جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
تتمة القسم الأول في العبادات ؛ ج6، ص : 2
الجزء السادس
[تتمة القسم الأول في العبادات]
[تتمة كتاب الطهارة]
[تتمة الركن الرابع في النجاسات و أحكامها]
[تتمة القول الأول في النجاسات]
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
[الثامن المسكرات]
الثامن المسكرات المائعة أصالة كالخمر و غيره و في تنجيسها خلاف بين الأصحاب و لكن الأظهر و المشهور نقلا و تحصيلا قديما و حديثا بيننا و بين غيرنا شهرة كادت تكون إجماعا بل هي كذلك النجاسة بل لم يعتد به في المبسوط، و عن الخلاف و أطعمة الإيضاح بالنسبة للخمر فنفياه عن نجاسته من غير استثناء، بل ظاهر الأولين أو صريحهما بين المسلمين كصريح الناصريات و ظاهر الغنية مع زيادة «إلا من لا يعتد بقوله» و نحوه فيهما و في السرائر بعد أن نفى الخلاف عن نجاسة الخمر حكى عن بعض أصحابنا ما يقتضي الطهارة، ثم قال: «و هو مخالف لإجماع المسلمين فضلا عن الطائفة في أن الخمر نجس» كالمحكي عن نزهة يحيى بن سعيد من أن القول بطهارة الخمر خلاف الإجماع، و في الذكرى ان القائل بالطهارة تمسك بأحاديث لا تعارض القطعي، إلى غير ذلك من الإجماع المستفيض في كلام الأصحاب المعتضد بما تسمعه منه أيضا في الفقاع و في كل مسكر، بل هو خارج عن قسم الآحاد و داخل في القطع أو المتواتر منه.
و لقد أجاد البهائي في الحبل المتين بقوله: أطبق علماء الخاصة و العامة على نجاسة الخمر إلا شرذمة منا و منهم لم يعتد الفريقان بمخالفتهم.
2
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
الثامن المسكرات ؛ ج6، ص : 2
فمن العجيب بعد ذلك كله و غيره تشكيك
الأردبيلي و تلميذه و الخوانساري في النجاسة تبعا للصدوق و المحكي عن والده في
الرسالة و الحسن و الجعفي من القول بالطهارة مع عدم ثبوت ذلك عن الثاني، بل أنكره
بعض الأساطين، و عدم صراحة الأول فيه أيضا، سيما بملاحظة ما نقل عنه من إيجابه نزح
البئر منه، كعدم معروفية حكاية ذلك عن الجعفي في كثير من كتب الأصحاب كالعلامة و
غيره، نعم حكاه في الذكرى و تبعه بعض من تأخر عنه.
و كيف كان فقد انقرض الخلاف و استقر المذهب
على النجاسة فيه و في كل مائع مسكر، ففي الغنية كل شراب مسكر نجس، و الفقاع نجس
بالإجماع، كما عن الخلاف و شرح الرسالة للشهيد الثاني الإجماع أيضا، لكن مع
استثناء من شذ في الثاني، و في المصابيح حكم سائر المسكرات حكم الخمر عندنا، كما
عن المعتبر ان الأنبذة المسكرة عندنا في التنجيس كالخمر، و في التحرير على ذلك عمل
الأصحاب، و في المعالم لا نعرف فيه خلافا، كما في المدارك انه قطع به الأصحاب، بل
لم يعتد المرتضى (رحمه الله) فيما حكي عنه بالخلاف في المقام، فقال: «الشراب الذي
يسكر كثيره كل من قال انه محرم الشرب ذهب إلى أنه نجس كالخمر، و انما يذهب إلى
طهارته من ذهب إلى إباحة شربه، و قد دلت الأدلة الواضحة على تحريم كل شراب مسكر
كثيره، فيجب أن يكون نجسا، لأنه لا خلاف في أن نجاسته تابعة لتحريم شربه» انتهى.
إذ من المعلوم ان حرمة شرب سائر المسكرات في
مذهبنا من المسلمات بل الضروريات، من غير فرق بين القليل و الكثير و المطبوخ و
النيء و المتخذ من العنب و غيره، كالنقيع من الزبيب، و النبيذ من التمر، و المسكر
من الرطب، و الفضيخ من البسر، و التبع من العسل، و الجعة من الشعير، و المرز من
الذرة، و غيرها من الأشربة المسكرة و لو بكثيرها، بل عن الشافعي و أحمد و مالك و
الثوري و الليث بن سعد و جمهور
3
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
الثامن المسكرات ؛ ج6، ص : 2
العامة موافقتنا في ذلك، نعم حكي عن أبي حنيفة
و صاحبيه خلاف ذلك، فأباح الأول المسكر من كل شيء عدا عصير العنب و نقيع التمر و
الزبيب، و أحل من العصير ما طبخ على الثلث، و من النقيعين المطبوخ مطلقا، لكنه
استثنى من المطبوخ القدر الذي يتعقبه الإسكار، فلو شرب عشرة و سكر بالعاشر اختص
التحريم به، و نحوه في ذلك كله صاحباه، إلا أن الشيباني منهما قد اشترط في حل
الثلاثة طبخها على الثلث، و قد خالفوا في ذلك الكتاب و السنة، بل و ما هم عليه من
القياس، مع كونه جليا تشهيا و طلبا للرخصة.
و لعله لذا قيل: إنه قد شنع عليهم فيه علماء
العامة فضلا عن الخاصة، و التشاغل في تحقيق ذلك غير مهم بعد ما عرفت، فكان المرتضى
(رحمه الله) لم يعتد بخلاف الصدوق و من تقدمه، و إلا فهم ممن يقول بالحرمة دون
النجاسة، و احتمال تخصيص كلامهم في الخمر دون غيره باطل قطعا.
نعم يتجه دعوى الإجماع المركب بمعنى أن كل من
قال بنجاسة الخمر قال بنجاسة سائر الأشربة المسكرة، و من قال بطهارته قال
بطهارتها، فيتجه حينئذ الاستدلال عليها بكل ما دل على نجاسة الخمر من الإجماعات
السابقة و غيرها كالآية «1» بناء على كون الرجس فيها بمعنى النجس، إما
لغة كما في التذكرة و المنتهى، بل حكي في الثاني عن الصحاح و الجمل أن الرجس
بالكسر القذر، أو في خصوص المقام لنفي الشيخ في التهذيب عنه الخلاف، بل في
المصابيح أنه نص عليه الفقهاء و ادعى الشيخ عليه الإجماع، و لعله لا ينافيه وقوعه
مع ذلك خبرا عن الأنصاب و الأزلام، لإمكان أن يراد به بالنسبة إليهما المستقذر
عقلا من باب عموم المجاز، على انه يمكن بل هو الظاهر دعوى كونه خبرا عن الخمر
خاصة، فيقدر حينئذ لهما خبرا، و لا يجب مطابقة المحذوف و الموجود و إن كان دالا
عليه، كما في عطف المندوب على الواجب بصيغة واحدة، فيتعين حينئذ كون الرجس بمعنى
النجس.
______________________________
(1)
سورة المائدة- الآية 92.
4
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
الثامن المسكرات ؛ ج6، ص : 2
و يؤيده- مضافا إلى إطلاق الأمر بالاجتناب عنه
في الآية بناء على جعل الضمير فيه للرجس أو الخمر، و إلى استعماله في السنة «1» بذلك في الكلب
و نحوه- خصوص
خبر خيران الخادم «2» المروي في
الكافي و التهذيب و الاستبصار بطرق ليس فيها من يتوقف في شأنه إلا سهل بن زياد،
قال: «كتبت إلى الرجل (عليه السلام) أسأله عن الثوب يصيب الخمر و لحم
الخنزير أ يصلى فيه أم لا؟ فإن أصحابنا قد اختلفوا، فقال بعضهم: صل فيه فان الله
انما حرم شربها، و قال بعضهم: لا تصل فيه، فكتب (عليه السلام) لا تصل فيه فإنه
رجس»
و هو مع شهادته لقوة دلالة الآية دال على
المقصود بنفسه، كغيره من المعتبرة المستفيضة «3» الظاهرة بل
الصريحة في نجاسته المتمم دلالتها على غيره من المسكرات بعدم القول بالفصل كما
عرفت إن لم نقل بكون الخمر اسم لما يخمر العقل الشامل لكل مسكر كما هو ظاهر المصنف
في المعتبر و غيره.
بل في الغريبين للهروي في تفسير الآية الخمر
ما خامر العقل أي خالطه، و خمر العقل ستره، و هو المسكر من الشراب، كما عن القاموس
الخمر ما أسكر من عصير العنب أو عام كالخمرة و قد يذكر، و العموم أصح، لأنها حرمت
و ما بالمدينة خمر عنب، و ما كان مشروبهم إلا البسر و التمر، ثم ذكر وجه التسمية
بالخمر.
و عن المصباح المنير الخمرة يقال: هي اسم لكل
ما خامر العقل و غطاه، و عن مجمع البحرين الخمر معروف، و عن ابن الأعرابي انما سمي
خمرا لأنها تركت و اختمرت، و اختمارها تغيير رائحتها، إلى أن قال: «و الخمر فيما
اشتهر بينهم كل شراب مسكر، و لا يختص بعصير العنب» إلى آخره.
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 12- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
(2) الوسائل- الباب- 38- من أبواب النجاسات-
الحديث 4.
(3) الوسائل- الباب- 38- من أبواب النجاسات.
5
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
الثامن المسكرات ؛ ج6، ص : 2
بل يشهد له جملة من الأخبار ك
صحيح ابن الحجاج «1» عن الصادق
(عليه السلام) «الخمر من خمسة أشياء: العصير من الكرم، و النقيع من الزبيب، و
التبع من العسل، و المرز من الشعير، و النبيذ من التمر»
و نحوه خبر علي بن إسحاق الهاشمي «2».
و يقرب منهما خبر النعمان بن
بشير «3» كمرسل الحضرمي «4» و خبر ابن
السمط «5» المروي أولها عن الأمالي، و ثانيها عن الكافي، و ثالثها
عن تفسير العياشي، بل في
خبر عطاء بن سيارة «6» عن الباقر
(عليه السلام) «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): كل مسكر خمر»
ك
قوله (عليه السلام) في خبر أبي الجارود «7» المروي عن
تفسير علي بن إبراهيم، و هو طويل: «أما الخمر فكل مسكر من الشراب فهو خمر- بل
فيه انه- لما نزل تحريمها انما كان الخمر بالمدينة فضيخ البسر و التمر، فخرج رسول
الله (صلى الله عليه و آله) و دعا بالأواني فكفأها، و قال: هذه كلها خمر، و لا
أعلم أنه كفأ يومئذ من خمر العنب شيئا إلا إناء واحدا كان فيه زبيب و تمر جميعا،
فأما عصيره فلم يكن يومئذ بالمدينة منه شيء»
إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على عموم الخمر
لكل مسكر.
و لا ريب في وضوحها في المدعى حتى لو قلنا
بكون المستفاد منها أن الخمر حقيقة شرعية في كل مسكر كما ذهب إليه البحراني في
حدائقه، بل و إن لم نقل بذلك بل كان من المراد الشرعي، بل قد يتمسك بها حتى لو
أريد التشبيه منها و المنزلة، اللهم إلا أن يدعى انصرافها إلى التحريم، و فيه منع،
على أن بعض الأخبار «8» قد دلت على شمول لفظ الخمر في الآية لكل
مسكر، و قد ظهر لك سابقا دلالة الآية على التنجيس.
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.
(2) الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 3.
(3) الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 4.
(4) الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 2.
(5) الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 6.
(6) الوسائل- الباب- 15- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 5 لكن رواه عن عطاء بن يسار.
(7) الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 5.
(8) الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 5.
6
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
الثامن المسكرات ؛ ج6، ص : 2
كل ذلك بعد الإغضاء عما يستفاد منه نجاسة مطلق
المسكر و النبيذ من المعتبرة المستفيضة «1» البالغة هي
مع ما ورد في نجاسة الخمر حد الاستفاضة ان لم تكن متواترة، إذ هي تقرب من عشرين
خبرا، و فيها الصحيح و الموثق و غيرهما الدالة بأنواع الدلالة، كالأمر بالغسل و
إعادة الصلاة و غيرهما، بل في بعضها الأمر بالغسل سبعا، و في آخر ثلاثة، بل فيها
الصريح بالنجاسة، ك
خبر أبي الجارود- و هو طويل- عن النبيذ، و
سؤال أم خالد «2» العبدية عن التداوي به، فقال: «ما يبل الميل منه
ينجس حبا من ماء، يقولها ثلاثا»
كما أن فيها المشتمل على القسم بالله على ذلك،
ك
خبر عمر بن حنظلة «3» قلت
للصادق (عليه السلام): «ما ترى في قدح من مسكر يصب عليه الماء حتى يذهب عاديته
و سكره؟ فقال: لا و الله و لا قطرة يقطر منه في حب إلا أهريق ذلك الماء»
كسؤال
الحلبي «4» له (عليه
السلام) أيضا عن دواء يعجن بالخمر، فقال: «و الله ما أحب أن أنظر اليه، فكيف
أتداوى به، انه بمنزلة شحم الخنزير»
و في
خبر هارون ابن حمزة «5» عنه (عليه
السلام) أيضا «انه بمنزلة الميتة»
إلى غير ذلك، مضافا إلى ما تقدم من الأخبار
المعتبرة «6» في نزح البئر منه.
و هي و ان كان في مقابلها أخبار تدل على
الطهارة في الخمر و النبيذ، بل مطلق المسكر، ك
صحيح الحسن بن أبي سارة «7» عن الصادق
(عليه السلام) «إن أصاب
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 38- من أبواب النجاسات.
(2) الوسائل- الباب- 20- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 2.
(3) الوسائل- الباب- 18- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 1.
(4) الوسائل- الباب- 20- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 4.
(5) الوسائل- الباب- 21- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 5.
(6) الوسائل- الباب- 15- من أبواب الماء
المطلق.
(7) الوسائل- الباب- 38- من أبواب النجاسات-
الحديث 10 و في الوسائل «عن الحسين بن أبي سارة» و هو وهم كما يظهر من ترجمته.
7
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
الثامن المسكرات ؛ ج6، ص : 2
ثوبي شيء من الخمر أصلي فيه قبل أن أغسله،
قال: لا بأس، إن الثوب لا يسكر»
و
صحيح علي بن رئاب «1» عنه (عليه
السلام) أيضا «عن الخمر و النبيذ المسكر يصيب ثوبي أغسله أو أصلي فيه، قال:
صلِّ فيه إلا أن تقذره، فتغسل منه موضع الأثر، إن الله تعالى انما حرم شربها»
و
موثق ابن بكير «2» عنه (عليه
السلام) أيضا «سأله رجل و أنا عنده عن المسكر و النبيذ يصيب الثوب فقال: لا
بأس»
و
خبر الحسين بن موسى الخياط «3» عنه (عليه
السلام) أيضا «عن الرجل يشرب الخمر ثم يمجه من فيه فيصيب ثوبي فقال: لا بأس»
إلى غير ذلك.
لكنها أقل منها عددا و أقصر منها سندا، و
مخالفة للكتاب و المجمع عليه بين الأصحاب، فلا بد من تأويلها أو طرحها و الاعراض
عنها، سيما بعد أمر الرجل في خبر خيران الخادم الذي هو كناية على ما قيل عن أبي
جعفر الثاني أو أبي الحسن الثالث (عليهما السلام) بذلك، ك
صحيح علي بن مهزيار «4» المروي في
الكافي و كتابي الأخبار بطرق متعددة، قال: «قرأت في كتاب عبد الله بن محمد إلى
أبي الحسن (عليه السلام) جعلت فداك روى زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما
السلام) في الخمر يصيب ثوب الرجل إنهما قالا: لا بأس بأن يصلي فيه، انما حرم
شربها، و روى غير زرارة عن الصادق (عليه السلام) انه قال: إذا أصاب ثوبك خمر أو
نبيذ يعني المسكر فاغسله كله، و ان صليت فيه فأعد صلاتك، فأعلمني ما آخذ به، فوقع
(عليه السلام) و قرأته خذ بقول أبي عبد الله (عليه السلام)»
إذ من الواضح إرادة قوله المنفرد عن قول
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 38- من أبواب النجاسات- الحديث 14.
(2) الوسائل- الباب- 38- من أبواب النجاسات-
الحديث 11.
(3) الوسائل- الباب- 39- من أبواب النجاسات-
الحديث 2.
(4) الوسائل- الباب- 38- من أبواب النجاسات-
الحديث 2.
8
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
الثامن المسكرات ؛ ج6، ص : 2
أبيه، و إلا فكلا القولين قوله، و الأخذ بهما
جميعا ممتنع، و التخيير غير مقصود، على أنه لو كان المراد قوله مع أبيه لكان ينبغي
إسناده إليهما معا أو إلى أبي جعفر (عليه السلام) كما لا يخفى على العارف بأساليب
الكلام، و هي- مع اشتمالها على الاعراض عن تلك الأخبار- دالة على النجاسة أكمل
دلالة و أبلغها، مع علو سندها و تعدد طريقها، و مروية عن الامام اللاحق حاكمة على
الأخبار المروية عمن قبله، و ليس في تلك الأخبار ما يعادلها نفسها، سيما بعد
اعتضادها بما عرفت.
و لقد أجاد المحقق الشيخ حسن في المنتقى على
ما نقل عنه حيث اقتصر عليها في أدلة النجاسة، و فيها تصديق لما رواه الشيخان في
الصحيح عن يونس بن عبد الرحمن «1»- الذي هو
ممن أجمعت الصحابة على تصحيح ما يصح عنه، و أقروا له بالفقه و العلم- عن بعض من
رواه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ مسكر
فاغسله ان عرفت موضعه، و ان لم تعرف موضعه فاغسله كله، فان صليت فيه فأعد صلاتك».
إذ الظاهر أن الرواية المأمور بأخذها هي هذه،
لمطابقة متنها له، و اتحاد المروي عنه فيهما، و لقد قصر الكلام بعد ما عرفت عن
إبداء العجب من هؤلاء المتأخرين في تشكيكهم بهذا الحكم المجمع عليه بين الأساطين،
بل بين علماء المسلمين، بل كاد ان يكون ضروري مذهب أو دين، و ان كان أول من جرأهم
عليه المصنف في المعتبر، و كيف لا يزداد العجب و لا معارض إلا ما سمعته من تلك
الأخبار الواجبة للطرح أو التأويل أو الحمل على التقية من بعض المخالفين سيما من
ربيعة الرأي، إذ هو على ما قيل من فقهاء المدينة و شيوخ مالك و كان في عصر الصادق
(عليه السلام)، فلا غرو أن يتقى منه، خصوصا مع ملائمته لطباع السلاطين و ذي الشوكة
من أمراء بني أمية و بني العباس
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 38- من أبواب النجاسات- الحديث 3.
9
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
الثامن المسكرات ؛ ج6، ص : 2
المولعين بشربها المتهالكين عليه، حتى انهم
ربما حاولوا دفع التحريم عنه كما يشير اليه حديث المهدي العباسي «1» مع الكاظم
(عليه السلام) و التظاهر بنجاستها تقذير عليهم و تنجيس لهم بشربها و مزاولتها، بل
ربما نقل عن بعضهم انه كان يؤم الناس و هو سكران فضلا عن تلوثه و ثيابه بها، على
ان الرمي بالنجاسة من أشد ما يكره على الطبع و أعظم ما يرد على النفس، و لا كذلك
التحريم، خصوصا بالقياس إلى السلاطين الذين لا يتحاشون عن المحرمات، و اشتهار
الفتوى بالنجاسة بين علمائهم لا ينافي ذلك، إذ لم يكن عليهم فيه تقية، بل كانوا
يتظاهرون بخلاف ما هم عليه، و يجاهدونهم بالرد و الكفاح و لا يراقبونهم في ذلك، بل
كان ذو الشوكة منهم يتحمله و لا يبالي به، لعلمه بأن ذلك لا يحدث فتقا في سلطانه،
و لا يهدم ركنا في بنيانه، إذ لم يكن فيهم من يرشح نفسه للإمامة و الخلافة الكبرى
و الرئاسة العظمى انما كانت التقية على أئمة الحق (ع) المحسودين للخلق، و هم الذين
لا يدانيهم في الفضل أحد، و الذين ورد عليهم من حسد أئمة الجور ما قد ورد.
فما توهمه بعض الفضلاء- من أن تقية السلاطين
لو اقتضت الحكم بالطهارة لكان أولى الناس بها فقهاء العامة، لشدة مخالطتهم إياهم و
عكوفهم لديهم، مع أن معظمهم على النجاسة- في غير محله كما عرفت.
ثم انه قد يتوهم من إطلاق المتن كالقواعد و
الإرشاد و الدروس و عن المبسوط و غيره نجاسة الجامد أصالة من المسكر، لكن صريح
جماعة و ظاهر آخرين الطهارة، بل في المدارك القطع بها، و موضع من شرح الدروس عدم
ظهور خلاف بين الأصحاب في ذلك، بل في آخر و الحدائق الظاهر اتفاقهم عليها، كنسبة
الذخيرة تخصيص النجاسة بالمائع أصالة إلى الأصحاب، بل عن الدلائل دعوى الإجماع
صريحا على طهارة الجامد.
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 13.
10
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
حكم المائع الأصلي لو جمد عارضا ؛ ج6، ص : 11
و لعله للأصل و العموم السالمين عن المعارض،
لظهور تلك الأدلة في المائع من المسكر، و انسياقه إلى الذهن منها و لو من سياقها،
حتى
موثق عمار «1» «لا تصل
في ثوب أصابه خمر أو مسكر حتى يغسل»
كما يومي اليه عدم تقييد الإصابة فيه
بالرطوبة.
إلا أنه قد يشكل- مضافا إلى ما يظهر من بعض
الأخبار «2» من كون علة الحكم حرمة و نجاسة الإسكار، و أن كلما
عاقبته الخمر فهو خمر- بإطلاق المنزلة المستفاد من نحو
قول الباقر (عليه السلام) في خبر عطاء «3» «كل مسكر
خمر»
بل و بما تقدم سابقا من معروفية إطلاق الخمر
في ذلك الزمان على المسكر، و لعله لذا قال في شرح الدروس: «انه لولا ظهور اتفاق
الأصحاب و عدم ظهور الخلاف لكان مظنة للاحتياط» قلت: و هو كذلك خصوصا مع ضعف سند
ما تضمن تلك الكلية، بل و دلالته بدعوى الانصراف إلى الحرمة و غيرها، و لا جابر بل
الموهن متحقق.
[حكم المائع الأصلي لو جمد عارضا]
نعم قد يشكل الحكم بطهارة ما ماع منه بالعارض
فصار شرابا، لشمول النصوص «4» حينئذ له بل و الفتوى، و أولويته من شراب
مسكر يختلق في مثل هذا الزمان، و بهما ينقطع الاستصحاب، لكن صرح الشهيدان كما عن
الفاضل في التذكرة بها، بل قد يظهر من الذخيرة و الحدائق الإجماع عليها، و لعله
للأصل و الاستصحاب، و انسياق المائع أصالة من الأدلة، و هو لا يخلو من قوة خصوصا
فيما كان لا مدخلية لميعانه في إسكاره، و لا كان موضوعا كذلك له.
أما المائع الأصلي لو جمد عارضا ففي الذكرى و
عن التذكرة و المنتهى البقاء على النجاسة، و هو كذلك، خلافا لما عساه يظهر من
التقييد بالمائع و نحوه في بعض
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 38- من أبواب النجاسات- الحديث 7.
(2) الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأشربة
المحرمة.
(3) الوسائل- الباب- 15- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 5.
(4) الوسائل- الباب- 38- من أبواب النجاسات.
11
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
حكم المائع الأصلي لو جمد عارضا ؛ ج6، ص : 11
العبارات، للأصل مع عدم ظهور الأدلة في اشتراط
استدامة نجاسته بميعانه و ان اشترط في الابتداء، و عدم معروفية الجمود من
المطهرات، بل و ان ذهب مع جموده أو بدونه إسكاره أيضا لنفسه أي لا بممازجة مائع
آخر و نحوه، لنحو ما سمعت.
لكن قد يشكل بالفرق بينه و بين ما تقدم من حيث
تعليق الحكم هنا نصا و فتوى على المسكر المنتفي صدقه حقيقة عليه حينئذ دون الأول،
بل قد يقتضي مفهومه حينئذ خلافه، بناء على حجيته حتى فيمن زال عنه الوصف بعد التلبس
كمن لم يكن متلبسا، و احتمال الحكم بالنجاسة فيه لا لصدق الوصف بل للاستصحاب
يدفعه- مع أنه لا وجه له بعد فرض ما قلناه من المفهوم- أنه لا يجري بعد تغير
الموضوع.
و لعله لذلك كله كان ظاهر المحكي عن المنتهى
أو صريحه الطهارة فيه، و هو قوي فيما انحصر دليل نجاسته في المعلق على الوصف
المذكور، أما لو كان دليل آخر يستفاد منه نجاسته لم يعلقها على ذلك بل كانت معلقة
على اسم لا يفرض انتفاؤه بانتفاء تلك الصفة كالخمر و النبيذ و نحوهما فقد يقوى
حينئذ النجاسة، وفاقا لظاهر الأستاذ في كشف الغطاء، اللهم إلا أن يدعى انصرافه أيضا
للمعهود المتعارف، و هو الواجد، فيبقى الأصل حينئذ لا معارض له، فتأمل جيدا.
و المدار في حصول الإسكار على المزاج المعتدل
لا على سريع الانفعال أو بطيئه كما في أمثاله، مع احتمال ثبوت الحكم بحصول الأول،
لتحقق ماهية الإسكار، كما أنه يكفي في نجاسة القليل تحقق الإسكار في الكثير منه
للصدق في الصنف دون الشخص، فالمتكون في بعض حبات العنب و الممزوج بغيره كالترياق
الفاروق كالكثير.
و في المسكر في بلاد دون أخرى أو إقليم دون
آخر وجهان عموم النجاسة و خصوصها فيما تحقق فيه الوصف، ينشئان من تحقق الصدق و من
دوران الحكم مدار الوصف، لكن يبعد الثاني عدم النظير شرعا في النجاسات.
12
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم العصير العنبي إذا غلى ؛ ج6، ص : 13
و المرجع في معنى السكر و في الفرق بينه و بين
الإغماء و نحوه العرف، و اليه يرجع ما قيل: إنه حالة تبعث على نقص العقل
بالاستقلال بخلاف الإغماء، فإنه يقضى به بالتبع لضعف القلب و البدن، أو انه حالة
تبعث على قوة النفس و ضعف العقل، و الإغماء على ضعفهما، و إن كان إيكالهما اليه
كغيرهما من الألفاظ أولى.
[في حكم العصير العنبي إذا غلى]
و يستوي مع المسكرات في حكمها نجاسة و
حرمة العصير العنبي كما في الوسيلة و القواعد و التحرير و المختلف و
المنتهى و الإرشاد و الألفية و ظاهر الروض و المحكي من عبارة والد الصدوق، بل في
المسالك و المدارك و المفاتيح و غيرها أنه المشهور بين المتأخرين، بل في الروض و
الرياض و منظومة الطباطبائي و شرح الأستاذ للمفاتيح و عن غيرها حكاية الشهرة عليه
من غير تقييد بذلك، كظاهر نسبته إلى أكثر علمائنا في المختلف، بل المخالف فيه ان
كان هو المخالف في الخمر.
قال فيه: «الخمر و كل مسكر و الفقاع و العصير
إذا على قبل ذهاب ثلثيه بالنار أو من نفسه نجس ذهب إليه أكثر علمائنا كالمفيد و
الشيخ أبي جعفر و المرتضى و أبي الصلاح و سلار و ابن إدريس» ثم حكى خلاف ابن أبي
عقيل في الخمر و العصير، بل عن الشهيد الثاني في شرح الرسالة أن تحقيق القولين في
المسألة مشكوك فيه، بمعنى أنه لا قائل إلا بالنجاسة.
لكن في الذكرى بعد ذكره النجاسة عن ابن حمزة و
المعتبر و التوقف عن نهاية الفاضل قال: و لم نقف لغيرهم على قول بالنجاسة، بل فيها
و في البيان و لا نص على نجاسة غير المسكر، و هو منتف هنا إلا أن ذلك منه مع
اختياره النجاسة في الرسالة غريب، و هو أول من مال إلى الطهارة بعد ابن أبي عقيل و
المصنف في ظاهر النافع، بل كل من لم يذكره عند تعداد النجاسات كالجامع و غيره،
سيما مع تعبيره بما يقتضي الحصر في غيره، اللهم إلا أن يكون مندرجا عندهم في الخمر
أو المسكر و لو بالكثير منه،
13
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم العصير العنبي إذا غلى ؛ ج6، ص : 13
و تبعه عليه جماعة ممن تأخر عنه منهم الشهيد
الثاني و ولداه و شيخهما و الفاضل الهندي و سيد الرياض و غيرهم، للأصل و العموم
السالمين عن معارضة ما يصلح لقطعهما.
قلت: قد يقطعهما ما في مجمع البحرين من انه
نقل الإجماع من الإمامية على حرمته و نجاسته بعد غليانه و اشتداده معتضدا و منجبرا
إرساله بما سمعت من الشهرة و بالمحكي عن أطعمة التنقيح من الاتفاق أيضا على أن
عصير العنب إذا غلى حكمه حكم الخمر، و بالمحكي من الرضوي «1» الذي هو عين
عبارة والد الصدوق التي ستسمعها.
و ب
قول الصادق (عليه السلام) في مرسل ابن
الهيثم «2» بعد أن سئل عن العصير يطبخ في النار حتى يغلي من ساعته
فيشربه صاحبه: «إذا تغير عن حاله و غلى فلا خير فيه حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه»
ك
قوله (عليه السلام) أيضا في خبر أبي بصير «3» و قد سئل
عن الطلاء: «إن طبخ حتى يذهب منه اثنان و يبقى واحدة فهو حلال، و ما كان دون
ذلك فليس فيه خير».
و
بالموثق المروي في التهذيب «4» «سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج و يقول: قد
طبخ على الثلث و أنا أعلم انه يشربه على النصف، فقال: خمر لا تشربه»
إلى آخره. و المناقشة فيه بعدم لفظ الخمر فيه
في الكافي ضعيفة، لأولوية احتمال السقوط من الزيادة و ان كان الكليني أضبط، كالمناقشة
فيه باحتمال إرادة الحرمة من التشبيه لا النجاسة، سيما بملاحظة سياق الخبر، و
تفريع حرمة الشرب خاصة عليه، إذ هي- مع عدم الشاهد على التقييد المزبور، بل هو
مناف لما استفيد من كثير من الأحكام من نظائره، بل منه نفسه كما تسمعه في الفقاع و
سمعته
______________________________
(1)
فقه الرضا عليه السلام ص 38.
(2) الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 7.
(3) الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 6.
(4) الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 4.
14
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم العصير العنبي إذا غلى ؛ ج6، ص : 13
في غيره- مبنية على مجازية الخمر في العصير و
استعارته له، و فيه بحث، بل المحكي عن ظاهر الكليني و الصدوق «1» منا و
البخاري من غيرنا دعوى الحقيقة فيه، بل قيل عن المهذب البارع إن اسم الخمر حقيقة
في عصير العنب إجماعا.
و لعله ظاهر كنز العرفان أيضا، قال فيه:
«الخمر في الأصل مصدر خمره إذا ستره، سمي به عصير العنب و التمر إذا غلى و اشتد،
لأنه يخمر العقل أي يستره، كما سمي سكرا لأنه يسكره أي يحجره» إلى آخره، كالمحكي
في الفقيه من رسالة والده «اعلم يا بني إن أصل الخمر من الكرم إذا أصابته النار أو
غلى من غير أن يمسه فيصير أعلاه أسفله فهو خمر» إلى آخره.
و ربما يومي اليه أيضا
قول الصادق (عليه السلام) «2» في الصحيح
و غيره:
«الخمر من خمسة: العصير من الكرم، و النقيع
من الزبيب»
الحديث. ك
قوله (عليه السلام) «3» و قد سئل
عن ثمن العصير قبل أن يغلي فقال: «لا بأس به، و ان غلى فلا يحل»
و
في آخر «4» «إذا بعته
قبل أن يكون خمرا و هو حلال فلا بأس»
و ما قيل من أن حده حد شارب الخمر.
كما أنه يؤيده مع ذلك كله ملاحظة ما ورد «5» من
الأخبار في أصل تحريم الخمر و بدوّه و في غيره، فان السارد لها مع الانصاف
يحصل له الظن القوي ان لم يكن القطع بدخول عصير العنب مع الغليان في مسمى الخمر
حقيقة أو بمساواته له في حكمه من الحرمة و النجاسة.
______________________________
(1)
هكذا في النسخة الأصلية و في هاشمة «الصدوقين» بدل «الصدوق».
(2) الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 1.
(3) الوسائل- الباب- 58- من أبواب ما يكتسب
به- الحديث 6 من كتاب التجارة.
(4) الوسائل- الباب- 58- من أبواب ما يكتسب
به- الحديث 2 من كتاب التجارة.
(5) الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة
المحرمة.
15
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم العصير العنبي إذا غلى ؛ ج6، ص : 13
و استبعاد الأول باعتبار الإسكار في مفهوم
الخمر، و هو مفقود هنا بل هو مفروض محل النزاع، إذ لا إشكال في نجاسته معه لعموم
الأدلة يدفعه إمكان منع الاعتبار أولا و ان كان هو وجه تسميته، بل قد تشعر بعض
الأخبار «1» بأن وجهها تحقق الاختمار في ثمرتي الكرم و التمر بسبب جريان
بول عدو الله إبليس في عروقهما.
و ثانيا منع عدم تحقق الإسكار فيه حتى بالكثير
منه، نعم هو لم يكن معروفا بذلك، و لعله هو منشأ حرمته في علم الله ان لم يكن
الظاهر.
بل ربما يومي اليه
ما ذكره العامة «2» في بدو
أمر الطلاء، و هو المطبوخ من عصير العنب «ان عمر حين قدم إلى الشام شكى إليه
أهلها وباء الأرض، و قالوا: لا يصلحنا إلا هذا الشراب، فقال: اشربوا العسل،
فقالوا: ما يصلحنا العسل، فقال رجل من أهل الأرض: هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب
شيئا لا يسكر؟ فقال: نعم، فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان فأتوا به عمر، فأدخل فيه إصبعه
ثم رفع يده فتبعها مططا، فقال: هذا الطلاء مثل طلاء الإبل، فأمرهم أن يشربوه، ثم
كتب إلى الناس أن اطبخوا شرابكم حتى يذهب منه نصيب الشيطان»
إلى آخره.
و كذا
خبر عمر بن يزيد «3» قال: «قلت لأبي
عبد الله (عليه السلام):
الرجل يهدى اليه البختج من غير أصحابنا،
فقال: إن كان ممن يستحل المسكر فلا تشربه و إن كان ممن لا يستحل شربه فاقبله أو
قال: فاشربه»
الحديث. و البختج العصير المطبوخ.
و قال العلامة الطباطبائي في مصابيحه بعد أن
فرغ من بيان حرمة المطبوخ من
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 3.
(2) الغدير للأميني ج 6 ص 260 من طبعة طهران
عن الموطإ للمالك ج 2 ص 180 في جامع تحريم الخمر.
(3) الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 1.
16
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم العصير العنبي إذا غلى ؛ ج6، ص : 13
عصير العنب: «و هل الحكم بتحريم العصير قبل
ذهاب ثلثيه تعبد محض، أو معلل بالاسكار الخفي المسبب عن الغليان، أو بعروض التغير
له إذا بقي و طال مكثه؟ احتمالات أوسطها الأوسط، و قد بان لك وجهه مما مضى، و يأتي
تحقيق ذلك إن شاء الله» انتهى.
قلت: و يزيده تأييدا و تأكيدا أنه قد استفاضت الروايات «1» بل كادت
تكون متواترة بتعليق الحرمة في النبيذ و غيره على الإسكار، و عدمها على عدمه، مع
استفاضة الروايات «2» بحرمة عصير العنب إذا غلى قبل ذهاب
الثلثين، و حملها على التخصيص ليس بأولى من حملها على تحقق الإسكار فيه، بل
هو أولى لأصالة عدم التجوز، بل لعله متعين لعدم القرينة، بل قد يقطع به لعدم ظهور
شيء من روايات الحرمة في خروج ذلك عن تلك الكلية بل و لا إشارة.
و دعوى شهادة الوجدان بعدم الإسكار فيجب
التخصيص ممنوعة أشد المنع، إذ من جرب ذلك فوجد خلافه و لو بالكثير منه خصوصا مع
الاكتفاء به و لو بالنسبة إلى بعض الأمزجة في بعض الأمكنة و الأزمنة و الأهوية حتى
الخفي منه، كلا أن دعوى ذلك فرية بينة.
و من ذلك كله يظهر لك إمكان منع دعوى فرض
النزاع في معلوم عدم الإسكار، نعم هو ليس فيما علم تحقق الإسكار فيه، انما النزاع
في العصير العنبي من غير تقييد، إذ لعل وصف الإسكار لازم له و لو بالكثير منه، فلو
فرض البحث في فاقده كان نزاعا في موضوع و همي لا يليق بالفقيه، فالإنصاف انه لا
علم للقائلين بالطهارة بعدم إسكاره حتى الكثير منه، كما انه لا علم للقائلين
بالنجاسة بإسكاره و لو بالكثير منه، لعدم تعارف شرب مثله للسكر، اللهم إلا أن يستفيدوا
من نجاسته ذلك بدعوى التلازم، أو ظهور الدخول في الخمر، أو غير ذلك.
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 17- من أبواب الأشربة المحرمة.
(2) الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة
المحرمة.
17
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم العصير العنبي إذا غلى ؛ ج6، ص : 13
و كيف كان فنجاسته على القول بها انما هي إذا غلى و
اشتد كما في القواعد و الإرشاد و المنتهى، أو إذا غلى فقط كما في التحرير
و المختلف و عن النزهة و التلخيص و أطعمة القواعد، أو إذا غلى بنفسه لا بالنار كما
في الوسيلة، و يرجع الأول للثاني كالعكس بناء على إرادة الغليان من الاشتداد كما
صرح به بعضهم، بل في ظاهر شرح الإرشاد للفخر الإجماع عليه، حيث قال فيه: «المراد
بالاشتداد عند الجمهور الشدة المطربة، و عندنا أن يصير أعلاه أسفله بالغليان، أو
يقذف بالزبد» كما في حاشية المدارك للأستاذ «أن تفسير الاشتداد بحصول الثخانة غير
ظاهر من الأصحاب و غير ظاهر المأخذ» إلى آخره. أو إرادة الثخانة من الاشتداد كما
في المسالك و غيرها، مع دعوى التلازم بينها و بين الغليان كما في الذكرى، نعم هما
غيران بناء على إرادة القوام و الثخانة من الاشتداد المنفكين عن الغليان كما في
الروض، بل عنه في حواشيه على القواعد القطع به، فينفك حينئذ التحريم عن النجاسة،
لحصول الأول بمجرد الغليان، كما في الحدائق نفي الخلاف فيه نصا و فتوى، و توقف
الثانية على الاشتداد بالمعنى المذكور، و لعل ذلك هو ظاهر المعتبر، حيث قال فيه: و
في نجاسة العصير بغليانه تردد، أما التحريم فعليه إجماع فقهائنا، ثم منهم من أتبع
التحريم بالنجاسة، و الوجه الحكم بالتحريم مع الغليان حتى يذهب ثلثاه، و لا ينجس
إلا مع الاشتداد، لكن في الذكرى كأنه يرى الشدة المطربة، إذا الثخانة حاصلة بمجرد
الغليان، قلت: فحينئذ لا يكون من القائلين بالنجاسة، لكن قد عرفت نسبة الفخر تفسير
الشدة بذلك إلى الجمهور.
و كيف كان فلم نعرف مأخذا لاعتبار الشدة بمعنى
الثخانة و القوام المنفكين عن الغليان في النجاسة دون التحريم، بل قضية ما سمعته
من أدلة النجاسة السابقة عدا إجماع مجمع البحرين اتحادها مع الحرمة في السبب، على
أنه لا تفسير فيه للشدة بذلك، بل ظاهر كل من قال بالنجاسة عدم هذا التفصيل،
و قول الصادق (عليه السلام) في المرسل
السابق: «إذا تغير عن حاله و غلى فلا خير فيه»
لا دلالة فيه على ذلك،
18
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم العصير العنبي إذا غلى ؛ ج6، ص : 13
كما أنه ليس في خصوص النجاسة.
فالأقوى في النظر عدم الفرق في الحرمة و
النجاسة بذلك، خلافا لما يظهر من جماعة، نعم لو لا بعض العبارات لأمكن أن يراد
بالشدة الحالة الملازمة للعصير إذا نش من قبل نفسه، و هو الذي أشار إليه الفخر
بقذف الزبد، و مثله لا يسمى غليانا عرفا أو لا ينساق إلى الذهن منه، خصوصا بعد
تفسيره في كلام جماعة بصيرورة الأعلى أسفل و بالعكس، ك
خبر حماد بن عثمان «1» عن الصادق
(عليه السلام) «سأله عن الغليان، فقال: «القلب»
فلعل ما في المتن و نحوه من ذكر الغليان و
الاشتداد يراد به حينئذ التعميم للفردين: أي ما على بأن صار أعلاه أسفل و بالعكس،
و ما اشتد حتى قذف الزبد بأن نش لا انه يراد اجتماعهما في عصير واحد، نعم كان عليه
الإتيان بأو بدل الواو، ك
قول الصادق (عليه السلام) في خبر ذريح «2»: «إذا نش
العصير أو غلى حرم»
إلى آخره، و هو هين.
ثم ان ظاهر المصنف و غيره بل و ما سمعته سابقا
من أدلة النجاسة عدم الفرق بين الغليان بنفسه أو بالنار، لكن قد عرفت قصر النجاسة
في الوسيلة على الأول، و الحرمة خاصة على الثاني، و لعل وجهه صيرورته خمرا بذلك
لحصول الاختمار فيه دون الثاني.
و ربما يومي اليه بعض الأخبار ك
خبر الساباطي «3» قال: «وصف لي
أبو عبد الله (عليه السلام) المطبوخ كيف يطبخ حتى يصير حلالا، فقال: تأخذ ربعا من
زبيب و تنقيه و تصب عليه اثنى عشر رطلا من ماء ثم تنقعه ليلة، فإذا كان أيام الصيف
و خشيت أن ينش جعلته في تنور مسجور قليلا حتى لا ينش، ثم تنزع الماء منه كله»
الحديث.
فان قوله (عليه السلام): «فإذا كان» إلى آخره
ظاهر في صيرورته خمرا بنشيشه في
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 3.
(2) الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 4.
(3) الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 2.
19
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم غير عصير العنب من التمر و الزبيب و الحصرم و غيرها ؛ ج6، ص : 20
نفسه، و هو الذي يخشاه، بخلاف الغليان في
النار، فإنه يحرم حينئذ و لا ينجس، و نحوه في هذا الإيماء غيره، لكن قد يقال
بخروجه عن محل النزاع، إذ البحث في العصير و ما تضمنه الخبر من النبيذ، اللهم إلا
أن يدعى مساواته له في ذلك أو أولويته، فتأمل.
[في حكم غير عصير العنب من التمر و الزبيب و
الحصرم و غيرها]
و كذا ظاهر المتن و غيره عدم النجاسة في غير
عصير العنب من التمر و الزبيب و الحصرم و غيرها، بل صرح به في جامع المقاصد و
الروض و غيرهما، بل عن حواشي القواعد و المقاصد العلية دعوى الإجماع على ذلك في
غير الزبيب، بل في الحدائق الظاهر انه لا خلاف في طهارة الزبيب أيضا، كما عن
الذخيرة أني لا أعلم بنجاسته قائلا.
قلت: لكن قد يفهم من جامع المقاصد و الروض
تحقق الخلاف في الزبيبي، بل في كشف اللثام انه لعل من العنبي الزبيبي، بل في
منظومة الطباطبائي حكاية القول بنجاسته و التمري صريحا، و لعله أخذه من إطلاق
العصير من بعض القائلين بالنجاسة كابن حمزة و العلامة و غيرهما، بناء على كونه
للأعم من العنبي و الزبيبي و التمري، أو أراد به ما يظهر من المحكي عن الأستاذ
الأكبر، بل كاد يكون صريحه كالشيخ في التهذيب، حيث انه قال بعد أن روى خبر عثيمة «1» المتضمن
لاهراق النضوح في البالوعة: فأما ما رواه
سفيان بن مسلم عن علي الواسطي «2» قال: «دخلت
جويرية على أبي عبد الله (عليه السلام) و كانت صالحة فقالت: إني أتطيب لزوجي فيجعل
في المشطة التي أمتشط بها الخمر، فأجعله في رأسي قال: لا بأس»
فلا ينافي الخبر الأول، لأنه محمول على ما
رواه
الساباطي «3» عن الصادق
(عليه السلام) «عن النضوح قال:
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 32- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.
(2) الوسائل- الباب- 37- من أبواب الأشربة المحرمة-
الحديث 2 و في الوسائل عن سعدان بن مسلم عن علي الواسطي.
(3) الوسائل- الباب- 37- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 1.
20
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم غير عصير العنب من التمر و الزبيب و الحصرم و غيرها ؛ ج6، ص : 20
يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه ثم
يتمشط»
إذ هو ظاهر في حرمته و نجاسته عنده قبل ذهاب
الثلثين، كما اعترف به الفاضل المذكور في مصابيحه، أو انه عثر على ما لم نعثر عليه
كما هو مظنة ذلك.
و على كل حال فلا ريب في ضعفه في التمري بعد
الأصل و العمومات، و ما سمعته من الإجماعين و غير ذلك، بل ينبغي القطع بفساده بناء
على حليته و عدم حرمته و ان لم يذهب ثلثاه بالغليان كما هو الأظهر الأشهر بل
المشهور، بل في الحدائق «انه كاد يكون إجماعا، بل هو إجماع في الحقيقة، فإنا لم
نقف على قائل بالحرمة ممن تقدمنا من الأصحاب رضوان الله عليهم، و انما حدث القول
بذلك في هذه الأعصار المتأخرة» انتهى. كما عن رسالة مولانا أبي الحسن و رياض
المسائل حكاية نفي الخلاف عن بعض الأصحاب، بل في الأول حكاية الإجماع عن بعض
الفضلاء، بل ربما استظهر نفيه أي الخلاف من اللمعتين و أطعمة المسالك أيضا.
و لا ينافيه تردد الفاضلين بذلك في حدود
الشرائع و القواعد، و لا قولهما:
«الأشبه و الأقرب» إذ لعله لتعارض الامارات لا
لوجود القائل، بل هو الظاهر منهما سيما الأول، كما يومي اليه عدم حكاية ذلك في وجه
التردد عن أحد من شراح كلامهما للأصول العقلية و الشرعية السالمين عن المعارض
المعتضدين بالسيرة و العمل من سائر المسلمين في عصرنا هذا الكاشف عما قبله، و
لتعليق الحل و الحرمة على الإسكار و لو بالكثير و عدمه في الأخبار «1» المستفيضة
جدا ان لم تكن متواترة، و فيها الصحيح و الحسن و غيرهما المتضمنة
أسئلتها عن نبيذ التمر و غيره، حتى انه في
خبر ابن وهب «2» عن الصادق
(عليه السلام) «قلت له: إن رجلا من بني عمي من صلحاء مواليك أمرني أن أسألك عن
النبيذ فأصفه لك، فقال (عليه السلام): أنا أصفه لك، قال رسول الله
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 17- من أبواب الأشربة المحرمة.
(2) الوسائل- الباب- 17- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 1.
21
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم غير عصير العنب من التمر و الزبيب و الحصرم و غيرها ؛ ج6، ص : 20
(صلى الله عليه و آله): كل مسكر حرام، فما
أسكر كثيره فقليله حرام»
الحديث.
و دعوى عدم منافاتها لتحقق الإسكار فيه و لو
خفيا بغليانه قبل ذهاب ثلثيه و لو باعتبار بعض الأمزجة أو الأمكنة أو الأزمنة أو
الأهوية، و من جرب ذلك بالكثير منه فوجد خلافه مع الغض عما فيها من الاكتفاء بذلك
البعض، و إجمال الكثرة و غيرهما ممنوعة أشد المنع، لعدم الشاهد لها من عقل أو شرع
أو عرف، بل لعل الأخيرين شاهدا عدل على خلافها، إذ الوجدان و العيان على عدم تحقق
الإسكار بأكثر ما يستطيع شربه الإنسان، و ترك الشارع بيانه في وقت الحاجة و السؤال
مع شدة خفائه إن فرض إسكاره أكبر شاهد على عدمه، بل كاد يكون خبر محمد بن جعفر «1» عن أبيه
(ع) في القوم الذين قدموا من اليمن فأرسلوا وفدا لهم يسأل رسول الله
(صلى الله عليه و آله) عن عصير التمر ثم لم يكتفوا بذلك حتى سألوه بأنفسهم صريحا
في ذلك سؤالا و جوابا «2» مع
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 24- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 6.
(2)
قال: «قدم على رسول الله (صلى الله عليه و
آله) من اليمن قوم، فسألوه عن معالم دينهم فأجابهم فخرج القوم بأجمعهم، فلما ساروا
مرحلة قال بعضهم لبعض: نسينا أن نسأل رسول الله (صلى الله عليه و آله) عما هو أهم
إلينا. ثم نزل القوم ثم بعثوا وفدا لهم فأتى الوفد رسول الله (صلى الله عليه و
آله) فقالوا: يا رسول الله (ص) إن القوم بعثوا بنا إليك يسألونك عن النبيذ، فقال
رسول الله (صلى الله عليه و آله): و ما النبيذ؟
صفوه لي، فقالوا: يؤخذ من التمر فينبذ في
إناء ثم يصب عليه الماء حتى يمتلئ و يوقد تحته حتى ينطبخ، فإذا انطبخ أخذوه فألقوه
في إناء آخر ثم صبوا عليه ماءا ثم يمرس ثم صفوه بثوب ثم يلقى في إناء ثم يصب عليه
من عكر ما كان قبله ثم يهدر و يغلى ثم يسكن على عكره، فقال رسول الله (صلى الله
عليه و آله): يا هذا قد أكثرت أ فيسكر؟ قال: نعم، فقال:
فكل مسكر حرام، قال: فخرج الوفد حتى انتهوا
إلى أصحابهم فأخبروهم بما قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال القوم: ارجعوا
بنا إلى رسول الله (ص) حتى نسأله عنها شفاها و لا يكون بيننا و بينه سفير، فرجع
القوم جميعا، فقالوا: يا رسول الله (ص) إن أرضنا الأرض دوية و نحن قوم نعمل الزرع
و لا نقوى على العمل إلا بالنبيذ، فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه و آله): صفوه
لي فوصفوه كما وصفه أصحابهم، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أ فيسكر؟
فقالوا: نعم، قال: كل مسكر حرام،
(منه رحمه الله).
22
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم غير عصير العنب من التمر و الزبيب و الحصرم و غيرها ؛ ج6، ص : 20
وضوح دلالته على أصل المطلوب من وجوه أخر،
فلاحظ.
لا يقال: إنه لعل الشارع قد استغنى عن بيان
إسكاره ببيان الحرمة المستفادة من
قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان «1»: «كل عصير
أصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه»
و في
خبر ذريح «2» «إذا نش
العصير أو غلى حرم»
و نحوهما في إفادة ذلك غيرهما «3» و من
قوله (عليه السلام) أيضا في موثقة عمار «4» بعد أن
سأله «عن النضوح المعتق كيف يصنع به حتى يحل؟ قال: خذ ماء التمر فأغله
حتى يذهب ثلثا ماء التمر»
ك
خبره الآخر «5» «سألته عن
النضوح، قال: يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه، ثم يتمشطن»
و من الأخبار «6» الدالة
على حرمة النبيذ الذي يوضع فيه العكر و القعوة، فيغلي و يهدر ثم يسكن، و من غير ذلك
كاشعار خبر «7» طلب إبليس من حواء في آخر عمر آدم (عليه
السلام) بعد أن طرده آدم أن تطعمه من ثمرة الكرم و النخل، فأطعمته، إلى آخره، و
غيره.
أو يقال: إن هذه الأدلة و إن لم تفد إسكاره
لكن تفيد حرمته، فيخرج بها عن تلك الأصول و العمومات، على أن العمدة منها ظواهر ما
دل على إباحة غير المسكر،
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة المحرمة.
(2) الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 4.
(3) الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة
المحرمة.
(4) الوسائل- الباب- 32- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 2.
(5) الوسائل- الباب- 37- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 1.
(6) الوسائل- الباب- 24- من أبواب الأشربة
المحرمة.
(7) الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 3.
23
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم غير عصير العنب من التمر و الزبيب و الحصرم و غيرها ؛ ج6، ص : 20
و لعلها لا تنافيها لا للعلم لكونه مسكرا بل
لأن احتمال ذلك فيه كاف في عدم المنافاة، و دعوى العلم- بعدم الإسكار حتى بالكثير
منه و لو لبعض الأمزجة، بناء على الاكتفاء به فينا فيها حينئذ- فرية بينة، إذ من
اختبر ذلك فوجد خلافه.
لأنا نقول: لا دلالة في الحرمة على الإسكار، لكونها
أعم منه كما هو واضح، كوضوح قصور هذه الأخبار عن إفادة أصل الحرمة أيضا بحيث يخرج
بها عن تلك الأصول و العمومات و غيرها المعتضدة بما عرفت، سيما بعد ابتناء دلالة
الصحيح و غيره على تناول لفظ العصير لغة أو شرعا للمستخرج من نحو التمر و الزبيب،
و هو محل بحث.
بل بالغ المحدث البحراني في حدائقه بإنكاره،
فقال: إن اللغة و الشرع و العرف على خلافه إنما يسمى التمر و الزبيب نبيذا و نقيعا
مستظهرا ذلك من المصباح المنير و نهاية ابن الأثير و القاموس و مجمع البحرين في
مادة عصر و نقع و نبذ، و من نحو
قول الصادق (عليه السلام) في الصحيح «1» قال رسول
الله (صلى الله عليه و آله): «الخمر من خمسة:
العصير من الكرم، و النقيع من الزبيب، و
التبع من العسل، و المرز من الشعير، و النبيذ من التمر»
إلى آخره. و الأخبار «2» الواردة
في علة الحرمة بعد الغليان قبل ذهاب الثلثين الواردة في خصوص العنب، و من شهادة
العرف بعدم صدق العصير إلا على الأجسام التي فيها مائية لاستخراج مائها كالعنب و
الرمان و نحوهما، بخلاف الأجسام الصلبة التي فيها حلاوة و حموضة و أريد استخراجهما
منها بنبذها في الماء و نقعها كما هو المعروف في الصدر الأول أو بغليانها في
النار.
و هو و إن أمكن مناقشته في جميع ذلك لكن
الإنصاف أنه إن لم يكن حقيقة
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.
(2) الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة
المحرمة.
24
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم غير عصير العنب من التمر و الزبيب و الحصرم و غيرها ؛ ج6، ص : 20
فيه إلا أنه المنساق الى الذهن من إطلاق
الأدلة، بل هو المتعارف المعهود المعبر عنه فيها تارة بالعصير، و أخرى بالطلاء، و
ثالثة بالبختج، و الذي طفحت الأخبار «1» في حرمته
قبل ذهاب الثلثين و في بيان علة ذلك، كما هو واضح لمن لاحظها جميعها بتأمل و تدبر،
خصوصا ما ورد «2» منها في السؤال عن بيعه قبل أن يصير خمرا.
و يؤيده ما قيل من عدم استدلال أحد من الأصحاب
كالمصنف و العلامة و غيرهما بهذه الأخبار مع كثرتها و استفاضتها، و كونها بمرأى
منهم و مسمع، بل لا يبعد كونه كذلك في كلمات الأصحاب، كما عن القطيفي في الهادي
القطع به، و إن أنكره العلامة الطباطبائي في مصابيحه، بل قد يظهر منه ذلك حتى
بالنسبة للأخبار أيضا، كصريح المحكي عن مولانا أبي الحسن و الأستاذ الأكبر.
لكن التحقيق ما قلناه و لا ينافيه خصوص الصحيح «3» المسور ب
«كل» الظاهر في تعدد الأفراد بل تكثرها، و إن علم خروج غير المعتصر من
ثمرتي الكرم و النخل بالإجماع و غيره بل الضرورة، إن لم نقل بتنزيل عموم الصحيح
على المتعارف من أفراد العصير، بل لعل غيرهما لا يسمى عصيرا، لما فيه على التقدير
الأول من كون الخارج أضعاف الداخل، بل انتهاء التخصيص الى المستنكر المستقبح عرفا،
مع عدم دليل من الأخبار على الإخراج في كثير من أفراده حينئذ، و على الثاني من
منافاته للعموم اللغوي أولا، و عدم تسليم التعارف في الثلاثة ثانيا، فضلا عن الوضع
للقدر المشترك بينها.
و مع ذا فهو ليس بأولى من حمله على إرادة
العموم بالنظر الى أفراد العنب و أقسامه و الى ما ظهر إسكاره أو اتخذ له و عدمه، و
الى ما أخذ من كافر أو مسلم مستحل لما دون الثلثين و عدمه، و الى الممزوج بغيره مع
عدم الاستهلاك و عدمه، الى غير ذلك.
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة المحرمة.
(2) الوسائل- الباب- 58- من أبواب ما يكتسب
به من كتاب التجارة.
(3) الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 1.
25
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم غير عصير العنب من التمر و الزبيب و الحصرم و غيرها ؛ ج6، ص : 20
و ربما يؤيده تعرض النصوص لحكم العصير في بعض
الأحوال المذكورة أو أكثرها، بل لعل تنزيل الصحيح على ذلك متعين بناء على ما سمعته
من معروفية إطلاق العصير على خصوص العنبي، و أما خبر النضوح «1» فلعل الوجه
فيهما إرادة التعليم لدفع الخمرية الحاصلة من إنباذ التمر و إنقاعه، و ذلك لأن
النضوح ضرب من الطيب يتخذ من ماء التمر و غيره، و قد حكي عن بعض الأفاضل في كيفيته
أنه ينقعون التمر و السكر و القرنفل و التفاح و الزعفران و أشباه ذلك في قارورة
فيها قدر مخصوص من ماء و يشد رأسها و يصبرون أياما حتى ينش و يتخمر، و هو شائع بين
نساء الحرمين، و كيفية تطيب المرأة به أن تحط الأزهار بين شعر رأسها ثم ترشرش به
الأزهار لتشتد رائحتها.
قلت: و لذا أمر الصادق (عليه السلام) بإهراقه
في البالوعة في
خبر عثيمة «2» قال: «دخلت
عليه و عنده نساؤه، فشم رائحة النضوح، فقال: ما هذا؟ قالوا: نضوح يجعل فيه الضياح،
فأمر به فأهريق في البالوعة»
الحديث. فأراد الإمام (عليه السلام) بذهاب
الثلثين زوال الأجزاء المائية التي هي منشأ الاختمار كما في العنب.
و يومي إلى ذلك كله ما عرفته من أن النضوح
انما يستعمل في غير المأكول، و من اعتبر ذهاب الثلثين انما يعتبرها للأكل، فيعلم
حينئذ إرادة التخلص بذلك عن الخمرية المورثة نجاسة في الشعر و غيره من محال الطيب،
و هو الذي سأل الراوي عن حله، اللهم إلا أن يكون القائل باعتبار الثلثين اعتبر ذلك
بالنسبة للحرمة و النجاسة، كما لعله الظاهر من المحكي عن بعضهم، إلا أنك قد عرفت
سابقا حكاية الإجماع على الطهارة.
و كيف كان فحمل الخبرين على ما ذكرنا متجه، لا
أقل من الاحتمال المبطل للاستدلال، نعم هما مشعران بحرمة بل و نجاسة نبيذ التمر
إذا طرح فيه بعض الأجسام
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 32- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 2 و الباب 37 الحديث 1.
(2) الوسائل- الباب- 32- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 1.
26
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم غير عصير العنب من التمر و الزبيب و الحصرم و غيرها ؛ ج6، ص : 20
التي تفعل فيه الغليان و النشيش و خروج الزبد،
بل هو النبيذ المسكر المتخذ منه أو الزبيب أو منهما، بل لعل الثاني يندرج في
الفقاع، بناء على اتخاذه من غير الشعير الذي كان معروفا في ذلك الزمان الذي
استفاضت الأخبار «1» أو تواترت بالنهي عنه، و بما يفيد نجاسته.
بل الظاهر ان منه ما حصل فيه ذلك الغليان فيه
بطول المكث أيضا مع كثرة التمر الملقى و قلة الماء مثلا، كما يشعر به الخبران
أيضا، و يومي اليه جملة من الأخبار، كخبر الساباطي «2» المتقدم
سابقا في الاستدلال لابن حمزة على نجاسة العصير إذا غلى لنفسه.
و
خبر أيوب بن راشد «3» قال: «سمعت أبا
البلاد يسأل أبا عبد الله (عليه السلام): عن النبيذ، فقال: لا بأس به، فقال: إنه
يوضع فيه العكر، فقال (عليه السلام): بئس الشراب، و لكن انبذوه غدوة و اشربوه
بالعشي، قال: فقلت:
جعلت فداك هذا يفسد بطوننا، قال: فقال أبو
عبد الله (عليه السلام): أفسد لبطنك أن تشرب ما لا يحل لك».
و
خبر الكلبي النسابة «4» قال: «سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن النبيذ، فقال: حلال، قلت: إنا ننبذه فنطرح فيه العكر و
ما سوى ذلك، فقال: شه شه تلك الخمرة المنتنة، قلت: جعلت فداك فأي نبيذ تعني؟ فقال:
إن أهل المدينة شكوا إلى النبي (صلى الله عليه و آله) تغير الماء و فساد طبائعهم،
فأمرهم أن ينبذوا، و كان الرجل منهم يأمر خادمه أن ينبذ له، فيعمد إلى كف من تمر
فيلقيه في الشن، فمنه شربه
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأشربة المحرمة.
(2) الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 2.
(3) الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 1.
(4) الوسائل- الباب- 2- من أبواب الماء
المضاف- الحديث 2 مع اختلاف في الألفاظ.
27
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم غير عصير العنب من التمر و الزبيب و الحصرم و غيرها ؛ ج6، ص : 20
و منه طهوره، فقلت: و كم كان عدد التمرات
التي كانت تلقى؟ قال: ما يحمل الكف، قلت: واحدة و اثنتين، فقال: ربما كانت واحدة،
و ربما كانت اثنتين، فقلت: و كم يسع الشن ماء؟ فقال: ما بين الأربعين إلى الثلاثين
إلى ما فوق ذلك، فقلت:
بالأرطال فقال: أرطال بمكيال العراق».
ك
خبر صفوان الجمال «1» «قلت لأبي
عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك أصف لك النبيذ، فقال لي: بل أنا أصفه لك، قال
رسول الله (صلى الله عليه و آله):
كل مسكر حرام، و ما أسكر كثيره فقليله حرام،
فقلت له: هذا نبيذ السقاية بفناء الكعبة؟ فقال لي: ليس هكذا كانت السقاية، انما
كانت السقاية زمزم، أ فتدري من أول من غيرها؟ قال: لا، قال: العباس بن عبد المطلب
كانت له حبلة، أ فتدري ما الحبلة؟ قال: الكرم، كان ينقع الزبيب غدوة و يشربونه
بالعشي، و ينقعه بالعشي و يشربونه من الغد، يريد أن يكسر غلظ الماء عن الناس، و ان
هؤلاء قد تعدوا، فلا تشربه و لا تقربه».
و
خبر حنان بن سدير «2» عن الصادق
(عليه السلام) إلى أن قال فيه: «ما هذا النبيذ الذي أذنت لأبي مريم في
شربه أي شيء هو؟ فقال: أما أبي (عليه السلام) فإنه كان يأمر الخادم»
فيجيء بقدح، و يجعل فيه زبيبا و يغسله غسلا
نقيا ثم يجعله في إناء ثم يصب عليه ثلاثة مثله أو أربعة ماء، ثم يجعله بالليل و
يشربه بالنهار، و يجعله بالغداة و يشربه بالعشي، و كان يأمر الخادم بغسل الإناء في
كل ثلاثة أيام لئلا يغتلم، فان كنتم تريدون النبيذ فهذا هو النبيذ» إلى غير ذلك من
الأخبار الكثيرة الظاهرة في حرمته بمجرد غليانه بنفسه و نشيشه و خروج زبدة، و لعلك
تسمع بعضها إن شاء الله أيضا.
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 17- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 3 مع اختلاف يسير.
(2) الوسائل- الباب- 22- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 5.
28
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم غير عصير العنب من التمر و الزبيب و الحصرم و غيرها ؛ ج6، ص : 20
و من هنا يظهر لك انه لا وجه للاستدلال بها
على ما نحن فيه من عصير التمر المغلي بالنار و نحوها، لوضوح عدم اندراجه في شيء
منها، نعم هي كغيرها ظاهرة في حرمة ما قلناه من النبيذ إذا نش و غلى بنفسه و خرج
زبدة و لو بطول المكث، و لا ينافيه ما دل على إباحة غير المسكر، إذ لعل كثيره كذلك
إذا بلغ هذا الحد، كما هو الظاهر من الأخبار أيضا.
و كان عبارات جملة من الأصحاب ظاهرة فيه ان لم
تكن صريحة، منها عبارة الشيخ في النهاية «لا بأس بشرب النبيذ غير المسكر، و هو أن
ينقع التمر أو الزبيب ثم يشربه، و هو حلو قبل أن يتغير- و قال-: و يجوز أن يعمل
الإنسان لغيره الأشربة من التمر و الزبيب و العسل و غير ذلك، و يأخذ عليه الأجرة و
يسلمها اليه قبل تغيرها» إذ قد اكتفى في تحقق البأس بمجرد التغير، و منه ما ذكرنا
قطعا.
و منها ما في الوسيلة «ان النبيذ هو أن يطرح
شيء من التمر أو الزبيب في الماء، فان تغير كان في حكم الخمر، و ان لم يتغير جاز
شربه و التوضؤ منه ما لم يسلبه إطلاق اسم الماء» كالذي في المهذب «يجوز شرب النبيذ
الذي لا يسكر، مثل أن يلقى التمر أو الزبيب في الماء المر أو المالح، و ينقع فيه
إلى أن يحلو، فان تغير لم يجز شربه».
و في السرائر «فأما عصير العنب فلا بأس بشربه
ما لم يلحقه نشيش بنفسه، فان لحقه طبخ قبل نشيشه حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه حل
شرب الثلث الباقي، فان لم يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه كان حراما، و كذلك فيما ينبذ من
الثمار في الماء أو اعتصر من الأجسام من الأعصار في جواز شربه ما لم يتغير، فان
تغير بالنشيش لم يشرب».
و في الدروس «و لا يحرم المعتصر من الزبيب ما
لم يحصل فيه نشيش، فيحل طبيخ الزبيب على الأصح، لذهاب ثلثيه بالشمس غالبا، أو
خروجه عن مسمى العنب، و حرمه بعض مشايخنا المعاصرين» إلى آخره، بل في آخر كلامه ما
هو كالصريح
29
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم غير عصير العنب من التمر و الزبيب و الحصرم و غيرها ؛ ج6، ص : 20
في صيرورته بذلك فقاعا.
نعم يظهر منه في اللمعة كحدود الكتاب و
القواعد و التحرير و الإرشاد و غيرها انفكاك الإسكار عن الغليان بنفسه و نحوه، و
لذا جعلوا مدار الحرمة على الأول دون الثاني، إلا أنك قد عرفت ظهور الأخبار في
حرمته بالثاني، و لعله لتحقق الإسكار الخفي فيه و لو بالكثير، بل يقوى في النظر
كما لعله الظاهر من عبارة السرائر و غيرها عدم حله بعد ذلك بذهاب الثلثين.
نعم يحل بصيرورته خلا كالخمر، كما يومي اليه خبر
الساباطي «1» المتقدم سابقا في الاستدلال لابن حمزة كخبر
الهاشمي «2» بل يظهر من السرائر و المحكي من عبارة والد الصدوق أيضا
ذلك بالنسبة إلى عصير العنب إذا نش بنفسه، كما هو صريح الوسيلة، فأحله بذهاب
الثلثين، لكن إطلاق الأصحاب كالنصوص «3» الحل
بذهابهما ينافيه، اللهم إلا أن ينزل ذلك على خصوص المغلي بالنار مثلا لا بنفسه،
لدخوله تحت الخمر حينئذ، فلا يطهر به إلا أن صريح جماعة أو كالصريح عدم الفرق في
الحل بذلك بين الغليان بالنار و نفسه.
و كيف كان فقد ظهر لك ضعف التمسك بأخبار
النبيذ على ما نحن فيه، كالتمسك بخبر سؤال إبليس من حواء إطعام التمر و الكرم «4»، بل لعل
تأمله يشهد للمطلوب، فلاحظ و تأمل، و كذا قد ظهر مما قدمناه سابقا ما في الدعوى
الأخيرة من احتمال تحقق الإسكار في المغلي من عصير التمر قبل ذهاب الثلثين، و ان
الوجدان و غيره شاهدا عدل على نفيه، اللهم إلا أن يريد بالكثير ما يشرف الإنسان
على الموت، و هو كما ترى، فبان بحمد الله حينئذ حل عصير التمر المغلي بالنار و ان
لم يذهب ثلثاه، من غير
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 2.
(2) الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 4.
(3) الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة
المحرمة.
(4) الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 3.
30
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم العصير الزبيبي إذا غلى ؛ ج6، ص : 31
فرق بين الرطب منه و التمر، و ان حكي عن غاية
المرام الفرق، فجعل الأول خاصة كالعنب، لكن لم نعرف له مأخذا سوى ما سمعته من
التعليل لحل عصير الزبيب بأنه قد ذهب ثلثاه بالشمس، و هو كما ترى.
خلافا لظاهر الشيخ في التهذيب و محتمل السرائر
أو ظاهرها و عن صريح الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني و السيد نعمة الله و
مولانا أبي الحسن و الأستاذ الأكبر و غيرهم، فاعتبروا في حل التمري ذهاب الثلثين
كالعنب، مستظهرا له الأخير من الصدوق و الكليني أيضا، بل و من غيرهم، بل قد تعطي
بعض كلماته دعوى الاتفاق عليه قبل زمن الفاضلين، لكنه ليس كذلك على الظاهر، و لعله
أخذه من نصهم على حرمة النبيذ، و قد عرفت أنه ليس مما نحن فيه، أو إطلاق بعضهم
حرمة العصير، و قد عرفت أن الظاهر منه العنبي، و نسأل الله تعالى أن يوفقنا لإتمام
الكلام، و إنهاء المرام في غير المقام، و ان كان قد وفق هنا لذلك المهم من النقض و
الإبرام على غير أهبه له و استعداد عدا التوكل على رب العباد.
[في حكم العصير الزبيبي إذا غلى]
و منه ظهر ضعف القول بنجاسته حينئذ، كضعفه
بالنسبة للزبيبي أيضا، للأصل و العمومات و ترك الإشارة في شيء من الأدلة إليه،
سيما مع عموم البلوى به و كثرة استعماله، بل قد يومي التأمل في ترك ذلك في بعضها،
كالمشتمل منها على كيفية عمله إلى عدمه.
و دفع ذلك كله- بكونه عنبا جففته الشمس فينجس
عصيره حينئذ بناء عليه، و باستصحاب حكمه حال عنبيته و ان تغير الاسم بعد بقاء
الحقيقة، إذ لا تقييد فيما دل على حجيته بعدم تغيره، بل يشهد لعدمه حكم الحنطة و
القطن و الطين بعد صيرورتها دقيقا و عجينا و خبزا و غزلا و ثوبا و لبنا بل و خزفا
و آجرا، و لا ينافيه معروفية تبعية الأحكام للأسماء، إذ المراد انتفاء الحكم من
جهة الاسم بانتفاء الاسم في مقابلة بطلان القول بالقياس، أي التعدي عن المسمى
الجامع، أو القول بثبوت حكم حالة سابقه من
31
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم العصير الزبيبي إذا غلى ؛ ج6، ص : 31
أحوال الماهية بثبوته في حالة أخرى لاحقة،
كتحريم الحصرمي بتحريم العنبي، أو القول بثبوته مع تبدل الحقيقة و الماهية كالكلب
يصير ملحا، و إلا فليس المراد انتفاء الحكم بانتفاء التسمية مطلقا و لو بدليل آخر
شرعي، كآية أو إجماع أو استصحاب، فان التخصيص بالذكر لا يقتضي التخصيص بالحكم إلا بمفهوم
اللقب الذي ليس بحجة عندنا، فالاسم حينئذ كشف عن تعلق الحكم بالماهية و الحقيقة
التي لم تنتف بانتفائه هنا بشهادة عدم طهر العنب لو تنجس بالزبيبية- واضح الفساد،
إذ الأول قياس، بل من الباطل منه أو راجع إلى الثاني الذي «1» يدفعه أولا
منع عدم كون ما نحن فيه من تبدل الحقيقة، و عدم طهارة العنب المتنجس بالزبيبية
لعله لا لعدم انتفاء الحقيقة، بل لعدم كون مدار نجاسته الاسم حتى يطهر بانتفائه
انما هو لكونه جسما لاقى نجاسة فينجس بها، و الجسمية لم تذهب بالزبيبية قطعا، و
كذا البحث في طهارة كل متنجس بالاستحالة، و ثانيا ظهور تعليق الحكم على الاسم في
دورانه على مسمى ذلك الاسم، لا حقيقته المعتورة عليها بسبب أحوالها أسماء مختلفة،
فإن تلك لم يوضع لها اللفظ، فلا يستفاد حكمها منه، و الأمثلة السابقة مما علم تعلق
الحكم فيها على الحقيقة التي لم تنتف بانتفاء الاسم، و لذا ثبت الحكم فيها مع
انتفائه، بخلاف ما هنا، فلم يثبت، و ليس من حجية مفهوم اللقب في شيء، إذ لا دلالة
فيه على نفي الحكم عن غير المسمى، بل هو بحسب الأدلة من الأصول و غيرها، و من هنا
اشتهر عندهم تبعية الحكم للاسم، و انه لا استصحاب مع تغير الموضوع، بل كان جريان
الاستصحاب في نحو ما نحن فيه و دعوى شمول أدلته من منكرات أهل هذا الفن، بل قد
يندرج في قسم القياس المحرم.
و احتمال القول ان الاستصحاب انما هو لنفي
احتمال مدخلية بقاء مسمى الاسم
______________________________
(1)
ليس في النسخة الأصلية لفظة «الذي» و الصحيح ما أثبتناه.
32
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم العصير الزبيبي إذا غلى ؛ ج6، ص : 31
و أمثاله في الحكم، بل لا استصحاب إلا و هو
لنفي الشك في اعتبار الحال الأول في العلة التامة للحكم المستصحب يدفعه وضوح الفرق
بين الحال المستفاد من تعليق الحكم على الاسم و نحوه و بين غيره، لظهور دخوله في
موضوع الحكم بخلافه.
و من ذلك كله يظهر لك أنه لا وجه للاستدلال
بهذا الاستصحاب على حرمة عصيره في مقابلة المعروف من القول بالحل بين الفاضلين و
من تأخر عنهما، و ان اعتمده العلامة الطباطبائي في مصابيحه في اختياره لها بعد أن
تجشم ثبوت شهرة القول بها بين الأصحاب أو بين القدماء كشهرة الحل بين المتأخرين،
حتى انه أنكر على من نسب الحل إلى المشهور على الإطلاق، و هو و إن كان قد دقق
النظر و أجاد، و جاء بفوق ما هو المراد، بل بما لم يسبقه إليه أحد من الأطواد.
لكن في جملة مما استنبطه من قول العلماء في
تحقيق هذه الشهرة نظر و تأمل، كما عرفته من النظر في استدلاله عليها بالاستصحاب،
بل و استدلال غيره أيضا عليها بأخبار العصير و النبيذ و نحوهما مما تقدم في
التمري، لما مر فيه، و كذا استدلال القائلين بالحلية ب
صحيحة أبي بصير «1» «كان
الصادق (عليه السلام) يعجبه الزبيبية»
و بذهاب ثلثيه و زيادة بالشمس، لما في الأولى
من إجمال الكيفية المنافي للاستدلال على ما نحن فيه من العصيرية، و لعدم الاعتداد
بالثاني بعد تسليمه إذا لم يتعقب نشيشا و غليانا، و دعوى حصولهما و صدق مسماهما
عرفا و لو في وسط العنب كما ترى، و قضيته حرمة العنب لو وضع أياما في الشمس قبل أن
يصير زبيبا.
نعم يتجه الاستدلال على الثانية بالأصول و
العمومات و نحوهما على حسب ما مر في التمري.
كما انه يتجه على الأولى ب
موثقة الساباطي «2» «وصف لي
الصادق (عليه السلام)
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1 و فيه «الزبيبة».
(2) الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 2.
33
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم العصير الزبيبي إذا غلى ؛ ج6، ص : 31
المطبوخ كيف يطبخ حتى يصير حلالا، فقال:
تأخذ ربعا من زبيب و تنقيه و تصب عليه اثني عشر رطلا من ماء، ثم تنقعه ليلة، فإذا
كان أيام الصيف و خشيت أن ينش جعلته في تنور مسجور قليلا حتى لا ينش، ثم تنزع
الماء منه كله حتى إذا أصبحت صببت عليه من الماء بقدر ما يغمره- إلى أن قال-: ثم
تغليه بالنار، و لا تزال تغليه حتى يذهب الثلثان و يبقى الثلث»
الحديث.
ك
موثقته الأخرى «1» «سئل عن الزبيب
كيف طبخه حتى يشرب حلالا، فقال: تأخذ ربعا من زبيب تطرح عليه اثني عشر رطلا من
ماء، ثم تنقعه ليلة، فإذا كان من الغد نزعت سلافته، ثم تصب عليه الماء قدر ما
يغمره، ثم تغليه بالنار غلية، ثم تنزع ماءه، فتصبه على الماء الأول، ثم تطرحه في
إناء واحد جميعا، ثم توقد تحته النار حتى يذهب ثلثاه و يبقى الثلث و تحته النار،
ثم تأخذ رطلا»
الحديث.
بل قد يومي اليه مرسلا الهاشمي «2» و إسحاق بن
عمار «3» عن الصادق (عليه السلام) و نزاع
إبليس في الكرم «4» إلى أن جعل له الثلثان الشامل للعنب و الزبيب، ك
خبر علي بن جعفر «5» عن أخيه
(عليه السلام) «سألته عن الزبيب هل يصلح أن يطبخ حتى يخرج طعمه، ثم يؤخذ ذلك
الماء فيطبخ حتى يذهب ثلثاه و يبقى الثلث، ثم يرفع و يشرب منه السنة، قال: لا بأس
به».
بل هو صريح
خبر زيد النرسي «6» و زيد
الزراد «7» عن الصادق (عليه السلام) «في الزبيب يدق و
يلقى في القدر و يصب عليه الماء، قال: حرام إلا أن يذهب ثلثاه،
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 3.
(2) الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 4.
(3) الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 5.
(4) الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 5.
(5) الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 2.
(6) المستدرك- الباب- 2- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 1.
(7) المستدرك- الباب- 2- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 1.
34
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم العصير الزبيبي إذا غلى ؛ ج6، ص : 31
قلت: الزبيب كما هو يلقى في القدر، قال: هو
كذلك سواء، إذا أدت الحلاوة إلى الماء فقد فسد، كلما غلى بنفسه أو بالنار فقد حرم
إلا أن يذهب ثلثاه».
لكن و مع ذلك كله فقطع الأصول و العمومات
خصوصا مع ظهور أكثر الأخبار المعتبرة في دوران الحكم على الإسكار و عدمه بمثل هذه
لا يخلو من نظر و تأمل، سيما مع ما في سند الأولى من الترديد بين الإرسال و عدمه،
و فيه و في سند الثانية من معروفية البحث في «محمد» الواقع في أوائل سند الكافي، و
ما قيل في «عمار» من أنه منفرد برواية الغرائب، و متنهما من احتمال ما سمعته في
النضوح من إرادة تعليم الشرب الذي لا يتغير بالاسكار لو خلط به غيره، بل ربما يومي
اليه ملاحظتهما، بل كاد يكون ظاهر الثالثة مع ضعف الإيماء فيها إلى ما نحن فيه جدا
كالمرسلين و خبر منازعة إبليس بل و خبر علي بن جعفر، سيما مع قوله: «و يشرب منه
السنة» و خبر النرسي و الزراد، مع انه ليس في الكتب الأربعة، بل عن الشيخ في
الفهرست أن لهما أصلين لم يروهما محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، و قال في
فهرسته: «لم يروهما محمد بن الحسن بن الوليد، و كان يقول: هما موضوعان، و كذلك
خالد بن عبد الله بن سدير، و كان يقول وضع هذه الأصول محمد بن موسى الهمداني»
انتهى.
و هو و إن أمكن معارضته برواية ابن أبي عمير
لهما، مع أن في «جش» للنرسي كتاب يرويه جماعة، و بما عن ابن الغضائري انه غلط أبو
جعفر في هذا القول، فإني رأيت كتبهما مسموعة من محمد بن أبي عمير، لكن في الخلاصة
أنه «و إن كان ما عن الصدوق ليس طعنا في الرجلين إلا أني لما لم أجد لأصحابنا
تعديلا لهما و لا طعنا فيهما توقفت عن قبول روايتهما» انتهى.
كل ذا مع عدم تحقق الشهرة الجابرة لشيء من
ذلك، بل لعل الموهنة محققة، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه بحال.
35
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم العصير الزبيبي إذا غلى ؛ ج6، ص : 31
ثم انه لا فرق على الظاهر في العصير بين مزجه
بغيره و عدمه، للصدق و الاستصحاب، بل نسبه في الحدائق إلى إطلاق الأخبار و كلام
الأصحاب، و هو كذلك خصوصا لو مزج بعد الغليان قبل ذهاب الثلثين، من غير فرق بين
عصيري التمر و الزبيب و العنبي، بل في خبر النضوح و ذيل الموثقين و غيرهما إيماء
إليهما أو ظهور فيه.
نعم قد يقوى في النظر كما عن الأردبيلي الميل
اليه عدم البأس في المستهلك منهما، بل و من العنبي، بناء على عدم نجاسته كما فيما
يحرم من غيرها، و إلا لوجب اجتناب شرب الكثير من الماء بوقوع قطرة خمر و نحوه.
لكن قد ينافي ذلك
المروي «1» في
مستطرفات السرائر من كتاب مسائل الرجال عن أبي الحسن علي بن محمد (عليهما السلام) «ان محمد
بن عيسى كتب اليه عندنا طبيخ يجعل فيه الحصرم، و ربما يجعل فيه العصير من العنب، و
انما هو لحم يطبخ به، و قد روي عنهم (عليهم السلام) في العصير انه إذا جعل على
النار لم يشرب حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه، فإن الذي يجعل في القدر من العصير بتلك
المنزلة، و قد اجتنبوا أكله إلى أن يستأذن مولانا في ذلك، فكتب بخطه لا بأس بذلك».
و ربما يؤيده عدم ظهور الأدلة في الممتزج
الخارج بالامتزاج إلى اسم آخر بعض أجزائه العصير، لكن في الحدائق «أن الخبر ظاهر
في أن حكم العصير مطبوخا مع غيره حكمه منفردا، و كان السائل توهم اختصاص الحكم
المذكور بالعصير منفردا و شك في جريان ذلك فيه إن طبخ مع غيره، لأن ظاهر قوله:
«يجعل في القدر من العصير بتلك المنزلة»- يعني يذهب ثلثاه كما روي، فأجابه بنفي
البأس مع ذهاب الثلثين- إشارة
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1 و في الوسائل «محمد ابن
علي بن عيسى» و هو الصحيح.
36
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم عصير الفواكه و الثمار ؛ ج6، ص : 37
إلى أن هذا الحكم ثابت له مطلقا منفردا أو مع
غيره» انتهى. و هو لا يخلو من نظر.
هذا كله في الامتزاج بعد تحقق العصيرية في
العنب و التمر و الزبيب، أما لو ألقي عنب أو زبيب أو تمر في الماء الملقى فيه
غيرها، فان كان قبل تحقق الإضافة في الماء فالظاهر اتحاد حكمه مع السابق، بل لعله
بعض صور الامتزاج سيما بالنسبة للعنب، و ان كان بعدها ففي اللحوق بالنسبة للأخيرين
إشكال، لظهور الأدلة فيما إذا خرج سلافتهما بالماء المطلق و غلى.
و منه حينئذ يظهر الإشكال في باقي المائعات،
بل هي أقوى إشكالا منه، خصوصا في مثل الدهن، لما
ورد «1» «ان الصادق (عليه
السلام) أكل دجاجة مملوة خبيصا»
و هو كما عن القاموس المعمول من التمر و
السمن، و ان كان في ظهوره بما نحن فيه تأمل.
و ربما يظهر مما عن العلامة في أجوبة المهنا
بن سنان عدم الالتفات إلى التفصيل، قال بعد أن سئل عن طبخ حب الرمان بالعصير من
الزبيب أو العنب ما هذا لفظه:
«أما ما سمي عصيرا فالوجه في غليانه اعتبار
ذهاب ثلثيه، و أما الزبيب فالأقرب إباحته مع انضمامه إلى غيره، لأن الناس في جميع
الأزمان و الأصقاع يستعملونه من غير إنكار أحد منهم» انتهى. و تمام البحث في تنقيح
هذه المسائل في كتاب الأطعمة و الأشربة، نسأل الله التوفيق.
[في حكم عصير الفواكه و الثمار]
و لا إشكال في طهارة و حل ما اعتصر من المياه
من غير ثمرتي الكرم و النخل من الفواكه و الثمار و البقول لو نشت و غلت، و كذا
الربوبات و الأطعمة المتخذة من غيرها، بل في مصابيح العلامة الطباطبائي، إجماع العلماء
على ذلك، للأصل و عمومات الكتاب و السنة، و عدم السكر بالكثير منهما، و ما ورد من
المعتبرة في كثير منها كخبري
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 35- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
37
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
التاسع الفقاع ؛ ج6، ص : 38
ابن أحمد المكفوف «1» و غيرهما «2» المذكورة في
الكتاب المزبور «3».
بل و كذا لا إشكال في المعتصر من ثمرة الأول
إذا لم يكن زبيبا أو عنبا و لا مسكرا كالحصرم، للأصول و العمومات، و ان حكي التوقف
فيه عن بعض المحدثين من البحرانيين لصدق العصير، و لما يومي اليه نزاع إبليس مع
آدم (عليه السلام) في شجرة الكرم إلى أن جعل له الثلثين الشامل للحصرم، لكنه في
غاية الضعف، كاحتمال التوقف في عصير المطبوخ من ثمرة النخل إذا لم يكن بسرا أو
تمرا، و الله أعلم.
[التاسع الفقاع]
التاسع الفقاع إجماعا محصلا و
منقولا صريحا في الانتصار و المنتهى و التنقيح و جامع المقاصد و عن الخلاف و
الغنية و المهذب البارع و كشف الالتباس و إرشاد الجعفرية، و ظاهرا في التذكرة و عن
المبسوط و غيرهما، مؤيدا بالحكم بخمريته في المعتبرة المستفيضة «4» التي كادت
تبلغ التواتر و لو كان على وجه المجاز، بل في بعضها «5» هو الخمر
بعينها، مضافا الى
خبر أبي جميلة البصري «6» قال: «كنت مع
يونس ببغداد، و أنا أمشي في السوق، ففتح صاحب الفقاع فقاعه، فقفز فأصاب يونس
فرأيته قد اغتم لذلك حتى زالت الشمس، فقلت: يا أبا محمد إلا تصلي؟ فقال: ليس أريد
أن أصلي حتى أرجع إلى البيت فأغسل هذا الخمر من ثوبي، فقلت له: هذا رأي رأيته أو
شيء ترويه، فقال:
أخبرني هشام بن الحكم أنه سأل الصادق (عليه
السلام) عن الفقاع، فقال: لا تشربه فإنه خمر مجهول، فإذا أصاب ثوبك فاغسله».
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 29- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1 و 2.
(2) الوسائل- الباب- 29- من أبواب الأشربة
المحرمة.
(3) أي كتاب الأطعمة (منه رحمه الله).
(4) الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأشربة
المحرمة.
(5) الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 8.
(6) التهذيب- ج 1 ص 282 من طبعة النجف.
38
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
التاسع الفقاع ؛ ج6، ص : 38
و ضعف سنده بعد انجباره بما عرفت غير قادح،
فما في المدرك من التأمل و التوقف فيه لذلك في غير محله، كالمحكي عن الجعفي بحل
بعض الفقاع المستلزم لطهارته حينئذ، لكن يمكن تنزيله على غير ما نحن فيه، كما يومي
اليه ما في الذكرى «انه نادر لا عبرة به، مع منع تسمية ما وصفه فقاعا» انتهى.
و المرجع فيه كأمثاله العرف و العادة التي لم
يعلم حدوثهما و لو بسبب العلم بحدوث خصوصية هذا الشراب، لكنه في مجمع البحرين «انه
شيء يشرب يتخذ من ماء الشعير فقط، و ليس بمسكر» كما عن المدنيات «انه شراب معمول
من الشعير» و في الانتصار «انه كان يعمل منه و من القمح» و عن مقداديات الشهيد
«كان قديما يتخذ من الشعير غالبا، و يصنع حتى يحصل فيه النشيش و القفزان، و كأنه
الآن يتخذ من الزبيب و يحصل فيه هاتان الخاصتان».
قلت: ربما يشكل حينئذ جريان حكم الفقاع عليه
من حيث الفقاعية بعدم تناول الإطلاق له و عدم انصرافه اليه بعد فرض اعتياد غيره
سابقا، نعم قد يحكم بنجاسته بناء على ما قدمناه سابقا في العصير، و التسمية بعد
العلم بالحدوث لا تجدي.
و دعوى انها كاشفة عن وضع اللفظ للقدر المشترك
قديما، فلا يقدح عدم وجود هذا الفرد في ذلك الزمان لا شاهد عليها، بل قد يجري هذا
الإشكال أيضا في المشكوك في وجوده في ذلك الزمان، للشك في تناول الإطلاق له حينئذ،
بل أصالة تأخر الحادث تقضي بعدم وجوده فيه، و التمسك في وجوده سابقا بوجوده لاحقا
راجع الى الاستصحاب المعكوس، كالتمسك بصحة الإطلاق لا حقا فيه و في معلوم الحدوث
أيضا عليه سابقا، و أصالة الحقيقة منضمة إلى أصالة عدم الاشتراك و النقل لا صلاحية
لها في إثبات ما نحن فيه، فتأمل جيدا فان المقام من المشكلات مع انه كثير الثمرات.
و كذا قد يشكل ما في جامع المقاصد و كذا الروض
من أن المراد بالفقاع المتخذ
39
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
التاسع الفقاع ؛ ج6، ص : 38
من ماء الشعير كما ذكره المرتضى، لكن ما يوجد
في أسواق أهل السنة يحكم بنجاسته إذا لم يعلم أصله، عملا بإطلاق التسمية، انتهى.
بأن إطلاق التسمية بعد فرض تحقق الفردين الطاهر و النجس لا يجدي في تنجيس مستصحب
الطهارة بل و لا خصوص الفقاع، إذ هو من مشتبه الموضوع حينئذ، و أصالة الحقيقة بعد
تسليم جريانها هنا لا مدخلية لها فيما نحن فيه.
و كذا قد يشكل إطلاقهم نجاسة الفقاع و حرمته ب
صحيحة ابن أبي عمير «1» عن مرازم
قال: «كان يعمل لأبي الحسن (عليه السلام) الفقاع في منزله»
قال محمد ابن أحمد: قال أبو أحمد يعني ابن أبي
عمير: «و لم يعمل فقاع يغلي» و
خبر عثمان «2» قال: «كتب عبد
الله بن محمد الرازي إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) إن رأيت أن تفسر لي الفقاع
فإنه قد اشتبه علينا، أ مكروه هو بعد غليانه أم قبله؟ فكتب اليه لا تقرب الفقاع
إلا ما لم تضري آنيته و كان جديدا، فأعاد الكتاب اليه اني كتبت أسأل عن الفقاع ما
لم يغل، فأتاني أن أشربه ما كان في إناء جديد و غير ضار، و لم أعرف حد الضراوة و
الجديد، و سأل أن يفسر ذلك له، و هل يجوز شرب ما يعمل في الغظارة و الزجاج و الخشب
و نحوه من الأواني؟ فكتب يفعل الفقاع في الزجاج و في الفخار الجديد إلى قدر ثلاث
عملات، ثم لا تعد منه بعد ثلاث عملات إلا في إناء جديد، و الخشب مثل ذلك»
الحديث. حيث أنبأ عن حلية بعض أفراد الفقاع.
قلت: لكن قد يدفع بمنع تسمية نحو ذلك فقاعا
حقيقة، لاعتبار النشيش و القفزان بنفسه في مفهومه، كما انه قد يمنع صدقه على ما
يستعمله الأطباء في زماننا هذا من ماء الشعير، لعدم وجود خاصيتيه فيه على الظاهر.
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 39- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.
(2) الوسائل- الباب- 39- من أبواب الأشربة المحرمة-
الحديث 2.
40
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
العاشر الكافر ؛ ج6، ص : 41
ثم انه لا يخفى عدم دوران الحكم نجاسة و حرمة
على الإسكار كما صرح به بعضهم، و يعطيه ظاهر آخرين، لا طلاق الأدلة و ترك
الاستفصال فيها سيما بعد الاستفصال عنه بالنسبة للنبيذ، نعم لا يبعد كون ذلك
منشأهما عند الشارع و لو بالكثير منه في بعض الأحوال، و الله أعلم.
[العاشر الكافر]
العاشر الكافر إجماعا في التهذيب و
الانتصار و الغنية و السرائر و المنتهى و غيرها و ظاهر التذكرة بل في الأول من
المسلمين، لكن لعله يريد النجاسة في الجملة، لنص الآية الشريفة «1» و ان كانت
العامة يؤلونها بالحكمية لا العينية، نعم هي كذلك عندنا من غير فرق بين اليهود و
النصارى و غيرهم، كما هو صريح معقد إجماع المرتضى و ظاهر غيره بل صريحه، و لا بين
المشرك و غيره، و لا بين الأصلي و المرتد، و لعل ما عن غرية المفيد من الكراهة في
خصوص اليهود و النصارى يريد بها الحرمة، كما يؤيده اختياره لها في أكثر كتبه على
ما قيل، و عدم معروفية حكاية خلافه كنقل الإجماع من تلامذته، مع انه المؤسس
للمذهب.
و ما عن موضع من نهاية الشيخ- «و يكره أن يدعو
الإنسان أحدا من الكفار إلى طعامه فيأكل معه، فان دعاه فليأمر بغسل يديه ثم يأكل
معه إن شاء»- محمول كما عن نكت المصنف على المؤاكلة باليابس أو الضرورة، و غسل
اليد لزوال الاستقذار النفساني الذي يعرض من ملاقاة النجاسة، أو على ما ذكره ابن
إدريس في السرائر من أنه أورد الرواية الشاذة إيرادا لا اعتقادا، و يؤيدهما- مضافا
إلى نفي الخلاف بيننا في نجاسة غير اليهود و النصارى من المصنف في المعتبر و غيره-
تصريحه قبل ذلك فيها، بل قيل في غير موضع منها بنجاسة الكفار على اختلاف مللهم.
______________________________
(1)
سورة التوبة الآية- 28.
41
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
نجاسة أهل الكتاب ؛ ج6، ص : 42
و أما ما عن مختصر ابن الجنيد- من أنه لو تجنب
من أكل ما صنعه أهل الكتاب من ذبائحهم و في آنيتهم، و كذلك ما وضع في أواني مستحل
الميتة و مؤاكلتهم ما لم يتيقن طهارة أوانيهم و أيديهم كان أحوط- فهو- مع عدم
صراحته أيضا بل و لا ظهوره عند التأمل- غير قادح فيما ذكرنا بعد مرفوضية أقواله
عندنا، لما قيل من عمله بالقياس، كالمحكي عن ابن أبي عقيل من عدم نجاسة سؤر اليهود
و النصارى، مع أنه لعله لعدم نجاسة القليل عنده بالملاقاة، إذ السؤر عند الفقهاء
على ما قيل الماء القليل الذي لاقاه فم حيوان أو جسمه، بل قد يشعر تخصيصه عدم
النجاسة بالسؤر بموافقته فيها في غيره، فلا خلاف حينئذ يعتد به بيننا في الحكم
المزبور، بل لعله من ضروريات مذهبنا.
و لقد أجاد الأستاذ الأكبر بقوله: «إن ذلك
شعار الشيعة، يعرفه منهم علماء العامة و عوامهم و نساؤهم و صبيانهم، بل و أهل
الكتاب فضلا عن الخاصة».
و يدل عليه مضافا إلى ذلك قوله تعالى «1» «إِنَّمَا
الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ» المتمم دلالتها- حيث تضمنت لفظ النجس الذي لم يعلم إرادة
المعنى الاصطلاحي منه، أو اختصت بالمشرك- بظهور إرادة الاصطلاحي هنا و لو بالقرائن
الكثيرة التي منها تفريع عدم قربهم المساجد الذي لا يتجه إلا عليه، على أن النجاسة
اللغوية مع منع تحققها في المترفين منهم ليست من الوظائف الربانية، و احتمال إرادة
الخبث الباطني من النجاسة- كما اختاره بعض الناس ممن لا نصيب له في مذاق الفقه
تبعا للعامة العمياء- ضروري الفساد، مع أنها ليست من المعاني المعهودة المعروفة
للفظ النجاسة.
[نجاسة أهل الكتاب]
و بعدم القول بالفصل بين المشرك و غيره منهم،
كالمحكي في الغنية و الرياض إن لم نقل بتعارف مطلق الكافر من المشرك، أو لما يشمل
اليهود و النصارى، لقوله تعالى «2»: «وَ قٰالَتِ
الْيَهُودُ عُزَيْرٌ- إلى قوله تعالى:- عَمّٰا يُشْرِكُونَ» و لما يشعر
به
______________________________
(1)
سورة التوبة- الآية 28.
(2) سورة التوبة- الآية 30.
42
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
نجاسة أهل الكتاب ؛ ج6، ص : 42
قوله تعالى لعيسى (ع) «1» «أَ أَنْتَ
قُلْتَ لِلنّٰاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلٰهَيْنِ؟» من شركهم أيضا و
لقولهم «2» أيضا: «إنه ثٰالِثُ ثَلٰاثَةٍ» المشعر بكونه عند
اليهود ثاني اثنين، و غير ذلك.
و كذلك المجوس، لما قيل إنهم يقولون بإلهية
يزدان و النور و الظلمة، كتتمة ما دل على نجاسة المجوس به أيضا من صحيح علي
بن جعفر «3» و محمد بن مسلم «4» و موثق سعيد
الأعرج «5» و غيرها «6» و ما دل على
نجاسة خصوص اليهود و النصارى أيضا من المعتبرة «7» و هي و إن
كان في مقابلها أخبار «8» دالة على الطهارة، و فيها الصحيح و
غيره، بل هي أوضح من تلك دلالة، بل لولا معلومية الحكم بين الإمامية و ظهور بعضها
في التقية لاتجه العمل بها، لكن لا ينبغي أن يصغى إليها في مقابلة ما تقدم، و إن
أطنب بعض الأصحاب في البحث عنها و تجشم محامل لها يرجح الطرح عليها فضلا عن
التقية.
كما انه لا ينبغي الإصغاء للاستدلال على
الطهارة أيضا بقوله تعالى «9» «وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ، وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ» بعد ورود الأخبار
المعتبرة «10» و فيها الصحيح و الموثق و غيرهما، بإرادة العدس و الحبوب
و البقول من الطعام، سيما مع تأييدها بما عن المصباح المنير أنه «إذا أطلق أهل
الحجاز الطعام عنوا به البر خاصة» و ما عن
______________________________
(1)
سورة المائدة- الآية 116.
(2) سورة المائدة- الآية 77.
(3) الوسائل- الباب- 14- من أبواب النجاسات-
الحديث 6.
(4) الوسائل- الباب- 14- من أبواب النجاسات-
الحديث 1.
(5) الوسائل- الباب- 14- من أبواب النجاسات-
الحديث 8 و ليس فيه سؤال عن المجوسي.
(6) الوسائل- الباب- 14- من أبواب النجاسات.
(7) الوسائل- الباب- 14- من أبواب النجاسات.
(8) الوسائل- الباب- 53- من أبواب الأطعمة
المحرمة.
(9) سورة المائدة- الآية 7.
(10) الوسائل- الباب- 26- من أبواب الذبائح-
الحديث 1 و 6 و الباب 27 الحديث 46 من كتاب الصيد و الذبائح.
43
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
حكم أولاد الكفار ؛ ج6، ص : 44
المغرب «أن الطعام اسم لما يؤكل، و قد غلب على
البر» بل عن ابن الأثير عن الخليل «ان الغالب في كلام العرب أنه البر خاصة» إلى
غير ذلك مما حكي عنهم مما يقتضي اختصاصه بالبر.
و قد يشهد له
حديث أبي سعيد «1» «كنا نخرج
الصدقة الفطرة على عهد رسول الله (صلى الله عليه و آله) صاعا من طعام أو صاعا من
شعير»
لكن قد ينافي ذلك إضافة الطعام إلى الذين
أوتوا الكتاب، فمن هنا كان حمل الطعام في الآية الكريمة على مضمون الأخبار السابقة
متجها، بل لا يبعد إرادة طعامهم المنزل عليهم، كالمن و السلوى، و الذي دعا الله
لهم موسى بأن تنبته الأرض لهم من العدس و الفوم و نحوهما، و كيف كان فتطويل البحث
في المقام تضييع للأيام في غير ما أعدها له الملك العلام.
[حكم أولاد الكفار]
و يلحق بالكافر ما تولد منه، كما في ظاهر
الموجز و صريح التذكرة و الذكرى و كشف الالتباس و شرح المفاتيح للأستاذ و منظومة
الطباطبائي و عن المبسوط و الإيضاح و نهاية الأحكام، بل لا أجد فيه خلافا، بل في
شرح الأستاذ نسبته للأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه حتى لو بلغ مجنونا، و هو
الحجة إن تم في قطع الأصول و العمومات، و لعله كذلك، كما يومي اليه تسالمهم على
نحوه من أحكام التبعية فيه و في ولد المسلم، كالأسر و الاسترقاق و نحوهما، كذكر
الحكم به هنا ممن تعرض له على جهة الجزم و القطع من غير تردد و إشكال، كباقي
المسائل المسلمة عدا العلامة في النهاية، فقال: «الأقرب التبعية» مما يشعر بعدم
قطعية الحكم عنده، و لعله لذا و سوس فيه بعض متأخري المتأخرين، إلا أنه في غير
محله، لعدم قدح ذلك في القطع بالتبعية المذكورة المستفاد مما عرفت.
بل في النصوص إشارة اليه، ك
صحيح عبد الله بن سنان «2» «سأل
الصادق
______________________________
(1)
تيسير الوصول- ج 2- ص 130 و فيه
«كنا نخرج زكاة الفطرة.»
. (2) البحار- ج 5 ص 295 المطبوعة بطهران
عام 1276.
44
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
حكم أولاد الكفار ؛ ج6، ص : 44
(عليه السلام) عن أولاد المشركين يموتون قبل
أن يبلغوا الحنث، قال: كفار، و الله أعلم بما كانوا عاملين، يدخلون مداخل آبائهم»
و
خبر وهب بن وهب «1» عن جعفر
ابن محمد عن أبيه (عليهما السلام) «أولاد المشركين مع آبائهم في النار، و
أولاد المسلمين مع آبائهم في الجنة»
كالمرسل عن الكافي «2» «فأما
أطفال المؤمنين فإنهم يلحقون آباءهم، و أولاد المشركين يلحقون آباءهم، و هو قول الله
عز و جل «3» بِإِيمٰانٍ أَلْحَقْنٰا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ» الآية.
و لا ينافي ذلك ما ورد في غير
واحد من الأخبار «4» من تأجيج النار للأطفال في يوم القيامة
فيؤمرون بالدخول إليها ليعرف المطيع منهم و العاصي، لا مكان حملها كما في الحدائق-
بعد تسليم العمل بها، لمنافاتها للطف، و لما قد يدعى القطع به من انقطاع التكليف
في تلك الدار- على كون الداخلين أطفال المؤمنين، و الممتنعين أطفال الكافرين، و
على تنزيل هذا الاختبار و الامتحان لغير أولاد المشركين و المؤمنين، بل هو لأطفال
المسلمين الذين يحاسبون آباؤهم، و أما أولئك فينساقون إلى الجنة و النار تبعا
لآبائهم من غير حساب، كما مال إليه في الحدائق، و عن الوافي الجمع بينها بحمل
الأولى على الإلحاق في عالم البرزخ، و الثانية على عالم القيامة، و على كل حال فلا
ينافي ذلك الاستدلال بها على ما تقدم. نعم قد يناقش في دلالتها على المطلوب من جهة
أخرى.
و الانصاف ان العمدة الإجماع السابق في إثبات
الحكم المذكور، و إلا فالاستدلال عليه بذلك، أو بنجاسة أصلية، و باستصحاب نجاسته
حال كونه نطفة، و بقوله تعالى «5»:
______________________________
(1)
البحار- ج 5 ص 294 المطبوعة بطهران عام 1376.
(2) فروع الكافي- باب الأطفال- من كتاب
الجنائز- الحديث 3.
(3) سورة الطور- الآية 21.
(4) البحار- الباب- 13 من أبواب العدل-
الحديث 2 و 3 و 7 من كتاب العدل و المعاد.
(5) سورة نوح عليه السلام- الآية 28.
45
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
نجاسة منكر الضروري ؛ ج6، ص : 46
«لٰا يَلِدُوا إِلّٰا فٰاجِراً كَفّٰاراً» و نحوها كما
ترى، سيما بعد
قوله (صلى الله عليه و آله) «1»:
«كل مولود يولد على الفطرة».
نعم قد يمنع الإجماع المزبور في المتولد منهما
بغير النكاح الصحيح في حقه، اقتصارا على المتيقن منه في قطع الأصول و العمومات، و
ان كان لا يخلو من إشكال، كما يمنع فيما لو كان أحد أبويه مسلما، لتبعيته للأشرف
حينئذ، بل في شرح الأستاذ «انه الظاهر منهم، للأصل و غيره من الإجماع و الأخبار»
انتهى.
و لو جن بعد بلوغه عاقلا في فسحة النظر
ففي طهارته وجهان، أقواهما نعم، للأصل و العموم السالمين عن معارضة التبعية بعد
معلومية انقطاعها بالبلوغ عاقلا، فلا استصحاب لحكمها، بل لعل استصحاب الطهارة
حينئذ متجه، بناء على حصولها له في فسحة النظر كما هو الأقوى، للأصل و عدم صدق
الكافر،
[نجاسة منكر الضروري]
إذ ضابطه من خرج عن الإسلام بأن وصف
غيره و لو بالارتداد أو من انتحله و لكن جحد ما يعلم من
الدين ضرورة كالخوارج و الغلاة كما في الإرشاد و الدروس و الذكرى و البيان و
الروض و الروضة، بل لا أجد فيه خلافا، بل تحقق الكفر بالأول إجماعي أو ضروري بل و
بالثاني أيضا، بناء على أن سببية الكفر لاستلزامه إنكار الدين، و إلا فلا دليل على
تحقق الكفر به لنفسه، و من هنا لم يحكم بالكفر بإنكار جديد الإسلام و بعيد الدار و
نحوهما، بل و كل من علم أن إنكاره لشبهة، بل قيل و كل من احتمل وقوع الشبهة في
حقه، لعدم ثبوت الاستلزام المذكور في شيء منها الذي هو المدار في حصوله، و لذا لو
تحقق و لو بإنكار غير الضروري كالمقطوع به بالنظر حكم بكفر منكره أيضا مع فرض قطعه
به، و لعل مرادهم بالضروري ما يشمل ذلك على إرادة اليقيني و لو بالبرهان، أو أن
تخصيصهم الحكم بالضروري باعتبار الحكم الظاهري بكفره إذا كان ناشيا في بلاد
______________________________
(1)
أصول الكافي- ج 2 ص 13 من طبعة طهران.
46
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
نجاسة منكر الضروري ؛ ج6، ص : 46
الإسلام مما لا يحتمل الشبهة في حقه، فبمجرد
ظهور الإنكار منه يحكم بكفره، بخلاف النظري فلا يحكم بكفره بمجرد ذلك حتى يعلم انه
أنكر حال كونه قاطعا به.
و عليه ينزل إطلاق ما عن صلاة الروض من الحكم
بكفر منكر المجمع عليه كالضروري، و الى بعض ما ذكرنا يومي تقييد كشف اللثام كفر
منكر الضروري بما إذا علم انه من ضرورياته، كما أن أكثره صريح ما في مجمع البرهان
«المراد بالضروري الذي يكفر منكره الذي ثبت عنده يقينا انه من الدين و لو بالبرهان
و ان لم يكن مجمعا عليه، إذ الظاهر من دليل كفره هو إنكار الشريعة و إنكار صدق
النبي (صلى الله عليه و آله) مثلا في ذلك الأمر مع ثبوته يقينا، و ليس كل من أنكر
مجمعا عليه يكفر، بل المدار على حصول العلم و الإنكار و عدمه، إلا أنه لما كان
حصوله في الضروري غالبا جعل ذلك المدار، و حكموا به» انتهى.
قلت: لكن قد يقال: إن ذلك كله مناف لما عساه
يظهر من الأصحاب كالمصنف و غيره خصوصا من عبر بالإنكار منهم، و ان كان الظاهر
إرادته منه الجحود هنا من تسبيب إنكار الضروري الكفر لنفسه، حيث أناطوه به، حتى
نقل عن غير واحد منهم ظهور الإجماع عليه من غير إشارة منهم إلى الاستلزام المذكور،
بل ظاهر عطفهم إياه على السبب الأول للكفر عدمه، بل اقتصر بعضهم في ضابط أصل
الكافر عليه، لاندراج الأول فيه عند التأمل، إلى غير ذلك مما يشهد لكون مرادهم
تسبيبه الكفر نفسه.
كما أنه قد يشهد له أيضا
مكاتبة عبد الرحيم القصير «1» للصادق
(عليه السلام) المروية في باب الايمان و الكفر من الكافي قال فيها: «لا يخرجه
أي المسلم الى الكفر إلا الجحود و الاستحلال، ان يقول للحلال هذا حرام، و للحرام
هذا حلال، و دان
______________________________
(1)
أصول الكافي- ج 2 ص 27 من طبعة طهران.
47
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
نجاسة منكر الضروري ؛ ج6، ص : 46
بذلك، فعندها يكون خارجا عن الإسلام و
الايمان داخلا في الكفر، و كان بمنزلة من دخل الحرم ثم دخل الكعبة و أحدث في
الكعبة حدثا فأخرج عن الكعبة و عن الحرم، فضربت عنقه»
الحديث.
مضافا الى إطلاق كثير من النصوص «1» المتفرقة
في الأبواب و ترك الاستفصال في جملة منها مع الحكم بكفر منكر الضروري بمجرد
إنكاره من غير تربص في حاله أنه لشبهة أم لا، و مع ذلك كله فلعل و جهة أن إنكار
الضروري ممن لا ينبغي خفاء الضرورة عليه- كالمتولد في بلاد الإسلام حتى شاب- إنكار
للشريعة و الدين، و احتمال الشبهة في حقه بل و تحققها بحيث علمنا انه لم يكن ذلك
منه لإنكار النبي (صلى الله عليه و آله) أو الصانع غير مجد، إذ هو في الحقيقة كمن
أظهر إنكار النبي بلسانه عنادا و كان معتقدا نبوته بجنانه، لأن إنكاره ذلك الضروري
بمنزلة قوله: إن هذا الدين ليس بحق، فلا يجدي اعتقاده حقيته.
و يؤيد ذلك حكمهم بكفر الخوارج و نحوهم ممن هو
مندرج في هذا القسم، و استحقاقهم القتل و غيره من أحكام الكفار مع العلم اليقيني
بأن منهم إن لم يكن جميعهم من لم يدخله شك في ربه أو نبيه فضلا عن إنكاره لهما
بقلبه.
فدعوى ان إنكار الضروري يثبت الكفر إن استلزم
إنكار النبي مثلا، فمتى علم أن ذلك كان لشبهة و إلا فاعتقاده بالنبي (صلى الله
عليه و آله) مثلا ثابت لم يحكم بكفره لا شاهد عليها، بل هي مخالفة لظاهر الأصحاب،
و كان منشأها عدم وضوح دليل الكفر بدونها على مدعيها، و قد عرفت ان ذلك الإنكار المستلزم
في نفسه لإنكار ذلك الدين و ان لم يكن كذلك عند المنكر بدليل تسالم الأصحاب على
ثبوت الكفر به.
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 2- من أبواب مقدمة العبادات.
48
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
نجاسة منكر الضروري ؛ ج6، ص : 46
نعم لو كان المنكر بعيدا عن بلاد الإسلام بحيث
يمكن في حقه خفاء الضرورة لم يحكم بكفره بمجرد ذلك، و لعله ينزل عليه التقييد
السابق في كشف اللثام، فلا ينافي ما ذكرنا، كما انه يحتمل تنزيل ما تقدم من مجمع
البرهان على إرادة لزوم إنكار الضروري لإنكار الشريعة في نفسه و حد ذاته و ان لم
يكن عند المنكر، فلا ينافيه أيضا و ان كان احتمال ذلك في كلامه بعيدا بل ممتنعا،
أما لو أصر بعد الظهور و الاطلاع و ان كان لشبهة ألجأته إليه حكم بكفره، لعدم
معذوريته، و ظهور تقصيره في دفع تلك الشبهة، كمن أنكر النبي (صلى الله عليه و آله)
مثلا لشبهة.
فالحاصل انه متى كان الحكم المنكر في حد ذاته
ضروريا من ضروريات الدين ثبت الكفر بإنكاره ممن اطلع على ضروريته عند أهل الدين،
سواء كان ذلك الإنكار لسانا خاصة عنادا أو لسانا و جنانا.
و منه يظهر الفرق حينئذ بين الضروري و غيره من
القطعي كالمجمع عليه و نحوه، فإنه لا يثبت الكفر بالثاني إلا مع حصول العلم ثم
الإنكار، بخلافه في الضروري فيثبت و ان لم يكن إنكاره كذلك.
و قد يؤيد ذلك كله ما حكاه شيخنا في مفتاح
الكرامة، قال: و هنا كلام في أن جحود الضروري كفر في نفسه أو لأنه يكشف عن إنكاره
النبوة مثلا، ظاهر هم الأول، و احتمل الأستاذ الثاني، قال: «فعليه لو احتمل وقوع
الشبهة عليه لم يحكم بكفره، إلا أن الخروج عن مذاق الأصحاب مما لا ينبغي» انتهى.
قلت: و هذا من أستاذه اعتراف بما ذكرناه من
مراد الأصحاب، حتى أنه ذكر ما ينافيه بصورة الاحتمال، ثم كر عنه، و يؤيده قرائن
كثيرة تشهد على إرادتهم ذلك لا يسع المقام تعدادها، خصوصا مع ملاحظة باب الحدود،
ففي القواعد هناك أنه يحصل الارتداد إما بالفعل، و إما بالقول كاللفظ الدال بصريحه
على جحد ما علم
49
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
نجاسة منكر الضروري ؛ ج6، ص : 46
ثبوته من دين الإسلام ضرورة، و على اعتقاد ما
يحرم اعتقاده بالضرورة من دين محمد (صلى الله عليه و آله) سواء كان القول عنادا أو
اعتقادا أو استهزاء، إلا أنا قد بلينا في عصرنا هذا في بلدنا هذه بمن يدعى القطع و
اليقين بأن مراد الأصحاب ذلك الاحتمال بحيث لا يسمع كلاما من أحد و لا رشدا ممن
أرشد، و لو أن ذلك كان منه بعد التأمل و النظر لكان حقيقا بأن يعذر، و الله أعلم.
و كيف كان فلا كلام في نجاسة ما في المتن من
الفرقتين كما في جامع المقاصد و عن الدلائل، بل عن الأخير و الروض الإجماع عليهما،
و هو كذلك.
أما الخوارج- فكفرهم بانكارهم جملة من
الضروريات كاستحلالهم قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) و من معه من المسلمين، و
حكمهم بتكفيرهم بمجرد التحكيم- فيدل عليها جميع ما دل على نجاسة الكافرين من
الإجماع و غيره، و مع ذا ف
في المرسل «1» عن النبي
(صلى الله عليه و آله) في وصفهم «انهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من
الرامي»
كما
عن الفضل «دخل على أبي جعفر
(عليه السلام) رجل محصور عظيم البطن، فجلس معه على سريره، فحياه و رحب به، فلما
قام قال: هذا من الخوارج كما هو، قال: قلت: مشرك، فقال: مشرك و الله مشرك».
و أما الغلاة- و هم الذين تجاوزوا الحد في
الأئمة (ع) حتى ادعوا فيهم الربوبية، قيل: و قد يطلق الغلو على من قال بإلهية أحد
من الناس- فظاهر المصنف بل صريحه كغيره من الأصحاب أن كفرهم بإنكار الضروري أيضا،
و لعله لعدم نفيهم أصل الإلهية و الصانع، و انما ادعوا أن أمير المؤمنين (عليه
السلام) مثلا هو الصانع فأنكروا ما علم بطلانه بالضرورة من الدين، و بالأدلة العقلية
و البراهين مما يجب عنه تنزيه رب العالمين
______________________________
(1)
سفينة البحار- ج 1 ص 383.
50
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
نجاسة المجسمة و المشبهة ؛ ج6، ص : 51
مما اتصف به سيدنا و مولانا أمير المؤمنين
(عليه السلام)، لكن في كشف الغطاء للأستاذ المعتبر أنهم من الكافرين بالذات لا
لإنكارهم بعض الضروريات، كأتباع مسيلمة الكذاب، إذ هم لخصوص الصانع و النبي (ص) من
النفاة، و ان أثبتوا في الجملة الربوبية و النبوة للغير، و هو جيد في الثاني لا
يخلو من تأمل في الأول يعرف مما تقدم.
إلا أنه على كل حال لا كلام في نجاستهم و كفرهم
كما في جامع المقاصد و عن الدلائل، بل عن الأخير و الروض الإجماع عليه، قلت: و هو
كذلك، بل يدل عليه جميع ما دل على نجاسة الكافر، مضافا إلى ما عن
الكشي «1» في ترجمة
فارس بن حاتم الغالي عن أبي الحسن (عليه السلام) انه قال: «توقوا مساورته».
[نجاسة المجسمة و المشبهة]
و يلحق بهم عبدة الأوثان و الكواكب و الدهرية
و نحوهم ممن زعم ان مثل ذلك الصانع، لمساواتهم لهم من تلك الجهة، نعم لو أثبتوا مع
ذلك صانعا معها كانوا من المشركين لا من قبيل الغلاة، كما أنهم لو أثبتوا مع
عبادتهم إياها صانعا لها كانوا ممن كفر بإنكار بعض الضروريات.
و أطلق في المنتهى و الدروس و ظاهر القواعد و
عن المبسوط و التحرير نجاسة المجسمة، و قضيته عدم الفرق بين المجسمة حقيقة و هم
القائلون بكونه جسما كالأجسام و بين المجسمة بالتسمية أي القائلين بأنه جسم لا
كالأجسام، بل به صرح في جامع المقاصد، كما أنه كاد يكون صريح الروض أيضا، بل في
آخر عبارة الأول انه لا كلام في نجاسة المجسمة، و في الثاني لا ريب في نجاسة القسم
الأول منهم، لكن قيده في البيان و المسالك بالحقيقة، و قضيته طهارة المجسمة
بالتسمية، و هو الأقوى. للأصل و العمومات و استصحاب طهارة الملاقي، و ما دل على
طهارة المسلمين المتحقق إسلامهم بابراز الشهادتين
______________________________
(1)
رواه المامقاني في تنقيح المقال في ترجمة فارس بن حاتم عن الكشي و فيه «مشاورته»
بدل «مساورته».
51
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
نجاسة المجسمة و المشبهة ؛ ج6، ص : 51
السالمة عن معارضة ما يقتضي الكفر المنجس، و
دعوى أنهم ممن أنكر ضروريات لاعتقادهم الجسمية، و كل جسم محدث واضحة المنع هنا،
لعدم استلزام خصوص هذه الدعوى من الجسمية ذلك عند المدعي، بل و في الواقع، بل قيل
إنهم موافقون لأهل الحق في العقيدة، و انما تجوزوا في التسمية كإطلاق اليد.
و يؤيده ما اشتهر من نسبة ذلك إلى هشام بن
الحكم، و هو من أجلاء أصحابنا و متكلميهم، و عن المرتضى في الشافي «فأما ما رمي به
هشام بن الحكم من القول بالتجسيم فالظاهر من الحكاية عنه القول بجسم لا كالأجسام،
و لا خلاف في أن هذا القول ليس بتشبيه و لا ناقض لأصل و لا معترض على فرع، و انه
غلط في عبارة يرجع في إثباتها و نفيها إلى اللغة، و أكثر أصحابنا يقولون: إنه أورد
ذلك على سبيل المعارضة للمعتزلة، فقال لهم، إذا قلتم إن القديم تعالى شأنه شيء لا
كالأشياء فقولوا: إنه جسم لا كالأجسام» انتهى.
قلت: بل قد يمنع كفرهم حتى لو سلم استلزام تلك
الدعوى الحدوث في نفس الأمر، إلا أنهم لم يعترفوا به بزعمهم، إذ المدار في إنكار
الضروري التصريح به لا اللزوم الذي لم يعترف به الخصم.
و منه يعرف وجه طهارة المجسمة و لو بالحقيقة
أيضا إذا لم يعترفوا بذلك اللزوم، لاتحادهما حينئذ في المقتضي و عدم المانع، و لذا
كان ظاهر المعتبر و التذكرة بل كاد يكون صريح الثاني كنهاية الأحكام و الذكرى بل
هو صريح الأخير طهارة المجسمة من غير تقييد له بالتسمية، بل لعل ما تقدم من البيان
و المسالك من التقييد بالحقيقة راجع اليه على أن يراد به نجاسة خصوص المجسمة
القائلين بأنه كسائر الأجسام في الحقيقة و لوازمها من الحدوث و الافتقار لا من
يلزمهم ذلك و هم له منكرون، و أولئك لا كلام في كفرهم عند الجميع لا من حيث القول
بالتجسيم، بل من حيث الحدوث و الافتقار و نحوهما مما علم
52
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
نجاسة المجسمة و المشبهة ؛ ج6، ص : 51
بطلانه من الدين ضرورة، و عليه حينئذ يحمل ما
ورد بكفر المشبهة، ك
قول الرضا (عليه السلام) «1»: «من قال
بالتشبيه و الجبر فهو كافر»
بناء على أن المجسمة من المشبهة، إذ هم على ما
في قواعد العقائد و شرحها الذين قالوا: إن الله تعالى في جهة الفوق، و يمكن أن يرى
كما ترى الأجسام، و قد نص على نجاستهم في البيان و عن المبسوط و التحرير و المنتهى
لكن مع التقييد في البيان بالحقيقة كالمجسمة، فيبقى من قال بالتجسيم أو التشبيه
مجردا عن دعوى الحدوث و نحوه على مقتضى أصل الطهارة و عموماتها و ما دل على طهارة
المسلم، اللهم إلا أن يدعى أن القول بهما في نفسه و حد ذاته من دون نظر إلى لازمه
قد علم بطلانه بالضرورة من الدين، و فيه منع، سيما بعد توهمه من ظواهر الكتاب و
السنة، كقوله تعالى «2» «الرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوىٰ» و نحوه، أو
يدعى ضرورية استلزام تلك الدعوى الحدوث و نحوه بحيث لا يسمع إنكاره، و فيه منع
أيضا، و ان كان ربما يؤيده ما سمعته من إطلاق كفر المشبهة مع عدم معروفية اعترافهم
بما أورد عليهم من اقتضاء ذلك الحدوث و نحوه، بل المعلوم منهم إنكاره.
نعم جوزوا إمكان الرؤية و نحوها مما لم يكن
ضروري البطلان، إلا انه قد يحمل ذلك على إرادة الكفر في الآخرة لا الدنيا، تحكيما
لما دل على حصول الإسلام بالشهادتين عليه، لموافقته لظاهر الأصحاب هنا من انحصار
سبب كفر المسلم بإنكار الضروري المفروض الانتفاء هنا، فيكون المدار حينئذ في كفر
هذه الفرق من المسلمين انهم إن صرحوا بالتزام ما يرد على مذاهبهم مما علم بطلانه
بالضرورة من الدين أو كانت نفس دعواهم كذلك حكم بكفرهم، و إلا فلا، من غير فرق بين
المجسمة و غيرهم، و الظاهر
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد المرتد- الحديث 5 من كتاب الحدود و التعزيرات.
(2) سورة طه- الآية 4.
53
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
نجاسة المجسمة و المشبهة ؛ ج6، ص : 51
ان التجسيم و التشبيه من حيث هما ليسا مما علم
بطلانهما كذلك.
و أما المجبرة فعن المبسوط نجاستهم، و ربما
مال إليه في كشف اللثام، و هو لا يخلو من وجه، لقول الرضا (عليه السلام) السابق، ك
قوله (عليه السلام) «1»: «القائل
بالجبر كافر، و القائل بالتفويض مشرك»
و
قول الصادق (عليه السلام) «2»: «ان الناس
في القدر على ثلاثة أوجه: رجل يزعم أن الله تعالى أجبر الناس على المعاصي فهذا قد
أظلم الله في حكمه، فهو كافر، و رجل يزعم أن الأمر مفوض إليهم، فهذا قد أوهن الله
في سلطانه، فهو كافر»
الخبر.
و لاستتباعه لإبطال النبوات و التكاليف رأسا،
و إبطال كثير مما علم من الدين ضرورة، فكفرهم أوضح من غيرهم إلا أن يكونوا من
الحمق بحيث لا يتفطنون لذلك، فهم ليسوا من الناس في شيء.
و لقوله تعالى «3» «سَيَقُولُ
الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شٰاءَ اللّٰهُ مٰا أَشْرَكْنٰا وَ لٰا آبٰاؤُنٰا، وَ
لٰا حَرَّمْنٰا مِنْ شَيْءٍ، كَذٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتّٰى
ذٰاقُوا بَأْسَنٰا» إذ ذلك مذهبهم بعينه.
لكن قد يناقش في ضرورية بطلان نفس ما ذهبوا
اليه بموافقته لكثير من ظواهر الكتاب و السنة، بل قيل: ورد «4» في بعض
الأخبار و الأدعية أنه خالق الخير و الشر، و بتعارض أدلة العقل في ثبوت الاختيار
للعبد و عدمه مع صعوبة إدراك ما ورد «5» عن العترة
(عليهم السلام) من الأمر بين أمرين، بل قيل: إن ما ذكر
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد المرتد- الحديث 4- 10 من كتاب الحدود و التعزيرات.
(2) الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد المرتد-
الحديث 4- 10 من كتاب الحدود و التعزيرات.
(3) سورة الأنعام- الآية 149.
(4) أصول الكافي- ج 1 ص 154 من طبعة طهران.
(5) أصول الكافي- ج 1 ص 155 من طبعة طهران.
54
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
حكم الساب للنبي و الأئمة(ص) ؛ ج6، ص : 55
في بيانه يرجع إلى التجبير أو التفويض.
كما أنه قد يناقش في تكفيرهم لاستلزام مذهبهم
إنكار الضروري و إن لم يكن هو كذلك من تنزيهه تعالى عن القبيح و النقص و غيره بما
قد عرفت من أن المدار على الإنكار صريحا لا لازما لم يعترف به ذلك المدعي لأمور
تخيل صحتها، إلا أن يعلم منه معرفته بطلانها، و انه يذكرها عنادا، و إلا فهو معترف
بتلك اللوازم باطنا.
و من هنا ضعف القول بالنجاسة في المنتهى و
الذكرى و جامع المقاصد و عن اللمعة، و استقرب الطهارة في ظاهر التذكرة و النهاية و
القواعد أو صريحها، بل هو ظاهر المصنف في المعتبر، بل لم أجد موافقا صريحا للشيخ
على ذلك.
و يؤيده بعد الأصل و العمومات و ما دل على
طهارة المسلمين استمرار السيرة المظنون أو المعلوم أنها في زمن المعصوم على عدم
اجتناب سؤر المخالفين، و أكثرهم المجبرة، بل لعل غيرهم قد انقرض في بعض الطبقات،
فينزل حينئذ ما ورد بكفرهم على الأخروي، و إلا فهم على الطهارة في الدنيا، و هو
الأقوى، ما لم يعترفوا ببعض ما يلزمونه مما هو مخالف لضرورة الدين.
و من ذلك كله يعلم الحال في المفوضة، لكن عن
الأستاذ «أن ظاهر الفقهاء طهارتهم، و ان كان في الأخبار «1» تصريح
بشركهم و كفرهم» انتهى.
و لعلك بعد الاطلاع على ما عرفت تستغني عن
إطالة الكلام في أحوال الفرق المخالفة من المسلمين، إذ الضابط في كفرهم إنكار
ضروري الدين أو ما نص على كفرهم منها.
[حكم الساب للنبي و الأئمة (ص)]
نعم هو لا يندرج فيه الساب منهم للنبي (صلى
الله عليه و آله) أو الإمام (عليه السلام) أو الزهراء (عليها السلام) أو الهاتك
لحرمة الإسلام بقول أو فعل، لكن لم أعرف من نص على نجاستهم هنا عدا شيخنا في كشف
الغطاء، و هو جيد في الثاني
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد المرتد- الحديث 4 و 10 و 31.
55
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
حكم الساب للنبي و الأئمة(ص) ؛ ج6، ص : 55
لما يأتي إن شاء الله من تحقق الارتداد به،
كما نص عليه هناك في القواعد، و لا يخلو من تأمل في بادئ النظر في الأول إذا فرض
عدم دخوله في الناصب، خصوصا في سب غير النبي (صلى الله عليه و آله) لعدم الدليل
الصالح لقطع الأصول و العمومات و ما دل على طهارة المسلمين، و استحقاقه القتل كما
نص عليه المصنف و غيره في الحدود أعم من الحكم بكفره المستلزم لنجاسته، إذ لعله
لكونه حدا من الحدود، كما يقتل مرتكب الكبائر في الثالثة و غيره، بل قد يظهر من القواعد
بل و الكتاب هناك ان قتله له لا للارتداد، لذكرهما له ملحقا بحد القذف مع عدم ذكر
أولهما له في أسباب الارتداد، لكن قد يكون مندرجا عندهم في الهاتك لحرمة الإسلام،
كما هو الظاهر، بل ينبغي القطع به عند التأمل، و في الانتصار ان سب النبي (صلى
الله عليه و آله) و عيبه و الوقيعة فيه ردة من المسلم بلا شك، و حينئذ يكون
كالسابق أو في الناصب، بناء على تحقق مسمى العداوة عرفا بذلك.
و ربما يلحق بهم سب بقية المعصومين من
الأنبياء السابقين و الملائكة المقربين (ع) و أولى منه الضرب و الإهانة و القتل و
نحو ذلك، و كذا لا يندرج في الضابط المذكور معتقد خلاف الحق من فرق المسلمين،
كجاحد النص على أمير المؤمنين (عليه السلام) و هو في محله، لأن الأقوى طهارتهم في
مثل هذه الأعصار و ان كان عند ظهور صاحب الأمر (ع) بأبي و أمي يعاملهم معاملة
الكفار، كما أن الله تعالى شأنه يعاملهم كذلك بعد مفارقة أرواحهم أبدانهم، وفاقا
للمشهور بين الأصحاب، سيما المتأخرين نقلا و تحصيلا، بل يمكن تحصيل الإجماع كما عن
الأستاذ انه معلوم، بل لعله ضروري المذهب للسيرة القاطعة من سائر الفرقة المحقة في
سائر الأعصار و الأمصار، و للقطع بمخالطة الأئمة المرضيين (عليهم السلام) و
أصحابهم لهم حتى لرؤسائهم و مؤسسي مذهبهم على وجه
56
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
حكم المخالف ؛ ج6، ص : 57
يقطع بعدم كونه للتقية، مع أن الأصل عدمها
فيه، و إلا لعلم كما علم ما هو أعظم منه من السب و البراءة و نحوهما.
و لذا حكى الإجماع في كشف اللثام و الرياض على
عدم احتراز الأئمة (عليهم السلام) و أصحابهم عنهم في شيء من الأزمنة و هو الحجة
بعد الأصل بل الأصول فيهم و فيما يلاقيهم و العمومات و شدة العسر و الحرج على
تقدير النجاسة المنفيين بالعقل و الآية «1» و الرواية «2» و للنصوص «3» المستفيضة
بل المتواترة في حل ما يوجد في أسواق المسلمين و الطهارة مع القطع
بندرة الإمامية في جميع الأزمنة سيما أزمنة صدور تلك النصوص فضلا عن أن يكون لهم
سوق يكون موردا لتلك الأحكام المزبورة، فهو من أقوى الأدلة على طهارة هؤلاء
الكفرة، و إن كانوا في المعنى أنجس من الكلاب الممطورة.
[حكم المخالف]
و لانحصار مقتضى النجاسة في كفرهم بذلك، و قد
ثبت ضده، و هو صفة الإسلام بشهادة ما دل على حصوله بابراز الشهادتين من الأخبار، ك
خبر سفيان بن السمط «4» المروي هو
و ما يأتي بعده أيضا في باب الكفر و الايمان من الكافي، قال: «سأل رجل أبا عبد
الله (عليه السلام) عن الإسلام و الايمان ما الفرق بينهما؟ فلم يجبه، ثم سأله فلم
يجبه، ثم التقيا في الطريق و قد أزف من الرجل الرحيل، فقال له أبو عبد الله (عليه
السلام):
كأنه قد أزف منك الرحيل، فقال: نعم، فقال:
فالقني في البيت، فلقيه فسأله عن الإسلام و الايمان ما الفرق بينهما؟ فقال:
الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس شهادة أن لا إله إلا الله، و أن محمدا رسول
الله (صلى الله عليه و آله) و إقام الصلاة، و إيتاء
______________________________
(1)
سورة البقرة- الآية 181- و سورة المائدة- الآية 9.
(2) الوسائل- الباب- 39- من أبواب الوضوء-
الحديث 5.
(3) الوسائل- الباب- 50- من أبواب النجاسات.
(4) أصول الكافي- ج 2 ص 24 من طبعة طهران.
57
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
حكم المخالف ؛ ج6، ص : 57
الزكاة، و حج البيت، و صيام شهر رمضان، و
قال: الايمان معرفة هذا الأمر مع هذا، فإن أقر بها و لم يعرف هذا الأمر كان مسلما
و كان ضالا».
و
خبر سماعة «1» قال: «قلت لأبي
عبد الله (عليه السلام): أخبرني عن الإسلام و الايمان أ هما مختلفان؟ فقال:
الايمان يشارك الإسلام، و الإسلام لا يشارك الايمان، فقلت: فصفهما لي، فقال:
الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، و التصديق برسول الله (صلى الله عليه و آله) و
به حقنت الدماء، و عليه جرت المناكح و المواريث، و على ظاهره جماعة الناس، و
الايمان الهدى، و ما ثبت في القلوب من صفة الإسلام، و ما ظهر من العمل»
إلى آخره.
و
خبر حمران بن أعين أو صحيحه «2» عن الباقر
(عليه السلام) قال: «سمعته يقول: الايمان ما استقر في القلب، و أفضى به إلى
الله تعالى عز و جل، و صدق العمل بالطاعة، و التسليم لأمره، و الإسلام ما ظهر من
قول أو فعل، و هو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها، و به حقنت الدماء، و عليه
جرت المواريث و جاز النكاح، و اجتمعوا على الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج، فخرجوا
بذلك من الكفر، و أضيفوا إلى الإيمان- إلى أن قال فيه-: قلت: فهل للمؤمن على
المسلم فضل في شيء من الفضائل و الأحكام و الحدود و غير ذلك؟ فقال: لا، هما
يجريان في ذلك مجرى واحد، و لكن للمؤمن فضل على المسلم في أعمالهما، و ما يتقربان
به إلى الله عز و جل».
و الحديث طويل، فيدخلون حينئذ تحت ما دل على
طهارة المسلمين، مضافا إلى ما في هذه كغيرها من الأخبار أيضا من ظهور إناطة سائر
الأحكام الدنيوية التي منها الطهارة على الإسلام المزبور، و كذا يندرجون حينئذ
فيما دل على عدم خروج المسلم عن الإسلام إلى الكفر إلا بالجحود و إنكار الضروري
مثلا، ك
قول الصادق (عليه السلام)
______________________________
(1)
أصول الكافي- ج 2 ص 25- 26 من طبعة طهران.
(2) أصول الكافي- ج 2 ص 25- 26 من طبعة
طهران.
58
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
حكم المخالف ؛ ج6، ص : 57
في مكاتبة عبد الرحيم القصير «1» المروية
في الباب المذكور أيضا من الكافي «لا يخرجه إلى الكفر إلا الجحود و
الاستحلال، أن يقول للحلال هذا حرام، و للحرام هذا حلال، و دان بذلك فعندها يكون
خارجا عن الإسلام و الايمان، داخلا في الكفر، و كان بمنزلة من دخل الحرم ثم دخل
الكعبة و أحدث في الكعبة حدثا فأخرج عن الكعبة و عن الحرم فضربت عنقه، و صار إلى
النار»
الحديث.
بل قد يندرجون أيضا تحت ما دل على طهارة
المؤمنين بالمعنى المعروف سابقا للايمان، و هو التصديق الباطني بمضمون الشهادتين،
كما يستفاد من التأمل و النظر في الأخبار، خصوصا ما ورد في تفسير قوله تعالى «2» «قٰالَتِ
الْأَعْرٰابُ: آمَنّٰا، قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنٰا» و ان خرجوا
عن الايمان بالمعنى الحادث أي الإقرار بالولاية، فيكون الإسلام حينئذ عبارة عن
إظهار الشهادتين و التلبس بشعار المسلمين و إن كان باطنه و اعتقاده فاسدا، و هو
المسمى بالمنافق، بل في شرح المفاتيح للأستاذ أن الأخبار بذلك متواترة، و الكفر
عبارة عن عدم ذلك.
و عليه يبني الاستدلال من غير واحد من الأصحاب
على المرتضى و من تبعه ممن نجّس معتقد خلاف الحق بالمعلوم من سيرة النبي (صلى الله
عليه و آله) و أمير المؤمنين (عليه السلام) و غيرهم و مخالطتهم و مساورتهم لفلان و
فلانة و فلان و فلان و فلان من شياطين المنافقين حتى ورد أن النبي (صلى الله عليه
و آله) كان يغتسل مع فلانة بإناء واحد.
فتحصل حينئذ انه قد يطلق الإسلام على ما يرادف
الايمان، و على المصدق بغير الولاية، و على مجرد إظهار الشهادتين، و يقابله الكفر
في الثلاثة، كما انه يطلق المؤمن على الأول و على المصدق بالولاية.
______________________________
(1)
أصول الكافي- ج 2 ص 27 من طبعة طهران.
(2) سورة الحجرات- الآية 14.
59
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
حكم المخالف ؛ ج6، ص : 57
فلعل ما ورد في الأخبار الكثيرة- من
تكفير منكر علي (ع)، لأنه العلم الذي نصبه الله بينه و بين عباده «1» و انه باب
من أبواب الجنة من دخله كان مؤمنا و من خرج منه كان كافرا «2» و تكفير
منكر مطلق الامام «3» و
ان «من لم يعرف إمام زمانه مات ميتة
جاهلية» «4»
- محمول على إرادة الكافر في مقابل المؤمن
بالمعنى الثاني، و نجاسته بهذا المعنى محل البحث، إذ العمدة في دليلها عموم معاقد
الإجماعات السابقة، و من المعلوم إرادة غيره منها، و كيف لا و المشهور هنا شهرة
كادت تكون إجماعا بل هي كذلك كما عرفت على الطهارة، على أن ما فيها من العموم
اللغوي انما يراد به عموم أفراد معنى من معاني الكفر لا عموم معانيه.
نعم هو بالمعنى المزبور أخبث باطنا منه بغيره،
بل أشد عقابا، كما يشير اليه
قول الصادق (عليه السلام) «5»: «أهل
الشام شر من أهل الروم، و أهل المدينة شر من أهل مكة، و أهل مكة يكفرون بالله
جهرة»
ك
قول أحدهما (عليهما السلام) «6»:
«إن أهل مكة يكفرون بالله تعالى جهرة، و أهل
المدينة أخبث منهم سبعين ضعفا».
بل هو المعلوم من مذهب الشيعة، كما علم منه
ثبوت كفرين عندهم دنيوي و أخروي، و خلاف نادر منهم لو تحقق غير قادح أو محمول على
إرادة تنزيله منزلة الكافر فيما يتعلق بالأمور الأخروية من شدة العذاب و الخلود
فيه، كما هو ظاهر المنساق إلى الذهن من ملاحظتها، بل من أعطى النظر و التأمل فيها
يقطع بإرادتهم (عليهم السلام) بيان دفع و هم احتمال حصول ثواب لهم، أو مرتبة
أخروية، أو امتياز عن الكفار
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد المرتد- الحديث 48.
(2) الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد المرتد-
الحديث 49.
(3) الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد المرتد-
الحديث 18.
(4) الغدير للأمينى- ج 10 ص 360 المطبوع
بطهران عن شرح المقاصد للتفتازاني ج 2 ص 275.
(5) أصول الكافي- ج 2 ص 409- 410 من طبعة
طهران.
(6) أصول الكافي- ج 2 ص 409- 410 من طبعة
طهران.
60
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
حكم المخالف ؛ ج6، ص : 57
بسبب ما وصفوه و أظهروه من الشهادتين مع
إنكارهم الولاية، و بسبب ما يجري عليهم من أحكام الإسلام في الدنيا، فهي بالدلالة
على المطلوب أحرى.
فما عن المرتضى من نجاسة غير المؤمن بالمعنى
الأول لهذه الأخبار ضعيف جدا، و ان استدل له أيضا بقوله تعالى «1» «إِنَّ
الدِّينَ عِنْدَ اللّٰهِ الْإِسْلٰامُ» و قوله تعالى «2»:
«وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلٰامِ دِيناً
فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ» فغير المؤمن غير مسلم، فهو كافر، و بقوله تعالى «3» «كَذٰلِكَ
يَجْعَلُ اللّٰهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ».
و فيه ما عرفت من معلومية مغايرة الإسلام
للايمان بالمعنيين الأخيرين كتابا و سنة كادت تكون متواترة، و أنه أخص منه، و
بمنزلة فرد من أفراده، كمعلومية مرادفته له بالمعنى الأول، و لعله المراد في
الآيات الثلاثة، كما يؤيده حدوث الايمان بالمعنى الثاني و تأخره عن وقت النزول،
على أن الظاهر إرادة المباين للإسلام من غير الإسلام، كما أن الظاهر بل المقطوع به
إرادة العذاب من الرجس هنا لا النجاسة كما هو واضح للعارف بأساليب الكلام، و لم
أعرف موافقا صريحا للمرتضى في ذلك من معتبري الأصحاب، بل و لا من حكي عنه ذلك إلا
ابن إدريس، مع انه استثنى المستضعف الذي لا يعرف اختلاف الآراء و لا يبغض أهل الحق
من غير المؤمن، و فسر المؤمن بالمصدق بالله و برسله و بكل ما جاؤوا به، و فيه
إجمال أو إيهام.
لكن و مع ذلك ففي الحدائق أن الحكم بكفر
المخالفين و نصبهم و نجاستهم هو المشهور في كلام أصحابنا المتقدمين مستشهدا بما
حكاه عن الشيخ ابن نوبخت، و هو من متقدمي أصحابنا في كتابه فص الياقوت، دافعوا
النص كفرة عند جمهور أصحابنا، و من أصحابنا من يفسقهم، إلى آخره، و لا يخفى ما
فيه.
______________________________
(1)
سورة آل عمران الآية 17.
(2) سورة آل عمران الآية 79.
(3) سورة الأنعام- الآية 125.
61
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
حكم المخالف ؛ ج6، ص : 57
و لعل مراد الشيخ الكفر بالمعنى الذي ذكرناه،
أو خصوص الطبقة الأولى من دافعي النص، لإنكارهم ما علم لهم من الدين، كالمحكي عن
العلامة في شرحه من تعليل ذلك بأن النص معلوم بالتواتر من دين محمد (صلى الله عليه
و آله) فيكون ضروريا أي معلوما من دينه، فجاحده كافر، كوجوب الصلاة، و نحوه ما عنه
أيضا في المنتهى في بيان اشتراط وصف المستحق بالايمان للزكاة، إذ هو- مع انه لا
صراحة فيهما معا باختياره، بل و لا ظهور كما يؤيده انه استدلال اقناعي لا حقيقي
كما هو واضح، و إلا فكيف يدعى دخول دافع النص من غير الطبقة الأولى و نحوهم تحت
منكر الضرورة، على أنهم أنكروا قول النبي (صلى الله عليه و آله) به، فيلزمه عدم
الإمامة، لا أنهم أنكروا الإمامة المعلوم ثبوتها ضرورة- محتمل لما ذكرناه أيضا.
كما ان ما في مقنعه المفيد و عن ابن البراج من
عدم جواز تغسيل أهل الإيمان مخالفا للحق و الصلاة محتمل لا لحاقهم لهم في هذا الحال
بعالم الآخرة المحكوم بكفرهم فيه لا مطلقا، و لذا لم يوجب تغسيلهم بعض من ذهب إلى
إسلامهم، و إن قال الشيخ في شرحها: الوجه فيه أن مخالف أهل الحق كافر، فيجب أن
يكون حكمه حكم الكفار إلا ما خرج بالدليل، إذ هو مع أنه لا إشعار فيه باختياره له
محتمل لأن يكون ما نحن فيه من الطهارة مما خرج بالدليل عنده.
و كذا ما في السرائر بعد اختياره ما في
المقنعة، و يعضده القرآن، و هو قوله تعالى «1» «وَ لٰا تُصَلِّ
عَلىٰ أَحَدٍ» إلى آخره. يعني الكفار، و المخالف لأهل الحق كافر بلا خلاف بيننا، و
مذهب المرتضى في ذلك مشهور في كتب الأصحاب محتمل لإرادة نفي الخلاف عنه في الجملة
لا بحيث يشمل المقام، كالمحكي عن الفاضل محمد صالح في شرح أصول الكافي، بل و
الشريف القاضي نور الله في إحقاق الحق من الحكم
______________________________
(1)
سورة التوبة- الآية 58.
62
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
المراد من الناصب ؛ ج6، ص : 63
بكفر منكري الولاية، لأنها أصل من أصول الدين،
إذ لعلهما يريدان الكفر الأخروي، لكن الإنصاف انه بعيد في كلامهما.
و أبعد منه احتماله في المنقول عن جدي العلامة
ملا أبي الحسن الشريف في شرحه على الكفاية، فإنه بالغ غاية المبالغة في دعوى وضوح
كفرهم حتى نسبه إلى الأخبار التي بلغت حد التواتر، و اقتفى أثره صاحب الحدائق، و
أطنب في المقال لكنه لم يأت بشيء يورث شكا في شيء مما ذكرناه أو إشكالا، إذ أقصى
ما عنده التمسك بالأخبار التي قد عرفت حالها و ما يعارضها.
[المراد من الناصب]
و بدعوى دخولهم تحت النواصب المجمع على
نجاستهم بين الإمامية كما عن كتاب الأنوار للسيد نعمة الله الجزائري، و لا كلام
فيها كما في جامع المقاصد و عن الدلائل، و الظاهر أنها غير خلافية كما في شرح
الأستاذ الأكبر للمفاتيح، و المدلول عليها بالأخبار المستفيضة، ك
قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن أبي
يعفور «1»: «لا يغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة
الحمام، فان فيها غسالة ولد الزنا، و هو لا يطهر إلى سبعة آباء، و فيها غسالة
الناصب، و هو شرهما، ان الله لم يخلق خلقا شرا من الكلب، و الناصب لنا أهون على
الله من الكلب».
ك
خبره الآخر «2» المروي عن
العلل في الموثق على ما قيل عن الصادق (عليه السلام) أيضا إلى أن قال: «إن الله
تبارك و تعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب، و ان الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه»
و
قوله (عليه السلام) «3» في خبر
القلانسي في جواب سؤاله عن لقاء الذمي فيصافحه، فقال: «امسحها بالتراب،
قلت: و الناصب، قال: اغسلها»
إلى غير ذلك، لتحقق النصب بمعنى العداوة بأحد
أمرين: تقديم
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 11- من أبواب الماء المضاف- الحديث 4.
(2) الوسائل- الباب- 11- من أبواب الماء
المضاف- الحديث 5.
(3) الوسائل- الباب- 14- من أبواب النجاسات-
الحديث 4.
63
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
المراد من الناصب ؛ ج6، ص : 63
الجبت و الطاغوت، أو العداوة و البغض لشيعة آل
محمد (صلوات الله عليهم).
أما الأول فللمروي «1» في
مستطرفات السرائر من كتاب مسائل الرجال
لمولانا أبي الحسن علي بن محمد الهادي في جملة مسائل محمد بن علي بن عيسى، قال:
«كتبت إليه أسأله عن الناصب هل احتاج في
امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت و الطاغوت، و اعتقاده بإمامتهما، فرجع الجواب من
كان على هذا فهو ناصب»
إلى آخره.
و لأنه لا عداوة أعظم ممن قدم المنحط عن مراتب
الكمال، و فضل المنخرط في سلك الأغبياء الجهال على من تسنم أوج الجلال حتى شك أنه
الله المتعال.
و أما الثاني فل
قول الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الله
بن سنان «2» المروي عن ابن بابويه: «ليس الناصب من
نصب لنا أهل البيت (عليهم السلام)، لأنك لا تجد أحدا يقول أنا أبغض محمدا و آل
محمد (صلوات الله عليهم)، و لكن الناصب من نصب لكم، و هو يعلم انكم تتولونا و انكم
من شيعتنا»
و نحوه خبر المعلى بن خنيس «3» عنه أيضا
المروي عن الصدوق أيضا في معاني الأخبار، بل في الحدائق انه رواه بسند معتبر.
قلت: و يدفعها أنها لا تجديه نفعا إلا على
المعنى الأول للناصب، و إلا فعلى الثاني خروج عن محل النزاع، إذ البحث في نجاستهم
من حيث إنكار الولاية الذي قد يكون منشأه التقصير و التفتيش عن ذلك، لا من حيث
بغضهم للشيعة، و احتمال التلازم مجازفة، و هو- مع معلومية بطلانه بالسيرة القاطعة
و العمل المستمر، و لذا نسبه في نكاح الفقيه إلى الجهلاء، فقال: «و الجهلاء
يتوهمون أن كل مخالف ناصب، و ليس
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 3.
(2) الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يجب فيه
الخمس- الحديث 3.
(3) الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يجب فيه
الخمس- الحديث 13.
64
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
المراد من الناصب ؛ ج6، ص : 63
كذلك» إلى آخره. و مع أنا لم نعرف له شاهدا
أصلا عدا الخبر المتقدم المغضي عن سنده، و المحتمل لإرادة تنزيله منزلته بالنسبة
للعذاب و غيره من أحكام الكفار نحو ما تقدم فيما ورد بكفره- مخالف للمستفاد من أهل
اللغة و كلام الأصحاب، و أخبار الباب، إذ النصب كما عن الصحاح و غيره العداوة، و
تحققها عرفا بمجرد تقديم فلان و فلان و لو لشبهة قصر في دفعها محل منع.
بل عن القاموس «النواصب و أهل النصب
المستدينون ببغض علي (عليه السلام) لأنهم نصبوا له أي عادوه» انتهى. و يؤيده ما في
المعتبر و المنتهى انهم الخوارج الذين يقدحون في علي (عليه السلام) بل لعله ظاهر
اقتصار الكتاب و النافع و عن غيره على الخوارج و الغلاة، و ربما كان ذلك أيضا ظاهر
الصدوق في نكاح الفقيه.
كما أنه قد يشهد له أيضا انطباق الحكم بكفره
حينئذ المستفاد من النص و الفتوى على الضابط المذكور للكافر عند الأصحاب، و على ما
دل على عدم الخروج عن الإسلام إلا بالجحود أو إنكار الضروري من مكاتبة عبد الرحيم
القصير المتقدمة سابقا أيضا و غيرها، ضرورة تحقق الثاني في الناصب بالمعنى المفروض
بخلافه على المعنى المذكور، بل و على غيره من المعاني له أيضا حتى المعنى المعروف
الذي قد يشهد له خبرا ابن أبي يعفور السابقان، و هو من نصب العداوة لأهل البيت
(عليهم السلام)، كما عن السيد الجزائري نسبته إلى أكثر الأصحاب مع زيادة «و تظاهر
ببغضهم (ع)» في تفسيره، و اليه يرجع ما عن نهاية العلامة و تذكرته و حاشية الشرائع
انه الذي يتظاهر بعداوة أهل البيت و حتى ما في خبري الخصم «1» و السرائر
أيضا من انه من ينصب العداوة لأهل الإيمان، لوضوح عدم انطباق الحكم بكفره حينئذ
على الضابط المذكور، فلا بد من تسبيبه ذلك الكفر بنفسه، و هو محل تأمل، لعدم دليل
صالح لقطع الأصول و العمومات.
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 3.
65
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
المراد من الناصب ؛ ج6، ص : 63
بل لعل الذي يظهر من السير و التواريخ أن
كثيرا من الصحابة في زمن النبي (صلى الله عليه و آله) و بعده و أصحاب الجمل و صفين
بل و كافة أهل الشام و أكثر أهل المدينة و مكة كانوا في أشد العداوة لأمير
المؤمنين و ذريته (عليهم السلام)، مع أن مخالطتهم و مساورتهم لم تكن منكرة عند
الشيعة أصلا و لو سرا، و كذلك الحال في بني أمية و أتباعهم و بني العباس و
أتباعهم، و لعل ذلك لعدم دخولهم تحت النواصب لعدم تدينهم و ان تظاهروا به، و به
افترقوا عن الخوارج.
و من هنا كان الاقتصار في تفسير الناصب على ما
سمعته من القاموس متجها، لكن قد يقوى في النفس تعميم الناصب للعدو لأهل البيت
(عليهم السلام) و ان لم يكن متدينا به، لتحقق المعنى فيه، و لظهوره من الأخبار
السابقة، بل في جامع المقاصد و ظاهر مجمع البحرين تعميمه لناصب العداوة لشيعتهم،
لأنهم يدينون بحبهم، بل قد سمعت من السرائر انه الناصب، و لعله للخبرين السابقين،
و صدق اسم العدو لأهل البيت (عليهم السلام) بذلك، لكنه لا يخلو من تأمل، و ان كان
يمكن الاكتفاء بهما في إثباته، و ان لم يصلح سندهما لاندراجه في الظن بالموضوع،
إلا أن السيرة القاطعة في سائر الأعصار و الأمصار على مساورتهم و مخالطتهم مع غلبة
تحقق ذلك في أغلبهم تنافيه، كغيرها من الأدلة السابقة على طهارتهم، و الاحتياط في
اجتناب الجميع.
و عن شرح المقداد «أن الناصب يطلق على خمسة
أوجه: الخارجي القادح في علي (عليه السلام)، الثاني ما ينسب إلى أحدهم (عليهم
السلام) ما يسقط العدالة، الثالث من ينكر فضيلتهم لو سمعها، الرابع من اعتقد فضيلة
غير علي (عليه السلام)، الخامس من أنكر النص على علي (عليه السلام) بعد سماعه أو
وصوله اليه بوجه يصدقه، أما من أنكر لا جماع أو مصلحة فليس بناصب» انتهى.
قلت: و لا ريب في نجاسة الخامس و الأول، و أما
الثلاثة فيظهر البحث فيها مما مر
66
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم الزيدية و الواقفية و غيرهم ؛ ج6، ص : 67
لكن ليعلم أن الظاهر عدم تعدد معنى الناصب
ليكون مشتركا، بل هو على تقدير تسليم التعدد فيه حقيقة تعدد مصداق كالمتواطئ على
أن يكون المراد به مثلا العدو لأهل البيت (عليهم السلام) و لو بعداوة شيعتهم،
فتأمل جيدا.
[في حكم الزيدية و الواقفية و غيرهم]
و من جميع ما ذكرنا يظهر لك الحال في الفرق
المخالفة من الشيعة من الزيدية و الواقفية و غيرهم، إذ الطهارة فيهم أولى من
المخالفين قطعا، لكن عن
الكشي انه روى في كتاب الرجال بسنده إلى عمر
بن يزيد «1» قال: «دخلت على الصادق (عليه السلام) فحدثني
مليا في فضائل الشيعة، ثم قال: إن من الشيعة بعدنا من هم شر من الناصب، فقلت: جعلت
فداك أ ليس هم ينتحلون مودتكم و يتبرأون من عدوكم؟ قال: نعم، قلت: جعلت فداك بين
لنا لنعرفهم، قال: إنما هم قوم يفتنون بزيد و يفتنون بموسى».
و انه
روى أيضا «2» قال: «ان
الزيدية و الواقفة و النصاب بمنزلة واحدة»
و عن كتاب
الخرائج للقطب الراوندي عن أحمد بن محمد بن
مطهر «3» قال: «كتب بعض أصحابنا إلى أبي محمد (عليه
السلام) من أهل الجبل يسأله عمن وقف على أبي الحسن موسى (عليه السلام) أتولاهم أم
أتبرأ منهم؟ فكتب أ ترحم على عمك لا يرحم الله بعمك، و تبرأ منه، أنا إلى الله بريء
منهم، فلا تتولاهم، و لا تعد مرضاهم، و لا تشهد جنائزهم، وَ لٰا تُصَلِّ
عَلىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مٰاتَ أَبَداً، سواء من جحد إماما من الله تعالى أو زاد
إماما ليست إمامته من الله تعالى، أو قال: ثالث ثلاثة، إن الجاحد أمر آخرنا جاحد
أمر أولنا، و الزائد فينا كالناقص الجاحد أمرنا»
إلى غير ذلك من الأخبار المشعرة بنجاستهم.
______________________________
(1)
رجال الكشي ص 149.
(2) رجال الكشي ص 149.
(3) الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد المرتد-
الحديث 40 من كتاب الحدود و في الوسائل «كان كمن قال: إن الله ثالث ثلاثة» بدل «أو
قال: ثالث ثلاثة».
67
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم ولد الزنا ؛ ج6، ص : 68
و لعله لازم ما سمعته من المرتضى و غيره، إلا
أنه لا يخفى قصورها في جنب ما سمعته من الأدلة السابقة التي يمكن جريانها بل و
غيرها هنا، و الله أعلم.
و أما المستضعف من كل فرقة فلتمام البحث فيه
موضوعا و حكما مقام آخر، و إن كان الذي يقوى في النفس الآن و يعضده السيرة و العمل
إجراء حكم فرقته عليه.
[في حكم ولد الزنا]
و ليس من الكافر ولد الزنا قطعا، كما هو
المشهور بين الأصحاب، بل لعله إجماعي، لندرة المخالف و معروفية نسبه كما ستعرف، بل
هو لازم ما في الخلاف من الإجماع على تغسيله و الصلاة عليه، خصوصا بعد ملاحظة ذيل
كلامه، بل حكي عنه دعوى الإجماع على الطهارة، و هو الحجة بعد اعتضاده بالسيرة
القاطعة سيما في زماننا هذا، فإن أكثر أولاد جواري من يقربنا من الرساتيق من
الزنا، مع عدم تجنب العلماء عنهم فضلا عن العوام، و إجراء جميع أحكام المسلمين و
المؤمنين عليهم بعد بلوغهم و وصفهم ذلك، بل لا يخفى على من تتبع السيرة و التواريخ
كثرة أولاد الزنا في بدء الإسلام، و لم يعهد تجنب سؤرهم أو غيره من النبي (صلى
الله عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) و أصحابهم، بل المعهود خلافه، بل قيل:
قد ورد انه قد صار بعض أولاد الزنا مقبولا عند الأئمة (عليهم السلام)، و منهم من
وفق للشهادة، و اعتضاده قبل البلوغ بأصالة الطهارة و عموماتها فيه و في الملاقي
أيضا، و بهما مع عموم أدلة الإسلام و الايمان و المسلمين و المؤمنين بعد البلوغ.
فما في السرائر- ان ولد الزنا قد ثبت كفره
بالأدلة بلا خلاف بيننا، بل قد يظهر منه انه من المسلمات، كما عن المرتضى الحكم
بكفره أيضا، بل لعله الظاهر من قول الصدوق: «و لا يجوز الوضوء بسؤر اليهودي و
النصراني و ولد الزنا و المشرك» بل ربما قيل: إنه ظاهر الكليني أيضا، حيث روى «1» ما يدل
عليه- ضروري البطلان عقلا
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأسئار- الحديث 2.
68
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم ولد الزنا ؛ ج6، ص : 68
و نقلا إن أريد كفره في الدنيا و الآخرة و ان
فرض تحقق الايمان منه في نفس الأمر، و في غاية الضعف إن كان المراد أنه لا يوفق
للايمان، فلا يقبل منه لو أظهره، أو المراد إجراء حكم الكفار عليه في الدنيا خاصة
مع فرض إيمانه، و ان كان ربما يومي اليه ما ورد انه شر الثلاثة «1» و
انه «لا يبغض عليا (عليه السلام) إلا
ولد الزنا» «2»
و
ان «حب علي (عليه السلام) علامة طيب
المولد» «3»
و
«بغضه علامة الزنا» «4».
و
قول الباقر (عليه السلام) في الموثق المروي «5» عن ثواب
الأعمال: «لا خير في ولد الزنا، و لا في بشره و لا في شعره و لا في لحمه و
لا في دمه و لا في شيء منه».
و
الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير «6» المروي عن
عقاب الأعمال و محاسن البرقي «ان نوحا (عليه السلام) حمل في السفينة
الكلب و الخنزير و لم يحمل فيها ولد الزنا، و الناصب شر من ولد الزنا».
و في
خبر ابن أبي يعفور «7» المروي عن
الكافي «لا يغتسل من البئر التي يجتمع فيها غسالة الحمام، فان فيها غسالة
ولد الزنا و هو لا يطهر إلى سبعة آباء»
كقول أبي الحسن (عليه السلام) في خبر أبي
حمزة بن أحمد «8» بتفاوت يسير.
و نحوهما
خبر علي بن الحكم «9» «لا
تغتسل، فإنه يغتسل فيه من الزنا،
______________________________
(1)
البحار- ج 5 ص 285 المطبوعة بطهران عام 1376.
(2) البحار- ج 9 ص 414 من طبعة الكمپاني.
(3) الغدير للأمينى- ج 4 ص 323 المطبوع
بطهران و أخرجه عن النضرة للحافظ محب الدين الطبري- ج 2 ص 189.
(4) الغدير للأمينى- ج 4 ص 322 المطبوع
بطهران.
(5) البحار- ج 5 ص 285- 287 المطبوع بطهران
عام 1376.
(6) البحار- ج 5 ص 285- 287 المطبوع بطهران
عام 1376.
(7) الوسائل- الباب- 11- من أبواب الماء
المضاف- الحديث 4.
(8) الوسائل- الباب- 11- من أبواب الماء
المضاف- الحديث 1 و في الوسائل عن حمزة بن أحمد كما في التهذيب- ج 1 ص 373 من طبعة
النجف.
(9) الوسائل- الباب- 11- من أبواب الماء
المضاف- الحديث 3.
69
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم ولد الزنا ؛ ج6، ص : 68
و يغتسل فيه ولد الزناء».
و
مرسل الوشاء «1» عن الصادق
(عليه السلام) «انه كره سؤر ولد الزناء و اليهودي و النصراني و المشرك»
إلى آخره. بناء على إرادة الحرمة من الكراهة
بقرينة المعطوف، و إلا لزم استعمال اللفظ في حقيقته و مجازه، أو المشترك في
معنييه.
و الأخبار «2» الدالة
على مساواة ديته لدية اليهودي ثمانمائة درهم، بل في
خبر عبد الله بن سنان «3» عن الصادق
(عليه السلام) «كم دية ولد الزنا؟ قال: يعطى الذي اتفق»
كالأخبار «4» الدالة
على أن الجنة طاهرة لا يدخلها إلا من طابت ولادته.
بل في
مرفوع الديلمي «5» إلى
الصادق (عليه السلام) المروي عن العلل قال:
«يقول ولد الزناء يا رب فما ذنبي؟ فما كان
لي في أمري صنع، قال: فيناديه مناد يقول: أنت شر الثلاثة، أذنب و الداك فتبت
عليهما، و أنت رجس، و لن يدخل الجنة إلا طاهر»
إلى غير ذلك.
لكنها جميعا كما ترى قاصرة عن إثبات خلاف ما
هو مقتضى أصول المذهب و قواعده المعول عليها هنا عند سائر أصحابنا عدا من عرفت كما
حكاه في المختلف قابلة للحمل على إرادة الخبث الباطني المانع من توفيقه لإظهار
الايمان غالبا، و على كراهة مباشرة سؤره، و أخبار الدية لم ينقل العمل بها من أحد
ممن لم يقل بكفره، كما أن عدم دخول الجنة لو قلنا به لا دلالة فيه على المطلوب، إذ
لعل الله أعد له ثوابا آخر.
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأسئار- الحديث 2.
(2) الوسائل- الباب- 15- من أبواب ديات
النفس من كتاب الديات.
(3) الوسائل- الباب- 8- من أبواب ميراث
الملاعنة- الحديث 3 من كتاب الإرث.
(4) البحار- ج 5 ص 285 و 287 المطبوع بطهران
عام 1376.
(5) البحار- ج 5 ص 285 المطبوع بطهران عام
1376.
70
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم عرق الجنب من الحرم ؛ ج6، ص : 71
كما لعله يومي اليه
خبر أبي بكر «1» المروي عن
المحاسن، قال: «كنا عنده و مضى عبد الله بن عجلان، فقال عبد الله بن عجلان: معنا
رجل يعرف ما نعرف، و يقال: إنه ولد زنا، فقال: ما تقول؟ فقلت: إن ذلك ليقال، فقال:
إن كان كذلك بني له بيت في النار من صدر يرد عنه و هج جهنم، و يؤتي برزقه».
و في
خبر ابن أبي يعفور «2» المروي عن
الكافي قال: «قال الصادق (عليه السلام):
ولد الزناء يستعمل، إن عمل خيرا جزي به، و
إن عمل شرا جزي به»
الحديث.
و الله أعلم و أرأف بنا و به ذلك اليوم.
[في حكم عرق الجنب من الحرم]
و في نجاسة عرق الجنب من
الحرام و لو مع عدم الانزال حين الفعل أو بعده و عرق الإبل
الجلالة و المسوخ كالقرد و الدب خلاف بين الطائفة، أما
الأول فالصدوقان في الرسالة و الفقيه و عن الأمالي و الشيخان في المقنعة و الخلاف
و النهاية و ظاهر التهذيب و الاستبصار و ابن الجنيد و القاضي على ما حكي عنهما و
المحدث البحراني في الحدائق و شيخنا في كشف الغطاء و المعاصر في الرياض و النراقي
في اللوامع على النجاسة، و إن لم ينص جماعة منهم عليها، لكنهم نصوا على ما يقتضيها
هنا من عدم جواز الصلاة و نحوه، و هو ظاهر الأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح أو
صريحه، بل نسبه فيه إلى الشهرة العظيمة، كما انه في الرياض نسبه إلى الأشهر بين
المتقدمين تارة، و إلى الشهرة العظيمة بينهم أخرى، و في اللوامع إلى كثير من
الطبقة الثانية و من قدمنا ذكرهم من القدماء، بل في الغنية و المراسم نسبته إلى
أصحابنا، بل في الخلاف الإجماع عليه، بل عن الأمالي ان من دين الإمامية الإقرار
به، و هو كسابقه إجماع أو أعلى منه.
فهما الحجة حينئذ بعد اعتضادهما بالشهرة
المحكية، بل و بظاهره من الديلمي و ابن زهرة، و ان كان فتوى الأول منهما بالطهارة
يؤذن بعدم إرادته الإجماع المصطلح
______________________________
(1)
البحار- ج 5 ص 287 المطبوعة بطهران عام 1376.
(2) البحار- ج 5 ص 287 المطبوعة بطهران عام
1376.
71
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم عرق الجنب من الحرم ؛ ج6، ص : 71
منه، فيحمل على الشهرة العظيمة، و بوجوده في
نحو رسالة علي بن بابويه و النهاية التي هي غالبا متون أخبار.
و بما في
الفقه الرضوي «1» «إن عرقت
في ثوبك و أنت جنب و كانت الجنابة من حلال فتجوز الصلاة فيه، و ان كانت حراما فلا
تجوز الصلاة فيه حتى يغسل».
و بما قد يشعر به
قول أبي الحسن (عليه السلام) في مرسل علي بن
الحكم «2»:
«لا تغتسل من غسالة الحمام، فإنه يغتسل فيه
من الزنا»
ك
قوله (عليه السلام) «3» و قد قيل:
إن أهل المدينة يقولون: إن فيه شفاء من العين: «كذبوا يغتسل فيه
الجنب من الحرام و الزاني و الناصب الذي هو شرهما ثم يكون فيه شفاء من العين».
و بما في
الذكرى روى محمد بن همام «4» بإسناده
إلى إدريس بن زياد الكفرتوثي «أنه كان يقول بالوقف فدخل سر من رأى في
عهد أبي الحسن (عليه السلام) و أراد أن يسأله عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب، أ
يصلي فيه؟ فبينما هو قائم في طاق باب لانتظاره (عليه السلام) حرّكه أبو الحسن
(عليه السلام) بمقرعة و قال مبتدء: إن كان من حلال فصل فيه، و إن كان من حرام فلا
تصل فيه»
الحديث.
و بما في البحار «5» نقلا من
كتاب
المناقب لابن شهراشوب من كتاب المعتمد في
الأصول، قال: «قال علي بن مهزيار: وردت العسكر و أنا شاك في الإمامة فرأيت
السلطان قد خرج إلى الصيد في يوم من الربيع إلا أنه صائف، و الناس عليهم ثياب
______________________________
(1)
فقه الرضا عليه السلام ص 4.
(2) الوسائل- الباب- 11- من أبواب الماء
المضاف- الحديث 3.
(3) الوسائل- الباب- 11- من أبواب الماء
المضاف- الحديث 2.
(4) الوسائل- الباب- 27- من أبواب النجاسات-
الحديث 12 و في ضبط إدريس ابن زياد الكفرتوثي اختلاف فراجع تنقيح المقال
للمامقانى.
(5) المستدرك- الباب- 20- من أبواب
النجاسات- الحديث 5.
72
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم عرق الجنب من الحرم ؛ ج6، ص : 71
الصيف، و على أبي الحسن (عليه السلام)
لبابيد، و على فرسه تخفاف لبود، و قد عقد ذنب فرسه، و الناس يتعجبون منه و يقولون:
أ لا ترون إلى هذا المدني و ما قد فعل بنفسه؟ فقلت: لو كان إماما ما فعل هذا، فلما
خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا إذا ارتفعت سحابة عظيمة هطلت، فلم يبق أحد إلا
ابتل ثم غرق بالمطر، و عاد (عليه السلام) و هو سالم من جميعه، فقلت في نفسي: يوشك
أن يكون هو الامام، ثم قلت: أريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب، فقلت: إن
كشف وجهه فهو الامام، فلما قرب مني كشف وجهه، ثم قال: إن كان عرق الجنب في الثوب و
جنابته من حرام لا تجوز الصلاة فيه، و إن كانت جنابته من حلال فلا بأس به، فلم يبق
في نفسي بعد ذلك شك»
الحديث.
و بما في
البحار أيضا «1» أني وجدت
في كتاب عتيق من مؤلفات قدماء أصحابنا، بل فيما حضرني من نسخة البحار أظنه مجموع
الدعوات لمحمد بن هارون بن موسى التلعكبري رواه عن أبي الفتح غازي بن محمد الطريفي
عن علي بن عبد الله الميموني عن محمد بن علي بن معمر عن علي بن مهزيار بن موسى
الأهوازي عنه (عليه السلام) مثله، و قال: «إن كان من حلال فالصلاة في الثوب
حلال، و إن كان من حرام فالصلاة في الثوب حرام»
إلى آخره.
و بما عن موضع من المبسوط من نسبته إلى رواية
بعض أصحابنا، و عن آخر منه أيضا انه
«إن عرق فيه و كانت الجنابة من حرام روى
أصحابنا أنه لا يجوز الصلاة، فإن كانت من حلال لم يكن به بأس».
قلت: لكن عدم حجية الرضوي عندنا و ضعف الاشعار
السابق و قصور دلالة الباقي- لأعمية حرمة الصلاة من النجاسة، و عدم وضوح سند خبر
الذكرى و المناقب،
______________________________
(1)
المستدرك- الباب- 20- من أبواب النجاسات- الحديث 5.
73
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم عرق الجنب من الحرم ؛ ج6، ص : 71
و ظهور ضعف سند الموجود في الكتاب العتيق بعلي
بن عبد الله الميموني، فإنه فاسد الاعتقاد و الرواية كما عن النجاشي، و غاليا
ضعيفا كما عن ابن الغضائري، و خلو الكتب المعتمدة عنها، و عدم ورود خبر يعضدها من
النبي (صلى الله عليه و آله) و الأئمة الماضين (عليهم السلام) مع كثرة الرواة و
اللواط و الزناة و إقامة الحدود عليهم في تلك الأوقات، و فتوى المتأخرين بخلافها و
ان كان لاحتمال بل ظهور عدم عثورهم عليها و غير ذلك- يمنع من تحكيمها على ما دل
على الطهارة من الأصل بل الأصول و العمومات، خصوصا الوارد منها في الأسئار.
و ترك الاستفصال في
خبر عمرو بن خالد «1» عن زيد بن
علي عن أبيه عن جده عن علي (عليهم السلام) قال: «سألت رسول الله
(صلى الله عليه و آله) عن الجنب و الحائض يعرقان في الثوب حتى يلصق عليهما، فقال:
إن الحيض و الجنابة حيث جعلهما الله عز و جل ليس في العرق، فلا يغسلان ثوبهما».
و
خبر أبي بصير «2» قال: «سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن القميص يعرق فيه الرجل و هو جنب حتى يبتل القميص، فقال:
لا بأس، و إن أحب أن يرشه بالماء فليفعل».
و إطلاق
قول الصادق (عليه السلام) في خبر حمزة بن
حمران «3»: «لا يجنب الثوب الرجل، و لا يجنب الرجل
الثوب».
و أما ما في الرياض و غيره- من انجبار قصور
أسانيدها بالشهرة العظيمة بين القدماء و الإجماعات المحكية، و دلالتها بعدم القول
بالفصل هنا، إذ ليس أحد ممن قال بالطهارة منع من الصلاة فيه، فالقول حينئذ بحرمة
الصلاة خاصة دون باقي أحكام النجاسة إحداث قول في المسألة- فقد يناقش فيه أولا
بمنع تحقق عظمة الشهرة، لأن جملة من
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 27- من أبواب النجاسات- الحديث 9.
(2) الوسائل- الباب- 27- من أبواب النجاسات-
الحديث 8.
(3) الوسائل- الباب- 27- من أبواب النجاسات-
الحديث 5.
74
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم عرق الجنب من الحرم ؛ ج6، ص : 71
القدماء لم تنقل فتاواهم لنا في ذلك، كالمرتضى
و غيره، و ظاهر ابن حمزة التردد، حيث نسب النجاسة إلى أحد القولين، كما أن الحلبي
في إشارة السبق قال: فيه خلاف، بل لعله ظاهر ابن زهرة أيضا، حيث نسبه إلى إلحاق
الأصحاب، و صريح المراسم الطهارة بعد أن نسب النجاسة إليهم أيضا، و هو مؤذن بعدم
إرادته الإجماع منه، و مقنعة المفيد- مع أنه لا صراحة فيها بالنجاسة، بل لعل ظاهر
ذيلها ذكر الاحتياط في الطهارة كالتهذيب- قد حكى عنه في السرائر و غيرها رجوعه عن
ذلك في رسالته إلى ولده، و ظاهر المحكي عن المبسوط التردد، بل في صريح الذكرى و
ظاهر السرائر و عن الدلائل حكاية قوة الكراهة عن المبسوط بعد أن نسب عدم جواز
الصلاة إلى رواية أصحابنا، و يؤيده عدم ذكره له في تعداد النجاسات في الجمل، و لذا
قال في السرائر: «إن من قال بالنجاسة قد رجع عنه في كتاب آخر له، فصار ما اخترناه
إجماعا» انتهى.
فانحصر الخلاف حينئذ في الصدوقين و المحكي عن
ابني الجنيد و البراج، و تحقق عظمة الشهرة بهؤلاء كما ترى، خصوصا مع عدم ثبوته عن الأخيرين
إلا بالنقل الذي هو محل الخطاء.
و من هنا نسب القول بالطهارة في المختلف و
الذكرى و عن الكفاية إلى المشهور، بل في المحكي عن ابن الجنيد ما يشعر بإرادة
الاحتياط، حيث قال بعد أن ذكر وجوب غسل عرق الجنب من حرام: «و كذلك عندي الاحتياط،
إن كان جنبا من احتلام ثم عرق في ثوبه» انتهى، لظهور تشبيهه بما ذكرنا.
و يؤيد ذلك كله نسبة القول بالطهارة في
المختلف و الذكرى و عن الكفاية إلى المشهور من غير تقييد له بالمتأخرين، بل عن شرح
الموجز ان القول بالنجاسة للشيخ، و هو متروك، كما انه بذلك كله و إعراض عامة
المتأخرين كما حكاه غير واحد يوهن إجماع الخلاف و الأمالي أيضا.
75
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم عرق الجنب من الحرم ؛ ج6، ص : 71
و أما ثانيا فبمنع دعوى عدم القول بالفصل إن
أراد القطعي منه، بل و الظني أيضا مع عدم حجيته في نفسه عندنا، لأنه و إن كان لم
يصرح أحد ممن قال بالطهارة بعدم جواز الصلاة لكن جماعة ممن نسب إليهم النجاسة لم
يصرحوا بها، بل اقتصروا على ذكر حرمة الصلاة إذا كانت الجنابة من حرام، كالصدوقين
و الشيخ في الخلاف، بل هو معقد إجماع الأخير كالنسبة إلى دين الإمامية في الأمالي،
و ذلك منهم إن لم يكن ظاهرا في إرادة حرمة الصلاة خاصة، كفضلات ما لا يؤكل لحمه
فلا ريب في كونه محتملا، سيما مع كون ما تخيل مستندا لهم من الرضوي و خبري الذكرى
و البحار لا تعرض فيها لحرمة غير الصلاة، بل قد يدعى ظهورها فيه، لاستبعاد التعبير
بالحرمة في جميعها عن النجاسة.
بل قد تشعر عبارة الصدوق في الفقيه بذلك، قال
فيه: «و متى عرق في ثوبه و هو جنب فليتنشف فيه إذا اغتسل، و ان كانت الجنابة من
حلال فحلال الصلاة فيه، و ان كانت من حرام فحرام الصلاة فيه» لظهور أن موضوع
الحكمين الأخيرين في كلامه الثوب الذي أمر بالتنشف فيه.
فبان لك حينئذ قوة القول بالطهارة وفاقا
للمراسم و السرائر و من تأخر عنهما، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه في سائر ما
اشترط بالطهارة، خصوصا الصلاة، سيما بعد ما عرفت من قيام احتمال التعبد فيها خاصة
و ان كان طاهرا، بل لعله لا يخلو من وجه، للإجماعين و الأخبار المتقدمة، فتأمل
جيدا.
و لا يلحق بالجنب من حرام المحتلم قطعا و
إجماعا، فما عن ابن الجنيد من الاحتياط في عرقه ضعيف جدا لا نعرف له مأخذا يعتد
به، و لقد أجاد بعض المحققين بقوله:
«لا نعرف له وجها و لا موافقا».
76
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم عرق الإبل الجلالة ؛ ج6، ص : 77
و لا الحائض و النفساء و غيرهما لطهارة عرقهما
كالمجنب من حلال إجماعا و نصوصا «1».
نعم لا فرق في المجنب من حرام بين الرجل و
المرأة، و لا بين القبل و الدبر، و لا بين الحي و الميت، و لا بين الزناء و اللواط
و وطء البهائم و لا بين الانزال و الإدخال إلى غير ذلك مما يدخل تحت المحرم ذاتا.
أما المحرم عرضا كوطء الحائض و النفساء و
نحوهما فوجهان، أقواهما العدم حتى المظاهر، و ان استشكل فيه في المنتهى اقتصارا
على المتيقن، و خصوصا فيما كان عروض التحريم لمرض أو صوم معين أو نذر و نحوهما.
و لو وطأ الصبي أجنبية ففي نجاسة عرقه إشكال
كما في المنتهى، ينشأ من عدم الحرمة في حقه، و من إرادة الحرمة في حد ذاته.
و منه يظهر الحال في المكره و المكرهة إلى غير
ذلك من الفروع الظاهرة المأخذ، فتأمل جيدا.
[في حكم عرق الإبل الجلالة]
و أما الثاني و هو عرق الإبل الجلالة فنجاسته
خيرة المقنعة و النهاية و المنتهى و كشف اللثام و الحدائق و اللوامع و ظاهر المدارك
و الذخيرة و عن المبسوط و القاضي، بل ربما نسب إلى ظاهر الكليني لروايته «2» ما يدل
عليها، بل حكاه في اللوامع عن الصدوقين أيضا، بل في الرياض أنه الأشهر بين
القدماء، و في الغنية و المراسم نسبته إلى أصحابنا و ان اختار ثانيهما الندب، ل
قول الصادق (عليه السلام) في صحيح هشام بن
سالم «3»: «لا تأكلوا لحوم الجلالة، و إن أصابك من
عرقها فاغسله»
و في
حسن حفص ابن البختري كالصحيح «4» «لا تشرب
من ألبان الإبل الجلالة، و إن أصابك من
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 28- من أبواب النجاسات.
(2) الوسائل- الباب- 15- من أبواب النجاسات-
الحديث 0.
(3) الوسائل- الباب- 15- من أبواب النجاسات-
الحديث 1.
(4) الوسائل- الباب- 15- من أبواب النجاسات-
الحديث 2.
77
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم عرق الإبل الجلالة ؛ ج6، ص : 77
عرقها فاغسله»
و
المرسل «1» في الفقيه «نهى عن
ركوب الجلالات و شرب ألبانها، و قال: إن أصابك من عرقها فاغسله».
و طهارته صريح المراسم و النافع و كشف الرموز
و المختلف و الذكرى و البيان و الدروس و الموجز و عن نهاية الأحكام و التحرير و
المهذب و التنقيح و غيرهم من المتأخرين، و هو الأقوى، و كأنه ظاهر السرائر بل في المختلف
و الذكرى و البحار و عن غيرها نسبته إلى الشهرة من غير تقييد، بل في المدارك إلى
الديلمي و الحلي و سائر المتأخرين، كالذخيرة إلى جمهورهم، بل عن كشف الالتباس أن
القول بالنجاسة للشيخ، و هو متروك للأصل بل الأصول حتى في العرق نفسه، لطهارته قبل
خروجه إلى مسمى العرق، فيستصحب حينئذ، و العمومات خصوصا ما دل منها على طهارة
سؤرها المتقدم في باب الأسئار، و انه تابع لطهارة الحيوان، إذ هي طاهرة العين في
حال الجلل اتفاقا في جامع المقاصد و عن الدلائل، فيكون عرقها طاهرا، إما لاقتضاء
ما دل على طهارتها من الإجماع المحكي و غيره طهارته، لملازمته غالبا للحيوان جافا
أو رطبا، بل هو من جملة توابع الحيوان المحكوم بطهارته المستفاد منها طهارته جميعه
حتى رطوباته، فيكون قبل بروزه إلى مسمى العرق و بعده طاهرا قطعا، و إما لاقتضاء ما
دل على طهارة سؤره طهارته، لما عرفته من ملازمته للحيوان غالبا.
بل في حاشية هامش ما حضرني من نسخة الوسائل و
كتب بعدها أنه منه «استدل علماؤنا على كراهة سؤر الجلال بحديث هشام بن
سالم «2» المتقدم سابقا، و أحاديث ما لا يؤكل لحمه «3» و دلالة
الثاني واضحة، و دلالة الأول مبنية على أنهم أجمعوا على تساوي
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 5.
(2) الوسائل- الباب- 15- من أبواب النجاسات-
الحديث 1.
(3) الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأسئار.
78
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم عرق الإبل الجلالة ؛ ج6، ص : 77
حكم العرق و السؤر هنا، بل في جميع الأفراد، و
الفرق إحداث قول ثالث، و أيضا فإن بدن الحيوان لا يخلو أبدا من العرق إما جافا و
إما رطبا، فيتصل بالسؤر، فحكمه حكمه، و على كل حال فضعف الدلالة منجبر بأحاديث ما
لا يؤكل لحمه» انتهى. و فيه شواهد على المقام خصوصا ما سمعته من الإجماع.
هذا كله مع إمكان التأييد باستبعاد الفرق
بينها حينئذ و بين ما حرم أكله أصالة من الحيوانات و بين باقي جلال الحيوان، لعدم
خلاف في طهارته من غير الإبل إلا ما حكي عن النزهة، بل و بين باقي فضلاته نفسه مما
لا يدخل تحت اسم نجس كالبول.
و بفحوى ما دل على حل أكله بعد استبرائه المدة
من غير أمر بتطهير جسده لو كان قد عرق، و دعوى حصول الطهارة له تبعا ممنوعة، إذ
أقصى ما يستفاد عود الحل بتلك المدة لا طهارة بدنه من النجاسة العارضية، و ليس ذا
من زوال العين المطهر للحيوان، لكون المفروض وجوده جافا.
و بفحوى عدم حرمة استعمالها بالركوب، و حمل
الأثقال و نحوها مما هو مستلزم للعرق غالبا مع المباشرة من غير أمر بالتجنب أو
التحفظ عن العرق، إلى غير ذلك من المؤيدات الكثيرة، على أن الصحيح الأول و مرسل
الفقيه لا اختصاص فيهما بالإبل، و حمله على الأعم قد عرفت انه لا قائل به مما عدا
النزهة.
و احتمال التخصيص الذي لا يمنع حجية العام في
الباقي يدفعه عدم جوازه إلى الواحد عندنا، خصوصا في المخصص المنفصل، و كذا احتمال
إرادة العهد من الجمع أو عود الضمير إلى صنف من الجمع، و هو الإبل، فلا يكون حينئذ
عدم وجوب الغسل في غير عرق الإبل تخصيصا حتى يلزم المحذور السابق، إذ هو تكلف و
تشهي و تعسف، فلا بد حينئذ من حمل الأمر فيه على غير الوجوب، و إلا كان الخبر من
الشواذ، و مجاز الندب أولى من مجاز القدر المشترك على عموم المجاز قطعا، لشيوعه
حتى قيل: إنه مساو
79
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم عرق الإبل الجلالة ؛ ج6، ص : 77
للحقيقة، فيكون قرينة على إرادة الندب منه
أيضا بالنسبة للإبل في الحسن، و احتمال حمله على الوجوب، و جعله قرينة على إرادة
القدر المشترك من الأول ليس بأولى مما ذكرنا، بل هو أولى، لما عرفت من الأمور
السابقة و غيرها نحو إعراض المشهور عن الوجوب فيها أيضا، بل حملهم الأمر في الصحيح
السابق على الندب بالنسبة إلى غير جلال الإبل مع عدم ظهور معارض يختص به عن الإبل
يشرف الفقيه على القطع باتحاد الحال فيهما.
و من ذلك كله ظهر لك ما في كلام المعاصر في
الرياض، حيث قال بعد ذكره الصحيحين مستند النجاسة: «و بهما يخص أدلة الطهارة التي
تمسك بها الجماعة المتأخرة البالغة حد الشهرة، لكنها بالإضافة إلى شهرة القدماء
مرجوحة على فرض التساوي، فترجيحها عليها يحتاج إلى دلالة واضحة، و هي منتفية، و
الأصل و العمومات بالصحيحين المرجحين بشهرة القدماء مخصصة، و هما أدلة خاصة، و تلك
أدلة عامة، و الخاص مقدم بالضرورة، فالمرجح مع الشهرة القديمة البتة» انتهى.
مع ما فيه أيضا من عدم تحقق ما ادعاه من
الشهرة، إذ ليس هو إلا فتوى الشيخين و القاضي منهم، و إلا فغيرهم إن لم يظهر منهم
الطهارة، لعدم ذكرهم له في تعداد النجاسات أو لغيره لم يظهر منهم النجاسة، بل لعل
ظاهر الوسيلة و الغنية عدمها، و قد سمعت ما في كشف الالتباس، و رواية الكليني
للصحيح لا دلالة فيها على اختياره النجاسة و إلا لذكره عنوانا كما هي عادتهم فيما
يختارونه، مع أنه لعله أراد الندب منها، كما أن رواية الصدوق للمرسل السابق كذلك،
و ان كان قد ذكر في أول كتابه أنه لا يذكر فيه إلا ما يعمل به، لكنه مع ما قيل من
رجوعه عن ذلك محتمل لأن يكون عمله فيها على جهة الندب، و لذا لم تعرف الحكاية عنه
و عن والده و الكليني هنا، حتى في المختلف المعد لمثل ذلك، بل ظاهره فيه عدم قولهم
بالنجاسة، و الله أعلم.
80
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم المسوخ ؛ ج6، ص : 81
[في حكم المسوخ]
و أما الثالث و هو المسوخ فالمشهور نقلا و
تحصيلا طهارة ما عدا الكلب و الخنزير منها عينا و سؤرا و لعابا شهرة كادت تكون
إجماعا، بل لعله الظاهر من المحكي عن الناصريات، حيث قال: «عندنا ان سؤر جميع
البهائم من ذوات الأربع و الطيور طاهر سوى الكلب و الخنزير» بل هو صريح الغنية
فيما عداهما و عدا الثعلب و الأرنب من الحيوان ذي الأربع و في الطير و الحشرات، بل
لعله ضروري في بعضها كالزنبور و نحوه مما علم من طريقة المسلمين و سيرتهم طهارته،
مع ما في نجاسته من العسر و الحرج، و كالضروري في آخر مما لا نفس له سائلة منها،
لما تقدم من الإجماعات و غيرها على طهارة ميتته المستلزمة طهارته حيا بالأولى.
و يدل عليها- مضافا إلى ما تقدم في الثعلب و
الأرنب و الفأرة و الوزغة و العقرب منها سابقا هنا و في باب الأسئار- الأصل و
العمومات، و ما دل على طهارة سؤرها من صحيح البقباق «1» و غيره «2» و على طهارة
العاج «3» و عظام الفيل «4» و نحو ذلك،
فما في المراسم و الوسيلة و عن الإصباح من نجاسة لعابها ضعيف لا نعرف له مأخذا
يعتد به، كالمحكي عن صريح أطعمة الخلاف من نجاسة المسوخ كلها، و ظاهر بيعه، حيث
علل عدم جواز بيع القرد بالإجماع على انه مسخ نجس، و انه لا يجوز بيع ما كان كذلك،
كالمحكي عن بيع مبسوطة، حيث قال: «لا يجوز بيع الأعيان النجسة كالكلب و الخنزير و
جميع المسوخ» مع احتمال العطف فيه على المشبه لا المشبه به، و احتمال قراءة ما في
الخلاف «النحاسة» بالحاء المهملة أو بالجيم على إرادة معناها من الخباثة و نحوها
لا المعنى المتعارف، كما يؤيده حكمه في الخلاف أيضا بجواز التمشط بالعاج، و
استعمال المداهن منه مدعيا عليه
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 11- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
(2) الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأسئار-
الحديث 6.
(3) الوسائل- الباب- 72- من أبواب آداب
الحمام.
(4) الوسائل- الباب- 72- من أبواب آداب
الحمام.
81
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم المسوخ ؛ ج6، ص : 81
الإجماع، و ما حكي عنه في الاقتصاد «ان غير
الطير على ضربين: نجس العين و نجس الحكم، فنجس العين هو الكلب و الخنزير، فإنه نجس
العين نجس السؤر نجس اللعاب، و ما عداه على ضربين: مأكول و غير مأكول، فما ليس
بمأكول كالسباع و غيرها من المسوخات مباح السؤر، و هو نجس الحكم» انتهى. فيخرج عن
الخلاف حينئذ، و إلا لم نعرف له دليلا يعتد به على النجاسة بالمعنى المعروف، بل
ظاهر الأدلة خلافه كما عرفت، و عدم جواز البيع بعد تسليمه أعم من النجاسة، كما هو
واضح.
فبان لك من ذلك حينئذ أن قول المصنف و الأظهر
الطهارة في محله بالنسبة للجميع، أي عرق الجنب من الحرام و الإبل الجلالة و
المسوخ و ان اختلفت مراتب الظهور في المسائل الثلاثة كما عرفت.
و المراد بالمسوخ حيوانات على صورة المسوخ
الأصلية، و إلا فهي لم تبق أكثر من ثلاثة أيام ك ما رواه الصدوق في
الفقيه مرسلا «1» و عددها- المحصل من حسن الحلبي «2» عن الصادق
(عليه السلام) و صحيح محمد بن الحسن الأشعري «3» عن الرضا
(عليه السلام) و خبر الحسين بن خالد «4» و خبر سليمان
الجعفري «5» عن أبي الحسن (عليه السلام) و خبري علي
بن جعفر «6» و على بن مغيرة «7» عن الصادق
و الكاظم (عليهما السلام) المرويين عن العلل بعد الجمع بينها- نيف و
عشرون: الضب و الفأرة و القرد و الخنازير و الفيل و الذئب و الأرنب و الوطواط و
الجريث و العقرب و الدب و الوزغ و الزنبور و الطاوس و الخفاش و الزمير و المارماهي
و الوبر و الورس «8» و الدعموص
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 10.
(2) الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة
المحرمة- الحديث 1.
(3) الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة
المحرمة- الحديث 7.
(4) الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة
المحرمة- الحديث 2.
(5) الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة
المحرمة- الحديث 6.
(6) الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة
المحرمة- الحديث 14.
(7) الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة
المحرمة- الحديث 12.
(8) الزمير و المارماهي و الوبر و الورس
ليست في الروايات السابقة و انما ذكرت في رواية الكلبي النسابة المروية في
الوسائل- في الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 8 و فيها «الورك» بدل
«الورس» و هما و هم و الصحيح «الورل».
82
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في طهارة لبن الجارية ؛ ج6، ص : 83
و العنكبوت و القنفذ و سهيل و الزهرة، و هما
دابتان من دواب البحر، و زاد في كشف الغطاء الكلب و الحية و العظاءة و البعوض و
القملة و العيفيقا و الخنفساء، و لعله لأخبار أخر «1» كما ان ما
في الفقيه أيضا من النعامة و الثعلب و اليربوع و الوطواط كذلك، أو لتعدد أسماء
بعضها، إلا أنه قيل: لا موافق للصدوق على النعامة من الأخبار أو كلام الأصحاب، بل
ربما يظهر منهم في كتاب الحج في بحث الصيد و من كتاب الأطعمة في عد المحرمات
الاتفاق على إباحتها، و عن بعض نسخه «بعامة» بالباء الموحدة، و لتمام البحث في
تعدادها و سبب مسخها و باقي أحكامها مقام آخر.
[في طهارة لبن الجارية]
و أما ما عدا ذلك من جميع ما
ذكرناه و ذكر المصنف فليس بنجس عينا و انما تعرض له النجاسة بلا خلاف
يعتد به إلا ما عن ابني الجنيد و حمزة و ظاهر الصدوق من نجاسة لبن الصبية، ل
خبر السكوني «2» «لبن
الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم، لأنه يخرج من مثانة أمها»
و هو- مع عدم ثبوته عن الأخير و إن أورد
الرواية في كتابه أيضا- ضعيف، لضعف دليله في مقابلة الأصول و العمومات و السيرة و
العمل و الإجماع المدعى، فيحمل على الندب أو التقية، فالأصح حينئذ تبعية اللبن
لذاته، فالطاهرة طاهرة اللبن، و النجسة نجسته، لكن في كشف اللثام «سواء النجسة
ذاتا أو عرضا بالجلل أو الوطء أو الموت».
قلت: قد سمعت الكلام في لبن الميتة، و لم نعرف
حيوانا ينجس بالجلل أو الوطء يتبعه اللبن، بل و لا قائلا بذلك، و كأنه اشتباه في
الحرمة، و الله أعلم.
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4 و 15 و المستدرك الباب- 2-
من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4 و 8 و في كشف الغطاء «العنقاء» بدل «العيفيقا»
كما في الوسائل، و الصحيح هو الأول لأن العيفيقا ليس في الأخبار و لا في اللغة و
لم نجد في الأخبار مسخ «العظاءة».
(2) الوسائل- الباب- 3- من أبواب النجاسات-
الحديث 4.
83
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في طهارة لبن الجارية ؛ ج6، ص : 83
و الدود و الصراصر و نحوها المتولدة من الميتة
أو العذرة طاهرة، للأصل و العمومات، و ما دل «1» على طهارة
ميتة ما لا نفس له،
سأل علي بن جعفر «2» أخاه
(عليهما السلام) «عن الدود يقع من الكنيف على الثوب يصلى فيه، قال: لا بأس إلا أن
ترى فيه أثرا فتغسله»
فتردد المصنف في طهارته في غير محله، كتمسكه
للنجاسة بالاستصحاب الواضح عدم جريانه في المقام.
و أما الحديد فطاهر إجماعا محصلا و منقولا بل
و
نصوصا «3» بل كاد يكون ضروريا، فما في بعض الأخبار «4» مما يشعر
بنجاسته مطرح أو محمول على إرادة غير المعنى المتعارف منها، كما يومي اليه ما في بعضها «5» انه نجس
ممسوخ، مع احتمال قراءته بالحاء المهملة.
و القيح مع تجرده عن الدم لا ريب في طهارته
للأصل و العمومات و السيرة و غيرها.
بل و كذا الصديد و ان تردد فيه الفاضلان، لما
قيل في تفسيره إنه ماء الجرح بالدم قبل أن تغلظ المدة إذ هو في الحقيقة نزاع في
لفظ، لتسليمهما طهارته، مع عدم الدم، كما انا نسلم نجاسته معه، و عليه ينزل ما عن
الشيخ من إطلاق طهارته، و إلا كان شاذا.
كالقول بنجاسة القيء، إذ لا نعرف مدركا يعتد
به لكل منهما، نعم في الوسيلة قيد طهارة الأخير بما إذا لم يأكل شيئا نجسا، و هو
متجه في بعض الصور الخارجة عن محل البحث، لأن الكلام في نجاسته من حيث انه قيء لا
لنجاسة سابقه أو عارضة فتأمل جيدا.
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 35- من أبواب النجاسات.
(2) الوسائل- الباب- 80- من أبواب النجاسات-
الحديث 1.
(3) الوسائل- الباب- 83- من أبواب النجاسات.
(4) الوسائل- الباب- 14- من أبواب نواقض
الوضوء- الحديث 4 و 5.
(5) الوسائل- الباب- 32- من أبواب لباس
المصلي- الحديث 6 من كتاب الصلاة.
84
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم البول و الروث مما يؤكل لحمه ؛ ج6، ص : 85
[في حكم البول و الروث مما يؤكل لحمه]
و لا شيء من بول و روث ما يؤكل لحمه
معتادا أولا بنجس عندنا، نعم يكره بول البغال و الحمير و الدواب و ما عن ابن
الجنيد من نجاستهما من الخيل و البغال و الحمير ضعيف، بل كاد يكون شاذا و إن حكي
عن الشيخ موافقته في النهاية، إلا أنها ليست كتابا معدا للفتوى و العمل، بل كثير
منها مضامين أخبار بصورة الفتوى كما لا يخفى على الخبير الممارس، على انه قد رجع
عنه في المبسوط كما قيل، للأصل بل الأصول و العمومات و العسر و الحرج و السيرة
المستقيمة، و قاعدة دوران النجاسة و الطهارة على حرمة اللحم و حليته المستفادة من النصوص «1» المستفيضة
المعتبرة منطوقا و مفهوما، و الفتاوى، بل ظاهر هما انها من المسلمات الواضحات
حتى عند السابقين من الرواة، كما أشرنا إلى ذلك في أول بحث النجاسات، بل في الغنية
الإجماع عليها، كما في آبار السرائر، و باب تطهير الثياب منها ذلك أيضا بالنسبة
إلى الطهارة، قال في الموضع الأول:
«أجمع الصحابة و تواتر الأخبار على أن مأكول
اللحم من سائر الحيوان ذرقه و بوله و روثه طاهر، فلا يلتفت إلى خلاف ذلك من رواية
شاذة أو قول مصنف غير معروف، أو فتوى غير محصل» إلى آخره. بل حكى فيه أيضا عن
المبسوط ما يظهر منه الإجماع على ذلك أيضا، بل في معتبر المصنف «و أما رجيع ما
يؤكل لحمه و بوله فطاهر باتفاق علمائنا» لكنه ذكر الخلاف بعد ذلك في أبوال الدواب
الثلاثة، و لعله لا منافاة لاحتمال ابتناء القول بنجاستها على عدم أكل لحمها.
كما أشار إليه في المنتهى، حيث نسب طهارة بول
ما يؤكل لحمه إلى علمائنا أولا ثم ذكر الخلاف بعد ذلك في أبوال الثلاثة، و قال:
«إن الخلاف فيها مبني على أنها هل هي مأكولة اللحم أولا؟» و ذكر أيضا بعد ذلك أن
مذهب علمائنا طهارة روث ما يؤكل لحمه، و لم ينقل خلافا فيه بيننا، بل نص بعده على
أرواث البغال و الحمير و الدواب،
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 9- من أبواب النجاسات- الحديث 4 و 8 و 13 و 18.
85
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم البول و الروث مما يؤكل لحمه ؛ ج6، ص : 85
و أحال البحث فيها على ما سبق، و في التذكرة
«بول ما يؤكل لحمه و رجيعه طاهر عند علمائنا أجمع» إلى غير ذلك، بل قد عرفت انه
يستفاد من استدلالهم بهذه الكلية عند البحث على بعض أفرادها أنها من المسلمات التي
لم يعترها شيء من الشبهات.
هذا كله مضافا إلى ما دل «1» على
الاستنجاء بالروث، و إلى خصوص ما في المقام من الأخبار المروي بعضها عن غير الكتب
الأربع التي هي بمكانة من الاعتبار و لو بملاحظة الانجبار باشتهار الحكم بين
الطائفة أي اشتهار، بل عن شرح الأستاذ أن عليه إجماع الفقهاء إلا ابن الجنيد كما
في المعتبر، لكن مع زيادة استثناء الشيخ أيضا، و قد عرفت فيما مضى أنه في النهاية،
و إلا فهو في غيرها على الطهارة، بل عنه في المبسوط ذلك أيضا، و هو متأخر عنها،
فيكون قد رجع، (منها)
خبر الأعز النخاس «2» قال للصادق
(عليه السلام): «إني أعالج الدواب فربما خرجت بالليل و قد بالت و راثت فتضرب
إحداها بيدها فينضح على ثوبي، فقال: لا بأس به»
(و منها)
خبر المعلى بن خنيس و ابن أبي يعفور «3» قالا: «كنا في
جنازة و قدامنا حمار فبال فجاءت الريح ببوله حتى صكت وجوهنا و ثيابنا، فدخلنا على
أبي عبد الله (عليه السلام) فأخبرناه، فقال: ليس عليكم بأس»
و نحوها غيرها «4».
و اقتصار بعضها على البول كاقتصار آخر على
الروث غير قادح بعد الإجماع المحكي في المصابيح، و ظاهر كشف اللثام أو صريحه كما
عن غيره إن لم يكن محصلا على عدم القول بالفصل.
و هي و ان كان في مقابلها أخبار «5» فيها الصحيح
و الموثق و غيرهما تضمنت الأمر
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 35- من أبواب أحكام الخلوة.
(2) الوسائل- الباب- 9- من أبواب النجاسات-
الحديث 2.
(3) الوسائل- الباب- 9- من أبواب النجاسات-
الحديث 15.
(4) الوسائل- الباب- 9- من أبواب النجاسات.
(5) الوسائل- الباب- 9- من أبواب النجاسات-
الحديث 6 و 9 و 10 و 11.
86
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم البول و الروث مما يؤكل لحمه ؛ ج6، ص : 85
بغسل الثوب من أبوال الثلاثة، بل و مطلق
الدابة، بل و أرواثها، بل ربما يستفاد شدة نجاسته من أبوالها على أحد الوجهين في
بعضها، لكنها لمكان القطع بعدم غفلة الأصحاب عنها- إذ هي بمرأى منهم و مسمع، و قد
خرجت من بين أيديهم مع فقد الدلالة في بعضها و الجابر لآخر بل و جميعها بناء على
عدم استلزام الأمر بالغسل النجاسة، و موافقتها لمذهب الشافعي و أبي حنيفة و أبي يوسف،
و اشتمال بعضها على مطلق الدواب مع البغال و الحمير مما علم عدم إرادة وجوب الغسل
عنه، و آخر على النضح من بول البعير و الشاة المقطوع بإرادة الندب منه، ك
خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله «1» «سأل
الصادق (عليه السلام) عن الرجل يصيبه بعض أبوال البهائم أ يغسل أم لا؟ قال: يغسل
بول الفرس و البغل و الحمار، و ينضح بول البعير و الشاة، و كل شيء يؤكل لحمه فلا
بأس ببوله»
مضافا إلى عدم ظهور السؤال فيه كغيره عن
الوجوب أو الاستحباب حتى يكون الأمر في الجواب مطابقا له، و إلى ما فيه من الاجمال
باعتبار الكلية في ذيله الشاملة لما ذكر الأمر بالغسل و النضح عنه، و حمله على
إرادة إعطاء الضابط لغير ما تقدم، أو إرادة معتاد الأكل، مع أنهما لا يتمان في
المأمور بالنضح عنه ليس بأولى من حمله على إرادة الضابط الشامل للجميع، لكن على
إرادة نفي النجاسة منه التي لا ينافيها الأمر الاستحبابي بالغسل أو النضح عنه، و
لما في بعضها من الفرق بين البول و الروث، فيغسل من الأول دون الثاني، و قد عرفت
الإجماع المركب على خلافه، كما انه في آخر بعد الأمر بالغسل من البول
قال: «و أما الأرواث فهي أكبر من ذلك» «2»
و هو محتمل لما ينافي الأول بإرادة شدة
النجاسة، و لعدمه بإرادة أكبر من أن يغسل بعسر التحرز عنه، إلى غير ذلك من
الامارات الكثيرة القاضية بعدم إرادة الوجوب من تلك الأوامر-
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 9- من أبواب النجاسات- الحديث 10.
(2) الوسائل- الباب- 9- من أبواب النجاسات-
الحديث 9.
87
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم البول و الروث مما يؤكل لحمه ؛ ج6، ص : 85
أعرض الأصحاب عنها، و رجحوا غيرها عليها،
فحملوا الأمر فيها على إرادة التخلص عن الكراهة.
و يشهد له
خبر زرارة «1» عن أحدهما
(عليهما السلام) «في أبوال الدواب تصيب الثوب فكرهه، فقلت: أ ليس لحومها حلالا؟ قال:
بلى و لكن ليس مما جعله الله للأكل»
و فيه إشعار بإرادة مطلق مباح اللحم و ان لم
يكن متعارفا من قولهم ما يؤكل لحمه، و احتمال حمل الكراهة فيه على الحرمة، و إرادة
بيان عدم اندراجه في تلك الكلية بكون المراد منها المعد للأكل كما ترى، سيما بعد
استفاضة تلك الكلية المذكورة بين الرواة مع فهمهم منها ما ذكرنا، كما يرشد اليه
استفهام زرارة الذي هو أحسن الرواة فهما لكلامهم (عليهم السلام).
و لا ينافي الحمل على الكراهة
موثقة سماعة «2» «سألته عن
بول السنور و الكلب و الحمار و الفرس، قال: كأبوال الإنسان»
لاحتمالها شدة الكراهة، أو إرادة التشبيه
بالنسبة للثلاثة الأول، لوجود جهة الشبه، و هي عدم إباحة اللحم أو التقية ممن
عرفت.
فاتضح لك حينئذ من ذلك كله الكراهة المذكورة
في كلام المصنف و غيره، لكن كان عليه ذكر الأرواث أيضا.
كما انه اتضح لك سقوط ما في الحدائق و ان بالغ
في اختيار النجاسة في أبوال الثلاثة ناقلا لها عن الأردبيلي و الشيخ جواد الكاظمي
في شرحه على الدروس و الشيخ سليمان البحراني، و ربما مال إليها في المدارك و عن
الدلائل و المفاتيح، بل عن بعضهم التصريح بنجاسة الأرواث أيضا ان ثبت الإجماع على
عدم الفصل، و إلا فالأبوال
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 9- من أبواب النجاسات- الحديث 8.
(2) الوسائل- الباب- 8- من أبواب النجاسات-
الحديث 7.
88
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
القول الثاني في أحكام النجاسات ؛ ج6، ص : 89
خاصة، و لقد أطنب المحدث المذكور و شنع على
كبراء الأصحاب الذين هم أعلم منا و منه في السنة و الكتاب، و ليت ذلك التشنيع كان
لأمر دقيق أو لنفيس من التحقيق، بل انما هو لجمعه جملة من الأخبار الموجودة في
التهذيب و الاستبصار الظاهرة ظهور الشمس في رابعة النهار التي لا يحتمل خفاؤها على
أقصرهم باعا و أقلهم اطلاعا، و الله ولي الحق، و العالم بحقائق الخلق.
[القول الثاني في أحكام النجاسات]
القول الثاني في أحكام
النجاسات تجب شرعا و شرطا أو شرطا لا شرعا إزالة عين النجاسات و ما يتنجس
بها كالماء و نحوه بالمزيل الشرعي من غسل و نحوه، أو العقلي كالقرض و الإحراق و
نحو هما عن ما تنجس بها من الثياب المعتاد لبسها أولا
كالتستر بلحاف و نحوه، عدا ما استثني من القلنسوة و نحوها مما سيأتي و ظاهر البدن حتى الظفر و
الشعر منه للصلاة الواجبة أو المندوبة، لاشتراط صحتها بذلك بالإجماع محصله
و منقولة في السرائر و الخلاف و المعتبر و غيرها بل و النصوص «1» الدالة
على إعادة الصلاة من البول و المني و الخمر و النبيذ و الدم و عذرة الإنسان و السنور
و الكلب و نحوها المتممة بعدم القول بالفصل.
بل ربما لاح من الأخبار «2» ثبوت
الإعادة من مطلق النجاسة، و حكمها كعينها إجماعا، و قليلها ككثيرها عدا الدم على
ما سيأتي، لإطلاق الأدلة المعتضدة بإطلاق الفتاوى و معاقد الإجماعات بل و بصريحها
من غير الإسكافي كما حكاه في التذكرة و غيرها، فقال على ما في المختلف: «كل نجاسة
وقعت على ثوب و كانت عينها مجتمعة أو متفرقة دون
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 40- من أبواب النجاسات- الحديث 3 و 5 و 9 و الباب- 38- الحديث 3.
(2) الوسائل- الباب- 40- من أبواب النجاسات.
89
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
القول الثاني في أحكام النجاسات ؛ ج6، ص : 89
سعة الدرهم الذي يكون سعته كعقد الإبهام
الأعلى لم ينجس الثوب بذلك إلا أن يكون النجاسة دم حيض أو منيا، فان قليلهما و
كثيرهما واحد» انتهى.
و هو ضعيف جدا مخالف لما عرفت و تعرف، مع أنه
لا مستند له إلا القياس على الدم، بناء على حجيته عنده المعلوم بطلانها بضرورة
مذهب الشيعة.
و من هنا أمكن تحصيل الإجماع على المطلوب مع
خلافه، لعدم قدحه فيه، خصوصا و ظاهر عبارته عدم حصول النجاسة بالمقدار المذكور لا
العفو، كما أنه لا يقدح فيه ما في السرائر عن بعض الأصحاب من أنه لا بأس بما ترشش
على الثوب أو البدن عند الاستنجاء مثل رؤوس الابر من النجاسات، و لذا حكاه أي
الإجماع عليه فيها كالخلاف، و لعله أراد به ما عن ميافارقيات السيد من العفو عن
البول إذا ترشش عند الاستنجاء كرؤوس الابر، و إن أطلق النجاسات الأول، و خصها
بالبول الثاني.
و لا ريب في ضعفه كسابقه، لا طلاق الأدلة من
غير معارض، بل و خصوص معاقد الإجماعات.
و نحو
صحيح عبد الرحمن بن الحجاج «1» «سأل
الكاظم (عليه السلام) عن رجل يبول في الليل فيحسب أن البول أصابه و لا يستيقن، فهل
يجزؤه أن يصب على ذكره إذا بال و لا يتنشف؟ قال (عليه السلام): يغسل ما استبان انه
قد أصابه، و ينضح ما شك فيه من جسده و ثيابه و يتنشف قبل أن يتوضأ».
و نحو
خبر الحسن بن زياد «2» «إن
الصادق (عليه السلام) سئل عن الرجل يبول فيصيب بعض فخذه قدر نكتة من بوله، ثم يذكر
بعد أنه لم يغسله، قال: يغسله و يعيد صلاته».
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام الخلوة- الحديث 1.
(2) الوسائل- الباب- 42- من أبواب النجاسات-
الحديث 6.
90
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
و المراد بالثياب المعتبر طهارتها ؛ ج6، ص : 91
ك
خبر ابن مسكان «1» قال: «بعثت
بمسألة إلى أبي عبد الله (عليه السلام) مع إبراهيم بن ميمون، قلت: سله عن الرجل
يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بوله فيصلي و يذكر بعد ذلك أنه لم يغسلها، قال:
يغسلها و يعيد صلاته»
إلى غير ذلك من الأخبار «2» الواردة
في مساواة قليل دم الحيض لكثيره، و في إعادة الصلاة من نقط الدم إذا بلغ مقدار
الدرهم مجتمعا.
ثم لا فرق بين جميع أجزاء الصلاة في الشرط
المذكور كغيره من شرائطها و شرائط كل مركب، لظهور انتفاء امتثال الشرط بانتفاء
حصوله لبعض أجزاء الجملة، بل و لا بين أجزائها المتصلة و المنفصلة كالتشهد و
السجدة المنسيين، لبقاء حكم الجزئية فيهما و ان انفصلا، و كذا الركعات الاحتياطية
المشروعة لتدارك النقصان لو كان، فيعتبر فيها حينئذ ما اعتبر في المتدارك.
نعم لا عبرة بما خرج عنها سواء تقدمها كالأذان
و الإقامة و القيام للتكبير بل و النية في وجه، أو تأخرها كالتعقيبات و نحوها، بل
و السلام الثالث في وجه مع الخروج بسابقه و ان قلنا بوجوبه، و أما سجود السهو فقد
نص شيخنا في كشف الغطاء على اشتراطه بذلك أيضا، و فيه بحث إن لم يكن منع كما
سيأتي.
و المراد بالثياب المعتبر طهارتها
مطلق ما سمي لباسا عرفا، لا فراشا و لا وطاء و
لا ظلالا و لا غطاء، للأصل السالم عن المعارض على إشكال في الأخير فيما لو كان
المصلي تحته بإيماء و نحوه و كان هو الساتر له، بل و إن لم يكن، لاحتمال إرادة
المثال من الثوب و نحوه الموجود في الأخبار.
نعم لا عبرة بالزائد على القامة من اللباس
زيادة خارجة عن المعتاد يخرج بها عن
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 42- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
(2) الوسائل- الباب- 21- من أبواب النجاسات-
الحديث 1 و الباب- 20- منها.
91
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
إزالة النجاسة للطواف ؛ ج6، ص : 92
اسم الملبوس أو المحمول، وفاقا للمحكي عن صريح
جماعة و مستحسن المعالم و ظاهر الخلاف بل صريحه، إذ لا دليل على اعتبار طهارة ذلك
الزائد، ضرورة انصراف الأدلة إلى غيره، بل قد يظهر من التذكرة الإجماع عليه، قال
فيها: «لو كان على رأسه عمامة و طرفها على نجاسة صحت صلاته عندنا خلافا للشافعي»
إلى آخره.
لكن لعل مراده نفس مباشرة النجاسة و ان لم
يحصل التنجيس، فيخرج عما نحن فيه حينئذ، إذ لا ريب في عدم اقتضاء ذلك فسادا، لعدم
اندراجه في الملبوس أو المحمول، كقوله فيها أيضا بصحة صلاة من صلى مماسا ثوبه لشيء
نجس عندنا خلافا للشافعي، و في المنتهى بصحة صلاة من شد وسطه بطرف حبل، و الآخر شد
به نجاسة من غير خلاف بين علمائنا، بل ربما ظهر من كشف غطاء الأستاذ «دوران بطلان
الصلاة على تنجيس الثياب بملاقاة النجاسات لرطوبة في المصيب أو المصاب أو فيهما،
دون النجاسة المتصلة باللباس مع الجفاف، فتصح الصلاة فيها حينئذ إذ لم تكن من غير
مأكول اللحم، بل و إن كانت منه إذا كانت موضوعة على الانفصال عنه على إشكال» إلى
آخره. و ان كان الظاهر اندراج الفرض المذكور في حمل النجاسة، و في صحة الصلاة به و
بطلانها قولان يأتي البحث فيهما إن شاء الله.
[إزالة النجاسة للطواف]
و كذا يأتي البحث في وجوب إزالة
النجاسات على نحو ما تقدم للطواف واجبة و مندوبة في
كتاب الحج، و إن كان لم أجد فيه خلافا هنا، بل عن حج الخلاف و الغنية الإجماع
عليه، بل في المدارك أنه حكاه جمع من الأصحاب، كما انه عن المنتهى نسبته إلى أكثر
أهل العلم، مضافا إلى
ما ورد «1» من ان «الطواف
في البيت صلاة»
______________________________
(1)
مستدرك الحاكم ج 1 ص 459 و سنن البيهقي- ج 5 ص 87 و الجامع الصغير للسيوطي ج 2 ص
56 و كنز العمال ج 3 ص 10 الرقم 206 عن الطبراني و حلية الأولياء و سنن البيهقي و
المستدرك عن ابن عباس قال رسول الله (صلى الله عليه و آله):
«الطواف باليت صلاة و لكن الله أحل فيه
المنطق فمن نطق فلا ينطق إلا بخير»
و الحديث عن سفيان الثوري عن عطاء بن السائب
و انه كان يختلط اختلاطا شديدا و قال ابن معين:
«عطاء بن السائب اختلط» و قال شعبة: «حدثنا
عطاء بن السائب و كان نسيا و كتب عن عبيدة ثلاثين حديثا و لم يسمع من عبيدة فلا
يحتج بحديثه» تهذيب التهذيب لابن حجر ج 7 ص 204.
92
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
إزالة النجاسة عن المساجد ؛ ج6، ص : 93
الدال على مساواته لها في سائر الأحكام، سيما
المعروفة كالطهارة من الحدث و الخبث و نحوهما.
[إزالة النجاسة عن المساجد]
و تجب أيضا الإزالة المذكورة لدخول
المساجد كما في القواعد و الإرشاد و المنتهى و غيرها، بل في ظاهر الأخير أو
صريحه أنه مذهب أكثر أهل العلم، بل في الخلاف و جنائز السرائر لا خلاف في أنه يجب
أن يجنب المساجد من النجاسات، مع زيادة «بين الأمة كافة» في الأخير، كما أنه في
المفاتيح أيضا نفي الخلاف عن إزالة نجاسة المساجد، و في كشف الحق في توجيه
الاستدلال بالآية «1» على المشرك «لا خلاف في وجوب تجنب المساجد كلها النجاسات
بأجمعها» بل في الذخيرة عن الشهيد الظاهر أنه إجماعي، بل في لوامع النراقي حكاية
صريح الإجماع عن العاملي مريدا به الشهيد على الظاهر.
و هو مع نفي الخلاف السابق الصريح هنا في
إرادة الإجماع منه الحجة في انقطاع الأصل سيما بعد اعتضاده بظاهر قوله تعالى «2» «أَنْ
طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ» و قوله تعالى «3»:
«إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ، فَلٰا يَقْرَبُوا
الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ» المتمم بعدم القول بالفصل محكيا ان لم يكن محصلا بين
المسجد الحرام و غيره.
كما ان احتمال قصر الحكم على خصوص المشركين
لغلظ نجاستهم أو غيره يدفعه ظهور التفريع في علية وصف النجاسة للحكم المتحقق في
غير المشركين، كاندفاع ما قيل من عدم معروفية النجس بالمعنى المصطلح سابقا بمنعه
أولا، و بظهور إرادته منه هنا
______________________________
(1)
سورة التوبة- الآية 28.
(2) سورة البقرة- الآية 119.
(3) سورة التوبة- الآية 28.
93
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
إزالة النجاسة عن المساجد ؛ ج6، ص : 93
و لو مجازا للقرائن الكثيرة، و اعتضاده أيضا
بالخبر المشهور «1» عملا و
رواية «جنبوا مساجدكم النجاسة»
المؤيد بما يفهم من
خبر القداح «2» عن جعفر
عن أبيه (عليهما السلام) قال: «قال النبي (صلى الله عليه و آله): تعاهدوا
نعالكم عند أبواب مساجدكم»
من زيادة الاحتياط و التحفظ مع نهاية التوسعة
في أمر الطهارة و النجاسة، و ب
مرسل العلاء بن الفضيل «3» المروي في
المنتهى عن الشيخ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إذا دخلت المسجد
و أنت تريد أن تجلس فلا تدخله إلا طاهرا»
الحديث. و ان كان محتملا لإرادة الطهارة من
الحدث، و بمناسبته للتعظيم، و لما ورد من جعل المطاهر على أبواب المساجد، و
بانعقاد الإجماع على منع الكفار، و لا باعث له سوى النجاسة.
كما انه قد يؤيده أيضا ما ورد «4» في منع
المجانين و الصبيان عنها، و منع الجنب و الحائض عن المكث فيها «5» بل يمكن
دعوى أولوية رفع الخبث من رفع الحدث، إلى غير ذلك.
فما عساه يظهر من بعض متأخري المتأخرين- من
التأمل و التردد في أصل الحكم المذكور لدعوى ضعف دليله سندا أو دلالة، و للنصوص «6» الكثيرة
الواردة في جواز اتخاذ الكنيف مسجدا بعد الطم و المواراة كما ستسمعها إن شاء
الله في أحكام المساجد- في غير محله، لما عرفت من الأدلة السابقة المعتضدة بسيرة
المسلمين و طريقتهم، و بملاحظتها مع فتاوى الأصحاب يمكن دعوى تحصيل الإجماع، و
نصوص اتخاذ المسجد على الكنيف
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 24- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2 من كتاب الصلاة.
(2) الوسائل- الباب- 24- من أبواب أحكام
المساجد- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
(3) الوسائل- الباب- 39- من أبواب أحكام
المساجد- الحديث 2 من كتاب الصلاة.
(4) الوسائل- الباب- 27- من أبواب أحكام
المساجد من كتاب الصلاة.
(5) الوسائل- الباب- 17- من أبواب الجنابة-
الحديث 2.
(6) الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام
المساجد- من كتاب الصلاة.
94
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
إزالة النجاسة عن المساجد ؛ ج6، ص : 93
يأتي البحث فيها إن شاء الله في أحكام
المساجد.
انما البحث في الفرق بين المتعدية و غيرها،
فظاهر عطف المصنف و غيره كظاهره في جنائز المعتبر أو صريحه عدم الفرق بينهما، كما
هو صريح التذكرة و عن أكثر كتبه، بل في لوامع النراقي أنه مذهب الحليين و الأكثر،
و عن الكفاية أنه المشهور، لإطلاق الأدلة السابقة من الآية و الرواية، و دعوى صدق
المجانبة بعدم التلويث كما ترى، و لظهور اتفاقهم حتى ممن اعتبر التلويث على منع المشرك
و إن لم يلوث، و احتمال الفرق بغلظ النجاسة و عدمها ممنوع بعد تسليم أغلظيته من
نحو دم الحيض و غيره، و لظهور معقد إجماع السرائر في ذلك أيضا أو صريحه، بل لعل
إجماع الخلاف و الكشف أيضا كذلك، فلاحظ، سيما بعد ما حكاه في كشف اللثام عن الشيخ
في الخلاف من القول بعدم جواز حصول غير الملوث من النجاسة في المسجد، و لأنه أبعد
عن التلويث المعلوم حرمته، و للسيرة المستمرة على إزالة أعيان النجاسات من المساجد
و ان لم تكن ملوثة كالعذرة اليابسة و نحوها، و احتمال الفرق بين أرض المسجد و
فضائه لا أثر له في كلام الأصحاب، كاحتمال الفرق بين عين النجاسة و المتنجس بها،
إلى غير ذلك من الشواهد الكثيرة، كمعلومية انهتاك حرمة المسجد بوضع النجاسات فيه و
ان لم تلوث، و معلومية حرمة إمساس ما ألحق بالمساجد من الضرائح المقدسة و القرآن
العظيم بأعيان النجاسات و لو مع الجفاف.
خلافا للشهيدين في الذكرى و الدروس و المسالك
و أبي العباس في موجزه، و الكركي في جامعه، و غيرهم من متأخري المتأخرين، فخصوا
المنع بالملوثة، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن، و لجواز اجتياز الحائض و
الجنب و أخذهما ما فيه مع ملازمة النجاسة غالبا، و لمعلومية حضور ذوي الجراحات الدامية
و القروح السائلة و المسلوس بعد وضع الخريطة و نحوهم الجماعات و الجمعة في المسجد،
بل يمكن دعوى العسر و الحرج
95
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
إزالة النجاسة عن المساجد ؛ ج6، ص : 93
في مطلق منع دخول النجاسة، و لظهور أدلة
المستحاضة في دخولها المساجد بعد أفعالها، و تجويز الأصحاب كما قيل الحد الذي منه
القتل و القصاص في المسجد مع فرش النطع حفظا عن التلويث.
و فيه منع انحصار الدليل في المتيقن، بل يكفي
الظهور المذكور كما في غيره من الأحكام، و منع دخولهما مستصحبين للنجاسة أولا، و
إطلاق دليل جواز الاجتياز مثلا يراد به كما هو الظاهر منه من حيث الحدث الحيضي
مثلا، و تسليمه ثانيا مع دعوى استثنائه بخصوصه كالحدث، و كذا البحث فيما بعده،
لظهور عدم التلازم بين إباحة ذلك بخصوصه للعسر و الحرج و نحوهما و بين إباحة غيره،
و لذا لم يقدح في الصلاة و نحوها المعلوم اشتراطها بإزالة النجاسات، و لا نسلم
تصريحهم هناك بجواز الحد و القصاص على وجه يتحقق به إجماع، و كيف مع أن المحكي في
كشف اللثام عن الشيخ في الخلاف التصريح بعدم جواز القصاص، و أنه لا فائدة في فرش
النطع، و لو سلمنا فهو استثناء لحكم خاص، و تمام البحث في ذلك عند ذكر المصنف
كراهة إقامة الحدود من أحكام المساجد.
فلا ريب أن الأول أحوط إن لم يكن أقوى، خصوصا
فيما ظهر فيه انهتاك الحرمة و منافاة التعظيم، كوضع العذرات الكثيرة فيها و نحوها،
بل لو قيل بدوران الحرمة على التعدية و على هتك الحرمة عرفا لكان متجها إن لم يكن
خرقا للإجماع، و لعله ليس كذلك، بل لعله مذهب الطباطبائي في منظومته.
و كيف كان فقد ظهر لك انه بناء على الأول لا
فرق حينئذ بين الملوثة و عدمها، بل و لا بين أرض المسجد و فراشه و فضائه كالنجاسة
على بدن الداخل أو ثوبه مثلا، لظاهر الأدلة السابقة، و لا بين عين النجاسة و
المتنجس بها، كما هو ظاهر أو صريح معقد إجماع جنائز السرائر الظاهر من المصنف
إقراره عليه و تسليمه له، بل لعل
96
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
إزالة النجاسة عن المساجد ؛ ج6، ص : 93
المراد من النجاسة في النص و الفتوى ما يشمل
المتنجس، كما هو ظاهر المتن أو صريحه كغيره ممن عبر كعبارته أي يساوى بين الصلاة و
المساجد، بل لا أجد أثرا لاحتمال الفرق في سائر كلمات الأصحاب، و لعله لظهور
انتقال حكم النجس إلى ما تنجس به.
و من ذلك كله يعلم وجوب إزالة النجاسة عن
المسجد لو كانت مما علم حرمة إدخالها من غير فرق بناء على ما ذكرنا بين أرض المسجد
و فرشه و فضائه و غيرها كما سمعته في حرمة الإدخال.
نعم قد يتجه الفرق بين أرض المسجد مثلا و بين
فرشه و نحوهما مما لا تدخل في اسمه، بناء على اعتبار التلويث للمسجد، لعدم صدقه
بتلويث الفرش مثلا، بل هي حينئذ كغير فرشه مما لم تتعد نجاسته اليه من ثوب الإنسان
و بدنه، مع أنه قد صرح في المسالك و غيرها بعدم الفرق بينهما في حرمة التلويث، بل
قد تشعر عبارة مجمع البرهان بالإجماع عليه، كما قيل ذلك أيضا في عبارة المدارك، و
لعله لتبعيتها للمسجد بإضافتها اليه، و تحقق تحقيره بتحقيرها كتعظيمه ما دامت فيه،
و لإمكان صدق تلويث المسجد بتلويثها، كإمكان دعوى شمول
قوله (صلى الله عليه و آله) «1»: «جنبوا
مساجدكم النجاسة»
لها، و ان نزلنا النجاسة على الملوثة، فتأمل
جيدا.
ثم ان وجوب الإزالة على الفور بلا خلاف، بل
لعله إجماعي كما حكاه بعضهم صريحا، و في المدارك «انه قطع به و بالكفائية الأصحاب،
و فيه توقف» إلى آخره.
قلت: لا ينبغي التأمل في الفورية، لما عرفت، و
لكون منشأ الوجوب هنا التعظيم الذي ينافيه التراخي، و لأن المراد بوجوب الإزالة
هنا انما هي حرمة الإبقاء المستفادة من الأدلة السابقة الشاملة لسائر الأوقات، و
لو تركه و صلى مع السعة ففي صحة صلاته و فسادها البحث المعروف في الأصول.
و على الكفاية بلا خلاف أيضا، بل لعله إجماعي
كما حكاه بعضهم، لتوجه
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 24- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2 من كتاب الصلاة.
97
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
إزالة النجاسة عن المساجد ؛ ج6، ص : 93
الخطاب إلى الجميع مع القطع بعدم إرادة الوجوب
العيني، و تعين بعض لا دليل عليه، و بعض غير معين غير جائز، فليس إلا الكفائي، فلا
يتعين حينئذ وجوب الإخراج على المدخل مثلا، كما نص عليه في الروض و غيره، و ان كان
قد يقال بتأكده في حقه.
فما في الذكرى من تعينه عليه و احتمله في
المدارك لا يخلو من نظر، و إلا لسقط بموته أو فقده أو امتناعه، إذ دعوى تجدد
الوجوب حينئذ لا دليل عليها.
و ألحق الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم
بالمساجد الضرائح المقدسة و المصحف المعظم، فيجب إزالة النجاسة عنه، كما يحرم
تلويثه أو مطلق المباشرة، و هو جيد فيهما و في كل ما علم من الشريعة وجوب تعظيمه و
حرمة إهانته و تحقيره، كالتربة الحسينية و السبحة و ما أخذ من طين القبر للاستشفاء
و التبرك به ككتابة الكفن به و نحوها، و إناطة الحكم بذلك أولى من البحث في
خصوصيات الأفراد، إذ مستحق التعظيم و محرم التحقير من جميع ما له تعلق في قبور الأئمة
(عليهم السلام) من الأثاث كالصندوق و غيره فضلا عنها أنفسها، و في المصحف بل
المصاحف من ورقها و غلافها إذا كان متصلا بها مما لا خفاء فيه في المذهب، كما لا
خفاء في تحقق الإهانة و هتك الحرمة بتلويثه بالنجاسة، بل بمطلق مباشرته لها، و لعل
ذلك مختلف باختلاف الناس و المقاصد و النيات.
و ليس منه على الظاهر ما يؤخذ من كربلاء و
باقي المشاهد من الآجر و الخزف و الأباريق و المشارب و نحوها مما لم يكن متخذا
للتعظيم، لعدم تحقق الإهانة و التحقير في مباشرة شيء من ذلك للنجاسة و نحوها، و
دعوى وجوبه شرعا- و ان لم يكن فيه إهانة عرفا، إذ كثير من أفراد التعظيم التي
أوجبها الشارع ليس للعرف فيها نصيب، كحرمة مكث المحدث بالأكبر في المسجد و مس
المحدث بالأصغر كتابة القرآن- يدفعها أنه لا دليل عليها هنا، بل لعل السيرة و
الطريقة شاهدة بخلافها.
فما عن الأستاذ الأكبر من النهي عن إخراج
أواني كربلاء إلى غيرها محل منع
98
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في وجوب إزالة النجاسة عن الأواني و محل السجود ؛ ج6، ص : 99
إن أراد الحرمة منه، نعم قد يتأمل في بعض ما
اتخذ على سبيل التعظيم للتبرك و التيمن مما لم يكن فيه نص بالخصوص، كنحو التراب
الخارج عن حرم كربلاء إذا علق على الشباك المكرم تحصيلا لتشرفه و تيمنه و بركته و
لما يصل إلى حد التبعية عرفا و غير ذلك مما يكون منشأه الترجيح العقلي و اعتباره و
استحسانه و لو بمزج التعارف معه، فان جريان حكم ما علم تعظيمه كالتربة الحسينية
المعلوم بالتواتر- كما عن التنقيح «كون الشفاء فيها، و كثرة الثواب بالتسبيح بها و
السجود عليها، و وجوب تعظيمها، و كونها رافعة للعذاب عن الميت، و أمنا من المخاوف،
و انه يحرم الاستنجاء بها» انتهى- على مثل ذلك لا يخلو من إشكال و نظر.
و من ذلك كله يظهر لك ما في المحكي عن المهذب
و الروضة من إثبات الاحترام لثلاثة أشياء لا غير مما يؤخذ من التربة الحسينية:
أحدها ما أخذ من الضريح المقدس، و ثانيها ما وضع عليه مطلقا كما عن ظاهر المهذب،
أو من الحرم كما عن ظاهر الروضة أو صريحها، و ثالثها ما أخذ من باقي الحرم بالدعاء
و الختم عليه كما عن المهذب، و بدون ذكر الختم عن الروضة، فتأمل جيدا، فان فروع
المقام و بيان حكم بعض الأفراد محتاج هنا إلى مزيد إطناب.
[في وجوب إزالة النجاسة عن الأواني و محل
السجود]
و كذا يجب إزالة النجاسة عن
الأواني مقدمة لاستعمالها فيما علم اشتراطه بالطهارة من المأكول و
المشروب و ماء الغسل و الوضوء، و نحوها بالأدلة المقررة في محالها من الإجماع
المحكي و الأخبار «1» مع فرض التنجس بها.
و يجب إزالتها أيضا عن محل السجود و ان لم تكن
متعدية، لاشتراط طهارته من غير خلاف أجده فيه، بل نسبه بعضهم إلى الأصحاب مشعرا
بدعوى الإجماع عليه، كما أن في مجمع البرهان لعل دليله الإجماع و النص، و في
الذكرى و عن الذخيرة نسبته
______________________________
(1)
الوسائل- الباب 51 و 52 و 53 من أبواب النجاسات.
99
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في العفو عن دم القروح و الجروح ؛ ج6، ص : 100
للنص أيضا، لكن في الحدائق أني لم أقف على هذا
النص، و لا نقله ناقل فيما أعلم، بل ربما ظهر من النصوص خلافه» إلى آخره.
قلت: لعل المراد به
موثقة عمار «1» عن الصادق
(عليه السلام) «عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس و لكن قد
يبس الموضع القذر، قال:
لا يصلى عليه، و أعلم الموضع حتى تغسله»
و يأتي تمام البحث فيه إن شاء الله و فيما حكي
عن المرتضى من وجوب إزالة النجاسة عن سائر مكان المصلي، و أبي الصلاح عن المساجد
السبعة خاصة.
و لا يجب شيء مما ذكرنا من إزالة النجاسة
لنفسه عدا إزالتها عن المسجد و إن أطلق في النصوص «2» الأمر
بغسل الثوب مثلا، إلا انه من المقطوع به عدم إرادته منه، و في كشف اللثام انه لعله إجماع،
و كأن الإطلاق موكول إلى ذلك، بل لم أقف على ما يدل صريحا على استحباب الإزالة
لنفسه، و إن أفتى به بعض مشايخنا، و لعله استفاده من الاعتبار أو من النظر في
مجموع ما ورد من الأخبار، أو أنه نزل تلك الأوامر المطلقة عليه، أو من نحو قوله
تعالى «3» «إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ
الْمُتَطَهِّرِينَ» و الأمر سهل.
[في العفو عن دم القروح و الجروح]
و عفي بالنسبة للصلاة قطعا
و الطواف بل و المساجد في وجه بناء على منع دخول النجاسة إليه مطلقا لكن بشرط عدم
التعدي كما أشرنا إليه سابقا في الثوب و البدن عما يشق التحرز منه و يعسر من دم
القروح و الجروح التي لا ترقى أي لا ينقطع دمها و يسكن، بل يكون سائلا و ان كثر بلا خلاف
أجده، بل عليه الإجماع
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 29- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
(2) الوسائل- الباب- 7- من أبواب النجاسات.
(3) سورة البقرة- الآية 222.
100
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في العفو عن دم القروح و الجروح ؛ ج6، ص : 100
محصلا و منقولا، لنفي الحرج و إرادة الله
اليسر، و انه لا يكلف نفسا إلا وسعها، و للنصوص المستفيضة.
ك
صحيح ابن مسلم «1» عن أحدهما
(عليهما السلام) «سألته عن الرجل يخرج به القروح فلا تزال تدمي كيف يصلي؟ فقال:
يصلي و ان كان الدماء تسيل»
و مثله خبر ابن عجلان «2» المروي في
مستطرفات السرائر من كتاب البزنطي بتفاوت يسير جدا.
و
صحيح المرادي و حسنه «3» «قلت
للصادق (عليه السلام): الرجل يكون به الدماميل، و القروح بجلده، و ثيابه مملوة دما
و قيحا، و ثيابه بمنزلة جلده، قال: يصلي في ثيابه و لا شيء عليه، و لا يغسلها».
ك
قوله (عليه السلام) لعبد الرحمن بن أبي عبد
الله في الصحيح «4»: «دعه فلا يضرك أن لا تغسله»
جواب سؤاله عن الجرح يكون في مكان لا يقدر على
ربطه، فيسيل منه الدم و القيح فيصيب ثوبي.
و
قوله (عليه السلام) أيضا في مرسل ابن أبي
عمير عن سماعة بن مهران «5»:
«إذا كان بالرجل جرح سائل و أصاب ثوبه من
دمه فلا يغسله حتى يبرأ و ينقطع الدم».
و
قوله (عليه السلام) في موثق الساباطي «6» بعد أن
سأله عن الدماميل تكون بالرجل فتنفجر و هو في الصلاة: «يمسحه و يمسح يده
بالحائط أو بالأرض و لا يقطع الصلاة».
و
خبر أبي بصير أو صحيحه «7» «دخلت على
الباقر (عليه السلام) و هو يصلي، فقال لي قائدي: إن في ثوبه دما، فلما انصرف قلت
له: إن قائدي أخبرني أن بثوبك دما، فقال لي: إن بي دماميل و لست أغسل ثوبي حتى
تبرأ».
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 22- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
(2) الوسائل- الباب- 22- من أبواب النجاسات-
الحديث 4.
(3) الوسائل- الباب- 22- من أبواب النجاسات-
الحديث 5.
(4) الوسائل- الباب- 22- من أبواب النجاسات-
الحديث 6.
(5) الوسائل- الباب- 22- من أبواب النجاسات-
الحديث 7.
(6) الوسائل- الباب- 22- من أبواب النجاسات-
الحديث 8.
(7) الوسائل- الباب- 22- من أبواب النجاسات-
الحديث 1.
101
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في العفو عن دم القروح و الجروح ؛ ج6، ص : 100
بل ظاهر هذا الأخير كخبر سماعة و ما بعده و
سابقه، بل قيل حتى الأول أيضا عدم اعتبار شيء مما اعتبره المصنف من المشقة و عدم
رقي الدم في العفو عنه، بل هو معفو عنه إلى مسمى البرء عرفا، بل قيل إنه ظاهر في
الاندمال، و ربما احتمل حمله على الأمن من خروج الدم، و الأمر سهل، إذ خروجه بعد
الأمن كقبلة لعموم الأدلة، و مع عدم الخروج لا أثر للنزاع إلا في المختلف.
و كيف كان فاستمرار العفو اليه مطلقا هو
الأقوى، وفاقا للثانيين و مجمع البرهان و المدارك و الذخيرة و الحدائق و منظومة
الطباطبائي و لوامع النراقي و ظاهر الصدوق، و خلافا لصريح بعض، بل المحكي عن ظاهر
الأكثر من اعتبارهما و ان اختلفت عباراتهم في تأدية ذلك في الجملة، فبين مصرح
بمعنى ما في المتن كما في المراسم بالنسبة للقروح، و السرائر و عن التحرير فيها و
في الجروح، و بين مصرح باعتبار دوام السيلان خاصة من غير تعرض للمشقة كالمقنعة،
لكنها لازمة له كما ترى، لبعد بل منع فرض عدمها، و بين مصرح باعتبار المشقة، لكنه
أبدل عدم رقي الدم بوصف القروح باللازمة و الجروح بالدامية كالقواعد، إلا أنه عنه
في التذكرة التصريح بإرادة لزوم الدم من اللازمة، فيرجع حينئذ إلى عدم الرقي، و
بين من اقتصر على الوصفين من دون تعرض للمشقة كالوسيلة، لكنها لازمة له بناء على
ما تقدم، كمن جمع القروح و الجروح بوصف اللزوم كالغنية، و بين مصرح باعتبار
السيلان أو الانقطاع الذي لا يسع الصلاة مع المشقة كالمعتبر و غيره، و لعله مراد
من تقدم من دوام السيلان، و بين مصرح باعتبار المشقة خاصة من غير فرق بين دوام
السيلان و عدمه، و اختاره في ظاهر الرياض أو صريحه إلى غير ذلك من العبارات
المتحدة في المعنى عند التأمل، سيما مع ملاحظة أدلتهم عليه من العسر و الحرج و
نحوهما.
نعم لو أريد بالدامية ذات الدم في الجملة و
باللازمة الجروح اللازمة و ان لم يستمر
102
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في العفو عن دم القروح و الجروح ؛ ج6، ص : 100
سيلان دمها كما عن المحقق الثاني تفسيرها بما
يقرب من ذلك أمكن حينئذ انطباق جملة من عبارات أصحابنا كالخلاف و الغنية و غيرهما
على المختار، بل هو معقد إجماع الكتابين.
كما أنه يمكن إرادة من اعتبر الحرج في العفو
كما عن الشيخ في أكثر كتبه، و الفاضل في الإرشاد تحديد الرخصة بالبرء لا دوام
السيلان، أو الحرج النوعي دون الشخصي، أو الاحتراز به عن الجروح الصغار التي يعد
انقطاع دمها برؤها عرفا أو بمنزلته. فيوافق المختار أيضا، بل يمكن إرجاع أكثر
العبارات إليه أيضا و ان كان لا يخلو من تجشم في بعضها.
و كيف كان فالأقوى ما عرفت، للحرج النوعي، و
إطلاق بعض النصوص السابقة، و ترك الاستفصال في آخر، و التحديد بالبرء المعلوم عادة
انقطاع السيلان قبله في ثالث، و لا ينافيه وصف الجرح بالسائل في منطوق الشرط في
خبر سماعة، مع احتمال إرادته حينا فحينا.
فلا وجه حينئذ للمناقشة في دلالته و دلالة خبر
أبي بصير أيضا باحتمال إرادة الانقطاع و لو لفترة من البرء لذلك، و لعطف الانقطاع
عليه فيه، إذ هو مع سماجته مجاز بلا قرينة، و تصرف في الأدلة المخصصة لما دل «1» على
مانعية مطلق الدم للصلاة من غير معارض، و قول ابني مسلم و عجلان في خبريهما: «فلا
تزال تدمي» مع أنه ليس من كلام الامام (عليه السلام) و لا صراحة فيه بإرادة دوام
ظهور الدم، لاحتمال إرادة الخروج حينا فحينا أيضا، كقولهم: لا يزال فلان يتكلم أو
يتردد إلى موضع كذا لا دلالة فيه على اختصاص العفو به دون غيره لو نزل الجواب على
خصوص السؤال، بل أقصاه حينئذ عدم الدلالة على المدعى لا الدلالة على عدمه.
مع أن الانصاف قاض بظهور سؤاله و جوابه في
أولوية حكم غير السائل و ان لم
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات.
103
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في العفو عن دم القروح و الجروح ؛ ج6، ص : 100
يكن دائم الإدماء من السائل، بل صرح غير واحد
من الأصحاب بأن مفهوم «إن» الوصلية فيه ظاهر في المختار، و إن أمكن خدشه بأنه بعد
تنزيل الجواب على السؤال كما هو قضية استتار الضمير فيه يكون مفهومها حينئذ إباحة
الصلاة في غير السائل من دم القروح التي لا زالت تدمي، و هو لا ينافي إلا من اعتبر
السيلان دون غيره كالمصنف و نحوه، اللهم إلا أن يقال بلزوم السيلان لعدم الانقطاع
و الرقي، بل قد عرفت اتحاد مراد الجميع بنحو ذلك.
نعم هو على كل حال مناف لاعتبار مشقة التحرز
مع ذلك، إلا أن يدعى بل هو الظاهر لزومها لدوام الإدماء، بل تعذر التحرز معه
بالنسبة للبدن واضح، و إن ظهر من المعاصر في الرياض إمكان انفكاك المشقة عن عدم
الانقطاع، و لذا لم يستبعده قوة وجوب الإزالة مع عدم الانقطاع إذا لم تكن مشقة و
هو- مع ما فيه مما عرفت إلا أن يريد به بالنسبة للثوب- مناف لا طلاق النصوص
السابقة.
و دعوى ظهورها في العفو في صورة حصول المشقة
خاصة لا شاهد لها إلا
موثق سماعة «1» «سألته عن
الرجل به القروح و الجروح فلا يستطيع أن يربطه و لا يغسل دمه، قال: يصلي و لا يغسل
ثوبه إلا كل يوم مرة، فإنه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كل ساعة»
و
المروي «2» في
مستطرفات السرائر من نوادر البزنطي قال: «قال: إن صاحب القرحة التي لا
يستطيع صاحبها ربطها و لا حبس دمها يصلي و لا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرة»
و هما- مع إضمارهما بل في كشف اللثام إسناد
الثاني إلى قول البزنطي في نوادره- قاصران عن معارضة ما تقدم من وجوه، سيما مع
انحصار دلالتهما
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 22- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
(2) البحار ج 18 ص 20.
104
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في العفو عن دم القروح و الجروح ؛ ج6، ص : 100
بمفهوم التعليل و الوصف، و البحث في الثاني
معلوم، و الأول محتمل لإرادة تعليل اتحاد الغسل المنزل على الندب كما عن جماعة
التصريح به، بل لا أجد فيه خلافا و ان احتمل الوجوب في الحدائق أو مال اليه، لكنه
شاذ.
فظهر حينئذ انه لا شاهد لاعتبار المشقة
الشخصية في العفو عن هذا الدم يعارض الأدلة السابقة حتى في المنقطع منه انقطاع
فترة لا انقطاع برء، من غير فرق بين سعتها للصلاة و عدمها، كما أنه لا شاهد
لاعتبار دوام السيلان، أو هو مع الانقطاع فترات لا تسع الصلاة، أو هما مع مشقة
الإزالة في العفو عن هذا الدم.
و دعوى الاقتصار على المتيقن من العفو بعد
إطلاق الأدلة الثابت حجيته بالعقل و النقل لا ترجع إلى محصل معتبر، كالقياس على
المستحاضة أو المسلوس لو سلم ذلك في المقيس عليه.
و من هنا كان القول بإيجاب التعصيب أو التخفيف
أو الإبدال للثوب مع عدم المشقة كما هو ظاهر بعض و عن محتمل آخر في البعض لنحو ذلك
ضعيفا منافيا لظاهر الأدلة ان لم يكن صريحها، و لظهور خصوصية هذا الدم من بين الدماء،
بل من بين النجاسات، و لما عن الشيخ من الإجماع على عدم وجوب عصب الجرح و تقليل
الدم، بل يصلي كيف كان و إن سال و تفاحش إلى أن يبرأ، و انه بخلاف المستحاضة و
السلس و نحوهما ممن يجب عليهم الاحتياط في منع النجاسة و تقليلها.
نعم يمكن القول باختصاص العفو عنه بغير ما
تعدى منه عن محل الضرورة من الثوب و البدن، كما قربه في المنتهى، و استحسنه في
المعالم، و احتمله في المدارك، و ان تأمل فيه في الذخيرة، لا طلاق الأدلة، و لخصوص
موثقة عمار السابقة، إلا أنه لا يخفى انصراف الإطلاق إلى ما ذكرنا، و احتمال خبر
عمار الانفجار بالقيح و الصديد دون الدم، بل احتمل فيه أيضا إرادة المسح باليد إذا
علم سيلانه إن لم يمسحه إلى أعضائه
105
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في العفو عن دم القروح و الجروح ؛ ج6، ص : 100
و ثيابه، فيمسحه حينئذ إزالة له و تخفيفا
للنجاسة عن نفسه، و ان كان لا يخلو من نظر.
لكن الإنصاف أن القول بالعفو مع التعدي أيضا
إلى ما يتعارف من تعدي غير المتحفظ عن تعديه و إن لم يكن من محال الضرورة لا يخلو
من قوة، لإطلاق الأدلة و خلوها عن الأمر بالتحفظ عنه، بل ظاهرها التوسعة في أمره.
نعم لا يعفى عنه إذا لم يكن كذلك، كما إذا
تعمد وضعه من الرأس في القدم مثلا، بل لعل ذلك هو مراد المنتهى و ان بعد، كاحتمال
رجوع تفصيل الحدائق اليه، أو ما يقرب منه بالعفو عنه إذا تعدى الدم بنفسه إلى سائر
أجزاء البدن أو الثوب الطاهر و عدمه إذا عداه المكلف بنفسه، و ان وضع يده على دم
الجرح أو طرف ثوبه الطاهر عليه، لكنه أشكل الثاني بظهور موثقة عمار في العفو عنه
أيضا، ثم احتمل حملها على ما ذكرنا، و قال: فالتفصيل حينئذ لا يخلو من قوة، انتهى.
و كذا لا يبعد القول بالعفو عما تنجس به من
الأمور التي يندر انفكاكها غالبا كالعرق و نحوه و ان كانت نجسة كالدم، لخلو الأدلة
عن التحرز عنها، بل ظهورها في العفو عن القيح المتنجس به، بل في الذخيرة أنه يمكن
استفادته مطلقا من الروايات، و لما في الاجتناب عنها من الشقة و الحرج المنافي
لحكمة العفو عن هذا الدم، و لعدم زيادة الفرع على الأصل، إذ لا ريب في ان معنى
نجاسة المتنجس بملاقاة النجس هو سريان حكم النجس المباشر اليه، و الفرض أنه معفو
عنه.
و من هنا أطلق في الذكرى قوة العفو عن مائع
تنجس به، و في المدارك أنه أظهر، و لم يفرقا بين نادر الانفكاك و غيره، و ربما
يؤيده اتفاق مجاورة الجروح و القروح للأمكنة التي لا تستغني عن مباشرة الماء و
نحوه، فما في المنتهى من الاقتصار في العفو على خصوص الدم لأنه المتيقن لا يخلو من
نظر بل منع في نادر الانفكاك.
نعم لو باشر هذا الدم نجاسة أخرى و لو دما بل
و لو دم قرح لكن من شخص
106
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في العفو عما دون الدرهم من الدم ؛ ج6، ص : 107
آخر أو متنجسا بذلك اتجه القول بعدم العفو
حينئذ، لا طلاق أدلة الاجتناب من غير معارض حتى في الأخير، إذ ثبوت العفو بالنسبة
إلى شخص لا يسري إلى آخر قطعا، و يرجع في مسمى القروح و الجروح إلى العرف، و بعد
تحققه لا فرق بين ما كان منها في الظاهر أو الباطن بعد جريان دمهما إلى الظاهر على
إشكال في الأخير.
كالإشكال في إلحاق دم البواسير به بناء عليه،
للشك في كونها من القروح، و لعله لذا أو لعدم إلحاق البواطن بالظاهر حكم الأستاذ
في كشفه بعدمه، فقال: «و ما كان في خروجه من البواطن كدم البواسير و الرعاف و
الاستحاضة و نحوها يغسل مع الانقطاع و أمن الضرر و ان بقي الجرح، و يحافظ علي الحفيظة
مع الاستدامة كما في المسلوس و المبطون مع عدم التعذر و التعسر» انتهى. و ان كان
الظاهر خلافه بعد ثبوت مسمى الجرح و القرح، فتأمل جيدا.
[في العفو عما دون الدرهم من الدم]
و كذا عفي عما دون الدرهم و قيده
بعضهم بالوافي و آخر ب البغلي و لعلهما بمعنى كما سيأتي سعة لا وزنا من الدم
المسفوح الذي ليس أحد الدماء الثلاثة في الثوب إجماعا محصلا و منقولا في الانتصار
و الخلاف و الغنية و المعتبر و المختلف و المنتهى و غيرها، بل و البدن أيضا، و إن
أطلق في معقد إجماع الثلاثة الأخيرة، و اقتصر على الثوب في الغنية كالفقيه و جمل المرتضى
و المقنعة و المراسم و عن الهداية و المبسوط و كثير، بل و الخلاف و إن كان الموجود
فيما حضرني من نسخته ذكر البدن معه أيضا في معقد إجماعه كالانتصار، بل و معقد
النسبة إلى مذهب الإمامية في كشف الحق، لكن التدبر و التأمل في كلمات الأصحاب و
أدلتهم يعطي عدم الفرق عندهم هنا بين الثوب و البدن، كما اعترف به في المنتهى و عن
الدلائل ناسين له إلى ذكر الأصحاب و تصريحهم مشعرين بدعوى الإجماع عليه، بل في
الحدائق أن ظاهر الأصحاب الاتفاق، و يقرب منه ما في الرياض و اللوامع، مع ما عرفت
من كونهما معقد صريح إجماع
107
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في العفو عما دون الدرهم من الدم ؛ ج6، ص : 107
الانتصار و الخلاف، و ظاهر إجماع كشف الحق.
فلا يقدح بعد ذلك اختصاص ما ورد «1» من
الأخبار هنا في الثوب، سيما مع كون ذلك في أسئلتها، بل قد يظهر من التأمل في
أجوبتها إرادة بيان قاعدة لا تختص به، و انه من باب المثال، خصوصا حسن ابن
مسلم «2» بل لعله من العام الذي لا يخصه مورده من السؤال، مضافا
الى
خبر المثنى بن عبد السلام «3» قال: «قلت
للصادق (عليه السلام): إني حككت جلدي فخرج منه دم، فقال: إن اجتمع قدر حمصة
فاغسله، و إلا فلا»
لوجوب تنزيله على وزن حمصة يساوي سعة الدرهم،
و إلا كان من الشواذ المتروكة حتى لو حمل الأمر فيه على الندب، إذ لم نعثر على
مصرح باختصاصه فيه، على أنه لو حمل عليه كان دالا في الجملة على المطلوب، خصوصا مع
ضميمة عدم القول بالفصل، بل به يتم الاستدلال أيضا على تقدير إرادة سعة الحمصة، و
إن وجب حينئذ طرح منطوق الشرط الأول فيه، و الأوضح ما ذكرناه أولا، و قصور سنده
منجبر بما عرفت، بل و دلالته لو سلم المناقشة فيهما بزيادة وزنها عن سعته لو أشيع
في البدن أو الثوب بكثير، بل في الرياض احتمال قراءتها بالخاء المعجمة، و هو سعة
ما انخفض من راحة الكف، كما عن بعض الأجلة تقدير الدرهم به سعة، لكن قال: إنه
يتوقف على القرينة لهذه النسخة، و هي مفقودة.
قلت: بل لم نعرف من حكى هذه النسخة غيره، بل
لعلها لا توافق اللغة، فالعمدة حينئذ في الحكم المذكور ما عرفت، فما عساه يظهر من
الرياض تبعا للحدائق بل و كشف اللثام من الغمز عليه و الدغدغة فيه في غير محله
قطعا، كالتردد في أصل العفو عن المقدار المخصوص حتى في الثوب، أو الميل الى العدم
من المحكي عن الحسن، حيث قال: «إذا أصاب ثوبه دم فلم يره حتى صلى فيه ثم رآه بعد
الصلاة و كان الدم على قدر
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات.
(2) الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات-
الحديث 6.
(3) الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات-
الحديث 5.
108
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في العفو عما دون الدرهم من الدم ؛ ج6، ص : 107
الدينار غسل ثوبه و لم يعد الصلاة، و إن كان
أكثر من ذلك أعاد الصلاة، و لو رآه قبل صلاته أو علم أن في ثوبه دما و لم يغسله
حتى صلى غسل ثوبه، قليلا كان الدم أو كثيرا، و قد روي أن لا إعادة عليه إلا أن
يكون أكثر من مقدار الدينار» انتهى.
إذ هو مخالف للإجماع بقسميه، و للنصوص
المستفيضة التي فيها الصحيح الصريح و غيره، ك
خبر ابن أبي يعفور «1» في حديث،
قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم
يعلم به فينسى أن يغسله فيصلي ثم يذكر بعد ما صلى أ يعيد صلاته؟ قال: يغسله و لا
يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله و يعيد الصلاة».
و
الجعفي «2» عن الباقر
(عليه السلام) قال: «في الدم يكون في الثوب إن كان أقل من قدر الدرهم فلا
يعيد الصلاة، و إن كان أكثر من قدر الدرهم و كان رآه فلم يغسله حتى صلى فليعد
صلاته، و إن لم يكن رآه حتى صلى فلا يعيد الصلاة».
ك
مرسل ابن دراج «3» عنه أيضا
و أبي عبد الله (عليهما السلام) قال: «لا بأس بأن يصلي الرجل في الثوب و فيه
الدم متفرقا شبه النضح، و إن كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس ما لم يكن مجتمعا
قدر الدرهم».
و
حسن ابن مسلم أو صحيحه «4» مضمرا في
رواية الكليني، و مسندا للباقر (عليه السلام) في رواية الصدوق، قال: «قلت له:
الدم يكون في الثوب علي و أنا في الصلاة، قال: إن رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و
صل في غيره، و إن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك و لا إعادة عليك ما لم يزد
على مقدار الدرهم، و ما كان أقل من ذلك فليس بشيء رأيته أو لم تره، و إذا كنت قد
رأيته و هو أكثر من مقدار
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
(2) الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات-
الحديث 2.
(3) الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات-
الحديث 4.
(4) الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات-
الحديث 6.
109
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في وجوب إزالة الدرهم من الدم ؛ ج6، ص : 110
الدرهم فضيعت غسله و صليت فيه صلاة كثيرة
فأعد ما صليت فيه».
[في وجوب إزالة الدرهم من الدم]
و هي كما ترى صريحة في المدعى، كما انه
صريحة في أن ما زاد عن ذلك أي الدرهم تجب إزالته ان كان
مجتمعا و هو كذلك لها، و للإجماع بقسميه عليه، و لإطلاق ما دل «1» على نجاسة
الدم و وجوب التطهير منه و من غيره من النجاسات للصلاة.
بل ظاهر المتن ذلك في مقدار الدرهم أيضا،
وفاقا لصريح جماعة و ظاهر الفقيه و الهداية و المقنعة و أول ما في الانتصار و
الخلاف و الجامع و الوسيلة و الغنية و إشارة السبق و غيرها ممن اقتصر في تقدير
العفو عنه على ما دون الدرهم، بل عن المسالك و كشف الالتباس نسبته إلى الشهرة، كما
في اللوامع إلى الأكثر، بل في ظاهر السرائر أو صريحها و عن الخلاف الإجماع عليه،
كما عن كشف الحق نسبته إلى الإمامية، و ان كان سنذكر ما وجدناه فيهما، لقاعدة
الشغل في وجه، و إطلاق أوامر التطهير و إزالة النجاسات و خصوص الدم، و لصحيح ابن
أبي يعفور السابق، و مرسل جميل، و أول مفهومي خبر الجعفي مع الاعتضاد و الانجبار
بما سمعت.
و
الرضوي «2» «إن أصاب
ثوبك دم فلا بأس بالصلاة فيه ما لم يكن مقدار درهم واف»
الى آخره.
و
المروي «3» من كتاب
علي بن جعفر عن أخيه (عليهما السلام) قال: «و إن أصاب ثوبك قدر دينار من الدم
فاغسله، و لا تصل فيه حتى تغسله»
الى آخره.
و الدينار كما في الوسائل بسعة الدرهم تقريبا.
خلافا لسلار، بل و حكي عن الانتصار، و ستعرف
ما فيه، فيعفى عنه كالأقل،
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات.
(2) المستدرك- الباب- 15- من أبواب
النجاسات- الحديث 1.
(3) الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات-
الحديث 8.
110
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في وجوب إزالة الدرهم من الدم ؛ ج6، ص : 110
للأصل و مضمر ابن مسلم، خصوصا على ما رواه
الشيخ من زيادة الواو فيه قبل قوله:
«ما زاد» مع حذف «و ما كان أقل من ذلك» و ثاني
مفهومي خبر الجعفي، و الأول بعد تسليمه لا يعارض الدليل فضلا عن الأدلة، كما أن
الأخيرين يجب الخروج عن عموم المفهوم فيهما بما تقدم مما دل على الدرهم، خصوصا بعد
أوضحية غيرهما منهما سندا و عملا، و لعل معارضة مفهوم خبر الجعفي بمفهوم الأول، بل
و خبر ابن مسلم بناء على رواية الكليني و الصدوق اللذين هما أضبط من غيرهما، و على
رجوع الإشارة إلى الدرهم كما هو الظاهر لا الزيادة.
و احتمال ترجيح مفهوم الخصم بموافقة الأصل
يدفعه بعد تسليم جريانه أنه لا يعارض تلك المرجحات الكثيرة، بل قد يناقش في مفهوم
خبر الجعفي بأنه تصريح ببعض المفهوم الأول لا انه شرط يراد منه مفهومه كما لا يخفى
على من له خبرة بمعرفة معاني الخطابات و أساليب الكلام، و باحتماله كخبر ابن مسلم
أيضا إرادة الدرهم فما زاد، نحو قوله تعالى «1» «فَإِنْ كُنَّ
نِسٰاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ» أي اثنتين فما فوق.
و معارضة ذلك باحتمال العكس في المفهوم الآخر
يدفعها ما قيل من شيوع التعبير عن الأول في الأخبار، منها
مرسل يونس «2» عن الصادق
(عليه السلام) «سألته عن حد المكاري الذي يصوم و يتم، قال: أيما مكار أقام في
منزله أو البلد الذي يدخله أقل من عشرة أيام وجب عليه الصيام و التمام، و ان كان
له مقام في منزله أو البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام فعليه التقصير و الإفطار»
لظهور أن المراد عشرة فأكثر، و بأنه لم يرد
منه شمول المساوي للدرهم، لوضوح ندرة اتفاقه و معرفته بحيث لا زيادة فيه و لا
نقيصة، و لعله لذا اقتصر على إناطة الحكم بالزائد و الناقص دونه.
______________________________
(1)
سورة النساء- الآية 12.
(2) الوسائل- الباب- 12- من أبواب صلاة
المسافر- الحديث 1 مع اختلاف يسير.
111
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في وجوب إزالة الدرهم من الدم ؛ ج6، ص : 110
و هذا و إن خدش ما تقدم من الاستدلال أيضا
بالمفهوم الدال على عدم العفو عنه، لكن قد عرفت أنا في غنية عنه بالتصريح به في
المرسل و الصحيح السابقين، و الإطلاقات و غيرها.
و احتمال إرادة استحباب الغسل و الإعادة من
مقدار الدرهم في الصحيح و المرسل جمعا بين الأدلة ضعيف، لعدم المقتضي و الشاهد، بل
هما على خلافه متحققان، مع ما فيه من اقتضاء عدم استحباب الغسل في الأدون، بل
استعمال اللفظ في حقيقته و مجازه، للقطع بقصد إرادة الدرهم مما زاد فيهما، و دعوى
عموم المجاز لا شاهد لها، نعم قد يقال ان المراد بالدرهم فيهما ما زاد منه تسامحا،
لغلبة عدم معرفة مقدار الدرهم إلا بالزيادة عليه، و إلا فليس المراد المساوي له
حقيقة، فيبقى حينئذ ما دل على العفو عنه من غير معارض حتى الإطلاقات، لانقطاعها
به.
و لا ينافيه الاقتصار في النص على العفو عما
دون الدرهم، لما عرفت من ندرة معرفة مقدار الدرهم بل و لا الفتاوى لذلك أيضا، فلا
ظهور فيها حينئذ بعدم العفو عنه حتى ينسب إلى الشهرة من جهته تارة، و الى الإجماع
أخرى، و الى تفرد سلار خاصة أو مع المرتضى ثالثة.
و قد يؤيده ملاحظة كلماتهم، فإنهم و ان
اقتصروا في أولها على ما دون الدرهم، لكن في أثنائها يذكرون الدرهم، قال في الخلاف
أولا: «فإن بلغ مقدار الدرهم وجب إزالة قليله و كثيره، و ان كان أقل من ذلك لم
يجب- ثم حكى عن بعض العامة القول بعدم العفو مطلقا، و عن آخر العفو عن المقدار
المخصوص مطلقا من أي نجاسة و غير ذلك، الى أن قال-: دليلنا إجماع الفرقة و طريقة
الاحتياط، و لا يلزمنا مثل ذلك في مقدار الدرهم في الدم، لأنا أخرجنا ذلك بدليل، و
أيضا فقد علمنا حصول
112
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في تحديد الدرهم ؛ ج6، ص : 113
النجاسة و وجوب إزالتها، و من ادعى مقدارا
فعليه الدلالة، و نحن إذا ادعينا مقدار الدرهم فلإجماع الفرقة» إلى آخره.
و كذا علق المرتضى (رحمه الله) العفو في أول
كلامه في الانتصار على ما دون الدرهم، لكنه ذكر في الأثناء ستة مرات تقريبا ما
يقتضي العفو عن الدرهم صريحا أو كالصريح، و منها ما هو كمعقد إجماع الخلاف، تركنا
التعرض لها تفصيلا خوف الإطالة.
و في كشف الحق بعد أن علق العفو على ما دون
الدرهم ناسبا له إلى الإمامية قال:
«و قال أبو حنيفة: كل النجاسات سواء في اعتبار
الدرهم، و قد خالف» إلى آخره.
و ظاهره أن خلافه في تعديه إلى غير الدم خاصة
دون المقدار.
و في الجامع و قد عفي عن دم دون سعة الدرهم
الكبير في ثوب أو بدن، فان كان متفرقا لو اجتمع لكان بسعة الدرهم فلا بأس به، و هي
بأجمعها ظاهرة فيما قلنا، و يزيده تأييدا عدم معروفية عنوان الخلاف في ذلك سابقا،
بل أول من ذكره المصنف في المعتبر، و تبعه من تأخر عنه.
و من هنا ظهر لك قوة القول بالعفو عنه، كما
أنه ظهر لك ما وقع من بعضهم من الخلل في النقل، فتأمل جيدا.
[في تحديد الدرهم]
و كيف كان ففي الفقيه و الهداية و المقنعة و
الانتصار و الخلاف و الغنية و غيرها تقييد الدرهم بالوافي الذي هو درهم و ثلث، بل
في كشف اللثام نسبته إلى الأكثر، و قد يشهد له التتبع، بل هو بعض معقد إجماع
الثلاثة الأخيرة، و نص الرضوي «1» و لعله مراد بعضهم من البغلي كما يومي
اليه جمعهما من آخر، و نسبته إلى مذهب الإمامية في كشف الحق، لما عرفت أن أكثرهم
على التعبير الأول، بل في المعتبر و غيره بل عن أكثر كتب المتأخرين التصريح بأنه
الوافي، و يسمى البغلي، فما توهمه عبارة السرائر
______________________________
(1)
المستدرك- الباب- 15- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
113
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في تحديد الدرهم ؛ ج6، ص : 113
في بادئ النظر من كونه خلافه خطأ قطعا، مع أن
التأمل فيها يدفعه، فلاحظ.
و يؤكد ذلك ما في الذكرى «البغلي بإسكان الغين
منسوب إلى رأس البغل ضربه للثاني في ولايته بسكة كسروية، و زنته ثمانية دوانيق، و
البغلية تسمى قبل الإسلام الكسروية، فحدث لها هذا الاسم في الإسلام، و الوزن
بحاله، و جرت في المعاملة مع الطبرية، و هي أربعة دوانيق، فلما كان زمن عبد الملك
جمع بينهما و اتخذ درهما منهما، و استقر أمر الإسلام على ستة دوانيق، فلما كان زمن
عبد الملك جمع بينهما و اتخذ درهما منهما، و استقر أمر الإسلام على ستة دوانيق، و
هذه التسمية ذكرها ابن دريد» انتهى.
و ما في مجمع البحرين عن بعضهم «انه كانت
الدراهم في الجاهلية مختلفة، فكان بعضها خفافا، و هي الطبرية، و بعضها ثقالا كل
درهم ثمانية دوانيق، و كانت تسمى العبدية، و قيل البغلية نسبت إلى ملك يقال له رأس
البغل، فجمع الخفيف و الثقيل و جعلا درهمين متساويين، فجاء كل درهم ستة دوانيق، و
يقال: ان عمر هو الذي فعل ذلك، لأنه لما أراد جباية الخراج طلب الوزن الثقيل، فصعب
على الرعية فجمع بين الوزنين، و استخرجوا هذا الوزن» انتهى.
و هما كما ترى واضحا الانطباق على ما ذكره
الأصحاب من أنه درهم و ثلث، إذ الدرهم الذي استقر عليه أمر الإسلام ستة، و هو مع
ثلثه ثمانية، فظهر إمكان دعوى تحصيل الإجماع فضلا عن منقوله المعتضد بالرضوي و خبر
الدينار المتقدم سابقا على إرادة الوافي المسمى بالبغلي لا غيره.
فما في المدارك- من أن الواجب حمل الدرهم في
النص على ما كان متعارفا في زمانهم (عليهم السلام)، لخلو الأخبار عن التقييد، إلى
أن قال بعد أن حكى ما تقدم من الذكرى: و مقتضاه أن الدرهم كان يطلق على البغلي و
غيره، و ان البغلي ترك في زمن عبد الملك، و هو مقدم على زمن الصادق (عليه السلام)
قطعا، فيشكل حمل النصوص عليه، و المسألة قوية الإشكال- واضح المنع بعد ما سمعت.
114
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في تحديد الدرهم ؛ ج6، ص : 113
على أن صيرورة درهم المعاملة ستة دوانيق في
زمن عبد الملك على أحد النقلين لا يقضي بذهاب تمام أفراد البغلية عن الوجود في نحو
زمن الصادق (عليه السلام) فضلا عن إطلاق الاسم عليها، خصوصا مع قرب الزمانين، إذ
وفاة عبد الملك كما عن المسعودي و غيره من المؤرخين سنة ست و ثمانين، و مولد
الصادق (عليه السلام) ثلاث و ثمانين، مضافا إلى ورود بعض الأدلة عن الباقر (عليه
السلام)، بل حكي عن العامة روايته عن النبي (صلى الله عليه و آله)، بل في اللوامع
كما عن البهائي إيجاب حمل كلامهم على المتعارف في زمن النبي (صلى الله عليه و آله)
و ان لم يكن كذلك في زمانهم، لأن أحكامهم متلقاة منه، و قد استفاضت الروايات
المعتبرة «1» بأنها مثبتة عندهم في صحيفة بإملاء رسول الله (صلى الله
عليه و آله) و خط علي (عليه السلام).
و إن كان يمكن خدش هذا الأخير بأنه لا تلازم
بين ذلك و بين حمل ما به البيان على متعارف زمن النبي (صلى الله عليه و آله) دون
الامام المبين الحاكي بالمعنى، كما في كل ناقل، و من هنا لم يتوقف أحد في سائر
أبواب الفقه في حمل ألفاظ الصادقين (عليهم السلام) على عرف زمانهم و ان لم يكن عرف
النبي (صلى الله عليه و آله) كذلك، كما لا يمنع حدوث اسم لمعنى قديم حمل اللفظ على
ذلك المعنى القديم.
فما في السرائر مما يوهم خلاف ذلك ليس في
محله، قال فيها: البغلي نسبته إلى مدينة قديمة يقال لها بغل، قريبة من بابل،
بينهما قريب من فرسخ، متصلة ببلد الجامعين، تجد فيها الحفرة و النباشون دراهم
واسعة، شاهدت درهما من تلك الدراهم، و هذا الدرهم أوسع من الدينار و المضروب
بمدينة السلام المعتاد، يقرب سعته من سعة أخمص الراحة، و قال بعض من عاصرته ممن له
علم بأخبار الناس و الأنساب: إن المدينة و الدرهم منسوبة إلى ابن أبي البغل، رجل
من كبار أهل الكوفة اتخذ هذا الموضع قديما
______________________________
(1)
أصول الكافي- ج 1 ص 239 الى 242 المطبوعة بطهران عام 1374.
115
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في تحديد الدرهم ؛ ج6، ص : 113
و ضرب هذا الدرهم الواسع، فنسب اليه الدرهم
البغلي، و هذا غير صحيح، لأن الدراهم البغلية كانت في زمن الرسول (صلى الله عليه و
آله) و قبل الكوفة» انتهى.
و في آخر كلامه ما عرفت، إلا أن يريد قدم
التسمية أيضا كما سمعته فيما سبق، لكنه قد ينافيه ما ذكره أولا، بل و غيره في وجه
التسمية من النسبة إلى قرية بالجامعين أو متصلة به الذي قد يؤيده ضبط غير واحد له
بفتح الغين و تشديد اللام، بل في المدارك نسبة ذلك إلى المتأخرين، كما عن المهذب
أنه الذي سمع من الشيوخ مع الرد فيه على ما في الذكرى بأن اتباع المشهور بين
الفقهاء أولى من اتباع ابن دريد، اللهم إلا أن يقال كما في الحدائق: إن هذه القرية
يمكن أن تكون في زمن النبي (صلى الله عليه و آله) و قبله، لأن بابل و ما قرب منها
من البلدان القديمة، و بقاء تلك الدراهم إلى زمن ابن إدريس لا يدل على المعاملة
بها، نعم تبقى المنافاة في سبب النسبة و التسمية بين ما ذكره و بين ما تقدم من
الذكرى، و هو سهل لا يترتب عليه حكم شرعي.
هذا كله لكن قد يقال: إنه و إن ثبت من جميع ما
ذكرت إرادة البغلي من الدرهم في النص و الفتوى أي الوافي الذي وزنه درهم إسلامي و
ثلث، إلا أنه لا يرفع الإجمال المقتضي للاقتصار على المتيقن معه، إذ المفيد لرفع
ذلك بيان سعته لا وزنه، لكون المدار عليها لا عليه، كما صرح به في كشف اللثام و غيره،
بل هو ظاهر كثير من الأصحاب حتى معاقد الإجماعات، كإجماع المرتضى و المصنف في
المعتبر و العلامة في المختلف و غيرهم، بل في اللوامع نفي الخلاف عنه بالخصوص، و
بذلك تتم دلالة الأخبار و ان أطلق فيها العفو عن قدر الدرهم، و ان كان لولاه لأمكن
دعوى ظهورها في إرادة الوزن أو هو مع السعة، بل قد يؤيده تعرض كثير من الأصحاب
لضبط الوزن هنا دون المساحة.
لكن قد عرفت ظهور اتفاق الأصحاب على إرادة
السعة خاصة، و الفرض أنها
116
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في تحديد الدرهم ؛ ج6، ص : 113
غير معلومة، إذ لا دلالة في الوزن عليها مع
اختلاف الأصحاب بالنسبة إلى ذلك، ففي السرائر ما سمعته من مشاهدته، و عن الحسن بن
أبي عقيل ما تقدم من اعتبار سعة الدينار، بل لا تعارض في كلامه للدرهم، كما أن ما
حكي عن أبي علي من التقدير بعقد إبهام الأعلى لا تعرض فيه أيضا للبغلي و ان ذكر
الدرهم مقدرا سعته بما سمعت.
و من هنا جعلهما في المعتبر مقابلين للقول
بالدرهم البغلي، لكنه قال: و الكل متقارب، و التفسير الأول أشهر مريدا به البغلي،
و ان كان قد يرد عليه بأنه ليس في كلامهما ما ينافي إرادة تقدير سعة البغلي.
و قال في الروض بعد أن حكى تفسيري البغلي و ما
شاهده ابن إدريس قال:
«و شهادته في قدره مسموعة، و قدر أيضا بعقد
الإبهام العليا، و هو قريب من أخمص الكف، و قدر بعقدة الوسطى، و الظاهر أنه لا
تناقض بين هذه التقديرات، لجواز اختلاف أفراد الدرهم من الضارب الواحد كما هو
الواقع، و إخبار كل واحد عن فرد رآه» انتهى.
لكنه مع الإغضاء عما فيه لا يرفع الاجمال
باعتبار اختلاف أفراد المتواطئ إلا أن يراد العفو عن أوسعها مثلا، و لا قرينة
عليه، و احتمال عدم الاحتياج إليها بإطلاق الدرهم الشامل لا يخلو من وجه، لكنه قد
يمنع أصل الدعوى بظهور الإحالة على إطلاق قدر الدرهم في عدم الاختلاف، مضافا إلى
ما عن ولده من الاعتراض عليه أيضا بأنه «انما يتم لو لم يكن في التفسير اختلاف، و
إلا فمن الجائز استناد الاختلاف في التقدير إلى الاختلاف في التفسير- إلى أن قال:-
و العجب من جماعة من الأصحاب انهم بعد اعترافهم بوقوع الاختلاف هنا قالوا: إن
شهادة ابن إدريس في قدره مسموعة مريدين بذلك الاعتماد على التقدير الذي ذكره، و
كيف يستقيم ذلك و فرض كون كلامه شهادة مقتض لتوقف الحكم بمضمونها على التعدد، كما
هو شأن الشهادة، و مع التنزل فهو مبني على تفسيره».
117
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في تحديد الدرهم ؛ ج6، ص : 113
قلت: قد عرفت فيما سبق احتمال اتحاد تفسيري
البغلي و ان الاختلاف في وجه النسبة و التسمية خاصة، لكنه من المحتمل إنكار ابن
دريد و من تبعه كون ما شاهده ابن إدريس من دراهم تلك القرية من البغلي المفسر بما
ذكر، إلا أن أصالة عدم التعدد بعد إمكان الجمع بين التفسيرين ينفيه، فمن هنا كان
الركون إلى تقدير ابن إدريس لا يخلو من قوة.
بل يمكن دعوى شهادة القرائن له، كما أنه يمكن
إرادة الأصحاب بضبط الوزن بالدرهم و الثلث بيان زيادة مساحته على الدرهم المعروف
بقدر زيادة وزنه، فيوافق ما ذكره الحلي حينئذ، و ليس ذلك منه من الشهادة المعتبر
فيها التعدد، بل هو من باب الاخبار، كما أنه لا يعارضه التقادير الأخر إما لما
ذكره في الروض أو في المعتبر من التقارب، أو لأنه أقوى من غيره باعتبار العلم
باستناده إلى المشاهدة دونها.
على أن ما ذكره ابن أبي عقيل ليس تقديرا
للدرهم حتى يعارضه، انما ذكره تقديرا للمعفو عنه من الدم مستندا لخبر علي
بن جعفر «1» المتقدم القاصر عن إثباته ان لم ينزل على الدرهم، بل و
كذا ابن الجنيد لم يذكر ذلك التقدير للبغلي، و أما التقدير بعقدة الوسطى فهو مع
عدم معرفة المقدر و لا إرادته تقدير سعة البغلي أو الدم ضعيف جدا، بل في الرياض
تشهد القرائن بفساده قطعا، و الله أعلم.
لكن و مع ذلك كله فالاحتياط بعدم الزيادة على
المتيقن لا ينبغي تركه، خصوصا فيما نحن فيه من الصلاة اللازم فيها ذلك، تحصيلا
للبراءة اليقينية، و اقتصارا فيما خالف الأصل المستفاد من وجوب إزالة النجاسة أو
الدم على المقطوع به، و من هنا مال في الرياض تبعا لبعض من تقدمه اليه، و إن كان
يمكن المناقشة بمنع مبنى أولهما من مانعية ما شك في مانعيته، لاستصحاب بقاء الثوب
على صحة الصلاة به، و لأنه كسائر شبه
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات- الحديث 8.
118
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في عدم العفو عن الدماء الثلاثة ؛ ج6، ص : 119
الموضوع التي لا يجب إزالتها، كما لو وجد على
ساتره رطوبة لا يعلم كونها من مأكول اللحم أولا، بل هو كاشتباه الدم بين المعفو
عنه من دم ذي النفس و غيره كالدماء الثلاثة المصرح في الدروس و اللوامع كما عن
الموجز و شرحه و غيرهما بالعفو عنه، و إطلاق أدلة الإزالة بعد العلم بتقييدها
الممنوع لها لا وجه للتمسك بها فيما لم يعلم أنه من موضوعها، إذ الأمر آل بعد
تخصيص الأدلة و الجمع بينها إلى وجوب إزالة الثلاثة مطلقا بخلاف غيرها، و إلى
إزالة قدر الدرهم فما زاد دون الأقل، فمتى لم يعلم كونه من الثلاثة و لا زائدا على
الدرهم لم يعلم دخوله في أحد الإطلاقين، فمرجعه حينئذ الضوابط الأخر.
و دعوى أن فائدة العموم و ان خص دخول المشتبه
حتى يعلم أنه من الخاص- فيفرق حينئذ بين المشتبه من الدرهم و بين المشتبه بأحد
الثلاثة، فيحكم بالعفو في الثاني حتى يعلم أنه من الثلاثة، لا طلاق أدلة العفو،
دون الأول حتى يعلم أنه درهم، لا طلاق أدلة الإزالة- خالية عن الشاهد، بل لعل
التأمل في أمثالها من الخطابات يشهد بخلافها.
نعم هو مسلم عند اشتباه أصل التخصيص لا بعد
العلم به و الشك في أفراد المخصص بالكسر، إذ لا ريب في ظهور التخصيص بثبوت نقيض
وصف الخاص للعام، فهو خاص حينئذ و لا مدخلية للعلم في مفاهيم الألفاظ، فتأمل جيدا،
و الله أعلم.
[في عدم العفو عن الدماء الثلاثة]
نعم لو علم انه دم حيض لم يعف عن قليله و
كثيره بلا خلاف كما في السرائر، بل إجماعا صريحا و ظاهرا في غيرها، و لعله كذلك
كما يشهد له التتبع، لا طلاق الأمر بالتطهير من النجاسات و الدم، بل و خصوص أمر
النبي (صلى الله عليه و آله) و الصادق (عليه السلام) الحائض بغسل ثوبها منه، ففي
النبوي «1» المروي في
كتب فروع الأصحاب دون أصولهم، بل في الحدائق الظاهر أنه من طريق العامة، إلى آخره.
و إن كان لا يقدح فيه مثل ذلك في المقام بعد
الانجبار، قال (ص) لأسماء: «حتيه ثم اقرصيه
______________________________
(1)
كنز العمال- ج 5 ص 128- الرقم 2643.
119
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في عدم العفو عن الدماء الثلاثة ؛ ج6، ص : 119
ثم اغسليه بالماء»
و
قال الصادق (عليه السلام) في خبر سورة بن
كليب في الحائض «1»:
«تغسل ما أصاب ثوبها من الدم»
بل يستفاد من جملة أخرى شدة نجاسته و غلظها.
فهذا مع ما قيل- من قصور أدلة العفو عن شموله
لندرته، خصوصا مع اختصاص الخطاب فيها بالذكور، و احتمال إصابة ثيابهم من دم الحائض
نادر بالضرورة- دليل ثان عليه.
مضافا الى
قول الصادقين (عليهما السلام) في خبر أبي
بصير «2» المروي في الكافي بل و موضع من التهذيب كذلك لكن بزيادة
«لم» بعد «دم»: «لا تعاد الصلاة من دم تبصره غير دم الحيض، فإن قليله و كثيره في
الثوب إن رآه أو لم يره سواء»
المؤيد
بالرضوي «3» «و إن كان
الدم حمصة فلا بأس بأن لا تغسله إلا أن يكون دم الحيض فاغسل ثوبك منه»
و قاعدة الشغل في وجه، و المنجبر ضعفه بما
عرفت، مع عدم المعارض سوى إطلاق أدلة العفو الممنوع شمولها لمثله، و لو سلم ففيها
الخاص المقدم عليها حتى خبر أبي بصير، بناء على إرادة ما دون الدرهم من القليل فيه
المعفو عنه من غيره، بل و إن لم يرد منه ذلك يكون التعارض بينها و بينه من وجه، و
لا ريب في رجحانه عليها من وجوه.
و يلحق به دم الاستحاضة و النفاس بلا خلاف فيه
عندنا كما في السرائر، بل في الخلاف و الغنية الإجماع عليه، كظاهر نسبته إلى
الأصحاب من غيرهما، بل قد يشعر به أيضا نسبة الخلاف إلى أحمد في التذكرة، مضافا
الى ما دل على كون دم النفاس
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 28- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
(2) الوسائل- الباب- 21- من أبواب النجاسات-
الحديث 1.
(3) المستدرك- الباب- 16- من أبواب
النجاسات- الحديث 1.
120
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم ما دون الدرهم من دم غير المأكول ؛ ج6، ص : 121
حيضا احتبس، و إلى غلظ النجاسة فيه و في
الاستحاضة باعتبار حدثيتهما.
فما تفرد به المحدث البحراني في حدائقه من
إلحاقهما بالمعفو عنه لا طلاق أدلة العفو ضعيف جدا، إذ لا أقل من الشك في الشمول
لما سمعت، فيبقى ما دل على الإزالة لا معارض له، كما هو واضح.
[في حكم ما دون الدرهم من دم غير المأكول]
بل قد يشك في شمولها لدم الكلب و الخنزير
فيلحقان حينئذ بدم الحيض كما هو خيرة الطوسي في وسيلته و عن القطب الراوندي، بل
مطلق نجس العين الشامل لهما و للكافر و الميتة كما في صريح قواعد الفاضل و إرشاده،
بل و مختلفه و منتهاه و الدروس و البيان و المعالم و الرياض و ظاهر الروض و
التنقيح و جامع المقاصد، فيبقى الأصل المستفاد من تلك الإطلاقات بلا معارض، مضافا
إلى ظهور ملاحظة الحيثية و اعتبارها المستلزم لعدم العفو عن ذلك باعتبار زيادة
نجاسة الدم بملاقاته جسد نجس العين، فيكون كتنجسه بنجاسة خارجية، فالعفو عن الدم
من حيث أنه دم لا يقتضيه، و إلى
موثق ابن بكير «1» المجمع
على تصحيح ما يصح عنه «ان الصلاة في كل شيء حرام أكله فالصلاة في و بره و
شعره و بوله و كل شيء منه فاسد، لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلى في غيره مما أحل
الله تعالى أكله».
بل منه و من سائر ما دل «2» على المنع
من فضلات ما لا يؤكل لحمه يستفاد عدم العفو عن مطلق دم غير المأكول من
حيث أنه من فضلاته و ان عفي عنه من حيث أنه دم، كما هو خيرة الأستاذ في كشفه.
و ربما يؤيده في الجملة- مضافا إلى استبعاد
العفو عن قليل دمه مع نجاسته و عدمه
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 2- من أبواب لباس المصلي- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
(2) الوسائل- الباب- 8- من أبواب النجاسات.
121
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم ما دون الدرهم من دم غير المأكول ؛ ج6، ص : 121
في القليل من فضلاته مع طهارته-
قول الصادق (عليه السلام) في مرفوعة البرقي «1»:
«دمك أنظف من دم غيرك، إذا كان في ثوبك شبه
النضح من دمك فلا بأس، و إن كان دم غيرك قليلا كان أو كثيرا فاغسله»
و ما عن
الفقه الرضوي «2» «و أروي
أن دمك ليس مثل دم غيرك»
و ان كان لفظ الغير أعم من المأكول.
بل في الحدائق اختيار العمل بمضمونها، فألحق
بدم الحيض مطلق دم الغير، و حكاه عن الأمين الأسترابادي، و هو أغرب من مختار
الأستاذ، و لا ريب في ضعفه بل بطلانه، لإمكان تحصيل الإجماع على خلافه حتى منه
فيما تقدم من صريح كلامه أو ظاهره، و لقصور دليله بالضعف و الإرسال و الهجر عن
مقاومة ما تقدم، خصوصا لو قلنا بكون معارضته لها بالعموم من وجه باعتبار عموم
القليل فيه للدرهم و غيره.
بل قد يناقش في مختار الأستاذ أيضا، فإنه و إن
كان بين أدلة العفو عن الدم و بين أدلة المنع عن فضلات ما لا يؤكل لحمه تعارض
العموم من وجه، إلا أن التأمل في كلام الأصحاب و معاقد إجماعاتهم- خصوصا اقتصارهم
على استثناء الثلاثة أو مع نجس العين، مع معروفية البحث منهم في الأخير حتى ادعى
الإجماع ابن إدريس على مساواته لغيره، مع قوة دلالة أخبار العفو بالنسبة إلى ذلك و
إن كان بترك الاستفصال في بعضها، و ضعف أدلة الفضلة بالنسبة اليه و إن كان بالعموم
اللغوي- يشهد للأولى و يرجحها، و بعد فرض شمولها له يلزمها اضمحلال حيثية منع
الفضلة، إذ تكون حينئذ كالنص على العفو عن دم غيره المأكول اللازم له اضمحلال تلك
الحيثية قطعا، و إن كان يمكن الفرق بين النص على العفو عن الدم المفروض و بين
إطلاق العفو الشامل لملزوم تلك الحيثية و غيره بظهور اضمحلال الحيثية مع الأول، و
إلا لكان عبثا أو كالعبث،
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 21- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
(2) البحار ج 18 ص 21.
122
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم ما دون الدرهم من دم غير المأكول ؛ ج6، ص : 121
بخلاف الثاني، لكن ملاحظة نصوص المقام و كلمات
الأصحاب تشرف الفقيه على القطع بعدم اعتبار حيثية الفضلة هنا و تبعيتها في العفو
الدم، فلا ينبغي الإطناب في تكثير السؤال و الجواب.
نعم قد يتجه اعتبار الحيثية في نحو دم نجس
العين لحصول نجاسة معه غير نجاسة الدم، و من المعلوم أن العفو انما هو عن الدم من
حيث أنه دم، مع أن المشهور كما في المنتهى عدم اعتبارها أيضا، بل لعله ظاهر جميع
الأصحاب عدا من علم خلافه، بل كاد يكون صريح اقتصارهم على استثناء الثلاثة، بل في
السرائر بعد أن حكى عن الراوندي ما سمعت «و هذا خطأ و زلل عظيم فاحش، لأن هذا هدم
و خرق لإجماع أصحابنا».
قلت: بل لعله الأقوى في النظر، لا طلاق الأدلة
بل عمومها المستلزم عرفا لاضمحلال مثل هذه الحيثية التي هي من لوازم هذا الدم، و
ان قلنا بملاحظتها في العارضة له، كملاقاة محل الدم من الثوب مثلا لبول و نحوه.
و دعوى انصرافها إلى غيره لندرة إصابته
ممنوعة، لعدم مدخلية ندرة الإصابة في صدق اسم الدم و شموله، و المعتبر هو لا هي،
بل قد يدعى اضمحلال الحيثية أيضا فيما لو لاقى الدم قبل أصابته نجاسة استهلكها ثم
أصاب، لعدم صدق النجاسة بغير الدم، فلا يجري على المتنجس به غير أحكامه، كعدم
قابلية الدم للنجاسة بها استصحابا لحاله السابق السالم عن المعارض، ضرورة عدم
تناول ما دل على نجاسة الملاقي للنجاسة لمثله.
فما في المختلف مشنعا على الحلي بأنه شنع على
القطب بغير الحق في غير محله، نعم قد يتوجه عليه أنه مناف لما ذكره في باب نزح
الآبار من ملاحظة نحو هذا الاعتبار حيث فرق بين موت الإنسان في البئر بين المسلم و
الكافر لهذه الحيثية، و قد أنكرنا و أنكروا عليه هناك ذلك، فالعجب من إقراره هنا و
إنكاره هناك، كالعجب من إقرار غيره هناك و إنكاره هنا، فتأمل جيدا، و الله أعلم.
123
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم ما دون الدرهم من دم غير المأكول ؛ ج6، ص : 121
فظهر لك من ذلك كله بحمد الله صحة اقتصار
المصنف و غيره على استثناء الثلاثة خاصة، لكن قد يوهم تقييده بالمسفوح عدم العفو
في قليل غيره أو عدم نجاسته، و قد عرفت عند البحث على نجاسة الدم ما يرفع الثاني،
كما أنه قد عرفت هنا ما يرفع الأول، و كذا كلام ابن زهرة يوهم اختصاص العفو عن
المقدار المذكور بدم القروح و الجروح مع سهولة الإزالة، لكن يجوز إرادته ما عدا
الثلاثة منهما.
و لا يلحق بالدم غيره من النجاسات و ما تنجس
بها، للأصل السالم عن المعارض، فيجب إزالة قليلها و كثيرها، أما ما تنجس به من
المائع ففي المنتهى و البيان و الحدائق وجوب إزالته و ان قل، للأصل أيضا مع عدم
لزوم ثبوت ما في الأصل في الفرع، و لأن الاعتبار بالمشقة المستندة إلى كثرة الوقوع
المنتفية فيما نحن فيه، و ربما مال إليه في الذخيرة بعد التأمل في المسألة و
التردد.
لكن قد يقوى إلحاقه به كما عن النهاية
احتماله، بل عن المعالم اختياره، فيعفى عما دون الدرهم منه، للأولوية المستفادة من
عدم زيادة الفرع على الأصل، و لأن معنى نجاسة المتنجس بالملاقاة انتقال أحكام
النجس اليه لا غيرها، و لمناسبة التخفيف المقتضي لمشروعية الأصل، و للشك في تناول
أدلة الإزالة لمثله، مع عدم مانعية ما شك في مانعيته.
و لا فرق في ذلك بين المتنجس بالدم قبل إصابة
الثوب مثلا و بعده، و لا بين المتنجس بمقدار المعفو عنه من الدم و الزائد، و ان نص
في جامع المقاصد و الروض و المدارك و اللوامع على العفو عما تنجس بالمعفو عنه من
الدم خاصة، لكن مرادهم المثال قطعا، كما يومي اليه تعليلهم، و لا بين تعدي ما أصاب
من الرطوبة عن محل الدم و عدمه، و إن خص في الموجز بالثاني.
نعم لو زاد المتنجس به و لو عرفا عن الدرهم أو
هو مع المتصل به من الدم اتجه المنع حينئذ، للأصل من غير معارض، و إن أطلق قوة
العفو في الذكرى، فقال:
124
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم المتفرق الزائد عن مقدار الدرهم ؛ ج6، ص : 125
«و إن أصابه مائع طاهر فالعفو قوي، لأن
المتنجس بشيء لا يزيد عليه، و لمس الحاجة» انتهى.
و في ثبوت العفو عن المقدار المخصوص في
المحمول من الثوب و نحوه بناء على منع حمل النجاسة في الصلاة إشكال كما في المنتهى
بل و النهاية، من عموم الرخصة، و انتفاء المشقة، لكن يقوى الأول للأولوية أو
المساواة، أما بناء على جواز حمل النجاسة في الصلاة فلا ريب في الجواز بل و لو كان
كثيرا، و إن خبط بعض متأخري المتأخرين، فاستدل بأدلة جواز الحمل على مفروض المسألة
السابق.
و مما ذكرنا يعرف الحال في حمل ما أصابه دم
القروح لذي القروح و ان كان لا يخلو من إشكال.
و لو تفشي الدم من أحد جانبي الثوب إلى الآخر
فدم واحد عرفا، وفاقا للثانيين من غير فرق بين الصفيق و غيره، بل و المنتهى أيضا و
إن فرضه في الأول، و خلافا للذكرى و البيان، فاثنان في الثاني، و العرف شاهدنا
عليهما، نعم لو كان لا بالتفشي اتجه ذلك حتى في الصفيق كما صرح به في المنتهى، و
الحكم باتحادهما من غير العالم بالحال لا يجدي، و يعتبر التقدير مع اتحاد الدم
بأوسع الجهتين على تأمل.
[في حكم المتفرق الزائد عن مقدار الدرهم]
هذا كله في حكم الزائد عن الدرهم و الناقص حال
كون الدم مجتمعا، و أما إن كان متفرقا فلا إشكال بل و لا خلاف في مساواته للمجتمع
في العفو عنه مع عدم الزيادة، للأولوية و إطلاق الأدلة و خصوص صحيح
النقط «1» فما يوهمه ظاهر عبارة الروضة من وقوع الخلاف فيه ليس في
محله.
نعم هو في المتفرق الزائد عن الدرهم ف قيل و اختاره في
المبسوط و السرائر و النافع و المدارك و الحدائق و الذخيرة و عن التلخيص و الكفاية
و الأردبيلي و ابن سعيد،
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
125
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم المتفرق الزائد عن مقدار الدرهم ؛ ج6، ص : 125
بل في الذكرى أنه المشهور، لكن لم أتحققه، كما
أني لم أجده في جامع الأخير، بل لعل الموجود فيه خلافه هو عفو و إن احتاط
بالإزالة في الأولين.
و قيل: تجب إزالته كالمجتمع، و اختاره
في المراسم و الوسيلة و المنتهى و المختلف و القواعد و كشف الأستاذ و البيان و
الذكرى و التنقيح و جامع المقاصد و الروض و الروضة و اللوامع و عن التحرير و نهاية
الأحكام و التذكرة و حاشية الشرائع و كشف الالتباس ناسبا له إلى الشهرة في الأخير،
كالروض و غيره إلى أكثر المتأخرين.
و قيل: لا يجب إزالته إلا أن
يتفاحش و اختاره الشيخ في ظاهر النهاية أو صريحها كالمصنف في المعتبر.
و الثاني لا الأول أظهر لأصالة وجوب
إزالة النجاسة بل و الشغل في وجه، و إطلاق دليل المنع الشامل للمجتمع و المتفرق من
الأخبار و معاقد الإجماعات بعد منع انصرافه للأول، كمنع تقييدها بمفهوم
قول الصادقين (عليهما السلام) في مرسل جميل «1»: «لا بأس
بأن يصلي الرجل في الثوب فيه الدم متفرقا شبه النضح، و ان كان قد رآه صاحبه قبل
ذلك فلا بأس ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم»
و
الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن أبي يعفور «2» بعد أن
سأله «عن الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى أن
يغسله فيصلي ثم يذكر بعد ما صلى، أ يعيد صلاته؟ قال: يغسله و لا يعيد صلاته إلا أن
يكون مقدار الدرهم مجتمعا، فيغسله و يعيد صلاته»
لإرسال الأولى، بل في سندها علي بن حديد مع عدم
تحقق الجابر و إن حكيت الشهرة، بل لعل الموهن محقق، و ابتناء دلالة الصحيحة على أن
يكون «مجتمعا» خبرا و لو بعد خبر بإرادة المركب منهما نحو الرمان حلو حامض، و فيه
منع، لاحتماله الحالية المحققة لا المقدرة التي هي كقولهم: «مررت برجل معه صقر
صائدا به غدا أي مقدرا فيه الصيد، لما قيل من
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
(2) الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات-
الحديث 1.
126
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم المتفرق الزائد عن مقدار الدرهم ؛ ج6، ص : 125
الاتفاق باشتراطها باختلاف زمانها مع زمان
العامل المفقود هنا ضرورة اتحاد زمان كون الدم مقدار درهم و الاجتماع، بخلاف ما
ذكرنا، إذ المعنى عليه إلا أن يكون هذا الدم مقدار درهم في حال اجتماعه أي لو
اجتمع، و هذا لا يقتضي كونها مقدرة بعد اتحاد الزمان كما عرفت.
و المناقشة فيه باختصاص دلالتها حينئذ على المتفرق
المقدر فيه الاجتماع دون المجتمع فعلا مدفوعة بالتزامه أولا لمناسبة السؤال و
الاستدلال على الآخر بغيرها، و بمنعه ثانيا، لدلالتها عليه بمفهوم الموافقة،
كالمناقشة بأن إرادة المحققة تقتضي اشتراط الاجتماع المطلوب للخصم، لما سمعت من
إرادة التقدير منها بالمعنى السابق بملاحظة السؤال، و كأنه لحظ هذا المعنى أو ما
يقرب منه من وصفها بالمقدرة لا السابقة، أو أنه يمنع الشرط المتقدم فيها، فيراد
بها حينئذ ما يشمل ما نحن فيه، على أن جعله خبرا مستلزم لانقطاع المستثنى، إذ
مفروض السؤال عن النقط المتفرقة الظاهرة في الأقل من الدرهم.
و مما عرفت تظهر المناقشة في دلالة المرسل
أيضا، لاحتماله الحالية من الضمير المستتر الراجع إلى الدم المتفرق.
فبان حينئذ قصورهما عن معارضة ما عرفت المؤيد
باستبعاد الفرق في القدر المخصوص بين الاجتماع و عدمه، كاستبعاد التزام القول بصحة
الصلاة بناء على القول الأول و ان استغرق الدم الثوب، إذا فرض نقصان كل مجتمع عن
الدرهم و فصله عن مثله بقدر جزء غير منقسم مع القول ببطلانها من إصابة درهم واحد
مجتمع، و الاحتراز عن ذلك بقيد التفاحش كما هو قول المصنف لم نعرف له مستندا، كما
اعترف به غير واحد، سوى المرسل المحكي في البحار عن
دعائم الإسلام «1» عن الباقر
و الصادق (عليهما السلام) «إنهما قالا في الدم يصيب الثوب: يغسل كما
تغسل النجاسات،
______________________________
(1)
المستدرك- الباب- 15- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
127
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم ما لا تتم الصلاة فيه منفردا ؛ ج6، ص : 128
و رخصا في النضح اليسير منه و من سائر
النجاسات مثل دم البراغيث و أشباهه، قال:
فإذا تفاحش غسل».
و هو مع ضعفه و انحصار العامل به في النهاية و
المعتبر، بل في كشف اللثام انه يمكن تنزيل عبارة النهاية على معنى غير ذلك مشتمل
على ما لا نقول به من سائر النجاسات، مضافا إلى إجمال المراد بالتفاحش، ففي
المعتبر انه اختلف فيه قول الفقهاء يعني من العامة، فبعض قدره بالشبر، و بعض بما
يفحش في القلب، و قدره أبو حنيفة بربع الثوب، و الوجه المرجع فيه إلى العادة، و ان
كان ما استوجهه وجيها لو كان معلقا عليه الحكم في خبر معتبر.
ثم انه لا فرق على المختار من اعتبار التقدير
في المتفرق بين الثوب الواحد و الثياب المتعددة، فيعتبر بلوغ مجموع ما فيها قدر
الدرهم كما صرح به الثانيان في الجامع و المسالك و غيرهما، لظهور الأدلة في
التعميم، بل قد يراد بالثوب في السؤال الجنس الشامل للمتعدد، فاحتمال اعتبار كل
واحد منها منفردا ضعيف، كضعف احتمال ذلك بالنسبة للبدن، فيعتبر حينئذ ضم ما في
البدن إلى الثوب كالثياب المتعددة، لا أنه يعتبر كل منها بانفراده، و ان احتمله في
الروض، لكنه صرح في المسالك بما ذكرنا لما عرفت.
[في حكم ما لا تتم الصلاة فيه منفردا]
و يجوز الصلاة في كل ملبوس مما لا
تتم الصلاة فيه من الرجل منفردا لعدم تحقق الستر به و ان كان فيه
نجاسة لم يعف عنها في غيره مما يتم الصلاة به منفردا بلا خلاف محقق أجده
فيه كما اعترف به غير واحد، بل عليه الإجماع تحصيلا و نقلا في الانتصار و الخلاف و
السرائر صريحا، و التذكرة و غيرها ظاهرا، و هو الحجة بعد النصوص المستفيضة المنجبر
ضعف بعضها بما تقدم.
ك
قول أحدهما (عليهما السلام) في موثق زرارة «1»: «كل ما
كان لا تجوز
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 31- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
128
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم ما لا تتم الصلاة فيه منفردا ؛ ج6، ص : 128
الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يكون عليه الشيء،
مثل القلنسوة و التكة و الجورب».
و
الصادق (عليه السلام) في مرسل عبد الله بن
سنان «1» «كل ما كان على الإنسان أو معه مما لا يجوز الصلاة فيه
وحده فلا بأس أن يصلي فيه و ان كان فيه قذر، مثل القلنسوة و التكة و الكمرة و
النعل و الخفين و ما أشبه ذلك».
و في
مرسل حماد بن عثمان «2» الذي هو
كالصحيح في وجه «في الرجل يصلي في الخف الذي قد أصابه قذر إذا كان مما لا تتم
الصلاة فيه فلا بأس».
و في
مرسل ابن أبي البلاد «3» «لا بأس
بالصلاة في الشيء الذي لا تجوز الصلاة فيه وحده يصيبه القذر، مثل القلنسوة و
التكة و الجورب».
و
خبر زرارة «4» بعد أن
قال له: «إن قلنسوتي وقعت في بول فأخذتها و وضعتها على رأسي ثم صليت،
فقال: لا بأس»
المتمم دلالته على غير القلنسوة مما لا تتم
الصلاة فيه بما عرفت، و بعدم القول بالفصل بينها و بينه الذي لا يقدح فيه ما عن
القطب الراوندي و أبي الصلاح و سلار من الاقتصار عليها و التكة و الجورب و الخف و
النعل مع عدم صراحته في الخلاف، بل و لا ظهوره عند التأمل، و إلا كانوا محجوجين
بلفظ «كل» و مثل «و ما أشبه» في النصوص و معاقد الإجماعات و غيرها.
نعم لا يلحق بها العمامة قطعا و إن عدها منها
في الفقيه تبعا للفقه الرضوي «5» لكونها مما تتم بها الصلاة، فتبقى على
أصالة الإزالة، اللهم إلا أن تحمل على عمامة لا تتم بها الصلاة، كما يومي اليه
تعليل الجواز فيهما بذلك، فيكون النزاع لفظيا، و إلا فاحتمال القول بالعفو عن
نجاستها و ان تمت بها الصلاة لأصالة البراءة مع عدم دليل على وجوب
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 31- من أبواب النجاسات- الحديث 5.
(2) الوسائل- الباب- 31- من أبواب النجاسات-
الحديث 2.
(3) الوسائل- الباب- 31- من أبواب النجاسات-
الحديث 4.
(4) الوسائل- الباب- 31- من أبواب النجاسات-
الحديث 3.
(5) المستدرك- الباب- 24- من أبواب
النجاسات- الحديث 1.
129
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم ما لا تتم الصلاة فيه منفردا ؛ ج6، ص : 128
الإزالة عن غير الثياب و ليست منها في غاية
الضعف، لكونها من الثياب قطعا، و لظهور المفهوم في الأخبار السابقة بالمنع عما تمت
به الصلاة المؤيد بإشعار ترك استثنائها منه مع ظهورها و كثرة الاحتياج إليها، بل
هي أولى في التنبيه مما لا تتم به الصلاة، و بالإجماع ظاهرا على عدم الفرق في
اشتراط طهارة الملبوس بين الثوب و غيره إذا كان مما تتم به الصلاة، كاحتمال القول
ان العمامة مما لا تتم الصلاة بها باقية على هيئتها، إذ لا عبرة بإمكان الستر بغير
تلك الهيئة، و إلا لكانت القلنسوة و نحوها مما تتم بها الصلاة في بعض الأحوال،
لأنه كما ترى مستلزم لجواز الصلاة في كل ثوب مطوي مع نجاسته، و هو سفسطة كما اعترف
به المجلسي على ما حكي عنه في حاشية الفقيه، إذ من الواضح الفرق بين الامكانين: أي
إمكان التستر بالقلنسوة، و إمكانه بالعمامة، على أن ترك التمثيل بها لما لا يتم و
التمثيل بالقلنسوة و نحوها له مع ظهورها و كثرة الاحتياج إليها و أولويتها
بالتنبيه عليها كالصريح في كونها ليست منه.
ثم لا فرق في النجاسة بين القليلة و الكثيرة،
و لا بين دم الحيض و غيره، و لا بين كون النجاسة من نجس العين و غيره، لظاهر
النصوص و الفتاوى، لكن قد يتأتى البحث السابق في الدم، فلا يعفى عن مثل الأخير، بل
كل نجاسة من غير المأكول لا للنجاسة بل لحصول مانع آخر، و هو فضلة غير المأكول، و
لا دليل على العفو عنها، لعدم التلازم بعد اختلاف الحيثيتين، بل في التنقيح عن بعض
الأصحاب المنع هنا أيضا مع غلظ النجاسة كدم الحيض و أخويه.
قلت: إلا أن ظاهر الأصحاب و النصوص هنا عدم
اعتبار الحيثية و الغلظ المذكورين، بل هو صريح بعضهم، و هو يؤيد ما تقدم لنا
سابقا.
كما انه منه بمفهوم الموافقة يستفاد حينئذ
العفو عن فضلة غير المأكول غير النجسة على القلنسوة و نحوها مما لا تتم الصلاة به.
130
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم ما لا تتم الصلاة فيه منفردا ؛ ج6، ص : 128
و كذا لا فرق فيما لا تتم فيه الصلاة بين كونه
من جنس الساتر كالقلنسوة و نحوها و عدمه كالحلي من الخاتم و الخلخال و السوار و
الدملج و المنطقة و السيف و السكين و نحوها بعد صدق اسم الملبوس، لعموم الأدلة و
خصوص إجماع السرائر، فليس العفو عن نجاستها حينئذ مبنيا على جواز حمل النجس في
الصلاة.
و من هنا صرح في السرائر و المنتهى بالعفو
فيها، بل ادعى الأول عليه الإجماع، و ان منع فيهما حمل النجس مع عدم صدق اسم اللبس
عليه و ان كان مما لا تتم فيه الصلاة، لكن يمكن المناقشة فيه بدعوى مجازية إطلاق
اسم الملبوس على أكثرها ان لم يكن جميعها، خصوصا في السيف و السكين و نحوهما، فمع
فرض تنزيل أدلة العفو على إرادة الملبوس دون المحمول لا تشملها حينئذ، و لا ينافيه
العموم اللغوي فيها، إذ أقصاه شمول الأفراد الحقيقية و ان كانت نادرة لا المجازية،
اللهم إلا أن يمنع عدم صدق اللبس عليها حقيقة، أو يراد بالملبوس هنا ما يشملها
بقرينة ذكر الخف و النعل و التكة و الكمرة، و هي على ما قيل كيس للذكر خوف
الاحتلام مما لا تتم الصلاة فيه، أو يدعى دوران الحكم على صدق الصلاة فيه أو و هو
عليه، كما في مرسل ابن سنان المتقدم «1» و ان كانت لا تتم
به، و هما أعم من صدق اللبس، و غير مستلزم لجواز حمل المتنجس، لعدم صدق الظرفية
معه.
هذا كله إن لم نقل بجواز حمل المتنجس في
الصلاة غير الثوب و نحوه مما تتم به الصلاة، و إلا فلا إشكال في العفو عنها، إذ هي
ان لم تكن كما ذكرنا فبحكم المحمول قطعا، و لعل الأقوى فيه ذلك وفاقا للمعتبر و
المدارك و المعالم و الذخيرة و الحدائق و اللوامع و غيرها و منظومة الطباطبائي و
كشف الأستاذ، للأصل السالم عن معارضة دليل معتبر، بناء على المختار من جريانه في
العبادة في نحو ذلك، و فحوى صحيح الثالول في وجه،
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 31- من أبواب النجاسات- الحديث 5.
131
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم ما لا تتم الصلاة فيه منفردا ؛ ج6، ص : 128
بل ينبغي القطع به فيما لا تتم به الصلاة من
الملبوس، لأولويته من اللبس، و مرسل ابن سنان السابق، و إمكان اندراجه في بعض أدلة
العفو أيضا، لمنع ظهورها في حال اللبس فضلا عن كونه في محالها و ان توهمه بعض.
بل قد يستفاد من صحيح الثالول «1» بناء على
ذلك الوجه العفو عن حمل النجاسة نفسها أيضا التي هي جزء ميتة كما هو صريح كشف
الأستاذ، بل و ظاهر غيره.
لكن قد يشكل أولا بدعوى مانعية الميتة للصلاة
لنفسها لا من حيث النجاسة، كما تعطيه بعض الأدلة و العبارات، إلا أنها قد تمنع، أو
تسلم و يدعى العفو عنها في المحمول أيضا.
و ثانيا بمفهوم
مكاتبة عبد الله بن جعفر «2» الى أبي
محمد (عليه السلام) «يجوز أن يصلي و معه فأرة مسك، فكتب لا بأس به إذا كان
ذكيا».
و
صحيح علي بن جعفر (عليه السلام) «3» «سأل أخاه
عن الرجل يصلي و معه دبة من جلد حمار أو بغل، قال: لا يصلح أن يصلي و هي معه»
و
خبر علي بن أبي حمزة «4» «إن رجلا
سأل أبا عبد الله (عليه السلام) و أنا عنده عن الرجل يتقلد السيف و يصلي فيه، قال:
نعم، فقال الرجل: إن فيه الكيمخت، قال: و ما الكيمخت؟ قال: جلود دواب، منه ما كان
ذكيا و منه ما كان ميتة، فقال: ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه».
إلا أنها لمكان اختصاصها جميعا بالميتة- و عدم
الجابر للمحتاج اليه منها كعدم صراحة الأولين في المنع و الثاني في الميتة، فكما
يمكن حمله عليها يمكن حمله على الكراهة،
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 63- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
(2) الوسائل- الباب- 41- من أبواب لباس
المصلي- الحديث 2.
(3) الوسائل- الباب- 60- من أبواب لباس
المصلي- الحديث 2.
(4) الوسائل- الباب- 55- من أبواب لباس
المصلي- الحديث 2.
132
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم ما لا تتم الصلاة فيه منفردا ؛ ج6، ص : 128
و ابتناء الأول على نجاسة الفأرة من غير
المذكى، و فيه بحث قد مر، و احتمال الثالث الاندراج في الملبوس دون المحمول- أعرض
عنها بعض الأصحاب، فأجاز حمل كل نجاسة ميتة أو غيرها.
لكنه لا يخلو من إشكال، بل لا يبعد التفصيل
بين الميتة و غيرها، فيقتصر في المنع على الأولى، لما سمعت من الأخبار و غيرها
الدالة على المنع منها حتى في شسع النعل السالمة عن المعارض، لتنزيل صحيح الثالول
على الطهارة لا النجاسة و العفو كما عرفته فيما مر، و ان استند اليه هنا في الذكرى
و كشف الغطاء، دون الثانية للأصل.
و منه حينئذ ينقدح أولوية المنع فيما اتخذ
ملبوسا منها و ان كان لا تتم به الصلاة، بل لعل الخبر الأخير صريح فيه، أما إذا
كان متخذا من غيرها كشعر نجس العين ففي كشف الأستاذ المنع معللا له بظهور أدلة
العفو من حيث النجاسة، فلا يشمل المنع من جهة أخرى كعدم المأكولية، و يلزمه عدم
العفو عما تنجس بدم غير المأكول و نحوه مما لا تتم به الصلاة، و فيه منع واضح يعرف
مما تقدم، فالأولى التعليل بظهور أدلة العفو في المتنجس مما لا تتم به الصلاة لا
النجس، فيبقى على أصل اشتراط الطهارة في ملبوس المصلي، اللهم إلا أن يدعى المساواة
أو عدم القول بالفصل، و هما كما ترى.
و أما حمل ما تمت به الصلاة كالثوب و نحوه
فظاهر القائل بالعفو العفو فيه أيضا، بل هو صريح بعضهم للأصل.
لكن قد يشكل بمفهوم بعض أدلة العفو، و دفعه-
بإرادة اللبس في المنطوق، فيكون المفهوم عدمه عن لبس غير ما لا تتم الصلاة به لا
حمله- لا يتم في مرسل ابن سنان المتضمن للحمل، بل و غيره بناء على ظهوره في العفو
عما لا تتم الصلاة به محمولا و ملبوسا.
نعم قد يمنع حجية المفهوم في مثلها أو دلالته
على المنع، لأعمية البأس منه، فيبقى
133
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم ما لا تتم الصلاة فيه منفردا ؛ ج6، ص : 128
الأصل حينئذ سالما، و هو لا يخلو من قوة،
فتأمل جيدا، فان كلام الأصحاب لا يخلو من نظر بل و اضطراب.
لكن مما ذكرنا يعرف أن ما في السرائر- من عدم
العفو عن نجاسة غير الملبوس مما لا تتم الصلاة به معللا له بأنه يكون حينئذ حاملا
للنجاسة كما في المنتهى و المختلف و الموجز و البيان و كشف اللثام، بل في الأخير
أنه ظاهر الأكثر مع زيادة التمثيل في الأول بالدراهم النجسة و غيرها، بل فيه
التصريح أيضا بعدم العفو عن نجاسة ما لا تتم الصلاة به إذا كانت في غير محلها
كالتكة على الرأس، و الخف في اليد، كظاهر القواعد أو صريحها و البيان و الموجز و
عن التذكرة و التحرير، بل في السرائر أيضا و القواعد و عن المبسوط و الجواهر و
الإصباح و الجامع التصريح بفساد الصلاة مع حمل القارورة المشتملة على النجاسة
المشدود رأسها بشمع و نحوه- لا يخلو من نظر بل منع.
على أن الشيخ في الخلاف قال في القارورة: «إنه
ليس لأصحابنا فيها نص، و الذي يقتضيه المذهب عدم النقض- لكن قال بعد ذلك-: و لو
قلنا إنه يبطل الصلاة لدليل الاحتياط كان قويا، و لأن على المسألة إجماعا، فإن
خلاف ابن أبي هريرة لا يعتد به» انتهى. و مراده الإجماع من العامة قطعا كما لا
يخفى على من لا حظ عبارته.
و في المنتهى في القارورة أيضا بعد أن حكى عن
المبسوط و ابن إدريس و أكثر الجمهور البطلان قال: «و لو قيل بالصحة من حيث أن
الصلاة لا تتم به منفردا كان وجها، هذا إن قلنا بتعميم جواز الدخول مع نجاسة ما لا
تتم الصلاة فيه منفردا، و إلا فالأقوى ما ذكره الشيخ في المبسوط، و ان كان لم يقم
عندي عليه دليل، و قول الجمهور انه حامل نجاسة فتبطل صلاته كما لو كانت على ثوبه
ضعيف، إذ الثوب شرط الدخول به في الصلاة الطهارة» انتهى. و هو كما ترى.
و في كشف اللثام بعد أن خص العفو في الملابس
مال إلى جواز حمل النجاسة
134
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم ما لا تتم الصلاة فيه منفردا ؛ ج6، ص : 128
كالقارورة و نحوها إلى غير ذلك من عباراتهم.
و كيف كان فالتحقيق ما عرفت من العفو عما لا
تتم به الصلاة ملبوسا أو محمولا أو غيرهما، بل و ما تتم به الصلاة إذا كان محمولا
كما سمعت، للأصل في بعض، و ظاهر الأدلة في آخر، و كان بحث الأصحاب في خصوص
القارورة تبعا للعامة، حيث أنهم لما منعوا من نجاسة ما لا تتم به الصلاة و أجازوا
نحو حمل الحيوان الطاهر مأكولا أو غير مأكول، لأن
«النبي (صلى الله عليه و آله) حمل امامة بنت
أبي العاص» «1»
و
«ركّب الحسن و الحسين (عليهما السلام) على
ظهره صلوات الله عليه و هو ساجد» «2»
و لأن النجاسة في المحمول كالحامل قال بعضهم
بالجواز أيضا في نحو القارورة قياسا على ذلك، و لذا فرض شد رأسها بالرصاص و نحوه
ليتم القياس.
و فيه انه قياس مع الفارق، لصدق حمل النجاسة
في الثاني و لو بواسطة أو وسائط دون الأول، و لذا كان المتجه فيه الصحة و ان قلنا
بعدم جواز حمل النجاسة في الصلاة، كما صرح بها في المعتبر و المنتهى و القواعد و
الذكرى و كشف اللثام، بل في الأخير أنه لا خلاف فيه، لما سمعته من حمل النبي (صلى
الله عليه و آله) الحسنين (عليهما السلام) و أمامة، و ترك الاستفصال في
صحيح علي بن جعفر «3» «سأل أخاه
عن رجل صلى و في كمه طير، قال: إن خاف عليه الذهاب فلا بأس».
نعم لو ذبح الحيوان غير المأكول ففي الذكرى و
جامع المقاصد كان كالقارورة، لصيرورة الظاهر و الباطن المشتمل على النجاسة سواء
بعد الموت، و زاد في الثاني و لأن حمل جلد غير المأكول و لحمه ممنوع منه في
الصلاة، و ان كان ذلك منهما لا يخلو من بحث
______________________________
(1)
كنز العمال- ج 4 ص 233- الرقم 4924.
(2) المستدرك- الباب- 29- من أبواب قواطع
الصلاة- الحديث 1 و 2.
(3) الوسائل- الباب- 60- من أبواب لباس
المصلي- الحديث 1.
135
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم ما لا تتم الصلاة فيه منفردا ؛ ج6، ص : 128
و نظر، خصوصا الأخير، لمنع شمول أدلة عدم
الجواز في غير المأكول للمحمول، فتأمل.
و كذا لا يندرج في المحمول بل و لا فيما وجبت
إزالته للصلاة الدم النجس إذا أدخله تحت جلده فنبت عليه اللحم، و الخيط النجس إذا
خاط به جلده، و الخمر الذي شربه، و الميتة التي أكلها و نحو ذلك، للأصل و ظهور
أدلة الإزالة في غيره، و التحاقه بالباطن و صيرورته من التوابع كنجاساته.
فما في التذكرة من وجوب إزالة ذلك الدم
للصلاة، كظاهر المنتهى و محتمل الدروس و غيرها محل منع، و أشد منه منعا ما عن ظاهر
البيان من جريان ذلك حتى في دم الإنسان نفسه، نعم قد يتجه القول بوجوب القيء في
نحو الأخيرين مع الإمكان كما في المنتهى و عن غيره، لحرمة الاستدامة كالابتداء، و
ل
خبر عبد الحميد بن سعيد «1» قال: «بعث أبو
الحسن (عليه السلام) غلاما يشتري له بيضا فأخذ الغلام بيضة أو بيضتين فقامر بهما،
فلما أتى به أكله، فقال له مولى له: إن فيه من القمار، قال:
فدعا بطشت فتقيأه فقاءه».
فلو لم يفعل و صلى مع السعة و إمكان القيء
بني الصحة و البطلان على البحث في الضد.
لكن قد يشكل المختار: أي العفو عن نحو ما تقدم
بظهور مساواة المذكورات للعظم النجس، كعظم الكلب و نحوه إذا جبر به، خصوصا إذا
اكتسى اللحم و خفي، مع انه لم يعرف خلاف بين الأصحاب في وجوب إزالته مع الإمكان،
كما عن المبسوط نفيه عنه صريحا، بل في الذكرى و الدروس الإجماع عليه كذلك كظاهر
غيره، بل قد يظهر من بعضهم الاتفاق عليه بين المسلمين إلا من أبي حنيفة، فلم يوجبه
مع اكتساء اللحم، بل عن بعض الشافعية القول بوجوبه و ان خشي التلف فضلا عن المشقة،
و ان
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 35- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 2.
136
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم ما لا تتم الصلاة فيه منفردا ؛ ج6، ص : 128
كان واضح البطلان، و من المعلوم أن وجوب
الإزالة للصلاة لا لنفسه، كما هو صريح بعض و ظاهر آخر، و لذا لو مات سقط وجوب
الإزالة كما صرح به أيضا في الذكرى و كشف اللثام، و لا فرق بينه و بين ما تقدم، إذ
البطلان هنا إما لصدق حمل النجاسة كما عن الشيخ التعليل به، و تبعه في جامع
المقاصد، أو لعدم العفو عن مثله و ان كان باطنا، اقتصارا على المتيقن من العفو عن
نجاسة البواطن نفسها لا الخارج عنها، و هما معا جاريان فيما سبق، بل في الذكرى و
جامع المقاصد التصريح بأن مثل العظم لو خاط جرحه بخيط نجس، كما أن في الثاني
التصريح بعدم الفرق بين العظم النجس و المتنجس، و هو كذلك.
نعم لو كان طاهرا كعظم غير نجس العين من كل
حيوان و لو ميتة بناء على عدم نجاسته بالموت و طهر من النجاسة العرضية لو كانت لا
إشكال في جواز التجبير به، و عدم وجوب إزالته عدا عظم ميت الآدمي منه، و ان كان هو
لا ينجس بالموت أيضا إلا أنه يجب قلعه، لمكان وجوب دفنه، مع احتمال عدم الوجوب فيه
أيضا، لا صالة البراءة عن دفن مثله، و
خبر الحسن بن زرارة «1» عن أبي
عبد الله (عليه السلام) «عن الرجل يسقط سنه فيأخذ من ميت مكانه، قال: لا بأس»
بناء على مساواة سن الميت لغيره من أجزائه في
وجوب الدفن و ان لم نقل به بالنسبة للحي، و لذا جاز للإنسان أن يرجع سنه إلى مكانه
بعد أن قلع، و إن حكي عن التذكرة الإشكال فيه أيضا، و مثله وضع سن غيره الحي موضع
سنة.
لكن قد يدفع هذا الاشكال بتسليم الإجماع و
قصره على مورده أولا، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن، أو يراد به مع نجاسة
الظاهر و نحوه مما يشترط طهارته في
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 11 مع اختلاف في السند و
اللفظ.
137
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في اعتبار العصر في غسل الثياب ؛ ج6، ص : 138
الصلاة، و بمنع حصول الظن منه ثانيا لاحتمال
أن منشأ دعواه تلك التعليلات العليلة، و بمنع إرادة حاكيه ما هو حجة منه ثالثا
بقرينة احتماله نفسه في الذكرى عدم وجوب الإزالة بعد اكتساء اللحم، و استوجهه في
المدارك و الذخيرة، و هو في محله، لالتحاقه بالبواطن، و لصيرورته كنجاسته المتصلة
به من الدم و نحوه بل كجزئه، و لقصور ما دل على وجوب إزالة النجاسة عن تناول مثله،
خصوصا بعد انصرافها إلى المتعارف.
نعم قد يقال بالفساد قبل الاكتساء لا للحمل و
نحوه بل لصيرورته بالتجبير كالجزء من البدن، و الفرض أنه ليس باطنا، فتأمل، و الله
أعلم بحقيقة الحال.
[في اعتبار العصر في غسل الثياب]
و تعصر الثياب و نحوها مما يرسب
فيها الماء من النجاسات كلها إذا غسلت بالقليل، للشك في زوال النجاسة
المستصحبة بدونه الناشئ من فتوى المشهور نقلا و تحصيلا به، و ان اقتصر بعضهم على
ذكره في البول، بل في شرح المفاتيح للأستاذ أنه كذلك بين المتقدمين و المتأخرين،
بل في الحدائق نفي خلاف يعرف فيه، كما عن المعتبر نسبته إلى علمائنا، خصوصا مع عدم
شوب الفتوى به بشك أو تردد من أحد منهم، بل في جامع المقاصد و غيره أنه مما لا ريب
فيه، و فيهم إن لم يكن جميعهم من لا يقنع بمتحد الدليل عن متعددة، بل فيهم من لا
يعمل إلا بالقطعيات كابن إدريس و غيره، بل فيهم من لا يفتي إلا بمضامين الأخبار
كالصدوق في الفقيه و الهداية، بل حكي عن والده أيضا ذلك الذي قيل إنهم كانوا إذا
أعوزتهم النصوص رجعوا إلى فتاواه.
و من احتمال اعتبار العصر في مسمى غسل الثياب
و نحوها بالقليل، و أنه بدونه صب لا غسل، كما في المعتبر و المنتهى و غيرهما
التصريح به، بل في البحار نسبته إلى فهم الأكثر.
و ربما يومي اليه مقابلته بالصب في نحو
حسن الحلبي «1» قال: «سألت أبا
عبد الله
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 3- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
138
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في اعتبار العصر في غسل الثياب ؛ ج6، ص : 138
(عليه السلام) عن بول الصبي، قال: تصب عليه
الماء، فان كان قد أكل فاغسله بالماء غسلا»
الحديث. لعدم صلاحية مائز بينهما إلا العصر،
بل إن لم نقل بدخوله في مسماه فهو من لوازمه العرفية التي يفهم إرادته من الأمر
بالغسل عرفا، لكونه المتعارف المعهود، خصوصا مع ملاحظة كون المراد بالغسل إزالة
القذر و أثره بامتزاجه معه و انفصالهما عن الثوب على حسب الأمر بغسل الثوب من
الوسخ و نحوه، بل قد يدعى توقف إزالة النجاسة باعتبار رسوبها في الثوب عليه،
لينفصل مع الماء الذي وضع احتيالا لا خراجها، بل ينبغي القطع بلزوم العصر بناء على
نجاسة الغسالة و ان لم تنفصل، لعدم ثبوت العفو عن المتخلف إلا بعد العصر، فقبله
على أصل النجاسة.
نعم لا يعتبر أعلى أفراد العصر قطعا، كما لا
يكتفى بأدناه المخرج شيئا ما.
و من
الرضوي «1» «و إن
أصابك بول في ثوبك فاغسله من ماء جار مرة، و من ماء راكد مرتين، ثم أعصره، و إن
كان بول الغلام الرضيع فتصب عليه الماء صبا، و إن كان قد أكل الطعام فاغسله»
إلى آخره.
و المروي في البحار عن
دعائم الإسلام «2» عن علي
(عليه السلام) قال: «في المني يصيب الثوب يغسل مكانه، فان لم يعرف مكانه و
علم يقينا أنه أصاب الثوب غسله كله ثلاث مرات، يفرك في كل مرة و يغسل و يعصر»
إلى آخره.
بل لعل
حسنة الحسين بن أبي العلاء «3» المروية
في الكافي و التهذيب دالة عليه أيضا، قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن البول يصيب الجسد، قال: صب
______________________________
(1)
المستدرك- الباب- 1 و 2- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
(2) المستدرك- الباب- 3- من أبواب النجاسات-
الحديث 2.
(3) ذكر صدرها في الوسائل- في الباب- 1- من
أبواب النجاسات- الحديث 4 و ذيلها في الباب 3- الحديث 1.
139
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في اعتبار العصر في غسل الثياب ؛ ج6، ص : 138
عليه الماء مرتين، فإنما هو ماء، و سألته عن
الثوب يصيبه البول قال: اغسله مرتين، و سألته عن الصبي يبول على الثوب، قال: يصب
عليه الماء قليلا ثم يعصره»
إلى آخره.
إن حمل الصبي فيه على الآكل، للقطع بعدم وجوب
العصر في غيره، إلا أنه قد يشعر تقييده بالقليل و عدم ذكره التعدد فيه بإرادة
الرضيع منه، و من هنا استوجه غير واحد حمله على الندب أو غيره، لعدم وجوبه فيه.
كما انه قد يشعر تعليله الاجتزاء بالصب بأنه
ماء كالمروي «1» في
مستطرفات السرائر من جامع البزنطي قال: «سألته عن
البول يصب الجسد، قال: صب عليه الماء مرتين، فإنما هو ماء، و سألته عن الثوب يصيبه
البول قال: اغسله مرتين»
بكون مدار الفرق بين الغسل و الصب احتياج
الأول إلى أمر زائد على مسمى الغسل من مباشرة للمتنجس و غمزه و تهيئته لخروج عين
النجاسة منه بإراقة الماء عليه، فيكون كذلك الجسد و نحوه لا زالة نجاسة محتاجة إليه.
كما يشهد له ما في
الكافي «2» بعد
روايته الحسنة السابقة «و روي أنه ليس بوسخ فيحتاج أن يدلك»
و ما رواه
الصدوق بإسناده عن السكوني «3» كالشيخ
بإسناده عن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) «كن نساء
النبي (صلى الله عليه و آله) إذا اغتسلن من الجنابة يبقين صفرة الطيب على أجسادهن،
و ذلك أن النبي (صلى الله عليه و آله) أمرهن أن يصببن الماء صبا على أجسادهن».
لا أن الفرق بينهما ما سمعته سابقا في وجوه
الشك، من دخول العصر في مسمى الغسل دون الصب، بحيث لو نذر الغسل فلم يعصره حنث
لمخالفته للعرف و اللغة من غير مقتض و شاهد، كما اعترف به جماعة من متأخري
المتأخرين، و مقابلته بالصب أعم
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 1- من أبواب النجاسات- الحديث 7.
(2) الوسائل- الباب- 1- من أبواب النجاسات-
الحديث 6.
(3) الوسائل- الباب- 30- من أبواب الجنابة-
الحديث 2.
140
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في اعتبار العصر في غسل الثياب ؛ ج6، ص : 138
من ذلك، كما يومي اليه إطلاق الصب على ما علم
إرادة الغسل منه، كما في غسل البدن و نحوه و بالعكس، فدعوى دخول العصر في مفهوم
الغسل مطلقا للمقابلة المذكورة في غاية الفساد.
على انه قد يفرق بينه و بين الغسل بالانفصال و
عدمه، قال في الخلاف: «يكفي الصب في غسل بول الصبي قبل أكله بمقدار ما يغمره، و لا
يجب غسله، و من عداه يجب غسل أبوالهم، و حده أن يصب عليه الماء حتى ينزل عنه» إلى
آخره. كنحو ما في حواشي الشهيد على القواعد و تنقيح المقداد، و هو ظاهر أو صريح في
عدم اعتبار العصر في مفهومه، و يؤيده ما تعرفه من عدم اعتباره فيه لو غسل بماء
كثير.
و احتمال إمكان الفرق بين مسمى الغسل به و
الماء القليل لاختلاف كيفيته بوضعه في الماء و وضع الماء عليه بالنسبة إليهما
يدفعه فرض اتحاد الكيفية، كالموضوع تحت ميزاب و نحوه.
فظهر حينئذ أنه لا وجه لانقداح الشك من ذلك،
كما أنه لا وجه له مما بعده، إذ ليس المفهوم عرفا من أوامر التطهير و الغسل إلا
إرادة إزالة عين النجاسة أو أثرها التي هي كما انها تحصل به تحصل بغيره كالمباشرة
باليد أولا و تهيئتها للزوال، ثم إكثار الماء عليها حتى تنفصل معه بانفصاله من غير
حاجة إلى عصر، كما عن الذكرى و البيان الاعتراف به، حيث قال فيها: «إن انفصال
الماء قد يكفي في الإزالة من غير افتقار إلى عصر» إلى آخره.
على انه قد تكون النجاسة حكمية غير محتاجة إلى
شيء من ذلك، نعم قد يتوقف إخراج العينية عليه، و معه لا كلام في وجوبه لذلك لا
لتوقف صدق الغسل عليه.
و أما دعوى الاحتياج إليه مقدمة لإزالة ماء
الغسالة فهو- مع ابتنائه على نجاستها، بل نجاسة المتصل بالمغسول منها، و قد عرفت
ان الأقوى طهارة المنفصل منها، فضلا عن
141
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في اعتبار العصر في غسل الثياب ؛ ج6، ص : 138
المتصل، بل ربما ظهر منهم هناك أن المتصل ليس
من موضع محل البحث في الغسالة- يدفعها إمكان القول بالعفو عن المتخلف قبل العصر،
لإطلاق ما دل على الاكتفاء بالغسل في طهارة المغسول المستلزم طهارته كالمتخلف بعد
العصر الممكن خروجه و لو بعصر أقوى في الثوب و على آلة العصر.
و أما الرضوي فليس بحجة عندنا، مع احتماله
الحمل على صورة التوقف كخبر الدعائم، بل لعله الظاهر منه بقرينة ذكر الدلك، بل
يمكن إرادة قدماء الأصحاب ذلك، لا أنه شرط تعبدي و ان حصلت الإزالة بدونه.
و لعله لذا حكي عن المبسوط و النهاية و الجمل
و ظاهر الانتصار و الناصريات إطلاق الغسل من غير تعرض للعصر، و ان جعل مقابلا للصب
في الأول كالخلاف، و هو الذي يقوى في نفس الحقير وفاقا لصريح جماعة من متأخري
المتأخرين، بل في اللوامع نسبته إلى الكركي و جل الطبقة الثالثة، لا طلاق أدلة
الغسل المؤيد بسهولة الملة و سماحتها، و بما تسمعه مما ورد «1» في تطهير
البساط و الفراش ذي الحشو.
و بذلك ينقطع استصحاب النجاسة و ان أيد بتلك
الاعتبارات السابقة فلا يجب حينئذ بعد الإزالة و تحقق مسمى الغسل شيء من العصر
تغميزا أوليا أو كبسا حتى لو قلنا بنجاسة الغسالة، و الله أعلم.
و لعل الأقوى وجوب تعدده بناء عليه في متعدد
الغسل وفاقا للسرائر و المعتبر و الروضة و غيرها، فيعصر بعد كل غسلة، لتوقف يقين
الطهارة عليه، و خبر الدعائم «2» بل ينبغي القطع به على القول بدخوله
في مسمى الغسل و انه الفارق بينه و بين الصب.
لكن قضية إطلاق الأكثر و صريح ما عن المدنيات
الاكتفاء بالمرة، كصريح
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 5- من أبواب النجاسات.
(2) المستدرك- الباب- 3- من أبواب النجاسات-
الحديث 2.
142
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في اعتبار العصر في غسل الثياب ؛ ج6، ص : 138
الرضوي «1» و الفقيه و
الهداية، إلا أن ظاهر الثلاثة كمحتمل سابقا كونه بعد الغسلتين، و لعله لكون
المقصود منه إخراج ماء الغسالة، مضافا إلى الرضوي، لكن في اللمعة التصريح بأنه
بينهما، و كأنه لأن المراد به إخراج نفس النجاسة أولا ثم تعقيبه بغسلة التطهير.
و ربما يومي اليه تعليل الغسلتين بأن أحدهما
للإزالة، و أخرى للتطهير، و لا ينافيه القول بنجاسة الغسالة، لإمكان منعه في خصوص
غسلة التطهير أولا، و إمكان القول بالعفو عن خصوص المتخلف ثانيا، لا طلاق أدلة
حصول الطهارة بمسمى الغسل، و على كل حال فالأقوى ما عرفت.
كما انه قد يقوى في بادئ النظر وجوبه أيضا حتى
لو غسل بالكثير جاريا أو غيره، كما هو قضية إطلاق المتن و غيره، للاستصحاب مع
احتمال تعبدية العصر كاحتمال دخوله في مسمى الغسل، و إطلاق الرضوي، و إيجابه في
الراكد الذي هو أعم من الكر.
لكن صرح جماعة من المتأخرين بل في الذخيرة
نسبته إلى أكثر المتأخرين كما في غيرها نسبته إلى التذكرة و نهاية الأحكام و ما
تأخر عنها بسقوطه حينئذ، بل لم نعثر على مصرح بخلافه، لإطلاق الأدلة، و منع احتمال
دخوله في مسماه في المفروض، إلا مع اتحاد كيفية الغسل فيهما، كمنع احتمال التعبد،
و ظهور الرضوي في سقوطه مع غسله في الجاري، بل لعل المراد به مطلق ما لا ينفعل، و
بالراكد القليل المنفعل، و فحوى طهارة ما لا يعصر و ترسب فيه النجاسة.
هذا مع عدم فائدته أي العصر هنا بناء على
تعليله بخروج ماء الغسالة، لكون المفروض أن المغسول به مما لا ينفعل، و القول
بتحقق نجاساتها في انفصال المغسول عن الماء لإرادة غسله مرة ثانية إذا كان مما
يغسل مرتين يدفعه بعد تسليم وجوب التعدد
______________________________
(1)
المستدرك- الباب- 1- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
143
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في اعتبار العصر في غسل الثياب ؛ ج6، ص : 138
في الكثير أنه لا حاجة إلى العصر أيضا، لحصول
طهارتها باشتمال كثير الماء عليه في المرة الثانية، و هو الأقوى.
و ينبغي أن يلحق بالعصر عند من اعتبره بل لعل
مراده به ما يشمله الدق و التغميز و التثقيل و التقليب و نحوها مما يكون سببا
للإخراج فيما يرسب فيه الماء و يعصر عصره لثخنه و ما فيه من الحشو، بل قيل: إن ذلك
معناه لغة، لاقتضاء الضرورة و اتحاد فائدتها من إخراج الغسالة و النجاسة معه، و به
صرح الفاضل و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم، لكن علله غير واحد بالرواية أيضا،
و لم نعثر فيما وصل إلينا منها على شيء من ذلك، بل قد يومي بعضها إلى خلافه ك
خبر علي بن جعفر «1» المروي عن
كتاب المسائل له و قرب الاسناد «سأل أخاه عن الفراش يكون كثير الصوف
فيصيبه البول، كيف يغسل؟ قال: يغسل الظاهر ثم يصب عليه الماء في المكان الذي أصابه
البول حتى يخرج من جانب الفراش الآخر»
بل هو ظاهر في التوسعة في تطهر المتنجسات،
كظهوره في طهارة الغسالة، و أما
الصحيح أو الموثق «2» «سألت أبا
الحسن (عليه السلام) عن الثوب يصيبه البول فينفذ إلى الجانب الآخر، و عن الفرو و
ما فيه من الحشو، قال:
اغسل ما أصاب منه و مس الجانب الآخر، فان
أصبت مس شيء منه فاغسله، و إلا فانضحه بالماء»
فعدم دلالته على ذلك واضح، و كان مراد السائل
انه نفذ متوجها إلى الجانب الآخر و ان لم يبلغه، كما أن مراده اغسل ما علم إصابة
البول له و نفوذه اليه، و أما الجانب الآخر فمسه، فان وجدت عليه رطوبة البول
فاغسله، أي اغسل الثوب بحيث ينفذ الماء من أحد جانبيه إلى الآخر، و ان لم تجد عليه
شيئا من رطوبته فانضحه بالماء.
و كذا
صحيح إبراهيم بن أبي محمود «3» «سأل
الرضا (عليه السلام) عن
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 5- من أبواب النجاسات- الحديث 3.
(2) الوسائل- الباب- 5- من أبواب النجاسات-
الحديث 2.
(3) الوسائل- الباب- 5- من أبواب النجاسات-
الحديث 1.
144
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في اعتبار الدلك فيما لا يرسب فيه الماء و عدمه ؛ ج6، ص : 145
الطنفسة و الفراش يصيبهما البول، كيف يصنع
بهما و هو نحن كثير الحشو؟ قال: يغسل ما ظهر منه في وجهه»
فإنه مبني على إرادة غسل ما علم وصول البول
اليه من وجهه، أو على عدم نفوذه، أو الاجتزاء بغسل الظاهر، لأنه مورد الاستعمال و
المباشرة، و على كل حال فلا دلالة فيه على شيء من ذلك.
فالأولى حينئذ الاستناد إلى ما تقدم سابقا من
ظهور مساواة تلك الأمور للعصر، بل قد عرفت احتمال إرادة ما يشملها منه، كما صرح به
بعضهم، بل نسبه آخر إلى الظاهر من كتب اللغة، نعم لا يندرج فيه الجفاف قطعا و لا
يلحق به، خصوصا إن قلنا به لدخوله في مفهوم الغسل أو للرضوي، فيبقى الثوب حينئذ مع
عدمه على النجاسة كما صرح به الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم، لكن في التذكرة
الإشكال فيه من زوال النجاسة بالجفاف، و من مظنة انفصال أجزاء النجاسة في صحبة
الماء بالعصر لا بالجفاف، و لا يخفى وضوح مصادرة أولى جهتي الإشكال، كما انه في
المعالم القطع بالاجتزاء بالجفاف، بناء على تعليل اعتبار العصر بإخراج ماء
الغسالة، قال: و ما ذكره العلامة و الشهيد من الظن ليس بشيء، كيف و هذا الظن في
أكثر الصور لا يأتي، و التخيل في الأحكام الشرعية لا يجدي، قلت: لا ريب في كفايته
هنا لاستصحاب النجاسة، فاحتمال التفاوت بين العصر و الجفاف كاف فضلا عن الظن، كما
هو واضح.
[في اعتبار الدلك فيما لا يرسب فيه الماء و
عدمه]
أما ما لا يعصر عادة فإن كان مما لا يرسب فيه
الماء مثلا من الأجسام الصلبة كالجسد و الإناء و غيرهما فاعتبر العلامة في التحرير
و عن النهاية الدلك فيها عوض العصر، كما عن ابن حمزة ذلك أيضا، لكن في غير مس
الحيوان النجس استظهارا، و ل
موثق عمار بن موسى «1» عن أبي
عبد الله (عليه السلام) «في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر، قال: تغسله ثلاث مرات،
سئل يجزؤه أن يصب فيه الماء، قال: لا يجزؤه حتى يدلكه
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 51- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
145
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في اعتبار الدلك فيما لا يرسب فيه الماء و عدمه ؛ ج6، ص : 145
بيده، و يغسله ثلاث مرات»
بل في المنتهى انه قد يظهر من إطلاقه الغسل
أولا دخوله في مسماه، و إلا لكان تأخيرا للبيان عن وقت الحاجة.
قلت: لا ريب في اعتبار الدلك مع توقف إزالة
النجاسة أو الاطمئنان بذلك عليه، لا لدخوله في مسمى الغسل بل لعدم تحقق الإزالة
المأمور بها بدونه، و عليه ينزل الموثق، خصوصا بالنسبة إلى مثل هذه النجاسة في
النفوذ في مثل هذا المحل و شدة الاهتمام بالاحتياط عنها، و إلا فهذا الراوي بعينه
روى «1» عن الصادق (عليه
السلام) انه «سئل عن الكوز و الإناء يكون قذرا كيف يغسل؟ و كم مرة يغسل؟ قال:
يغسل ثلاث مرات، يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه ذلك، ثم يصب فيه ماء آخر
فيحرك فيه ثم يفرغ منه ذلك الماء، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه و قد
طهر».
و هو كالصريح في عدم اعتبار الدلك كالأخبار «2» الآمرة
بالصب على الجسد من البول و محل الاستنجاء منه، خصوصا المشتملة على
التعليل بأنه ماء، فلا ريب في عدم وجوبه مع عدم التوقف عليه، كما صرح به جماعة، بل
لا أعرف فيه خلافا ممن عدا من عرفت، بل يمكن تنزيل كلامه على ذلك.
نعم يمكن القول باستحبابه للاستظهار، كما في
المعتبر و المنتهى و مجمع البرهان و المدارك و عن المدنيات و التذكرة.
لكن قد يشكل بناء على نجاسة الغسالة و وقوع
الدلك مقارنا للغسل الحكم بطهارة ما على آلة الدلك من ماء الغسالة.
و ربما يدفعه- بعد إمكان معلومية تبعية
الطهارة في مثل الفرض- ظهور أن المراد
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 53- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
(2) الوسائل- الباب- 1- من أبواب النجاسات-
الحديث 4 و 7 و الباب 31 من أبواب أحكام الخلوة.
146
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في تطهير الثوب المصبوغ ؛ ج6، ص : 147
باعتبار الدلك هو مباشرة المتنجس لتهيئة إخراج
نجاسته بإراقة الماء عليه، فلا بد حينئذ من سبقه على غسلة التطهير، فلا بأس
بالتزام نجاسة ما على الآلة حينئذ، لكن يحتمل الاكتفاء به لو وقع بعد الصب على
البدن لازالة أجزاء النجاسة لو كانت بانفصال ما بقي من الماء، كما هو قضية بدليته
عن العصر، و كذا الاكتفاء به مع المقارنة، فتأمل جيدا.
و ان كان مما يرسب فيه الماء مثلا فان تنجس
بنجاسة نفذت في أعماقه بحيث لا يمكن وصول الماء باقيا على إطلاقه إليها مع بقاء
المتنجس على حاله أو العلم به كذلك لرطوبة أو فيه دسومة أو لغيرهما لم يطهر قطعا
لا بالقليل و لا بالكثير، بل هو حينئذ كالمائعات غير الماء من الدهن و غيره، و إن
اتفق لها جمود بعد ذلك كالذهب و نحوه يحصل بسببه طهارة سطحها الظاهري، فلا يطهر شيء
منها إلا بالعلم بتخلل الماء جميع أجزائه، و هو لا يحصل غالبا في مثلها إلا
بالخروج عن الحقيقة التي هي عليه و انقلابها ماء.
لكن في المنتهى و عن التذكرة و النهاية انه
يطهر الدهن النجس بصبه في كر ماء و مازجت أجزاء الماء أجزاءه، و استظهر على ذلك
بالتطويل بحيث يعلم وصول الماء إلى جميع أجزائه، و هو جيد على فرض تحققه، لكنه
بعيد بل ممتنع، ضرورة عدم حصول العلم بذلك مع بقاء الدهن على مسماه بحيث يمكن
الانتفاع به للأكل و نحوه بعد ذلك، و إن أمكن من جهة الرقة التي حصلت له أن يتخلل
الماء تلك الأجزاء، فيكون كالدسومة التي على البدن أو اللحم و نحوهما، فإنها لا
تمنع نفوذ الماء فيها و وصوله إلى البدن، و لذا تطهر بالقليل تبعا لهما فضلا عن
الكثير، كما صرح به في جامع المقاصد و ان لم تنقلب ماء بل باقية على حالها، بل هو
مقطوع به من السيرة و العمل في سائر الأعصار و الأمصار.
و ربما يومي اليه في الجملة ما ورد من كراهية
الادهان قبل الغسل، و الأمر سهل بعد أول النزاع معه (رحمه الله) إلى لفظ.
[في تطهير الثوب المصبوغ]
و طهر الثوب المصبوغ بنجس أو متنجس و نحوه من
ليقة الحبر النجس و غيرها
147
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في تطهير الثوب المصبوغ ؛ ج6، ص : 147
كطهر غيره من المتنجس به غير المصبوغ يحصل
بزوال ما عليه من عين النجس أو المتنجس مع تحقق مسمى الغسل بالماء و العصر إن قلنا
به بالماء القليل أو الكثير، من غير فرق بين جفافه و رطوبته لا طلاق الأدلة.
نعم يعتبر عدم خروج ما طهر به من الماء عن
الطلاق قبل تحقق الغسل به، لعدم صدق الغسل بالماء معه، و احتمال الاكتفاء بإطلاقه
في أول صبه و إن خرج بتخلله في أجزاء المتنجس عنه لصدق الغسل بماء و صب الماء و
نحوهما الذي لا يقدح فيه إلا الخروج عن الإطلاق قبل الصب بغير المغسول به بعيد،
لمنع الصدق، لا أقل من الشك، و الاستصحاب محكم.
نعم قد يقال بعدم اشتراط العلم بوصوله للمغسول
كذلك و إن أوهمته بعض العبارات، بل يكفي استصحاب إطلاقه ما لم يعلم خروجه متغيرا
بعصر و نحوه، كأن غسل في ظلمة و نحوها، و معارضته باستصحاب بقاء الثوب على النجاسة
يدفعها تحكيم مثل الاستصحاب الأول على الثاني في سائر نظائره المقطوع بها بين
الأصحاب.
أما لو علم خروجه متغيرا بعصر و نحوه فلا ريب
في بقاء الجزء المقارن صدق غسله لانفصاله متغيرا على النجاسة، و أما ما عداه من
الأجزاء التي لم يعلم سبق غسلها على التغير الحاصل بتخلل الماء أجزاء المغسول بعد صبه
أو التغير على غسلها فإشكال، ينشأ من احتمال تحكيم ذلك الاستصحاب أيضا كالصورة
الأولى، و من احتمال منعه لمعارضته هنا بأصالة تأخر الغسل عن التغيير، فيبقى
استصحاب النجاسة سالما حتى من معارضة استصحاب الإطلاق، لكونه هو المعارض باستصحاب
تأخر الغسل عن التغيير عند التأمل لا استصحاب آخر غيره حتى يكون سالما كاستصحاب
النجس، فيحكم عليه، فتأمل جيدا.
لا يقال إن غسل الثوب المصبوغ بمتنجس حال
رطوبته لا يحصل إلا بالكثير،
148
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في تطهير الثوب المصبوغ ؛ ج6، ص : 147
ضرورة عدم حصول طهارة تلك الأجزاء الصبغية
الرطبة إلا به دون القليل، لأنها من الماء المضاف المتوقف طهره على ذلك، نعم لو جف
و كان يابسا أمكن تطهيره بهما لذهاب تلك الأجزاء و بقاء عين الثوب المتنجس القابل
للطهارة بهما.
لأنا نقول: إنه لا فرق بين القليل و الكثير في
ذلك، لاشتراط حصول طهارة كل عين متنجسة بنجاسة بإزالة عين تلك النجاسة، سواء طهر
بالقليل أو الكثير، فتلك الأجزاء الصبغية إن بقيت على الثوب فهو باق على النجاسة،
و إلا فلا.
و دعوى حصول طهارتها بالكثير دون القليل
يدفعها توقف طهر المضاف على انقلابه ماء بممازجة الكثير كما تقدم البحث فيه مشبعا،
فمع فرض بقائها على الإضافة كما هو محل البحث لا وجه لطهارتها.
اللهم إلا أن يفرق بين تطهير المضاف المتميز
بنفسه المستقل و بين التابع لغيره من الأجسام المتخلل في أجزائها، فلا يطهر الأول
إلا بانقلابه إلى الماء بخلاف الثاني، فإنه يكفي تحقق مسمى الغسل لذلك الجسم مع
ملاقاة الماء تلك الأجزاء من غير حاجة إلى انقلابه ماء، و إلا لم يطهر شيء من
الخضراوات الظاهرة المائية كالرقي و البطيخ و الخيار و نحوها و لو بالكثير، و
بطلانه واضح.
و فيه أولا منع تسليم هذا الفرق، و الخضراوات
لا تطهر إلا بزوال تلك الأجزاء المائية منها الملاقية للنجاسة، أو انقلابها إلى
الماء، و لا تسري نجاستها إلى الأجزاء الأخر المتخللة في الجسم، إذ ليس ذا من
المائع قطعا، فلا ينجس أسفل الخيارة مثلا بنجاسة أعلاها، كما هو واضح.
و ثانيا تسليمه و قصره على الأجزاء المائية
الخلقية ذاتا، لا في محل البحث من المضاف العرضي كالأجزاء الصبغية، بل لا بد من
زوالها في حصول الطهارة و استهلاكها بالماء المغسول به، من غير فرق بين القليل و
الكثير، كما في كل عين متنجسة بنجاسة
149
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في تطهير ما يرسب فيه الرطوبة و لا يعصر ؛ ج6، ص : 150
رطبة و أريد تطهيرها، بل لعله في غالب الأوقات
يقطع بعدم انفصالها تماما من المغسول، إذ قد ينفصل منه ما هو أقل من تلك الرطوبة
بمراتب، فلا يقدح تخلفها بعد إفاضة الماء عليها و استهلاكها به و لو كان الماء
قليلا، بل هو كذلك في عين النجاسة كالبول و نحوه فضلا عن المتنجس، فإنه لو فرض جسم
قد تنجس ببول و أريد تطهيره حال رطوبته فأفيض الماء عليه حتى استهلكت الأجزاء
البولية فيه لم يكن تأمل في حصول طهارته بذلك.
و ثالثا لو سلم الفرق المذكور لا وجه للفرق
أيضا بين القليل و الكثير، إذ كما تحصل طهارة تلك الأجزاء الصبغية بملاقاة الكثير
من غير استحالة تبعا للجسم تحصل أيضا بالغسل بالقليل، و دعوى الفرق تحكم، إذ أقصى
ما يسلم اعتبار الكثير في طهارة المضاف فيما أريد تطهيره مستقلا بانقلابه ماء، لا
ما إذا كان من التوابع متخللا في أجزاء الجسم.
[في تطهير ما يرسب فيه الرطوبة و لا يعصر]
و لعلك بالتأمل في جميع ما ذكرنا تنتفع في
البحث عن تطهير جملة مما ذكره الأصحاب من الصابون و الحبوبات و الفواكه المطبوخة و
الخبز و الجبن و اللحم و القرطاس و نحوها مما يرسب فيه الرطوبة و لا يعصر، و حاصل
البحث فيها أنها إما أن تكون قد تنجست بنجاسة لم تنفذ في أعماقها و لم تتجاوز
ظاهرها، و إما أن تكون قد تنقعت بالنجاسة حتى نفذت في أعماقها، و لا ريب في حصول
طهارة الأولى بغسلها في الكثير و وضعها فيه، و كأنه وفاقي، بل حكاه في اللوامع
عليه، كما انه في الذخيرة استظهر نفي الخلاف عنه، لعموم مطهرية الماء و غيره
السالم عن معارضة شيء يعتد به، فاحتمال تعبدية العصر أو ما يقوم مقامه حتى يكون
ما لا يمكن عصره غير قابل للتطهير أصلا لا يصغى عليه.
و أما غسلها بالقليل فصريح جماعة من المتأخرين
كظاهر آخرين عدم حصول الطهارة به، بل في اللوامع نسبته لأكثر معتبري العصر، كما في
المعالم إلى المعروف بين متأخري الأصحاب، لنجاسة الغسالة، و توقف صدق مسمى الغسل
بالقليل على العصر
150
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في تطهير ما يرسب فيه الرطوبة و لا يعصر ؛ ج6، ص : 150
و ما يقوم مقامه أو على الانفصال الممتاز به
عن الصب.
و فيه- بعد منع الأول عندنا، بل و الثاني أيضا
كما عرفت، بل و الثالث إن أراد انفصال تمام ما غسل به من الماء، و إن أراد في
الجملة فهو مسلم في غسل النجاسة لا في مطلق الغسل، لكنه متحقق في مفروض البحث،
لحصول انفصال بعض ما مر على الظاهر قطعا- انه يمكن القول بالعفو عن المتخلف في
خصوص المقام لنحو العفو عنه في الطنفسة و الفراش ذي الحشو و غيرهما من الخزف و
الآجر الجافين، بل لعل المتخلف هنا أقل من ذلك بمراتب، و لمنع تسليم وجوب العصر
فيما لا يعصر و ان قلنا به فيما يقبله، كما يومي اليه القطع بسقوطه فيه لو غسل
بالماء الكثير و إن قلنا باعتباره فيه أيضا فيما يعصر، و للزوم الضرر و العسر و
الحرج المنافية لسهولة الملة و سماحتها في توقف التطهير على الكثير، و للظن القوي
إن لم يكن علما بعدم اعتبار ذلك في الأزمان السالفة، لقلة وجود الكثير من الماء
فيها، خصوصا في أرض الحجاز، و خصوصا بالنسبة إلى أولئك الأعراب و أهل البادية
الذين كانوا يكتفون بنقل قربة من الماء أياما و ليالي، و لعموم مطهرية الماء التي
قد امتن الله بها على عباده في كتابه المحكم و على لسان نبيه المعظم (صلى الله
عليه و آله) و لوضوح اكتفاء الشارع في تطهير النجاسات بتحقق مسمى الغسل الذي هو في
كل شيء بحسبه الحاصل من استقراء موارد الأدلة و تتبع جزئياتها، كما في غيره من
القواعد المستفادة من الشرع، و لذا لم يحتج في تطهير كل عين بالكثير أو القليل من
كل نجاسة إلى دليل خاص بعينه.
فلا حاجة حينئذ إلى دعوى ورود خصوص عموم أو
إطلاق حتى يرد عليه أنا لم نعثر عليه، مع انه قد يجده المتتبع، و ل
مرسل الفقيه «1» المتقدم
في باب الاستنجاء «ان أبا جعفر (عليه السلام) دخل الخلاء فوجد لقمة خبز في القذر،
فأخذها و غسلها
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 39- من أبواب أحكام الخلوة- الحديث 1.
151
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم ما رسبت فيه النجاسة و نفذت في أعماقه ؛ ج6، ص : 152
و دفعها إلى مملوك له، و قال: تكون معك
لآكلها إذا خرجت»
بل عن عيون أخبار الرضا (عليه السلام) «1» و صحيفة
الرضا (عليه السلام) «2» روايته مسندا عن الرضا (عليه السلام) ان
الحسين بن علي (عليه السلام) فعل ذلك، و لفحوى ما تسمعه من خبري اللحم
المطبوخ «3» و الذنوب «4».
و لعله من ذلك كله مال الأردبيلي و تلميذه و
الكاشاني و النراقي إلى قبولها للتطهير بالقليل، و هو قوي و إن كان الأول أحوط.
و عليه أي الأول فهل المراد عدم قبول القليل
لطهارتها حتى السطح الظاهري الذي جرى عليه الماء أو المراد طهارة ذلك السطح و ان
تنجس الباطن بالغسالة؟ وجهان، ينشئان من احتمال اشتراط الطهارة بالانفصال المتعذر
هنا باعتبار كمونه في الباطن و عدمه، و لعل الأقوى الثاني، فتأمل.
[في حكم ما رسبت فيه النجاسة و نفذت في
أعماقه]
و أما ما رسبت فيه النجاسة و نفذت في أعماقه
فلا ريب في عدم حصول طهارة ما لم يمكن وصول الماء المطلق المزيل للنجاسة إلى باطنه
منه للزوجة أو رطوبة أو غيرهما بالقليل و الكثير، ضرورة عدم الاكتفاء بغسل الظاهر
عن الباطن، كضرورة عدم العفو عن نجاسة باطنه.
لكن في كشف الأستاذ «أن المنجمد بعد الانفعال
مما يرسب فيه رطوبة الماء من غير استحالة كالمشوي من المنجمد من مائع الطين و يابس
العجين فالظاهر فيها طهارة البطون، كالحبوب و اللحوم مطبوخة أو باقية على حالها،
جافة أو رطبة من غير حاجة
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 39- من أبواب أحكام الخلوة- الحديث 2.
(2) الوسائل- الباب- 39- من أبواب أحكام
الخلوة- الحديث 2.
(3) الوسائل- الباب- 44- من أبواب الأطعمة
المحرمة- الحديث 1.
(4) عمدة القاري شرح البخاري للعيني- ج 1 ص
884.
152
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم ما رسبت فيه النجاسة و نفذت في أعماقه ؛ ج6، ص : 152
إلى تجفيف أو تنظيف بماء معصوم لأن الظاهر ان
اتصال الرطوبة بمثلها مغن في التطهير، و ما كان منها ما يرسب فيه الغسالة كالمتخذ
من الطين الخالي عن طبخ النار فلا يطهره سوى الماء المعصوم» انتهى.
و قد يوهم تعليله الاكتفاء بالاتصال من غير
حاجة إلى نفوذ المطهر من الماء، بل قد يظهر من الذخيرة الميل اليه و انه المشهور،
و من الحدائق نفي الخلاف فيه بينهم، و ربما يؤيده إطلاق
خبر السكوني «1» عن جعفر
عن أبيه (عليهما السلام) «ان عليا (عليه السلام) سئل عن قدر طبخت و إذا في القدر
فأرة قال: يهراق مرقها، و يغسل اللحم و يؤكل»
ك
خبر زكريا بن آدم «2» «سألت أبا
الحسن (عليه السلام) عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير و مرق
كثير، قال: يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمة أو الكلب، و اللحم اغسله و كله»
حيث أطلق فيهما الأمر بالغسل من غير إشارة إلى
نفوذ الماء في أعماق اللحم، مع ظهور نفوذ المرق النجس فيها، لانتفاعه به، ك
خبر علي بن جعفر «3» المروي عن
قرب الاسناد سأل أخاه (ع) «عن أكسية المرعزي و الخفاف تنقع في البول
يصلى عليها، قال: إذا غسلت بالماء فلا بأس».
لكن قصور أسانيدها- و عدم وضوح انصراف الإطلاق
فيها إلى ذلك، كعدم الجابر لها على هذا التقدير، لعدم ثبوت موافق له في ذلك، و ما
سمعته من ظاهر الكتابين السابقين لم نتحققه، بل قد يظهر اتفاق من عداه من الأصحاب
على خلافه من اعتبار نفوذ الماء إلى ما نفذت فيه النجاسة- يمنع من الركون إليها في
قطع القواعد الشرعية من عدم طهارة المتنجس إلا بالغسل بالماء و نحوه.
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 44- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
(2) الوسائل- الباب- 26- من أبواب الأشربة
المحرمة- الحديث 1.
(3) الوسائل- الباب- 71- من أبواب النجاسات-
الحديث 2.
153
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم ما رسبت فيه النجاسة و نفذت في أعماقه ؛ ج6، ص : 152
نعم لو كانت في حال ينفذ فيها الماء المطهر و
لو بتجفيف و نحوه طهرت بوضعها في الكثير قطعا حتى ينفذ في أعماقها، و يزيل عين
النجاسة أو يهلكها إن وجدت في بواطنها، و إلا اكتفي بإصابة الماء للمتنجس، لصدق
مسمى غسل الباطن و ما أشبهه بذلك كبعض ما تحت الأظفار و بعض باطن السرة و العينين
و الأذنين و ما تحت الحاجب من جبائر أو عصائب أو لطوخ و نحوها، من غير حاجة إلى
انفصال و جريان من محل إلى آخر، بل و بغسلها في القليل أيضا في وجه قوي جدا مع
نفوذه كالكثير إلى المحل المتنجس، فما عساه يظهر من بعض و يحكى عن آخر من عدم
قبولها الطهارة أصلا لا ينبغي أن يصغى اليه إن كان ذلك منه نزاعا في حكم، و إلا
كان نزاعا في موضوع، إذ فرض البحث نفوذ المطلق المزيل أو المهلك إلى محل النجاسة،
فلا ينبغي التوقف معه حينئذ في زوال النجاسة بغسلها به، لا طلاق الروايات المتقدمة
و أكثر الأدلة السابقة، و ما يشعر به
خبر الحسن بن محبوب «1» عن أبي
الحسن (عليه السلام) «في الجص يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى، ان الماء و
النار قد طهراه»
كما عن الأستاذ الأكبر الاعتراف به.
و دعوى الفرق بينهما بصدق مسمى الغسل بتلك
الإصابة في الكثير دون القليل تحكم، كدعوى الفرق بقبول تطهير النافذ من الماء
الكثير، لما نفذ فيه باعتبار اعتصامه باتصاله بالكثير، دون القليل فإنه ينجس
بالملاقاة، إذ هي- مع إمكان منع الاتصال باعتبار حيلولة تلك الأجزاء من الجسم بين
الماء النافذ و مادته- يدفعها منع نجاسة الغسالة عندنا أولا، و وضوح جريان أحكام
الطاهر على الماء الذي يغسل به حال تخلله في أجزاء المغسول و قبل انفصاله من
التطهير به و نحوه عند من قال بنجاسة الغسالة أيضا ثانيا.
و كذا الفرق بدعوى إمكان إزالة عين النجاسة أو
إهلاكها بالكثير دون القليل، إذ هو مع أنه لا يتم في النجاسة الحكمية ممنوع، على
أن البحث مع فرضه، كالفرق أيضا
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 81- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
154
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم ما رسبت فيه النجاسة و نفذت في أعماقه ؛ ج6، ص : 152
بوجوب انفصال ماء الغسالة لو كان بالقليل،
خصوصا ماء غسلة الإزالة لا التطهير و ان لم نقل بوجوب العصر، للفرق بينه و بين
الصب، و بنجاسة غسالته الراسبة فيه دون الكثير، إذ هو إن سلم ففي غير غسل البواطن،
على أن مثله يأتي في الغسل بماء الكثير أيضا عند التأمل، و الاكتفاء بالإهلاك فيه
دون القليل تحكم، و قد تقدم ما يعلم منه ما في الأخير بما لا مزيد عليه.
نعم لو توقف نفوذ الماء القليل إلى الأعماق
على وضع المتنجس فيه دون صبه عليه اتجه حينئذ اختصاص تطهيره بالكثير، بناء على اعتبار
ورود المطهر من القليل على المتنجس لا ما إذا لم يتوقف، و القول بتحكيم استصحاب
بقاء النجاسة- في غير المتيقن من الوضع بالماء الكثير دون القليل الذي ظاهر أكثر
الأصحاب إن لم يكن مجمعا عليه عدم حصول الطهارة بالغسل به هنا، إذ هو أولى من
القسم الأول الذي قد عرفت نسبة منع حصول طهارته به إلى المعروف بين المتأخرين
منهم، خصوصا مع قصور أسانيد تلك الأخبار- يدفعه وضوح عدم تحقق شهرة معتد بها لدى
المتصفح لكلماتهم فضلا عن الإجماع، بل ربما كان معروفية إطلاق حصول الطهارة بالغسل
من غير تعرض لأفراد الغسل شاملا لما نحن فيه، بل قد يظهر من الذخيرة كونه المعروف
بين الأصحاب حيث نسب روايتي اللحم إلى عملهم بهما و شهرتهما بينهم.
و أوضح منه ما في الحدائق حيث قال بعد ذكرهما:
«و ظاهر الأصحاب من غير خلاف القول بمضمونهما» و ان استشكل هو بعد ذلك في إطلاق
ذلك، لكن الإنصاف أن الظاهر إرادتهما من ذلك قبول التطهير في الجملة، لا خصوص حصول
الغسل بالقليل.
نعم عن نهاية الفاضل إطلاق طهارتهما بالغسل،
كما انه في المنتهى حكى عن أبي يوسف أن الحنطة و السمسم و الخشبة إذا تنجست بالماء
النجس و اللحم إذا كان مرقه نجسا تطهر بأن يغسل ثلاثا و يترك حتى يجف كل مرة،
فيكون كالعصر، ثم قال بعده:
155
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في اعتبار ورود الماء في التطهير بالقليل ؛ ج6، ص : 156
«و هو الأقوى عندي، لأنه قد ثبت ذلك في اللحم
مع سريان أجزاء الماء النجسة، فكذا ما ذكرناه» انتهى.
و لعله يريد ما في الذخيرة من احتمال إرادته
من ذلك ما في النهاية من مجرد القبول للتطهير، لعدم معهودية التثليث و تنزيل
التجفيف منزلة العصر من مذهبه.
و كيف كان فلا إجماع قطعا بل و لا شهرة معتدا
بها في الاعراض عما سمعته هنا و في القسم الأول، بل لعل ظاهر من حكيناه عنهم
الخلاف في القسم الأول القول به هنا، بل هو كاد يكون صريح الأردبيلي منهم أو
صريحه، فإذا الأقوى الطهارة بالقليل و الكثير مع اجتماع تلك الشرائط من النفوذ و
غيره، خصوصا مع قولنا بطهارة الغسالة، فتأمل جيدا، و الله أعلم.
[في اعتبار ورود الماء في التطهير بالقليل]
ثم إن الأقوى في النظر اشتراط الطهارة في
المغسول بالقليل بعدم وروده على الماء، وفاقا للمعظم نقلا و تحصيلا، إذ هو
المستفاد من ناصريات السيد و سرائر الحلي و منتهى الفاضل و قواعده، بل عن سائر
كتبه و دروس الشهيد و بيانه، لكن مع التقييد في أولهما بالإمكان، و استثناء الإناء
في ثانيهما، و جامع الكركي و المعالم و منظومة الطباطبائي و غيرها، بل و خلاف
الشيخ و معتبر المصنف حيث حكم فيهما بنجاسة الماء القليل إذا وقع فيه إناء الولوغ
قبل تطهيره، و بعدم احتساب ذلك من غسلاته، و احتمال كون ذلك منهما لفقد التعفير لا
لاعتبار الورود يدفعه بعد إطلاقهما ملاحظة كلامهما، فتأمل.
بل قد يظهر من السرائر الإجماع عليه، بل لم
أعرف من جزم بخلافه مطلقا، إذ أول من ناقش فيه الشهيد في الذكرى، مع أنه استظهر
اعتباره فيها أولا فقال:
«الظاهر اشتراط ورود الماء على النجاسة لقوته
بالعمل، إذ الوارد عامل، و للنهي عن إدخال اليد في الإناء قبل الغسل، فلو عكس نجس
الماء و لم يطهره، و هذا ممكن في غير
156
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في اعتبار ورود الماء في التطهير بالقليل ؛ ج6، ص : 156
الأواني و شبهها مما لا يمكن فيه الورود، إلا
أن يكتفى بأول وروده، مع أن عدم اعتباره مطلقا متوجه، لأن امتزاج الماء بالنجاسة
حاصل على كل تقدير، و الورود لا يخرجه عن كونه ملاقيا للنجاسة، و في خبر ابن محبوب
عن أبي الحسن (عليه السلام) في الجص يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى، ان الماء و
النار قد طهراه» انتهى.
فمن العجيب ما في شرح المفاتيح للأستاذ الأكبر
تبعا لما عن شرح الإرشاد من حكاية الشهرة على عدم اشتراط الورود.
نعم ربما يظهر من كشف اللثام نوع ميل اليه،
حيث انه قال بعد أن حكى ما في الذكرى: و أوضح منه أي خبر ابن محبوب
صحيح ابن مسلم «1» «سأل
الصادق (عليه السلام) عن الثوب يصيبه البول، فقال: اغسله في المركن مرتين»
انتهى.
و كأنه لأن المركن هو الإجانة التي تغسل فيها
الثياب، و الغسل فيها لا يكاد يتحقق معه الورود، كما انه في المدارك قال: و
المسألة محل تردد و إن كان اعتبار الورود أولى و أحوط، مع أنه حكي عنه أنه استوجه
اعتباره في موضع منها أيضا، و نفى عنه البأس في آخر، كما عن الخراساني استحسانه في
الذخيرة، و تقريبه في الكفاية، و عن الدلائل تحقيقه.
و كيف كان فلا ريب أن المشهور و الأقوى الأول،
للاستصحاب و أوامر الصب «2» و لظهور بعض أدلة القليل بل صراحتها
بنجاسته مع ورود المتنجس عليه كاليد و نحوها، و هو لا يتم على المختار من طهارة
الغسالة، و عدم معقولية إفادة النجس طهارة غيره شرعا، و من هنا كان القول باعتبار
الورود لازما لكل من قال بطهارة الغسالة حينئذ، أو خصوص الغسلة المطهرة، لعدم
نجاسته معه عنده، لعدم الدليل أو الدليل
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 2- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
(2) الوسائل- الباب- 1- من أبواب النجاسات-
الحديث 3 و 4 و 7.
157
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في اعتبار ورود الماء في التطهير بالقليل ؛ ج6، ص : 156
العدم، بل في كشف اللثام تعليله بالحرج و
الإجماع، بل لعله لازم أيضا للعلامة و تابعيه القائلين بطهارتها قبل الانفصال،
اللهم إلا أن يلتزم طهارة الإناء مثلا حال وضع اليد فيه، و أنه لا ينجس إلا بعد
انفصالها، و هو كما ترى مخالف لظاهر الأدلة أو صريحها.
نعم قد لا ينافي ذلك من قال بنجاستها مطلقا
حال الاتصال و بعده، و انه لا مانع من حصول الطهارة بها و ان نجست بنفس الغسل،
انما الممنوع النجاسة السابقة عليه، و كان هذا هو الذي ألجأ الشهيد و غيره إلى عدم
الفرق بين الورودين، كما أشار إليه في الذكرى، لنجاستها حينئذ على كل حال، و صدق
مسمى الغسل الوارد في الأدلة.
مضافا إلى إشعار خبر ابن محبوب و ظهور صحيح
ابن مسلم المتقدمين، كظهور ما دل على تطهير الإناء بوضع الماء فيه و تحريكه ثم
إفراغه الذي لا يتم فيه اعتبار الورود المذكور.
لكن يدفعه على تقديره- بعد ما عرفت في مبحث
الغسالة من قلة ملتزم ذلك من الأصحاب و ضعف القول به، بل المعروف طهارتها حال
الاتصال و ان وقع النزاع فيها بعده- انا و ان قلنا به أي نجاسة الغسالة في
الحالين، لكن لما كان حصول التطهير به مع ذلك منافيا للقواعد الشرعية إلا أنه
ارتكب جمعا بين ما دل على نجاسة القليل و الإجماع بل الضرورة على حصول الطهارة
بالغسل به، مضافا إلى العسر و الحرج اتجه حينئذ الاقتصار فيه على المتيقن الذي
تندفع به الضرورة، و هو الوارد، لكونه مجمعا عليه في حصول الطهارة به دون غيره،
فيبقى الثوب مثلا مع عدمه على استصحاب النجاسة، و على قاعدة عدم حصول الطهارة
بالمتنجس، و احتمال انقطاعهما بإطلاق الغسل يدفعه- بعد قصوره عن معارضتهما باعراض
المشهور عنه بالنسبة إلى ذلك، و احتمال أو ظهور انصرافه إلى المتعارف المعهود
المتداول في أيدي عامة الناس من الغسل بورود الماء، بل يمكن دعوى السيرة المستمرة
المأخوذة يدا عن يد على كيفية غسل النجاسات
158
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في اعتبار ورود الماء في التطهير بالقليل ؛ ج6، ص : 156
بذلك، كما قد يومي اليه التأمل في عبارة
الناصريات- انه معارض بأوامر الصب في الأخبار الكثيرة الواردة في نجاسة الجسد و الثوب
و الفراش ذي الحشو و غيرها من بول الصبي و غيره، و هو ظاهر ان لم يكن صريحا في
ورود المطهر، فيكون مع إتمامه بعدم القول بالفصل بين موارده و غيرها مقيدا
للإطلاق.
و أما خبر ابن محبوب فهو مع إجماله سؤالا و
جوابا من وجوه لا صراحة فيه، بل و لا ظهور في طهارة الجص بوضعه في الماء، و كيف مع
أن الشهيد نفسه (رحمه الله) لا يرى طهارة ما يرسب فيه الماء و لا يعصر بالقليل.
و أما صحيح ابن مسلم «1» فهو مع
احتماله لإرادة معنى الباء من «في» بل لعله متعين عندهم، إذ لا يستقيم ظاهره على
القول بنجاسة الغسالة، إذ لا بد من إراقة ماء الغسلة الأولى و عصر الثوب، بناء على
اعتباره بعد كل غسلة، فينجس حينئذ الثوب بغسله ثانيا فيه بنجاسة الماء الجديد و
إنائه.
اللهم إلا أن يلتزم تطهير الإناء بعد الغسلة
الأولى ثم يجعل فيه ماء و يوضع الثوب فيه، أو يلتزم تنزيل الثوب منزلة الجزء من
الإناء فيصب عليه الماء بعد إراقة ماء الغسلة الأولى، فينجس الماء الثاني بعد فصل
الثوب عن الإناء، أو يطهر هو و الإناء بإراقة الماء ثانيا، ثم يفصل الثوب عنه
فيعصر.
و هما كما ترى، مع عدم منافاته على التقدير
الأخير لمعتبر الورود في الغسلة الأخيرة خاصة، لأنها هي المطهرة، و عدم أولويته من
القول بكون الغسلتين بالصب عليه و هو في الإناء، جمعا بينه و بين الأدلة السابقة
من أوامر الصب و غيرها، بل لعله المتعارف من كيفية الغسل فيه.
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 2- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
159
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم بول الصبي ؛ ج6، ص : 160
و أما ما دل «1» على تطهير
الأواني المدعى ظهوره في عدم إمكان الورود حتى احتيج إلى استثنائها من
اشتراط الورود أو استفيد منه عدم الاعتبار مطلقا فقد يجاب عنه بما في جامع المقاصد
من أن الحق أنه لا يراد بالورود أكثر من وروده ابتداء، و إلا لم يتحقق الورود في
شيء مما يحتاج فصل الغسالة عنه إلى معونة شيء آخر، أو بما في المعالم بأن من
أمعن النظر في دليل انفعال القليل بالملاقاة رأى أنه مختص بما إذا وردت النجاسة
على الماء، فيجب حينئذ أن يكون المعتبر هنا هو عدم ورود النجاسة على الماء لا ورود
الماء على النجاسة، و الفرق واضح، قال: «فلم يحتج حينئذ إلى استثناء نحو الأواني و
لا لتكلف حمل الورود على ما يقع أولا» انتهى.
قلت: و كان مراده عدم صدق ورود المتنجس على
الماء في أثناء غسل الأواني و نحوها و ان كان لا يصدق أيضا ورود الماء عليه أيضا،
لكن الثابت من الأدلة نجاسة الأول خاصة دون غيرها، فتبقى حينئذ على العفو عنها في
حال التطهير كحالة الورود، و لهذه الدقيقة صدرنا عنوان المسألة بما عرفت، فتأمل.
[في حكم بول الصبي]
و على كل حال فقد عرفت وجوب العصر في الثياب و
نحوها مما يعصر من سائر النجاسات عند المصنف و غيره ممن تقدم، لكنه استثنى من ذلك
تبعا للمشهور بين الأصحاب المتنجس منها ببول الصبي، فقال إلا من بول
الرضيع، فإنه يكفي صب الماء عليه من غير حاجة إلى عصر، بل لا أجد فيه مخالفا
كما اعترف به في المدارك و المعالم و الذخيرة و الحدائق و المفاتيح، بل في الأخير نفي
الخلاف نفسه لا وجدانه، كما أن في الأول نسبته إلى مذهب الأصحاب، بل في الثاني إلى
اتفاق كلمة الأصحاب الذين وصل كلامهم إلينا، بل في الخلاف و عن الناصريات الإجماع
عليه، و هو الحجة
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 51 و 53 و 70- من أبواب النجاسات.
160
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم بول الصبي ؛ ج6، ص : 160
بعد شهادة التتبع منا و ممن عرفت له، بل قد
يشعر أيضا نسبة الخلاف فيه في المعتبر و المنتهى إلى أبي حنيفة و غيره من أهل
الخلاف بالإجماع عليه بيننا.
مضافا إلى
حسن الحلبي أو صحيحه «1» «سأل
الصادق (عليه السلام) عن بول الصبي، فقال: تصب عليه الماء، فان كان قد أكل فاغسله
غسلا، و الغلام و الجارية في ذلك شرع سواء»
كالرضوي «2» بل و المروي عن
كشف الغمة و غيره «3» بل
عن العامة روايته أيضا معتمدين عليه بحسب
الظاهر عن زينب بنت جحش «4» قالت:
«كان النبي (صلى الله عليه و آله) نائما
فجاء الحسين (عليه السلام) فجعلت أعلله لئلا يوقظه ثم غفلت عنه، فدخل- إلى أن
قالت-: فاستيقظ النبي (صلى الله عليه و آله) و هو يبول على صدره، فقال (صلى الله
عليه و آله): دعي ابني حتى يفرغ من بوله، و قال:
لا تزرموا بول ابني، ثم دعا بماء فصب عليه،
ثم قال: يجزئ الصب على بول الغلام، و يغسل بول الجارية»
الحديث.
كالمروي عن
معاني الأخبار «5» مسندا «ان رسول
الله (صلى الله عليه و آله) أتي بالحسن بن علي (عليهما السلام) فوضع في حجره فبال،
فأخذه فقال: لا تزرموا ابني، ثم دعا بماء فصب عليه».
بل لعل
خبر السكوني «6» المروي في
الفقيه و التهذيب و عن المقنع و العلل «ان عليا (عليه السلام) قال: لبن الجارية و
بولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم، لأن
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 3- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
(2) المستدرك- الباب- 2- من أبواب النجاسات-
الحديث 1.
(3) المستدرك- الباب- 4- من أبواب النجاسات-
الحديث 3.
(4) كنز العمال- ج 5 ص 128- الرقم 2644.
(5) الوسائل- الباب- 8- من أبواب النجاسات-
الحديث 4.
(6) الوسائل- الباب- 3- من أبواب النجاسات-
الحديث 4.
161
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم بول الصبي ؛ ج6، ص : 160
لبنها يخرج من مثانة أمها، و لبن الغلام لا
يغسل منه الثوب و لا من بوله قبل أن يطعم، لأن لبن الغلام يخرج من العضدين و
المنكبين».
كالمروي عن
لبانة بنت الحارث «1» قالت: «كان
الحسن بن علي (عليهما السلام) في حجر رسول الله (صلى الله عليه و آله) فبال عليه،
فقلت: أعطني إزارك لأغسله، فقال: إنما يغسل من بول الأنثى»
دال على المطلوب، بل أدل من غيره، للقطع
بإرادة الزائد على الصب من نفي الغسل فيهما، إذ قد علمت سابقا الإجماع على نجاسته
إلا ممن لا يعتد بخلافه فيه.
و بذلك كله يقيد و يخص إطلاق و عموم ما دل على
وجوب الغسل الزائد على الصب من البول، لا أنه لا عموم أو إطلاق في الأخبار ليتناول
ما نحن فيه، فيبقى على أصل البراءة و نحوها كما في المدارك، ضرورة وجدان كل منهما
فيها خصوصا الثاني، إذ التحقيق كون المفرد المعرف للطبيعة، كما أنه به أيضا يجب
طرح مضمر سماعة «2» الدال على غسل الثوب من بول الصبي أو
حمل الغسل فيه على الصب أو الصبي على المتغذي، أو غير ذلك من التقية و الندب أو
غيرهما مما ستسمع، ك
حسنة ابن أبي العلاء «3» عن الصادق
(عليه السلام) «في بول الصبي يصب عليه الماء ثم يعصر».
بل قد تحتمل إرادة العصر للتجفيف لا التطهير،
أو ما في المدارك من احتمال كونه لإخراج عين النجاسة من الثوب، فان ذلك واجب عند
من قال بنجاسة هذا البول، و إن كان لا يخلو من نظر، لإمكان منع وجوب الإخراج، بل
يكفي الاستهلاك بالصب، لإطلاق النصوص و الفتاوى.
نعم يعتبر في الصب استيعاب الماء لمحل البول و
ما رسب فيه، فلا يكفي مجرد
______________________________
(1)
تيسير الوصول- ج 3 ص 57 عن لبابة.
(2) الوسائل- الباب- 3- من أبواب النجاسات-
الحديث 3.
(3) الوسائل- الباب- 3- من أبواب النجاسات-
الحديث 1.
162
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم بول الصبي ؛ ج6، ص : 160
الإصابة كالرش من غير استيعاب، بل في المدارك
انه مما قطع به الأصحاب، بل لعله أيضا معقد إجماع الخلاف، و لا ينافيه ما في
التذكرة من حكاية قول لنا بالاكتفاء بالرش، لأنه قال بعده: فيجب فيه التعميم، فلا
يكفي إصابة الرش بعض مورد النجاسة.
فيعلم منه حينئذ عدم إرادة الرش بالمعنى
المنافي لذلك، بل لعله بالمعنى المذكور كالصب حينئذ، اللهم إلا أن يقال بعدم
اعتبار نفوذ الماء إلى المحال التي رسب فيها البول في مفهوم الرش و ان عم ظواهر
المحل، فينافي ما تقدم حينئذ و ان كان هو ضعيفا في نفسه لا دليل يعتد به عليه، بل
ظاهر الأدلة خلافه، ضرورة عدم زوال حكم النجاسة من دون مباشرة المطهر، بل قد يشكل
الاكتفاء بالرش و ان ساوى الصب في الاستيعاب للظاهر و غيره باستصحاب حكم النجاسة
مع الأمر بالصب في النص و الفتوى، و عدم ظهور الحكمة في أمر التطهير، على أن في
الصب من اتصال الأجزاء و الغلبة و القاهرية ما لا يوجد في الرش، لكن تبادر إرادة
عدم وجوب العلاج و الاحتيال بالدلك و الغمز و التقلب و غيرها من الأمر بالصب مقابل
الغسل يدفع احتمال توقف التطهير على خصوصيته، فلا يبعد حينئذ الاكتفاء بالرش
المساوي للصب في الاستيعاب للظاهر و الباطن و الغلبة و القاهرية و نحوها مما له
مدخلية في التطهير.
اللهم إلا أن يمنع تسمية مثله غسلا، فانا و إن
اكتفينا بالصب في بول الصبي لكن لا بد من تحقق مسمى الغسل، فلا يكتفى بمجرد
استيعاب المطهر للمطهر من دون جريان و نحوه المعتبر عرفا في مفهوم الغسل في الوضوء
و الأغسال و نحوهما، لاستصحاب حكم النجاسة مع الأمر بغسل النجاسات في الروايات، بل
في خصوص بول الصبي نفسه، كما في موثقة سماعة «1» و غيرها «2» مما ورد
في ثوب المربية و غيره، فالجمع بينهما يقتضي
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 3- من أبواب النجاسات- الحديث 3.
(2) الوسائل- الباب- 4- من أبواب النجاسات-
الحديث 1 و الباب 3 منها.
163
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم بول الصبي ؛ ج6، ص : 160
وجوب الغسل لكن بمجرد الصب لا الغسل المعتبر
في باقي إزالة النجاسات المحتاج إلى العلاج و الاحتيال في إزالة أعيانها، بل هو
كغسل الوضوءات و الأغسال و نحوها مما لا يراد منه إزالة شيء، بل قد يدعى لزوم ذلك
للصب غالبا.
و دعوى منافاة ذلك لا طلاق النصوص و الفتاوى
الاكتفاء بالصب مقابل الغسل الصادق بدون ذلك و بدون انفصال الماء و عدمه، بل و
بدون الاستيعاب يدفعها ما سمعته سابقا من ظهور كون المراد بذلك عدم العلاج و
الاحتيال المعتبرين في إزالة غيره من النجاسات، لا أن المراد مجرد تحقق الصب، و
إلا فقد ورد الاكتفاء بالصب أيضا في غسل الجسد من البول معللا ذلك بأنه ماء لا
يحتاج إلى دلك و نحوه، مع انه من الواضح اعتبار مسمى الغسل فيه.
فما في جامع المقاصد و تبعه عليه غيره من عدم
اعتبار الجريان على محل البول في محل المنع، نعم لا يعتبر الانفصال فيه كما في
جامع المقاصد و غيره، بل في المدارك أنه مما قطع به الأصحاب، كما أنه لعله بعض
معقد إجماع الخلاف أيضا، لا طلاق الصب، و لأن مقابلته بالغسل بناء على أن حده
الانفصال كما عن الخلاف و نهاية الأحكام صريحة في نفي اعتباره.
لكن قد يقال بعد انصراف المقابلة المذكورة
كالأمر بالصب إلى ما سمعت:
باعتبار الانفصال، بناء على اعتباره في باقي
النجاسات لا لتوقف مسمى الغسل عليه بل لإمكان فهم اعتباره في خصوص غسل النجاسات من
جهة احتمال إرادة انفصال النجاسة أو حكمها بانفصال الماء، بل لعل المراد من غسل
النجاسات انما هو إزالة النجاسة بهذه الكيفية كالأوساخ، بل في الرياض تعليله أيضا
بنجاسة الغسالة و عدم وجوب العصر أعم من عدم لزوم الانفصال، إذ قد يراد بغير العصر
من وجوه الانفصال.
قلت: لكن ظهور الأدلة- من النصوص و غيرها كما
لا يخفى على من لاحظها
164
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم بول الصبي ؛ ج6، ص : 160
في خفة هذه النجاسة و التساهل في أمرها، و أنه
لذلك خالفت غيرها من النجاسات، مضافا إلى ظاهر الإجماع السابق و غيره- يمنع اعتبار
أصل الانفصال في الجملة، فضلا عنه على الوجه الذي ذكره في الرياض، بل ينبغي القطع
بعدمه، ضرورة مساواتها حينئذ لغيرها من النجاسات في وجوب إخراج غسالتها، و إن كانت
بغير العصر و هي بالعصر، إلا أن ذلك من الواضح عدم صلاحيته فارقا، على أن خصوصية
العصر غير مرادة في باقي النجاسات قطعا، انما المراد إخراج غسالتها به أو بغيره.
فالأقوى حينئذ عدم اعتبار الانفصال مطلقا، و
به يمتاز حينئذ عن بول البالغ بناء على عدم وجوب العصر فيه، لطهارة الغسالة أو
غيرها، أو يقال: إنه يمتاز بعدم اعتبار العلاج فيه و الاحتياج لإخراج نفس العين مع
وجودها، بل يكفي في طهرها امتزاجها بالماء بخلافه في البالغ، و هو جيد و إن كان لا
يخلو من نوع تأمل.
لكن على كل حال ما في كشف الأستاذ أنه لا فرق
بين بول الصبي و غيره فيما لا يرسب فيه الغسالة باعتبار وجوب الغسل مرتين في كل
منهما لا يخلو من نظر، لإمكان الفرق باعتبار الفصل في الثاني دون الأول، إذ قد
عرفت أن الأقوى عدم اعتباره فيه، و انه بذلك امتاز عن البالغ.
نعم استثنى من ذلك في المدارك و الذخيرة ما
إذا توقف إزالة عين النجاسة عليه مع احتمال عدمه أيضا فيهما، لا طلاق النص، و ان
اعترضهما في شرح المفاتيح بأن الإطلاق لا يثمر مع العلم بالنجاسة، و وجود عين
النجس، و بقائه في الثوب، و عدم استهلاكه بمجرد الملاقاة للماء، فان نجس العين
بمجرد إصابة الماء كيف يصير منقلبا، و مع عدم الانقلاب كيف يصير طاهرا.
لكنك خبير بما في الجميع مما عرفت سابقا من
ظهور الأدلة بطهر مثل هذا البول باستيعاب الماء محل البول، و غلبته عليه و
استهلاكه به و ان لم ينفصل، و لا استبعاد في
165
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم بول الصبي ؛ ج6، ص : 160
ذلك شرعا بوجه من الوجوه، فلا فرق حينئذ بين
الاكتفاء «1» بالصب على المتنجس به بين ما يعصر و ما لا يعصر، و بين ما
يرسب فيه الغسالة و ما لا يرسب، أرضا كان أو غيرها.
نعم قد يقال بنجاسة المنفصل من ماء غسالته و
لو بعصر و إن لم نقل باشتراطه، بناء على نجاسة الغسالة، لا طلاق دليلها عندهم
الشامل للمقام كما اختاره الأستاذ في كشفه، لكن الأقوى طهارتها عليه أيضا، و
استثنائها من ذلك كالمختلف بعد العصر، كما هو ظاهر النصوص و الفتاوى، و فحوى عدم
اشتراط الانفصال كظهور خفة حكم هذه النجاسة، و استبعاد اختلاف حكم الماء الواحد
بالنسبة إلى طهارته و نجاسته، بمعنى إن خرج كان نجسا و إلا كان طاهرا، و غير ذلك.
نعم لا يبعد جريان حكم بول الصبي على ما تنجس
به من المائعات و غيرها كالماء و نحوه، فيجزئ الصب على المتنجس بالمتنجس به بعد
إخراج العين أو استهلاكها بناء على الاكتفاء، لعدم زيادة الفرع عن أصله، و ظهور
انتقال حكم النجاسة إلى المتنجس لا أزيد.
نعم لو أصابه نجاسة أخرى غير بول الصبي أو
اختلط ببول الصبي نجاسة غيره لم يجر عليه الحكم المذكور على إشكال فيما لو اختلط
معه ما لا يخرج المتنجس به عن صدق نجاسته ببول الصبي، كالقليل جدا من بول البالغ
مثلا، و خصوصا لو كان المباشر لبول الصبي نجسا حكما، لمنع تأثير النجس في النجس
حكما مع عدم بقاء اسم المؤثر، و كذا الإشكال في جريان حكم بول الصبي على بوله إذا
كان ولد كافر و إن كان الأقوى فيه ذلك أيضا كما في نظائره.
نعم قد يشكل فيه و ولد المسلم فيما لو كان
يتغذى بلبن كافرة بفحوى تعليل خبر
______________________________
(1)
هكذا في النسخة الأصلية و الصحيح «في الاكتفاء».
166
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حكم بول الصبي ؛ ج6، ص : 160
السكوني «1» و عدم
انصراف الإطلاق، كالمتغذي بلبن الخنزيرة مثلا، فلعل الأقوى فيه عدم الإلحاق
اقتصارا على المتيقن.
و كيف كان فيختص الحكم المذكور بالصبي خاصة
دون الصبية، وفاقا للمشهور، بل لعله لا خلاف فيه، لاحتمال حمل عبارة الصدوقين التي
ظن ذلك منها حيث كانتا كحسنة الحلبي و الرضوي المتقدمين على إرادة مساواة الجارية
مطلقا للصبي بعد الأكل، خصوصا إن قلنا بجريان مثل هذا التركيب مجرى القيد المتعقب
بجمل متعددة يقتصر فيه على المتيقن: أي الأخيرة فقط، لا أقل من أن تكون الشهرة
العظيمة على الاختصاص بل في مفتاح الكرامة عن المختلف الإجماع عليه و ان لم أجده
فيما حضرني من نسخته، و خبر السكوني و زينب بنت جحش و لبانة بنت الحارث المتقدمة
آنفا قرينة على رجوع ذلك في الحسنة إلى الأخيرة خاصة، و على بقاء بول الصبية
مندرجا تحت إطلاق أدلة البول و استصحاب بقاء نجاسته.
فما في الحدائق من الميل إلى المساواة متعجبا
من إعراض الأصحاب عن ذلك مع أنه مضمون الحسنة التي هي مستند أصل الحكم في الصبي في
غير محله.
و الخنثى المشكل بل و الممسوح كالأنثى،
للاستصحاب.
و المراد بالصبي من لم يأكل الطعام أكلا
مستندا إلى شهوته و إرادته أي متغذيا به، كما هو المستفاد من حسنة الحلبي و خبر
السكوني المتقدمين، فلا عبرة بالأكل نادرا أو دواء و نحوهما، و إلا لم يتحقق موضوع
المسألة، لاستحباب تحنيك الولد بالتمر كما في المنتهى و غيره.
نعم لا فرق فيما ذكرنا بين الحولين و ما زاد
عليهما، فمتى أكل الأكل المذكور قبلهما خرج عن الحكم المزبور، كما انه إذا لم يأكل
كذلك بعدهما بقي على الحكم الأول
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 3- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
167
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في عدم حجية الظن المتعلق بالنجاسة ؛ ج6، ص : 168
لا طلاق الخبرين، بل تعليل خبر السكوني.
فما في السرائر من تحديد الصبي الرضيع بمن لم
يبلغ سنتين لا يخلو من تأمل، بل في المعتبر أنه مجازف، و يمكن أن يريد الرضيع الذي
لم يبلغهما و ان كان ينافيه كلامه في باب البئر، فلا مخالفة حينئذ إلا فيمن لم
يتغذ بالطعام بعدهما، و لعل وجهه من موافقته للاحتياط تحديد مدة الرضاع بالحولين
شرعا مع ندرة بقائه أزيد منهما عرفا، بل منع تسميته رضيعا، فلا عبرة بمن لم يأكل
بعد الحولين، بل لعل التحديد في الخبرين منزل على ذلك.
كما انه يرجع اليه ما في جامع المقاصد و الروض
و عن المسالك من أن المراد بالرضيع الذي لم يغتذ بغير اللبن بحيث يزيد على اللبن
أو يساويه، و لم يتجاوز سن الرضاعة أي الحولين كما في صريح الثاني، و هو لا يخلو
من وجه كما عرفت، لكن تقييدهما التغذي بالمساواة أو الزيادة لا يخلو من نظر بل
منع، لصدق الأكل و التغذي و ان نقص عنه.
نعم قد يقال بعدم العبرة بأكله أصلا قبل
الحولين كما هو صريح السرائر في باب البئر و محتمله هنا، إلا أنك قد عرفت منافاته
لإطلاق الخبرين، و ان كان ربما يوجه بنحو ما سمعت من كون المراد فيهما مدة الرضاع،
بل قد يشعر به خبر زينب بنت جحش المتقدم من حيث نسبة الدخول و نحوه إلى الحسين
(عليه السلام) المشعر بتجاوز عمر الحسين (عليه السلام) الستة أشهر و زيادة، مع
ظهور ما يحكى في أمر ولادته و زمان فطامه في تغذيه بغير اللبن بعدها، فتأمل جيدا.
[في عدم حجية الظن المتعلق بالنجاسة]
و إذا علم النجاسة و موضع
النجاسة من الثوب و البدن و نحوهما غسل وجوبا لما تجب
الإزالة له مما تقدم، أما لو ظن النجاسة أي تنجس الثوب و البدن فظاهر النهاية و عن
صريح الحلبي وجوب الغسل لابتناء أكثر الأحكام على الظنون،
168
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في عدم حجية الظن المتعلق بالنجاسة ؛ ج6، ص : 168
و امتناع ترجيح المرجوح، و الاحتياط في بعض
الصور.
و
قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان «1» بعد أن
سأله أبوه سنان «عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل لحم الخنزير و يشرب الخمر
فيرده، أ يصلي فيه قبل أن يغسله؟ قال: لا يصلي فيه حتى يغسله».
كالمروي «2» عن
مستطرفات السرائر من كتاب البزنطي «سألته عن رجل يشتري ثوبا من السوق لا يدري
لمن كان يصلح له الصلاة فيه، قال: إن اشتراه من مسلم فليصل فيه، و ان كان اشتراه
من نصراني فلا يلبسه و لا يصلي فيه حتى يغسله».
كخبر علي بن جعفر «3» عن أخيه
موسى المتضمن نحو ذلك أيضا، بل و غيرهما مما دل «4» على
اجتناب الفراء المأخوذة من أهل العراق، لأنهم يستحلون الميتة، و يزعمون أن
دباغها ذكاتها.
و هو ضعيف جدا مع عدم الاستناد إلى سبب شرعي،
بل واضح الفساد كأدلته، لمخالفته لقاعدة اليقين و الأصل و الأخبار الحاكمة
بالطهارة إلى حصول العلم بالنجاسة.
ك
قول الصادق (عليه السلام) في خبر حماد «5»: «الماء
كله طاهر حتى تعلم أنه نجس»
و في
موثقة عمار «6» «كل شيء
نظيف حتى تعلم أنه قذر».
و
قول علي (عليه السلام) في خبر حفص بن غياث «7» عن جعفر
عن أبيه (عليهما السلام): «ما أبالي أبول أصابني أم ماء إذا لم
أعلم».
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 74- من أبواب النجاسات- الحديث 2 و في الوسائل «الحبري» بدل
«الخنزير».
(2) الوسائل- الباب- 50- من أبواب النجاسات-
الحديث 1.
(3) الوسائل- الباب- 50- من أبواب النجاسات-
الحديث 1.
(4) الوسائل- الباب- 61- من أبواب النجاسات-
الحديث 3.
(5) الوسائل- الباب- 1- من أبواب الماء
المطلق- الحديث 5.
(6) الوسائل- الباب- 37- من أبواب النجاسات-
الحديث 4.
(7) الوسائل- الباب- 37- من أبواب النجاسات-
الحديث 5.
169
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في عدم حجية الظن المتعلق بالنجاسة ؛ ج6، ص : 168
بل
صحيح ابن سنان «1» كالصريح
في ذلك «سأل أبوه الصادق (عليه السلام) و هو حاضر اني أعير الذمي ثوبي و
أنا أعلم أنه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير فيرده علي فأغسله قبل أن أصلي فيه،
قال: صل فيه و لا تغسله من أجل ذلك، فإنك أعرته إياه و هو طاهر، و لم تتيقن أنه
نجسه»
الحديث.
ك
مضمر زرارة في الصحيح «2» بل عن
العلل إسناده إلى أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قلت: أصاب ثوبي
دم رعاف أو غيره- إلى أن قال-: قلت: فان ظنت أنه قد أصابه و لم أتيقن ذلك فنظرت
فلم أر شيئا ثم صليت فيه فرأيت فيه، قال: تغسله و لا تعيد الصلاة، قلت: و لم ذاك؟
قال: لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك أبدا»
إلى غير ذلك من الأخبار البالغة أعلى مراتب
الاستفاضة إن لم تكن متواترة معنى، لاختلاف أنواع دلالتها على عدم حصول النجاسة
بمثل الظن المزبور، بل في بعضها المدح على عدم الاعتناء به، كالتوبيخ في آخر «3» على
الاعتداد به معللا ذلك بأن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم، إن الدين أوسع من
ذلك.
لكن مع ذا لا بأس بالاحتياط خروجا عن شبهة
الخلاف إن لم يكن مقطوعا بفساده، بل يمكن الحكم باستحبابه، للأخبار السابقة التي
يشهد على تنزيلها على ذلك رواية
علي بن بزاز «4» عن أبيه
قال: «سألت جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن الثوب يعمله أهل الكتاب
أصلي فيه قبل أن أغسله، قال: لا بأس، و ان يغسل أحب
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 74- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
(2) الوسائل- الباب- 37- من أبواب النجاسات-
الحديث 1.
(3) الوسائل- الباب- 50- من أبواب النجاسات-
الحديث 3.
(4) الوسائل- الباب- 73- من أبواب النجاسات-
الحديث 5 لكن رواه في الوسائل عن أبي علي البزاز عن أبيه.
170
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حجية خبر العدل ؛ ج6، ص : 171
إلى»
و غيره مما يستفاد منه رجحان الاستظهار في
الطهارة في الجملة مما دل «1» على استحباب اجتناب سؤر الحائض المتهمة بالنجاسة، بل كل من
كان متهما بذلك، فاحتمال عدم مشروعية هذا الاستظهار لظهور الأدلة في توسعة أمر
الطهارة كما ترى، بل ينبغي القطع بفساده إن أريد منه الحرمة إن لم يقصد به
المستظهر قربة، بل أراد إراقة الماء على يده مثلا لزوال نجاستها ان كان واقعا فيها
نجاسة، للأصل السالم عن المعارض، و السيرة القاطعة و غيرهما.
نعم قد يكون ذلك مرجوحا بالنسبة إلى عدمه إذا
احتمل ترتب الوسواس عليه، كما أنه يحرم لو كان مقدمة له أو هو منشأه.
أما لو كان منشأ الظن سببا شرعيا كخبر العدل
ففي المعتبر و المنتهى و موضع من التذكرة و ظاهر القواعد أو صريحها و جامع المقاصد
و عن المبسوط و الخلاف و الموجز و شرحه و الإيضاح و غيرها عدم القبول، كما عن ظاهر
المختلف أيضا، سواء ذكر ما تنجس به الشيء أولا، كما صرح به بعضهم، و هو ظاهر آخر،
لا طلاقه كاطلاقهم ذلك أيضا فيما قبل الاستعمال و بعده، للأصل و قاعدة اليقين و
اعتبار العلم في الأخبار السابقة، و مفهوم ما تسمعه من خبري البينة «2».
[في حجية خبر العدل]
لكن قد يشكل بعموم بعض ما دل على حجية خبر
العدل، بل قد يستفاد من الأخبار تنزيله منزلة العلم، مثل ما دل «3» على ثبوت
عزل الوكالة به مع اشتراط الأصحاب حصوله بالعلم، و ما دل «4» على جواز
وطء الأمة إذا كان البائع عدلا قد
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأسئار.
(2) الوسائل- الباب- 61- من أبواب الأطعمة
المباحة- الحديث 2 و الباب 4 من أبواب ما يكتسب به- الحديث 4.
(3) الوسائل- الباب- 2- من كتاب الوكالة-
الحديث 1.
(4) الوسائل- الباب- 6- من أبواب نكاح
العبيد و الإماء من كتاب النكاح.
171
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حجية البينة ؛ ج6، ص : 172
أخبر بالاستبراء، و ما دل «1» على دخول
الوقت المشروط بالعلم بأذان العدل العارف، و غير ذلك، بل ثبوت الأحكام الشرعية
به أكبر شاهد على ذلك.
بل يمكن بالتأمل في الأخبار كخبر
اللمعة «2» المتقدم في غسل الجنابة، و خبر النهي «3» عن إعلام
المصلي بكون الدم في ثوبه المتقدم في النجاسات و غيرها استفادة تنزيل
خبر العدل منزلة اليقين، و الاكتفاء به على وجه الضابط و القاعدة في كل موضوع لم
يثبت كونه من الشهادة المعتبر فيها التعدد، بل لعل ثبوت أصل النجاسة به دون التنجس
مع انه ليس من الشهادة في شيء متنافيان، إذ هو أيضا فيه قاطع لقاعدة اليقين و
لاعتبار العلم و غيرهما، و منه يعلم حينئذ تنزيله منزلتهما في المقامين.
و دعوى تسليمه في أصل النجاسة دون التنجيس
تحكم من غير حاكم، فلا جهة حينئذ للقول بكون التعارض بين ما دل على اعتبار العلم
في النجاسة و بين ما دل على حجية قبول خبر العدل من وجه، و لا مرجح، فيبقى على أصل
الطهارة، إذ قد عرفت تحكيمه في أصل النجاسة القاضي بتنزيله منزلة العلم و اليقين في
التنجس أيضا، لاتحاد مدركهما، و لعله لذلك كله كان خيرة ظاهر موضع من التذكرة
القبول، كما انه عنه في النهاية احتماله، و مال إليه في الحدائق، إلا أن الانصاف
بقاء المسألة في حيز الإشكال، لإمكان التأمل و النظر في سائر ما تقدم من المقال
بمنع بعضه و عدم ثبوت المطلوب بالآخر.
[في حجية البينة]
نعم ينبغي القطع بقبول البينة في ذلك كما صرح
به في بعض الكتب السابقة، و حكي عن آخر، بل لا أجد فيه خلافا إلا ما يحكى عن
القاضي و عن ظاهر عبارة الكاتب و الشيخ، و لا ريب في ضعفه، لظهور تنزيلها منزلته
في الشرع، إذ هي من باب الأسباب لا مدخلية للظن في اعتبارها، كظهور استحقاق الرد
أو الفسخ و المطالبة
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأذان و الإقامة من كتاب الصلاة.
(2) الوسائل- الباب- 47- من أبواب النجاسات-
الحديث 2.
(3) الوسائل- الباب- 47- من أبواب النجاسات-
الحديث 1.
172
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حجية البينة ؛ ج6، ص : 172
بالأرش لو ثبت بالبينة نجاسة الدهن المبيع و
نحوه، و احتمال عدم التلازم بين استحقاق الرد و ثبوت النجاسة و جريان أحكامها لا
يصغى اليه.
نعم قد يقال هنا بعدم الاكتفاء بالشاهد
الواحد، لمعارضة حق الغير و استحقاق الرد و نحوه من الدعاوي التي لا تثبت به و ان
قلنا بالاكتفاء به حيث لا يكون كذلك، بل يمكن دعوى ثبوت النجاسة هنا بخبره دون
استحقاق الرد، لكنه لا يخلو من تأمل، و
للمروي «1» عن
التهذيب و الكافي بسنديهما عن الصادق (عليه السلام) في الجبن، قال: «كل شيء
حلال لك حتى يجيئك شاهدان يشهدان عندك أن فيه ميتة»
كالآخر «2»
عنهما أيضا عن الصادق (عليه السلام) «كل شيء
لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه، فتدعه من قبل نفسك، و ذلك مثل الثوب يكون عليك
قد اشتريته و هو سرقة- إلى أن قال-: و الأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير
ذلك، أو تقوم به البينة»
و مفهومهما قاض بعدم ثبوت النجاسة بالشاهد
الواحد كما أشرنا إليه سابقا.
لكن قد يجاب بمنع عموم المفهوم فيه كالمنطوق،
أو يلتزم ذلك في موردهما مما كان عليه ظاهر قول أو فعل مسلم مستلزم للطهارة من
بيعه أو أكله، فلا يكتفى بالواحد، لأنه فيه يكون من قبيل الشهادة بخلاف ما لا
يعارضه ذلك، فيفصل حينئذ في قبول شهادة الواحد، و هو ليس بذلك البعيد، و إن أطلق
كل من المثبت و النافي، كما انهم أطلقوا قبول شهادة العدلين من غير تقييد لها بذكر
سبب التنجيس، لاحتمال استنادها إلى سبب لا ينجس عند الشهود عنده، كاطلاقهم قبولها
فيما قبل الاستعمال و بعده، لكن في التذكرة تقييد القبول بذكر السبب.
و فيه نظر لجريان مثله في أغلب البينات ان لم
يكن جميعها مع تعارف الأخذ بها
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 61- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
(2) الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما يكتسب
به- الحديث 4 من كتاب التجارة.
173
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في حجية البينة ؛ ج6، ص : 172
في سائر الموارد، و ما ذاك إلا لتنزيل إطلاقها
على الواقع حتى يظهر الخلاف، إما لأن عدالة الشاهد تمنع من الإطلاق مع إرادة السبب
المختلف فيه أو لغير ذلك.
نعم لا فرق في ثبوت النجاسة بالبينة بين حصول
الظن فيها و عدمه، كما في كل مقام تقبل فيه، لكونها من الأمور التعبدية قطعا.
نعم قد يتجه ذلك في خبر العدل بناء على دوران
حجيته على الظن.
و منه ينقدح إمكان إلحاق خبر غير العدل
المتبين خبره به و لو بتبين حال الراوي من كونه محترزا عن الكذب و نحوه مما اعتبرت
حجيته في الأحكام الشرعية، لكنه لا يخلو من بحث.
فظهر لك من ذلك كله تمام البحث في أطراف
المسألة و إن أطنب المحدث البحراني في حدائقه فيها زاعما ابتنائها على تحقيق لم
يسبقه اليه غيره عدا السيد نعمة الله الجزائري في رسالة التحفة، و هو أن مدار
الطهارة و النجاسة و الحل و الحرمة على علم المكلف بأسبابها و عدمه حقيقة أو شرعا
لا الواقع، فلا معنى للمتنجس مثلا سوى ذلك لا ملاقاة أعيان النجاسة واقعا و ان لم
يعلم المكلف، فليس هناك نجس واقعا و نجس ظاهرا، بل انما هو أمر واحد، و هو ما علم
المكلف بملاقاته للنجاسة أو جعله الشارع كالعالم.
و فيه- مع مخالفته للنصوص و الفتاوى بل المجمع
عليه بين الأصحاب ان لم يكن ضروريا من عدم مدخلية العلم في تحقق معنى النجاسة، لا
طلاق الأدلة في حصول النجاسة بملاقاة أسبابها، و أن الشيء قد يكون نجسا واقعا
طاهرا ظاهرا و بالعكس، و لذا قد ترتب عليه بعض أحكام كل منهما من الإعادة و غيرها
بعد انكشاف الواقع و ظهوره- انه لا مدخلية لذلك في شيء من أحكام المسألة حتى لو
قلنا بثبوت النجاسة بالظن، إذ يمكن انطباقه على التحقيق المذكور بدعوى كونه أيضا
من الأسباب التعبدية كالشهادة و إخبار ذي اليد و نحوهما.
174
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في تعارض البينتين ؛ ج6، ص : 175
[في تعارض البينتين]
و كيف كان فلو تعارض الخبران أو البينتان على
وجه يكون نافيهما كالمثبت في طهارة شيء و نجاسة ثوب أو إناء أو غيرهما ففي ترجيح
الأولى بالأصل أو الثانية بالنقل، و بإطلاق دليل قبولها من الخبرين السابقين و
غيرهما و عدمه، فيتساقطان، و يستوي في الحكم مع الأول أو يحكمان و يكون كالمشتبه،
فيستوي في الحكم من التطهر به و نحوه مع الثاني أوجه بل أقوال، لا يخلو ثالثها من
قوة.
و أما احتمال الترجيح لأحد الخبرين بالأوثقية
و نحوها من مرجحات الرواية فلم أعرف أحدا احتمله، و لعله لعدم الدليل على اعتبارها
هنا أو لفرض التساوي، أما لو تعارضا في شيئين كالانائين و نحوهما فالمتجه جريان
الأقوال الأربعة السابقة، إلا أني لم أعرف من جزم بالنجاسة هنا و ان كان وجهه
الأخذ بإثبات كل منهما نجاسة كل منهما دون النفي.
بل قد يظهر من جامع المقاصد وجود قائل بذلك،
لكن ضعفه باتفاقهما على طهارة واحد، كما انه ضعف القول بطهارتهما- المحكي عن
الخلاف و المبسوط و المختلف، لتساقطهما بالمعارضة في كل من الإنائين، فيرجع إلى
الأصل السابق، أو لترجيح بنية الطهارة بالأصل- بأنه انما تعارضا في تعيين النجس لا
في حصول النجاسة المتفق عليها عندهما.
و فيه ان العلم يحصل لو لم يختلفا بالمشهود
به، و إلا فبعد الاختلاف كان كل واحد من الإنائين كالإناء المتحد الذي تعارض فيه
البينتان، و قد عرفت أن الأقوى فيه الطهارة، فالقول بها هنا حينئذ قوي كما في كشف
اللثام، كما أن إلحاقهما بالمشتبه كما في القواعد و التذكرة و جامع المقاصد و عن
السرائر و المعتبر و التحرير لا يخلو من وجه، لارتفاع أصل الطهارة بالشهادة على
النجاسة مع تعارض البينتين في مفاديهما، فان كلا منهما يفيد نجاسة إناء و طهارة
الآخر، و هو يعطي الاشتباه، و لأنهما جميعا يثبتان نجاسة ما فيهما، فيجب
اجتنابهما، و ذلك حكم المشتبه، و لا يدفع إحداهما قبول الأخرى،
175
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في قبول إخبار ذي اليد بالنجاسة ؛ ج6، ص : 176
لتقدم الإثبات على النفي، إذ فيه أنه انما
يتقدم عليه إذا ترجح بأنها قد تشاهد ما لم تشاهده الأخرى، بخلاف النفي هنا، فإنه
لا يضعف عن الإثبات، على أن شهادة كل منهما مركبة من الإثبات و النفي، فلا معنى
لتصديقهما في جزء و تكذيبهما في آخر.
هذا كله مع عدم إمكان الجمع، أما مع إمكانه
فلا ريب في العمل به، إذ لا معنى لإسقاط ما هو حجة شرعية من دون معارض، فما عن
الشيخ من القول بالطهارة حتى مع إمكان الجمع في غير محله، إلا أن يكون بناه على
عدم قبول البينة في ثبوت النجاسة، فيخرج حينئذ عما نحن فيه، إذ البحث هنا على
تقدير القبول.
[في قبول إخبار ذي اليد بالنجاسة]
و كالبينة في القبول عندنا إخبار صاحب اليد
المالك بنجاسة ما في يده و ان كان فاسقا كما في المنتهى و القواعد و الموجز و كشف
الالتباس و ظاهر كشف اللثام، بل عن الذخيرة أنه المشهور بين المتأخرين، كما في
الحدائق أن ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه، بل عن الأستاذ أنه «لا ينبغي الشك في قبول
خبره بذلك و بالتطهير كالإباحة و الحظر و نحوهما من الأحكام المشترط فيها العلم»
إلى آخره. لأصالة صدق المسلم، خصوصا فيما كان في يده، و فيما لا يعلم إلا من قبله،
و فيما لا معارض له فيه، و للسيرة المستمرة القاطعة، و لاستقراء موارد قبول إخبار
ذي اليد بما هو أعظم من ذلك من الحل و الحرمة و غيرهما، و لفحوى قبول قوله في
التطهير، بل فعله بل و قوله في التنجيس بالنسبة إلى بدنه، فان الظاهر معروفية
تسليم القبول فيه، كما يومي اليه الاستدلال به في كشف اللثام على ما نحن فيه،
فاحتمال انه من أفراد إخبار ذي اليد بما في يده من الإناء و نحوه، فيجري فيه ما
يجري فيه ضعيف.
قيل و لما يشعر به
قول أبي الحسن (عليه السلام) في خبر إسماعيل
بن عيسى «1»
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 5- من أبواب النجاسات- الحديث 7.
176
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في قبول إخبار ذي اليد بالنجاسة ؛ ج6، ص : 176
جواب سؤاله عن جلود الفراء يشتريها الرجل من
أسواق المسلمين يسأل عن ذكاته إذا كان البائع غير عارف: «عليكم أن تسألوا
عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، و إذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا عنه»
الحديث. من قبول قول المسؤول لو سئل، بل قد
يدعى دلالتها على قبوله حتى لو كان مشركا بناء على كون المراد من الخبر سؤال
المشرك، بمعنى أنه يسأل فيقبل إن أجاب أنها من ذبائح المسلمين، و لا يقبل إن لم
يكن كذلك كما فهمه الخوانساري و غيره.
لكنه قد يناقش فيه حينئذ بمنع قبول قول المشرك
في تذكية المسلم بحيث يقطع به أصالة عدمها، و بأن قبول قوله في عدمها إن أجاب به
للأصل لا لكونه صاحب يد، بل قد تتجه المناقشة بالأخير حتى لو قلنا ان المسؤول في
الخبر المسلم كما فهمه في الحدائق على معنى عليكم سؤال البائع المسلم إذا كان في
السوق مشرك يبيعها حينئذ، لاحتمال شراء المسلم لها منه حينئذ، أما إذا رأيتموه يصلي
فيها فلا تسألوه بعد الإغضاء عن سماجة ما ذكره، إذ يتجه أن يقال حينئذ إن قبول
قوله لو سئل انما هو لأصالة عدم التذكية التي قطعها ظاهر يد المسلم الذي صرفنا عن
التمسك به قوله، فلا يقاس عليه ما نحن فيه من إخبار صاحب اليد بالنجاسة المنافية
لأصالة الطهارة و عموماتها.
و من هنا تتضح لك المناقشة في جميع ما استدل
به لهذا الحكم من الأخبار «1» المتضمنة للنهي عن السؤال عند شراء الفراء
و الجلود و ان اشتمل بعضها على التعليل بأن الدين أوسع من ذلك، و أن الخوارج
ضيقوا على أنفسهم.
و لعله لذا قال في الذخيرة و شرح الدروس: إني
لم أقف له على دليل، كما عن نهاية الأحكام الإشكال فيه، بل هو في المنتهى و
التذكرة و إن أفتى بالقبول لكنه عبر عن ذلك فيهما بالأقرب مما يشعر بعدم قطعية
الحكم عنده، بل في الأخير قيد قبوله
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 50- من أبواب النجاسات- الحديث 3 و 6.
177
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في قبول إخبار ذي اليد بالنجاسة ؛ ج6، ص : 176
بما إذا أخبر بنجاسة الإناء مثلا قبل الطهارة
لا بعدها، فإنه لا يقبل حينئذ.
و لعل وجهه لأنه قد خرج من يده بالاستعمال،
فلا يقبل إخباره بنجاسته و إن كان خبره عنه بذلك في حال كونه بيده، فكان بالحقيقة
إخبار بنجاسة الغير، فلا يلتفت اليه كما لا يلتفت إلى قول البائع باستحقاق المبيع
للغير، و ل
صحيحة العيص بن القاسم «1» «سأل
الصادق (عليه السلام) عن رجل صلى في ثوب رجل أياما، ثم إن صاحب الثوب أخبره أنه لا
يصلى فيه، فقال: لا يعيد شيئا من صلاته».
و المناقشة فيه باحتمال كون المانع غير
النجاسة من الغصب و نحوه مدفوعة بترك الاستفصال ان لم يكن ظاهرا في كون المانع
النجاسة».
نعم قد يناقش فيه بأن عدم الإعادة لعله للجهل
بالنجاسة بناء على معذورية الجاهل حتى في الوقت، بل و بالدليل السابق بعدم التفاوت
بعد اعتبار قوله و حجيته شرعا بين تأخره عن الاستعمال و تقدمه كالبينة، و بأن
قضيته عدم القبول حتى قبل الاستعمال بعد شرائه منه و نحوه مما يكون سببا لخروجه عن
يده.
إلا أنه قد يدفع ذلك كله بأن العمدة في
الاستدلال له أصالة الطهارة و عموماتها المعلقة للخروج عنها بالعلم أو ما يقوم
مقامه، خصوصا خبرا البينة المتقدمان، مع عدم ثبوت قيام إخبار صاحب اليد بعد
الاستعمال مقامه، كما أن ذلك وجه عدم قبوله مطلقا حتى لو كان في يده.
لكن قد عرفت ضعف الأخير للأدلة السابقة من
أصالة القبول و غيرها، بل قد يشعر به أيضا مضافا إلى ذلك النهي عن الاعلام في
خبر عبد الله بن بكير «2» «سأل
الصادق (عليه السلام) عن رجل أعار رجلا ثوبا فصلى فيه و هو لا يصلي فيه، قال:
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 40- من أبواب النجاسات- الحديث 6.
(2) الوسائل- الباب- 47- من أبواب النجاسات-
الحديث 3.
178
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في قبول إخبار ذي اليد بالنجاسة ؛ ج6، ص : 176
لا يعلمه ذلك، قلت: فإن أعلمه قال: يعيد»
بل أمره بالإعادة في ذيله كالصريح في ذلك، بل
في خلاف ما قاله العلامة في التذكرة أيضا، لكنه مبني على وجوب إعادة الجاهل و
قضائه، و من هنا كان الاستدلال به عليه لا يخلو من نظر.
نعم قد يتجه الاستدلال بإشعار النهي فيه عن
الاعلام بالقبول لو أعلم على قبول إخبار ذي اليد قبل الاستعمال، كما أنه قد يتجه
الاستدلال بما في الحدائق من أنه ورد النهي عن السؤال في بعض الأخبار «1» الواردة
في الجبن، حيث أنه أعطى الخادم درهما و أمره أن يبتاع به من مسلم جنبا، و نهاه
عن السؤال، إذ لو لا قبول إخبار ذي اليد المسؤول لم يكن وجه للنهي عنه.
فالأقوى حينئذ القبول حال بقاء العين في يده،
لا إذا خرجت من يده، اقتصارا فيما خالف الأصل على محل اليقين، كما أنه ينبغي
الاقتصار على المتيقن من ذي اليد و ان اختلفت عبارات من تعرض له، فمنها علقت الحكم
على المالك، و منها على ذي اليد، و منها ما جمعت بينهما لكن بعطف ذي اليد على
المالك، فقالت: يقبل خبر المالك و ذي اليد، و ان كان يقوى في النظر عموم القبول
لكل مستول على عين شرعا لملك أو وكالة أو إجارة أو أمانة أو ولاية و نحوها، بل قد
يدور في الذهن قبول الغاصب الذي هو كالمتملك عرفا، لمكان تسلطه و تصرفه على ما في
يده نحو ثياب الظلمة و عمالهم و أوانيهم و دورهم و فرشهم و نحوها، و إن كان أصل
استيلائهم عليها بغصب منهم أو آبائهم لها أو لأثمانها، ضرورة عدم مدخلية الملك أو
التسلط الشرعي في قبول القول بالتنجيس، خصوصا إن قلنا إن منشأه أصالة صدق المسلم و
صحة قوله.
بل قد يؤيده جريان السيرة و الطريقة في قبول
قولهم بالتطهير لو تنجست الأمور المذكورة عندهم، مع انه لا مدرك له إلا كونهم
أصحاب يد.
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 61- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
179
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في قبول إخبار ذي اليد بالنجاسة ؛ ج6، ص : 176
بل قد يقوى في النفس عموم اليد في النجاسة
لنحو أمهات الأولاد و مربياتهم، فيقبل إخبار هن في نجاسة ثيابهم و أبدانهم و
نحوهما.
و الحاصل ان تنقيح المراد باليد في المقام في
غاية الاشكال، و العجب من الأصحاب كيف أغفلوا تحرير ذلك مع كثرة أفراده و تشتتها،
و عدم وضوح مدرك لشيء منها، و شدة الابتلاء بجملة منها، خصوصا في مثل ذوي الأيدي
الشركاء بالأشياء المائعة من الدهن و الدبس و نحوهما إذا أخبر أحدهم شركاءه
بنجاستها، كما أنهم أغفلوا تحرير الحكم أي القبول، و لم يتعبوا أقلامهم في بيان
مدركه، و لعله لوضوح الأمر لديهم و إن خفي علينا.
و هل يختص قبول قول ذي اليد بالمسلم و ان كان
فاسقا عبدا أو امرأة أو يعمه و الكافر؟ وجهان.
و حكم ثبوت التطهير حكم التنجيس من العدل
الواحد و البينة و غيرهما، لاتحاد المدرك، فما في كشف الأستاذ من قبول العدل في
التطهير دون التنجيس لا يخلو من نظر.
نعم قد يحتمل الفرق بذلك في خصوص صاحب اليد
لوضوح الأدلة فيه دون التنجيس، كما يومي إلى ذلك قطع الفاضل في التذكرة و عن
النهاية بقبوله في الطهارة، و جعله الأقرب ذلك في التنجيس في الأولى و إشكاله فيه
في الثانية، كما أنه في المنتهى جعل الوجه القبول في الطهارة و القرب في النجاسة.
لكن على كل حال ينبغي القطع بقبول إخبار صاحب
اليد بتطهيره ما في يده من النجاسة العارضة، كما هو ظاهر الكتب المتقدمة، بل هو
صريح بعضها لأكثر الأدلة السابقة مع زيادة العسر و الحرج، و تظافر الأخبار «1» بطهارة ما
يوجد في أسواق المسلمين من الجلود و اللحم و نحوهما، بل هي ظاهرة في الاكتفاء في
ذلك بظاهر أفعالهم
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 50- من أبواب النجاسات.
180
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في قبول إخبار ذي اليد بالنجاسة ؛ ج6، ص : 176
المنزلة على أصالة الصحة حتى يعلم الخلاف،
فضلا عن أن تقرن بأقوالهم، بل هو أولى من الحكم بطهارة بدن المسلم و ثيابه بغيبته
و إن لم يقل أو يفعل ما يستلزم الاخبار بذلك، فالحاصل قبول قوله في التطهير مما لا
ينبغي الإشكال فيه.
نعم قد يتجه الإشكال في موضوعه بنحو ما تقدم
من الاشكال السابق، و لعله لذا حكي عن الأمين الأسترابادي و السيد نعمة الله
الجزائري أنهما حكيا عن جملة من علماء عصريهما أنهم كانوا إذا أرادوا إعطاء ثيابهم
للقصارين لتطهيرها يهبونها إياهم أو يبيعونها ثم يستردونها منهم بنحو ذلك تخلصا من
شبهة استصحاب النجاسة، لتوقف انقطاعه على العلم أو ما يقوم مقامه من البينة أو خبر
العدل على إشكال فيه أو إزالة المالك نفسه مع عدم ثبوت قيام خبر مطلق الوكيل و ان
لم يكن عدلا مقامه، لعدم ثبوت كونه من ذوي اليد المقبولة إخباراتهم، إذ المعلوم
منها المالك.
و فيه- مع مخالفته للسيرة المستقيمة القطعية
في سائر الأعصار و الأمصار المأخوذة يدا عن يد في تطهير الجواري و النساء و نحوهم
ثياب ساداتهن و رجالهن، بل لعل ذلك من الضروريات التي هي بمعزل عن نحو هذه
التشكيكات- ان تتبع الأخبار بعين الانصاف و الاعتبار يورث القطع بالاكتفاء بنحو
ذلك، و بأن كل ذي عمل مؤتمن على عمله، كالأخبار الواردة في القصارين «1» و الجزارين «2» و الجارية «3» المأمورة
بتطهير ثوب سيدها، و ان الحجام مؤتمن في تطهير موضع الحجامة «4» و نحو ذلك،
فضلا عن عموم أدلة الوكالة و تصديق الوكيل فيما و كل فيه. فحينئذ لا حاجة للحكم
بالتطهير في
______________________________
(1)
الوافي- باب التطهير من مس الحيوانات- من أبواب الطهارة.
(2) الوسائل- الباب- 29- من أبواب الذبائح-
الحديث 1 من كتاب الصيد و الذبائح.
(3) الوسائل- الباب- 18- من أبواب النجاسات-
الحديث 1.
(4) الوسائل- الباب- 56- من أبواب النجاسات-
الحديث 1.
181
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في وجوب غسل كل موضع حصل فيه الاشتباه ؛ ج6، ص : 182
الحكم المذكور إلى دعوى الدخول في ذي اليد.
و كيف كان فلا حاجة للإطناب و الإسهاب و تكثير
السؤال و الجواب، و إن أطنب فيه بعض متأخري المتأخرين، و لعله لظهور الخلاف في ذلك
من المعالم، حيث كان ظاهره حصر القائم مقام العلم في عود المتنجس للطهارة بالبينة
و العدل الواحد في احتمال.
نعم قد يتوقف في قبول تطهير الغير بالنسبة إلى
ما هو متعارف في زماننا من غسل النساء و الجواري و نحوهم الثياب و الأواني من غير
إذن، و لعل الفحوى أو كالفحوى في المقام كافية للسيرة المستقيمة و أصالة الصحة في
القول و الفعل، بل قد يدخل نحوهم في ذوي الأيدي بعد تفسيره بالمستولى باذن شرعية و
لو بفحوى من المالك و نحوها، بل قد عرفت احتمال الدخول في نحو الغاصب المتقدم
حاله، فتأمل جيدا، فان المقام و إن كان مجمله من الواضحات، لكن جملة من أفراده لا
يخلو من بعض الإشكالات، كما أشرنا إلى بعض ذلك، و إنا و إن طال بنا الكلام في هذه
المسائل مع عدم تمام ارتباطها بما في المتن من وجوب الغسل مع العلم بموضع النجاسة
إلا أنها لا تخلو من تعلق ما، لاحتمال الاكتفاء في معلومية موضع النجاسة بما يثبت
به أصل النجاسة من إخبار العدل بناء على قبوله أو البينة أو صاحب اليد و نحوها مما
عرفت.
[في وجوب غسل كل موضع حصل فيه الاشتباه]
و أما إن جهل محل النجاسة
فلم يعلمه بأحد الأمور المفيدة له شرعا غسل كل موضع يحصل فيه الاشتباه ليكون على
يقين من طهارته، كما في
صحيحة زرارة الطويلة «1» قلت: «فاني قد
علمت أنه أصابه و لم أدر أين هو فأغسله، قال:
تغسل ثوبك من الناحية التي ترى أنه قد
أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك».
و إضمار المسؤول- مع عدم قدحه عندنا كما عرفته
غير مرة، خصوصا من مثل زرارة المعلوم عدم أخذه أحكامه من غير الامام (عليه
السلام)، و خصوصا في مثل هذا
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 7- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
182
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في وجوب غسل كل موضع حصل فيه الاشتباه ؛ ج6، ص : 182
الخبر المشتمل على سؤالات متعددة المقترن
بقرائن كثيرة تشهد بكونه من الامام (عليه السلام)- يدفعه ما عن الصدوق (رحمه الله)
انه رواه في كتاب علل الشرائع بطريق حسن مسندا إلى الباقر (عليه السلام).
كالمناقشة فيه بظهوره في اعتبار التحري من حيث
تعليق الحكم فيه بالرؤية التي هي أعم من العلم، لاندفاعها بإرادة العلم منها بشهادة
التعليل إن لم تكن ظاهرة في ذلك بنفسها.
بل ينبغي القطع بذلك بملاحظة اعتضاده بصحيحتي
محمد بن مسلم «1»
و ابن أبي يعفور «2» عن أحدهما
(عليهما السلام) و الصادق (عليه السلام) «في المني يصيب الثوب فان عرفت
مكانه فاغسله، و ان خفي عليك فاغسله كله».
ك
حسن الحلبي أو صحيحه «3» عن الصادق
(عليه السلام) «إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه مني فليغسل الذي أصابه، و إن ظن أنه
أصابه مني و لم يستيقن و لم ير مكانه فلينضحه بالماء، و ان استيقن أنه قد أصابه و
لم ير مكانه فليغسل الثوب كله فإنه أحسن»
و إشعار تعليله- بعدم الوجوب بعد إعراض
الأصحاب عنه للإجماع المحكي صريحا في المنتهى و التذكرة و الرياض و عن غيرها و
ظاهرا في المعتبر إن لم يكن محصلا على الوجوب المعتضد بنفي الخلاف عنه فيه في
المعالم و الذخيرة- لا يصلح للحكم به على غيره.
فلا حاجة حينئذ للاستدلال على المطلوب بعد ذلك
باستصحاب بقاء يقين المنع إلى حصول اليقين بالزوال المتوقف على غسل الجميع، حتى
يناقش فيه بأن يقين النجاسة يرتفع بغسل جزء مما وقع فيه الاشتباه يساوي قدر
النجاسة و ان لم يحصل القطع بغسل ذلك المحل بعينه، و بأنه عند التأمل بعد فرض غسل
الجزء من استصحاب الجنس المعلوم عدم حجيته، و إن أمكن اندفاعها بأن المعتبر بعد
يقين الشغل يقين البراءة لا عدم يقين
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 16- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
(2) الوسائل- الباب- 16- من أبواب النجاسات-
الحديث 6.
(3) الوسائل- الباب- 16- من أبواب النجاسات-
الحديث 4.
183
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في وجوب غسل كل موضع حصل فيه الاشتباه ؛ ج6، ص : 182
الشغل، كما أشارت إلى ذلك صحيحة
زرارة السابقة «1» بل هو واضح في سائر ما كان من قبيل هذه المقدمات و موارد
مثله من الاستصحابات أيضا، كوضوح عدم كونه من استصحاب الجنس بحيث لا يحتاج إلى
بيان.
لكن قد تقدم لنا في البحث عن الإنائين
المشتبهين ما يصلح التأييد به للمناقشة السابقة، بل تقدم ماله مزيد نفع في غير ذلك
أيضا من الأبحاث التي تعرض لها بعضهم هنا حتى الملاقي للمشتبه، فانا قد ذكرنا هناك
أن الأقوى فيه بقاؤه على استصحاب الطهارة و عدم إلحاقه بالمشتبه، كما هو ظاهر
الأدلة، فلا يجب اجتنابه و إن احتملنا فيه ذلك أيضا، لما تقدم في محله، فيكون
كالمشتبه في وجوب اجتنابه و غسله مع الإمكان، لكن قد يظهر هنا من الأستاذ الأكبر
في شرحه على المفاتيح الميل إلى حرمة مباشرة المشتبه و ان لم يجب عليه غسل الملاقي
بعد عصيانه، و وجهه غير واضح.
هذا إن لاقى المشتبه ثوب واحد مثلا، أما لو
لاقاه ثوبان أو أثواب بحيث علم ملاقاة أحدها للنجس منه فلا ريب في جريان حكم
المشتبه الأصلي عليه، بل هو من أفراده، نعم لو لاقاه بدنا مكلفين لم يجب على
أحدهما غسل يده مثلا و ان علما نجاسة أحدهما على الاجمال، لوضوح عدم جريان المقدمة
هنا، بل يكونان كواجدي المني في الثوب المشترك، بل و كذا لو لاقاه ثوبا هما كما
جزم به كسابقه الأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح، لاستصحاب كل منهما طهارة ثوبه و
بدنه، و عدم تعلق الخطاب بمعين منهما بالاجتناب عن ثوبه أو بدنه النجس المعين أو
المردد.
قلت: لكن قد يشكل الأخير بأن الخطاب بالاجتناب
لا يتوقف على كون الثوب مملوكا للمكلف، بل يكفي فيه تقدير تمكنه من ذلك بإعارة و
إجارة و نحوهما،
______________________________
(1)
الوسائل- الباب- 7- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
184
جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام6
في غسل الثوب و البدن مرتين ؛ ج6، ص : 185
بل الظاهر تحققه مع تعذرهما أيضا، لظهور كون
النجاسة من قبيل الخطاب بالوضع الذي لا يتوقف على تحقق ذلك، و إلا فبناء على ما
ذكره يتجه صحة صلاة كل منهما و وضوئه بكل من ثوبيهما و إناءيهما مع قطعهما بوقوع
النجاسة على أحدهما، و كأنه واضح البطلان، خصوصا بعد إطلاق الأدلة بالإراقة و
نحوها من دون تقييد باتحاد المالك، بل قد يتجه عليه صحة ذلك مع اتحاد المالك إذا
أخرج أحدهما عن ملكه ببيع و نحوه، اللهم إلا أن يفرق بتحقق تكليف المعين فيه دون
الأول، فلا يجدي في انقطاع الاستصحاب الانتقال العرضي، كما لا يجدي إراقة أحدهما
في الأرض أو في ماء كثير في استصحاب التكليف باجتناب الباقي و ان لم يكن يقين نجس،
و هو لا يخلو من وجه، كما أنه لا يخلو من كلام يعرف مما ذكرناه في بحث الإناءين،
فلاحظ.
[في غسل الثوب و البدن مرتين]
في غسل الثوب و البدن من البول مرتين بالماء
القليل عدا محل الا