقاء حين الانتقال إلى الفقير، فالظاهر لزوم الخمس عليه، و اللّه العالم.

لما تقدّم في التعليق السابق من صدق الغنيمة بقاء، لا من باب أخذ حقّه السابق، و هو كاف في الموضوعيّة للخمس.

أمّا الصدقة المندوبة فإنّها غنيمة من ابتداء الأخذ و لا تجري فيها الشبهة المتقدّمة، و هي أولى من الهبة من حيث إنّها جائزة يمكن أن يقال: إنّها ليست بفائدة مستقرّة بخلاف الصدقة الّتي يكون لزومها معلوما، مضافا إلى دلالة المكاتبة على وجوب الخمس بالنسبة إلى المال الذي يؤخذ و لا يعرف له صاحب مع أنّ أكثر أفراده يكون الأخذ من باب الصدقة- فتأمّل- فإذا دلّت على وجوب الخمس بالنسبة إلى الصدقة الواجبة الّتي لا تكون ملكا للمصرف كالمال المجهول مالكه فالصدقة المندوبة مورد للخمس بالأولويّة.

و من ذلك كلّه ظهر حكم الصدقة المجهول مالكها.

و أمّا الكفّارات فبناء على الوجوب التكليفيّ الصرف تكون بمنزلة الصدقة في ردّ المظالم، و بناء على ملكيّة الفقراء أو المصرف فتكون كالزكاة، و قد تقدّم أنّ‌

853
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة هل في ما ملك بالخمس أو الزكاة خمس أم لا ص 849

و كذا منذور التصدّق و الموقوفات العامّة بعد أخذ المستحقّين (1).

و في المعادن الّتي يستخرجها الحكومة غير الشرعيّة من الأراضي المباحة- كالنفط و أمثاله- يمكن أن يقال بعدم وجوب الخمس لمن يشتريها من حيث المعدن (2).

مقتضى الدليل وجوب الخمس في الجميع.

و من ذلك كلّه يظهر حكم الموقوفات العامّة.

كلّ ذلك لصدق الغنيمة و دفع شبهة عدم تعلّق الخمس قبل أخذ الأشخاص، و أنّ الأخذ ليس محقّقا للغنيمة بل هو الأخذ بالحقّ السابق كما تقدّم مفصّلا في التعليقات السابقة.

يمكن أن يذكر لها وجوه:

منها: أنّ الحكومة إنّما استخرجتها لمصالح أهل المملكة، و حيث إنّه لا ولاية عليهم شرعا فهي باقية على إباحتها الأصليّة، فلا خمس على الحكومة لعدم حصول الملكيّة لها، و لا على من اشتراها لعدم كونه المستخرج للمعدن.

و فيه: أنّ مقتضى الإطلاق الوارد في المعادن أنّ فيها الخمس و لو لم يملكها فيكون الخمس فيها باقيا.

و منها: أنّه على فرض الإجازة من جانب الحاكم الشرعيّ فهي كالموقوفات العامّة الّتي ليس فيها الخمس، إذ لا بدّ من الصرف في المصارف.

و فيه: أنّه بعد الصرف يشمله دليل المعدن، كما أنّه لا مانع من الشمول بالنسبة إلى ما قبل الصرف، لعدم استثناء المئونة في المعادن.

و منها: أنّ تعلّق الخمس على نحو الكلّيّ في المعيّن، فما يبقى في المعدن إذا كان بقدر الخمس يجوز التصرّف في الباقي. و هو موقوف على تعلّق الخمس بما أحياه من المعدن و لو لم يستخرجها، و أمّا إذا كان تعلّقه بالمستخرج فلا يدفع الإشكال.

و منها:- و لعلّه المعتمد عليه- أنّ أخبار التحليل شاملة لجميع ما يؤخذ ممّن لا‌

854
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الظاهر أنه يتشخص الخمس بالعزل ص 855

مسألة [الظاهر أنّه يتشخّص الخمس بالعزل]

لعلّ الظاهر تشخّص الخمس بالعزل (1).

مسألة [جواز احتساب الدين الذي في ذمّة المستحقّ خمسا]

ذهب غير واحد من الأصحاب إلى أنّه إذا كان له في ذمّة المستحقّ دين جاز له احتسابه خمسا (من غير فرق بين سهم يخمّس، سواء كان ممّن لا يعتقد وجوب الخمس أو كان ممّن يعتقد وجوبه، فحينئذ: إن كان الواجب على الحكومة الخمس- كما تقدّم أنّه مقتضى إطلاق وجود الخمس في المعادن- فما يأخذ الشيعيّ المعتقد يحلّ له ذلك كما هو مقتضى إطلاق دليل التحليل، و إن لم يكن واجبا عليه (لفرض البقاء على إباحته السابقة و كان أوّل من أمر بالخمس هو المشتري منها) يتداخل الخمسان، و قد تقدّم سابقا أنّ مقتضى إطلاق «الخمس بعد المئونة» أنّ خمس المعدن أيضا بعد المئونة بالنسبة إلى الأشخاص، مضافا إلى أنّه لو أشكل لكان ذلك بالنسبة إلى المشتري الأوّل من الحكومة لا عموم الناس، فافهم و تأمّل. و طريق الاحتياط معلوم.

و ذلك بناء على الكلّيّ في المعيّن، فإنّ مقتضى قاعدة السلطنة على المال وجود جميع أنحاء السلطنة إلّا أنّ الخمس لا بدّ أن يكون ملكا للسادة أو للمصرف فهو مسلّط على العزل. و تحقّق ذلك: إمّا بقصد أن يكون الباقي له فينطبق دليل الخمس على غير ما عزله لنفسه بأن يكون ملكا له، و إمّا بعزل الخمس بقصد أن يكون الخمس للسادة و الباقي لنفسه فهو أولى بذلك، و إمّا بأن يقصد بالعزل كون الخمس للسادة فمقتضى التسلّط على ذلك جوازه، لأنّ مقتضى الملكيّة مضيّ جميع تصرّفاته إلّا ما ينافي كون الخمس ملكا لمستحقّه.

و أمّا بناء على الإشاعة فلا، لأنّ القدر المتيقّن من الولاية هو الولاية على التقسيم حين الإقباض إلى المستحقّ، و هو غير الولاية على العزل الذي هو خلاف فرض الإشاعة.

فهنا مسألتان: إحداهما الولاية على التقسيم و الإفراز حين الإقباض كما في أداء الدين، و كلام المستند راجع إلى ذلك. و ثانيتهما الولاية على العزل. و قد وقع‌

855
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة جواز احتساب الدين الذي في ذمة المستحق خمسا ص 855

السادة و سهم الإمام عليه السّلام) إذا أذن المجتهد (1).

الخلط في كلام صاحب المستمسك بين المسألتين، فراجع و تأمّل.

و في تعليق الفقيه الأصفهانيّ: التفصيل بين وجود المستحقّ فلا يتشخّص بالعزل، و عدم وجوده فيتشخّص بالعزل، و لعلّه لأنّه الميسور من الوفاء. و هو ممنوع، إذ لا ربط للعزل بالوفاء فتأمّل، فكأنّه ليس له وجه معتدّ به. و اللّه العالم.

كما في العروة الوثقى «1»، و لم يعلّق عليه غير واحد من المحشّين، و بعضهم قد احتاط بالقبض و الإقباض، و بعضهم قيّده بإذن الحاكم و إلّا ففيه إشكال.

أقول أوّلا: إنّ الاحتياط بالقبض و الإقباض غير لازم قطعا بل لو ملّك مالك الذمّة المديون من باب الخمس و قبله المستحقّ لا ينبغي الإشكال في الإجزاء حتّى على الإشاعة، لأنّ الحقّ لا يعدوهما و قد أعطى خمسه الواجب بالكتاب و السنّة.

و ثانيا: إنّ الظاهر أنّ الاحتساب بعنوان التمليك التطبيقيّ بالمعنيين- أي تطبيق الخمس على المال المعيّن و اختصاص المعيّن بالمديون المستلزم لبراءة ذمّته- لا إشكال فيه، بناء على الكلّيّ في المعيّن الذي يكون مقتضاه تسلّط صاحب المال على جميع أنحاء التصرّفات الّتي منها تطبيق الخمس على الذمّة مقارنا لتطبيقه على المديون، و بناء على أنّه لا يكون اللازم في الخمس القبول، بل يكفي الإيصال لإطلاق الدليل.

و لا يبعد أن يقال ذلك أيضا بالنسبة إلى المال الخارجيّ الموجود عند المستحقّ، كما لا يبعد أن يقال ذلك بالنسبة إلى الدين من كفاية الإيصال إلى الدائن.

و من ذلك يعلم أنّ العزل على قسمين: قسم يعزله لأصل الخمس، و قسم آخر يعزله لشخص خاصّ، و هو أيضا على قسمين تارة بنحو اللزوم و اخرى على نحو الجواز، كما أنّ العزل بالمعنى الأوّل أيضا ينقسم إلى قسمين. و جميع ذلك مقتضى‌

______________________________
(1) كتاب الخمس: الفصل الثاني، المسألة 16.

856
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الظاهر اعتبار الفقر في اليتامى 1 ص 857

مسألة: الظاهر اعتبار الفقر في اليتامى (1).

الولاية على المال إلّا عدم الإخلال بما يصدق عليه الخمس. هذا على الكلّيّ في المعيّن، و أمّا على الإشاعة فيشكل ذلك، لأنّ القدر المتيقّن من الولاية على القسمة هو حين القبول.

و أمّا الاحتساب بمعنى الإبراء- كما في المستمسك- فممّا لا نتعقّله، لأنّ الاحتساب من الخمس و الإبراء متضادّان، فإنّ مقتضى الأوّل هو الخروج عن ملكه و مقتضى الثاني هو المالكيّة حين الإبراء مع قطع النظر عنه- لا المالكيّة قبل الإبراء- كما في سائر التصرّفات من البيع و الإجارة، خلافا لما يستفاد من الشيخ قدّس سرّه من الكشف عن المالكيّة آنا ما قبل التصرّف.

و ممّا ذكر يظهر الكلام في السهم المبارك، فإنّه يجري فيه الأوّلان بإذن الفقيه كسائر التصرّفات، بل الثالث أيضا فإنّه يصير ماله الشريف فتبرء ذمّته من جانبه بإذن المجتهد لا من جانب نفسه، كما أنّه يجري ذلك بالنسبة إلى سهم السادة إن ثبت تلك الولاية، فالإبراء من جانب وليّ المصرف لا من طرف نفسه، فافهم و تأمّل.

في الجواهر:

هو المشهور نقلا و تحصيلا. و مقابل المشهور ما حكي عن المبسوط و السرائر من عدم الاشتراط، و نقل عن الدروس التوقّف، و قال في الشرائع: إنّه أحوط «1».

و في كتاب الشيخ الأنصاريّ قدّس سرّه: لا ريب في ضعفه أي ضعف عدم اعتبار الفقر فيه «2».

و في الجواهر قوّى الاعتبار «3». و هو كذلك، لأمور:

الأوّل: قوله عليه السّلام في معتبر حمّاد:

«يقسّم بينهم على الكتاب و السنّة ما يستغنون به‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 16 ص 113 و 114.

(2) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ: ص 317.

(3) الجواهر: ج 16 ص 113 و 114.

857
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الظاهر اعتبار الفقر في اليتامى 1 ص 857

..........

في سنتهم» «1».

و الاستغناء حاصل فلا سهم له.

الثاني: ما فيه:

«ينفق من عنده بقدر ما يستغنون» «2».

الثالث: ما فيه:

«عوضا لهم من صدقات الناس» «3».

الرابع: ما فيه:

«فجعل لهم خاصّة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذلّ و المسكنة» «4».

الخامس: ما فيه:

«و جعل للفقراء قرابة الرسول صلّى اللّه عليه و آله نصف الخمس» «5».

السادس: قوله:

«فأغناهم به عن صدقات الناس» «6».

السابع: ما فيه:

«و لم يبق فقير من فقراء قرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» «7».

الثامن: ما في غير واحد من الروايات منها المرفوعة:

أنّ الخمس عوض لهم عن الزكاة «8».

التاسع: ما في كتاب الشيخ الأنصاريّ قدّس سرّه من خبر عيسى بن مستفاد «9»، و فيه:

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 363 ح 1 من ب 3 من أبواب قسمة الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 363 ح 1 من ب 3 من أبواب قسمة الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(4) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(5) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(6) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(7) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(8) المصدر: ص 359 ح 9.

(9) كتاب الخمس للشيخ الأنصاريّ: ص 316.

858
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الظاهر اعتبار الفقر في اليتامى 1 ص 857

..........

«فمن عجز و لم يقدر إلّا على اليسير من المال فليدفع إلى الضعفاء من أهل بيتي من ولد الأئمّة» «1».

العاشر: ما في الجواهر من أنّه:

لم يكن مستحقّا للخمس في حياة أبيه قطعا، فإذا كان المال له كان أولى بالحرمان، فإنّ مالكيّة المال بحدّ الغنى لا يكون موجبا لاستحقاق الخمس، لكن قال بعد ذلك: إنّه اعتبار محض «2».

و عندي أنّه لا يخلو عن وجه، فإنّ العرف يطمئنّ بأولويّته للحرمان، فإنّ منعه عن الخمس من باب أنّه ينفق عليه أبوه من ماله موجب للمنع عنه من باب أنّ المال ماله، و هو أكثر في كثير من الموارد ممّا ينفق عليه أبوه.

الحادي عشر: عدم الدليل على الإطلاق، من باب الانصراف في دليل اليتامى إلى الفقراء منهم باعتبار موت من كان يتكفّل لأمورهم، و هذا كما في ابن السبيل، فإنّ ابن السبيل لعلّه يصدق على من لا يتمكّن من الوصول إلى وطنه و لو لموانع أخر غير الفقر، و لكنّه ليس بمراد عند العرف.

الثاني عشر: قوله تعالى:

مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لٰا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيٰاءِ مِنْكُمْ «3».

فإنّ مقتضى الإطلاق شموله للخمس أيضا، فإنّه من «مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ» فيرجع إليه و أمره إليه، و مقتضى التعليل أنّ ما ذكر من جهة عدم انحصار المال بالأغنياء و وصول المال إلى الفقراء، و التعليل حاكم على ظهور المعلّل له.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 386 ح 21 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(2) الجواهر: ج 16 ص 113.

(3) سورة الحشر: 7.

859
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة الظاهر اعتبار الفقر في اليتامى 1 ص 857

و هل اللازم إذن الوليّ في التملّك عن اليتيم أم لا؟ لعلّ الظاهر هو الثاني فيصرف الخمس في اليتيم من دون التمليك (1). و أحوط منه التمليك بالإيصال إليه (2).

إن قلت: فما وجه اختصاص «اليتامى» بالذكر.

قلت: يمكن أن يكون ذلك لوجوه موجبة لحسن التخصيص بالذكر:

منها: الاهتمام بشأنهم، من جهة أنّ البالغين من المساكين بأنفسهم يراجعون إلى موارد حقوقهم، بخلاف الصغار، كما وقع نظير ذلك في آية الزكاة إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ. «1».

و منها: احتمال انصراف «المساكين» إلى البالغين- كما في مصباح الفقيه «2» و إن لم يذكر وجه الانصراف- و الوجه أنّ المسكنة لعلّها من السكون، و هو عدم الحركة ممّن شأنه الحركة نحو مصالحه و تحصيل معيشته، و هذا المعنى غير صادق بالنسبة إلى اليتيم.

و منها عدم لزوم الاشتغال و الحرفة عليه و لو كان مميّزا، من جهة الحرج النوعيّ على الأيتام، لعدم القدرة على الدفاع عن حقوقهم.

و منها: عدم لزوم صرف رأس ماله الذي ورثه من أبيه و لو كان بمقدار قوت سنته، لعدم القدرة على التكسّب فعلا، و صرفه بعينه موجب للوقوع في الفقر بعد ذلك.

و ذلك لما تقدّم من ظهور اللام في الاختصاص- لا الملكيّة- و هو منصرف في العناوين العامّة إلى الصرف الأعمّ من التمليك و الصرف من دون التمليك، و مع الشكّ فمقتضى الإطلاق ذلك، و مع الشكّ فمقتضى جريان البراءة في تقييد الاختصاص بالملكيّة ذلك، فتأمّل.

لما تقدّم- في مسألة احتساب ما في الذمّة خمسا- من عدم الدليل على احتياج وقوع المال خمسا و ملكا للمستحقّ الخاصّ إلى التملّك، بل يكفي‌

______________________________
(1) سورة التوبة: 60.

(2) ج 3 ص 150.

860
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة من مضت عليه سنوات لم يؤد الخمس فيها ص 861

و أحوط منه أن يكون بإذن الحاكم (1). و أحوط من الكلّ هو الأوّل فيملك عنه بإذن الحاكم.

مسألة: من مضت عليه سنوات لم يؤدّ الخمس فيها

فهل يكفي إخراج جميع المئونات الّتي وقعت في تلك السنوات و إخراج الخمس من الزائد عنها حتّى مع جبران الخسران بالأرباح فيكون تلك السنة كالسنة الاولى من حيث ملاحظة الغنيمة و من حيث استثناء المئونة أم لا؟ فيه إشكال (2).

الإيصال إليه و جعله تحت يده، فإنّه مقتضى إطلاق وجوب الخمس، فالامتثال قد حصل بذلك.

و الوجه في ذلك ما أومأنا إليه في باب البيع من قوّة احتمال عدم الاحتياج إلى الإيجاب و القبول حتّى في البيع و النكاح إذا كان الأمر بيد الموجب مثلا، بأن كان المملّك نفسه و المتملّك هو أيضا نفسه كما في المقام، فإنّه مأذون في التملّك من جانب الفقيه فيملّك الخمس لليتيم بعنوان إعمال السلطنتين، مع أنّه قد ورد الحثّ على الإحسان إلى اليتامى و إعطاء المال إليهم في سبعة مواضع من القرآن الكريم «1»- فكيف بالروايات و الأحاديث- و لم يشر على ما أعهد إلى لزوم القبول من جانب الوليّ لليتيم، و هو دليل قطعيّ على عدم اللزوم.

وجه الإشكال أمور:

الأوّل: أنّه بعد حلول السنة الأولى قد استقرّ الخمس، و صاحب الخمس مالك لأمواله بمقدار الخمس فهو شريك في المعاملات إن أمضاه وليّ الخمس، فيجب عليه غير الخمس ربح خمس السنة الاولى و السنة التالية و هكذا إلى سنة الأداء، و إن لم يمضه كان من الحلال المخلوط بالحرام ففيه خمسان أو أزيد.

______________________________
(1) سورة البقرة: 83 و 177 و 215 و سورة النساء: 8 و 36 و سورة الفجر: 17 و سورة البلد: 15.

861
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة من مضت عليه سنوات لم يؤد الخمس فيها ص 861

..........

الثاني: أنّ الموضوع للخمس غنيمة السنة. و ذلك لوجهين: أحدهما الانصراف إلى السنة. ثانيهما أنّ المفروض كون المتكلّم في مقام بيان القيد، و قيد اليوم الواحد أو الشهر الواحد أو الشهرين أو الشهر و النصف كلّ ذلك ممّا يقطع بعدم كونه مقصودا، فإنّ القيد الذي يصحّ الاتّكال على وضوحه حين إرادة القيد هو السنة و لو من باب تشابه السنين نوعا، فالضرر يلاحظ مضافا إليها، لأنّ غنيمة السنة لا تصدق إلّا بعد ملاحظة ضرر السنة أيضا، و بعد تماميّة السنة لا وجه لملاحظة الضرر، إذ ليست الغنيمة مضافة إلى العمر حتّى يجبر خسران العمر بها.

الثالث: أنّ المئونة كذلك.

و يستدلّ على الأمرين- أي إضافة الغنيمة و المئونة إلى السنة- بما في المكاتبة من قوله عليه السّلام:

«فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام» «1».

و قوله عليه السّلام:

«فأمّا الذي أوجب من الضياع و الغلّات في كلّ عام فهو نصف السدس ممّن كانت ضيعته تقوم بمئونته» «2».

فإذا انضمّ إليه دليل المئونة ينتج أنّ الخمس واجب في كلّ عام بعد المئونة أي مئونة العام، و من المعلوم أنّ المقصود ما يفي بمئونة العام مع ملاحظة الضرر، كما يومئ إلى ذلك قوله عليه السّلام في مكاتبة إبراهيم: «و بعد خراج السلطان» «3».

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 4 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

862
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة من مضت عليه سنوات لم يؤد الخمس فيها ص 861

..........

و لكن يمكن دفع ذلك كلّه:

أمّا الأوّل فبما تقدّم سابقا من تعلّق الخمس بما هو ماله، فإذا باع ما فيه الخمس يصير غير الخمس مال المشتري و ليس الخمس في مال المشتري، فيتعلّق الخمس بمال البائع، لأنّ موضوع الخمس فائدته و غنيمته فيملك البائع الخمس فينتقل إلى المشتري بعد صيرورته ملكا للبائع، و لو لا ذلك لم يكن فرق بين ما بعد السنة و نفس السنة، و صرف جواز التصرّف لا يوجب عدم حساب الربح لصاحب الخمس، و حساب الربح و ربح الربح من باب ترقّي القيمة و المعاملة، و من باب النموّ في مثل الأشجار المقصود بها الاتّجار بنموّها، و مجموع ذلك بل في النماءات من ابتداء تحقّقها و نمائها الطبيعيّ ممّا يلحق بالمحال، و هو خلاف الضرورة.

و أمّا الثاني و الثالث فيمكن أن يقال- و إن لم أر القائل بذلك لكنّه أقرب بمفاد الدليل من قيد السنة-: إنّ مفاد الدليل هو وجوب الخمس موسّعا أو مضيّقا في كلّ آن بعد الربح في ما يفضل عن المئونة بالنسبة إلى ذلك الآن، فكلّ آن من الآنات الّتي بعد حصول الربح يحكم بالدليل بوجوب الخمس موسّعا إلى سنة و مضيّقا بعد السنة من حيث المنفعة المتداركة بها الضرر و من حيث المئونة الخارجيّة، فإنّ الحمل على مئونة السنة و كذا إضافة الغنيمة إلى السنة خلاف الظاهر من وجوه:

منها: أنّ الإضافة إلى السنة تحتاج إلى القيد بخلاف المئونة الفعليّة أي المئونة الفعليّة المصروفة بعد الربح.

و منها: أنّ مئونة السنة بالنسبة إلى وسط الحول هو الأعمّ من الخارجيّة و التقديريّة، و هو خلاف الظاهر.

و منها: أنّ المئونة في رأس الحول هي المئونة الخارجيّة بالخصوص، و هو‌

863
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة من مضت عليه سنوات لم يؤد الخمس فيها ص 861

..........

خلاف ظاهر آخر، و كذلك بالنسبة إلى الغنيمة الّتي هي متقوّمة بعدم الضرر و بملاحظة الضرر مستثنى منها، فإنّه يلاحظ الأعمّ من الضرر الفعليّ و الضرر الفرضيّ في وسط السنة و يلاحظ خصوص الضرر الفعليّ في آخر السنة، و جميع ذلك خلاف الظاهر. هذا، مضافا إلى إطلاق «الخمس بعد المئونة» «1» بعد مضيّ السنين، فإنّه شامل للمئونة من أوّل الربح إلى حال الشمول، و التقيّد بحال الشمول لا يحتاج إلى التقييد، فإنّه مقتضى الدليل.

و يبتني على ذلك مسألة أخرى ذكرها في العروة من أنّه:

لو أخرج الخمس في أثناء السنة بعد تقدير المئونة بما يظنّه فبان بعد ذلك عدم كفاية الربح لتجدّد مؤون لم يكن يظنّها كشف ذلك عن عدم صحّته خمسا، فله الرجوع به على المستحقّ مع بقاء عينه، لا مع تلفها في يده إلّا إذا كان المستحقّ عالما بالحال «2».

فإنّ ذلك من باب أنّ المئونة المستثناة هي مئونة السنة، لا المئونة المصروفة في الخارج فعلا، و إلّا فعليه لا يستثني المئونة التقديريّة بل يستثني المئونة الخارجيّة، و لا ضمان بعد تجدّد مئونة اخرى لم يكن يظنّها. و الحاصل أنّ ما ذكروه من الانصراف إلى القيد بالسنة خلاف الظاهر.

و أمّا المكاتبة فلا تدلّ إلّا على الوجوب الفوريّ في السنة عند حلول الحول، و مقتضاه على فرض امتثال الواجب هو استثناء المئونة الفعليّة إلى حين الامتثال من باب تطبيق الواجب الفوريّ على الخارج، و أمّا بعد السنة فوجوب الخمس‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 354 ح 2 من ب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) العروة: كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 79.

864
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة من مضت عليه سنوات لم يؤد الخمس فيها ص 861

..........

و كونه بعد المئونة الخارجيّة يقتضي استثناء المئونة إلى حين الإخراج.

و يمكن أن يقال: إنّ المستثنى هو المئونة التقديريّة بحسب الاقتضاء إلى آخر العمر، كما يمكن أن يقال: إنّ المستثنى مئونة السنة بحسب ما يحصل في الخارج، سواء كانت مترقّبة أو غير مترقّبة بشرط كفاية رأس ماله أو حرفته بمئونته بحسب الاقتضاء كما يظهر من المكاتبة و قد تقدّم، و هو قوله: «ممّا كانت ضيعته تقوم بمئونته»، كما يمكن أن يقال: إنّ المستثنى في كلّ زمان هو المئونة الحاصلة في الخارج كائنة ما كانت، مترقّبة كانت أو غير مترقّبة بشرط وفاء رأس ماله أو حرفته بمئونته بحسب الاقتضاء، و هو الأرجح.

فالاحتمالات في المئونة و الضرر الذي يلاحظ بالنسبة إلى الربح خمسة:

الأوّل: استثناء مئونة السنة، مترقّبة أو غير مترقّبة، من دون اشتراط أن تكون ضيعته أو حرفته أو رأس ماله كافية بمئونته، بل و لو قطع بعدم الربح أصلا في السنة اللاحقة يجب عليه الخمس في تلك السنة، و هو الظاهر من الأصحاب، لكنّه خلاف مثل المكاتبة «1» و خلاف قوله عليه السّلام «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» «2» و خلاف الارتكاز ثبوتا.

الثاني: هو بضمّ أن يكون رأس ماله كافيا بمئونته.

الثالث: استثناء مئونة السنة بحسب التقدير، كما ربما يظهر ممّا نقل عن الجواهر من عدم الضمان في المسألة المتقدّمة «3».

الرابع: استثناء المئونة الخارجيّة.

الخامس: استثناء المئونة الخارجيّة بشرط أن يكون رأس ماله و لو من باب‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 349 و 348 ح 5 و 3 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 349 و 348 ح 5 و 3 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) المستمسك: ج 9 ص 562.

865
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما علم بربح عشرين في السنة الاولى و ربح عشرة مثلا في السنة الثانية و صرف عشرين في المئونة و لا يدري أنه في السنة الأولى أو الثانية ص 866

و لعلّ الأرجح جواز ذلك، و إن كان الأحوط ملاحظة مئونة كلّ سنة في الاستثناء من الخمس و كذلك بالنسبة إلى الضرر.

مسألة [حكم ما علم بربح عشرين في السنة الاولى و ربح عشرة مثلا في السنة الثانية و صرف عشرين في المئونة و لا يدري أنّه في السنة الأولى أو الثانية]

على المشهور من ملاحظة المئونة و الضرر بالنسبة إلى السنة الواحدة لو علم بربح عشرين في السنة الاولى و ربح عشرة مثلا في السنة الثانية و صرف عشرين في المئونة فلا يدري أنّه في السنة الأولى أو الثانية فلعلّ الظاهر لزوم أداء خمس عشرين (1)، كونه ذا مرّة وافيا بمئونة سنواته الآتية بحسب الترقّب و الاقتضاء مع ملاحظة الضرر، و على هذا يصحّ ما ذكر في المتن.

و ذلك لأنّ حصول الغنيمة مسلّم، و مقتضى الأصل عدم صرفها في مئونة السنة الأولى الّتي هي سنة ربح عشرين، فالربح مسلّم و صرفه في مئونة تلك السنة مشكوك و الأصل عدمه.

إن قلت: لا نسلّم صدق الغنيمة إلّا بعد استثناء المئونة كما في بعض التحريرات عن بعض المحقّقين.

قلت: لا شبهة عند العرف في صدق الفائدة من دون ملاحظة المئونة و يقال إنّ عوائد فلان كذا و مصارفه كذا، كما يدلّ على ذلك القرآن الكريم بالنسبة إلى الغنائم الّتي لا يستثني منها مئونة اليوم، و مع ذلك يكون القدر المتيقّن من صدق الغنيمة.

إن قلت: إنّ الاستصحاب المذكور معارض باستصحاب بقاء السنة الاولى إلى حين الصرف في المئونة، فالصرف في المئونة محرز بالوجدان و كون السنة الأولى باقية إلى الصرف في المئونة محرزة بالأصل.

قلت: المحرز بالوجدان هو الصرف في مئونة سنة من السنتين في مفروض المثال، و المحرز بالأصل بقاء سنة الربح إلى حال الصرف، و أمّا كون السنة الّتي صرف فيها المئونة هي سنة الربح فلا يثبت ذلك، و صرف بقاء سنة إلى حال صرف‌

866
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما إذا ربح عشرين في السنة الاولى و عشرة في السنة الثانية و تضرر عشرين و لم يعلم أنه من الأولى أو الثانية ص 867

و أمّا بناء على ما ذكرناه فيجب عليه أداء خمس العشرة (1).

مسألة [حكم ما إذا ربح عشرين في السنة الاولى و عشرة في السنة الثانية و تضرّر عشرين و لم يعلم أنّه من الأولى أو الثانية]

إذا ربح عشرين في السنة الاولى و عشرة في السنة الثانية و تضرّر عشرين و لم يعلم أنّه من الأولى أو الثانية فلعلّ الظاهر أنّه لا يجب عليه إلّا خمس العشرة بعكس ما تقدّم في المئونة (2).

و لو شكّ في الصرف في المئونة فمقتضى الأصل عدمه فيجب الخمس، كما لو شكّ في كون شي‌ء ممّا صرفه من المئونة عرفا أم لا؟ (3).

و مثل الأوّل صورة اليقين بالصرف و الشكّ في الصرف في المئونة (4).

المئونة لا يثبت كون المئونة مئونة سنة الربح، فإنّ صرف الصرف في المئونة في سنة الربح لا يجدي ما لم يكن مصروفا في مئونة تلك السنة، كأن يصرف في مئونة السنة السابقة أو اللاحقة، فتأمّل.

لما ذكرناه من استثناء المئونة الخارجيّة حين امتثال الأمر بأداء الخمس.

و ذلك للشكّ في صدق الغنيمة، و استصحاب عدم التضرّر في السنة الاولى لا يثبت وجوب الخمس إلّا بتوسّط الحكم بصدق الغنيمة الذي ليس أثرا شرعيّا بل هو موضوع للأثر الشرعيّ، فالأصل المذكور مثبت بلا شبهة، فتأمّل.

كالهبة الّتي ليست من شأنه و ليست أيضا من باب الفرار عن الخمس، و ذلك لأنّ مقتضى القاعدة المسلّمة في الأصول التمسّك بالعامّ في الشبهة المفهوميّة للمخصّص.

كأن علم بصرف عشرة لكن لا يدري أنّه ضاع منه أو أتلفه عمدا أو صرفه في المئونة فمقتضى الأصل عدم الصرف في المئونة، و أمّا أصالة عدم الإتلاف مثلا فلا أثر له.

867
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما إذا علم اشتغال ذمته إما بالخمس أو بالزكاة ص 868

و الأمر في الشكّ في الضرر بعكس الشكّ في الصرف في المئونة (1).

مسألة [حكم ما إذا علم اشتغال ذمّته إمّا بالخمس أو بالزكاة]

إذا علم اشتغال ذمّته إمّا بالخمس أو الزكاة وجب عليه إخراجهما إذا لم يكن هاشميّا على ما في العروة «1»، لكن فيه إشكال (2).

و الظاهر كفاية الإعطاء للحاكم الشرعيّ أو لوكيل المستحقّين أو فإنّ له أيضا أقسام ثلاثة: فقد يكون الشكّ في المصداق الخارجيّ فلا يدري أنّه تضرّر أم كان يشتري سلعة و يحتمل تنزّل قيمتها السوقيّة أو باع شي‌ء و لم يجئ المشتري بثمنه و يحتمل الذهاب من كيسه مع فرض عدم قيمة للمشكوك، و قد يكون التلف مسلّما إلّا أنّه هل هو من رأس المال أو كان من غير رأس ماله الذي لا يلاحظ بالنسبة إلى الربح أو يكون من رأس المال لكن لا يدري أنّه تلف أو إتلاف، غير مجبور بالربح، و قد يكون من قبيل الشبهة المفهوميّة كأن يتلف الهديّة فيشكّ في أنّه يلاحظ بالنسبة إلى الربح أم لا؟ ففي جميع ذلك صدق الغنيمة و تعلّق الخمس مشكوك مدفوع بالأصل.

فإنّ فيه أوّلا: عدم تماميّة الإطلاق قطعا، لأنّه إذا علم أوّلا باشتغال ذمّته بالزكاة ثمّ علم بأنّه إمّا أدّاها و اشتغلت ذمّته بالخمس و إمّا تكون باقية على ذمّته فمقتضى الاستصحاب بقاء الزكاة في ذمّته و عدم الاشتغال بالخمس، أو إذا علم أنّه كان أحدهما بالنسبة إلى السنة الماضية و الآخر بالنسبة إلى السنة الحاليّة فتجري قاعدة الشكّ بعد الوقت أو التجاوز بالنسبة إلى ما تجاوز وقته، و قد مرّ أنّه لا يبتني جريان القاعدة على كون العمل بعد الوقت قضاء، كما في الشكّ في طواف النساء و الشكّ في صلاة الآيات بالنسبة إلى مثل الزلزلة، و ذلك لأنّ وقته الذي يكون التأخير عنه عصيانا هو الوقت العرفيّ، و تسمية العمل البعديّ قضاء أو أداء لا دخالة لها في صدق التجاوز و الشكّ بعد الوقت في نظر العرف، مع أنّ التعليل بالأذكريّة واف بالمقصود في الجملة.

______________________________
(1) ختام الزكاة: المسألة السادسة.

868
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما إذا علم اشتغال ذمته إما بالخمس أو بالزكاة ص 868

..........

و ثانيا: ما ذكره في المقام ربما ينافي ما ذكره قدّس سرّه في الخمس من أنّه:

إذا علم قدر المال و تردّد صاحبه في عدد محصور ففي وجوب التخلّص عن الجميع بإرضائهم أو إجراء حكم مجهول المالك عليه أو استخراج المالك بالقرعة أو توزيع ذلك المقدار عليهم وجوه، أقواها الأخير «1».

فيتّجه سؤال الفرق بين المسألتين، و صرف الاختلاط هناك بخلاف المقام غير فارق، فإنّ تعلّقه على نحو الكلّيّ في المعيّن، بل هنا أولى بجواز التوزيع، لأنّ اختيار القسمة بيد المالك حتّى على الإشاعة كما مرّ.

و ثالثا: يكفي إعطاء أكثر المالين للوكيل عنهما- أي مستحقّ الخمس و مستحقّ الزكاة- أو الحاكم الشرعيّ فتبرء ذمّته بذلك.

و ظاهر بعض التعاليق كفاية إعطاء المردّد بين المالين، و هو المتيقّن. و هو مشكل.

و يكفي العزل إمّا للهاشميّ الفقير أو لغير الهاشميّ فيتردّد المال بينهما و يجعل تحت اختيارهما و هما إمّا يتصالحان و إمّا يستقرعان.

و رابعا: أنّه لو فرض توقّف براءة الذمّة على الإعطاء للرجلين (بأن لم نقل بجواز العزل في الخمس أو قلنا بعدم جواز العزل المردّد من باب الوقوع في خلاف الواقع و خلاف غرض الشارع) فلا ريب أنّ وجوب إعطاء المالين ضرر يرفع بحديث نفي الضرر، و قد مرّ تقريبه في باب المال المختلط بالحرام، فراجع.

و خامسا: أنّه لو فرضنا عدم جريان القاعدة فلا ريب أنّ المستفاد من أدلّة باب الأموال و الحقوق من التنصيف «2» و بيع الثوبين و تقسيم ثمنهما «3» و القرعة «4»

______________________________
(1) العروة: كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المسألة 30.

(2) الوسائل: ج 18 ص 181 الباب 12 من أبواب كيفيّة الحكم.

(3) الوسائل: ج 13 ص 170 الباب 11 من أبواب الصلح.

(4) الوسائل: ج 18 ص 181 الباب 12 من أبواب كيفيّة الحكم.

869
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما إذا علم اشتغال ذمته إما بالخمس أو بالزكاة ص 868

العزل للفقير غير الهاشميّ إن كان زكاة و للفقير الهاشميّ إن كان خمسا، لشخص خاصّ أو للكلّيّ (1). و إن اختار الأخير جعل المال تحت اختيارهما.

و لعلّ الظاهر أنّه لا حرج عليه إن لم يتصالحا بالتنصيف أو القرعة أو غير ذلك (2). و كذا الوكيل و الحاكم الشرعيّ.

ثمّ إنّه هل يكفي في الفروض الثلاثة الاكتفاء بالأقلّ أم لا؟ فيه تفصيل، لعلّ الظاهر وجوب إعطاء الأكثر (3).

عدم لزوم الاحتياط في الأموال إذا كان موجبا للضرر، بأن يجب على أحدهما صرف النظر عن حقّه و طيب النفس حتّى يحصل الاحتياط.

قد مرّ وجهه.

إن قلت: لا يجوز للحاكم الأخذ حتّى يقع في احتمال نقض الغرض المنجّز بواسطة العلم الإجماليّ بوجوب أحدهما، و كذا لا يجوز للمالك إعطاؤه لذلك، فإنّه إعانة على الإثم، و كذا بالنسبة إلى الوكيل، و لا يجوز له العزل لذلك.

قلت أوّلا: إنّ العلم الإجماليّ قد نجّز و عمل به، و أمّا العلم الإجماليّ الثاني الذي موضوعه شخص ذلك المال فلم يكن من أوّل الأمر و حصل بعد التردّد بين الأمرين، و هو غير منجّز بالنسبة إلى كلا طرفيه، لدوران الأمر بين المحذورين.

و ثانيا: لا يعلم من أوّل الأمر الوقوع في مخالفة غرض المولى و لو كان محتملا، لاحتمال وقوع التصالح بين المستحقّين.

و ثالثا: يمكن أن يقال: إنّه يكفي جعل المال تحت اختيارهما بعد التشخّص بأحد الأمور الثلاثة المتقدّمة، كالمال الذي يوجد و يكون متعلّقا بأحد الشخصين فيأخذه آخذ، فليس تكليفه إلّا جعل المال تحت اختيارهما فهما يتصالحان أو يستقرعان أو ينصّفان، و لم يثبت تكليف آخر لمن عنده المال وراء ذلك.

لعدم ثبوت تكليف على المالك أزيد من ذلك.

أمّا في صورة الوكالة و الولاية فلعلّه واضح، خصوصا إذا لم يكن حين‌

870
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما إذا علم اشتغال ذمته إما بالخمس أو بالزكاة ص 868

و من ذلك يعرف أنّه لو كان المالك هو الهاشميّ و أعطى للهاشميّ فلا بدّ من إعطائه الأكثر (1).

التنجّز وكيل أو وليّ و كان مقتضى العلم الإجماليّ هو وجوب أدائهما كما في العروة أو وجوب أدائهما إذا لم يوجب الضرر بإرضاء الطرفين أو المصالحة، و أمّا في غير تلك الصورة في فرض الوكالة و الولاية فلأنّ الواجب براءة ذمّته بالنسبة إلى الهاشميّ و غيره، و هي ليست مردّدة بين الأقلّ و الأكثر، و لأنّ وجوب الأداء أوّلا بالنسبة إلى الموكّل و المولّى عليه ثمّ يترشّح إلى الوكيل و الوليّ، فالموكّل في الرتبة المتقدّمة مورد للعلم الإجماليّ فيؤثّر في التنجّز، و لأنّ الوكيل و الوليّ بمنزلة المتعدّد فتلك وجوه ثلاثة بالنسبة إلى الوكيل و الوليّ.

و أمّا بالنسبة إلى صورة العزل فلأنّ التمليك من باب الخمس للهاشميّ مباين للتمليك من باب الزكاة لغيره، فالأوّل حاصل مثلا لو كان ما في ذمّته الخمس، و على فرض العدم فهو غير حاصل و ما هو الحاصل هو الثاني، فهما متباينان من جهة انطباق الكلّيّ على المال الخاصّ و من جهة انطباق المال على شخص خاصّ و إضافته إليه.

و ذلك لأنّ تمليك الهاشميّ من باب الزكاة، و تطبيق كلّيّ الزكاة عليه على فرض الاشتغال غير تطبيق كلّيّ الخمس على هذا المال و إعطائه من تلك الجهة، و من المعلوم أنّه يجب، و ذلك غير مبنيّ على لزوم قصد عنوان الخمس و الزكاة و انطباق عنوان الزكاة أو الخمس على المال المخصوص، مع أنّه لا يبعد ذلك، فإنّه لو أعطى هاشميّ مالا بقصد القربة من دون قصد الخمس فأداء الخمس بذلك مشكل.

بيان عدم الابتناء: أنّ التباين من جهة عدم التداخل و أنّه لو كان عليه خمس و زكاة لا يتداخلان، فالخمس هو المال الذي ليس بزكاة، و الزكاة هي المال الذي ليس بخمس، و هما يتباينان فلا بدّ من الاحتياط، كما أنّه لو علم إجمالا إمّا بوجوب قضاء الصبح عليه أو نذر أن يصلّي نافلة الفجر و هي صارت قضاء فيصلّي‌

871
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة هل يجوز الشركة مع من لا يخمس ص 872

و من ذلك يظهر حكم تردّد اشتغال الذمّة بين أن يكون بالزكاة أو الصدقة الواجبة الّتي هي ردّ المظالم أو تردّده بينها و بين الصدقة المنذورة بقيد أن تكون غير الزكاة، أمّا لو كان مردّدة بين الزكاة و الصدقة المنذورة القابلة للانطباق عليها فلعلّ الظاهر هو الاكتفاء بالأقلّ (1).

مسألة: هل يجوز الشركة مع من لا يخمّس

و يجزي للشريك أن يؤدّي خمسه أم لا؟ (2) بقصد ما في الذمّة، فهل ترى من نفسك سقوط السورة عنه للشكّ في وجوبها؟ كأن يعلم إجمالا بأنّه إمّا عليه الزكاة أو نذر أن يتصدّق و لو كانت الصدقة هي الزكاة، و هذا من باب عدم التقييد في متعلّق المعلوم بالإجمال، بأن يكون الزكاة غير الصدقة المنذورة و أن تكون المنذورة غير الزكاة.

الإشكال في الشركة مع من لا يخمّس من وجوه:

منها: وجود الخمس في الربح الذي يأخذه من المال المشترك، من جهة أنّ الشريك لا يخمّس.

و هو مندفع بناء على تعلّق الخمس بالكلّيّ في المعيّن، فإنّ الشريك بعد أن عيّن ذلك المال للشريك الذي يخمّس فقد خرج عن دائرة الكلّيّ الذي هو مورد ما يملكانه، و كذا بناء على الإشاعة من باب أنّ اختيار التقسيم بيد المالك، و الشركاء اتّفقوا على كون هذا السهم لهذا الشريك، بأن يكون عليه ما يجب عليه شرعا و عرفا من الخمس و الخراج.

و منها: أخذ الربح من الشريك في السنة اللاحقة أو في السنة الأولى بعد أداء خمسه من ماله من جهة وجود الخمس في المال.

و هو مندفع بناء على الكلّيّ في المعيّن، و أمّا بناء على الإشاعة فلا يجري فيه ما تقدّم من الجواب، من جهة أنّ الولاية على التقسيم في ما يكون أثره وصول الخمس إلى صاحبه لعلّه واضح، و أمّا ولايته على التقسيم الذي نتيجته إمساك‌

872
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة هل يجوز الشركة مع من لا يخمس ص 872

..........

الخمس و تعيّنه في مال من لا يخمّس غير معلومة، فمقتضى القاعدة عدمها على الإشاعة.

و يمكن الجواب على الإشاعة أيضا بتعلّق الربح بالمال على نحو الكلّيّ في المعيّن، فالربح الذي للشريكين ليس خصوص عين الغنيمة، فالخمس يتعلّق بغنيمة السنة السابقة على نحو الكلّيّ في المعيّن أي الأعمّ من شخص الغنيمة الموجودة أو بدلها و الأعمّ منهما و من رأس المال بل الأعمّ من ذلك كلّه و مطلق ما يملكه المالك حتّى مئونته، و بعد تعيّن الربح في ذلك- أي بعد تعيّن الربح المخصوص في أن يكون ملكا للشريك الذي أدّى خمس ماله- فقد خرج عن مورد الربح الذي لسائر الشركاء، كما يمكن دفع ذلك بإطلاق أخبار التحليل.

و يمكن أيضا هذا الإفراز بإجازة وليّ الخمس أو بإجازة المستحقّ.

و منها: وجود ربح الخمس بعد استقراره بمضيّ السنة في المال.

و لا يخفى أنّ هذا الإشكال إنّما يكون في المعاملات الواقعة على عين الخمس كالفروش و الأواني، و أمّا المعاملات الواقعة على الذمّة من جانب المال الذي فيه الخمس- بأن باع منّا من أرز مثلا على نحو الكلّيّ أو اشترى شي‌ء للشركة بالثمن الكلّيّ، كما هو المتعارف بالنسبة إلى الأخير- فلا ربح لصاحب الخمس حتّى يتمشّى فيه الإشكال.

و أمّا فيها إذا وقعت على العين فيمكن دفعه: أمّا على مسلك تعلّق الخمس على نحو الكلّيّ في المعيّن المتعلّق بمال من لا يخمّس أو كون الربح الذي هو مورد لإشاعة الخمس فيه على نحو الكلّيّ في المعيّن، فإذا باع بعض المال للغير خرج عن دائرة الكلّيّ في المعيّن، و أمّا على فرض تعلّق الخمس بالمبدل فإذا تعومل بالمال يخرج المبدل عن ملك من عليه الخمس فليس هو فائدته و ماله حتّى‌

873
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما إذا تعلق الخمس و الزكاة بالمال ثم تلف بعضه من دون ضمان ص 874

لعلّ الظاهر عدم الحرمة، لدفع الإشكالات الخمسة المتصوّرة كما في الشرح.

و من بعض ذلك يظهر جواز التصرّف في مال من لا يخمّس بالضيافة عنده و أمثالها (1).

مسألة [حكم ما إذا تعلّق الخمس و الزكاة بالمال ثمّ تلف بعضه من دون ضمان]

إذا تعلّق الخمس و الزكاة بالمال ثمّ تلف بعضه من دون يتعلّق به الخمس، فالخمس يتعلّق بالبدل و يصير مقدار الخمس ملكا للمالك و ينتقل إلى المشتري- كما تقدّم في بعض المباحث السابقة- أو تمضي المعاملة و يتعلّق الربح بالبدل على نحو الكلّيّ في المعيّن بأن يكون الخمس كذلك أو الربح كذلك كما تقدّم، أو يجوز بواسطة أخبار التحليل الشاملة للمعاملة مع الغير فينتقل الخمس إلى البدل و الربح فيه فيحلّ للشريك أيضا بواسطة أخبار التحليل.

و منها: أنّ التوكيل في التصرّف في المال الذي خمسه للسادة لا يصحّ، لأنّه توكيل في الحرام.

و هو مندفع بأنّ التوكيل الذي يكون من جانب من يخمّس ليس إلّا بالنسبة إلى التصرّف في ما يتعلّق به و هو حلال، و حرمته من باب التصرّف في أموال سائر الشركاء الّتي فيها الخمس، و هو غير مربوط بتوكيله.

و منها: أنّ هذا كلّه يصحّح الشركة في المعامل الّتي لها مدير و أمثالها، و أمّا الشركة الّتي يتكفّلها نفس الشريكين مثلا و أحدهما يخمّس و الآخر لا يخمّس كيف يجوز التصرّف في المال بوضع اليد و الجلوس و القبض و الإقباض و الصلاة و الوضوء في ما يتعلّق بالشركة؟! و الجواب عن ذلك هو أخبار التحليل الشاملة لتلك الموارد من دون مخصّص و مقيّد في البين.

و ذلك لأخبار التحليل.

874
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما إذا تعلق الخمس و الزكاة بالمال ثم تلف بعضه من دون ضمان ص 874

ضمان- كأن كان المال بيده أمانة لعدم العثور على المستحقّ- فيمكن أن يقال: إنّ حكمه التقسيم على المصرفين بالنسبة (1).

قال قدّس سرّه في العروة:

إذا بقي من المال الذي تعلّق به الزكاة و الخمس مقدار لا يفي بهما و لم يكن عنده غيره فالظاهر وجوب التوزيع بالنسبة، بخلاف ما إذا كانا في ذمّته «1».

و الوجه في ذلك أنّ نسبة مستحقيّ الخمس و الزكاة بالنسبة إلى المال على حدّ سواء، و ليس نسبة المالك كذلك.

و ملخّص هذا الوجه يرجع إلى أمور:

الأوّل: أنّ تعلّق الخمس و الزكاة بالمال على نحو الكلّيّ في المعيّن لا الإشاعة، و مقتضى ذلك أنّ تلف غير الخمس و الزكاة يقع على المالك و لا يكون المالك شريكا في الباقي.

الثاني: أنّ مالكيّة الخمس و الزكاة بالنسبة إلى التالف و الموجود على حدّ سواء و ليس مالكيّة أحدهما في طول الآخر، و لا فرق بين تعلّق الخمس أوّلا مثلا أو الزكاة ثمّ الآخر، و هذا كما لو باع صاعين من الصبرة لشخصين في آن واحد أو باع أحدهما لشخص في آن و الآخر في آن آخر، فإنّه لا مدخليّة للتقدّم و التأخّر الزمانيّ في ذلك.

و ما في مكاسب الشيخ الأنصاريّ قدّس سرّه من أنّه:

لو باع صاعا آخر لشخص آخر بعد ما باع الصاع الأوّل من عشرة أصوع كان التلف واقعا على الثاني، من جهة أنّ المبيع الأوّل سار في جميع العشرة و المبيع الثاني سار في غير الصاع المبيع أوّلا و هو تسعة أصوع‌

______________________________
(1) العروة الوثقى: المسألة 31 من مسائل ختام الزكاة.

875
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما إذا تعلق الخمس و الزكاة بالمال ثم تلف بعضه من دون ضمان ص 874

..........

الّتي بقيت «1».

مورد نظر و إيراد، فإنّ المبيع الثاني سار في جميع العشرة أيضا، لأنّ تردّده بنحو الترديد فللبائع دفع كلّ واحد من تلك الأصوع، فالأوّل مالك لأحد الصيعان على نحو الترديد بين العشرة، و الثاني أيضا كذلك. نعم، لو عيّن صاعا واحدا للأوّل كان المبيع من الثاني منطبقا على تسعة أصوع الّتي بقيت، كما أنّه لو عيّن للثاني أيضا كان كذلك.

و الظاهر أنّ منشأ التوهّم لبّا أنّ المشتري بمنزلة البائع في تملّك الصاع، فالأوّل تملّك شي‌ء لو تلف تسعة أصوع أو ملكها غيره كان الباقي له، و الثاني ملك شي‌ء كان يملك البائع، و البائع إن كان مالكا كان تلف الصاع التاسع من ملكه، فهو بمنزلة البائع بالنسبة إلى المشتري الأوّل.

و هو مدفوع بأنّه ليس مقتضى البيع الثاني أن يكون المشتري الثاني بمنزلة المالك، بل ليس مقتضاه إلّا تملّك صاع من عشرة أصوع بحيث لو لم يبق من العشرة إلّا صاعا واحدا كان له. كيف؟ و لو كان بمنزلته فكان المشتري الثاني كمن كان له صاعان من أوّل الأمر فباع صاعا من الصاعين فمقتضاه أنّ له أمر التقسيم و له بيع أحد الصاعين و تعيينه للمشتري، بخلاف الآخر، و لا أظنّ الالتزام بذلك، كما أنّ لازمه أنّه لو دفع صاعا للثاني لا على وجه التعيّن بل بأن يكون له كما له أو دفع الصاعين إليه بأن يكون أحدهما له فتلف أحد الصاعين كان التلف عليه.

و توضيح ذلك أنّ ما ذكر من أنّ المالك بالنسبة إلى المشتري الأوّل كان بحيث لو تلف الصاع التاسع كان من ماله، من باب أنّ تمام جهات المال ملك له فالتلف عليه، أو من باب أنّ مقتضى بيع الكلّيّ في المعيّن تعهّد أنّ التلف عليه حتّى يبقى‌

______________________________
(1) المكاسب للشيخ الأنصاريّ: ص 197.

876
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما إذا تعلق الخمس و الزكاة بالمال ثم تلف بعضه من دون ضمان ص 874

..........

صاع، و الجهتان المذكورتان ليستا على المشتري الثاني بالنسبة إلى المشتري الأوّل. نعم، لو وقع البيع الثاني مشروطا بأن يكون تمام جهات المالك على تقدير زوال ملك المالك عن المال بتلف ثمانية أصوع في المثال محوّلا إلى المشتري الثاني لكان المشتري الأوّل مالكا على المشتري الثاني أن يأخذ منه صاعا و لو تلف من الصاعين صاع، و ليس كذلك. و كذا لو اشترى أحد صاعين من مالك العشرة فباع صاعا من صاعيه إلى الثالث فالتلف من مال مالك الصاعين كما لا يخفى.

فتحصّل من ذلك أنّ نسبة الصاع الموجود في مسألة الصبرة و نسبة الموجود من المال إلى المالكين على حدّ سواء، و لا ترجيح لأحدهما على الآخر.

الثالث: أنّه ربما يشكل في أنّه على الفرض المذكور كيف يثبت الإشاعة؟

بل مقتضى تساوي النسبة وجود الترديد و أنّ كلّ جزء إن فرض كونه لأحدهما فالجزء الآخر للآخر، و كذلك بالنسبة إلى النصف، فيمكن أن يقال: إنّه إن فرض كون التالف لصاحب الخمس فالباقي لصاحب الزكاة و بالعكس فلا يتعيّن أن يكون التلف من المالين بالنسبة.

و دفع الإشكال بوجوه ربما توضح الإشاعة قطعا إن شاء اللّه تعالى:

منها: أنّه أولى من امتزاج الجنس بالجنس الذي قالوا فيه بحصول الإشاعة و في الجواهر الإجماع على ذلك «1».

و منها: أنّ العقلاء لا يرجّحون طرفا من دون المرجّح، و مقتضاه التقسيم، فإنّ احتمال العلم بكون التالف تماما لأحدهما لا يتحقّق، فالتلف واقع عليهما قطعا.

و منها: أنّ أكثر موارد الإشاعة من هذا القبيل، فلو اشترى اثنان مالا بإعطاء‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 26 ص 291.

877
کتاب الخمس (للحائري)

حكم تلف تمام المال مع ضمان المالك و كون الخمس و الزكاة بجملتهما في الذمة ص 878

[حكم تلف تمام المال مع ضمان المالك و كون الخمس و الزكاة بجملتهما في الذمّة]

و إذا تلف الكلّ مع ضمان المالك من جهة الإتلاف أو الغصب و كان الخمس و الزكاة بجملتهما في الذمّة و كان له مال غير واف بأحدهما ففي العروة «1» إنّه مخيّر بين التوزيع و تقديم أحدهما (1).

كلّ واحد نصف ثمنه فلا ريب عند العرف في الإشاعة، و كذا الإرث، إذ لا شاهد على أنّ الثلث و السدس و أمثال ذلك ظاهر في الإشاعة، بل هو قابل الانطباق على الكلّيّ في المعيّن، و عدم الانطباق إنّما يكون من باب عدم الترجيح لأحد المالكين على الآخر، فيكون الاختيار بيده و التلف من ماله، و ليس هذا عند العرف إلّا الإشاعة.

و الحاصل أنّه ليس أمر آخر عندهم وراء الكلّيّ في المعيّن و الإشاعة، و الأوّل متقوّم بما ذكر من كون أحدهما مالكا و التلف عليه إلّا بمقدار ما خرج من ملكه، و إذا لم يكن مزيّة لأحد المالكين على الآخر فلا يرى العرف إلّا الإشاعة.

الرابع: أنّ ولاية التقسيم كان للمالك و الآن كذلك، لإطلاق مالكيّته السابقة و للاستصحاب، فمقتضى ذلك هو التوزيع بالنسبة كما في العروة، و ليس ذلك إهمال الحقّين و إعمالهما كما في المستمسك «2»، بل ليس إلّا إعمال الحقّين كاملا من دون الإهمال لأحد الحقّين كما اتّضح، و له الحمد و الشكر.

و الوجه في ذلك أنّ تمام المالين في ذمّة المالك، و لا مال للجهتين في الخارج، و ليس الخارج إلّا متعلّق وجوب الأداء، و لا فرق بالنسبة إلى امتثال تكليف وجوب الأداء بين التوزيع و تقديم أحدهما، لأنّ الأمرين مشتركان في الامتثال في الجملة و عدم الامتثال كذلك، و لا ترجيح لأحدهما على الآخر.

هذا بيان كلام العروة، و لكن لنا تعاليق:

______________________________
(1) المسألة الحادية و الثلاثون من مسائل ختام الزكاة.

(2) ج 9 ص 378.

878
کتاب الخمس (للحائري)

حكم تلف تمام المال مع ضمان المالك و كون الخمس و الزكاة بجملتهما في الذمة ص 878

..........

الأوّل: أنّه لعلّ الظاهر من عبارته أنّ تكليفه ذلك مطلقا، مع أنّ مقتضى بقاء الدين على الذمّة و عدم سقوطه بالإعسار وجوب الباقي عليه فيجب عليه عند اليسر و يتعلّق بتركته بعد الموت.

الثاني: لعلّ الظاهر أنّه إن تمكّن من الأداء و الاستقراض بالرضا و الإمهال يجب عليه.

و ذلك لوجوه خمسة بعضها قابل للاتّكاء:

منها: أنّ المسلّم من عدم حقّ المطالبة و جواز التأخير صورة عدم الرضا بالتأخير على كلّ حال، و أمّا لو كان حاله بحيث لو استرضي لرضي بذلك و إلّا لم يكن راضيا فجواز التأخير غير واضح.

و منها: أنّ مثل الآية الشريفة وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ «1» يمكن أن يقال: إنّها ظاهرة في الحكم الثانويّ أي مجعول في ظرف تعسّر العمل بالحكم الأوّليّ، و في الفرض لا يكون امتثال الحكم الأوّليّ معسورا، إذ هو أعمّ من الأداء أو الاسترضاء، و هو ميسور بالفرض.

و فيهما: أنّ مقتضى الإطلاق عدم استحقاق الاقتضاء و المطالبة و لو مع فرض إمكان الاسترضاء، و كون الحكم المذكور في طول عدم التمكّن في امتثال الحكم الأوّليّ غير معلوم، بل هو في طول عدم التمكّن من الأداء بالخصوص، و ذلك للإطلاق.

و منها: أنّ سقوط حقّ المطالبة لا ينافي وجوب الاسترضاء.

و فيه: أنّ الاسترضاء في طول ثبوت الحقّ، و بعد السقوط فلا موضوع للاسترضاء.

______________________________
(1) سورة البقرة: 280.

879
کتاب الخمس (للحائري)

حكم تلف تمام المال مع ضمان المالك و كون الخمس و الزكاة بجملتهما في الذمة ص 878

..........

و منها: دلالة بعض الأخبار على ذلك: منها رواية الجعفريّات المرويّة في المستدرك «1»، فإنّ فيها أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صبر يوما و ليلة مع اليهوديّ المطالب للمال و قال صلّى اللّه عليه و آله ما مضمونه: إنّ اللّه تبارك و تعالى يمنعه عن الظلم على المعاهد و غيره. فإنّ ترك التعرّض لرضاه ظلم بناء عليه. و الخبر مذكور في الجعفريّات في كتاب التفسير. و منها- و هو المعتبر المستند، المرويّ في المستدرك عن التحف- ما في خبر حقوق السجّاد عليه السّلام حيث عدّ من الحقوق حقّ الغريم و أنّ حقّه الأداء على تقدير اليسر، و التلطّف به على تقدير العسر «2»، و اشتماله على الحقوق غير الواجبة لا يضرّ بالاستدلال، لأنّ البعث حجّة على الوجوب ما لم يكن حجّة على خلافه كما بيّنّاه في الأصول.

و منها: أنّ مطالبته بالاسترضاء أو الأداء ليس منافيا للأنظار، و المنافي للأنظار هو مطالبته على كلّ حال، و ربما يومئ إلى ذلك ما ورد في غير واحد من روايات الباب من أنّ المنهيّ هو الإعسار على المديون «3»، و المطالبة بالأداء أو الاسترضاء السهل ليس إعسارا على المديون. و الوجهان الأخيران هما المعتمد.

الثالث: أنّ ما ذكر من التخيير إنّما هو بعد عدم القطع بالأهمّيّة أو احتمال الأهمّيّة في أحدهما دون الآخر أو الظنّ بالأهمّيّة في أحدهما دون الآخر، و سيجي‌ء الكلام فيه بعد ذلك.

الرابع: أنّ مقتضى إطلاق غير واحد من روايات باب الدين أنّ مثل الدار‌

______________________________
(1) ج 13 ص 407 ح 1 من ب 17 من أبواب الدين.

(2) المستدرك: ج 13 ص 408 ح 2 من ب 17 من أبواب الدين.

(3) الوسائل: ج 13 ص 112 الباب 25 من أبواب الدين.

880
کتاب الخمس (للحائري)

حكم تلف تمام المال مع ضمان المالك و كون الخمس و الزكاة بجملتهما في الذمة ص 878

..........

و الخادم مستثنى من الدين الخمسيّ أو الزكاتيّ «1»، لكن لم أر تعرّض الأصحاب لذلك.

ثمّ لا يخفى أنّ تلك التعاليق مع قطع النظر عن أخبار التحليل الشاملة لصورة الإعواز، و مقتضى ذلك كلّه تقديم الزكاة و حصول براءة الذمّة عن الخمس بالنسبة إلى الشيعة، و يكفي في ذلك ما رواه في الوسائل عن أبي جعفر عليه السّلام- المعتبر سندا- و يدلّ بإطلاقه بالنسبة إلى جميع الأزمنة، لوجوه:

منها: اعتبار الإطلاق في صدره من قوله:

«هلك الناس في بطونهم و فروجهم، لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا» «2».

و منها: جعل الموضوع «شيعتنا» لا شيعتي.

و منها: قوله «في حلّ» و لم يقل «إنّي أحللت».

و لا يتوهّم أنّ الحقّ خصوص السهم المبارك، لأنّ الهلاك و الطيب ليسا مبنيّين على ذلك، و لا يحصل بذلك حلّ لأمور الشيعة كما لا يخفى، مع أنّ الخمس كلّه للإمام عليه السّلام و هو يؤدّي إلى السادة من الفقراء، المؤيّد ذلك كلّه بأخبار التحليل الواردة في جميع الخمس «3» و بغيره ممّا قال: «لي منه الخمس» «4» و أخذ نصف السدس من غير فرق بين سهم الإمام و السادة «5»، و هو واضح لمن تأمّلها و تأمّل سائر الروايات، المؤيّد ذلك بما في الصحيح عن عليّ بن مهزيار عن أبي‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 13 ص 94 الباب 11 من أبواب الدين.

(2) الوسائل: ج 6 ص 378 ح 1 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(3) الوسائل: ج 6 ص 378 الباب 4 من أبواب الأنفال.

(4) الوسائل: ج 6 ص 348 ح 2 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(5) المصدر: ص 349 ح 5 من ب 8.

881
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة وجوب نية التقرب في الخمس و الزكاة ص 882

مسألة [وجوب نيّة التقرّب في الخمس و الزكاة]

في الجواهر: إنّه يجب النيّة- أي نيّة التقرّب- في الخمس كما في الزكاة «1» (1).

جعفر عليه السّلام، و فيه:

«من أعوزه شي‌ء من حقّي فهو في حلّ» «2».

بل يمكن الاستدلال به بضمّ استصحاب الكلّيّ و أنّه كان مال الإمام عليه السّلام في زمن أبي جعفر الجواد عليه السّلام عند الإعواز حلالا و بعده باق على حلّيّته في الفرض المذكور.

و يؤيّد- بل يستدلّ على ذلك- بخبر يونس بن يعقوب الناقل لقول الصادق عليه السّلام: «ما أنصفناكم إن كلّفناكم اليوم» «3» الدالّ على السقوط إذا فرض كون أخذه موجبا للإضرار على الغير و لو كان ذلك للفقراء، فإنّه بمنزلة التعليل، فتأمّل في ذلك تجده وافيا، و لذلك يمكن أن يقال بتقديم الزكاة في صورة الدين و حصول براءة الذمّة عن الخمس، لظهور الحلّيّة في ذلك، و أمّا استثناء الدين فهو على كلّ حال. و هو العالم بحقائق أحكامه.

قال قدّس سرّه في الزكاة ما ملخّصه أنّه:

لا خلاف في اعتبارها فيها، بل الإجماع بقسميه عليه. و في المعتبر: إنّه مذهب العلماء إلّا الأوزاعيّ.

و في التذكرة: إنّه قول عامّة أهل العلم، و حكي عن الأوزاعيّ عدم وجوبها فيها. و استدلّ بعموم قوله تعالى:

وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ «4»

______________________________
(1) الجواهر: ج 15 ص 472.

(2) الوسائل: ج 6 ص 379 ح 2 من ب 4 من أبواب الأنفال.

(3) المصدر: ص 380 ح 6.

(4) سورة البيّنة: 5.

882
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة وجوب نية التقرب في الخمس و الزكاة ص 882

..........

و بقوله صلّى اللّه عليه و آله: «إنّما الأعمال بالنيّات» «1». ثمّ قال: و كذا الكلام بالنسبة إلى الخمس و إن قلّ المصرّح باعتبارها فيه، و كأنّهم أوكلوا الأمر فيه إلى الزكاة. ثمّ نقل عن الدروس و عن حواشي الإرشاد للكركيّ و حواشي الشرائع و المسالك في مسألة الأرض الّتي اشتراها الذمّيّ من المسلم و عن الشهيد في التعليق على القواعد و عن القواعد و عن الفخر ما يظهر من جميع ذلك المفروغيّة عن وجوب النيّة في الخمس و كونه عباديّا «2». انتهى.

أقول: الظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في الزكاة. و الدليل عليه هو الإجماع الذي لا خلاف فيه حتّى من العامّة إلّا الأوزاعيّ، و هو ممّا يورث الاطمئنان بوجود الدليل المعتبر، و ليكن هو السيرة المستمرّة من زمان مصادر التشريع.

و أمّا ما استدلّ به من قوله تعالى:

وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ «3» فمدفوع بوجوه:

منها: أنّ المظنون أنّ المقصود انحصار المعبود في اللّه تعالى بقرينة ما قبلها من تفرّق أهل الكتاب، و لم يكن تفرّقهم على الظاهر إلّا في المعبود فأخذوا الأمّ و الابن معبودا من دون اللّه، و لم يكن تفرّقهم في حمل بعضهم بعض الأوامر على‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 1 ص 34 ح 7 من ب 5 من أبواب مقدّمة العبادات.

(2) الجواهر: ج 15 ص 471- 472.

(3) سورة البيّنة: 5.

883
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة وجوب نية التقرب في الخمس و الزكاة ص 882

..........

التوصّليّة و بعضهم الآخر على التعبّديّة كما لعلّه واضح.

و منها: أنّ اصطلاح التعبّديّة و التوصّليّة اصطلاح علميّ، و أمّا بحسب اللغة فهو العمل بمراسم العبوديّة، و ليس مراسمها إلّا الإطاعة و الإتيان بأوامره و التجنّب عن نواهيه، لا إتيان الفعل بقصد التقرّب، فالظاهر أنّ المقصود أنّهم لم يؤمروا إلّا بإطاعة اللّه تعالى في جميع ما أمر به و نهى عنه و جعل الدين خالصا له تعالى من دون دخالة الهوى النفسانيّ لأحد من آحاد البشر.

و منها: أنّه لو كان المقصود أنّ جميع الأوامر من التعبّديّات لزم التخصيص الكثير، خصوصا بلحاظ كون الأمر بالترك في المحرّمات أيضا متحقّق، مع أنّه لعلّ سياق الآية آب عن التخصيص، لأنّه في مقام الذمّ و الاحتجاج على أهل الكتاب، لا في مقام جعل الحكم الذي يتمشّى فيه التخصيص كثيرا.

و أمّا خبر «إنّما الأعمال بالنيّات» فليس صريحا و لا ظاهرا في اشتراط صحّة كلّ عمل بنيّة القربة، بل الظاهر أنّ المقصود أنّ الأعمال معلولة للنيّات (فذكر ذلك إرشاد إلى تحسين النيّات و أنّ أصل الصلاح مرتبط بالنيّات فلا بدّ من إصلاح النيّات حتّى تصلح الأمور) أو أنّ جزاء الأعمال من حيث الزيادة و النقيصة تابع للنيّة و أنّ مقدار العمل و قيمته يقدّر بما نوى الناوي، كما يظهر ممّا ذكره قدّس سرّه في الوسائل، و فيه:

«إنّما الأعمال بالنيّات، و لكلّ امرء ما نوى، فمن غزى ابتغاء ما عند اللّه فقد وقع أجره على اللّه عزّ و جلّ، و من غزى يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلّا ما نوى» «1».

و ذلك لا ينافي ما ذكرناه، فإنّ العمل حيث يكون معلولا للنيّة فحسنة و مراتب‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 1 ص 34 ح 10 من ب 5 من أبواب مقدّمة العبادات.

884
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة وجوب نية التقرب في الخمس و الزكاة ص 882

و ما ذكروه في الزكاة مقبول، و أمّا اشتراط ذلك في الخمس ففيه إشكال (1).

حسنه معلولان لها أيضا.

و يمكن التمسّك لعباديّة الزكاة بأنّها مأمور بها من باب التصدّق، و الصدقة في اللغة عطيّة يراد بها المثوبة كما في المنجد، و في المجمع: و الصدقة ما اعطي الغير به تبرّعا بقصد القربة، و قريب منهما ما في لسان العرب، و هو المستفاد من الآيات الشريفة، كقوله تعالى:

أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبٰادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقٰاتِ «1».

و قوله عزّ من قائل:

لٰا تُبْطِلُوا صَدَقٰاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذىٰ «2».

و قوله عزّ و جلّ:

وَ تَصَدَّقْ عَلَيْنٰا إِنَّ اللّٰهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ «3».

و قوله تعالى:

وَ الْمُتَصَدِّقِينَ وَ الْمُتَصَدِّقٰاتِ «4».

فإنّ كلّ ذلك ظاهر في الإعطاء بقصد التقرّب و إلّا لم يكن له جزاء و لم يكن يأخذها اللّه تعالى، و أمّا كون الزكاة معنونة بعنوان الصدقات فلعلّه من الواضحات، لقوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ «5» الآية. و تطبيق المصّدّق و الصدقة على الزكاة و آخذها في الروايات كثيرة. هذا بالنسبة إلى الزكاة.

لعدم ثبوت الإجماع، فإنّهم أهملوا ذلك أصلا و لم يذكروه إلّا ما عرفت‌

______________________________
(1) سورة التوبة: 104.

(2) سورة البقرة: 264.

(3) سورة يوسف: 88.

(4) سورة الأحزاب: 35.

(5) سورة التوبة: 60.

885
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة وجوب نية التقرب في الخمس و الزكاة ص 882

..........

منهم في صدر المسألة، و هو لا يدلّ على المفروغيّة عن لزوم قصد القربة إلّا لدى من أشير إليهم و لا يدلّ على المفروغيّة عند الكلّ، فلا إجماع في البين و إن لم يحرز الخلاف أيضا من أحد من الأصحاب.

و حينئذ يدلّ على عدم لزوم قصد القربة في الخمس أمور:

الأوّل: ظهور غير واحد من الأخبار في أنّ الخمس ليس بصدقة، كمرسل الفقيه، قال الصادق عليه السّلام:

«إنّ اللّه لا إله إلّا هو لمّا حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس، فالصدقة علينا حرام، و الخمس لنا فريضة» «1».

و المنقول من تفسير النعمانيّ، و فيه تقسيم معايش العباد بأوجه: منها «وجه الأمارة» و جعل الخمس من وجه الأمارة، و منها «وجه الصدقات» فقد جعل الخمس في قبال الصدقات «2».

و خبر عبد اللّه بن سنان، و فيه:

«على كلّ امرء غنم أو اكتسب الخمس» إلى أن قال: «و حرّم عليهم الصدقة» «3».

و خبر الجعفيّ، و فيه:

«و أمّا خمس الرسول فلأقاربه» إلى أن قال:

«و أمّا المساكين و ابن السبيل فقد عرفت أنّا لا نأكل الصدقة» «4».

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 337 ح 2 من ب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) المصدر: ص 341 ح 12 من ب 2.

(3) المصدر: ص 351 ح 8 من ب 8.

(4) الوسائل: ج 6 ص 355 ح 1 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

886
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة وجوب نية التقرب في الخمس و الزكاة ص 882

..........

و خبر سليم بعد ذكر الفي‌ء:

«و لم يجعل لنا سهما في الصدقة أكرم اللّه نبيّه و أكرمنا أن يطعمنا أوساخ ما في أيدي الناس» «1».

و قريب منه خبر سليم بن قيس الآخر «2» و مرسل حمّاد، و فيه:

«و إنّما جعل اللّه هذا الخمس لهم خاصّة دون مساكين الناس و أبناء سبيلهم عوضا لهم من صدقات الناس» «3».

فراجع و تأمّل. و لا ريب في ظهور جميع ذلك في أنّ الخمس ليس بصدقة، و لو كان متوقّفا على قصد القربة فهو نوع من الصدقة، و لو كان المقصود من تلك الروايات أنّ اللّه تعالى حرّم علينا نوعا من الصدقة و جعل لنا نوعا آخر منها لم يكن له مفهوم محصّل يعرفه العرف، إذ لا مزيّة لنوع من الصدقة على نوع منها في نظر العرف إلّا بعد بيان الفرق الماهويّ بين الصدقة الخاصّة الّتي هي الزكاة و الصدقة الأخرى الّتي هي الخمس، و لو كان المقصود من انفكاك نوع عن نوع عدم الشركة مع الفقراء فلا يحسن التعبير بما يقتضي التحاشي عن أصل الصدقة.

إن قلت: لا بدّ أن يقال إنّ المقصود أنّ الخمس ليس هو الصدقة الخاصّة الّتي هي الزكاة لأمرين: أحدهما أنّ اعتبار قصد القربة في الخمس ليس ممّا يوجب تنزّل عنوان الخمس بل واجديّته له أحسن و أكمل، فكونه مقصودا به القربة أولى بإكرام آل الرسول صلّى اللّه عليه و آله. ثانيهما ما تقدّم من أنّ الصدقة المحرّمة هي الزكاة،

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 356 ح 4 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(2) الوسائل: ج 6 ص 357 ح 7 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

(3) الوسائل: ج 6 ص 358 ح 8 من ب 1 من أبواب قسمة الخمس.

887
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة وجوب نية التقرب في الخمس و الزكاة ص 882

..........

فالمقصود عدم جعل نصيبهم في الصدقات المجعولة للفقراء، بل جعل اللّه تعالى لهم سهما خاصّا من الصدقات غير المضرّة بحالهم بحيث لا ينقص نصيبهم بواسطة شركة أصحاب الرسول صلّى اللّه عليه و آله.

قلت: دلالة ما تقدّم على كون الخمس غير الصدقة غير دلالته على أنّ وجه الامتياز ذلك و أنّ ذلك وجه الإكرام، فإنّ وجه الإكرام لعلّه ما أشير إليه من عدم دخالتهم في ما للفقراء و جهات أخر قد تقدّم بعضها مثل كونه بعد المئونة و بعد خراج السلطان و بعد الزكاة الواجبة و صلاحيته للتحليل و الحكم بالتحليل بالنسبة إلى المأخوذ من يد الغير أو عند الإعواز كما تقدّم، كما أنّ كون الصدقة المحرّمة عليهم هي الزكاة الّتي هي الفرد الشائع من الصدقة غير ما ذكر من الدلالة، فالمعنى أنّ أكثر الصدقة علينا حرام و قد جعل بدلا عن ذلك الخمس الذي ليس من الصدقات، مع أنّ الامتياز يكون من باب أنّه دين و لو لم يقصد به القربة، فهم مالكون للخمس و لو لم يكن يقصد به القربة، كما في المديون بالنسبة إلى الديون العاديّة، فإنّ الدائن مالك لما في ذمّة المديون- سواء قصد القربة أم لا- و إن كان قصد القربة يوجب مزيّة للمديون و لكنّه ليس حقّ الدائن مشروطا بهذا الشرط.

هذا، مع أنّ المثوبة المنظورة في الصدقات بحسب النوع هي حفظ النفوس و السلامة عن الأمراض فكأنّهم يعطون لمنافع أنفسهم في الدنيا.

الثاني: أنّ مقتضى غير واحد من أدلّة باب الخمس من الآية و الروايات أنّ تعلّق الخمس بالمال تعلّق وضعيّ على نحو الإشاعة أو الكلّيّ في المعيّن، و هو غير منقسم إلى التعبّديّة و التوصّليّة، إذ المقسم لذلك هو الأوامر لا الوضعيّات، و بعد ذلك يكون الأمر بأداء مال الغير- دينا أو عينا- توصّليّا ثابتا ذلك بالضرورة من الشرع.

و حينئذ لو قيل بالاشتغال في بعض أوامر هذا الباب مثل قوله «يؤدّي خمسا‌

888
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة وجوب نية التقرب في الخمس و الزكاة ص 882

..........

و يطيب له» «1» كان ذلك لقاعدة الاشتغال في الشكّ في التعبّديّة من حيث الإطلاق و البراءة الشرعيّة و العقليّة على طبق ما حقّقه صاحب الكفاية. لكنّه غير حقيق بالتصديق، بل عدم الاشتغال في جميع المقامات الثلاثة واضح عندنا بحمده تعالى، لإمكان رفع الشكّ بإطلاق أداء مال الغير الثابت إطلاقه بالضرورة من الدين.

الثالث: أنّه مع غضّ النظر عمّا ذكر يكفي عدم الدليل على قصد القربة، لأنّه قيد زائد ينتفي بالإطلاق و البراءة الشرعيّة و العقليّة، و قد حقّق ذلك في الأصول.

إلّا أنّ في المقام شبهات لا بدّ من الإشارة إليها و الجواب عنها:

منها: أنّ ذلك ليس بالنسبة إلى الكنز، فإنّه قد ورد فيه:

«إنّ عبد المطّلب سنّ في الجاهليّة خمس سنن أجراها اللّه له في الإسلام» إلى أن قال: «و وجد كنزا فأخرج منه الخمس و تصدّق به فأنزل اللّه وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ «2» الآية «3».

فأجرى الحكم على ما جرى عليه و هو التصدّق المشروط بقصد القربة.

و فيه: أنّه لا ظهور في كون إجرائه بمعنى الحكم على طبقه بجميع الخصوصيّات، بل الظاهر أنّ إجراءه بما يستفاد من آية الخمس، و إلّا فيبعد أنّه صرفه في عين مصرف الخمس من الهاشميّين، بل نعلم بخلافه، لأنّ اللّه و رسوله لم يكن ميسورا له، لأنّ سهم اللّه للرسول، مع أنّ تصدّق حضرته لعلّه لم يكن على وجه الإلزام بل لعلّه كان على وجه الكمال، و لا ريب أنّ قصد التقرّب الموجب لصدق التصدّق مستحبّ في الخمس أيضا.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 340 ح 8 ب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(2) سورة الأنفال: 41.

(3) الوسائل: ج 6 ص 345 ح 3 من ب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

889
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة وجوب نية التقرب في الخمس و الزكاة ص 882

..........

و منها: أنّه قد ورد في المكاتبة أنّه ذكر آية الصدقة، قال:

قال اللّه تعالى خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ. «1».

و ذكر بعده آية:

أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبٰادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقٰاتِ. «2».

مع أنّه ذكر قبل ذلك:

«فأحببت أن أطهّرهم و أزكّيهم بما فعلت من أمر الخمس» «3».

بدعوى أنّ ذلك ظاهر في أنّ أخذ الخمس من مصاديق أخذ الصدقة.

لكنّها مدفوعة بأنّه يكفي للمناسبة أنّ أخذ حقوق اللّه تعالى ليس أمرا مرغوبا عنه، فإنّه عمله تعالى و عمل رسوله، مع أنّ الغالب في أداء الخمس هو قصد القربة الذي يصير مصداقا للصدقات، و هو غير المجعول على نحو التصدّق.

و منها: ما ورد في خمس المختلط من الأمر بالتصدّق بخمس المال «4»، و الظاهر منه قصد القربة.

و فيه: أنّه يمكن أن يقال بلزوم قصد القربة فيه بالخصوص، فإنّه طريق للإيصال إلى صاحبه المتوقّف على الثواب المتوقّف على قصد التقرّب، مع أنّه مخالف لإطلاق باقي رواياته الواردة في خمس المختلط «5»، فيحمل على‌

______________________________
(1) سورة التوبة: 103.

(2) سورة التوبة: 104.

(3) الوسائل: ج 6 ص 349 ح 5 من ب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4) الوسائل: ج 6 ص 353 ح 4 من ب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(5) الوسائل: ج 6 ص 352 الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

890
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة وجوب نية التقرب في الخمس و الزكاة ص 882

..........

الاستحباب، مع أنّه يحتمل أن يكون ذلك من أمير المؤمنين جاريا مجرى التحليل و صرف النظر عن الصرف في مصرف الخمس.

و منها: ذكر الثواب على إعطاء الخمس كما ورد في خبر الطبريّ، و فيه نقلا عن مكتوب أبي الحسن الرضا عليه آلاف التحيّة و الثناء:

«فإنّ إخراجه مفتاح رزقكم، و تمحيص ذنوبكم، و ما تمهّدون لأنفسكم ليوم فاقتكم، و المسلم من يفي للّه بما عهد إليه» «1».

و هذا دليل على كونه مشروطا بقصد القربة، إذ مقتضى الروايات أنّ الثواب مشروط به.

و فيه: أنّ ذكر الثواب على غير التعبّديّات فوق الإحصاء- فراجع باب إقراض المؤمن «2» و غير ذلك «3»- فحينئذ إن قلنا بأنّه تفضّل فلا يدلّ على لزوم قصد القربة في ترتّب الثواب، و إن قلنا بأنّ ذلك في فرض قصد القربة فالتقيّد بذلك حاصل على كلّ حال، و أمّا تقيّد أصل صحّته بذلك فهو أمر زائد خلاف للإطلاق، فافهم و تأمّل.

و منها: أنّ إخراج الخمس مقرون بالقربة غالبا- كما في الصلاة- و إلّا ليس فيه داع نفسانيّ، فلا يحتاج إلى الإعلام بالتقيّد، فإنّ التقيّد حاصل قهرا.

و فيه: أنّ الدواعي النفسانيّة- الّتي منها إسكات الوجدان الحاكم بالمساعدة للفقراء خصوصا السادة منهم- كثيرة، و هي فيه أكثر من الصلاة و الصيام و الوضوء و الحجّ الذي يثبت فيه قصد التقرّب بالدليل، كيف و العقلاء- من أيّ فرقة كانوا-

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 375 ح 2 من ب 3 من أبواب الأنفال.

(2) الوسائل: ج 13 ص 87 الباب 6 من أبواب الدين و القرض.

(3) كالصلح، راجع المصدر: ص 161 الباب 1 من أبواب أحكام الصلح.

891
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة وجوب نية التقرب في الخمس و الزكاة ص 882

..........

يساعدون فقراءهم من دون قصد التقرّب كما هو واضح.

و ربما يؤيّد ذلك برواية حمّاد من قوله «أخرج الخمس منه» «1»- أي من الغنائم من دون إشارة إلى أنّهم يؤدّونه بقصد القربة بل لعلّه يأخذ من دون اطّلاعهم- و بالخمس الذي يؤخذ من الذمّيّ من دون تنبيه على من هو المتكفّل لقصد القربة، و بما يثبت من أخذ الخمس من الممتنع جبرا على الظاهر. هذا.

و لكنّ الأحوط الذي لا يترك هو قصد القربة، خصوصا بالنسبة إلى غير الأرض الّتي اشتراها الذمّيّ و لا سيّما بالنسبة إلى المال المختلط. و اللّه المتعالي هو العالم بالحقائق.

قال قدّس سرّه في العروة:

لا إشكال في وجوب قصد القربة في الزكاة، و ظاهر كلمات العلماء أنّها شرط في الإجزاء- إلى أن قال:- و لو لا الإجماع لأمكن الخدشة فيه «2». انتهى ملخّصا.

أقول: ظاهره أنّه لا إشكال في وجوب قصد القربة، و محلّ الإشكال هو شرطيّته لصحّة الزكاة، و هو محلّ إيراد جدّا، إذ الإجماع لو تمّ لدلّ على الشرطيّة كسائر ما يدلّ على الوجوب في الزكاة، كالإعطاء للفقير و لغير الهاشميّ و لغير واجب النفقة و أمثال ذلك، و إلّا لم يدلّ على الوجوب أصلا، كما أنّ الدليل الآخر من السيرة أو ما استدللنا به من عنوان الصدقة أيضا كذلك. فلا وجه يعتمد عليه للتفكيك بين أصل الوجوب و الشرطيّة، إلّا أن يقال: إنّ الدليل على أصل الوجوب هو السيرة، و الدليل على عدم الاشتراط ما ثبت من أخذ الحاكم في فرض الامتناع، و هو لا يدلّ على إلقاء ذلك إلّا بالنسبة إلى المالك في صورة خاصّة، لا مطلقا.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 365 ح 4 من ب 1 من أبواب الأنفال.

(2) العروة: المسألة الرابعة و الثلاثون من ختام الزكاة.

892
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة في العروة إنه لو قصد القربة في العزل كفى و لو قصد الرياء في مقام الدفع ص 893

مسألة: في العروة: إنّه لو قصد القربة في العزل كفى و لو قصد الرياء في مقام الدفع «1».

و مقتضى ذلك أنّ الخمس كذلك لو كان عباديّا و جاز العزل فيه، لكن في ذلك إشكال لو كان العزل لأصل الزكاة و الخمس لا لشخص خاصّ (1)، لا يخفى أنّ في المسألة وجوها أربعة: الأوّل اعتبار قصد القربة في العزل و الدفع. الثاني اعتباره في أحدهما. الثالث اعتباره في العزل دون الدفع. الرابع عكس ذلك.

و قبل الاستدلال للوجوه نقول: إنّ العزل عبارة عن تعيين المجعول من جانب اللّه تعالى على نحو الإشاعة أو الكلّيّ في المعيّن في مال خاصّ، و الدفع عبارة عن تعيين ذلك في مورد خاصّ ممّا يجب صرف الزكاة فيه، و الأمران قد يحصلان بدفعتين، و قد يحصلان في حال واحد كما في دفع مقدار من المال- قبل العزل- إلى فقير خاصّ مثلا، فإنّه عزل و دفع في آن واحد لكن مع تقدّم العزل على الدفع رتبة، لأنّه لا بدّ أن يكون المال زكاة حتّى يصير ملكا للمصرف الخاصّ، و حينئذ نقول:

وجه الاحتمال الأوّل أنّ قصد القربة شرط لحصول الزكاة و صدق عنوان الزكاة على المال، و المفروض أنّه بالعزل يصير المعزول زكاة، و هذا كما في الصلاة، فكما أنّ حصول الصلاة مشروط بقصد القربة كذلك حصول الزكاة مشروط بقصد التقرّب أيضا، و حصول الزكاة بالعزل.

و وجه الثاني أنّ إيتاء الزكاة مركّب من العزل و الدفع، و هو عباديّ.

و وجه الثالث أنّ قصد القربة ثابت بالإجماع، و القدر المتيقّن من الإجماع عدم خلوّ الزكاة عزلا و دفعا عن قصد القربة. و احتمال التقيّد بخصوص العزل أو الدفع أو كليهما مدفوع بالإطلاق أو البراءة العقليّة و الشرعيّة.

______________________________
(1) العروة: المسألة الرابعة و الثلاثون من ختام الزكاة.

893
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة في العروة إنه لو قصد القربة في العزل كفى و لو قصد الرياء في مقام الدفع ص 893

فإنّ الظاهر أنّه يشترط أن يكون إعطاء الزكاة بقصد القربة. و لا يكفي قصد القربة في العزل عن قصدها في الأداء بل لا يجب فيه قصد القربة أصلا.

هذا إذا كان العزل للزكاة، و أمّا إن كان لشخص خاصّ فلعلّ الظاهر كفاية قصد القربة فيه (1).

و وجه الرابع أنّ المجعول زكاة من جانب اللّه تعالى ليس بصدقة، فإنّ الصدقة هي الإعطاء بقصد التقرّب إليه تعالى، و هي غير معقول من جانبه تعالى، و العزل ليس إلّا تعيين المجعول الإلهيّ، و قد علم أنّه ليس بصدقة حتّى يكون تعيينه صدقة، فهو كما لو أوصى أحد بإعطاء نصف داره صدقة فأفرز الوصيّ، مع أنّه لو كان ذلك أيضا صدقة فهو من جانب اللّه تعالى، و إفرازه ليس إلّا إفراز صدقة اللّه تعالى، و هذا كما لو جعل أحد نصف داره صدقة و أعطاها للفقير فأفرز بعد ذلك، فالإفراز ليس بصدقة، مع أنّه لو كان ذلك الإفراز صدقة فليس بمأمور بها، لأنّ المالك غير مأمور بالإفراز و له أن يعطي جميع ماله الذي فيه الزكاة للفقير فيصير شريكا معه من دون إفراز، مع أنّه لو كان الإفراز للتصدّق صدقة مأمورا بها فلا يكفي عن قصد القربة للصدقة النيّة الحاصلة بالدفع.

و هذا الوجه الرابع لا يقتضي كفاية قصد القربة في الدفع كما هو المدّعى، بل يقتضي عدم كفاية قصد القربة في العزل للدفع، فتأمّل.

هذا كلّه لو كان المجعول من جانب اللّه تعالى كون الفقير مصرفا لأن يتصدّق عليه لا كون الفقير مالكا، كما هو المستفاد عرفا من ملاحظة باقي السهام كالعاملين عليها و سبيل اللّه من المسجد و المنافع العامّة، و أمّا لو كان الفقير مالكا بالفعل على نحو الكلّيّ فنقول: إنّ مالكيّة الفقير حصلت من قبل الشارع، و العزل ليس بمأمور به حتّى يكون ذلك ممّا يتقرّب به، فمع فرض قربيّة الزكاة لا يعقل إلّا أن يكون الإعطاء عباديّا. و ممّا ذكرنا كلّه ظهر أنّ الوجه الرابع هو الأقرب، و هو العالم.

هذا بناء على ما مرّ من الكلّيّ في المعيّن و إيكال أمر التعيين إلى المالك،

894
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لو أعطى مالا بعنوان الزكاة أو الخمس لمن يراه مستحقا ثم علم عدم استحقاقه فاسترده ص 895

مسألة: لو أعطى مالا بعنوان الزكاة أو الخمس لمن يراه مستحقّا ثمّ علم عدم استحقاقه فاستردّه

فلعلّ الظاهر أنّه لا يرجع إلى ماله، بل هو زكاة أو خمس (1).

و حصول الملكيّة لمالك الكلّيّ بجعل المالك- لإطلاق دليل المالكيّة- و عدم منافاته للتسلّط على الأنفس، فإنّ له الإعراض، و الاحتياج إلى القبول في الهبة لبناء العقلاء و للدليل الدالّ على لزوم القبول و القبض. و على هذا فيتحقّق الزكاة لشخص خاصّ بالعزل الخاصّ و بعده يكون ملكا للشخص الخاصّ، فلا يكون في البين ما يجب إعطاؤه زكاة حتّى يتعلّق به الأمر بأداء الزكاة و يحتاج إلى قصد القربة كما هو واضح.

و أمّا بناء على عدم حصول الملكيّة للشخص الخاصّ إلّا بقبوله فلا إشكال في أنّ ما يلزم قصد القربة فيه هو تمليك المالك لا قبول المستحقّ، فالتمليك قد حصل و لم يبق سوى قبول المستحقّ، و هو غير مشروط بالقبول بالضرورة.

و الوجه في ذلك ما تقدّم من أنّ الدفع عزل و تمليك، و بعبارة أخرى تعيين بالنسبة إلى المجعول الشرعيّ في المال و تعيين بالنسبة إلى الشخص، و حيث لم يتحقّق الثاني فلا وجه لعدم تحقّق الأوّل.

إن قلت: لعلّ العزل كان مقيّدا بتملّك الشخص الخاصّ فالعزل غير واقع.

قلت: هذا محال، للزوم الدور، فإنّ مالكيّة الشخص متوقّفة على كون المال زكاة أو خمسا، فإنّه لا بدّ أن يكون زكاة مثلا حتّى ينتقل إلى الشخص المعيّن، و لو كان عنوان الزكاتيّة متوقّفة على تملّك الشخص الخاصّ لزم الدور الواضح، مع أنّ تحقّق العزل على فرض تخيّل التملّك و لا يكون معلّقا على واقعة على فرض صحّة التعليق.

ثمّ إنّه قد تحصّل في المقام مسائل: الاولى: عدم لزوم قصد القربة في العزل.

895
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة في الوكالة في الزكاة و الخمس و فيه فروع ص 896

مسألة: في الوكالة في الزكاة و الخمس، و فيه فروع:

الأوّل: لو عزل المالك زكاته بنفسه و ملّكه لشخص خاصّ ثمّ وكّل شخصا في الإيصال فالظاهر كفاية قصد القربة لنفسه (1).

الثانية: عدم كفاية ذلك من قصدها في الدفع. الثالثة: أنّ العزل على وجه التمليك لشخص خاصّ إذا قصد به القربة كاف في عباديّة الزكاة. الرابعة: أنّ المال المعطى لغير المستحقّ لا يردّ إلى ماله، و هو العالم بالحقائق. و له الحمد و الشكر على جميع ذلك.

لأنّه مأمور بأداء الزكاة على وجه العبادة، و هي حاصلة بفعله إن كانت الملكيّة لشخص خاصّ حاصلة بفعله، و لا يتوقّف على قبض المستحقّ الذي عيّن له المال كما نبّهنا عليه سابقا، و الوجه فيه أنّ اختيار المال بيد المالك في جميع الشؤون الّتي منها كون ذلك للفقير الخاصّ، و المستثنى من مالكيّته أن يتصرّف في جميع المال من دون أن يؤدّي إلى صاحب الزكاة ما يملكه.

إن قلت: إنّ ذلك مخالف لقاعدة سلطنة الناس على أنفسهم.

قلت أوّلا: منقوض بمثل الوقف على البطون اللاحقة، و الوقف للعموم، و جعل الخيار للأجنبيّ.

و ثانيا: إنّ ذلك غير مناف للسلطنة مع التمكّن من الإعراض عن ذلك كما في باقي أمواله.

و كذا إن كان ما هو الموضوع لقصد القربة هو إنشاء التمليك لشخص خاصّ، و الباقي الذي هو قبول المستحقّ و الإيصال إليه خارجان عن دائرة قصد التقرّب، فإنّ تمام ما هو موضوع لقصد التقرّب يكون صادرا عن المالك فلا بدّ أن يقصد فيه التقرّب و الإيصال، و القبول من المستحقّ ليس موضوعا لقصد التقرّب.

و أمّا إذا كان الموضوع لقصد التقرّب هو حصول الملكيّة الاعتباريّة في‌

896
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة في الوكالة في الزكاة و الخمس و فيه فروع ص 896

الثاني: لا يجب عليه إدامة نيّة القربة إلى حين دفع الوكيل في هذا الفرض (1).

الخارج و كانت متوقّفة على قبول المستحقّ، فقد حصل بقصد التقرّب و ليس مربوطا بفعل الوكيل حتّى يكفي نيّة التقرّب من جانب الوكيل، لأنّ فعله ليس إلّا الإيصال، و الإيصال ليس مقوّما للزكاة، و لو كان فهو غير محتاج إلى قصد القربة، فلو كان المال عند المستحقّ قبل تملّكه زكاة و قبل كان صحيحا بالضرورة.

إن قلت: قد يتوقّف حصول التمليك على الإيصال فيقصد الوكيل التقرّب بإيصاله من باب حصول القبول من جانب المستحقّ، و حصول القبول من جانب المستحقّ دخيل في حصول التمليك من جانب المالك فيقصد بإيصاله حصول التمليك من جانب المالك قربة إلى اللّه تعالى من باب إيصال الزكاة إلى المستحقّ و رفع العقوبة عن المالك فيتحقّق التمليك الزكاتيّ، إذ المفروض أنّه لا نقص فيه إلّا عدم استناده إلى قصد التقرّب.

قلت: مقتضى ذلك كفاية قصد التقرّب من جانب المستحقّ أيضا، لأنّه بذلك يحصل التمليك من جانب المالك، و التمليك حصل بنحو التقرّب. و الحلّ أنّ الإيصال لا يكون مقدّمة إلّا للملكيّة المستندة إلى المستحقّ في الفرض، و أمّا الملكيّة المستندة إلى الموكّل فهي خالية عن قصد التقرّب.

فتحصّل أنّ الواجب أن ينوي المالك قصد التقرّب في هذا الفرع، و هو العالم.

ضرورة اقتضاء ذلك لأن يكون في حال اليقظة حتّى يوصل الوكيل إلى المستحقّ، و هو خلاف المقطوع في ما يحتاج إلى القصد في جميع الوكالات، كالذبح في منى و كالصدقات المندوبة و الكفّارات. و السرّ في ذلك أنّ الإرادة الحادثة في النفس الّتي كانت مستندة إلى الأمر الإلهيّ على نحو الانحصار الموجب للتقرّب و الخلوص كافية في بقاء الوكالة إلى زمان الدفع و لا يحتاج إلى بقائها في النفس، فما دامت الإرادة الحادثة بوصف الإخلاص لم تنقلب إلى إرادة‌

897
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة في الوكالة في الزكاة و الخمس و فيه فروع ص 896

الثالث: لا دخل لنيّة القربة بدفع الوكيل (1).

الرابع: لا يلزم على الوكيل نيّة القربة (2).

الخامس: لا يكفي نيّة التقرّب منه (3).

السادس: لو كان وكيلا في التمليك للفقراء أو لشخص خاصّ أو كان وكيلا في العزل و الإخراج فالظاهر كفاية قصد القربة من جانب المالك الموكّل (4).

اخرى غير مسبّبة عن الأمر الإلهيّ كان الإخلاص حاصلا. هذا إذا كانت الزكاة متقوّمة بالتمليك الاعتباريّ، و أمّا إذا حصلت الملكيّة للمستحقّ من أوّل الأمر أو كان الموضوع لقصد التقرّب إنشاء التمليك فهو أوضح، لتماميّة العمل، فلا يضرّ انقلاب النيّة أصلا.

كما هو ظاهر الجواهر «1»، لوجوه: منها أنّ الإيصال في هذا الفرض ليس مقوّما للزكاة كما تقدّم. و منها أنّه ليس قربيّا أصلا. و منها أنّه ليس فعل الموكّل، و التنزيل لا يوجب استناد الفعل إلى الموكّل بإرادة مسبّبة عن الأمر، فإنّه أمر تكوينيّ.

فإنّه مضافا إلى ما مرّ- من عدم كون الإيصال قربيّا و لا مقوّما للزكاة- لا احتياج إليه بعد حصول قصد القربة على وجه الخلوص من المالك.

أمّا على فرض حصول الزكاة بفعله و تملّكه أو بإنشاء تمليكه فلأنّه قد مضى ما هو موضوع الزكاة و لم يقصد التقرّب، و الوكيل لا يكون وكيلا في التمليك حتّى يقصد التقرّب، و أمّا لو كان حصولها بالتمليك الخارجيّ الاعتباريّ فلما مضى «2».

على نحو ما تقدّم من تحقّق الوكالة بالإرادة المنبعثة عن الأمر الإلهيّ و عدم تبدّلها بإرادة أخرى. و الدليل على ذلك (مضافا إلى أنّ احتمال اشتراط‌

______________________________
(1) ج 15 ص 473.

(2) في ص 896 و ما بعدها.

898
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة في الوكالة في الزكاة و الخمس و فيه فروع ص 896

السابع: الظاهر في نيّة تقرّب الموكّل لزوم أحد الأمرين: إمّا وجود الإرادة الخالصة حين التوكيل من غير تبديل بإرادة غير خالصة و لو كان غافلا أو ناسيا أو نائما حال الدفع إلى الفقير، و إمّا وجود الإرادة الخالصة حال الدفع، فالملاك استناد دفع الوكيل إلى إرادة خالصة موجبة لوجود وكالة الموكّل حين الدفع (1).

الزيادة عن ذلك مدفوع بالإطلاق ثمّ بالبراءة الشرعيّة و العقليّة) أنّ اعتبار القصد من الوكيل في الأمور القصديّة خلاف المتعارف بين العقلاء و المتشرّعة في الأمور المتعارفة فيها الوكالة، فإنّ من نذر بناء مسجد قربة إليه تعالى- الذي لا يحتمل عرفا و بحسب ارتكاز المتشرّعة إلّا قصد قربة السبب لا المباشر- أو نذر الحجّ بأن يكون سلوك الطريق بقصد القربة و كذا الذبح في منى و كذا القصد في الطلاق و البيع و الشراء و النكاح و أمثال ذلك فالظاهر كفاية قصد قربة الموكّل.

و توهّم «أنّ ذلك مخالف للإخلاص المعتبر في العبادة، فإنّ الزكاة في الفروض المذكورة تحقّقت في الخارج بإرادتين، و المفروض عدم كون إحداهما على وجه القربة» مدفوع:

أوّلا بأنّ القدر المتيقّن من الإخلاص استناد الفعل في الخارج بإرادة خالصة في الجملة.

و ثانيا بأنّه على فرض احتمال الخصوصيّة فلا يحتمل إلّا خصوصيّة من توجّه إليه الأمر بالأصالة، و المفروض أنّه قصد التقرّب.

كما يظهر وجه ذلك كلّه ممّا مرّ. و مقتضى ذلك عدم لزوم الاستمرار- فلو قصد التقرّب خالصا ثمّ عدل عن ذلك ثمّ قصد التقرّب من إبقاء الوكالة و عدم عزل الوكيل كفى ذلك- و عدم لزوم وجود القصد و الإرادة إذا كانت الوكالة باقية بالإرادة السابقة غير المستحيلة إلى إرادة أخرى.

899
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة في الوكالة في الزكاة و الخمس و فيه فروع ص 896

الثامن: في موارد الوكالة في التمليك أو العزل و التمليك المتقدّم في الفرع السادس هل يكفي نيّة القربة من الوكيل أم لا؟ فيه إشكال (1). و لعلّ الظاهر هو الأوّل، كما هو صريح الشرائع في الجملة.

ثمّ إنّ قصد القربة في الوكيل إمّا من باب الإحسان إلى الموكّل و الوفاء بما وعده، و إمّا من أداء حقّ الفقراء و غيرهم، و إمّا من باب امتثال الأمر المتعلّق بالموكّل و دفع العقوبة عنه، و الكلّ قربيّ و مقتضى القاعدة صحّته زكاة، فكلّ ذلك من الطرق إليه تعالى.

وجه الكفاية أنّ الأمر المتوجّه إلى المالك هو إيقاع المأمور به على وجه التعبّد و لو لم يكن التعبّد حاصلا بفعله.

و وجه عدم الكفاية أمران:

أحدهما: أنّ الأمر متوجّه إلى المالك أوّلا و بالذات، و الوكيل إنّما يمتثل أمر الموكّل، و بعد فرض كون الأمر المتوجّه إليه عباديّا فالظاهر منه أنّ المقصود حصول العبادة بفعل نفس المأمور لا بفعل غيره، و لذا لو نذر أن يبني مسجدا للّه تعالى لا يحتمل العرف كفاية قصد قربة المعمار و البنّاء و العاملين الّذين هم وكلاء من قبله.

و الجواب أنّ الظهور المدّعى إنّما هو من جهة الأمور الأخر غير تعلّق الأمر بالإتيان بالفعل على وجه العبادة، ففي مثل الأمر بالصلاة و الصوم يكون لزوم قصد قربة نفس المأمور من جهة ظهور الأمر في المباشرة و عدم تمشّي الوكالة في مثل ذلك، و لذا ينعكس الأمر في مثل ما ثبت فيه النيابة، كما في الحجّ عمّن لا يستطيع، فإنّه لا شبهة في أنّ اللازم نيّة قربة الوكيل في الطواف و السعي و باقي الأعمال، و في مثل النذر فظاهر النذر أو صريحه ثبوت الرجحان للناذر. هذا.

مضافا إلى أنّ الوكيل أيضا بنفسه مأمور بمقتضى إطلاق دليل الزكاة، فإنّ الزكاة في المال فلا بدّ من أدائه إلى مصرفه، فإذا كان بيد المالك فهو المأمور، و إذا‌

900
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة فروع في دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي ص 901

مسألة [فروع: في دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعيّ]

إذا دفع زكاته إلى الحاكم الشرعيّ ففيه فروع:

الأوّل: أن يكون بنحو الوكالة بأحد الأنحاء الأربعة المتقدّمة، و قد مرّ حكمه.

الثاني: لعلّ الظاهر عدم لزوم قصد الوكالة مطلقا (1).

جرى بيد الوكيل فهو أيضا مأمور بالأداء، كالأيادي المتواردة على مال الغير، فإنّ الجميع مأمورون بالأداء، و الجميع ضامنون على فرض التلف، بل لو لم يؤدّ الوكيل حتّى غاب عن الموكّل و لا يكون عزله مؤثّرا في فسخ وكالته و لم يكن الموكّل قاصدا للقربة حين أداء الوكيل بالمعنى المتقدّم- بانقلاب قصده عن القربة أو عن أصل الأداء- فصحّتها مبنيّة على قصد الوكيل، و لا يجزي قصده السابق و إن كان محتملا، فتأمّل. و كيف كان، فلا إشكال من حيث الظهور المتوهّم.

ثانيهما: عدم الإخلاص، لأنّ إرادة الموكّل دخيلة، و المفروض عدم قصده القربة.

و قد ظهر جواب ذلك أيضا ممّا مرّ، فإنّه يكفي أحد الإخلاصين أوّلا. و بناء على لزوم إخلاص المأمور فقد عرفت أنّه مأمور أيضا ثانيا. فالظاهر أنّ ما أفاده في الشرائع من كفاية النيّة من أحدهما من الموكّل و الوكيل مطابق للدليل، و هو العالم.

أي سواء كان الوكيل هو الحاكم أو غيره، خلافا لظاهر العروة حيث قال قدّس سرّه:

ينوي الوكيل حين الدفع إلى الفقير عن المالك «1».

و قال أيضا:

يتولّى الحاكم النيّة وكالة حين الدفع إلى الفقير «2».

و الوجه في عدم اللزوم أنّه إن كان المقصود قصد كون الزكاة زكاة مال‌

______________________________
(1) العروة: كتاب الزكاة، الفصل العاشر، المسألة 1.

(2) العروة: كتاب الزكاة، الفصل العاشر، المسألة 3.

901
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة فروع في دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي ص 901

و لو قلنا بلزومه في غير الحاكم فلعلّ الظاهر عدم لزومه في الحاكم (1).

و من ذلك لعلّه يظهر فرع آخر و هو أنّه لو عزل المالك زكاته في مال معيّن و جعله في مكان يجوز للحاكم التصرّف فيه- كالمسجد و المدرسة- فيمكن القول بجواز تولّي الحاكم إعطاءه للفقراء أو صرفه الموكّل فهذا حاصل بالفرض و لا يحتاج إلى القصد، و إن كان المقصود أنّه ينوي أنّه وجود تنزيليّ للموكّل أو فعله وجود تنزيليّ لفعله أو ينوي أنّ الداعي إلى ذلك الأمر كون الأمر موكولا إليه أو ينوي امتثال أمر الموكّل و صرف العقوبة عنه فكلّ ذلك خال عن الدليل و مخالف لإطلاق دليل الزكاة و إطلاق دليل الوكالة، بل الظاهر أنّه لو قصد وقوعها عن نفسه على نحو لا ينافي قصد التقرّب- كما إذا كان ناسيا أنّه وكيل و تخيّل أنّ المال ماله- وقع عن المالك على حسب القاعدة، لأنّه قد أدّى زكاة ماله، فالانطباق قهريّ و السقوط عقليّ.

و الوجه في ذلك أنّ مقتضى عموم ولاية الحاكم في الأموال العامّة أنّ له إيتاء الزكاة من باب الولاية، فإذا كان الإيتاء من باب الوكالة محتاجا إلى القصد فليس الإيتاء من باب الولاية محتاجا إلى قصد الوكالة.

و احتمال «أنّ ولايته في مال الزكاة في طول ولاية المالك، و المفروض إعمال ولايته و عدم الإعراض عنها، لجعل الحاكم وكيلا» مدفوع بأنّه لو كان ولاية الحاكم من باب الأمور الحسبيّة المتوقّفة على ثبوت الولاية لشخص بالخصوص فيتعيّن الحاكم من باب أنّه القدر المتيقّن لكان كذلك، و لكنّه مدفوع بإطلاق «فإنّي قد جعلته حاكما»، كما أنّ الإيراد على ذلك بأنّ ولاية المالك من باب أنّها من شئون ملكه و من المعلوم أنّه لا ولاية للحاكم في الأموال الخاصّة و أملاك الناس مدفوع أيضا بالإطلاق المزبور في مثل تلك الاختيارات الباقية للمالك بالنسبة إلى الأموال المتعلّقة بالجهات العامّة.

902
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة فروع في دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي ص 901

في غيرهم من المصارف الأخر.

الثالث: لو أخذ الحاكم المال بعنوان الولاية لفقير خاصّ فلعلّ الظاهر أنّه يملكه (1)، و لعلّ الظاهر أنّه يجوز أن يجعل له على نحو يكون له الفسخ إن لم يقبله (2).

و أمّا إذا جعله للشخص الخاصّ على التنجيز فلم يقبل و أعرض عن ذلك فمقتضى القاعدة أنّه يصير بمنزلة المباحات، إلّا أن الأحوط أن يأخذه الحاكم و يعطيه لفقير آخر (3).

الرابع: قصد القربة في الفرض الثالث واجب على المالك (4)، و لا تأثير لنيّة الحاكم في هذا الفرض (5).

هذا، مع أنّه ليس مقتضى الوكالة المفوّضة إلى الحاكم تضييق ولايته، فلا مانع من أن يكون وكيلا و وليّا معا.

و توهّم لزوم اللغويّة مدفوع بإمكان العزل و إمكان السقوط عن الحكومة ببعض العوارض المانعة عن بقائها.

كما تقدّم ذلك في المالك، لعموم ولاية الحاكم بالنسبة إلى الأموال العامّة.

بأن يفسخه و يجعله لفقير آخر أو لمصرف آخر.

و ذلك لأنّه مقتضى مراعاة مصالح المصرف و عدم تضييع حقّ الفقراء.

و من ذلك يعلم أنّه في الفرض لو قبل ثمّ أعرض عن ذلك فمقتضى الاحتياط ذلك، لما ذكر.

لأنّه بإتيانه إلى الحاكم يتمّ أمر الزكاة الّتي فيها القربة، و لا موضوع لقصد القربة بعد ذلك، لأنّه ليس بعد إيتاء المالك إلّا قبول الحاكم للفقير الخاصّ، و من المعلوم أنّه ليس في القبول قصد القربة في جميع الصدقات، و إعطاؤه للفقير الخاصّ ليس زكاة، بل هو ماله الذي يملك بأخذ الحاكم زكاة و كان زكاة سابقا.

و الوجه في ذلك أنّ الإيتاء الذي موضوع للتكليف الزكاتيّ هو‌

903
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة فروع في دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي ص 901

الخامس: لو أخذ الحاكم المال بعنوان الولاية للفقير بأن يكون ملكا لكلّيّ الفقير فالظاهر كفاية قصد التقرّب من المالك (1)، و الظاهر أنّه لا تأثير لقصد تقرّب الحاكم بعد ذلك.

السادس: لو أخذ الحاكم بعنوان الولاية على المصرف لا خصوص الفقير فلعلّ الظاهر أيضا كفاية قصد قربة المالك حين الدفع إليه.

و لا يشترط في تلك الأقسام الثلاثة من الدفع إلى الحاكم- من إعطائه بعنوان الولاية على الأخذ لفقير خاصّ أو للفقير الكلّيّ أو للمصرف- بقاء قصد تقرّب المالك إلى حين الصرف في المصرف الخاصّ (2).

الحاصل بفعل المالك، و إعطاء الحاكم للفقير الخاصّ ليس إلّا تعيينا لمورد الصدقة كما لو أخذ الصدقة لأحد الفقيرين، فالموضوع لقصد القربة إعطاء الصدقة لأحدهما، و أمّا التعيين فهو ليس بصدقة اخرى بل تعيين لما تحقّق أنّه صدقة، كما لو كان وليّا على الصغيرين في الخمس أو كان وليّا عليهما في أخذ دينهما فأخذ دين أحدهما لا على التعيين أو أخذ دين كلّ منهما لا على التعيين، فإنّ الجميع مشترك في حصول ملكيّة الفقير و الهاشميّ و الصغير، و التعيين الذي يحصل بعد ذلك ليس تمليكا بل هو تعيين للمالك.

هذا، مضافا إلى أنّه على فرض كون المحصّل للصدقة الزكاتيّ هو التمليك لخصوص فقير خاصّ مثلا فقد تحقّق أيضا قصد القربة من المالك، و قد تقدّم أنّ أحد القصدين الخالصين الّذين هما دخيلان في تحقّق الزكاة كاف في العباديّة، فالظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في ذلك.

لأنّه لا تقرّب في القبول، و الدفع ليس بصدقة بل هو تعيين للصدقة.

أمّا كفاية نيّة قربة المالك و عدم لزوم نيّة قربة الحاكم فمن جهة تحقّق الإيتاء في الصور المذكورة، و عدم تحقّق ملكيّة فقير بالخصوص أو كلّيّ الفقير كما‌

904
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة فروع في دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي ص 901

السابع: لو لم يقصد المالك القربة في تلك الأقسام الثلاثة فهل يكفي قصد قربة الحاكم حين الدفع إلى الفقير الخاصّ أو عند الصرف في المصرف الخاصّ أم لا؟ الظاهر هو الأوّل (1).

في الصورتين الأوليين لا يوجب عدم صدق إعطاء الزكاة الواجب فيه قصد التقرّب، كما في إعطاء الزكاة للوكيل عن الفقيرين فأخذ لأحدهما، أو إعطائه للوكيل عن أحدهما المتولّي للمسجد أيضا و أخذ بعنوان الأعمّ من الوكالة و الولاية للصرف في المسجد الذي هو من مصاديق عنوان سبيل اللّه، و هذا كما في أخذ الوليّ عن الصغيرين مالا من جانب أحدهما لا بعينه، و الظاهر عدم إشكال في ذلك.

و أمّا عدم لزوم الاستمرار فلتحقّق إيتاء الزكاة، و بعد ذلك خارج عن سلطنة المالك فلا يصدر عنه فعل اختياريّ حدوثا أو بقاء حتّى يحتاج إلى قصد قربة المالك أو يتوهّم احتياجه إليه.

و ذلك لتحقّق العزل غير المحتاج إلى قصد القربة و عدم تحقّق عنوان الصدقة، فيقصد بذلك الحاكم في مقام الصرف فيتحقّق عنوان الصدقة.

و احتمال «كون العزل مقيّدا بكونه للفقير الخاصّ في الفرض الأوّل أو لمطلق الفقير في الثاني أو بخصوص الإيتاء الزكاتيّ في الثالث» مدفوع بأنّ التقييد المذكور موجب للدور، فإنّ تلك العناوين متوقّفة على التعيين العزليّ حتّى يصير للفقير أو يؤتى زكاة، و لو كان العزل متوقّفا على ذلك لزم الدور، فالظاهر تحقّق العزل الزكاتيّ، و بعد ذلك يكون الحاكم وليّا على المال، لأنّه من الأموال العامّة الّتي يثبت اختيار الحاكم فيها.

و إذا أخذ لفقير خاصّ فهل يجوز إعطاؤه لفقير آخر أو صرفه في مصرف آخر و كذا إذا أخذه للفقير هل له الصرف في مصرف آخر؟ لعلّ الظاهر هو الجواز، لأنّ الأخذ المقرون بالإعطاء من المالك لم يكن أخذا صحيحا، لأنّ إعطاءه لم يكن بقصد القربة حتّى يكون أخذه صحيحا.

905
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة فروع في دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي ص 901

و لعلّ الظاهر جواز صرفه في غير الجهة المعيّنة عند الأخذ و عدم كفاية قصد قربة الحاكم بعنوان أداء الأمانة (1).

الثامن: لو أخذ الحاكم بعنوان الولاية على الإعطاء فلعلّ الظاهر كفاية قصد قربة الحاكم و عدم كفاية قصد قربة المالك (2). هذا بالنسبة إلى الزكاة.

و أمّا الخمس فيمكن القول بكفاية قصد قربة المالك في هذا الفرض (3).

و هل يكفي قصد قربة الحاكم بعنوان أداء الأمانة، كما إذا تخيّل أنّ المالك قصد القربة في التمليك للفقير الخاصّ فيؤدّي إليه بقصد القربة؟ الظاهر عدم كفايته، لأنّ التمليك الزكاتيّ لم يقع بقصد القربة.

كما تقدّم في التعليق المتقدّم.

أمّا كفاية قصد قربة الحاكم فلأنّه المعطي للزكاة و قد أخذه بعنوان الولاية على الإعطاء لا الأخذ، فلم يؤخذ الزكاة بعد، و إعطاؤها حين إعطاء الحاكم، فيقصد القربة لنفسه أو للمالك على ما تقدّم تصويره سابقا.

و أمّا عدم كفاية قصد قربة المالك فلأنّه خرج المال عن ولايته و ليس إعطاء الحاكم بالولاية الّتي بيد المالك. و صرف كون ولايته حاصلة من قبل إعطاء المالك لا يوجب كفاية قصد قربته في صدق عنوان الصدقة من جهة تلك الإضافة البعيدة، كيف؟ و لو كان ذلك كافيا في صدق عنوان الصدقة لكان تمليك جميع المال الذي فيه الزكاة لأحد بقصد القربة كافيا في صدق عنوان الصدقة على إعطاء من انتقل إليه المال بدون قصد القربة، و كان إعطاء المال بقصد القربة لأحد كافيا في صدق عنوان الصدقة على إعطاء من انتقل إليه المال بدون قصد التقرّب، و الظاهر عدم صدقها فلا يكون زكاة إلّا إذا قصد الحاكم القربة في هذا الفرض.

و ذلك لما تقدّم من عدم ثبوت لزوم صدق عنوان الصدقة على الخمس،

906
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة كفاية قصد التقرب بقاء ص 907

مسألة [كفاية قصد التقرّب بقاء]

لعلّ الظاهر في جميع الصور في ما إذا لم يحصل قصد التقرّب ممّن يكفي قصد تقرّبه عند الدفع إلى الفقير أنّه يكفي قصد التقرّب بقاء (1).

و الظاهر قصد التقرّب في التمليك الزكاتيّ حين كون المال في يده، لا البقاء على ما كان (2) في ما إذا لم يكن الأخذ منه باختياره، و أمّا إذا كان متمكّنا من الأخذ فلكفاية صرف قصد القربة في البقاء وجه (3)، لكنّه غير واضح فالأحوط قصد التمليك بقاء و الدليل على عباديّة الخمس ليس إلّا فرض التسلّم و الإجماع، و القدر المتيقّن لزوم قصد قربة ما مع الخلوص إمّا من طرف المالك أو من طرف الحاكم و لو كان انتسابه إلى المالك بهذا النحو من الانتساب، و هو العالم.

كما في العروة «1» تبعا لنجاة العباد. و في الشرائع: لو نوى بعد الدفع لم أستبعد جوازه «2». و أمضاه في الجواهر إلّا أنّه أوضحه بأنّ المقصود جعله زكاة من حين القصد لا من حين الدفع «3».

و ذلك لأنّ صرف البقاء في يده مع عدم حصول ملكيّة له لا يوجب صدق إعطاء الزكاة، فالإعطاء الأوّليّ كان خاليا عن قصد القربة و لم يحصل بعد إعطاء، بخلاف ما لو قصد التمليك.

أمّا كفاية قصد التقرّب في التمليك له بقاء مطلقا فله وجهان:

أحدهما: أنّ المحقّق لمالكيّة الفقير هو تمليك من بيده التمليك- من المالك أو الحاكم أو وكيلهما- و لا يحتاج إلى القبول، فيقصد بذلك قصد التقرّب فيصير صدقة له.

______________________________
(1) كتاب الزكاة، الفصل العاشر، المسألة الثانية.

(2) الشرائع: ج 1 ص 128.

(3) الجواهر: ج 15 ص 478.

907
کتاب الخمس (للحائري)

فرع يجوز قصد التمليك الزكاتي في المال الذي بيد الفقير غصبا أو أمانة أو غير ذلك 2 ص 908

مطلقا (1).

فرع: يجوز قصد التمليك الزكاتيّ في المال الذي بيد الفقير غصبا أو أمانة أو غير ذلك (2).

و لا فرق في ما ذكر في أصل المسألة و في هذا الفرع بين وجود العين أو تلفه مع ضمان من بيده المال (3)، فيملك ما ثانيهما: أنّه على فرض الاحتياج إلى القبول فالمفروض أنّ القبول قد حصل من الأخذ و هو غير محتاج في نفسه إلى قصد القربة، و الإيجاب حاصل بعد ذلك، و اشتراط تقدّم الإيجاب على القبول في الزكاة ممنوع، و كذا اشتراط الموالاة.

و يتفرّع على الأوّل أنّه لو قال الفقير: «تملّكت ذلك بعنوان الزكاة» و قال المالك بعد ذلك «ملّكتك» صحّ.

و أمّا الوجه في كفاية قصد البقاء تقرّبا من دون التمليك في صورة اختيار الأخذ فهو أن يقال باحتمال كفاية وصول ما تعيّن كونه زكاة من حيث التردّد الماليّ إلى الفقير من باب أنّه مصداق لقصد التقرّب، و الوصول البقائيّ حاصل باختياره فيقصد بذلك قصد التقرّب، لكنّه غير واضح من حيث إنّ المتفاهم عرفا من أدلّة الزكاة هو الإعطاء للأشخاص و التمليك لهم بالخصوص.

لما تقدّم في التعليق السابق أخيرا.

كما في الجواهر «1». و لزوم قصد التمليك الزكاتيّ بقاء هنا واضح، و هذا مبنيّ على عدم احتياج الزكاة إلى القبول بل يكفي فيه الوصول و التمليك الزكاتيّ، و لا يجري الوجه الثاني المتقدّم في المسألة المتقدّمة.

بأن يكون عالما بعدم قصد القربة أو كان غاصبا، ففي تلك الصورة يكفي قصد القربة بقاء، بأن يملّكه ما في ذمّته فيبرء أو يبرئه احتسابا للزكاة، لأنّه‌

______________________________
(1) ج 15 ص 479.

908
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم التبرع عن الغير في الخمس و الزكاة ص 909

في ذمّته زكاة فتحصل البراءة أو يبرئه من باب الزكاة، و الأوّل أحوط (1).

مسألة [حكم التبرّع عن الغير في الخمس و الزكاة]

هل يجوز التبرّع عن الغير في الخمس و الزكاة مطلقا أو فيه تفصيل؟ لعلّ الظاهر جواز التبرّع مطلقا إن كان دينا على ذمّة الغير (2)، نوع من الصرف، و إن مرّ الإشكال فيه من باب أنّ الإبراء إسقاط للملكيّة و الزكاة أخذ بها، و هما متضادّان، و الحلّ أنّ الملكيّة مع قطع النظر عن الزكاة كافية في ذلك، فهو مالك للذمّة مع قطع النظر عن الإبراء فيقصد بذلك الإبراء صرف ملكه الذي كان يملكه مع قطع النظر عن ذلك في الزكاة.

لاحتمال صدق الإيتاء، و الإبراء غيره و إن كان مقتضى الارتكاز العرفيّ أنّه نوع من الإعطاء.

قال قدّس سرّه في العروة:

إذا طلب من غيره أن يؤدّي زكاته تبرّعا من ماله جاز و أجزأ عنه «1».

و قال أيضا:

يصحّ تبرّع المقرض عن المقترض، بل يصحّ تبرّع الأجنبيّ أيضا. و الأحوط الاستيذان «2».

و قال أيضا:

يجوز التبرّع به من ماله بإذنه أو لا بإذنه، و إن كان الأحوط عدم الاكتفاء «3».

______________________________
(1) العروة: كتاب الزكاة، المسألة العاشرة من مسائل ختام الزكاة.

(2) العروة: كتاب الزكاة، المسألة 11.

(3) العروة: زكاة الفطرة، الفصل الثاني، المسألة 5.

909
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم التبرع عن الغير في الخمس و الزكاة ص 909

بل مطلقا في خصوص المقرض (1).

و بعض المحشّين أشكل التبرّع في الزكاة مطلقا، و بعضهم أشكل في غير المقرض مطلقا، و بعضهم أشكل بدون الإذن.

و في الجواهر قوّى صحّة تبرّع المقرض عن المقترض «1». و يحتمل كلماته العموم، و هو الذي قوّاه قدّس سرّه في نجاة العباد في باب زكاة الفطرة «2».

أقول: لا ينبغي الإشكال في جواز تبرّع المقرض عن المقترض، و ذلك لصحيح منصور بن حازم (المرويّ في الوسائل عن الشيخ بالسند الصحيح، و عن الكافي عن محمّد بن إسماعيل المعروف تردّده بين ابن بزيع و البرمكيّ و البندقيّ، لكن قالوا: إنّ الأصحاب أجمعوا على تصحيح ما ينقل في الكافي عن محمّد بن إسماعيل، و في التنقيح: إنّ صاحب الكافي نقل عنه من دون الواسطة أزيد من مأتين، فلا شبهة في صحّة الخبر):

في رجل استقرض مالا فحال عليه الحول و هو عنده؟ قال: «إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه.» «3».

و دلالته على عدم الاحتياج في المقرض إلى الإذن أوضح من الإطلاق، لأنّه لا ينقدح في ذهن العرف لزوم الإذن في ما هو معلوم رضايته خصوصا في ما ليس منه عليه، فإنّ إعطاء زكاة المقرض ربما يرى العرف أنّه عليه و أنّه حقّه فلا يكون ذلك منه عليه.

فإنّ فرض حلول الحول كاد أن يكون صريحا في شموله لصورة وجود العين الزكويّ، فاحتياط بعض علماء العصر حتّى في المقرض ضعيف جدّا‌

______________________________
(1) الجواهر: ج 15 ص 363.

(2) نجاة العباد: المسألة الثالثة من مسائل زكاة الأبدان.

(3) الوسائل: ج 6 ص 67 ح 2 من ب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة.

910
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم التبرع عن الغير في الخمس و الزكاة ص 909

و أمّا التبرّع في ما إذا كان الحقّ في العين فيمكن أن يقال بجوازه إذا رضي المستحقّ بذلك و يعلم برضا المالك (1) و مخالف للنصّ و الفتوى.

و أمّا تبرّع الأجنبيّ مطلقا في الدين فيمكن أن يتمسّك له بأمور:

منها: أنّ التبرّع عن الدين أمر عقلائيّ، و قصد القربة في الزكاة لا دليل على وجوبه بالنسبة إلى المالك، كما تقدّم مرارا.

و منها: دلالة بعض الروايات على ذلك، المشتمل على ضمان أداء الدين عن الحيّ و الميّت «1».

و منها: إلقاء الخصوصيّة عن خبر منصور، إذ لا خصوصيّة له، و حسن ملاحظة المقرض لا يقتضي جواز التبرّع، فإنّها تحصل بالمراجعة إليه و أخذ الوكالة عنه بتمليكه مالا و إعطائه من قبله.

و منها: دلالة بعض الروايات الواردة في أحكام العشرة من أنّ حقّ المؤمن على المؤمن أمور: منها قضاء دينه «2». فلا إشكال في التبرّع إذا كان دينا.

بحسب القاعدة، فإنّ الحقّ لا يعدوهم، و المفروض رضائه الكلّ بذلك، و ذلك إمّا بالاشتراء من المستحقّ له و صحّة ذلك- خلافا للشيخ الأنصاريّ قدّس سرّه- و إمّا بالاشتراء منه و الإعراض، و كونه في يده بمنزلة الحيازة، و إمّا بأداء القيمة بشرط إعراض المستحقّ، و تملّكه بالحيازة القهريّة الحاصلة أو بالسبب السابق، فيكون تعلّق الزكاة بمنزلة البيع من الغير و الإعراض بمنزلة الفسخ.

و يمكن الاستدلال لذلك بأمور:

______________________________
(1) راجع الوسائل: ج 13 ص 149 الباب 2 و ص 150 الباب 3 من أبواب أحكام الضمان.

(2) الوسائل: ج 8 ص 543 ح 5 من ب 122 من أبواب أحكام العشرة.

911
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم التبرع عن الغير في الخمس و الزكاة ص 909

..........

منها: إلقاء الخصوصيّة عن خبر منصور بن حازم و تقدّم تقريبه، مضافا إلى أنّ الظاهر من الخبر أنّ أداء المقرض مفروض و الإمام عليه السّلام بصدد بيان صحّته من حيث عدم اللزوم على المقترض، و مفروضيّة ذلك ليس إلّا من باب بناء العقلاء على كفاية ذلك و أنّ المقصود إيصال الحقوق من دون دخالة للخصوصيّات الشخصيّة، و المفروض أنّ قصد القربة حاصل من المتبرّع.

و منها: معتبر شعيب، قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ على أخي زكاة كثيرة أ فأقضيها أو أؤدّيها عنه؟ فقال لي: «و كيف لك بذلك»؟

قلت: أحتاط. قال: «نعم إذا تفرّج عنه» «1».

فإنّه و إن كان المتراءى منه أنّ المديون مات بقرينة «و كيف لك بذلك» و قوله «أحتاط» لكنّه مطلق من حيث كونه دينا أو عينا، بل أظهر من الإطلاق، لبعد العلم بأنّ كلّها دين، مع أنّ مقتضى الاستصحاب بقاؤها في العين خصوصا بالنسبة إلى مثل الأنعام الثلاثة المبنيّ على إبقاء العين أو النقدين الصامتين، بل في مثل ذلك يكون بقاؤها في العين معلوما أو مظنونا، و بعد ذلك يمكن إلقاء خصوصيّة كون المديون الأوّليّ ميّتا لا سيّما مع التوجّه إلى أمرين: أحدهما أنّ الورثة هم بنفسهم مأمورون بأداء الزكاة إذا كانت في العين، و لا فرق بينهم و بين سائر الأحياء إلّا أنّ بعضا منهم مأمورون بالزكاة أوّلا. ثانيهما قوله عليه السّلام «إذا تفرّج عنه» بعد الجواب بقوله «نعم» المشعر بالعلّيّة الموجودة في الإحياء أيضا، فإنّه يوجب التفرّج عن الأحياء أيضا لا سيّما بالنسبة إلى من ليس قادرا على الأداء.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 177 ح 2 من ب 22 من أبواب المستحقّين للزكاة.

912
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم التبرع عن الغير في الخمس و الزكاة ص 909

بل إذا لم يعلم رضا المالك (1). و كذا في الخمس (2).

و منها: أنّ تخيير المالك في أداء العين أو القيمة ربما يوجب صدق الدين عليه فيشمله ما تقدّم من أدلّة التبرّع بالدين.

و منها: إطلاق ما دلّ على جواز التبديل بالقيمة «1»، إلّا أنّ المفروض في الجميع ثبوت الولاية على العين، و الحكم فيها تعميم للولاية من حيث القيمة أيضا و ليس في مقام جعل الولاية على التبديل و لو لمن ليس له الولاية على العين، فراجع و تأمّل.

و منها: دعوى أنّ تخيير المالك بين أداء العين و القيمة مصحّح لصدق عنوان الدين عليه. و هو أيضا غير معلوم، إلّا أنّ دلالة خبر شعيب في خصوص الزكاة لا تخلو عن قوّة.

لإطلاق بعض ما تقدّم، و تماميّة كون جواز التبديل مطابقا للقاعدة- و هو الوجه الأوّل من الوجوه المتقدّمة في التعليق السابق- و لم يعلم وجوب إحراز رضا المالك في التصرّفات الّتي لا توجب ضررا عليه أو يحتمل ذلك مالا أو من بعض الجهات الأخر. و من ذلك يمكن القول بجواز المرور في الشوارع و الطرق المحدثة في أملاك الغير إذا لم يعلم رضا المالك، لأنّ كلّ شي‌ء حلال حتّى تعلم أنّه حرام «2». و ذلك لا يجري في التصرّفات الموجبة للضرر أو المحتملة لذلك، لبناء العقلاء على أنّ من لوازم الملكيّة لزوم إحراز الرضا في العرف فيها.

و ذلك لأنّه على طبق القاعدة، كما عرفت في التعليق المتقدّم على التعليق الأخير و عرفت التعميم لصورة عدم العلم برضا المالك في التعليق المتقدّم.

______________________________
(1) مثل ما في الوسائل: ج 6 ص 114 ح 4 من ب 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة و ص 131 الباب 9 من أبواب زكاة الغلّات و ص 241 ح 6 من ب 9 من أبواب زكاة الفطرة.

(2) الوسائل: ج 12 ص 58 الباب 4 من أبواب ما يكتسب به.

913
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة يبحث فيها عن ولاية الحاكم على الزكاة و الخمس ص 914

 

مسألة: يبحث فيها عن ولاية الحاكم على الزكاة و الخمس،

و فيها

فروع [في ولاية الحاكم على الزكاة و الخمس]

الأوّل: لعلّ الظاهر عدم وجوب دفع الزكاة إلى الإمام عليه السّلام ابتداء إذا لم تكن للإمام الحكومة الظاهريّة (1).

كما هو مقتضى متن الشرائع حيث قال:

و للمالك أن يتولّى تفريق ما وجب عليه بنفسه.،

و الأولى حمل ذلك إلى الإمام عليه السّلام. انتهى «1».

خلافا للمنقول عن المفيد و أبي الصلاح و ابن البرّاج كما في الجواهر، قال قدّس سرّه:

و كأنّهم غفلوا عن النصوص الأخر الدالّة على جواز تولّي المالك «2» الّتي هي فوق التواتر بل مضمونها كالضروريّ بين الشيعة «3».

و المستفاد من الآية الشريفة:

خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ. «4».

هو وجوب الدفع ابتداء، فلو تولّى المالك بنفسه لم يحصل الأخذ الواجب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فترك المطلوب الإلهيّ. و وجوب الأخذ عليه ليس مشروطا بالقدرة على الأخذ شرعا بل هو مطلق مقتض لحفظ القدرة، فلا يرد عليه ما في الجواهر من اشتراطه بالقدرة «5»، فإنّ الاشتراط العقليّ غير الاشتراط الشرعيّ كما في الحجّ المشروط بالاستطاعة، كما أنّه المستفاد من سيرة النبيّ و الوليّ عليهما‌

______________________________
(1) الشرائع: ج 1 ص 124.

(2) الوسائل: ج 6 ص 193 الباب 35 و ص 195 الباب 36 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(3) الجواهر: ج 15 ص 418.

(4) سورة التوبة: 103.

(5) الجواهر: ج 15 ص 418.

 

914
کتاب الخمس (للحائري)

فروع في ولاية الحاكم على الزكاة و الخمس ص 914

الثاني: إذا كان عليه السّلام متكفّلا للحكومة الظاهريّة فلا يبعد القول بوجوب الحمل إليه في الزكاة و وجوب المطالبة عنهم إن أبطأوا (1).

الثالث: يمكن أن يقال بوجوب حمل الزكاة إلى الحاكم الشرعيّ إذا صار متكفّلا للحكومة الظاهرية (2)، لكنّه غير ظاهر (3).

الرابع: قد مرّ «1» أنّ المستفاد من الدليل وجوب إيصال الخمس بكلا سهميه إلى الإمام عليه السّلام، من غير فرق بين تصدّيه للحكومة الظاهريّة الصلاة و السلام، المؤيّد بخبر دعائم الإسلام، و فيه: «و إنّ أحدا لم يكن يفرّق زكاته بنفسه كاليوم» على ما في الجواهر «2»، بل و مسلّميّة إيجاب الدفع إلى الأمراء عند العامّة. و الجمع بين الدليلين أنّ وجوب الدفع إليه من دون المطالبة و وجوب المطالبة عليه إنّما هو في طول الحكومة الظاهريّة، لا أنّه بنفسه من مناصب الإمام عليه السّلام كما في نفس الحكومة و الحكم و الفتوى و فصل الخصومة، و هذا بخلاف أخذ الخمس بتمامه حتّى النصف الذي لغيره من سائر الأصناف كما يظهر من الروايات.

إذ هو مقتضى الجمع بين الأدلّة كما تقدّم في التعليق السابق، و هو الذي يظهر من الجواهر «3». لكن نكتة الطوليّة غير ظاهرة في كلامه، و الفرق بين عدم الأخذ حين عدم بسط اليد للتقيّة و أمثالها و بين وجوب الأخذ من باب أنّ وجوب الأخذ من آثار السلطنة الظاهريّة ظاهر لمن تدبّر.

و الوجه فيه أنّه من مناصب الإمام عليه السّلام حين تصدّيه للحكومة الظاهريّة فيكون للفقيه الجامع للشرائط، بناء على كونه بمنزلة الإمام عليه السّلام في جميع المناصب الّتي له عليه السّلام.

و يأتي التكلّم فيه إن شاء اللّه تعالى في بعض فروع تلك المسألة.

______________________________
(1) في ص 506.

(2) ج 15 ص 419.

(3) ج 15 ص 420.

915
کتاب الخمس (للحائري)

فروع في ولاية الحاكم على الزكاة و الخمس ص 914

و عدمه (1).

الخامس: قد مرّ أيضا عدم وجوب إيصاله إلى الفقيه بالنسبة إلى نصف الخمس (2).

السادس: من الضروريّ وجوب إيصال الزكاة إلى الإمام عليه السّلام عند المطالبة (3).

السابع: هل يجب ذلك عند مطالبة الفقيه؟ قد يقال بذلك (4).

و قد مرّ دليله مفصّلا «1» فراجع.

و قد مرّ دليله مفصّلا «2». و بعض وجوهه أنّه لم يثبت أنّ وجوب الإيصال إليه من باب إمامته بل من باب الجمع بين الإمامة و رئاسة الطائفة الهاشميّة، فلا يصل إلى الفقيه و لو قلنا بعموم دليل النيابة للفقيه في ما للإمام عليه السّلام من الوظائف.

في الجواهر:

بلا خلاف و لا إشكال، لوجوب طاعته و حرمة مخالفته عقلا و نقلا «3».

كما في الجواهر، و فيها عن الشهيد قدّس سرّه:

قيل: و كذا يجب دفعها إلى الفقيه لو طلبه، لأنّه نائب عن الإمام عليه السّلام.

و اختاره لدليل النصب الوارد عن صاحب الأمر عجّل اللّه فرجه و السلام عليه و على آبائه الطاهرين. قال:

و يمكن تحصيل الإجماع على ذلك من الفقهاء، فإنّهم لا يزالون يذكرون ولايته في مقامات عديدة لا‌

______________________________
(1) في ص 507 و ما بعدها.

(2) في ص 510 و ما بعدها.

(3) الجواهر: ج 15 ص 421.

916
کتاب الخمس (للحائري)

فروع في ولاية الحاكم على الزكاة و الخمس ص 914

..........

دليل عليها سوى الإطلاق المذكور «1».

أقول: يشير بذلك إلى ما رواه في الوسائل عن إسحاق بن يعقوب، و فيه:

«و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم و أنا حجّة اللّه» «2».

و تقريب الاستدلال أن يقال: إنّه ليس المقصود هو التمسّك بقوله «و أمّا الحوادث الواقعة» حتّى يقال: إن اللام للعهد و الأسئلة غير معلومة، كما يقال نظير ذلك في قوله عليه السّلام: «و أمّا ما سألت من أمر الخمس»، أو يقال: إنّ الظهور في العموم غير مفيد، لأنّ العمدة هو التعليل، بل المقصود هو التمسّك بعموم التعليل و أنّهم عليهم السّلام كما يكونون حججا على العباد من جانب اللّه تعالى يكون الفقيه أيضا حجّة على الناس من جانبهم.

لكن فيه: أنّ الحجّيّة ليست إلّا أنّ كلّ ما يحكم بعنوان أنّه من الإمام عليه السّلام- سواء كان من الأحكام الشرعيّة الأوّليّة أو كان حكم نفس الإمام الموضوع لوجوب الإطاعة من قبله تعالى- يجب اتّباعه و هو حجّة على الناس، مضافا إلى أنّه على فرض دلالته على وجوب اتّباعه في ما يحكم به أيضا فلا يدلّ على جواز أمر الفقيه في غير ما يكون حكما له تعالى بالعنوان الأوّليّ أو بعنوان أمر الإمام، فمن أين؟! يثبت للفقيه أنّه يجوز له المطالبة و الأمر بحمل الزكاة إليه حتّى يأمر بذلك و يجب اتّباعه.

و الأولى التمسّك لذلك بمجموع أمرين:

الأوّل: ثبوت الولاية للنبيّ و الإمام عليهم السّلام، لقوله تعالى:

______________________________
(1) الجواهر: ج 15 ص 421- 422.

(2) الوسائل: ج 18 ص 101 ح 9 من ب 11 من أبواب صفات القاضي.

917
کتاب الخمس (للحائري)

فروع في ولاية الحاكم على الزكاة و الخمس ص 914

..........

النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ «1».

و قوله تعالى:

وَ مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لٰا مُؤْمِنَةٍ إِذٰا قَضَى اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ «2».

الثاني: قول أبي عبد اللّه عليه السّلام على ما في معتبر عمر بن حنظلة:

«ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإنّي قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخفّ بحكم اللّه و علينا ردّ» «3».

و بيان الاستدلال به يتمّ في طيّ أمور:

منها: أنّه ليس مخصوصا بفصل الخصومة و لا بالفتوى في الشبهات الحكميّة و إن كان نصّا فيهما، أمّا الأوّل فلأنّ عمدة الاحتياج إلى القضاة في الخصومات في الموضوعات، و أمّا الثاني فلفرض الذيل في الاختلاف من حيث اختلاف الرواية، و هو ليس إلّا في الشبهات الحكميّة، و عدم الاختصاص بهما لإطلاق مدخول «فإنّي قد جعلته عليكم حاكما» الواقع في مقام التعليل الحاكم على خصوصيّة الصدر بلا إشكال.

و منها: أنّه ليس المقصود أنّ حكمه و لو كان لمصالحه الشخصيّة نافذ على العباد كما في الوالدين و أولي الأمر، لأنّ الموضوع و هو قوله «روى حديثنا إلخ» لا يناسب ذلك، و قوله عليه السّلام «فإذا حكم بحكمنا» صريح في أنّ نفوذه مقيّد بأن يكون‌

______________________________
(1) سورة الأحزاب: 6.

(2) سورة الأحزاب: 36.

(3) الوسائل: ج 18 ص 98 ح 1 من ب 11 من أبواب صفات القاضي.

918
کتاب الخمس (للحائري)

فروع في ولاية الحاكم على الزكاة و الخمس ص 914

..........

على طبق حكم الإمام عليه السّلام.

و منها: أنّه ليس المراد أن يكون حكمه على طبق الحكم الفعليّ للإمام عليه السّلام و لا على القطع بأنّه لو أرجع الأمر إليه لكان يحكم بذلك قطعا، و ذلك بشهادة المورد و هو فصل الخصومة، فإنّه لم يصدر حكم منه عليه السّلام، لعدم إرجاع الأمر إليه، و لم يعلم أنّه لو كان يرجع إليه لحكم بذلك، لأنّه لعلّه كان يصلح بينهما أو يوضح الأمر بما في يده من التسلّط على التكوينيّات، بل المراد هو الأعمّ منه و من العلم بأنّه لو كان الأمر مرجوعا إليه لجاز له الحكم بذلك.

و منها: أنّه ليس المراد من جعله حاكما وجوب الاتّباع فقط للمراجعين مع عدم معلوميّة وظيفة الحكم، فمعنى «فإنّي قد جعلته حاكما» أنّ له حقّ الحكم و حكمه نافذ، و الحاكم بعد ذلك يقطع بأنّه لو كان الإمام حاضرا لجاز له المطالبة، لما تقدّم من آية الأولويّة، فله أن يحكم، و حكمه نافذ أيضا بمقتضى الأمر الثاني.

لكن فيه: أنّ ثبوت الأولويّة المطلقة بحيث يكون له التصرّف في أمواله من دون ملاحظة مصلحة و قتل نفسه و قطع أعضائه كذلك غير محتمل ثبوتا و إثباتا، أمّا ثبوتا فلأنّه خلاف حكم العقل المستقلّ، و أمّا إثباتا فلأنّه يكفي في الأولويّة صرف وجودها بمعنى أنّه لو كان الملاك الذي في نظر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله متساويا لملاك عدم جواز التصرّف في سلطان الغير يرجّح ذلك لكونه نبيّا و وليّا، أو الأعمّ منه و الأولويّة في مقام الإثبات بمعنى أنّه ليس لأحد حقّ الاعتراض في مقابل وليّ الأمر، و أمّا اختياره بحسب المأموريّة من جانبه تعالى فلعلّه محدود بالمصلحة و مراعاة الأهمّ و المهمّ، أو خصوص الثاني و لعلّه هو الأظهر عرفا، و لأنّ التصرّف المطلق خلاف سيرة الأنبياء و الخلفاء قطعا، و لأنّ الواضح عدم ذلك للفقيه‌

919
کتاب الخمس (للحائري)

فروع في ولاية الحاكم على الزكاة و الخمس ص 914

الثامن: أنّه لا إشكال على الظاهر في جواز إجبار الفقيه الممتنع عن أداء الخمس أو الزكاة على الأداء، بالحبس و نحوه إذا أمره و امتنع عن بالضرورة فلا بدّ من التخصيص الكثير.

و يمكن التمسّك لحقّ مطالبته بمعتبر حمّاد، و فيه أنّه «أخرج الخمس منه» أي الوالي أخرج الخمس من الغنائم، و فيه:

«فأخرج منه العشر من الجميع ممّا سقت السماء» إلى أن قال: «فأخذه الوالي فوجّهه في الجهة الّتي وجّهها اللّه على ثمانية أسهم» «1».

و الانصراف إلى زمان بسط يد الوالي لمثل قوله:

«فيكون بعد ذلك أرزاق أعوانه على دين اللّه و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد و غير ذلك ممّا فيه المصلحة العامّة» «2» ممنوع، لإمكان ملاحظة المصالح العامّة بقدر الإمكان مع عدم بسط اليد أيضا.

كيف؟ و لو لا ذلك لا يشمل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حين كان في شعب أبي طالب، و لا يشمل الإمام في عصر صدور الخبر أصلا، فيكون ذلك حكما فرضيّا صرفا أو يكون المقصود إمضاء أعمال ولاة الجور، و كلاهما ممّا يبعّده العقل، فالظاهر شموله لمن له حقّ الولاية و أنّ له ذلك بقدر الإمكان، و ثبوت حقّ الولاية الأعمّ من أن يكون ذلك من جانبه تعالى من دون واسطة أو بواسطة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أو بواسطة الوليّ الثابت ولايته من جانبه تعالى بتوسيط النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

______________________________
(1) الوسائل: ج 6 ص 184 ح 3 من ب 28 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(2) الوسائل: ج 11 ص 84 ح 2 من ب 41 من أبواب جهاد العدوّ.

920
کتاب الخمس (للحائري)

فروع في ولاية الحاكم على الزكاة و الخمس ص 914

امتثال أمره أيضا (1).

ففي الشرائع و الجواهر في التفليس:

فإن تناكرا- أي الغريم و المديون- في الإعسار و عدمه و كان له مال ظاهر غير المستثنيات أمر الحاكم بالتسليم، فإن امتنع فالحاكم بالخيار بين حبسه حتّى يوفي دينه و بين بيع أمواله و قسمتها بين الغرماء بالحصص «1».

و قال في باب الرهن من الشرائع:

إذا حلّ الأجل و تعذّر الأداء رفع أمره إلى الحاكم ليلزمه بالبيع، فإن امتنع كان له حبسه و له أن يبيع عليه «2».

و في ملحقات العروة نسب التخيير بين الأمرين إلى المحقّق في كتاب القضاء أيضا «3».

لكن في الجواهر الإشكال و التأمّل في التخيير في المقامين.

و ملخّص إيراده في المقامين أمران:

أحدهما أنّ الترتيب هو القدر المتيقّن من ولاية الحاكم.

ثانيهما أنّ مقتضى بعض النصوص الحاكي لفعل أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه كان يحبس المديون الملتوي على غرمائه و يأمره بقسمة ماله، فإن أبى باعه و قسمه بينهم. و إن قيل بأنّه لا دلالة للفعل على لزوم الترتيب،

______________________________
(1) الشرائع: ج 2 ص 349 و الجواهر: ج 25 ص 353.

(2) الشرائع: ج 2 ص 337.

(3) ملحقات العروة: ج 2 ص 52، المسألة 6 من الفصل الثالث من كتاب القضاء.

921
کتاب الخمس (للحائري)

فروع في ولاية الحاكم على الزكاة و الخمس ص 914

..........

يقال: إنّ نقل الإمام عليه السّلام عنه ظاهر في أنّ الحكم ذلك «1». انتهى ملخّصا.

و قد اختاره قدّس سرّه في ملحقات العروة. و ملخّص وجهه:

أنّ كلّا من الإجبار و التصرّف خلاف الأصل فيتخيّر بينهما بعد ثبوت جوازهما في الجملة «2».

أقول: ما يستدلّ به على عدم لزوم الإهمال و جواز الإجبار أو هو و جواز التصرّف تخييرا أو ترتيبا أمور:

الأوّل: ما نقله الخاصّة و العامّة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من أنّ ليّ الواجد يحلّ عقوبته و عرضه، فقد ورد مسندا عن أبي عبد اللّه و الرضا عليهما السّلام:

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ليّ الواجد بالدين يحلّ عرضه و عقوبته ما لم يكن دينه في ما يكره اللّه عزّ و جلّ» «3».

و يحتمل أن يكون الذيل راجعا إلى الدائن فيدينه في ذلك، كبيع العنب على أن يجعله خمرا.

و في البخاريّ:

و يذكر عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «ليّ الواجد يحلّ عرضه و عقوبته» «4».

______________________________
(1) الجواهر: ج 25 ص 218 و ص 354.

(2) ملحقات العروة: ج 2 ص 52، المسألة 6 من الفصل الثالث من كتاب القضاء.

(3) الوسائل: ج 13 ص 90 ح 4 من ب 8 من أبواب الدين.

(4) صحيح البخاريّ: كتاب الاستقراض، باب «لصاحب الحقّ مقال».

922
کتاب الخمس (للحائري)

فروع في ولاية الحاكم على الزكاة و الخمس ص 914

..........

و في المستدرك عن عوالي اللآلئ في كتاب الدين.

«ليّ الواجد يحلّ عقوبته» «1».

و في الجواهر:

إنّه المعمول بإطلاقه بين الأصحاب «2».

الثاني: خبر غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه:

«أنّ عليّا عليه السّلام كان يفلّس الرجل إذا التوى على غرمائه، ثمّ يأمر به فيقسّم ماله بينهم بالحصص فإن أبى باعه فقسّم بينهم» «3».

و بسند آخر عن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله إلّا أنّه قال: «يحبس الرجل» «4».

الثالث: خبر السكونيّ عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام:

«أنّ عليّا عليه السّلام كان يحبس في الدين ثمّ ينظر فإن كان له مال أعطى الغرماء، و إن لم يكن له مال دفعه إلى الغرماء فيقول لهم: اصنعوا به ما شئتم، إن شئتم و أجروه، و إن شئتم استعملوه» «5».

و دلالة ذلك كلّه على جواز عدم الإهمال في الجملة للإمام واضحة. و مقتضى كون الفقيه حاكما أنّ له ذلك، بل مقتضى إطلاق النبويّ المتقدّم أنّ الفقيه يجوز له ذلك.

هذا، مضافا إلى أنّ الإجبار بالحبس و غيره منطبق على القاعدة، من حيث إنّ‌

______________________________
(1) المستدرك: ج 13 ص 397 ح 5 من ب 8 من أبواب الدين.

(2) الجواهر: ج 25 ص 353.

(3) الوسائل: ج 13 ص 146 ح 1 من ب 6 من أبواب الحجر.

(4) الوسائل: ج 13 ص 146 ح 1 من ب 6 من أبواب الحجر.

(5) الوسائل: ج 13 ص 148 ح 3 من ب 7 من أبواب الحجر.

923
کتاب الخمس (للحائري)

فروع في ولاية الحاكم على الزكاة و الخمس ص 914

و لا إشكال أيضا في جواز تكفّل الفقيه لأداء الحقوق الواجبة من ماله إذا امتنع عن امتثال أمره و لم يقدم على الأداء حتّى بالإجبار (1).

منافاته لتسلّط الناس على أنفسهم مدفوعة بوجوه:

منها: أنّ المستفاد منه ليس هو الحرّيّة المطلقة قطعا، لاختلال النظام، بل المقصود التسلّط على نفسه في ما يجوز له- بمعنى أنّه ليس لأحد إجباره و أنّ إجباره أو إكراهه على أمر يجوز له تركه معصية للغير- و أمّا في ما لا يجوز له تركه فلا.

و منها: أنّه على فرض العموم قد خصّص بدليل وجوب أداء الحقّ، فليس له التسلّط على ترك أداء الحقوق الواجبة.

و منها: أنّ مقتضى ما ثبت بالنصّ و الفتوى من وجوب الأمر بالمعروف و لو بالضرب: جواز ذلك لحصول المعروف، فلا إشكال من تلك الجهة، و أمّا من جهة التصرّف في سلطنته على ملكه فلا يلزم منه خلاف سلطنته، فإنّه يتصرّف بنفسه في ماله برضاه و لو كان ذلك حاصلا من جهة الإكراه كما في الاضطرار، فإنّ الرضا بالعنوان الثانويّ كاف في صحّة المعاملة، و أمّا كون مقتضى القاعدة عدم صحّة ذلك التصرّف لأنّه «رفع ما استكرهوا عليه» فممنوع، لعدم شمول الحديث للإكراه بالحقّ، لأنّه خلاف الامتنان على الأمّة، و إلّا لشمل الإكراه على قتل النفس، فجواز الإجبار حتّى يؤدّي الحقّ بنفسه مطابق للقاعدة.

و ذلك لأنّه القدر المتيقّن من دلالة الأحاديث المتقدّمة بعد إلقاء خصوصيّة الدين، بل شموله للعين بالأولويّة و إلقاء خصوصيّة الديون و الحقوق الشخصيّة و النوعيّة، بل الثاني أولى إن لم يكن المديون بنفسه مستحقّا لذلك كما لا يخفى، و بعد كون ذلك من شئون الحكومة فيرجع إلى من جعله الإمام عليه السّلام حاكما و حجّة، مضافا إلى أنّه مقتضى القاعدة في هذا الفرض، فإنّ التصرّف في ماله بأخذ حقوق‌

924
کتاب الخمس (للحائري)

فروع في ولاية الحاكم على الزكاة و الخمس ص 914

..........

الفقراء و السادات أو حقّ من ثبت حقّه و إرجاع أمره إلى الحاكم لا ينافي أصلا من الأصول إلّا أصل التصرّف في أموال الناس من دون رضاهم، و هو مرفوع بقاعدة نفي الضرر القدر المتيقّن من دلالته صورة إضرار أحد بأحد من جهة الأخذ بإطلاق الحكم الشرعيّ كما في مورد القاعدة.

و في خصوص الزكاة و الخمس يمكن أن يتوهّم مانع آخر و هو لزوم قصد القربة، فالحقّ هو أخذ ذلك بقصد قربة المعطي، و هو ممتنع، فأخذ الحقّ ممتنع.

و هو أيضا مدفوع بما تقدّم في النيّة من أنّه لا قربة في الأخذ، و لا في العزل، لأنّه عزل لما جعله اللّه تعالى و مصداق لذلك الكلّيّ، فإذا أخرج الفقيه من ماله بعنوان العزل و آتى الفقير بعنوان التقرّب إلى اللّه تعالى فقد تحقّقت الزكاة الواجبة أو الخمس بناء على احتياجه إلى قصد القربة، فإنّه لا دليل على وجوب قصد قربة المالك حتّى يتوهّم الإشكال في ذلك، بل لا بدّ من قصد قربة المعطي مباشرة أو تسبيبا كما تقدّم، فهو أيضا خال عن الإشكال بحمد اللّه المتعالي.

و من ذلك يظهر مواقع للنظر في ما ذكره قدّس سرّه في العروة الوثقى، قال:

إذا أدّى الحاكم الزكاة عن الممتنع يتولّى هو النيّة عنه، و إذا أخذها من الكافر يتولّاها أيضا عند أخذه منه أو عند الدفع إلى الفقير عن نفسه لا عن الكافر «1».

فإنّ فيه أوّلا: أنّ تولّي النيّة عنه:

إن كان بمعنى قصد القربة عن المسلم- كما هو ظاهر العبارة حيث جعل ذلك في قبال غير المسلم- فغير لازم كما عرفت، فإنّه لا يحتاج الزكاة إلّا إلى قصد القربة من المعطي مالكا كان أو حاكما، كما تقدّم ذلك مفصّلا.

______________________________
(1) العروة: كتاب الزكاة، الفصل العاشر، المسألة 5.

925
کتاب الخمس (للحائري)

فروع في ولاية الحاكم على الزكاة و الخمس ص 914

..........

و إن كان المقصود من تولّي النيّة عنه قصد كونه خارجا عن ماله ففيه:

أوّلا: أنّه لا يحتاج إلى القصد إذا كان من ماله خارجا، فإنّه حاصل قهرا.

و ثانيا: أنّه إن لم يكن معيّنا في مال خارجيّ فعلا حتّى يحتاج تعيّنه إلى القصد فلا فرق بين المسلم الممتنع أو الكافر.

بل يمكن أن يقال: إنّ تولّي نيّة التقرّب عنه من دون أن يقصد بنفسه التقرّب لا دخل له في عباديّته.

و توضيح ذلك أنّ نيّة التقرّب المتصوّر في مقام الدفع إلى الفقير يتصوّر على أنحاء:

الأوّل: أن يقصد التقرّب لنفسه بدفع الزكاة إلى الفقير من حيث ترتّب المثوبة أو دفع العقوبة، لأنّها حقّه عند الحاكم، فهو أيضا يعاقب على التأخير عمدا.

الثاني: أن يقصد بذلك دفع العقوبة عن المالك و إفراغ ذمّته، و يقصد بإفراغ ذمّة المالك التقرّب إلى اللّه تعالى من حيث الإحسان إلى المؤمن.

الثالث: أن يقصد الأخير من أن يقصد التقرّب إليه تعالى لنفسه بدفع العقوبة عنه.

و يشكل كون الأخير كافيا في العبوديّة، لأنّه لا يرجع بالآخرة إليه تعالى.

و لكن يمكن دفع هذا الإشكال بأنّه يكفي في العبادة قصد دفع العقوبة، لسقوط الأمر و فراغ الذمّة و لو لم يكن دفع العقوبة له تعالى. كيف؟ و لو كان ذلك شرطا في العبوديّة لما صحّت إلّا عبادة الأحرار الّذين لا يقصدون لعبادتهم الأجر من دفع العقوبة و جلب المثوبة، و هو خلاف الضرورة، و حيث كان ذلك كافيا بالنسبة إلى نفس الأصيل فليكن كذلك بالنسبة إلى النائب إذ لا فرق بينهما.

و ثانيا: أنّه يشكل قصد القربة حين الأخذ، فإنّ الأخذ إن كان بعنوان الولاية‌

926
کتاب الخمس (للحائري)

فروع في ولاية الحاكم على الزكاة و الخمس ص 914

و الأحوط نيّة التقرّب عند الدفع عن نفسه و إن كان لنيّة التقرّب عن المالك- بمعنى دفع العقوبة عنه بقصد التقرّب بذلك و الإحسان إليه- عن المستحقّ فقصد قربة المستحقّ لا يوجب صدق الصدقة كما لا يخفى، و إن كان بعنوان العزل فقد تقدّم أنّ العزل ليس قربيّا و لا يكفي قصد تقرّبه عن قصد التقرّب حين الأداء، إلّا أن يقال: إنّ الأخذ بعنوان الولاية عن الفقير مورد لصدق عنوانين:

أحدهما أنّه إخراج عن مال المالك لولايته على الممتنع فيقصد بذلك قصد القربة.

ثانيهما أنّه دخول في ملك المستحقّ و لا يقصد القربة بذلك، فحينئذ يشكل ما في العروة بأنّه لا بدّ من التفصيل بأن يقال: له أن يقصد القربة حين الأخذ من حيث إنّه إخراج.

و ثالثا: أنّه إذا كفى قصد القربة حين الأخذ فلا ينحصر بالكافر بل يتمشّى ذلك في المسلم الممتنع و ظاهر عبارته أنّه يتولّى النيّة حين الأداء.

و رابعا: أنّ تولّي نيّة دفع العقوبة عن الكافر بدون أن يتقرّب بذلك إليه تعالى غير واضح الفساد.

إن قلت: هذا ينافي قوله تعالى:

مٰا كٰانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كٰانُوا أُولِي قُرْبىٰ مِنْ بَعْدِ مٰا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحٰابُ الْجَحِيمِ «1».

قلت أوّلا: إنّ الدعاء بالغفران غير إسقاط الأمر و دفع العقوبة، و هو غير الدعاء بالغفران.

و ثانيا: إنّ التوسّل بشي‌ء لأسباب مغفرته إن أمكن غير الدعاء بالغفران، فتأمّل.

______________________________
(1) سورة التوبة: 113.

927
کتاب الخمس (للحائري)

فروع في ولاية الحاكم على الزكاة و الخمس ص 914

وجه وجيه، بل لنيّة دفع العقوبة عنه من دون قصد التقرّب بل لنيّة التقرّب عنه حين الأخذ من حيث الإخراج أو لنفسه وجه أيضا (1).

ثمّ إنّه بعد فرض جواز الإجبار للحاكم ثمّ تكفّل الإخراج من مال الممتنع بنفسه هل يجب ذلك عليه في الجملة (2)؟ الظاهر هو الوجوب عليه بعد فرض الجواز (3).

و ثالثا: إنّ المستفاد من الذيل و من الآيات الأخر أنّ النهي إرشاد إلى عدم الفائدة.

فالّذي هو واضح من حيث الدليل هو قصد التقرّب حين الدفع لنفسه، ثمّ بعد ذلك التقرّب بالإحسان إلى الممتنع بدفع العقوبة عنه، ثمّ بعد ذلك قصد فراغ ذمّة الممتنع من دون أن يقصد التقرّب بذلك لنفسه أجرا أو دفعا للعقوبة عن نفسه، بل بقصد امتثال الأمر المتوجّه إلى الممتنع و دفع العقوبة عنه للتشفّي أو للرفاقة أو لغير ذلك، ثمّ بعد ذلك قصد التقرّب حين الأخذ من حيث الإخراج عن مال الممتنع بالوجوه الثلاثة المتقدّمة إمّا لنفسه من حيث الزكاة و إمّا لنفسه من حيث الإحسان إليه و دفع العقوبة عنه متقرّبا إليه تعالى و إمّا لغيره من دون قصد التقرّب لنفسه. و اللّه المتعالي هو العالم بحقيقة الحال.

أي أصل الوجوب الذي يجتمع مع كونه كفائيّا.

أمّا الأوّل و هو الإجبار فيكفي فيه أدلّة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الّتي فيها الأخبار الآمرة بالضرب، ففي خبر جابر: «و صكّوا بها جباههم» «1»، و في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن ابن أبي عمير عن يحيى الطويل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«ما جعل اللّه بسط اللسان و كفّ اليد، و لكن‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 11 ص 403 ح 1 من ب 3 من أبواب الأمر و النهي.

928
کتاب الخمس (للحائري)

فروع في ولاية الحاكم على الزكاة و الخمس ص 914

..........

جعلهما يبسطان معا و يكفّان معا» «1».

مع أنّ المفروض في المسألة جواز الإجبار، فإذا جاز وجب كفاية، بناء على ما سيجي‌ء في الفرع الآتي إن شاء اللّه، مع أنّ المقصود من الأمر بالمعروف الوصول إلى المعروف.

و أمّا الثاني فقد يشكل بأنّ أدلّة الأمر بالمعروف لا تشمله، من جهة عدم حصول المعروف من صاحب المال.

و الجواب أنّ المعروف في المقام وصول الحقّ إلى المستحقّ، و هذا بخلاف مثل الصلاة و الصوم، فإنّ المعروف حصوله من المكلّف.

و قد يشكل بأنّ الأمر بالمعروف غير تكفّل الإخراج خارجا، فهو فعل للمعروف لا أنّه أمر به حتّى يجب بدليل الأمر بالمعروف.

و الجواب عن ذلك بوجوه:

منها: عدم انحصار الدليل بما يدلّ على وجوب الأمر بالمعروف، فإنّ قوله تعالى وَ الْحٰافِظُونَ لِحُدُودِ اللّٰهِ «2» يدلّ على وجوب حفظ حدود اللّه تعالى، لأنّه ظاهر في مقام البعث، و البعث حجّة على الوجوب.

و منها: أنّ دليل النهي عن المنكر عامّ للنهي الإنشائيّ و الزجر الخارجيّ كما يشهد به صريح اللغة.

و منها: أنّ المستفاد عرفا من الأمر بالمعروف أيضا هو التوسّل بذلك إلى المعروف و حصوله، و ليس المقصود صرف الأمر، خصوصا مع كونه في سياق النهي عن المنكر و خصوصا مع مقرونيّته بالضرب و أمثاله و تقيّده باحتمال التأثير، فإنّ المنساق من ذلك كلّه أنّ المقصود هو وجوب إيجاد المعروف بأيّ نحو كان.

______________________________
(1) الوسائل: ج 11 ص 404 ح 2 من ب 3 من أبواب الأمر و النهي.

(2) سورة التوبة: 112.

929
کتاب الخمس (للحائري)

فروع في ولاية الحاكم على الزكاة و الخمس ص 914

..........

إن قلت: لو كان الواجب على كلّ أحد التوسّل إلى عدم حصول المنكر بأيّ نحو كان فلما ذا ورد في الأخبار المستفيضة جواز بيع العنب ممّن يعلم أنّه يجعله خمرا «1».

قلت: الأولى أن يقال: إنّ أدلّة النهي عن المنكر و المعاونة على الإثم مخصّصة في باب المعاملات بما إذا كان الحرام الواقع مثل الخمر ممّا لا يكون من حقوق الناس و لا يكون موجبا للضلالة و يكون غير مربوط بالأصول، و لعلّه لأنّ المنع عن ذلك موجب للحرج و الضرر، خصوصا مع ضمّ العلم الإجماليّ أيضا، فإنّ من يشتري اللبن و يبيع مثلا يعلم نوعا بصرف بعض أثمانه في الحرام. و الأحوط إن لم يكن أقوى إضافة شرط آخر، و هو أن لا يكون المقصود بالذات وقوع المال في يد من يصرفه في الحرام بأن يكون المقصود تملّك البدل- كما هو الغالب في المعاملات- فلا يحكم بجواز بيع العنب ممّن يعلم أنّه يجعله خمرا إذا لم يكن مقصوده تملّك الثمن، كمن كان قصده التصرّف في عنبه بنفسه من جعله دبسا مثلا و باع ذلك للخمّار من جهة رفاقته معه فقصد بذلك وقوع المال في يده.

و أمّا الجواب عن تلك الأخبار بأنّه ليس بإعانة إذا لم يكن مقصود البائع هو التخمير أو إذا لم يكن المشتري عازما على التخمير لكن يعلم بأنّه يخمّر بإرادة جديدة أو أنّه ليس بإعانة إذا كان المقصود تملّك الثمن، فكلّ ذلك مدفوع بوضوح صدق الإعانة و التسبّب إلى المنكر ببعض علله و أسبابه، و لذا لا يجوز إعطاء السيف لمن يريد القتل و لو كان المقصود تملّك الثمن و كذا لمن يقطع بأنّه يقتل به النفس المحترمة بإرادة جديدة، لصدق الإعانة و الإقدام على المنكر من دون شبهة.

______________________________
(1) الوسائل: ج 12 ص 168 الباب 59 من أبواب ما يكتسب به.

930
کتاب الخمس (للحائري)

فروع في ولاية الحاكم على الزكاة و الخمس ص 914

التاسع: لعلّ الظاهر وجوب الإجبار على غير الحاكم كفاية من المستحقّ و الأجنبيّ (1). لكن لعلّ الواجب على المستحقّ أحد الأمرين من الإجبار أو الأخذ و الرضا بالتصرّف و لو إنشاء (2). و لكن جواز الرضا و أمّا التجارة و سفر الحجّ مثلا لمن يعلم بأخذ الضريبة منه فليس ذلك إعانة على الإثم قطعا، لا من باب عدم القصد أو غير ذلك، بل من باب أنّ الظلم حاصل على كلّ حال إمّا بترك التجارة أو إعطاء الضريبة مثلا، فالمنكر حاصل على كلّ حال و يتوسّل التاجر بالتجارة و إعطاء الضريبة إلى أقلّ المحذورين حتّى بالنسبة إلى الظالم، فافهم و تأمّل.

و هذا من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الذي ورد في أدلّته الضرب، ففي الصحيح أو الحسن عن ابن أبي عمير عن يحيى الطويل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«ما جعل اللّه بسط اللسان و كفّ اليد، و لكن جعلهما يبسطان معا و يكفّان معا» «1».

و ذلك لأنّه ليس على المستحقّ إلّا الردع عن المنكر، و هو يتحقّق بأحد الأمرين.

إن قلت: إذا كان الواجب على المستحقّ أحد الأمرين فإذا لم ينفع الإجبار و لم يتمكّن من الرجوع إلى الحاكم لكان الواجب عليه قبول ماله من باب الخمس و النقل إليه أو الرضا بذلك لئلّا يقع في المعصية.

قلت: لزوم أحد الأمرين عليه غير موجب للضرر، بخلاف لزوم الأخذ و النقل إليه، فإنّه موجب للضرر المدفوع بدليل نفي الضرر، كيف؟ و لازم ذلك لزوم الإعراض عن حقوقهم على المظلومين المغصوب أموالهم و إبراء ذمم السارقين و غيرهم‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 11 ص 404 ح 2 من ب 3 من أبواب الأمر و النهي.

931
کتاب الخمس (للحائري)

فروع في ولاية الحاكم على الزكاة و الخمس ص 914

أو النقل و الانتقال أو النقل و الرضا إنّما هو في ما إذا لم يوجب وقوع غيره من المستحقّين في حرج الفقر، كما قدّمناه سابقا (1).

العاشر: لا يجوز للأجنبيّ تكفّل الإخراج بنفسه على الأحوط (2) إذا كان الرجوع إلى الحاكم ممكنا أو كان المستحقّ قادرا على ذلك بنفسه، من الغاصبين، و هو خلاف الضرورة، و لعلّ السرّ في ذلك أنّ ذلك ضرر عليهم.

فإنّ جواز ذلك منفيّ بلزوم الحرج على غيرهم من المستحقّين المنفيّ بدليله كما تقدّم.

لأنّ ذلك مستلزم للتصرّف في مال الغير من دون مجوّز، فإنّ تصرّف الحاكم إمّا من باب الولاية فهو كتصرّف نفسه و إمّا من باب أنّه وليّ على مال المستحقّ فعدم إخراجه ضرر على من يكون أموره محوّلة إليه فمنفيّ بحديث نفي الضرر، و ليس مقتضى دليل النهي عن المنكر الردع عنه و لو بإيجاد منكر آخر إذا لم يتوقّف النهي عليه بأن يتكفّل الحاكم أو المستحقّ، فهو كأن يقاصّ للأجنبيّ و يأخذ من مال الغاصب للأجنبيّ.

و يمكن أن يقال بالجواز للأجنبيّ من باب عدم استلزامه لمنكر آخر، بتقريب أن يقال: حرمة التصرّف في مال الغير بإخراج الحقوق حكم ضرريّ و لو على ذوي الحقوق فهو مرفوع و لو بالنسبة إلى غير ذوي الحقوق.

و دعوى «انصراف دليل نفي الضرر إلى نفي الحكم المتوجّه إلى المتضرّر» ممنوع، كيف؟ و لازم ذلك أن لا يجوز للأجنبيّ دفع الضرر عنه إذا لم يتمكّن المتضرّر بنفسه، و هو ممّا يأبى عنه الذوق السليم. نعم، ترتفع الحرمة في الجملة، فلا يجوز للجميع التصرّف في ماله بأن يوكّل الحاكم و الأجنبيّ و المستحقّ شخصا للتصرّف في ماله بالإخراج، لأنّ الضرر يرتفع بعدم حرمة التصرّف إمّا بالنسبة إلى المستحقّ أو بالنسبة إلى فرد من أفراد الأجنبيّ أو بالنسبة إلى الحاكم، إلّا أن يقال:

932
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لو باع ما جعله من مئونته بنحو الاقتناء في السنوات المتأخرة عن الربح و اشترى بثمنه ما يعادل ذلك ص 933

و أمّا إذا لم يتمكّن من ذلك و كان وصول الحقّ إلى صاحبه منحصرا بتصرّف الأجنبيّ فالظاهر جوازه بل وجوبه (1).

الحادي عشر: يجوز للمستحقّ مطلقا الإجبار ثمّ تكفّل الإخراج بنفسه على الظاهر مطلقا، من غير فرق بين التمكّن من الرجوع إلى الحاكم و عدمه (2).

مسألة: لو باع ما جعله من مئونته بنحو الاقتناء في السنوات المتأخّرة عن الربح و اشترى بثمنه ما يعادل ذلك

فقد ينقل أنّ فيه الخمس، كأن اشترى دارا لسكناه في سنة الربح و سكن فيها ثمّ باعها في بعض السنوات اللاحقة و اشترى دارا اخرى لذلك و سكن فيها فهل أنّ ولاية الحاكم ثابتة من باب أنّ ذلك من شئون الحكومة لا من باب دليل نفي الضرر، فهو بمنزلة المالك الغاصب للحقوق فيمكن دفع المنكر من دون لزوم التصرّف في مال الغير بلا إذنه أو إذن وليّه. لكنّ الإنصاف أنّ ولاية الحاكم لم تثبت مع قطع النظر عن لزوم دفع الضرر عن غيره.

و قد ظهر وجهه من التعليق المتقدّم.

و ملخّصه أنّ عدم جواز تصرّفه في مال الغير ضرر على المستحقّ فهو مرفوع، و مقتضى دليل النهي عن المنكر وجوبه، بل يمكن أن يقال: إذا جاز الضرب جاز الإخراج، لأنّه أهون منه فيكفي دليل النهي عن المنكر لوجوب ذلك.

ظهر وجه ذلك أيضا من التعاليق المتقدّمة.

و ملخّصه أنّه مع فرض عدم التمكّن من الرجوع إلى الحاكم يكون ترك التصرّف ضررا عليه، و أمّا مع فرض التمكّن منه فلم يثبت طوليّة جواز تصرّفه عن جواز تصرّف الحاكم، و صرف تعدّد الدليل بالنسبة إلى الحاكم- من دليل الحكومة و دليل نفي الضرر- لا يقتضي الطوليّة، كما تقدّم في التعليق المتقدّم.

933
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة لو باع ما جعله من مئونته بنحو الاقتناء في السنوات المتأخرة عن الربح و اشترى بثمنه ما يعادل ذلك ص 933

يجب عليه الخمس بصرف البيع و إن صرف ثمنها في مثل ذلك أم لا؟ (1).

وجه الأوّل أنّ صدق المئونة في ما يبقى عينه ليس متقوّما بأمرين لا ثالث لهما أحدهما الاحتياج و الثاني الاستفادة منه في ما يحتاج إليه. كيف؟ و لازم ذلك أنّه لو كان بيته المسكونيّ أو فروش بيته موردا للاتّجار أيضا لم يكن منافعه المصروفة في بيت آخر موردا للخمس، بل يحتاج إلى الصرف و جعله كالعدم من حيث الاسترباح به و من حيث التبديل، فكما أنّ صدق المئونة في ما يصرف عينه كالمأكولات و المشروبات و غيرهما من النفط و أمثاله متوقّف على الصرف و إعدام موضوعه في حوائجه كذلك في ما يبقى عينه يتوقّف صدق المئونة على الصرف الذي لا يصدق إلّا بجعله كالعدم و أنّه لا يصرف في غير ما يحتاج إليه، و ذلك يتوقّف على العزم على عدم البيع و عدم البيع واقعا، و ليس لصرف العزم في المقام موضوعيّة صرفة، و إن كان القدر المتيقّن من صدق المئونة بالأمرين: من العزم على الإبقاء و الإبقاء الخارجيّ، و لا أقلّ من الشكّ في صدق المئونة بعد البيع فلا بدّ من أداء خمسه فورا، لأنّه من أرباح السنة السابقة و لم يصرف في المئونة، لأنّه لم يجعل كالعدم.

و الحاصل أنّه مع القطع بعدم كونه من المئونة أو مع الشكّ يؤخذ بدليل الخمس، لأنّ الشبهة مفهوميّة.

و لا يخفى أنّ مقتضى ذلك: الخمس في تبديل الفروش و الأواني بالنقود ثمّ بيع ذلك، و كذا في القلم و الكتاب.

و الإشكال يتمشّى أيضا في التبديل بأمثالها، لأنّه لم يصرف بالمعنى المتقدّم بأن يجعل ذلك كالعدم.

و هذا الإشكال سار إلى باب الزكاة من حيث بيع المسحاة و البقر أو التبديل بالمثل، بل لعلّه يجي‌ء الإشكال في صورة عدم التبديل إذا لم يكن من أوّل الأمر‌

934
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما لو أدى خمسه لمستحق بعنوان أنه عالم أو بعنوان أنه زيد أو بعنوان سهم السادة أو بعنوان شخصه أو متصفا بكون ما أداه أرضا غير مزروعة فبان الخلاف ص 935

مسألة [حكم ما لو أدّى خمسه لمستحقّ بعنوان أنّه عالم أو بعنوان أنّه زيد أو بعنوان سهم السادة أو بعنوان شخصه أو متّصفا بكون ما أدّاه أرضا غير مزروعة فبان الخلاف]

لو أدّى خمسه لمستحقّ بعنوان أنّه عالم أو بعنوان أنّه زيد أو بعنوان سهم السادة أو بعنوان شخصه أو متّصفا بكون ما أدّاه أرضا غير مزروعة و كان في الواقع غير ذلك فبان في الأوّل أنّه غير عالم و في الثاني أنّه عمرو و في الثالث أنّه أخذه بعنوان سهم الإمام عليه السّلام و في الرابع أنّه أخذه لموكّله المستحقّ و في الخامس أنّها مزروعة:

فإن كان العنوان الذي جعله موضوعا للتمليك و الإعطاء بعنوان الخمس هو الذي ينطبق على المال و الأخذ المستحقّ (كأن يكون عنوانه في الأوّل و الثاني هذا المستحقّ، و في الثالث كون المال بالعنوان الذي قصده القابل في مقام الأخذ، و في الرابع ما قصده القابل أن يأخذ له، و في الخامس هذا المال الموجود) و كان ما تخيّله كسائر التخيّلات المقارنة لهذا العمل- ككونه يوم الجمعة مثلا- و لم يكن بحيث لو لم يعلم بانيا على السكونة في تلك الدار إلى أن يموت، لعدم الصرف بالمعنى المتقدّم المتوقّف على العزم على الإبقاء خارجا.

و لعلّه يظهر من بيان الوجه الأوّل و الإشكال المتوهّم في تلك المسألة قوّة الوجه الثاني و هو عدم الخمس إذا صرفه في ما يحتاج إليه في السنة اللاحقة، فإنّه يجاب عن الوجه الأوّل بأنّه لو كان صدق المئونة متوقّفا على عدم التبديل إلى الأبد و العزم على الإبقاء كان على مصادر التشريع بيان ذلك في ما تعرّضوا لما يصرف في المئونة و أنّه لا يستثني الدار و الفرش و الأواني إلّا إذا كان عازما على عدم التبديل الموافق للخارج واقعا، و هو قليل جدّا، فإنّ من يشتري المسحاة في باب الزكاة ليس عازما على عدم التبديل إلى آخر العمر و كذا البقر، خصوصا الثاني إذ ربما يحتاج إلى صرف لحمه في التغذّي إذ يصير مسنّا فلا بدّ من بيعه أو صرفه و تبديله بما يستفاد منه في الزراعة، فالسكوت في مقام البيان المسمّى‌

935
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما لو أدى خمسه لمستحق بعنوان أنه عالم أو بعنوان أنه زيد أو بعنوان سهم السادة أو بعنوان شخصه أو متصفا بكون ما أداه أرضا غير مزروعة فبان الخلاف ص 935

بذلك لم يؤدّ هذا المال، فالظاهر صحّته بحسب ما قصده القابل (1).

و إن كانت الجهات المذكورة مأخوذة في التمليك و لو لم يكن قيدا، بمعنى أنّه لو علم بخلافه لكان يعطيه أيضا و لكن أخذ في موضوع التمليك من جهة الأرجحيّة- كمورد تخيّل كونه رحما له- أو من جهة أخذه للإشارة (كما لو لم يكن حاضرا عنده و أعطى لابنه لإيصاله إليه) فالظاهر (2) عدم الانتقال إليه بذلك في غير مورد الاتّصاف، و أمّا في بالإطلاق المقاميّ في جميع أدلّة استثناء المئونة في الخمس و الزكاة دليل قطعيّ على عدم اشتراط صدق المئونة بذلك، مضافا إلى الحكم بالتحليل في المكاتبة المعتبرة بالنسبة إلى الأواني المستصحب إلى الآن بعد فرض الإطلاق قطعا لما ليس مبنيّا بحسب القطع على عدم التبديل، و هنا وجه ثالث، و هو إطلاق دليل التحليل غير المنافي لإطلاق دليل الخمس بل هو موافق له، لأنّ مقتضى التحليل هو الوجوب مع قطع النظر عنه.

و ذلك لعدم إشكال متصوّر في المقام، فإنّ الفرض استحقاقه فلا إشكال من جهة عدم الاستحقاق، و كذا لا إشكال من جهة الرضا و القصد و الإنشاء، فإنّ المفروض تعلّقه بما ينطبق عليه من دون أن يتخلّف عن جهة مأخوذة في الشخص أو في المال، و المفروض عدم التقيّد في مقام اللبّ أيضا، و هو المتيقّن في الحكم بالصحّة من بين الشقوق الّتي تذكر بعد ذلك أيضا، و هو الذي ينبغي أن يكون متيقّنا من حيث صحّة الجماعة في الفرع المذكور في العروة بأن اقتدى بهذا الحاضر و تخيّل أنّه زيد «1».

كما في مورد البيع أيضا، فإنّه لو باع ذاك الموجود بعنوان أنّه الشعير فبان أرزا فالظاهر عدم صحّة البيع، إمّا لأنّ الموجود غير المعقود عليه، و إمّا لتعلّق‌

______________________________
(1) العروة: الفصل الخامس و الأربعون من كتاب الصلاة (في الجماعة) المسألة 12.

936
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما لو أدى خمسه لمستحق بعنوان أنه عالم أو بعنوان أنه زيد أو بعنوان سهم السادة أو بعنوان شخصه أو متصفا بكون ما أداه أرضا غير مزروعة فبان الخلاف ص 935

مورد الاتّصاف فلعلّ الظاهر هو صحّة التمليك، من غير فرق بين صورة التقييد بالمعنى المتقدّم و عدمه (1).

التمليك بشيئين منطبقين على موجود واحد، فإنّ بيع ذلك الموجود بعنوان أنّه شعير مساوق لبيع الشعير الذي هو موجود، فليس أحدهما صفة و الآخر موصوفا في الواقع، و سيجي‌ء توضيح ذلك إن شاء اللّه في التعاليق الآتية.

و الوجه في ذلك أنّ اتّصاف هذا الموجود الخارجيّ بالوصف لا يرجع إلى التقييد بالنسبة إلى الموضوع، لأنّه لا يكون قابلًا للإطلاق حتّى يقيّد، فإنّه موجود على كلّ حال لا أنّه موجود على فرض كونه عالما مثلا أو أنّ العبد موجود على فرض كونه كاتبا.

و أمّا التقييد بالنسبة إلى الحكم و المحمول بأن يكون التمليك على تقدير تحقّق الوصف في المعطي أو المعطي إليه، فيردّه أمور بعضها مبعّدات و بعضها برهان:

منها: أنّه لو كان مرجع الوصف إلى التعليق فعلى المشهور لا بدّ أن يقال ببطلان جميع البيوع، لأنّ البيوع تتعلّق بالموضوعات بوصف الصحّة.

و منها: أنّه فرق عرفا بين مفاد «بعت هذا العبد إن كان كاتبا» و بين أن يقول:

بعت هذا العبد الكاتب.

و منها: أنّ الإعطاء و الرضا و سائر المقدّمات و التوابع الواقعة في الخارج إنّما هي على وجه الإطلاق لا على وجه التعليق، و الظاهر عند العرف أنّ إنشاء التمليك على نحو واحد و جري فأرد.

و منها- و هو البرهان-: أنّ الحالات النفسانيّة من الرضا و القصد تابعة للوجود العلميّ، و لا يعقل أن تكون معلّقة على الوجود الخارجيّ، لعدم السنخيّة، و السنخيّة بين العلّة و المعلول ضروريّة، و إذا ضمّ ذلك إلى مقدّمة أخرى و هي أنّ التمليك ليس من الأمور الاعتباريّة المتأصّلة في الجعل، فإنّه لا وجه لذلك الجعل الاعتباريّ من دون الآثار، و الالتزام بالآثار كاف في العرف، فلا داعي للعقلاء في‌

937
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما لو أدى خمسه لمستحق بعنوان أنه عالم أو بعنوان أنه زيد أو بعنوان سهم السادة أو بعنوان شخصه أو متصفا بكون ما أداه أرضا غير مزروعة فبان الخلاف ص 935

..........

صناعة الاعتباريّات كما هو المشهور في عصرنا، بل هي منتزعة من الآثار الحقيقيّة غير الاعتباريّة، و عليه فالتمليك هو التعهّد النفسانيّ بصرف النظر عن المال المعهود و إيكال أمره إلى الغير، و التعهّد المذكور مستتبع للتعهّد العموميّ العقلائيّ على ذلك و تعهّد الشارع على ذلك، و كلّ ذلك معلول للوجود العلميّ لا الخارجيّ.

و منها: أنّه على فرض عدم التسليم لما ذكر و كون التمليك أمرا اعتباريّا فحيث إنّ الشرط للملكيّة معلوم الحصول على الفرض ففي نظر القاطع يكون التعليق لغوا.

و منها: أنّه لو فرض رجوع التوصيف إلى التعليق و فرض بطلان التعليق في نفسه فلازمه أيضا بطلان بيع العبد الكاتب إذا فرض التخلّف مع أنّ صحّته هي المشهور و مورد للمعتبر عن جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «1»، و لازمه بطلان بيع المعيب أيضا، و لازمه بطلان بيع ما يملك و ما لا يملك و بيع الشاة المصرّاة، و كلّ ذلك مورد للروايات «2» و الفتاوى، و التعبّد في ذلك كلّه على خلاف مرتكز العقلاء بعيد جدّا.

فاتّضح بذلك عدم التقييد في الاتّصافات الواردة على الخارجيّات، فالاتّصاف إمّا بمعنى الإخبار و إمّا أن يكون الاتّصاف راجعا إلى الاتّصاف بالعلم بوجود الصفة و إمّا أن يكون التزام آخر بوجود ذلك ربما يكون له آثار و أثره في البيع هو الخيار، و أمّا في مثل الخمس فلعلّه يجب على المبذول له إرضاؤه حتّى يسقط ما ألزمه عليه بحسب الاتّصاف.

و من هنا تنقدح مسألة أخرى لم أر التعرّض لها في زبر الأصحاب، و هي أنّه‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 12 ص 361 ح 1 من ب 15 من أبواب الخيار.

(2) راجع المصدر: ص 362 الباب 16 و ص 410 أبواب أحكام العيوب و ص 252 الباب 2 من أبواب عقد البيع و ص 360 الباب 13 من أبواب الخيار.

938
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما لو أدى خمسه لمستحق بعنوان أنه عالم أو بعنوان أنه زيد أو بعنوان سهم السادة أو بعنوان شخصه أو متصفا بكون ما أداه أرضا غير مزروعة فبان الخلاف ص 935

و إن كانت الجهات المذكورة قيدا بمعنى العلّيّة المنحصرة بحيث لو لم تكن متحقّقة لما كان يؤدّي و لكن لم تكن مأخوذة في موضع التمليك (1) ففي مثل ذلك فالظاهر هو صحّة التمليك (2).

لو شرط معطي الحقوق الشرعيّة على آخذها شرطا فهل يجب الوفاء على الأخذ أم لا؟ مقتضى القاعدة هو اللزوم، لعموم «المؤمنون عند شروطهم» «1»، فإنّ الشرط لا بدّ أن يكون في ضمن معاملة، و ذلك أيضا معاملة محتاجة إلى الإيجاب و القبول و لو بنحو المعاطاة.

فكانت نظير الدعاوي الموجودة في كثير من المعاملات، كالاشتراء بداعي البيع الموجب للنفع أو اشتراء الدواء للعلاج حتّى مع الاشتباه في الدواء و لكن لم يشتبه في مقام البيع فاشترى الجنس المعيّن المعلوم بتوهّم أنّه ممّا ينتفع به في مقام المعاملة فتبيّن أنّ الجنس الرافع للمرض أو الموجب للنفع شي‌ء آخر، و عدم الأخذ في الموضوع في مقام إنشاء التمليك إمّا من باب عدم الاحتياج أو من باب جهة أخرى غير الوصف و العنوان في الموضوع تملأ العين من سيادة الطرف و كبر شأنه و مقامه و غير ذلك.

إن قلت: مقتضى العلّيّة لقصد التمليك أن يكون قصد التمليك محدودا بالعلّة و يستحيل أن يكون المعلول أوسع من العلّة.

قلت: العلّة الواقعيّة هي الوجود العلميّ، إذ يستحيل أن يكون الوجود الخارجيّ علّة لقصد التمليك كما تقدّم في صورة الاتّصاف.

و محصّل الكلام أنّه لا شبهة في تصوير الفرض و إمكانه بل لعلّ الغالب عدم أخذ الجهات التعليليّة للمعاملات في موضوعها لا سيّما في ما إذا لم يكن تشخيصها مربوطا بطرف المعاملة، ككون الأخذ زيدا أو كون المال موصوفا بكذا.

لحصول القصد و التمليك و انطباق ما قصده في مقام التمليك على الخارج‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 15 ص 30 ح 4 من ب 20 من أبواب المهور.

939
کتاب الخمس (للحائري)

فروع ص 940

و أمّا لو كان قيدا بالمعنى المذكور و مأخوذا في موضوع التمليك فهو غير صحيح، لأنّه أولى بذلك من ما إذا أخذ في موضوع التمليك من دون أن يكون قيدا بمعنى العلّيّة. نعم، قد تقدّم أنّ صورة التقييد بالوصف صحيحة مطلقا.

فروع

1- لو شكّ ثالث في أنّ الإعطاء المخصوص خمسا أو غيره صحيح أم لا؟ فهو محكوم بالصحّة في جميع فروض الفساد، و وجهه واضح.

2- لو شكّ الأخذ في ذلك من حيث عنوان الشخص فالظاهر هو الحكم بالصحّة (1).

من دون شبهة، و ذلك- مضافا إلى أنّه واضح برهانا- واضح عند العرف، فإنّه لو بني على بطلان المعاملات بتخلّف الجهات التعليليّة لزم بطلان كثير من المعاملات كما لا يخفى.

و ذلك كما أعطى شخص للسيّد المستحقّ للخمس مالا بعنوان سهم السادة و احتمل أنّ المعطي تخيّل أنّه زيد مثلا فيكون إعطاؤه إيّاه فاسدا، فمقتضى أصالة الصحّة هو صحّة هذا التمليك المتّصف بذلك العنوان الماليّ.

إن قلت: يمكن أن يقال: إنّه في الفرض المذكور يصحّ واقعا و لو كان الاشتباه في العنوان المقوّم مقطوعا، إذ لا فرق بين إعطاء الخمس لزيد بعنوان أنّه عالم أو لهذا بعنوان أنّه زيد، فكما أنّ الاتّصاف الأوّل لا يرجع إلى التقييد- كما تقدّم مفصّلا- كذلك الثاني.

قلت: الفرق بينهما أنّ الوصف و الاتّصاف به لا يكون مملوكا عرفا، بخلاف هذا و زيد، فكلّ منهما مبذول له المال من دون فرق بينهما، فالتمليك المنشأ تمليك واحد و اثنين و متعلّق بواحد و اثنين، و ذلك مستحيل التحقّق، من غير فرق بين‌

940
کتاب الخمس (للحائري)

فروع ص 940

3- و لو شكّ من حيث المبذول أنّه لنفسه أو لموكّله فلا يبعد أن يكون مقتضى الإطلاق أن يكون له، إلّا أن يكون في البين غلبة مانعة عن ذلك (1).

4- و لو قطع بالاختلاف في من يبذل له المال أو في عنوان المال فلعلّ الظاهر جواز القبول بعد ذلك على نحو يوافق إيجاب المعطي (2).

صحّة التملّك في كلّ من الطرفين أو عدمها إلّا في واحد منهما، لأنّ التمليك المنشأ لا بدّ أن يكون واحدا و اثنين، و هذا مستحيل التحقّق و لو بالنسبة إلى واحد من الشخصين.

و لعلّه من ذلك يظهر عدم صحّة الاقتداء بهذا الحاضر بعنوان أنّه زيد و لم يكن زيدا، و ليس عدم صحّة الاقتداء بزيد الذي عيّنه مؤثّرا في صحّة الاقتداء بهذا.

و كذا في المقام لا فرق في عدم صحّة ذاك التمليك بين كون زيد المشتبه بهذا الموجود مستحقّا أو غير مستحقّ، و لم يكن هنا محلّ تلك المسألة، لأنّ المبحوث عنه هو صورة الشكّ لكن حيث غفلنا عن ذكر هذا البيان في مورده أوردناه هنا، و اللّه المستعان.

لأنّه إن كان في مقام بيان من يبذل له المال و لم يذكر شخصا باسمه و يكون الأمر دائرا بين أن يكون موكّله أو شخصه فلا شبهة عند العرف في أنّ عدم بيان الموكّل دليل على أنّه لم يكن المقصود هو الموكّل، و أمّا الشخص فيكفي حضوره و مخاطبته و توجّه الإعطاء- الذي به ينشأ التمليك- إليه. نعم، لو كانت الغلبة هو الأخذ للموكّل فربما كان الأمر بالعكس و ربما يحصل الإجمال. هذا إذا كان المعطي في مقام البيان، و إذا شكّ فالمعروف أنّ الأصل العقلائيّ أنّه كذلك، فالإجمال خلاف طريقة العقلاء كما في سائر موارد الإطلاقات اللفظيّة، و الظاهر عدم الفرق بين التلفّظ بما ينشأ به التمليك أم لا، كما لا يخفى.

فالأوّل كأن يعلم أنّه أعطاه لنفسه أو كان مقتضى الإطلاق ذلك فقبل‌

941
کتاب الخمس (للحائري)

فروع ص 940

..........

لموكّله، فإنّه يمكن أن يقال: إنّه يقبل لنفسه بعد ذلك، و كذا العكس فيقبل لموكّله فيكون له، و الثاني كأن أعطى المال بعنوان سهم السادة فقبله بعنوان سهم الإمام عليه السّلام أو بالعكس فيقبل بنحو يطابق إيجاب المعطي و يصحّ.

و لا إشكال في ذلك إلّا من جهة عدم التوالي بين الإيجاب و القبول.

و هو مندفع بوجهين:

أحدهما: عدم كون إعطاء الخمس و الزكاة و الكفّارة و أمثال ذلك ممّا هو مورد بحثنا من العقود، بل ذلك أداء و لا يحتاج إلّا إلى إعمال سلطنة من المعطي و إعمال سلطنة من الأخذ، و كلاهما مفروض الوقوع، فهو مشمول لإطلاق أداء ذلك.

و منه تظهر مسألة أخرى، و هي إمكان أن يقال: إنّه لا يلزم في أداء الديون الشخصيّة أيضا التوالي بين إيجاب التمليك من حيث أداء الدين و قبوله من باب تملّك ما كان عند المديون. و لم أر التعرّض لذلك أيضا و إن تعرّضوا لعدم لزوم التوالي بين الإيجاب و القبول في الوكالة كما في وسيلة الفقيه الأصفهانيّ، بل في تعليق السيّد الطباطبائيّ «1» على المكاسب نقل الإجماع على عدم لزوم التوالي في العقود الجائزة.

ثانيهما: أنّه على فرض كونه عقدا فلا دليل على اعتبار القبول في العقود.

نعم، لا بدّ من أمرين في صدق العقد الذي هو المعاهدة من الطرفين: أحدهما بقاء الموجب على تعهّده و عدم ردّ مفاد المعاهدة قبل القبول. ثانيهما كون كلّ من الإيجاب و القبول مبنيّا على تحقّق ذلك من الآخر حتّى يصدق العقد و المعاهدة.

و منه يظهر فرع آخر لم أر تعرّضه في كتب الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم، و هو أنّه:

______________________________
(1) ص 90 في تعليقه على شرط الموالاة من شروط العقد.

942
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما إذا فرض فساد الإعطاء ص 943

و منه يظهر إمكان الاحتياط في الصورتين المذكورتين في فرض الشكّ كما هو واضح.

و منه يظهر حكم ما لو عزل مالا لسهم السادة مثلا و قلنا بصحّة العزل في ذلك- كما تقدّم و يجي‌ء إن شاء اللّه- و بلزومه فأعطاه لمستحقّ السهمين و أخذه بعنوان سهم الإمام عليه السّلام فإنّه يصحّ أن يقبله بالعنوان الصحيح المقصود للأخذ، بل هو أولى من السابق (1).

مسألة [حكم ما إذا فرض فساد الإعطاء]

إذا فرض فساد الإعطاء كما إذا كان الأخذ غير مستحقّ شرعا أو فرض الاختلاف في المبذول له من حيث الذات فهل يرجع المال إلى المالك (2) أم لا بل يرجع إلى الجهات العامّة؟ لو أوجب الموجب بتخيّل كفاية ذلك في وقوع المعاملة و اشترى المشتري المال لنفسه أيضا بتخيّل كفاية ذلك و كفاية إخبار البائع بذلك بعد- مثلا- كان ذلك إيقاعين و ليس بعقد، و ليس كلّ من باب اشتراط التوالي.

و من هنا يظهر فرع آخر، و هو أنّه لو باع شخص بعنوان موكّله فاشترى لنفسه باطنا يمكن أن يقال بأنّه يصحّ بعد ذلك لو اشترى لموكّله، لا سيّما مع إعلام البائع به حين القبول المطابق للإيجاب.

لإمكان أن يقال بكفاية أخذه و لا يحتاج إلى قبول من الأخذ.

كما هو الظاهر من العروة «1» حيث قال بجواز أن يسترجع الدافع في صورة التخلّف عن القيد، المفروض في عبارته أنّه فاسد.

و لعلّ الوجه في ذلك في الزكاة مع كفاية العزل فيها و في زكاة الفطرة (كما هو المشهور في الأوّل على ما في المستمسك «2» و دلّت عليه الروايات في‌

______________________________
(1) كتاب الزكاة، الفصل السادس، المسألة 15.

(2) ج 9 ص 192.

943
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما إذا فرض فساد الإعطاء ص 943

فمن أعطى الخمس لغير المستحقّ بتخيّل أنّه مستحقّ يكون خمسا فيردّ إلى مستحقّ آخر و لا ربط له بالمالك، و كذا الكفّارات و الأوقاف العامّة. و لعلّ الظاهر هو الثاني (1).

الموضعين «1» أنّ عزله مقيّد بتملّكه لشخص خاصّ، و هو غير حاصل، فلم يحصل العزل. هذا في الزكاة.

و أمّا في الخمس فقد يمكن أن يقال بعدم وجود الدليل على كون العزل مشخّصا، فإنّ مالكيّة الجهات تتوقّف على القبول بأن يتقبّل من كان مصداقا للجهات العامّة أو يتقبّل عنهم من يكون وليّا لأمر تلك الجهة العامّة كما في الشخصيّات، فإنّ حصول الملكيّة قهرا لشخص أو لجهة خلاف حكم الملكيّة عرفا إلّا في بعض الموارد الخارجة عن هذه القاعدة، و ذلك لأنّ الملكيّة من حيث البقاء قابلة للارتفاع بالإعراض فكيف لا يكون من حيث الحدوث تابعا لاختيار من يصير إليه الملك؟ مع أنّ مقتضى الآية الشريفة «2» حصر جواز الأكل بالتجارة عن التراضي القائم بالطرفين.

فإنّ المحصّل أنّ إشكال عدم كونه من الأموال العموميّة و رجوعه إلى شخص المالك أمران:

أحدهما: عدم وجود الدليل على العزل إلّا في مورد زكاة المال و زكاة الفطرة مع كونه خلاف القاعدة.

و ذلك مدفوع بأنّ العزل في الخمس الذي هو الكلّيّ في المعيّن- على ما مرّ تحقيقه- على وفق القاعدة، لأنّ أصل ملكيّة الخمس في ذلك المال لأربابه بنحو‌

______________________________
(1) راجع الوسائل: ج 6 ص 213 الباب 52 من أبواب المستحقّين للزكاة و ص 247 الباب 13 من أبواب زكاة الفطرة.

(2) سورة النساء: 29.

944
کتاب الخمس (للحائري)

مسألة حكم ما إذا فرض فساد الإعطاء ص 943

..........

الكلّيّ حاصل بحكم اللّه تعالى من دون الاحتياج إلى القبول، و أمّا تشخّصه في ملك خاصّ فمحوّل إلى المالك قطعا فلا وجه لدخالة قبوله في التشخّص بعد فرض عدم وجود حقّ له في ذلك. هذا بالنسبة إلى الخمس الموجود في المال، و أمّا على فرض التلف و الانتقال إلى الذمّة بحكم الضمان فدليل الضمان يحكم بأنّ البدل إنّما هو بلون المبدل من دون اختلاف إلّا في الشخص، فكما أنّه يكون ولاية العزل في الأصل للمالك كذلك يكون في البدل، و أمّا في غير ذلك من الديون كالكفّارات فمقتضى تسلّط الناس على أموالهم أنّ له حقّ أن يجعل المال المخصوص لأداء الكفّارة، و المفروض أنّه ليس لشخص من المستحقّين بل ليس للوليّ- لو كان له وليّ عامّ- أن يعيّنه في مال مخصوص، فلا دليل على الاحتياج إليه في ما ليس باختياره أصلا. و منه يظهر الكلام في الديون الشخصيّة.

و أمّا قصد القربة فلعلّه يكفي أن يكون في العزل كما أنّه يكفي أن يكون في الأداء.

ثانيهما: كون العزل و التمليك الخصوصيّ غير الصحيح حاصلا بإنشاء واحد، فإنشاء العزل مقيّد بإنشاء التمليك للمستحقّ فمقيّد بكون الأخذ مستحقّا.

و ذلك مدفوع بما مرّ من أنّ الإنشاء تابع للقصد، و هو مقيّد بالوجود العلميّ، و هو حاصل، فإنشاء العزل حاصل مضافا إلى التمليك للمستحقّ في طول جعله خمسا أو زكاة أو كفّارة فتوقّفه عليه دور واضح. و أمّا التقييد بالفقر و غيره فليس قيدا لبّا للعزل، بل هو قيد للتمليك لهذا الشخص الخاصّ، و المفروض عدم صحّته، فلا إشكال في تلك الجهات، فمقتضى القاعدة كونه خمسا أو زكاة أو كفّارة و لا يرجع إلى مالكه، فتأمّل في المقام.

 

945