×
☰ فهرست و مشخصات
تهذيب اللغة (مقدمة)

مباحث في تهذيب اللغة

[مباحث في‏] تهذيب اللغة
لأبي منصور محمّد بن أحمد الأزهري‏
282- 370 ه
إشراف‏
محمّد عوض مرعب‏
علّق عليها
عمر سلامي‏
عبد الكريم حامد
تقديم‏
الأستاذة فاطمة محمّد أصلان‏
طبعة جديدة مصحّحة و ملونة
و مزيدة بفهرس ألفبائي للمواد
المجلد الأول‏
دار احياء التراث العربي‏
بيروت- لبنان‏

3
تهذيب اللغة (مقدمة)

المقدمة ص 5

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
المقدمة
الحمد للَّه الذي أنزل الْفُرْقانَ عَلى‏ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً، و الصلاة و السلام على نبينا محمد بن عبد اللَّه الذي أرسله ربه شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً، وَ داعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً.
و بعد ...
فإن للّغة سلطان و قداسة تستمدهما من وحي السماء، أو من إجماع أهل الأرض. و قديما قالوا إنها توقيفية أوحى بها اللَّه إلى عباده ليتفاهموا و يتعارفوا وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها [البقرة:
31].
و يزيدها قداسة أن تصبح لغة الدين و الدنيا، بها نزل القرآن و بها حفظ، و نشأت حوله دراسات لغوية متنوعة.
و في اختيار اللَّه تعالى للغة العربية وعاء لكلامه و مجتلى لرسالته الخاتمة المعجزة الباقية مدى الدهر، و أداة لتحديه المنكرين بالإعجاز القرآني، و نصابا باهرا يرفع عليه المعجزة و يعلنها في معارض الخصام و المحاجة حول الأديان و المذاهب و الآراء ... في هذا كله شهادة و أية شهادة على تفرد العربية باحتلال قمة البيان الإنساني، و بقائها على الدهر بحيث أصبحت لغة قديمة و حديثة معا: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر:
9]. و لقد عنى العرب عناية بالغة بجمع لغتهم و تسجيلها فتلقفها الرواة من البادية و أعدوا بذلك المادة الضرورية لوضع المعاجم اللغوية، و لا نظن أن لغة ما- قديمة أو حديثة- توفر لها من المعاجم ما توفر للعربية. ففي القرن الثاني للهجرة افتتح الخليل بن أحمد عصر المعاجم الكبرى، ثم تنافس اللغويون و النحاة بعده في تأليف معاجم مختلفة الحجم و المنهج. و لا يكاد يوجد قرن لم يوضع فيه معجم عربي جديد بل ربما وضع في القرن الواحد أكثر من معجم. و يعد القرن الرابع الهجري القرن الذهبي للمعاجم، ففيه ظهر معجم ابن دريد (321 ه)، و الأزهري (370 ه) و الصاحب بن عباد (385 ه) و ابن فارس (395 ه)، و الجوهري (397 ه) و إذا كان قد فقد بعض المعاجم العربية، فإن أغلبها

5
تهذيب اللغة (مقدمة)

المقدمة ص 5

وصلنا، و معظمها منشور و متداول، و من بينها ما ترجم إلى لغات أجنبية. فقد توفرت و تجندت نخبة من الرواد لنبش أمهات كتب الحضارة العربية و الإسلامية و عملت على تحقيقها و تيسيرها و تقديمها بشكل سليم.
هنا لا بد لنا من التنويه بأكثر من مدرسة ضمت على امتداد الوطن العربي نخبة من المحققين الأئمة، جعلوا همهم الرجوع إلى المخطوطات المنتشرة في شتى الأصقاع و دراستها و تهذيبها و بلورتها بضبط علمي دقيق و صحيح، أمثال عبد السلام هارون و إبراهيم الأبياري و البجاوي و غيرهم.
و لا شك في أن هذه المعاجم التي عملوا على تهذيبها و ستبقى على مر الدهر معينا لا ينضب لتوضيح غريب الكلمات و غامض النصوص.
و انطلاقا من القيم التي آمنت بها دارنا في نشر أمهات كتب التراث العربي و الإسلامي نرى في معجم «تهذيب اللغة»- للأزهري رحمه اللَّه- الذي نخرجه اليوم بحلة جديدة و طبعة مصححة و منقحة كنزا يجب أن يكون بمتناول الجميع.
و نحن في الدار إذ نفخر بنشر هذا الكنز الثمين أم المعاجم العربية، نقول إنه واحد من الكتب الكثيرة التي قررناها في برنامجنا لتقديمها إلى القارى‏ء الكريم و نعد بالمثابرة في خدمة تراثنا و إحيائه و تقديم المزيد من نفائس الحضارة العربية و الإسلامية و السعي لإظهار هذه الأعمال بالشكل العلمي و الفني اللائق لنكون في طليعة العاملين على نشره.
نسأل اللَّه أن يعطينا القدرة على متابعة تقديم الجهود.
و آخر دعوانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
***

6
تهذيب اللغة (مقدمة)

المحتوى ص 7

 المحتوى‏
- نظرة عامة في التأليف المعجمي 9
- نشأة و تطور المعاجم العربية 11
- المصادر التي استقى منها أصحاب المعجمات العربية موادها و المناهج التي التزموها في جمع هذه المواد 12
- ما يوجه من مآخذ إلى المعجمات العربية في مجموعها 13
- أقسام المعجمات العربية قديمها و حديثها 14
- معجم «تهذيب اللغة» 25
- ملاحظة حول ما طبع من «التهذيب» 31
- عملنا في هذه الطبعة 33
- المراجع 35
- تقديم بقلم الأستاذ عبد السلام هارون رحمه اللَّه 37

7
تهذيب اللغة (مقدمة)

نظرة عامة في التأليف المعجمي ص 9

نظرة عامة في التأليف المعجمي «1»
إن من أهم ما تمتاز به العربية الفصحى أنها أوسع أخواتها السامية ثروة في أصول الكلمات و في المترادفات، فهي تشتمل على جميع الأصول التي تشتمل عليها أخواتها السامية أو على معظمها، و تزيد عليها بأصول أخرى كثيرة.
و قد أجتمع فيها من المفردات في مختلف أنواع الكلمة و من المترادفات في الأسماء و الأفعال و الصفات ما لم يجتمع مثله للغة سامية أخرى.
فقد أشتمل معجم «لسان العرب»- على ثمانين ألف مادة أصلية، يضاف إليها أضعافها مما يتفرع عنها من مشتقات من الأفعال و المصادر و الصفات و الجموع و جموع الجموع ... و ما إلى ذلك. هذا فيما يتعلق بكم المفردات.
و أما فيما يتعلق بالمترادفات فإنها تجل عن الحصر. فمن ذلك مثلا أنه جمع للأسد خمسمائة اسم، و للثعبان مائتا اسم، و كتب الفيروزآبادي بحثا في أسماء العسل فذكر له أكثر من ثمانين اسما، و قرر مع ذلك أنه لم يستوعبها جميعا و ذكر أنه يوجد للسيف في العربية ألف اسم على الأقل.
و قد جمع دوهامر remmaheD المفردات العربية المتصلة بالجمل و شئونه فوصلت إلى أكثر من خمسة آلاف و ستمائة و أربع و أربعين، و كثير منها من المترادفات «2». و كذلك الشأن في الأوصاف.
و نظرا لهذه الغزارة الكبيرة في مفردات العربية الفصحى و مترادفاتها، كان وضع المعاجم على اختلاف أصنافها و طرائقها ضرورة في حياة اللغات، و لا سيما اللغات التي قطعت في التقدم أشواطا و بلغت مبلغا غير يسير من الاتساع في التصرف و في القدرة على التعبير عن حاجات الفكر و الشعور.
و ربما كان من موافقة الحقيقة القول: إن تأليف المعاجم كان قرين ازدهار
__________________________________________________
 (1) انظر مجلة «مجمع اللغة العربية» (60/ 129)، التأليف المعجمي العربي قديمه و حديثه، أقسامه و أغراض كل قسم و طريقته، للدكتور علي عبد الواحد وافي.
 (2). seuqitemes seugnaL: naneR. v 387

9
تهذيب اللغة (مقدمة)

نظرة عامة في التأليف المعجمي ص 9

الحضارات و تنوع فروعها و تعدد ضروبها، و تفتح الأفكار و ظهور الحاجة إلى ضبط الأسماء، و سائر مواد اللغة، و العناية بدقة الدلالة حتى لا تضيع المعاني الحقيقية في خضم الاستعمال، و حتى لا يضل الباحث في اللغة حين يتلمس العلاقات بين الأصول و ما يشتق منها فعلا، و ما يحتمل أن يشتق منها موافقا للقواعد العامة غير خارج عنها.
***

10
تهذيب اللغة (مقدمة)

نشأة و تطور المعاجم العربية ص 11

نشأة و تطور المعاجم العربية «1»
سبق العرب الأمم الأخرى على اختلاف أجناسها إلى تأليف المعاجم اللغوية و وضع الأسس لجمع مفردات اللغة و تحديد معانيها، و بيان مشتقاتها، ابتداء من القرن الثاني الهجري إلى زماننا هذا. فكان منها المعاجم الصغيرة التي يمكن للفرد أن يستفيد منها في سهولة و يسر، و كان منها المعاجم الكبيرة التي قد تصل إلى عشرين مجلدا أو أكثر، و التي هي أشبه بالموسوعات اللغوية الأدبية منها بالمعاجم.
بدأت الحركة المعجمية عند العرب في منتصف القرن الأول للهجرة، و كان غرضها تفسير غريب القرآن الكريم، و الحديث النبوي الشريف. و يعرف هذا النشاط في التاريخ اللغوي ب «معرفة الغريبين»، و أقدم مظاهر هذا النشاط «سؤالات نافع من الأزرق» لابن عباس رضي اللَّه عنه ... على أن أقدم كتاب وضع في «غريب القرآن» صنعه (أبان بن تغلب، (المتوفى 140 ه)، و بعده كتاب مؤرّج السدوسي، (المتوفى 195 ه).
ثم إنه بعد طروء ظاهرة اللحن بسبب إختلاط العرب بغيرهم من الأمم، و دخول الناس أفواجا في دين الإسلام باتت الرغبة ملّحة لجمع اللغة الفصيحة من أفواه أصحابها قبل أن يفسدها الأعاجم. و منذ القرن الثاني الهجري صارت العربية تحصل بالدراسة لا بالممارسة، و غدت المادة المعجمية ضرورية لهذه الدراسة.
و قد مرت حركة التأليف المعجمي عند العرب بعدة مراحل مبتدئة في القرن الهجري الثاني، و أخذت تنمو تدريجيا حتى نضجت و اكتمل نموها في القرن الرابع الهجري.
و يمكن تحديد هذه المراحل كالآتي:
المرحلة الأولى:
و هي مرحلة تدوين ألفاظ اللغة و تفسيرها بدون ترتيب. و قد سبق التدوين عملية الجمع التي قام بها الرواة و العلماء منذ أواخر القرن الهجري الأول و خلال القرن الهجري الثاني، عن طريق السماع من عرب البادية و اتصالهم المباشر بهم أو أثناء قدومهم إلى المدن، فضلا عن اعتمادهم على القرآن الكريم و الحديث النبوي و الأدب ثم أخذ بعض‏
__________________________________________________
 (1) انظر «المعاجم و المصطلحات» للدكتور حامد صادق فنيبي.

11
تهذيب اللغة (مقدمة)

المرحلة الأولى ص 11

الرواة يدونون هذا التراث اللغوي في رسائل متفرقة لا تخضع لأي ضرب من ضروب الترتيب و التنسيق.
و لعل كتاب «النوادر في اللغة» لأبي زيد الأنصاري (المتوفى سنة 225 ه) خير ما يمثل هذه المرحلة. إذ يورد المؤلف فيه نصوصا شعرية و نثرية مليئة بالمفردات العربية النادرة فيشرحها و يعلق عليها من غير ترتيب في إيراد النصوص أو ربط بين معاني الألفاظ، و قد يعمد المؤلف إلى ذكر ما كان لدى بعض قبائل العرب من لغات خاصة في الكلام أو من لهجاتهم.
المرحلة الثانية:
في هذه المرحلة اتجه علماء اللغة إلى جمع الألفاظ الخاصة بموضوع معين مستعينين بما خلّفه السابقون من الرواة و ظهرت رسائل لغوية صغيرة سميت بالمعاجم الخاصة، وصلنا بعضها بشكل مخطوط، و فقد الكثير فيما فقد من كتب التراث.
و مما ألف في هذه المرحلة كتب الأصمعي (216 ه) في الدارات، و السلاح، و الإبل، و الخيل، و النبات، و الشجر، و النخل و الكرم.
و كتب ابن دريد (321 ه) في المطر و اللبن و الغرائز. و كتب أبي حنيفة الدينوري (282 ه) في الأنواء و النبات. و كتب ابن قتيبة (276 ه) في الرحل أو المنزل.
و كل هذه الرسائل كانت المادة الأساسية لمعاجم الألفاظ الكبرى التي ظهرت بعدها.
المرحلة الثالثة:
و هي المرحلة التي بدأ بها وضع معاجم شاملة للغة مرتبة على نمط خاص. فهي أما مرتبة على حسب الموضوعات و تسمى معاجم المعاني- أو المعاجم المبوبة- و هي امتداد لمعاجم المرحلة الأولى، أو مرتبة بالنسبة لحروفها لا إلى معانيها و تسمى معاجم الألفاظ أو المعاجم المجنسة.
المصادر التي استقى منها أصحاب المعجمات العربية موادها و المناهج التي التزموها في جمع هذه المواد:
استخلص أصحاب المعجمات العربية معظم ما اشتملت عليه معجماتهم من كتاب اللَّه الذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ، و من أحاديث الرسول عليه الصلاة و السلام، و من الأثار العربية في العصر الجاهلي و العصور الإسلامية الأولى، و استخلصوا

12
تهذيب اللغة (مقدمة)

المصادر التي استقى منها أصحاب المعجمات العربية موادها و المناهج التي التزموها في جمع هذه المواد ص 12

بعضه من العرب المعاصرين لهم. و كانوا شديدي الاحتياط في هذه الناحية إلى حد الإفراط. فكانوا يتحاشون الأخذ ممن تشوب عربيته أية شائبة. و لذلك أخذوا كثيرا مما أخذوه عن عرب البادية لفصاحة ألسنتهم و بعد لهجاتهم عن التأثر باللغات الأعجمية و عزلتهم و قلة احتكاكهم بغيرهم. فكانوا يترقبون مجي‏ء أعراب البادية إلى المدن في التجارة أو غيرها، فيستمعون إلى حديثهم و يناقشونهم في مختلف شئون اللغة، و يدونون من فورهم كل ما يهديهم إليه هذا الحديث و ترشدهم إليه هذه المناقشة بصدد مفردات اللغة و دلاتها و وجوه استخدامها. و كانوا يتبعون أحيانا ما يسميه علماء اللغة «الملاحظة السلبية» فيرحلون إلى البادية و يقضون فيها بين ظهراني الأعراب مدة طويلة، يعاشرونهم و يستمعون إليهم في أحاديثهم الطبيعية و يدونون ما يقفون عليه في هذا السبيل من مفردات و صيغ و أساليب «1».
و ما اتخذوه من وسائل الاحتياط حيال القبائل و الأمكنة اتخذوا مثله حيال الأزمنة و العصور. فلم يأخذوا إلا عن العصور التي كان اللسان العربي فيها سليما لم يصبه بعد تبلبل أعجمي و لا انحراف عن أوضاح اللغة الفصحى. و لذلك لم يأخذوا إلا عن عرب الجاهلية و الإسلام إلى نهاية القرن الثاني الهجري بالنسبة إلى فصحاء الحضر، و إلى أواسط القرن الرابع بالنسبة إلى فصحاء البادية. و سموا هذه العصور «عصور الاحتجاج» و اهملوا ما عداها مبالغة في الدقة و حرصا على تحري وجوه الصدق و اليقين.
 «1»
 (ما يوجه من مآخذ إلى المعجمات العربية في مجموعها:
و لكن على الرغم من الوسائل السابق ذكرها التي اتخذها أصحاب المعجمات العربية في شئون التوثيق و الحرص على تحري الحقيقة، فإنه يوجه إلى معجماتهم و طرائقهم مآخذ كثيرة يرجع أهمها إلى ما يلي:
1- أن أصحاب المعجمات قد أخذوا أحيانا بعض موادهم عن أشعار جاهلية ثبت فيما بعد أنها موضوعة، فلا يبعد أن يكون بعض مفرداتها من اختراع الواضعين.
2- أنهم يأخذون أحيانا بعض موادهم من الكتب و الصحف، فحدث من جراء ذلك‏
__________________________________________________
 (1) انظر في ذلك: أبا نصر الفارابي في كتابه «الألفاظ و الحروف» و السيوطي في كتابه «المزهر» (1/ 104)، و ابن خلدون في مقدمته (3/ 1279، 1280) طبعة دار نهضة مصر. تحقيق الدكتور علي عبد الواحد وافي، و «فقه اللغة» للدكتور علي عبد الواحد وافي، الطبعة الثامنة الصفحات: 170، 171.

13
تهذيب اللغة (مقدمة)

ما يوجه من مآخذ إلى المعجمات العربية في مجموعها ص 13

تحريف في كثير من الكلمات التي نقلوها عن هذا المصدر، لأنّ الرسم العربي كان في عهدهم مجردا من الإعجام و الشكل فكان من الممكن أحيانا قراءة الكلمة الواحدة على عدة وجوه.
3- قد اندس في معجماتهم كثير من الكلمات المولدة و غير العربية الأصل بدون أن يشيروا إلى حقيقتها.
4- أن جامعي المعجمات لشدة حرصهم على تسجيل كل شي‏ء يتصل بالمفردات دونوا كلمات كثيرة كانت مهجورة في الاستعمال و مستبدلا بها مفردات أخرى.
5- تخلط هذه المعجمات بين معاني الكلمة في مختلف اللغات العربية القديمة، فيخيل لمن يرجع إليها أن هذه المعاني كلها كانت مستخدمة في لغة واحدة، مع أن كل معنى منها قد لا يكون مستخدما إلا في إحدى هذه اللغات (لغات قريش و هذيل و اليمن و تميم و ربيعة و أسد و كنده ... إلخ).
6- تخلط هذه المعجمات بين معاني الكلمة الحقيقية و معانيها المجازية، فيخيل لمن يرجع إليها أن هذه المعاني كلها هي معان حقيقية للكلمة. و لا يستثنى من ذلك إلا بعض معاجم قليلة من أهمها «الأساس» للزمخشري) «1».
أقسام المعجمات العربية قديمها محديثها
ترجع المعجمات العربية قديمها و حديثها إلى الأقسام الثلاثة الآتية:
1- معجمات في طوائف خاصة من المعاني أو الألفاظ:
يتمثل هذا القسم في رسائل أو كتب تعرض كل رسالة أو كل كتاب منها للألفاظ الموضوعة لطائفة خاصة من المعاني أو الألفاظ. و من ذلك «رسائل» أبي حاتم في الأزمنة و الحشرات و الطير، و «رسائل» الأصمعي في الدارات «2» و السلاح و الإبل و الشاء و أسماء الوحوش و النبات و الشجر و النخل و الكرم.
__________________________________________________
 (1) مجلة «مجمع اللغة العربية» (60/ 134، 135)، التأليف المعجمي العربي قديمه و حديثه. للدكتور علي عبد الواحد وافي.
 (2) دارات العرب: سهول تنبت ما طاب ريحه من النبات، و هي تنيف على مائة و عشر. و منها دارة جلجل و انظر «تاج العروس» (11/ 321- 133).

14
تهذيب اللغة (مقدمة)

1 معجمات في طوائف خاصة من المعاني أو الألفاظ ص 14

و «رسائل» أبي زيد في المطر و اللّبأ «1» و اللبن و الغرائز و الجرائم و المشترك اللفظي.
و «رسائل» ابن قتيبة في الرحل و المنزل و اللّبأ و اللبن و النبات و أسمائه و النخل و الخيل و السلاح و الطير و الهوام و جواهر الأرض «2».
و «رسائل» ابن دريد في السرج و اللجام و السحاب و الغيث، و ابن خالويه في «أسماء الأسد و أسماء الحية». و الفيروز آبادي في المترادف «3» و أسماء العسل و أسماء السيف، و أبي هلال العسكري في الألفاظ الدالة على بقايا الأشياء «4»، و كتاب «الشعراء»، و «من غلبت كنيته على اسمه»، و «من يعرف منهم بأمه»، و كلاهما لابن حبيب. و كتاب «العققة و البررة» لأبي عبيد «5».
و «رسائل» قطرب و الصغاني و ابن السكيت في الأضداد- الألفاظ التي يطلق كل منها على الشي‏ء و ضده-. و يدخل كذلك في هذا القسم المعجمات القديمة الفلسفية و العلمية و الجغرافية و تراجم الأشخاص و ما إلى ذلك، ك «كشاف اصطلاحات الفنون» للتهانوي، و «التعريفات» للجرجاني، و «الكليات» لأبي البقاء و «معجم ما استعجم من أسماء البلاد و المواضع» للبكري الأندلسي، و «أسماء جبال تهامة» لابن الإصبع «6»، و «معجم البلدان» و «معجم الأدباء» لياقوت الحموي، و «وفيات الأعيان» لابن خلكان.
2- معجمات جامعة في المفردات الموضوعة لمختلف المعاني:
ترتب هذه المعجمات المعاني بطريقة خاصة، و تذكر الألفاظ التي تقال للتعبير عن كل معنى منها؛ فتجد أبوابها مرتبة على مثل هذا الوضع: خلق الإنسان، الحمل و الولادة، الرضاع و الفطام، الغذاء السيى‏ء للولد، أسنان الأولاد و أسماؤها في مختلف المراحل،
__________________________________________________
 (1) اللبأ- وزن عتب- أول اللبن عند الولادة.
 (2) عرض ابن قتيبة لبعض هذه الموضوعات في رسائل خاصة؛ و أما الموضوعات الأخرى فقد عقد لها فصولًا في كتابه «أدب الكاتب».
 (3) عرض لذلك في كتابه «الروض المألوف، فيما له اسمان إلى ألوف».
 (4) عرض لذلك في كتابه «المعجم في بقايا الأشياء».
 (5) حقق كتابي ابن حبيب و كتاب «العققة و البررة» لأبي عبيد و شرحها المرحوم الأستاذ عبد السلام هارون.
 (6) حقق كتاب البكري و ضبطه و عارضه بمخطوطات القاهرة المرحوم مصطفى السقا، و حقق كتاب «جبال تهامة» المرحوم الأستاذ عبد السلام هارون.

15
تهذيب اللغة (مقدمة)

2 معجمات جامعة في المفردات الموضوعة لمختلف المعاني ص 15

شخص الإنسان و قامته و صورته، صفات الرأس، قلة الشعر و تفرقه في الرأس ... إلخ.
فهذا القسم من المعجمات يرجع إليه من يعرف معنى ما و يرغب في الوقوف على الألفاظ الموضوعة له، و من أشهر ما ألف من معجمات هذا القسم خمسة كتب، و هي:
1- كتاب «الألفاظ» لابن السكيت. و هو أقدم ما ألف من هذا النوع. و قد راجع هذا الكتاب و نقحه و شرح شواهده و كملها و علق عليها- الخطيب التبريزي شارح «ديوان الحماسة» لأبي تمام، و ضمن هذا كله كتابا أسماه «كنز الحفاظ في تهذيب الألفاظ» أي في تهذيب كتاب «الألفاظ» لابن السكيت.
2- «الألفاظ الكتابية» للهمذاني.
3- «مبادى‏ء اللغة» للأسكافي.
4- «فقه اللغة» للثعالبي في مجلد واحد صغير، و هو في الحقيقة ليس كتابا في «فقه اللغة» بالمعنى الحديث لهذه الكلمة و لكنه في مجموعه متن من متون اللغة التي تعنى ببيان الألفاظ الموضوعة لمختلف المعاني.
5- «المخصص» لابن سيدة الأندلسي في سبعة عشر جزءا كبيرا، و هو أدق المؤلفات في هذا القسم، و أحسنها تنسيقا، و أكثرها استيعابا لمسائل البحث. و يشتمل هذا الكتاب، بجانب بحوثه الأصلية، على بعض بحوث في فقه اللغة بمعناه الحديث، و ذلك كالبحث الذي عرض له في مقدمة كتابه عن نشأة اللغة، و البحوث التي عرض لها في الأجزاء الأخيرة من مؤلفه المتعلقة بالتضاد و الترادف، و الاشتراك و الاشتقاق و التعريب و المجاز و الممدود و المقصور و التذكير و التأنيث و إبدال الحروف بعضها من بعض.
3- معجمات جامعة ترمي إلى شرح معاني المفردات:
تعرض هذه المعجمات لشرح مفردات اللغة العربية، فترتب الكلمات ترتيبا خاصا ليسهل على من يريد الوقوف على معنى أيّة كلمة الرجوع إليها في موطنها. فهذا القسم من المعجمات- على عكس القسم السابق- يحتاج إليه من يعرف اللفظ و يرغب في الوقوف على مدلولاته.
و هذا القسم هو أهم أقسام المعجمات جميعها، بل إنه هو وحده الذي تنصرف إليه كلمة «المعجم» عند إطلاقها.
و تنقسم هذه المعجمات بحسب طريقتها في ترتيب موادها ثلاثة أقسام، و هي:
1- معجمات ترتب كلماتها بحسب ترتيبها في مخارج أول حروفها. فتبدأ مثلا

16
تهذيب اللغة (مقدمة)

3 معجمات جامعة ترمي إلى شرح معاني المفردات ص 16

بالكلمات التي تخرج أوائل حروفها من الحلق، ثم التي تخرج أوائل حروفها من الحنك، ثم من الأضراس، ثم من الشفه ... و هلم جرا.
2- معجمات ترتب كلماتها بحسب ترتيب أواخرها في حروف الهجاء. فتبدأ بالكلمات التي تنتهي بحرف الهمزة، ثم بالكلمات التي تنتهي بحرف الباء.
3- معجمات ترتب كلماتها بحسب ترتيب أوائلها في حروف الهجاء. فتبدأ بما أوله همزة، و تنتهي بما أوله ياء.
و معظم المعجمات في هذه الأنواع الثلاثة يقتصر على شرح الأصل، و ما تفرع عنه على طريق الاشتقاق العام (الأفعال و المصادر و الأسماء و الجموع و الصفات ...).
و قليل من هذه المعجمات لا يقتصر على شرح الأصل و ما تفرع عنه على طريق الاشتقاق العام، بل يعرض كذلك لما تفرع عنه على طريق الاشتقاق الكبير، و هو الذي يلاحظ فيه ارتباط كل مجموعة ثلاثية من الأصوات ببعض المعاني ارتباطا مطلقا غير مقيد بترتيب الحروف، فتدل كل مجموعة منها على المعنى المرتبط بها كيفما اختلف ترتيب حروفها. ففي شرحه لكلمة «جبر» مثلا يشرح كذلك كلمات جرب، و بجر، و برج، و رجب، و ربج ... لاشتراك هذه الكلمات كلها في معنى عام و هو الشدة و القوة.
و من أهم هذه المعجمات القديمة عشرون معجما اعتمد عليها الباحثون، و اعتبروها أهم المراجع في هذا القسم، و هي «1»:
1- كتاب «العين» للخليل بن أحمد (المتوفى سنة 174 ه).
و هو أقدم معجم من هذا النوع. و قد رتب كلماته بحسب ترتيب أوائلها في مخارج الحروف. فبدأ بالكلمات التي تبدأ أوائلها بحروف الحلق «2»، و بدأها بحرف العين؛ لأن مخرجها هو أقصى الحلق، و لذلك سمى كتابه «كتاب العين» ثم بحروف الحنك، ثم الأضراس، ثم الشفة. و جعل حروف العلة آخرا، و هي الحروف الهوائية. و حصر فيه مركبات المعجم كلها من الثنائي و الثلاثي و الرباعي و الخماسي، و بيّن المهمل منها و المستعمل، و كان المهمل في الرباعي و الخماسي أكثر لقلة استعمال العرب له لثقله، و لحق به الثنائي لقلة دوراته، و كان استعمال الثلاثي أغلب، فكانت أوضاعه أكثر لكثرة
__________________________________________________
 (1) رتبنا هذه المعجمات بحسب ترتيب ظهورها تاريخيا.
 (2) حروف الحلق: ع ح ه خ غ/ ق ك/ ج ش ض/ ص س ز/ ط د ت/ ظ ذ ث/ ر ل ن/ ف ب م/ و ا ي.

17
تهذيب اللغة (مقدمة)

3 معجمات جامعة ترمي إلى شرح معاني المفردات ص 16

دوراته «1».
و قد نهج الخليل في جميع مواد معجمه منهجا خاصا، فما كان يقتصر على شرح ما تفرع عن المادة على طريق الاشتقاق العام، بل كان يذكر كذلك في كل أصل ما تفرع عنه على طريق الاشتقاق الكبير؛ فيتكلم مثلا عن «ضام و ضمى و ضم و أمضى» في موضع واحد.
و هذا يؤيد أن الخليل قد فطن من قبل أبي علي الفارسي و تلميذه ابن جني إلى موضوع الاشتقاق الكبير، و هو دلالة الأصوات في لفظ ما على أصل معنوي عام كيفما اختلف ترتيبها.
و لم يظهر هذا الكتاب إلا حوالي سنة 250 ه؛ أي بعد وفاة مؤلفه بأكثر من نصف قرن. و يظهر أن المنون قد عاجله قبل إتمامه، فأكمله جماعة بعد وفاته «2».
2- كتاب «الجمهرة» (جمهرة الكلام) لابن دريد (المتوفى سنة 321 ه).
و قد جمع مواده من كتاب «العين» و من رسائل أخرى للأصمعي و أبي عبيدة و غيرهما. و بدأ بالثنائي من الألفاظ، ثم الثلاثي، و هكذا إلى الخماسي و السداسي و ملحقاتهما. و جمع النوادر في باب مفرد. و اصطنع طريقة الخليل، فذكر في كل أصل ثلاثي ما تفرع عنه على طريق الاشتقاق الكبير.
3- كتاب «البارع» للقالي البغدادي (المتوفى سنة 356 ه).
و قد سار فيه على طريقة الخليل في كتابه «العين»، و زاد مواد كثيرة على ما جاء في هذا الكتاب.
4- «التهذيب» «3»- تهذيب اللغة- لأبي منصور الأزهري (المتوفى سنة 370 ه).
و يقع هذا المعجم في عشرة مجلدات. و قد نهج في ترتيب مواده و جمع فروع كل مادة منهج الخليل في كتاب «العين».
5- «استدراك الغلط الواقع في كتاب العين» لأبي بكر الزبيدي، من علماء الأندلس،
__________________________________________________
 (1) انظر «مقدمة ابن خلدون» (1268- 1270) تحقيق الدكتور علي عبد الواحد وافي.
 (2) شك العلماء في نسبة «العين» للفراهيدي كالأخفش و النضر و ابن شميل و السدوسي و الأزهري و ابن دريد، و اتفقوا بأن صاحب الفكرة هو الخليل و هو صاحب المنهج و أسلوبه.
 (3) هو الكتاب الذي بين أيدينا و سيأتي الكلام عليه مفصلا، و قد عنى المرحوم الأستاذ عبد السلام هارون بعمل فهارس لكتاب «التهذيب» و حقق كذلك الجزءين الأول و التاسع منه.

18
تهذيب اللغة (مقدمة)

3 معجمات جامعة ترمي إلى شرح معاني المفردات ص 16


 (المتوفى سنة 379 ه).
و هو في الحقيقة اختصار لكتاب «العين» للخليل. و هذا المختصر خير من الأصل، و أقرب منه مأخذا؛ «فقد حذف منه المهمل كله، و كثيرا من شواهد المستعمل و لخصه أحسن تلخيص مع المحافظة على الاستيعاب» «1».
6- «المحيط» للصاحب بن عباد (المتوفى سنة 385 ه) و هو في سبعة مجلدات.
7- «الجوهرة» للصاحب بن عباد، و هو مختصر لكتاب «الجمهرة» لابن دريد.
8- «تاج اللغة و صحاح العربية»، المشهور باسم «الصحاح» للجوهري الفارابي (المتوفى سنة 393 ه).
و يقع هذا المجلد في جزءين، جمع فيهما الجوهري أربعين ألف مادة تلقى معظمها من أفواه العرب مشافهة في بطن جزيرتهم، و رتب كلماته بحسب ترتيب أواخرها في حروف الهجاء جاعلا لكل حرف بابا، و مقسما كل باب إلى فصول بحسب ترتيب أوائل كلماته في حروف الهجاء، و رتب الكلمات في الفصل الواحد حسب ترتيب عين الكلمة في حروف الهجاء.
و يعتمد هذا الترتيب على الحروف الأصلية وحدها، فلا يقام وزن للحروف المزيدة، و لا للحروف التي استبدل بها غيرها وفقا لقاعدة صرفية. فللبحث عن كلمة «مسجد» مثلا يرجع إليها في «سجد» و عن «قال» يرجع إليها في «قول».
و قد اقتصر «الصحاح» على الكلام على أصل الكلمة و ما تفرع عنها على طريق الاشتقاق العام، و لم يتبع طريقة الخليل في الكلام على ما تفرع عن الأصل على طريقة الاشتقاق الكبير. و ليس لطريقة «الصحاح» مزية ظاهرة في ترتيب الكلمات بحسب أواخر حروفها غير التسهيل على طالبي القوافي و الأسجاع، لأن الكلمات المتحدة في أواخر حروفها تجمع بحسبها في باب واحد، و لكن مزيتها هذه ليست شيئا مذكورا بجانب ما تشتمل عليه من تعقيد و مجانبة للأوضاع الطبيعية. و مع ذلك فقد انتهجها كثير من أصحاب المعجمات من بعده.
و هذا المعجم من أهم المراجع القديمة و أشهرها في العصر الحاضر، و أكثرها استيعابا لمفردات اللغة. و مع ما امتاز به من الدقة و تحرى وجوه الحق و قوة المصادر التي اعتمد عليها و صدقها، و اقتصاره على اللغات الصحيحة الفصيحة الثابتة بالرواية؛ فإن بعض الناقدين قد أخذ عليه كثيرا من الأخطاء في تفسير الكلمات و كثيرا من مظاهر التصحيف في‏
__________________________________________________
 (1) «مقدمة ابن خلدون» (3/ 1270) (طبعة نهضة مصر) تحقيق الدكتور علي عبد الواحد وافي.

19
تهذيب اللغة (مقدمة)

3 معجمات جامعة ترمي إلى شرح معاني المفردات ص 16

رسمها «1».
9، 10- «المجمل» لابن فارس، (المتوفى سنة 395 ه).
و هو أستاذ الصاحب بن عباد صاحب معجمي «المحيط» و «الجوهرة» السابق ذكرهما.
و قد رتب ابن فارس كلمات هذا المعجم حسب ترتيب أوائلها في حروف الهجاء. و في العصر نفسه ألف معجمه الشهير «مقاييس اللغة» في خمسة مجلدات «2». و قد ظهر كلاهما في العصر نفسه الذي ظهر فيه كتاب «الصحاح» للجوهري.
11- «المحكم و المحيط الأعظم»، أو «المحكم في لغة العرب، و جمل من غريب الكتاب و الحديث و فنون من النحو و الأدب»، و هو المشهور باسم «المحكم» لابن سيدة الأندلسي (المتوفى سنة 458 ه). و هو صاحب كتاب «المخصص» السابق ذكره.
و قد سار في ترتيب مواده و جمع فروع كل مادة منها على طريقة الخليل في كتاب «العين» و «التهذيب» للأزهري «3». و عرض فيه لكثير من قواعد الصرف المتعلقة بالقلب و الإبدال و التصغير و النسب و الإدغام و الجمع و أسماء الجموع و الإمالة و أبنية الأفعال و المصادر .. و هلم جرا.
12- «تلخيص كتاب المحكم» لمحمد بن أبي الحسن صاحب المستنصر، من ملوك الدولة الحفصية بتونس. و قد قلب ترتيب هذا الكتاب إلى ترتيب كتاب «الصحاح» في اعتبار أواخر الكلم و بناء التراجم عليها «4».
13- «أساس البلاغة» للزمخشري (المتوفى سنة 538 ه).
__________________________________________________
 (1) من هؤلاء الناقدين الفيروزآبادي في معجمه «القاموس المحيط» الذي سيأتي الكلام عليه (رقم:
20)، و ابن بري في كتابه «التنبيه و الإيضاح عما وقع في الصحاح» و يقصد «صحاح الجوهري» و قد تصدى كثير من الباحثين للرد على ناقديه و الدفاع عنه و ألفوا في ذلك كتبا خاصة. انظر ما كتبه ابن خلدون في «مقدمته» عن هذا الكتاب (3/ 1270) تحقيق الدكتور علي عبد الواحد وافي و للأستاذ المرحوم عبد السلام هارون كتاب «تهذيب الصحاح» في ثلاثة مجلدات مع الأستاذ عبد الغفور عطار (ط. دار المعارف) و قد اشتركا كذلك في إعادة طبع كتاب «الصحاح» كله طبعة محققة في ستة مجلدات (ط. دار المعارف).
 (2) نشرت دار إحياء الكتب العربية معجم «مقاييس اللغة» في ستة مجلدات سنة (1371 ه) تحقيق المرحوم الأستاذ عبد السلام هارون.
 (3) و لكنه وضع حروفه الثلاثة الأخيرة على هذا الترتيب: الألف فالياء فالواو، على حين أن الخليل و الأزهري رتباها على هذا الوضع: الواو فالألف فالياء.
 (4) «مقدمة ابن خلدون» (3/ 1270) تحقيق الدكتور علي عبد الواحد وافي.

20
تهذيب اللغة (مقدمة)

3 معجمات جامعة ترمي إلى شرح معاني المفردات ص 16

و قد رتب كلماته حسب ترتيب أوائلها في حروف الهجاء، و نهج في شرح الكلمات منهجا خاصا به؛ فهو يفسر الكلمة بالإشارة إلى مواطن استعمالها في عبارات مؤلفة أو مأثورة من فصيح الكلام العربي، شعره و نثره، و يترك للقارى‏ء استخلاص معانيها المختلفة من سياق. العبارات التي وردت فيها.
و عنى بناحية هامة جدا أغفلها كثير من أصحاب المعجمات من قبله و من بعده، و هي التفرقة بين المعاني الحقيقية و المعاني المجازية للكلمة. فيبدأ المادة بذكر معانيها الحقيقة و يختتمها ببيان الشائع من معانيها المجازية. و هو من أشهر المراجع اللغوية و أكثرها تداولا في هذا العصر.
و مع ما امتاز به هذا المعجم من الدقة، و حسن الترتيب و سلامة المنهج، و إرشاده إلى مواطن استعمال الكلمات، و جمعه بين متن اللغة العربية و أدبها، فإن الناقدين قد أخذوا عليه إغفاله لكثير من المواد، و خطأه في تفسير بعضها، و عدم دقته أحيانا في التفرقة بين معاني الكلمات الحقيقية و معانيها المجازية، و تركه كثيرا من غريب الكلمات التي ترد في عباراته و شواهده بدون شرح، و هذا يؤدي في الغالب إلى غموض معنى الكلمة التي هو بصدد تفسيرها.
14- «النهاية» لابن الأثير (المتوفى سنة 606 ه). و قد سار في ترتيب كلماته على غرار الزمخشري.
15، 16- «تكملة الصحاح» و هو أكبر حجما من معجم «الصحاح» نفسه و «العباب» و كلاهما للصغاني (المتوفى سنة 650 ه). و قد سار في هذين المعجمين على طريقة الجوهري في ترتيب الكلمات. و لكن جرت عادته في كتابه «العباب» أن يذكر في آخر كل مادة ما يدل عليه تركيبها من معنى عام يندرج تحته ما تفرع عنها على طريق الاشتقاق الكبير.
17- «لسان العرب» لابن منظور المصري (المتوفى سنة 711 ه) و هو أكبر معجم من هذا النوع و قد جمع فيه ما ورد في معظم المعجمات التي ظهرت من قبله، فقد ذكر أنه استمد مادته من كتب «الجمهرة» لابن دريد، و «التهذيب» للأزهري، و «الصحاح» للجوهري، و «المحكم» لابن سيده، و «النهاية» لابن الأثير، و «أمالي» ابن بري، فبلغ عدد مواده ثمانين ألف مادة. و هذا العدد لم يجتمع مثله في أي معجم آخر من المعجمات القديمة من قبله و لا من بعده، و رتب كلماته حسب ترتيب أواخرها في حروف الهجاء، متبعا في ذلك منهج «الصحاح».
و يمتاز «لسان العرب» بالدقة في تحري الحقيقة، و التفصيل في شرح الكلمات،

21
تهذيب اللغة (مقدمة)

3 معجمات جامعة ترمي إلى شرح معاني المفردات ص 16

و التوسع في الاستشهاد على المعاني بالآيات القرآنية، و الأحاديث النبوية، و أشعار العرب و أمثالهم و خطبهم. فهو لذلك يعد دائرة معارف لغوية، و ليس معجما لغويا فحسب.
و من أجل ذلك اتسع نطاقه، و كبر حجمه، حتى وقع في طبعة بولاق سنة 1307 ه في عشرين جزءا من الأجزاء الضخمة. و على الرغم من أن هذا المعجم منقطع النظير في دقة الشرح و التوسع في إيراد الشواهد، و استيعاب مادة اللغة فقد أخذ عليه الناقدون مآخذ كثيرة، أهمها أنه كثيرا ما تبدو فيه مظاهر الاضطراب و التناقض، لنقله عن كتب متعددة مختلفة الآراء، بدون أن يحاول التوفيق بين آرائها، و تمييز غثها من سمينها.
18- «المصباح المنير في غريب الشرح الكبير» المشهور «بالمصباح» لأحمد بن محمد الفيومي (المتوفى سنة 770 ه). و قد فرغ من تأليفه سنة 734 ه. و هو معجم للكلمات الواردة في كتاب «الشرح الكبير» للإمام الرافعي. و هو شرح لكتاب «الوجيز» في فقه المذهب الشافعي لحجة الإسلام الغزالي. و لكنه لم يقتصر على شرح الكلمات الواردة في هذا الكتاب بل أضاف إليه (زيادات من لغة غيره و من الألفاظ المشتبهات و المتماثلات، و من إعراب الشواهد، و بيان معانيها، مما تدعو إليه حاجة الأديب الماهر) «1». و قد رتب كلماته بحسب ترتيب أوائلها في حروف الهجاء. و ذيله بخاتمة طويلة درس فيها بعض قواعد صرفية هامة.
و هو من أكثر المعجمات تداولا و ذيوعا في العصر الحاضر. و مع أنه درس بعض المفردات دراسة لا بأس بها فقد أغفل عددا كبيرا من المواد، و قصر في دراسة بعضها، و وجه قسطا كبيرا من عنايته إلى المصطلحات الفقهية؛ لأنه في الأصل معجم للكلمات الواردة في كتاب فقهي.
19- «مختار الصحاح» «2» للإمام محمد الرازي. و قد فرغ من تأليفه سنة 760 ه.
و اختصر فيه معجم «الصحاح» للجوهري، مقتصرا «على ما لا بد لكل عامل فقيه أو حافظ أو متحدث أو أديب من معرفته و حفظه؛ لكثرة استعماله و جريانه على الألسن ... خصوصا ألفاظ القرآن العزيز و الأحاديث النبوية، و حذف منه «عويص اللغة و غريبها، طلبا للاختصار
__________________________________________________
 (1) انظر مقدمة هذا المعجم.
 (2) كان ترتيب مواده في المبدأ كترتيب «الصحاح»، ولكن وزارة المعارف المصرية أمرت بتغيير وضعه و جعله مرتبا حسب ترتيب أوائل الكلمات في حروف الهجاء، و عهدت إلى المرحوم الأستاذ محمود خاطر بأمر تنظيمه على هذا النسق، و إلى المرحوم حمزة فتح اللَّه بالإشراف على مراجعته و تصحيحه. و ظهرت أول طبعة منه على هذه الصورة سنة 1905 م.

22
تهذيب اللغة (مقدمة)

3 معجمات جامعة ترمي إلى شرح معاني المفردات ص 16

و تسهيلا للحفظ». و ضم إليه فوائد كثيرة من «تهذيب الأزهري» و غيره من أُصول اللغة الموثوق بها، و من تحصيله الخاص «1».
و هو معجم صغير موجز. متداول بين أيدي الطلبة و المثقفين في مختلف البلاد العربية.
20- «القاموس المحيط» المشهور باسم «القاموس» لمجد الدين الفيروز آبادي (المتوفى سنة 817 ه).
و قد ذكر الفيروز آبادي في سبب تأليفة هذا الكتاب أنه رأى أن المعجمات التي كانت موجودة في عصره ليست جامعة لفصيح اللغة، و لا مبسوطة بسطا وافيا، و أن «صحاح الجوهري» الذي شاع في زمنه قد فاته نصف اللغة أو أكثر و أن خير الكتب التي ألفت من قبل كتابان و هما «المحكم» لابن سيدة، و «العباب» للصغاني و أن أحدهما لا يغني عن الآخر و هما لا يغنيان عما عداهما. و لذلك شرع في وضع كتاب واسع يجمع ما ورد في هذين الكتابين و يكمل ما فاتهما و سماه «اللامع المعلم العجاب، الجامع بين المحكم و العباب».
و لمّا رأى أن هذا الكتاب سيبلغ ستين سفرا، و أن الطلاب سيعجزون عن تحصيله و طلب إليه وضع كتاب موجز، اختصره في سفرين. اثنين، فجعل كل ثلاثين سفرا من الكتاب الأصلي في سفر واحد. و سمى هذا المختصر «القاموس المحيط» و ضمنه خلاصته «المحكم» و «العباب» و زيادات أخرى من غيرهما و من تحصيله فبلغت مواده ستين ألف مادة، و رتب كلماته حسب ترتيب أواخرها في أواخر الهجاء متبعا في ذلك طريقة «الصحاح»، و «لسان العرب»، و لم يخالفهما إلّا في تقديم الواو على الهاء «2».
و الطبعة المتداولة في العصر الحاضر من هذا الكتاب تقع في أربعة أجزاء يبدأ ثانيها بكلمة «حبر»، و ثالثها بكلمة «أفع» (باب العين)، و رابعها بكلمة «صؤل».
و قد دعته شدة الرغبة في الإيجاز إلى اصطناع طريقة خاصة في إيراد المعاني و اصطناع بعض رموز في التفسير. فمن ذلك أنه يحرص على ألّا يفسر الكلمة في الغالب في معنى من معانيها بأكثر من كلمة واحدة، و أنه لا يكرر الكلمة عند ذكر معانيها المختلفة، بل يكتفي بذكر بعض متعلقاتها (نفح الطيب كمنع: فاح ... و الريح هبت، و العرق نزى منه الدم، و الشي‏ء بسيفه تناوله، و فلانا بشي‏ء أعطاه و اللّمة حركها ...).
__________________________________________________
 (1) انظر المصدر السابق.
 (2) انظر مقدمة «القاموس المحيط».

23
تهذيب اللغة (مقدمة)

3 معجمات جامعة ترمي إلى شرح معاني المفردات ص 16

و ممّا يمتاز به هذا المعجم أنه يعرض لأسماء الأعلام و الأمكنة و غيرها و لبعض العقاقير الطبية و خواصها. و قد ألفت عدة كتب في شرح هذا المعجم من أهمها و أشهرها.
كتاب «تاج العروس في شرح القاموس» للسيد مرتضى الحسيني المتوفى سنة 1206 ه و قد طبع هذا الشرح في مصر في عشرة مجلدات ضخام ظهرت في سنتي 1316، 1317 هجرية.
و لم يحظ أي معجم آخر في العصر الحاضر بما حظي به «القاموس المحيط» من سعة الانتشار، و كثرة التداول، و الاعتماد عليه و الاستشهاد به، حتى إنه لا تخلو منه مكتبة أديب أو عالم، و حتى إن اسمه «القاموس» أصبح بمنزلة اسم جنس يطلق على كل معجم.
و قد أخذت عليه عدة مآخذ، منها: أن شدة حرصه على الإيجاز كثيرا ما يوقعه في الغموض و الإبهام، و أنه يغفل شرح كثير من الكلمات الغريبة الغامضة مكتفيا بأن يضع بعدها حرف «م» للإشارة إلى أنها معروفة، و أنه يشتمل على كثير من الأوهام التاريخية و الخرافات، و أنه كثيرا ما يشرح كلا المترادفين بالآخر بدون توضيح المعنى الذي يدلّان عليه، و أنه لا يميز بين الفصيح و الغريب و المهمل؛ و أنه كثيرا ما يخطى‏ء الجوهري في «صحاحه» و يكون هو المخطى‏ء «1»، و أنه قد وقع في عدة أخطاء في شرحه للكلمات الدالة على الحيوانات و النباتات، و أنه يورد معاني الكلمة بعضها تلو بعض بدون ذكر شواهد تبين وجوه استعمالها و توضيح مدلولاتها. و في هذه الناحية على الأخص يظهر نقصه بالقياس إلى «لسان العرب» لابن منظور، و «أساس البلاغة» للزمخشري.
و خلاصة القول فإن التأليف المعجمي قد وصل إلينا عبر مناهج أربعة نبينها فيما يلي:
1- منهج الخليل- (الترتيب الصوتي)- الذي رتّب وفق مخارج الحروف، و الأبنية و نظام التقليبات.
2- منهج ابن دريد، الذي رتّب هجائيا، و على اعتبار الحرف الأول من أصول الكلمة، مع الاحتفاظ بالأبنية و نظام التقليبات.
3- منهج الجوهري، الذي رتّب وفق الحرف الأخير من أصول الكلمة متحررا من الأبنية و نظام التقليبات.
4- منهج القائم على الترتيب الهجائي البحت، وفق الحرف الأول من أصول الكلمة، و هو المنهج الذي تقوم عليه المعاجم الحديثة.
__________________________________________________
 (1) كتب بعض المؤلفين كتبا خاصة في المفاضلة بينهما و الانتصار لأحدهما على الآخر.

24
تهذيب اللغة (مقدمة)

معجم تهذيب اللغة ص 25

معجم تهذيب اللغة «1»
إن كتاب «تهذيب اللغة» لأبي منصور محمد بن أحمد بن الأزهر الأزهري اللغوي، (282 ه- 370 ه)، يعد من أوثق المعاجم اللغوية في تاريخ المعجم العربي. و من حسن حظ اللغة العربية أن هذا المعجم قد سلم من عاديات الزمن، و أفلت من غارات التتار و الترك و الديلم على الشرق الإسلامي، حين كانوا يحرقون المكتبات و يخربونها بغية القضاء على الثقافة العربية، و محو التراث العربي. و لكن أصالة اللغة العربية و وفرة مخطوطاتها كانت أقوى من ذلك، فاستطاعت أن تقف أمام تلك العواصف و كان أن وصل إلينا كثير من المخطوطات النادرة التي تعد من عيون التراث العربي الخالد، و التي منها مخطوط «التهذيب» الذي تداولته أيدي القراء و العلماء و المشتغلين بعلوم العربية- مخطوطا- ما يزيد على ألف عام، و منذ أن صنعه مؤلفه أبو منصور حتى اليوم، بقي الكتاب محتفظا بقيمته المعجمية العالية، و كفاة أصالة أنه كان المرجع الرئيسي و المعتمد الأول لابن منظور في كتابه «لسان العرب» «2». و كان يشير إليه بعبارة «قال أبو منصور» أو «قال الأزهري» أو «قال‏
__________________________________________________
 (1) انظر مجلة «مجمع اللغة العربية» (18/ 71- 78)، (معجم «تهذيب اللغة» لأبي منصور الأزهري) و مقدمة الدكتور رشيد عبد الرحمن العبيدي محقق كتاب «تهذيب اللغة»، المستدرك على الأجزاء السابع و الثامن و التاسع».
 (2) قال ابن منظور في مقدمة كتابه: «لا أدعي فيه دعوى، فأقول: شافهت أو سمعت أو فعلت أو صنعت، أو شددت الرحال أو رحلت أو نقلت عن العرب العرباء أو حملت؛ فكل هذه الدعاوي لم يترك فيها الأزهري و ابن سيده لقائل مقالا، و لم يخلّيا لأحد فيها مجالا، فإنهما عينا في كتابيهما عمن رويا و برهنا عمّا حويا ...».
و قد نشر المستشرق زوترستين) nitsrettez. V. F (في كتاب.) P, VIX, lovlatneirodnoMe L: 45 (فصلة صغيرة من «التهذيب». و قد اعتمد فيما نشره على نسخة استانبول. و هذا القسم يحتوي على تصدير موجز للناشر و على مقدمة أبي منصور الأزهري نفسه، و على بعض المواد من الأول إلى مادة «ع ث».
و نجد أن زوترستين كان مشغوفا إلى حد كبير بالبراعة التي أظهرها الأزهري في كتابه، و بسعة اطلاعه، و دقة شرحه، الأمر الذي أصبح به «التهذيب» أصلا للسان.
و لتسلط هذه الفكرة على الناشر أثبت في هوامش التحقيق أرقام الصفحات المقابلة من «اللسان» التي اقتبس فيها ابن منظور عن الأزهري دون أن يشير إلى ذلك صراحة، حتى يرينا إلى أي حد كان اعتماد «اللسان» على «التهذيب»، و بالتالي فقد كان «اللسان» عمدة لما ظهر بعده من المعجمات.

25
تهذيب اللغة (مقدمة)

معجم تهذيب اللغة ص 25

في التهذيب».
و الحق أن الأزهري في شرحه للمفردات اللغوية قد أظهر دقة و براعة في توضيح المعنى و تفسير ما أشكل من مصطلحات العلوم، و بخاصة في التفسير و الفقه و النحو و التصريف. كما كان في وصفه للأشياء يحدثنا حديث المشاهد المعاين. و قد اكتسب هذه الخبرة من الفترة التي قضاها أسيرا في يد القرامطة حين خرجوا على الدولة و تعرضوا للحجاج و نقلوا الحجر الأسود و بقي في حوزتهم عشرين عاما.
و إذا كان وقوع الأزهري في الأسر يعتبر بالنسبة له نكبة، فقد كان لهذه النكبة فضل كبير على اللغة العربية و حفظها، فقد وقع الأزهري في يد عرب خلص نشئوا في البادية يتتبعون مساقط الغيث و يتكلمون بطباعهم البدوية و لا يكاد يوجد في منطقهم لحن أو خطأ فاحش، و قد استفاد الأزهري من مخاطبتهم و محاورة بعضهم بعضا «1».
و كثيرا ما يحدثنا التاريخ بأن عددا لا بأس به من عظماء الرجال قد دونوا مذكراتهم في أيام سجنهم، أو منفاهم و لا مبالغة حين نعد أبا منصور الأزهري واحدا من هؤلاء الرجال.
منهج التهذيب:
اتبع الأزهري في «تهذيب اللغة» حين بوبه و رتب حروفه، منهج كتاب «العين» للخليل بن أحمد افراهيدي، و هو المنهج الذي يتضح في المبادى‏ء الآتية «2».
1- رتب الأبجدية العربية ترتيبا «صوتيا» فبدأ بحروف الحلق، و جعل أولها العين، ثم انتهى بالحروف الشفهية و هي الفاء و الباء و الميم.
2- جعل حروف العلة قسما قائما بنفسه، و من ضمنها الهمزة لأنها يتناولها التغيير و الحذف أحيانا مثل حروف العلة.
3- جعل كل حرف من حروف الأبجدية «الصوتية» مقسما إلى هذه الأقسام بالترتيب:
 (أ) الثنائي الصحيح.
 (ب) الثلاثي الصحيح.
__________________________________________________
 (1) انظر «وفيات الأعيان» (1/ 635).
 (2) انظر كتاب «المعاجم العربية»، (ص: 17 و ما بعدها)، للدكتور عبد اللَّه درويش.

26
تهذيب اللغة (مقدمة)

منهج التهذيب ص 26

(ج) الثلاثي المعتل و هو ما فيه حرفان صحيحان و حرف علة واحد.
 (د) اللفيف، و هو عكس سابقه.
 (ه) الرباعي ثم الخماسي.
 (و) المعتل، و هو في آخر الكتاب.
4- اتبع نظام التقليبات بمعنى أنه يذكر المادة و مقلوبها في مكان واحد، ففي الثنائي مثلا: د ع، ع د، و مشتقاتهما في مكان واحد. و في الثلاثي بذكر الصور الست الممكنة في مكان واحد مثل: ع ل م، ع م ل- ل ع م، ل م ع- م ع ل، م ل ع. فمادتان بدئتا بالعين، و مادتان باللام، و مادتان بالميم. و بالطبع يذكر الأصول المستعملة و مشتقاتها و يترك الأصول المهملة التي لم تستعمل.
5- و بالبداهة- كبقية المعجمات العربية قديمها و حديثها- قد اعتبر في كل ذلك الحروف الأصلية التي من بنية الكلمة، و لم يعتبر في الترتيب الحروف الزائدة.
و يعترف الأزهري في مقدمة «التهذيب» بأنه اقتبس منهجه هذا من كتاب العين في ترتيبه و كيفية تنظيم المفردات فيه، و استمع إليه يقول:
 «و لم أر خلافا بين اللغويين أن التأسيس المجمل في أول كتاب «العين» لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد .. و علمت أنه لا يفوق الخليل أحد فيما أسسه و رسمه فرأيت أن أنقله بعينه لتتأمله و تردد فكرك فيه و تستفيد منه ما بك الحاجة إليه».
متن التهذيب «1»:
لقد اعتمد الأزهري في شرح غريب اللغة على من سبقه من الرواة و اللغويين- أحيانا- شأنه في ذلك شأن معاصريه و من سبقهم فهو ينقل عن أبي عبيدة و أبي عبيد، و عن ابن دريد، و عن الأصمعي، و عن أبي عمرو بن العلاء، و عن الخليل، و غيرهم.
و حين ينقل عمن سبقه قد يصرح باسم المرجع الذي نقل عنه و قد لا يصرح.
و ينبغي أن نضع أمامنا حقيقة هامة، و هي: أن الأزهري حين ينقل عن كتاب «العين» فائما ينقل عنه بعبارة: «قال الليث» لأنه يرى أن كتاب «العين» من صنيع الليث، «فقد أملاه الخليل على الليث بعد تلقفه إياه عن فيه».
و هذا يفسر لنا عبارة: «قال الليث» التي نجدها كثيرا في «اللسان» و «التاج» و غيرهما
__________________________________________________
 (1) مجلة «مجمع اللغة العربية» (18/ 75).

27
تهذيب اللغة (مقدمة)

متن التهذيب ص 27

من الكتب التي اعتمدت عليهما، و على من أراد أن يقف على اقتباسات «التهذيب» أو «اللسان» أو «التاج» عن الليث، فليعلم أن المقصود بذلك كتاب «العين».
و الظاهرة الفريدة في متن «التهذيب» أنه انتفع بالفترة التي قضاها بين القرامطة فشافه الأعراب الذين كانوا ما يزالون يتكلمون العربية بالسليقة، و رأى بعينه أماكن المياه و الجبال، و شاهد النباتات و وصفها وصفاً دقيقاً، فمن ذلك قوله في مادة (ح ن أ):
 «الحناءتان رملتان في ديار بني تميم، و رأيت في ديارهم ركية تدعى الحناءة، و قد وردتها، و ماؤها في صفرة». و في مادة (ث ر م د): «ثرمداء: ماء لبني سعد في وادي الستارين و قد وردته، يستقى منه بالعقال لقرب قعره».
و في مادة (ح ف ر): «و الأحفار المعروفة في بلاد العرب ثلاثة: فمنها حفر أبي موسى، و هي ركايا احتفرها أبو موسى الأشعري على جادة البصرة، و قد نزلت بها و استقيت من ركاياها، و هي ما بين ماوية و المنجشانيات. و ركايا الحفر مستوية بعيدة القعر عذبة الماء. و منها حفر سعد بن زيد مناة بن تميم و هي بحذاء العرمة وراء الدهناء يستقى منها بالسانية عند جبل من جبال الدهناء يقال له الحاضر».
و في مادة (ب ع ل): «و قد رأيت بناحية البيضاء من بلاد جذيمة عبد القيس نخلًا كثيراً عروقها راسخة في الماء. و هي مستغنية من السقي و عن ماء السماء تسمى بعلا».
و قد قال الأزهري بعد أن ذكر اختلاف آراء اللغويين في تحديد معنى النخل البعل، فقال: «فرأيت أن أذكر لك أصناف النخل لتقف عليها».
و هكذا نرى الأزهري يعطينا المعلومات البكر و هو المنهج الذي ينادي به المستشرقون. فأبي منصور الأزهري كان من أسبق اللغويين لهذا المنهج قبل أن يظهر المستشرقون و قبل أن يُعرف الاستشراق، و تراثنا العربي مملوء بالكثير من نماذج البحث العلمي الحديث، و لكنها تحتاج إلى من يستكشفها.
و ناحية أخرى فريدة في متن «التهذيب» و هي أنه حين ينقل عن الأقدمين الذين سبقوه فإنه يناقشهم و يدخل معهم في معارك لغوية طريفة، مما يظهر لك بجلاء شخصية الأزهري في «التهذيب»، فهو ليس سلبياً كغيره من المتأخرين، فالسيوطي- مع جلالة قدره- يذكر لك في المسألة الواحدة في «المزهر» مثلا عدة آراء و بعضها يتضارب مع البعض الآخر، و لكنك لا تكاد تخرج منها برأي السيوطي نفسه، أو بترجيحه لبعضها. و ابن منظور قد صرح في مقدمة «اللسان» بأنه جمع مواده من الأمهات اللغوية التي سبقته.
و من الظواهر التي تثبت شخصية الأزهري القوية و رسوخ علمه ما جاء في التهذيب مادة (ع ب د):

28
تهذيب اللغة (مقدمة)

متن التهذيب ص 27

حين عاب على الليث بالقراءات فقال:
 (قال الليث: و من قرأ: (و عبد الطاغوت) فمعناه صار الطاغوت يعبد، كما يقال: فقه الرجل و ظرف. قلت: غلط الليث في القراءة و التفسير. ما قرأ أحد من قُرَّاء الأمصار و غيرهم (و عبد الطاغوت) برفع الطاغوت، إنما قرأ حمزة: (و عبد الطاغوت) و هي مهجورة أيضا.
قال الليث: و يقال للمشركين: هم عبدة الطاغوت. و يقال للمسلمين: عباد اللَّه يعبدون اللَّه. و ذكر الليث أيضا قراءة أخرى ما قرأ بها أحد و هي (و عابدوا الطاغوت) جماعة.
و كان رحمه اللَّه قليل المعرفة بالقراءات. و كان نوله ألّا يحكي القراءات الشاذّة، و هو لا يحفظها و القارى‏ء إذا قرأ بها جاهل و هذا دليل على أن إضافته كتابه إلى الخليل بن أحمد غير صحيح، لأن الخليل كان أعقل و أورع. من أن يسمّي مثل هذه الحروف قراءات في القرآن، و لا تكون محفوظة لقارى‏ء مشهور من قرّاء الأمصار، و دليل على أن الليث كان مغفّلا و نسأل اللَّه التوفيق للصواب.
و قال الليث: يقال أعبَدني فلان فلانا أي ملّكني إيّاه.
قلت: و المعروف عند أهل اللغة: أعبدت فلانا أي استعبدته. و لست أنكر جواز ما ذكره الليث إن صحّ لثقة من الأئمة، فإن السماع في اللغات أولى بنا من القول بالحَدْس و الظنّ و ابتداع قياسات لا تستمرّ و لا تطّرد).
و مما جاء في مادة (غ ت ت) في‏
حديث:
 «الحوض يغت فيه ميزابان مدادهما من الجنة»
،- قال الأزهري-: (و هكذا: سمعت من محمد بن إسحاق، بضم الغين، و معنى يغت: يجري جريا له خرير و صوت. و قيل:
يغط، قال: و لا أدري ممن حفظ هذا التفسير، و لو كان كما قال لقيل: يغت و يغط، بكسر الغين. و معنى يغت (بالضم) يتابع الدفق في الحوض لا ينقطع مأخوذ من غت الشارب الماء جرعا بعد جرع و نفسا بعد نفس من غير إبانة الإناء عن فيه).
و من دقة الأزهري في الشرح و التوضيح أنه يفيض في بيان الدخيل و المعرب، و أحيانا يحدد اللهجات و أمكنتها.
و مما يدل على رسوخ قدمه في البحث اللغوي ربطه القراءات بمعاني الكلمات اللغوية، و تمييزه بذلك بين الصحيح منها و المردود. فمن هذا القبيل ما جاء في مادة «خ ط أ»: (نقل بعضهم قراءة بهمز الخطوات، فقال: (خطؤات الشيطان) من الخطيئة و هي المأثم).

29
تهذيب اللغة (مقدمة)

متن التهذيب ص 27

فقد نقل «اللسان» عنه هذه العبارة السابقة. ثم أضاف قائلا: (قال أبو منصور: ما علمت أن أحدا من قراء الأمصار قرأ بالهمزة. و لا معنى له).
أهمية الكتاب:
فكتاب التهذيب- على هذا- وضع في تنقيح اللغة، و تهذيبها، فجاء اسمه مطابقا للمسمى.
و لو لا هذه الصفات التي اتصف بها هذا المعجم الضخم لما أعجب به العلماء و تدارسوه. و استدلوا على فضل المعنيين به، حتى كان ابن الأثير: (ت 637 ه) يستدل على فضل الشارابي نصر أمير غرشستان بقراءته «التهذيب» «1» و يحمله التبريزي (ت 502 ه) على ظهره إلى المعرة ليقرأه على عالم به، فينفذ العرق من ظهره إليه «2»، و يقرأه الزمخشري (ت 538 ه) بجملته إعجابا به، و يستخرج منه أحاديثه و أمثاله و غريبه الذي لم يجده في كتاب الآخرين.
و يستقصي ياقوت الحموي: (ت 626 ه) جميع ما ورد فيه من البلدان و المواضع استقصاء غريبا فيودع ذلك كله كتابيه «معجم البلدان» و «المشترك».
و يستفيد ياقوت و القفطي (ت 646 ه) و السيوطي (ت 911 ه) و غيرهم في كتبهم من تراجمه و رجاله استفادة واضحة «3».
و لو استقصينا استفادات المصنفين في جميع ضروب المعرفة من «التهذيب» لرأينا عجبا غريبا، مما يدل على تفرع ألوان المعارف و الفنون التي عنى بها الكتاب إضافة إلى أنه معجم لغوي موثوق.
***__________________________________________________
 (1) انظر «الكامل»: (سنة 389 ه).
 (2) خاتمة «المصباح المنير» للفيومي.
 (3) انظر مثلا: «تهذيب الأسماء و اللغات» للنووي، و «المصباح المنير» و «حياة الحيوان الكبرى»، و غيرها من كتب الأدب و اللغة و الفقه.

30
تهذيب اللغة (مقدمة)

ملاحظة حول ما طبع من التهذيب ص 31

ملاحظة حول ما طبع من «التهذيب» «1»
ظهر كتاب «تهذيب اللغة» مطبوعا، من سنة 1384 ه/ 1964 م حين طبع الجزء الأول منه بتحقيق الأستاذ عبد السلام هارون، و مراجعة الأستاذ محمد علي النجار، و واصلت لجان التحقيق عملها في إخراج الأجزاء جميعها حتى الجزء الخامس عشر الذي به ينتهي الكتاب، و كان ظهور آخر جزء منه سنة 1969 ه.
غير أن شيئا لم يكن بالحسبان كان قد وقع للكتاب الذي كان يأمل أن يخرج إلى رواد المعجم العربي كاملا، جيد التحقيق، مضبوطا، غير مشوه، و لا مضطرب.
فقد حظيت بعض أجزائه بتحقيق علمي جيد، و خدمت خدمة لا غبار عليها، و أُصِيبْت بعض أجزائه الأخرى بما يشبه الإهمال، فتشبعت كثير من أبوابها و موادها بالأغلاط المطبعية .. ثم بالسقطات التي وقعت من بعض المواد، و شوهت صورته الكاملة التي كان ينبغي أن يظهر بها. هذا إلى جانب إهمال أبواب بموادها و تفسيراتها، ليس في جزء واحد فحسب، بل في ثلاثة أجزاء متصلة تبدأ بالجزء السابع الذي حققه الأستاذ عبد السلام سرحان- الأستاذ بجامعة الأزهر- ثم الجزء الثامن الذي حققه الأستاذ عبد العظيم محمود، فالجزء التاسع الذي حققه الأستاذ عبد السلام هارون.
و لعل السبب في ذلك يعود إلى: أن كل محقق أعطي قسما من الكتاب المخطوط و طلب إليه أن يقوم بتحقيقه و معارضته بالنسخ المخطوطة الأخرى التي بين أيدي العاملين.
و ضبط موادها على «اللسان» إذا تعذر الضبط على النسخ المخطوطة، و اشتغل الجميع بما بين أيديهم دون أن ينظروا إلى عمل الآخرين الذين شاركوهم في الكتاب ...
كما أن سقامة المخطوطات التي اعتمدت كان من أهم عوامل اضطراب المطبوعة و وقوع الأخطاء الكثيرة فيها.
و قال أشار الأستاذ إبراهيم الإبياري رحمه اللَّه إلى هذا الخلل أثناء عرضه لمنهج عمله في تحقيق الجزء الخامس عشر حيث قال:
 (كان مرجعي في هذا الجزء إلى مخطوطتين:
__________________________________________________
 (1) من مقدمة الدكتور رشيد عبد الرحمن العبيدي محقق كتاب «التهذيب»، المستدرك على الأجزاء السابع و الثامن و التاسع.

31
تهذيب اللغة (مقدمة)

ملاحظة حول ما طبع من التهذيب ص 31

إحداهما: مخطوطة المدينة: و هذه و إن بدت سليمة في أجزائها الأولى فقد غدت سقيمة في أجزائها الأخيرة، لا سيما هذا الجزء الخامس عشر.
و لقد كفانا الناسخ لهذه المخطوطة مؤونة الاستقصاء، و ذلك حين يقول في كلمته التي ختم بها عمله، «و كتب ياقوت منه- يعني «التهذيب»- خمس عشرة مجلدة من خط مصنف الكتاب أبي منصور جزاه اللَّه خيرا، ثم أحيل بينه و بين الباقي فأتمه من نسخ قد قرأت على المصنف أو قوبلت بأصله».
و من هذه نعرف كيف استوت الأجزاء الأولى و اضطربت الأجزاء الأخيرة اضطرابا لقي منه ياقوت عنتا، و لقي منه الناسخ لها هو الآخر عنتا ثانيا، فانضم هذا إلى ذاك، فإذا هذا الجزء لا يكاد يستقيم منه إلا القليل.
و ثانيتهما: مخطوطة دار الكتب‏
و هذه قد انضم إلى ما فيها من تلفيق، امحاء لكثير من صفحات و كثير من عبارات و كلمات، فإذا الباقي الذي يقرأ منها قلّ من كثر.
لهذا كان لا بد من لقاء لكل ما نقل عن الأزهري في كتب اللغة لا سيما «لسان العرب» لابن منظور، ليعارض نص بنص. و ما يتفق عرض ابن منظور و عرض الأزهري فتهون المعارضة، و لكن المساقين يختلفان، و ليس كل ما نقل ابن منظور عن الأزهري بسليم فيزول الشك و تحل الثقة، فكان لي مع كل نص وقفة لا أتركها إلى غيره إلا بعد الاطمئنان إلى سلامته ...
بهذا ألزمت نفسي وجعلت النص يقيم النص، لا ألقي بالا لزلات الناسخ، بعد أن تبينت فساد قلمه و فساد علمه، و لم يكن من المقبول أن أضيف من جهل الناسخين إلى اللغة، و لو كان هذا رأيا من تلك الآراء التي تتسع لها النصوص التي تحتمل الرأي لقبلته، و لكنه لغة دونت و انضبطت، و لم تعد تحتمل المزيد على قديمها المرسوم بما يشكك فيه أو ينقض منه.
و غاية ما أحببت أن قوله، كيلا يلتبس القول: إني لم ألتفت إلى عبث الناسخ فأثقل الهوامش به، و لكني لم أهمل جده، و لم أنفض يدي من هذا الجزء إلا بعد أن وفيته حقه من معارضات كثيرة أقامته على الطريق السوي، و رددته إلى أصله الذي تركه عليه الأزهري فيما أرجو.
و اللَّه أسأل أن أكون قد وفقت فيما أردت) اه.

32
تهذيب اللغة (مقدمة)

عملنا في هذه الطبعة ص 33

عملنا في هذه الطبعة:

1- أكملنا ما سقط من الأبواب و المواد في المطبوعة مستعينين ب «اللسان»، و «العين»، و «الصحاح»، و «المحكم»، و «التاج»، و «القاموس المحيط» ... و غيرها من المصادر اللغوية.

أما القسم الأكبر من هذا السقط فقد أثبتناه من كتاب «التهذيب»، المستدرك على الأجزاء السابع و الثامن و التاسع» بتحقيق الدكتور رشيد عبد الرحمن العبيدي.

2- استعنا ب «التهذيب» نفسه لضبط الأبواب و المواد و لضبط كلمات حرفت في مادة و وردت صحيحة في مادة أخرى.

3- الزيادات و الاستدراكات حصرت بين [].

4- لوحظ أثناء تصحيح المطبوعة أن هناك بعض المواد وردت معانيها مشتتة في أكثر من موضع، فأثبتناها ضمن مادتها و نبهنا على ذلك في الحاشية.

5- وضعت (*) عند رأس المادة التي ذكرت تكملتها في مكان آخر.

6- الأبواب التي حدث الأضطراب في ترتيبها أثبتناها في موضعها وفقا لمنهاج الأزهري في ترتيب الكتب و الأبواب و على سبيل المثال: ففي الجزء الخامس في مطبوعة «التهذيب» أثبت باب الهاء و الضاد في المضاعف قبل باب الهاء و الشين، و ذكر محقق الكتاب في الهامش: «إن ترتيب نسخة (ج) غير دقيق، و ليس متمشيا مع الأبجدية الصوتية التي سار عليها الأزهري تبعا للخليل إذ فيها الضاد قبل الشين». ا. ه.

7- ضبطت مواد الرباعي و الخماسي و ميزت باللون الأحمر، لتسهيل الوصول إليها.

8- الأبواب و المواد المهملة التي لم يشر إليها في المطبوعة نبهنا عليها بوضع عبارة «أهمله الليث» جريا على عادة الأزهري في التعبير.

9- ألحقنا الهمزة بأبواب المعتل- (و ا ي ء)- فقد أشار الأزهري إلى هذا (15/ 682) فقال: (اعلم أن الهمزة لا هجاء لها، إنما تكتب مرة ألفا، و مرة ياء، و مرة واوا.

و الألف اللينة لا حرف لها إنما هي جزء من مدة بعد فتحة. و الحروف ثمانية و عشرون حرفا، مع الواو و الألف و الياء و تتم بالهمزة تسعة و عشرين حرفا. و الهمزة كالحرف الصحيح، غير أن لها حالات في التّليين و الحذف و الإبدال و التحقيق، تعتل فيها، فألحقت بالأحرف المعتلة الجوف، و ليست من الجوف إنما هي حلقية في أقصى الحلق):.

10- قمنا بوضع فهرس الفبائي للمواد.

33
تهذيب اللغة (مقدمة)

عملنا في هذه الطبعة ص 33

و بعد:
لا ندعي أننا قمنا بعمل يوفي الأزهري و معجمه حقهما من الرعاية و الدراسة لكننا نعتبر أنها خطوة على طريق الاهتمام بأعمال تراثية بهذا المستوى و بهذه الأهمية. و نحن نرجو أن نكون قد قدمنا به خدمة و لو بسيطة في إحياء تراثنا و تقديمه و تيسيره بشكل مهذّب.
و نرجو أن يغفر لنا ما وقعنا به من تقصير أو سهو.
نسأل اللَّه التوفيق.
فاطمة محمد أصلان‏
مكتب التحقيق- دار إحياء التراث العربي‏
بيروت 3 ذو الحجة 1421 ه
الموافق 26 شباط 2001 م‏

34
تهذيب اللغة (مقدمة)

المراجع ص 35

المراجع‏
- «العين»: للخليل بن أحمد الفراهيدي- المقدمة- تحقيق عبد اللَّه درويش.
- «لسان العرب»: ابن منظور- المقدمة- ط. دار إحياء التراث العربي.
- «الصحاح»: للجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار.
- «القاموس المحيط»: الفيروز آبادي.
- «المزهر في علوم اللغة و أنواعها»: عبد الرحمن جلال الدين السيوطي- ج 1، تحقيق جاد المولى، و البجاوي، و أبو الفضل إبراهيم.
- «كلام العرب»: الدكتور حسن ظاظا.
- «المعاجم العربية»: الدكتور عبد السميع محمد أحمد.
- «المعجم الكبير»: مجمع اللغة العربية.
- «المعجم العربي نشأته و تطوره»: الدكتور حسين نصار.
- «المعجم الوجيز»: مقدمة الدكتور مدكتور.
- «المعاجم و المصطلحات»، مباحث في المصطلحات و المعاجم و التعريب، للدكتور حامد صادق قنيبي.
- مجلة «مجمع اللغة العربية»: الأجزاء: 15، 18، 20، 60.
- «مقاييس اللغة»: ابن فارس- تحقيق الأستاذ عبد السلام هارون.
- «فقه اللغة»: الدكتور علي عبد الواحد وافي.
- «دائرة المعارف الإسلامية»: إصدار عبد الحميد الشنتتاوي و رفاقه.
- «الأعلام»: للزركلي.
- «فوات الوفيات»: ابن شاكر الكتبي.
- «الجمهرة»: ابن دريد، بيروت- ط. دار صادر.
- «انباه الرواة على أنباء النحاة»: القفطي، القاهرة- ط. دار الكتب المصرية.
- «تهذيب اللغة»: المستدرك على الأجزاء السابع و الثامن و التاسع، تحقيق الدكتور رشيد عبد الرحمن العبيدي- المقدمة-.

35
تهذيب اللغة (مقدمة)

تقديم بقلم الأستاذ عبد السلام هارون ص 37

تقديم بقلم الأستاذ عبد السلام هارون‏
 (الأزهري) 282- 370 ه
هذه هي شهرته. و هو أبو منصور محمد بن أحمد بن طلحة بن نوح بن الأزهر، الأزهريّ «1» الهرويّ الشافعي.
و الأزهريّ: نسبة إلى جده الأزهر.
و الهرويّ: نسبة إلى هراة، حيث ولد بها سنة 282 ه.
و هراة: مدينة عظيمة مشهورة من أمهات مدن خراسان، قال ياقوت:
 «و لم أر بخراسان عند كوني بها في سنة 607 مدينة أجلّ و لا أعظم و لا أفخر و لا أحسن و لا أكثر أهلا منها. فيها بساتين كثيرة، و مياه غزيرة، و خيرات كثيرة محشوّة بالعلماء، و مملوّة بأهل الفضل و الثراء. و قد أصابتها عين الزمان، و نكبتها طوارق الحدثان، و جاءها الكفار من التتر فخربوها حتى أدخلوها في خبر كان، ف إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ.
و ذلك في سنة 618 ه».
و فيها يقول أبو أحمد الساميّ الهروي:
هراة أرض خصبها واسع             و نبتها اللّفّاح و النرجس‏
ما أحد منها إلى غيرها             يخرج إلا بعد ما يفلس‏

و الشافعي: نسبة إلى مذهبه الفقهي، يقول السبكي في طبقات الشافعية: «كان إماما
__________________________________________________
 (1) هذه النسبة المثبتة في مقدمة نسخة م يطابقها ما ورد في «إنباه الرواة» للقفطي في قسم الكنى. و في «معجم الأدباء» (17/ 164): «محمد بن أحمد الأزهر بن طلحة بن نوح بن الأزهر بن نوح بن أبيض بن حاتم بن سعيد بن عبد الرحمن». و في «طبقات الشافعية» (2/ 106) «محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة الهروي». و في «وفيات الأعيان» «محمد بن أحمد بن الأزهر طلحة بن نوح بن أزهر».
فجعل «الأزهر» لقبا أيضا لجده طلحة. و في «بغية الوعاة»: «محمد بن محمد بن الأزهر بن طلحة بن نوح». و هو واضح الخطأ. و في «شذرات الذهب» (3/ 72): «محمد بن أحمد بن الأزهر».

37
تهذيب اللغة (مقدمة)

تقديم بقلم الأستاذ عبد السلام هارون ص 37

في اللغة بصيرا بالفقه عارفا بالمذهب، عالي الإسناد، ثخين الورع، كثير العبادة و المراقبة، شديد الانتصار لألفاظ الشافعي، متحريا في دينه».
حياة أبي منصور الأزهري:
أقام أبو منصور صدر حياته في مدينة هراة حيث ولد بها سنة 282 و سمع بها من الحسين بن إدريس، و محمد بن عبد الرحمن السامي و طائفة، كما ذكر السبكي في طبقاته.
ثم سافر أبو منصور عن هراة مسقط رأسه، شابا يافعا، إلى أرض العراق قاصدا للحج.
و عند عودته من الحج أسرته الأعراب في طريقة، و ذلك في فتنة القرمطي «1» سنة 312 ه في أيام المقتدر باللَّه بن المعتضد «2»، و كانت سن الأزهري في ذلك الحين نحو الثلاثين، لأن مولده كان سنة 282 ه.
و القرمطي هذا هو أبو طاهر الحسين بن أبي سعيد الجنّابي «3»، و كان قد اعترض الحجيج و هم راجعون من بيت اللَّه الحرام، قد أدوا ما فرض اللَّه عليهم، فقطع عليهم الطريق فقاتلوه دفعا عن أموالهم و أنفسهم و حريمهم، فقتل منهم خلقا كثيرا لا يعلمهم إلا اللَّه، و أسر من نسائهم و أبنائهم، و اصطفى من أموالهم ما أراد، و ترك بقية الناس بعد ما أخذ جمالهم و زادهم، و أموالهم و نساءهم، بلا زاد و لا محمل.
و يذكرون أن عمر هذا الطاغية كان إذ ذاك سبع عشرة سنة. و قد سجّل الأزهري هذه الحادثة إذ يقول في مقدمة «تهذيب اللغة» «4»:
__________________________________________________
 (1) القرمطي، بكسر القاف و الميم: نسبة إلى قرمط، و كان رجلا من سواد الكوفة، و للقرامطة مذهب مذموم، و كانوا قد ظهروا في سنة 281 في خلافة المعتضد و طالت أيامهم و عظمت شوكتهم و استولوا على بلاد كثيرة. انظر «السمعاني» (ص 448) و «ابن خلكان» في ترجمة الأزهري.
 (2) انظر «صلة تاريخ الطبري» لعريب بن سعد القرطبي في حوادث تلك السنة (12/ 61)، و «البداية و النهاية» لابن كثير (11/ 149، 150).
 (3) الجنابي بفتح الجيم و تشديد النون: نسبة إلى جنابة، و هي بلدة بساحل بحر فارس. انظر «السمعاني» و «ابن خلكان» و «ياقوت». و قد ظهر أبو سعيد الجنابي القرمطي سنة 278 بناحية البحرين و هجر، و قتله خادم له سنة 301 كما في «وفيات الأعيان» في ترجمة الأزهري و «الطبري» (11/ 408).
و في الجزء الأول من «التهذيب» (ص 376) في مادة (لعج): «و سمعت أعرابيا من بني كليب يقول: لما فتح أبو سعيد القرمطي هجر سوى حظارا من سعف النخل، و ملأه، من النساء الهجريات ثم ألعج النار في الحظار فاحترقن».
 (4) انظر ص 7.

38
تهذيب اللغة (مقدمة)

حياة أبي منصور الأزهري ص 38

«و كنت امتحنت بالإسار سنة عارضت القرامطة الحاج بالهبير، و كان القوم الذين وقعت في سهمهم عربا عامتهم من هوازن «1»، و اختلط بهم أصرام من تميم و أسد بالهبير، نشئوا في البادية يتتبعون مساقط الغيث أيام النجع، و يرجعون إلى أعداد المياه في محاضرهم زمان القيظ، و يرعون النعم و يعيشون بألبانها، و يتكلمون بطباعهم البدوية، و قرائحهم التي اعتادوها، و لا يكاد يقع في منطقهم لحن أو خطأ فاحش، فبقيت في إسارهم دهرا طويلا. و كنا نتشتى الدهناء و نتربع الصمان، و نتقيظ الستارين، و استفدت من مخاطباتهم و محاورة بعضهم بعضا ألفاظا جمة، و نوادر كثيرة، أوقعت أكثرها في مواقعها من الكتاب، و ستراها في مواضعها إذا أتت قراءتك عليها إن شاء اللَّه».
و أقام الأزهري في ذلك الأسر دهرا طويلا، كما يقول، ثم تخلص من الأسر و دخل بغداد، كما يقول القفطي، و قد استفاد من الألفاظ العربية ما شوّقه إلى استيفائها، و حضر مجالس أهل العربية.
شيوخه في بغداد:
و في بغداد تلمذ على:
1- أبي عبد اللَّه إبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه (244- 323 ه).
2- أبي بكر محمد بن السري بن سهل، المعروف بابن السراج (...- 316 ه).
3- أبي القاسم عبد اللَّه بن محمد بن عبد العزيز البغوي (214- 317 ه).
قال ابن خلكان: «و رأى ببغداد أبا إسحاق الزجاج و أبا بكر بن الأنباري، و لم ينقل عنه أنه أخذ عنهما شيئا».
لكن ذكر الأزهري في مقدمة التهذيب (ص 27) أبا إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج (... 311 ه) و قال: «حضرته ببغداد بعد فراغه من إملاء الكتاب- يعني كتاب المعاني- فألفيت عنده جماعة يسمعونه منه».
ثم قال: «و ما وقع في كتابي له من تفسير القرآن فهو من كتابه، و لم أتفرغ ببغداد لسماعه منه».
__________________________________________________
 (1) مما يذكره التاريخ أن القرامطة جعلوا يستميلون بعض العرب و يدعونهم إلى نحلتهم حتى استجاب لهم أهل البحرين و ما والاها. انظر «ياقوت» في رسم (جنابة). فلعل هؤلاء الأعراب كانوا من الموالين للقرامطة، أو أن هؤلاء القوم أسروا الأزهري مساوقة للفوضى السياسية التي ضربت أطنابها في هذه الحقبة من الزمن.

39
تهذيب اللغة (مقدمة)

شيوخه في بغداد ص 39

و هذا يعني أنه سمع منه بعض السماع.
و يقول الأزهري أيضا في أبي بكر بن الأنباري في المقدمة (ص 31) عند الكلام على ابن قتيبة: «و رأيت أبا بكر بن الأنباري ينسبه إلى الغفلة و الغباوة و قلة المعرفة. و قد رد عليه قريبا من ربع ما ألفه في مشكل القرآن».
و لقي الأزهري في بغداد أيضا أبا بكر بن دريد (223- 321 ه) و لكنه لم يأخذ عنه شيئا. و فيه يقول في المقدمة «1» (ص 31):
 «و ممن ألف في عصرنا الكتب فوسم بافتعال العربية و توليد الألفاظ التي ليس لها أصول، و إدخال ما ليس من كلام العرب في كلامهم: أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي، صاحب كتاب «الجمهرة» و كتاب «اشتقاق الأسماء»، و كتاب «الملاحن».
و حضرته في داره ببغداد غير مرة فرأيته يروي عن أبي حاتم، و الرياشي، و عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي، فسألت إبراهيم بن محمد بن عرفة الملقب بنفطويه عنه، فاستخف به و لم يوثقه في روايته. و دخلت يوما عليه فوجدته سكران لا يكاد يستمر لسانه على الكلام من غلبة السكر عليه. و تصفحت كتاب «الجمهرة» له فلم أره دالا على معرفة ثاقبة، و عثرت منه على حروف كثيرة أزالها عن وجوهها، و أوقع في تضاعيف الكتاب حروفا كثيرة أنكرتها و لم أعرف مخارجها، فأثبتها من كتابي في مواقعها منه، لأبحث عنها أنا أو غيري ممن ينظر فيه، فإن صحت لبعض الأئمة اعتمدت، و إن لم توجد لغيره وقفت».
فهذا النص يطلعنا على مدى العلاقة العلمية بين الأزهري و ابن دريد، و على مدى توثيقه له.
لكن السيوطي يقول في «المزهر» (1/ 93): «قلت معاذ اللَّه، هو بري‏ء مما رمي به.
و من طالع «الجمهرة» رأى تحريه في روايته».
عودته إلى هراة:
و يبدو أنه لم يمكث ببغداد طويلا. قال القفطي:
 «ثم رجع أبو منصور رحمه اللَّه إلى هراة، و اشتغل بالفقه على مذهب الشافعي، و أخذ اللغة عن مشايخ بلده، و لازم المنذري الهروي و أخذ عنه كثيرا من هذا الشأن، و شرع في‏
__________________________________________________
 (1) مثل هذا النص التالي ما جاء في «إنباه الرواة» و «معجم الأدباء». عن الخطيب البغدادي قال:
 «دخلت على أبي بكر محمد بن دريد داره ببغداد لآخذ عنه شيئا من اللغة، فوجدته سكران فما عدت إليه».

40
تهذيب اللغة (مقدمة)

عودته إلى هراة ص 40

تصنيف كتابه المسمى «بتهذيب العرب» «1» فأعانه في جمعه كثرة ما صنف بخراسان من هذا الشأن في ذلك الوقت و قبله بكثير، كتصنيف أبي تراب، و أبي الأزهر، و غيرهما ممن اعتمد الجمع و التكثير».
و من أبرز شيوخه في هراة كما يفهم من تتبع رواياته في «التهذيب»:
1- أبو الفضل محمد بن أبي جعفر المنذري الهروي المتوفى سنة 329 ه. و هو أكبر شيوخه، و ممن قرأ على ثعلب و المبرد. و فيه يقول ياقوت «2»: «و هو نحوي لغوي مصنف في ذلك، و هو شيخ أبي منصور محمد بن أحمد الأزهري الذي أملى كتاب «التهذيب» بالرواية عنه».
و في هذا التعبير من ياقوت مبالغة واضحة، كما سيأتي عند الكلام على منهج الأزهري في تأليف «التهذيب».
2- أبو محمد المزني، و اسمه أحمد بن عبد اللَّه، و كان يقال له ببخارى «الشيخ الجليل». و هو من أهل هراة كما ذكر السمعاني «3»، قال الحاكم في «تاريخ نيسابور»: «كان إمام أهل العلم و الوجوه و أولياء السلطان بخراسان في عصره بلا مدافعة» سمع بهراة و نيسابور و مروالروذ و نسا و جرجان و بغداد و الكوفة و البصرة و الأهواز و مكة و مصر و الشام.
و توفي سنة 361 ه.
و يروي الأزهري عنه رواية عن أبي خليفة الفضل بن الحباب عن أبي محمد القاسم بن سلام.
3- أبو القاسم عبد اللَّه بن محمد بن عبد العزيز البغوي، نسبة إلى «بغ» أو «بغشور»، و هي بلدة من بلاد خراسان بين مرو و هراة. ولد سنة 212 ه و توفي سنة 317 ه كما ذكر السمعاني.
4- أبو بكر بن عثمان. ذكره الأزهري في المقدمة (ص 22) في ترجمة أبي حاتم السجستاني حيث ذكر كتاب السجستاني في القراءات، قال: «قرأه علينا بهراة أبو بكر بن عثمان».
5- أبو محمد عبد اللَّه بن محمد بن هاجك.
__________________________________________________
 (1) كذا. و اسمه الصحيح «تهذيب اللغة». مقدمة «التهذيب» (ص 54).
 (2) «معجم الأدباء» (18/ 99).
 (3) «الأنساب للسمعاني» 527.

41
تهذيب اللغة (مقدمة)

عودته إلى هراة ص 40

6- أبو محمد عبد اللّه بن عبد الوهاب البغوي. يروي عن الربيع بن سليمان عن الشافعي.
7- أبو بكر الإيادي، تلميذ شمر بن حمدويه الهروي، انظر المقدمة (ص 25).
و الحق إن إحصاء شيوخ الأزهري يحتاج إلى دراسة طويلة مصدرها الأول ما ذكره هو في مقدمة «التهذيب».
تلاميذه:
كان لتأليف الأزهري لكتابه «التهذيب» أثر كبير في الدراسات اللغوية، و اجتلاب عدد كبير من طلاب اللغة الذين كانوا يقرءون عليه هذا الكتاب في هراة. و قد حفظ التاريخ من أسماء تلاميذه طائفة صالحة، منهم:
1- أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي (- 401 ه) صاحب كتاب «الغريبين»:
غريب القرآن، و غريب الحديث، و هو ألمع تلاميذه و أبرزهم. لقّبه ابن الأثير في مقدمة النهاية ب «صاحب الإمام أبي منصور الأزهري اللغوي».
و يقول القفطي:
 «و لما صنف أبو منصور كتابه «التهذيب» قرأه عليه الأجلاء من أهل بلده و أشرافها و رواه عنه أبو عبيد الهروي المؤدب، مصنف كتاب «الغريبين»، و كان تلميذا له و ملازما حلقته، و من كتابه صنّف غريبه- و هو «التهذيب»- كتاب قد اشتمل من لغة العرب على جزء متوفر مع جسأة «1» في عبارة المصنف و عجرفية في ألفاظه».
و يفهم من هذا النص أن جماعة من الهرويين لم تعين أسماؤهم كانوا تلاميذ لأبي منصور، و لا سيما بعد تأليفه كتاب «التهذيب».
2- و ذكر ابن الأثير في الكامل «2» أن «الشار أبو نصر» «3» أمير غرشستان «4»، سمع من الأزهري كتاب «تهذيب اللغة». قال ابن الأثير: «و رأيت عدة مجلدات من كتاب‏
__________________________________________________
 (1) الجسأة، بالضم: الصلابة و الخشونة.
 (2) «الكامل» (9/ 55) في حوادث سنة 389 ه. و قد أشار إلى هذا النص بروكلمان في كتابه.
 (3) قال ابن الأثير: «الشار: لقب كل من يملك بلاد غرشستان، ككسرى للفرس و قيصر للروم و النجاشي للحبشة.
 (4) غرشستان: و يقال أيضا غرج الشار: ولاية في شرقي هراة. و الغرج معناه الجبال. عن ياقوت في «معجم البلدان».

42
تهذيب اللغة (مقدمة)

تلاميذه ص 42

 «التهذيب» للأزهري في اللغة بخطه، و عليه ما هذه نسخته: يقول محمد بن أحمد الأزهري: قرأ علي الشار أبو نصر هذا الجزء من أوله إلى آخره و كتبه بيده. صح».
قال ابن الأثير: «فهذا يدل على اشتغاله و علمه بالعربية؛ فإن من يصحب مثل الأزهري و يقرأ كتابه «التهذيب» يكون فاضلا».
3- و من تلاميذه أيضا أبو أسامة جنادة بن محمد بن الحسين الأزدي الهروي. قال ياقوت «1»: «عظيم القدر شائع الذكر عارف باللغة، أخذ عن أبي منصور الأزهري، و روى عن أبي أحمد العسكري و روى عنه كتبه، ثم قدم مصر فأقام بها إلى أن قتله الحاكم من الملوك المصرية المنتسبة إلى العلويين في سنة 399 ه ... و أخذ عنه بمصر أبو سهل الهروي و غيره، من أهل مصر و غيرهم. و كان مجلسه بمصر في جامع المقياس، و هو الذي فيه العمود الذي يعتبرون به زيادة النيل من نقصه».
و يروي ياقوت و السيوطي «2» أنه قيل للحاكم: إن جنادة رجل مشؤوم، يقعد بالمقياس و يلقى النحو، و يعزّم على النيل فلذلك لم يزد. فأمر بقتله لذلك.
و قد روى جنادة هذا كتاب «التهذيب» عن الأزهري، كما سيأتي عند القول في مخطوطات «التهذيب».
و توفي جنادة هذا سنة 399.
و من تلاميذ الأزهري الذين ذكرهم السبكي في «طبقات الشافعية»:
4- أبو يعقوب القراب.
5- أبو ذر عبد بن حميد.
6- أبو عثمان سعيد القرشي.
7- الحسين الباشاني.
8- علي بن أحمد بن خمرويه.
وفاته:
يكاد المؤرخون يجمعون أنه توفي سنة 370 ه بالمدينة التي ولد بها، و هي مدينة هراة. و ذكر بعضهم أن وفاته كانت سنة 371 ه. لم تخرج الأقوال عن هذين القولين.
__________________________________________________
 (1) «معجم الأدباء» (7/ 209، 210).
 (2) في «بغية الوعاة» ص 213.

43
تهذيب اللغة (مقدمة)

كتب الأزهري ص 45

كتب الأزهري‏
1- يعد كتاب «تهذيب اللغة» في قمة تآليفه، و قد ألفه بعد بلوغه السبعين، كما يفهم من مقدمته. و سأفرد لهذا الكتاب قولا خاصا.
2- كتاب «الأدوات»، ذكره ياقوت و السيوطي. و يبدو أنه من كتب اللغة أو النحو.
و لم يذكر في «كشف الظنون» «1» إلا كتاب «الأدوات» لأبي عبد اللَّه محمد بن علي بن حميدة النحوي المتوفي سنة 550 ه.
3- «تفسير ألفاظ مختصر المزني» و المزني هذا هو أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني المتوفى سنة 264 ه. و ذكره القفطي باسم «كتاب الألفاظ الفقهية» و السبكي بلفظ «كتاب تفسير ألفاظ المزني». و ابن خلكان بلفظ «تصنيف في غريب الألفاظ التي استعملها الفقهاء»، و قال: «في مجلد واحد، و هو عمدة الفقهاء «2» في تفسير ما يشكل عليهم من اللغة المتعلقة بالفقه.
و في «كشف الظنون» عند الكلام على «مختصر المزني في فروع الشافعية»: «و هو متداول في كل الأمصار- كما ذكره النووي في شرح «التهذيب»- للشيخ الإمام إسماعيل بن يحيى المزني الشافعي المتوفى سنة 264 ه. و هو أول من صنف في مذهب الشافعي»، ثم قال:
 «و في تفسير ألفاظ كتاب لمحمد بن أحمد بن منصور الأزهري المتوفى سنة 370 ه» و ذكره بروكلمان باسم «كتاب الظاهر «3» في غريب ألفاظ الشافعي». و منه نسخ في برلين 4852 و كوبريلي 568 و المتحف البريطاني ثان 340 و طب قبو 2782 و دار الكتب 2/ 16 برقم 35 لغة.
و عنوان نسخة دار الكتب المصرية: (كتاب «الزاهر في غرائب ألفاظ الإمام الشافعي» الذي نقله عنه المزني رحمة اللَّه عليهم.
و أول هذا الكتاب: «قال أبو منصور محمد بن أحمد بن الأزهر». و في مقدمته:
 «فأعملت رأيي في تفسير ما استغرب منها- يعني كتب الشافعي- في الجامع الذي اختصره‏
__________________________________________________
 (1) «كشف الظنون» (2/ 260).
 (2) أي الكتاب الذي يعتمدون عليه. وظن بعضهم أن «عمدة الفقهاء» اسم كتاب آخر له في الفقه.
 (3) يبدو أنه خطأ في الترجمة، صوابه «الزاهر» كما هو عنوان النسخة التي أشار إليها بروكلمان.

45
تهذيب اللغة (مقدمة)

كتب الأزهري ص 45


المزني أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى رحمه اللَّه، من جميعها».
و الكتاب مرتب على أبواب الفقه و منه نسخة دار الكتب في 119 ورقة بخط محمود صدقي النساخ في 16 ذي القعدة سنة 1326 ه عن نسخة بمكتبة أحمد بك الحسيني.
و من هذا القبيل من تصانيف اللغة كتاب «المصباح المنير في غريب الشرح الكبير» يعني «شرح الوجيز» للإمام الرافعي. و الوجيز هذا كتاب في فروع الشافعية للإمام الغزالي (451- 505 ه) و قد شرحه الرافعي، و اسمه أبو القاسم عبد الكريم بن محمد القزويني الشافعي المتوفى سنة 623 ه. شرحه شرحا كبيرا سماه «فتح العزيز على كتاب الوجيز».
4- «التقريب في التفسير». ذكره ياقوت و ابن العماد، و أورده القفطي و ابن خلكان بلفظ «كتاب التفسير». و هو من كتب تفسير القرآن الكريم. ذكره صاحب «كشف الظنون» (1/ 306) قال: «تفسير الأزهري المسمى بالتقريب، يأتي». ثم ذكر في (1/ 319).
 «تقريب في التفسير» لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري اللغوي الشافعي».
5- «تفسير أسماء اللَّه عز و جل». ذكره ياقوت. و أورده السبكي بلفظ: «تفسير الأسماء الحسنى». و سماه صاحب «كشف الظنون» (2/ 50) «شرح أسماء اللَّه الحسنى».
و انظر لما قيل في الأسماء الحسنى «تفسير أبي حيان» (4/ 429).
6- «تفسير إصلاح المنطق» لابن السكيت. ذكره ياقوت و السبكي، و كذا «كشف الظنون» (1/ 112). و لعل الأزهري أول شارح لهذا الكتاب.
7- «تفسير السبع الطوال». ذكره ياقوت و السبكي و كذا «كشف الظنون» (1/ 309، 310). و المراد بالسبع الطوال ما عرف فيما بعد بالمعلقات السبع، التي سماها أبو بكر ابن الأنباري (271- 328) من قبل «القصائد السبع الطوال». و ظن بعضهم خطأ أن هذا الكتاب في تفسير بعض سور القرآن الكريم، إذ يقول في الكلام على الأزهري: «هو في التفسير من الممتازين، فقد ألف تفسيرا للسبع الطوال»!!.
8- «تفسير شعر أبي تمام». ذكره ياقوت. و عند السبكي «تفسير ديوان أبي تمام» و السيوطي «شرح شعر أبي تمام». و جاء في «كشف الظنون» (1/ 501) عند الكلام على «ديوان أبي تمام»: «و فسره أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري المتوفى سنة 370 ه».
9- «تفسير شواهد غريب الحديث». ذكره ياقوت. و لعله «شرح لشواهد غريب الحديث» لأبي عبيد «1».
__________________________________________________
 (1) انظر مقدمة «التهذيب» (ص 20).

46
تهذيب اللغة (مقدمة)

كتب الأزهري ص 45


10- «الحيض». ذكره صاحب «كشف الظنون» (2/ 274).
11- «الرد على الليث». ذكره ياقوت.
12- «علل القراءات». أورده ياقوت و السبكي. و لم يذكر صاحب «كشف الظنون» في سلسلة كتب العلل.
13- «كتاب في الروح و ما جاء فيها من القرآن و السنة». ذكره ياقوت. و أورده السبكي بلفظ «كتاب الروح و ما ورد فيها من الكتاب و السنة».
- كتاب «معاني شواهد غريب الحديث». كذا جاء في «معجم الأدباء» عند سرد كتبه.
و هو بلا ريب كتاب تفسير شواهد «غريب الحديث» الذي سبق الكلام عليه في رقم 9.

 

47
تهذيب اللغة (مقدمة)

تهذيب اللغة ص 49

تهذيب اللغة
يعد هذا الكتاب في قمة كتب الأزهري. كما يعد من أوثق المعاجم اللغوية. و بحق ما سمى الأزهري كتابه «تهذيب اللغة». يقول في ذلك «1».
 «و قد سميت كتابي هذا «تهذيب اللغة»؛ لأني قصدت بما جمعت فيه نفي ما أدخل في لغات العرب من الألفاظ التي أزالها الأغبياء عن صيغتها، و غيرها الغتم عن سننها، فهذّبت ما جمعت في كتابي من التصحيف و الخطأ بقدر علمي، و لم أحرص على تطويل الكتاب بالحشو الذي لم أعرف أصله، و الغريب الذي لم يسنده الثقات إلى العرب».
و مع ضخامة هذا المعجم و اتساع جنباته يقول الأزهري إنه لم يذكر فيه إلا ما صح من سماع، أو ما كان رواية عن ثقة، أو حكاية عن ذي معرفة ثاقبة اقترنت إليها معرفته.
و هو يعتذر عن هذا الإيجاز بقوله «2»:
و لو أنني أودعت كتابي هذا ما حوته دفاتري و قرأته من كتب غيري، و وجدته في الصحف التي كتبها الوراقون و أفسدها المصحفون، لطال كتابي، ثم كنت أحد الجانين على لغة العرب و لسانها. و لقليل لا يخزى صاحبه، خير من كثير يفضحه».
ثم يقول:
 «و لم أودع كتابي هذا إلا ما صح لي سماعا منهم أو رواية عن ثقة، أو حكاية عن خط ذي معرفة ثاقبة اقترنت إليها معرفتي، اللهم إلا حروفا وجدتها لابن دريد و ابن المظفر في كتابيهما، فبيّنت شكي فيها و ارتيابي بها، و ستراها في مواقعها من الكتاب و وقوفي فيها».
و يقول أيضا معتذرا عن حذف بعض الحروف و الشواهد:
 «و لعل ناظرا ينظر في كتابي هذا فيرى أنه أخلّ به إعراضي عن حروف لعله يحفظها لغيري، و حذفي الشواهد من شعر العرب للحرف بعد الحرف، فيتوهم و يوهم غيره أنه حفظ ما لم أحفظ، و لا يعلم أني عزوت فيما حذفته إعفاء الكتاب من التطويل الممل، و التكثير الذي لا يحصّل».
__________________________________________________
 (1) المقدمة 1/ 54.
 (2) المقدمة 1/ 40.

49
تهذيب اللغة (مقدمة)

تهذيب اللغة ص 49

و في هذه الأقوال ما يلقي ضوءا واضحا على المنهج العام الذي التزمه في صنع الكتاب.
مقدمة التهذيب:
تعد مقدمة التهذيب من أهم الوثائق في تأريخ التأليف اللغوي و تأريخ المدارس اللغوية الأولى.
فقد بين في صدرها أن الصحابة لم يكونوا بحاجة إلى تعلم اللغة؛ إذ كان رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و سلّم يبين للمخاطبين من أصحابه مجمل الكتاب و غامضه و متشابهه.
ثم ذكر أن الحاجة قد أدركت من بعد الصحابة، ليعرفوا ضروب خطاب السنة، و معرفة السنة المبينة لجمل التنزيل.
و عقد فصلا لبيان فضل اللسان العربي و اتساعه، فهو أوسع الألسنة مذهبا و أكثرها ألفاظا. و اللغة لا يحيط بها إلا نبي. و استشهد لذلك بكلام طويل للشافعي فيه: «و ما نعلم أحدا يحيط بجميعها غير نبي».
الدافع له إلى تأليف هذا الكتاب:
و في هذه المقدمة بين الأزهري أن الدافع له إلى تأليف هذا الكتاب الذي قصد به معرفة معاني القرآن و ألفاظ السنة، خلال ثلاث:
1- حرصه على تقييد النصوص التي حفظها و وعاها من أفواه العرب الذين شاهدهم و أقام بين ظهرانيهم سنيات أيام الأسر. و هذه ميزة للتوثيق اللغوي لا يقوم إزاءها الأخذ عن العلماء.
2- حرصه على أداء النصيحة الواجبة على أهل العلم لجماعة المسلمين، عملا
بالحديث النبوي الكريم: «ألا إن الدين النصيحة للَّه و لكتابه، و لأئمة المسلمين و لعامتهم»
. 3- ما لحظه في الكتب التي ألفت في اللغة من دخل و عوار لا يفطن له أبناء زمانه الذين لا يميزون الصحيح من السقيم.
هذه الحوافز مجتمعة دفعته إلى أن يفكر في «تهذيب اللغة»، و يدلّ على التصحيف الواقع في تلك الكتب، و التفسير المزال عن وجهه.

50
تهذيب اللغة (مقدمة)

ولوعه باللغة و رأيه في الاستشهاد بكلام العرب ص 51

ولوعه باللغة و رأيه في الاستشهاد بكلام العرب:
و كان الأزهري مولعا باللغة دائم البحث فيها و في مصادرها. و في ذلك يقول «1»:
 «و كنت منذ تعاطيت هذا الفن في حداثتي إلى أن بلغت السبعين، مولعا بالبحث عن المعاني و الاستقصاء فيها، و أخذها من مظانها، و إحكام الكتب التي تأتي لي سماعها من أهل التثبت و الأمانة، للأئمة المشهرين، و أهل العربية المعروفين».
ثم يذكر الفرصة الموفّقة التي أتيحت له حين امتحن بالأسر، سنة عارضت القرامطة الحاج بالهبير، و وقع في سهم عرب عامتهم من هوازن «2»، و اختلطت بهم أصرام من تميم و أسد، و هم قوم نشئوا في البادية لا يكاد يقع في منطقهم لحن أو خطأ فاحش، فاستفاد من مخاطباتهم و محاورة بعضهم بعضا ألفاظا جمة، و نوادر كثيرة.
و هذا يقدم إلينا نظرته في أن الاستشهاد بكلام العرب أمكن أن يمتد عنده إلى ما بعد سنة 312 ه و هي سنة وقعة الهبير.
أئمة اللغة الذين اعتمد عليهم في «التهذيب»:
و يذكر الأزهري في مقدمته طبقات أئمة اللغة الذين اعتمد عليهم في جمع هذا الكتاب، مبينا تراجمهم و آثارهم اللغوية، و هم خمس طبقات:
الطبقة الأولى:
1- أبو عمرو بن العلاء (ص: 8) من المقدمة.
2- خلف الأحمر (ص: 9).
3- المفضل بن محمد الضبي (ص: 10).
الطبقة الثانية: «و قد أخذت عن الطبقة الأولى خاصة و عن العرب عامة، و بعضهم بصري و بعضهم كوفي»، و هم:
1- أبو محمد عبد اللَّه بن سعيد الأموي.
2- أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش.
3- أبو مالك عمرو بن كركرة.
__________________________________________________
 (1) مقدمة الأزهري ص 7.
 (2) انظر ما سبق.

51
تهذيب اللغة (مقدمة)

أئمة اللغة الذين اعتمد عليهم في التهذيب ص 51

و قد ترجم لهؤلاء في إيجاز شديد في (ص: 11- 12).
4- أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ص: 12).
5- أبو عمرو الشيباني (ص: 13).
6- أبو عبيدة معمر بن المثنّى (ص: 14).
7- أبو سعيد عبد الملك بن قريب الأصمعي (ص: 14).
8- أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي (ص: 15).
9- أبو محمد يحيى بن المبارك اليزيدي (ص: 17).
10- النضر بن شميل المازني (ص 17).
11- علي بن المبارك الأحمر (ص: 18).
12- أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء (ص: 18).
13- عمرو بن عثمان الملقب بسيبويه النحوي (ص: 19).
14- عبد الرحمن بن بزرج (ص: 19).
الطبقة الثالثة:
1- أبو عبيد القاسم بن سلام (ص: 19).
2- أبو عبد اللَّه محمد بن زياد الأعرابي (ص: 20).
3- أبو الحسن علي بن حازم اللحياني (ص: 21).
4- نصير بن أبي نصير الرازي (ص: 22).
5- عمرو بن أبي عمرو الشيباني (ص: 22).
6- أبو نصر صاحب الأصمعي.
7- الأثرم صاحب أبي عبيدة.
8- ابن نجدة صاحب أبي زيد الأنصاري.
و قد ترجم لهؤلاء الثلاثة ترجمة موجزة في (ص: 22).
9- أبو حاتم السجستاني (ص: 22).
10- أبو يوسف يعقوب بن إسحاق السكيت (ص: 23).
11- أبو سعيد البغدادي الضرير (ص: 24).
12- أبو عبد الرحمن عبد اللَّه بن محمد بن هانى‏ء النيسابوري (ص: 24).

52
تهذيب اللغة (مقدمة)

أئمة اللغة الذين اعتمد عليهم في التهذيب ص 51

13- أبو معاذ النحوي المروزي (ص: 25).
14- أبو داود سليمان بن معبد السنجي (ص: 25).
الطبقة الرابعة:
1- أبو عمرو شمر بن حمدويه الهروي، شيخ أبي تراب (ص: 25).
2- أبو الهيثم الرازي (ص 26).
3- أبو العباس أحمد بن يحيى الشيباني، الملقب بثعلب (ص: 26).
4- أبو العباس محمد بن يزيد الثمالي، الملقب بالمبرد (ص: 27).
الطبقة الخامسة: و هي الطبقة التي أدركها الأزهري في عصره، منهم:
1- أبو إسحاق إبراهيم بن السريّ الزجاج (ص: 27).
2- أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار الأنباري (ص: 28).
3- أبو عبد اللَّه إبراهيم بن محمد بن عرفة، الملقب بنفطويه (ص: 28).
هذه الطبقات الخمس هي طبقات الثقات الأثبات المتقنين المبرّزين.
أما الذين ألفوا كتبا أودعوها الصحيح و السقيم و حشوها بالمزال المفسد، و المصحّف المغيّر، الذي لا يتميز ما يصح منه إلا عند النقاب المبرز، و العالم الفطن. فمن المتقدمين منهم:
1- الليث بن المظفر، الذي نحل الخليل كتاب «العين» جملة لينفّقه باسمه (ص:
28).
2- محمد بن المستنير، المعروف بقطرب (ص: 30).
3- عمرو بن بحر، المعروف بالجاحظ (ص: 30).
4- أبو محمد عبد اللَّه بن مسلم الدينوري، المعروف بابن قتيبة (ص: 30).
5- أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد (ص: 13).
و رجلان آخران من الخراسانيين المعاصرين هما:
6- أحمد بن محمد البشتي، صاحب «تكملة العين»، المعروف بالخارزنجي (ص:
32).
7- أبو الأزهر البخاري صاحب «الحصائل» (ص: 40).
و قد أوضح الأزهري مطاعنه في هؤلاء السبعة، و لا سيما أحمد بن محمد البشتي،

53
تهذيب اللغة (مقدمة)

أئمة اللغة الذين اعتمد عليهم في التهذيب ص 51

الذي عرض لنا نماذج كثيرة من أخطائه، بعد أن ساق ثبت الكتب التي اعتمد عليها في تصنيفه.
منهج الأزهري في تأليف الكتاب و ترتيبه:
أما منهجه في التأليف فقد سبق الكلام عليه في صدر الكلام على «التهذيب» «1».
و أما منهجه في ترتيب مواد اللغة فيعبر عنه بقوله:
 «و لم أر خلافا بين اللغويين أن التأسيس المجمل في أول كتاب «العين»، لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد، و أن ابن المظفر أكمل الكتاب عليه بعد تلقّفه إياه عن فيه.
و علمت أنه لا يتقدم أحمد الخليل فيما أسّسه و رسمه، فرأيت أن أحكيه بعينه لتتأمله و تردد فكرك فيه، و تستفيد منه ما بك الحاجة إليه، ثم أتبعه بما قاله بعض النحويين، مما يزيد في بيانه و إيضاحه».
فكتاب «التهذيب» جار على نمط كتاب «العين» في ترتيبه و تأسيسه.
و نظام حروف الهجاء الذي سارا عليه يتبع مخارج الحروف، يبدأ بأقصاها في الحلق و أدخلها، و هو العين، ثم ما قرب مخرجه منها الأرفع فالأرفع، حتى يأتي على آخر الحروف، و هو الياء. و هذا تأليفها:
ع ح ه خ غ/ ق ك/ ج ش ض/ ص س ز/ ط د ت/ ظ ذ ث/ ر ل ن/ ف ب م/ و ا ى.
و قد نظمها أبو الفرج سلمة بن عبد اللَّه المعافري في قوله «2»:
يا سائلي عن حروف العين دونكها             في رتبة ضمها وزن و إحصاء
العين و الحاء ثم الهاء و الخاء             و الغين و القاف ثم الكاف أكفاء
و الجيم و الشين ثم الضاد يتبعها             صاد و سين و زاي بعدها طاء
و الدال و التاء ثم الظاء متصل             بالظاء ذال و ثاء بعدها راء
و اللام و النون ثم الفاء و الباء             و الميم و الواو و المهموز و الياء

و قد وجدت ضابطا من النظم لهذه الحروف في صدر نسخة عارف حكمت من «التهذيب» و هذا نصه:
__________________________________________________
 (1) انظر ما سبق في (ص: 16).
 (2) «المزهر» (1/ 89).

54
تهذيب اللغة (مقدمة)

منهج الأزهري في تأليف الكتاب و ترتيبه ص 54

 (هذه الأبيات لاستخراج الحروف من الكتاب:
عن حزن هجر خريدة غنّاجة             قلبي كواه جوى شديد ضرار
صحبي سيبتدئون زجري طلّبا             دهشى تطلب ظالم ذي ثار
رغما لذي نصحي فؤادي بالهوى             متلهب و ذوي الملام يمارى)

و من الواضح أن المراد الحروف الأولى من كلمات هذا النظم.
و يجرى نظام أبواب الكتاب على الوجه التالي:
أولا: المضاعف: و تبدأ أبوابه من الحرف الأول و هو العين و ما يليها و هو الحاء، ثم العين مع الهاء و هكذا إلى آخر الحروف، مع تقليبها إن أمكن قلبها، مثل عق و قع، على ألّا يعاد التقليب عند ورود الحرف الثاني في موضعه، اكتفاء بما تقدم.
ثانيا: أبواب الثلاثي الصحيح. تبدأ بالعين مع الحاء و ما يثلثهما بترتيب الحروف، ثم العين مع الهاء ثم مع الخاء و الغين و هكذا إلى آخر الحروف، مع تقليب كل مجموعة ثلاثية و مراعاة عدم التكرار فيما يستقبل، و مع النص على ما استعمل من تلك التقاليب و ما أهمل.
ثالثا: أبواب الثلاثي المعتل. و تجري على النظام المتقدم، مع إلحاق المهموز بالمعتل بالألف. و مما يجدر ذكره قول الأزهري في باب العين و الباء: «أما عبأ فهو مهموز لا أعرف في معتلات العين حرفا مهموزا غيره». و مما جاء من المهموز مع المعتل في باب الحاء: حضأ، حطأ، حدأ، حلأ، أنح، حمأ.
رابعا: أبواب اللفيف، فمن لفيف حرف العين: عوى، عاعى، عيى، وعى، وعوع.
و يتلوه لفيف الحاء و الهاء و الخاء إلى آخر الحروف.
خامسا: الرباعي مرتبا على أبوابه. فمن أمثلة العين مع الجيم: جحلنجع، اثعنجج، الهجرع، الهجنع، علهج.
و من أمثلة العين مع الخاء: خضارع، خرعوبة، خثعم، خيتعور.
و من أمثلة العين مع القاف: قعضب، قعضم، الدعشوقة .. و هكذا.
سادسا: الخماسي بدون أبواب، ففي كتاب العين نجد الكلمات التالية: هبنقع، خنثعبة، عشنزر، قفنزعة، عفنقس، عضرفوط، قذعملة، قرطعبة ... الخ.

55
تهذيب اللغة (مقدمة)

تاريخ تأليفه للتهذيب ص 56

تاريخ تأليفه للتهذيب:
ذكر الأزهري في مقدمته (ص: 7) ما يفهم منه أنه ألف كتابه بعد السبعين، إذ يقول:
 «و كنت منذ تعاطيت هذا الفن في حداثتي إلى أن بلغت السبعين مولعا بالبحث عن المعاني و الاستقصاء فيها، و أخذها من مظانها، و إحكام الكتب التي تأتى لي سماعها من أهل الثبت و الأمانة، للأئمة المشهرين و أهل العربية المعروفين».
و هذا نص قاطع بأنه ألف كتابه بعد سن السبعين، أي بعد اكتمال نضوجه العلمي، و هذا يعطي قدرا عظيما لمؤلفه هذا، و يعطي الثقة بما أثبته في معجمه.
موقفه من كتب اللغة:
أما الكتب المعتمدة و الأئمة الموثقون فمن الميسور جدا أن يعرفها الباحث بتتبع ذكر الأئمة الذين اعتمد عليهم، و قد ذكر أسماءهم و كتبهم في المقدمة من (ص 8- 28).
و أما الكتب التي طعن فيها فكثيرة أيضا ذكرها في المقدمة من (ص 28- 41).
و أظهر الكتب التي طعن فيها: كتاب «الجمهرة» لابن دريد، ثم كتاب «العين» المنسوب للخليل. و فيه يقول في المقدمة (ص 28).
 «فمن المتقدمين: الليث بن المظفر الذي نحل الخليل بن أحمد تأليف كتاب «العين» جملة لينفقه باسمه، و يرغب فيه من حوله. و أثبت لنا عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي الفقيه أنه قال: كان الليث بن المظفر رجلا صالحا، و مات الخليل و لم يفرغ من كتاب العين، فأحب الليث أن ينفق الكتاب فسمى لسانه الخليل، فإذا رأيت في الكتاب: سألت الخليل بن أحمد، أو أخبرني الخليل بن أحمد، فإنه يعني الخليل نفسه. و إذا قال الخليل فإنما يعني لسان نفسه قال: و إنما وقع الاضطراب في الكتاب من قبل خليل الليث».
ثم ينقل تجريح ثعلب له، و تجريح أبي بكر الإيادي الذي يقول فيه: «ذلك كتاب الزّمنى»، ثم يبدي رأيه الذاتي منصفا فيقول:
 «و قد قرأت كتاب «العين» غير مرة، و تصفحته تارة بعد تارة، و عنيت بتتبع ما صحف و غير منه، فأخرجته في مواقعه من الكتاب، و أخبرت بوجه الصحة فيه، و بينت وجه الخطأ، و دللت على موضع الصواب منه. و ستقف على هذه الحروف إذا تأملتها في تضاعيف أبواب الكتاب، و تحمد اللَّه- إذا أنصفت- على ما أفيدك فيها. و اللَّه الموفق للصواب، و لا قوة إلا به.

56
تهذيب اللغة (مقدمة)

موقفه من كتب اللغة ص 56

و أمّا ما وجدته فيه صحيحا، و لغير الليث من الثقات محفوظا، أو من فصحاء العرب مسموعا، و من الريبة و الشك لشهرته و قلة إشكاله بعيدا، فإني أعزيه إلى الليث بن المظفر، و أؤديه بلفظه، و لعلي قد حفظته لغيره في عدة كتب فلم أشتغل بالفحص عنه لمعرفتي بصحته، فلا تشكن فيه من أجل أنه زل في حروف معدودة هي قليلة في جنب الكثير الذي جاء به صحيحا، و أحمدني على نفي الشبه عنك فيما صححته له، كما تحمدني على التنبيه فيما وقع في كتابه من جهته أو جهة غيره ممن زاد ما ليس منه. و متى ما رأيتني ذكرت من كتابه حرفا و قلت إني لم أجده لغيره فاعلم أنه مريب، و كن منه على حذر و افحص عنه، فإن وجدته لإمام من الثقات الذين ذكرتهم في الطبقات فقد زالت الشبه، و إلا وقفت فيه إلى أن يضح أمره».
قيمة كتاب التهذيب:
لا يعرف قدر هذا الكتاب حق المعرفة إلا من نظر فيه طويلا، و تتبع منهجه الوثيق في تفسير اللغة، و الأمانة الصادقة التي كان يستشعرها و هو يصنع كتابه.
يقول فيه السيوطي: «و كان عارفا بالحديث، عالي بالإسناد، ثخين الورع».
و مما يجدر ذكره هنا أن الأزهري ألفه بعد بلوغه السبعين من عمره كما يفهم من المقدمة (ص: 7) أي في نحو سنة 352 ه.
و فضلا عن القدر الهائل من المادة اللغوية التي يحويها محاولا بها تفسير ألفاظ القرآن الكريم و الحديث النبوي و أشعار العرب و أمثالها، نجد له خاصة ظاهرة، هي عنايته بالناحية البلدانية التي استوعب بها التعريف بالكثير من بلدان الجزيرة العربية، و هو اتجاه مبكر على نطاق واسع في التأليف المعجمي، بلغ ذروته فيما بعد، فيما صنع الفيروزآبادي في معجمه «القاموس المحيط».
و كذا عنايته الخاصة بشرح الأحاديث النبوية التي فاتت أبا عبيد، و القتيبي، و الخطابي.
و يكفي أن نذكر أن صاحب «لسان العرب» اعتمد عليه اعتمادا كاملا، و جعله في قمة مصادره. و أستطيع أن أقول إن صاحب «اللسان» قد أفرغ معظم الكتاب في تضاعيف معجمه، فندر أن تجد نصا للأزهري لم ينقله ابن منظور. و في ذلك يقول صاحب «اللسان» في مقدمته:
 «و لم أجد في كتب اللغة أجمل من «تهذيب اللغة» لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، و لا أكمل من «المحكم» لأبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده الأندلسي‏

57
تهذيب اللغة (مقدمة)

قيمة كتاب التهذيب ص 57

رحمهما اللَّه، و هما من أمهات اللغة على التحقيق، و ما عداهما بالنسبة إليهما ثنيات الطريق. غير أن لكلا منهما مطلب عسر المهلك، و منهل و عر المسلك؛ و كأن واضعه شرع للناس موردا عذبا و حلأهم عنه، و ارتاد لهم مربعا و منعهم منه، قد أخر و قدم، و قصد أن يعرب فأعجم، فرّق الذهن بين الثنائي و المضاعف و المقلوب و بدد الفكر باللفيف و المعتل و الرباعي و الخماسي فضاع المطلوب، فأهمل الناس أمرهما، و انصرفوا عنهما، و كادت البلاد لعدم الإقبال عليهما أن تخلو منهما، و ليس لذلك سبب إلا سوء الترتيب، و تخليط التفصيل و التبويب. و رأيت أبا نصر إسماعيل بن حماد الجوهري قد أحسن ترتيب (مختصره)، و شهره بسهولة وضعه شهرة أبي دلف بين باديه، و محتضره، فخف على الناس أمره فتناولوه، و قرب عليهم مأخذه فتداولوه و تناقلوه، غير أنه في جو اللغة كالذرّة، و في بحرها كالقطرة، و إن كان في نحرها كالدرّة. و هو مع ذلك قد صحف و حرف، و جزف فيما صرّف، فأتيح له الشيخ أبو محمد بن بري فتتبع ما فيه، و أملى عليه أماليه، مخرجا لسقطاته، مؤرخا لغلطاته، فاستخرت اللَّه سبحانه و تعالى في جمع هذا الكتاب المبارك، الذي لا يساهم في سعة فضله و لا يشارك، و لم أخرج عما في (هذه الأصول)، و رتبته ترتيب «الصحاح» في الأبواب و الفصول. و قصدت توشيحه بجليل الأخبار، و جميل الآثار، مضافا إلى ما فيه من آيات القرآن الكريم، و الكلام على معجزات الذكر الحكيم، ليتحلى بترصيع دررها عقده، و يكون على مدار الآيات و الأخبار و الآثار و الأمثال و الأشعار حله و عقده؛ فرأيت أبا السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري قد جاء في ذلك ب «النهاية»، و جاوز في الجودة حد الغاية، غير أنه لم يضع الكلمات في محلها، و لا راعى زائد حروفها من أصلها، فوضعت كلا منها في مكانه، و أظهرته مع برهانه».
فهو كما ترى قد صدر كتاب «التهذيب» في أول مصادره الخمسة الرئيسة، و هي «التهذيب»، و «المحكم»، و «الصحاح»، و «أمالي ابن بري على الصحاح»، و «نهاية ابن الأثير».
و يقول ابن منظور أيضا في توثيق الأزهري و ابن سيده.
 «و أنا مع ذلك لا أدعي فيه دعوى فأقول: شافهت أو سمعت. أو فعلت أو صنعت، أو شددت أو رحلت، أو نقلت عن العرب العرباء أو حملت، فكل هذه الدعاوى لم يترك فيها الأزهري و ابن سيده لقائل مقالا، و لم يخليا فيه لأحد مجالا، فإنهما عنيا في كتابهما عمن رويا، و برهنا عما حويا، و نشرا في خطهما ما طويا، و لعمري لقد جمعا فأوعيا، و أتيا بالمقاصد و وفيا».

58
تهذيب اللغة (مقدمة)

نسخة الأزهري من التهذيب ص 59

نسخة الأزهري من التهذيب:
يحدثنا التاريخ عن النسخة التي كتبها الأزهري بنفسه، و كانت في عشرين مجلدا، ثم انتقلت بعد موته إلى آل السمعاني، ثم انتهى خبرها في وقعة للترك سنة 617 ه. يقول القفطي في الكلام على «التهذيب»:
 «و قد رزق [هذا] التصنيف سعادة، و سار في الآفاق، و اشتهر ذكره اشتهار الشمس، و قبلته نفوس العلماء، و وقع التسليم له منهم، و صادف طالع سعد عند تأليفه. و شوهد على المجلد العشرين عند تأليفه من النسخة التي بخط المؤلف- و كانت بمرو، و عند آل السمعاني رحمهم اللَّه، و ذهب خبرها في وقعة الترك سنة سبع عشرة و ستمائة- بخط الإمام فخر خوارزم أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري (467- 583 ه) ما صورته:
ظفرت من هذه النسخة- التي هي نسيج وحدها، لكونها بخط المصنف، و سلامة نقطها و شكلها من التحريف و الزلل الذي لا يكاد يبرأ منه يد كاتب في كتاب خفيف الحجم و إن أحضر ذهنه، و أمده إتقان، و ساعده حفظ و دراية، فضلا عن «1» عشرين مجلدة «2» بضالتي المنشودة، فأكببت عليها إكباب الحريص، و قلبتها بالمطالعة، و علقت عندي ما فيها من الأحاديث التي خلت عنها مصنفات أبي عبيد، و القتبي، و الخطابي، و الأمثال التي لم تكن في كتابي الذي سميته بالمستقصى في أمثال العرب، و سألت اللَّه تنوير حفره، تصحيح و تنقيح!! و ذلك في شهور سنة خمس و ستمائة».
و مما يجدر ذكره في صدد تعيين عدد أجزاء نسخة الأزهري أني عثرت في آخر حرف الحاء من نسخة الكتب المصرية رقم (9 لغة) في ص 793 من الجزء الأول هذا النص:
 «آخر حرف الحاء وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ*، و هو آخر المجلد السابع من خط أبي منصور الأزهري رحمه اللَّه. منه نقلت هذا الكتاب و فرغت منه يوم الأربعاء سابع عشر محرم سنة 615 ه».
__________________________________________________
 (1) قال ابن خلكان: «و هو من الكتب المختارة، يكون أكثر من عشر مجلدات». و قال، السبكي في «الطبقات»: «إنه في عشر مجلدات».
 (2) في الأصل: «فى».

59
تهذيب اللغة (مقدمة)

مخطوطات التهذيب ص 60

مخطوطات التهذيب:
تمكن الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار من أن يحصي من هذه المخطوطات تسعة عشر مخطوطا، منها 13 في تركيا، و ثلاثة في مصر، و واحد في كل من الحجاز و سوريا و لندن. و وصف هذه المخطوطات وصفا موجزا في كتابه «مقدمة تهذيب اللغة» «1».
و الذي أمكن الانتفاع به في هذا الجزء الأول من «التهذيب» نسخ ثلاث:
1- نسخة دار الكتب المصرية برقم (9 لغة). و هي في مجلدين كبيرين بكل صفحة 35 سطرا، و بالسطر الواحد نحو 15 كلمة. و هي بخط نسخي جميل كامل الضبط، و فيها بعض تلفيق في الخطوط و لا سيما في أواخر المجلدين. و النسخة مع ذلك منقوصة في آخرها و الجزء الأول في 1280 صفحة و الثاني في 798. و هي من وقف محمد بك أبو الذهب في جامعه. و قد صورت دار الكتب منها نسخة في عدة مجلدات تحمل الرقم (ه 4870).
و هذه النسخة هي التي رمز لها بالرمز (د).
2- نسخة المدينة المنورة، بمكتبة شيخ الإسلام عارف حكمة اللَّه الحسيني برقم (43). و عدد أوراقها 900 ورقة بكل صفحة منها 41 سطرا و هو بخط نسخي معتاد دقيق، يرجع تاريخه إلى القرن التاسع أو العاشر. و منها (فيلم) بمعهد إحياء المخطوطات العربية برقم (19) صورت منه نسخة وزعت على محققي «التهذيب». و هذه النسخة كاملة و أقرب ما تكون إلى الصحة، و بها بعض الضبط الضروري. و هي منقولة من نسخة كتبها ياقوت بن عبد اللَّه الحموي سنة 616 ه.
و هذه النسخة هي المرموز لها بالرمز (م).
3- نسخة دار الكتب المصرية برقم (10 لغة). ويه نسخة منقوصة الأول، و بها مع ذلك بعض خروم في أثنائها، و هي ملفقة من عدة مخطوطات، يرجع تاريخ بعضها إلى سنة 633 ه و بعضها إلى سنة 656 و بعضها إلى سنة 686 و بعضها إلى سنة 687 و بعضها إلى سنة 753. و هي من وقف خزانة الملك المؤيد أبي النصر شيخ. و قد كتب على بعض أجزائها أنه من رواية أبي أسامة جنادة بن محمد الأزدي عن الأزهري. و هي في 17 جزءا آخرها الجزء 18 أما الجزء الأول فمفقود.
__________________________________________________
 (1) كتاب «مقدمة تهذيب اللغة» طبع، دار مصر للطباعة سنة 1376 (ص 15- 21).

60
تهذيب اللغة (مقدمة)

مخطوطات التهذيب ص 60

و لم يمكن الانتفاع بهذه النسخة في هذا الجزء الأول إلا في مادة (رجع) في ص 365 إلى ص 366 حيث وردت في الجزء الثاني (الذي هو أول جزء من هذه النسخة) ورقة مقحمة بعد الورقة الأولى منه، أولها: «و المرجوعة و المرجوع: جواب الرسالة» و هي في ص 365 س 9 من العمود الأيمن، إلى «الارتجاع: أن يقدم الرجل المصر بإبله» في ص 366 من العمود الأيسر. و كذلك مادة (عجد) إلى مادة (جدع) عند نهاية بيت أوس بن حجر ص 346 س 2 من العمود الأيسر.
و السر في ذلك هو اضطراب أوراق المجلد الأول منها لدخول بعض أوراق من الجزء الأول المفقود في أثناء هذا الجزء المجلد و هي التي أمكن الانتفاع بها في مقابلة هذه الصفحات. و هذه النسخة مستخرجة من (دشت) المؤيد كما كتب على ظاهرها، و أضيفت إلى دار الكتب في 23 أكتوبر سنة 1893 م.
و قد بدأ تقسيم كتاب «تهذيب اللغة» على جماعة مختارة من المحققين و المراجعين منذ نحو سبع سنوات، و كان من نصيبي تحقيق هذا الجزء الأول، كما قمت بتحقيق الجزء التاسع من هذا التقسيم الجديد للكتاب، الذي يستغرق ثلاثة عشر جزءا.
و للَّه الحمد على ما أعان و وفق.
مصر الجديدة في: أول رجب سنة 1384 ه 5 من نوفمبر سنة 1964 م‏
عبد السلام هارون‏

61
تهذيب اللغة (مقدمة)

رموز التصحيح ص 62

رموز التصحيح‏
 (1) وضع (*) بجوار رأس المادة فيه تنبيه على أن المادة لها تكملة في موضع آخر-
غالبا عند نهاية الباب-.
 (2) الزيادات و الاستدراكات حصرت بين [].
 (3) حصرت القراءات بين ().

62