×
☰ فهرست و مشخصات
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

مقدمة المقرر ؛ ص : 5

[مقدمة المقرر]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه على جميع نعمه و آلائه و الصلاة و السلام على أشرف رسله و خاتم أنبيائه محمّد و آله الذين هم حجج اللّه على عبيده و إمائه سيّما بقيّة اللّه الأعظم صلوات اللّه عليه و على آبائه. و اللعنة على أعدائهم إلى يوم لقائه أمّا بعد فيقول أقلّ الناس جرما و أكثرهم جرما المفتاق الى عفو ربّه الوفي محمد هادي المقدّس النجفي ابن المرحوم المغفور له الحاج الشيخ على المقدّس النجفي الرشتي قده هذا ما تلقيناه ممّا ألقاه استاذنا الأعظم الحجة الآية الحاج السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني دام ظلّه الوارف من مباحث الطهارة و كان شروعه فيها- على ما بالبال- في أواخر سنة ألف و ثمانين و ثلاثمائة هجرية في صحن فاطمة بنت موسى بن جعفر عليها السلام ببلدة قم المحمية ثم انتقل دام ظله بعد ذلك الى المسجد الأعظم المجاور للصحن المطهر و ذلك بعد ارتحال استاذنا الأكبر الحجة الآية المرحوم المغفور له الحاج السيد حسين الطباطبائي البروجردي قدّس سره في تلك السنة و انّى و ان لم استقص جميع أبحاث الأستاذ دام علاه الّا أنّى بذلت غاية جهدي في جمع البحوث الهامّة من أبحاث الأستاذ و هذا الكتاب يحتوي على أبحاث المياه و الأسئار و الطهارات الثلاث اى الوضوء و الغسل و التيمم و أغسال النساء و أغسال و أحكام الأموات و المطهرات و النجاسات و غير ذلك و سميته (أبحاث حول الطهارة) و اللّه الموفق للسداد.

المؤلف محمد هادي النجفي‌

 

5
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

(كتاب الطهارة) ؛ ص : 6

 

(كتاب الطهارة)

و حيث انّه لا فائدة للتعرّض لمعناها صرفنا الكلام عن معناها الى بيان أقسامها و أحكامها المترتّبة عليها. و قبل الخوض في ذلك لا بدّ من تقديم البحث عن المياه و أقسامها لتوقّف الطهارة على فهم أقسامها و أحكامها.

(المبحث الأوّل في المياه و أقسامها)

اعلم أن الماء كلّه طاهر و مطهّر من الحدث و الخبث في الجملة إجماعا بل كونه في الجملة مطهّرا للحدث و الخبث من ضروريّات الإسلام. و ماهية الماء ظاهرة عند العرف في أيّ لغة كان و لكن مفهومه غير ظاهر غاية الظهور بحيث لا تبقى له مصاديق مشتبهة أصلا و لذا ترى العرف يشكّون في صدق الماء على الماء الممزوج بشي‌ء من السكّر أو الملح و كذا الماء الخارج من عين مالحة و أنّه هل هو ماء مالح أو هو ماء الملح.

و الحاصل أنّ مفهوم الماء كأغلب المفاهيم له مصاديق مشتبهة و ليس له مفهوم مبيّن عرفي بحيث لا يشك العرف في شي‌ء من مصاديقه و حينئذ لا بدّ في كلّ مورد مشتبه من الرجوع الى الأصل الجاري في ذلك المورد ففي المثالين المتقدّمين يرجع في المثال الأوّل منهما إلى أصالة بقاء المائية ليحكم بارتفاع الحدث أو الخبث به و في الثاني منهما يرجع الى أصالة بقاء الحدث أو الخبث إذا استعمل في رفع أحدهما لكن أصالة الطهارة جارية في الماء المذكور إن استعمل في رفع الخبث هذا كلّه في الشبهة المفهومية.

و أمّا الشبهات المصداقيّة بأن كان مفهوم الماء مبيّنا عنده و مفهوم الجلّاب ايضا مبيّنا و لكن شكّ في مورد أنّه ماء و جلّاب فإنّه تجري فيه أصالة الطهارة إذا لاقى النجس و لكن لا يرتفع به الحدث أو الخبث.

أمّا الدليل على كون الماء مطهّرا- مضافا الى دعوى الإجماع و الضرورة أمّا من الكتاب فآيات منها قوله تعالى (وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً) «1» فانّ الطهور و إن كان مبالغة في الطاهر الّا أنّ بعض أهل اللغة قد فسّره بالمطهّر لغيره و وافقه على ذلك جميع الفقهاء‌

______________________________
(1) سورة الفرقان الآية 48

 

6
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

(المبحث الأول في المياه و أقسامها) ؛ ص : 6

مع أن بعض الآيات يدلّ عليه.

كقوله تعالى (إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) «1» و قوله تعالى (وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) «2» و قوله تعالى (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ. الآية) «3» و قد ثبت بالضرورة من الدين أنّ التطهير- أعمّ من ان يكون من الحدث في حال الاختيار أو من الخبث في أكثر الموارد- لا يكون الّا بالماء فبضمّ هذه الآيات الى قوله تعالى (وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً) يعلم جزما أن المراد من الطهور هو المطهر لغيره و ان فرض أنّ اللغة لا تساعد عليه.

و منها قوله تعالى (وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) «4» و هذه الآية تصرّح بكون الماء مطهّرا فلا نحتاج الى ضمّ شي‌ء إليها و الآيات الأخر هي الآيات التي أشرنا إليها من قوله تعالى (وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) إلخ.

و كذا يستدلّ لكون الماء مطهّرا بأخبار كثيرة نذكر بعضها.

فمنها رواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (الماء يُطهِّر وَ لا يُطهَّر) «5».

و منها مرسلة الفقيه عنه عليه السلام قال: كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض و قد وسّع اللّه عزّ و جلّ عليكم بأوسع ممّا بين السماء و الأرض و جعل لكم الماء طهورا فانظروا كيف تكونون «6».

و منها رواية السرائر قال: «قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المتفق على روايته أنّه خلق الماء طهروا لا ينجّسه شي‌ء إلّا ما غير طعمه أو لونه أو رائحته» «7» الى غير ذلك من الأخبار.

______________________________
(1) سورة البقرة الآية 222

(2) سورة المائدة الآية 6

(3) سورة المائدة الآية 6

(4) سورة الأنفال الآية 11

(5) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب المياه الحديث 1- 2

(6) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب المياه الحديث 1- 2

(7) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 9

7
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

(المبحث الأول في المياه و أقسامها) ؛ ص : 6

و ضعف رواية السكوني و غيرها غير ضائر بعد جبر ضعفها بعمل الأصحاب.

ثمّ انّه إذا ثبت من الآيات و الأخبار كون الماء مطهرا فهل يكون فيها إطلاق بحيث يشمل جميع الأشياء أي يكون مطهّرا لجميع الأشياء حتّى الماء المتنجّس و كذا الدهن المتنجّس و الدبس المتنجّس و غير ذلك و الحاصل أنّه كلّما يشك في أنّه هل يطهّره أم لا يؤخذ بإطلاق هذه الأدلّة في مطهّرية الماء له أو ليس فيها إطلاق بل هي بصدد إثبات كون الماء مطهّرا في الجملة على نحو الإهمال و الإجمال و أمّا أنّه مطهّر لما ذا فلا تكون بصدد بيانه بل لا بدّ من استفادة كونه مطهرا لأيّ نوع من المتنجّسات من دليل آخر غير هذه الآيات و الروايات و هي لا يمكن التمسّك بإطلاقها لكيفيّة التطهير أيضا إذا شكّ في أنّه هل يحصل التطهير للمتنجّسات بالماء بأيّ كيفيّة كانت أو لا بدّله من كيفيّة خاصة.

ثمّ انّه إذا فرض الإهمال و الإجمال في الآيات و الروايات فهل يكون المرجع هو العرف بأن يقال: انّ كلّما يراه العرف أنّه تحصل الطهارة بهذه الكيفية إذا غسل به نقول به فيه دون ما لا يساعد العرف على ذلك.

و كذا إذا شكّ في أنّ الماء هل يكون مطهّرا لبعض الأجسام أم لا فهل يكون مرجعه الشرع أو العرف لا يبعد أن يقال: انّ المرجع- على فرض الإهمال و الإجمال في الآيات و الروايات- هو العرف.

و لكنّ الظاهر أنّه ليس فيها إهمال بل إطلاقها شامل لجميع المتنجّسات التي لها قابلية التطهير فلا يشمل الدهن و الدبس المتنجّسين إلّا في صورة استهلاكهما في الماء فحينئذ كلّ ما يشكّ في قابليته للتطهير يتمسّك فيه بالإطلاق و كذا إذا شك في أنّ التطهير هل يعتبر فيه كيفيّة خاصة أم لا تنفى ايضا بالإطلاق.

ثمّ انّ صاحب الشرائع (قده) قد قسّم المياه إلى ثلاثة أقسام الماء الجاري و ماء البئر و الماء المحقون و سائر أقسامها قد ألحقها بها أمّا الجاري فاختلف فيه أوّلا بأنّه هل يعتبر فيه الجريان أو يكفي فيه النبوع فقط قال في المسالك: المراد بالجاري النابع غير البئر سواء جرى أم لا و إطلاق الجاري عليه مطلقا تغليب أو حقيقة عرفية و الأصحّ اشتراط كريته انتهى.

و لا يخفى عليك أنّ هذا الكلام لا يساعد عليه العرف و اللغة.

أمّا العرف فلا يطلق الجاري عندهم الّا على ما جرى على وجه الأرض و كأنّه أراد‌

8
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

(المبحث الأول في المياه و أقسامها) ؛ ص : 6

رحمه اللّه بذلك أنّ المراد بالجاري ليس ما هو الظاهر من هذا اللفظ بل المستفاد من الأخبار أنّه النابع مطلقا.

و لكن لا شاهد له على ما ادّعاه و أمّا اللغة ففي المصباح المنير- للفيّومى- جرى الماء سال خلاف وقف الى أن قال: و الماء الجاري هو المتدافع في انحدار فاعتبر في معناه السيلان و التدافع.

و اختلف فيه ثانيا بأنّه هل تعتبر فيه الكرية أم لا قال العلامة و الشهيد الثاني قدس سرهما بالأوّل و قال الأكثر بالثاني و هو الأصحّ لعدم الدليل على اشتراط الكرية فيه مع أنّ إطلاق بعض الأخبار في الجاري يدفعه.

ثم إنّه لا فرق في صدق الماء الجاري بين ما إذا خرج الماء من العين متدافعا و بشدّة أو خرج بنزو و ضعف و لا بين أن يخرج من العيون أو يسيل من الثلوج و ان لم تكن له مادّة أو يخرج من منبع كبير بحيث يكون له استمرار و استدامة لصدق اسم الجاري على ذلك كلّه عرفا و لا دليل من الشرع على خلاف ذلك نعم إذا لم تكن له مادة مثل ما إذا سال كرّ من الماء على وجه الأرض بدون وجود المادّة أو كانت له مادّة لكن لا استدامة لها فالظاهر عدم صدق الجاري عليه عرفا و ان صدق لغة.

ثم انّا قد ذكرنا عدم الفرق في الجاري بين كونه أقلّ من الكر للإطلاق المستفاد من أخباره «1».

و يمكن تأسيس أصل كلّى لعدم تنجّس مطلق المياه إذا كانت كرّا أو كانت لها مادّة إلّا ما خرج بالدليل فيكون هذا الأصل هو المرجع عند الشك إذا حصلت ملاقاة الماء للنجس و يستفاد هذا الأصل الكلّي من كثير من الأخبار.

منها الرواية التي رواها ابن إدريس و ادّعى الاتفّاق على روايتها و حكى عن ابن أبى عقيل أنّها متواترة عن أبي عبد اللّه عن آبائه عن النبيّ صلوات اللّه عليهم أجمعين أنّه قال: «خلق اللّه الماء طهورا لا ينجّسه شي‌ء إلا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه» «2».

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 9

(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 9- 2

9
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

(المبحث الأول في المياه و أقسامها) ؛ ص : 6

و منها موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سألته عن الرجل يمرّ بالماء و فيه دابّة ميتة قد أنتنت قال: ان كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضّأ و لا تشرب» «1» فانّ لفظ الماء فيهما أريد به الجنس لا واحد من مياه العالم لأنّه في مقام البيان لا الإجمال فالرواية الاولى دالّة على أنّ الماء لا ينجس إلّا إذا تغيّر أحد أوصافه بالنجس و الثانية دالّة- بمفهومها- على عدم تنجّس مطلق المياه إذا لم تكن ريح الميتة الواقعة فيها غالبة على ريحها.

و منها رواية حريز عمن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «كلّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضّأ منه و اشرب و إذا تغيّر الماء و تغيّر الطعم فلا توضّأ و لا تشرب» «2» فانّ لفظ الماء ايضا مطلق شامل لمطلق المياه.

و منها رواية أبي بصير عنه عليه السلام حيث سأله عن الماء النقيع تبول فيه الدواب.

فقال: «ان تغيّر الماء فلا تتوضأ منه و ان لم يتغيّر من أبوالها فتوضّأ منه و كذلك الدم إذا سال في الماء و أشباهه» «3» فإنّ المراد بالماء النقيع هو الماء الراكد و ليس فيه التقييد بالكرية أو الجريان أو غيرهما فيشمل مطلق المياه الّا ما خرج بالدليل. و الحاصل أنّه يستفاد من هذه الأخبار أصل كلّي و قاعدة كلية و هي عدم تنجّس مطلق المياه إلّا إذا تغيّر أحد أوصافه بالنجس و خرج من.

هذه الكلية الماء القليل و الدليل على خروجه عن القاعدة الأخبار الكثيرة المعتبرة و هي صنفان:

الأوّل الروايات الدالة على عدم انفعال الكر بملاقاة النجس و سنوردها في موضعها إنشاء اللّه تعالى فإنّها دالة بمفهومها على انفعال ما دون الكرّ و هل يستفاد منها أنّه ينفعل بجميع النجاسات أو ينفعل بالنجاسات في الجملة سيجي‌ء تفصيله.

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 9- 2

(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 1- 8

(3) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 1- 8

10
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

(المبحث الأول في المياه و أقسامها) ؛ ص : 6

الثاني الأخبار الكثيرة الواردة في موارد خاصة.

منها صحيحة علىّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام في رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطعا صغارا فأصاب إناءه هل يصلح الوضوء منه فقال: ان لم يكن شيئا (شيى خ ل) يستبين في الماء فلا بأس و ان كان شيئا بيّنا فلا تتوضّأ (فلا يتوضأ خ ل) منه.

قال «و سألته عن رجل رعف و هو يتوضّأ فقطر قطرة في إنائه هل يصلح الوضوء منه قال: لا» «1» و صدر هذه الرواية يحتمل أن يراد منه فرض العلم الإجمالي بإصابة الدم امّا للإناء أو للماء فحكم عليه السلام بعدم البأس بالوضوء من هذا الماء و لا بدّ من حمله على ما إذا كان ظهر الإناء خارجا عن محلّ الابتلاء حتى لا يكون العلم الإجمالي منجّزا و حينئذ لا دخل للرواية فيما نحن فيه نعم الجملة الثانية أعني قوله ع: و ان كان شيئا بيّنا إلخ مرتبط بما نحن فيه بل هو تصريح للمفهوم من الجملة الأولى.

و يحتمل أن يكون المراد من الرواية أنّ الدم أصاب الإناء قطعا لكن فصّل الامام عليه السلام بين كون الدم شيئا بيّنا في الماء أو غير بيّن فحكم بعدم جواز الوضوء على الأوّل و جوازه على الثاني و هذا التفصيل هو مختار شيخ الطائفة (قده) في الاستبصار على ما حكى عنه و في المحكي عن المبسوط: ما لا يمكن التحرز عنه مثل رؤس الابر و غيره فإنّه معفوّ عنه لأنّه لا يمكن التّحرز عنه انتهى.

و لكن يدفع هذا الاحتمال ذيل الصحيحة فإنّه ترك التّفصيل بين كون الدم بيّنا في الماء و غيره و حكم ع بعدم جواز الوضوء بوقوع قطرة من الدم في الإناء من غير تفصيل.

اللّهم الّا أن يقال بأنّ المراد من القطرة الدم البيّن و لكن لا يناسب هذا السّؤال من مثل علىّ بن جعفر رضوان اللّه عليه بعد التفصيل الذي ذكره الامام عليه السلام في صدر الرواية فلا بدّ من أن يحمل صدرها على غير ما أريد من ذيلها و هو عدم اصابة الدم للماء و هو الاحتمال الثالث في الرواية و حاصله أنّ انتشار الدم و صيرورته قطعا صغارا صار سببا لتحيّر السائل حيث انّه علم بإصابة الدم للإناء و شك في إصابته للماء فسأل عن‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب المياه الحديث 4

11
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

(المبحث الأول في المياه و أقسامها) ؛ ص : 6

حكم ذلك فأجاب عليه السلام بأنّه ان لم يستبن شي‌ء في الماء فلا بأس بالوضوء منه و هذا كناية عن الشك في اصابة الدم للماء و ان كان شيئا بيّنا فلا يتوضّأ منه لأنّه يعلم بإصابة الدم للماء و هذا الاحتمال قريب جدّا بخلاف الاحتمالين الأوّلين فلا بدّ من حمل الرواية عليه لأنّه أظهر الاحتمالات أو حينئذ تصير الرواية شاهدة لما نحن فيه من انفعال الماء القليل بملاقاة النجس لأنه حكم عليه السلام فيها بأنّه إذا كان شيئا بيّنا فلا يتوضّأ منه و النهى عن التوضّؤ لا بدّ من جهة عروض النجاسة في الماء لأنه الظاهر لا لأجل حصول القذارة فيه فإنّه بمكان من البعد.

و منها صحيحة البزنطي قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل يدخل يده في الإناء و هي قذرة قال: يكفئ الإناء «1».

و منها صحيحة ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الجنب يجعل الركوة أو التور فيدخل إصبعه فيه قال: ان كانت يده قذرة فأهرقه (فليهرقه خ ل) و ان لم يصبها قذر فليغتسل منه هذا ممّا قال اللّه تعالى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «2».

و منها رواية شهاب بن عبد ربه عن أبي عبد اللّه عليه السلام أيضا في الرجل الجنب يسهو فيغمس يده في الإناء قبل أن يغسلها أنّه لا بأس إذا لم يكن أصاب يده شي‌ء «3» فدلّب بمفهومها على تنجّس الماء إذا أدخل يده في الإناء و كانت قذرة بأن أصابها المني كما يظهر ذلك من الأخبار الآتية.

و منها موثقة سماعة عن أبى بصير عن الصادق عليه السلام قال: إذا أدخلت يدك في الإناء قبل أن تغسلها فلا بأس الّا أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة فإن أدخلت يدك في الإناء و فيها شي‌ء من ذلك فأهرق ذلك الماء «4».

و منها موثقته الأخرى عنه عليه السلام قال: إذا أصابت الرجل جنابة فأدخل يده في الإناء فلا بأس ان لم يكن أصاب يده شي‌ء من المنى «5».

و منها موثقته الثالثة أيضا قال: سألته عن رجل يمس الطست أو الركوة ثم يدخل يده في الإناء قبل أن يفرغ على كفّيه قال: يهريق من الماء ثلاث حفنات و ان لم يفعل فلا بأس‌

______________________________
(1)- جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب المياه الحديث 1- 2- 7 و الآية في سورة الحج الآية 78

(2)- جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب المياه الحديث 1- 2- 7 و الآية في سورة الحج الآية 78

(3)- جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب المياه الحديث 1- 2- 7 و الآية في سورة الحج الآية 78

(4)- جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب المياه الحديث 3- 8- 9

(5)- جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب المياه الحديث 3- 8- 9

12
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

(المبحث الأول في المياه و أقسامها) ؛ ص : 6

و ان كانت أصابته جنابة فأدخل يده في الماء فلا بأس به ان لم يكن أصاب يده شي‌ء من المنى و ان كان أصاب يده فأدخل يده في الماء قبل أن يفرغ على كفيه فليهرق الماء كله «1».

و لكن تعارض هذه الروايات الدالة على انفعال الماء القليل بملاقاة النجس أخبار كثيرة دالة على عدم انفعال الماء القليل.

منها رواية أبي مريم الأنصاري قال: كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام في حائط له فحضرت الصلاة فنزح دلوا للوضوء من ركيّ له فخرج عليه قطعة من عذرة يابسة فأكفأ رأسه و توضّأ بالباقي «2» فإنّ الظاهر من لفظ العذرة هو عذرة الإنسان فدلّت الرواية على عدم انفعال الماء القليل بملاقاة النجس و حمل الدلو على ما يبلغ الكرّ بعيد للغاية كما أنّ حمل العذرة على فضلة مأكول اللحم ايضا بعيد.

و منها رواية محمّد بن ميسر قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق و يريد أن يغتسل منه و ليس معه إناء يغرف به و يداه قذرتان قال: يضع يده و (ثم) يتوضّأ ثم يغتسل هذا ممّا قال اللّه تعالى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «3».

و لفظ القليل ظاهر فيما دون الكر و حمله على القليل بمقدار الكرّ خلاف ظاهر لفظ القليل و المقصود أنه يضع يده في الماء و يتوضّأ اى يطهّر يده به لأنّ الوضوء هنا بفتح الواو و هو بمعنى التنظيف لا الوضوء المعهود فإنّه لا يجتمع مع غسل الجنابة.

و هذا المعنى المستفاد من الرواية- أعني عدم انفعال الماء القليل بوضع يده المتنجّسة في الماء- هو المناسب لرفع الحرج الذي استدلّ به الامام عليه السلام دون سائر التأويلات البعيدة عن الرواية لكي لا تنافي الروايات المتقدمة الدالة على انفعال الماء القليل بملاقاته للنجاسة و يمكن حمل النهى الوارد في الروايات المتقدمة- عن الوضوء بالماء الملاقي للنجاسة- على الكراهة في صورة الاختيار و حمل هذين الخبرين على الجواز بدون الكراهة في صورة عدم وجود ماء غيره و كذا يمكن حمل الأخبار الآمرة بإراقة الماء الملاقي للنجاسة على استحباب الإراقة.

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب المياه الحديث- 3- 8- 9

(2)- جامع أحاديث الشيعة الباب 8 من أبواب المياه الحديث 13- 14

(3)- جامع أحاديث الشيعة الباب 8 من أبواب المياه الحديث 13- 14

13
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

(المبحث الأول في المياه و أقسامها) ؛ ص : 6

و لكن كلّ ذلك خلاف الظاهر و مناف لعمل معظم الأصحاب القسم الثاني من الأخبار الدالة على انفعال الماء القليل في الجملة هو مفهوم أخبار الكرّ.

فمن الأخبار صحيحة محمّد بن مسلم عن ابى عبد اللّه (ع) قال: قلت له: الغدير فيه ماء مجتمع تبول فيه الدواب و تلغ فيه الكلاب و يغتسل فيه الجنب قال: إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شي‌ء «1».

و كذا الأخبار الكثيرة الدالة على أنّ الماء إذا كان قدر كرّ لم ينجّسه شي‌ء «2». فانّ مفهومها انفعال الماء بملاقاة النجس إذا لم يبلغ حدّ الكر و لكن لا يخفى أنّ نقيض السالبة الكلية التي ذكرت في منطوق هذه الأخبار من قوله (ع) إذا كان الماء قدر كرّ لا ينجّسه شي‌ء- هي الموجبة الجزئية فلا يستفاد من مفهوم هذه الكلية الّا أنّ الماء إذا لم يكن قدر كرّ ينجّسه شي‌ء ما لا أنه ينجّسه جميع الأشياء أو جميع النجاسات و حينئذ فيمكن أن يكون منجّس الماء القليل هو الكلب أو الخنزير أو الخمر التي يستفاد من الأخبار تنجيسها للماء القليل.

كصحيحة لبقباق الواردة في سؤر الكلب قال عليه السلام في حق الكلب: انّه رجس نجس لا تتوضّأ بفضله و اصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب أوّل مرّة ثمّ بالماء «3».

و سيجي‌ء البحث في هذه الرواية مفصّلا في مبحث الأواني إنشاء اللّه تعالى.

و صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الكلب يشرب من الإناء قال: اغسل الإناء «4».

و صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: و سألته عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به قال: يغسل سبع مرّات «5».

و مرسلة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما يبلّ الميل من النبيذ ينجّس حبا من ماء يقولها ثلاثا «6».

______________________________
(1)- جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب المياه الحديث 4- 1- 3

(2)- جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب المياه الحديث 4- 1- 3

(3)- جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب الأسئار الحديث 4 الباب 3

(4)- جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب الأسئار الحديث 4 الباب 3

(5)- جامع الأحاديث 23 من أبواب النجاسات الحديث 9

(6)- الوسائل الباب 38 من أبواب النجاسات الحديث 6

14
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

(المبحث الأول في المياه و أقسامها) ؛ ص : 6

و رواية عمر بن حنظلة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما تقول في قدح من مسكر يصب عليه الماء حتّى تذهب عاديته و يذهب سكره فقال: لا و اللّه و لا قطرة قطرت في حبّ إلّا أهريق ذلك الحبّ «1» هذا كلّه بالنّسبة إلى النجاسات الثلاث.

و أمّا سائر النجاسات فلا دلالة لروايات الكرّ على تنجيسها للماء القليل و مفهوم روايات الكرّ لا عموم فيه حتّى يتمسّك به.

و القدر المتيقّن من مفهوم روايات الكرّ هو تنجيس هذه الثلاثة- أعني الكلب و الخنزير و الخمر للماء القليل فينزّل المفهوم عليها.

مضافا الى أنّه يمكن أن يقال: انّ أخبار الكر ليس لها مفهوم أصلا بل التحديد بالكرّ لبيان تحقّق موضوع عدم الانفعال و هو مقدار الكرّ فالشّرطية سيقت لبيان تحقق الموضوع مثل ان رزقت ولدا فأختنه و مثل هذه الشرطية ليس لها مفهوم أصلا بل ينتفي الحكم بانتفاء موضوعه لا أنّ انتفاء الموضوع يصير سببا لتحقّق موضوع قضيّة أخرى.

هذا و ربّما يدّعى أنّ الجمع بين الأخبار على نحو ما مرّ من حمل ما دلّ- على النهى عن التوضّؤ بالماء الملاقي للنّجس على الكراهة و ما دلّ على الإراقة على الاستحباب- غير ممكن في موثقة سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل معه إناء ان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر و لا يدرى أيّهما هو و ليس يقدر على ماء غيره قال: يهريقهما (جميعا) و يتيمّم «2» فإنّها صريحة في عدم جواز استعمال الإناءين الذين وقع في أحدهما قذر و انتقال تكليفه الى التيمم فيعلم من هذه الموثقة انفعال الماء القليل بوقوع القذر و التأويل المذكور غير متمشّ فيها و لكن لا يخفى عدم معارضة هذه الموثقة للروايات الدالة على عدم انفعال الماء القليل لفرض السّائل انفعال الماء على سبيل البتّ و الجزم و انّما سأل عن حكم الماءين الذين وقع القذر في أحدهما و اشتبه فسؤاله انّما هو عن حكم المشتبه بعد الفراغ عن نجاسة الماء و ليس سؤاله عن الماء بأنه ينجس بوقوع القذر فيه أم لا و يمكن أن يكون القذر المفروض في كلامه هو الكلب أو الخنزير أو الخمر فلا ينافي ما ذكرناه هذا كلّه بحسب الأخبار و الجمع بينها.

______________________________
(1) الوسائل الباب 18 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 1

(2) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب المياه الحديث 3

15
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

(المبحث الأول في المياه و أقسامها) ؛ ص : 6

و أمّا أقوال العلماء فذهب الأكثر بل كاد أن يكون إجماعا إلى انفعال الماء القليل بملاقاة مطلق النّجس بل المتنجس و المخالف في ذلك من القدماء الحسن بن أبى عقيل العمّاني و الصدوق في ظاهر كلامه في الفقيه قال في الفقيه: فان دخل رجل الحمّام و لم يكن معه ما يغرف به و يداه قذرتان ضرب يده في الماء و قال: بسم اللّه و هذا ممّا قال اللّه عزّ و جلّ وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «1» و كذلك الجنب إذا انتهى الى الماء في الطّريق و لم يكن معه إناء يغرف به و يداه قذرتان يفعل مثل ذلك انتهى و الظّاهر أنّ مستنده هو رواية محمّد بن ميسر المتقدمة «2» فإن قلنا بظهور الرّواية في عدم انفعال الماء القليل بملاقاة المتنجّس كما قوّيناه نقول بظهور كلامه في ذلك و يشهد لذلك استشهاده بالآية فإنه لا يناسب ذلك كون الماء المفروض كرّا كما لا يخفى. و من المتوسّطين فخر الدين و من المتأخّرين المحدّث الفيض الكاشاني و السّيد عبد اللّه الشوشتري كما ذكر- لك كلّه في مفتاح الكرامة و لكنّ الصّدوق قد خصّ عدم الانفعال بصورة الاضطرار كما يظهر ذلك من قوله و لم يكن معه إناء يغرف به الا أن يقال: انّ هذا القيد لرفع الكراهة و حمل أخبار المنع على الكراهة في صورة الاختيار كما مرّ في رواية محمد بن ميسر ثم انّ مخالفة ابن ابى عقيل و الصّدوق غير ضائر في تحقّق الإجماع لكونهما معلومي النّسب و كذا فخر المحقّقين و الفيض القاساني الّا أن يقال: انّ مستند المجمعين ليس الّا هذه الأخبار و ليس هنا إجماع كاشف قطعي عن قول المعصوم عليه السلام و قد عرفت أنّ الأخبار متعارضة فبعضها دالّ على انفعال الماء القليل و بعضها دالّ على عدم الانفعال.

لكن نقول: انّ أعراض الأصحاب عن أخبار عدم الانفعال يكشف عن عدم حجيّتها و يوجب و ههنا عندنا.

ثم بناء على انفعال الماء القليل كما قوّيناه لا فرق بين أن تكون سطوح الماء متساوية أو مختلفة إذا لم يكن للماء قوّة دافعة فالعالى ينجس بملاقاة النجس لسافله إذا لم يكن له دفع و قوة مثل ما إذا أدخل ابرة نجسة من تحت القربة فإنّه ينجس الماء العالي فيها ايضا و كذا إذا كان الإبريق في أسفله ثقب و اتّصل ماء الإبريق بواسطة الثقب بالأرض النجسة فإنّه ينجس الماء الذي في أعلى الإبريق أيضا و أمّا إذا كان للماء دفع و قوّة فلا ينجس بملاقاة‌

______________________________
(1)- سورة الحج آية 78.

(2)- جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب المياه الحديث 14

16
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

(المبحث الأول في المياه و أقسامها) ؛ ص : 6

النجس لبعض أجزائه سواء أ كانت السّطوح متساوية أم مختلفة حتّى أنّ السّافل لا ينجس بملاقاة العالي للنجاسة كالفوّارة فالمناط في عدم التنجّس حصول الدّفع و ان كان من مثل السّافل للعالي لا العلوّ فإن العلوّ من حيث هو غير موجب لعدم الانفعال ما لم يكن للماء دفع و قوّة و السّرّ في ذلك هو أنّ سبب التنجّس ليس هو الملاقاة فقط بل السّبب بنظر العرف هو الملاقاة مع حصول السّراية و إذا حصلت الملاقاة و لم تحصل السّراية لا يحكم العرف بالتنجس بمجرد الملاقاة.

و كذا لا فرق بين ورود النّجاسة على الماء و وروده عليها لأنه بعد ما علم أنّ سبب التنجس هو الملاقاة مع السّراية لا يفرق العرف بينهما مع أنّ ملاكهما واحد و هو حصول الملاقاة و السّراية فما ذكره بعض الأعلام- من عدم الدّليل على انفعال القليل بوروده على النّجاسة فإنّ ما دلّ على الانفعال كلّه مورده ورود النّجاسة على الماء- مدفوع بأنّ ذكر مورد ورود النجاسة انّما هو من باب المثال لا الخصوصيّة بقرينة فهم العرف فإنّه إذا ألقيت الأدلّة الدالّة على الانفعال ممّا كانت النجاسة واردة على الماء على العرف لا يفهم العرف منها الخصوصيّة بل يحكمون حكما قطعيّا بأنّ الماء إذا ورد على النّجاسة حكمه أيضا كذلك.

ثم انّ الظّاهر أنه لا خلاف بين العامّة و الخاصّة بأنّ مطلق المياه إذا تغيّر أحد أوصافها الثلاثة أعني الرّيح و اللون و الطعم تنجس سواء أ كان الماء قليلا أم كرّا أم جاريا أم بئرا نعم نسب الى صاحب المدارك الإشكال بالنّسبة إلى اللون لعدم وجوده في الأخبار الصحيحة و لكن النّسبة على خلاف الواقع حيث قال فيها في كلام له: الأولى نجاسة الماء الجاري باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه و المراد بها اللون أو الطّعم أو الرائحة لا مطلق الصّفات كالحرارة و البرودة و هذا مذهب علمائنا كافّة انتهى و هذا الكلام فيه تصريح بخلاف تلك النّسبة.

و كيف كان فمستند نجاسة الماء بتغيّر أحد أوصافه الثلاثة هو الأخبار المستفيضة بل المدّعى تواترها فمنها قوله ص خلق اللّه الماء طهورا لا ينجّسه شي‌ء إلّا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه «1» و منها صحيحة حريز عن الصّادق عليه السلام قال: كلّما غلب الماء (على) ريح الجيفة فتوضّأ من الماء و اشرب و إذا تغيّر الماء و تغيّر الطّعم فلا توضّأ و لا تشرب «2» و هذه‌

______________________________
(1)- جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه 9- 1

(2)- جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه 9- 1

17
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

(المبحث الأول في المياه و أقسامها) ؛ ص : 6

الرّواية قد دلّت على تنجّس الماء بالرّيح و الطعم و مفهوم قوله: كلّما غلب الماء إلخ أنّه كلّما لم يغلب الماء ريح الجيفة فلا يجوز التوضّؤ و الشّرب منه و لا يكون ذلك الّا بان يغلب ريح الجيفة على الماء لعدم وجود الواسطة بين غلبة الماء على ريح الجيفة و غلبة ريح الجيفة على الماء فح يمكن أن يكون المنطوق هو تغيّر الماء بالرّيح ثم عطف عليه الطّعم فذكر عليه السلام قسمين من أقسام التغيّر في هذه الرواية و هو التغيّر بالريح و الطّعم و لفظ الماء في الرواية مطلق شامل للكرّ و الجاري و ماء الحمّام و غير ذلك.

و منها صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: كتبت الى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا عليه السلام فقال: ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء الّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه فينزح حتّى يذهب الرّيح و يطيب طعمه لأنّ له مادّة «1» و منها ما ذكر فيها اللون مع الرّيح أو اللون فقط كرواية شهاب بن عبد ربّه قال: أتيت أبا عبد اللّه عليه السلام أسأله فابتدأني فقال: ان شئت فاسأل و ان شئت أخبرتك قلت:--- أخبرني قال: جئت لتسألنى عن الغدير يكون في جانبه الجيفة أتوضّأ منه أو لا قال: نعم قال: فتوضّأ من الجانب الآخر الّا أن يغلب على الماء الرّيح فينتن، و جئت لتسأل عن الماء الراكد من الكرّ قال: فما لم يكن فيه تغيّر أو ريح غالبة قلت: فما التغيّر قال: الصّفرة فتوضّأ منه و كلّما غلب عليه كثرة الماء فهو طاهر «2» فان الظاهر من الفقرة الثانية أيضا فرض كون التغيّر بوصف النّجس لا مطلقا و ان لم يذكر شي‌ء من النّجاسات فيها من الجيفة و غيرها الّا أنّ الفقرة الأولى شاهدة على أنّ فرض التغيّر في الفقرة الثّانية أيضا هو التغّير بالجيفة الّا أنّها مخصوصة بالراكد و نحوه و الأولى مخصوصة بالغدير و يظهر من هذه الرواية التغير باللون ايضا.

و منها رواية العلاء بن فضيل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحياض يبال فيها قال: لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول «3» و مفهومها أنّه إذا غلب لون البول على لون الماء فيه بأس أي ينجس الماء فذكر في هذه الرّواية اللون فقط.

و منها رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سئل عن الماء النّقيع تبول فيه الدّوابّ‌

______________________________
(1)- جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 1

(2)- جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 6

(3)- جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 7

18
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

(فروع) ؛ ص : 19

 

فقال:

ان تغير الماء فلا تتوضّأ منه و كذلك الدّم إذا سال في الماء و أشباهه «1» فانّ تشبيه الدّم بالأبوال ظاهر في كون التغيّر باللون فهذه الرّواية أيضا ممّا يدل على أنّ التغيّر باللون اى بلون النّجاسة يكون منجسا للماء بل نفس ذكر الدّم ظاهر في التغّير اللوني لأنّ الدّم ليس له رائحة منتنة و ان كان له طعم أيضا الّا ان المتبادر منها هو اللون فلا إشكال في اللون أصلا فما قيل من عدم وجود المستند للّون لا وجه له بعد ورود هذه الأخبار.

فتحصّل من جميع الأخبار أنّ الماء مطلقا من أيّ أقسام المياه ينجس بتغيّر أحد أوصافه الثلاثة أعني الرّيح و الطّعم و اللون بالنجس و هل ينجس الماء بتنجس وصفه بغير هذه الثلاثة بأن تغيّر بالثّقل أو الخفّة أو الحرارة أو البرودة و غيرها فيه اشكال لعدم دلالة هذه الأخبار على ذلك نعم في بعض الأخبار ذكر التّغير من غير تقيّد بأحد هذه الأوصاف الثلاثة مثل قوله ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء الّا أن يتغير به «2» و غير ذلك.

و لكن يمكن حمله على ما دلّت عليه تلك الأخبار مضافا الى عدم فهم العرف من لفظ التغّير غير التغّير بأحد هذه الأوصاف الثلاثة فينزّل المطلق على المتفاهم العرفي.

(فروع)

(الأوّل)

هل ينجس الماء بتغير أحد أوصافه بالمتنجّس مثل ما إذا تغير لونه أو طعمه بوقوع الدّبس المتنجّس أو تغيّر ريحه بوقوع الدّهن المتنجّس أو الجلاب المتنجس فيه أم لا؟ يمكن أن يقال: انّه يستفاد من الأخبار المتقدّمة أنّه لا بدّ في تنجس الماء بالتغيّر تغيّره بالنجس و أنّه المتبادر من هذه الأخبار فلا تشمل التغيّر بالمتنجس نعم في بعض الأخبار ما يشمل الفرض مثل صحيحة ابن بزيع ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء الّا أن يتغّير «3» فإنّه ليس فيها ذكر النجس بل ذكر لفظ الشي‌ء الشامل للمتنجّس أيضا الّا أنّ التبادر فيها ابتدائي يدفعه ذيلها عقيب قوله: ريحه أو طعمه فينزح حتّى يذهب الرّيح و يطيب الطعم، فإنّه ظاهر في‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 3- 2

(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 3- 2

(3) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 3- 2

 

19
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفرع(الثاني) ؛ ص : 20

التنجّس بالنجس فانّ الرّيح المنتنة لا توجد في غير النجس غالبا و كذا الطعم الخبيث لا يحصل من المتنجس فتأمّل.

الفرع (الثاني)

أنّه لا فرق بين ورود النّجس على الماء و ورود الماء على النجس و مورد الأخبار و ان كان هو الأوّل الّا أنّ العرف بعد ما علم أنّ النجس ينجّس الماء القليل لا يفرّق بين المقامين و يعلم أنّ ذكر ورود النجس على الماء من باب المثال لا من باب الخصوصيّة.

(الثالث)

ذكر السيّد الطباطبائي (قدس سره) في العروة الوثقى انّه إذا وقع في الماء دم و شي‌ء طاهر أحمر فاحمر الماء بالمجموع لم يحكم بالنّجاسة و وجهه ظاهر فانّ السّبب للتغيّر هو المجموع من النجس و الطّاهر فلم يستند التغيّر إلى ملاقاة النجس فقط. و لكن ذكر رحمه اللّه قبله: أنّه إذا تغيّر ريح الماء بالميتة الواقع جزء منها في الماء و جزء منها في الخارج تنجّس الماء و لم يعلم الفرق بين المسألتين فإنّه ان كان كون النجس جزء المستند التّغير يجب الحكم بالنّجاسة في المسألتين و الا فلا نحكم بالنّجاسة في شي‌ء منهما فإنّه لا فرق بين الرّيح و اللون و لا بين تنجّس الماء بالدّم أو الميتة هذا كلّه فيما إذا تغير أحد أوصاف الماء بملاقاة النجس و أمّا إذا لم يتغيّر فان كان الماء قليلا فقد مرّ البحث فيه و ان كان كرّا لا ينجس و سيأتي الكلام فيه هذا كله في الماء القليل و الجاري.

20
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

البحث في ماء الكر ؛ ص : 21

البحث في ماء الكرّ

و امّا الكرّ فله في الأخبار تحديدان أحدهما بحسب المساحة و الآخر بحسب الوزن أمّا بحسب المساحة ففيها أخبار مختلفة فبعضها يدل على اعتبار بلوغ كلّ من أبعاده الثلاثة الطول و العرض و العمق ثلاثة أشبار و نصف مثل ما رواه في الاستبصار عن الحسن بن صالح الثّوري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا كان الماء في الرّكيّ كرّا لا ينجّسه شي‌ء قلت:

و كم الكرّ قال: ثلاثة أشبار و نصف طولها في ثلاثة أشبار و نصف عمقها في ثلاثة أشبار و نصف عرضها «1».

و الرّواية و ان كانت ضعيفة السّند الّا أنّ الأصحاب اعتمد و أ عليها و عملوا بها.

و اشتمالها على ما لم يقل به أحد- و هو اعتبار الكرّية في عدم انفعال ماء البئر- غير ضائر لإمكان حمل هذه الجملة بالخصوص على التقيّة و لا يلزم من ذلك حمل تمام الخبر عليها مع أنّه لا وجه له لعدم اعتبار الكرّية عند العامة في عدم الانفعال بل الماء غير المنفعل عندهم القلّة و القلّتان و عند بعضهم أنّ مطلق المياه لا ينفعل حتّى القليل مضافا الى أنّ الرّكوة بحسب تفسير بعض أهل اللغة هو الحوض الكبير فلا يلزم أن يكون بئرا. و استشكل في الرّواية أيضا بعدم ذكر الطول في نسخ الكافي و انّما ذكر الطول في نسخ الاستبصار فقط فحينئذ ذكر فيها البعد أن برواية الكافي و هو مخالف للإجماع فتسقط الرواية عن الاعتبار و الجواب عنه أوّلا أنّه إذا دار الأمر بين احتمال النقيصة و الزّيادة فاحتمال النقيصة أولى لأنّ النّسيان يصير غالبا سببا للنقيصة لا للزّيادة.

و ثانيا أنّه لو فرض عدم ذكر أحد الأبعاد فلا يضرّ بالمقصود فانّ المراد بالعرض هو السّطح أعم من الطول و العرض لا خصوص العرض المقابل للطّول و يشهد لذلك عدم ذكر الأبعاد الثّلاثة في جميع أخبار الكرّ بحسب تحديده بالمساحة بل ذكر فيها البعدان فقط‌

______________________________
(1)- جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب المياه الحديث 2

21
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

البحث في ماء الكر ؛ ص : 21

فيظهر من ذلك أنّ المراد بالعرض هو السّطح الشامل للطول و العرض.

و من روايات الكرّ ما رواه أبو بصير في الصحيح عن الصّادق عليه السلام ايضا--- قال: إذا كان الماء ثلاثة أشبار و نصف (و نصفا خ ل) في مثله ثلاثة أشبار و نصف في عمقه من الأرض فذلك الكرّ من الماء «1».

و المناقشة فيها بما مرّ من إهمال ذكر أحد الأبعاد الثلاثة فيها مدفوعة بما عرفت مضافا الى أنه يمكن أن يقال: انّ الأبعاد الثلاثة مذكورة فيها بأن يقال: ثلاثة أشبار و نصف الذي ذكر أوّلا هو البعد الأوّل و في مثله للبعد الثاني و ثلاثة أشبار و نصف الثاني بيان أو بدل لقوله:

في مثله و قوله في عمقه أي ثلاثة أشبار و نصف في عمقه فقوله في عمقه بيان للبعد الثّالث و اكتفى فيه بظهوره من سابقه و هاتان الروايتان هما مستند قول المشهور من اعتبار بلوغ حاصل ضرب كلّ من الأبعاد الثّلاثة في الآخر ثلاثة و أربعين شبرا الّا ثمن شبر.

و قيل: يكفي ستّة و ثلاثون شبرا و مستند هذا القول هو رواية إسماعيل بن جابر قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الماء الذي لا ينجّسه شي‌ء قال: ذراعان عمقه في ذراع و نصف سعته «2»: بأن يقال: انّه يضرب الذّراعان اللذان هما أربعة أشبار في ذراع و شبر اللذان هما ثلاثة أشبار في ذراع و شبر طولا فيصير مجموع مكسّرة ستة و ثلاثين شبرا.

و لكن لا يخفى أنّ الذّراع أكثر من شبرين فيصير حاصل مضروب الجميع قريبا ممّا قاله المشهور من اعتبار بلوغ مكسرة ثلاثة و أربعين شبرا الّا ثمن شبر فهذه الرواية دلالتها على مذهب المشهور أقوى.

و قيل: يكفى بلوغ حاصل المضروب سبعة و عشرين شبرا و مستنده رواية إسماعيل ابن جابر قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الماء الذي لا ينجّسه شي‌ء فقال: كرّ قلت:

و ما الكرّ قال: ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار «3» قال الصدوق في المجالس: روى أنّ الكرّ هو ما يكون ثلاثة أشبار طولا في ثلاثة أشبار عرضا في ثلاثة أشبار عمقا «4» و الظاهر أنّ‌

______________________________
(1)- جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب المياه الحديث 1

(2)- جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب المياه الحديث 6

(3)- جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب المياه الحديث 5

(4)- جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب المياه الحديث 3

22
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

البحث في ماء الكر ؛ ص : 21

رواية الصّدوق (قدس سره) هي رواية إسماعيل المتقدمة نقلها بالمعنى لا رواية أخرى برأسها و لكن يمكن سقوط لفظ النّصف من هذه الرّواية فيحتمل مطابقتها لقول المشهور فثبت أنّ الأقوى ما عليه المشهور من بلوغ مكسّرة ثلاثة و أربعين شبرا.

هذا كلّه تحديد الكرّ بحسب المساحة و أمّا بحسب الوزن فالأخبار و أقوال العلماء فيه أيضا مختلفة فبعض الأخبار يدلّ على تحديده بحسب الوزن بستمائة رطل مثل صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: و الكرّ ستمائة رطل «1» و بعضها يدلّ على أنّ الكرّ ألف و مائتا رطل مثل مرسلة ابن ابى عمير عنه عليه السلام قال: الكرّ من الماء الذي لا ينجّسه شي‌ء ألف و مائتا رطل «2» و كيف يمكن التّوفيق بينهما و لكن يمكن أن يقال: انّ طريق الجمع بينهما بعد القطع بأنّ ألفا و مأتي رطل ليس المراد منه الرّطل المكي الذي هو ضعف العراقي لانعقاد الإجماع على خلافه و لأنّه مناف للتحديد بحسب المساحة حتّى على القول باعتبار بلوغها ثلاثة و أربعين شبرا الّا ثمن شبر كما اخترناه- أن يقال: انّ المراد بستمائة رطل في رواية محمّد بن مسلم هو الرطل المكّي و بألف و مأتي رطل في مرسلة ابن أبى عمير هو الرّطل العراقي الذي هو نصف الرّطل المكّي فإنّه لا يمكن حمل الرطل في رواية ابن أبى عمير على المكّي قطعا لما ذكرناه و لا على المدني الذي هو أكثر من العراقي بمقدار الثلث لمنافاته لرواية محمّد بن مسلم فانّ الرّطل فيها لو حمل على المكّي لا يوافق الألف و مأتي رطل المدني و لمنافاته للتّحديد بالأشبار كما ذكره بعض المحقّقين فإنّ الألف و مأتي رطل المدني أكثر من التحديد بالأشبار بكثير. فتعيّن أنّ المراد بستمائة رطل هو الرّطل المكّي و بألف و مأتي رطل هو العراقي. مضافا الى موافقة ألف و مأتي رطل للتحديد بثلاثة و أربعين شبرا الّا ثمن شبر فإنّه كما قيل قريب من التّحديد المذكور و ان كان لا يبلغ التّحديد المذكور على نحو الدقّة فإنّ الأصل في تحديد الكرّ هو التحديد بالوزن و هو تحديد حقيقي بخلاف الأشبار فإنّها كاشفة عن وجود الكرّ و هي تحديد تقريبي فإنّ الشّارع الحكيم بعد أن لاحظ اختلاف الأشبار في القصر و الطول جعل طريقا للعرف الى الوصول إلى حقيقة الكرّ و لكن راعى فيه الاحتياط فجعل الأكثر طريقا لئلّا يضرّ القصر و الطول في إحراز الكرّية.

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب المياه الحديث 4

(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب المياه الحديث 8

23
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

البحث في ماء المطر ؛ ص : 24

هذا في الكر بحسب المساحة و الوزن و أمّا أحكام ماء الكرّ فقد بيّناها في مطاوي بيان أحكام الماء القليل من أنّه لا ينجس بملاقاته للنجس إلّا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة و ذكرنا أخباره فراجع‌

البحث في ماء المطر

و امّا ماء المطر فلا ينفعل حال نزوله بملاقاة النجس و يطهّر كلّ ما له قابليّة التطهير بالماء و تدل على ذلك روايات كثيرة.

(منها) مرسلة الكاهلي عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت: أمر في الطّريق فيسيل علىّ الميزاب في أوقات أعلم أنّ النّاس وضّاءون قال: قال: لا بأس لا تسأل عنه قلت: و يسيل علىّ من ماء المطر أرى فيه التغيّر و أرى فيه آثار القذر فتقطر القطرات علىّ و ينتضح علىّ و البيت يتوضّأ على سطحه فيكف على ثيابنا قال: ما بذا بأس لا تغسله كلّ شي‌ء يراه ماء المطر فقد طهر «1» فإنّها تدلّ على عدم تنجّس ماء المطر بوقوعه على النجس و كونه مطهرا للمتنجّس و لا يمكن أن يكون الماء مطهّرا مع قبوله الانفعال و المراد بماء المطر المفروض في كلام السّائل الماء المجتمع من قطرات المطر لا نفس المطر النّازل من السّماء بدليل أنّه قال أرى فيه التغيّر إلخ فإنّ نفس المطر ما لم يسل على وجه الأرض ليس فيه تغير بل التغير يحصل فيه بسيلانه على وجه الأرض و الظّاهر أنّ المراد بآثار القذر آثار القذارة الظاهرية أي الوسخ و تغير ماء المطر بجريانه على الأرض بوصف المتنجّس لا بوصف النجس فانّ ماء المطر ينجس بتغير أحد أوصافه الثلاثة بملاقاة النجس كسائر المياه و الوضوء بفتح الواو الاستنجاء و الوكوف الرّشح.

و (منها) رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكنيف يكون خارجا فتمطر السّماء فتقطر علىّ القطرة قال: ليس به بأس «2».

و (منها) صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في السّطح يبال عليه فيكف فيصيب الثّوب فقال: لا بأس به ما أصابه من الماء أكثر منه «3» و غير ذلك من الأخبار‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 3- 9- 4

(2) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 3- 9- 4

(3) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 3- 9- 4

24
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

البحث في ماء المطر ؛ ص : 24

الآتية فإنّها تدلّ على عدم انفعال ماء المطر بملاقاته للنّجس ثمّ انّه يشترط في اعتصام ماء المطر عدم انقطاع التّقاطر من السّماء لا لأجل دلالة الأخبار على اعتبار الجريان في عاصميّته لأنّ المراد بالجريان في تلك الأخبار الجريان على وجه الأرض لا الجريان من السّماء كما سيأتي توضيحه. بل لأجل أنّ القدر المتيقّن هو صورة تقاطره من السّماء فما عداه يشكّ في صدق المطر عليه اى بعد انقطاعه يشكّ في أنه عاصم أم لا مضافا الى دعوى الإجماع على اعتبار ذلك.

و هل يعتبر في عاصميّته الجريان على وجه الأرض لو لا المانع أو يكفي مسمّى المطر و إن لم يجر على وجه الأرض فيه وجهان بل قولان و الظاهر هو القول الأوّل و مستنده روايات مستفيضة ذكر فيها الجريان.

(منها) رواية على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن المطر يجري في المكان فيه العذرة فيصيب الثّوب أ يصلّى فيه قبل أن يغسل قال: إذا جرى فيه المطر فلا بأس «1» و ذكر الجريان و ان كان في كلام السائل الا أنّ الامام عليه السلام نبّه بذكره في كلامه ايضا على أنّ مناط عدم البأس هو الجريان و الظاهر أنّ المراد بالجريان الجريان على وجه الأرض لا الجريان من السّماء بقرينة كلمة فيه و الضمير عائد إلى المكان و الجريان في المكان هو الجريان على وجه الأرض و لو كان المراد الجريان من السّماء لقال (ع): إذا جرى عليه المطر مضافا الى أنّ لفظ الجريان غير معلوم الصّدق على الجريان من السّماء بل يطلق عليه لفظ التقاطر و لفظ المطر مثل قولهم: تقاطر المطر من السّماء أو قولهم أمطرت السّماء و لا يقال:

جرى المطر من السّماء.

و (منها) صحيحة على بن جعفر ايضا عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن البيت يبال على ظهره و يغتسل من الجنابة ثمّ يصيبه المطر أ يؤخذ من مائه فيتوضأ به للصّلوة فقال: إذا جرى فلا بأس به.

قال: و سألته عن الرّجل يمرّ في ماء المطر و قد صبّ فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلّى فيه قبل أن يغسله فقال: لا يغسل ثوبه و لا رجله و يصلّى فيه و لا بأس به «2» و لكن هذه الرّواية ظاهرة في الجريان من السّماء لأنّ مفروض السّائل و هو الأخذ من ماء المطر و التوضّؤ به‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 7

(2) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 5 و 8

25
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

البحث في ماء المطر ؛ ص : 24

انّما يتحقّق فيما إذا جرى على وجه الأرض حتّى يتمكّن من أخذ الماء منه فقيد إذا جرى في الجواب، لا بدّ أن يراد منه الجريان من السّماء الّا أن يقال فيها: ما ذكرناه في الرّواية السّابقة من أنّ هذا القيد انما هو لبيان تحقّق موضوع الحكم مثل أن يقال في السّؤال: إذا كان الرّجل عالما فهل يجب إكرامه فيجاب نعم إذا كان عالما يجب إكرامه فيذكر الشرط المذكور في الجواب تنبيها على أنّه شرط تحقّق الموضوع و هذه الرّواية و ان كان ذيلها مطلقا الّا أنّ قيد إذا جرى في الصّدر كاف للقرينية على عدم إرادة الإطلاق في الذّيل مع أنّ الذّيل له دلالة على تحقّق الجريان لأنّ مفروض السّائل السّؤال عن الرّجل يمرّ في ماء المطر و هو غير صادق إلّا إذا كان المطر جاريا على وجه الأرض و مع عدم الجريان لا يمرّ في ماء المطر بل يمرّ على الأرض.

و منها روايته الأخرى عن أخيه صلوات اللّه عليه قال: سألته عن الكنيف يكون فوق البيت فيصيبه المطر فيكف فيصيب الثياب أ يصلّى فيها قبل أن تغسل قال: إذا جرى من ماء المطر فلا بأس يصلى فيه «1» و لكنّ الإنصاف أنّ هذه الرّواية لا دلالة لها على اعتبار الجريان بل الظاهر منها أنّه إذا جرى ما يكف من ماء المطر اى يشترط أن يكون ما يكف من ماء المطر لا من ماء الكنيف و أين هذا من اعتبار الجريان و هذه الأخبار- كما ترى- تدلّ على اعتبار الجريان في مطهّرية المطر و بعض الأخبار المتقدمة «2» ليس فيها قيد الجريان و يمكن الجمع بينهما بأنّ مورد أخبار الجريان هو الكنيف أو المكان المعدّ لتوارد النجاسات و قيد الجريان لا لأجل كونه دخيلا في التّطهير بل لأجل حصول الطهارة لجميع السّطح بواسطة جريان المطر عليه حتّى المكان الذي لم يصبه المطر فإنّه يطهر ايضا بجريان ماء المطر على سطح الأرض و وصوله اليه فلا يمكن الحكم بطهارة السّطح أو بطهارة ما يكف على الثّياب على الإطلاق بل لا بدّ امّا من قيد الجريان حتّى يطهر جميع السّطح و امّا من قيد أنّ كلّ مكان أصابه المطر يطهر فقيد الجريان لدفع هذا الإطلاق لا أنّه شرط في المطهريّة فعلى هذا لا يعتبر في المطهريّة الجريان بل يكفى كون المطر غالبا على النجاسة.

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 6

(2) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 3 و 4

26
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

البحث في ماء البئر ؛ ص : 27

البحث في ماء البئر

و أمّا ماء البئر ففيه بحثان الأوّل في مفهوم البئر و معناه لغة أو شرعا قال في المسالك نقلا عن الشهيد: انّها مجمع ماء نابع من الأرض لا يتعدّاها غالبا و لا يخرج عن مسمّاها عرفا انتهى قلت: الأحكام الثابتة للبئر لا بدّ من إحراز مراد الشّارع من لفظ البئر الواقع في كلامه أمّا بالحقيقة اللغويّة و أصالة عدم النقل عنها في كلام الشارع أو بالحقيقة الشرعيّة ان قلنا بها أو بالإجماع على عدم الفرق بينهما و الا فترتّب الأحكام الشّرعيّة عليها مع عدم إحراز أنّ المراد بالبئر الواقعة في كلام الشارع هي البئر الواقعة في كلامنا و المصطلحة عندنا غير ممكن لاحتمال اختلاف عرفه مع عرفنا.

و لكن الظّاهر أنّ الشّارع ليس له اصطلاح خاصّ بالنّسبة إلى البئر و لا فرق بين المعنى اللغوي و العرفي فيها و معناها العرفي واضح و هو النّابع غير الجاري على وجه الأرض الذي له قعر و هو المرادف لقولنا بالفارسيّة (چاه) و كذا هو مرادف لسائر اللغات المستعملة في هذا المعنى في أيّ لغة كان فليس له اصطلاح خاص في جميع اللغات.

البحث الثّاني في أحكامها

و هل ينفعل ماءها بوقوع النّجس فيها؟ فيه أربعة أقوال (الأوّل) الانفعال مطلقا و هو المشهور بين القدماء (الثاني) عدمه مطلقا و هو المشهور بين المتأخّرين (الثالث) التفصيل بين الكرّ و غيره بعدم الانفعال في الأوّل و الانفعال في الثاني و هو المنقول عن الشّيخ محمّد بن محمّد البصروي من القدماء (الرابع) عدم الانفعال و وجوب نزح المقدّرات تعبّدا نسب ذلك الى العلّامة و الأقوى هو القول الثّاني و يدلّ عليه كثير من الأخبار (منها) صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال: كتبت الى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرّضا صلوات اللّه عليه فقال: ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء الا ان يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح و يطيب طعمه لأنّ له مادّة «1».

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 1

27
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

البحث الثاني في أحكامها ؛ ص : 27

و المراد بالواسع الواسع من حيث الحكم يعنى أنّ النّاس في سعة من حيث حكم ماء البئر و هذا نظير قوله عليه السلام: النّاس في سعة ما لا يعلمون و تدلّ على طهارة ماء البئر فإنّ الحكم بنجاستها ضيق على النّاس تنفيه هذه الرواية و قوله: لا يفسده شي‌ء بيان لقوله واسع و أقوى مصاديق الإفساد النّجاسة و قد نفتها هذه الرواية و قوله: الا أن يتغيّر ريحه إلخ دليل على انحصار الإفساد بما إذا تغير و قوله: لأنّ له مادّة تعليل لقوله واسع اى علّة سعة ماء البئر و عدم فساده بملاقاة النجس هو وجود المادّة العاصمة للماء عن الانفعال و أورد على الاستدلال بالرواية أمور أحدها ما ذكره الشّيخ في الاستبصار من أنّ المراد بأنّه لا يفسده شي‌ء فسادا لا ينتفع بشي‌ء منه الّا بعد نزح جميعه الّا ما يغيره انتهى.

أقول: و لنعم ما قال بعض الأعاظم من أنّ طرح الرّواية و ردّ علمها إلى أهلها أولى من إبداء هذا النحو من الاحتمالات العقليّة التي لا يكاد يحتمل المخاطب ارادتها من الرّواية خصوصا في جواب المكاتبة انتهى مع أنّ المعنى الذي ذكره قدّس سرّه مع التغير كذلك فانّ التغير ايضا لا يصير سببا لفساد الماء بحيث لا ينتفع به الّا بعد نزح جميعه بل يكفى النّزح الى أن يذهب التغير فيطهر كما هو ظاهر الرّواية بل صريحها، فعند ذلك يصير الاستثناء لغوا و هو غير ممكن بالنّسبة إلى كلام الامام عليه السلام مضافا الى أنّ هذا المعنى الذي ذكره مناف لما هو و غيره عليه من وجوب نزح جميع ماء البئر في بعض الموارد مثل ما إذا صبّ في البئر خمر أو أحد الدّماء الثلاثة أو مات فيها إنسان فإنّه (قدس سره) حكم بوجوب نزح الجميع فانحصار الإفساد بالتغيّر لا وجه له حينئذ إلا أن يدّعى بأنّ الحصر إضافي و هو بعيد غايته.

(الثاني) ممّا أورد على المكاتبة أنّ المراد من الإفساد ليس من حيث النجاسة بل الإفساد المنفيّ في الرواية هو الإفساد من حيث القذارة الظّاهريّة أي الوسخ بمعنى ان ماء البئر لا يحتمل و سخابل هو دائما نظيف لأنّ له مادّة و لكن فيه ما لا يخفى فإنّ الإمام عليه السلام ليس من شأنه بيان بعض الأمور العرفيّة التي يعرفها العرف بل من شأنه بيان الأحكام الشّرعية فإن كون ماء البئر بواسطة وجود المادّة لا يحتمل القذارة الظّاهريّة بل و ان صار وسخا يرتفع وسخه بسبب المادّة أمر واضح عند العرف ليس من شأن الإمام بيانه.

الاشكال الثّالث الذي أوردوه على الرواية أنّ سند الرّواية غير سليم فإنّه و ان كان الرّواة كلّهم حتّى محمّد بن إسماعيل بن بزيع موثقين الّا أنّ ابن بزيع قال: كتبت الى رجل‌

28
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

البحث الثاني في أحكامها ؛ ص : 27

أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا (ع) و الرّجل الذي كتب اليه ابن بزيع مجهول الحال و ايضا لفظ قال الذي في الرّواية لعلّه كان من كلام ذلك الرّجل لا من كلام الامام عليه السلام فالرواية حينئذ مجهولة و مقطوعة.

و الجواب أنّ الرّواية نقلها ابن بزيع للأصحاب و تلقّاها الأصحاب بالقبول حتّى أنّ الشيخ مع قوله بنجاسة البئر تلقّاها بالقبول بدليل أنّه أوّلها إلى المعنى الذي ذكره حتّى لا تخالف سائر الأخبار الدالّة على النّجاسة بزعمه و لم يخدش في سندها بل خدش في دلالتها فالظّاهر أنّ ابن بزيع علم أنّ قوله: البئر واسع (إلخ) من كلام الامام عليه السلام امّا لأنّه سمعه من الامام حين سأله ذلك الرّجل و كان ابن بزيع حاضرا في المجلس و لكن كان له مانع من السّؤال من الامام (ع) فكتب الى ذلك الرّجل أن يسأل الإمام (ع) عن حكم ماء البئر فأجاب الامام و سمعه ابن بزيع و إمّا انّ ابن بزيع رأى مكتوب الامام بخطه (ع) فنقل عن الامام (ع) بلفظ قال أو علم أنّ ذلك الرجل الذي قال له هذا الكلام. نقله عن الامام عليه السلام لا انه من قبل نفسه قال هذا الكلام.

و من الاخبار الدالّة على طهارة ماء البئر صحيحة معاوية بن عمّار عن الصّادق عليه السلام قال: سمعته يقول: لا يغسل الثّوب و لا تعاد الصّلوة ممّا وقع في البئر الّا أن ينتن فإن أنتن غسل الثّوب و أعاد الصّلوة و نزحت البئر «1» فإنّ الظّاهر منها أنّ كلّ ميتة وقعت في البئر لا تنجس ماءها إلّا إذا أنتنت فانّ انتان الميتة مستلزم غالبا لتغير الماء فحينئذ يجب نزح ماء البئر الى أن يطيب كما نطقت به الرّواية المتقدّمة.

و (منها) صحيحته الأخرى عنه عليه السلام في الفأرة تقع في البئر فيتوضّأ الرجل و يصلّى و هو لا يعلم (بها خ) أ يعيد الصّلوة و يغسل ثوبه قال: لا يعيد الصلاة و لا يغسل ثوبه «2» و نظيرها بل أظهر منها دلالة موثقة أبان بن عثمان عنه عليه السلام قال: سئل عن الفأرة تقع في البئر لا يعلم بها إلّا بعد ما يتوضّأ منها إيعاد الوضوء فقال: لا «3» و حمل الفأرة على الفأرة الحية بعيد في الغاية بل لا يحتمله أحد من السّؤال بل المفروض كونها نجسا و السّؤال عن حكم ماء البئر و أبعد منه حمل التوضؤ و الصّلوة على ما‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 5

(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه ح 7- 8-

(3) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه ح 7- 8-

29
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

البحث الثاني في أحكامها ؛ ص : 27

إذا شكّ في كون أحدهما كان قبل وقوع الفأرة فيها أو بعده فإنّ الرّواية و لا سيّما الثّانية كادت تكون صريحة في تأخّر الصّلوة و الوضوء عن وقوعها في البئر.

و منها صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن بئر ماء وقع فيها زبيل (زنبيل) من عذرة رطبة أو يابسة أو زنبيل من سرقين أ يصلح الوضوء منها قال:

لا بأس «1» و الظاهر من لفظ العذرة هو عذرة الإنسان فلا وجه لحمل العذرة على العذرة الطاهرة أو الأعم منها و من النّجسة بل لو حملت على الأعم لدلت على عدم الانفصال ايضا و كذا الظاهر منها اصابة العذرة لماء البئر فلا وجه لحمل الرّواية على ما إذا شك في أصابتها لماء البئر بعد اصابة الزنبيل له.

و منها صحيحة أبي أسامة و أبى يوسف يعقوب بن عثيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا وقع في البئر الطير و الدّجاجة و الفأرة فانزح منها سبع دلاء قلنا: فما تقول في صلوتنا و وضوئنا و ما أصاب ثيابنا فقال: لا بأس به «2» و دلالتها على طهارة ماء البئر واضحة بل صريحة فالأمر بالنّزح لأجل التنزّه لا لأجل النجاسة.

و منها موثقة أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام بئر يستقى منها و يتوضأ به و غسل منه الثّياب و عجن به ثمّ علم أنّه كان فيها ميّت قال (فقال خ ل) لا بأس به و لا يغسل منه الثّوب و لا تعاد منه الصّلوة «3» فإنّ الميّت ظاهر في الميّت النجس دون الطّاهر فانّ الطّاهر ليس موردا للسّؤال.

(هذه) هي الأخبار الدالّة على الطّهارة و فيها إطلاق يشمل الكرّ و ما دونه و هنا أخبار أخر تعارض بظاهرها هذه الروايات (منها) رواية الحسن بن صالح الثوري المتقدّمة «4» في باب الكرّ فانّ فيها التقييد بالكرّ في عدم انفعال ماء البئر و لفظها هكذا: إذا كان الماء في الرّكيّ كرّا لم ينجّسه شي‌ء فمفهومها إذا لم يكن الماء في الركي كرّا ينجّسه شي‌ء و هو معارض للروايات المتقدّمة.

و يمكن أن يجاب عن المعارضة بأنّ لفظ الرّكيّ ليس صريحا في البئر فإنّ معنى الرّكيّ‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 5

(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 10- 11

(3) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 10- 11

(4) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب المياه الحديث 2

30
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

البحث الثاني في أحكامها ؛ ص : 27

كما في القاموس هو الحفرة و فيه ايضا: المركوّ الحوض الكبير فيمكن أن يكون المراد منها في الرّواية هو مطلق الحفرة دون خصوص البئر و ارادة البئر منه في بعض الموارد من باب إطلاق الكلّي على الفرد لا أنّه معناه الحقيقيّ و على فرض كون المراد من الرّكيّ خصوص البئر في الرّواية لتفسير الرّكيّ بالبئر في كتب اللغويين نقول: بأنّ هذه الرواية يستفاد منها أنّ العاصم لتنجّس البئر هو الكرّيّة و مفهومها عدم وجود العاصم فيما دون الكرّ و سائر الأخبار الدّالّة على عدم انفعال ماء البئر دالة على أنّ العاصم هو وجود المادّة الموجودة فيما دون الكرّ ايضا و دلالة هذه الرّواية على الانفعال بالمفهوم و إطلاق تلك الأخبار منطوق و هو أقوى دلالة من المفهوم فلا يصلح المفهوم لتقييد المنطوق هذا كلّه في بيان الأخبار الدالّة على الطّهارة.

و أمّا الأخبار المتوهّم دلالتها على النّجاسة فهي كثيرة أيضا (منها) رواية محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال: كتبت الى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرّضا عليه السلام في البئر تكون في المنزل للوضوء فيقطر فيها قطرات من بول أو دم أو يسقط فيها شي‌ء من عذرة كالبعرة و نحوها ما الذي يطهّرها حتّى يحلّ الوضوء منها فوقع عليه السلام بخطّه في كتابي (كتابه خ ل) ينزح دلاء منها «1».

و تقريب الاستدلال بها على النّجاسة هو: انّ السّائل سأل عمّا يطهّر البئر حتّى يحلّ الوضوء منها و يعلم منه أنّ النجاسة كانت مفروغا عنها عنده بوقوع المذكورات في البئر الى أن يتحقّق المطهر و لم يردعه الامام عليه السلام بنفي النّجاسة عن الماء بل أبقاه على اعتقاده فيعلم من ذلك أنّ ماء البئر ينجس بوقوع المذكورات فيها.

و الجواب عن هذه الرواية أنّ ذكر الدلاء بنحو الإهمال و عدم تعيين مقدار النّزح يستكشف منه أنّ الأمر بالنزح لأجل التنزّه لا للوجوب و الّا فلا يصلح ذكر النزح بنحو الإهمال للجواب بعد وضوح أنّه عليه السلام كان في مقام بيان الحكم و بعد ظهور أنّ السّائل كان جاهلا بالمطهر حتّى سأل- ما الذي يطهّرها فالمراد بما يطهّرها في كلام السّائل ما الذي ترفع قذارتها العرفيّة حتّى يرتفع كراهة الوضوء منها و ان كان حمل جملة حتّى يحل الوضوء منها على ذلك خلاف الظّاهر الّا أنّه لا بدّ من هذا الحمل جمعا بين هذه الرواية و سائر الرّوايات الصريحة‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 6

31
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

البحث الثاني في أحكامها ؛ ص : 27

في الطّهارة مع أنّ صاحب الكافي بعد نقله لهذه المكاتبة قال بلا فصل: و بهذا الاسناد قال: ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء الّا أن يتغيّر به «1» فيظهر منه أنّ هذه الرّواية أيضا مكاتبة بنحو مكاتبته السّابقة و يؤيّده أنّ الشيخ (قدس سره) نقلها في التهذيب بسند المكاتبة السّابقة «2» فيحتمل قويّا أنّ الرّوايتين هما مكاتبة واحدة لا مكاتبتان فحينئذ يصلح قوله (ع) ماء البئر واسع (إلخ) ردعا لظاهر قوله: ما الذي يطهّرها و (منها) صحيحة علىّ بن يقطين عن موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن البئر يقع فيها الحمامة و الدّجاجة و الفأرة و الكلب و الهرة فقال يجزيك أن تنزح منها دلاء فإنّ ذلك يطهرها إنشاء اللّه «3» و هذه الرواية أظهر دلالة من سابقتها في دلالتها على تنجّس ماء البئر بوقوع النجس فيها لأنّ السّابقة كانت دلالتها بالتقرير و هذه بتصريح الامام (ع) بأنّ ذلك يطهرها فيعلم منه أنّ الماء صار نجسا بوقوع المذكورات فيها حتّى يطهّره النّزح.

و الجواب في هذه الرواية هو الجواب الذي ذكرناه في تلك الرّواية من أنّ إهمال الدّلاء و عدم ذكر مقدارها مع أنّ بين هذه النجاسات فرقا بينا بحسب الأخبار الواردة في كلّ واحدة منها و مع أنّه عليه السلام كان في مقام البيان بقرينة قوله (ع): يجزيك يستشعر منه أنّه للتنزّه لا وجوب النزح و يمكن أن يكون قوله (ع) فانّ ذلك يطهرها صدر لأجل التّقية فإنّ العامّة قائلون بنجاسة البئر بوقوع احدى النّجاسات فيها فعبّر (ع) بما يوافق التّقية و أشار الى عدم النجاسة بإهمال الدلاء و الأمر بنزح الدلاء للنظافة.

و منها رواية عمّار الساباطي عن الصادق عليه السلام قال في آخرها: و سئل عن بئر وقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير قال: تنزف كلّها فان غلب عليه الماء فلتنزف يوما الى الليل ثم يقام عليها قوم يتراوحون اثنين اثنين فينزفون يوما الى الليل و قد طهرت «4».

فانّ قوله: و قد طهرت في ذيلها قد دلّ على أنّ البئر صارت نجسة بوقوع أحد المذكورات فيها و هذه الرّواية أيضا لا تصلح لمعارضة أخبار الطهارة لاشتمالها على ما لم يقل به أحد من الفقهاء‌

______________________________
(1)- الكافي المجلد 3 الصفحة 5

(2)- جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 6- 9

(3)- جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 6- 9

(4)- جامع الأحاديث الباب 19 من أبواب النّجاسات الحديث 1

32
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

البحث الثاني في أحكامها ؛ ص : 27

و هو وجوب نزح جميع الماء للفأرة و الكلب فإنّ أكثر ما قيل في وقوع الفأرة هو سبع دلاء و في وقوع الكلب أربعون دلوا بل الخنزير أيضا حكمة حكم الكلب عند كثير من الفقهاء و حمل نزح جميع الماء على صورة تغيره بالمذكورات كما فعله الشيخ قده لا يخفى ما فيه ضرورة أنّ التغير ايضا لا يستلزم وجوب نزح جميع الماء بل يكفى نزح مقدار يزول به التغير و كذا في صورة التغير و غلبة الماء لا معنى للتراوح الى الليل فإنّه إن زال التغيّر قبل الليل طهر و ان لم يزل لا يكفى التّراوح الى الليل بل لا بدّ من النّزح الى أن يزول التغيّر و ان كان الى ليلتين أو ثلاث ليال أو أكثر.

فهذه الرواية غير معمول بها مع أنّها معارضة لسائر الأخبار الواردة في نزح المذكورات و يمكن حمل قوله (ع) و قد طهرت على ما ذكرناه في الروايتين السابقتين من أنّ المراد بالطّهارة رفع القذارة العرفية لا ما يقابل النجاسة و ممّا استدل به على النجاسة صحيحة ابن أبى يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا أتيت البئر و أنت جنب فلم تجد دلوا و لا شيئا تعرف به فتيمم بالصّعيد فانّ ربّ الماء و ربّ الصّعيد واحد و لا تقع في البئر و لا تفسد على القوم ماءهم «1» فانّ جواز التيمّم مع وجود الماء غير ممكن في هذا الفرض إلّا إذا كان وقوع الجنب في البئر مستلزما لنجاسة الماء بان كان بدنه متلطّخا بالمني فيعلم منه تنجّس الماء بملاقاة النجس و ايضا قوله (ع) و لا تفسد على القوم ماءهم ظاهر في الإفساد من حيث النجاسة كما أنّ قوله (ع) في بعض الأخبار المتقدّمة: ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء «2» ظاهر في عدم الإفساد من حيث النجاسة.

و لكن لا يخفى أنه حينئذ كان التعليل ببطلان غسله أولى من التعليل بإفساد الماء على القوم، لأنّه موهم لجواز الغسل عند عدم إفساد الماء على القوم بأن كانت البئر ملكا له أو لم يكن لأحد فيها حقّ التصرّف فلا بدّ من أن يراد بالإفساد الإفساد من حيث القذارة العرفيّة لا تقذر على القوم مائهم بأن كان بدنك متلطخا بالمني فتدخل في الماء فيستقذر القوم للماء بمقتضى طبائعهم أو المراد بالإفساد صيرورة الماء ذا وحل اى لا تدخل في البئر فتغير الماء على القوم و تصيّره ذا وحل و هذا الاحتمال الثّاني صادق حتّى مع طهارة البدن و أمّا الإفساد‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب التيمّم الحديث 4

(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 1

33
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

البحث الثاني في أحكامها ؛ ص : 27

بمعنى النجاسة فلا يتحقّق مع طهارة البدن مع أنّ الرّواية لها إطلاق يشمل صورة طهارة البدن ايضا فلا بدّ أن يكون المراد بالإفساد فيها هو المعنى الذي ذكرناه اى المعنى الثاني من المعنيين و بهذا ظهر الفرق بين الإفساد هنا و الإفساد في قوله: لا يفسده شي‌ء.

فان الإفساد هنا ليس بمعنى النّجاسة لما ذكرناه بخلاف الإفساد هناك فإنّه لا بدّ أن يكون بمعنى النجاسة لأن بعد قوله: لا يفسده شي‌ء قوله: الّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه فإنّ تغيّر الرّيح أو الطّعم بغير النّجاسة لا يصير سببا لتنجّس الماء فيعلم أنّ المراد بالإفساد الإفساد من حيث النّجاسة.

و ممّا استدلّ به على النّجاسة صحيحة الفضلاء أعني زرارة و محمّد بن مسلم و أبا بصير قالوا: قلنا له: بئر يتوضّأ منها يجرى البول قريبا منها أ ينجسها قال: فقال ان كانت البئر في أعلى الوادي و الوادي يجري فيه البول من تحتها و كان بينهما قدر ثلاثة أذرع أو أربعة أذرع لم ينجّس ذلك شي‌ء و ان كان أقلّ من ذلك ينجّسها و ان كانت البئر في أسفل الوادي و يمر الماء عليها و كان بين البئر و بينه تسعة أذرع لم ينجّسها و ما كان أقلّ من ذلك فلا يتوضّأ منه.

قال زرارة: فقلت له: فان كان مجرى البول يلزقها و كان لا يثبت على الأرض فقال: ما لم يكن له قرار فليس به بأس و ان استقرّ منه قليل فإنّه لا يثقب الأرض و لا قعر له حتّى يبلغ البئر و ليس على البئر منه بأس فيتوضّأ منه انّما ذلك إذا استنقع كلّه «1».

و يمكن أن يقال: انّ هذه الرّواية أظهر الرّوايات في دلالتها على نجاسة ماء البئر لأنّ التأويل الذي ذكرناه في قوله (ع): فان ذلك يطهّرها غير متمشّ هنا فانّ التنجيس كالصّريح في المعنى المعروف. و لكن الجواب عن هذه الرواية بأنّ الظاهر أنّ التحديد بعدد معيّن في تباعد النجس عن البئر ليس من باب تشخيص الموضوع بعلم الإمامة فإنّ بيان موضوع الأحكام.

و تشخيصه خصوصا إذا كان من باب الاخبار بالغيب ليس من شأن الإمام عليه السلام بل شأنه بيان الأحكام و تشخيص موضوعاتها موكول الى نظر العرف إلا أن يكون الموضوع من الموضوعات الشّرعيّة فإنّ بيانه موكول حينئذ إلى الشّارع و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل فح يحتمل أن يكون هذا التحديد طريقا الى عدم ملاقاة ما في الكنيف للبئر بأن يكون الشّارع‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 11 من أبواب المياه الحديث 5

34
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

البحث الثاني في أحكامها ؛ ص : 27

لا حظ غلبة الملاقاة عند عدم هذا المقدار من التباعد فجعل هذا المقدار من التباعد طريقا إلى إحراز عدم تحقّق الملاقاة.

و يحتمل أن يكون هذا التحديد إرشادا الى عدم تحقّق الملاقاة عند هذا المقدار من الفصل فعلى كلّ من الاحتمالين لم يعلم أنّ الشّارع جعل هذا التحديد طريقا أو إرشادا الى عدم انفعال ماء البئر بالملاقاة أو بالتغيّر و بعبارة اخرى أنّ الشّارع جعل هذا النحو طريقا الى عدم تنجّس ماء البئر و أمّا انّ المنجّس هل هو نفس الملاقاة أو مع التغير فلم يعلم من هذا التحديد فيمكن أن يكون قد لاحظ أنّ أقلّ من هذا التحديد ملازم غالبا عند استقرار النجس في محلّه لتغيّر الماء كما يظهر من آخر الحديث فجعل هذا التحديد طريقا و على فرض الإطلاق في الرّواية فلا بدّ من تقييدها برواية الجعفريات مسندا عن الصّادق عن آبائه عن علىّ عليهم السلام أن رجلا أتاه فقال: يا أمير المؤمنين انّ لنا بئرا و هو متوضّؤنا و ربّما عجنّا العجين من مائها و انّ بئر الغائط منها أربعة أذرع و لا نزال نجد رائحة نكرهها من البول و الغائط فقال علىّ عليه السلام: طمّها أو باعد بين الكنيف عنها إذا وجدت ريح العذرة منها «1».

فانّ الظّاهر أنّ ماء البئر تغيّر ريحه بملاقاة الغائط للبئر و سرايته إليها لا بالمجاورة للغائط فانّ المجاورة مع النجس و ان غيّرت ريح الماء ليست منجّسة و أظهر من هذه الرّواية في كونها مقيّدة لإطلاق الرواية المتقدمة ان كان لها إطلاق صحيحة محمّد بن القاسم عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام في البئر يكون بينها و بين الكنيف خمسة أذرع أو أقلّ أو أكثر يتوضّأ منها قال ليس يكره من قرب و لا بعد يتوضّأ منها و يغتسل ما لم يتغيّر الماء «2» فجوّز (ع) الوضوء و الغسل من الماء ما لم يتغيّر و يظهر من هذه الرّواية أنّ مجاورة الكنيف للبئر بأقل من التحديد المذكور في الرّواية السّابقة في ذاتها ليست منجسة و لا مانعة من الوضوء و الغسل و انّما المانع هو ما إذا تغير الماء بالنّجاسة فيستكشف من هذه الرواية أنّ المانع من الوضوء في الرّواية السّابقة هو تغيّر الماء بالملاقاة و التحديد المذكور فيها طريق غالبيّ إلى تحقّق التغيّر بأقلّ من التحديد المذكور لا أنّ التحديد تعبديّ فبفقدانه يتحقق التنجيس و انّ شكّ في الملاقاة كما لا يخفى.

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 11 من أبواب المياه الحديث 8

(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 4

35
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

البحث الثاني في أحكامها ؛ ص : 27

و ممّا استدلّ على نجاسة ماء البئر بوقوع النجس فيها الأخبار الآمرة «1» بالنّزح بوقوع كلّ واحدة من النجاسات فيها و هي كثيرة جدّا تبلغ أربعين حديثا و لذا ادعى تواترها و تلك الرّوايات فيها الصّحيح و الحسن و الموثّق و لا يجوز طرح جميعها للعلم بصدور كثير منها و الجواب عن تلك الرّوايات أنّ الأمر فيها لا يمكن حمله على الواجب التعبّدي و القول بعدم تنجّس ماء البئر بملاقاته للنجاسة كما عن العلّامة في المنتهى فإنّه خلاف ظاهر الرّوايات فانّ العرف يفهمون من الأمر بالنّزح فيها أنّه مقدمة للغير اى لحصول الطّهارة للبئر أو لحصول النّظافة لها و رفع القذارة الظاهرية عنها.

و ليس النزح مطلوبا بنفسه بل هو مطلوب لغيره فحينئذ هو امّا مقدمة لجواز الوضوء أو الغسل منه شرعا و شرط له و إمّا مقدّمة لحصول النظافة و لكنّ الظاهر هو الثاني للقرائن الخارجيّة و الدّاخلية الدالّة على ذلك دون حصول الطهارة أمّا القرائن الخارجية فهي أخبار الطهارة المتقدّمة و هي كثيرة أيضا و أخبار النّزح و ان كانت ظاهرة في حصول النجاسة الّا أنّ أخبار الطهارة صريحة في الطهارة فلا بدّ من حمل الظاهر على النصّ.

و أمّا القرائن الدّاخليّة فهي القرائن الموجودة في نفس أخبار النّزح مثل الحكم بصحّة الوضوء من البئر و عدم الأمر بغسل الثّياب إذا توضّأ قبل النّزح ثم تبيّن له أنّ النجس كان واقعا فيها مع الأمر بالنزح في رواية أبي أسامة المتقدّمة و مثل التعارض الواقع بين نفس تلك الأخبار في مقدّرات بعض النجاسات مثل الفأرة فإنّ بعض الأخبار يدلّ على وجوب نزح خمس دلاء «2» و بعضها على وجوب سبع دلاء «3» و مثل هذا التعارض في مقدّرات بعض النجاسات كثير (راجع الباب 10 من أبواب المياه من جامع أحاديث الشيعة.)

و مثل إهمال الدلاء أو توصيفها باليسيرة في بعض أخبار النزح راجع الباب المذكور فإنّها تدل ايضا على عدم الاهتمام بأمر النّزح و من القرائن الدّاخليّة في تلك الأخبار أنّه أمر بالنّزح في بعضها لموت ما ليس له دم سائل كرواية منهال قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: العقرب يخرج من البئر ميتة قال: استق منها عشر دلاء «4» و قارن في بعض تلك الأخبار بالنّزح بين ذي النّفس و غيره مثل صحيحة معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث.

(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 13- 14- 35

(3) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 13- 14- 35

(4) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 13- 14- 35

36
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

البحث الثاني في أحكامها ؛ ص : 27

عليه السلام عن الفأرة و الوزغة تقع في البئر قال: ينزح منها ثلاث دلاء «1» فهذه القرائن الكثيرة كادت توجب القطع بأنّ الأوامر الواردة في هذه الأخبار ليست على ظواهرها من افادة الوجوب بل هي مقدّمة لحصول النظّافة و على فرض القول بنجاسة البئر في الجملة فهل يمكن القول بنجاستها مطلقا حتّى ما إذا كانت بمقدار الكرّ أو لا بدّ من قصر الحكم على خصوص القليل منها؟ ظاهر بعض الأخبار الآمرة بالنزح انفعال ماء البئر بملاقاة النجس و لو كان كرّا.

مثل رواية عمرو بن سعيد بن هلال قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عمّا يقع في البئر ما بين الفأرة و السّنّور إلى الشاة قال: فقال: كلّ ذلك يقول: سبع دلاء قال: حتّى بلغت الحمار و الجمل فقال: كرّ من ماء «2» فإنّها تدلّ على أنّ الماء الموجود في البئر يكون كرّا أو أكثر حتّى يمكن أن ينزح منها بمقدار الكرّ فتدلّ على تنجّس ماء البئر بوقوع النجس و ان كان و مثل رواية التراوح المتقدمة «3» فإنّها أيضا تدلّ على تنجّس البئر و ان كانت كرّا لفرض كون الماء بمقدار لا يمكن نزح جميعه الّا بالتّراوح و النّزح الى الليل و هذا لا يفرض إلّا في بئر مشتملة على أكرار من الماء دون كرّ واحد فضلا عن أن يكون دون الكرّ إلّا إذا اشتملت على مادة قوية فح يقع التعارض بين الأخبار الدالة على عدم انفعال الماء إذا كان كرّا الشّاملة بإطلاقها للبئر أيضا و بين هذين الخبرين لكنّ التعارض انّما يقع بناء على القول بانفعال ماء البئر.

و أمّا على القول الآخر الذي اخترناه من أنّ الأمر بالنّزح في هذه الروايات للتنزّه و الاستحباب فلا تعارض و يمكن أن يجاب- بناء على القول بالانفعال- بعدم صلاحيّة هذين الخبرين لمعارضة تلك الأخبار فإنّ رواية عمرو بن سعيد مجهولة فانّ عمرو بن سعيد المذكور من أصحاب الباقر عليه السلام و لم يصفوه بمدح و لا قدح و ليس هذا عمرو بن سعيد بن هلال المدائني الثقة كما توهّم فانّ ذلك من أصحاب الرضا عليه السلام و الرواية الثانية أيضا ضعيفة السّند متروكة الظاهر متهافتة المتن و ليس لنا دليل معتبر يدلّ على انفعال ماء البئر إذا كان كرّا غير هذين الخبرين و قد عرفت حالهما فتبقى أدلّة عدم انفعال الكرّ بلا معارض‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 10- 26

(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 10- 26

(3) جامع الأحاديث الباب 19 من أبواب النجاسات الحديث 1

37
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

البحث الثاني في أحكامها ؛ ص : 27

بالنّسبة إلى البئر و غيرها فإطلاقها أو عمومها شامل للبئر أيضا و لا يفرض مانع لشمولها إلّا أحد أمرين وقوعها في القعر أو وجود المادة لها.

و كلّ واحد منها لا يصلح للمانعية فإنّ الكرّ لا فرق فيه بين وجوده فوق الأرض أو تحتها و وجود المادّة علّة لعدم الانفعال و لا يمكن أن يقال: أن وجود المادّة علّة للانفعال فح لا فرق بحسب إطلاق أدلّة عدم انفعال الكرّ بين البئر و غيرها.

هذا كلّه في صورة عدم تغيّر الماء بوقوع احدى النجاسات في البئر و أمّا إذا تغيّر أحد أوصافه بها فينجس بالاتّفاق من القائلين بنجاسة البئر و القائلين بعدمها و هل يكفي في تطهيره زوال التغيّر بأي نحو كان و لو بصبّ دواء فيه يزيل تغيّره بل و ان زال تغيّره من قبل نفسه أو لا بدّ في إزالة التغيّر من النزح و لا بدّ أوّلا من ذكر الأخبار الواردة في هذه المسألة حتّى يتضح الأمر فنقول: الأخبار في هذه المسألة على ثلاثة أقسام منها ما يدلّ على أنّه لا بدّ أن ينزح حتّى يطيب و هي روايات:

منها صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع المتقدمة «1» و فيها لا يفسده شي‌ء الّا أن يتغيّر به فينزح حتّى يذهب الرّيح و يطيب طعمه لأنّ له مادّة و منها رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عمّا يقع في الآبار فقال: أمّا الفأرة و أشباهها فينزح منها سبع دلاء الّا أن يتغيّر الماء فينزح حتّى يطيب «2» و منها موثقة سماعة عنه عليه السلام عن الفأرة تقع في البئر أو الطّير فقال: ان أدركته قبل أن ينتن نزحت منها سبع دلاء الى أن قال:

و ان أنتن حتّى يوجد ريح النتن في الماء نزحت البئر حتى يذهب النتن من الماء «3» و منها صحيحة زيد الشحّام عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الفأرة و السّنّور الى أن قال: و ان تغيّر الماء فخذ منه حتّى يذهب الرّيح «4» و في خبر زرارة فإن غلب الرّيح نزحت حتّى يطيب «5».

و منها ما يدلّ على نزح جميع البئر كخبر معاوية بن عمّار: لا تعاد الصّلوة و لا يغسل الثوب ممّا يقع البئر إلا أن ينتن فإن أنتن غسل الثوب و أعاد الصّلوة و نزحت البئر «6» بناء على دعوى ظهورها في نزح الجميع و مثل رواية أبى خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السلام سئل في‌

______________________________
(1)- جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 1

(2)- جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 18

(3)- جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 25

(4)- جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 13- 27- 37- 31

(5)- جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 13- 27- 37- 31

(6)- جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 13- 27- 37- 31

38
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

البحث الثاني في أحكامها ؛ ص : 27

الفأرة تقع في البئر قال: إذا ماتت و لم تنتن فأربعين دلوا و إذا انتفخت أو نتنت نزح الماء كلّه «1» و مثل رواية منهال المتقدّمة و في آخرها: فان غلب الريح عليها بعد مأة دلو فانزحها كلّها «2» و القسم الثالث من الروايات ما يدل على نزح مائة دلو و فيه خبر واحد و هو خبر منهال المذكور و فيه: و ان كانت جيفة قد أجيفت فاستق منها مأة دلو. الحديث «3».

و يمكن الجمع بين هذه الأخبار بأن يكون نزح الجميع الواقع في خبر منهال محمولا على صورة عدم ارتفاع التغيّر الا بنزح الجميع و يؤيّده ذيل الخبر المذكور فانّ الظاهر من قوله: فان غلب الرّيح إلخ أنّ جميع الماء صار منتنا فح لا يزول نتنه غالبا الّا نزح الجميع و أمّا مأة دلو الواقع في خبر منهال المذكور فغير معمول به عند الأصحاب فالعمل ح با الأخبار الدالّة على وجوب النزح الى أن يطيب الماء اى يرتفع التغيّر.

إذا عرفت ذلك نقول: يظهر من القسم الأوّل من الروايات المتقدّمة أنّ الطيب غاية للنزح لا أنّه علّة له حتّى يقال: انّ العلّة تعمم و تخصّص فحيث انّ علّة النزح هو حصول الطّيب فبأيّ نحو حصل و بأيّ سبب تحقق كفى و لا يلزم أن يكون خصوص النزح فانّ كونه علّة خلاف المتبادر من لفظة حتّى فانّ الظاهر أنّها تفيد الغاية و إذا كانت بمعنى الغاية فليس لها عموم مثل العلّة حتّى يقال: انّها تعمم و تخصّص بل المغيا هو لازم الاتّباع فقط و لو فرض عدم ظهورها في الغاية فليست ظاهرة في العلة أيضا فيحصل الإجمال فيؤخذ بالقدر المتيقّن من محصّل الطيب و هو النزح بالمقدار المذكور في الروايات و ايضا النزح بحسب المتفاهم العرفي ليس سببا لحصول الطيب، لظهور أن حوضا من الماء إذا صار متغيّرا فالأخذ من مائه لا يصيره طاهرا فلا بدّ من أن يكون الأمر بالنزح في هذه الأخبار لأجل خروج ماء طاهر من المنبع و اختلاطه بالماء المتغيّر حتّى يذهب تغيّره و يصيّره طاهرا و هذا غير ممكن غالبا في زوال التغيّر من قبل نفسه فإنّ أكثر الآبار ما لم يؤخذ من مائها لا يخرج من منبعها شي‌ء من الماء الطّاهر النظيف إلا شيئا قليلا غير معتدّ به فح لا يحصل الامتزاج بين هذا الماء النجس المتغيّر و بين الماء الطاهر الخارج من المنبع.

نعم إذا فرض أنّه كان ماء البئر قليلا جدّا و صار متغيّرا و صار بحسب بعض العوارض‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 13- 27- 37- 31

(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 13- 27- 37- 31

(3) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 35

39
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

البحث في الماء المستعمل في رفع الخبث ؛ ص : 40

أو بحسب إتيان بعض الفصول كثيرا بحيث صار غالبا قاهرا على الماء النجس و اختلطا و ذهب التّغير نلتزم بكون ذلك مطهّرا و لا يجب النّزح فالمناط هو ارتفاع التغير و حصول المزج مع الماء الطّاهر فاعتبار النزح في هذه الروّايات باعتبار انه لا يحصل الامتزاج بالماء الطاهر غالبا الّا به نعم لو قلنا بكفاية مطلق الاتّصال بالماء العاصم و لو لم يحصل الامتزاج أمكن القول بكفاية مطلق زوال التغيّر من أىّ سبب حصل مع خروج شي‌ء من الماء العاصم من المادة‌

البحث في الماء المستعمل في رفع الخبث

هل الماء المستعمل في رفع الخبث طاهر مطلقا أو نجس مطلقا أو فيه تفصيل بين الغسلة المزيلة للعين أو الغسلة الاولى في البول و غيرها.

نسب القول الأوّل إلى السّيد المرتضى و ابن أبى عقيل لكن الثّاني أعني ابن ابى عقيل قائل بعدم انفعال الماء القليل مطلقا سواء كان واردا أو مورودا عليه و السيّد رحمه اللّه قائل بعدم انفعال القليل إذا كان واردا على النجس لا خصوص الغسالة و علله بأن الماء القليل الوارد إذا تنجّس بوروده على النجس لزم أن لا يكون مطهرا من الخبث أصلا لأنه ماء قليل لاقى نجسا فيعلم منه عدم انفعال الماء الوارد على النجس فظهر عدم صحّة عدّهما من القائلين بطهارة الغسالة فإنّ ابن أبى عقيل قائل بعدم انفعال الماء القليل مطلقا و السيّد قائل بعدم انفعال الماء الوارد و أين قولهما من طهارة ماء الغسالة نعم لازم قول السيّد بعدم نجاسة الماء الوارد عدم نجاسة الغسالة و هو غير القول بطهارة الغسالة.

و استدلّ للقول بنجاسة الغسالة بأمور الأوّل و هو أقواها أدلة انفعال الماء القليل فإنّها بإطلاقها أو عمومها شاملة لماء الغسالة لأنّه ماء قليل لاقى النجس نعم لا بدّ من رفع اليد عن الإطلاق أو العموم بالنّسبة إلى حين الملاقاة قبل الانفعال لتحقّق الإجماع على كون القليل مطهّرا من الخبث و يلزم أن يكون طاهرا الى زوال الخبث بناء على دعوى الإجماع على أنّ الماء النجس لا يرفع حدثا و لا يزيل خبثا الّا أن يدّعى أنّ مورد الإجماع أو القدر المتيقّن منه ما يكون طاهرا قبل ملاقاة المتنجّس اى يشترط أن يكون قبل الملاقاة طاهرا و أمّا اعتبار طهارته حتّى حين الملاقاة فلا إجماع عليه و لا هو مخالف للعقل فإنّه يمكن ان يكون هذا الماء الذي ينجس بالملاقاة بعد ما كان طاهرا قبل الملاقاة مطهرا للخبث قبل الانفعال بأن ينتقل الخبث من‌

40
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

البحث في الماء المستعمل في رفع الخبث ؛ ص : 40

المحل الى هذا الماء و يصير الماء حاملا للخبث بعد ما كان المحل حاملا له و العرف يساعد على ذلك أيضا.

الثاني من الأدلّة ما رواه الشّيخ في الخلاف عن العيص بن القاسم قال: سألته عن رجل أصابته قطرة من طست فيه وضوء فقال (ع): ان كان الوضوء من بول أو قذر فليغسل و ان كان وضوئه للصّلوة فلا يضرّه «1» و الظاهر أنّ هذه الرواية نقلها الشيخ (قده) عن كتاب العيص و طريقه الى ذلك الكتاب حسن فلا تكون مرسلة و إضمارها غير ضائر بعد الاطمئنان بأنّ المسئول منه هو الامام عليه السلام و المراد بالوضوء الغسالة و ما روى عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: الماء الذي يغسل به الثّوب أو يغتسل به من الجنابة لا يجوز أن يتوضّأ منه و أشباهه و أمّا الماء الذي يتوضّأ الرجل به فيغسل به وجهه و يده في شي‌ء نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره و يتوضّأ به «2» الأمر الثالث من الأمور التي استدلّ بها على نجاسة الغسالة دعوى الإجماع على النجاسة كما عن المنتهى و التحرير المعتضدة بالشهرة العظيمة.

و حيث انّا قائلون بالتفصيل بين الغسلة المزيلة للعين و غيرها و الغسلة الاولى و الثانية في البول نذكر أدلة القائلين بالطهارة حتى يتّضح الحال فنقول: استدلّ القائلون بالطهارة بأمور أحدها أصالة الطهارة و فيه أنّ الأصل دليل حيث لا دليل و الدليل هنا موجود كما ذكره القائل بالنجاسة.

و ثانيها ما حكى عن السيّد قده بقوله: قال النّاصر: لا فرق بين ورود الماء على النجاسة و ورودها عليه ثمّ قال السّيد: و هذه المسألة لا أعرف فيها نصّا و لا قولا صريحا و الشّافعي يفرق بين ورود الماء عليها و ورودها عليه فيعتبر القلّتين في ورود النجاسة على الماء و لا يعتبر ورود الماء على النجاسة الى أن قال: و الذي يقوى في نفسي عاجلا الى أن يقع التأمّل لذلك صحّة ما ذهب إليه الشافعي و الوجه فيه أنّا لو حكمنا بنجاسة القليل الوارد على النجاسة لأدّى ذلك الى أنّ الثّوب لا يطهر إلّا بإيراد كرّ من الماء عليه و ذلك يشقّ انتهى.

و حاصله دعوى الملازمة بين تطهير الثوب و طهارة الماء و لكن الملازمة ممنوعة لأنّ الإجماع الواقع على اعتبار طهارة الماء الذي يغسل به المتنجّس مورده أو القدر المتيقّن منه‌

______________________________
(1) الخلاف- الطبعة الاولى صفحة 18- المسألة 135

(2) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 1

41
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

البحث في الماء المستعمل في رفع الخبث ؛ ص : 40

طهارته قبل الملاقاة مع المتنجّس و أمّا طهارته حتّى حين الملاقاة فلا إجماع عليه فيمكن أن يكون اجتماع النجسين أعني نجاسة الثوب و نجاسة الماء سببا لطهارتهما كما احتمل ذلك في الماء النجس المتمّم كرّا بنجس آخر نعم هذا المعنى مشكل القبول بالنّسبة إلى الغسلة المزيلة للعين أو الغسلة الأولى في البول و لذا اخترنا القول بالنجاسة فيهما.

و الحاصل أنّ الجمع بين أدلّة انفعال الماء القليل و بين أدلة جواز تطهير المتنجّس بالماء القليل إمّا بالالتزام بنجاسة الغسالة بالانفصال بأن يقال بأنّه قبل الانفصال من محلّ المتنجّس طاهر و بالانفصال يصير نجسا فالانفصال صار سببا لتنجّسه و هو بعيد لأنّ الانفصال لا يكون منجّسا و إمّا بأن يقال بطهارة الغسالة حتّى بعد الانفصال و هو بالنسبة الى غير الغسلة المزيلة و غير الغسلة الاولى في البول لا يبعد الالتزام به و أمّا بالنّسبة إليهما فلا للأخذ بالقدر المتيقّن من المخصّص الخارج عن أدلة انفعال الماء القليل.

أو الالتزام بنجاسة الغسالة حين الملاقاة و بعد الانفصال و لكن يطهر المحل به تعبدا و هو ايضا بعيد و مع ذلك فالأوجه هو الوجه الثاني.

الثالث من أدلة الطهارة أنّه يستفاد من تتبع الأخبار و كثير من الإجماعات أنّ المنجّس لا يطهّر و القول بنجاسة الغسالة خروج عن هذه القاعدة الكليّة فلا بدّ من القول بطهارتها و لا معارض لهذه القاعدة إلّا أدلة انفعال الماء القليل و هي غير شاملة لما نحن فيه لوجود الأدلّة الدالّة على جواز التّطهير بالماء القليل فبضم هذه القاعدة اى أنّ المنجّس لا يطهّر إلى أدلّة جواز التطهير بالقليل- لا مساغ لشمول أدلة انفعال القليل لها و على فرض الشمول يتعارض الدليلان و يتساقطان فالمرجع (ح) هو استصحاب الطهارة.

و لكن قد عرفت وجه الجمع بين أدلّة الانفعال و أدلّة جواز التطهير بالقليل من أنّه لا بدّ من أن نلتزم بأحد أمور ثلاثة إمّا بالالتزام بنجاسة الغسالة بالانفصال و إمّا بالالتزام بنجاستها قبل الانفصال و بعده و لكن يطهر المحل بانفصال الغسالة عنه تعبّدا و إمّا بالالتزام بطهارتها قبل الانفصال و بعده إلا أنّا نلتزم بنجاستها قبل زوال العين لملاقاة الماء القليل للنجاسة.

و هذا الفرض الأوسط لا يلزم منه التطهير بالماء المتنجّس لفرض كون الماء قبل ملاقاته للنجس كان طاهرا و بالملاقاة انتقلت النجاسة من المحل الى الماء فلا يلزم من‌

42
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

البحث في الماء المستعمل في رفع الخبث ؛ ص : 40

الحكم بنجاسة الغسالة الحكم ببقاء نجاسة المحلّ و الّا لا يكون الماء القليل مطهّرا و هو خلاف الإجماع.

الرابع من أدلة طهارة الغسالة ما ورد من أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بتطهير المسجد من بول الأعرابي بصبّ ذنوب من الماء عليه و من المعلوم أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يأمر بطهارة المسجد بما يزيده نجاسة فيلزم أن يكون الماء باقيا على طهارته.

و فيه أوّلا أنّها ضعيفة السّند لأنّ راويها أبو هريرة على ما عن المعتبر و ثانيا يمكن أن يكون الأمر بصبّ ذنوب من الماء بعد زوال عينه بالشمس أو غيرها و الحاصل أنّها قضيّة في واقعة لا يعلم وجهها و الذّنوب هو الدلو.

الخامس ما ورد في غسالة الحمّام من الحكم بطهارتها مثل مرسلة الواسطي عن أبى الحسن صلوات اللّه عليه أنّه سئل عن مجمع الماء في الحمّام من غسالة النّاس قال: لا بأس به «1» و الروايات «2» التي وقع النهى فيها عن الاغتسال بالغسالة محمولة على الكراهة جمعا بينها و بين هذه الرواية الدالّة على الجواز.

و محصّل الكلام منّا في الغسالة انّا تلتزم بطهارة الغسالة في الجملة لا مطلقا و هذه الأدلة الدّالّة على الطهارة أو المدّعى دلالتها لا بدّ من حملها على ما ذكرناه من أنّ المراد غير الغسلة المزيلة للعين أو غير الغسلة الاولى في البول جمعا بينها و بين أدلّة انفعال القليل و غيرها من أدلّة القائلين بالنجاسة ثمّ انّه بناء على نجاسة الغسالة خرج منها ماء الاستنجاء فإنّه ليس بحكم الغسالة إجماعا فإنّه إمّا طاهر كما هو المختار و عليه المشهور أو نجس و لكنّه معفوّ عنه في الصّلوة و غيرها و الدّليل على ذلك أخبار مستفيضة.

منها رواية محمّد بن النعمان الأحول قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أخرج من الخلاء فاستنجى بالماء فيقع ثوبي في الماء الذي استنجيت به فقال: لا بأس به «3».

و منها روايته الأخرى قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: سل عمّا شئت فارتجّت على المسائل فقال: سل مالك فقلت: جعلت فداك الرّجل يستنجى فيقع‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 9

(2) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث

(3) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 15- 16

43
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

البحث في الماء المستعمل في رفع الخبث ؛ ص : 40

ثوبه في الماء الذي يستنجى به فقال: لا بأس فسكت فقال: أو تدري لم صار لا بأس به قلت:

لا و اللّه جعلت فداك قال: انّ الماء أكثر من القذر «1» و يظهر من التعليل الذي يعمّم و يخصّص أنّ علّة عدم انفعال ماء الاستنجاء هو أكثريّة الماء بالنسبة إلى القذر و المراد بالأكثرية ليس الأكثريّة بحسب الوزن أو المساحة كما توهّم و الّا يلزم عدم انفعال القليل إذا كان أكثر من القذر و لو كان القذر كثيرا بل و لو كان واردا على الماء و هذا ممّا لا يلتزم به أحد بل الأكثرية هنا كناية عن غالبيّة الماء و قاهريّته على النجاسة بحيث تصير مغلوبة للماء و مضمحلّة فيه و عموم العلّة يقتضي عدم انفعال مطلق الغسالة و هذا أيضا يؤيّد ما ذكرناه في الغسالة من طهارتها في غير الغسلة المزيلة و غير الغسلة الاولى في البول.

الا أن يخدش في استفادة العلّيّة من هذه الرّواية بأن يقال: أن التعبير ب‍ (لم صار لا بأس به) لا يبعد ظهوره في الحكمة و إذا استظهر منه أنّ الحكمة في عدم انفعال ماء الاستنجاء أكثرية الماء بالنّسبة إلى القذر لا يمكن تعدّى الحكم عن مورده لأنّ الحكمة منحصرة في موردها لا تتعدّاه و لا أقلّ من الاحتمال فلا يمكن الاستدلال بعموم العلّة مع احتمال كونها حكمة.

و منها رواية الكاهلي عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت: أمرّ في الطّريق فيسيل علىّ الميزاب في أوقات أعلم أنّ النّاس يتوضّأون قال: ليس به بأس لا تسأل عنه «2» و المراد بالوضوء الاستنجاء و لكنّ هذه الرواية لا دلالة لها على طهارة ماء الاستنجاء لأنّ الظّاهر من قوله (ع): لا تسأل عنه أنّ السّائل كان شاكّا في أنّ الماء السّائل من الميزاب هل هو ماء الاستنجاء أو غيره و لكن يعلم أنّ هذه الأوقات أوقات استنجاء النّاس فلا تدلّ على طهارة ماء الاستنجاء.

و منها رواية الأحول عنه عليه السلام قال: قلت له: استنجى ثمّ يقع ثوبي فيه و أنا جنب فقال: لا بأس به «3» و الظاهر أنّ قوله: و أنا جنب يكون المراد منه أنّ المحلّ يكون ملوثا بالمني ثمّ أستنجى و أغسل المنى فيقع ثوبي في هذا الماء الذي استنجيت به و غسلت موضع المنى به فقال: لا بأس به.

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 15- 16

(2) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 3

(3) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 17

44
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

البحث في الماء المستعمل في رفع الخبث ؛ ص : 40

فعلى هذا المعنى الذي تكون الرّواية ظاهرة فيه تدلّ الرّواية على طهارة الغسالة حتّى الغسلة المزيلة للعين من غير الاستنجاء و منها رواية عبد الكريم بن عتبة الهاشمي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به أ ينجّس ذلك ثوبه قال: لا «1» و الظاهر من هذه الأخبار خصوصا الأخيرة منها أنّ ماء الاستنجاء طاهر لا أنّه نجس معفوّ عنه كما توهّم و هل يعمّ الحكم بطهارة ماء الاستنجاء ماء الاستنجاء من البول أيضا أو يختصّ بماء الاستنجاء من الغائط فقط- ربما يقال: انّ الاستنجاء مأخوذ من النجو و هو بمعنى الغائط فلا يقال لغسالة البول: ماء الاستنجاء و لكنّ الظاهر أنّ الاستنجاء بحسب فهم العرف يطلق على الاستنجاء من البول ايضا.

مع أنّ خروج الغائط ملازم غالبا لخروج البول فالاستنجاء من الغائط استنجاء من البول ايضا و لم ينبّه الامام عليه السلام السّائل بأنّ هذا الحكم مختصّ بالاستنجاء من الغائط فترك التفصيل دليل على العموم و لا يمكن حمل كلامه (ع) على صورة عدم خروج البول منه فإنّه حمل على الفرد النّادر.

ثمّ انّ الفقهاء اشترطوا الطهارة ماء الاستنجاء أمورا الأوّل عدم تغيّر الماء بالقذر ففي صورة التغير ينجس لتقدّم أدلّة انفعال الماء بالتغيّر بأحد أوصافه على إطلاق هذه الروايات و إن كانت نسبة هذه الروايات إلى أدلّة الانفعال بالتغيّر عموما من وجه لافتراق هذه الروايات عن أدلّة الانفعال في ماء الاستنجاء غير المتغير و افتراق أدلّة الانفعال عن هذه الروايات في الماء المتغيّر بغير الاستنجاء و اجتماعهما في الماء المتغيّر بالاستنجاء الّا أنّ أدلّة الانفعال بالتغيّر أقوى لدلالتها على انفعال الكرّ و الجاري بالتغيّر فالقليل أولى فتقدّم على إطلاقات أدلّة ماء الاستنجاء.

الثاني عدم وصول نجاسة خارجيّة إلى المحل فإنّه أيضا ليس بطاهر لدلالة أدلّة انفعال مطلق الماء القليل بملاقاة النجس و هذا الماء المستنجي به ليس أقوى اعتصاما من مطلق الماء القليل.

الثالث عدم التعدي من المخرج و المراد منه ان كان التعدّي إلى شي‌ء آخر بأن‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 18

45
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

فصل ؛ ص : 46

يتعدى الغائط مثلا من المخرج إلى ملابسه أو رجله فلا إشكال في اشتراط هذا الشّرط و إن كان المراد التّعدي إلى أطراف المخرج فلا دليل على اشتراطه بل الإطلاق يدفعه فإنّ الأمزجة بحسب اليبوسة و اللينة مختلفة و لم يفصّل الامام عليه السلام بينهما مع وجود هذا الاختلاف بين الأمزجة فعدم التفصيل دليل على العموم اللّهم الّا أن يكون المراد التعدي إلى أطراف المحل خارجا عن المتعارف.

الرابع أن لا تخرج مع البول أو الغائط نجاسة أخرى كالدم و المنى و التحقيق أن يقال: انّه إذا كان بوله أو غائطه دما بحيث يقال: إنّه بال دما أو تغوّط دما يجرى على الماء الذي استنجى به حكم ماء الاستنجاء و ان لم يكن كذلك بان كان الدّم في ضمن بوله أو غائطه فلا يبعد أن يقال بأنّه لا مانع من طهارة الماء (ح) ايضا للإطلاق الذي أشرنا إليه آنفا فانّ وجود الدم مع البول أو الغائط ليس نادرا حتى يقال: انّ الأدلة منصرفة عن الفرد النادر و أمّا المني فقد مر الكلام فيه في ضمن رواية الأحول.

الخامس عدم وجود أجزاء الغائط في الماء و يدلّ على اعتبار هذا الشرط قوله عليه السلام في رواية الأحول المتقدّمة: لأنّ الماء أكثر من القذر «1» و أنّ المراد من هذه الرّواية غالبيّة الماء و قاهريته و مغلوبيّة النجاسة بحيث تصير مضمحلّة عرفا غير مبيّن أجزائها في الماء.

فصل

الماء المستعمل في الوضوء طاهر و مطهّر من الحدث و الخبث و ليس فيه خلاف من العامّة و الخاصّة إلا أبا حنيفة فإنّه قال بنجاسته نجاسة مغلظة بحيث لا تصحّ الصّلوة معه و الّا تلميذه أبا يوسف فإنّه قال بنجاسة نجاسة مخفّفة و لكن إطلاقات طهارة الماء و طهوريّته حجّة عليهما.

و امّا الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر فيرفع الخبث لأنّه ماء طاهر تشمله إطلاقات أدلّة إزالة النجاسة بالماء القليل و هو إجماعي على الظّاهر و هل يرفع الحدث فيه خلاف فأكثر القدماء على المنع و ظاهر كثير من المتأخّرين على الجواز و استدلّ المانع برواية عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال: لا بأس بأن يتوضّأ بالماء المستعمل و قال: الماء الذي يغسل به الثّوب أو يغتسل به الرّجل من الجنابة لا يجوز أن‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 16

46
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

فصل ؛ ص : 46

يتوضّأ منه و أشباهه «1».

فإنّ الظّاهر منها أنّ الماء الذي يغتسل به من الجنابة لا يجوز أن يرفع به الحدث ثانيا بل هي صريحة في ذلك و لكن أورد على الاستدلال بالرواية أمران الأوّل من حيث السّند فانّ في السّند أحمد بن هلال الذي ورد فيه عن العسكري صلوات اللّه عليه احذر و الصوفي المتصنع أحمد بن هلال، و رمى بالغلوّ و النصب ايضا و عن العلامة في الخلاصة أنّ روايته غير مقبولة و عن الشيخ في الفهرست أنّه كان غاليا متّهما في دينه.

و لكن يمكن الجواب عن ذلك بأنّه قال النجاشي في حقّه: أنّه صالح الرّواية يعرف منها و ينكر و قد روى فيه ذموم من سيّدنا أبى محمّد العسكري (ع) انتهى. فجعله صالح الرواية و ان كان ذكر بعده: يعرف منها و ينكر فلا يجوز ردّ جميع رواياته و يمكن أن يكون نقله لهذه الرّواية كان في حال استقامته كما هو الظاهر لأنّه رمى بالوقف فهو في زمان الصادق عليه السلام كان مستقيما ثم انحرف بعد الكاظم عليه السلام و صار واقفيّا أو غيره.

و نقل عن ابن الغضائري أنّه توقّف في حديثه الّا فيما يرويه عنه الحسن بن محبوب من كتاب المشيخة و عن محمّد بن أبى عمير من كتاب نوادره و هذا لرواية قد رواها عنه الحسن ابن محبوب و الشيخ مع أنّه حكم في الفهرست بأنّه كان غاليا متّهما في دينه حكم في الخلاف بما عليه المشهور من القدماء من عدم جواز رفع الحدث بماء الغسل و استند بهذه الرواية فيظهر منه أنّ الرّواية كانت معتبرة عنده فلا اشكال (ح) في الرواية من حيث السند.

الأمر الثاني في الرواية الاستشكال من حيث الدلالة فقال الفاضل الهمداني قده في طهارته: انّ عدم جواز الاغتسال بالمستعمل في رفع الجنابة الذي دلّت الرواية عليه انّما هو لغلبة اشتمال بدن الجنب على قذر الجنابة لا من حيث رفع حدث الجنابة، و لكنّ الظّاهر أنّ الأمر ليس على ما ذكره قده لأنّ قوله: الماء الذي يغسل به الثوب إلخ نعلم منه علما قطعيّا أنه ليس لخصوص الثوب مدخلية في عدم جواز التوضّؤ بغسالته بل ذكر الثوب من باب المثال فيشمل غسالة كلّ شي‌ء متنجّس من الجسد و غيره.

فذكر قذر الجنابة ثانيا على ما توهّمه (قده) بعد ذكر الثوب الشامل لقذر الجنابة‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المضاف الحديث 13

47
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

فصل ؛ ص : 46

بالفرض تكرار فكان ينبغي للإمام أن يذكر بعد الثوب البدن و نحوه بدل ذكر قذر الجنابة الموجب لتوهّم خلاف المقصود.

مع أنّ التعبير بالاغتسال دون الغسل يوجب ظهور الجملة في الاغتسال لرفع الحدث لا غسل الخبث و الّا كان عليه أن يقول: أو يغسل به الرجل من الجنابة و قيل في عدم دلالة الرواية على ذلك: انّ غسل الثوب لا يلازم نجاسة الثوب فيمكن أن يكون لازالة الوسخ عنه فح يحمل النهي أو النفي في قوله: لا يجوز أن يتوضّأ به و أشباهه على الكراهة أي كراهة التوضّؤ بالماء المستعمل في إزالة الوسخ و المستعمل في رفع الجنابة.

و فيه أنّه خلاف الإجماع للإجماع على عدم كراهة التوضّؤ بالماء المستعمل في إزالة الوسخ و خلاف ما دلّ عليه صدر الرواية من قوله: لا بأس بأن يتوضّأ بالماء المستعمل الشامل بإطلاقه للمستعمل في إزالة الوسخ.

فح تتضمّن الرواية للتناقض مضافا الى أنّه و ان كان غسل الثوب أعم من غسله للنجاسة الا أنّ الغالب غسله من النجاسة فينصرف الإطلاق إلى الفرد الغالب مع أنّ حمل كلمة لا يجوز على الكراهة خلاف المتبادر منها و ممّا استدلّ على عدم جواز استعمال المستعمل في رفع الحديث الأكبر في رفع الحدث صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن ماء الحمّام فقال: ادخله بإزار و لا تغتسل من ماء آخر الّا أن يكون فيه جنب أو يكثر فيه أهله فلا تدري فيه جنب أم لا «1» فانّ الظاهر من قوله الّا أن يكون فيه جنب أنّه لا يجوز الاغتسال (ح) فتدلّ على عدم جواز الاغتسال بالماء المستعمل في رفع الجنابة و الجواب أنّ صدر الرّواية من قوله ادخله بإزار أنّه في مقام بيان آداب الحمّام و قوله: و لا تغتسل من ماء آخر ليس لبيان عدم جواز الاغتسال بماء آخر قطعا للإجماع على جواز الاغتسال بماء آخر مع وجود ماء الحمّام.

فالنهي انّما هو لدفع توهّم الخطر من الاغتسال بماء الحمّام كما يظهر هذا التوهّم من كلام السّائل حيث قال: سألته عن ماء الحمّام أو لأولويّة الاغتسال بماء الحمّام مع وجود ماء آخر و قوله: الّا ان يكون فيه جنب معارض للأخبار الكثيرة «2» الدالّة على جواز الاغتسال بماء‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 9

(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 4 و 5 و 6 و الباب 15 من أبواب المياه الحديث 1

48
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

فصل ؛ ص : 46

الحمّام الذي اغتسل منه الجنب و سيجي‌ء بعضها و لعلّ المراد من ذلك أنّه لا بأس بالاغتسال بماء آخر و لا رجحان للاغتسال بماء الحمام حينئذ أو يكون الأمر المستفاد من قوله: الا أن يكون فيه جنب أمر بالاحتياط الاستحبابي و يؤيّده و كذا يؤيد ما قبله أنّه قال (ع) بعد ذلك: أو يكثر أهله فلا تدري فيه جنب أم لا فانّ احتمال وجود الجنب غير ضائر قطعا.

و ان قلنا بعدم جواز الاغتسال بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر مع أنّ قوله (ع) الّا أن يكون فيه جنب غير صريح في الماء الذي اغتسل فيه الجنب إذ يشمل ما كان فيه جنب و لكن لم يغتسل منه فالنهي لعلّه لقذارة المنى المتلطخ بدنه به.

و ممّا استدلّ به على المنع أيضا صحيحة ابن مسكان قال: حدّثني صاحب لي ثقة أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرّجل ينتهي إلى الماء القليل في الطريق و يريد أن يغتسل و ليس معه إناء و الماء في وهدة فإن هو اغتسل به رجع غسله في الماء كيف يصنع قال: ينضح بكفّ بين يديه و كفا من خلفه و كفا عن يمينه و كفّا عن شماله ثمّ يغتسل «1» فانّ قول السّائل: فإن هو اغتسل رجع غسله في الماء يظهر منه أنّ ممنوعيّة الاغتسال بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر كان مرتكزا في نفسه و قد قرّره الامام عليه السلام و أمره بصبّ كفّ من الماء من كلّ جانب ليمنع من رجوع الماء إلى الوهدة التي معناها المكان المنخفض من الأرض، و فيه أنّ الرواية لا تدلّ على أنّ المحذور الذي تخيّله السّائل انّما هو الاغتسال بالماء المستعمل في رفع الجنابة فيمكن أن يكون المحذور هو نجاسة بدن الجنب كما هو الغالب أو اضافة الماء اى صيرورته مضافا برجوع ماء الغسل في الوهدة و اختلاطه بالتّراب أو غير ذلك فليس فيها تصريح أو ظهور في أنّ المحذور الذي تخيّله السّائل و لم يردعه الامام (ع) هو الاغتسال بالماء المستعمل في رفع الجنابة.

ثمّ انّ صبّ كفّ من الماء من كلّ جانب كيف يصير سببا لعدم رجوع الماء في الوهدة مع أنّه في بعض الأراضي كالأراضي الصلبة يكون بالعكس اى صبّ الماء يصير سببا لسرعة رجوع الماء إلى الأرض المنخفضة فإذا كان مراده (ع) عدم رجوع الماء إلى الوهدة كان اللازم عليه أن يقول: انّه يجمع التّراب حول الوهدة حتّى لا يرجع الماء إليها‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب الغسل الحديث 3

49
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

فصل ؛ ص : 46

أو نحو هذا الكلام فالأنسب أن يحمل صبّ كف من كلّ جانب على الاستحباب، كما ورد الأمر به في بعض الأخبار المحمول على الاستحباب مثل رواية الكاهلي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا أتيت ماء فيه قلّة فانضح عن يمينك و عن يسارك و بين يديك و توضّأ «1».

فإنّ من المعلوم أنّ الأمر هنا ليس للوجوب لأنّه لم يقل به أحد و الحاصل أنّه لم يعلم وجه الأمر بالنضح في كل جانب و هذا الأمر ورد في كثير من الرّوايات كما يجي‌ء أيضا في الروايات الآتية.

و مما استدلّ على المنع صحيحة محمّد بن مسلم عن الصّادق عليه السلام و قد سئل عن الماء الذي تبول فيه الدواب. و تلغ فيه الكلاب و يغتسل فيه الجنب قال: إذا كان الماء قدر كرّ لا ينجّسه شي‌ء «2».

و لكن الإنصاف أنّ هذه الرواية لا دلالة لها على المنع أصلا فإنّ الظاهر منها أنّ السّائل سأل من جهة النجاسة لا من جهة استعماله في رفع الحدث الأكبر لأنه قرن باغتسال الجنب في الماء بعض الأشياء المنجسة للماء و الجواب ايضا كادان يكون صريحا في ذلك و ممّا استدلّ به على المنع الرّوايات الناهية عن الاغتسال بغسالة ماء الحمّام معلّلا في بعضها «3» بأنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب و ولد الزنا و الناصب لنا أهل البيت و هو شرّهم و في بعضها «4» بأنّها مجمع غسالة اليهودي و النصراني و المجوسي و الناصب لنا أهل البيت فيظهر من التعليل الأوّل أنّ إحدى علل النّهى عن الاغتسال بغسالة ماء الحمّام هو اغتسال الجنب من مائه.

و لكن لا يخفى على النّاظر في تلك الأخبار أنّ المستفاد من مجموعها أحد أمرين.

الأوّل أنّ النهى فيها للكراهة لأنّه يغتسل فيها جميع النّاس من أيّ أنواع كانوا من اليهودي و النصراني و المجوسي و الجنب و ولد الزنا و الزّاني و النّاصب فالماء الذي هذا شأنه لا ينبغي الاغتسال به لأنّه مورث لأنواع الأمراض و يدلّ على أنّ النّهى فيها للكراهة أنّ الامام (ع) بيّن في بعض تلك الأخبار حكمة النّهي عن الاغتسال التي يستفاد منها الكراهة مثل رواية علىّ بن جعفر عن الرضا عليه السلام في حديث قال: من اغتسل من الماء الذي‌

______________________________
(1) لم أظفر بهذه الرّواية في مظانّها و لم أتذكر من اين نقلنها

(2) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب المياه الحديث 2

(3) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 11- 12

(4) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 11- 12

50
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

فصل ؛ ص : 46

قد اغتسل فيه فأصابه الجذام فلا يلومنّ الّا نفسه فقلت لأبي الحسن عليه السلام: انّ أهل المدينة يقولون: انّ فيه شفاء من العين فقال: كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام و الزاني و النّاصب الذي هو شرّهما و كلّ من خلق اللّه ثم يكون فيه شفاء من العين «1».

الثاني أنّ النهى في هذه الأخبار لأجل نجاسة الغسالة باغتسال هؤلاء الأنجاس فيه و لكن الظاهر هو الوجه الأوّل كما يظهر من الرواية الأخيرة فإنّه (ع) بيّن وجه الحكمة في مرجوحيّة الغسل بمثل هذا الماء بإصابة الجذام فيستفاد منها الكراهة فلم يبق من الأخبار ما يدلّ على المنع إلّا رواية عبد اللّه بن سنان و لكنّها معارضة ببعض الأخبار.

مثل رواية محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: الحمّام يغتسل فيه الجنب و غيره اغتسل من مائه قال: نعم لا بأس ان يغتسل منه الجنب و لقد اغتسلت فيه و جئت فغسلت رجليّ و ما غسلتهما إلا ممّا لزق بهما من التّراب «2» فتدلّ صريحا على جواز الاغتسال بالماء الذي اغتسل منه الجنب لكنّ السّائل إمّا أراد بقوله: الحمّام يغتسل فيه الاغتسال من الحوض الكبير البالغ أضعاف الكرّ و هو بعيد لعدم تداول ذلك في تلك الأزمنة و الأمكنة و امّا أراد الاغتسال من الحياض الصّغيرة بأخذ الماء منها و صبّه على جسده و لكن حيث أنّ الماء الذي اغتسل به ينزو من الأرض و يترشّح فيصيب الماء الذي في الحياض فيصير مستعملا في رفع الحدث الأكبر.

فإن كان مراد السائل هو الفرض الأوّل أي الاغتسال من الحوض الكبير فلا دلالة للرّواية على ما نحن فيه لأنّ كلامنا في الماء القليل و ان كان المراد هو الفرض الثّاني أعني الاغتسال من الحياض الصغار كما هو الظاهر فمن المعلوم أن ورودها لم يكن متعارفا بل غير ممكن فكان الاغتسال بأخذ الماء منها و صبّه على الجسد و نزو الماء و اصابة القطرات من جسد الجنب للحياض الصغار غير ضمائر و إن كان الماء قليلا كما يدلّ عليه بعض الأخبار «3» فضلا عن كون الماء ذا مادّة كما في الحياض الصّغار فهذه الرواية أعني رواية محمّد بن مسلم لا تدلّ على جواز استعمال الماء المستعمل في غسل الجنابة في رفع الحدث و تعارض أيضا رواية عبد اللّه بن‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب الماء المضاف الحديث 2

(2) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب المياه الحديث 5

(3) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب المياه

51
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

فصل ؛ ص : 46

سنان رواية علىّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام و قال: سألته عن الرجل يصيب الماء في ساقية أو مستنقع ما يغتسل منه للجنابة أو يتوضّأ منه للصّلوة إذا كان لا يجد غيره و الماء لا يبلغ صاعا للجنابة و لا مدّا للوضوء و هو متفرّق فكيف يصنع و هو يتخوّف أن تكون السّباع قد شربت منه.

فقال: ان كانت يده نظيفة فليأخذ كفا من الماء بيد واحدة فلينضحه خلفه و كفا أمامه و كفّا عن يمينه و كفّا عن شماله فإن خشي أن لا يكفيه غسل رأسه ثلاث مرّات ثمّ مسح جلده بيده فانّ ذلك يجزيه و ان كان الوضوء غسل وجهه و مسح يده على ذراعيه و رأسه و رجليه و ان كان الماء متفرّقا فقدر أن يجمعه و الّا اغتسل من هذا و من هذا و ان كان في مكان واحد و هو قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه ان يغتسل و يرجع الماء فيه فانّ ذلك يجزيه «1» فانّ قوله فلا عليه أن يغتسل و يرجع الماء فيه كالصّريح في جواز الاغتسال بالماء الذي اغتسل به و لكنّ الرواية محمولة على الضرورة كما هي ظاهرة فيها فانّ قوله و ان كان في مكان واحد و هو قليل لا يكفيه لغسله إلخ كالصريح في أنّ موردها في جواز الاغتسال بالماء الذي رجع من الغسل هو صورة عدم كفاية الماء و لكن يمكن أن يقال: انّه لا ضرورة هنا أي في صورة عدم كفاية الماء لغسله لإمكان الادّهان بهذا الماء الذي لا يكفيه للغسل على النّحو المتعارف فانّ هذا المقام مقام الادّهان فالادّهان يرفع الضرورة إلى استعمال الماء المستعمل فتجويز استعمال هذا الماء المستعمل مع إمكان الادّهان يستلزم تجويزه مطلقا.

مع أنّه قيل بعدم القول بالفصل بين الضّرورة و غيرها فح اى حين تعارض رواية عبد اللّه بن سنان مع هذه الرواية لا بدّ من حمل إحداهما على الأخرى فنقول: انّه يمكن حمل رواية عبد اللّه بن سنان على الكراهة أي كراهة التوضّؤ بالماء المستعمل في رفع الجنابة بل كراهة رفع الحدث مطلقا بالماء المذكور بقرينة هذه الرواية الصّحيحة الدالّة على الجواز صريحا.

الى هنا انتهت المباحث المتعلّقة بأقسام المياه و أحكام المياه المستعملة في رفع الحدث و الخبث و بقي من أقسام المياه التي لم نتعرّض لأحكامها الماء الجاري و ماء الحمّام و الماء المضاف.

______________________________
(1) جامع الأحاديث باب جملة من آداب الحمّام

52
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

(الماء الجاري) ؛ ص : 53

(الماء الجاري)

أمّا الماء الجاري فمجمل الكلام فيه أنّه رافع للحدث و الخبث و لا ينفعل بملاقاة النجس إلّا إذا تغيّر أحد أوصافه الثلاثة و مستند هذه الأحكام بعض الأدلّة المتقدّمة في أقسام المياه من العمومات و الإطلاقات و الروايات الآتية في ماء الحمّام.

و أمّا ماء الحمام فملخص الكلام فيه أنّه إذا كان قليلا و ليس له مادة فحكمه حكم الماء القليل.

و أمّا إذا كانت له مادّة فحكمه حكم الجاري لا ينفعل بملاقاته للنجس إلّا إذا تغيّر أحد أوصافه الثلاثة و يرتفع به الحدث و الخبث و الدليل على ذلك كلّه العمومات و الإطلاقات المتقدّمة و خصوص بعض الروايات الدالّة على عدم انفعاله و أنّه كماء النّهر أو بمنزلة الماء الجاري.

كرواية داود بن سرحان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما تقول في ماء الحمّام فقال: هو بمنزلة الماء الجاري «1» و رواية إسماعيل بن جابر عن أبى الحسن عليه السلام قال:

ابتدأني فقال: ماء الحمام لا ينجسه شي‌ء «2» و رواية حنّان قال: سمعت رجلا يقول لأبي عبد اللّه عليه السلام: انّى أدخل الحمّام في السّحر و فيه الجنب و غير ذلك فأقوم فأغتسل فينتضح علىّ بعد ما أفرغ من مائهم قال: أ ليس هو جار قلت: بلى قال: لا بأس «3».

و رواية بكر بن حبيب عن أبى جعفر عليه السلام قال: ماء الحمّام لا بأس به إذا كانت له مادّة «4» و رواية ابن أبى يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال في حديث: انّ ماء الحمّام كماء النّهر يطهّر بعضه بعضا «5».

و أمّا الماء المضاف فلا يرفع الحدث و الخبث و ينجس بملاقاته للنّجس و لو كان كرّا بل اكرارا و الدليل على ذلك هو الروايات الدالّة على ذلك فمنها رواية زكريّا بن آدم قال:

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب المياه الحديث 1- 2- 6- 7

(2) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب المياه الحديث 1- 2- 6- 7

(3) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب المياه الحديث 1- 2- 6- 7

(4) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب المياه الحديث 1- 2- 6- 7

(5) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 11

53
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث الثاني في الأسئار ؛ ص : 54

سألت أبا الحسن عليه السلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه مرق و لحم كثير فقال (ع): يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمّة أو الكلاب و اللحم اغسله و كله الحديث «1».

و منها رواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: انّ أمير المؤمنين عليه السلام قد سئل عن قدر طبخت فإذا في القدر فأره قال: يهراق مرقها و يغسل اللحم و يؤكل «2» و لكنّ الرّوايتين لا تدلّان على انفعال المضاف من حيث انّه مضاف بل يمكن أن يكون انفعال المرق بوقوع الخمر أو النبيذ أو الفأرة فيه لأجل أنّه ماء قليل أصابته النجاسة لا من جهة أنّه ماء مضاف الّا أن يقال انّ عدم تحمّل المضاف للنجاسة و تنجّسه بملاقاة النجس له ممّا قام عليه الإجماع فلا بدّ من حمل الروايتين عليه.

و منها رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرّجل يكون معه اللبن أ يتوضّأ منه للصّلوة قال: لا انّما هو الماء و الصعيد «3» و أمّا ما روى عن يونس عن ابى الحسن عليه السلام قال: قلت له: الرجل يغتسل بماء الورد و يتوضّأ به للصّلوة قال: لا بأس بذلك فهو شاذّ غير معمول به فيمكن حمله على التقيّة هذا تمام الكلام في أقسام المياه و أحكامها و الحمد للّه.

المبحث الثاني في الأسئار

و هي جمع السّؤر و هو بقيّة الماء الذي يبقيه الشارب في الإناء أو في الحوض كما في مجمع البحرين ثمّ قال: ثمّ أستعير لبقية الطعام قاله في المغرب و عن الأزهري اتّفق أهل اللغة أنّ سائر الشي‌ء باقيه قليلا كان أو كثيرا و في ية- سائر مهموز و معناه الباقي لأنّه اسم فاعل من السؤر و هو ما يبقى من الشراب و هذا ممّا يغلط فيه الناس فيضعونه موضع الجميع و قد يقال في تعريفه: السؤر ما باشره جسم حيوان و بمعناه رواية و لعله اصطلاح و عليه حملت الأسئار كسؤر اليهودي و النصراني و غيرهما انتهى كلام صاحب المجمع و حاصله أنّ الأصل في معنى السؤر هو بقيّة الشّراب ثمّ استعمل لبقيّة الطعام ثمّ استعمل في كلّ ما باشره جسم‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب المياه الحديث 1

(2) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب المياه الحديث 2

(3) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب الوضوء الحديث 1- 5

54
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث الثاني في الأسئار ؛ ص : 54

حيوان أعم من أن يكون بالشّرب أو الأكل أو غيرهما.

و هذا المبحث و ان كان داخلا في سائر أبحاث الطهارة من انفعال القليل و عدم انفعال الكثير و تنجّس المضاف بملاقاة النجس و تنجّس كلّ شي‌ء بملاقاته لشي‌ء نجس مع رطوبة مسرية و غير ذلك من أبحاث الطهارة الا أنّه حيث وردت أخبار كثيرة في خصوص الأسئار أفرد الفقهاء لها مبحثا على حده بل العامّة أيضا أفردوا لها بابا على حده لورود الروايات من طرقهم ايضا.

و قد اختلفت أقوال العامّة و الخاصّة في الأسئار و اختلاف العامّة أكثر.

فمنهم من ذهب الى أنّ الأسئار كلّها نجسة و منهم الى أنّ الأسئار كلّها طاهرة عدا سؤر الكلب و الخنزير و منهم من فصّل بين مأكول اللحم و غيره فقال بطهارتها في الأوّل دون الثاني و بعضهم قال بالنجاسة الّا أنّه جوز التوضؤ بها الى غير ذلك من أقوالهم و منشأ اختلافهم هو اختلاف ما أدّى اليه نظرهم من الاجتهاد و الأقيسة و أمّا أصحابنا رضوان اللّه عليهم فالمشهور بينهم أنّ سؤر جميع الحيوانات طاهر عدا نجس العين كالكلب و الخنزير و الكافر و قال بعضهم كالشّيخ و الحلّي في السرائر بأنّ سؤر مأكول اللحم طاهر.

و أمّا سؤر غيره فنجس و استثنى الطيور مطلقا و ما يعسر الاجتناب عنه كالسنور و الفأر.

و قال قوم بكراهة سؤر ما كره أكله كالبغال و الحمير و استدلّ من فصّل بين سؤر مأكول اللحم و غيره بمفهوم رواية عمّار بن موسى السّاباطيّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عمّا تشرب منه الحمامة فقال: كل ما أكل لحمه فتوضّأ من سؤره و اشرب و عن ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب فقال: كلّ شي‌ء من الطّير يتوضّأ ممّا يشرب منه إلا أن ترى في منقاره دما فإن رأيت في منقاره دما فلا توضّأ منه و لا تشرب «1» فانّ المفهوم من قوله: كلّما أكل لحمه إلخ أنّ كلّما لم يؤكل لحمه فلا تتوضّأ من سؤره و لا تشرب و المستفاد من النهى عن الوضوء و الشرب هو النجاسة لأنّ النهي في أمثال هذه الموارد كناية عن النجاسة كما لا يخفى على من لاحظ نظائرها في الاخبار.

و لكن لا يخفى أنّ مفهوم الوصف ليس بحجّة خصوصا في مثل المقام ممّا وقع جوابا‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الأسئار الحديث 10

55
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث الثاني في الأسئار ؛ ص : 54

للسّائل فانّ السّائل كان مورد سؤاله بعض أفراد المأكول فأجابه الإمام عليه السلام على النحو الكلي في أفراد المأكول فجوابه (ع) يلزم مطابقته لمورد السّؤال الذي هو المأكول فليس لنحو هذا الوصف مفهوم فإنّه أشبه شي‌ء بمفهوم اللقب فكأنّ هذا الوصف أخذ موضوعا للحكم.

و على فرض وجود المفهوم له فمفهومه السّالبة الجزئيّة لا السّالبة الكليّة كما ذكرنا ذلك في قوله (ع): إذا كان الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيى بأنّ مفهومه إذا لم يكن قدر كرّ ينجّسه شي‌ء من الأشياء على نحو الإهمال لا أنّ مفهومه ينجّسه كلّ شي‌ء فكذا ههنا فإنّه على فرض تحقّق المفهوم فمفهومه أنّ ما لا يؤكل لحمد ليس حكمه كذلك اى ليس جميع أقسامه مثل مأكول اللحم فيمكن أن يكون ما منع من التوضّؤ بسؤره هو الكلب و الخنزير دون سائر الحيوانات غير مأكولة اللحم و على تقدير تسليم ثبوت الكليّة للمفهوم يعارض هذا المفهوم ما هو أقوى سندا و دلالة و هو ما روى بسند صحيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام و قد سئل عن فضل الهرة و الشاة و البقر و الإبل و الحمار و الخيل و البغال و الوحش و السّباع فلم يترك السّائل شيئا إلا سأله عنه، فقال لا بأس به، حتى انتهى السائل إلى الكلب فقال (ع): رجس نجس لا تتوضّأ بفضله و اصبب ذلك الماء و اغسله بالتّراب أوّل مرّة ثم بالماء «1».

و كذا رواية معاوية بن شريح قال: سأل عذافر أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده عن سؤر السنّور و الشّاة و البقر و البعير و الحمار و الفرس و البغل و السّباع يشرب منه أو يتوضّأ منه قال: نعم اشرب منه و توضّأ منه قال: قلت له: الكلب قال: لا قلت: أ ليس هو سبع قال:

لا و اللّه انّه نجس «2» فإنّه يفهم من السّؤال و الجواب أمران الأوّل أنّ سور السبع طاهر و أنّه كان مرتكزا في ذهنه و أنّه إذا كان الكلب سبعا فلم لا يجوز الشرب و التوضّؤ من سؤره و لم يردعه الامام (ع) عمّا كان في ذهنه بل أجاب (ع) بأنّه ليس بسبع بل الظاهر من الجواب أيضا أنّه إذا كان سبعا كان سؤره طاهرا.

الثاني أنّ علّة عدم جواز شرب سؤره و التوضّؤ به هو نجاسة الكلب فغير المأكول الطاهر لا بدّ أن يكون سؤره طاهرا نعم يستفاد من بعض الأخبار كراهة سؤر غير مأكول اللحم كمرسلة‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الأسئار الحديث 3- 2

(2) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الأسئار الحديث 3- 2

56
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث الثاني في الأسئار ؛ ص : 54

الوشّاء عنه عليه السلام أنّه كان يكره سؤر كلّ شي‌ء لا يأكل لحمه «1».

و هذه الرواية و ان كانت مرسلة الّا أنّها كافية في كونها مستندة للكراهة للتّسامح في أدلّة السنن و المكروهات مع أنّه يعضدها مفهوم الرواية المتقدمة التي نفى البأس فيها بالنّسبة إلى المأكول و ألحق المشهور بمكروه اللحم الجلّال و هو المتغذّي بعذرة الإنسان إلى حدّ يحرم لحمد و كذا آكل الجيف بل نقل عن السّيّد و الشيخ و ابن الجنيد بنجاسة سؤر الجلّال و لم يعلم وجهه الّا أن يقال بنجاسة موضع الملاقاة في الجلّال امّا لنجاسة لعابه أو لعدم انفكاك موضع الملاقاة عن التلطّخ بالنجس غالبا أو لنجاسة عرقه كما هو المشهور أو لنجاسة نفس الجلّال كما عن بعض.

لكن لا يخفى ما في الكلّ أمّا الأوّل فهو منتقض ببصاق شارب الخمر فإنّه طاهر و أمّا الثاني فهو مخالف لمفروض المشهور لأنّهم قيّد و إكراهه سؤر الجلّال بخلوّ موضع الملاقاة عن النجاسة فح يصير هذا القول مخالفا للمشهور و كذا بناء على نجاسة عرقه فانّ التلطّخ بالعرق ايضا مخالف لمفروض المشهور المقيّدين له بخلوّ موضع الملاقاة عن النّجاسة.

و أمّا نجاسة الجلّال فهي خلاف ما عليه السيّد و الشيخ و ابن الجنيد من الحكم بطهارته فالقول بنجاسة سؤره ضعيف و أمّا الكراهة فليس لها مستند ايضا سوى مرسلة الوشّاء المتقدّمة بناء على تعميم غير مأكول اللحم الذاتي و العرضي و هو مشكل فانّ المتبادر من غير مأكول اللحم هو الذّاتي و يمكن أن تستفاد الكراهة من رواية العيص الواردة في سؤر الجنب و الحائض و هي ما رواه العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن سؤر الحائض قال: لا توضّأ منه و توضّأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة و تغسل يدها قبل أن تدخلها الإناء «2».

فإنّه يستفاد منها خصوصا بناء على إسقاط كلمة لا من قوله: لا توضّأ منه كما عن التهذيب و الاستبصار أنها إذا كانت مأمونة فلا بأس بالتوضؤ من سؤرها و مفهومها كراهة التوضؤ أو حرمته إذا لم تكن مأمونة و لا أقلّ من الكراهة فيمكن أن يستشعر منها أنّ العلّة في كراهة التوضّؤ أو حرمته في غير المأمونة هي كونها معرضا لتنجّس سؤرها إذا لم تكن مأمونة‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الأسئار الحديث 13

(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الأسئار الحديث 9

57
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث الثالث في الطهارة المائية ؛ ص : 58

لأنّها لا تبالي من النجس فتستفاد الكليّة من هذه العلّة بأنّ كلّ مورد يكون معرضا لتوارد النجس أو ملاقاته يكره مباشرته و التوضّؤ منه و يستحبّ اجتنابه و لكن استفادة العلية منها مشكلة‌

المبحث الثالث في الطهارة المائيّة.

و هي الوضوء و الغسل و في الوضوء فصلان.

الفصل الأوّل في الأحداث الموجبة للوضوء و الأحداث جمع الحدث و هو بحسب اللغة مطلق ما يحدث بعد ما لم يكن موجودا و في عرف الفقهاء الأشياء الستّة الناقضة للوضوء و قد يطلق على نفس هذه الأشياء و قد يطلق على الحالة الحاصلة للإنسان بعد صدور هذه الأشياء منه.

و كيف كان فهل يكون التقابل بين الطهارة و الحدث من تقابل العدم و الملكة بأن تكون الطهارة أمرا عدميّا و لكن من شأنه الوجود و الحدث أمرا وجوديا أو بالعكس أو من تقابل التضاد بأن كان كلاهما وجودييّن و تظهر الثمرة في الموارد النادرة كما في الإنسان المخلوق السّاعة الذي لم يتحقّق منه حدث فان قلنا: انّ التقابل بينهما من تقابل العدم و الملكة و قلنا بأنّ الطهارة أمر عدمي فلا بدّ لنا من أن نقول: انّ الحدث مانع للصلاة لأنّه على هذا لا يمكننا أن نقول: انّ الطهارة شرط للصّلوة لأنّه أمر عدمي فح يصحّ من هذا الإنسان الإتيان بالصلاة من دون طهارة لأنّه لم يتحقّق منه الحدث المانع للصّلوة و لكن إذا قلنا بأنّ التقابل بينهما من تقابل التضاد فلا يكفى عدم صدور الحدث منه بل لا بدّ له من الطهارة المائيّة لأنّ الطهارة ح شرط للصلاة كما أنّ الحدث مانع لها.

و يستفاد من الأخبار أنّ الطهارة أمر وجوديّ لأنّه يظهر من غير واحد منها أنّه أطلق على الأحداث الموجبة للوضوء- الناقض فيعلم أنّ الطهارة قابلة لنقض شي‌ء لها فلا بدّ من كونها أمرا وجوديّا حتّى يصحّ نقض شي‌ء لها فإنّ الأمر العدمي لا ينقض بشي‌ء لأنّه عدم محض.

و يعلم ايضا منها أنّ الأحداث من الأمور الوجوديّة فإنّ الأمر العدمي لا يمكن أن يكون ناقضا كما لا يخفى فح يكون التقابل بين الطهارة و الحدث من تقابل التضاد لا تقابل العدم و الملكة.

58
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث الثالث في الطهارة المائية ؛ ص : 58

ثمّ انّ الأحداث النّاقضة للوضوء ستّة كما عن المشهور بل كاد أن يكون إجماعا الأوّل البول الثاني الغائط و يدلّ على كونهما ناقضين أخبار كثيرة فمنها موثقة أو صحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام: ما ينقض الوضوء فقالا: ما يخرج من طرفيك الأسفلين من الذكر و الدّبر من الغائط و البول أو منى أو ريح و النّوم حتّى يذهب العقل الحديث «1».

و منها رواية سالم بن أبى الفضل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ليس ينقض الوضوء الا ما خرج من طرفيك الأسفلين الذين أنعم اللّه بهما عليك «2» و منها رواية أبي بصير عنه عليه السلام قال: سألته عن الرعاف و الحجامة و كلّ دم سائل فقال: ليس في هذا وضوء انّما الوضوء من طرفيك الأسفلين الذين أنعم اللّه تعالى بهما عليك «3» الى غير ذلك من الأخبار التي سيأتي بعضها.

هل ينقض الوضوء البول أو الغائط الخارج من المحل غير المعتاد أو يختصّ الناقض بخروجه من المحل المعتاد أو يكون غير المعتاد كالمعتاد إذا صار خروج أحدهما منه معتادا فيه وجوه بل أقوال يمكن أن يقال: انّ الأخبار ناظرة إلى بيان ما ينقض الوضوء و ليس لها إطلاق بالنّسبة إلى المحل غير المعتاد بل يمكن دعوى انصرافها الى المحلّ المعتاد لأجل الغلبة لكون الموضع المعتاد من الأفراد الغالبة فلا تحمل الأخبار على الأفراد النادرة كالموضع غير المعتاد مضافا الى التقييد في بعض الأخبار بما يخرج من طرفيك الأسفلين فإنّه ظاهر خصوصا الرواية الاولى من الروايات الثلاث المتقدّمة التي قيّد الأسفلان فيها بالذكر و الدبر في المحل المعتاد.

اللّهم الّا أن يدّعى أنّ التقييد لبيان ما ينقض الوضوء فهو علامة و معرف للنّاقض مثل أن يقال: الذي يرد من هذا الباب هو ابن زيد فانّ العرف لا يفهم من هذا القيد أنّ وروده من هذا الباب له مدخلية في كونه ابن زيد بل يفهم منه أنّ الإتيان بهذا القيد لتعريفه و لكن الظاهر أنّ هذا المورد اى ما نحن فيه ليس من قبيل المثال المذكور فانّ التقييد بما يخرج من الأسفلين و بيان الأسفلين بأنّهما الذكر و الدّبر مع أنّ البول و الغائط معناهما واضح ليس الا للعناية بالخصوص بأن يخرجا من الأسفلين فالخروج من الأسفلين له دخل في ناقضيتهما للوضوء الّا أن يقال: بأنّ العامّة قد عدّوا من النّواقض القي‌ء و الرعاف و الحجامة و الفصد و‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 14- 6- 17

(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 14- 6- 17

(3) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 14- 6- 17

59
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث الثالث في الطهارة المائية ؛ ص : 58

البلغم و غير ذلك من الأشياء الكثيرة.

فهذا التقييد لأجل ردّ قولهم و أنّ الناقض هو البول و الغائط و الريح ممّا يخرج من الأسفلين فما يخرج من غير الأسفلين من القي‌ء و غيره لا ينقض الوضوء فهذا الحصر إضافيّ بالنّسبة إلى أقوال العامّة و يؤيّده ما روى عن العلل عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام قال: انّما وجب الوضوء ممّا خرج من الطرفين خاصّة دون سائر الأشياء لأنّ الطرفين هما طريق النّجاسة و ليس للإنسان طريق تصيبه النجاسة من نفسه الّا منهما فأمروا بالطهارة عند ما تصيبهم تلك النجاسة من أنفسهم الحديث «1» فيظهر من هذا الحديث أنّ ملاك الأمر بالطهارة إصابة النجاسة من أنفسهم و هذا المعنى يتحقق بإصابة النجاسة للإنسان من الطريق غير المعتاد.

الثالث من النواقض الرّيح سواء أ كان مع الصوت أم بدونه و تدل على ناقضيتها أخبار كثيرة منها رواية زكريا بن آدم قال: سألت الرضا عليه السلام عن النّاصور أ ينقض الوضوء قال: انّما ينقض الوضوء ثلاث: البول و الغائط و الرّيح «2» و منها رواية زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا يوجب الوضوء الا من غائط أو بول أو ضرطة تسمع صوتها أو فسوة تجد ريحها «3».

و منها رواية معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: انّ الشّيطان ينفخ في دبر الإنسان حتّى يخيّل إليه أنّه قد خرج منه ريح فلا ينقض الوضوء الّا ريح تسمعها أو تجد ريحها «4» و الظّاهر أنّ مناط كونها ناقضة هو نفس خروجها سواء سمع صوتها أو وجد ريحها أولا.

و التنبيه في بعض هذه الأخبار بسماع صوتها أو وجدان ريحها انّما هو لأجل العلم بخروجها لا انّ لكل واحد من سماع صوتها أو وجدان ريحها دخلا في النّاقضيّة فكلّ واحد منهما علامة لخروجها كما يظهر من بعض الأخبار مثل رواية معاوية بن عمّار المتقدّمة و مثل رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه أنّه قال للصّادق عليه السلام: أجد الرّيح في بطني حتّى أظنّ أنّها قد خرجت فقال: ليس عليك وضوء حتّى تسمع الصّوت أو تجد الرّيح ثمّ قال (ع): انّ‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب ما ينقض الوضوء الحديث 17

(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 2- 1- 19

(3) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 2- 1- 19

(4) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 2- 1- 19

60
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث الثالث في الطهارة المائية ؛ ص : 58

إبليس يجلس بين أليتي الرّجل فيحدث ليشككه «1» فانّ الظاهر من هذين الخبرين أنّ سماع الصوت أو وجدان الرّيح علامة موجبة لحصول العلم بخروجها.

و يدلّ على كون مطلق خروج الرّيح ناقضا سواء سمع صوتها أو وجد ريحها أم لا رواية قرب الاسناد عن علىّ بن جعفر عن أخيه موسى صلوات اللّه عليه قال: و سألته عن رجل يكون في الصّلوة فيعلم أنّ ريحا قد خرجت فلا يجد ريحها و لا يسمع صوتها قال (ع):

يعيد الوضوء و الصّلوة و لا يعتدّ بشي‌ء ممّا صلّى إذا علم ذلك يقينا «2» الرابع من النواقض النّوم لا مطلقه بل ما يكون غالبا على السّمع و البصر و مستند ذلك روايات متضافرة.

منها رواية سعد عن الصادق عليه السلام قال: أذنان و عينان تنام العينان و لا تنام الأذنان و ذلك لا ينقض الوضوء فإذا نامت العينان و الأذنان انتقض الوضوء «3».

و منها رواية زرارة أو موثقته قال: قلت له: الرجل ينام و هو على وضوء أ توجب الخفقة و الخفقتان عليه الوضوء فقال: يا زرارة قد تنام العين و لا ينام القلب و الاذن فإذا نامت العين و الاذن و القلب وجب الوضوء الخبر «4».

و منها رواية ابن بكير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام قوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ ما يعنى بذلك قال: إذا قمتم من النّوم قلت: ينقض النوم الوضوء فقال: نعم إذا كان يغلب على السمع و لا يسمع الصوت «5» فيظهر من هذه الروايات أنّ مطلق النّوم غير ناقض بل الناقض هو النوم الغالب على السّمع و البصر و عبّر عن هذا المعنى في بعض الروايات بالغالب على القلب أو الذاهب بالعقل مثل قول علىّ عليه السلام في حديث الأربعمأة إذا خالط النوم القلب فقد وجب الوضوء «6» و مثل الرواية المروية عن الرضا عليه السلام و قد سئل عن الرّجل ينام على دابّته فقال: إذا ذهب النّوم خ بالعقل فليعد الوضوء «7» و لكن ليس في بعض الأخبار التّقييد بكونه غالبا على السّمع بل يستفاد منه أنّ مطلق النوم ناقض كرواية عبد الحميد بن العواض عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 20- 21

(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 20- 21

(3) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النواقض الحديث 30- 33- 28

(4) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النواقض الحديث 30- 33- 28

(5) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النواقض الحديث 30- 33- 28

(6) جامع الأحاديث من أبواب نواقض الوضوء الحديث 29- 31

(7) جامع الأحاديث من أبواب نواقض الوضوء الحديث 29- 31

61
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث الثالث في الطهارة المائية ؛ ص : 58

يقول: من نام و هو راكع أو ساجد أو ماش على أى الحالات فعليه الوضوء «1».

و من البعيد جدّا إمكان المشي مع غلبة النّوم على السّمع و القلب و مثل رواية زرارة عن إحداهما عليهما السلام قال: لا ينقض الوضوء الا ما خرج من طرفيك الأسفلين أو النوم «2» و مثل رواية إسحاق بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا ينقض الوضوء إلا حدث و النوم حدث «3» و مثل رواية سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل ينام و هو ساجد قال: ينصرف و يتوضّأ «4».

فليس في هذه الرّوايات التّفصيل بين النّوم الغالب على السّمع بل فيها إطلاق يشمل غير الغالب على السّمع و لكن يمكن الجمع بين هذه الروايات و الروايات المقيّدة بالغالب على السّمع بأن يقال: انّ النوم الحقيقي هو ما غلب على السّمع و القلب.

و أمّا الغالب على العين فقط فليس بنوم لصحّة سلب النّوم عنه و إطلاق النّوم عليه في بعض الأحيان مجاز بالمشارفة لكونه مشرفا على النّوم فالتقييد في تلك الأخبار لبيان حقيقة النّوم لا لإخراج بعض أفراد النوم عن هذا الحكم فلا تنافي الأخبار المطلقة.

الخامس من النّواقض كلّ ما أزال العقل من سكر أو إغماء أو جنون و ادّعى كثير من الفقهاء عليه الإجماع و ان تردّد فيه صاحب الحدائق (ره) على ما حكى عنه الّا أنّه لم يفت بالخلاف و غيره ايضا لم يفت بالخلاف و غيره ايضا لم يفت بالخلاف و استدلّ على ناقضيتّه بصحيحة معمر بن خلّاد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل به علّة لا يقدر على الاضطجاع و الوضوء يشتدّ عليه و هو قاعد مستند بالوسائد فربّما أغفى و هو قاعد على تلك الحال قال: يتوضّأ قلت له: انّ الوضوء يشتدّ عليه لحال علّته فقال: إذا خفي عليه الصّوت فقد وجب عليه الوضوء «5» الخبر.

و الإغفاء و ان فسّر في كتب اللغة بالنّوم الّا أنّ المراد هنا بقرينة شدّة مرضه كما يظهر من قوله: انّ الوضوء يشتدّ عليه لحال علّته هو الإغماء و ايضا قوله (ع) في ذيل الخبر: إذا خفي عليه الصّوت يشمل ما إذا خفي بسبب الإغماء ايضا.

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 25- 11

(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 25- 11

(3) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 24- 26

(4) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 24- 26

(5) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 43

62
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث الثالث في الطهارة المائية ؛ ص : 58

و فيه أنّ الإغفاء كما صرّح هو به بمعنى النّوم و شدّة المرض ليست قرينة لكون الإغفاء بمعنى الإغماء بل الظاهر أنّ المراد أنّه لا يقدر على الاضطجاع لشدّة مرضه فهو متكئ على الوسائد فيغلب عليه النّوم في هذه الحال و هذا المعنى كثير مطّرد بالنّسبة إلى المريض و أمّا قوله: إذا خفي عليه الصّوت إلخ فليس فيه عموم يشمل الإغماء لأنّ الضمير في قوله: فيه عائد الى الرجل المغفى.

و استدلّ ايضا على ناقضيّة الإغماء و غيره ممّا يزيل العقل بالأخبار الدالّة على وجوب الوضوء بالنّوم الذاهب بالعقل بأن يقال: إنّ علّة وجوب الوضوء بالنّوم الذاهب بالعقل هو زوال العقل فإذا كان زوال العقل بالنّوم موجبا لوجوب الوضوء فزواله بالإغماء و السّكر اولى بإيجابه.

و فيه أنّ تلك الأخبار ناظرة إلى بيان تحديد النّوم الناقض للوضوء و لا يستفاد منها أنّ العلّة التّامّة لوجوب الوضوء هو زوال العقل فيمكن أن يكون زوال العقل المقارن للنّوم موجبا للوضوء لا مطلق زوال العقل نعم القول به موافق للاحتياط.

السّادس من النّواقض الاستحاضة القليلة كما ذكره كثير من من الفقهاء و انّما قيّدوه بالقليلة لأنّ المتوسّطة و الكثيرة موجبتان للغسل ايضا و انّما الكلام في نواقض الوضوء فقط و لكن يرد عليهم أنّ المتوسّطة أيضا موجبة للوضوء فقط في بعض الموارد مثل ما إذا أتت بالغسل الواجب عليها في اليوم أو الليلة مرّة واحدة ثمّ رأت بعد ذلك الدم فإنّه لا يجب عليها لكلّ صلاة الّا الوضوء الى اليوم الآتي أو الليلة الآتية و غير هذه الستّة غير ناقض للوضوء مثل المذي و الوذي و الودي و مسّ الفرج و لمس النّساء و خروج الدّم و القي‌ء و غير ذلك.

و لكن قد ورد الأمر بالوضوء في بعض هذه الموارد في بعض الأخبار كالمذي فإنّه في كثير من الأخبار قد ورد الأمر بالوضوء فيه أو الحكم بنقض الوضوء بخروجه.

كرواية محمّد بن إسماعيل عن أبى الحسن عليه السلام قال: سألته عن المذي فأمرني بالوضوء منه ثمّ أعدت عليه سنة أخرى فأمرني بالوضوء منه و قال: انّ عليّا عليه السلام أمر المقداد أن يسأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و استحيي أن يسأله فقال: فيه الوضوء قلت: فان لم أتوضّأ قال: لا بأس به «1» و مثل رواية يعقوب بن يقطين قال: سألت أبا الحسن‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 16

63
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث الثالث في الطهارة المائية ؛ ص : 58

عليه السلام عن الرجل يمذي و هو في الصلاة من شهوة أو من غير شهوة قال: المذي منه الوضوء «1» و لكن يعارض الروايتين غير واحد من الأخبار الدالة على عدم وجوب اعادة الوضوء بخروج المذي.

منها رواية بريد بن معاوية العجلي قال: سألت أحدهما عليهما السلام عن المذي فقال: لا ينقض الوضوء و لا يغسل منه ثوب و لا جسد انّما هو بمنزلة المخاط و البصاق «2» و بمضمونها أخبار كثيرة و لذا جمع بينهما بعض العلماء بحمل ما ورد من الأمر فيه بالوضوء على ما إذا خرج بشهوة و ما ورد من عدم نقضه للوضوء على ما إذا خرج بغير شهوة و يدل على هذا الجمع بعض الأخبار منها رواية أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: المذي يخرج من الرجل قال: أحدّ لك فيه حدّا قال: قلت: نعم جعلت فداك قال: ان خرج منك على شهوة فتوضّأ و ان خرج منك على غير ذلك فليس عليك فيه وضوء «3».

بل في بعض الأخبار الحكم بنقض الوضوء ان خرج بشهوة و هو رواية على بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن المذي أ ينقض الوضوء قال: ان كان من شهوة نقض «4».

و لكن يعارض هذا التفصيل مضافا الى أنّ المذي هو ما خرج بشهوة و لذّة و أمّا ما خرج بغير شهوة فليس بمذى كما يدلّ عليه كلام أهل اللغة و يدل عليه بعض الأخبار كرواية ابن رباط عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يخرج من الإحليل المنى و المذي و الودي الى أن قال: و أمّا المذي فهو يخرج من شهوة و لا شي‌ء فيه «5» مضافا الى ما ذكر إطلاق كثير من الأخبار الدالّة على عدم نقض الوضوء به فإنّه يشمل ما إذا خرج من شهوة و يعارض هذا التفصيل أيضا رواية محمد ابن أبى عمير عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ليس في المذي من الشهوة و لا من الإنعاظ و لا من القبلة و لا من مسّ الفرج و لا من‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 19- (7)

(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 19- (7)

(3) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النواقض الحديث 22

(4) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النواقض الحديث 20

(5) الوسائل الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 6

64
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث الثالث في الطهارة المائية ؛ ص : 58

المضاجعة وضوء الخبر «1».

و رواية عمر بن يزيد قال: اغتسلت يوم الجمعة بالمدينة و لبست أثوابي و تطيبت فمرت بي وصيفة ففخذت لها فأمذيت أنا و أمنت هي فدخلني من ذلك ضيق فسألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك فقال: ليس عليك وضوء «2» الخبر.

و من المعلوم أنّ الإمذاء من التفخيذ لا يكون الّا من شهوة فالأولى أن يقال: انّ الأخبار الدالة على نقض الوضوء بالمذي أو الآمرة بالوضوء محمولة على التقيّة لأنّ العامّة يحكمون بنقض الوضوء بخروج المذي أو محمولة على الاستحباب اى استحباب الوضوء بخروج المذي و يشهد للحمل الثاني رواية محمّد بن إسماعيل المتقدّمة «3» فإنّه عليه السلام بعد ما أمره في السنة الأولى و كذا في السنة الثانية بالوضوء حكم في آخر الرواية بأنّه لا بأس ان لم يتوضّأ فلو كانت الرواية صادرة تقيّة لا يمكن الحكم فيها بأنه لا بأس بأن لم يتوضأ فلا بدّ من أن يكون الأمر فيها و كذا في سائر الأخبار محمولا على الاستحباب.

و كذا الدم فقد ورد الأمر بالوضوء بخروجه في بعض الأخبار.

منها رواية عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أصابه دم سائل قال: يتوضأ و يعيد و ان لم يكن سائلا توضّأ و بنى الخبر «4».

و منها رواية الحسن بن على ابن بنت الياس قال: سمعته يقول: رأيت أبي (ع) و قدر عف بعد ما توضأ دما سائلا فتوضّأ «5» و لكن يعارض هذين الخبرين أخبار كثيرة منها رواية أبي بصير عن الصّادق عليه السلام قال سألته عن الرعاف و الحجامة و كلّ دم سائل فقال:

ليس في هذا وضوء انّما الوضوء من طرفيك الأسفلين الذين أنعم اللّه بهما عليك «6».

و منها رواية أبي هلال قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام: أ ينقض الرعاف و القي‌ء و نتف الإبط الوضوء فقال: و ما تصنع بهذا هذا قول المغيرة بن سعيد لعن اللّه المغيرة، يجزيك من‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النواقض الحديث 8

(2) الوسائل الباب 12 من أبواب النواقض الحديث 13

(3) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب النواقض الحديث 16

(4) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب النواقض الحديث 21- 22

(5) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب النواقض الحديث 21- 22

(6) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب النواقض الحديث 17

65
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

فصل 2 ؛ ص : 66

الرعاف و القي‌ء أن تغسله و لا تعيد الوضوء «1».

و غير ذلك من الأخبار الدالّة على عدم نقض خروج الدّم للوضوء صريحا.

فتحمل الروايتان على أنّ المراد من الوضوء غسل موضع الدّم لا الوضوء بمعنى الطهارة من الحدث أو تحملان على استحباب الوضوء بعد خروج الدم أو على التقيّة و لعلّ الأخير أظهر لحكم كثير من العامّة ببطلان الوضوء بخروج الدم‌

فصل 2

في أحكام الخلوة و هي أمور الأول يجب ستر العورة من كلّ ناظر محترم سواء أ كان النّاظر مماثلا للمنظور إليه أم غير مماثل حتّى الطفل المميّز و كذا يحرم النظر إلى عورة الغير كذلك فههنا مسئلتان.

الاولى وجوب غضّ البصر عن عورة الغير سواء أ كان مماثلا للمنظور إليه في الذكورة و الأنوثة أم غير مماثل و سواء كان المنظور اليه مكلّفا أم غير مكلّف لكنّه كان مميّزا و الدليل عليه صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا ينظر الرّجل إلى عورة أخيه «2» و الأخ له إطلاق يشمل الطفل المميّز و لكن له ظهور في كون المنظور اليه مسلما لأنّ المسلم أخ المسلم و سيجي‌ء بعض الأخبار الدالّة على أنّ النّظر إلى عورة الكافر كالنّظر إلى عورة الحمار كمرسلة محمّد بن أبى عمير عن غير واحد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: النظر إلى عورة ما ليس بمسلم مثل النّظر إلى عورة الحمار «3».

المسألة الثّانية وجوب ستر العورة و يدلّ عليه قوله تعالى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ «4» بضميمة مرسلة الصدوق عن الصادق عليه السلام حيث سئل عن هذه الآية فقال: كلّ ما كان في كتاب اللّه من ذكر حفظ الفرج فهو من الزّنا‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب النواقض الحديث 9

(2) الوسائل الباب 1 من أبواب الخلوة الحديث 1

(3) الوسائل الباب 6 من أبواب آداب الحمّام الحديث 5

(4) سورة النور آية 30

66
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

فصل 2 ؛ ص : 66

إلّا في هذا الموضع فإنّه للحفظ من أن ينظر اليه «1».

بل يمكن أن يقال: انّ نفس الآية بدون ضمّ الرواية إليها دالّة على وجوب الستر للمقابلة الواقعة بين الأمر بالغضّ و حفظ الفرج حيث انّه يستفاد منها أنّ المراد بذكر حفظ الفرج بعد الأمر بالغضّ الحفظ من النّظر لا من الزنا هذا ما ذكره الأستاذ دام ظلّه و ان كان استفادة ذلك من الآية لا تخلو من اشكال.

و يدلّ على وجوب ستر العورة أيضا كثير من الأخبار منها رواية النعماني عن على عليه السلام في قوله تعالى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ الآية قال: معناه لا ينظر أحدكم إلى فرج أخيه المؤمن أو يمكّنه من النّظر الى فرجه الحديث «2» و منها مرسلة حسن بن على بن شعبة في تحف العقول عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال: يا علىّ إيّاك و دخول الحمام بغير مئزر ملعون النّاظر و المنظور اليه «3» و منها رواية حمزة بن أحمد عن أبى الحسن الأوّل عليه السلام قال: سألته أو سأله غيري عن الحمّام. فقال: ادخله بمئزر و غضّ بصرك الحديث «4» الى غير ذلك من الأخبار و لكن في بعض الأخبار ما يدلّ على كراهة إبداء العورة كرواية ابن ابى يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته أ يتجرّد الرّجل عند صبّ الماء ترى عورته أو يصبّ عليه الماء أو يرى هو عورة النّاس قال: كان أبى يكره ذلك من كلّ أحد «5» و رواية الصدوق عنه عليه السلام قال: إنما أكره النظر إلى عورة المسلم الحديث «6» و الرواية الأولى دالة على كراهيّة النظر أيضا الّا أن الروايتين لا تصلحان لمعارضة الروايات الكثيرة فإنّ عمل الأصحاب قد استقر على تلك الروايات فهاتان الروايتان معرض عنهما فلا بدّ من حملهما على التقيّة.

أو يقال: انّ الكراهة هنا ليست بالمعنى المصطلح عند الفقهاء و هو المرجوح مع جواز الارتكاب بل الكراهة هنا بمعنى ممنوع الفعل و مثل هذا الاستعمال في الأخبار كثير.

______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الخلوة الحديث 3

(2) الوسائل الباب 1 من أبواب الخلوة الحديث 5

(3) الوسائل الباب 3 من أبواب آداب الحمّام الحديث 5- 2

(4) الوسائل الباب 3 من أبواب آداب الحمّام الحديث 5- 2

(5) الوسائل الباب 6 من أبواب آداب الحمّام الحديث 2

(6) الوسائل الباب 6 من أبواب آداب الحمّام الحديث 2

67
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

فصل 2 ؛ ص : 66

و أمّا تحديد العورة فيظهر من بعض الأخبار أنّها القبل و الدبر فقط دون الفخذ و السّرة و غيرهما كالأليتين و هي رواية بعض الأصحاب عن أبى الحسن الماضي عليه السلام قال:

العورة عورتان القبل و الدبر و الدبر مستور بالأليتين فإذا سترت القضيب و البيضتين فقد سترت العورة «1» و رواية محمّد بن حكيم قال الميثمي لا أعلمه إلّا قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام أو من رآه متجرّدا و على عورته ثوب فقال: انّ الفخذ ليست من العورة «2» و مرسلة الصّدوق عن الصّادق عليه السلام قال: الفخذ ليست من العورة «3».

و لكن في بعض الأخبار ما يدلّ على أنّ ما بين السّرة و الركبة من العورة أيضا و هي رواية بشير النبّال قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الحمّام فقال: تريد الحمّام قلت: نعم فأمر بإسخان الماء ثمّ دخل فاتّزر بإزار فغطّى ركبتيه و سرّته الى أن قال: هكذا فافعل و هذه الرواية و ان كانت ظاهرة في ذلك لأنّ الأمر ظاهر في الوجوب الّا أنّها معارضة بالأخبار الدالّة صريحا على أنّ العورة هي القبل و الدبر و أن الفخذ و السّرة ليستا من العورة فلا بدّ من حمل الأمر في هذه الرواية على الاستحباب.

و يظهر من أخبار وجوب الستر و حرمة النظر إلى عورة الغير أن العلة في ذلك هي التحذير عن الوقوع في الحرام كالزنا و اللواط و هذه العلّة موجودة في الطفل المميّز الذي يكون في معرض اللذّة و الشهوة و امّا الطفل غير المميّز فحيث انه ليس في معرض اللذّة و الشهوة لا يحرم النّظر الى عورته.

الثاني من أحكام الخلوة حرمة استقبال القبلة أو استدبارها و علّل هذا الحكم مضافا الى الأخبار الدالّة على ذلك بوجوب احترام القبلة فاستقبالها بالبول و الغائط هتك لها. و لا يخفى أنّ الاحترام و هتكه قد يكون عرفيّا و قد يكون شرعيّا.

فيمكن أن يجعل الشارع شيئا احتراما لشي‌ء مع أنّه بنظر العرف ليس كذلك فإنّه قد يجعل الشارع شيئا مستحبّا مع أنّه بنظر العرف يكون هتكا مثلا قد جعل الشارع التسمية و كذا ذكر اللّه حين التخلية مستحبّا مع أنّه بنظر العرف لو لا الشرع يكون هتكا فإنّه إذا قيل لأحد: انّى حين الدخول الى بيت التخلية أذكرك يغضبه ذلك فان كان مراد القائل بأنّ‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 4 من أبواب الحمّام الحديث 2- 1

(2) الوسائل الباب 4 من أبواب الحمّام الحديث 2- 1

(3) الوسائل الباب 5 من أبواب آداب الحمام الحديث 1

68
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

فصل 2 ؛ ص : 66

الاستقبال و الاستدبار بالبول و الغائط هتك عرفيّ بالنّسبة إلى القبلة فيمكن الخدشة فيه خصوصا الاستدبار فإنّه ليس بهتك أصلا بنظر العرف و لم يفرق العرف بينهما و بين إخراج الريح في الهتك.

مع أنّه لم يلزم أحد بحرمة إخراج! الريح بحذاء القبلة و ان كان مراده من الاحترام و الهتك الاحترام و الهتك الشّرعيين بأن جعل الشارع الاستقبال و الاستدبار بالبول و الغائط هتكا للقبلة و جعل الانحراف عنها احتراما لها من دون فهم العرف ذلك فالظّاهر أنّه كذلك لكنّه ليس دليلا برأسه بل هو تمسّك بمفاد الأخبار.

ثمّ ان الدليل على حرمة استقبال القبلة و استدبارها بالبول و الغائط أوّلا هو دعوى الإجماع على ذلك فإنّه لم ينقل الخلاف عن أحد الّا من الشّاذ و ثانيا هو الأخبار الدالّة على ذلك فإنّها و إن كانت بين مرفوعة و مرسلة و ضعيفة و لم يكن فيها صحيحة السّند الّا أنّ عمل الأصحاب قد جبرها فإنّ الأصحاب على الظاهر قد اعتمد و أعلى هذه الأخبار فيما أفتوا به لا على الدليل المتقدم و لا على غيره فعملهم جابر لضعف هذه الأخبار.

فمن الأخبار رواية محمّد بن يعقوب الكليني عن علىّ بن إبراهيم قال: خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد اللّه عليه السلام: و أبو الحسن موسى عليه السلام قائم فقال له أبو حنيفة: يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم فقال: اجتنب أفنية المساجد و شطوط الأنهار و مساقط الثّمار و منازل النزّال و لا تستقبل القبلة بغائط و لا بول و ارفع ثوبك وضع حيث شئت «1» و منها ما رواه عن الحسين بن زيد عن الصّادق عليه السلام عن آبائه عن النبيّ صلوات اللّه عليهم أجمعين أنّه قال في حديث المناهي الطويل: إذا دخلتم الغائط فتجنّبوا القبلة «2».

و عن الفقيه أنه قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن استقبال القبلة ببول أو غائط «3».

و منها خبر عيسى بن عبد اللّه الهاشمي عن أبيه عن جعدة عن علىّ عليه السلام‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب التخلّي الحديث 2

(2) الوسائل الباب 2 من أبواب الخلوة الحديث 2- 3

(3) الوسائل الباب 2 من أبواب الخلوة الحديث 2- 3

69
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

فصل 2 ؛ ص : 66

قال: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة و لا تستدبرها و لكن شرّقوا أو غرّبوا «1».

و لا فرق في حرمة الاستقبال و الاستدبار بالبول و الغائط بين كونه جالسا حين التخلّي أو قائما أو نائما مضطجعا أو مستلقيا لإطلاق هذه الأخبار و هل يحرم الاستقبال و الاستدبار في حال الاستنجاء أيضا أم لا يمكن أن يقال: انّه يستفاد من بعض هذه الأخبار أنّ المنهيّ عنه هو الاستقبال و الاستدبار بالبول و الغائط كما صرّحت بذلك رواية الفقيه و بعض الأخبار كرواية عيسى بن عبد اللّه المتقدّمة و ان لم يكن فيه تقييد بالبول و الغائط الّا أنّه يمكن حمله على ذلك بقرينة رواية الفقيه.

و هل تشمل هذه الأخبار ما إذا جلس في مقابل القبلة و لكن وجّه عورته الى غيرها حال التخلّي و كذا العكس بأن كان مقاديم بدنه الى غيرها و لكن وجّه بعورته حين التّخلّي إليها يمكن دعوى ظهور هذه الأخبار في حرمة الاستقبال بالبول و الغائط بأن كان خروج البول و الغائط إلى جهة القبلة لا حرمة الجلوس حذائها و إن كان البول أو الغائط الى غير جهة القبلة.

و ربّما يستظهر ذلك من رواية محمد بن إسماعيل قال: دخلت على أبى الحسن الرضا عليه السلام و في منزله كنيف مستقبل القبلة و سمعته يقول: من بال حذاء القبلة ثمّ ذكر فانحرف عنها أجلا لا للقبلة و تعظيما لها لم يقم من مقعده ذلك حتّى يغفر له «2» و يستفاد من هذه الرواية أن بناء الكنيف حذاء القبلة جائز و يلزمه جواز الجلوس إلى القبلة و لكن ينحرف بعورته عنها حين التّخلّي لكنّ الأحوط ترك ذلك.

الثالث من أحكام الخلوة وجوب إزالة النجاسة اى البول و الغائط وجوبا شرطيّا للصلاة و الطواف مثلا أمّا البول فيجب غسله بالماء و لا يجزى غيره و تدلّ على ذلك بعد دعوى الإجماع كما ادّعاه غير واحد أخبار.

منها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا صلاة الّا بطهور الى أن قال: و أمّا‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الخلوة الحديث 5

(2) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب التخلّي الحديث 5

70
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

فصل 2 ؛ ص : 66

البول فلا بدّ من غسله «1».

و منها رواية يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الوضوء الذي افترضه اللّه على العباد لمن جاء من الغائط أو بال قال: يغسل ذكره و يذهب الغائط ثم يتوضّأ مرّتين مرّتين «2» فانّ المتبادر من الغسل هو الغسل بالماء بل لا يطلق الغسل على الإذهاب بغير الماء.

و منها رواية بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام انّه قال: يجزى من الغائط المسح بالأحجار و لا يجزى من البول الا الماء «3».

و هل يكفى غسله مرّة واحدة أو لا بدّ من غسله مرتين المشهور هو الأول لإطلاق الأخبار و عدم تقييده بالمرّتين فيها مع أنّها في مقام البيان و قوله (ع) في رواية يونس بن يعقوب المتقدّمة: مرّتين مرّتين الظاهر أنّه قيد للوضوء لا غسل الذكر و يمكن أن يكون المراد منه الإسباغ في الوضوء.

و أمّا رواية محمّد بن إدريس الحلّي عن كتاب نوادر أحمد بن محمد بن أبى نصر البزنطي قال: سألته عن البول يصيب الجسد قال: صبّ عليه الماء مرّتين «4» فلا تفيد التقييد في الروايات السابقة كما قيل لأنّ الظاهر من قوله: يصيب الجسد اصابة البول للجسد من الخارج لأنّ لفظ الإصابة ظاهر في ذلك إذ خروج البول من الموضع لا تطلق عليه الإصابة فح يختصّ الحكم بوجوب المرّتين بغير محلّ البول و امّا الغائط فيجزي في تطهير المحلّ منه غسله بالماء و تطهيره بالأحجار أيضا و يدلّ على ذلك كثير من الأخبار.

و منها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن التمسّح بالأحجار فقال كان الحسين بن علىّ عليهما السلام يمسح بثلاثة أحجار «5».

و منها رواية بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام قال: يجزى من الغائط التمسّح‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التخلّي الحديث 1

(2) جامع الأحاديث الباب 17 من أبواب الوضوء الحديث 22

(3) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب آداب التخلّي الحديث 7

(4) الوسائل الباب 26 من أبواب أحكام الخلوة

(5) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التخلّي الحديث 15

71
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

فصل 2 ؛ ص : 66

بالأحجار و لا يجزى من البول الّا الماء «1» و منها رواية زرارة عنه عليه السلام قال: جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان و لا يغسله و يجوز أن يمسح رجليه و لا يغسلهما «2».

أقول: العجان مثل كتاب- كما في المصباح- ما بين الخصية و حلقة الدّبر و المراد أنّه يجزى مسحه بالأحجار و لا يجب غسله لا أنّه لا يجوز غسله ضرورة أنّ الأصل في المطهّرات هو التطهير بالماء و قوله: و يجوز أن يمسح رجليه إلخ يمكن أن يكون المراد منه التنظير اى كما أنّ الأرض تطهر باطن القدمين بالمشي عليها و لا يجب غسلهما كذلك موضع الغائط لا يجب غسله و يكفي في تطهيره إزالة النجاسة بالأحجار و أمّا إذا كان المراد منه أنّ الأحجار تطهر الرجلين إذا تنجّستا بتعدّي النّجاسة إليهما فهو مخالف للإجماع.

و منها رواية بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: جرت السنّة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار و يتبع بالماء «3».

و يستفاد من هذه الرواية أنّه لا بدّ في الأحجار من أن تكون أبكارا أي لم تستعمل بعد في الاستنجاء و الرواية و إن كانت مرسلة الا أنّ الأصحاب قد عملوا بها و أفتوا بمضمونها و المراد بالبكارة ان كان عدم مسبوقية الاستعمال في استنجاء آخر أصلا كما ذكرناه سواء أ كان في استنجاء نفسه أم غيره و سواء أ كان قد طهّرها بعد الاستنجاء أم استنجى بالموضع الطاهر منها أو كسر موضع الاستنجاء الأوّل منها و استنجى بالباقي منها أم لا فالظاهر عدم اعتبار البكارة فيها بهذا المعنى و لا أظنّ أنّ أحدا من الفقهاء قال بذلك.

و ان كان المراد بالبكارة المذكورة في هذه الرواية و في كلام الأصحاب كونها طاهرة سواء أ كانت غير مستنجى بها أو استنجى بالموضع الطاهر منها أو كسر موضع الاستنجاء الأوّل منها و استنجى بالباقي أو استنجى بها بعد تطهيرها فالظاهر اعتبار البكارة بهذا المعنى لأنّه لم يعهد في الشرع تطهير المتنجّس أو النجس للشي‌ء المتنجس نعم يمكن أن يقال بكفاية طهارة الموضع الذي يريد الاستنجاء به من الحجر و لا يجب طهارة جميعه فإنّ الرواية مع فرض اعتبارها لا يستفاد منها التعبد المحض بل المستفاد منها ما هو المغروس في أذهان‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التخلّي الحديث 8- 3

(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التخلّي الحديث 8- 3

(3) الوسائل الباب 30 من أبواب أحكام الخلوة الحديث 4

72
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث الرابع في الوضوء و واجباته ؛ ص : 73

العرف من أنّ المطهر لا بدّ من أن يكون طاهرا و يستفاد من ذيل الرواية أنّه يعتبر أن يتبع الاستجمار بالماء و ظاهره الوجوب و هو ينافي ما عليه المشهور بل الإجماع من التخيير بين الاستجمار و الغسل بالماء و كذا يستفاد التّخيير بينهما من الأخبار.

و امّا الرواية العامية المروية عن على عليه السلام قال: انكم كنتم تبعرون بعرا و اليوم تثلطون ثلطا فأتبعوا الماء الأحجار «1» فهي ضعيفة السند و يمكن حملها على الاستحباب أو على احتمال التعدي و هل يكفي إزالة العين و لو كانت بدون ثلاثة أحجار بأن حصل النقاء بحجر أو حجرين أو لا بدّ من ثلاثة أحجار مقتضى رواية ابن مغيرة عن ابى الحسن (ع) قال: قلت له هل للاستنجاء حدّ قال: لا حتّى ينقى ما ثمة «2» أنّ حدّ الاستنجاء الذي لا بدّ من الانتهاء اليه هو حصول النقاء فإذا حصل فلا يجب هناك شي‌ء.

لكن مقتضى الأخبار الكثيرة التي قد تقدّم بعضها أنّ حدّ الاستنجاء هو النقاء بثلاثة أحجار فيمكن الجمع بين رواية المغيرة و تلك الروايات بأن يقال: انّ حدّ الاستنجاء هما معا اى النقاء و المسح بثلاثة أحجار فح إذا حصل النقاء قبل ثلاثة أحجار فلا يكفى ذلك بل لا بدّ من إتمام ثلاثة أحجار و إذا لم يحصل بثلاثة أحجار فلا بدّ من التمسح بالأحجار حتّى يحصل النّقاء.

المبحث الرابع في الوضوء و واجباته

واجبات الوضوء أمور الأوّل النيّة و يجب فيها الخلوص فلو جاء به رياء بطل على المشهور بل كاد أن يكون إجماعا و تدل على ذلك أخبار متضافرة.

منها رواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:

انّ الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به فإذا صعد بحسناته يقول اللّه عزّ و جل: اجعلوها في سجّين فإنّه ليس إيّاي أراد بها الحديث «3».

و منها رواية أبي بصير عنه عليه السلام قال: يجاء بالعبد يوم القيمة قد صلّى‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التخلّي الحديث 9

(2) الوسائل الباب 13 من أبواب آداب الخلوة الحديث 1

(3) الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات العبادات الحديث 3

73
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث الرابع في الوضوء و واجباته ؛ ص : 73

فقال: يا ربّ قد صلّيت ابتغاء وجهك فيقال له: هل صلّيت ليقال: ما أحسن صلاة فلان اذهبوا به الى النّار «1».

و منها رواية مسعدة بن زياد عنه عليه السلام عن آبائه عليهم السلام انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سئل فيما النجاة غدا فقال: إنّما النّجاة في أن لا تخادعوا اللّه فيخدعكم فإنّه من يخادع اللّه يخدعه و يخدع عنه الايمان و نفسه يخدع لو يشعر قيل له: فكيف يخادع اللّه قال: يعمل بما أمره اللّه ثم يريد به غيره فاتقوا اللّه في الرياء فإنه الشّرك باللّه انّ المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء يا فاجر يا كافر يا غادر يا خاسر حبط عملك و بطل أجرك فلا خلاص لك فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له الى غير ذلك من الأخبار و قد جمعنا روايات الرّياء في المجلّد الأوّل من كتابنا مرقاة الكمال فراجع.

و يستفاد من هذه الروايات و غيرها حرمة الرياء و بطلان عمل المرائي.

فما عن السيّد- من أنّ عمل المرائي صحيح مسقط للأمر و لكنّه غير مقبول عند اللّه لأنّ الصحّة أعمّ من القبول كما يدلّ على ذلك قوله تعالى إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ «2»- ضعيف جدّا مناف لظاهر الأخبار و امّا غير الرياء من الضمائم سواء أ كانت راجحة مثل الصلاة في المسجد أو مرجوحة مثل الصلاة في الحمام أو مباحة متساوية الطرفين فان كانت داعيا مستقلا إلى إتيان الوضوء سواء أ كان له داع إلهي ايضا الى إتيانه بحيث يكون كلّ من الداعيين سببا مستقلّا لإتيانه أو يكون الداعي الإلهي تابع للداعي غير الإلهي فالظاهر هو الحكم بالبطلان ايضا لعدم استناد الفعل اليه تعالى بالخصوص بل اليه و الى غيره.

و أمّا إذا كان الداعي الإلهي محرّكا له بالاستقلال نحو إتيان الفعل و لكن قد انضمّ الى هذا الداعي دواع أخر تابعة لهذا الداعي بحيث يسند الفعل اليه تعالى فالظاهر هو الحكم بالصحّة لعدم الدليل على بطلان العمل الذي يكون مع داعيه الإلهي غيره مما لا يكون رياء مضافا الى أنّه قلّما يتّفق خلوص النيّة من جميع الدّواعي النّفسانيّة بحيث لا يكون المقصود من إتيان العمل الا وجهه تعالى فقط و الالتزام ببطلان العمل في جميع هذه الموارد كما ترى.

الثاني من الواجبات غسل الوجه و المشهور اعتبار الغسل من الأعلى و الذي استدلّ‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات العبادات الحديث 10

(2) سورة المائدة الآية 27

74
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث الرابع في الوضوء و واجباته ؛ ص : 73

به أو يمكن الاستدلال به لاعتبار ذلك هو الاخبار.

منها رواية عبد اللّه بن جعفر الحميري في قرب الاسناد بإسناده عن ابى جرير الرقاشي قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام: كيف التوضّؤ للصّلوة فقال: لا تعمّق في الوضوء و لا تلطم وجهك بالماء لطما و لكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء و كذلك فامسح الماء على ذراعيك و رأسك و قدمك «1».

و أبو جرير الرقاشي و ان كان مجهولا الّا أنّ رواية ابن محبوب عنه دليل على أنّه كان موثّقا عنده مضافا الى انّ الرواية معمول بها عند الأصحاب فضعفها منجبر بعملهم و لكن يمكن المناقشة في دلالتها بأنّ الظاهر منها أنّه عليه السلام في مقام بيان مستحبّات الوضوء لا واجباته بدليل قوله: لا تعمق في الوضوء و لا تلطم وجهك بالماء لطما مع أنّ من المقطوع به أنّه يجوز الوضوء بنحو لطم الوجه بالماء و لا يجب غسله بالمسح اى بإيصال الماء الى أجزاء الوجه بإمرار اليد عليه فالمراد من الرواية- و اللّه العالم- أن لا تدقّق في الوضوء حتّى ينجر الى الوسواس و لا ينبغي أن تلطم وجهك بالماء بل الأولى أن توصل الماء الى وجهك بإمرار اليد عليه و بعد العلم بأن بعض هذه الأمور ليس بواجب- فمن المستبعد جدّا كون الغسل من الأعلى مع كونه مذكورا في عداد المستحبّات واجبا مع أنّه يمكن أن يقال: انّه لبيان حدّ الغسل الواجب أو لبيان حدّ المغسول الذي يجب غسله اى يجب الغسل من الأعلى اى قصاص الشعر كما في الرواية الآتية إلى الذقن فهي لبيان الحدّين للغسل لا لبيان كيفيّة الغسل.

و منها رواية زرارة أنّه قال لأبي جعفر عليه السلام: أخبرني عن حدّ الوجه الذي ينبغي أن يوضّأ الذي قال اللّه عزّ و جلّ فقال: الوجه الذي قال اللّه و أمر اللّه عزّ و جلّ بغسله الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه و لا ينقص منه ان زاد عليه لم يوجر و ان نقص منه أثم- ما دارت عليه الوسطى و الإبهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن و ما جرت عليه الإصبعان من الوجه مستديرا فهو من الوجه و ما سوى ذلك فليس من الوجه فقال له: الصدغ من الوجه فقال: لا «2» فانّ قوله (ع) من قصاص الشعر الى الذقن ظاهر في وجوب الغسل من قصاص الشعر الى الذقن دون العكس و لكنّ الظاهر من الرواية انه عليه السلام بصدد بيان حدّ الوجه‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث 22

(2) الوسائل الباب 17 من أبواب الوضوء الحديث 1

75
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث الرابع في الوضوء و واجباته ؛ ص : 73

طولا و عرضا كما يشهد به ما في السؤال حيث سأل ذرارة عن حدّ الوجه و ليس فيها إشعار بأنّه (ع) بصدد بيان كيفية الغسل و أنّه يجب أن يكون من الأعلى أو يجوز العكس.

و منها الأخبار التي بينت فيها وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هي كثيرة أوضحها دلالة رواية زرارة قال: حكى لنا أبو جعفر عليه السلام وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فدعا بقدح من ماء فأدخل يده اليمنى فأخذ كفّا من ماء فأسد لها على وجهه من أعلى الوجه ثمّ مسح بيده الجانبين جميعا ثم أعاد اليسرى في الإناء فأسدلها على اليمنى ثم مسح جوانبها ثمّ أعاد اليمنى في الإناء ثمّ صبّها على اليسرى فصنع بها كما صنع باليمنى ثمّ مسح ببقيّة ما بقي في يديه رأسه و رجليه و لم يعدهما «1».

بتقريب أنّه صلّى اللّه عليه و آله غسل وجهه من أعلى الوجه فيعلم من فعله أنّه واجب.

و لكن فيه أنّ فعله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا يدل على الوجوب لاحتمال أن يكون للاستحباب أو من باب المتعارف لدى العرف فانّ المتعارف عندهم غسل الوجه من الأعلى و لكن لا من قصاص الشعر فيمكن أن يكون فعله (ص) كان كذلك.

الا أنّه يمكن أن يقال: انّ هذه الأخبار و ان كان دلالتها قاصرة في إفادة الوجوب فاللازم الرجوع الى المطلقات مثل قوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ الآية «2» و لازم ذلك جواز الغسل بأيّ نحو اتّفق الّا أنّ المشهور بل كاد أن يكون إجماعا اعتبار البدأة من الأعلى فيمكن استناد المشهور الى هذه الأخبار التي عرفت قصور دلالتها على المطلوب و يمكن استناد هم الى دليل آخر لم يصل إلينا فح نشك في الخروج عن عهدة التكليف اليقيني إذا لم نراع ما عليه المشهور فانّ المكلف به هي الطهارة و الأفعال محصّلاتها فإذا غسلنا الوجه من غير الأعلى نشك في تحقق المكلّف به بذلك فيلزم مراعاة الاحتياط حتّى نعلم بالخروج عن عهدة التكليف ثمّ على فرض وجوب البدأة من الأعلى هل يجب مراعاة الأعلى فالأعلى بمعنى وجوب الغسل من قصاص الشّعر أو يكفي الأعلى العرفي و ان كان من فوق الحاجب- لا يبعد جواز الاكتفاء بالثّاني فإنّ الغسل من الأعلى على تقدير وجوبه لا‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث 6

(2) سورة المائدة آية 6.

76
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث الرابع في الوضوء و واجباته ؛ ص : 73

يبعد أن يكون إرشادا إلى المعنى العرفيّ فإنّ العرف يكون بناؤه على الغسل من أعلى الوجه إلى الأسفل دون العكس فيمكن أن لا يكون هنا تعبد في وجوب الابتداء من الأعلى بل هو إرشاد إلى المتداول عند العرف و العرف إذا غسل أحدهم وجهه من فوق الحاجب أو من وسط الجبين يقولون: انّه غسل من الأعلى كما هو ظاهر.

نعم على هذا يجب غسل ما فوق الحاجب الى قصاص الشعر بعده حتّى يتحقق التحديد المذكور في الروايات.

ثم انّ حدّ الوجه طولا من قصاص الشعر إلى أسفل الذقن و عرضا ما أحاطت عليه الإبهام و الوسطى كما دلّت عليه الرواية المتقدّمة و عليه إجماع العلماء فما خرج من هذين الحدّين كالصدغ و العذار و مقدار قليل من الجبينين و غيرها فهو خارج عن حدّ الوجه فلا يجب غسله.

و أمّا اللحية فإن كانت خفيفة بحيث ترى البشرة من تحتها يجب غسلها و غسل ما تحتها من البشرة و وجهه واضح فإنّ البشرة الظاهرة يجب غسلها و غسل ما عليها من الشعر لأنّه من توابعها و أمّا إذا كانت كثيفة بأن أحاطت بالبشرة فلا يجب غسل البشرة التي تحتها و يجب غسلها لصدق الوجه عليها عرفا و الآية المباركة قد دلّت على وجوب غسل الوجه و البشرة المختفية تحت اللحية لا يصدق عليها الوجه بخلاف اللحية مضافا الى أنّه قد فسر الوجه في كتب اللغة بأنّه ما يواجه به فانّ ما يواجه به هي اللحية دون البشرة المختفية تحتها و مضافا الى دلالة بعض الأخبار على ذلك.

منها رواية محمّد بن مسلم عن عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الرّجل أ يبطن لحيته قال: لا «1» اى يغسل تحت لحيته و باطنها فقال (ع): لا و منها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: أ رأيت ما أحاط به الشعر فقال: كلّ ما أحاط به من الشعر فليس للعباد أن يطلبوه و لا يبحثوا عنه و لكن يجرى عليه الماء «2».

هذا كله في غير مسترسل اللحية و أمّا مسترسل اللحية أي صاحب اللحية التي خرجت عن حدّ الوجه فلا يجب غسله لعدم صدق الوجه على ما خرج عن حدّ الوجه عرفا نعم يجب ح غسل ما كان في حدّ الوجه فقط.

______________________________
(1) الوسائل الباب 29 من أبواب الوضوء الحديث 6

(2) الوسائل الباب 46 من أبواب الوضوء الحديث 3.

77
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث الرابع في الوضوء و واجباته ؛ ص : 73

الثالث من واجبات الوضوء غسل اليدين كما دلّت عليه الآية المتقدّمة و يجب البدأة من المرفق و لا يجوز العكس على المشهور بل ادّعى عليه الإجماع و استدلّ عليه بالوضوءات البيانية التي حكى الامام عليه السلام فيها وضوءات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإنّه بها بعد ما غسل وجهه غمس كفّه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فغسل يده اليمنى من المرفق إلى الأصابع لا يردّ الماء الى المرفقين ثمّ غمس كفّه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فأفرغه على يده اليسرى من المرفق الى الكفّ لا يردّ الماء «1» الخبر.

فقوله: لا يردّ الماء الى المرفق يمكن أن يكون من كلام الامام عليه السلام حاكيا وضوء النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يمكن أن يكون من كلام الراوي كما هو الظّاهر اى لا يردّ الامام الماء الى المرفق فان كان من كلام الامام (ع) يستشعر منه عدم جواز ردّ الماء الى المرفق فيكون كلامه تعريضا لفعل العامة حيث خالفوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمّا إذا كان من كلام الراوي فلا يدلّ على عدم جواز الرد الى المرفق لأنه حكاية عن فعل الامام (ع) بأنّه لا يردّ الماء الى المرفق و عدم ردّه الى المرفق أعم من عدم جوازه لجواز أن يكون عدم ردّه للماء الى المرفق لكون الغسل من الأعلى من أفضل الأفراد فلا يدلّ على المنع من الردّ و في رواية أخرى من الوضوءات البيانيّة أنّه عليه السلام بعد أن غسل وجهه غمس يده اليسرى فغرف بها ملأها ثم وضعه على مرفقه اليمنى فأمرّ كفّه على ساعده حتّى جرى الماء على أطراف أصابعه ثمّ غرف بيمينه ملأها فوضعه على مرفقه اليسرى فأمرّ كفّه على ساعده حتّى جرى الماء على أطراف أصابعه الحديث «2».

فانّ هذا الخبر صريح في أنّه (ع) غسل يديه من المرفق إلى أطراف الأصابع و هو حاك فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لكن هذا الخبر أضعف دلالة من الخبر السّابق حيث انّ الغسل من المرفق لا يدلّ على أكثر من الجواز و قد جوّز العامّة عامتهم على ما حكى عنهم بأنّ الغسل من المرفق جائز ايضا كجواز النكس و لم ينف ع خلافه فلا يدلّ على عدم جواز النكس فيمكن أن يكون غسله من المرفق من جهة كونه أفضل و لكن يمكن أن يقال: انّ الآية و إن كانت مطلقة و مقتضى الإطلاق جواز الغسل من كلّ من الجانبين إلا أنّا نعلم من‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث 11

(2) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث 2

78
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث الرابع في الوضوء و واجباته ؛ ص : 73

هذه الأخبار أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله غسل يديه من المرفق و لم نعلم أنّه غسل يديه من الأصابع إلى المرفق فالغسل من المرفق متيقّن الجواز دون العكس فإنّه مشكوك الجواز و اللازم ح هو الأخذ بالمتيقّن مع أنّ بعض الأخبار ظاهرة بل كادت تكون صريحة في عدم جواز النكس و إن كان سندها مخدوشا.

منها ما رواه الشيخ المفيد في الإرشاد مرسلا عن محمّد بن الفضل أنّ على بن يقطين (ره) كتب الى أبى الحسن موسى عليه السلام يسأله عن الوضوء فكتب إليه أبو الحسن عليه السلام- فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء و الذي آمرك به في ذلك أن تمضمض ثلاثا و تستنشق ثلاثا و تغسل وجهك ثلاثا و تخلّل شعر لحيتك و تغسل يديك الى المرفقين ثلاثا و تمسح ظاهر أذنيك و باطنهما و تغسل رجليك الى الكعبين ثلاثا و لا تخالف ذلك الى غيره.

فلما وصل الكتاب الى على بن يقطين تعجّب ممّا رسم له أبو الحسن عليه السلام فيه ممّا جميع الصحابة على خلافه ثمّ قال: مولاي أعلم بما قال و أنا أمتثل أمره فكان يعمل في وضوئه على هذا الحدّ و سعى بعلي بن يقطين الى الرشيد و قيل: انّه رافضي فامتحنه الرشيد من حيث لا يشعر فلمّا نظر الى وضوئه ناداه: كذب يا على بن يقطين من زعم أنّك من الرافضة و صلحت حاله عنده، و ورد عليه كتاب ابى الحسن عليه السلام: ابتدأ من الآن يا على بن يقطين و توضّأ كما أمرك اللّه تعالى اغسل وجهك مرّة فريضة و أخرى إسباغا و اغسل يديك من المرفقين كذلك و امسح بمقدم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك فقد زال ما كان يخاف عليك و السلام «1».

فانّ قوله ع و اغسل يديك من المرفقين كالصريح في أنّه يجب أن يكون الغسل من المرفق حيث انّه وقعت هذه العبارة بعد قوله و تغسل يديك الى المرفقين الظاهر في كون الغسل منكوسا الذي ورد تقية و بعد زوالها أمره ع بكون الغسل من المرفقين و هو ظاهر بل كاد أن يكون صريحا في أنّه على نحو اللزوم.

و من الروايات الدالة على اعتبار الغسل من المرفقين رواية‌

______________________________
(1) الإرشاد لشيخنا المفيد قده صفحة 276

79
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث الرابع في الوضوء و واجباته ؛ ص : 73

هيثم بن عروة التميمي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قوله تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ فقلت: هكذا و مسحت من ظهر كفّى الى المرافق فقال: ليس هكذا تنزيلها انّما هي فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ من الْمَرٰافِقِ ثمّ أمرّ يده من مرفقه إلى أصابعه «1».

فإنّ قوله ليس هكذا تنزيلها يحتمل وجهين الأوّل أن يكون المراد أنّ تنزيلها من عند اللّه تعالى على رسوله كان بلفظ من المرافق فحرفوها و جعلوا مكان من الى فتدلّ الرواية على وقوع التحريف في الآية.

الثاني أن يكون المراد من التنزيل المعنى. اى ليس مراده تعالى من الآية الغسل من ظهر الكفّ الى المرافق بل يكون المراد فاغسلوا من المرافق إلى أطراف الأصابع فيكون مراده ع أنّ الى بمعنى من أو أنّ إلى في الآية ليس لانتهاء الغسل بل لانتهاء الحدّ المغسول و الظاهر من الاحتمالين في الرواية هو الاحتمال الثاني فتكون الرواية كالنصّ في لزوم الغسل من المرفق و هي و إن كانت ضعيفة السّند الّا أنّ عمل الأصحاب جابر لضعفها فتحصل ممّا ذكرناه أنّ الأحوط هو الابتداء من المرفقين بل استقرّ عليه مذهب الإماميّة رضوان اللّه عليهم أجمعين.

الرابع من واجبات الوضوء مسح الرأس و لا يجب مسح جميعه إجماعا منّا بل يكفى المسح على الربع المقدّم منه كما يدلّ عليه غير واحد من الأخبار منها رواية محمّد بن مسلم عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال: مسح الرأس على مقدّمه «2» و منها رواية حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابه عن أحدهما عليه السلام في الرجل يتوضّأ و عليه العمامة قال: يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدّم رأسه «3» و لا يجوز المسح على غير المقدّم على المشهور بل ادّعى عليه الإجماع و ما يدلّ على الجواز من رواية الحسين بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يمسح رأسه من خلفه و عليه عمامة بإصبعه أ يجزيه ذلك فقال: نعم «4» و رواية الحسين بن أبى العلاء قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المسح على‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 19 من أبواب الوضوء الحديث 1

(2) الوسائل الباب 22 من أبواب الوضوء الحديث 1- 3

(3) الوسائل الباب 22 من أبواب الوضوء الحديث 1- 3

(4) الوسائل الباب 22 من أبواب الوضوء الحديث 4

80
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث الرابع في الوضوء و واجباته ؛ ص : 73

الرأس فقال: كأنّي أنظر الى عكنة في قفاء أبى يمر عليها يده و سألته عن الوضوء بمسح الرأس على مقدّمه و مؤخره فقال: كأنّي أنظر الى عكنة في رقبة أبي يمسح عليها «1».

و روايته عنه عليه السلام قال: امسح الرأس على مقدّمه و مؤخره «2» فهي محمولة على التقيّة لمخالفتها لمذهب الأصحاب و هل يكفى المسح على كلّ جزء من المقدّم الى وسط الرأس أو لا بدّ من المسح على خصوص الناصية- مقتضى بعض الأخبار هو الثاني مثل رواية زرارة أنه عليه السلام قال: انّ اللّه وتر و يحبّ الوتر فقد يجزيك من الوضوء ثلث غرفات واحدة للوجه و اثنتان للذراعين و تمسح ببلّة يمناك ناصيتك «3».

و مثل رواية حسين بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا تمسح المرأة بالرأس كما يمسح الرجال إنّما المرأة إذا أصبحت مسحت رأسها تضع الخمار عنها و إذا كان الظهر و العصر و المغرب و العشاء تمسح بناصيتها «4» فح فهل تخصّص تلك الأخبار الدالّة على كون المسح على مقدّم الرأس بهذين الخبرين الدالّين على كون المسح على الناصية أو لا بدّ من طرحهما و العمل على الأخبار السّابقة- لا يبعد أن يقال: انّ هذين الخبرين لا يصلحان لتخصيص الأخبار السابقة لأنّ الناصية كما تطلق بحسب الشائع على ما بين النزعتين كذلك تطلق على مقدّم الرأس أيضا كما عن القاموس فح يمكن أن يكون المراد بالناصية هنا هو مقدّم الرأس دون ما هو الشائع من معناها مضافا الى أنّ الخبر الثاني صدره معارض لذيله فانّ صدره يدلّ على كفاية المسح على الرأس مطلقا من غير تقييد الرأس بالناصية فإذا كان المراد من الذيل هو المعنى الشّائع من الناصية لزم التناقض بين الصّدر و الذيل و من المعلوم ضرورة عدم الفرق بين صلاة الصبح و الظهر و العصر و المغرب و العشاء.

ثم انّه يحب المسح ببقية بلّة اليد و لا يجوز استيناف ماء جديد و تدلّ على ذلك روايات كثيرة. فمنها رواية الإسراء حيث بين اللّه تعالى لرسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كيفية الوضوء الى أن قال له: ثم امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء الحديث «5» و منها‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الوضوء الحديث 5- 6

(2) الوسائل الباب 2 من أبواب الوضوء الحديث 5- 6

(3) الوسائل الباب 31 من أبواب الوضوء الحديث 2

(4) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 5

(5) الوسائل الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث 8

81
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث الرابع في الوضوء و واجباته ؛ ص : 73

حكاية الباقر عليه السلام لوضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الى أن قال الراوي: ثمّ مسح بما بقي في يده رأسه و رجليه و لم يعدهما في الإناء «1».

و منها رواية زرارة المتقدّمة عن ابى جعفر عليه السلام الى أن قال: و تمسح ببلّة يمناك ناصيتك «2».

و منها رواية الصدوق في الفقيه قال: قال الصادق عليه السلام: ان نسيت مسح رأسك فامسح عليه و على رجليك من بلّة وضوئك الخبر «3» الى غير ذلك من الأخبار.

و لكن في بعض الاخبار ما يدلّ على جواز استيناف ماء جديد بل في بعض الأخبار ما يدلّ على وجوبه منها رواية ابن أبي عمارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام امسح رأسي ببلل يدي قال: خذ لرأسك ماء جديدا «4» و منها رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن مسح الرأس قلت: أمسح بما على يدي من الندى رأسي قال: لا بل تضع يدك في الماء ثمّ تمسح «5».

و منها رواية معمّر بن خلّاد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام أ يجزي الرجل أن يمسح قدميه بفضل رأسه فقال برأسه: لا فقلت: أ بماء جديد فقال برأسه: نعم «6» و الرواية و إن كانت في مسح القدمين الّا أنّه لا فرق بين مسح الرأس و مسح القدمين و لكن يمكن أن يجاب عن هذه الأخبار بأنّ الأصحاب قد أعرضوا عنها و لم يفتوا بمضمونها فلا بدّ من حملها على التقيّة لموافقتها لمذهب العامة خصوصا الخبرين الدالين على لزوم كون المسح بماء جديد فإنّهما مخالفان لمذهب جميع فقهائنا فإنّ ابن الجنيد و ان جوّز المسح بماء جديد الّا أنّه جوّز المسح ايضا ببقيّة بلل اليد و لم يحكم بوجوب المسح بماء جديد.

ثمّ انّ المسح لا بدّ أن يكون باليد و لا يجوز أن يكون بغيرها و الآية المتقدّمة و ان لم يكن فيها تقييد بكون المسح باليد إلا أنّه يمكن دعوى الانصراف الى المسح باليد فإنّه إذا قيل‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث 10

(2) الوسائل الباب 31 من أبواب الوضوء الحديث 2

(3) الوسائل الباب 33 من أبواب الوضوء الحديث 5

(4) الوسائل الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث 6

(5) الوسائل الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث 4- 5

(6) الوسائل الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث 4- 5

82
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث الرابع في الوضوء و واجباته ؛ ص : 73

لأحد: امسح الشي‌ء الفلاني يتبادر الى ذهنه أنّ المسح باليد مضافا الى دلالة بعض الأخبار على ذلك مثل قوله عليه السلام: و تمسح ببلّة يمناك ناصيتك «1» و قول اللّه تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه و آله و سلم في ليلة المعراج: ثم امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك الحديث «2» و حكاية أبي جعفر عليه السلام لوضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال الراوي: ثمّ مسح أي أبو جعفر عليه السلام بما بقي في يده رأسه و رجليه الحديث «3» و غير ذلك من الأخبار.

و هل يشترط كون المسح باليد اليمنى أم لا- مقتضى رواية زرارة المتقدّمة أعني قوله و تمسح ببلّة يمناك ناصيتك هو الاشتراط لأنّها ظاهرة في الاشتراط لأنّ الجملة الخبرية إذا استعملت في الإنشاء كانت أظهر في إفادة الوجوب من الجملة الإنشائيّة و حينئذ يمكن تقييد المطلقات بها و لكن يرد عليه أنّ المطلقات غير قابلة للتقييد لأنّها في مقام البيان و كيف يمكن أن يكون المسح باليد اليمنى واجبا و مع ذلك لم يبيّن الشارع ذلك من بدء ظهور الإسلام إلى زمان الباقر عليه السلام ثم بيّنه الباقر (عليه السلام) للنّاس مع عدم أيّ مفسدة في بيان ذلك للنّبي ص و الأئمة من بعده.

اللّهم الّا أن يقال أنّ عدم بيان النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذلك انّما هو لأجل كونه متعارفا بين الناس فكأنّه لأجل تعارفه كان مستغنيا عن البيان.

ثمّ إنّه على فرض وجوب المسح بالكف اليمنى إذا تعذّر المسح بها هل ينتقل الفرض الى المسح باليد اليسرى أو ينتقل الفرض الى المسح بظهر الكفّ اليمنى أو الى الزند من اليمنى؟- لا يبعد أن يقال: بانتقال الفرض الى ظهر الكفّ اليمنى أو الى الزند إذا قطعت الكفّ اليمنى لأنّ الميسور من اليد اليمنى هو ظهر الكفّ عند تعذّر الباطن دون اليد اليسرى فإنّها بنظر العرف ليست ميسور اليد اليمنى بل ميسورها هو ظهر الكفّ أو الزند عند قطع الكفّ.

نعم لو فرض قطع اليد اليمنى بأسرها يمكن أن تصير اليد اليسرى ميسورا لليد اليمنى ثمّ لا بدّ أن يؤثر الماسح في الممسوح للتبادر من الأمر بالمسح فإنّه إذا قيل لأحد: امسح يدك مع الدهن على جراحتك مثلا يفهم منه أنّه لا بدّ من إيصال الدهن إلى الجراحة لا مجرّد المسح‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 31 من أبواب الوضوء الحديث 2

(2) الوسائل الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث 8

(3) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث 10

83
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث الرابع في الوضوء و واجباته ؛ ص : 73

بدون تأثير الدهن بالجراحة فح لا بدّ من أن يكون التأثير ببقية البلل في اليد فقط فلا يجوز اختلاطه بماء آخر لأنّه لا يصدق عليه المسح ببقية بلل الوضوء بل به و بغيره فاللازم جفاف موضع المسح لأنّه إذا اختلط بلل الوضوء مع ماء موضع المسح لم يحصل التأثير بماء الوضوء.

ثمّ أنّه يجوز الأخذ من بلل اللحية و الحاجب و أشفار العين كما دلّت عليه رواية مالك ابن أعين عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من نسي مسح رأسه ثمّ ذكر أنّه لم يسمح رأسه فإن كان في لحيته بلل فليأخذ منه و ليمسح رأسه و ان لم يكن في لحيته بلل فلينصرف و ليعد الوضوء «1».

و رواية الصدوق قال: قال الصادق عليه السلام ان نسيت مسح رأسك فامسح عليه و على رجليك من بلّة وضوئك فان لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شي‌ء فخذ ما بقي منه في لحيتك و امسح به رأسك و رجليك و ان لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك و أشفار عينيك و امسح به رأسك و رجليك و ان لم يبق من بلة وضوئك شي‌ء أعدت الوضوء «2» و رواية خلف بن حمّاد عمّن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: الرجل ينسى مسح رأسه و هو في الصلاة قال: إن كان في لحيته بلل فليمسح به قلت: فان لم يكن له لحية قال: يمسح من حاجبيه أو أشفار عينيه «3» و غير ذلك من الأخبار.

و هل يجوز الأخذ من اللحية أو الحاجب أو أشفار العينين مطلقا أو يختصّ بصورة جفاف ما على الكفّ من البلل- مقتضى هذه الأخبار جواز الأخذ في صورة نسيان المسح حتّى يجفّ ما على اليد فلا تشمل صورة وجود البلل في الكفّ و لكن يمكن أن يقال: انّ هذه الأخبار و إن كان مفروضها هو صورة جفاف ما على اليد الّا أنّ التأمّل فيها يعطي أنّها في مقام بيان العلاج في صورة الجفاف.

يعنى انّه إذا جفّ يدك فعلاج وضوئك أن تأخذ من بلل لحيتك و تمسح بها رأسك لا أنّها تقييد بصورة الجفاف و يؤيده أنّه ع عبّر في رواية الصدوق عن البلّة التي في اللحية ببلّة الوضوء حيث قال ع: و ان لم يبق من بلّة وضوئك شي‌ء أعدت الوضوء و التقييد في هذه الأخبار مضافا الى أنّه ظاهر في بيان العلاج- انّما هو لأجل أنّه في صورة وجود البلل في الكفّ‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث 7 و 8

(2) الوسائل الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث 7 و 8

(3) الوسائل الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث 1

84
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

(فرع) ؛ ص : 85

لا يحتاج إلى الأخذ من سائر مواضع الوضوء لا أنّ جواز الأخذ مخصوص بصورة الجفاف و الحاصل أنّ المتيقّن هو وجوب كون المسح ببلّة الوضوء و الزائد منه يدفع بالإطلاق و يستفاد ذلك من رواية الصدوق المتقدّمة حيث انّه ليس فيها من بلّة الكفّ بل فيها ان نسيت مسح رأسك فامسح عليه و علي رجليك من بلّة وضوئك و بعض الأخبار الدالّة على كون المسح ببلّة اليد أو الكف أو اليمنى «1» مثل بعض الأخبار المتقدّمة يمكن أن يكون الوجه فيها هو كون المتعارف المسح بنداوة اليد أو اليمنى مع نداوتها لا أنّ المستفاد منها كون المسح لا بدّ من أن يكون بنداوة اليد فالمظنون هو كون ذكر اليد من باب كونها المتعارفة في المسح.

و ان قيل: انّ هذا الظن لا دليل على حجّيته قلنا انّا لا نعلم ايضا بورود التقييد على المطلقات الدالّة على كون المسح بنداوة الوضوء و لم نعلم بحصول التقييد بهذه الأخبار لما ذكرنا فيها من احتمال كون ذكر بلّة اليد من باب التعارف و على هذا الاحتمال الذي ذكرناه و قويناه يمكن الالتزام بأمور الأول انّه لا فرق بين جفاف اليد و عدمه في جواز الأخذ من اللحية أو الحاجب أو أشفار العينين.

الثاني أنّه لا فرق بين المذكورات و غيرها من سائر أعضاء الوضوء في جواز الأخذ منها مطلقا الثالث لا ترتيب بين اللحية و الحاجبين و أشفار العينين فيجوز الأخذ من الحاجب و أشفار العين مع وجود البلّة في اللحية بل يجوز الأخذ من سائر أعضاء الوضوء مع وجود البلّة في اللحية و الحاجب و أشفار العين و ذكر اللحية و الحاجب في الرواية لكونهما مظنّة بقاء بلّة الوضوء دون سائر الأعضاء لا أنّ لهما خصوصيّة في ذلك.

(فرع)

يجوز المسح مقبلا و مدبرا كما دلّ عليه بعض الأخبار فمنها رواية حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا «2» و منها روايته الأخرى عنه عليه السلام قال: لا بأس بمسح القدمين مقبلا و مدبرا «3» و منها رواية يونس قال: أخبرني من‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 31 من أبواب الوضوء الحديث 2 و الباب 15 و الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث 1 و 8

(2) الوسائل الباب 20 من أبواب الوضوء الحديث 1

(3) الوسائل الباب 20 من أبواب الوضوء الحديث 2

85
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

(فرع) ؛ ص : 85

رأى أبا الحسن عليه السلام بمنى- يمسح ظهر القدمين من أعلى القدم الى الكعب و من الكعب إلى أعلى القدم و يقول: الأمر في مسح الرجلين موسّع من شاء مسح مقبلا و من شاء مسح مدبرا فإنّه من الأمر الموسّع إنشاء اللّه «1» و لكنّ هذين الخبرين قد دلّا على جواز النكس في القدمين و لم يذكر فيهما مسح الرأس و الرواية الاولى و إن كان فيها مسح الوضوء الشامل لمسح الرأس أيضا الّا أنّه يمكن أن يكون مسح الوضوء اشتباها من الراوي أو النسّاخ و أصله ما في الرواية الثانية من روايتي حمّاد بن عثمان اى مسح القدمين فصحّف و منشأ هذا الاحتمال هو كون راوي الخبرين واحدا و هو حماد بن عثمان و الراوي عنه الى أن ينتهي إلى الشيخ الناقل هذا الخبر في كتاب التهذيب كلّهم متّحد في الخبرين فيمكن أن يكونا رواية واحدة و صحيحة ما في الرواية الثانية فالدليل على جواز النكس في القدمين معلوم الوجود بخلاف مسح الرأس لعدم العلم بوجود دليل على جواز النكس فيه.

و لكن يمكن دفع هذا الإشكال بأنّ الدليل الدالّ على جواز النكس في القدمين و ان لم يدلّ على جوازه في مسح الرأس الّا أنّه لا ينفى الجواز عن مسح الرأس لأنّ مفهوم اللقب ليس بحجّة فيتمسّك لجوازه بإطلاقات الأدلّة كقوله تعالى وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ و مثل الأخبار البيانيّة و غيرها فإنّه ليس في شي‌ء منها التقييد بكون مسح الرأس مقبلا فيتمسّك لجواز النكس بهذه الإطلاقات.

و دعوى غلبة كون المسح مقبلا- فلو لم تكن مانعة من انصراف الإطلاق إليه فلا أقلّ من مانعيتّها في ظهور الأدلّة في الإطلاق- ممنوعة لعدم تحقّق الغلبة فإنّه إذا أمر الشّارع أو غيره بمسح رأس اليتيم مثلا فإنّه لا ينقدح في ذهن أحد المسح مقبلا بل المسح مقبلا و مدبرا بنظر العرف سواء.

ثمّ انّه يجوز المسح على البشرة و على الشعر النابت عليها في مقدّم الرأس إجماعا و يمكن استفادة ذلك من الآية و الأخبار أمّا الاستفادة من الآية فبأن يقال: انّ في قوله فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ و قوله تعالى وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ فرقا فإنّ الأول يقتضي وجوب‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 20 من أبواب الوضوء الحديث 3.

86
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

(فرع) ؛ ص : 85

غسل ما يطلق عليه الوجه و الوجه كما مرّ تفسيره عن أهل اللغة ما يواجه الإنسان فالبشرة التي تحت الشعر لا يجب غسلها لأنها غير مواجهة للإنسان.

بخلاف الشعر فإنّه يواجهه فيجب غسله فلذا أفتى الفقهاء بعدم كفاية غسل ما تحت الشعر بدون الشعر و الثاني و هو قوله تعالى وَ امْسَحُوا إلخ يقتضي جواز الاكتفاء بمسح كلّ من الشعر و البشرة لأنّ مسح الرأس يصدق على كلّ واحد منهما و امّا الاستفادة من الأخبار فبأن يقال: انّه يطلق على كلّ منهما مقدّم الرأس و الناصية و غير ذلك من العبارات الواقعة في الأخبار.

و أمّا الاستدلال على جواز المسح على الشعر النابت في مقدّم الرأس برواية الناصية بأن يقال: بأنّ الناصية لا تطلق الّا على الشعر النابت في مقدّم الرأس فتدلّ الرواية على جواز المسح على الناصية التي هي الشعر الذي في مقدّم الرأس- فضعيف فانّ مقتضاه هو وجوب المسح على خصوص الشعر المقدّم و أمّا على ما ذكرنا من جواز المسح على كلّ منهما فرواية الناصية لا تنافيه لأنّ الناصية كما تطلق على شعر مقدّم الرأس كذلك تطلق على نفس مقدّم الرأس أيضا.

هذا كلّه في الشعر غير المتجاوز عن حدّ الرأس و أمّا الشعر المتجاوز عن حد الرأس و الشعر المسترسل من موضع آخر على موضع المسح فيمكن أن يدّعى بعدم صدق البشرة عليه فإنه بنظر العرف كالحائل الموجود على الرأس.

و على فرض عدم كونه كالحائل فالقدر المتيقن من صدق الرأس و مقدمه و الناصية و البشرة هو بشرة الرأس و الشعر غير المتجاوز و أمّا الشعر المتجاوز فيشك في صدق المذكورات عليه فمقتضى الشّك هو الاحتياط هذا كلّه في شعر الرأس.

و امّا الحائل كالعمامة و نحوها من الحوائل حتّى الحائل الرقيق فقد ادّعى الإجماع المحصّل و المنقول على مانعيّته و تدلّ على مانعيّته أيضا رواية حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابه عن أحدهما عليه السلام في الرجل يتوضّأ و عليه العمامة قال: يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدّم رأسه «1» و رواية عبد اللّه بن الحسين عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا تمسح المرأة بالرأس كما يمسح الرجال إنّما المرأة إذا أصبحت مسحت‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث 1

87
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

(فرع) ؛ ص : 85

رأسها تضع الخمار عنها الخبر «1» و أمّا الحنّاء فمقتضى صحيحة عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يخضب رأسه بالحنّاء ثم يبدو له في الوضوء قال: يمسح فوق الحنّاء «2» و صحيحة محمّد بن مسلم عن عليه السلام في الرجل يحلق رأسه ثم يطليه بالحنّاء ثمّ يتوضّأ للصلاة فقال: لا بأس بأن يمسح رأسه و الحنّاء عليه «3» هو جواز المسح عليه فانّ الظاهر من الصحيحتين هو جواز المسح على نفس الحنّاء و ان احتمل في الصحيحتين بعض التأويلات الّا أنّها خلاف الظاهر.

و لكن مقتضى مرفوعة محمّد بن يحيى عنه عليه السلام في الذي يخضب رأسه بالحنّاء ثم يبدو له في الوضوء قال: لا يجوز حتّى يصيب بشرة رأسه بالماء «4» هو عدم الجواز و الصحيحتان مع صحّتهما قد أعرض الأصحاب عنهما فإنّه قد ادّعى الإجماع على عدم الجواز نعم نسب الى الشيخ- القول بالجواز و عبارته في الاستبصار على ما حكى عنه و إن كانت توهم ذلك الّا أنّ عبارته في محكي المبسوط تنفى جواز المسح على الحائل و إطلاقها شامل للحنّاء أيضا و رواية محمّد بن يحيى و إن كانت مرفوعة الّا أنّها منجبرة بعمل الأصحاب بها.

ثمّ انّه يكفى مسح مقدّم الرأس طولا بمقدار صدق المسح و عرضا بمقدار إصبع واحدة و الأفضل ثلاثة أصابع فلا يجب الاستيعاب و تدلّ على ذلك روايات.

منها صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ألا تخبرني من أين علمت و قلت: أنّ المسح ببعض الرأس و بعض الرجلين فضحك فقال: يا زرارة قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و نزل به الكتاب من اللّه عزّ و جلّ لأنّ اللّه عزّ و جلّ قال (يقول خ ل) فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فعرفنا أنّ الوجه كلّه ينبغي أن يغسل ثم قال: و أيديكم إلى المرافق فوصل اليدين الى المرفقين بالوجه فعرفنا أنّه ينبغي لهما أن يغسلا الى المرفقين ثمّ فصل بين الكلام فقال: و امسحوا برؤسكم فعرفنا حين قال: برؤسكم أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء ثمّ وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال: و أرجلكم إلى الكعبين فعرفنا حين وصلهما (وصلها خ ل) بالرأس أنّ المسح على بعضهما (بعضها خ ل) ثم فسّر ذلك رسول اللّه صلّى‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 5

(2) الوسائل الباب 37 من أبواب الوضوء الحديث 3- 4- 1

(3) الوسائل الباب 37 من أبواب الوضوء الحديث 3- 4- 1

(4) الوسائل الباب 37 من أبواب الوضوء الحديث 3- 4- 1

88
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الخامس من واجبات الوضوء ؛ ص : 89

اللّه عليه و آله للناس فضيّعوه الحديث «1».

و منها رواية زرارة و بكير عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا مسحت بشي‌ء من رأسك أو بشي‌ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك «2» و منها مرسلة حمّاد عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يتوضّأ و عليه العمامة قال: يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدّم رأسه «3».

و منها رواية حمّاد ايضا عن الحسين قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل توضّأ و هو معتمّ فثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد فقال: ليدخل إصبعه «4».

الى غير ذلك من الأخبار و لكن قيل: انّه يعتبر أن يكون المسح بثلاثة أصابع استناد الى حسنة زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدّمها قدر ثلاث أصابع و لا تلقى عنها خمارها «5» و رواية معمّر بن عمر عنه عليه السلام قال: يجزى من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع و كذلك الرجل (الرجلين خ ل) «6».

و لكنّ الروايتين لا تكافئان تلك الروايات المتقدّمة لأنّها و ان كانت ضعيفة أو مرسلة الّا أنّ عمل أكثر الأصحاب عليها فهي منجبرة بعملهم و هاتان الروايتان لم يعمل بهما الّا الشاذّ مع أنّه يمكن حملهما على الأفضلية دون الإلزام.

الخامس من واجبات الوضوء

مسح الرجلين و يدلّ على وجوبه أوّلا آية الوضوء المتقدّمة و هي قوله تعالى وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ فإنّه بناء أعلى الخفض في أرجلكم كما في بعض القراءات و تدلّ على ذلك أيضا رواية غالب بن هذيل قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ على الخفض هي أم على النصب قال: بل هي على الخفض «7» فح فالآية صريحة في أنّ الواجب هو المسح و قيل: انّ قراءة‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 1- 4

(2) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 1- 4

(3) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث- 1- 2

(4) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث- 1- 2

(5) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث 3- 5

(6) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث 3- 5

(7) المستدرك الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 3

89
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الخامس من واجبات الوضوء ؛ ص : 89

الخفض مجمع عليها بخلاف قراءة النّصب فإنها مختلف فيها فقيل: انّه عطف على محلّ رؤسكم فتدلّ الآية على وجوب مسح القدمين و قال المخالفون: إنّ أرجلكم عطف على وجوهكم و قولهم هذا مبنىّ على قراءة النصب فتدل الآية بناء على قولهم على وجوب غسل الرجلين أو جوازه.

و أمّا على قراءة الجر فحملوا الآية ايضا على ذلك بأن قالوا: انّ أرجلكم عطف على وجوهكم و انّما جرّها للمجاورة مع رؤسكم مثل قول العرب: هذا حجر ضبّ خرب بجرّ خرب مع أنّه صفة لحجر لمجاورته لضبّ و لكن يدفع قولهم: انّ الجر بالمجاورة أوّلا لم يثبت الّا عند الشّاذ و على فرض ثبوته فهو شاذّ لا يمكن حمل التّنزيل عليه و ثانيا انّ مورد الجر على المجاورة هو في صورة عدم وجود العاطف كما صرحوا به في محلّه و ما نحن فيه ليس كذلك.

و الحاصل أنّ الآية ظاهرة بل كادت أن تكون صريحة في أنّ أرجلكم عطف على رؤسكم و مخالفونا و ان كان أكثرهم قد أوجبوا الغسل الّا أن كثيرا من أخبارهم قد تضمّن المسح ايضا و لازم ذلك هو القول بجواز كلّ واحد من الغسل و المسح عندهم و لكنّ أكثرهم قد أوجبوا الغسل كما ذكرنا.

و أمّا أخبارنا فتدل أكثرها على خصوص المسح و هي كثيرة جدّا بحيث بالغ السيّد المرتضى (ره) في الانتصار على ما حكى عنه و قال: انّها أكثر من عدد الرمل و الحصى فمنها الروايات البيانيّة المبيّنة لوضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد قدّمنا بعضها فإنّه ليس فيها الّا المسح على القدمين فراجعها.

و منها رواية محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: و ذكر المسح فقال: و امسح على مقدّم رأسك و امسح على القدمين «1» و منها رواية سالم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن المسح على الرجلين قال: هو الذي نزل به جبرئيل «2» و منها رواية ابني أعين عنه عليه السلام قال في المسح: تمسح النعلين و لا تدخل يدك تحت الشراك و إذا مسحت بشي‌ء من رأسك أو بشي‌ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك «3» الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي قد عبّر في جميعها بالمسح على القدمين و بعض الأخبار التي يظهر‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 1- 4

(2) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 1- 4

(3) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 4

90
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الخامس من واجبات الوضوء ؛ ص : 89

منها وجوب الغسل أو جوازه مثل خبر أيّوب بن نوح قال: كتبت الى ابى الحسن عليه السلام: أسأله عن المسح على القدمين فقال: الوضوء بالمسح و لا يجب فيه الا ذاك و من غسل فلا بأس «1» و خبر عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يتوضّأ الوضوء كلّه الّا رجليه ثمّ يخوض بهما الماء خوضا قال: أجزأه ذلك «2»- فهما محمولان على التقيّة.

ثم انّه يجب المسح من أطراف الأصابع إلى الكعبين كما هو مفاد الآية و الأخبار.

مثل رواية ابني أعين المتقدّمة و هل يكفى مسح ظاهر القدم أو لا بدّ من مسح الباطن ايضا ظاهر الآية- الأوّل فإنّ الكعبين هما قبّتا القدم الموجودتان في ظاهره فإذا قيل لأحد: امسح رجليك الى الكعبين لا يتبادر منه الّا المسح على الموضع الذي يكون الكعب فيه موجودا مضافا الى دلالة بعض الأخبار بل كثير من الأخبار على كفاية المسح من رؤس الأصابع إلى الكعبين مثل رواية ابني أعين المتقدّمة و مثل بعض الروايات البيانية فانّ في بعضها أنّه (ص) مسح مقدّم رأسه و ظهر قدميه ببلّة يساره و بقية بلّة يمناه و في بعضها قال ع و تمسح ببلّة يمناك ناصيتك و ما بقي من بلّة يمينك ظهر قدمك اليمنى و تمسح ببلّة يسارك ظهر قدمك اليسرى «3» الخبر فانّ في هذين الخبرين و ان لم يكن المسح من رءوس الأصابع إلى الكعبين الّا أنّه عبّر بظهر القدم فيستفاد منهما وجوب مسح الظهر فقط دون الباطن.

و في بعضها قال ع: ثم قال (اى اللّه تعالى) وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، فإذا مسح بشي‌ء من رأسه أو بشي‌ء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه «4» الخبر.

و لكن في بعض الأخبار ما يدلّ على وجوب مسح القدمين ظاهرهما و باطنهما مثل مرفوعة أحمد بن محمّد بن عيسى عن أبى بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في مسح القدمين و مسح الرأس فقال: مسح الرأس واحدة الى أن قال: و مسح القدمين ظاهرهما‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 25 من أبواب الوضوء الحديث 13

(2) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 18

(3) الوسائل الباب 31 من أبواب الوضوء الحديث 2

(4) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث 3

91
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الخامس من واجبات الوضوء ؛ ص : 89

و باطنهما «1» و رواية سماعة عنه عليه السلام قال: إذا توضّأت فامسح قدميك ظاهرهما و باطنهما ثمّ قال: هكذا فوضع يده على الكعب و ضرب الأخرى على باطن قدميه ثمّ مسحهما إلى الأصابع «2».

و حمل الشيخ (قده) هذين الخبرين على ما حكى عنه على التقيّة قال لأنّهما موافقان لمذهب بعض العامة ممّن يرى المسح و يقول باستيعاب الرجل.

ثم انّه يكفى في مسح القدمين مسماه كما في مسح الرأس و لو بإصبع واحدة من حيث العرض لعدم تعيين مقداره في الآية فيؤخذ بالإطلاق مع أنّ الباء في برؤسكم و أرجلكم امّا للتبعيض أو للإلصاق و الملابسة و على كلّ من الاحتمالين تدلّ على كفاية المسح ببعض الرأس و القدمين مضافا الى دلالة صحيحة زرارة المتقدمة «3» على ذلك حيث قال في حديث طويل: ثم فصّل بين الكلام فقال: و امسحوا برؤسكم فعرفنا حين قال: برؤسكم أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء.

ثمّ وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال: و أرجلكم إلى الكعبين فعرفنا حين وصلهما بالرأس أنّ المسح على بعضهما، الخبر.

و يدلّ على كفاية المسح و لو بإصبع واحدة من حيث العرض رواية الأخوين اى زرارة و بكير ابني أعين عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال في المسح: و إذا مسحت بشي‌ء من رأسك أو بشي‌ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك «4».

و استدلّ المحدّث القاساني و البحراني صاحب الحدائق- على ما هو المحكي عنهما- بهذه الرواية على كفاية المسمّى من حيث الطول أيضا بأن يقال: انّ قوله ع: ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع بدل أو بيان من قدميك فيصير المعنى ح إذا مسحت بشي‌ء من قدميك الذين هما من أطراف الأصابع إلى الكعبين اى بشي‌ء منهما فقد أجزأك فيشمل الطول و العرض ايضا و قوّى هذا الاحتمال الأستاذ دام ظلّه و لكن يمكن أن يقال: انّه لا يتعيّن جعل ما بدلا من قدميك لاحتمال كونها بدلا عن الشي‌ء فيصير المعنى- و اللّه العالم- فإذا مسحت ببعض قدميك و ذلك‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 7- 6- 1

(2) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 7- 6- 1

(3) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 7- 6- 1

(4) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 4

92
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الخامس من واجبات الوضوء ؛ ص : 89

البعض هو ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك فتدل الرواية على الاستيعاب الطولى اى استيعاب المسح لما بين الأصابع إلى الكعبين.

و لكنّها تدلّ على كفاية المسمّى عرضا لمكان الباء التي سمعت من رواية زرارة أنّها للتبعيض و هذا الاحتمال الذي ذكرناه مكافئ للاحتمال الذي ذكره الأستاذ دام ظلّه و لا دليل على تعيين أحد الاحتمالين على الآخر مضافا الى أنّ المشهور بل كاد أن يكون إجماعا على خلاف ما ذكره القاساني و صاحب الحدائق (ره).

ثم انّه قد تعارض هذه الرواية من حيث العرض رواية محمّد بن أبى نصر عن أبى الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن المسح على القدمين كيف هو فوضع كفّه على الأصابع فمسحها الى الكعبين الى ظاهر القدم فقلت: جعلت فداك لو أنّ رجلا قال بإصبعين من أصابعه هكذا فقال: لا الّا (بكفيه) كلها «1» فانّ الظاهر منها هو وجوب كون المسح بتمام الكف و وجوب الابتداء من الأصابع و الانتهاء الى الكعبين و هذه الرواية معارضة مع صحيحة زرارة المتقدّمة «2» الدالّة على كفاية المسح ببعض القدمين بل قد يقال انّ الجمع بين هذه الرواية و بعض الروايات المتقدمة الدالّة على كفاية المسمّى في المسح- أنّ الشي‌ء المذكور في بعض الروايات المتقدّمة بقوله: فإذا مسحت بشي‌ء من رأسك أو بشي‌ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك- تفسره هذه الرواية بأن المراد بالشي‌ء هو تمام ظاهر القدم اى المقدار الذي تستوعبه الكفّ.

و لكن يمكن دفع المعارضة امّا من حيث الطول فبأن يقال: انّ صحيحة الأخوين المتقدّمة «3» لا تعارض هذه الرواية لأنّ هذه الرواية حاكية عن الفعل و الفعل لا يدلّ على الوجوب لإمكان إتيانه عليه السلام بأفضل الأفراد و أمّا من حيث العرض فبأن يقال: انّ ظاهر هذه الرواية هو الاستيعاب من حيث العرض و لو فرض أنّ مراده ع بتمام الكفّ الكفّ من حيث الطول اى المسح بطول الكفّ لا بعرضها يلزم منه الاستيعاب أيضا أو قريب منه و وجوب الاستيعاب العرضي مخالف للإجماع كما ادّعاه غير واحد من الأصحاب.

______________________________
(1) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث 4

(2) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 7- 4

(3) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 7- 4

93
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الخامس من واجبات الوضوء ؛ ص : 89

فهذه الرواية غير معمول بها بين الأصحاب.

و أمّا رواية معمّر بن عمر بن أبي جعفر عليه السلام قال: يجزى من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع و كذلك الرجل «1» فيجاب عنها بأنّها لا يستفاد منها الوجوب لقوله يجزى الظاهر في الأعم من الوجوب لإمكان أن يكون الأفضل و هو المسح بثلاث أصابع- أحد فردي الواجب المخير و لكنّ لفظ يجزى ظاهر في عدم إجزاء الأقلّ من ذلك كما لا يخفى و على فرض دلالتها على الوجوب العيني فصدرها مخالف للإجماع كما ادّعى و مخالف للأخبار الكثيرة الدالّة على كفاية مسح الرأس بإصبع واحدة.

ثمّ انّه يجب إنهاء المسح الى الكعبين للآية و الأخبار الكثيرة التي تقدّم بعضها و اختلف في معنى الكعبين فقيل: هما المفصل و هو مجمع الساق و القدم و يمكن دلالة صحيحة الأخوين على ذلك فان فيها: فقلنا اين الكعبان فقال: هاهنا يعنى المفصل دون عظم الساق «2».

فانّ كلمة دون امّا بمعنى غير أو بمعنى تحت فمعناها (ح) انّ الكعبين هما المفصل لأعظم السّاق أو تحت عظم السّاق و قيل انّ الكعبين هما قبتا القدم و هما العظم الذي له نتوّ أي علوّ في ظهر القدم.

و تدلّ عليه رواية أحمد بن محمّد بن أبى نصر عن أبى الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن المسح على القدمين كيف هو فوضع كفّه على الأصابع فمسحها الى الكعبين الى ظاهر القدم الخبر «3».

بأن يقال: انّ الكعبين هما في ظاهر القدم فقوله ع: الى ظاهر القدم لا يمكن أن يكون المراد منه الظاهر في قبال الباطن بل المراد بالظاهر هو المكان المرتفع فيكون معنى الرواية أنّه مسحهما الى الكعبين اى المكان المرتفع في القدمين فيكون قوله ع: الى ظاهر القدم بدلا أو بيانا لقوله الى الكعبين فتكون الرواية دالة على كفاية المسح إلى قبّة القدم‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث 5

(2) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث 3

(3) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث 4

94
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الخامس من واجبات الوضوء ؛ ص : 89

و الأحوط المسح الى المفصل و إن كان المسح إلى قبّة القدم لا يخلو عن وجه ثمّ انّه هل يجوز النكس في مسح القدمين بأن يمسح من الكعبين إلى أطراف الأصابع؟ ظاهر المشهور ذلك لإطلاق الآية فإنّ الى و إن كانت للغاية فمفادها «ح» انّ المسح مغيّى بالكعبين و مقتضاه عدم جواز النكس فإنّه إذا قيل: سرت من البصرة إلى الكوفة كان المنتهى الكوفة الّا أن قوله تعالى إِلَى الْمَرٰافِقِ حيث انّه بالإجماع غاية للمغسول لا الغسل فلا بدّ من جهة اتّحاد السياق من أن تكون الى في قوله تعالى إِلَى الْكَعْبَيْنِ غاية للممسوح لا المسح فح تصير الآية مطلقة بالنّسبة إلى النكس و لم يكن المسح مقبلا متعارفا بين الناس حتّى يحمل إطلاق الآية عليه.

مضافا الى دلالة بعض الأخبار على جواز النكس مثل رواية حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا بأس بمسح القدمين مقبلا و مدبرا «1» و رواية يونس عمّن رأى أبا الحسن عليه السلام بمنى يمسح ظهر القدمين من أعلى القدم الى الكعب و من الكعب إلى أعلى القدم و يقول: الأمر في مسح الرجلين موسّع من شاء مسح مقبلا و من شاء مسح مدبرا فإنّه من الأمر الموسّع إنشاء اللّه تعالى «2».

و هل يجب الترتيب بين الرجلين بأن تقدّم اليمنى في المسح على اليسرى أولا إطلاق الآية- و كثير من الأخبار و كذا الأخبار البيانيّة التي هي في مقام البيان بل بعضها قد ذكر فيها كثير من المستحبات- يقتضي عدم ذلك و في بعض الأخبار ما يدل على وجوب الترتيب كرواية محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: و ذكر المسح فقال: امسح على مقدّم رأسك و امسح على القدمين و ابدأ بالشقّ الأيمن «3» و خبر أبي هريرة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان إذا توضّأ بدأ بميامنه «4» و خبر النجاشي مسندا عن عبد الرحمن بن محمّد بن عبيد اللّه بن أبى رافع و كان كاتب أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه أنّه ع كان يقول: إذا توضّأ أحدكم للصّلوة فليبدأ باليمنى (باليمين) قبل الشمال من جسده «5».

و لكن لا يخفى أنّ هذه الروايات لا تصلح لمعارضة تلك الروايات المطلقة الواردة‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 20 من أبواب الوضوء الحديث 2- 3

(2) الوسائل الباب 20 من أبواب الوضوء الحديث 2- 3

(3) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث 1

(4) الوسائل الباب 34 من أبواب الوضوء الحديث 3- 4

(5) الوسائل الباب 34 من أبواب الوضوء الحديث 3- 4

95
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الخامس من واجبات الوضوء ؛ ص : 89

في مقام البيان مضافا الى أنّه يمكن أن يقال: انّ الرواية الأولى و ان كان سندها صحيحا أو موثّقا أنّ الأمر بالابتداء بالشقّ الأيمن لا ظهور فيه بالنّسبة الى الرجل اليمنى لاحتمال أن يراد بالشق الأيمن اليد اليمنى لا الرجل اليمنى فانّ التعبير بالشق الأيمن عن الرجل اليمنى خلاف المتعارف و الرواية الثانية ضعيفة السند و الثالثة يمكن أن يكون المراد باليمنى فيها هو اليد اليمنى لا الرجل اليمنى بقرينة قوله: قبل الشمال فانّ الرجل يعبّر عنها باليسرى لا الشمال و على فرض صحّة سندها و دلالتها على ذلك فلا بدّ من حملها على الاستحباب لمعارضتها للروايات المطلقة الواردة في مقام البيان الآبية عن التقييد مع أنّ في بعض الأخبار ما يدلّ ظاهرا و صريحا على جواز الجمع بين الرجلين.

أمّا ما يدلّ ظاهرا على جواز الجمع فهو خبر محمد بن الحنفيّة عن أبيه عليه السلام و هو طويل و مشتمل على الأدعية لكلّ من غسل الوجه و غسل اليدين و مسح الرجلين الى أن وصل الى مسح الرجلين قال: ثمّ مسح رجليه فقال: اللّهم ثبّتني على الصّراط يوم تزلّ فيه الأقدام و اجعل سعيي فيما يرضيك عنّى يا ذا الجلال و الإكرام «1» فيظهر من هذا الخبر مع اهتمامه بذكر المستحبّات و عدم اهتمامه بذكر الترتيب بين الرجلين أنّ الترتيب غير معتبر بينهما و كذا يدلّ ظاهرا على جواز الجمع بل جواز تقديم الرجل اليسرى- خبر زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: تابع بين الوضوء كما قال اللّه عزّ و جل: ابدأ بالوجه ثمّ باليدين ثم امسح الرأس و الرجلين و لا تقدّمنّ شيئا بين يدي شي‌ء تخالف ما أمرت به فان غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه و أعد على الذراع و ان مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرجل ثمّ أعد على الرجل ابدأ بما بدأ اللّه عزّ و جل به «2».

فانّ هذا الخبر مع كونه في مقام بيان الترتيب بين الأعضاء لم يتعرض للترتيب بين الرجلين فهو كالصريح في عدم وجوب الترتيب بينهما.

و أمّا ما يدلّ صريحا على جواز المسح على الرجلين معا فهو رواية الاحتجاج عن الحميري عن مولانا الحجّة عجّل اللّه تعالى فرجه أنّه كتب اليه ع يسأله عن المسح على الرّجلين بأيّهما يبدأ باليمنى أو يمسح عليهما جميعا معا فأجاب ع يمسح عليهما جميعا معا فان بدأ‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 16 من أبواب الوضوء الحديث 1

(2) الوسائل الباب 34 من أبواب الوضوء الحديث 1

96
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

السادس من واجبات الوضوء ؛ ص : 97

بإحداهما قبل الأخرى فلا يبدأ إلا باليمين «1» و مكاتبة الحميري مقبولة عند الأصحاب و لكن ذيل هذه الرواية معارض للأخبار المطلقة حيث انّ ذيلها يدلّ على أنّه إذا بدأ بإحداهما فلا يبدأ إلّا باليمنى و يمكن حمله على الاستحباب جمعا بينه و بين الرّوايات المطلقة الآبية عن التقييد الدالّة بإطلاقها على عدم وجوب الترتيب بينهما مطلقا.

السادس من واجبات الوضوء

الترتيب بأن يبدأ أوّلا بالوجه ثمّ باليد اليمنى ثم باليسرى ثمّ يمسح رأسه ثم رجليه و يدلّ على وجوبه حسنة زرارة المتقدّمة عن أبي جعفر عليه السلام حيث قال: تابع بين الوضوء كما قال اللّه عزّ و جل ابدأ بالوجه ثمّ باليدين ثمّ امسح الرأس و الرجلين و لا تقدّمنّ شيئا بين يدي شي‌ء تخالف ما أمرت به فان غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه و أعد على الذراع و ان مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرجل ثمّ أعد على الرجل ابدأ بما بدأ اللّه عزّ و جل به، و قيل: انّ الآية أيضا تدلّ على وجوب الترتيب.

و لكن دلالتها على ذلك مشكلة فإنّ الواو لا تدلّ على ذلك فإنّها لا تدلّ على أزيد من مطلق الجمع و لكن هذه الرواية دالّة على أنّ الآية تدلّ على ذلك حيث انّه ع استشهد بها لوجوب الترتيب.

ثمّ انّه إذا أخلّ بالترتيب سواء كان ذلك عمدا أم نسيانا أعاد على ما يحصل معه الترتيب كما تدلّ عليه هذه الرواية مثلا إذا غسل يده اليمنى قبل وجهه يجب عليه الابتداء من الوجه و هكذا و هل يختص هذا الحكم بما إذا لم يغسل وجهه بل غسل يده فقط أو يعم ما إذا غسل وجهه بعد غسل يده اليمنى و بعبارة أخرى وجوب الابتداء بالوجه فيما إذا أخلّ بالترتيب يختص بالفرض الأوّل أو يعم الفرض الثاني أيضا-؟ المستفاد من بعض الروايات هو الثاني يعني يجب البدئة بالوجه في المثال و ان غسل وجهه بعد غسل يده اليمنى و الرواية التي أشرنا إليها هي رواية زرارة المتقدّمة آنفا فإن قوله ع فان غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه- ظاهر في تحقّق غسل الوجه بعد الذراع.

______________________________
(1) الوسائل الباب 34 من أبواب الوضوء الحديث 5

97
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

السابع من الواجبات الموالاة ؛ ص : 98

و أظهر من هذه الرواية رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا نسيت غسل وجهك فغسلت ذراعيك قبل وجهك فاغسل وجهك ثمّ اغسل ذراعيك بعد الوجه فإن بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن فأعد على غسل الأيمن ثم اغسل اليسار الخبر «1».

فانّ الظاهر من لفظ الإعادة أنّه غسل وجهه بعد يده اليمنى و غسل يده اليمنى بعد اليسرى فيستفاد منها أنّه يجب عليه اعادة غسل العضو السابق و ان غسله بعد العضو اللاحق و بهذا المضمون روايات أوردها في الوسائل «2» و لكن في بعض الأخبار ما يدلّ على كفاية غسل العضو اللاحق من دون اعادة غسل العضو السابق إذا غسله بعد العضو اللاحق مثل رواية ابن ابى يعفور عن الصادق عليه السلام قال: إذا بدأت بيسارك قبل يمينك و مسحت رأسك و رجليك ثمّ استيقنت بعد أنّك بدأت بها غسلت يسارك ثمّ مسحت رأسك و رجليك «3» و رواية منصور بن حازم عنه عليه السلام في حديث تقديم السعى على الطواف قال: ألا ترى أنّك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك «4».

و تلك الأخبار الأول و ان كانت ظاهرة في وجوب اعادة غسل العضو المغسول بعد العضو اللاحق الّا أنّ هذين الخبرين صريحان في كفاية غسل العضو اللاحق من دون اعادة غسل العضو السابق المغسول و الطائفة الاولى من الروايات و إن كانت أصحّ سندا الّا أنّ عمل الأصحاب على الطائفة الثانية من الأخبار فإنّ من الأصحاب من عبّر بمضامين تلك الأخبار الأول و لم يزد على تلك المضامين شيئا و منهم من أفتى صريحا بكفاية غسل العضو اللاحق و لم نظفر بقول من يقول صريحا بلزوم اعادة الغسل على العضو السابق فكأنّ هذين الخبرين قد عمل الأصحاب بهما و الأخبار المتقدّمة معرض عنها عندهم و اللّه العالم.

السابع من الواجبات الموالاة

و الظاهر أنّ وجوبها إجماعيّ في الجملة عند الخاصّة كما ادّعاه غير واحد و أمّا العامّة‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 35 من أبواب الوضوء الحديث 8

(2) الوسائل الباب 35 من أبواب الوضوء

(3) الوسائل الباب 35 من أبواب الوضوء الحديث 1- 6

(4) الوسائل الباب 35 من أبواب الوضوء الحديث 1- 6

98
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

السابع من الواجبات الموالاة ؛ ص : 98

فعند الشافعي في أحد قوليه اعتبارها بمعنى أنّه إذا فرّق بين أعضاء الوضوء الى أن تجفّ بطل وضوؤه و عند أبي حنيفة عدم اعتبارها و عند مالك التفصيل بين ما إذا فرّق بين الأعضاء لا لعذر فيبطل و بين ما إذا فرّق لعذر فلا يبطل و لم يعتبر الجفاف في بطلانه.

ثمّ انّ أقوال الخاصّة في اعتبار ماهيّة الموالاة مختلفة فبعضهم عرّفها بأنّها عدم الجفاف و بعضهم قد عرّفها بأنّها عدم الفصل الطويل بين الغسلات و المسحات و لم يعتبر الجفاف و بعضهم قد اعتبر في تحقّقها كلا الأمرين و القول الرابع وجوب الموالاة نفسيّا و حرمة التأخير و ان لم يتحقق الجفاف و بطلان الوضوء بتحقّق الجفاف و لا بدّ أوّلا من ذكر الأخبار الواردة في هذا الباب حتّى ينكشف الحال فنقول- و باللّه الاستعانة-:

روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا توضّأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتّى يبس وضوؤك فأعد وضوءك فانّ الوضوء لا يبعّض «1» قوله: فانّ الوضوء لا يبعض- الظاهر أنّ المراد منه أنّ الوضوء ليس كالغسل في إمكان إتيان أجزائه و أبعاضه متفرقة بل لا بدّ من إتيان أبعاضه متوالية فلا يجوز أن يفرق بين أجزائه فيستفاد من التعليل عدم جواز الفصل بين أجزائه سواء جفّ السابق أم لا لأن العلّة تخصّص و تعمّم و مصداق الفصل في الرواية و إن كان جفاف الوضوء اى ماء الوضوء الّا أنّ ذكر العلّة بعده يشمل ما إذا لم يجفّ ايضا و لكن تحقّق التبعيض في الوضوء الّا أن يقال: انّ التبعيض و إن كان يشمل ما ذكر في بادى النظر لكن ذكر الجفاف قبله بمنزلة ذكر حدّ التبعيض اى حدّ التبعيض الموجب للبطلان هو جفاف العضو السابق فح لا تشمل العلّة الفصل الطويل الذي لا يوجب الجفاف.

و روى معاوية بن عمّار في الصحيح قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام ربّما توضّأت فنفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت علىّ بالماء فيجفّ وضوئي قال: أعد «2» فيستفاد من هذه الرواية ايضا أنّ المناط في الموالاة عدم جفاف العضو السّابق الّا أن يقال: انّ اعتبار عدم جفاف العضو السابق في تحقق الموالاة لا ينفى تحققها بعدم الفصل الطويل ايضا فتحصّل أنّ المستفاد من الروايتين في ماهيّة الموالاة هو عدم جفاف العضو السابق دون الفصل الطويل ماحيا لصورة الوضوء بطل حينئذ و ان لم يتحقّق الجفاف‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 33 من أبواب الوضوء الحديث 2- 3

(2) الوسائل الباب 33 من أبواب الوضوء الحديث 2- 3

99
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث الخامس في الأغسال الواجبة ؛ ص : 100

 

المبحث الخامس في الأغسال الواجبة

و هي ستّة الجنابة و الحيض و النفاس و الاستحاضة و غسل مسّ الميّت و غسل الميّت المسلم خلافا للصدوق و السيّد المرتضى قدس سرهما في جعلهما غسل مسّ الميّت مستحبّا و خلافا لبعض آخر في جعلها تسعة بإضافة غسل الناظر الى المصلوب بعد ثلاثة أيّام و غسل من فاتته صلاة الخسوف في وقتها فأراد القضاء في خارج الوقت و غسل يوم الجمعة و في هذا المبحث فصول‌

الفصل الأول

في غسل الجنابة و وجوبه مجمع عليه بين المسلمين لدلالة الكتاب العزيز عليه قال اللّه تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا «1».

و المراد بالتطهّر هنا غسل الجنابة بالاتّفاق و سبب الجنابة أمران الأوّل الانزال سواء أ كان في النوم أم اليقظة و سواء أ كان بشهوة أم بغيرها خلافا لأبي حنيفة في تقييده بشهوة و ربّما يستشعر ذلك من بعض الأخبار الآتية و سيأتي الجواب عنه و سببيّة الانزال للجنابة بالنّسبة الى الرجل اجماعية و أمّا المرأة فسببيّته للجنابة بالنّسبة إليها مشهورة و تدلّ عليه أخبار مستفيضة منها صحيحة محمّد بن إسماعيل عن الرضا عليه السلام في الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج و تنزل المرأة هل عليها غسل قال: نعم «2» و المراد أنّ الجماع قد تحقّق في ما دون الفرج و لم يتحقّق في الفرج و منها صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة ترى أنّ الرجل يجامعها في المنام في فرجها حتّى تنزل قال: تغتسل «3».

و منها رواية إسماعيل بن سعد الأشعري قال: سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يلمس فرج جاريته حتّى تنزل الماء من غير أن يباشر يعبث بها بيده حتّى تنزل قال: إذا أنزلت من شهوة فعليها الغسل «4» و منها رواية يحيى بن أبي طلحة أنّه سأل عبدا صالحا عليه السلام‌

______________________________
(1) سورة المائدة الآية 6

(2) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 3- 7- 2

(3) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 3- 7- 2

(4) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 3- 7- 2

 

100
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفصل الأول ؛ ص : 100

عن رجل مسّ فرج امرأته أو جاريته يعبث بها حتّى أنزلت أ عليها غسل أم لا قال: قد أنزلت من شهوة قلت: بلى قال: عليها غسل «1» و هذان الخبران و إن كان ظاهرهما اعتبار كون الانزال من شهوة الّا أنّ الظاهر أنّ الشهوة ليست قيدا في كون الانزال موجبا للغسل بل يكون من قبيل المعرف لتحقق خروج المني، ضرورة وجوب الغسل بخروج المنى و ان لم يكن من شهوة و هو إجماعي بين المسلمين إلا أبي حنيفة.

ثم انّ هذه الروايات تعارضها روايات كثيرة دالّة على عدم وجوب الغسل على المرأة بالإنزال:

منها رواية محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: كيف جعل على المرأة إذا رأت في النوم أنّ الرجل يجامعها في فرجها- الغسل و لم يجعل عليها الغسل إذا جامعها دون الفرج في اليقظة فأمنت قال لأنّها رأت في منامها أنّ الرجل يجامعها في فرجها فوجب عليها الغسل و الآخر انّما جامعها دون الفرج فلم يجب عليها الغسل لأنّه لم يدخله الخبر «2».

و هذه الرواية لم يعلم ما المراد منها لأنّ ظاهرها أنّ المرأة إذا رأت في المنام أنّ الرجل يجامعها يجب عليها الغسل مع أنّ من المعلوم بطلانه إلّا إذا أمنت فيمكن أن يكون مقصوده (ع) من هذا الكلام و ما بعده التعمية على السائل أو الحاضرين في مجلسه و اللّه العالم.

و منها رواية عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يضع ذكره على فرج المرأة فيمني أ عليها غسل فقال: ان أصابها من الماء شي‌ء فلتغسله و ليس عليها شي‌ء الّا أن يدخله قلت: فإن أمنت هي و لم يدخله قال: ليس عليها غسل (الغسل) «3» و منها روايته ايضا قال: اغتسلت يوم الجمعة بالمدينة و لبست ثيابي و تطيّبت فمرت بي وصيفة ففخذت لها فأمذيت أنا و أمنت هي فدخلني من ذلك ضيق فسألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك فقال: ليس عليك وضوء و لا عليها غسل «4» و يمكن الجواب عن هذه الروايات بأنّها من الأحكام السياسية يعنى أنّ احتلام المرأة و إنزالها و ان كان موجبا للغسل عليها كالرجل الّا أنّه لا ينبغي أعلامها بذلك لأنّها تأخذه وسيلة إلى الزنا فتزني و تغتسل فيقال لها: ما شأنك فتقول‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 15

(2) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 19

(3) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 18 و 20

(4) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 18 و 20

101
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفصل الأول ؛ ص : 100

احتلمت كما يظهر ذلك من رواية أديم بن الحر قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل عليها غسل؟ قال: نعم و لا تحدّثوهن بذلك فيتّخذنه علّة «1».

و كذا رواية عبيد بن زرارة قال: قلت له: هل على المرأة غسل من جنابتها إذا لم يأتها الرجل قال: لا و أيّكم يرضى أن يرى أو يصبر على ذلك أن يرى ابنته أو أخته أو امّه أو زوجته أو أحدا من قرابته قائمة تغتسل فيقول: مالك فتقول: احتلمت و ليس لها بعل ثم قال: لا ليس عليهنّ ذلك و قد وضع اللّه عليكم ذلك فقال: و ان كنتم جنبا فاطّهّروا و لم يقل ذلك لهن «2» و يستفاد من سياقها التعمية و إبهام الأمر حتى لا ينتهي الأمر ببيان حكم إنزال المرأة إلى اغتسال المرأة التي ليس لها بعل بحجة الاحتلام.

فانّ هذا المعنى معلوم أنه لا يصبر عليه أحد و الّا فلا معنى لقوله ع- لو لا التعمية- و قد وضع اللّه ذلك عليكم الى قوله: و لم يقل ذلك لهنّ مع أنّ من المعلوم عدم اختصاص حكم الجنب بالرجل فكما أنّ الرجل يجنب و يجب عليه الغسل فكذا المرأة بل هو ضروري بين المسلمين فالآية أيضا غير مختصّة بالرجل فهي نظير قوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ غير المختصّة بالرجل و الحاصل أنّ مقصوده ع إخفاء الأمر عليهنّ حتّى لا يقعن في مفسدة أهم و ثانيا على فرض دلالة هذه الأخبار على عدم وجوب الغسل عليها بالإنزال فهي معرض عنها عند الأصحاب و لم يعمل بمضمونها أحد من الأصحاب إلّا الصدوق ره في المقنع على ما حكى عنه و يمكن حمل كلامه بأن المراد بالاحتلام- هو رؤيا الانزال أي بأن رأت في المنام أنّها أنزلت لا أنّها أنزلت حقيقة فيوافق قوله قول المشهور.

ثمّ انّ المشهور اعتبروا في كون ماء منيّا عند الشك أحد أمور ثلاثة أو جميعها و هي الشهوة و الخروج بدفع و قوّة و فتور الجسد فعند فقدان جميع هذه العلامات لا يحكم بكونه منيّا الّا أن يعلم بأنّه مني أمّا الدليل على اعتبار الشهوة في الحكم بأنّه منّي فلما مرّ في الخبرين الواردين في إنزال المرأة «3» و كذا ما يأتي من بعض الأخبار و أمّا ما دلّ على اعتبار الدفع و الدفق فقوله‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 12

(2) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 22

(3) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 2 و 15

102
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفصل الأول ؛ ص : 100

تعالى فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسٰانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مٰاءٍ دٰافِقٍ «1» و ما رواه عبد اللّه بن أبى يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يرى في المنام و يجد الشهوة فيستيقظ و ينظر فلا يجد شيئا ثمّ يمكث الهوين بعد فيخرج قال: إن كان مريضا فليغتسل و ان لم يكن مريضا فلا شي‌ء عليه قال: قلت (فما فرق) الفرق بينهما فقال: لأنّ الرجل إذا كان صحيحا جاء الماء بدفقة (بدفعة) قوية و ان كان مريضا لم يجئ إلّا بعد «2» و هذه الرواية تدلّ على كون المني يجي‌ء من شهوة من الشخص الصحيح و تدلّ ايضا أنّه يجي‌ء بدفع و دفق.

و أمّا ما يدلّ على اعتبار الفتور في الجسد فما رواه بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يخرج من الإحليل المنى و المذي و الودي و الوذي فأمّا المني فهو الذي يسترخي له العظام و يفتر منه الجسد و فيه الغسل «3» الخبر.

ثمّ أنّه قيل بملازمة هذه العلامات الثلاث بعضها مع بعض يعني إذا تحقّقت الشهوة عند خروج المنى تحقّق الوصفان ايضا و هما الدفق و فتور الجسد و يستفاد من بعض الأخبار اعتبار اجتماع الأوصاف الثلاثة و هي رواية على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل يلعب مع المرية و يقبّلها فيخرج منه المنى فما عليه قال: إذا جاءت الشهوة و دفع و فتر لخروجه (بخروجه) فعليه الغسل و ان كان انما هو شي‌ء لم يجد له فترة و لا شهوة فلا بأس «4» و الظاهر أنّ هذه أمارات لكون الماء منيا لا أنّه مع العلم بكونه منيا يعتبر فيه الشهوة و الدفع و الفتور فإنّه ممّا لم يقل به أحد من الخاصّة و هذه الرواية و إن كان ظاهر صدرها اعتبار الأوصاف الثلاثة الّا أنّ ظاهر ذيلها هو الاكتفاء بالوصفين.

فيمكن أن يقال بكفاية كلّ واحد منها في كونها امارة بكون الخارج منيّا، و لا يعتبر اجتماعها فلذا اكتفى في الروايات بذكر واحد منها فإنّه قد ذكر في بعض الأخبار‌

______________________________
(1) سورة الطارق الآية 5 و 6

(2) الوسائل الباب 8 من أبواب الجنابة الحديث 3.

(3) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 17

(4) الوسائل الباب 8 من أبواب الجنابة الحديث 1

103
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفصل الأول ؛ ص : 100

الشهوة أو هي مع الدفق و في بعضها فتور الجسد فيستفاد من مجموعها مع انضمام بعضها مع بعض و تقييد بعضها ببعض أنّ الأوصاف الثلاثة بأجمعها امارة بكون الخارج منيّا عند الشكّ لكنّ المتيقّن بكون الخارج منيّا عند الشك هو ما إذا اجتمعت الأوصاف الثلاثة و أمّا الاكتفاء بواحد منها كما قيل فمشكل فلا يترك فيه الاحتياط بالجمع بين الغسل و الوضوء لو كان قبل ذلك محدثا نعم لا يبعد الاكتفاء باثنين منها لذيل رواية علىّ بن جعفر المتقدّمة.

الثاني من الأسباب الموجبة لغسل الجنابة الجماع و هو إجماعيّ بين المسلمين في الجملة نعم اختلف العامة فيما إذا جامع و لم ينزل فالمشهور فيما بينهم هو وجوب الغسل و القول غير المشهور فيما بينهم هو عدم وجوب الغسل في الجماع من غير إنزال و أمّا الخاصّة فإنّهم حكموا بوجوب الغسل بالجماع مطلقا أنزل أم لم ينزل من غير خلاف بينهم و انّما الخلاف بينهم فيما يتحقّق به الجماع الموجب للغسل فبعضهم اعتبر دخول جميع الذكر و المشهور كفاية دخول الحشفة أو مقدارها من مقطوع الحشفة و منشأ الاختلاف هو اختلاف الأخبار في التعبير.

فبعضها عبّر بالدخول كرواية محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته متى يجب الغسل على الرجل و المرية فقال: إذا أدخله وجب الغسل و المهر و الرجم «1» و في رواية البزنطي عن الرضا عليه السلام إذا أولجه «2» و هل يستفاد من هذه الرّواية اعتبار دخول تمامه أو يستفاد منها اعتبار مطلق الدخول و لو ببعض الحشفة و ان قيّدت في بعض الأخبار الآتية بالدّخول بتمام الحشفة الظاهر هو الثاني و كثير من الأخبار قد قيّد الجماع بالتقاء الختانين فمنها رواية الحلبي عن الصادق عليه السلام عن علىّ عليه السلام قال: إذا مسّ الختان الختان فقد وجب الغسل «3» و منها رواية محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال: سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يجامع المرية قريبا من الفرج فلا ينزلان متى يجب الغسل فقال: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل فقلت: التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة قال: نعم «4» الى غير ذلك من الأخبار (راجع الوسائل ب 6 من أبواب الجنابة) و هذه الروايات مثل روايات الدخول مجملة فإنّها بظاهرها تشمل- الا هذه الرواية‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الجنابة الحديث 1 و 8 و 4

(2) الوسائل الباب 6 من أبواب الجنابة الحديث 1 و 8 و 4

(3) الوسائل الباب 6 من أبواب الجنابة الحديث 1 و 8 و 4

(4) الوسائل الباب 6 من أبواب الجنابة الحديث 2

104
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

فروع ؛ ص : 105

 

الأخيرة- مطلق التقاء الختانين و ان لم يتحقق الدخول و مثلها في الإجمال رواية الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: كان على عليه السلام يقول: إذا مسّ الختان الختان فقد وجب الغسل «1» و رواية على بن يقطين عن ابى الحسن عليه السلام قال: إذا وضع الختان على الختان فقد وجب الغسل «2» و روايته عنه عليه السلام قال: إذا وقع الختان على الختان فقد وجب الغسل «3» فانّ هذه الأخبار ليست بصريحة في اعتبار الدخول الّا أن يقال: انّ هذه التعبيرات كناية قطعيّة عن الجماع بمعنى الدخول كما يشهد بذلك ملاحظة جميع أخبار الباب بل في بعض الأخبار التصريح بذلك كرواية محمّد بن إسماعيل المتقدمة فإنّه قال في ذيلها: فقلت: التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة قال: نعم.

ثمّ انّ التعبير بدخول الحشفة أو غيبوبتها ليس تقييدا على الظاهر حتّى يقال: انّها لا تشمل مقطوع الحشفة بل الظاهر أنّ المراد بيان المقدار الذي يحصل به الجنابة و يتحقّق به وجوب الغسل فالمعنى- و اللّه العالم- انّ ما يجب بسببه الغسل- هو غيبوبة الحشفة أي هذا المقدار من الذكر فح نقول بوجوب الغسل في مقطوع الحشفة إذا أدخل مقدارها.

فروع

الأوّل

- انّه لا فرق في الجماع بين الصغير و الكبير في تحقّق الجنابة و بين الفاعل و المفعول و ان كان كلاهما صغيرين أو أحدهما صغيرا و يدلّ على ذلك- مضافا الى نقل الإجماع من المشايخ على ذلك- إطلاقات الأدلّة فإن قوله: إذا أدخله أو إذا أولجه فقد وجب الغسل يستفاد منه أنّ الدخول مطلقا سبب لوجوب الغسل و لكن يمكن المناقشة في الصغير بأنّه لا يمكن توجّه الوجوب إليه لأنّه غير مكلف فانّ من شرائط الوجوب البلوغ، فلا بدّ امّا أن يقيّد السبب و هو التقاء الختانين بأن يقال: انّ التقاء الختانين بعد البلوغ موجب للغسل و مقتضاه عدم تحقّق الجنابة بالتقاء الختانين قبل البلوغ.

و امّا أن يقيد المسبّب و هو وجوب الغسل بأن يقال: إذا التقى الختانان مطلقا اى سواء كان قبل البلوغ أم بعده وجوب الغسل بعد البلوغ و مقتضاه تحقّق الجنابة بالتقائهما‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الجنابة الحديث 2 و 3 و 4

(2) الوسائل الباب 6 من أبواب الجنابة الحديث 2 و 3 و 4

(3) لم أظفر بها في مظانّها نعم نقلها الهمداني في مصباحه صفحة 223

 

105
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفرع الثاني ؛ ص : 106

و لو كان قبل البلوغ لكن وجوب الغسل متوقف على البلوغ و لا ترجيح لأحد التقييدين على الآخر فلا بدّ من التوقّف الّا أن يقال بترجيح الثاني لأنّه يستفاد من بعض الأخبار المبيّنة لعلة وجوب الغسل من حدث الجنابة أنّ السّبب في وجوب غسل الجنابة هو حصول القذارة للبدن و أنّها لا تزول الّا بالغسل و هذا لا فرق فيه بين الصغير و الكبير مع ان الجنابة حكم وضعي غير موقوف على البلوغ كالنجاسة فإنّها تعرض للجسم سواء فيها الصغير و الكبير و سواء إنسانا أو حيوانا أو جمادا و الحاصل أنّه يمكن أن يجعل الشّارع حكما وضعيّا غير مشروط بالتّكليف كالنّجاسات و الضّمانات و الأحداث و غيرها.

الفرع الثاني

أنّه لا فرق في الجماع بين القبل و الدبر و قد ادّعى عليه السيّد و ابن إدريس على ما حكى عنهما الإجماع و يدل عليه إطلاقات الأدلّة و الروايات المتقدّمة كقوله (ع) إذا أدخله فقد وجب الغسل و قوله (ع) تعالى: أو لامستم النساء فإنّه و إن كان من المقطوع به أنه ليس المراد منه اللمس المطلق بل هو كناية عن الجماع الّا أنّه لم يقيّد فيه بالجماع في القبل و في بعض الأخبار أنّ عليّا عليه السلام سئل عن الرجل يجامع امرأته أو أهله ممّا دون الفرج فيقضى شهوته قال: عليه الغسل «1» فانّ لفظ الفرج كما عن بعض أهل اللغة يشمل القبل و الدبر مضافا الى ورود بعض الأخبار في خصوص ما نحن فيه بوجوب الغسل مثل رواية حفص بن سوقة عمن أخبره قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل يأتي أهله من خلفها قال: هو أحد المأتيّين فيه الغسل «2» و لكن يعارضها رواية البرقي مرفوعا عنه عليه السلام قال: إذا اتى الرجل المرية في دبرها فلم ينزل فلا غسل عليهما فإن أنزل فعليه الغسل و لا غسل عليها «3» و رواية بعض الكوفيين مرفوعا عنه عليه السلام قال: إذا أتى الرجل المرية في دبرها (في الدبر) و هي صائمة لم ينقض صومها‌

______________________________
(1) لم أعثر عليها في مظانها

(2) الوسائل الباب 12 من أبواب الجنابة الحديث 1 و 2

(3) الوسائل الباب 12 من أبواب الجنابة الحديث 1 و 2

106
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفرع الثاني ؛ ص : 106

و ليس عليها غسل «1».

و يمكن أن يجاب عن هذين الخبرين بأنّهما ضعيفا السّند بواسطة الرفع و الإرسال مضافا الى إعراض الأصحاب عنهما و الرواية الأولى أي رواية حضص و إن كانت مرسلة الّا أنّ المشهور قد عملوا بها و اعتمدوا عليها و أفتوا بمضمونها مضافا الى أنّها موافقة لإطلاقات الأدلّة المتقدّمة الثالث من الفروع- أنّ الوطي مع البهيمة سواء كان في قبلها أو دبرها هل يكون كالجماع مع الإنسان أولا- المشهور كما ادّعاه بعضهم ذلك و يمكن استفادة ذلك من بعض الإطلاقات المستفادة من الأخبار المتقدّمة مثل قوله عليه السلام: إذا أدخله فقد وجب الغسل.

و قوله في الرواية المتقدّمة حين سأله السائل عن رجل يأتي أهله من خلفها، هو أحد المأتيّين فيه الغسل بناء على عود الضمير- اى هو- الى مطلق الخلف لا خصوص خلف المرءة اى الخلف مطلقا سواء كان من الاثني أو الذكر أو الحيوان- هو أحد المأتيّين اى الشيئين الذين من شأنهما أن يؤتى إليهما سواء كان بنحو الحلال أو بنحو الحرام فيشمل ح وطي البهيمة و الغلام لكن استفادة وطي البهيمة من الرواية مشكلة و كذا استفادة ذلك من إطلاقات الأدلّة فإنّه يمكن أن يقال: انّها منصرفة عن وطي البهيمة اللّهم الّا أن يقال: انّ الانصراف بدويّ يرتفع بملاحظة علّة وجوب غسل الجنابة و أنّه بسبب حصول القذارة و رافعها الغسل و المسألة بعد لا تخلو عن الاشكال لعدم العلم بشمول الإطلاقات لوطي البهيمة فلا يترك الاحتياط بالجمع فيه بين الغسل و الوضوء للمحدث بالحدث الأصغر.

و أمّا أحكام الجنابة فأمران الأوّل حرمة قراءة سور العزائم أو خصوص قراءة آيات السجدة على ما يأتي من الاختلاف عند الخاصّة و أمّا العامّة فبعضهم منعوا الجنب من قراءة القرآن مطلقا و استدلّوا لذلك بما رووه عن على عليه السلام أنّه كان صلّى اللّه عليه و آله لا يمنعه من قراءة القرآن شي‌ء إلّا الجنابة.

و بعضهم جوّز القراءة له مطلقا سواء أ كانت سور العزائم أم آيات السجدة أم غيرها و لم يعتنوا بالرواية المذكورة و قالوا: «من أين علم علىّ (عليه السلام) أنّ النبيّ صلّى اللّه‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 12 من أبواب الجنابة الحديث 3.

107
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفرع الثاني ؛ ص : 106

عليه (و آله) و سلّم ترك القراءة لأجل الجنابة و هذا ظن منه» نعوذ باللّه من الخذلان و من الفرية و البهتان.

ثمّ انّ المحرم هل هو قراءة خصوص آيات السجدة أو تمام السورة من حيث المجموع أو تشمل الحرمة قراءة آية واحدة بل كلمة واحدة من هذه السور- وجوه بل أقوال و لا بدّ أوّلا من ذكر الأخبار الواردة في هذا الباب فنقول- و باللّه الاستعانة- انّ الأخبار الواردة في قراءة الجنب للقرآن على أربعة أوجه فمنها ما يدلّ على جواز القراءة له مطلقا اى من غير تقييد بغير السجدة كرواية زيد الشحّام عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: تقرأ الحائض القرآن و النّفساء و الجنب «1».

و رواية فضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا بأس بأن يتلو الحائض و الجنب القرآن «2» و منها ما يدلّ على المنع من القراءة له مطلقا.

مثل رواية ابن ابى الدنيا المعمر قال: سمعت علىّ بن أبي طالب عليه السلام يقول: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه لا يحجبه أو يحجزه من قرائه القرآن إلّا الجنابة «3».

و في بعض الأخبار ما يدلّ على جواز قراءة الجنب للقرآن و استثنى فيه السجدة مثل رواية زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: الحائض و الجنب هل يقرءان من القرآن شيئا قال: نعم ما شاء الّا السجدة «4» و رواية محمّد بن مسلم قال: قال أبو جعفر عليه السلام: الجنب و الحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب و يقرئان من القرآن ما شاء اللّه الّا السجدة «5».

و بعض الأخبار ما يدلّ على تحديد قراءة الجنب بسبع أو سبعين آية و هو رواية سماعة قال: سألته عن الجنب هل يقرأ القرآن قال: ما بينه و بين سبع آيات «6» و في رواية زرعة عن سماعة قال: سبعين آية «7».

ثمّ انّه يمكن الجمع بين الطائفتين الأوّلتين من الأخبار و الطائفة الأخيرة منها بحمل أخبار النهى على الكراهة فيما عدا السبع أو السّبعين آية بقرينة هذه الرواية الأخيرة و أمّا الطائفة‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 19 من أبواب الجنابة الحديث 1 و 5

(2) الوسائل الباب 19 من أبواب الجنابة الحديث 1 و 5

(3) مستدرك الوسائل الجلد 1 صفحة 68

(4) الوسائل الباب 19 من أبواب الجنابة

(5) الوسائل الباب 19 من أبواب الجنابة

(6) الوسائل الباب 19 من أبواب الجنابة

(7) الوسائل الباب 19 من أبواب الجنابة

108
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفرع الثاني ؛ ص : 106

الثالثة فهل المراد من المستثنى اى السجدة هو سورة السجدة أو آيها قال المشهور بالأوّل بقرينة إطلاق الآية على السورة كإطلاق البقرة التي تكون حكايتها في ضمن السورة و هكذا في كثير من السور القرآنيّة و هذا المعنى أي تسمية الكل باسم الجزء كثير شائع في كلام العرب فالظاهر أنّ المراد من السجدة في الروايتين المتقدّمتين هو سورة السجدة دون آياتها و يؤيده استفادة المشهور ذلك من الروايتين مضافا الى ورود خصوص ذلك في روايتين الاولى ما رواه في المعتبر قال: يجوز للجنب و الحائض أن يقرءا ما شاءا من القرآن إلّا سور العزائم الأربع و هي اقرأ باسم ربّك الذي خلق و النجم و تنزيل السجدة و حم السجدة روى ذلك البزنطي في جامعه عن المثنّى عن الحسن الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السلام «1».

فإنّه يظهر من قوله روى ذلك إلخ أنّ عبارة الرواية هي سور العزائم و الرواية الثانية رواية فقه الرضا عليه السلام قال: و لا بأس بذكر اللّه و قراءة القرآن و أنت جنب إلّا العزائم التي تسجد فيها الحديث «2» فإنّ العزائم هي السور دون الآيات و لكن في الجميع نظر أمّا إطلاق الآية على السورة فباعتبار اشتمالها عليها فح إطلاق الآية و ارادة نفسها أكثر «3» و امّا استفادة المشهور من الروايتين ذلك فهي اجتهاد منهم و استظهار من الروايتين فلا يكون لنا حجّة و أمّا ما في المعتبر فالظاهر أنّه استفاد من رواية البزنطي ذلك لا أنّ لفظ الرّواية كان هو السورة بقرينة ذكره تينك الروايتين اللتين فيهما ذكر السجدة حجّة لقوله بعد ذكر كلام العامّة ردّا عليهم فيعلم أنّه استفاد من السجدة السّورة فيمكن أن يكون رواية البزنطي أيضا مثل هاتين الروايتين.

و أمّا رواية فقه الرضا (ع) فإنّها و إن كانت ظاهرة في قول المشهور الّا أنّها غير قابلة للاعتماد لعدم اعتماد العلماء على صحّة انتساب فقه الرضا الى الرضا عليه السلام و الحاصل أنّ السجدة لا يستفاد منها أكثر من آية السّجدة فالظاهر حرمة قراءة آية السجدة للجنب فقط دون السور المشتملة عليها.

ثم على فرض حرمة قراءة السورة هل يكون مجموع السورة من حيث المجموع حراما أو‌

______________________________
(1) المعتبر صفحة 49

(2) مستدرك الوسائل صفحة 68.

(3) لا يخفى عليك ما فيه

109
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفرع الثاني ؛ ص : 106

تشمل الحرمة أبعاضها أيضا بأن يكون قراءة كلّ آية منها حراما حتّى البسملة- فيه قولان مستند القول الأوّل أنّ السّورة لأجل اشتمالها على آية السّجدة تكون قرائتها محرمة و يمكن أن يجاب عنه بأنّه يؤول الأمر إلى حرمة قراءة آية السّجدة فقط فإنّه على هذا القول لا ينبغي الحكم بحرمة قراءة جميع السورة بدون قراءة آية السجدة لعدم اشتمالها على آية السّجدة فح لا وجه للحكم بحرمة قراءة جميع السورة و مستند القول الثاني أنّ مناسبة الحكم و الموضوع تثبت حرمة جميعها اى كلّ آية منها فإنّ ملاحظة الحكم مع موضوعه مختلفة ففي بعض الموارد يستفاد أنّ المراد المجموع مثلا إذا قيل: ابن لي سجدا فإنّه يستفاد منه ارادة بناء مسجد بتمامه و كذا إذا قيل: اقرأ سورة يس فإنّه يقتضي أيضا إرادة قرائتها بتمامها و لا يجوز الاكتفاء بقراءة آية أو آيتين منها.

و في بعض الموارد يكون المراد كلّ جزء من المجموع مثلا إذا قيل: لا تخرب المسجد فإنّه يستفاد منه أنّ تخريب كلّ جزء من المسجد منهي عنه فيمكن أن يكون ما نحن فيه من هذا القبيل فإنّه إذا قيل: لا تقرأ سورة السجدة فإنّه يستفاد منه أنّ قراءة كلّ جزء منها مبغوض عنده.

الثاني من المحرمات على الجنب مسّ كتابة القرآن و هو إجماعي و يدلّ على ذلك قوله تعالى لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ «1» فانّ الجنب لا يكون من المطهرين قطعا و لكن يمكن أن يخدش في دلالتها على المطلوب بأنّ الضمير في لا يمسّه راجع الى الكتاب فح تشمل الآية جلد الكتاب و ورقه الذي ليس عليه الكتابة فلا بد من حملها على الكراهة للإجماع على جواز مسّ ما عدا الكتابة و يمكن الجواب عن هذه الخدشة بأّن مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي كون المراد بالكتاب الكتابة فقط دون الورق و الجلد و يدلّ ايضا على حرمة مسّ الجنب للمصحف أخبار.

منها رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبى الحسن عليه السلام قال: المصحف لا تمسّه على غير طهر و لا جنبا و لا تمسّ خيطه (خطه) و لا تعلّقه انّ اللّه تعالى يقول: لا يمسّه الّا المطهرون «2» و هذه الرواية صدرها ظاهر في إرادة ما ذكرناه من حرمة مسّ كتابة المصحف‌

______________________________
(1) سورة الواقعة الآية 56

(2) الوسائل الباب 12 من أبواب الجنابة الحديث 3

110
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفرع الثاني ؛ ص : 106

الّا أنّ ذيلها يوجب الوهن في التمسّك بصدرها لأنّ قوله على ما في بعض النسخ: و لا تمسّ خيطه بدل خطّه و كذا قوله: و لا تعلّقه يجعلها ظاهرة في كراهة المسّ لأنّ مسّ خيطه و تعليقه جائز بالإجماع.

و منها رواية حريز عمّن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه كان إسماعيل بن أبي عبد اللّه عنده فقال: يا بنيّ اقرأ المصحف قال: انّى لست على وضوء فقال: لا تمسّ الكتاب و مسّ الورق و اقرأ «1» و هذه الرواية فيها قرينة ظاهرة على أنّ المراد بالكتاب هو نفس الكتابة لأنّ فيها التصريح بجواز مسّ الورق فيعلم منه أنّ الكتاب في هذه الرواية و كذا الرواية الآتية و كذا الآية يراد منه ما عدا الورق و غيره يعنى يراد منه نفس الكتابة.

و منها رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عمّن قرأ في المصحف و هو على غير وضوء قال: لا بأس و لا يمسّ الكتاب (الكتابة خ ل) «2» و هذه النّسخة اى نسخة الكتابة ايضا مؤيدة لكون المراد بالكتاب الكتابة ثمّ انّ هاتين الرّوايتين و إن كان موردهما غير المتوضّئ إلّا أنّهما تشملان الجنب ايضا بطريق أولى لأنّ الجنب على غير وضوء مع الزّيادة و هي كونه متلبّسا بالحدث الأكبر.

و منها رواية محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر عليه السلام: الجنب و الحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب الخبر «3» و هذه الرّواية لا تدلّ على وجوب الافتتاح من وراء الثّوب لأنّ مسّ حواشي القرآن و مسّ ما عدا خطوط القرآن جائز بالإجماع فلا بدّ من حملها على الاستحباب لأنّه لا ملازمة بين قراءة القرآن و مسّ خطوطه الّا أن يقال: انّ المعلوم من مصاحف ذلك الزّمان هو تحقّق المسّ بالافتتاح و لكن دون إثبات ذلك خرط القتاد.

و منها ما في مجمع البيان في قوله تعالى: لا يمسّه الا المطهّرون قال: و قيل: المطهّرون من الأحداث و الجنابات و قالوا: لا يجوز للجنب و الحائض و المحدث مس المصحف عن محمّد بن علىّ الباقر عليه السلام و طاوس و عطاء و سالم و غيرهم انتهى «4».

______________________________
(1) الوسائل الباب 12 من أبواب الجنابة الحديث 3 و 2

(2) الوسائل الباب 12 من أبواب الوضوء الحديث 1

(3) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب الجنابة الحديث 5

(4) مجمع البيان جلد 9 صفحة 226

111
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفرع الثاني ؛ ص : 106

و لكن هذه الرواية مضافا الى أنّها مرسلة يمكن أن تكون منقولة بالمعنى و انّ صاحب مجمع البيان استفاد منها ما ذكره فيمكن أن يكون اجتهادا له من الرواية لا أنّ عبارة الرواية كانت كذلك.

و منها رواية فقه الرضا عليه السلام قال: و لا تمسّ القرآن إذا كنت جنبا أو أنت على غير وضوء «1» و هذه الرواية و إن كانت ظاهرة في المطلوب الّا أنّها ضعيفة السند غير معتمد عليها كما مر و الحاصل أنّ الروايات الصحيحة لا تكون نصا في حرمة المسّ و ما كانت نصّا لم تكن معتبرة و لكن عمدة الأدلّة هو الإجماع في المسئلة و كذا لا يجوز مسّ شي‌ء عليه اسم اللّه للجنب سواء أ كان درهما أم دينارا أم غيرهما و يدلّ على ذلك رواية عمّار بن موسى السّاباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا يمسّ الجنب درهما و لا دينارا عليه اسم اللّه «2» و في التهذيب هذه الزيادة: و لا يستنجى و عليه خاتم فيه اسم اللّه و لا يجامع و هو عليه و لا يدخل المخرج و هو عليه.

و لكن رواية المعتبر المنقولة عن ابى الربيع عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الجنب يمسّ الدراهم و فيها اسم اللّه و اسم رسوله فقال: لا بأس به ربما فعلت ذلك «3» معارضة للرواية الأولى و كذا رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: سألته هل يمسّ الرّجل الدرهم الأبيض و هو جنب فقال: و اللّه انى لأوتى بالدرهم فآخذه و أنا جنب «4» و الظاهر انّ المراد بالدرهم الأبيض الدرهم الذي يكون عليه اسم اللّه أو سورة القرآن أو نحوذ لك ممّا يكون محترما إذ لا معنى للسؤال من مسّ الدّرهم من حيث كونه درهما فإنّه ليس موردا للتوهم.

و كذا رواية إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: سألته عن الجنب و الطامث يمسّان أيديهما الدراهم البيض قال: لا بأس «5» فهذه الروايات معارضة للرواية الاولى، و يمكن أن يجاب عنها بأنّها معرض عنها عند الأصحاب فيمكن حملها على التقيّة أو على عدم مسّ خصوص اسم اللّه فإنّها لم تكن صريحة في جواز مسّ اسم اللّه بل على جواز مسّ الدّرهم و لا ملازمة بينهما كما لا يخفى.

______________________________
(1) مستدرك الوسائل جلد 1 صفحة 43

(2) الوسائل الباب 18 من أبواب الجنابة الحديث 1

(3) الوسائل الباب 18 من أبواب الجنابة الحديث 3

(4) الوسائل الباب 18 من أبواب الجنابة الحديث 2

(5) المعتبر للمحقّق صفحة 50

112
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفصل الثالث في واجبات الغسل ؛ ص : 113

الفصل الثالث في واجبات الغسل

و هي أمور الأوّل النيّة و لا يجب أزيد من نيّة الاستباحة أو رفع الحدث لعدم الدّليل على اعتبار أزيد من ذلك و لو شكّ في اعتبار شي‌ء منهما أو غيرهما من الشّرائط كالكون على الطهارة أو اعتبار نيّة غاية من الغايات كالصّلوة أو دخول المساجد و نحو ذلك فان قلنا بأن المأمور به في باب الغسل هو تحصيل الطّهارة الواقعية لا نفس هذه الأفعال يجب ح الإتيان بكلّ شي‌ء يحتمل دخله في تحقق المأمور به لأنّه بدون إتيان ذلك المحتمل الاعتبار يشكّ في تحقّق المأمور به.

و أمّا إذا قلنا بأنّ المأمور به هو نفس هذه الأفعال و لا يجب على المكلّف وراء هذه الأفعال شي‌ء آخر فلا يجب إتيان ما يحتمل دخله في المأمور به لأصالة البراءة و الظاهر هو الثّاني و ان قيل بالأوّل فإنّ ظاهر قوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا و ان كان ظاهرا في الأوّل إلا أنّ قوله تعالى وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا «1» مبتن لقوله تعالى فَاطَّهَّرُوا فإنّه يعلم منه أنّ المراد بالتطهّر هو الاغتسال لا تحصيل الطهارة و كذا يستفاد هذا المعنى من روايات باب الجنابة مثل قوله (ع) صبّ على رأسه ثلاث أكف «2» و قوله ثمّ أفض على رأسك «3» و قوله (ع): و كلّ شي‌ء أمسسته الماء فقد أنقيته «4» و قوله (ع) ليصبّ على رأسه ثلاث مرّات «5» و غير ذلك من التعبيرات الواردة في كيفية غسل الجنابة فإنّه يستفاد منها أنّ المأمور به هو غسل البدن و صبّ الماء عليه و مسّ البدن به لا تحصيل الطّهارة الّا أنّ ذلك كله لا يخلو عن تأمل لأنّ الظاهر أنّ الأفعال مقدّمات لحصول المأمور به الذي هو الطهارة.

ثم انّه يجب استدامة النيّة إلى آخر العمل بمعنى عدم نية الخلاف بناء على أنّ المراد من النيّة هي الداعي كما هو الحقّ لا الاخطار بالبال فلذا أفتى الفقهاء ببطلان الصّوم عند قصد الإفطار و ان رجع عن قصده و بطلان الصّلوة عند ارادة قطعها إذا أتى ببعض‌

______________________________
(1) سورة النساء الآية 43

(2) الوسائل الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 2- 6- 5- 8

(3) الوسائل الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 2- 6- 5- 8

(4) الوسائل الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 2- 6- 5- 8

(5) الوسائل الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 2- 6- 5- 8

113
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفصل الثالث في واجبات الغسل ؛ ص : 113

الأفعال مع نيّة الخلاف و أمّا إذا لم يأت بشي‌ء بعد نيّة الخلاف و رجع عن قصده قبل الإتيان بشي‌ء فقد حكم بعض الفقهاء بعدم بطلان الصّلوة و أمّا إذا قلنا بأنّ النيّة هي الاخطار بالبال كما اختاره بعض فاللازم هو الاستدامة الإجماليّة يعني يجب استمرار الاخطار إجمالا لعدم إمكان الاخطار التّفصيلي أو تعسّره و استمرار الاخطار الإجمالي هو بمعنى وجود الداعي على إتمام العمل.

الثاني من واجبات الغسل غسل تمام البشرة و يدل على وجوب التمام قوله (ع) في رواية زرارة: ثم تغسل جسمك من لدن قرنك الى قدميك الخبر «1» فهذا التعبير يستفاد منه بحسب المتفاهم العرفي- أنّ الواجب غسل تمام البدن و كذا يجب إيصال الماء الى ما تحت الشعر و إن كان يكفي في غسل الوجه في الوضوء غسل الشعر منه و لا يجب غسل البشرة التي تحته كما قدّمناه في باب الوضوء لأنّ موضوع وجوب الغسل هناك هو الوجه و الوجه صادق على شعره لأنّ الوجه هو ما يواجه به و الشعر ممّا يواجه به ايضا بخلاف الموضوع هنا فإنّه الجسد كما تقدّم في رواية زرارة و الجسد لا يصدق على الشعر مضافا الى دلالة الأخبار الكثيرة على وجوب إيصال الماء تحت الشعر و أصوله مثل رواية دعائم الإسلام عن علىّ عليه السلام أنّه قال في حديث: و بلّ الشعر حتى يصل الماء إلى البشرة «2» و مثل بعض الأخبار الآمرة للنّساء بالمبالغة بغسل رأسها «3» فإنّه يستفاد منها أنّ الأمر بالمبالغة لإيصال الماء إلى البشرة و مثل ما روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: تحت كلّ شعرة جنابة فبلوا الشعر و انقوا البشرة «4».

ثم انّ المشهور أنّه لا يجب غسل الشعر و حكى عن صاحب الحدائق القول بوجوبه و احتمل ذلك من عبارة المفيد (ره) و استدلّ لذلك برواية حجر بن زائدة عن الصّادق عليه السلام قال: من ترك شعرة من الجنابة متعمّدا فهو في النّار «5» ثمّ قال صاحب الحدائق: التأويل بالحمل على أنّ المراد بالشعرة ما هو قدرها من الجسد لكونها مجازا شائعا كما ذكروا و ان‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 5

(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 13

(3) راجع جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل

(4) كنز العمّال للمتّقي الهندي الجلد 5 صفحة 135 على ما حكى عنه

(5) الوسائل الباب 1 من أبواب الجنابة الحديث 5

114
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفصل الثالث في واجبات الغسل ؛ ص : 113

احتمل الّا أنّه خلاف الأصل فلا يصار اليه الا بدليل الى أن قال: و يزيدك بيانا و تأكيدا ما روى عنه مرسلا من قوله (ص): تحت كلّ شعرة جنابة فبلّوا الشعر و انقوا البشرة و استدلّ أيضا بالأمر بمبالغة النساء في غسل رؤسهن في صحيحة محمّد بن مسلم و حسنة الجميل «1» و قال: قبل ذلك: انّا نمنع صدق الجسد على الشعر و لو مجازا كيف و قد حكموا بوجوب غسله في يدي المتوضّى معلّلين تارة بدخوله في محلّ الفرض و أخرى بأنّه من توابع اليد فإذا كان داخلا في اليد فاليد داخلة في الجسد و لو سلّم خروجه من الجسد فلا يخرج من الدخول في الرأس و الجانب الأيمن و الأيسر المعبر بها في جملة من الأخبار انتهى ملخّصا.

و قال الفاضل الهمداني: دعوى صدق الجسد على الشّعر حقيقة ممنوعة و مجازا غير مجدية و كذا دعوى صدق الرأس على الشّعر المتدلّي عليه و على اللحية غير مسلّمة بلى الرأس اسم للعضو المخصوص نعم إطلاقه عليه و على ما عليه من الشّعر مسامحة شايعة و لأجلها لا نستبعد ارادة غسل المجموع من الأمر بغسل الرأس بل لا يبعد دعوى ظهوره في إرادة ذلك لكن الأخبار الواردة في غسل الرأس و الجانبين مسوقة لبيان التّرتيب فلا يستفاد منها الا وجوب غسل الأعضاء في الجملة و أمّا غسل ما هو خارج عن مسمى الجسد فلا انتهى كلامه رفع مقامه و حكى عن الشهيد أنّه قال: الفارق بين اليد في الوضوء و الجسم في الغسل النصّ انتهى و لعل مراده من النص ما عن كتاب الجعفريّات بإسناده عن الصادق عن أبيه عليهما السلام أنّ عليّا عليه السلام كان يقول: إذا اغتسلت المرية من الجنابة فلا بأس أن لا تنقض شعرها تصبّ عليه الماء ثلاث حفنات ثمّ تعصره «2».

و ما عن الفقيه بإسناده عن عمّار السّاباطي انّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحائض تغتسل و على جسدها الزعفران لم يذهب به الماء قال: لا بأس به و عن المرية تغتسل و قد امتشطت بقرامل و لم تنقض شعرها كم يجزيها من الماء قال: مثل التي نشرت شعرها و هو ثلاث حفنات على رأسها الخبر «3» و الحفنات جمع الحفنة و هي كما في المصباح- مل‌ء الكفّين و هاتان الروايتان يستفاد منهما عدم وجوب نقض الشعر و حلّه عند العسل فهو امّا لأجل وصول الماء الى جميع أجزاء الشعر‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 21 و 22

(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 19 و 25

(3) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 19 و 25

115
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفصل الثالث في واجبات الغسل ؛ ص : 113

بدون الحل و هو غير ممكن غالبا و لا أقلّ من أن يكون معرضا لعدم وصول الماء أو للشكّ في الوصول و إمّا لأجل عدم وجوب غسل الشعر و هو المطلوب و امّا حسنة الجميل و صحيحة محمّد ابن مسلم المتقدمتان فهما ليستا على خلاف هاتين الروايتين لأن الأمر بمبالغة غسل رؤسهن انّما هو لأجل وصول الماء إلى البشرة لا لأجل وصوله الى أجزاء الشّعر كما لا يخفى على من تأمّل فيها غاية التأمّل.

و أمّا رواية حجر بن زائدة و الرواية المروية عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله المتقدمتان فالإنصاف أنّهما تدلّان على وجوب غسل الشّعر و لكن لا تدلّان على الوجوب الذّاتي النفسي فيمكن أن يكون الوجوب غيريا أو تبعيا بمعنى أنّ وجوب غسل الشعر لأجل وجوب إيصال الماء إلى البشرة و ليس لوجوب غسل الشعر مصلحة ذاتيّة فح لو وصل الماء إلى البشرة من دون وصوله الى الشّعر لكفى و لا ينافيه إثبات العقاب على تركه في قوله (ص) من ترك شعرة من الجنابة فهو في النّار لأنّ ترك غسلها يؤدى غالبا الى ترك ذي المقدّمة فالعقاب في الحقيقة على ترك ذي المقدّمة أي إيصال الماء إلى البشرة.

و اسناد العقاب الى ترك المقدّمة صحيح عند أهل المحاورة مثل أن يقول السيّد لعبده: اذهب الى السوق و اشتر اللحم و ان لم تذهب الى السّوق عاقبتك مع أنّ العقاب في الحقيقة على ترك شراء اللحم و أمّا الوجوب التبعي فالالتزام به في الشعرات الصغار لا بأس به لكون غسلها بنظر العرف هو غسل الجسد لا غسل شي‌ء آخر ما وراء الجسد و أمّا الشعرات الطوال فهي بنظر العرف شي‌ء لا يشمله الجسد و لا تكون تابعة له بل هي شي‌ء آخر فح الأقوى عدم وجوب غسل الشّعرات الطوال و وجوب غسل الشعرات القصار التي تكون بنظر العرف تابعة للجسد ثم انّه يجب غسل ظاهر البدن دون الباطن مثل باطن العينين و باطن الأذنين و باطن الأنفين و باطن الفم لدلالة كثير من الأخبار عليه.

فمنها مرسلة أبي يحيى الواسطي عمّن حدّثه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الجنب يتمضمض قال: لا انّما يجنب الظاهر و لا يجنب الباطن و الفم من الباطن «1» قوله (ع): لا لنفى الوجوب دون الجواز أو الاستحباب لأنّ المضمضة مستحبة للجنب و يوضح ذلك الرواية الآتية.

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 28

116
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفصل الثالث في واجبات الغسل ؛ ص : 113

و منها روايته عنه ايضا عليه السلام أنّه قال في غسل الجنابة ان شئت أن تمضمض و تستنشق فافعل و ليس بواجب انّ الغسل على ما ظهر لا على ما بطن «1» و كثير من الأخبار بهذا المضمون.

الثالث من الواجبات الترتيب بين أعضاء الغسل أمّا الترتيب بين الرأس و الطرفين فوجوبه إجماعيّ على ما حكى الّا من الصّدوقين و كلامهما المحكي ليس صريحا في الخلاف أمّا الدّليل على وجوبه فالآية أعني قوله تعالى وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا- ليست دالة على الوجوب لأنّ الاغتسال إن كان من الغسل بالضمّ فيمكن أن يقال: انّها ليست بصدد بيان كيفيّة الاغتسال فليس فيها إطلاق بالنّسبة إلى التّرتيب.

و أما إذا كان من الغسل بالفتح ففيها إطلاق لأن الغسل مفهومه واضح عند العرف و هو غسل البدن و مفهومه ليس مشروطا بشرط لدى العرف و لم يثبت بحسب اللغة مجي‌ء الاغتسال من الغسل بالضمّ فيجوز الأخذ بإطلاق الاغتسال لنفى وجوب الترتيب.

و أمّا الأخبار فكثيرة فمنها مطلقة مع أنّها في مقام البيان كرواية زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن غسل الجنابة قال: تبدأ فتغسل كفّيك ثمّ تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك و مرافقك ثمّ تمضمض و استنشق ثمّ تغسل رأسك من قرنك الى قدمك ليس قبله و لا بعده وضوء و كلّ شي‌ء أمسسته الماء فقد أنقيته و لو أنّ رجلا جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك و ان لم يدلك جسده «2» و هذه الرواية مع أنّه (ع) ذكر فيها مستحبّات الغسل- كما ترى- لا تعرّض فيها للترتيب و لا يمكن أن يقال: انّها ليست في مقام البيان و كيف لا و قد ذكر (ع) فيها أجزائه المستحبّة و حملها على الغسل الارتماسي أبعد فإنّ قوله (ع) و لو أنّ رجلا ارتمس إلخ ظاهر بل كاد أن يكون صريحا في الغسل الارتماسي و هو ظاهر في مغايرته للجملة الاولى أعنى قوله (ع) ثمّ تغسل من قرنك الى قدمك فإنّه ظاهر في الغسل الترتيبي خصوصا مع ذيله و هو قوله: كلّ شي‌ء أمسسته الماء فقد أنقيته فانّ إمساس الماء يصدق على مطلق الإمساس و ان لم يحصل الارتماس.

و مثل رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن غسل الجنابة‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 29

(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 12

117
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفصل الثالث في واجبات الغسل ؛ ص : 113

فقال: تصبّ على يديك الماء فتغسل كفّيك ثمّ تدخل يدك في الإناء فتغسل فرجك ثم تمضمض و تستنشق و تصبّ الماء على رأسك ثلاث مراّت و تغسل وجهك و تفيض على جسدك الماء «1».

و مثل رواية ابن أبى نصر قال: قال الرضا عليه السلام: في غسل الجنابة تغسل يدك اليمنى من المرفق إلى أصابعك ثمّ تدخلها في الإناء ثمّ اغسل ما أصاب منك ثمّ أفض على رأسك و سائر جسدك «2» و هاتان الروايتان و ان ذكر فيهما أوّلا الرأس و لكن حيث كان عطف الجسد عليه بالواو و هي لا تدلّ على الترتيب فلا تدلّان على وجوب الترتيب بين الرأس و الجسد و مثلهما في عدم الدلالة على الترتيب رواية الحكم بن الحكيم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن غسل الجنابة فقال: أفض على كفّك اليمنى من الماء فاغسلها الى أن قال: و أفض على رأسك و جسدك فاغتسل «3» و لكن بعض الأخبار يدلّ على وجوب الترتيب بين الرأس و سائر الجسد فمنها صحيحة زرارة قال: قلت: كيف يغتسل الجنب فقال: ان لم يكن أصاب كفّه شي‌ء غمسها في الماء ثمّ بدا بفرجه فأنقاه بثلاث غرف ثمّ صبّ على رأسه ثلاث أكفّ ثمّ على منكبه الأيمن مرتين و على منكبه الأيسر مرّتين فما جرى عليه الماء فقد أجزأه «4».

و هذه الرّواية تدل على وجوب الترتيب بين الرأس و سائر الجسد و لكن لا تدلّ على الترتيب بين الشقّ الأيمن و الأيسر لعدم دلالة الواو على أزيد من مطلق الجمع الّا أن يقال: أنّ عطف المنكب الأيمن بثم بعد الرأس يكشف عن أن غسل الأيمن لا بدّ من أن يكون بعد غسل الرأس فقهرا غسل الأيسر يكون بعد الأيمن و هو معنى الترتيب و منها رواية محمّد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال: سألته عن غسل الجنابة فقال: تبدأ بكفّيك فتغسلهما ثمّ تغسل فرجك ثمّ تصبّ الماء على رأسك ثلاثا ثمّ تصبّ الماء على سائر جسدك مرّتين الخبر «5» و منها رواية سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا أصاب الرجل جنابة فأراد الغسل الى أن قال (ع): ثمّ ليصبّ على رأسه ثلاث مراّت ملأ كفّيه ثمّ يضرب بكفّ من ماء على صدره و كفّ بين كتفيه ثم يفيض الماء على جسده كلّه الخبر «6» و هذه الرواية من الأخبار التي تدلّ‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 7 و 8

(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 7 و 8

(3) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 11- 1

(4) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 11- 1

(5) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 2- 3

(6) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 2- 3

118
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفصل الثالث في واجبات الغسل ؛ ص : 113

على وجوب غسل جميع البدن في الغسل.

و من الأخبار الدالّة على وجوب تقديم غسل الرأس خبر حريز الوارد في الوضوء قال: قلت: فان جفّ الأول قبل أن أغسل الذي يليه قال: جفّ أو لم يجف اغسل ما بقي قلت: و كذلك غسل الجنابة قال: هو بتلك المنزلة و ابدأ بالرأس ثمّ أفض على سائر جسدك قلت: و ان كان بعض يوم قال: نعم «1» و هذه الرّواية تدل على وجوب الترتيب من جهتين الأولى قوله: هو بتلك المنزلة يعني كما أنّ الوضوء لا بدّ أن يغسل الأوّل من الأعضاء فيه ثم يغسل ما يليه فكذلك غسل الجنابة الثانية قوله و ابدأ بالرأس فإنّه أقوى دلالة على وجوب الترتيب بين الرأس و سائر الجسد من لفظ ثمّ و منها حسنة زرارة قال: من اغتسل من جنابة فلم يغسل رأسه ثمّ بدا له أن يغسل رأسه لم يجد بدا من اعادة الغسل «2».

و هذه الرّواية أقوى دلالة من جميع الروايات على الترتيب بين الرأس و البدن و لكن في دلالة جميع هذه الأخبار على وجوب الترتيب نظر أمّا رواية زرارة و محمد بن مسلم و سماعة فلأنّ لفظ ثمّ و إن كان يفيد الترتيب إلا أنّه للتّرتيب مع التراخي و حيث أنّه لا يعتبر التّراخي في غسل أعضاء الغسل فلا بدّ اما حمله على وجوب الترتيب بدون التّراخي و هو خلاف معناه الموضوع له أو على عدم افادته للترتيب كما أنّ من المعلوم عدم افادة ثمّ هنا للتّراخى الّا أنّ يقال: انّ ثمّ استعملت في معناها و هو الترتيب مع التراخي إلا أنّا علمنا من الخارج أنّ التراخي ليس واجبا بل يكون جائزا و على فرض إفادتها للترتيب فلا بدّ من حلمها على الاستحباب جمعا بينها و بين المطلقات الدّالّة بإطلاقها على عدم وجوب الترتيب لأنّها في مقام البيان فلا يمكن تقييدها بهذه الأخبار.

و امّا رواية حريز فمضافا الى عدم إمكان التزام مضمونها في باب الوضوء- يظهر منها أنّ مورد السّؤال هو الموالاة لا الترتيب فأجاب (ع) هو بتلك المنزلة أي كما أنّ الوضوء إذا جفّ أو لم يجفّ السّابق من الأعضاء لا يضرّ في صحته فكذا الغسل يعنى لا يعتبر الموالاة في الغسل كما يوضحه ذيل الرواية أعني قوله: قلت: و ان كان بعض يوم قال: نعم و أمّا قوله في نفس هذه الرواية أعني رواية حريز: و ابدأ بالرأس فيمكن حمله على الاستحباب جمعا بينها و بين‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 27 من أبواب الوضوء الحديث 22

(2) الوسائل الباب 28 من أبواب الجنابة الحديث 1

119
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفصل الثالث في واجبات الغسل ؛ ص : 113

المطلقات.

و أما حسنة زرارة فيظهر من قوله: ثمّ بدا له أن يغسل رأسه أنّه كان من أوّل الأمر عازما على غسل بدنه فقط بدون رأسه فكان عازما على إتيان شي‌ء باطل في الشرع فلم يكن مأمورا به فبطلانه من جهة عدم الأمر به لا لفوات الترتيب فلذا قال: لم يجد بدا من اعادة الغسل و الدّليل على هذا الظهور أنّ لفظ بدا و إن كان معناه الظهور بعد الخفاء الّا أنّ هذا التعبير يستعمل غالبا في ظهور النّدم يعنى أنّه كان بانيا على غسل الجسد بدون الرأس ثم ندم و غسل رأسه.

فعمدة المستند حينئذ في المسألة أي وجوب الترتيب بين الرأس و الجسد هو الإجماع ان لم يعلم استناد المجمعين الى هذه الأخبار و بعد ذلك فالمسئلة لا تخلو من اشكال فلا يترك الاحتياط بمراعاة الترتيب بين الرأس و الجسد هذا كلّه في التّرتيب بين الرأس و الجسد و أمّا الترتيب بين الشق الأيمن و الأيسر فهو واجب على المشهور و قد استدل له برواية زرارة قال: قلت: كيف يغتسل الجنب فقال: ان لم يكن أصاب كفّه شي‌ء غمسها في الماء ثمّ بدأ بفرجه فأنقاه بثلاث غرف ثمّ صبّ على رأسه ثلاث أكفّ ثم صبّ على منكبه الأيمن مرتين و على منكبه الأيسر مرتين الخبر «1» و اعترض عليه بأنّ الواو لا تفيد الترتيب و أجيب بأنّها و ان لم تفد الترتيب الّا أنّ ذكر المنكب الأيسر بعد المنكب الأيمن و بعد الرأس يفيد أنّ الغسل له ثلاثة أجزاء و ذكر المنكب الأيمن بعد الرأس بثمّ يفيد أنّ الأيمن لا بدّ أن يغسل بعد الرأس فقهرا المنكب الأيسر الذي هو من أجزاء الغسل بحسب هذه الرواية يقع غسله بعد المنكب الأيمن و هو معنى الترتيب.

و لكن يمكن الجواب عن هذا الجواب بأنّه يمكن غسلهما معا كما يستفاد ذلك من الأخبار المطلقة مثل قوله (ع) بعد الأمر بغسل رأسه و تفيض على جسدك الماء «2».

و استدلّ ايضا لوجوب الترتيب بأخبار غسل الميّت و تشبيه غسل الميّت بغسل الجنابة مع أنّ المستفاد من تلك الأخبار وجوب الترتيب فيستفاد من التشبيه، ثبوت حكم المشبه أعنى غسل الميّت في المشبه به اعنى غسل الجنابة و لا بدّ أوّلا من ذكر تلك الأخبار حتّى يعلم أنّه هل يستفاد منها وجوب الترتيب في غسل الميّت ثمّ ينظر في التّشبيه و انّه هل يستفاد‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 1- 7

(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 1- 7

120
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفصل الثالث في واجبات الغسل ؛ ص : 113

منه ذلك أم لا.

فنقول: روى الكليني بإسناده عن عبد اللّه الكاهلي عن الصادق في حديث قال: ثمّ ابدأ بفرجه بماء السّدر و الحرض فاغسله ثلاث غسلات و أكثر من الماء و امسح بطنه مسحا رفيقا ثم تحوّل الى رأسه و ابدأ بشقّه الأيمن من لحيته و رأسه ثمّ ثن بشقّه الأيسر من رأسه و لحيته و وجهه و اغسله برفق الى أن قال: ثمّ أضجعه على شقّه الأيسر ليبدو لك الأيمن ثم اغسله من قرنه الى قدميه و امسح يدك على ظهره و بطنه ثلاث غسلات ثمّ ردّه الى جنبه الأيمن حتّى يبدو لك الأيسر فاغسله ما بين قرنه الى قدميه و امسح يدك على ظهره و بطنه ثلاث غسلات ثمّ (خ ل) ردّه الى قفاه فابدأ بفرجه بماء الكافور فاصنع كما صنعت أوّل مرّة اغسله ثلاث غسلات بماء الكافور و الحرض «1» و امسح يدك على بطنه مسحا رفيقا ثم تحول الى رأسه فاصنع كما صنعت أوّلا بلحيته من جانبيه كلاهما و رأسه و وجهه بماء الكافور ثلاث غسلات ثم ردّه الى الجانب الأيسر حتّى يبدو لك الأيمن فاغسله من قرنه الى قدميه ثلاث غسلات ثمّ ردّه الى الجانب الأيمن حتى يبدو لك الأيسر فاغسله من قرنه الى قدميه ثلاث غسلات و أدخل يدك تحت منكبيه و ذراعيه و يكون الذراع و الكفّ مع جنبه طاهرة كلّما غسلت شيئا منه أدخلت يدك تحت منكبيه و في باطن ذراعيه ثمّ رده الى ظهره ثم اغسله بماء قراح كما صنعت أوّلا تبدأ بالفرج ثمّ تحول إلى الرأس و اللحية و الوجه حتّى تصنع كما صنعت أوّلا بماء قراح الخبر «2».

و يستفاد من هذا الخبر وجوب التّرتيب بين الرأس و الشق الأيمن و الأيسر و لكن قال الأستاذ دام ظلّه: انّ الابتداء بالشّقّ الأيمن في غسل الرأس ليس بواجب كما ربّما يظهر من هذا الخبر حيث قال (ع) و ابدأ بشقّه الأيمن من لحيته و رأسه فلا بدّ من أن يكون ذلك لأجل التّسهيل فيمكن أن يكون الابتداء بالمنكب الأيمن أيضا كذلك أو لأجل كون المتعارف هو الابتداء بالأيمن ثم قوله عليه السلام بعد غسل الرأس: ثمّ أضجعه على شقّه الأيسر ليبدو لك الأيمن ثمّ اغسله من قرنه الى قدميه معناه ما ذا فلا بدّ أن يكون الأمر بغسل الرأس قبل ذلك من باب المقدمة و الا فلا معنى للغسل من القرن الى القدم فيكون الشروع في واجبات الغسل من قوله (ع): ثمّ اغسله من قرنه الى قدميه فح يجوز غسل الرأس بعضه مع الجانب الأيمن و‌

______________________________
(1) أي الأشنان

(2) الكافي جلد 3 صفحة 140 من الطبعة الحديثة

121
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفصل الثالث في واجبات الغسل ؛ ص : 113

بعضه مع الجانب الأيسر و أين هذا من الترتيب الذي نحن بصدد إثباته اللّهم الّا أن يقال: معناه من قرن الأيمن و قرن الأيسر و معناه- كما مرّ- جميعه فح الضمير في قرنه و قدمه راجع الى الشقّ الأيمن و الأيسر لا الى الميّت و لكن هذا المعنى خلاف الظّاهر.

و روى الصّدوق في الفقيه عن أبي جعفر عليه السلام قال: غسل الميّت مثل غسل الجنب «1» و في رواية يونس عنهم عليهم السلام في حديث قال بعد ذكر بعض المقدّمات و المستحبات: ثمّ اغسل رأسه بالرغوة «2» و بالغ في ذلك الى أن قال: ثم أضجعه على جانبه الأيسر و صبّ الماء من نصف رأسه الى قدميه (مه خ ل) ثلاث مرّات الى أن قال: ثمّ أضجعه على جانبه الأيمن فافعل به مثل ذلك «3».

فانّ هذه الرواية مثل الرّواية الأولى فإنّ قوله (ع) ثم اغسل رأسه ان كان بعنوان الغسل فلا معنى لقوله (ع) و صبّ الماء من نصف رأسه الى قدميه لأنّه قد غسل الرّأس أوّلا و لا معنى لغسل نصفه ثانيا مع الطرف الأيمن و نصفه الآخر مع الأيسر و ان كان غسل الرأس من باب المقدّمة كما يكون ما قبله من المذكورات في الرواية كذلك فح يجوز غسل الرأس مع البدن و لا يجب تقديمه عليه فلا يجب الترتيب بين أجزاء الغسل نعم بعض روايات غسل الميت ظاهر في وجوب الترتيب مثل حسنة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا أردت غسل الميّت فاجعل بينك و بينه ثوبا يستر (عنك خ) عورته امّا قميص قميصا خ ل و امّا غيره ثم تبدأ بكفّيه و (تغسل) رأسه ثلاث مرّات ثمّ سائر جسده و ابدأ بشقّه الأيمن الحديث «4» و مثل رواية أبي العباس عنه عليه السلام قال: سألته عن غسل الميّت فقال: أقعده و أغمز بطنه غمزا رفيقا ثمّ طهّره من غمز البطن ثمّ تضجعه ثم تغسله تبدأ بميامنه الحديث «5» و لكن حملهما على ما حملنا عليه الروايتين المتقدّمتين ممكن فالترتيب غير مستفاد وجوبه من أخبار غسل الميّت هذا.

و لكنّ الإنصاف أنّ هاتين الرّوايتين غير خاليتين عن الظهور في وجوب الترتيب‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميت الحديث 15- 3

(2) اى السّدر

(3) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميت الحديث 15- 3

(4) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميّت الحديث 8- 13

(5) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميّت الحديث 8- 13

122
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفصل الثالث في واجبات الغسل ؛ ص : 113

خصوصا الرواية الاولى و لم يتعرّض الأستاذ لهاتين الروايتين و لا لدلالتهما و كيف كان فعلى فرض عدم دلالة الأخبار على وجوب التّرتيب فيمكن إثباته بالإجماع الّا أن يقال: انّه على فرض استفادة وجوب الترتيب من هذه الأخبار في غسل الميّت لا يستفاد ذلك في غسل الجنابة لأنّ التّشبيه انّما هو بالنسبة إلى الخواص المعلومة الثابتة للمشبه به لا الخواصّ المشكوكة الوجود مثلا إذا قيل: زيد كالأسد فلا بدّ أن يكون هذا التشبيه باعتبار وجود الخواصّ المعلومة الوجود في الأسد حتّى يثبت ذلك لزيد بالتشبيه و لا يمكن إثبات بعض الخواصّ لزيد المشكوك وجوده في الأسد بهذا التّشبيه و هذا أمر معلوم لا سترة عليه و ح فالمفروض فيما نحن فيه عدم العلم بوجوب الترتيب في غسل الجنابة حتّى يقال: ان قوله (ع) في الرواية المتقدّمة: غسل الميّت مثل غسل الجنب «1» انّ غسل الجنابة كما يعتبر فيه التّرتيب فكذلك غسل الميّت.

فلا بدّ أن يكون التّشبيه باعتبار الأشياء المعلوم وجودها في غسل الجنابة من مثل غسل جميع البدن و غير ذلك ثمّ انّه على فرض إجمال الدليل و عدم تمامية الإجماع و الشكّ في اعتبار الترتيب في صحّة الغسل فلا بدّ من الاحتياط بإتيانه مع التّرتيب لاشتغال الذّمّة يقينا و عدم العلم بفراغها إلّا بإتيانه مرتّبا لأنّ المأمور به هو نفس الطّهارة و هذه الأفعال محصّلاتها و بدون إتيانه مرتّبا نشك في الإتيان بالمحصّل و هو مورد للاحتياط إجماعا فتأمل.

ثمّ انّ الرّقبة هل هي داخلة في الرأس أم هي داخلة في البدن أو هي مستقلة- لا يستفاد من الأخبار شي‌ء من ذلك نعم روى مرسلا: تصبّ على الصدر من مدّ العنق ثمّ تمسح سائر بدنك بيديك «2» فبناء على هذه الرواية لا بد من غسل العنق مع البدن و لكنّ الأحوط غسلها مع الرأس و البدن و كذا العورة يجب غسلها قبلا و دبرا قطعا و لكن هل يجب غسلها مستقلا أو غسلها مع الجانب الأيمن أو مع الجانب الأيسر أو بالتنصيف لا يستفاد من الأخبار في ذلك شي‌ء.

نعم في بعض الأخبار الأمر بغسل الفرج و لكن قبل الشروع في غسل الرأس مثل رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن غسل الجنابة قال: تصبّ على يديك الماء فتغسل كفّيك ثمّ تدخل يدك في الإناء فتغسل فرجيك ثم تمضمض و تستنشق و تصبّ‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميّت الحديث 15

(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 4

123
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفصل الثالث في واجبات الغسل ؛ ص : 113

الماء على رأسك ثلاث مرّات و تغسل وجهك و تفيض على جسدك الماء «1» و في بعض الأخبار: ثمّ اغسل ما أصاب جسدك من أذى ثمّ اغسل فرجك «2» و هذه الرواية يستفاد منها أن الأمر بغسل الفرج لأجل تنقيته عن النّجاسة كما في بعض أخبار غسل الميّت الأمر بتنقية فرجه كرواية يونس المتقدّمة قالوا عليهم السلام ثمّ اغسل فرجه و نقّه ثمّ اغسل فرجه و نقّه ثمّ اغسل رأسه بالرغوة الخبر «3» و لكن في رواية عبد اللّه الكاهلي المتقدّمة الأمر بغسل الفرج في كلّ واحد من الغسلات الثلاث فلاحظها «4» فيحتمل أن يجب غسل الفرج مستقلا قبل الشروع في غسل الرأس فإن أردت الاحتياط التّام فاغسله على حده أوّلا أو آخرا و اغسله ايضا مع كلّ من الجانبين و يمكن الاحتياط أيضا بغسله بقصد ما في الذمّة بأن ينوي أنّه إذا كان الواجب غسله مستقلا فأغسله كذلك و إن كان الواجب غسله مع كلّ الطّرفين أو غسل بعضه مع الطرف الأيمن و بعضه مع الطرف الأيسر فأغسله كذلك.

ثم انّه لا يجب البدأة من الأعلى في الغسل فيجوز النكس على المشهور خلافا لبعض و قد استدلّ هذا البعض ببعض الأخبار الآمرة بصبّ الماء على المنكب الأيمن و الأيسر كخبر حريز المتقدّم: ثمّ صبّ على منكبه الأيمن مرّتين و على منكبه الأيسر مرّتين الخبر «5» و يمكن الجواب عن هذه الرواية بأنّها واردة مورد المتعارف من صبّ الماء على البدن من فوق و استشكل بأنّه كيف حملوا الأخبار الواردة في باب الوضوء على المتعارف و حكموا بوجوب الغسل من الأعلى و هنا لم يحكموا بذلك مع أنّ الأخبار هنا محمولة على المتعارف ايضا و أجاب الأستاذ دام ظله بأنّ الفارق هو النصّ فانّ بعض الأخبار في باب الغسل يدلّ صريحا على عدم وجوب البدأة من الأعلى مثل رواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اغتسل أبى من الجنابة فقيل له: قد أبقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء فقال له: ما كان عليك لو سكت ثمّ مسح تلك اللمعة بيده «6» و مثل رواية الجعفريّات عن علىّ عليه السلام انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اغتسل من جنابة فإذا لمعة من جسده لم يصبها ماء فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من بلل شعره فمسح ذلك الموضع ثمّ صلّى بالنّاس «7».

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 7- 11

(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 7- 11

(3) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميّت الحديث 2- 3- 18

(4) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميّت الحديث 2- 3- 18

(5) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميّت الحديث 2- 3- 18

(6) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب الغسل الحديث 1 و 2

(7) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب الغسل الحديث 1 و 2

124
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

فصل: ؛ ص : 125

فانّ حمل هذين الخبرين على الجزء الأخير من البدن حتّى يحصل البدأة من الأعلى خلاف الظّاهر بل يمكن أن يستفاد منهما عدم وجوب التّرتيب لأنّ اللمعة التي كانت في بدنه التي لم يصبها الماء لم يبينها الامام عليه السلام بأنّها كانت في اليسرى أو غيرها فإطلاقها يفيد عدم الفرق بين اليسرى و غيرها لأنّه إذا كان هذا الحكم مختصّا باليسرى و لم ينبّهه الامام عليه السلام على ذلك مع أنّه (ع) كان في مقام البيان كان إغراء بالجهل و إلقاء السّامع في خلاف الواقع و محال وقوع ذلك منه عليه السلام فتأمّل.

فرع: إذا علم بعد الفراغ من الغسل أنّه لم يصب الماء لمعة من بدنه و لم يدر أنّها في أيّ موضع هي فإن قلنا بعدم وجوب التّرتيب يكفى غسل ما احتمل أنّه لم يغسله و لا يجب غسل العضو اللاحق بتمامه بعد ذلك مثلا إذا تيقّن أنّه ترك امّا غسل منكبه الأيمن أو منكبه الأيسر يكفي- بناء على عدم وجوب التّرتيب- غسل المنكب الأيمن أو المنكب الأيسر و لا يجب اعادة الشق الأيسر بتمامه.

و أمّا إذا قلنا بوجوب التّرتيب بعد غسل المنكب الأيمن فلا بد من الإعادة على الأيسر بتمامه و لكن يمكن أن يقال: انّه يكفى غسل المنكب الأيسر فقط كما ذكره بعض الفقهاء بأن يقال: انّه بعد ما علم إجمالا بعدم غسل المنكب الأيمن أو الأيسر يعلم تفصيلا وجوب غسل المنكب الأيسر لا محالة لأنّ المنكب الأيسر إمّا واجب الغسل لأجل عدم غسله أو لأجل فوات الترتيب بين الأيمن و الأيسر لعدم غسل لأيمن قبل الأيسر فيصير وجوب غسل الأيسر معلوما تفصيلا و وجوب غسل المنكب الأيمن مشكوكا بالشك البدويّ فتجري فيه أصالة البراءة فيجب عليه غسل المنكب الأيسر فقط لا جميع الجانب الأيسر لأنّه و ان كان يحتمل أن يكون وجوب غسل المنكب الأيسر لأجل فوات الترتيب بين الأيمن و الأيسر و لازمه هو وجوب غسل تمام الجانب الأيسر لأنّ هذا الاحتمال أحد طرفي المعلوم بالإجمال الّا أنّه يصير من قبيل الأقلّ و الأكثر الارتباطيين الذين يجرى البراءة في أكثرهما على المختار.

فصل:

لا يعتبر الموالاة في الغسل على القول المشهور فيجوز غسل الرأس في أوّل النّهار و غسل الجانب الأيمن في وسطه و الجانب الأيسر في آخره و استدل له بالأصل أي أصالة عدم وجوب الموالاة أو استصحاب عدم وجوبها بالعدم الأزلي و بإطلاقات الأدلّة من الآيات و الروايات فانّ قوله: ثمّ صبّ على رأسه ثلاث أكفّ و قوله: ثمّ صبّ على منكبه الأيمن مرّتين‌

125
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفصل الرابع من واجبات الغسل ؛ ص : 126

و على منكبه الأيسر مرتين «1» مطلق يصدق على ما لو صبّ على رأسه أوّل النّهار و على جانبه الأيمن وسطه و على الأيسر آخره و لكن الاستدلال بالأصل و الاستصحاب لا وجه له فيما إذا كان هناك دليل لفظي و أمّا الاستدلال بالإطلاقات فيمكن الخدشة فيه بأنّه إذا قيل لأحد: اغسل يدك مرّتين مثلا أو قيل لأحد: اغسل جانبك الأيمن و جانبك الأيسر فغسل يده مرّة في هذه السّنة و أخرى في السّنة القادمة أو غسل جانبه الأيمن في هذا الشهر و جانبه الأيسر في الشّهر القادم فربّما لا يصدق عليه بنظر العرف أنّه امتثل أمر مولاه.

و لكن عمدة الدّليل على عدم اعتبار الموالاة هو دلالة بعض الأخبار على ذلك كخبر حريز المتقدم قال (ع): ثمّ ابدأ بالرأس ثم أفض على سائر جسدك قال: قلت: و ان كان بعض يوم قال: نعم «2» و مثل رواية هشام بن سالم عن محمد بن مسلم قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فسطاطه و هو يكلّم امرأة فأبطأت عليه فقال: ادنه هذه أمّ إسماعيل جائت و أنا أزعم أنّ هذا المكان الذي أحبط اللّه فيه حجّها عام أوّل، كنت أردت الإحرام فقلت: ضعوا لي الماء في الخباء فذهبت الجارية بالماء فوضعته فاستحففتها فأصبت منها فقلت: اغسلي رأسك و امسحيه مسحا شديدا لا تعلم به مولاتك فإذا أردت الإحرام فاغسلي جسدك و لا تغسلي رأسك فتستريب مولاتك فدخلت فسطاط مولاتها فذهبت تتناول شيئا فمست مولاتها رأسها فإذا لزوجة الماء فحلقت رأسها و ضربتها فقلت لها: هذا المكان الذي أحبط اللّه فيه حجّك «3».

فانّ الروايتين صريحتان في جواز تأخير غسل بعض الأطراف بعد غسل طرف أو طرفين.

الفصل الرابع من واجبات الغسل

تطهير تمام البدن من كلّ نجاسة و فيه أقوال.

الأوّل أنّه يجب تطهير تمام البدن قبل الشّروع في الغسل.

الثاني أنّه يجب غسل العضو الذي يريد غسله و لا يجب غسل تمام البدن‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميّت الحديث 18

(2) الوسائل الباب 29 من أبواب الجنابة الحديث 2

(3) الوسائل الباب 29 من أبواب غسل الجنابة الحديث 1

126
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفصل الرابع من واجبات الغسل ؛ ص : 126

قبل الشروع في الغسل مثلا يجوز أن يغسل الرأس و يشرع في الغسل و إن كان سائر البدن نجسا و كذا الطرف الأيمن و إن كان الطرف الأيسر نجسا.

الثالث أنّه يكفى تطهير البدن من النجاسة بنفس الاغتسال و لا يجب قبله بأن يصبّ على رأسه النجس مثلا الماء بقصد إزالة النجاسة و بقصد الغسل.

الرابع أنّه يجوز الاغتسال و لو كان بدنه نجسا و لا يجب إزالة النّجاسة من البدن بشرط لا تكون حائلة لوصول الماء و هذا القول في غاية الضّعف و الأقوى وجوب غسل النجاسة قبل غسل ذلك العضو و لا يجب غسلها من جميع البدن قبل الشّروع في الغسل و الدّليل على وجوب تطهير المحلّ يريد غسله روايات كثيرة.

الروايات المتقدّمة الآمرة بغسل الفرج قبل الشّروع في الغسل و كذا الروايات الواردة في غسل الأموات.

و منها صحيحة الحكم بن حكيم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن غسل الجنابة فقال: أفض على كفّك اليمنى من الماء فاغسلها ثمّ غسل ما أصاب جسدك من أذى ثم اغسل فرجك و أفض على رأسك و جسدك فاغتسل الخبر «1» و هذه الرواية صريحة أو ظاهرة في وجوب تطهير البدن أوّلا ثم الغسل و لكن يعلم منها و من أمثالها أنّ وجوب غسل البدن قبل الشروع في الغسل ليس له موضوعيّة بل لأجل التّسهيل لأنّه يعلم منها أنّ المناط هو طهارة البدن عند الغسل و هي حاصلة بتطهير كلّ عضو قبل غسله.

مضافا الى أنّ ذيل هذه الرّواية كالصريح فيما ذكرنا قال (ع) بعد قوله: فاغتسل: فان كنت في مكان نظيف فلا يضرك أن لا تغسل رجليك و ان كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك الخبر فانّ من الواضح أنّ غسل الرجلين إذا كان في مكان قذر لا يمكن الّا بعد غسل الرأس و الشقّ الأيمن إلى حدّ الرجل و بعده الشقّ الأيسر إلى حدّ الرجل ثمّ يغسل رجله من القذارة ثم يصبّ الماء عليها بقصد الغسل و لا يمكن حمل هذه الأوامر على الاستحباب بقرينة ذكر بعض المستحبّات قبلها أو بعدها لأنّ الأوامر الاستحابيّة فيها علم استحبابها من الخارج من إجماع أو غيره و لا يمكن حمل كلّ أمر فيها على الاستحباب لأجل الأوامر الاستحبابيّة بل لا بدّ من حمل كلّ أمر على الوجوب إلّا إذا علم من الخارج استحبابيّته.

______________________________
(1) الوسائل الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 7

127
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفصل الرابع من واجبات الغسل ؛ ص : 126

ثمّ انّه استدلّ بذيل هذه الصحيحة على عدم وجوب إزالة النجاسة من البدن قبل الغسل أو حينه بتقريب أنّ قوله (ع) فان كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك يستفاد منه أنّ غسل الرّجل من النّجس جائز و لو بعد الغسل.

و لكن ليس في الرواية ظهور في وجوب غسل الرجل بعد الغسل بل بقرينة صدرها المراد هو غسل الرجل من القذارة قبل أن يصبّ عليها الماء بقصد الغسل كما استظهرناه منها و كيف كان فاطلاقات سائر الأخبار التي هي في مقام البيان تعارض هذه الروايات الّا أن يقال: هذه الروايات تخصّص تلك الإطلاقات مع أنّ من العلوم عدم بقاء الإطلاقات على حالها لورود المقيدات الكثيرة عليها من طهارة ماء الغسل و عدم غصبيّته و عدم غصبية مكان الغسل و غير ذلك من الشرائط التي هي اجماعيّة فلا بدّ من تقييدها فلتكن هذه الرّوايات من مقيداتها و المسألة بعد غير خالية عن الإشكال بملاحظة الإطلاقات الواردة مورد البيان و مورد الحاجة فلا يترك فيها الاحتياط بإزالة النّجس عن العضو الذي يريد غسله قبل الشروع في غسل ذلك العضو.

ثمّ انّه استدلّ أيضا لازالة النّجس قبل الغسل باشتراط طهارة ماء الغسل إجماعا فلو لم يكن إزالة النجاسة عن البدن قبل الغسل معتبرة يلزم تجويز الاغتسال بالماء المتنجّس لأنّه ينجس ماء الغسل بصبه على الموضع النّجس و أجيب بنقض ذلك بالماء المستعمل في رفع الخبث بناء على نجاسة الغسالة مع أنّه نجس و مزيل للخبث فالذي عليه الإجماع من عدم مطهريّة الماء النجس للحدث و الخبث مورده ما إذا كان نجسا قبل ملاقاته للمحلّ النجس لا ما إذا صار نجسا بسبب الصبّ على الموضع النجس فيمكن أن نقول هنا بأنّه لا مانع من الاغتسال بهذا الماء الذي يصير نجسا بملاقاته للمحلّ النجس مضافا الى انّ هذا الاشكال غير جار فيما إذا اغتسل بماء الكرّ بأن كان الاغتسال و ازالة النّجاسة في آن واحد.

و ربّما استدل أيضا لوجوب إزالة النجاسة قبل الغسل بما هو المركوز في أذهان المتشرّعة من اعتبار كون محلّ الغسل طاهرا و لكن يرد عليه بأنّ ارتكازهم انّما نشأ من فتاوى الأصحاب الذين حكموا بوجوب طهارة أعضاء الغسل فمع قطع النظر عن هذه الفتاوى لا يعلم وجود هذا الارتكاز.

و هل يجب المباشرة في غسل الأعضاء أو تجوز الاستنابة- المشهور هو الأوّل و ربّما‌

128
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

فصل ؛ ص : 129

يستدل لذلك بالآية المباركة. فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صٰالِحاً وَ لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً «1» بناء على أنّ المراد بالشرك في العبادة الشرك في إتيانها اى إتيانها مشتركا.

و لكنّ الظاهر المنساق الى الذّهن هو الشرك في المعبود بأن يأتي بالفعل لله تعالى و لغيره و هو معنى الرياء الّا أنّ في بعض الأخبار ما يدلّ على المعنى الأول كالرواية المرويّة عن الفقيه. كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا توضّأ لم يدع أحدا يصبّ عليه الماء فقيل له: يا أمير المؤمنين لم لا تدعهم يصبّون عليك الماء فقال: لا أحبّ أن أشرك في صلاتي أحدا قال اللّه تعالى فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ الآية «2» فإنّه يظهر من هذه الرواية أنّ المراد من الآية الشرك في الفعل و كالرواية المرويّة عن الكافي بإسناده عن الوشّاء قال: دخلت على الرضا عليه السلام و بين يديه إبريق يريد أن يتهيّأ منه للصّلوة فدنوت منه لأصبّ عليه فأبى ذلك و قال: مه يا حسن فقلت له: لم تنهاني أن أصبّ على يديك تكره أن أو جر قال: تؤجر أنت و أوزر أنا فقلت له: و كيف ذلك فقال: أما سمعت اللّه عزّ و جل يقول و تلا هذه الآية و ها أنا ذا أتوضّأ للصّلوة و هي العبادة فأكره أن يشاركني فيها أحد «3».

و لكن في بعض الأخبار في باب الرياء «4» ما يدلّ على المعنى الثاني.

فيمكن أن يكون لفظ الشرك قد استعمل في المعنيين و كيف كان فلا تدلّ الروايتان على عدم جواز الاستنابة لأنّ التّشريك في إتيان فعل، غير الاستنابة لأن الاستنابة هي إتيان غير المأمور بالفعل على سبيل النّيابة و التشريك هو إتيان المأمور بالفعل مع مساعدة الغير له فغاية ما تدلّ عليه الرّوايتان هو حرمة تشريك الغير في إتيان المأمور به و هذا أجبني عمّا نحن فيه من عدم جواز الاستنابة في فعل الغسل و لكن يمكن أن يستدلّ لعدم جواز الاستنابة بإطلاقات الآية و الأخبار الآمرة بإتيان الجنب الغسل الظاهرة في المباشرة دون التسبيب‌

فصل

في الغسل الارتماسي و يتحقّق بانغماس جميع بدنه في الماء دفعة واحدة و يسقط‌

______________________________
(1) آخر سورة الكهف

(2) الوسائل الباب 47 من أبواب الوضوء الحديث 1- 2

(3) الوسائل الباب 47 من أبواب الوضوء الحديث 1- 2

(4) راجع صفحة 98 من جامع الأحاديث من مقدمة الكتاب

129
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

فصل ؛ ص : 129

الترتيب بين الأعضاء ح كما قاله في الشرائع و المعتبر و عن بعض الفقهاء اعتبار الترتيب الحكمي فيه و لكن بعض الأخبار الواردة فيه يردّ ذلك ففي رواية زرارة المتقدّمة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: و لو أن رجلا جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك و ان لم يدلك جسده «1» و في حسنة الحلبي عنه عليه السلام قال: إذا ارتمس الرجل ارتماسة واحدة أجزأه ذلك عن غسله «2» و في رواية السّكوني عنه عليه السلام قال: قلت له: الرّجل يجنب فيرتمس في الماء ارتماسة واحدة و يخرج يجزيه ذلك من غسله قال: نعم «3» و في مرسلة الحلبي قال: حدّثني من سمعه يقول إذا اغتمس الجنب في الماء اغتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله «4» و هذه الروايات- كما ترى- غير متعرّضة لوجوب الترتيب أصلا مع أنّها في مقام البيان فباطلاقها يدفع وجوب الترتيب الحكمي و الاعتباري اللّهم الّا أن يقال: انّ المستفاد من الأخبار المتقدّمة المشتملة على بيان التّرتيب- أنّ الغسل منحصر في فرد واحد و هو ما اشتمل على الترتيب و يستفاد من هذه الأخبار اى أخبار الغسل الارتماسي- أنّ هذا النحو من الغسل بدل من الغسل الترتيبي بقرينة قوله أجزأه ذلك أو يجزيه ذلك المشعر بأنّ الأصل في الغسل هو الغسل الترتيبي و الارتماسي بدل عنه فهو مجز عنه لا أنّه فرد برأسه فح إذا لم يمكن الترتيب الحقيقي فلا بدّ من الترتيب الحكمي.

و لكن يدفع هذا الاحتمال- أنّ التعبير بقوله: أجزأه ذلك أو يجزيه ذلك ليس له اشعار بذلك فإنّه يصحّ التعبير عن أحد فردي الواجب المخيّر أنه مجز عن الواجب مثلا يصحّ أن يقال: انّ إطعام ستّين مسكينا في الإفطار العمدي للصّوم مجز عن عتق الرّقبة فلفظ الاجزاء لم يكن صريحا و لا ظاهرا في كون شي‌ء بدلا عن الآخر فيمكن بل يظهر من الأخبار أنّ الغسل الارتماسي أحد فردي الواجب المخيّر.

ثمّ انّ الغسل الارتماسيّ هل يتحقق بارتماس البدن في الماء دفعة واحدة حقيقة أو دفعة عرفيّة أو يمكن أن يتحقق تدريجا بحيث يتحقّق شيئا فشيئا بوصول كلّ جزء من الجسد في الماء و ان طال الزّمان مثلا يدخل رجليه في الماء فيتحقّق الغسل بالنّسبة إلى الرجلين و بعد ساعة يدخل ركبتيه و بعد ساعة يدخل و ركيه و هكذا الى أن يصل الى رأسه فكلّ جزء من‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 12- 23

(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 12- 23

(3) الوسائل الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 13- 15

(4) الوسائل الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 13- 15

130
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

فصل ؛ ص : 129

البدن يصل الى الماء يتحقّق الغسل بالنّسبة إليه- وجوه بل أقوال.

أمّا الدفعة الحقيقية فلا يمكن أن تحمل الأخبار عليها لأنّها منزّلة على المتفاهم العرفي و العرف لا يساعد على ذلك بل هي غير ممكنة بحسب الغالب أو مستلزمة للعسر و الحرج المنفيّين في الإسلام.

و أمّا المعنى الثاني فلا يبعد حمل الأخبار عليه فانّ قوله (ع) ارتمس في الماء ارتماسة واحدة- ظاهر في الوحدة العرفيّة مع حفظ صدق الوحدة عليها فح المعنى الثالث بعيد عن مساق الأخبار لعدم صدق الارتماسة الواحدة عليه.

ثم انّه هل يكفى بقاء جميع البدن في الماء مع نيّة الغسل و ان لم يحرك بدنه تحت الماء أو لا بدّ من خروج جميع البدن من الماء ثمّ الشروع في الغسل بإدخال جميع البدن في الماء دفعة واحدة عرفية أو يكفي خروج بعض البدن من الماء و لا يعتبر خروج جميع البدن منه أو يكفي تحرك البدن في الماء بقصد الغسل و ان لم يكن شي‌ء من بدنه خارجا من الماء وجوه أو أقوال وجه القول الأوّل أنّه يلزم في الغسل الارتماسيّ- الارتماس و الاختفاء في الماء و المفروض تحقّق هذا المعنى بقاء أبعد النّية و ان لم يتحقّق حدوثا فإنّه يصدق عليه أنّه مرتمس في الماء و هذا مثل ما لو أمر المولى بتخلية دار في يوم الجمعة فخلّاها في يوم الخميس فبقيت خالية إلى يوم الجمعة فإنّه يصدق عليه امتثال الأمر بالتخلية مع أنّه لم يحقّق التخلية في يوم الجمعة بل حقّقها في يوم الخميس و لكن التخلية صادقة عليها بقاء في يوم الجمعة و لكن لا يخفى عليك ما فيه فانّ الأمر قد تعلّق بغسل البدن و الارتماس في الماء فانّ بعض الأخبار الدالّ على وجوب إفاضة الماء أو إجراء الماء أو صبّ الماء على البدن المقصود من جميع ذلك هو غسل البدن و هذه طرق لغسله فح لا يصدق على التوقّف في الماء بنظر العرف أنّه غسل بدنه و كذا لا يصدق عليه أنّه ارتمس في الماء.

و وجه القول الثاني توقّف صدق الارتماس على ذلك فإنّه إذا قيل لأحد: ارتمس في الماء يتبادر الى ذهنه أن أدخل جميع بدنك في الماء و هذا لا يصدق إلّا إذا كان جميع بدنه خارجا عن الماء ثم ارتمس في الماء بجميع بدنه.

و يرد عليه أنّه كما يصدق على ذلك الارتماس يصدق على ما إذا كان بعض بدنه خارجا عن الماء خصوصا إذا كان ذلك البعض رأسه فارتمس ببعض بدنه في الماء بل على‌

131
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

مسائل ثلاث ؛ ص : 132

 

تصريح بعض أهل اللغة- أنّ الارتماس في الماء بمعنى تغطية الرأس فيه- هو إدخال الرأس في الماء فقط لا جميع البدن.

و وجه القول الثالث أنّ الرمس في الماء كما يصدق فيما إذا كان جميع بدنه خارجا منه ثم ارتمس فيه و أدخل جميع بدنه فيه كذلك يصدق على ما إذا كان بعض بدنه خصوصا رأسه- خارجا فارتمس في الماء.

و وجه القول الرابع أنّ الارتماس في الماء يتحقّق بما إذا كان تحت الماء ثمّ نزل في الماء أزيد ممّا كان فإنّه يصدق عليه أنّه ارتمس في الماء و المناط صدق هذا المعنى و ان أبيت عن صدق الارتماس فلا إشكال في صدق إمساس الماء للبدن كما ورد في الرواية.

و الظاهر كفاية جميع ما ذكرناه من الوجوه الا واحدا منها و هو التوقّف فيه بقصد الغسل فإنّه لا يخلو من اشكال.

مسائل ثلاث

الاولى

في حكم البلل الخارج بعد الغسل فيما إذا كانت الجنابة بالإنزال فإنّه امّا أن يعلم بكونه بولا أو منيّا أو يعلم بأنّه ليس بأحدهما أو يشكّ في كونه أحدهما أمّا إذا علم بأنّه أحدهما فلا اشكال و لا خفاء في حكمه، و كذا إذا علم بأنّه ليس أحدهما و أمّا إذا شك في كونه أحدهما فالمشهور بل ادّعى عليه الإجماع- أنّه ان استبرأ بالبول بأن بال بعد الانزال لا يجب عليه الغسل و هل يجب عليه الوضوء أو لا- يأتي الكلام فيه و ان لم يبل وجب عليه اعادة الغسل، و تدلّ على ذلك روايات متظافرة منها صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شيى قال: يعيد الغسل قلت: فالمرئة يخرج منها شي‌ء بعد الغسل قال: لا تعيد قلت: فما الفرق بينهما قال: لأنّ ما يخرج من المرية انّما هو من ماء الرّجل «1».

و منها صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرّجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شي‌ء قال: يغتسل و يعيد الصلاة إلا أن يكون قد بال ثم اغتسل ثم وجد بللا فليس ينقض غسله و لكن عليه الوضوء لأنّ البول لم يدع شيئا «2» و منها صحيحة‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 36 من أبواب الجنابة الحديث 10- 6

(2) الوسائل الباب 36 من أبواب الجنابة الحديث 10- 6

 

132
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الاولى ؛ ص : 132

الحلبي قال: سئل أبو عبد اللّه (ع) عن الرجل يغتسل ثم يجد بللا و قد كان بال قبل أن يغتسل قال: ليتوضّأ و ان لم يكن بال قبل الغسل فليعد الغسل «1».

و هذه الرّوايات تدل صريحا على وجوب اعادة الغسل إذا لم يبل قبل الغسل فوجد بللا بعد الغسل و على عدم وجوب إعادته إذا بال قبل الغسل و لكن تعارضها رواية عبد اللّه بن هلال قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يجامع أهله ثمّ يغتسل قبل أن يبول ثم يخرج منه شي‌ء بعد الغسل قال: لا شي‌ء عليه انّ ذلك ممّا وضعه اللّه منه «2».

و رواية زيد الشّحام عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل أجنب ثمّ اغتسل قبل أن يبول ثم رأى شيئا قال: لا يعيد الغسل ليس ذلك الذي رأى شيئا «3» و حمل الشّي‌ء على غير البلل من الريح و نحوه بعيد لكون الظاهر من السّؤال هو ما أوقع السّائل في الشّبهة مع أنّه خلاف المتعارف.

و تعارضها أيضا رواية جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل تصيبه الجنابة فينسى أن يبول حتّى يغتسل ثمّ يرى بعد الغسل شيئا أ يغتسل ايضا قال: لا- قد تعصّرت و نزل من الحبائل «4» و حمل الأخبار الآمرة بإعادة الغسل عند عدم البول قبل الغسل على الاستحباب جمعا بينها و بين هذه الأخبار بعيد لإباء تلك الأخبار عن ذلك و أبعد منه حمل تلك الأخبار على ما إذا لم يستبرئ بالاجتهاد اى الخرطات الثلاث و حمل هذه على ما إذا استبرأ فإنّه لا شاهد لهذا الجمع مضافا الى أنّ الاستبراء بالخرطات ليس سقوط الإعادة به إجماعيّا نعم هو مشهور و الذي يسهل الخطب أنّ الأخبار النّافية للإعادة ضعيفة السّند غير معمول بها بين الأصحاب و لا يمكن جبران ضعفها بفتوى المشهور بكفاية الاستبراء في سقوط اعادة الغسل و حمل هذه الأخبار على ذلك لعدم العلم باستناد المشهور الى هذه الأخبار فيمكن أن يكون مستندهم غيرها فالوجه هو ما عليه المشهور من وجوب اعادة الغسل عند عدم البول قبل الغسل.

ثمّ انّ هذا المورد مع أنّه مورد لاستصحاب بقاء الغسل عند خروج البلل المشتبه و مع ذلك فقد حكم الشارع بوجوب الغسل و يمكن أن يكون من باب تقديم الظّاهر على الأصل‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 36 من أبواب الجنابة الحديث 1

(2) الوسائل الباب 36 من أبواب الجنابة الحديث 13- 12- 11

(3) الوسائل الباب 36 من أبواب الجنابة الحديث 13- 12- 11

(4) الوسائل الباب 36 من أبواب الجنابة الحديث 13- 12- 11

133
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الاولى ؛ ص : 132

حيث انّ الظّاهر بحسب الغالب هو بقاء بقايا المني في المخرج عند عدم البول و هل يكون هذا الحكم المستفاد من الأخبار أصلا أو امارة- الظّاهر هو الثّاني لأنّ كلّ واحد من الأصل و الامارة و إن كان موردهما الشك الّا أنّ الأصل ما أخذ الشك في موضوعه مثل قوله (ع) إذا شككت بين الثّلاث و الأربع فابن على الأربع.

و حيث انّ موضوع الحكم في هذه الأخبار لا يكون شكا فلا بدّ من أن يكون امارة على كون ما خرج منيا فح يترتّب على ما خرج- جميع أحكام المني من نجاسته و وجوب تطهيره للصّلوة و كذا يترتّب على الغسل منه جميع آثار الغسل من جواز الاكتفاء به للصّلوة و غير ذلك لأنّ الامارة و لوازمها الشّرعيّة و العقلية و العادية حجّة و هذا بخلاف ما إذا كان أصلا فإنّه إذا استفدنا من الأخبار بأنّه أصل شرعي فإنّه لا يترتّب على ما خرج سوى وجوب الاغتسال منه حتّى في جواز الاكتفاء به للصّلوة عن الوضوء إذا قلنا بكونه أصلا إشكال لأنّ الأصل لا يثبت به لوازمه العقليّة و العادية بل و لا الشّرعيّة الّا على القول بحجيّة الأصل المثبت و قد حقّق في محلّه عدم حجّيته.

ثمّ اعلم أنّه يستفاد من بعض الأخبار المتقدّمة أنّ الجنب إذا بال و اغتسل ثمّ رأى بللا أنّه يجب عليه الوضوء من غير تفصيل بين ما إذا استبرأ من البول بالخرطات أولا و لكن يعارض هذا الإطلاق ما في كثير من الأخبار المعتبرة الصريحة من عدم اعادة الوضوء لمن استبرأ من البول ثمّ رأى بللا مشتبها مثل رواية عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يبول ثمّ يستنجى ثم يجد بعد ذلك بللا قال: إذا بال فخرّط ما بين المقعدة و الأنثيين ثلاث مرّات و غمّز ما بينهما ثمّ استنجى فان سال حتّى يبلغ السّاق فلا يبالي «1».

و مثل رواية محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل بال و لم يكن معه ماء قال: يعصر أصل ذكره الى طرفه ثلاث عصرات و ينتر طرفه فان خرج بعد ذلك شي‌ء فليس من البول و لكنه من الحبائل «2» و نحوهما غيرهما من الأخبار.

فربّما يقال: انّه لا بدّ من طرح تلك الأخبار الآمرة بالوضوء لكون هذه الأخبار معمولا بها بين الأصحاب و موافقة للإجماع بخلاف تلك. أقول: انّه لا حاجة الى طرح تلك‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 13 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 2

(2) الوسائل الباب 11 من أبواب الخلوة الحديث 2

134
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

فرع ؛ ص : 135

الأخبار لأنّ النّسبة بين تلك الأخبار الآمرة بالوضوء و الأخبار الدالّة على عدم وجوب الوضوء عند الاستبراء هي العموم و الخصوص المطلق و الخاصّ حاكم على العام و مخصّص له فح نقول: انّ مفاد الأخبار الآمرة بالوضوء هو أنّه يجب الوضوء إذا رأى بللا بعد الغسل الا أن يكون قد استبرأ بعد البول فإنّه لا يجب ح عليه الوضوء و هذا الاستثناء مستفاد من الأخبار المخصّصة و الحاصل أنّه لا تعارض بين العام و الخاص أو المطلق و المقيّد حتّى تلاحظ المرجّحات بل لا بدّ من تقديم الخاصّ على العامّ و تقييد العام به و كذا لا بدّ من تقديم المقيد على المطلق و تقييده به.

فرع

إذا رأى بللا بعد الغسل فامّا أن يكون قد بال قبل الغسل أم لا و على الفرض الأوّل فامّا أنه استبرأ من البول بالخرطات أم لا و على الفروض فامّا أن يشتبه البلل بين المنى و أحد الأشياء التي ليس فيها التكليف كالمذي أو بين البول و أحد تلك الأشياء أو اشتبه بين البول و المنى فإن بال و استبرء من البول بالخرطات قبل الغسل ثمّ رأى بللا بعد الغسل و اشتبه بين المنى و غير البول أو كان احتمال البول أحد الاحتمالات ايضا فليس عليه ح الغسل لا الوضوء.

أمّا عدم وجوب الغسل فللأخبار الدالّة على عدم وجوب اعادة الغسل لمن بال قبل الغسل.

و أمّا عدم وجوب الوضوء فللأخبار الدالّة على عدم وجوب الوضوء على من استبرء من البول بالخرطات و أمّا إذا تيقّن أنّ البلل امّا هو المني أو البول فقد يقال: بوجوب الوضوء عليه فقط إذا كان متطهرا لأنّه يعلم بانتقاض وضوئه و لا يعلم بانتقاض غسله لأنّه يعلم أنّ وضوئه قد انتقض إمّا بالحدث الأكبر أو الأصغر و القدر المتيقّن هو وجوب الوضوء و أمّا وجوب الغسل فلم يعلم بتوجّهه اليه و الأصل يقتضي العدم.

و لكن الظّاهر وجوب كليهما عليه لأنّ الوضوء كما ينتقض بالحدث الأصغر ينتقض بالحدث الأكبر أيضا و المفروض هنا أنّه لم يعلم بكيفيّة انتقاضه و لكن علم بحدوث حدث له و علم بتوجّه تكليف اليه و لا يعلم ما هو فلا بدّ من الاحتياط بالجمع بين الغسل و الوضوء.

135
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المسألة الثانية: ؛ ص : 136

نعم إذا كان محدثا قبل رؤيته للبلل يكفيه الوضوء لعدم العلم بتجدّد تكليف زائد على التكليف الذي كان متوجّها اليه و أمّا إذا استبرأ من المنى بالبول و لكن لم يستبرئ من البول فيجب عليه ح الوضوء فقط للأخبار الدالة على وجوب الوضوء على من لم يستبرئ من البول.

و أمّا الغسل فلا يجب عليه لما عرفت من دلالة الاخبار على عدم وجوب الغسل لمن استبرأ بالبول من المنى و أمّا إذا ترك البول فان اشتبه البلل بين المنى و غير البول يجب عليه الغسل فقط لعدم احتمال كون البلل بولا و الأخبار الدالّة على وجوب الوضوء على من ترك الاستبراء من البول مختصّة قطعا بما إذا احتمل كون البلل بولا و أمّا في صورة عدم الاحتمال فلا تشمله الأخبار و ان اشتبه بين المنى و البول فالظاهر أنّ حكمه مثل ما مرّ في صورة الاستبراء من المنى و البول من وجوب الغسل و الوضوء عليه لشمول كلتا الطائفتين من الاخبار لهذا الفرض على اشكال في شمولهما لأطراف العلم الإجمالي.

و ان اشتبه بين البول و غير المنى فالظّاهر عدم وجوب شي‌ء عليه أمّا عدم وجوب الغسل فلاختصاص الأخبار الدالّة على وجوب اعادة الغسل على من لم يستبرئ بالبول بما إذا احتمل كون البلل منيّا و أمّا إذا لم يحتمل فهو غير مشمول للأخبار قطعا.

و أمّا عدم وجوب الوضوء عليه فلاختصاص الأخبار الدّالّة على وجوب الوضوء على من لم يستبرئ من البول بالخرطات بما إذا بال و لم يستبرئ و أمّا من لم يبل و لم يستبرئ بالخرطات فلا تشمله الأخبار كذا في المسودة نقلا عن الأستاذ دام ظلّه و أظنّ أنّ ذلك اشتباه منّى و عدم الالتفات الى كلام الأستاذ لأنّ هذا الكلام لا يخفى ضعفه مفروض كلامنا أنّه أمنى و بال و لكن ترك الاستبرائين اى الاستبراء من المنى و الاستبراء بالبول و امّا من لم يبل فهو خارج عن الفرض‌

المسألة الثانية:

إذا أحدث في أثناء الغسل فامّا أن يكون ذلك الحدث موجبا للغسل أو موجبا للوضوء فقط فان كان الأوّل فامّا أن يكون من جنس الحدث الذي يريد إزالته بأن صار جنبا أيضا في أثناء غسل الجنابة يبطل ما أتى به من أجزاء غسل الجنابة و يجب عليه اعادة الغسل من‌

136
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المسألة الثانية: ؛ ص : 136

رأس. و ان كان من غير جنسه مثل ما إذا مسّ الميّت في أثناء غسل الجنابة فالأحوط استيناف الغسل بقصد التمام أو الإتمام و الإتيان بالوضوء للصّلاة.

و أمّا إذا كان الحدث موجبا للوضوء فقط ففيه ثلاثة أقوال الأوّل بطلان الغسل و وجوب إعادته من رأس لعدم ثبوت كون الغسل المتخلل بالحدث رافعا للجنابة فيستصحب أثرها الى أن يعلم المزيل و قضيّة استصحاب الجنابة هو جواز الاكتفاء بغسلها عن الوضوء لو أعاد الغسل كما لو استصحبها عند الشك في أصل الغسل و لرواية الصّدوق عن الصّادق عليه السلام قال: لا بأس بتبعيض الغسل تغسل يدك و فرجك و رأسك و تؤخر غسل جسدك الى وقت الصّلوة ثمّ تغسل جسدك إذا أردت ذلك فإذا أحدثت حدثا من بول أو غائط أو ريح أو منّى بعد ما غسلت رأسك من قبل جسدك فأعد الغسل من أوّله «1» و استدلّ ايضا له بأنّ الحدث لو تأخر عن تمام الغسل لأبطل إباحتها للصّلوة ففي الأثناء بطريق أولى و لكن في جميع هذه الوجوه نظر.

أمّا استصحاب أثر الجنابة فسيجي‌ء بأنّه محكوم باستصحاب صحة الأجزاء المأتيّ بها و أما الرواية فإنّها ضعيفة السند و لم يعلم استناد القائلين ببطلان الغسل بالحدث المتخلّل الى هذه الرواية كما يظهر من استدلالهم حيث انّهم استدلّوا بالاستصحاب و الأولويّة و لم يستدلّوا بهذه الرواية و أمّا الأولوية فحالها أسوأ فانّ الحدث الواقع بعد الغسل لا يبطل الغسل بل يوجب الوضوء فمقتضى الأولويّة ان صحّت أنّ الحدث إذا حدث في الأثناء فكذلك اى هو موجب للوضوء و أين هذا من بطلان الغسل مع أنّ الأولويّة بالنّسبة إلى الوضوء أيضا ممنوعة لأنّه إذا تحقّق الحدث في الأثناء يتحقّق بعده ما يحتمل أن يكون مزيلا له و هو بقية الغسل و هذا بخلاف ما إذا وقع بعد الغسل فهذا القول ضعيف.

القول الثاني صحّة الغسل و ما أتى به و وجوب إتمامه و جواز الصّلوة بهذا الغسل من غير وضوء و دليل هذا القول يمكن أن يكون هو استصحاب الصّحة التأهّليّة بمعنى كون الأجزاء المأتي بها بحيث لو انضمّ إليها بقيّة الأجزاء تحقّق المأمور به و ترتّب عليه الأثر و إذا ثبت صحّة الغسل بالاستصحاب فلا يجب عليه الوضوء بالحدث في الأثناء فتأمل.

و فيه أنّ الاستصحاب محكوم بإطلاقات الأدلّة الدالّة على وجوب الوضوء على من‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 29 من أبواب الجنابة الحديث 4

137
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المسألة الثالثة ؛ ص : 138

أحدث و القدر المتيقّن من ما خرج من هذه الإطلاقات ما إذا أحدث قبل الغسل و أمّا إذا أحدث في أثناء الغسل فلا يعلم بخروجه عن إطلاقات الأدلّة فتشمله إطلاقات الأدلّة و لا تصل النّوبة إلى التمسك بالاستصحاب لأنّه تمسّك بالأصل في موضع وجود إطلاق الدّليل و هو غير جائز كما أنّ الإطلاقات تشمل ما إذا كان الحدث بعد إتمام الغسل قطعا.

و القول الثالث أنّه يتم الغسل و يتوضّأ للصّلوة و هذا القول هو الأقوى أمّا وجوب الإتمام و عدم بطلان الغسل بوقوع الحدث في أثنائه فلاقتضاء استصحاب صحّة الأجزاء المأتي بها- ذلك و ليس لنا دليل دالّ على بطلان الغسل بتخلّل الحدث في أثنائه.

و أمّا وجوب الوضوء فلما عرفت من الإطلاقات الدالّة على وجوب الوضوء لمن أحدث الشاملة لما نحن فيه و ما يقال من أنّ الجنب ما لم يفرغ عن الغسل فهو محدث و بعد الفراغ عن الغسل كما أنّه يرتفع حدثه الأكبر فكذلك يرتفع حدثه الأصغر فهو ضعيف لأنّه و ان كان محدثا ما لم يفرغ عن الغسل الّا أنّه لا يكون بحيث لم يأت بشي‌ء أصلا نعم لا تترتّب على ما أتى به آثار الطهارة من جواز الدّخول في الصّلوة و في المسجد و جواز مسّ كتابة القرآن و غير ذلك نعم له أثر في الجملة بحيث إذا انضمّ إليه باقي الأجزاء يصير غسلا كاملا فح ما دلّ على وجوب الوضوء أو الغسل على من صار محدثا بالأصغر لم يتحقّق امتثاله إذا أتم الغسل و لم يتوضأ لأنّ المفروض أنّه لم يغتسل بعد الحدث بل أتى ببعض أجزاء الغسل و لم يتوضّأ على الفرض.

و الحاصل أنّ غسل بعض الأعضاء في الغسل كغسل بعض الأعضاء في الوضوء فكما أنّ الوضوء ما لم يفرغ منه لم تتحقّق الطهارة و مع ذلك لا يجوز إيجاد الحدث في أثنائه و إتمامه فكذلك الغسل إلّا إذا أتبعه بالوضوء.

المسألة الثالثة

لا يجوز أن يغسله غيره مع الإمكان و يجوز مع الضرورة كما في الوضوء لعموم العلّة المنصوصة في الوضوء ففي صحيحة عبد اللّه بن سليمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث أنّه كان وجعا شديد الوجع فأصابته جنابة و هو في مكان بارد قال: فدعوت الغلمة فقلت لهم: احملوني فاغسلوني فحملوني و وضعوني على خشبات ثمّ صبّوا علىّ الماء فغسّلوني «1».

______________________________
(1) الوسائل الباب 48 من أبواب الوضوء الحديث 1

138
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث السادس في الحيض ؛ ص : 139

المبحث السّادس في الحيض

و هو دم غليظ حار أسود يخرج بحرقة كما تدلّ على ذلك صحيحة حفص البختري أو حسنته قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام امرأة سألته عن المرأة يستمرّ بها الدّم فلا تدري حيض هو أم غيره قال: فقال لها: انّ دم الحيض حار عبيط أسود له دفع و حرارة و دم الاستحاضة أصفر بارد إلخ «1» و هاتان العلامتان المذكورتان لدم الحيض و الاستحاضة غالبيّة لا دائميّة بقرينة حكم الشّارع بوجوب ترتيب آثار الحيض في بعض الموارد و ان لم يكن بصفات الحيض مثل ما إذا رأت الدّم في أيّام عادتها فانّ الشّارع قد حكم بأنّه حيض و ان لم يكن بصفات الحيض و كذا حكم في الدّم الذي تراه أقلّ من الثّلاثة أو أكثر من العشرة بأنّه دم الاستحاضة و ان كان بصفات الحيض ثمّ ان هذه العلامة لدم الحيض علامة له فيما إذا اشتبه بدم الاستحاضة و أمّا إذا اشتبه بدم العذرة فقد ذكر الشارع له علامة أخرى يتميّز بها عن دم العذرة و هي ما رواه خلف بن حماد قال: دخلت على ابى الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام بمنى فقلت له: انّ رجلا من مواليك تزوّج جارية معصرا لم تطمث فلمّا افتضّها سال الدم فمكث سائلا لا ينقطع نحوا من عشرة أيام و انّ القوابل اختلفن في ذلك فقال بعضهنّ: دم الحيض و قال بعضهنّ: دم العذرة فما ينبغي لها أن تصنع قال عليه السلام: فلتتّق اللّه فان كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتّى ترى الطهر و ليمسك عنها بعلها و إن كان من العذرة فلتتّق و لتتوضّأ و لتصل و يأتيها بعلها ان أحب لك.

فقلت له: و كيف لهم أن يعلموا ما هو حتّى يفعلوا ما ينبغي قال: فالتفت يمينا‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 3 من أبواب الحيض الحديث 2 لكن عن حفص بن البختري

139
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث السادس في الحيض ؛ ص : 139

و شمالا في الفسطاط مخافة أن يسمع كلامه أحد ثمّ نهد الىّ فقال: يا خلف سرّ اللّه فلا تذيعوه و لا تعلموا هذا الخلق أصول دين اللّه الى أن قال: تستدخل القطنة ثم تدعها مليّا ثمّ تخرجها إخراجا دقيقا فان كان الدّم مطوّقا في القطنة فهو من العذرة و إن كان مستنقعا في القطنة فهو من الحيض الخبر (الوسائل الباب 2 من أبواب الحيض الحديث 1) ثم انّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام و هو إجماعي و تدل عليه الأخبار الكثيرة التي يأتي بعضها فما في رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المرأة الحبلى ترى الدّم اليوم و اليومين قال (ع): ان كان الدّم عبيطا فلا تصل ذينك اليومين و ان كان صفرة فلتغتسل عند كلّ صلوتين «1» فضعيف فلا بدّ من طرحها لمخالفتها للإجماع و الأخبار الكثيرة أو تأويلها بأن يقال: انّ رؤية الدم في اليوم و اليومين لا تنافي رؤيته أكثر من ذلك أو يكون ترك الصلاة للاستظهار.

و كذا أكثر الحيض عشرة أيّام و هو إجماعي أيضا و تدلّ على كلا الحكمين روايات معتبرة منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: أقلّ ما يكون الحيض- ثلاثة أيّام و أكثر ما يكون عشرة أيّام «2» و منها صحيحة صفوان قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن أدنى ما يكون من الحيض قال: أدنى الحيض ثلاثة و أبعده عشرة «3» و منها رواية أحمد بن محمد بن ابى نصر قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن أدنى ما يكون من الحيض فقال: (أدناه) ثلاثة (أيّام) و أكثره عشرة «4» الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة و هذه المسألة اى انّ أقلّ الحيض ثلاثة و أكثره عشرة ممّا لا اشكال فيها و انّما الإشكال في أنّه هل يكفي الثلاثة مطلقا اى و لو كان مع التفريق أو لا بدّ من التّوالي- يتبادر من الروايات المتقدّمة اشتراط التوالي لأنّ العدد ظاهر فيه مثلا إذا قيل: صم ثلاثة أيّام لا يتبادر الى الذهن مطلق الثلاثة بل ينتقل إلى الثلاثة المتوالية و لكن في بعض الأخبار ما يدل على كفاية مطلق الثلاثة.

مثل رواية يونس عن الصّادق عليه السلام قال: أدنى الطهر عشرة أيّام و ذلك أنّ المرية أوّل ما تحيض ربما كانت كثيرة الدّم و يكون حيضها عشرة أيّام فلا تزال كلّما كبرت‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب الحيض الحديث 13

(2) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 3- 2- 1

(3) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 3- 2- 1

(4) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 3- 2- 1

140
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث السادس في الحيض ؛ ص : 139

نقصت حتّى ترجع إلى ثلاثة أيّام فإذا رجعت الى ثلاثة أيّام ارتفع حيضها و لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام فإذا رأت المرأة الدّم في أيّام حيضها تركت الصّلوة فإن استمرّ بها الدّم ثلاثة أيّام فهي حائض و ان (فان) انقطع الدّم بعد ما رأته- يوما أو يومين اغتسلت وصلّت و انتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيّام فإن رأت في تلك العشرة أيّام من يوم رأت الدم يوما أو يومين حتّى تتم لها ثلاثة أيّام فذلك الذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة هو الحيض و ان مرّ من يوم رأت الدم عشرة أيّام و لم تر الدّم فذلك اليوم و اليومان الذي رأته لم يكن من الحيض انّما كان من علّة إمّا من قرحة في جوفها (في الجوف) و امّا من الجوف فعليها أن تعيد الصّلوة تلك اليومين التي تركتها الخبر «1».

و هذه الرواية صريحة في كفاية رؤية الدم ثلاثة أيّام و ان كانت في ضمن عشرة أيّام و لا يشترط التوالي فهذه الرواية حاكمة على جميع الروايات الظاهرة في اشتراط التوالي و هي و إن كانت مرسلة إلا أنّ إرسالها منجبر بعمل الأصحاب بها مضافا الى أنّ إرسال مثل يونس الذي قيل: انّه يونس بن عبد الرحمن كالاسناد.

الّا أن يقال: انّ هذه الرواية مرسلة كما عرفت فلا يمكن الاعتماد عليها في إثبات هذا الحكم المخالف للأصل و لظواهر الأخبار و لا يعلم استناد بعض الأصحاب القائلين بعدم اعتبار التوالي- الى هذه الرواية فيمكن ان يكون اعتمادهم على غيرها كما يظهر ذلك من استدلالاتهم نعم هي من جملة استدلالاتهم مضافا الى ميل أكثر الأصحاب إلى اشتراط التّوالي مع أنّ هذه الرواية كانت بمرأى منهم و مع ذلك لم يعملوا بها و المسألة بعد غير خالية عن الإشكال فالأحوط في صورة عدم التوالي الجمع بين تروك الحائض و أعمال الطّاهر و كذا القول بأنّ أكثر الحيض عشرة أيّام إجماعي و ما في صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: أكثر ما يكون من الحيض ثمان و أدنى ما يكون منه ثلاثة «2» فهو مطروح لمخالفته للإجماع و الأخبار المتواترة.

و كذا أقلّ الطّهر عشرة أيّام و هو أيضا إجماعي و تدلّ عليه رواية يونس المتقدّمة قال (ع): أدنى الطهر عشرة أيّام الخبر و رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 11

(2) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 14

141
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث السادس في الحيض ؛ ص : 139

قال: لا يكون القرء في أقلّ من عشرة أيّام فما زاد أقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر الى أن ترى الدم «1» و رواية الدعائم عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال في حديث: و أقلّ الطهر عشر ليال الخبر «2» و رواية فقه الرضا عليه السلام قال: و الحدّ بين الحيضين القرء و هو عشرة أيّام الحديث «3».

و لكن في بعض الأخبار ما يدلّ على كفاية أقلّ من العشرة في الطهر مثل رواية يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: المرأة ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة أيّام قال: تدع الصّلوة قلت: فإنّها ترى الدّم ثلاثة أيّام أو أربعة أيّام قال: تدع الصلاة قلت فإنّها ترى الطهر ثلاثة أيّام قال: تصلّى قلت: فإنّها ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة أيّام قال: تدع الصلاة تصنع ما بينها و بين شهر فان انقطع الدم عنها و إلا فهي مستحاضة «4».

و روايته الأخرى عن أبى بصير عنه عليه السلام في المرية ترى الدّم خمسة أيّام و الطهر خمسة أيّام و ترى الدم أربعة أيّام و ترى الطهر ستّة أيّام فقال: ان رأت الدم لم تصل و ان رأت الطّهر صلّت ما بينها و بين ثلاثين يوما الخبر «5».

و لكن لا بدّ من طرح هاتين الروايتين لمخالفتهما للإجماع و الأخبار الكثيرة و أعراض الأصحاب عنها أو حملهما على بعض المحامل مثل حملهما على ما إذا تغيّرت عادتها و أشبهت عليها صفة الدّم كما ذكره الشيخ قده أو غير ذلك ثمّ انّ الدم الذي تراه المرأة قبل إكمالها تسع سنين هلالية ليس بحيض و تدل عليه مضافا الى دعوى الإجماع على ذلك- صحيحة عبد الرحمن ابن الحجّاج قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ثلاث يتزوجهن على كلّ حال و عدّ منها التي لم تحض و مثلها لا تحيض قال: قلت: ما حدّها قال: إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين «6» و في روايته الأخرى عنه عليه السلام قال: إذا أكمل لها تسع سنين أمكن حيضها «7».

و كذا الدم الذي تراه بعد الياس ليس بحيض و حدّ اليأس في غير القرشيّة خمسون‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 10

(2) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 9- 12

(3) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 9- 12

(4) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 15- 16

(5) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 15- 16

(6) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب العدد من كتاب الطلاق

(7) لم أرها في مظانّها نعم أوردها في مصباح الفقيه صفحة 260

142
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث السادس في الحيض ؛ ص : 139

سنة و في القرشيّة ستّون سنة كما عليه المشهور.

و الدّليل عليه ما اقتضاه الجمع بين الأخبار فإنّ بعض الأخبار قد حدّد الحيض بخمسين سنة من دون تفصيل بين القرشيّة و غيرها مثل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: حدّ التي قد يئست خمسون سنة «1» و مثلها صحيحته الأخرى قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ثلاث يتزوجن على كلّ حال الى أن قال: و التي قد يئست من المحيض و مثلها لا تحيض قال: قلت: و ما حدّها قال: إذا كان لها خمسون سنة «2».

و بعض الأخبار يدلّ على التحديد بالستين و هو بإطلاقه شامل لغير القرشيّة مثل روايته ايضا عن الصّادق عليه السلام قال: ثلاث يتزوّجن الى أن قال: إذا بلغت ستّين سنة فقد يئست من المحيض و مثلها لا تحيض «3».

و هذه الرواية يمكن وقوع السهو فيها من الراوي لأنّها بعينها هي الرواية التي مرّت آنفا من حيث الراوي و من حيث المروي عنه الا أنّ في الجواب فرقا بينها و بين السابقة حيث انّ في هذه الرواية التحديد بالستّين و في السابقة التحديد بالخمسين فح الظاهر أنهما رواية واحدة وقع السهو في إحداهما و هي رواية الستّين و يؤيده عدم تعرّض القدماء للتفصيل بين القرشيّة و غيرها بل حكموا على الإطلاق بأنّ حدّ اليأس خمسون سنة و لكن يمكن حمل رواية الستّين على القرشيّة و رواية الخمسين على غيرها بأن تكون رواية الخمسين و رواية الستّين روايتين لا رواية واحدة و الشّاهد على هذا الحمل مرسلة ابن أبى عمير التي هي كالمسندة عند الأصحاب- عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا بلغت المرية خمسين سنة لم تر حمرة الّا أن تكون امرأة من قريش «4».

و عن الشّيخ في المبسوط أنّه قال: تيأس المرية إذا بلغت خمسين سنة الّا أن تكون أمرية من قريش فإنّه روى أنّها ترى دم الحيض الى ستّين سنة و الظاهر أنّ رواية المبسوط هي مضمون مرسلة ابن أبى عمير نقلها بالمعنى لا أنّها رواية أخرى و تلك الرواية أعني مرسلة ابن ابى عمير و ان لم يذكر تحديد القرشيّة فيها بالستّين الّا أنّ الإجماع قد قام على عدم تجاوز دم‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 11 من أبواب الحيض الحديث 1

(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب العدد من كتاب الطلاق

(3) جامع الأحاديث الباب 11 من أبواب الحيض آخر الباب و الحديث 4

(4) جامع الأحاديث الباب 11 من أبواب الحيض آخر الباب و الحديث 4

143
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث السادس في الحيض ؛ ص : 139

الحيض عن الستّين مطلقا و على عدم الواسطة بين الخمسين و الستّين فيكون المراد من الاستثناء هو الستّون بالنّسبة إلى القرشيّة كما ذكره الشيخ صريحا في المبسوط.

ثمّ انّ القرشيّة هي التي انتسبت الى النضر بن كنانة أحد أجداد النّبي صلّى اللّه عليه و آله على ما صرّح به كثير من الأصحاب و يكفى الانتساب به من جهة الأب فقط و هل يكفى الانتساب من جهة الأمّ فقط- الظاهر لا لعدم مساعدة العرف على ذلك.

و ألحق بعض الأصحاب بالقرشيّة النبطيّة و قد اختلف في معناها أهل اللغة فقال بعضهم: هم قوم ينزلون سواد العراق و قال البعض الآخر: هم قوم ينزلون البطائح بين البصرة و الكوفة و قال البعض الآخر: هم قوم من العجم و قال بعضهم: من كان أحد أبويه عجميّا و الآخر عربيا الى غير ذلك من الاختلافات في معناها و حيث لم يعلم مستند الإلحاق و ان قيل: انّه مشهور بين الأصحاب نعم نقل عن مقنعة الشيخ المفيد أنّه قال: و قد روى أنّ القرشية من النساء و النبطيّة تريان الدم الى ستّين سنة و لكن المفيد (ره لم) يظهر منه العمل بمضمونها مع أنّه ناقلها و لإجمال معنى النبطية- يشكل الإلحاق و إن كان الأحوط الجمع بين تروك الحائض و اعمال المستحاضة فيما إذا تجاوز دمها اى دم النبطيّة عن الخمسين و لم يتجاوز عن الستّين ثم انّ المعروف انّ كلّ دم تراه المرأة دون الثلاثة و فوق العشرة فليس بحيض.

و ما تراه بعد الثلاثة و لم يتجاوز العشرة و أمكن كونه حيضا فهو حيض سواء أ كان متجانسا لدم الحيض في الصفات أم مختلفا و كذا كلّ دم تراه المرية غير القرشيّة قبل الخمسين أو القرشيّة قبل الستّين و أمكن كونه حيضا بأن لا يكون أقل من الثلاثة و لا أكثر من العشرة فهو حيض.

و هذه القاعدة أي قاعدة الإمكان- ممّا أثبتها كثير من الأصحاب بل ادّعى عليها الإجماع و استدل لصحّتها و كونها مرجعا عند الشك- بأخبار كثيرة منها أخبار الحبلى إذا رأت الدّم و شكّت في كونه حيضا فإنه عليه السلام حكم بحيضيتها معلّلا بأنّها ربّما قذفت الدم و هي حبلى فلنذكر بعض أخبارها حتى يظهر الحال في دلالتها فنقول: روى عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: أنّه سئل عن الحبلى ترى الدم أ تترك الصّلوة فقال: نعم انّ الحبلى ربما قذفت الدم «1».

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 3

144
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث السادس في الحيض ؛ ص : 139

و عن ابى بصير عنه عليه السلام قال: سألته عن الحبلى ترى الدّم قال: نعم انّه ربما قذفت المرية الدم (بالدم) و هي حبلى «1».

و استفاد بعض الأصحاب من التعليل بقوله (ع) ربما قذفت الدم- الكليّة لهذه القاعدة بأنّه كلّما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض لأنّه عليه السلام حكم على الحبلى بكون دمها حيضا لأجل أنه يمكن أن تقذف الدم.

و لكن يدفع هذا التوهّم بعض أخبارها الأخر مثل رواية محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الحبلى ترى الدم كما كانت ترى أيام حيضها مستقيما في كلّ شهر فقال: تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها فإذا طهرت صلّت «2».

و رواية سماعة قال: سألته عن امرأة رأت الدم في الحبل قال: تقعد أيّامها التي كانت تحيض فإذا زاد الدّم على الأيّام التي كانت تقعد عن الصلاة استظهرت بثلاثة أيّام ثمّ هي مستحاضة «3».

و هاتان الرّوايتان يستفاد منهما كغيرهما من الأخبار أنّ الحبلى كغيرها تقعد عن الصّلوة أيّام عادتها و أنّ الحبل ليس مانعا من عادتها و أين هذا من قاعدة الإمكان فلا بدّ من حمل الروايتين المتقدّمتين على هذا المعنى أيضا فإن كلمة ربما و إن كانت تجي‌ء بمعنى التقليل و لكن كثيرا ما تجي‌ء بمعنى التكثير فالروايتان المتقدّمتان مضمونها متّحد مع هذين الخبرين و مضمون الجميع أنّ الحبلى إذا رأت الدم في أيّام عادتها يحكم بحيضيّتها لأنّه فرق بين الحبلى و غيرها في الحكم بحيضيّة ما تراها من الدم في أيّام عادتها و هذا بمعزل من قاعدة الإمكان كما لا يخفى.

و من الأخبار التي استدلّ بها لقاعدة الإمكان أخبار من تقدّم حيضها على عادتها بيوم و يومين و أنّه من الحيض معللا بأنّه ربما تعجّل بها الوقت كرواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المرأة ترى الصّفرة فقال: إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض و إن كان بعد الحيض بيومين فليس من الحيض «4» و لو لا قاعدة الإمكان لم يكن وجه للحكم بحيضيّة‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب الحيض الحديث 4- 2

(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب الحيض الحديث 4- 2

(3) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب الحيض الحديث 6

(4) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الحيض الحديث 4

145
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث السادس في الحيض ؛ ص : 139

الصفرة قبل أيّام العادة.

أقول: الظاهر أنّه ليس من قاعدة الإمكان بل من باب إلحاق ما يقع بقرب أيّام العادة بما في أيّام العادة و ليس هذا تعبدّا بل هو أمر عرفي فإنّ الشي‌ء الذي يعتاد وقوعه في وقت معيّن إذا تقدّم على ذلك الوقت بيسير فإنّه يقال: عند العرف انّه جاء في وقته.

مثلا إذا كان أحد مبتلى بالحمى في كلّ يوم مرّة في أوّل الظهر مثلا إذا تقدّم في بعض الأيّام على ذلك الوقت بساعة واحدة أو أقلّ لا يجعل العرف ذلك حمّى على حده بل يقولون: أنّه تقدّم حمّاه عن وقته هذا ما ذكره الأستاذ دام ظلّه و لكن لا يخفى أنّ هذا المعنى بعينه جار فيما إذا تأخّر عن وقته بقليل مع أنّه عليه السلام حكم فيما إذا تأخّر الدم بيومين عن أيّام الحيض بأنّه ليس من الحيض الّا أن يقال: بأنّ المراد بما بعد الحيض ما تجاوز عن العشرة فإنّه لا يمكن الحكم بحيضيتّه لعدم إمكان تجاوز الحيض عن العشرة.

و من الأخبار التي استدلّ بها لقاعدة الإمكان أخبار الاستظهار مثل رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الطامث تقعد بعدد أيّامها كيف تصنع قال: تستظهر بيوم أو يومين ثمّ هي مستحاضة «1» و رواية فضيل و زرارة عن أحدهما عليه السلام قال: المستحاضة تكفّ عن الصلاة أيّام أقرائها و تحتاط بيوم أو اثنين الخبر «2» الى غير ذلك من الأخبار و معنى الاستظهار طلب ظهور الحال اى بعد أيّام العادة إذا رأت الدم تترك الصلاة يوما أو يومين أو ثلاثة أيّام على اختلاف الأخبار حتّى يظهر الحال فلو لا قاعدة الإمكان لم يكن وجه لترك الصلاة و الصوم بعد أيّام العادة.

و لكن يمكن أن يقال ايضا بما قلناه آنفا من أنّه إذا تقدّم حيضها بيوم أو يومين لم يحكم عليها بالاستظهار و ترك الصّلوة لقاعدة الإمكان بل لأنه وقع قريبا من أيّام العادة فلا تكون هذه الأخبار دليلا لقاعدة الإمكان.

و استدلّ ايضا لهذه القاعدة بالروايات الدالّة على أنّ الصائمة تفطر بمجرّد رؤيتها للدم في أي وقت من النهار كرواية منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: أىّ ساعة‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 2

(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 3

146
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث السادس في الحيض ؛ ص : 139

رأت المرية الدم فهي تفطر الصائمة إذا طمثت الحديث «1» و رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في المرأة تطهر في أوّل النّهار في رمضان أ تفطر أو تصوم قال: تفطر و في المرية ترى الدم من أوّل النهار في شهر رمضان أ تفطر أم تصوم قال: تفطر انّما فطرها من الدم «2» و غيرهما من الأخبار فان حكمه (ع) بوجوب إفطارها بمجرد رؤية الدم دليل على قاعدة الإمكان لأنّ الدم أعم من الحيض و مع ذلك حكم (ع) بوجوب الإفطار عليها.

و فيه ما لا يخفى فانّ الدم في هاتين الروايتين هو الدم المعهود أعنى دم الحيض خصوصا مع تصريحه بذلك في الرواية الأولى و يزيدك بيانا تصريح كثير من أخبار الباب مثل تصريح أبى عبد اللّه عليه السلام في رواية العيص بن القاسم حيث سأله عن أمرية تطمث في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس قال: تفطر حين تطمث «3».

و روايته الأخرى عنه عليه السلام قال: سألته عن أمرية طمثت في رمضان قبل أن تغيب الشمس قال: تفطر «4» و غير ذلك من الأخبار فإنّها صريحة في وجوب الإفطار حين تحيض لا حين ترى الدم مطلقا و لو كان مشكوكا و التعبير بالدم في بعض الأخبار- المراد منه الحيض بقرينة هذه الأخبار لا الدم المشكوك حتّى تثبت به قاعدة الإمكان و من الأخبار المستدل بها لهذه القاعدة إخبار العادة الدالة على أنّ المرية إذا رأت دما في العادة و لو كان صفرة يجب عليها ترك الصّلوة.

فمنها صحيحة أو حسنة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرية ترى الصفرة في أيّامها فقال: لا تصلّى حتّى ينقضي أيّامها الخبر «5» و منها رواية إسماعيل الجعفي عنه عليه السلام قال: إذا رأت المرية الصفرة قبل انقضاء أيّام عدتها لم تصلّ و إن كانت صفرة بعد انقضاء أيّام قرئها صلّت «6».

و منها رواية معاوية بن حكيم قال: الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض الى أن قال: و هي في أيّام الحيض حيض «7» الى غير ذلك من الأخبار.

و من الأخبار التي استدلّ بها لقاعدة الإمكان الأخبار الدالّة على أنّ الدم بعد أيّام‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب الحيض الحديث 3.

(2) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب الحيض الحديث 4- 1- 2

(3) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب الحيض الحديث 4- 1- 2

(4) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب الحيض الحديث 4- 1- 2

(5) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الحيض الحديث 1- 2- 3

(6) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الحيض الحديث 1- 2- 3

(7) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الحيض الحديث 1- 2- 3

147
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

مسائل ؛ ص : 148

 

العادة بحكم الحيض و هي مختلفة فبعضها يدلّ على أنّ الدم إذا تجاوز عن العادة بيوم أو يومين يكون حيضا و بعد اليومين يكون استحاضة كرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الطامث تقعد بعدد أيّامها كيف تصنع قال: تستظهر بيوم أو يومين ثمّ هي مستحاضة الخبر «1» و مثلها بهذا المضمون غيرها و بعضها دالّ على أنّها تستظهر إلى ثلاثة أيّام كخبر سعيد بن يسار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرية تحيض ثمّ تطهر و ربّما رأت بعد ذلك- الشي‌ء من الدم الرّقيق بعد اغتسالها من طهرها فقال: تستظهر بعد أيّامها بيومين أو ثلاثة (بيوم أو يومين أو ثلاثة خ ل) ثم تصلّى «2».

و بعضها دالّ على أنّها تستظهر إلى عشرة أيّام كرواية يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام امرأة رأت الدم في حيضها حتّى جاوز وقتها متى ينبغي لها أن تصلّى قال: تنتظر عدّتها التي كانت تجلس ثمّ تستظهر بعشرة أيّام فإن رأت الدم دما صبيبا فلتغتسل في وقت كلّ صلاة «3».

و لكن هذه الروايات و كذا روايات العادة يمكن حملها على أنّ الشارع جعل الدم في أيّام العادة و في أيّام العشرة مثلا امارة على كونه حيضا لا أنّه من باب قاعدة الإمكان و لو سلّم فلا يمكن التجاوز عن مورد النصّ و الحاصل أنّه لم تثبت عندنا مشروعيّة هذه القاعدة إلا في أيّام العادة و أيّام العشرة على اشكال فيهما أيضا.

مسائل

الأولى

- ذات العادة الوقتيّة و العدديّة تترك الصلاة و الصّوم بمجرد رؤية الدم إجماعا و تدلّ على ذلك روايات كثيرة مثل صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة ترى الصفرة في أيّامها فقال: لا تصلّى حتّى ينقضي أيّامها «4» و حمل هذه الرواية على أنّها إذا رأت ثلاثة أيّام جمعا بينها و بين ما دلّ على أنّ الحيض لا يكون أقلّ من ثلاثة خلاف إطلاق الرّواية و هذا الحمل لا يتأتّى في مرسل يونس عنه‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 1

(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 7- 12.

(3) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 7- 12.

(4) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الحيض الحديث 1

 

148
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الأولى ؛ ص : 148

عليه السلام قال: كلّما رأت المرية في أيّام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض «1».

فانّ كلمة كلّما بعمومها شاملة لليوم الأوّل و الثاني أيضا و كذا في موضع آخر من هذه المرسلة حيث قال: فإذا رأت المرية في أيّام حيضها تركت الصّلوة فإن استمر بها الدم ثلاثة أيّام فهي حائض و ضعفها بالإرسال منجبر بالإجماع و عمل الأصحاب هذا كلّه في ذات العادة الوقتية و العددية و أمّا الوقتية فقط فإطلاق الروايتين المتقدمتين يشملها أيضا فإنّ لفظ الأيام الواقع في الروايتين- المقصود منها هو أيّام العادة من حيث الوقت سواءأ كان العدد مساويا أم لا و أمّا ذات العادة العددية فقط فيشكل شمول هاتين الروايتين لها لأنّ المراد من الأيّام- كما ذكرنا- هو الوقت فح لو رأت الدم في اليوم الأول و الثاني و لم يكن بصفات الحيض فالأحوط أن تجمع بين تروك الحائض و أعمال المستحاضة إلى ثلاثة أيّام فإن استمرّ الدم إلى ثلاثة أيّام علم بكونه حيضا.

نعم إذا كان الدم بصفات الحيض يجوز لها ترك الصّلوة بمجرد رؤيته لأنّ أخبار الصفات جعلت الدم الواجد للصفات امارة على الحيض هذا كلّه في ذات العادة مطلقا.

و أمّا المبتدئة فقال في الشرائع: في تحيضها بمجرّد رؤيتها للدم تردد و الأظهر أنّها تحتاط حتى يمضي ثلاثة أيّام انتهى أقول: و قيل: انّها تترك الصلاة بمجرّد رؤية الدم و دليل هذا القول أمران الأوّل قاعدة الإمكان و قد مرّ الكلام فيها و أنها غير معلومة المستند إلا في موارد ورود النص مضافا الى أنّ قاعدة الإمكان تجري فيما إذا أحرز إمكان كون الدم حيضا لا فيما شك في أصل إمكانه كما فيما نحن فيه فانّ الدم إذا استمرّ إلى ثلاثة أيّام يمكن أن يكون حيضا و أمّا إذا لم يستمرّ فلا يمكن أن يكون حيضا و المفروض أنّ المبتدئة إذا رأت الدم في اليوم الأوّل لا تعلم استمراره إلى الثلاثة فكيف يجري في هذا الفرض قاعدة الإمكان الثاني ممّا استدلّ به- الأخبار كموثقة سماعة بن مهران قال: سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض تقعد (فتقعد خ ل) في الشهر يومين و في الشّهر ثلاثة أيّام يختلف عليها لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء قال: فلها أن تجلس و تدع الصّلوة ما دامت ترى الدم ما لم تجز العشرة الخبر «2».

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 11

(2) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب الحيض الحديث 2

149
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المسألة الثانية ؛ ص : 150

و رواية عبد اللّه ن بكير قال: في الجارية أوّل ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون مستحاضة- إنّها تنتظر بالصلاة فلا تصلّى حتّى يمضي أكثر ما يكون من الحيض الخبر «1» و روايته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المرأة إذا رأت الدم في أوّل حيضها فاستمر (بها) الدم (بعد ذلك) تركت الصلاة عشرة أيّام ثمّ تصلّى عشرين يوما فان استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيّام و صلّت سبعة و عشرين يوما «2» و هذه الروايات لا تدلّ على مطلوب هذا القائل من وجوب ترك الصلاة بمجرّد رؤية الدم فإنّها لا تدلّ على أزيد من أنّها تترك الصّلوة ما دامت ترى الدم إلى عشرة أيّام فيمكن أن يكون الشرط في ذلك أنّه إذا استمر الدم إلى ثلاثة أيّام تترك الصلاة لا مطلقا كما ربّما يشعر بذلك الخبر الأخير فإنه (ع) قال: المرية إذا رأت في أوّل حيضها فاستمرّ بها الدم الخبر.

فالأحوط ما ذكره في الشرائع من أنّها تحتاط إلى ثلاثة أيّام.

المسألة الثانية

أنّه إذا رأت المرية الدم مطلقا سواء أ كانت ذات العادة أم مبتدئة أم غيرهما ثلاثة أيّام و لم يكن ما يمنع من حيضيتّه بأن لم يكن بعد اليأس أو قبل مضى أقلّ الطهر.

ثم انقطع قبل العشرة أو فيها المشهور بل ادّعى عليه الإجماع- أنّ الكلّ حيض أمّا أنّ الثلاثة حيض فاستدل لحيضيّتها بأمور الأوّل قاعدة الإمكان المتقدّمة و قد عرفت ما فيها.

الثاني الإجماع و لا بدّ من التتبع الثالث بعض الأخبار كإطلاق صحيحة يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام المرية ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة قال: تدع الصلاة الحديث «3».

و استدلّ لحيضيته ما بعد الثلاثة إلى العشرة برواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا رأت المرية الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الأولى و ان كان بعد‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب الحيض الحديث 6

(2) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الحيض الحديث 7

(3) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 15

150
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المسألة الثانية ؛ ص : 150

العشرة فهو من الحيضة المستقبلة «1» و استدلّ لذلك أيضا بقاعدة الإمكان و الإجماع.

أقول: أمّا رواية يونس التي استدلّ بها لحيضية الثلاثة فموردها ما إذا رأت الدم ثلاثة أيّام أو أربعة أيّام فحكم (ع) بأنّها تدع الصّلوة و أين هذا ممّا إذا رأته في اليوم الأوّل و لم تعلم باستمراره إلى الثلاثة فالأولى أن يقال: في الصورة الأولى أي في الثلاثة أنّه إذا كان بصفات الحيض يحكم بحيضيّته و تدع الصّلوة في اليوم الأوّل لا لإطلاق رواية يونس بل لأخبار الصّفات و أمّا إذا لم يكن بصفات الحيض لم يكن حيضا إلّا إذا كان في أيّام العادة لرواية علىّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام أنّه قال في حديث: و لا غسل عليها من صفرة الّا من صفرة تراها في أيّام طمثها فإن رأت صفرة في أيّام طمثها تركت الصلاة كتركها للدّم «2».

الّا أن يدلّ الإجماع على خلافه فالأحوط أن تجمع بين أعمال المستحاضة و تروك الحائض.

و أما الصورة الثانية أي ما تراه بعد الثلاثة إلى العشرة فينبغي التفصيل المذكور في الثلاثة- فيها لأنّ قاعدة الإمكان قد عرفت ما فيها و الإجماع غير ثابت عندنا تحقّقه إلا في ذات العادة و رواية محمّد بن مسلم المتقدّمة- و إن كانت مطلقة تشمل ما إذا رأت صفرة أيضا إلّا أنّها معارضة بما دلّ من الأخبار الكثيرة على أنّ الصفرة في غير أيّام الحيض ليس بحيض نعم هي شاملة للصفرة في أيّام العادة و ليس لها معارض بالنسبة الى أيّام العادة فالقول بأنّها إذا رأت بصفات الحيض بعد الثلاثة فهو حيض و إذا رأت صفرة فليس بحيض- لا يخلو من وجه و الأحوط الجمع بين تروك الحائض و أعمال المستحاضة الفاقد للصفة هذا كلّه في المبتدئة و في غير ذات العادة و أمّا ذات العادة إذا تجاوز دمها عن عادتها و لم يتجاوز العشرة فالذي يستفاد من الأخبار الكثيرة وجوب الاستظهار عليها في الجملة و معنى الاستظهار- كما يستفاد من الأخبار- هو ترك العبادة الى أن يظهر حالها و لكن في مدة الاستظهار اختلاف شديد بين تلك الأخبار فبعضها يدلّ على وجوب الاستظهار عليها بيوم.

كرواية إسحاق بن حريز قال: سألتني أمرية منّا أن أدخلها على أبي عبد اللّه‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 13

(2) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الحيض الحديث 6

151
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المسألة الثانية ؛ ص : 150

عليه السلام فاستأذنت لها فأذن لها فدخلت الى أن قال: فقالت له: ما تقول في المرية تحيض فتجوز أيّام حيضها قال: إن كان أيّام حيضها دون عشرة أيّام استظهرت بيوم واحد ثمّ هي مستحاضة «1» و هذه الرواية قد صرّحت بأن مدّة الاستظهار يوم واحد و بعد ذلك اليوم تكون مستحاضة و بعضها يدلّ على وجوب الاستظهار بيومين كصحيحة زرارة قال: قلت له: النفساء متى تصلى قال: تقعد بقدر حيضها و تستظهر بيومين فان انقطع الدم و الا اغتسلت الى أن قال: قلت: و الحائض قال: مثل ذلك سواء «2».

و بعضها يدلّ على وجوبه ثلاثة أيّام كموثقة سماعة قال: سألته (ع) عن المرية ترى الدم قبل وقت حيضها فقال: إذا رأت المرية الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة فإنها ربما يعجّل بها الوقت و إن كان أكثر أيّامها التي تحيض فيهنّ فلتربص ثلاثة أيّام بعد ما تمضى أيّامها فإذا تربّصت ثلاثة أيّام و لم ينقطع الدم عنها فلتصنع كما تصنع المستحاضة «3». و مثلها غيرها و بعضها يدلّ على وجوب الاستظهار إلى عشرة أيّام مثل موثقة يونس قال: قلت لأبي عبد اللّه (ع): امرأة رأت الدم في حيضها حتّى جاوز وقتها متى ينبغي لها أن تصلّى قال: تنظر عدّتها التي كانت تجلس ثمّ تستظهر لعشرة أيّام «4».

و هذه الروايات- كما تراها- شديدة الاختلاف جدّا بحيث يصعب الجمع بينها و قيل في الجمع بينها بحمل الأخبار الدالّة على اليوم و اليومين و الثلاثة على العشرة بأن يقال: انّ كلّ واحد منها لا ينفى العشرة فإن إثبات الشي‌ء لا ينفى ما عداه و لكن فيه ما لا يخفى فانّ بعض تلك الأخبار قد صرّح على أن ما عدا اليوم الواحد مثلا هو استحاضة.

و قيل في الجمع بحمل الأخبار المختلفة على الحالات المختلفة في النساء فيحمل اليوم الواحد على ما إذا تجاوز الدم العادة بيوم واحد و الاثنان على ما إذا تجاوز بيومين و الثلاثة على ما إذا تجاوز عن العادة إلى ثلاثة أيّام و العشرة على ما إذا تجاوز إلى العشرة.

و فيه ايضا أنّه خلاف مفروض تلك الأخبار فإنّ المفروض فيها أنّ دمها قد استمرّ الى‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 13

(2) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب الحيض الحديث 3

(3) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الحيض الحديث 8

(4) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 12

152
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المسألة الثانية ؛ ص : 150

أن حكموا عليهم السلام بأنّ الدم بعد أيّام الاستظهار- دم الاستحاضة و هذا لا يناسب انقطاع الدم.

و قيل في الجمع بينها غير ذلك مما لا يخلو أكثرها عن المناقشة فالأولى في الجمع بينها بحمل هذه الروايات المختلفة على التخيير بأن تتخيّر المرية تستظهر يوما واحدا و يومين و ثلاثة أيّام و الى عشرة أيّام و كلّ واحد من هذه الأيّام المختلفة واجب تخييريّ تتخيّر المرية بالأخذ بأيّ واحد منها و الشاهد لهذا الجمع الروايات المستفاد منها التخيير بأن عطف الاثنين و الثلاثة على الواحد بأو المفيدة للتخيير في هذه المقامات مثل صحيحة البزنطي عن ابى الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الحائض كم تستظهر قال: تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة «1».

و رواية سعيد بن يسار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرية تحيض ثمّ تطهر و ربّما رأت بعد ذلك الدم الرقيق بعد اغتسالها من طهرها فقال: تستظهر بعد أيّامها بيومين أو ثلاثة «2» و رواية إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال: المستحاضة تقعد أيّام قرئها ثمّ تحتاط بيوم أو يومين «3».

ثم انّه قد اختلف في وجوب الاستظهار أو استحبابه فذهب بعض الأصحاب إلى استحبابه جمعا بين هذه الأخبار و الأخبار الدالّة على نحو الإطلاق بأنّ الدم إذا كان صفرة فيما بعد أيّام العادة فليس بحيض كرواية إسماعيل الجعفي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا رأت المرية الصفرة قبل انقضاء أيّام عدّتها لم تصلّ و إن كانت صفرة بعد انقضاء أيّام قرئها صلّت «4» و بهذا المضمون أخبار كثيرة و لكن في هذا الحمل ما لا يخفى فإنّه لا يمكن حمل مثل قوله (ع): تستظهر بيوم ثم هي مستحاضة على الاستحباب و كذا مفهوم رواية البصري قال: سألت أبا عبد اللّه (ع) عن المستحاضة أ يطأها زوجها و هل تطوف بالبيت قال: تقعد أيّامها التي كانت تحيض فيه فإن كان قرئها مستقيما فلتأخذ به و إن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين «5».

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 6- 7

(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 6- 7

(3) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض و الباب 6 الحديث 11

(4) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض و الباب 6 الحديث 11

(5) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 4- 2

153
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المسألة الثانية ؛ ص : 150

فانّ مفهومها جواز الوقاع بعد الاحتياط بيوم أو يومين و لا يمكن حمل مثل هذا على الاستحباب مضافا الى أنّه كيف يمكن حمل هذه الأخبار الدالة على الاستظهار- على الاستحباب و لا معنى لاستحباب ترك العبادة مع الحكم في تلك الأخبار بأنّها طاهرة و يجب عليها الغسل و الصلاة فلاحظ تتمة الروايات التي ذكرناها آنفا بل استحباب العكس أولى أي يستحب لها حينئذ فعل الصلاة.

و يتلوه في الضعف حمل أخبار الاستظهار على الإباحة كما عن الذخيرة و يمكن أن يكون وجهه حمل الأوامر الواردة في هذه الأخبار على مورد توهّم الحظر فإنّها لا تفيد أزيد من الإباحة و فيه ايضا ما مرّ.

و قيل في الجمع بحمل أخبار العادة على ما عدا أيام الاستظهار بأن يقال: أنّ أيّام الاستظهار حيث انّ الشارع حكم بتحيّض المرية فيها بحكم أيّام العادة فكأنه قد وسّع الشارع في أيّام العادة- بهذه الأخبار فلسانها لسان الحكومة مثل ما إذا قال: إذا غربت الشمس خرج الوقتان اى وقت الظهر و العصر ثمّ قال في مورد آخر: من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت فإنّه إذا أدرك ركعة من صلاة العصر في آخر الوقت فمع كون معظم صلوته وقع خارج الوقت فاللازم أن تصير قضاء بمقتضى الرواية الاولى و مع ذلك فقد وسّعت هذه الرواية الوقت بلسان الحكومة.

و لكن حمل هذه الأخبار على ذلك و إن كان ليس ببعيد الا أنّه لا يخلو من اشكال لأنّ الحكم بكونه حيضا في اليوم الأوّل من أيّام الاستظهار أو اليوم الثاني و الثالث أيضا أو الى العشرة على اختلاف الأقوال و الأخبار- حكم ظاهري جعله الشارع تكليفا للشاكّة في كون الدم حيضا.

و أمّا إذا تجاوز دمها عن العشرة فالحكم بكون ما تجاوز عن عادتها الى أن تجاوز عن العشرة كلّه ليس بحيض حكم واقعي بالنّسبة الى ما بعد العشرة و ظاهريّ بالنسبة إلى العشرة و كيف يمكن حمل دليل واحد على الحكم الظاهريّ و الواقعي معا.

و قيل في وجه الجمع بحمل أخبار العادة على ما إذا رأت صفرة بعد أيّام العادة و حمل أخبار الاستظهار على ما إذا رأت بصفات الحيض و الشاهد لهذا الجمع ملاحظة أخبار العادة فإنّ أكثرها فيه التعبير عن الدم المتجاوز عن العادة- بالصفرة مثل قوله (ع) في رواية معاوية‌

154
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المسألة الثانية ؛ ص : 150

ابن حكيم: الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض و بعد أيّام الحيض ليس بحيض و هي في أيّام الحيض حيض «1» و لكن يردّ هذا الحمل رواية سعيد بن يسار المتقدّمة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرية تحيض ثم تطهر ثمّ رأت بعد ذلك الشي‌ء من الدم الرقيق بعد اغتسالها من طهرها فقال: تستظهر بعد أيّامها بيومين أو ثلاثة «2».

فإنّها صريحة في وجوب الاستظهار عليها و ان رأت صفرة و ربّما حملت أخبار الاستظهار على ذات العادة غير المستقيمة بأن يزيد أو ينقص من عادتها يوم أو يومان بناء على عدم قدح مثل ذلك في العادة بأن كانت الزيادة أو النقيصة أحيانا بحيث لا تخرج بذلك عن العادة و حمل أخبار العادة على ذات العادة المستقيمة و الشاهد لهذا الجمع رواية البصري المتقدّمة قبيل ذلك قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المستحاضة أ يطأها زوجها و هل تطوف بالبيت قال: تقعد أيّام أقرائها التي كانت تحيض فيها.

فان كان قرئها مستقيما فلتأخذ به و ان كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين. بناء على ظهور أقرائها التي كانت تحيض فيها- في أيّام العادة ثم قسّم (ع) العادة الى من استقامت عادتها و غيرها.

و لكن يمكن أن يقال: انّ المراد باستقامة القرء هو استقامة الحيض لا استقامة العادة فإنّ القرء هنا بمعنى الحيض فح التقسيم الى ذات العادة و غيرها لا ذات العادة المستقيمة و غيرها بل يمكن دعوى ظهور الرواية في ذلك و لا أقلّ من تساوى الاحتمالين و قيل: غير ذلك من وجوه الجمع ممّا لا يخلو من اشكال.

فالأولى ما ذكره شيخنا المرتضى قده في الجمع بين الطائفتين من الأخبار من أنّ أخبار العادة محمولة على ما إذا تجاوز دمها عن العشرة و أخبار الاستظهار على ما إذا لم يتجاوز عنها فأخبار الاستظهار في الحقيقة مخصّصة لأخبار العادة فإنّ أخبار العادة- و إن كانت مطلقة تشمل ما إذا تجاوز دمها عن العادة و لو بيوم أو يومين أو ثلاثة أو الى العشرة- الّا أنّه لا بدّ من تقييدها بيوم أو يومين أو ثلاثة أيّام أو الى العشرة على اختلاف الأقوال و الأخبار و الشاهد لهذا الجمع و التقييد هو نفس أخبار الطرفين أي أخبار العادة و أخبار الاستظهار فانّ المستفاد‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الحيض الحديث 3

(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 7

155
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المسألة الثانية ؛ ص : 150

من أخبار العادة هو كونها كثيرة الدم مثل قول الصادق عليه السلام في رواية داود مولى ابى المعزا العجلي قال سألته عن المرية تحيض ثمّ يمضى وقت طهرها و هي ترى الدم قال: (فقال خ ل) تستظهر بيوم إن كان حيضها دون العشرة أيّام فإن استمرّ الدم فهي مستحاضة و ان انقطع الدم اغتسلت و صلّت قال: قلت له: فالمرئة يكون حيضها سبعة أيّام أو ثمانية أيّام حيضها دائم مستقيم ثم تحيض ثلاثة أيّام ثم ينقطع عنها الدم فترى البياض لا صفرة ولادة قال: تغتسل و تصلّى قلت: تغتسل و تصلّى و تصوم ثمّ يعود الدم قال: إذا رأت الدم أمسكت عن الصّلوة و الصيام قلت: فإنّها ترى الدم يوما و تطهر يوما فقال: إذا رأت الدم أمسكت عن الصلاة، و إذا رأت الطهر صلّت. الخبر «1».

فانّ الظاهر منها أنّ موردها المرية المعتادة التي استمر بها الدم فترى يوما طهرا و يوما دما و كذا رواية يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: امرأة رأت الدم في حيضها حتّى جاوز وقتها متى ينبغي لها أن تصلّى قال: تنتظر عدّتها التي كانت تجلس ثمّ تستظهر بعشرة أيّام فإن رأت الدم صبيبا فلتغتسل في وقت كلّ صلاة «2».

فإنّه و ان ذكر فيها الاستظهار بعشرة أيّام فتكون من الروايات الدالّة على وجوب الاستظهار الّا أنّ قوله (ع): فإن رأت الدم صبيبا ظاهر بل صريح في استمرار الدم و هذه الرواية تصلح شاهدا للجمع بين أخبار العادة و أخبار الاستظهار حيث انّه عليه السلام فصّل بين ما إذا انقطع الدم على العشرة فحكم بكون الجميع حيضا و بين ما إذا تجاوز عنها فحكم بوجوب الغسل و الصلاة عليها و مثل هذين الخبرين في إفادة الاستمرار رواية حريز قال: سألتني امرأة منّا أن أدخلها على أبي عبد اللّه عليه السلام فاستأذنت لها فأذن لها فدخلت الى أن قال: فقالت له: أصلحك اللّه ما تقول في المرية تحيض فتجوز أيّام حيضها دون عشرة أيّام- استظهرت بيوم واحد ثم هي مستحاضة---- قالت: فانّ الدم يستمرّ بها الشهر و الشهرين و الثلاثة كيف تصنع بالصّلوة قال: تجلس أيّام حيضها ثم تغتسل لكلّ صلوتين الخبر «3».

و هذه الرواية مضافا الى أنّه يستفاد منها أنّ مورد السّؤال مستمرّة الدم- يستفاد منها‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 9- 12

(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 9- 12

(3) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 13.

156
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المسألة الثانية ؛ ص : 150

ايضا أنّه إذا استمرّ بها الدم و تجاوز عن العشرة فالحيض أيّام عادتها فقط و بعد العادة هي مستحاضة كما ذكره المشهور لا أنّها تكون حائضا إلى العشرة و بعد العشرة تكون مستحاضة و يشهد لهذا الجمع ايضا نفس أخبار الاستظهار فانّ معنى الاستظهار هو طلب الظهور اى تترك العبادة حتّى يظهر لها حالها من أنّها حائض أو مستحاضة و في بعض تلك الأخبار التعبير بالاحتياط كرواية إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال: المستحاضة تقعد أيّام أقرائها ثم تحتاط بيوم أو يومين فإن هي رأت طهرا اغتسلت و ان هي لم تر طهرا اغتسلت و احتشت الخبر «1».

فانّ الظاهر من هذه الرواية و الروايات الأخر الواردة في الاستظهار- أنّ الاستظهار لأجل كشف الحال فان انكشف الحال و انقطع الدم إلى العشرة أو ما دونها تبيّن كون الدم حيضا و ان تجاوز تبيّن كونه استحاضة حتّى في أيّام العشرة لكن بعد أيّام العادة يجب عليها قضاء ما فاتها من الصلاة و الصّيام و إن كانت هذه الأخبار لم تتعرّض للقضاء إذا تجاوز الدم عن العشرة لدلالة الأخبار الأخر على وجوب الصلاة و الصوم على المستحاضة.

و أخبار الاستظهار و ان دلّت على وجوب الاستظهار و ترك العبادة في يوم أو يومين أو ثلاثة أو الى العشرة الّا أنّ هذا الحكم حكم ظاهريّ لها لاحتمال كونها حائضا و بعد كشف الخلاف تعلم أنّ العبادة كانت واجبة عليها في أيّام الاستظهار و هذا نظير ما إذا رأت الدم في أيّام عادتها يوما أو يومين و تركت العبادة ثمّ ظهر أنّه لم يستمر ثلاثة أيّام فإنّها و ان كانت بحسب الظاهر مكلّفة بترك العبادة الّا أنّها بعد كشف الخلاف تعلم أنّها لم تكن حائضا و فاتت العبادة عنها فيجب عليها قضائها قطعا هذا كلّه إذا أمكن الجمع بين الأخبار و أمّا إذا قلنا بعدم إمكان الجمع بينها و طرحنا أخبار الطرفين للتعارض الواقع بينها فالمرجع في الدم المتجاوز عن العادة غير المتجاوز عن العشرة هو الاستصحاب بأن يقال: انّ هذا الدم كان قبل انقضاء العادة حيضا فالأصل بقائه على الحيضيّة بعد العادة.

و لكن لا بدّ في الاستصحاب من بقاء الموضوع و المفروض هنا ارتفاعه قطعا فانّ الدم الذي كان في أيّام العادة قد ارتفع و هذا الدم المتحقّق بعد أيّام العادة ليس ذلك الدم فلا يمكن استصحابه الّا أن يقال: انّه يكفى البقاء بنظر العرف لا البقاء الدقّى الفلسفي و هذا‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 1

157
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

فرعان يتعلقان بتجاوز الدم عن العشرة: و استمراره الى شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين: ؛ ص : 158

 

الدم بعد أيّام العادة و ان لم يكن متّحدا مع الدم في أيّام العادة بحسب الدقّة العقليّة الّا أنّ العرف يراهما دما واحدا نظير ما إذا كان ماء النهر مضافا ثم صار صافيا في الجملة فيشك بذلك في إضافته فيستصحب إضافته مع أنّ الماء الصافي في الجملة غير الماء المعلوم إضافته قطعا و لكن بنظر العرف هما ماء واحد حيث انّ مجراهما واحد لشدة اتصالهما و على فرض عدم إمكان جريان استصحاب الحيضية يمكن جريان الاستصحاب بتقريبين آخرين الأوّل جريان الاستصحاب بالنسبة إلى المرية بأن يقال: انّ هذه المرية كانت في أيّام عادتها حائضا فالأصل بقائها على الحيضية و هذا لا يرد عليه تبدّل الموضوع فانّ الموضوع في القضيّة هي المرية و هي باقية فالقضيّة المشكوكة و المتيقّنة موضوعهما واحد.

و التقريب الثاني استصحاب الحكم بأن يقال: هذه المرية كان يحرم عليها العبادة و دخول المساجد و الوقاع في أيّام العادة فالأصل بقاء هذه الأحكام بعد انقضاء العادة ما دام الدم باقيا.

فرعان يتعلقان بتجاوز الدم عن العشرة: و استمراره الى شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين:

الأوّل

أنّ ذات العادة إذا تجاوز دمها عن العشرة تجعل عادتها حيضا كما عرفت سواء أ كان بصفات الحيض أم لا خلافا للقول غير المشهور حيث حكم بالحيضيّة إذا كان مع الصفات دون غيرها و بعد أيّام العادة يحكم بكونه استحاضة سواء أ كان بصفات الحيض أم بصفات الاستحاضة و إذا كانت عادتها بالتميز بأن كانت ترى مثلا في كلّ شهر من أوّل الشهر إلى سبعة أيّام بصفات الحيض فالظاهر جعل ما كان بصفات الحيض حيضا و ما كان بصفات الاستحاضة استحاضة ما لم يعارضه دم آخر بصفات الحيض بأن رأت دما بصفات الحيض خمسة أيّام في أوّل الشهر ثم رأت خمسة أيّام بصفات الاستحاضة ثمّ رأت خمسة أيّام ايضا بصفات الحيض فإنّه لا يمكن جعل كلا الدمين أي الأوّل و الثالث حيضا فلا بدّ لها من أن تحتاط في كلا الدمين الا أن يكون أحدهما واقعا في أيام العادة فإنّه حيض دون الآخر فإنّه ليس بحيض لعدم تخلّل أقلّ الطهر بينهما.

و ان رأت دما بصفة الاستحاضة في أيام عادتها التي تحقّقت بالصفات فالظاهر أنّه‌

 

158
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

الفرع الثاني ؛ ص : 159

حيض فح إن رأت بعد ذلك دما بصفات الحيض فالظاهر أنّه استحاضة لأنّ العادة مقدّمة على الصفات.

و إذا رأت في أيّام العادة الدم بصفات الحيض ثمّ رأت بصفات الاستحاضة بمقدار أقلّ الطهر ثمّ رأت ثانيا الدم بصفات الحيض فالظاهر أنّ الدم الأوّل فقط حيض دون غيره و إن كان بصفات الحيض لتقديم ما في العادة على غيرها.

الفرع الثاني

الظاهر أن المبتدئة- و هي التي لم تر الدم قطّ كما عن المشهور أو المرية التي لم تستقرّ لها العادة كما عن بعض آخر- تجعل ما بصفة الحيض حيضا و ما بصفة الاستحاضة استحاضة فتكليفها تمييز الحيض عن غيره بالأوصاف لا الرجوع الى الأقران أو الروايات و الدليل على ذلك الروايات الدالّة على تميز الحيض عن الاستحاضة بالصفات عند الاختلاط. كحسنة حفص البختري قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام أمرية فسألته عن المرية يستمر بها الدم فلا تدري أحيض هو أو غيره قال: فقال لها: انّ دم الحيض حار عبيط أسود له دفع و حرارة و دم الاستحاضة أصفر بارد «1».

و رواية إسحاق بن جرير قال: سألتني امرأة منّا أن أدخلها على أبي عبد اللّه عليه السلام فاستأذنت لها فأذن لها فدخلت الى أن قال: قالت: فان الدم يستمرّ بها الشهر و الشهرين و الثلاثة كيف تصنع بالصّلوة قال: تجلس أيّام حيضها ثمّ تغتسل لكلّ صلوتين قالت: انّ أيّام حيضها تختلف عليها و كان يتقدّم الحيض اليوم و اليومين و الثلاثة و يتأخّر مثل ذلك فما علمها به قال: دم الحيض ليس به خفاء و هو دم حار تجد له حرقة و دم الاستحاضة دم فاسد بارد الحديث «2». و لكن يستفاد من بعض الأخبار أنّ وظيفة المبتدئة الرجوع الى الروايات اى روايات الستّ أو السّبع اى جعل حيضها في كلّ شهر ستّة أيّام أو سبعة أيّام كمرسل يونس الطويل عن ابى عبد اللّه عليه السلام فإنّه (ع) بعد ما بيّن فيه وظيفة ذات العادة و وظيفة الناسية لها قال: و أمّا السنة الثالثة ففي (فهي) التي ليس لها أيّام متقدّمة و لم تر الدم قطّ و رأت أوّل ما أدركت و استمرّ بها فإنّ سنّة هذه غير سنّة الأولى و الثانية و ذلك أنّ امراة يقال لها: حمنة بنت جحش أنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقالت: انّى استحضت حيضة شديدة فقال‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب الحيض الحديث 1

(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 13

159
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

(فصل في أحكام الحائض) ؛ ص : 160

لها: احتشي كرسفا.

فقالت: انّه أشدّ من ذلك انّى أثجّه ثجّا فقال: تلجمي و تحيّضي في كلّ شهر في علم اللّه ستّة أيّام أو سبعة أيّام ثم اغتسلي للفجر غسلا و أخّرى الظهر و عجّلي العصر و أخّرى المغرب و عجّلي العشاء و اغتسلي غسلا الخبر.

فيستفاد من إطلاق هذا الحديث ان سنّة المبتدئة و وظيفتها الرجوع الى الروايات لا الى التميز بالصفات فيقع التعارض بين هذا الخبر و الأخبار الدالّة على التميز بالصفات الشاملة بإطلاقها للمبتدئة و يمكن الجمع بينهما بحمل هذا الخبر على ما إذا رأت الدم على لون واحد و استمر كما ربّما يظهر ذلك من قولها: إنّي أثجّه ثجّا اى أصبه صبّا و المراد بذلك كثرة الدم فإن كثرة الدم و مجيئه بتدافع و شدّة يلازم غالبا كونه بلون واحد و هو غلظته و حدّته و حرارته و حمرته بل يظهر من آخر الرواية التصريح بذلك حيث قال (ع) في بيان حكم الناسية: و ان اختلطت عليها أيّامها و زادت و نقصت حتّى لا تقف منها على حدّ و لا من الدم على لون عملت بإقبال الدم و إدباره الى أن قال (ع): فان لم يكن الأمر كذلك و لكنّ الدم أطبق عليها فلم تزل الاستحاضة دارّة و كان الدم على لون واحد و حالة واحدة فسنتها السبع و الثلاث و العشرون لأن قصّتها كقصّة حمنة حين قالت: إنّي أثجه ثجّا.

فيستفاد منه أنّ الدم إذا كان على لون واحد فسنّة المرأة- سواء كانت ناسية أو مبتدئة- السبع و الثلاث و العشرون اى تتحيض سبعة أيّام و تصلّى و تصوم ثلاثة و عشرين يوما فانّ تنظير الناسية بالمبتدئة يظهر منه أنّ المبتدئة المفروضة في الرواية كان دمها على لون واحد.

(فصل في أحكام الحائض)

بحرم على الحائض أمور.

الأوّل قراءة سور العزائم أو آياتها كما مرّ في الجنب.

الثاني المكث في غير المسجدين و دخول المسجدين اى المسجد الحرام و مسجد النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم.

الثالث مس كتابة القرآن و مسّ أسماء الجلالة و أسماء النّبي و الأئمة بل أسماء الأنبياء عليهم السلام و الدليل على ذلك ما مرّ في الجنب.

160
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

(فصل في أحكام الحائض) ؛ ص : 160

الرابع الإتيان بالعبادات من الصلاة و الصوم و يجب عليها بعد الطهر قضاء الصيام دون الصلاة و الدليل على ذلك رواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: إذا كانت المرية طامثا فلا تحل لها الصلاة «1» و رواية عمر بن أذينة عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قضاء الحائض الصلاة ثم تقضى الصيام قال: ليس عليها أن تقضى الصلاة و عليها أن تقضى صوم شهر رمضان الحديث «2» و نحوهما غيرهما من الأخبار الكثيرة.

الخامس يحرم على زوجها أن يجامعها في القبل و لا يحرم عليه سائر الاستمتاعات حتّى الوطي في الدبر على المشهور و تجب عليه الكفّارة بدينار ان جامعها في أوّل الحيض و بنصف الدينار إن جامعها في وسطه و بربع الدينار ان جامعها في آخره.

أمّا حرمة المجامعة فتدلّ عليها رواية مالك بن أعين قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن المستحاضة كيف يغشاها زوجها قال: تنظر الأيّام التي كانت تحيض فيها و حيضها مستقيمة فلا يقربها في عدّة تلك الأيّام من ذلك الشهر و يغشاها فيما سوى ذلك من الأيّام و لا يغشاها حتّى يأمرها فتغتسل ثم يغشاها ان أراد «3».

و المراد بالمستحاضة الكثيرة الدم و يستفاد من هذه الرواية عدم جواز غشيانها قبل الغسل و ان صارت نقيّة من الحيض و هو مخالف لما عليه كثير من الأعلام و يمكن حمل هذه الجملة أي قوله و لا يغشاها حتّى يأمرها فتغتسل- على الكراهة. و الدليل على حرمة وطئها أيضا من الآيات قوله تعالى فَاعْتَزِلُوا النِّسٰاءَ فِي الْمَحِيضِ «4» و أمّا الأخبار فهي كثيرة (راجع ب 21 من أبواب الحيض من جامع الأحاديث).

و يدل على جواز الاستمتاع بما عدا الفرج رواية عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقى موضع الدم «5».

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 11 من أبواب الحيض الحديث 1

(2) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب الحيض الحديث 3

(3) جامع الأحاديث الباب 21 من أبواب الحيض الحديث 1

(4) سورة البقرة الآية 222

(5) جامع الأحاديث الباب 21 من أبواب الحيض الحديث 16

161
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

(فصل في أحكام الحائض) ؛ ص : 160

و رواية عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما يحلّ للرجل من امرأته و هي حائض فقال: ما دون الفرج «1».

و الفرج و إن كان صادقا على القبل و الدبر الّا أنّ في بعض الأخبار التصريح بالقبل كرواية عبد الكريم (الملك) بن عمر قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام ما لصاحب المرية الحائض منها فقال: كلّ شي‌ء ما عدا القبل يصيبه منها بعينه «2».

و أمّا ما روى عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل: ما يحلّ له من الطامث قال: لا شي‌ء له حتّى تطهر «3» فمطروح أو مأوّل قال الشيخ قدّه: لا شي‌ء له من الوطي في الفرج و إن كان له ما دون ذلك انتهى و أمّا ما دلّ على وجوب الكفّارة فكثير منها ما دلّ على وجوب الدينار في أوّل الحيض و نصف الدينار في وسطه و ربع الدينار في آخره كرواية داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في كفّارة الطمث: أنّه يتصدق إذا كان في أوّله بدينار و في وسطه (أو في أوسطه) بنصف دينار و في آخره ربع دينار «4» و منها ما دلّ على وجوب دينار على من جامعها من غير تفصيل كرواية محمد بن مسلم قال: سألته عمّن أتى امرأته و هي طامث قال: يتصدّق بدينار و يستغفر اللّه تعالى «5» و منها ما دلّ على وجوب نصف دينار على من جامعها من دون تفصيل كرواية أبي بصير عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: من أتى حائضا فعليه نصف دينار يتصدّق به «6».

و يمكن حمل جميع هذه الأخبار على الاستحباب اى استحباب الكفّارة للتسامح الظاهر في بيان مقدارها مع أنّ في بعض الأخبار- ما يستفاد أنّه يكفيه الاستغفار كرواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل أتى أهله و هي حائض قال: يستغفر اللّه تعالى و لا يعود قلت: فعليه أدب قال: نعم خمسة و عشرون سوطا ربع حدّ الزاني و هو صاغر لأنّه أتى سفاحا «7».

و في بعض الأخبار ما يدلّ على كفاية التصدّق على مسكين واحد بقدر شبعه كرواية‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 21 من أبواب الحيض الحديث 20- 18.

(2) جامع الأحاديث الباب 21 من أبواب الحيض الحديث 20- 18.

(3) جامع الأحاديث الباب 21 من أبواب الحيض الحديث 27 و الباب 22 الحديث 11

(4) جامع الأحاديث الباب 21 من أبواب الحيض الحديث 27 و الباب 22 الحديث 11

(5) جامع الأحاديث الباب 22 من أبواب المحيض الحديث 3

(6) جامع الأحاديث الباب 22 من أبواب الحيض الحديث 5- 8

(7) جامع الأحاديث الباب 22 من أبواب الحيض الحديث 5- 8

162
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

(فصل في أحكام الحائض) ؛ ص : 160

عبيد اللّه بن على الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يقع على امرأته و هي حائض قال: يتصدّق على مسكين بقدر شبعه «1».

فيستفاد من مجموع هذه الأخبار و غيرها- المسامحة بالنسبة الى ما على الرجل الآتي أهله و هي حائض فلا يبعد حمل ما دلّ على وجوب الدينار أو نصفه أو ربعه عليه على الاستحباب و إن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه ثمّ انّه يشمل وجوب الكفّارة لمن أتى حائضا أجنبيّة أولا- يمكن أن يقال: انّه و إن كان المتبادر من الآية المباركة و الاخبار- هو الزوجة الّا أنّ المناط ليس الزوجية بل كونها حائضا مثلا إذا قيل: إذا قطعت إصبع امرأة فعليك كذا من الدية لا يستفاد منه أنّ موضوع وجوب الدية هو قطع إصبع المرية بل يستفاد منه أن الموضوع هو قطع الإصبع فح هذا الحكم ثابت لمن قطع إصبع الرجل ايضا فكذا هنا.

فانّ قوله (ع) من أتى حائضا فعليه كذا يستفاد منه أنّ المناط إتيان الحائض لا إتيان امرأته في حال الحيض و هل تتكرّر الكفّارة بتكرّر الوطي- قيل: بعدمه مطلقا كما عن ابن إدريس و قيل بالتكرّر مطلقا و قيل بالتكرّر مع تخلّل الكفارة بأن وطئ و كفّر ثم وطئ و منشأ الاختلافات أنّ النهى- أعني قوله تعالى وَ لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ هل تعلّق بالطبيعة بصرف وجودها أو بالطبيعة السارية فإن كان الأوّل فلا تتكرر لأنّ متعلّق النهى هو ذات الطبيعة من حيث هي مع قطع النظر عن الأفراد و الطبيعة تصدق على القليل و الكثير.

بخلاف ما إذا تعلّق بها على النحو الثاني فإنّ متعلّق النهي هي الأفراد لا نفس الطبيعة فكلّ فرد من أفراد الطبيعة قد تعلّق النهى به فكلّ فرد من أفراد الوطي حيث انّه متعلّق النهى- موجب للكفّارة فلا بدّ من أن يستظهر من الأدلة- أنّه على النحو الأوّل أو الثاني و لا يبعد أن يقال هنا: انّ الظاهر من قوله (ع): من أتى حائضا إلخ أن ما يوجب الكفارة هو إتيان الحائض فكلّ فرد من إتيانها يصدق عليه أنّه أتى حائضا خصوصا مع تخلّل الكفّارة فلا يبعد القول بتكرّر الكفّارة عند تكرر الوطي.

السادس يحرم طلاقها إجماعا منّا بل من المسلمين كما في الجواهر و يقع باطلا إجماعا منّا و من بعض العامة خلافا لأبي حنيفة و مالك و الشافعي و أحمد بن حنبل و الدليل على بطلانه في حال الحيض الأخبار الكثيرة يجدها المراجع في باب الطلاق من الوسائل.

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 22 من أبواب المحيض الحديث 11

163
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

(فصل في أحكام الحائض) ؛ ص : 160

منها صحيحة الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يطلّق امرئته و هي حائض قال: الطلاق على غير السنّة باطل «1» و استثنى من هذا الحكم ثلاثة 1- طلاق غير المدخول بها 2- طلاق الحامل 3- طلاق الغائب عنها زوجها بحيث لا يتمكّن من الاطلاع على حال زوجته و الدليل على هذا الاستثناء الروايات المعتبرة.

منها صحيحة إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال: خمس يطلّقهن الرجل على كلّ حال الحامل و التي لم يدخل بها و الغائب عنها زوجها و التي لم تحض و التي يئست من المحيض «2».

و حدّ الغيبة التي يجوز معها الطلاق على كلّ حال و اختلاف الأقوال و الأخبار فيه- موكول بباب الطلاق.

و من أحكام الحائض وجوب الغسل عليها بعد ما صارت طاهرة من الحيض لأجل العبادات المفروضة عليها و هذا الوجوب مقدّمي اى مقدّمة للعبادات الواجبة و ليس وجوبه نفسيّا خلافا لبعض الأصحاب كصاحب المدارك.

فانّ المترائى من الوجوب في هذه الموارد ليس الا الوجوب للغير و ليس له محبوبيّة ذاتيّة كما لا يخفى ثمّ انّ كيفيّة هذا الغسل مثل غسل الجنابة في جواز الإتيان به ترتيبا أو ارتماسا كما يدلّ عليه خبر الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: غسل الجنابة و الحيض واحد «3» و غير ذلك من الأخبار.

و هل يكفى هذا الغسل عن الوضوء ككفاية غسل الجنابة عنه أو لا بدّ معه من الوضوء قبله أو بعده- المشهور عدم الكفاية و عن المرتضى قده و ابن الجنيد و المقدّس الأردبيلي و صاحب المدارك و بعض المتأخرين القول بكفاية غسل الحيض عن الوضوء و مستند المشهور مرسلة ابن ابى عمير عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كلّ غسل قبله وضوء الّا غسل الجنابة «4» و روايته الأخرى عن حمّاد بن عثمان أو غيره عنه عليه السلام قال: في كلّ غسل‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 8 من أبواب الطلاق الحديث 3

(2) الوسائل الباب 25 من أبواب الطلاق الحديث 1

(3) الوسائل الباب 23 من أبواب الحيض الحديث 1

(4) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث 11

164
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

(فصل في أحكام الحائض) ؛ ص : 160

وضوء الّا غسل الجنابة «1».

و رواية فقه الرضا: و ليس في غسل الجنابة وضوء و الوضوء في كلّ غسل ما خلا غسل الجنابة لأنّ غسل الجنابة فريضة تجزيه عن الفرض الثاني و لا تجزيه سائر الأغسال عن الوضوء لأنّ الغسل سنّة و الوضوء فريضة و لا تجزى سنّة عن فرض الى أن قال: فان اغتسلت لغير جنابة فابدأ بالوضوء ثمّ اغتسل و لا يجزيك الغسل عن الوضوء فان اغتسلت و نسيت الوضوء فتوضّأ و أعد الصلاة «2».

و مستند من قال بكفاية مطلق الغسل عن الوضوء أخبار كثيرة فيها الصحيح و الموثق منها مكاتبة محمّد بن عبد الرحمن الهمداني الى ابى الحسن الثالث عليه السلام يسأله عن الوضوء للصّلوة في غسل الجمعة فكتب (ع): لا وضوء للصلاة في غسل الجمعة و لا غيره «3» و هذه الرواية لا يتطّرق فيها بعض الاحتمالات المتطرقة في بعض الأخبار الآتية من احتمال أن يكون المراد بالغسل غسل الجنابة أو يكون الوضوء من شرائط صحّة الغسل فانّ هذه الرواية صريحة بأنّ الوضوء المسئول عنه هو الوضوء للصّلاة و كذا هي صريحة بكفاية ما عدا غسل الجنابة من غسل الجمعة و غيره الشامل بإطلاقه لجميع الأغسال- عن الوضوء.

و منها موثّقة عمار الساباطي قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الرجل إذا اغتسل من جنابته (جنابة خ ل) أو يوم جمعة أو يوم عيد هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده فقال: لا- ليس عليه قبل و لا بعد قد أجزأه الغسل و المرأة مثل ذلك إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك فليس عليها الوضوء لا قبل و لا بعد قد أجزأها الغسل «4».

و هذه الرواية ايضا ظاهرة في كفاية مطلق الغسل عن الوضوء و منها رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: الغسل يجزى عن الوضوء و أىّ وضوء أطهر من الغسل «5» و نوقش في دلالة هذه الرواية بأنّ الألف و اللام في الغسل امّا أن تكونا للجنس أو للعهد فان كانتا للجنس فلازمه كفاية مطلق الغسل عن الوضوء سواء كان من الأغسال الواجبة أو المسنونة بل و ان لم يكن من الأغسال المشروعة لأن معناه ح أنّ ماهيّة الغسل يكفى‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث 11- 10

(2) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث 11- 10

(3) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث 6- 7

(4) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث 6- 7

(5) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث- 1

165
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

(فصل في أحكام الحائض) ؛ ص : 160

عن ماهيّة الوضوء فلازمه جواز الإتيان بالغسل في مقام الوضوء الواجب دائما و هذا لا يلتزم به أحد.

و إن كان المراد من الألف و اللام العهد فامّا أن يكون المراد بالغسل غسل الجنابة أو جميع الأغسال المشروعة و لا ترجيح للاحتمال الثاني على الاحتمال الأوّل بل الترجيح يكون للاحتمال الأوّل لكثرة الابتلاء بغسل الجنابة دون سائر الأغسال فيمكن أن يكون المراد بالغسل غسل الجنابة فلا يشمل سائر الأغسال مع هذا الاحتمال.

و منها رواية عبد اللّه بن سليمان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: الوضوء بعد الغسل بدعة «1» و في بعض الأخبار مرسلا: بأنّ الوضوء قبل الغسل و بعده بدعة «2» و أمّا الأخبار المتقدّمة الدالّة على وجوب الوضوء مع الغسل إلا غسل الجنابة فيمكن الجواب عنها بأن مرسلة ابن ابى عمير لا تكافئ هذه الأخبار الصحيح بعضها لإرسالها مع أنّها ليست صريحة في الوجوب فيمكن حملها على الاستحباب و روايته- اى ابن ابى عمير- عن حمّاد بن عثمان يمكن أن تكون بعينها هذه الرواية المرسلة و على فرض تعدّدها حيث انّ المرويّ عنه مردّد بين حمّاد و غيره فهي أيضا كالمرسلة و رواية فقه الرضا و إن كانت من حيث الدلالة لا شبهة فيها الّا أنّه لا يمكن الاعتماد عليها لعدم العلم بصدور فقه الرضا عن الامام الثامن صلوات اللّه عليه فالعمل ح على الأخبار الدالة على أن لا وضوء مع مطلق الغسل سواء أ كان جنابة أم غيرها.

لكنّ الإنصاف أنّ هذه الأخبار مع كثرتها و صحّة بعضها لا تعارض مرسلة ابن أبى عمير لانجبار ضعفها بعمل جلّ الأصحاب و هذه الأخبار مع أنّها بمرأى منهم لم يعملوا بها مع كون بعضها صحيحا فيعلم من ذلك وجود علة فيها حتّى أعرض الأصحاب عنها حتّى أنّ الصدوق (قدس سره) جعل مضمون مرسلة ابن أبى عمير في اعتقاداته- من دين الإمامية مع تبحّره في الأخبار فيعلم كون هذه الأخبار معرضا عنها عند الأصحاب فالأحوط بل لا يخلو عن قوة- وجوب الوضوء قبل الغسل أو بعده.

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث- 5- 4

(2) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث- 5- 4

166
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث السابع في الاستحاضة ؛ ص : 167

المبحث السابع في الاستحاضة

. كلّ دم لا يمكن جعله حيضا بأن كان أقلّ من الثلاثة أو أكثر من العشرة أو لم يتخلّل بين دم الحيض و بينه أقلّ الطّهر- و هو عشرة أيّام على المشهور و كذا الدم بعد اليأس و الدم الذي لا يمكن جعله حيضا و لا نفاسا و لم يكن من العذرة- فهو دم الاستحاضة و هو على ثلاثة أقسام على المشهور قليلة و متوسّطة و كثيرة خلافا لابن أبى عقيل حيث جعلها قسمين متوسّطة و كثيرة و لم يوجب للقليلة غسلا و لا وضوءا و خلافا لابن الجنيد حيث جعلها قسمين أيضا الّا أنّه حكم بوجوب الغسل الواحد في كلّ يوم و ليلة للقليلة و ألحق المتوسّطة بالكثيرة في وجوب تثليث الأغسال و الروايات أيضا خالية عن تثليث الأقسام بل الذي يستفاد منها- هو كون الاستحاضة على قسمين الأوّل ما يثقب الدم الكرسف و المراد به هو القطنة و المراد بثقبه للكرسف نفوذ الدم فيه.

فلنذكر أوّلا بعض تلك الأخبار حتّى يتضع المراد فنقول- و من اللّه الاستعانة- روى الكليني و الشيخ قدس سرهما عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المستحاضة تنتظر أيّامها فلا تصلّي فيها و لا يقربها بعلها فإذا جازت (جاوزت خ ل) أيّامها و رأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر و العصر تؤخر هذه و تعجل هذه و للمغرب و العشاء الآخرة غسلا تؤخّر هذه و تعجّل هذه و تغتسل للصبح و تحتشي و تستثفر الى أن قال: و إن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت و دخلت المسجد و صلّت كلّ صلاة بوضوء و هذه يأتيها زوجها إلّا في أيّام حيضها «1».

و رؤيا ايضا مسندا- في الموثق- عن سماعة قال: قال: المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين و للفجر غسلا و ان لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكلّ‌

______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الاستحاضة الحديث 1

167
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث السابع في الاستحاضة ؛ ص : 167

يوم مرّة و الوضوء لكل صلاة و ان أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل، هذا إن كان دمها عبيطا و إن كان صفرة فعليها الوضوء «1» قوله: و ان لم يجز الدم الكرسف إلخ يستفاد منه أنّ المفروض في الفرض الأوّل الذي حكم فيه بوجوب الغسل لكلّ صلوتين- هو ما إذا جاوز الدم الكرسف.

و عدم التجاوز له فردان الأوّل ما إذا دخل الدم في الكرسف و لكن لم يجاوزه و الثاني ما إذا لم يدخل الكرسف أصلا و هذا هو القليلة فقد أوجب (ع) على المستحاضة القليلة الغسل ايضا و لا يستفاد من الرواية التثليث.

هذا ما ذكره الأستاذ دام ظله و لكن يمكن أن يقال: انّ الظاهر من قوله (ع) و ان لم يجز الدم الكرسف- هو دخول الدم في القطنة و لكن لم يتجاوز الى الطرف الآخر و لا يشمل ما إذا لم يدخل القطنة أصلا حتى يشمل القليلة و قوله (ع) في آخر الرواية و إن كانت صفرة فعليها الوضوء يمكن أن يكون المراد من الصفرة هي الاستحاضة القليلة لأنّ الدم القليل ملازم غالبا للصّفرة فتكون الرواية متعرّضة لتثليث الأقسام فتأمّل جيّدا.

الى غير ذلك من الأخبار التي يظهر منها أنّ الاستحاضة على قسمين نعم رواية فقه الرضا (ع) تدلّ صريحا على تثليث الأقسام و هي قوله (ع): فإذا زاد عليها الدم على أيّامها اغتسلت في كلّ يوم مع الفجر و استدخلت الكرسف و شدّت و صلّت ثم لا تزال تصلّى يومها ما لم يظهر الدم فوق الكرسف و الخرقة فإذا ظهر أعادت الغسل و هذه صفة ما تعمله المستحاضة بعد أن تجلس أيام الحيض على عادتها.

و قال عليه السلام ايضا: و ان رأت الدم أكثر من عشرة أيّام فلتقعد عن الصّلوة عشرة ثمّ تغتسل يوم الحادي عشر و تحتشي و تغتسل فان لم يثقب الدم القطن صلّت صلوتها كلّ صلاة بوضوء و ان ثقب الدم الكرسف و لم يسل صلّت صلاة الليل و الغداة بغسل واحد و سائر الصلوات بوضوء و ان ثقب الدم الكرسف و سال صلّت صلاة الليل و الغداة بغسل و الظهر و العصر بغسل و تؤخّر الظهر قليلا و تعجّل العصر و تصلّى المغرب و العشاء الآخرة بغسل واحد و تؤخّر المغرب قليلا و تعجل العشاء الآخرة «2».

______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من أبواب. الاستحاضة الحديث 6

(2) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 10

168
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث السابع في الاستحاضة ؛ ص : 167

و هذه الرواية و إن كانت صريحة في التثليث الّا أنّه لا يمكن الاعتماد عليها لعدم ثبوت استناد فقه الرضا الى مولانا الرضا عليه السلام كما ذكرنا ذلك غير مرّة اللّهم الا أن يقال: انّ ضعفها منجبر بعمل المشهور بها لكن يرد عليه أنّه لا يعلم استناد المشهور في هذه الفتوى الى هذه الرواية بل يحتمل قويّا استفادتهم لهذا الحكم من الأخبار الواردة في هذا الباب.

و يمكن استفادة التثليث من صحيحة الصّحاف الواردة في حيض الحامل و هي ما رواه الكليني و الشيخ مسندا عن الحسين بن نعيم الصّحاف قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: انّ أمّ ولدي ترى الدم و هي حامل كيف تصنع بالصّلوة فقال: إذا رأت الحامل الدم بعد ما تمضى عشرون يوما من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه فانّ ذلك ليس من الرحم و لا من الطمث الى أن قال: و ان لم ينقطع الدم عنها الّا بعد ما يمضي الأيام التي كانت ترى الدم فيها بيوم أو يومين فلتغتسل ثمّ تحتشي و تستثفر و تصلّى الظهر و العصر ثمّ لتنظر فان كان الدم فيما بينهما (بينها خ ل) و بين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتوضّأ و لتصلّ عند وقت كلّ صلاة ثمّ تطرح الكرسف عنها فان طرحت الكرسف عنها و سال الدم وجب عليها الغسل.

قال: و ان طرحت الكرسف عنها و لم يسل الدم فلتوضّأ و لتصلّ و لا غسل عليها قال: و إن كان الدم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف صبيبا لا يرقى فانّ عليها ان تغتسل في كلّ يوم و ليلة ثلاث مراّت و تحتشي و تصلّى و تغتسل للفجر و تغتسل للظهر و العصر و تغتسل للمغرب و العشاء الآخرة الخبر «1».

و هذا الخبر و إن كان الظاهر منه تثليث الأقسام الا أنه لم يفت الأصحاب بمضمونه و هو طرح الكرسف و إمساكه و الحاصل أنّه لا يوجد خبر دالّ على تثليث الأقسام يعتمد عليه دلالة و سندا لأنّ المعتمد سندا كهذه الصحيحة غير دالّ على تثليث الأقسام و المعتمد دلالة غير صحيح السند (كذا في المسودة بخطّ الحقير مؤلف هذا الكتاب نقلا عن الأستاذ دام علاه).

و لكن يمكن أن يقال: انّ اشتمال الرواية على جملة لم يعمل بها الأصحاب لا يوجب طرحها مع أنّ المفروض كونها صحيحة السند و ظاهرة الدلالة على تثليث الأقسام و قد أفتى‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب الحيض الحديث 14

169
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث السابع في الاستحاضة ؛ ص : 167

جلّ الفقهاء بمضمونها.

ثمّ انّ المشهور بين الفقهاء هو أنّ حكم القليلة تبديل القطنة أو تطهيرها و تطهير المحلّ و الوضوء لكلّ صلاة.

أمّا وجوب تبديل القطنة فقد استدلّ له أوّلا بأنّ هذا الدّم من الدماء غير المعفوّ عنها فلا بد من تطهيرها أو تبديلها و تطهير المحل عن ذلك الدم و ثانيا بأنّ بعض الأخبار دالّ على وجوب تبديل القطنة في المتوسّطة و الكثيرة مع عدم الفرق كصحيحة صفوان بن يحيى عن أبى الحسن عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك إذا مكثت المرية عشرة أيّام ترى الدم ثمّ طهرت فمكثت ثلاثة أيّام طاهرا ثمّ رأت الدم بعد ذلك أ تمسك عن الصلاة قال: لا- هذه مستحاضة تغتسل و تستدخل قطنة بعد قطنة و تجمع بين صلوتين بغسل و يأتيها زوجها ان أراد «1».

و رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المستحاضة أ يطأها زوجها و هل تطوف بالبيت قال: تقعد قرئها الذي كانت تحيض فيه فان كان قرئها مستقيما فلتأخذ به و إن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين و لتغتسل و لتستدخل كرسفا فإذا ظهر على الكرسف فلتغتسل ثمّ تضع كرسفا آخر ثم تصلّى الحديث «2» و لكن لا يخفى عليك ضعف الدليلين أمّا الأوّل فبأن هذا الدم على فرض عدم العفو عنه انّما يضر إذا كان في الظاهر لا ما إذا كان في الباطن كما هو المفروض في القليلة مضافا الى أنّ تبديل القطنة غير مجد بعد صيرورتها متلوّثة بالدم بعد التبديل و امّا الثاني و هو دلالة الروايتين على وجوب التبديل في المتوسّطة و الكثيرة ففيه أولا أنّ الروايتين لا دلالة لهما على وجوب التبديل فيهما ايضا فضلا عن القليلة فقوله: تستدخل قطنة بعد قطنة لا يدلّ على وجوب التبديل عند كلّ صلاة بل غاية ما تدلّ الرواية عليه أنّ عليها التبديل عند ارادة الغسل و ثانيا أن الرواية الثانية دلالتها على خلاف مطلوبهم أظهر لأنّها تدلّ على وضع كرسف آخر عند ظهور الدم على الكرسف- بعد الغسل و ليس لها ارتباط بالاستحاضة القليلة ح.

و أمّا وجوب الوضوء عند كل صلاة فيدلّ عليه بعض الروايات منها موثقة سماعة‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 5- 11

(2) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 5- 11

170
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث السابع في الاستحاضة ؛ ص : 167

المتقدّمة قال: و ان كان صفرة فعليها الوضوء «1» بناء على أنّ المراد بالصّفرة الاستحاضة القليلة.

و منها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال في حديث: و ان كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت و دخلت المسجد و صلّت كلّ صلاة بوضوء «2» و منها موثقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الطامث تقعد بعدد أيّامها كيف تصنع قال: تستظهر بيوم أو يومين ثمّ هي مستحاضة فلتغتسل و تستوثق من نفسها و تصلّى كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم فإذا نفذ الدم اغتسلت «3».

و منها صحيحة الصّحاف المتقدّمة قال: و إن كان الدم فيما بينها و بين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضّأ و لتصلّ عند وقت كلّ صلاة «4» و استدلّ لابن ابى عقيل في قوله: بعدم وجوب الوضوء للقليلة أوّلا بالأصل و المراد منه امّا الاستصحاب اى استصحاب عدم وجوب الوضوء عليها عند عروض الاستحاضة القليلة لأنّ عدم وجوب الوضوء قبل عروض هذا الدم كان مقطوعا به فيستصحب عند عروضه و امّا أن يكون المراد بالأصل البراءة أي أصالة برأيه ذمتها عن هذا الوضوء عند عروض هذا الدم و لكن يرد عليه أنّه لا مورد لإجراء الأصل في مثل هذه الموارد لوجود الدليل اللفظيّ فيها.

و ثانيا بصحيحة ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر و تصلّى الظهر و العصر ثمّ تغتسل عند المغرب فتصلّي المغرب و العشاء ثم تغتسل عند الصبح و تصلّى الفجر «5» ففي ترك التعرّض للوضوء مع أنّه (ع) في مقام البيان دلالة على عدم وجوبه.

و كذا رواية الجعفي و فيها: فإن هي رأت طهرا اغتسلت و ان هي لم تر طهرا اغتسلت و احتشت فلا تزال تصلّى بذلك الغسل حتّى يظهر الدم على الكرسف فإذا ظهر أعادت‌

______________________________
(1) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 4- 1

(2) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 4- 1

(3) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 2

(4) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب الحيض الحديث 14

(5) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 6

171
کتاب الطهارة (للگلبايگاني)

المبحث السابع في الاستحاضة ؛ ص : 167

الغسل «1».

و تقريب الاستدلال بها أنّه يستفاد منها أنّها إذا لم تر طهرا يكفيها غسل الحيض بعد النقاء و لا يجب عليها شي‌ء الى أن يظهر الدم على الكرسف فإذا ظهر يجب عليها ح غسل الاستحاضة و عدم ظهور الدم هو الاستحاضة القليلة.