×
☰ فهرست و مشخصات
موسوعة الإمام الخوئي15

تتمة كتاب الصلاة ؛ ج 15، ص : 1

 

الجزء الخامس عشر

[تتمة كتاب الصلاة]

[فصل في الرّكوع]

فصل في الرّكوع يجب في كل ركعة من الفرائض و النوافل ركوع واحد إلّا في صلاة الآيات ففي كل ركعة من ركعتيها خمس ركوعات كما سيأتي، و هو ركن تبطل الصلاة بتركه عمداً كان أو سهواً، و كذا بزيادته في الفريضة إلّا في صلاة الجماعة فلا تضر بقصد المتابعة (1).

______________________________
(1) الركوع لغة
«1» هو مطلق الانحناء و تطأطؤ الرأس، يقال ركع الشيخ، أي انحنى من الكبر، سواء أ كان حسِّياً كالمثال أو معنوياً كمن أكبّه الدّهر فصار فقيراً بعد أن كان غنيّاً، فيقال ركع زيد، أي انحطّت حالته، و في الشرع انحناء مخصوص كما ستعرف.

و لا إشكال بضرورة الدين في وجوبه مرّة واحدة في كل ركعة من الفرائض و النوافل، بل باعتباره سمِّيت الركعة ركعة، ما عدا صلاة الآيات فيجب في كل ركعة من ركعتيها خمس ركوعات كما سيأتي الكلام عليها في محلّها إن شاء اللّٰه تعالى «2».

و لا ينبغي الإشكال في أنّه ركن، بل ممّا تتقوّم به حقيقة الصلاة و ماهيّتها‌

______________________________
(1) لسان العرب 8: 133، مجمع البحرين 4: 339.

(2) شرح العروة 16/ بعد المسألة [1752].

 

1
موسوعة الإمام الخوئي15

و واجباته أمور ؛ ج 15، ص : 2

 

[و واجباته أُمور]

و واجباته أُمور:

[أحدها: الانحناء على الوجه المتعارف]

أحدها: الانحناء على الوجه المتعارف بمقدار تصل يداه إلى ركبتيه وصولًا لو أراد وضع شي‌ء منهما عليهما لوضعه، و يكفي وصول مجموع أطراف الأصابع التي منها الإبهام على الوجه المذكور، و الأحوط الانحناء بمقدار إمكان وصول الراحة إليها، فلا يكفي مسمّى الانحناء (1).

______________________________
بحيث ينتفي بانتفائه الاسم كما يشهد به حديث التثليث، «قال (عليه السلام): الصلاة ثلاثة أثلاث: ثلث طهور، و ثلث ركوع، و ثلث سجود»
«1» فهو دخيل في المسمّى و ركن فيه. و مع الغض فلا شك في كونه ركناً في المأمور به، بمعنى أنّ الإخلال به من حيث النقص عمداً أو سهواً موجب للبطلان كما يشهد به حديث لا تعاد، و يأتي الكلام عليه في بحث الخلل إن شاء اللّٰه تعالى «2».

و أمّا الإخلال من حيث الزيادة، فهو و إن لم يكن معتبراً في صدق الركن لعدم إناطته إلّا بالإخلال من حيث النقص فحسب كما عرفت سابقاً، إلّا أنّه لا شك في قادحية الإخلال به من حيث الزيادة أيضاً عمداً أو سهواً كما سيجي‌ء في محلّه أيضاً «3»، إلّا في صلاة الجماعة فيغتفر فيها الزيادة بقصد المتابعة كما ستعرفه في مبحث الجماعة «4».

(1) قد عرفت أنّ الركوع لغة هو مطلق الانحناء، و في الشرع انحناء خاص فهو في إطلاق الشارع على ما هو عليه من المعنى اللّغوي غايته مع اعتبار بعض القيود كما ستعرف. و عن صاحب الحدائق «5» دعوى ثبوت الحقيقة الشرعية فيه‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 310/ أبواب الركوع ب 9 ح 1.

(2) شرح العروة 18: المسألة [2015].

(3) شرح العروة 18: المسألة [2012].

(4) شرح العروة 17: المسألة [1931].

(5) الحدائق 8: 236.

 

2
موسوعة الإمام الخوئي15

أحدها: الانحناء على الوجه المتعارف ؛ ج 15، ص : 2

..........

______________________________
في قبال اللّغة، مستشهداً له بموثقة سماعة قال: «سألته عن الركوع و السجود هل نزل في القرآن؟ قال: نعم، قول اللّٰه عزّ و جلّ
يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا ... إلخ «1» و بصحيحة محمّد بن قيس «2» الواردة بهذا المضمون.

و ليت شعري أيّ دلالة في الروايتين على ثبوت الحقيقة الشرعية، فإنّ غاية مفادهما ورود الركوع في القرآن، و هل هذا إلّا كورود البيع فيه بقوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «3» فهل مجرّد ذلك يقتضي ثبوت الحقيقة الشرعية، و هل يلتزم بمثله في البيع و نحوه من ألفاظ المعاملات الواردة في القرآن. فالإنصاف أنّ هذه الدعوى غريبة جدّاً، بل الصحيح أنّ الركوع يطلق في لسان الشرع على ما هو عليه من المعنى اللّغوي، غايته مع اعتبار بعض القيود كما هو الحال في البيع و نحوه.

و كيف كان، فلا ينبغي الإشكال في عدم كفاية مطلق الانحناء في تحقّق الركوع الواجب في الصلاة، بل إنّ هذا مسلّم مفروغ عنه عند جميع فرق المسلمين، عدا ما ينسب إلى أبي حنيفة «4» من الاكتفاء بذلك و هو متفرِّد به.

إنّما الكلام في تحديد المقدار الواجب، فالمشهور ما ذكره في المتن من الانحناء بمقدار تصل يداه إلى ركبتيه بحيث لو أراد وضع شي‌ء منهما عليهما لوضعه، بل ادّعي الإجماع عليه في كثير من الكلمات و إن اختلف التعبير باليد تارة و بالكف اخرى، و بالراحة ثالثة. و قد استدلّ له بوجوه.

أحدها: قاعدة الاحتياط، فانّ فراغ الذمّة عن عهدة التكليف المعلوم‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 312/ أبواب الركوع ب 9 ح 7.

(2) الوسائل 6: 311/ أبواب الركوع ب 9 ح 6 لكن الموجود فيه و في التهذيب [2: 97/ 362] و الوافي [8: 692/ 6880] خال عن ذاك المضمون الّذي حكاه في الحدائق [8: 235] عن الشيخ.

(3) البقرة 2: 275.

(4) المجموع 3: 410، حلية العلماء 2: 117، بدائع الصنائع 1: 162.

3
موسوعة الإمام الخوئي15

أحدها: الانحناء على الوجه المتعارف ؛ ج 15، ص : 2

..........

______________________________
لا يتحقّق إلّا بالبلوغ إلى هذا الحد.

و فيه أوّلًا: أنّ المورد من دوران الأمر بين الأقل و الأكثر الارتباطيين و المقرّر فيه هو البراءة دون الاشتغال.

و ثانياً: مع الغض، يدفعه إطلاقات الأدلّة، لما عرفت من صدق الركوع على مطلق الانحناء، و عدم ثبوت الحقيقة الشرعية، فلو أغضينا النظر عن بقية الأدلّة كان مقتضى الإطلاق الاجتزاء بمسمّى الانحناء كما يقول به أبو حنيفة و لا تصل النوبة إلى الأصل كي يقتضي الاشتغال.

الثاني: الإجماع المنقول كما ادّعاه غير واحد على ما مرّ. و فيه: مضافاً إلى عدم حجّيته في نفسه و إلى وهن دعواه حيث ذكر المجلسي في البحار «1» أنّ المشهور هو الاجتزاء ببلوغ أطراف الأصابع، أنّه معارض بنقل الإجماع على الخلاف كما ادّعاه بعض فيسقطان بالمعارضة.

الثالث: و هو العمدة، الروايات:

منها: صحيحة حماد قال فيها: «ثمّ ركع و ملأ كفّيه من ركبتيه مفرّجات ثمّ قال (عليه السلام) في ذيلها: يا حماد هكذا صلّ» «2» و ظاهر الأمر الوجوب.

و منها: صحيحة زرارة: «... و تمكن راحتيك من ركبتيك و تضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى» «3».

و منها: صحيحته الأُخرى: «... فإذا ركعت فصفّ في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر و تمكّن راحتيك من ركبتيك و تضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى ...» إلخ «4».

______________________________
(1) البحار 82: 119.

(2) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(3) الوسائل 6: 295/ أبواب الركوع ب 1 ح 1.

(4) الوسائل 5: 461/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

4
موسوعة الإمام الخوئي15

أحدها: الانحناء على الوجه المتعارف ؛ ج 15، ص : 2

..........

______________________________
و منها: النبوي الّذي رواه الجمهور عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) قال «قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) إذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك» «1».

و الجواب: أنّ دلالة هذه النصوص على المدّعى قاصرة مضافاً إلى ضعف سند النبوي إذ لا تعرّض فيها لبيان حدّ الانحناء بالدلالة المطابقية، و إنّما مدلولها المطابقي وجوب وضع الكف أو الراحة على الركبتين المستلزم بطبيعة الحال للانحناء بهذا المقدار، فالتحديد بذلك مستفاد منها بالدلالة الالتزامية، و حيث إنّا نقطع بعدم وجوب وضع اليد على الركبتين حال الركوع لا لمجرّد الإجماع المدّعى على العدم، بل للتصريح به في نفس صحيحة زرارة الأخيرة و أنّ ذلك أحب إليه (عليه السلام) قال «و أحب إليّ أن تمكن كفّيك من ركبتيك» فالدلالة المطابقية ساقطة لا محالة، و بتبعها تسقط الدلالة الالتزامية، لمتابعتها لها في الوجود و الحجّية كما تقرّر في محلّه «2»، و عليه فلا دلالة في شي‌ء من هذه النصوص على تحديد الانحناء بهذا المقدار، هذا.

و ربّما يستدل له كما في مصباح الفقيه «3» برواية عمار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «عن الرجل ينسى القنوت في الوتر أو غير الوتر، فقال: ليس عليه شي‌ء، و قال: إن ذكره و قد أهوى إلى الركوع قبل أن يضع يديه على الركبتين فليرجع قائماً و ليقنت ثمّ ليركع، و إن وضع يديه على الركبتين فليمض في صلاته و ليس عليه شي‌ء» «4».

دلّت على أنّ تدارك القنوت المنسي إنّما يمكن ما لم يدخل في الركوع، و أنّ الضابط في الدخول فيه الانحناء بمقدار تصل يداه إلى الركبتين، فان بلغ هذا‌

______________________________
(1) المعتبر 2: 193 و فيه «على ركبتك».

(2) محاضرات في أُصول الفقه 3: 71 74.

(3) مصباح الفقيه (الصلاة): 326 السطر 34.

(4) الوسائل 6: 286/ أبواب القنوت ب 15 ح 2.

5
موسوعة الإمام الخوئي15

أحدها: الانحناء على الوجه المتعارف ؛ ج 15، ص : 2

..........

______________________________
الحد فقد دخل في الركوع و فات محل التدارك حذراً عن زيادة الركن، و إلّا فلم يدخل فيه و له التدارك، قال (قدس سره) فتكون هذه الموثقة بمنزلة الشرح لموثقته الأُخرى عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام)
«1».

و الإنصاف: أنّ هذه أصرح رواية يمكن أن يستدل بها على هذا القول و لكنّها أيضاً غير صالحة للاستدلال.

أمّا أوّلًا: فلضعفها سنداً و إن عبّر المحقِّق الهمداني (قدس سره) بالموثقة لأنّ في السند علي بن خالد و لم يوثق بل هو مهمل.

و أمّا ثانياً: فلقصور الدلالة، فإنّ ظاهرها متروك قطعاً، لظهورها في أنّ الميزان في تحقّق الركوع المانع عن التدارك وضع اليدين على الركبتين حيث أُنيط فيها الرجوع إلى القنوت و عدمه بوضع اليدين و عدمه، مع أنّ الوضع غير معتبر في حقيقة الركوع قطعاً، فإنّه مهما بلغ هذا الحد لم يجز له الرجوع، سواء وضع يديه على الركبتين أم لا بلا إشكال، فظاهرها غير ممكن الأخذ، و لا دليل على تأويلها بإرادة بلوغ هذا الحد من وضع اليدين ثمّ الاستدلال بها.

فتحصّل: أنّه لم ينهض دليل يمكن المساعدة عليه على هذا القول. فالأقوى وفاقاً لجمع من الأصحاب كفاية الانحناء حدّا تصل أطراف أصابعه الركبتين و إن لم تصل الراحة إليهما، بل قد سمعت من المجلسي نسبته إلى المشهور.

و يدلُّ عليه صريحاً مضافاً إلى الإطلاقات النافية للأكثر الصحيحة الثانية لزرارة المتقدِّمة قال (عليه السلام) فيها: «فان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك و أحب إليّ أن تمكن كفّيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة و تفرج بينهما ...» إلخ «2» فانّ التعبير بالإجزاء صريح في كفاية هذا‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 286/ أبواب القنوت ب 15 ح 3.

(2) الوسائل 5: 461/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

6
موسوعة الإمام الخوئي15

أحدها: الانحناء على الوجه المتعارف ؛ ج 15، ص : 2

..........

______________________________
المقدار في حصول الانحناء الواجب في الركوع، و أنّ الزائد عليه فضل و ندب كما صرّح به بقوله (عليه السلام) «و أحب إلىّ ...» إلخ. و بذلك يحمل الأمر في صحيحته الاولى و كذا صحيحة حماد المتقدِّمتين على الاستحباب.

و يؤيِّده ما نقله المحقِّق في المعتبر و العلّامة في المنتهي عن معاوية بن عمار و ابن مسلم و الحلبي قالوا: «و بلغ بأطراف أصابعك عين الركبة ...» إلخ «1» لكنّها مرسلة بالنسبة إلينا، و إن استظهر صاحب الحدائق «2» أنّ المحقِّق قد نقلها من الأُصول التي عنده و لم تصل إلينا إلّا منه، فإنّه لو سلّم ذلك لا تخرج الرواية عن كونها مرسلة بالإضافة إلينا كما لا يخفى. فالعمدة هي صحيحة زرارة المتقدِّمة المؤيّدة بهذه الرواية.

و لا فرق في صحّة الاستدلال بها على المطلوب بين استظهار كونها مسوقة لبيان حدّ الانحناء المعتبر في الركوع بجعل الوصول طريقاً إلى معرفة ذلك الحد كما هو الظاهر منها و بين دعوى كونها مسوقة لبيان جعل البدل و أنّ إيصال الأصابع إلى الركبة بدل عن وضع اليد عليها من غير تعرّض لبيان الحد فيها أصلًا كما قيل.

أمّا على الأوّل فواضح جدّاً كما عرفت. و أمّا على الثاني فكذلك و إن لم يكن بذلك الوضوح، إذ قد يقال بناءً عليه بعدم المنافاة بينها و بين الصحيحة الأُولى لزرارة المتضمِّنة لتحديد الانحناء بما يشتمل على وضع اليدين على الركبتين غايته أنّ المستفاد من هذه الصحيحة عدم لزوم وضع تمام اليد و الاكتفاء بوضع أطراف الأصابع بدلًا عنه، فيحمل وضع تمام اليد فيها على الاستحباب مع‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 335/ أبواب الركوع ب 28 ح 2، المعتبر 2: 193، المنتهي 1: 281 السطر 36.

(2) الحدائق 8: 237.

7
موسوعة الإمام الخوئي15

أحدها: الانحناء على الوجه المتعارف ؛ ج 15، ص : 2

..........

______________________________
الالتزام بلزوم الانحناء بذاك المقدار عملًا بتلك الصحيحة، لعدم المنافاة بينهما من هذه الجهة كما مرّ.

و فيه: ما عرفت من أنّ الانحناء بمقدار يتمكّن من وضع اليد على الركبة إنّما استفيد من تلك الصحيحة بالدلالة الالتزامية، فإذا بنى على سقوط الدلالة المطابقية و عدم وجوب وضع اليد عليها و لو من أجل جعل البدل المستفاد من هذه الصحيحة سقطت الدلالة الالتزامية قهراً، لما تقدّم من تبعيتها للمطابقية في الوجود و الحجّية. إذن لا دليل على التحديد ببلوغ اليد إلى الركبة، فلا فرق في صحّة الاستدلال بين الأمرين و إن كان على الأوّل أوضح و أظهر كما عرفت.

نعم، بينهما فرق من ناحية أُخرى و هو أنّه بناءً على الأوّل و استظهار كونها في مقام التحديد كما هو الصحيح فهي بنفسها تدل على نفي الزائد و عدم وجوب الانحناء أكثر من ذلك. و أمّا على الثاني فحيث إنّ النظر فيها مقصور على جعل البدل حسب الفرض فلا تعرّض فيها بالنسبة إلى الزائد نفياً و لا إثباتاً، و بما أنّ الصحيحة الأُولى أيضاً ساقطة الدلالة بالإضافة إليه كما عرفت آنفاً، فيتمسّك حينئذ بأصالة البراءة لنفيه، إذ المتيقّن إنّما هو الانحناء بمقدار تصل أطراف الأصابع إلى الركبتين لوجوب هذا المقدار على كلّ حال، و أمّا الزائد عليه فمشكوك يدفع بأصالة البراءة كما هو المقرّر في الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطيين.

و قد يقال بعدم التفاوت بين التحديدين، و عدم التنافي بين الصحيحتين، إذ المذكور في هذه الصحيحة بلوغ الأصابع، و هو جمع محلّى باللّام، و مقتضى دلالته على الاستغراق لزوم رعايته حتّى في الخنصر و الإبهام، و هو ملازم لوصول الكف، غايته أنّه لا يلزم وضع تمام الكف، بل يكفي وضع بعضها عملًا بهذه الصحيحة، فيتصرّف في الأُولى بهذا المقدار و تحمل على الفضل.

8
موسوعة الإمام الخوئي15

أحدها: الانحناء على الوجه المتعارف ؛ ج 15، ص : 2

و لا الانحناء على غير الوجه المتعارف بأن ينحني على أحد جانبيه أو يخفض كفليه و يرفع ركبتيه و نحو ذلك (1)

______________________________
و فيه أوّلًا: منع الصغرى، فإنّ رأس الإبهام لا يساوي الراحة، بل هو أطول منها بمقدار عقد غالباً، فوصول رأس الإبهام لا يلازم وضع شي‌ء من الكف و الراحة على الركبة.

و ثانياً: مع التسليم فارادة العموم الأفرادي الشامل للإبهام متعذِّر في المقام إذ لازمه إرادته خاصّة من أطراف الأصابع، لوضوح أنّه بالإضافة إلى ما عداها من بقية الأصابع وضع لتمامها لا وصول لطرفها، للملازمة بين وصول طرف الإبهام و وضع الباقي، و إرادة خصوصه من مثل هذا التعبير مستبشع جدّاً كما لا يخفى. بل المتعيِّن حينئذ التعبير بوصول طرف الإبهام أو الراحة لا أطراف الأصابع، فلا مناص من أن يراد به العموم المجموعي الصادق على الثلاثة الوسطى، فيكون التفاوت حينئذ في مقدار الانحناء فاحشا.

هذا، مع أنّ العموم في المقام منفي من أصله، لعدم التعبير بالأصابع في الصحيحة كي يكون جمعاً محلّى باللّام و من صيغ العموم، و إنّما الموجود فيها هكذا: «فان وصلت أطراف أصابعك» و هو من الجمع المضاف الّذي لا يدل على الشمول إلّا بالإطلاق لا بالعموم الوضعي و إن كان الحال لا يفرق بذلك فيما تقدّم إلّا من حيث كون الدلالة وضعية أو إطلاقية غير المؤثر في محل الكلام كما لا يخفى.

فتحصّل: أنّ الأقوى كفاية الانحناء بمقدار تصل أطراف الأصابع إلى الركبتين فلا يجب الزائد و إن كان أحوط كما ذكره في المتن، و قد علم وجهه ممّا مرّ.

(1) قد عرفت الكلام في حدّ الانحناء، و أمّا كيفيته فلا بدّ و أن تكون عن‌

9
موسوعة الإمام الخوئي15

أحدها: الانحناء على الوجه المتعارف ؛ ج 15، ص : 2

و غير المستوي الخلقة كطويل اليدين أو قصيرهما يرجع إلى المستوي (1)،

______________________________
قيام على النحو المتعارف، فلا يكفي الانحناء على أحد الجانبين أو خفض الكفلين و رفع الركبتين و نحو ذلك من الانحناءات غير المتعارفة، لما عرفت من أنّ البلوغ إلى الركبتين لا موضوعية له كي يكفي كيف ما اتّفق، بل طريقي، فهو منزّل على النهج المتعارف.

(1) ما ذكرناه لحدّ الآن كان تحديداً لمستوي الخلقة المتناسب الأعضاء، و أمّا غير المستوي الّذي يحتاج في إيصال يديه أو أصابعه إلى الركبتين إلى الانحناء أكثر من المستوي لو كان قصير اليدين، أو أقل لو كان طويلهما، فالمشهور و هو الأقوى رجوعه في ذلك إلى المستوي، فلا يجب عليه الانحناء أكثر من المتعارف كما لا يجزي الأقل.

و خالف فيه الأردبيلي (قدس سره) «1» فحكم بوجوب تطبيق الحد بالقياس إليه أيضاً فيجب إيصال يديه إلى ركبتيه و إن استوجب الانحناء أكثر من المتعارف عملًا بإطلاق النص الشامل لهذا الشخص.

و فيه: ما عرفت من أنّ وصول اليد طريق إلى معرفة الحد و لا خصوصية فيه، فاعتباره طريقي لا موضوعي كي يراعى في كل أحد، و إلّا فلو بني على الجمود على ظاهر النص كان مقتضاه عدم الانحناء في طويل اليد رأساً أو إلّا قليلًا، و هو كما ترى لا يظن أن يلتزم به الفقيه، و السرّ أنّ الخطاب الّذي تضمنه النص متوجه إلى المتعارفين الّذين منهم زرارة فالعبرة بهم، فلا مناص من رجوع غيرهم إليهم.

______________________________
(1) مجمع الفائدة و البرهان 2: 256.

10
موسوعة الإمام الخوئي15

أحدها: الانحناء على الوجه المتعارف ؛ ج 15، ص : 2

و لا بأس باختلاف أفراد المستوين خلقة فلكل حكم نفسه بالنسبة إلى يديه و ركبتيه [1] (1).

______________________________
(1) لا شك في اختلاف أفراد المستوين خلقه في قصر الأيدي و طولها مع فرض تناسب الأعضاء فتختلف الانحناءات المتعارفة بطبيعة الحال قلّة و كثرة و لو بقدر نصف إصبع و نحوه.

فهل العبرة حينئذ بالانحناء الأقل أو الأكثر أو المتوسط، أم أنّ لكل مكلّف حكم نفسه بالنسبة إلى يده و ركبته؟ وجوه اختار الماتن (قدس سره) الأخير، و الأقوى الأوّل.

و توضيح المقام: أنّا إذا بنينا على أنّ وضع اليد المأخوذ في النص ملحوظ على وجه الموضوعية كما هو الحال في غسل الوجه و الأيدي في باب الوضوء بلا إشكال، اتّجه ما أفاده في المتن من أنّ لكل مكلّف حكم نفسه، فكما يجب على كل مكلّف غسل تمام وجهه و يديه و إن كانت أعرض أو أطول من الآخر، فكذا يجب في المقام وضع كل أحد يده على ركبته و إن استلزم الانحناء أكثر من غيره أو أقل، فإنّه حكم منحل على حسب آحاد المكلّفين، فيعمل كل على طبق حالته و وظيفته.

لكنّك عرفت ضعف المبنى، و أنّ الوضع المزبور مأخوذ طريقاً إلى بيان مرتبة الانحناء، فالواجب على الكل ليس إلّا مرتبة واحدة و حدّاً معيّناً يشترك فيه الجميع و لا يختلف باختلاف الأشخاص، بل الواجب في حقّ الجميع شي‌ء واحد بحسب الواقع، فهذا القول ساقط، و عليه يتعيّن الاقتصار على الأقل لوجهين:

______________________________
[1] لا يبعد أن يكون المدار على مقدار انحناء أقل المستوين خلقة.

11
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الذكر ؛ ج 15، ص : 12

[الثاني: الذكر]

الثاني: الذكر و الأحوط اختيار التسبيح من أفراده مخيّراً بين الثلاث من الصغرى و هي «سبحان اللّٰه»، و بين التسبيحة الكبرى و هي «سبحان ربِّي العظيم و بحمده» (1).

______________________________
أحدهما: إطلاق الأمر بالركوع، لما عرفت «1» من عدم ثبوت الحقيقة الشرعية له، بل يطلق على ما كان عليه من المعنى اللّغوي مع مراعاة بعض القيود، فلا يكفي مسمّى الانحناء بل لا بدّ من الزيادة و المتيقِّن منها الانحناء بأقل مقدار ينحني فيه المتعارف عند وضع يده على ركبته، و أمّا الزائد فمشكوك يدفع بأصالة الإطلاق.

الثاني: أصالة البراءة من اعتبار الانحناء الأكثر مع الغض عن الإطلاق كما هو المقرّر في باب الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطيين.

(1) لا إشكال في وجوب الذكر في الركوع بالإجماع و النصوص المعتبرة كما ستعرف، فلو أخلّ به عمداً بطلت صلاته، كما لا إشكال في الاجتزاء بالتسبيح في الجملة، و إنّما الكلام يقع في جهات:

الاولى: لا ينبغي الإشكال في كفاية التسبيحة الكبرى و هي سبحان ربِّي العظيم و بحمده مرّة واحدة، للنصوص الكثيرة و المعتبرة التي من أجلها يحمل الأمر بالثلاث في صحيحة حماد «2» على الفضل، فمنها: صحيحة زرارة قال «قلت له: ما يجزي من القول في الركوع و السجود؟ فقال: ثلاث تسبيحات في ترسّل، و واحدة تامّة تجزي» «3».

______________________________
(1) في ص 2.

(2) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(3) الوسائل 6: 299/ أبواب الركوع ب 4 ح 2.

12
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الذكر ؛ ج 15، ص : 12

..........

______________________________
و صحيحة عليّ بن يقطين «سألته عن الركوع و السجود كم يجزي فيه من التسبيح؟ فقال: ثلاثة، و تجزيك واحدة، إذا أمكنت جبهتك من الأرض»
«1». و نحوها صحيحته الأُخرى «2».

فانّ المراد بالواحدة في هذه النصوص إنّما هي التسبيحة الكبرى، لما ستعرف من النصوص الصريحة في عدم الاجتزاء بها في الصغرى الموجبة لحمل هذه الأخبار على الكبرى خاصّة.

و تؤيِّده: رواية أبي بكر الحضرمي قال «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أيّ شي‌ء حدّ الركوع و السجود؟ قال تقول: سبحان ربِّي العظيم و بحمده ثلاثاً في الركوع، و سبحان ربِّي الأعلى و بحمده ثلاثاً في السجود، فمَن نقص واحدة نقص ثلث صلاته، و مَن نقص اثنتين نقص ثلثي صلاته، و مَن لم يسبِّح فلا صلاة له» «3».

و دلالتها و إن كانت واضحة، فإنّ المراد من نقص الثلث و الثلثين النقصان بحسب الفضل و الثواب لا في أصل أداء الواجب بقرينة قوله (عليه السلام) في الذيل: «و من لم يسبِّح فلا صلاة له» الدال على تحقّق الصلاة و حصول المأمور به بفعل الواحدة.

لكنّها ضعيفة السند بعثمان بن عبد الملك فإنّه لم يوثق، و من هنا ذكرناها بعنوان التأييد.

الجهة الثانية: قد عرفت أنّ صورة التسبيحة الكبرى هي سبحان ربِّي العظيم و بحمده، و عن صاحب المدارك «4» جواز الاقتصار عليها بدون كلمة و بحمده،

______________________________
(1) الوسائل 6: 300/ أبواب الركوع ب 4 ح 3، 4.

(2) الوسائل 6: 300/ أبواب الركوع ب 4 ح 3، 4.

(3) الوسائل 6: 300/ أبواب الركوع ب 4 ح 5.

(4) المدارك 3: 393.

13
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الذكر ؛ ج 15، ص : 12

..........

______________________________
لخلو جملة من النصوص عنها، فيحمل الأمر بها في الباقي على الندب جمعاً و هي نصوص ثلاثة استدلّ بها على ذلك.

إحداها: رواية هشام بن سالم قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن التسبيح في الركوع و السجود، فقال: تقول في الركوع: سبحان ربِّي العظيم، و في السجود سبحان ربِّي الأعلى» «1».

الثانية: صحيحة الحلبي أو حسنته باعتبار إبراهيم بن هاشم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا سجدت فكبِّر و قل اللّٰهمّ لك سجدت إلى أن قال: ثمّ قل سبحان ربِّي الأعلى ثلاث مرّات» «2».

الثالثة: خبر عقبة بن عامر الجهني أنّه قال: «لمّا نزلت فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ قال لنا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) اجعلوها في ركوعكم، فلمّا نزلت سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال لنا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): اجعلوها في سجودكم» «3».

و الجواب: أمّا عن الاولى، فبأنّها ضعيفة السند بالقاسم بن عروة. هذا مضافاً إلى احتمال أن يكون ذلك إشارة إلى ما هو المتعارف المتداول من التسبيح الخارجي المشتمل على كلمة «و بحمده»، فيكون من باب استعمال اللفظ في اللّفظ فاقتصر هنا على ذكر العظيم و الأعلى امتيازاً بين تسبيحي الركوع و السجود لا اجتزاءً بهما، فالمستعمل فيه هو ذلك اللفظ الخارجي المعهود.

و هذا استعمال متعارف كما يشهد به ما رواه الشيخ و غيره بسنده عن حمزة ابن حمران، و الحسن بن زياد قالا: «دخلنا على أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) و عنده‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 299/ أبواب الركوع ب 4 ح 1.

(2) الوسائل 6: 339/ أبواب السجود ب 2 ح 1.

(3) الوسائل 6: 327/ أبواب الركوع ب 21 ح 1.

14
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الذكر ؛ ج 15، ص : 12

..........

______________________________
قوم فصلّى بهم العصر و قد كنّا صلّينا فعددنا له في ركوعه «سبحان ربِّي العظيم» أربعاً أو ثلاثاً و ثلاثين مرّة، و قال أحدهما في حديثه و بحمده في الركوع و السجود»
«1». فانّ الصادر عنه (عليه السلام) كان مشتملًا على كلمة و بحمده كما اعترف به أحد الراويين على ما صرّح به في الذيل، و لا يحتمل تعدّد الواقعة كما هو ظاهر. و مع ذلك فقد عبّر الراوي الآخر عن تسبيحه (عليه السلام) بقوله: سبحان ربِّي العظيم، و ليس ذلك إلّا من باب استعمال اللفظ في اللفظ كما ذكرناه.

و أمّا عن الثانية، فبأنّها مضطربة المتن أوّلًا لاختلاف النسخ، فإنّ الطبعة الجديدة من الوسائل مشتملة على كلمة «و بحمده»، و طبعة عين الدولة خالية عنها، و أمّا التهذيب «2» فمشتمل عليها لكن بعنوان النسخة الكاشف عن اختلاف نسخ التهذيب. و أمّا الكافي «3» فمشتمل عليها و هو أضبط، و كيف كان فلم يحصل الوثوق بما هو الصادر عن المعصوم (عليه السلام)، فلا يمكن الاستدلال بها على شي‌ء منهما.

و ثانياً: على تقدير تسليم خلوّها عنها فهي مقيّدة بالثلاث، و لا شكّ في الاجتزاء بذلك، بل يجزي قول سبحان اللّٰه ثلاثاً فضلًا عن سبحان ربِّي الأعلى فلا يدل ذلك على الاجتزاء به مرّة واحدة كما هو المدّعى.

و أمّا عن الثالثة، فمضافاً إلى ضعف سندها بعدّة من المجاهيل، يجري فيها ما عرفت في الجواب عن الاولى من احتمال كونها من باب استعمال اللّفظ في اللّفظ و أنّ المراد به ما هو الثابت في الخارج المشتمل على «و بحمده»، فلا دلالة فيها‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 304/ أبواب الركوع ب 6 ح 2، التهذيب 2: 300/ 1210.

(2) التهذيب 2: 79/ 295 [و قد أُشير إلى اختلاف النسخ في الطبعة الحجرية، راجع التهذيب 1: 188 السطر 19].

(3) الكافي 3: 321/ 1.

15
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الذكر ؛ ج 15، ص : 12

..........

______________________________
على نفي ذلك.

و يؤيِّده: ما رواه الصدوق مرسلًا من نقل هذا المضمون مع كلمة «و بحمده» قال «قال الصادق (عليه السلام): سبِّح في ركوعك ثلاثاً تقول سبحان ربِّي العظيم و بحمده ثلاث مرّات، و في السجود سبحان ربِّي الأعلى و بحمده ثلاث مرّات لأنّ اللّٰه عزّ و جلّ لمّا أنزل على نبيّه (صلّى اللّٰه عليه و آله) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ قال النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله): اجعلوها في ركوعكم، فلمّا أنزل اللّٰه سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال: اجعلوها في سجودكم ...» إلخ «1».

فتحصّل: عدم صحّة الاستدلال بشي‌ء من هذه الأخبار، لضعفها سنداً أو دلالة على سبيل منع الخلو، فالأقوى لزوم ضم «و بحمده» في التسبيحة الكبرى كما اشتملت عليها الروايات الكثيرة المعتبرة و غيرها مثل صحيحة حماد «2» و نحوها فلاحظ.

الجهة الثالثة: لا ريب في كفاية التسبيحة الصغرى و هي سبحان اللّٰه ثلاث مرّات بدلًا عن الكبرى، فيكون مخيّراً بين الأمرين، و تدل عليه جملة من النصوص المعتبرة كصحيحة زرارة قال «قلت: ما يجزي من القول في الركوع و السجود؟ فقال: ثلاث تسبيحات في ترسّل، و واحدة تامّة تجزي» «3». و صحيحة معاوية بن عمار قال «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام): أخف ما يكون من التسبيح في الصلاة، قال: ثلاث تسبيحات مترسلًا تقول: سبحان اللّٰه، سبحان اللّٰه، سبحان اللّٰه» «4» و موثقة سماعة «... أمّا ما يجزيك من الركوع فثلاث‌

______________________________
(1) المستدرك 4: 437/ أبواب الركوع ب 16 ح 2.

(2) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(3) الوسائل 6: 299/ أبواب الركوع ب 4 ح 2.

(4) الوسائل 6: 303/ أبواب الركوع ب 5 ح 2.

16
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الذكر ؛ ج 15، ص : 12

..........

______________________________
تسبيحات تقول: سبحان اللّٰه، سبحان اللّٰه، سبحان اللّٰه ثلاثاً»
«1» و الأخيرتان تفسِّران المراد من التسبيح في الأُولى و نحوها غيرها.

و هل تجزي الصغرى مرّة واحدة؟ قد يقال بل قيل بذلك، و يمكن أن يستدل له بوجهين:

أحدهما: إطلاق الأمر بالتسبيحة الواحدة في جملة من النصوص الشامل للكبرى و الصغرى، كصحيحة زرارة و صحيحتي ابن يقطين «2».

الثاني: دعوى كفاية مطلق الذكر الصادق على الواحدة من الصغرى.

و يردّ الأوّل أنّ الإطلاق يقيّد بما دلّ على عدم الاجتزاء في الصغرى بأقل من ثلاث كموثقة سماعة و صحيحة معاوية المتقدِّمتين آنفاً و غيرهما، فلا مناص من حمل التسبيح في تلك النصوص على الكبرى، بل إنّ في نفسها ما يشهد بذلك، كصحيحة زرارة الآنفة الذكر، فانّ المراد بالواحدة المجزية لا بدّ و أن يكون غير الثلاث التي حكم أوّلًا باجزائها، إذ لو كانتا من سنخ واحد لزم اللغوية بل التناقض، فان مقتضى جعل المجزي هو الثلاث عدم كفاية الأقل كما يعطيه لفظ الإجزاء الظاهر في بيان أقل الواجب، و معه كيف حكم (عليه السلام) بإجزاء الواحدة، فلو كانت العبرة بها كان التحديد بالثلاث لغواً محضا.

فلا مناص من أن يراد بالواحدة تسبيحة أُخرى مغايرة للثلاث، بأن يراد بها الكبرى، و بالثلاث الصغرى كما فسّر الثلاث بها في صحيحة معاوية بن عمار المتقدِّمة، فإنّها تؤيِّد أنّ المراد بالواحدة التامّة في هذه الصحيحة هي الكبرى في مقابل الناقصة و هي الصغرى، و أنّها المراد بالثلاث في ترسّل فيها.

و على الجملة: فصحيحة زرارة بنفسها تدل على إرادة الكبرى من الواحدة‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 303/ أبواب الركوع ب 5 ح 3.

(2) الوسائل 6: 299/ أبواب الركوع ب 4 ح 2، 3، 4.

17
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الذكر ؛ ج 15، ص : 12

و إن كان الأقوى كفاية مطلق الذكر من التسبيح أو التحميد أو التهليل، أو التكبير بل و غيرها (1).

______________________________
التامّة فلا إطلاق لها كي تشمل الصغرى. و هكذا الحال في صحيحتي علي بن يقطين.

و أمّا الوجه الثاني، فسيتّضح الجواب عنه قريباً إن شاء اللّٰه تعالى و تعرف أنّ الذكر المطلق على القول بكفايته لا بدّ و أن يكون بقدر التسبيحات الثلاث، و لا يجزي الأقل منها.

فتحصّل: أنّ مقتضى الجمع بين الأخبار هو التخيير بين التسبيحة الكبرى مرّة واحدة أو الصغرى ثلاثاً، و لا دليل على إجزاء الواحدة منها.

(1) قد عرفت أنّ التسبيح في الجملة ممّا لا إشكال في كفايته في مقام الامتثال، كما تقدّم المراد منه كمّاً و كيفاً، و هل يتعيّن الامتثال به بالخصوص كما نسب إلى المشهور بين القدماء أم يكفي مطلق الذكر و إن كان غيره كالتحميد أو التهليل أو التكبير و نحوها كما هو المشهور بين المتأخِّرين؟ الأقوى هو الثاني.

و قد استدلّ للأوّل بعدّة من الأخبار الآمرة بالتسبيح، و ظاهر الأمر التعيين. و لا يخفى أنّ جملة منها غير صالحة للاستدلال كصحيحة علي بن يقطين «1» فإنّ السؤال فيها عمّا يجزي من التسبيح، لا عمّا يجزي من مطلق الذكر فلا يدل على نفي غيره كما هو ظاهر. نعم، لا بأس بالاستدلال بمثل صحيحة زرارة قال «قلت له: ما يجزي من القول في الركوع و السجود؟ فقال: ثلاث تسبيحات» «2» فإنّ السؤال عن مطلق القول الّذي يجزي في الركوع فالأمر بالتسبيح ظاهر في التعيين.

______________________________
(1) الوسائل 6: 300/ أبواب الركوع ب 4 ح 3، 2.

(2) الوسائل 6: 300/ أبواب الركوع ب 4 ح 3، 2.

18
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الذكر ؛ ج 15، ص : 12

..........

______________________________
إلّا أنّه لا بدّ من رفع اليد عنها و حمل الأمر فيها على بيان أفضل الأفراد أو أحدها، لمعارضتها بصحيحتين صريحتين في الاجتزاء بمطلق الذكر:

إحداهما: صحيحة هشام بن سالم: «سألته يجزي عنِّي أن أقول مكان التسبيح في الركوع و السجود لا إلٰه إلّا اللّٰه و اللّٰه أكبر؟ فقال: نعم» «1».

و الأُخرى: صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال «قلت له: يجزي أن أقول مكان التسبيح في الركوع و السجود لا إلٰه إلّا اللّٰه و الحمد للّٰه و اللّٰه أكبر؟ فقال: نعم، كل هذا ذكر اللّٰه» «2»، و رواها الكافي مصدّرة بقوله «ما من كلمة أخف على اللِّسان منها و لا أبلغ من سبحان اللّٰه» «3».

فإنّهما صريحتان في أنّ العبرة بمطلق الذكر، و أمّا تلك النصوص فغايتها الظهور في تعيّن التسبيح، و لا ريب في تقدّم الأظهر على الظاهر، فمقتضى الجمع العرفي حملها على بيان أفضل الأفراد كما عرفت. بل يظهر من صدر رواية الكافي أنّ التسبيح لا خصوصية فيه، غير أنّه أخف على اللِّسان و أبلغ، فيكشف عن أنّ الأمر به في سائر الأخبار إنّما هو لهذه النكتة، و إلّا فالاعتبار بمطلق الذكر كيف ما اتّفق. لكن الشأن في الاعتماد على هاتين الصحيحتين، فإنّه قد يقال بعدم حجّيتهما من جهة إعراض المشهور عنهما المسقط لهما عن الحجّية.

و الجواب عنه ظاهر بناءً على منع الكبرى كما هو المعلوم من مسلكنا و أنّ الإعراض غير قادح، كما أنّ العمل غير جابر. و مع التسليم فالصغرى ممنوعة في المقام، فانّ الشيخ قد أفتى بمضمونهما في بعض كتبه «4»، بل إن ابن إدريس «5»

______________________________
(1) الوسائل 6: 307/ أبواب الركوع ب 7 ح 2.

(2) الوسائل 6: 307/ أبواب الركوع ب 7 ح 1.

(3) الكافي 3: 329/ 5.

(4) المبسوط 1: 111.

(5) السرائر 1: 224.

19
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الذكر ؛ ج 15، ص : 12

بشرط أن يكون بقدر الثلاث الصغريات فيجزي أن يقول «الحمد للّٰه» ثلاثاً، أو «اللّٰه أكبر» كذلك أو نحو ذلك (1).

______________________________
ادّعى الإجماع على العمل بهما. و معه كيف يمكن دعوى الإعراض.

و لا يبعد أن يكون مراد الأصحاب من تعيّن التسبيح في فتاواهم و معاقد إجماعاتهم تعيّنه من حيث التوظيف في أصل الشرع، طعناً على أبي حنيفة و الشافعي و غيرهما المنكرين لاستحباب هذا التسبيح، و كيف كان فالأقوى الاجتزاء بمطلق الذكر و إن كان التسبيح أفضل كما عرفت، تبعاً لما هو المشهور بين المتأخِّرين.

(1) قد عرفت أنّ الأقوى هو الاجتزاء بمطلق الذكر و إن كان من غير التسبيح، فهل يجتزى فيه بمسمّاه تسبيحاً كان أم غيره، فيكفي قول: سبحان اللّٰه، أو الحمد للّٰه، أو اللّٰه أكبر مرّة واحدة، أم لا بدّ و أن يكون بقدر الثلاث الصغريات؟

قد يقال بالأوّل استناداً إلى إطلاق الصحيحتين المتقدِّمتين آنفا.

و فيه أوّلًا: منع الإطلاق فيهما، فإنّهما في مقام بين الاجتزاء بمطلق الذكر و نفي تعيّن التسبيح، فلا نظر فيهما إلى سائر الجهات من العدد و نحوه حتّى ينعقد الإطلاق.

و ثانياً: مع التسليم لا بدّ من تقييده بصحيحتين لمسمع و هو المكنّى بأبي سيار، و ما في الوسائل الطبعة الجديدة من قوله مسمع بن أبي سيار غلط فإن أبا سيار كنيته كما عرفت، أمّا اسم أبيه فهو مالك، قال الصدوق في مشيخة الفقيه «1»: يُقال إنّ الصادق (عليه السلام) قال لمسمع أوّل ما رآه ما اسمك؟ فقال‌

______________________________
(1) الفقيه 4 (المشيخة): 45.

20
موسوعة الإمام الخوئي15

الثالث: الطمأنينة فيه بمقدار الذكر الواجب ؛ ج 15، ص : 21

[الثالث: الطمأنينة فيه بمقدار الذكر الواجب]

الثالث: الطمأنينة فيه بمقدار الذكر الواجب (1)، بل الأحوط ذلك في الذكر المندوب أيضاً إذا جاء به بقصد الخصوصية

______________________________
مسمع، فقال ابن من؟ فقال: ابن مالك، فقال: بل أنت مسمع بن عبد الملك و لعلّه (عليه السلام) أشار بذلك إلى أنّ مالك من أسماء اللّٰه تعالى فلا يجوز التسمِّي به، فأضاف (عليه السلام) إليه كلمة عبد. و عليه لا يبعد أنّه عبد المالك فكتب عبد الملك، فان لفظة مالك تكتب بالنحوين.

و كيف ما كان فمسمع هذا ثقة و الروايتان صحيحتان قال في إحداهما عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام): «يجزيك من القول في الركوع و السجود ثلاث تسبيحات أو قدرهن مترسّلًا، و ليس له و لا كرامة أن يقول: سبِّح سبِّح سبِّح» «1» و هي ظاهرة الدلالة في عدم الاكتفاء بالأقل من هذا العدد.

و أصرح منها صحيحته الأُخرى عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: لا يجزي الرجل في صلاته أقل من ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ» «2» حيث تضمّنت بالصراحة نفي الاجتزاء بالأقل، فلا يجزي من مطلق الذكر إلّا التسبيحات الثلاث الصغرى أو ما يعادل هذا المقدار من سائر الأذكار، فلو اختار الحمد للّٰه أو اللّٰه أكبر و نحوهما لا بدّ و أن يكرِّرها ثلاثاً حتّى يساوي هذا المقدار، و التسبيحة الكبرى أيضاً تعادله بحسب المعنى و إن لم تساو الحروف، فكأنّ سبحان ربِّي تسبيحة و العظيم تسبيحة اخرى، و بحمده تسبيحة ثالثة. و كيف كان فبهاتين الصحيحتين يقيّد الإطلاق في الصحيحتين السابقتين للهشامين لو سلم الإطلاق كما عرفت.

(1) إجماعاً كما ادّعاه غير واحد من الأصحاب كالمحقِّق في المعتبر «3» و العلّامة‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 302/ أبواب الركوع ب 5 ح 1، 4.

(2) الوسائل 6: 302/ أبواب الركوع ب 5 ح 1، 4.

(3) المعتبر 2: 194.

21
موسوعة الإمام الخوئي15

الثالث: الطمأنينة فيه بمقدار الذكر الواجب ؛ ج 15، ص : 21

..........

______________________________
في المنتهي
«1» و غيرهما. فكأنه من المتسالم عليه، و هو العمدة في المقام.

و هل يمكن الاستدلال بوجه آخر؟ قال في الحدائق «2»: و الأصحاب لم يذكروا هنا دليلًا على الحكم المذكور من الأخبار، و ظاهرهم انحصار الدليل في الإجماع ثمّ استدلّ هو (قدس سره) بصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: بينا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام يصلِّي فلم يتم ركوعه و لا سجوده، فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): نقر كنقر الغراب لئن مات هذا و هكذا صلاته ليموتنّ على غير ديني» «3»، و رواها البرقي في المحاسن عن ابن فضّال، عن عبد اللّٰه بن بكير عن زرارة «4». و عليه تكون موثقة، كما أنّها بالطريق الأوّل صحيحة أو حسنة لمكان إبراهيم بن هاشم.

و قد روي هذا المضمون عن عبد اللّٰه بن ميمون عن علي (عليه السلام) «5» لكنّها كما ترى قاصرة الدلالة على المطلوب، إذ غايتها لزوم المكث في الركوع برهة و لو متمايلًا من جانب إلى آخر و عدم الاستعجال في رفع الرأس الّذي به يكون ركوعه كنقر الغراب، و هذا أعم من الاستقرار المدّعى كما لا يخفى.

و أمّا مرسلة الذكرى «... ثمّ اركع حتّى تطمئن راكعاً ...» إلخ «6» و النبوي المحكي عنه «7» فضعفهما ظاهر، و لا مجال للاعتماد عليهما.

______________________________
(1) المنتهىٰ 1: 282 السطر 5.

(2) الحدائق 8: 242.

(3) الوسائل 6: 298/ أبواب الركوع ب 3 ح 1.

(4) المحاسن 1: 158/ 222.

(5) الوسائل 4: 36/ أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 9 ح 2.

(6) الذكرى 3: 363.

(7) الذكرى 3: 367.

22
موسوعة الإمام الخوئي15

الثالث: الطمأنينة فيه بمقدار الذكر الواجب ؛ ج 15، ص : 21

..........

______________________________
نعم، لا بأس بالاستدلال بصحيحة بكر بن محمّد الأزدي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سأله أبو بصير و أنا جالس عنده إلى أن قال (عليه السلام) فاذا ركع فليتمكّن، و إذا رفع رأسه فليعتدل ...» إلخ
«1»، و قد عبّر عنها بالخبر مشعراً بضعفها، لكن الظاهر صحّتها، فانّ بكر بن محمّد ثقة وثّقه النجاشي «2» و الراوي عنه أحمد بن إسحاق مردّد بين الرازي و الأشعري و كلاهما ثقة، و إن كان الأظهر أنّ المراد به الأشعري، لأنّ الصدوق ذكره في المشيخة في طريقه إلى بكر مصرّحاً بالأشعري «3»، فبهذه القرينة يظهر أنّ الراوي عنه هو الأشعري، و هو و إن كان من أصحاب الجواد (عليه السلام) إلّا أنّه لا مانع بحسب الطبقة من روايته عن بكر الّذي هو من أصحاب الصادق و الكاظم بل و الرِّضا (عليهم السلام).

و كيف كان، فهي صحيحة السند كما أنّها ظاهرة الدلالة، إذ التعبير بقوله: «إذا ركع فليتمكّن» ظاهر في الإرشاد إلى شرطية التمكّن في تحقّق الركوع المأمور به نظير قوله: «إذا صلّيت فاستقبل» لا أنّه واجب نفسي مستقل أو جزء ضمني للصلاة، فدلالتها على اعتبار الاطمئنان في تحقّق الركوع الواجب ممّا لا ينبغي الإشكال فيه.

و أمّا الدلالة على اعتباره في الذكر الواجب فقد تمنع بأنّ غايتها الاعتبار في مسمّى الركوع دون الأكثر، لكنّه في غير محله، بل الظاهر أنّها تدل عليه أيضاً بالدلالة الالتزامية، إذ دليل وجوب الذكر قد دلّ على الإتيان به في الركوع المأمور به لا مطلقاً، فاذا كان الركوع المأمور به متقوّماً بالاطمئنان كما دلّت عليه هذه الصحيحة بالمطابقة، فلازمه كون الاطمئنان بمقدار يتحقّق الذكر‌

______________________________
(1) الوسائل 4: 35/ أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 8 ح 14.

(2) رجال النجاشي: 108/ 273.

(3) الفقيه 4 (المشيخة): 33.

23
موسوعة الإمام الخوئي15

الثالث: الطمأنينة فيه بمقدار الذكر الواجب ؛ ج 15، ص : 21

فلو تركها عمداً بطلت صلاته [1] بخلاف السهو على الأصح و إن كان الأحوط الاستئناف إذا تركها فيه أصلًا و لو سهواً، بل و كذلك إذا تركها في الذكر الواجب (1).

______________________________
الواجب في ضمنه فلا يكفي مسمّاه.

و على الجملة ضم أحد الدليلين إلى الآخر يستوجب اعتبار الاستقرار في الركوع نفسه، و في الذكر الواجب فيه، بل إنّ مقتضى هذا البيان اعتباره حتّى في الذكر المستحب إذا قصد به الخصوصية و الورود، فإنّه كالذكر الواجب في أنّ محله الركوع المأمور به فيعتبر الاستقرار في كليهما بملاك واحد. نعم، لا يعتبر في المستحب المأتي به بقصد مطلق الذكر لا التوظيف، إذ ليس له حينئذ محل معيّن كما هو ظاهر. فما ذكره في المتن من الاحتياط في الذكر المندوب إذا جاء به بقصد الخصوصية في محلّه.

(1) لا إشكال في البطلان لو أخلّ بالاطمئنان عمداً في الذكر الواجب فضلًا عن أصل الركوع كما هو ظاهر. و هل هو ركن تبطل الصلاة بتركه حتّى سهوا؟

نسب ذلك إلى بعض كالشيخ «1»، و الإسكافي «2»، و كأنّه أخذاً بإطلاق معاقد الإجماعات، لكنّه واضح المنع كما لا يخفى، هذا.

و الصحيح في المقام هو التفصيل بين الإخلال به في أصل الركوع و بين تركه في الذكر الواجب.

ففي الأوّل، لا يبعد القول بالبطلان لما عرفت من أنّ ظاهر صحيحة الأزدي‌

______________________________
[1] في البطلان بترك الطمأنينة في الذكر المندوب إشكال بل منع.

______________________________
(1) الخلاف 1: 348 المسألة 98.

(2) حكاه عنه في مفتاح الكرامة 2: 417 السطر 3.

24
موسوعة الإمام الخوئي15

الرابع: رفع الرأس منه حتى ينتصب قائما ؛ ج 15، ص : 25

[الرابع: رفع الرأس منه حتّى ينتصب قائماً]

الرابع: رفع الرأس منه حتّى ينتصب قائماً (1)، فلو سجد قبل ذلك عامداً بطلت الصلاة.

______________________________
اعتباره في الركوع و الإرشاد إلى شرطيته فيه، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين العمد و السهو، إذ ليس هو حكماً نفسياً حتّى ينصرف إلى حال الاختيار بل إرشاد إلى الاعتبار الشامل بإطلاقه لكلتا الصورتين، و معه لا مجال للتمسّك بأصالة البراءة، إذ لا سبيل إلى الأصل بعد إطلاق الدليل.

كما لا مجال للتمسّك بحديث لا تعاد، إذ بعد تقوّم الركوع المأمور به بالاطمئنان كما نطق به الصحيح فالإخلال به إخلال بالركوع لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه، و هو داخل في عقد الاستثناء في حديث لا تعاد.

و أمّا في الثاني، فالظاهر الصحّة لأنّه إخلال بشرط الذكر، فغايته الإخلال بالذكر نفسه فلا يزيد على تركه رأساً، و معلوم أنّ الإخلال بالذكر الواجب سهواً لا يقتضي البطلان لدخوله في عقد المستثنى منه في حديث لا تعاد. فظهر أنّ الأوجه كون الاطمئنان ركناً في أصل الركوع فلو تركه رأساً و لو سهواً بطلت صلاته، و أمّا في الذكر الواجب فليس بركن فلا يضر تركه السهوي.

و ممّا ذكرنا تعرف أنّ ما أفاده في المتن من الاحتياط في الاستئناف لو تركه أصلًا صحيح، بل هو الأظهر كما عرفت. و أمّا احتياطه (قدس سره) فيما لو تركه سهواً في الذكر الواجب فلا وجه له.

(1) بلا خلاف و لا إشكال، بل عليه دعوى الإجماع في كثير من الكلمات و تقتضيه نصوص كثيرة، بل في الجواهر «1» أنّها مستفيضة، إلّا أنّ غالبها ضعيفة السند.

______________________________
(1) الجواهر 10: 87.

25
موسوعة الإمام الخوئي15

الخامس: الطمأنينة حال القيام بعد الرفع ؛ ج 15، ص : 26

[الخامس: الطمأنينة حال القيام بعد الرفع]

الخامس: الطمأنينة حال القيام بعد الرفع (1) فتركها عمداً مبطل للصلاة.

______________________________
نعم، يمكن الاستدلال عليه بصحيحة حماد قال فيها: «ثمّ استوى قائماً»
«1» فانّ الاستواء في القيام هو الانتصاب.

و بصحيحة أبي بصير «... و إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك حتّى ترجع مفاصلك» «2»، و يؤيِّده خبره الآخر: «إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك فإنّه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه» «3».

و عليه فلو سجد قبل رفع الرأس و الانتصاب عامداً بطلت صلاته. نعم لا بأس بذلك سهواً لحديث لا تعاد كما هو ظاهر.

(1) إجماعاً كما حكاه جماعة، و استدلّ له في المدارك «4» بالأمر بإقامة الصلب و الاعتدال في خبري أبي بصير المتقدِّمين و غيرهما، و هذا و إن كان ممكناً في حدّ نفسه إلّا أنّ الجزم به مشكل، إذ الاعتدال و الإقامة غير ملازم للاستقرار فانّ معناهما رفع الرأس إلى حدّ الانتصاب غير المنافي للتزلزل و عدم القرار كما لا يخفى.

فالأولى الاستدلال له بصحيحة حماد قال فيها: «فلمّا استمكن من القيام قال سمع اللّٰه لمن حمده» «5»، بضميمة ما في ذيلها من قوله (عليه السلام): «يا حماد هكذا صل»، فانّ الاستمكان ظاهره أخذ المكان المساوق للثبات‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(2) الوسائل 5: 465/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 9.

(3) الوسائل 6: 321/ أبواب الركوع ب 16 ح 2.

(4) المدارك 3: 389.

(5) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

26
موسوعة الإمام الخوئي15

مسائل ؛ ج 15، ص : 27

 

[مسائل]

[مسألة 1: لا يجب وضع اليدين على الركبتين حال الركوع]

[1581] مسألة 1: لا يجب وضع اليدين على الركبتين حال الركوع بل يكفي الانحناء بمقدار إمكان الوضع كما مرّ (1).

______________________________
و الاطمئنان كما لا يخفى.

و كيف كان، فلا إشكال في الحكم فلو أخلّ به عمداً بطلت صلاته، لا سهواً لحديث لا تعاد، فليس بركن كما هو ظاهر.

(1) تقدّم الكلام حول هذه المسألة سابقاً «1» و عرفت أنّ الوضع مستحب لا واجب إجماعاً كما ادّعاه غير واحد، كما عرفت أنّه الظاهر من النص أيضاً على ما مرّ.

نعم، ذكر في الحدائق بعد أن اعترف بالإجماع و عدم الخلاف بين الأصحاب ما لفظه: ثمّ لا يخفى أنّ ظاهر أخبار المسألة هو الوضع لا مجرّد الانحناء بحيث لو أراد لوضع، و أنّ الوضع مستحب كما هو المشهور في كلامهم و الدائر على رؤوس أقلامهم، فإنّ هذه الأخبار و نحوها ظاهرة في خلافه، و لا مخصّص لهذه الأخبار إلّا ما يدعونه من الإجماع على عدم وجوب الوضع «2».

و جوابه يظهر ممّا أسلفناك، فإنّ الأمر بالوضع في الأخبار محمول على الاستحباب لا محالة بقرينة قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة المتقدِّمة: «فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك و أحبّ إليَّ أن تمكن كفّيك من ركبتيك ...» «3» فإنّه ظاهر بل صريح في عدم وجوب الانحناء حدّا يتمكّن معه من وضع اليدين على الركبتين فضلًا عن وجوب الوضع، بل‌

______________________________
(1) في ص 5.

(2) الحدائق 8: 240.

(3) الوسائل 5: 461/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

 

27
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: إذا لم يتمكن من الانحناء على الوجه المذكور ؛ ج 15، ص : 28

[مسألة 2: إذا لم يتمكّن من الانحناء على الوجه المذكور]

[1582] مسألة 2: إذا لم يتمكّن من الانحناء على الوجه المذكور و لو باعتماد على شي‌ء أتى بالقدر الممكن [1] و لا ينتقل إلى الجلوس و إن تمكّن من الركوع منه، و إن لم يتمكن من الانحناء أصلًا و تمكّن منه جالساً أتى به جالساً و الأحوط صلاة أُخرى بالإيماء [2] قائماً، و إن لم يتمكّن منه جالساً أيضاً أومأ له و هو قائم برأسه إن أمكن، و إلّا فبالعينين تغميضاً له و فتحاً للرّفع منه، و إن لم يتمكّن من ذلك أيضاً نواه بقلبه و أتى بالذكر الواجب [3] (1).

______________________________
قد صرّح (عليه السلام) باستحبابه بقوله «و أحبّ إلىَّ ...» إلخ فليس عليه إلّا إيصال أطراف الأصابع إلى الركبتين لا وضع الكف عليهما.

بل إنّ الإيصال الخارجي أيضاً غير واجب، لما مرّ من أنّه ملحوظ على سبيل الطريقية لا الموضوعية لكونه واقعاً موقع التحديد، فاللّازم إنّما هو الانحناء حدّا يتمكّن معه من إيصال أطراف الأصابع إلى الركبتين سواء أوصلها إليهما خارجاً أم لا، إذ العبرة بالمنكشف لا الكاشف، لعدم خصوصية للوصول الخارجي بعد لحاظه طريقاً كما عرفت.

(1) للمسألة صور:

إحداها: ما إذا لم يتمكّن من الانحناء على الوجه المأمور به مع تمكّنه منه في الجملة، و المشهور حينئذ وجوب الانحناء بالمقدار الممكن، بل ادّعى غير واحد الإجماع عليه، و يستدل له بوجهين:

______________________________
[1] و يومئ معه أيضاً على الأحوط.

[2] الظاهر كفايتها بلا حاجة إلى الصلاة جالسا.

[3] على الأحوط.

28
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: إذا لم يتمكن من الانحناء على الوجه المذكور ؛ ج 15، ص : 28

..........

______________________________
أحدهما: التمسّك بإطلاقات الأمر بالركوع، لما مرّ «1» من عدم ثبوت الحقيقة الشرعية، و أنّ الركوع في لسان الشرع على ما هو عليه من المعنى اللّغوي أعني مطلق الانحناء، غايته ثبوت التقييد بالبلوغ إلى مرتبة خاصّة يتمكّن معها من إيصال أطراف الأصابع إلى الركبتين، و حيث إنّه كغيره من سائر التكاليف مشروط بالقدرة فلا تقييد بالإضافة إلى العاجز فتشمله الإطلاقات.

و فيه أوّلًا: أنّ دليل التقييد لم يتضمّن حكماً تكليفياً نفسياً كي يختصّ بالقادرين، و إنّما هو إرشاد إلى اعتبار المرتبة الخاصّة من الانحناء في الركوع المأمور به و كونها شرطاً فيه كأدلّة سائر الأجزاء و الشرائط كما تقدّم، و مقتضى الإطلاق في مثله عدم الفرق بين حالتي العجز و الاختيار.

و ثانياً: مع التسليم فلازمه التخيير بعد العجز عن تلك المرتبة الخاصّة بين جميع مراتب الانحناء، لصدق الركوع لغة على مطلقها كما عرفت، لا وجوب الإتيان بالمقدار الممكن كما هو المدّعى لعدم الدليل عليه.

ثانيهما: التمسّك بقاعدة الميسور المنجبر ضعفها بقيام الإجماع على العمل بها في المقام.

أقول: إن تمّ الإجماع في المسألة فهو المستند، و إلّا فالقاعدة في نفسها غير صالحة للاستدلال، لمنعها كبرى من أجل ضعف مدركها كما نقحناه في الأُصول «2». و كذا صغرى، لتوقفها على كون الهوي من أجزاء الواجب، و تركب المأمور به منه و من غيره كي يجب البعض لدى تعذّر الكل لكونه ميسوراً منه. و أمّا بناءً على ما هو التحقيق من خروجه عنه و كونه معتبراً فيه شرطاً لا شطراً، و أنّ الواجب أمر وحداني بسيط، و هي الهيئة الخاصّة الحاصلة من الانحناء البالغ‌

______________________________
(1) في ص 3.

(2) مصباح الأُصول 2: 477.

29
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: إذا لم يتمكن من الانحناء على الوجه المذكور ؛ ج 15، ص : 28

..........

______________________________
حدّا مخصوصاً، و الركوع الواجب اسم لتلك المرتبة الخاصّة البسيطة، و الهوي إليها مقدّمة خارجية غير داخلة في حقيقة المأمور به، فلا مجال حينئذ لتطبيق قاعدة الميسور، لوضوح أنّ المقدّمة مباينة مع ذيها و أجنبية عنه، لا أنّها من مراتبه كي تكون ميسوراً منه.

و دعوى أنّ الركوع عبارة عن الحركة من الانتصاب إلى حدّ الركوع، فكل حركة بين الحدّين جزء المجموع، أو أنّه من التأكّد في الكيف، لم نتحقّقها، بل الظاهر خلافها كما عرفت.

فما أفاده المحقِّق الهمداني (قدس سره) «1» من أنّ المقام من أظهر مصاديق القاعدة و مجاريها لا يمكن المساعدة عليه، فإنّه إنّما يتّجه بناءً على كون الهوي من أجزاء الواجب، و قد عرفت أنّه من المقدّمات، بل و مع الشك في ذلك أيضاً لا مجال لها، لعدم إحراز صغراها، فيكفينا مجرّد الشك فضلًا عن استظهار العدم كما عرفت.

و عليه، فلا دليل على الاجتزاء بالمقدار الممكن من الانحناء، بل الأقوى أنّ الوظيفة حينئذ هو الإيماء، لإطلاق ما دلّ على بدليّته عن الركوع التام لدى العجز عنه كما تقدّم البحث عنه في أحكام القيام «2»، و لا تنتقل الوظيفة إلى الركوع الجلوسي التام و إن تمكّن منه، كما نبّه عليه في المتن، لاختصاصه بالعاجز عن الصلاة قائماً بحيث كانت وظيفته الصلاة عن جلوس، و هو خارج عن محل البحث.

نعم، لا بأس بضمّ الانحناء إلى الإيماء احتياطاً حذراً عن مخالفة المشهور قاصداً بأحدهما لا بعينه ما هي الوظيفة الواقعية في حقِّه فيقع الآخر لغواً‌

______________________________
(1) مصباح الفقيه (الصلاة): 327 السطر 30.

(2) شرح العروة 14: 222.

30
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: إذا لم يتمكن من الانحناء على الوجه المذكور ؛ ج 15، ص : 28

..........

______________________________
غير مضر.

الصورة الثانية: ما إذا لم يتمكّن من الانحناء حال القيام أصلًا، و هي على صور، لأنّه قد يتمكّن من الركوع الجلوسي التام، و أُخرى لا يتمكّن إلّا من الناقص منه، و ثالثة لا يتمكّن منه أصلا.

أمّا في الأخير فلا ريب أنّ الوظيفة هي الإيماء، لأدلّة بدليّته عن الركوع كما مرّ التعرّض لها في بحث القيام «1».

و أمّا الفرض الأوّل، أعني صورة التمكّن من الركوع الجلوسي التام، فقد ذكر العلّامة الطباطبائي (قدس سره) في منظومته تعيّنه «2» و اختاره في المتن و كأنّه لأقربيّته إلى الصلاة التامّة من الإيماء قائماً، لكنّه كما ترى مجرّد استحسان و وجه اعتباري لا يصلح لأن يكون مدركاً لحكم شرعي، بل الظاهر عدم جوازه فضلًا عن وجوبه، فانّ الركوع الجلوسي وظيفة العاجز عن القيام، و هذا قادر عليه على الفرض، فلا يشرع في حقّه إلّا الإيماء أخذاً بدليل بدليّته لدى العجز عن الركوع الاختياري.

و على الجملة: المتحصل من الأدلّة كما فصّلنا الكلام حولها في بحث القيام «3» أنّ المتمكِّن من القيام وظيفته الصلاة قائماً، و العاجز عنه يصلِّي عن جلوس و العاجز عنه أيضاً يصلِّي مضطجعاً إلى أحد الجانبين أو مستلقياً على تفصيل تقدّم. و في كل من هذه المراحل إن تمكّن من الركوع و السجود على حسب وظيفته أتى بهما، و إلّا أومأ إليهما.

و نتيجة ذلك: أنّه لو تمكّن من الصلاة عن قيام كما هو محل الكلام، و لم‌

______________________________
(1) شرح العروة 14: 222.

(2) الدرّة النجفية: 125.

(3) شرح العروة 14: 211 و ما بعدها.

31
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: إذا لم يتمكن من الانحناء على الوجه المذكور ؛ ج 15، ص : 28

..........

______________________________
يتمكّن من الركوع القيامي فليست وظيفته إلّا الإيماء إليه، و لا ينتقل إلى الركوع الجلوسي، فإنّه وظيفة العاجز عن القيام الّذي يصلِّي عن جلوس و المفروض في المقام أنّه يصلِّي عن قيام لقدرته عليه.

فظهر أنّ الأقوى في هذه الصورة أيضاً هو الإيماء. فما ذكره في المتن من أنّه أحوط فيأتي بصلاة اخرى بالإيماء قائماً في غير محلّه، بل إنّ هذا هو المتعيِّن بلا حاجة إلى الصلاة جالساً كما نبّه عليه سيِّدنا الأُستاذ في التعليقة.

و أمّا ما في الجواهر «1» من الاشكال على ترجيح الركوع الجلوسي في المقام باستلزامه الإخلال بالركن و هو القيام المتّصل بالركوع، بخلاف ما لو صلّى قائماً مومئاً، فإنّه محافظ عليه.

فساقط، لما عرفت سابقاً «2» من عدم وجوب هذا القيام في نفسه فضلًا عن ركنيته، و إنّما اعتباره من أجل تقوّم الركوع به، فإنّه ليس عبارة عن مجرّد الهيئة الحاصلة من الانحناء الخاص كيف ما اتّفق، بل بشرط كونه مسبوقاً بالقيام فالمسمّى بالركوع لغة و شرعاً خصوص الحصّة الخاصّة و هي الانحناء الحاصل عن القيام لا مطلقاً، فهو دخيل في حقيقة الركوع لا أنّه واجب مستقل، و مع سقوطه لمكان العجز كما هو المفروض يسقط القيام بتبعه لا محالة، فلا يلزم الإخلال بالركن زائداً على الركوع الساقط على كلّ حال. و كيف ما كان فلا ينبغي الرّيب في تعين الإيماء قائماً و عدم الانتقال إلى الركوع جالساً للوجه الّذي عرفت.

و أمّا الفرض الثاني: أعني ما إذا لم يتمكّن إلّا من الركوع الجلوسي الناقص أي مع الانحناء إليه في الجملة، فدار الأمر بينه و بين الإيماء قائماً، و هو الّذي‌

______________________________
(1) لاحظ الجواهر 10: 80.

(2) شرح العروة 14: 168.

32
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 3: إذا دار الأمر بين الركوع جالسا مع الانحناء في الجملة ؛ ج 15، ص : 33

[مسألة 3: إذا دار الأمر بين الركوع جالساً مع الانحناء في الجملة]

[1583] مسألة 3: إذا دار الأمر بين الركوع جالساً مع الانحناء في الجملة و قائماً مومئاً لا يبعد تقديم الثاني [1]، و الأحوط تكرار الصلاة (1).

[مسألة 4: لو أتى بالركوع جالساً و رفع رأسه منه]

[1584] مسألة 4: لو أتى بالركوع جالساً و رفع رأسه منه (2) ثمّ حصل له التمكّن [2] من القيام لا يجب بل لا يجوز له إعادته قائماً، بل لا يجب عليه القيام للسجود خصوصاً إذا كان بعد السمعلة، و إن كان أحوط و كذا لا يجب إعادته بعد إتمامه بالانحناء غير التام،

______________________________
تعرّض (قدس سره) إليه في المسألة الآتية، فقد ذكر في المتن أنّه لا يبعد تقديم الثاني، و الأحوط تكرار الصلاة.

و قد ظهر ممّا مرّ أنّه لا ينبغي الريب في تعيّن الإيماء حينئذ و إن قلنا بتقديم الركوع الجلوسي التام عليه في الصورة السابقة بدعوى أقربيّته منه إلى الركوع القيامي المتعذِّر، إذ لا مجال لتوهّم الأقربية هنا أصلًا بعد أن لم يكن الانحناء في الجملة من الركوع الشرعي في شي‌ء كما لا يخفى.

فتحصّل: أنّ المتعيِّن في جميع صور المسألة هو الإيماء، سواء تمكّن من الانحناء في الجملة قائماً أم لا، و سواء تمكّن من الركوع الجلوسي التام أو الناقص أم لا عملًا بإطلاق أدلّة بدليّته عن الركوع القيامي لدى تعذّره كما ظهر وجهه ممّا مرّ و إن كان الاحتياط المذكور في المتن في فروض المسألة ممّا لا بأس به فإنّه حسن على كلّ حال.

(1) قد ظهر الحال ممّا قدّمناه آنفاً فلاحظ.

(2) تعرّض (قدس سره) في هذه المسألة لفروض تجدّد القدرة أثناء الصلاة‌

______________________________
[1] بل هو الأظهر و رعاية الاحتياط أولى.

[2] مرّ ضابط هذا الفرع في بحث القيام [في المسألة 1486].

33
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 4: لو أتى بالركوع جالسا و رفع رأسه منه ؛ ج 15، ص : 33

و أمّا لو حصل له التمكّن في أثناء الركوع جالساً، فان كان بعد تمام الذكر الواجب يجتزئ به، لكن يجب عليه الانتصاب للقيام بعد الرفع، و إن حصل قبل الشروع فيه أو قبل تمام الذكر يجب عليه أن يقوم منحنياً إلى حدّ الركوع القيامي ثمّ إتمام الذكر و القيام بعده و الأحوط مع ذلك إعادة الصلاة، و إن حصل في أثناء الركوع بالانحناء غير التام أو في أثناء الركوع الايمائي فالأحوط الانحناء [1] إلى حدّ الركوع و إعادة الصلاة.

______________________________
فذكر أنّ التجدّد إن كان بعد رفع الرأس عن الركوع جالساً لا يجب، بل لا يجوز له إعادته قائماً لاستلزام زيادة الركن، كما لا يجب عليه القيام للسجود لعدم وجوبه إلّا من باب المقدّمة و قد حصلت. و يلحق بذلك ما لو تجدّدت بعد الانتهاء عن الانحناء غير التام حال القيام بناءً على الاجتزاء به عن التام.

و إن كان قبل رفع الرأس، فإن كان بعد تمام الذكر الواجب لزمه الانتصاب تحصيلًا للقيام الواجب بعد الرفع، لقدرته عليه و لم يحصل بدله كما حصل في الفرض السابق.

و إن كان قبله سواء أ كان أثناء الذكر أم قبل الشروع فيه فمن حيث نفس الركوع يجتزي به كسابقه لحصوله حال العجز غير أنّ الذكر الواجب لم يتحقّق أو لم يكمل بعد، و حيث لا اعتبار بهذا الركوع بقاءً لارتفاع العذر فلا مناص له من أن يقوم متقوّساً إلى حدّ الركوع القيامي، فيأتي بالذكر حينئذ أو يتمّه كما يأتي بالقيام بعده، و احتاط حينئذ بإعادة الصلاة.

و أمّا إذا كان التجدّد أثناء الانحناء أو الإيماء فالأحوط الانحناء إلى حدّ‌

______________________________
[1] بل الأظهر ذلك بلا حاجة إلى الإعادة.

34
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 4: لو أتى بالركوع جالسا و رفع رأسه منه ؛ ج 15، ص : 33

..........

______________________________
الركوع ثمّ إعادة الصلاة.

أقول: قدّمنا في بحث القيام «1» ما هو الضابط العام لأمثال المقام ممّا تجدّدت فيه القدرة أثناء الصلاة.

و حاصله: أنّ التجدّد تارة يفرض في ضيق الوقت بحيث لا يتمكّن من إعادة الصلاة، و أُخرى في سعته، و على التقديرين فان لم يلزم من تدارك الفائت محذور زيادة الركن وجب ذلك كما لو قرأ جالساً و قبل الدخول في الركوع تمكن من القيام فإنّه يجب عليه حينئذ إعادة القراءة قائماً و لا محذور فيها، فان مثل هذه الزيادة غير قادحة.

و إن لزم المحذور المزبور فان لم يكن الفائت ركناً مضى في صلاته و صحّت لحديث لا تعاد، كما لو قرأ جالساً لعجزه عنها قائماً و بعد الركوع الاختياري تمكن من القراءة قائما.

و إن كان ركناً كما لو ركع جالساً و تمكن بعد ذلك من الركوع القيامي، فإن كان في ضيق الوقت صحّت صلاته أيضاً و مضى فيها، فانّ ذلك غاية ما في وسعه من الامتثال و الصلاة لا تسقط بحال.

و إن كان في سعته ففي الصحّة إشكال، بل منع لعدم الدليل على الاجتزاء بهذا الفرد الناقص بعد تعلّق الأمر بالطبيعة الجامعة المحدودة بين الحدّين و تمكنه منها بالإتيان بفرد آخر.

فتحصّل: أنّ مقتضى القاعدة هو الحكم بالصحّة في جميع فروض المسألة من غير فرق بين الضيق و السعة ما عدا صورة واحدة، و هي ما إذا كان الفائت ركناً و الوقت واسعاً، فإنّ الأقوى حينئذ البطلان كما عرفت.

هذا هو الضابط الكلِّي لكبرى هذه المسألة و نظائرها.

______________________________
(1) شرح العروة 14: 251 المسألة [1486].

35
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 4: لو أتى بالركوع جالسا و رفع رأسه منه ؛ ج 15، ص : 33

..........

______________________________
و أمّا التطبيق على المقام فنقول: قد تكون الوظيفة هي الركوع الجلوسي و أُخرى الانحناء غير التام حال القيام بناءً على الاجتزاء به-، و ثالثة الإيماء و على التقادير فقد يكون التجدّد بعد الانتهاء عنها، و أُخرى في الأثناء، ففروض المسألة ستّة تعرّض لجميعها في المتن ما عدا صورة واحدة، و هي التجدّد بعد الانتهاء من الإيماء.

فإن تجدّدت القدرة على الركوع التام القيامي بعد رفع الرأس عن الركوع جالساً فقد ذكر في المتن أنّه لا يجب بل لا يجوز له إعادته قائماً. و هذا هو الصحيح فيجتزى به، لكن في ضيق الوقت خاصّة، و أمّا في السعة فحيث إنّ الفائت ركن و لا يمكن تداركه فالصلاة باطلة و الإعادة واجبة كما ظهر وجهه ممّا مرّ آنفاً. فما أفاده (قدس سره) لا يتم على إطلاقه.

و إن تجدّدت بعد الانتهاء عن الانحناء غير التام فقد ألحقه الماتن بسابقه.

و الأولى أن يقال: إذا بنينا على أنّ الدليل المانع من زيادة الركوع من حديث لا تعاد أو غيره يشمل ما إذا كان الزائد مثل هذا الركوع، فالإلحاق في محلّه مع مراعاة التفصيل بين السعة و الضيق كما عرفت.

و أمّا إذا بنينا على انصرافه عن الركوع الانحنائي كما لا يبعد و سيجي‌ء الكلام عليه إن شاء اللّٰه تعالى، فاللّازم تدارك الركوع مطلقاً لعدم محذور فيه، غايته أنّه تخيّل أنّ وظيفته الانحناء و الانتقال إلى البدل و اعتقد أمراً خيالياً، و مثله لا يجزي عن الواقع بعد انكشاف الخلاف، فيلغى بعد عدم ضير في زيادته و يجب الإتيان بالركوع قائما.

و أولى بذلك ما لو كان التجدّد بعد الانتهاء عن الإيماء و هو الّذي لم يتعرّض له في المتن بل لا ينبغي الإشكال في انصراف دليل الزيادة عن مثل ذلك. نعم، لو كان الزائد من سنخ المزيد عليه فكرّر الانحناء أمكن دعوى‌

36
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 4: لو أتى بالركوع جالسا و رفع رأسه منه ؛ ج 15، ص : 33

..........

______________________________
زيادة الركوع، و أمّا مع الاختلاف في السنخ فكانت الوظيفة الركوع القيامي لقدرته عليه فأضاف عليه الإيماء أو الانحناء، ففي مثله يشكل صدق تعدّد الركوع سيّما في الأوّل، لعدم كون الإيماء من الركوع في شي‌ء لا شرعاً و لا لغة و إنّما هو بدل و وظيفة مقرّرة لدى العجز عنه، بل لا ينبغي الريب في عدم الصدق كما عرفت، فاللّازم إعادة الركوع قائماً و لا محذور فيها.

و إن تجدّدت أثناء الركوع جالساً، فان كان بعد تمام الذكر الواجب فقد ذكر في المتن أنّه يجتزئ به، لكن يجب عليه الانتصاب للقيام بعد الرفع.

أقول: أمّا الاجتزاء فوجيه في فرض الضيق فقط، و إلّا ففي السعة يحكم بالبطلان كما مرّ. و أمّا الانتصاب فلا دليل عليه، فانّ الانتصاب القيامي إنّما يجب بعد الركوع القيامي كي لا يهوي إلى السجود من الركوع، و لا دليل على وجوبه بعد مطلق الركوع حتّى الجلوسي منه.

و إن شئت فقل: إنّ اللّازم بعد كل ركوع الانتصاب المناسب له و عدم الهوي منه إلى السجود، فان ركع قائماً وجب الانتصاب القيامي، و إن ركع جالساً فالانتصاب الجلوسي، و بعد فرض الاجتزاء في المقام بالركوع الجلوسي إمّا مطلقاً على مسلكه، أو في خصوص الضيق على المختار كما عرفت فلا يجب إلّا الانتصاب جالساً الحاصل في المقام، فالانتصاب للقيام لا دليل على جوازه فضلًا عن وجوبه.

و إن كان قبل تمام الذكر، أو قبل الشروع فيه فقد حكم في المتن بوجوب القيام متقوّساً إلى حدّ الركوع القيامي ثمّ إتمام الذكر و القيام بعده.

و هذا أيضاً لا يمكن المساعدة عليه، لما مرّ غير مرّة من تقوّم الركوع بالانحناء عن قيام، و ليس هو عبارة عن مطلق إحداث تلك الهيئة الانحنائية كيف ما اتّفق، فالقيام متقوّساً ليس من الركوع في شي‌ء بعد عدم سبقه بالقيام‌

37
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 5: زيادة الركوع الجلوسي و الايمائي مبطلة ؛ ج 15، ص : 38

[مسألة 5: زيادة الركوع الجلوسي و الايمائي مبطلة]

[1585] مسألة 5: زيادة الركوع الجلوسي و الايمائي مبطلة و لو سهواً كنقيصته (1).

______________________________
فلا فائدة في ذلك. و لو فرض صدق الركوع عليه فاللّازم الحكم بالبطلان لزيادة الركن كما لا يخفى.

و بالجملة: فليس له إلّا إتمام الذكر في نفس هذا الركوع، و لا يشرع له القيام منحنياً و الإتيان بالذكر فضلًا عن وجوبه، و لا حاجة إلى إعادة الصلاة.

و إن تجدّدت أثناء الركوع بالانحناء غير التام، أو أثناء الركوع الايمائي، فقد احتاط في المتن بالانحناء إلى حدّ الركوع و إعادة الصلاة.

و قد ظهر ممّا مرّ: أنّ ذلك هو الأظهر، بلا حاجة إلى إعادة الصلاة، لعدم صدق الزيادة في الركوع سيّما في الانحناء غير التام، فإنّه من مقدّمات الركوع الشرعي و مبادئه، إذ هو زيادة في الانحناء و تشديد في الكيف، فلا يعد وجوداً مستقلا آخر في قباله كي يعد من زيادة الركوع كما هو ظاهر جدّا.

(1) أمّا البطلان في فرض النقص فظاهر، فانّ الركوع من مقوّمات الصلاة كما يشهد به ما دلّ على أنّ الصلاة ثلث طهور و ثلث ركوع، و ثلث سجود «1» فمع خلوّها عنه و عن بدله و هو الإيماء لا يصدق عنوان الصلاة، مضافاً إلى عقد الاستثناء في حديث لا تعاد، و هذا ظاهر جدّاً بلا فرق فيه بين العمد و السهو.

و أمّا في فرض الزيادة فكذلك بالإضافة إلى الركوع الجلوسي، فإنّه ركوع حقيقة لغة و شرعاً، فيشمله ما دلّ على البطلان بزيادة الركوع فإنّه بإطلاقه يعمّ الركوع القيامي و الجلوسي.

______________________________
(1) الوسائل 6: 310/ أبواب الركوع ب 9 ح 1.

38
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 6: إذا كان كالراكع خلقة أو لعارض فان تمكن من الانتصاب ؛ ج 15، ص : 39

[مسألة 6: إذا كان كالراكع خلقة أو لعارض فان تمكن من الانتصاب]

[1586] مسألة 6: إذا كان كالراكع خلقة أو لعارض (1) فان تمكن من الانتصاب و لو بالاعتماد على شي‌ء وجب عليه ذلك، لتحصيل القيام الواجب حال القراءة و للركوع، و إلّا فللركوع فقط فيقوم و ينحني، و إن لم يتمكّن من ذلك لكن تمكن من الانتصاب في الجملة فكذلك، و إن لم يتمكّن أصلًا، فإن تمكن من الانحناء أزيد من المقدار الحاصل بحيث لا يخرج عن حدّ الركوع وجب [1]، و إن لم يتمكّن من الزيادة أو كان على أقصى مراتب الركوع بحيث

______________________________
و أمّا بالنسبة إلى الايمائي فالمشهور أنّه كذلك، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه، استناداً إلى سراية أحكام المبدل إلى البدل.

لكنّه كما ترى، فإنّ البدلية لا تستدعي إلّا تنزيل البدل منزلة المبدل في وجوب الإتيان به، و لا نظر في دليلها إلى بقية الأحكام كي يقتضي سرايتها إليه. و عليه فان تمّ الإجماع على الإلحاق و لم يتم فهو، و إلّا ففي الحكم بالبطلان إشكال بل منع، لعدم كون الإيماء ركوعاً لا لغةً و لا شرعاً، و إنّما هو بدل عن الركوع و وظيفة مقرّرة لدى العجز عنه، فلا يشمله ما دلّ على البطلان بزيادة الركوع «1» فانّ ذاك الدليل خاص بالركوع و لا يعم بدله الّذي ليس هو من الركوع في شي‌ء.

(1) تفصيل المقام: أنّ من كان على هيئة الراكع خلقة أو لعارض، إن تمكن من الانتصاب قليلًا و لو بالاعتماد على شي‌ء وجب ذلك على حسب طاقته رعاية للقيام الواجب حال تكبيرة الإحرام و القراءة و القيام المتّصل بالركوع، فإن أمكنه الكل فهو، و إلّا فبالمقدار الميسور، لا أقل من القيام آناً ما الّذي يتقوّم به الركوع‌

______________________________
[1] لا تبعد كفاية الإيماء حينئذٍ، و إن كان الجمع بينه و بين ما في المتن أحوط.

______________________________
(1) نعم، و لكنّه زيادة في الصلاة بعد الإتيان به بقصد الجزئية كما هو المفروض، فتقدح مع العمد و إن لم يصدق عنوان الركوع.

39
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 6: إذا كان كالراكع خلقة أو لعارض فان تمكن من الانتصاب ؛ ج 15، ص : 39

لو انحنى أزيد خرج عن حدّه فالأحوط له الإيماء بالرأس [1]، و إن لم يتمكّن فبالعينين له تغميضاً و للرفع منه فتحاً، و إلّا فينوي به قلباً و يأتي بالذكر [1].

______________________________
فيأتي حينئذ بالركوع الاختياري.

و إن عجز عن ذلك أيضاً فلم يتمكّن من الانتصاب أصلًا، فإن تمكن من القيام في الجملة و لو منحنياً الّذي هو حد متوسط بين الركوع و بين الانتصاب التام وجب ذلك و كان ركوعه اختيارياً أيضاً فإنّه متقوّم بمطلق القيام لا بخصوص القيام الانتصابي، فانّ الانتصاب واجب آخر حال القيام قد سقط لدى العجز غير معتبر في حقيقة الركوع، و إنّما يتقوّم بطبيعي القيام الحاصل في المقام و لو في ضمن فرد آخر و هو القيام الانحنائي فيجب مع التمكّن منه.

و إن لم يتمكّن من القيام أصلًا، فتارة يفرض تمكنه من ازدياد الانحناء و الانتقال إلى مرتبة اخرى اخفض ممّا هو عليه مع المحافظة على عدم الخروج عن أقصى مراتب الركوع، و أُخرى لا يتمكّن من الزيادة أصلًا، أو لو زاد خرج بذلك عن حدّ الركوع الشرعي، فهنا فرضان.

أمّا الفرض الأوّل ففيه وجوه بل أقوال:

أحدها: ما اختاره في المتن و لعلّه المشهور من وجوب الانحناء أزيد ممّا هو عليه، استناداً إلى لزوم الفرق بين قيامه و ركوعه، كما هو الحال في الإيماء للركوع و للسجود، فكما يومئ للثاني أخفض منه للأوّل، لمكان الفرق بينهما فكذا في المقام.

______________________________
[1] بل الأظهر ذلك.

[1] على الأحوط كما مرّ.

40
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 6: إذا كان كالراكع خلقة أو لعارض فان تمكن من الانتصاب ؛ ج 15، ص : 39

..........

______________________________
و فيه: منع ظاهر، فإنّه وجه استحساني و مجرد اعتبار لا يصلح لأن يكون مدركاً لحكم شرعي، و التفرقة في الإيماء قد دلّ عليها النص المختص بمورده فلا وجه للتعدِّي منه إلى المقام، فلم ينهض دليل شرعي على وجوب إحداث الفارق في محل الكلام، هذا.

و قد استدلّ له المحقِّق الهمداني (قدس سره) «1» بأنّ الركوع و إن كان متقوّماً بالانحناء عن القيام إلّا أنّ قيام كل شخص بحسبه، ففي القادر قيامه الاعتدال و في من كان على هيئة الراكع الاستقامة على ما هو عليه بحسب حاله، فانّ هذا هو قيامه بحسب العرف، فبطبيعة الحال يكون ركوعه هو الانحناء عن هذه الحالة بأن يزيد انحناؤه عمّا هو عليه ممّا يعد قياماً له، فانّ ذلك هو ركوعه في نظر العرف كما يشهد به جريان عادتهم في الركوع أمام الجبابرة و الملوك سيّما سيرة أهل الفرس بالنسبة إلى أُمرائهم، فان ركوع القادر هو الانحناء عن الانتصاب، و من كان منحني الظهر ركوعه الازدياد في انحنائه و لو يسيراً كل منهم على حسب حاله.

و فيه أوّلًا: منع صدق الركوع عليه عرفاً، و إنّما هو انتقال من مرتبة من الانحناء إلى أُخرى، كيف و قد عرفت أنّه متقوّم لغة و عرفاً بالانحناء عن القيام و من احدودب ظهره عاجز عن القيام و ليس هو إلّا على هيئة الراكع، فصدق الركوع في حقّه ممنوع جدّاً، و أمّا تعظيم مثله أمام الجبابرة و الملوك بزيادة الانحناء فإنّما هو تواضع و خضوع، و لا يعد من الركوع في شي‌ء كما لا يخفى.

و ثانياً: سلّمنا صدق الركوع عليه عرفاً إلّا أنّه لا دليل على وجوب الانحناء الزائد في المقام، فانّ المستفاد من الأدلّة الواردة في تحديد الركوع الشرعي وجوب الانحناء عن القيام حدّا يتمكن معه من إيصال أطراف‌

______________________________
(1) مصباح الفقيه (الصلاة): 328 السطر 9.

41
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 6: إذا كان كالراكع خلقة أو لعارض فان تمكن من الانتصاب ؛ ج 15، ص : 39

..........

______________________________
أصابعه الركبتين و يستحبّ الزيادة قليلًا بحيث تصل الراحة إليهما كما مرّ. و هذا التكليف ساقط عن هذا الشخص لعجزه عن إيجاد هذا الحد و إحداثه حسب الفرض، فبأيّ دليل يجب عليه الانحناء الزائد على هذا المقدار ممّا هو عليه فإنّه يحتاج إلى دليل بالخصوص و هو مفقود.

و دعوى انصراف هذا التحديد إلى الأفراد الشائعة دون من كان على هيئة الراكع كما ترى، فإنّه إرشاد إلى الحد المعتبر في الركوع المأمور به، و مقتضى الإطلاق «1» عدم الفرق بين الموارد كما لا يخفى. فالأقوى حينئذ لزوم الانتقال إلى البدل المقرّر لدى العجز عن الركوع و هو الإيماء لعدم قصور في شمول إطلاق دليله للمقام.

القول الثاني: ما اختاره صاحب الجواهر (قدس سره) «2» من أنّه ينوي الركوع ببقائه على هذه الحالة، لعدم الدليل على وجوب الانحناء الزائد و ليس ذلك من تحصيل الحاصل كي يكون الأمر به لغواً، لإمكان هدم تلك الهيئة الركوعية بالجلوس و نحوه فيؤمر بالبقاء على تلك الهيئة قاصداً بها الركوع المأمور به في الصلاة.

أقول: أمّا عدم الدليل على الانحناء الزائد فهو حق كما عرفت آنفاً. و أمّا الاجتزاء بقصد الركوع بتلك الهيئة فيتوقف على أمرين:

أحدهما: أنّ الركوع عبارة عن نفس تلك الهيئة الخاصّة، و الهوي مقدّمة عقلية صرفة.

______________________________
(1) لقائل أن يقول: إنّ الخطاب في نصوص التحديد متوجِّه إلى الأشخاص العاديين المستوين في الخلقة كزرارة و أبي بصير و نحوهما، و لعل هذا يجعله من اكتناف الكلام بما يصلح للقرينية المانع عن انعقاد الإطلاق.

(2) الجواهر 10: 81.

42
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 6: إذا كان كالراكع خلقة أو لعارض فان تمكن من الانتصاب ؛ ج 15، ص : 39

..........

______________________________
ثانيهما: أنّ المأمور به هو الركوع الأعم من الحدوثي و البقائي، و عليه فلا مانع من قصد الركوع بتلك الهيئة الخاصّة بقاءً، هذا.

و للمناقشة في كلا الأمرين مجال واسع.

أمّا الأوّل: فلما عرفت من أنّ الركوع متقوّم بالانحناء عن القيام، فهو معتبر في حقيقته شطراً أو شرطاً و إن كان الأظهر هو الثاني. و على أيّ حال فليست تلك الهيئة على إطلاقها و كيف ما اتّفقت ركوعاً كي يكون الهوي مقدّمة محضة. و من هنا لو جلس عن القيام ثمّ قام متقوساً إلى حدّ الركوع لا يجتزى به و لا يتحقّق معه الركوع قطعا.

و أما الثاني: فلأنّ الظاهر من الأمر بشي‌ء هو إحداثه و إيجاده بعد ان لم يكن، و لا يكفي فيه مجرّد البقاء و لو بقصد الأمر، بل كيف يمكن توجيه الخطاب نحو الراكع بقوله اركع فإنّه يعد لغواً و من تحصيل الحاصل في نظر العرف كما لا يخفى. فهذا القول يتلو سابقه في الضعف.

و من جميع ما قدّمناه يظهر أنّ الأقوى هو القول الثالث، أعني سقوط الركوع عنه، لمكان العجز و الانتقال إلى بدله و هو الإيماء، لعدم قصور دليله عن الشمول للمقام فيومئ برأسه إن أمكن و إلّا فبالعينين تغميضاً له و فتحاً للرفع منه، و مع العجز عنه أيضاً الّذي هو فرض نادر جدّاً فينوي بقلبه على الأحوط و إلّا فلا دليل عليه، و مقتضى القاعدة حينئذ سقوط الصلاة لتقوّمها بالركوع و هو عاجز عنه و عن بدله، لكن الفرض في غاية الشذوذ كما عرفت و قد مرّ تفصيل ذلك كلّه في بحث القيام.

نعم، الأحوط في المقام أن يجمع بين الإيماء و بين زيادة الانحناء قاصداً بأحدهما ما هو الركوع المأمور به في حقّه و ما هي وظيفته واقعاً، فيقع الآخر لغواً غير مضر فإنّه جامع بين الأقوال، و بذلك يخرج عن شبهة الخلاف، فإنّ‌

43
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 7: يعتبر في الانحناء أن يكون بقصد الركوع و لو إجمالا بالبقاء على نيته في أول الصلاة ؛ ج 15، ص : 44

[مسألة 7: يعتبر في الانحناء أن يكون بقصد الركوع و لو إجمالًا بالبقاء على نيّته في أوّل الصلاة]

[1587] مسألة 7: يعتبر في الانحناء أن يكون بقصد الركوع و لو إجمالًا بالبقاء على نيّته في أوّل الصلاة بأن لا ينوي الخلاف، فلو انحنى بقصد وضع شي‌ء على الأرض أو رفعه، أو قتل عقرب أو حيّة، أو نحو ذلك، لا يكفي في جعله ركوعاً، بل لا بدّ من القيام ثمّ الانحناء للركوع، و لا يلزم منه زيادة الركن (1).

______________________________
صاحب الجواهر أيضاً لا يأبى عن ذلك و إنّما يرى جواز قصد الركوع بالبقاء على تلك الحالة، لا عدم جوازه بالانحناء الزائد كما لا يخفى.

و أمّا في الفرض الثاني فلا ينبغي الشك في تعيّن الإيماء في حقّه، لفرض عدم تمكنه من الانحناء الزائد كي يحتمل وجوبه، أو لو انحنى خرج عن أقصى مراتب الركوع. و قد عرفت ضعف مقالة صاحب الجواهر (قدس سره) لتوقّفها على مقدّمتين كلتاهما ممنوعة. فلا مناص من الانتقال إلى البدل و هو الإيماء عملًا بإطلاق دليله الّذي لا يقصر عن الشمول للمقام.

(1) لا يخفى أنّ المحتملات في حقيقة الركوع المأمور به أُمور:

أحدها: أنّه عبارة عن الحركة عن حالة الانتصاب إلى أن تبلغ أطراف أصابعه الركبتين، أو أن يضع كفّيه عليهما على الخلاف في ذلك كما مرّ «1»، فيكون في ابتداء الحركة شارعاً في الركوع، لكونه مؤلفاً من عدّة أجزاء و هي الانحناءات المتتالية المحدودة بين الحدّين، فكل مرتبة جزء من الركوع لتركبه من المجموع.

الثاني: أنّه مفهوم بسيط لا جزء له، و هو نفس الهيئة الخاصّة المنتزعة عن الانحناء البالغ حدّا يتمكّن من إيصال الأصابع أو اليدين إلى الركبتين، لكن لا‌

______________________________
(1) في ص 3 و ما بعدها.

44
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 7: يعتبر في الانحناء أن يكون بقصد الركوع و لو إجمالا بالبقاء على نيته في أول الصلاة ؛ ج 15، ص : 44

..........

______________________________
على إطلاقها، بل حصّة خاصّة من تلك الهيئة و هي المسبوقة بالقيام، فالواجب هي الهيئة الحاصلة عن انحناء قيامي، فيكون الهوي عن القيام معتبراً فيه شرطاً لا شطراً و تقيّداً لا قيداً، بخلاف الوجه السابق الّذي كان عليه معتبراً قيداً و تقيّداً كما عرفت.

الثالث: أنّه عبارة عن نفس تلك الهيئة الخاصّة على إطلاقها كيف ما اتّفقت و حيثما تحقّقت، فيكون الهوي إليها مقدّمة عقلية صرفة لا دخل لها في المأمور به أصلًا بخلاف الوجه الثاني، إذ عليه كان مقدّمة شرعية كما هو الحال في سائر الشرائط من الستر و الطهور و نحوهما.

و يترتّب على الاحتمالين الأوّلين ما أفاده في المتن من لزوم كون الانحناء بقصد الركوع، و أنّه لو انحنى لغاية أُخرى من وضع شي‌ء على الأرض أو رفعه أو قتل عقرب أو حيّة، و بعد بلوغ حدّ الركوع بدا له أن يجعله ركوعاً لا يكتفي به، بل لا بدّ من القيام ثمّ الانحناء للركوع، و لا يلزم منه زيادة الركن.

أمّا مع الاحتمال الأوّل فظاهر، و كذا على الثاني، فإنّ الشرط ليس مطلق الهوي و الانحناء، بل خصوص ما كان بقصد الركوع كما لا يخفى، فالهوي العاري عن هذا القصد ليس مصداقاً للشرط فينتفي المشروط بانتفائه.

و أمّا على الاحتمال الأخير فقد يقال كما عن العلّامة الطباطبائي في منظومته «1»، و تبعه صاحب الجواهر «2» بالاكتفاء في المقام، إذ الواجب هو نفس تلك الهيئة و قد حصلت، و الهوي مقدّمة عقلية محضة لا دخل له في الركوع المأمور به بوجه عدا حيثية المقدّمية الصرفة، كما أنّه كذلك بالإضافة إلى السجود بلا خلاف و لا إشكال، لكونه متقوّماً بوضع الجبهة على الأرض‌

______________________________
(1) الدرّة النجفية: 123.

(2) الجواهر 10: 76.

45
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 7: يعتبر في الانحناء أن يكون بقصد الركوع و لو إجمالا بالبقاء على نيته في أول الصلاة ؛ ج 15، ص : 44

..........

______________________________
فقط، و لا دخل للهوي فيه إلّا من باب المقدّمة، فكما أنّه لو هوى إلى الأرض لغاية أُخرى ثمّ بدا له في السجود يجتزي به من دون حاجة إلى القيام و الهوي إليه مرّة أُخرى، فكذا في المقام.

و اعترض عليه شيخنا الأنصاري «1» و قد أجاد فيما أفاد فأورد (قدس سره).

أوّلًا: بإنكار المبنى، و أنّ الركوع ليس مطلق تلك الهيئة كي يكون الهوي مقدّمة عقلية صرفة، بل خصوص المسبوق بالقيام كما هو المستفاد من ظواهر النصوص، بل من كلمات اللّغويين أيضاً، فلا يطلق الراكع إلّا على المنحني عن قيام، فهو مشروط بسبق الهوي و متقوّم بالانحناء القيامي. و من هنا لو جلس عن قيامه ثمّ قام متقوّساً إلى حدّ الركوع لا يجتزى به بلا إشكال، لعدم كونه مصداقاً للركوع، و إنّما هو على هيئة الراكع. و لا يقاس ذلك بالسجود، لما عرفت من أنّه متقوّم بوضع الجبهة على الأرض فقط، و لا دخل للهوي و الانحناء في حقيقته بوجه، فهو فيه مقدّمة عقلية محضة لا محالة، بخلاف الركوع فإنّه متقوّم بالانحناء المسبوق بالقيام المستلزم لكون الهوي شرطاً شرعياً فيه كما عرفت.

و ثانياً: سلّمنا ذلك، لكن دعوى الاكتفاء مبنية على أن يكون الأمر بالركوع متعلِّقاً بالطبيعي الجامع بين الحدوث و البقاء، فإنّه بعد ما بلغ إلى هذا الحد و لو لغاية أُخرى جاز له أن يقصد به الركوع بقاء.

لكنّه خلاف ظواهر الأدلّة قطعاً، بل المنصرف منها خصوص الإحداث و إيجاد الركوع بعد أن لم يكن، كما هو الحال في السجود أيضاً و غيره من سائر التكاليف، فلو عثر في صلاته فاتّصلت جبهته بالأرض قهراً ليس له أن يقصد به السجود بقاءً بلا إشكال، بل لا بدّ من رفع الجبهة ثمّ وضعها ثانياً بقصد‌

______________________________
(1) كتاب الصلاة: 157.

46
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 8: إذا نسي الركوع فهوى إلى السجود و تذكر قبل وضع جبهته على الأرض ؛ ج 15، ص : 47

[مسألة 8: إذا نسي الركوع فهوى إلى السجود و تذكّر قبل وضع جبهته على الأرض]

[1588] مسألة 8: إذا نسي الركوع فهوى إلى السجود و تذكّر قبل وضع جبهته على الأرض رجع إلى القيام ثمّ ركع، و لا يكفي أن يقوم منحنياً إلى حدّ الركوع من دون أن ينتصب، و كذا لو تذكّر بعد الدخول في السجود أو بعد رفع الرأس من السجدة الأُولى قبل الدخول في الثانية على الأقوى و إن كان الأحوط في هذه الصورة إعادة الصلاة أيضاً بعد إتمامها و إتيان سجدتي السهو لزيادة السجدة (1).

______________________________
السجود كي يتحقّق الإحداث، كما أنّ الواجب في المقام هو القيام ثمّ الانحناء ثانياً بقصد الركوع. فظهر أنّ ما ذكره في المتن هو الصحيح على جميع التقادير.

(1) لا إشكال في أنّ من نسي الركوع و تذكّره بعد السجدتين أو بعد الدخول في السجدة الثانية بطلت صلاته لعدم إمكان تصحيحها بوجه، للزوم زيادة الركن من التدارك، و نقيصته مع عدمه كما لا يخفى.

كما لا إشكال في الصحّة لو كان التذكّر قبل الدخول في السجود و وضع الجبهة على الأرض، لإمكان التدارك من دون أيّ محذور، فيرجع إلى القيام ثمّ يركع، و لا يكفي القيام متقوّساً إلى حدّ الركوع من دون أن ينتصب، لاعتبار كون الركوع عن قيام متّصل به كما عرفت في المسألة السابقة و لا اتِّصال في المقام.

إنّما الكلام فيما إذا كان التذكّر بعد السجدة الأُولى أو أثناءها، فهل يلحق ذلك بالصورة الأُولى كما لعلّه المشهور فيحكم بالبطلان، أم بالصورة الثانية كما اختاره جماعة منهم الماتن فيحكم بالصحّة؟

لا ينبغي الشك في أنّ مقتضى القاعدة هو الثاني، إذ لا يلزم من تدارك الركوع أيّ محذور عدا زيادة سجدة واحدة سهواً، و لا ضير فيها بعد أن لم‌

47
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 8: إذا نسي الركوع فهوى إلى السجود و تذكر قبل وضع جبهته على الأرض ؛ ج 15، ص : 47

..........

______________________________
تكن ركناً، و قد ورد أنّ الصلاة لا تعاد من سجدة واحدة، و إنّما تعاد من ركعة
«1».

و إنّما المنشأ للخلاف ورود روايات في المقام ربما يتوهّم دلالتها على البطلان في خصوص المقام أعني نسيان الركوع و بذلك يخرج عن مقتضى القاعدة المزبورة، لكن الظاهر عدم دلالتها عليه، بل المستفاد منها أيضاً هي الصحّة فتكون الصحّة مطابقة للقاعدة و للنص فلا بدّ من التعرّض إليها.

فمنها: موثقة إسحاق بن عمار قال: «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل ينسى أن يركع، قال يستقبل حتّى يضع كل شي‌ء من ذلك موضعه» «2» قالوا إنّ الموضوع نسيان الركوع مطلقاً فيشمل ما لو كان التذكّر بعد السجدة الواحدة.

و فيه: أنّ الذيل مانع عن انعقاد الإطلاق لقوله (عليه السلام): «حتّى يضع كلّ شي‌ء موضعه»، فيظهر أنّ موضوع الحكم نسيان لا يتمكّن معه من وضع كل شي‌ء موضعه، و هذا كما ترى مختص بما إذا كان التذكر بعد السجدتين، إذ لو كان بعد السجدة الواحدة يتمكّن من وضع كل شي‌ء موضعه، لما عرفت من أنّ زيادة السجدة الواحدة سهواً غير قادحة فيتمكّن من تدارك الركوع و وضعه في موضعه من دون أيّ محذور. و مع تسليم الإطلاق فلا بدّ من تقييده بما ستعرف.

و منها: صحيحة رفاعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل ينسى أن يركع حتّى يسجد و يقوم، قال: يستقبل» «3».

______________________________
(1) الوسائل 6: 319/ أبواب الركوع ب 14 ح 2، 3.

(2) الوسائل 6: 313/ أبواب الركوع ب 10 ح 2.

(3) الوسائل 6: 312/ أبواب الركوع ب 10 ح 1.

48
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 8: إذا نسي الركوع فهوى إلى السجود و تذكر قبل وضع جبهته على الأرض ؛ ج 15، ص : 47

..........

______________________________
و هذه أيضاً كما ترى لا إطلاق لها، لقوله: «يسجد و يقوم»، إذ من الواضح أنّ القيام إنّما هو بعد السجدتين فلا يشمل ما لو كان التذكّر بعد السجدة الواحدة لعدم القيام معها، و مع تسليم الإطلاق فيقيّد أيضاً بما سيجي‌ء.

و منها: خبر أبي بصير قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل نسي أن يركع قال: عليه الإعادة» «1».

و فيه: مضافاً إلى ضعف سنده بمحمّد بن سنان، عدم ظهوره في الإطلاق و إلّا لزم الحكم بالبطلان، و لو كان التذكّر قبل وضع الجبهة على الأرض لصدق نسيان الركوع حينئذ مع أنّها صحيحة بعد تدارك الركوع بلا خلاف و لا إشكال كما تقدّم، فيظهر أنّ المراد به نسيان لا يتمكّن معه من التدارك و وضع كل شي‌ء موضعه المختص بما إذا كان التذكّر بعد السجدتين، فيكون مفاده مساوقاً لموثقة إسحاق بن عمار المتقدِّمة.

و على تقدير تسليم الإطلاق فلا بدّ من تقييده كغيره من النصوص المتقدِّمة «2» بصحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة و قد سجد سجدتين و ترك الركوع استأنف الصلاة» «3» فإنّ الجملة الشرطية تضمّنت قيدين:

أحدهما: تيقن ترك الركعة أي الركوع كما يشهد به قوله: «و ترك الركوع» ثانيهما: أن يكون التذكّر بعد السجدتين، فمفهومها عدم وجوب الاستئناف عند‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 313/ أبواب الركوع ب 10 ح 4.

(2) هذا وجيه في غير صحيحة رفاعة، أمّا فيها فالنسبة بينها على تقدير تسليم الإطلاق كما هو المفروض و بين مفهوم صحيحة أبي بصير عموم من وجه كما لا يخفى، و معه لا موجب لتقديم هذه الصحيحة.

(3) الوسائل 6: 313/ أبواب الركوع ب 10 ح 3.

49
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 9: لو انحنى بقصد الركوع فنسي في الأثناء و هوى إلى السجود ؛ ج 15، ص : 50

[مسألة 9: لو انحنى بقصد الركوع فنسي في الأثناء و هوى إلى السجود]

[1589] مسألة 9: لو انحنى بقصد الركوع فنسي في الأثناء و هوى إلى السجود، فان كان النسيان قبل الوصول إلى حدّ الركوع انتصب قائماً ثمّ ركع، و لا يكفي الانتصاب إلى الحدّ الّذي عرض له النسيان ثمّ الركوع، و إن كان بعد الوصول إلى حدّه فان لم يخرج عن حدّه وجب عليه البقاء مطمئنّاً و الإتيان بالذكر، و إن خرج عن حدّه فالأحوط إعادة الصلاة بعد إتمامها بأحد الوجهين من العود إلى القيام [1] ثمّ الهويّ للركوع أو القيام بقصد الرّفع منه ثمّ الهويّ للسجود، و ذلك لاحتمال كون الفرض من باب نسيان الركوع فيتعيّن الأوّل، و يحتمل كونه من باب نسيان الذكر و الطمأنينة في الركوع بعد تحقّقه و عليه فيتعيّن الثاني، فالأحوط أن يتمّها بأحد الوجهين ثمّ يعيدها (1).

______________________________
فقد أحد القيدين فلا تجب الإعادة لو شكّ في ترك الركوع، لكونه مجرى لقاعدة التجاوز، كما لا تجب لو كان التذكّر قبل السجدتين الشامل لما إذا تذكّر بعد السجدة الواحدة. فبمفهوم هذه الصحيحة يقيّد الإطلاق في بقية النصوص لو كان. فما أفاده في المتن من الحكم بالصحّة في هذه الصورة بعد تدارك الركوع هو الصحيح، و إن كان الأحوط الإعادة.

(1) قد عرفت أنّ الركوع ليس عبارة عن مجرّد الهيئة الخاصّة كيف ما اتّفقت بل خصوص المسبوق بالانحناء عن القيام بحيث يكون لدى الهوي عن القيام قاصداً للركوع في جميع مراتب الانحناءات إلى أن يبلغ حدّ الركوع، و من هنا أشرنا سابقاً إلى أنّ القيام المتّصل بالركوع ليس واجباً بنفسه فضلًا عن أن يكون ركناً بحياله، بل هو تابع في الوجوب و الركنية لنفس الركوع، حيث إنّ‌

______________________________
[1] هذا هو الظاهر و إعادة الصلاة بعد ذلك أحوط.

50
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 9: لو انحنى بقصد الركوع فنسي في الأثناء و هوى إلى السجود ؛ ج 15، ص : 50

..........

______________________________
الإخلال به إخلال بالركوع لتقوّمه به و دخله في حقيقته. و على هذا الأساس يبتني حكم هذه المسألة كالمسألة السابقة.

ثمّ إنّ هذه المسألة تنحل إلى صور:

إحداها: أن ينحني بقصد الركوع و في الأثناء قبل أن يصل إلى حدّ الركوع ينسى فيهوي إلى السجود ثمّ يتذكّر، سواء أ كان تذكّره قبل الوصول إلى حدّ الركوع أيضاً أو في أثنائه، أو بعد التجاوز عن حدّه، لاشتراك الجميع في ملاك الحكم و هو عدم حصول الركوع المأمور به منه، لما عرفت من تقوّمه بالانحناء الحاصل بقصده في جميع مراحله و مراتبه، و المفروض أنّ قطعة خاصّة من الهوي و هي المتحققة بعد النسيان لم تكن بقصده، فقد تخلل الفصل بالهوي غير الصلاتي المانع من اتِّصال الركوع بالقيام بالمعنى الّذي عرفت. فلا مناص من رجوعه و انتصابه قائماً ثمّ الركوع.

و منه تعرف أنّه لا يجديه الانتصاب إلى الحدّ الّذي عرض له النسيان ثمّ الركوع، لعدم حصول الاتِّصال بالقيام معه بعد تخلّل الفصل بينهما بالهوي الأجنبي غير المقصود به الركوع. و هذا ظاهر لا سترة عليه.

الصورة الثانية: أن يعرض النسيان بعد البلوغ حدّ الركوع، فيهوي بقصد السجود قليلًا ثمّ يتذكّر قبل الخروج عن الحد، و حكم هذا أيضاً ظاهر، فإنّه يبقى مطمئنّاً ثمّ يأتي بالذكر و لا شي‌ء عليه، غايته أنّه انتقل من مرتبة من الركوع إلى مرتبة اخرى بلا قصد إليها، و هذا لا ضير فيه بعد تحقّق مسمّى الركوع عن قصد إليه، و لا يعد ذلك زيادة في الركوع، إذ ليس هو ركوعاً آخر و وجوداً ثانياً له، بل هو إبقاء و استمرار للوجود الأوّل. نعم، هو هوي زائد لعدم كونه بقصد الركوع حسب الفرض، و لا دليل على قادحية مثله بعد أن صدر سهواً، إنّما الإشكال في:

51
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 9: لو انحنى بقصد الركوع فنسي في الأثناء و هوى إلى السجود ؛ ج 15، ص : 50

..........

______________________________
الصورة الثالثة: و هي ما لو عرض النسيان بعد البلوغ حدّ الركوع و لم يتذكّر إلّا بعد الخروج عن حدّه، و قد احتمل الماتن (قدس سره) فيها احتمالين:

أحدهما: أن يكون ذلك من باب نسيان الركوع، فيلحق بما لو هوى عن القيام إلى السجود و قبل الدخول فيه تذكّر ترك الركوع الّذي تقدّم حكمه في المسألة السابقة من لزوم التدارك بالرجوع إلى القيام ثمّ الإتيان بالركوع، و بعد الانتصاب منه يهوي إلى السجود و يتم صلاته.

ثانيهما: أن يكون ذلك من باب نسيان الذكر و الطمأنينة في الركوع بعد تحقّقه، و حيث قد مضى محلّهما فلا مجال لتداركهما، نعم القيام الواجب بعد الركوع محلّه باق، فليس عليه إلّا الانتصاب بقصد رفع الرأس من الركوع ثمّ الهوي إلى السجود، و حيث إنّه (قدس سره) لم يجزم بشي‌ء من الاحتمالين فذكر أنّ الأحوط اختيار أحد الوجهين و العمل بإحدى الوظيفتين ثمّ إعادة الصلاة.

أقول: قد يفرض عروض النسيان بعد حصول الاستقرار على هيئة الركوع و لو آناً ما، و لا شك في الصحّة حينئذ و عدم لزوم التدارك، إذ قد تحقّق معه مسمّى الركوع الواجب، غايته فوات الذكر و الاطمئنان حاله غير الممكن تداركهما لفوات المحل و لا ضير فيه بعد أن لم يكن ركناً، و قد تعرّض (قدس سره) لهذا الفرع في بحث الخلل «1» و حكم بالصحّة غير أنّه ذكر وجوب القيام بعدئذ تحصيلًا للقيام الواجب بعد الركوع، و لنا معه كلام في ذلك ستعرفه.

إلّا أنّ هذا الفرض خارج عن منصرف كلامه في المقام كما لا يخفى.

و قد يفرض عدم حصول الاستقرار أصلًا و استمراره في الهوي من غير مكث كما هو محط نظره و مفروض كلامه. و الظاهر حينئذ تعيّن الاحتمال الأوّل‌

______________________________
(1) في مطاوي المسألة الثامنة عشرة [شرح العروة 18/ المسألة 2019].

52
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 9: لو انحنى بقصد الركوع فنسي في الأثناء و هوى إلى السجود ؛ ج 15، ص : 50

..........

______________________________
و أنّ المقام من نسيان الركوع، لوضوح أنّ الهيئة الخاصّة التي هي حقيقة الركوع لا تكاد تتحقّق إلّا بالاستقرار عليها و لو هنيئة بحيث ينتهي به الانحناء و تأخذ الهيئة حدّها و إلّا فلا ركوع مع التوالي في الانحناء و الاستمرار في الهوي، لعدم حصول تلك الهيئة بحدّها مع التجاوز و عدم الاستقرار، كيف و لو صدق عليه الركوع لكان الهاوي إلى السجود راكعاً أيضاً في ضمنه، فيلزم اشتمال كل ركعة على ركوعين و هو كما ترى
«1».

و بالجملة: لا ينبغي الرّيب في عدم تحقّق الركوع في المقام لفقد فصله المقوّم له، فلا مناص من تداركه لنسيانه.

ثمّ إنّ ما ذكره الماتن بناءً على الاحتمال الثاني من وجوب القيام بقصد الرفع من الركوع تحصيلًا للقيام الواجب بعده مبني على أن يكون الواجب مطلق القيام الحاصل بعد الركوع كيف ما اتّفق، و هو خلاف التحقيق، بل الظاهر من النصوص أنّ الواجب هو القيام عن الركوع لا القيام بعد الركوع و كم فرق بينهما، و من هنا لو جلس عن ركوعه اختياراً ثمّ قام لا يكون مجدياً بلا كلام و ليس ذلك إلّا لكون الواجب خصوص الحصّة الخاصّة و هي القيام الناشئ عن رفع رأسه من الركوع، و حيث إنّ هذا القيام متعذِّر في المقام لعدم إمكانه إلّا بإعادة الركوع المستلزمة لزيادة الركن فيسقط و لا ضير فيه، لعدم كونه ركناً و إنّما هو واجب مستقل بعد الركوع.

فالأقوى عدم الحاجة إلى القيام على هذا الاحتمال، أو على تقدير حصول الاستقرار في الركوع و لو قليلًا كما في الفرض السابق و مرّت الإشارة إليه.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو الاحتمال الأوّل و إن كان الاحتياط بالإعادة حسنا.

______________________________
(1) هذا وجيه لولا تقوّم الركوع بالقصد المنفي في الفرض.

53
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 10: ذكر بعض العلماء أنه يكفي في ركوع المرأة الانحناء ؛ ج 15، ص : 54

[مسألة 10: ذكر بعض العلماء أنّه يكفي في ركوع المرأة الانحناء]

[1590] مسألة 10: ذكر بعض العلماء أنّه يكفي في ركوع المرأة الانحناء بمقدار يمكن معه إيصال يديها إلى فخذيها فوق ركبتيها (1)، بل قيل باستحباب ذلك، و الأحوط كونها كالرجل في المقدار الواجب من الانحناء نعم الأولى لها عدم الزيادة في الانحناء لئلّا ترتفع عجيزتها.

______________________________
(1) حكي ذلك عن المقنعة
«1» و النهاية «2»، بل عن كثير من كتب المتقدِّمين و أكثر كتب المتأخِّرين كما في الجواهر «3» استناداً إلى صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: المرأة إذا قامت في الصلاة جمعت بين قدميها و تضم يديها إلى صدرها لمكان ثدييها، فاذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلّا تطأطأ كثيراً فترتفع عجيزتها» «4».

و لا يخفى أنّه بناءً على مسلك المشهور من تحديد الانحناء المعتبر في الركوع بإمكان وضع اليدين على الركبتين تتحقّق المنافاة بينه و بين هذه الصحيحة، إذ مقتضى النصوص المستدل بها على هذا القول أنّ التحديد المزبور معتبر في ماهية الركوع حيثما تحقّق، و قضيّة الإطلاق و لو بمعونة قاعدة الاشتراك عدم الفرق في ذلك بين الرجل و المرأة، فتنافيها هذه الصحيحة الدالّة على كفاية الأقل بالنسبة إليها. فلا مناص من ارتكاب التخصيص جمعاً، و حمل تلك النصوص على الرِّجال، و نتيجة ذلك الالتزام بافتراقها عن الرِّجال في مقدار الانحناء.

و أمّا بناءً على القول الآخر و هو المختار كما تقدّم «5» من كفاية الانحناء‌

______________________________
(1) المقنعة: 111.

(2) النهاية: 73.

(3) الجواهر 10: 74.

(4) الوسائل 6: 323/ أبواب الركوع ب 18 ح 2.

(5) في ص 6.

54
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 11: يكفي في ذكر الركوع التسبيحة الكبرى مرة واحدة ؛ ج 15، ص : 55

[مسألة 11: يكفي في ذكر الركوع التسبيحة الكبرى مرّة واحدة]

[1591] مسألة 11: يكفي في ذكر الركوع التسبيحة الكبرى مرّة واحدة كما مرّ و أمّا الصغرى إذا اختارها فالأقوى وجوب تكرارها ثلاثاً، بل الأحوط [1] و الأفضل في الكبرى أيضاً التكرار ثلاثاً، كما أنّ الأحوط في مطلق الذكر غير التسبيحة أيضاً الثلاث و إن كان كل واحد منه بقدر الثلاث من الصغرى (1).

______________________________
حدّا يتمكّن من إيصال رؤوس الأصابع إلى الركبتين، فلا منافاة حينئذ بينه و بين هذه الصحيحة في مقدار الانحناء، إذ التمكن من الإيصال المزبور يستلزم بطبيعة الحال وضع اليدين فوق الركبتين و على الفخذين الّذي تضمّنته هذه الصحيحة فينطبق أحدهما على الآخر، فاذن لا فرق بينهما في حدّ الانحناء الواجب.

نعم، يفترقان في الحكم الاستحبابي، إذ لا ريب في استحباب الانحناء الأكثر للرجال بحيث يتمكّن من وضع اليدين على الركبتين كما تقدّم. و أمّا النِّساء فالأولى و الأفضل لهنّ الوقوف على هذا الحد و عدم الانحناء الأكثر لئلّا يطأطئن كثيراً فترتفع عجيزتهن كما تضمنته هذه الصحيحة، فيلتزم بالتخصيص في هذا الحكم الاستحبابي مع المساواة في الحدّ الوجوبي. فما ذكره في المتن من أنّها كالرجل في المقدار الواجب من الانحناء غير أنّ الأولى لها عدم الزيادة فيه هو الصحيح.

(1) تقدّم الكلام حول هذه المسألة عند التعرّض للواجب الثاني من واجبات الركوع مستقصى و عرفت كفاية التسبيحة الكبرى مرّة واحدة، و لزوم تكرار الصغرى ثلاثاً، بل كفاية مطلق الذكر إذا كان بقدر الثلاث الصغريات.

______________________________
[1] لم يظهر لنا وجه الاحتياط.

55
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 11: يكفي في ذكر الركوع التسبيحة الكبرى مرة واحدة ؛ ج 15، ص : 55

و يجوز الزيادة على الثلاث و لو بقصد الخصوصية و الجزئية (1)

______________________________
نعم، أضاف في المقام احتياطين:

أحدهما: استحبابي قال (قدس سره): بل الأحوط و الأفضل في الكبرى أيضاً التكرار ثلاثاً. أمّا كونه أفضل فلا إشكال فيه، للأمر به في جملة من النصوص المحمول على الاستحباب كما تقدّم «1». و أمّا الاحتياط فلم يظهر وجهه بعد التصريح في غير واحد من النصوص بكفاية المرّة، و أنّ واحدة تامّة تجزي فلا مجال لاحتمال وجوب الثلاث كي يكون أحوط «2».

ثانيهما: وجوبي و هو قوله: كما أنّ الأحوط في مطلق الذكر غير التسبيحة أيضاً الثلاث و إن كان كل واحدة منه بقدر الثلاث من الصغرى. و هذا أيضاً لم يظهر وجهه، للتصريح في صحيحة مسمع المتقدِّمة بكفاية ما يعادل التسبيحات الثلاث، قال (عليه السلام): «يجزيك من القول في الركوع و السجود ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ مترسلًا» إلخ «3» فلو اختار ذكراً يوازي مجموع الثلاث من الصغرى كقوله لا إلٰه إلّا اللّٰه و اللّٰه أكبر مثلًا، كفى من دون حاجة إلى تكراره ثلاثاً، فالاحتياط المذكور في غير محله.

(1) أمّا قصد الجزئية فمشكل بل ممنوع، لما مرّ غير مرّة من منافاتها مع الاستحباب، و لذا أنكرنا وجود الجزء المستحبِّي، و إنّما هو مستحب ظرفه الواجب أو المستحب.

______________________________
(1) في ص 12.

(2) حكى في الحدائق 8: 248 عن العلّامة في التذكرة [3: 169] عن بعض علمائنا وجود القول بوجوب الثلاث، فلعل احتياط المتن مبني على رعاية هذا القول.

(3) الوسائل 6: 302/ أبواب الركوع ب 5 ح 1.

56
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 11: يكفي في ذكر الركوع التسبيحة الكبرى مرة واحدة ؛ ج 15، ص : 55

و الأولى أن يختم على وتر كالثلاث و الخمس و السبع و هكذا (1)، و قد سمع من الصادق (صلوات اللّٰه عليه) ستّون تسبيحة في ركوعه و سجوده.

______________________________
و أمّا قصد الخصوصية أي الإتيان بالزائد بعنوان الوظيفة المقرّرة في هذه الحالة لا بعنوان مطلق الذكر الّذي هو حسن على كلّ حال فدلّ عليه النصوص الدالّة على استحباب إطالة الركوع و السجود و إكثار الذكر فيهما، التي منها موثقة سماعة قال (عليه السلام) فيها: «و من كان يقوى على أن يطوّل الركوع و السجود فليطوّل ما استطاع يكون ذلك في تسبيح اللّٰه و تحميده و تمجيده، و الدُّعاء و التضرّع، فإنّ أقرب ما يكون العبد إلى ربّه و هو ساجد»
«1».

(1) على المشهور، و كأنّه لما في بعض نصوص الباب من أنّ «الفريضة من ذلك تسبيحة، و السنة ثلاث و الفضل في سبع» «2» حيث لم يتعرّض للاشفاع، المؤيّد بما ورد من أنّ اللّٰه سبحانه وتر يحب الوتر «3».

لكن في صحيح أبان بن تغلب قال: «دخلت على أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) و هو يصلِّي فعددت له في الركوع و السجود ستِّين تسبيحة» «4».

فربّما يتوهّم المنافاة بينها و بين استحباب الإيتار، و قد تعرّض لذلك في الذكرى و قال: إنّ عدّ الستِّين لا ينافي الزيادة عليه «5». و لم يبيِّن وجه عدم‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 305/ أبواب الركوع ب 6 ح 4.

(2) الوسائل 6: 299/ أبواب الركوع ب 4 ح 1 لكن السند مشتمل على القاسم بن عروة و لم يوثق.

(3) الوسائل 1: 436/ أبواب الوضوء ب 31 ح 2.

(4) الوسائل 6: 304/ أبواب الركوع ب 6 ح 1.

(5) الذكرى 3: 376.

57
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 12: إذا أتى بالذكر أزيد من مرة لا يجب عليه تعيين الواجب منه ؛ ج 15، ص : 58

[مسألة 12: إذا أتى بالذكر أزيد من مرّة لا يجب عليه تعيين الواجب منه]

[1592] مسألة 12: إذا أتى بالذكر أزيد من مرّة لا يجب عليه تعيين الواجب منه، بل الأحوط عدمه [1] خصوصاً إذا عيّنه في غير الأوّل لاحتمال كون الواجب هو الأوّل مطلقاً، بل احتمال كون الواجب هو المجموع فيكون من باب التخيير بين المرّة و الثلاث و الخمس مثلًا (1).

______________________________
المنافاة، و لعلّه من أجل أنّ الراوي إنّما تعرّض لفعله و هو العدّ لا لفعل المعصوم (عليه السلام)، إذ لم يقل إنّه سبّح ستِّين، فلعلّ الصادر عنه (عليه السلام) كان بزيادة الواحدة و لو خفاءً، إمّا قبل الستِّين المعدودة أو بعدها و لم يسمعها الراوي فلا تدل الصحيحة على عدم صدور الزائد كي تنافي استحباب الختم على الوتر.

و هكذا الحال في موثقة حمزة بن حمران و الحسن بن زياد اللّذين عدّا تسبيحه (عليه السلام) فكان أربعاً أو ثلاثاً و ثلاثين مرّة «1».

و كيف كان فلا تنافي في البين، إلّا أنّ أصل الاستحباب بحيث إنّ السبع مثلًا أفضل من الثمان إلّا إذا زاد عليه واحدة مشكل، لقصور ما عرفت عن إثباته كما لا يخفى. إلا أن يستند فيه إلى فتوى المشهور بناءً على كفايته في الحكم بالاستحباب.

(1) احتاط (قدس سره) حينئذ بعدم تعيين الواجب من بين الأفراد لا سيّما في غير الأوّل، لاحتمال كون الواجب خصوص الأوّل أو المجموع من باب التخيير بين الأقل و الأكثر، و إنّما له التعيين لو كان الواجب واحداً لا بعينه مخيّراً في تطبيقه و لم يثبت.

هذا و قد ظهر لك بما قدّمناه في بحث التسبيحات الأربع في الركعتين‌

______________________________
[1] لا بأس بقصد الوجوب في الذكر الأوّل و قد مرّ نظيره.

______________________________
(1) الوسائل 6: 304/ أبواب الركوع ب 6 ح 2.

58
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 13: يجوز في حال الضرورة و ضيق الوقت الاقتصار على الصغرى ؛ ج 15، ص : 59

[مسألة 13: يجوز في حال الضرورة و ضيق الوقت الاقتصار على الصغرى]

[1593] مسألة 13: يجوز في حال الضرورة و ضيق الوقت الاقتصار على الصغرى مرّة واحدة (1) فيجزئ «سبحان اللّٰه» مرّة.

______________________________
الأخيرتين جواز قصد التعيين بالفرد الأوّل، إذ المأمور به إنّما هو الطبيعي اللّابدية بشرط المساوق لصرف الوجود المنطبق بطبيعة الحال على أوّل الوجودات فانّ الانطباق قهري و الإجزاء عقلي، فيقع الزائد على صفة الاستحباب لا محالة.

و أمّا احتمال التخيير بين الأقل و الأكثر فساقط، لامتناعه عقلًا في الوجودات المستقلّة كما في المقام إلّا أن يكون الأقل ملحوظاً بشرط لا كما في القصر و التمام، و هو مع اندراجه حينئذ في المتباينين كما لا يخفى غير محتمل في المقام.

(1) على المشهور، و يمكن أن يستدل له بأحد وجهين:

الأوّل: مرسلة الصدوق في الهداية قال: «قال الصادق (عليه السلام) سبِّح في ركوعك ثلاثاً تقول سبحان ربِّي العظيم و بحمده إلى أن قال فان قلت سبحان اللّٰه سبحان اللّٰه سبحان اللّٰه أجزأك، و تسبيحة واحدة تجزي للمعتل و المريض و المستعجل» «1».

دلّت على كفاية الواحدة من الصغرى لدى المرض و الاستعجال، الظاهر في الاستعجال العرفي الّذي هو أعم من الاستعجال الشرعي، نظير ما تقدّم في السورة من سقوطها لدى العجلة العرفية. و عليه فتدل على السقوط عند الضرورة و ضيق الوقت بطريق أولى كما لا يخفى.

لكنّها كما ترى ضعيفة السند بالإرسال فلا تصلح للاستدلال حتّى بناءً على مسلك الانجبار لعدم العامل بها بالإضافة إلى الاستعجال.

______________________________
(1) المستدرك 4: 437/ أبواب الركوع ب 16 ح 2، الهداية: 136.

59
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 13: يجوز في حال الضرورة و ضيق الوقت الاقتصار على الصغرى ؛ ج 15، ص : 59

..........

______________________________
الثاني: و هو العمدة، صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «قلت له أدنى ما يجزي المريض من التسبيح في الركوع و السجود؟ قال: تسبيحة واحدة» «1»، و هي من حيث السند صحيحة، لما عرفت سابقاً من جواز العمل بما تفرد به محمّد بن عيسى العبيدي عن يونس بن عبد الرّحمن و إن لم يعمل به الصدوق و لا شيخه، و قد مرّ الكلام عليه مستقصى «2».

و أمّا من حيث الدلالة فهي كالصريح في إرادة الصغرى من الواحدة بعد ضمّها بما رواه معاوية بن عمار نفسه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال «قلت: أخف ما يكون من التسبيح في الصلاة؟ قال: ثلاث تسبيحات مترسّلًا تقول: سبحان اللّٰه سبحان اللّٰه سبحان اللّٰه» «3».

فانّا لو ضممنا إحدى الروايتين إلى الأُخرى و جعلناهما بمثابة رواية واحدة كانت الثانية قرينة قطعية على أنّ المراد من الواحدة في الأُولى خصوص الصغرى التي هي من سنخ الثلاث الصغريات المذكورات في الثانية. و ينتج أنّ الأخف و ما هو أقل الواجب ثلاث من الصغرى لغير المريض، و واحدة منها للمريض كما هو واضح جدّاً بعد ملاحظة اتِّحاد الراوي و المروي عنه.

و مع الغض عن هذا الاستظهار و تسليم الإطلاق في الصحيحة الأُولى فقد يقال بمعارضته مع إطلاق ما دلّ على لزوم كون الواحدة لو اختار هي الكبرى الشامل للمريض و غيره، كصحيحة زرارة «ما يجزي من القول في الركوع و السجود؟ فقال: ثلاث تسبيحات في ترسّل و واحدة تامّة تجزي» «4»

______________________________
(1) الوسائل 6: 301/ أبواب الركوع ب 4 ح 8.

(2) [و سيأتي في ص 193].

(3) الوسائل 6: 303/ أبواب الركوع ب 5 ح 2.

(4) الوسائل 6: 299/ أبواب الركوع ب 4 ح 2.

60
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 13: يجوز في حال الضرورة و ضيق الوقت الاقتصار على الصغرى ؛ ج 15، ص : 59

..........

______________________________
و غيرها الدالّة على أنّ الواحدة المجزية هي التامّة، أي الكبرى.

و ليس تقييد الإطلاق الثاني بالأوّل أولى من العكس، و النسبة عموم من وجه، و بعد تساقط الإطلاقين فالمرجع إطلاق ما دلّ على عدم كفاية الواحدة من الصغرى.

لكن الظاهر تعيّن الأوّل، إذ لا محذور فيه، و لا مجال للعكس فان فيه محذوراً، و هو لزوم إلغاء خصوصية المورد غير الخالي عن الاستهجان، إذ لو قيّدنا صحيحة معاوية بهذه النصوص و حملنا الواحدة فيها على الكبرى لم يبق إذن فرق بين المريض و غيره، و كان الأحرى حينئذ أن يقول في الجواب بأنّ المريض و غيره سواء، لا أن يجيب بقوله (عليه السلام) «تسبيحة واحدة» الظاهر في تقريره على ما اعتقده من ثبوت الفرق بين المريض و غيره. فيلزم من التقييد المزبور إلغاء عنوان المرض و هو قبيح كما عرفت.

و هذا بخلاف تقييد هذه النصوص بالصحيحة، فإن غايته حملها على غير المريض و لا ضير فيه، فلا مناص من المحافظة على إطلاق الصحيحة، و نتيجة ذلك أنّ المريض يمتاز عن غيره باجتزائه بالتسبيحة الواحدة مطلقاً و إن كانت هي الصغرى.

فظهر صحّة الاستدلال بالصحيحة سواء تمّ الاستظهار الّذي قدّمناه أم لا.

نعم، قد يقال بأنّ موردها المريض، و لا قائل باستثنائه بعنوانه فلا دليل على التعدِّي إلى مطلق الضرورة.

و فيه: ما لا يخفى، لوضوح أنّ المريض المأخوذ في النص لا خصوصية فيه كي يكون ملحوظاً على وجه الصفتية و الموضوعية، فيسأل عن حكمه بما هو كذلك، و إن كان قادراً على الثلاث الصغريات، فان ذلك أظهر من أن يحتاج إلى السؤال سيّما من مثل معاوية بن عمار، بل مناسبة الحكم و الموضوع تقضي‌

61
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 14: لا يجوز الشروع في الذكر قبل الوصول إلى حد الركوع ؛ ج 15، ص : 62

[مسألة 14: لا يجوز الشروع في الذكر قبل الوصول إلى حدّ الركوع]

[1594] مسألة 14: لا يجوز الشروع في الذكر قبل الوصول إلى حدّ الركوع (1)، و كذا بعد الوصول و قبل الاطمئنان و الاستقرار، و لا النهوض قبل تمامه و الإتمام حال الحركة للنهوض،

______________________________
بأنّ ذكره من باب المثال، و أنّ موضوع السؤال مطلق من يشق عليه الثلاث إمّا لمرض أو لغيره من سائر الضرورات كما هو الحال في قوله تعالى
فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ «1» إذ لا يحتمل سقوط الصوم عن مطلق المريض و لو كان علاجه الإمساك طول النهار، أو فرض امتناعه عن استعمال المفطرات خلال اليوم بطبعه صام أم لم يصم فكما أنّ المراد من المريض هناك بمناسبة الحكم و الموضوع من يشق عليه الصوم لا بما هو كذلك فكذا في المقام.

و عليه فالمستفاد من الصحيحة بعد إمعان النظر أنّ من لم يتمكّن من الثلاث إمّا لعجزه تكويناً و عدم قدرته عليه كما في ضيق الوقت حيث إنّ الإتيان بالثلاث مع فرض إيقاع الصلاة بتمامها في الوقت متعذِّر حسب الفرض، أو لكونه مشقّة و عسراً عليه، كما في موارد الضرورة أمّا لمرض أو غيره، جاز له الاقتصار على الصغرى مرّة واحدة، فما أفاده في المتن هو الصحيح.

(1) فانّ الذكر الواجب ظرفه و محله بعد الوصول إلى حدّ الركوع و حصول الاطمئنان، فالإتيان به كلّاً أو بعضاً قبل الوصول أو حال النهوض، أو من غير استقرار يعد من الزيادة المبطلة إذا كان بقصد الجزئية فلا يجديه التدارك. نعم، لا بأس به بقصد الذكر المطلق إذا تداركه بشرط بقاء محلّه، لعدم صدق الزيادة حينئذ كما هو ظاهر، هذا كلّه في صورة العمد.

______________________________
(1) البقرة 2: 184.

62
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 14: لا يجوز الشروع في الذكر قبل الوصول إلى حد الركوع ؛ ج 15، ص : 62

فلو أتى به كذلك بطل و إن كان بحرف واحد منه، و يجب إعادته إن كان سهواً و لم يخرج عن حدّ الركوع، و بطلت الصلاة مع العمد و إن أتى به ثانياً مع الاستقرار، إلّا إذا لم يكن ما أتى به حال عدم الاستقرار بقصد الجزئية بل بقصد الذكر المطلق.

______________________________
و أمّا إذا كان ذلك عن سهو فلا إشكال في الصحّة و لزوم التدارك فيما إذا أتى به كلا أو بعضاً قبل الوصول إلى حدّ الركوع ثمّ تذكّر قبل الخروج عنه، فان غايته وقوع الأوّل زائداً، و لا بأس بالزيادة السهوية.

كما لا إشكال فيها من دون تدارك فيما إذا كان التذكّر بعد الخروج عن حدّ الركوع، لعدم إمكان التدارك حينئذ، فإن أقصى ما هناك وقوع الخلل سهواً في جزء غير ركني و هو الذكر و هو محكوم بالصحّة بمقتضى حديث لا تعاد.

إنّما الكلام فيما إذا أتى به حال الركوع غير مستقر ثمّ تذكّر قبل الخروج عن حدّه، فهل يجب التدارك حينئذ بإعادة الذكر مستقراً أم لا، بعد الفراغ عن صحّة الصلاة؟

قد يقال بالثاني، نظراً إلى أنّ الاستقرار واجب مستقل حال الاشتغال بالذكر الواجب، و قد فات محله لحصول الذكر و سقوط الأمر، و الشي‌ء لا ينقلب عمّا هو عليه لامتناع إعادة المعدوم، فلو أعاد فهو ذكر مستحب لا واجب فيمتنع التدارك.

نعم، بناءً على اعتبار الاطمئنان في الذكر و كونه شرطاً فيه لا أنّه واجب مستقل لزمت الإعادة، لعدم حصول الواجب وقتئذ، لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه، إلّا أنّ المبنى غير ثابت، و مقتضى الأصل البراءة عن الإعادة. و قد أشار الماتن إلى ذلك في مبحث الخلل.

63
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 14: لا يجوز الشروع في الذكر قبل الوصول إلى حد الركوع ؛ ج 15، ص : 62

..........

______________________________
أقول: الظاهر وجوب الإعادة على التقديرين، و لا أثر للمبنيين في المقام، لما قدّمناه في بحث القراءة الفاقدة للقيام من أنّ فرض الارتباطية بين الأجزاء مساوق لفرض التقييد و الاشتراط، فكل جزء مشروط بمسبوقيته بالجزء أو الشرط المتقدِّم عليه، و بملحوقيته بالمتأخِّر عنه، و بمقارنته بما يعتبر في تلك الحال قضاءً للارتباطية الملحوظة بين الأجزاء. فمثلًا القراءة المأمور بها في الصلاة هي حصّة خاصّة منها، و هي المسبوقة بالتكبير و الملحوقة بالركوع و المقارنة للستر و الاستقبال و نحوهما، و هكذا الحال في سائر الأجزاء.

و عليه فالذكر الواجب في الركوع هو خصوص ما يقع مقارناً للاطمئنان، فهو مقيّد به لا محالة، و الاستقرار معتبر فيه بطبيعة الحال، سواء بنينا على ظهور دليله في الاعتبار فيه و كونه شرطاً أم بنينا على ظهوره في كونه جزءاً مستقلا للصلاة غير معتبر في الذكر، فانّ الاعتبار و التقييد مستفاد ممّا دلّ على مراعاة الارتباطية بين أجزاء المركّب كما عرفت.

و نتيجة ذلك: أنّ ما صدر منه من الذكر العاري عن الاستقرار لم يكن مصداقاً للذكر الواجب، فلا مناص من تداركه و إعادته مع بقاء المحل كما هو المفروض، هذا.

بل يجب التدارك حتّى مع الغض عن هذا البيان، و ذلك لقيام الدليل على اعتبار الاستقرار في الذكر مطلقاً و هو قوله (عليه السلام) في صحيحة الأزدي: «إذا ركع فليتمكّن» التي مرّ التعرّض لها عند التكلّم في الواجب الثالث من واجبات الركوع «1» حيث أشرنا هناك إلى أنّ هذه الصحيحة كما تدل بالمطابقة على اعتبار الاستقرار في الجملة في الركوع المأمور به تدل بالالتزام على اعتباره في الذكر، لوضوح أنّ محل الذكر و ظرفه إنّما هو الركوع المأمور به، فاذا كان‌

______________________________
(1) في ص 23.

64
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 15: لو لم يتمكن من الطمأنينة لمرض أو غيره سقطت ؛ ج 15، ص : 65

[مسألة 15: لو لم يتمكّن من الطمأنينة لمرض أو غيره سقطت]

[1595] مسألة 15: لو لم يتمكّن من الطمأنينة لمرض أو غيره سقطت لكن يجب عليه إكمال الذكر الواجب قبل الخروج عن مسمّى الركوع، و إذا لم يتمكّن من البقاء في حدّ الركوع إلى تمام الذكر يجوز له الشروع [1] قبل الوصول أو الإتمام حال النهوض (1).

______________________________
هذا الركوع متقيِّداً بالاستقرار بمقتضى هذه الصحيحة فلا بدّ من استمرار الاستقرار و إبقائه بمقدار يقع الذكر الواجب فيه قضاءً للظرفية، فتدل لا محالة بالدلالة الالتزامية على اعتباره في الذكر أيضاً، و حيث إنّه إرشاد إلى الشرطية فمقتضى الإطلاق عدم الفرق بين صورتي العمد و السهو، و عليه فمع الإخلال به و لو سهواً لم يتحقّق الذكر الواجب فلا بدّ من إعادته و تداركه.

و على الجملة: فليس الدليل على اعتبار الاستقرار منحصراً في الإجماع كي يقال إنّ المتيقّن منه حال الاختيار فلا يعم النسيان، بل الدليل اللفظي المتضمِّن للإطلاق الشامل لكلتا الحالتين موجود كما عرفت، فلا مجال للرجوع إلى الأصل العملي الّذي مقتضاه البراءة عن الاعتبار في حال النسيان.

(1) قد عرفت أنّ الواجب في الركوع الذكر و الاطمئنان حاله، فان تمكن منهما فلا كلام، و إن تعذّر الثاني سقط وجوبه للعجز، و لا موجب لسقوط الأوّل بعد القدرة عليه، فانّ الصلاة بمالها من الأجزاء لا تسقط بحال.

فلا بدّ من الإتيان به على حسب وظيفته و طاقته. و حينئذ فان تمكن من الإتيان به بتمامه في حال الركوع و قبل الخروج عن مسمّاه و إن كان مضطرباً وجب لما عرفت، و إن لم يتمكّن لعجزه عن البقاء في حدّ الركوع إلى تمام الذكر‌

______________________________
[1] كما يجوز له الاكتفاء بتسبيحة صغرى مرّة واحدة، و إن لم يتمكّن من ذلك أيضاً لا يبعد سقوطه.

65
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: لو ترك الطمأنينة في الركوع أصلا بأن لم يبق في حده بل رفع رأسه ؛ ج 15، ص : 66

[مسألة 16: لو ترك الطمأنينة في الركوع أصلًا بأن لم يبق في حدّه بل رفع رأسه]

[1596] مسألة 16: لو ترك الطمأنينة في الركوع أصلًا بأن لم يبق في حدّه بل رفع رأسه بمجرّد الوصول سهواً (1) فالأحوط [1] إعادة الصلاة لاحتمال توقّف صدق الركوع على الطمأنينة في الجملة، لكن الأقوى الصحّة.

______________________________
فقد ذكر في المتن أنّه يتخيّر بين الشروع قبل الوصول إلى حدّ الركوع و إتمامه فيه، و بين الشروع فيه و إتمامه حال النهوض لعدم الترجيح بين الأمرين.

و هذا منه (قدس سره) مبني على تمامية قاعدة الميسور، فانّ الواجب عليه أوّلًا الإتيان بتمام الذكر حال الركوع، فمع العجز يأتي بما تيسّر منه حاله و الباقي خارجه إمّا قبله أو بعده، أو بالتلفيق بأن يأتي مقداراً قبله و مقداراً فيه و مقداراً بعده لما عرفت من عدم الترجيح.

إلّا أنّ المبنى غير صحيح، فإنّ القاعدة غير تامّة عندنا كما مرّ غير مرّة.

و عليه فالأقوى سقوط وجوب الذكر التام حينئذ، لمكان العجز و جواز الاقتصار على الناقص و هي الواحدة من الصغرى، لما تقدّم في المسألة الثالثة عشرة من الاكتفاء بها لدى الضرورة، لاندراج المقام في كبرى تلك المسألة كما لا يخفى. فلا يجب عليه الشروع قبله و لا الإتمام بعده، بل يأتي بالواحدة حال الركوع، و لو لم يتمكّن منها أيضاً سقط لمكان العجز.

(1) احتمل (قدس سره) حينئذ وجهين:

أحدهما: أن يكون ذلك من نسيان الذكر و الطمأنينة بعد تحقّق أصل الركوع و بما أنّ المنسي جزء غير ركني و لا يمكن تداركه لاستلزام زيادة الركن يحكم بصحّة الصلاة لحديث لا تعاد.

______________________________
[1] بل الأظهر ذلك.

66
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: لو ترك الطمأنينة في الركوع أصلا بأن لم يبق في حده بل رفع رأسه ؛ ج 15، ص : 66

..........

______________________________
ثانيهما: أن يكون ذلك من نسيان الركوع، لاحتمال توقف صدقه على الاطمئنان في الجملة المقتضي لإعادة الصلاة، و قد اختار (قدس سره) الأوّل و إن احتاط في الثاني.

أقول: لا ينبغي الشك في صدق الركوع العرفي بمجرد ذلك، لعدم احتمال دخل الاستقرار في مفهومه، و لا ينافي هذا ما قدّمناه في بعض المباحث السابقة «1» من اعتباره آناً ما في الصدق، و رتبنا عليه عدم تحقّقه لو هوى إليه ثمّ ذهل فترك الاستقرار فيه حتّى هنيئة و استمرّ في هويّه إلى السجود، للفرق الواضح بينه و بين المقام، إذ لم تتحقّق الهيئة الركوعية هناك المتقوّمة حينئذ بالمكث آناً ما قبال استرساله في الهوي. و أمّا في المقام فقد تحقّقت تلك الهيئة و أخذت حدّها بمجرّد رفع الرأس و لو من غير مكث.

و الحاصل: أنّ الهيئة الخاصّة المقوّمة لمفهوم الركوع يحقِّقها أحد أمرين: إمّا المكث آناً ما، أو رفع الرأس و إن لم يمكث أصلًا، فالركوع بما له من المفهوم العرفي متحقِّق في المقام بلا كلام، و حينئذ فان بنينا على المسلك المشهور من انحصار الدليل على اعتبار الاستقرار بالإجماع، فبما أنّه دليل لبي يقتصر على المتيقن منه و هو حال العمد و الاختيار، فلا دليل على اعتباره لدى السهو فيتمسّك بإطلاق دليل الركوع أو أصالة البراءة عن التقييد، فيكون الركوع الصادر منه صحيحاً مجزياً، غايته أنّه ترك الذكر سهواً و لا ضير فيه بعد أن لم يكن ركناً كما تقدّم.

و أمّا بناءً على المختار من الاستناد إلى الدليل اللّفظي و هو قوله (عليه السلام) في صحيحة الأزدي المتقدِّمة «2» «إذا ركع فليتمكّن» فمقتضاه البطلان في المقام‌

______________________________
(1) في ص 53.

(2) في ص 23.

67
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 17: يجوز الجمع بين التسبيحة الكبرى و الصغرى ؛ ج 15، ص : 68

[مسألة 17: يجوز الجمع بين التسبيحة الكبرى و الصغرى]

[1597] مسألة 17: يجوز الجمع بين التسبيحة الكبرى و الصغرى و كذا بينهما و بين غيرهما من الأذكار (1).

[مسألة 18: إذا شرع في التسبيح بقصد الصغرى يجوز له أن يعدل في الأثناء إلى الكبرى]

[1598] مسألة 18: إذا شرع في التسبيح بقصد الصغرى يجوز له أن يعدل في الأثناء إلى الكبرى (2) مثلًا إذا قال: «سبحان» بقصد أن يقول:

______________________________
إذ قد عرفت سابقاً أنّ المستفاد من الصحيحة دخل التمكّن في الجملة في ماهية الركوع الشرعي كدخل الانحناء إلى أن تبلغ أصابعه الركبتين و إن لم يعتبر شي‌ء منهما في صدق الركوع العرفي، و حيث إنّه إرشاد إلى الاشتراط فمقتضى الإطلاق عدم الفرق بين السهو و العمد، و الاختيار و الاضطرار.

و عليه فالإخلال به و كون ركوعه نقراً كنقر الغراب كما في المقام مانع عن تحقّق الركوع الشرعي، فيكون الإخلال به و لو سهواً إخلالًا بالركوع لا محالة فيحكم بالبطلان بمقتضى عقد الاستثناء في حديث لا تعاد، هذا و لا مجال للتدارك بإعادة الركوع للزوم زيادة الركن، إذ ليس المراد بها زيادة الركوع المأمور به بما هو مأمور به، لعدم تصوير الزيادة بهذا العنوان كما لا يخفى، بل زيادة مسمّى الركوع و لو العرفي منه الحاصلة بالإعادة و التدارك، فالأقوى هو الحكم بالبطلان لفقد الركوع و عدم سبيل للتدارك.

(1) لإطلاق الدليل، إذ لم يقيّد الذكر الواجب بعدم اقترانه بالزائد كي يكون بالإضافة إليه ملحوظاً بشرط لا، بل المأمور به هو الطبيعي لا بشرط، فيقع الباقي على صفة الاستحباب، لا لمجرد اندراجه في عموم الذكر المطلق، بل لاستحبابه في الركوع بخصوصه لما تقدّم «1» من الأمر بذلك بالخصوص، و استحباب إطالة الركوع.

(2) كما هو مقتضى القاعدة في كل ما كان المأمور به هو الطبيعي الجامع‌

______________________________
(1) في ص 57.

68
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 19: يشترط في ذكر الركوع العربية و الموالاة ؛ ج 15، ص : 69

«سبحان اللّٰه» فعدل و ذكر بعده «ربِّي العظيم» جاز، و كذا العكس، و كذا إذا قال: «سبحان اللّٰه» بقصد الصغرى ثمّ ضمّ إليه «و الحمد للّٰه و لا إلٰه إلّا اللّٰه و اللّٰه أكبر»، و بالعكس.

[مسألة 19: يشترط في ذكر الركوع العربية و الموالاة]

[1599] مسألة 19: يشترط في ذكر الركوع العربية و الموالاة (1) و أداء الحروف من مخارجها الطبيعية، و عدم المخالفة في الحركات الإعرابية و البنائية.

[مسألة 20: يجوز في لفظة «ربِّي العظيم» أن يقرأ بإشباع كسر]

[1600] مسألة 20: يجوز في لفظة «ربِّي العظيم» أن يقرأ بإشباع كسر

______________________________
بين الأمرين أو الأُمور، فإنّه لا دليل على تعيّن الجامع بمجرد الشروع فيما اختار ما لم يفرغ عنه.

و من هنا ذكرنا «1» أنّ في مواطن التخيير لو شرع في الصلاة بنيّة القصر و بعد الركعتين بدا له العدول إلى التمام جاز له ذلك، إذ المأمور به هو الطبيعي الجامع فقبل التجاوز عن الحدّ المشترك صالح للانطباق على كل من الفردين، و لا دليل على التعيّن بمجرّد القصد إلى أحدهما. و عليه ففي المقام لو قال: سبحان بقصد أن يقول سبحان اللّٰه ثمّ عدل بعد النون من سبحان إلى ربِّي العظيم و كذا العكس جاز.

(1) لانصراف الدليل إلى أداء تلك الألفاظ على النهج العربي الصحيح، فلا تكفي الترجمة إلى لغة أُخرى و لا الفصل الطويل بين الكلمات المخل بالموالاة أو أدائها عن غير مخارجها، أو مخالفة الحركات الإعرابية و البنائية لعدّ ذلك من الغلط في الكلام العربي، و قد مرّ كل ذلك في بحث القراءة.

______________________________
(1) شرح العروة 20/ المسألة [2358].

69
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 21: إذا تحرك في حال الذكر الواجب بسبب قهري بحيث خرج عن الاستقرار ؛ ج 15، ص : 70

الباء من «ربِّي» و عدم إشباعه [1] (1).

[مسألة 21: إذا تحرّك في حال الذكر الواجب بسبب قهري بحيث خرج عن الاستقرار]

[1601] مسألة 21: إذا تحرّك في حال الذكر الواجب بسبب قهري بحيث خرج عن الاستقرار وجب إعادته [2] (2) بخلاف الذكر المندوب.

______________________________
(1) يريد (قدس سره) بالإشباع و عدمه إظهار ياء المتكلِّم و إسقاطه، فإنّه جائز الوجهين كما ورد بهما في الذكر الحكيم قال تعالى
إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً «1» و قال تعالى رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ «2».

و ليس المراد الإشباع الاصطلاحي كما لعلّه الظاهر من العبارة بأن يشبع كسر الباء على نحو يتولّد منه الياء المستلزم بعد ضمّه بياء المتكلِّم نوع مد في مقام التلفظ و الأداء، إذ ليس المقام من موارد الإشباع بهذا المعنى كما لا يخفى، فلا دليل على جواز زيادة الحرف لو لم يكن ملحقاً بالغلط.

(2) لما قدّمناه «3» من دلالة صحيحة الأزدي بالالتزام على اعتبار الاستقرار في الذكر و تقيده به، حيث عرفت أنّه إرشاد إلى الشرطية، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين صورتي العجز و الاختيار، فحيث إنّ الإخلال بالشرط إخلال بالمشروط لا بدّ من الإعادة و التدارك بعد فرض بقاء المحل، بل مقتضى ذلك عدم الفرق بين الذكر الواجب و المندوب إذا كان بقصد الخصوصية لا الذكر المطلق كما نبّهنا عليه هناك.

______________________________
[1] جواز الإشباع بالمعنى المعروف مشكل.

[2] على الأحوط.

______________________________
(1) الفرقان 25: 30.

(2) البقرة 2: 258.

(3) في ص 23.

70
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 22: لا بأس بالحركة اليسيرة التي لا تنافي صدق الاستقرار ؛ ج 15، ص : 71

[مسألة 22: لا بأس بالحركة اليسيرة التي لا تنافي صدق الاستقرار]

[1602] مسألة 22: لا بأس بالحركة اليسيرة التي لا تنافي صدق الاستقرار (1) و كذا بحركة أصابع اليد أو الرجل بعد كون البدن مستقرّا.

[مسألة 23: إذا وصل في الانحناء إلى أوّل حدّ الركوع فاستقرّ و أتى بالذكر]

[1603] مسألة 23: إذا وصل في الانحناء إلى أوّل حدّ الركوع فاستقرّ و أتى بالذكر أو لم يأت به ثمّ انحنى أزيد بحيث وصل إلى آخر الحد لا بأس به، و كذا العكس و لا يعدّ من زيادة الركوع، بخلاف ما إذا وصل إلى أقصى الحد ثمّ نزل أزيد ثمّ رجع فإنّه يوجب زيادته [1] فما دام في حدِّه يُعدّ ركوعاً واحداً و إن تبدّلت الدرجات منه (2).

______________________________
نعم، بناءً على المسلك المشهور من الاستناد في الاعتبار إلى الإجماع، فحيث إنّه دليل لبي يقتصر على المتيقن منه و هو حال الاختيار فلا دليل على الاعتبار لدى العجز و الاضطرار، فيرجع إلى أصالة البراءة على ما هو الشأن في الأقل و الأكثر الارتباطيين. فالحركة الناشئة عن السبب القهري إنّما تقدح على المبنى المختار لا على مسلك المشهور.

(1) فانّ المدار في صدق التمكّن و الاستقرار المأخوذين في النص و معاقد الإجماعات هو العرف، و لا شك أنّ الحركة اليسيرة غير قادحة في الصدق العرفي، كما أنّ العبرة في نظرهم باستقرار معظم البدن، فلا يقدح تحريك أصابع اليد أو الرجل، بل نفس اليد ما لم يستلزم تحريك البدن.

(2) قد عرفت أنّ الركوع هو الانحناء إلى حد خاص، و حيث إنّ ذاك الحد له مراتب و درجات، فلو استقرّ في أوّل الحد سواء أتى بالذكر أم لا ثمّ انحنى‌

______________________________
[1] ليس هذا من زيادة الركوع، نعم لو فعله عمداً بطلت الصلاة من ناحية عدم اتِّصال القيام بعد الركوع به و من ناحية الإخلال بالذكر إذا كان قبل إتمامه.

71
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 23: إذا وصل في الانحناء إلى أول حد الركوع فاستقر و أتى بالذكر ؛ ج 15، ص : 71

..........

______________________________
إلى آخره فهو انتقال من مرتبة إلى أُخرى و تبدل في الدرجة، و ليس من زيادة الركوع في شي‌ء كما هو ظاهر، بل المجموع ركوع واحد. هذا إذا لم يتجاوز الحدّ و أمّا إذا وصل إلى أقصاه ثمّ نزل أزيد بحيث جاوز الحد ثمّ رجع، فقد حكم في المتن باستلزامه زيادة الركوع.

و هو كما ترى، لتقوّم الركوع بالانحناء عن القيام لا مجرّد تلك الهيئة، و هذا لم يتكرّر في المقام كي يوجب تعدّد الركوع، بل غايته العود إلى الهيئة الركوعية و هذا بمجرّده لا ضير فيه كما لا يخفى.

نعم، الأقوى هو البطلان في المقام، لا لزيادة الركوع، بل للإخلال بالقيام الواجب بعد الركوع عامداً، لما تقدّم «1» من أنّ الواجب في هذا القيام أن يكون عن ركوع لا مطلق كونه بعد الركوع، و لذا ذكرنا أنّه لو جلس عن ركوعه ثمّ استقام لم يكن مجزياً بلا كلام.

و عليه، فما دام كونه في الحد و إن تبدّلت درجته يصدق على القيام الواقع بعده أنّه قيام عن الركوع، و أمّا إذا جاوز الحد و تخلّل الفصل و إن رجع و مكث فلا يصدق عليه هذا العنوان، بل يصح أن يقال إنّه قام عن انحناء غير ركوعي إذ بالخروج عن الحدّ انعدمت تلك الهيئة المسبوقة بالقيام التي كانت هي الركوع و بالعود حصلت هيئة أُخرى مشابهة لها لا نفسها، و لذا قلنا آنفاً إنّه ليس من زيادة الركوع، فالقيام الحاصل بعده لا يكون من القيام عن ركوع، و بما أنّ الإخلال عمدي كما هو المفروض و لا يمكن تداركه، لاستلزام زيادة الركن فلا مناص من الحكم بالبطلان لهذه العلّة، و للإخلال بالذكر الواجب إن كان ذلك قبل استكماله.

______________________________
(1) في ص 53.

72
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 24: إذا شك في لفظ«العظيم» مثلا أنه بالضاد أو بالظاء ؛ ج 15، ص : 73

[مسألة 24: إذا شكّ في لفظ «العظيم» مثلًا أنّه بالضاد أو بالظاء]

[1604] مسألة 24: إذا شكّ في لفظ «العظيم» مثلًا أنّه بالضاد أو بالظاء (1) يجب عليه ترك الكبرى و الإتيان بالصغرى ثلاثاً أو غيرها من الأذكار، و لا يجوز له أن يقرأ بالوجهين، و إذا شكّ في أنّ «العظيم» بالكسر أو بالفتح يتعيّن عليه أن يقف عليه، و لا يبعد عليه جواز قراءته وصلًا بالوجهين (2) لإمكان أن يجعل العظيم مفعولًا لأعني مقدّراً.

______________________________
(1) بناءً على اختلاف مخرجي الضاد و الظاء و أنّهما حرفان كما هو المشهور فإذا شكّ في لفظ العظيم أنّه بأيّ الوجهين وجب ترك الكبرى و الإتيان بالصغرى ثلاثاً، إذ لو اقتصر على أحدهما لم يحرز الامتثال، و لو جمع بينهما لزمت الزيادة العمدية في غير ما هو الصحيح منهما، اللّٰهمّ إلّا أن يأتي بها رجاءً و بقصد الجزئية بما هو الصحيح واقعاً، فيقع الآخر ذكراً مطلقاً بناءً على جوازه و إن لم يقع بالعربي الصحيح.

و أمّا إذا شكّ في إعراب العظيم و أنّه بالكسر أو بالفتح تعيّن الوقف حينئذ لعدم إحراز الامتثال بدونه.

(2) أي بكل واحد منهما، فله الاقتصار على أحدهما كما لعلّه الظاهر من العبارة و لا يلزم الجمع بينهما، و علّله (قدس سره) بإمكان أن يجعل العظيم مفعولًا لأعني مقدّراً.

أقول: تقدير العامل و إن أوجب صحّة الكلام في لغة العرب، لما ذكره علماء الأدب من جريان الوجوه الثلاثة في الصفة بتبعيّتها للموصوف، و النصب بتقدير أعني، و الرفع خبراً لمبتدإ محذوف، إلّا أنّك عرفت في بحث القراءة أنّ المأمور به في الصلاة ليس مطلق الإتيان باللّفظ العربي على النهج الصحيح، بل بخصوص الكيفية النازلة على ما هي عليه، و عليه ففي المقام يجب الإتيان بهذا الذكر على‌

73
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 25: يشترط في الركوع الجلوسي أن ينحني بحيث يساوي وجهه ركبتيه ؛ ج 15، ص : 74

[مسألة 25: يشترط في الركوع الجلوسي أن ينحني بحيث يساوي وجهه ركبتيه]

[1605] مسألة 25: يشترط في الركوع الجلوسي أن ينحني بحيث يساوي وجهه ركبتيه و الأفضل الزيادة على ذلك بحيث يساوي مسجده و لا يجب فيه على الأصح الانتصاب على الركبتين شبه القائم ثمّ الانحناء و إن كان هو الأحوط (1).

______________________________
النحو الوارد المقرّر في الشرع المشتمل على كيفية خاصّة لا مطلقاً و إن كان صحيحاً، و حيث إنّها مشكوكة حسب الفرض فلا مناص من الوقف أو الترك و اختيار الثلاث من الصغرى فليتأمّل.

(1) المعروف و المشهور بينهم أنّه يعتبر في تحقّق الركوع الجلوسي أن ينحني بحيث يساوي وجهه ركبتيه، بأن تكون نسبة هذا الانحناء إلى القاعد المنتصب كنسبة الراكع عن قيام إلى القائم المنتصب.

و عن بعضهم عدم كفاية هذا المقدار، بل لا بدّ و أن يكون انحناؤه على نحو يساوي وجهه مسجده، بحيث لو نهض على تلك الكيفية إلى حدِّ الركوع القيامي لا يحتاج في تحقّق الركوع الشرعي منه إلى مزيد الانحناء، و تكون يداه واصلتين إلى الركبة أو ما فوقها، و الوجه في اعتبار ذلك إطلاق ما دلّ على تحديد الركوع الشرعي، فإنّ الجالس و إن كانت تبلغ يداه إلى ذاك الحدّ حتّى قبل الانحناء إلّا أنّه حيث كان طريقاً إلى مقدار الانحناء فلا بدّ من رعايته قائماً و جالسا.

و لكن الأظهر كفاية الحد الأوّل، لصدق الركوع عليه حقيقة فتشمله الإطلاقات و ما دلّ على التحديد بذاك الحد فإنّما هو بالنسبة إلى الركوع القيامي، فلا دليل على التحديد بالنسبة إلى الركوع الجلوسي، فتكون الإطلاقات محكّمة.

كما لا دليل يعتد به على ما حكي عن جماعة من أنّه يجب فيه قبل الانحناء الانتصاب على الركبتين شبه القائم، فإنّهم استدلّوا لذلك أوّلًا بأنّ انتصاب‌

74
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 26: مستحبات الركوع أمور ؛ ج 15، ص : 75

[مسألة 26: مستحبّات الركوع أُمور]

[1606] مسألة 26: مستحبّات الركوع أُمور (1):

أحدها: التكبير له و هو قائم منتصب، و الأحوط عدم تركه، كما أنّ الأحوط عدم قصد الخصوصية، إذا كبّر في حال الهوي أو مع عدم الاستقرار.

الثاني: رفع اليدين حال التكبير على نحو ما مرّ في تكبيرة الإحرام.

الثالث: وضع الكفّين على الركبتين مفرجات الأصابع ممكّناً لهما من عينيهما واضعاً اليمنى على اليمنى و اليسرى على اليسرى.

الرابع: ردّ الركبتين إلى الخلف.

الخامس: تسوية الظهر بحيث لو صبّ عليه قطرة من الماء استقرّ في مكانه لم يزل.

السادس: مدّ العنق موازياً للظهر.

______________________________
الفخذين كان معتبراً في الركوع القيامي فلا بدّ من مراعاته في الركوع الجلوسي أيضاً، لعدم الدليل على اختصاصه بذلك، بل إطلاق الدليل شامل لكلتا الحالتين.

و ثانياً: أنّه أقرب إلى الركوع القيامي من إتيانه بدون انتصاب فيكون ميسوراً له.

و كلا الوجهين كما ترى، فانّ الدليل الدال على اعتباره إنّما هو بالنسبة إلى حال الركوع القيامي، و قاعدة الميسور ممنوعة كبرى و صغرى، و لا قصور في شمول إطلاقات الركوع للفاقد للانتصاب، بل إنّ الركوع مع الانتصاب لعلّه يعد من الغرائب و غير مأنوس عند المتشرِّعة، و عليه فلا ينبغي الشك في كفاية الانحناء من دون انتصاب.

(1) ذكر (قدس سره) في هذه المسألة و المسألة التي بعدها جملة من مستحبّات الركوع و مكروهاته و لا موجب للتعرّض لها، لوضوحها سوى ما ذكره (قدس سره)

75
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 27: يكره في الركوع أمور ؛ ج 15، ص : 76

السابع: أن يكون نظره بين قدميه.

الثامن: التجنيح بالمرفقين.

التاسع: وضع اليد اليمنى على الركبة قبل اليسرى.

العاشر: أن تضع المرأة يديها على فخذيها فوق الركبتين.

الحادي عشر: تكرار التسبيح ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، بل أزيد.

الثاني عشر: أن يختم الذكر على وتر.

الثالث عشر: أن يقول قبل قوله «سبحان ربِّي العظيم و بحمده»: «اللّٰهمّ لك ركعت، و لك أسلمت، و بك آمنت، و عليك توكّلت و أنت ربِّي خشع لك سمعي و بصري و شعري و بشري و لحمي و دمي و مخي و عصبي و عظامي و ما أقلّت قدماي غير مستنكف و لا مستكبر و لا مستحسر».

الرابع عشر: أن يقول بعد الانتصاب «سمع اللّٰه لمن حمده» بل يستحب أن يضم إليه قوله: «الحمد للّٰه ربّ العالمين أهل الجبروت و الكبرياء و العظمة الحمد للّٰه ربّ العالمين» إماماً كان أو مأموماً أو منفردا.

الخامس عشر: رفع اليدين للانتصاب منه، و هذا غير رفع اليدين حال التكبير للسجود.

السادس عشر: أن يصلِّي على النبيّ و آله بعد الذكر أو قبله.

[مسألة 27: يكره في الركوع أُمور]

[1607] مسألة 27: يكره في الركوع أُمور:

أحدها: أن يطأطئ رأسه بحيث لا يساوي ظهره، أو يرفعه إلى فوق كذلك.

الثاني: أن يضم يديه إلى جنبيه.

76
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 27: يكره في الركوع أمور ؛ ج 15، ص : 76

الثالث: أن يضع إحدى الكفّين على الأُخرى و يدخلهما بين ركبتيه، بل الأحوط اجتنابه.

الرابع: قراءة القرآن فيه.

الخامس: أن يجعل يديه تحت ثيابه ملاصقاً لجسده.

______________________________
في أوّل المستحبّات و هو التكبير للركوع و هو قائم منتصب. و يظهر منه (قدس سره) أنّ المستحب هو التكبير في حال الانتصاب، لا أنّ المستحب هو مطلق التكبيرة و لو حال الهوي، و يكون إيقاعها حال الانتصاب مستحبّاً آخر، و ذلك حيث احتاط بعدم تركه و أنّ الأحوط عدم قصد الخصوصية إذا كبّر حال الهوي أو مع عدم الاستقرار.

و كيف ما كان فالأقوال في المسألة ثلاثة:

أحدها: و هو المشهور، استحباب إتيان التكبيرة قائماً قبل الركوع، حتّى ذكر بعضهم أنّه لو أتى بها في حال الهوي أثم بل بطلت صلاته و إن كان ذلك في حيِّز المنع كما لا يخفى.

ثانيها: استحباب إتيانها قبله و لو في حال الهوي، و إن كان الأفضل إتيانها منتصبا.

ثالثها: وجوب إتيانها منتصباً قبل الركوع كما عن السيِّد المرتضى «1» و الديلمي «2» و العماني «3».

______________________________
(1) الانتصار: 147، و حكاه عنه في المختلف 2: 188 المسألة 106.

(2) المراسم: 69.

(3) حكاه عنه في المختلف 2: 187 المسألة 105.

77
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 27: يكره في الركوع أمور ؛ ج 15، ص : 76

..........

______________________________
أمّا الوجوب، فمستنده صحاح أربع: إحداها: صحيحة حماد، و ثلاث صحاح لزرارة.

ففي صحيحة حماد «رفع يديه حيال وجهه و قال: اللّٰه أكبر و هو قائم ثمّ ركع» و قد ورد في ذيلها «هكذا صلّ يا حماد»، المتضمِّن للأمر الظاهر في الوجوب «1». و في إحدى صحاح زرارة «إذا أردت أن تركع فقل و أنت منتصب اللّٰه أكبر ثمّ اركع» «2». و في الأُخرى «فارفع يديك و كبِّر ثمّ اركع» «3» و في الثالثة «إذا كنت إماماً أو وحدك، فقل: سبحان اللّٰه و الحمد للّٰه و لا إلٰه إلّا اللّٰه ثلاث مرّات تكمله تسع تسبيحات ثمّ تكبِّر و تركع» «4».

فإنّها كما ترى ظاهرة في وجوب التكبير قائماً و لو بعد تقييد إطلاق الصحيح الأخير لو كان له إطلاق بما تقدّمه من الصحاح.

و بإزاء هذه الروايات روايات أُخر صريحة في استحباب هذا التكبير و بها ترفع اليد عن ظاهر تلك الصحاح و تحمل على أصل الرجحان.

منها: رواية أبي بصير المعبّر عنها في مصباح الفقيه بالموثقة «5»، قال: «سألته عن أدنى ما يجزي في الصلاة من التكبير؟ قال: تكبيرة واحدة» «6» فإنّها صريحة في أنّ التكبير الواجب في الصلاة إنّما هي تكبيرة واحدة لا غير، و ليس هي إلّا تكبيرة الإحرام للمفروغية عن وجوبها.

______________________________
(1) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1، 2.

(2) الوسائل 6: 295/ أبواب الركوع ب 1 ح 1.

(3) الوسائل 6: 296/ أبواب الركوع ب 2 ح 1.

(4) الوسائل 6: 122/ أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 1.

(5) مصباح الفقيه (الصلاة): 334 السطر 15.

(6) الوسائل 6: 10/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 5.

78
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 27: يكره في الركوع أمور ؛ ج 15، ص : 76

..........

______________________________
و منها: صحيحة زرارة قال «قال أبو جعفر (عليه السلام): إذا كنت كبّرت في أوّل صلاتك بعد الاستفتاح بإحدى و عشرين تكبيرة ثمّ نسيت التكبير كلّه أو لم تكبِّر أجزأك التكبير الأوّل عن تكبير الصلاة كلّها» «1» فانّ الاجتزاء بما يأتي به في مفتتح صلاته من التكبيرات المقرّرة في محلّها آية عدم كون تلك التكبيرات المقرّرة و منها تكبيرة الركوع بواجبة، و إلّا لما جاز تركها إلّا إذا كانت واجبة بالوجوب التخييري بينها و بين الإتيان في مفتتح الصلاة و هو خلاف المفروض، و لم يدّعه أحد أيضا.

و منها: رواية الفضل بن شاذان في حديث «... فلمّا أن كان في الاستفتاح الّذي هو الفرض رفع اليدين أحب اللّٰه أن يؤدّوا السنة على جهة ما يؤدّى الفرض» «2». فإنّها صريحة في أنّ الفرض إنّما هو تكبيرة الإحرام و ما عداها سنّة مستحبّة، فتكون هذه الروايات قرينة على عدم إرادة ظاهر تلك الصحاح من الوجوب، بل الثابت أصل الرجحان. و بما أنّ الصحيحة الثالثة من صحاح زرارة مطلقة شاملة لحال الهوي، و ما عداها مقيّدة بحال الانتصاب، و من المعلوم عدم جريان قانون حمل المطلق على المقيّد في باب المستحبّات، فلا محالة يكون أصل التكبيرة و لو في حال الهوي مستحبّاً، و إتيانها حال الانتصاب أفضل الأفراد، كما هو القول الثاني.

هذا، و لكن للمناقشة في هذه الروايات سنداً أو دلالة، أو هما معاً مجال واسع فلا تصلح لأن تكون قرينة على إرادة خلاف الظاهر من تلك الصحاح لترفع اليد عنها.

أمّا رواية أبي بصير، ففيها أوّلًا: أنّها ضعيفة السند بمحمّد بن سنان، إذن‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 19/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 6 ح 1.

(2) الوسائل 6: 29/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 11.

79
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 27: يكره في الركوع أمور ؛ ج 15، ص : 76

..........

______________________________
فتعبير المحقِّق الهمداني (قدس سره) عنها بالموثقة في غير محله.

و ثانياً: ما ذكره المحقِّق المزبور (قدس سره) من استبعاد أن يكون السؤال ناظراً إلى الاستفهام عن حال التكبيرات المستقلّة المشروعة في الصلاة في مواضع مختلفة من أنّها هل هي بأسرها واجبة، أو أنّه يجوز ترك بعضها لعدم وقوع التعبير عن ذلك بمثل هذه العبارة. مضافاً إلى أنّه لا يجديه حينئذ الجواب بأنّها واحدة أو اثنتان أو ثلاث في تمييز واجبها عن غيره حتّى تترتّب عليه ثمرة عملية. فالظاهر أنّ المسئول عنه هو أدنى ما يجزي من التكبير في افتتاح الصلاة، لا في مجموعها كي يعم مثل تكبير الركوع و السجود «1».

و يؤيِّد ذلك: صحيح زرارة حيث قيّد فيه بالتكبيرات الافتتاحية قال: «أدنى ما يجزي من التكبير في التوجّه تكبيرة واحدة و ثلاث تكبيرات أحسن و سبع أفضل» «2».

و أمّا صحيحة زرارة، فهي قويّة السند ظاهرة الدلالة، إلّا أنّ هذا على رواية الصدوق «3»، و لكن الشيخ في التهذيب «4» ذكرها بعنوان «و لم تكبِّر» بالعطف بالواو لا بأو. و عليه فيكون الحكم بالإجزاء مختصّاً بفرض النسيان و لا يشمل فرض العمد كي يستفاد منه الاستحباب، و بما أنّه لم يعلم الصواب منهما و أنّ الصادر منه (عليه السلام) أيّهما، فلا محالة تكون الرواية مجملة غير صالحة للاستدلال بها.

______________________________
(1) مصباح الفقيه (الصلاة): 334 السطر 15.

(2) الوسائل 6: 11/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 8.

(3) الفقيه 1: 227/ 1002.

(4) التهذيب 2: 144/ 564.

80
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 27: يكره في الركوع أمور ؛ ج 15، ص : 76

..........

______________________________
و أمّا رواية الفضل، فهي من حيث الدلالة و إن لم يكن بها بأس
«1»، إلّا أنّها من حيث السند ضعيفة، لضعف طريق الصدوق إلى الفضل.

فظهر أنّه ليس هناك ما يوجب أن يرفع اليد به عن ظواهر تلك الصحاح بل هي باقية على حجّيتها، و لذا مال صاحب الحدائق «2» إلى الوجوب لولا قيام الإجماع على عدمه و توقف صاحب المدارك في الحكم «3».

و لكن مع ذلك كلّه فالأظهر عدم الوجوب، بل هو مستحب حال الانتصاب كما عليه المشهور، و ذلك لأنّ الصحيحة الثالثة إن قلنا بأنّها مطلقة و شاملة لحال الهوي فلا بدّ من رفع اليد عن إطلاقها و حملها على الصحاح الثلاث الأُخر المقيّدة بحال الانتصاب، فان قانون حمل المطلق على المقيّد و إن لم يجر في المستحبّات، بل يؤخذ و يعمل بكلا الدليلين، إلّا أنّ كون الحكم في المقام مستحبّاً بعدُ أوّل الكلام، فلا يمكن إجراء حكمه عليه.

و عليه ينتج وجوب التكبيرة حال الانتصاب، و هذا ما تكذّبه السيرة العملية المتّصلة بزمن المعصومين (عليهم السلام) حيث إنّها جارية على إتيانها عند الهوي و لو لا بقصد الخصوصية. على أنّه لو كان واجباً لكان شائعاً و ذائعاً كيف لا و هو ممّا يكون مورداً لابتلاء عامّة المكلّفين في اليوم عدّة مرّات، مع أنّه لم يذهب إليه إلّا أفراد معدودون لم يتجاوزوا الأصابع، فلا بدّ من رفع اليد عن ظواهرها أو حملها على الاستحباب.

و إن قلنا بأنّها ليست مطلقة كما لا يبعد، فإنّه و إن لم يكن العاطف فيها «ثمّ»‌

______________________________
(1) بل لا تخلو عن البأس، لتوقّفها على إرادة الاستحباب من السنّة الواقعة في مقابل الفريضة و هو أوّل الكلام.

(2) الحدائق 8: 257.

(3) المدارك 3: 394.

81
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 28: لا فرق بين الفريضة و النافلة في واجبات الركوع و مستحباته و مكروهاته ؛ ج 15، ص : 82

[مسألة 28: لا فرق بين الفريضة و النافلة في واجبات الركوع و مستحبّاته و مكروهاته]

[1608] مسألة 28: لا فرق بين الفريضة و النافلة في واجبات الركوع و مستحبّاته و مكروهاته و كون نقصانه موجباً للبطلان، نعم الأقوى عدم بطلان النافلة بزيادته سهواً (1).

______________________________
الظاهر في الترتيب، إلّا أنّ الظاهر أنّ التكبير يقع قبل الهوي، إمّا باعتبار أن يكون الهوي من أجزاء الركوع كما هو أحد الأقوال، أو من جهة كونه مقدّمة عقلية له. و الحاصل أنّ الواو لو كانت حالية كان مفادها وقوع التكبير حال الهوي، و لكنّها ليست حالية، فتكون ظاهرة في وقوعها قبل الهوي.

و كيف ما كان، فعلى هذا القول لا حاجة إلى التعبّد، بل تكون الصحاح الأربع بوزان واحد، و لا بدّ من رفع اليد عن ظواهر جميعها من جهة القرينة العامّة المشار إليها و السيرة، فتكون النتيجة هو استحبابها قبل الركوع حال الانتصاب، فلو أتى بها حال الهوي لا يكون ذلك بقصد الخصوصية، بل بعنوان مطلق الذكر.

(1) لا ريب في أنّه لا فرق بين الفريضة و النافلة بحسب الحقيقة و الماهية و إنّما الفرق بينهما من جهة الحكم، و لذا لو أمر المولى بالصلاة فريضة بعد بيان كيفيتها ثمّ أمر بها نافلة، يعلم أنّ المطلوب منه استحباباً إنّما هو نفس تلك الأجزاء و الشرائط، فعليه لا فرق بينهما في جميع واجبات الركوع و مستحبّاته و مكروهاته إلّا إذا لم يكن لأدلّتها إطلاق، و لأجله كان نقصان الركوع عمداً أو سهواً في النافلة موجباً للبطلان، لإطلاق لا تعاد الحاكم بالإعادة فيما إذا كان الإخلال النقصي من ناحية الركوع. مضافاً إلى حديث التثليث «1» الدال على أنّ الركوع من مقوّمات الصلاة، و بدونها تكون الصلاة منتفية.

______________________________
(1) الوسائل 6: 310/ أبواب الركوع ب 9 ح 1.

82
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 28: لا فرق بين الفريضة و النافلة في واجبات الركوع و مستحباته و مكروهاته ؛ ج 15، ص : 82

..........

______________________________
و أمّا زيادته العمدية فهي أيضاً توجب البطلان، لأنّ الركوع أُخذ في الصلاة بشرط لا، و المفروض اتِّحاد الماهيتين، فلا محالة تكون الزيادة فيها موجبة للبطلان.

و أمّا الزيادة السهوية فمقتضى القاعدة من اتِّحاد الماهيتين هو البطلان أيضاً إلّا أنّ الأقوى الصحّة، نظراً إلى قصور المقتضي عن الشمول للنافلة، فإنّ المقتضي للبطلان حينئذ هو قوله (عليه السلام) من استيقن أنّه زاد في المكتوبة ركعة فعليه الإعادة «1» حيث دلّ على البطلان فيما لو زاد ركعة سواء أُريد بها الركوع أو نفس الركعة زيادة سهوية كما يقتضيه التعبير بالاستيقان و هو كما ترى خاص بالمكتوبة فلا يعم النافلة.

و على الجملة: لا دليل على التعدِّي إلى النافلة بعد تقييد الحكم بالمكتوبة و الوصف و إن لم يكن له مفهوم بالمعنى المصطلح، لكن له مفهوم بالمعنى الآخر و هو الدلالة على عدم ثبوت الحكم للطبيعة المطلقة على سريانها كما أسلفناك مراراً، فيكون مفهومه في المقام: إنّ مطلق الصلوات الأعم من الفريضة و النافلة ليس محكوماً بوجوب الإعادة لدى زيادة الركوع سهواً، و هو المطلوب. و تمام الكلام في بحث الخلل إن شاء اللّٰه تعالى.

______________________________
(1) الوسائل 8: 231/ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 1.

83
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في السجود ؛ ج 15، ص : 84

[فصل في السجود]

فصل في السجود و حقيقته وضع الجبهة على الأرض بقصد التعظيم و هو أقسام: السجود للصلاة و منه قضاء السجدة المنسيّة، و للسهو و للتلاوة و للشكر و للتذلّل و التعظيم أمّا سجود الصلاة فيجب في كل ركعة من الفريضة و النافلة سجدتان (1)

______________________________
(1) السجود لغة
«1» يطلق على معانٍ لعل أكثرها استعمالًا: نهاية التذلّل و الخضوع التي أظهرها مصداقاً وضع الجبهة على الأرض، و ربما يطلق على وضع ما عدا الجبهة من سائر أعضاء الوجه، لكنّه مختص بفرض العجز عن الجبهة فهو في طول الاستعمال الأوّل.

و المراد بالأرض أن يكون الاعتماد عليها، سواء أ كان مع الواسطة أو بدونها فلا يصدق السجود على الفاقد للاعتماد، كأن يضع جبهته على يده المرتفعة عن الأرض، بحيث يكون السجود على الفضاء.

و كيف ما كان، فهو بمفهومه اللّغوي و العرفي متقوّم بوضع الجبهة على الأرض و لا مدخل لوضع سائر المساجد في الصدق المزبور.

و الظاهر أنّه في لسان الشرع أيضاً يطلق على ما هو عليه من المعنى اللّغوي غايته مع مراعاة خصوصيات أُخر كما ستعرف، فالسجود الوارد في الكتاب و السنّة كالواقع في حديث لا تعاد و غيره كلّها تنصرف إلى هذا المعنى، و ليس للشارع اصطلاح جديد في ذلك.

______________________________
(1) لسان العرب 3: 204، مجمع البحرين 3: 62.

84
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في السجود ؛ ج 15، ص : 84

و هما معاً من الأركان (1) فتبطل بالإخلال بهما معاً، و كذا بزيادتهما معاً في

______________________________
و أمّا ما ورد في جملة من الأخبار
«1» من أنّ السجود على سبعة أعظم: الجبهة و الكفّان و الركبتان و الإبهامان، فليس ذلك بياناً لمفهوم السجود شرعاً كي يقتضي الحقيقة الشرعية، و لا شارحاً للمراد من لفظ السجود الوارد في لسان الشارع و لو مجازاً، فانّ كلا من الأمرين مخالف لظواهر هذه النصوص بل هي مسوقة لبيان واجبات السجود و الأُمور المعتبرة فيه، فمفادها إيجاب هذه الأُمور في تحقّق السجود الواجب، و إن كان ذلك لا يخلو عن ضرب من المسامحة كما لا يخفى، لا دخلها في المفهوم أو في المراد.

و منه تعرف أنّ ما ورد من المنع عن السجود على القير مثلًا، إنّما يراد به المنع عن وضع الجبهة عليه، الّذي هو حقيقة السجود كما عرفت، لا عن وضع سائر المساجد، كما أنّ ما دلّ على وجوب السجود على الأرض أو نباتها يراد به اعتباره في خصوص مسجد الجبهة لا سائر المساجد كما عليه السيرة، بل الإجماع من دون نكير.

و يترتّب عليه أيضاً: أنّ المدار في زيادة السجود و نقيصته الموجبتين للبطلان على وضع الجبهة و عدمه و لا عبرة بسائر المساجد، فلو ترك وضع الجبهة في السجدتين بطلت صلاته و إن كان واضعاً لسائر المساجد، كما أنّه من طرف الزيادة لو وضع جبهته مرّتين بطلت و إن لم يضع مساجده الأُخر، فالركنية تدور مدار وضع الجبهة و عدمه كما نبّه عليه الماتن (قدس سره) في ذيل كلامه.

(1) لا ريب في وجوب السجود في الصلاة فريضة كانت أم نافلة، لكل ركعة مرّتين بضرورة من الدين، و قد اشتهر التعبير عنهما معاً بالركن، و أنّ‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 343/ أبواب السجود ب 4 ح 2، 8.

85
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في السجود ؛ ج 15، ص : 84

الفريضة عمداً كان أو سهواً أو جهلًا، كما أنّها تبطل بالإخلال بإحداهما عمداً و كذا بزيادتها، و لا تبطل على الأقوى بنقصان واحدة و لا بزيادتها سهواً.

______________________________
زيادتهما أو نقيصتهما عمداً أو سهواً موجبة للبطلان، بخلاف السجدة الواحدة حيث إنّ الإخلال بها سهواً نقصاً أو زيادة غير قادح فليست هي بركن.

فيقع الكلام أوّلًا في تحديد الركن و تطبيقه على المقام ثمّ في بيان مدرك الحكم المزبور.

فنقول: قد أشرنا في أوائل بحث أفعال الصلاة «1» إلى أنّ الركن بلفظه لم يرد في شي‌ء من النصوص، و إنّما هو اصطلاح محدث دارج في ألسنة الفقهاء (قدس سرهم) من دون أن يكون له في الأخبار عين و لا أثر، كما نصّ عليه شيخنا الأنصاري (قدس سره) «2» و لا بأس بهذا الإطلاق حيث إنّ ركن الشي‌ء هو عموده و ما يبتني عليه بحيث ينتفي بانتفائه عمداً كان أو سهواً، و ما يعد من الأركان في الصلاة كذلك، غير أنّهم (قدس سرهم) فسّروه بما يوجب الإخلال به عمداً و سهواً زيادة و نقصاً البطلان.

و من هنا أشكل الأمر في تطبيقه على المقام مع الالتزام بعدم قدح السجدة الواحدة سهواً زيادة و نقصاً، حيث إنّ الركن إن كان هو مجموع السجدتين على صفة الانضمام، فزيادته و إن أوجب البطلان إلّا أنّ نقيصته المتحققة بترك إحدى السجدتين نسياناً لانتفاء المركب بانتفاء أحد أجزائه لا توجبه، لالتزامهم بالصحّة حينئذ كما عرفت. و إن كان مسمّى السجود و ماهيّته، فنقصه و إن أوجب البطلان، إلّا أنّ زيادته لا توجبه، لبنائهم على عدم قدح زيادة السجدة‌

______________________________
(1) شرح العروة 14: 3.

(2) كتاب الصلاة 1: 487.

86
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في السجود ؛ ج 15، ص : 84

..........

______________________________
الواحدة سهواً كما مرّ مع صدق زيادة المسمّى حينئذ.

و قد وقعوا في الجواب عن هذا الاشكال المشهور في حيص و بيص، و ذكروا أجوبة مختلفة مذكورة في الكتب المطوّلة «1» لا يخلو شي‌ء منها بحيث يتّجه انطباق ضابط الركن من طرفي الزيادة و النقيصة على محل واحد عن تكلّف.

و هذا الاشكال كما ترى إنّما نشأ من التفسير المزبور الّذي لا شاهد عليه لا من العرف و لا اللّغة و لا غيرهما، لعدم تقوّم مفهوم الركن إلّا بما يقدح الإخلال به من ناحية النقص فقط دون الزيادة. أ ترى أنّ أركان البنيان لو تعدّدت أو أعمدة الفسطاط لو تكثرت يوجب ذلك خللًا في البناء لو لم يستوجب مزيد الاستحكام.

و على الجملة: لو تمّ الاشكال فإنّما هو متوجِّه على القوم في تفسيرهم الركن بما ذكر، و أمّا على المبنى الآخر في تفسيره المطابق لمفهوم اللفظ عرفاً و لغة من تحديده بما يوجب البطلان من ناحية النقص فقط كما قدّمناه، فلا إشكال أصلًا، إذ عليه يمكن الالتزام بأنّ الركن في المقام هو مسمّى السجود، فلو أخلّ به رأساً عمداً أو سهواً بطلت الصلاة، و أمّا من طرف الزيادة، فحكمه صحّة و فساداً خارج عن شأن الركنية و أجنبي عنه بالكلِّيّة. نعم، دلّ الدليل على البطلان بزيادة السجدتين، و الصحّة بزيادة السجدة الواحدة، و كل ذلك لا مساس له بحديث الركنية بوجه.

و أمّا مستند الحكم في المسألة: أمّا من حيث النقيصة و الزيادة العمديتين فظاهر، كما هو الشأن في بقية الأجزاء. و أمّا الإخلال السهوي فمستند البطلان في ترك السجدتين عقد الاستثناء في حديث لا تعاد. مضافاً إلى حديث التثليث «2»

______________________________
(1) ذكر في الجواهر 10: 134 وجهاً وجيهاً لتصوير الركنية بناءً على المسلك المشهور في تفسيرها لعلّه أحسن ما قيل في المقام و إن كان بعد لا يخلو عن النظر فراجع و تدبر.

(2) الوسائل 6: 389/ أبواب السجود ب 28 ح 2.

87
موسوعة الإمام الخوئي15

و واجباته أمور ؛ ج 15، ص : 88

 

[و واجباته أُمور]

و واجباته أُمور:

[أحدها: وضع المساجد السبعة على الأرض]

أحدها: وضع المساجد السبعة (1) على الأرض، و هي الجبهة و الكفّان و الركبتان و الإبهامان من الرجلين، و الركنية تدور مدار وضع الجبهة، فتحصل الزيادة و النقيصة به دون سائر المساجد، فلو وضع الجبهة دون سائرها تحصل الزيادة، كما أنّه لو وضع سائرها و لم يضعها يصدق تركه.

______________________________
الذي عدّ فيه السجود من مقوّمات الصلاة بحيث تنتفي الماهيّة بانتفائه. و مستنده في زيادتهما إطلاق مثل قوله (عليه السلام): «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»
«1» فانّ هذا الإطلاق و إن قيّد بما ستعرف، لكنّه لا مقيّد له في محل الكلام، و مقتضاه عدم الفرق بين العمد و السهو.

و أمّا الصحّة بزيادة السجدة الواحدة، فللروايات الدالّة عليها المقيّدة للإطلاق المزبور، التي منها صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل صلّى فذكر أنّه زاد سجدة، قال: لا يعيد صلاة من سجدة و يعيدها من ركعة» «2».

و أمّا الصحّة بنقيصتها، فلروايات اخرى دلّت عليها أيضاً و قد تضمّنت وجوب التدارك إن كان التذكّر قبل الدخول في الركوع و إلّا فيقضيها بعد الصلاة «3».

و بالجملة: فالبطلان بترك السجدتين أو زيادتهما سهواً مطابق للقاعدة و موافق للإطلاقات. و أمّا الصحّة في الإخلال بالواحدة نقصاً أو زيادة فللروايات الخاصّة و سيأتي التعرّض لكل ذلك مستقصى في أحكام الخلل إن شاء اللّٰه تعالى.

(1) على المعروف المشهور بين الأصحاب، بل ادّعي الإجماع عليه في كثير‌

______________________________
(1) الوسائل 8: 231/ أبواب الخلل ب 19 ح 2.

(2) الوسائل 6: 319/ أبواب الركوع ب 14 ح 2.

(3) الوسائل 6: 364/ أبواب السجود ب 14.

 

88
موسوعة الإمام الخوئي15

أحدها: وضع المساجد السبعة على الأرض ؛ ج 15، ص : 88

..........

______________________________
من الكلمات، و تدل عليه جملة وافرة من النصوص فيها الصحيح و غيره. نعم ورد في بعضها بدل الكف اليد و المراد واحد، فان لليد إطلاقات منها الكف فلو لم تكن هي المنصرف منها عند الإطلاق فلا بدّ من صرفها و حملها عليها جمعاً، فلا تنافي بينهما، ففي صحيح زرارة قال «قال أبو جعفر (عليه السلام) قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): السجود على سبعة أعظم: الجبهة و اليدين و الركبتين و الإبهامين من الرجلين». و نحوه صحيحة القداح و غيرهما
«1». و في صحيحة حماد «2» الكفّين و الركبتين و أنامل إبهامي الرجلين، و الجبهة و الأنف و هل المراد بالكف تمامها أو البعض؟ سيأتي الكلام عليه.

هذا، و لم ينسب الخلاف إلّا إلى السيِّد المرتضى «3»، و ابن إدريس «4» حيث ذكرا بدل اليدين المفصل عند الزندين، و لم يعرف مستنده كما اعترف به غير واحد، إذ لم يرد ذلك في شي‌ء من النصوص حتّى الضعيف منها، و من هنا قد يستبعد إرادة الظاهر من كلامهما، و يحمل على ما لا يخالف المشهور، و أنّهما يوجبان استيعاب الكف لدى السجود، الملازم لوقوع الثقل على المفصل من الزندين، فيكون عمدة الاعتماد عليه كما يشهد به الاختبار، و يشير إليه قوله (عليه السلام) في الصحيح المتقدِّم: «السجود على سبعة أعظم» فإن ما يقع السجود عليه و يتوجّه الثقل إليه إنّما هو عظم المفصل، بل ربّما استظهر هذا المعنى من صدر كلام الحلِّي في السرائر.

و كيف كان، فإن أرادا ما هو الظاهر من كلامهما من اعتبار خصوص المفصل‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 343/ أبواب السجود ب 4 ح 2، 8.

(2) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(3) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 32.

(4) السرائر 1: 225.

89
موسوعة الإمام الخوئي15

أحدها: وضع المساجد السبعة على الأرض ؛ ج 15، ص : 88

..........

______________________________
فلا شاهد عليه، بل الأخبار المتقدِّمة حجّة عليهما، و إن أرادا ما عرفت ممّا لا يخالف المشهور و أنّ العدول إلى التعبير المزبور لنكتة سمعتها تبعاً للنصوص فنعم الوفاق.

كما قد وقع الخلاف بالنسبة إلى الإبهامين أيضاً، فإنّ المشهور اعتبارهما بالخصوص كما صرّح به في بعض النصوص كصحيحة زرارة المتقدِّمة. نعم، في بعضها كصحيحة عبد اللّٰه بن ميمون القداح ذكر الرجلين بدل الإبهامين، و الظاهر أنّها ليست في مقام البيان إلّا من ناحية تعداد مواضع السجود على سبيل الإجمال، فلا إطلاق لها من سائر الخصوصيات كي يتمسّك به، و على تقديره فهو مقيّد بصحيحة زرارة و غيرها ممّا اشتملت على الإبهامين.

و عن جملة من الأصحاب كالشيخين «1»، و السيِّد أبي المكارم «2»، و أبي الصلاح «3» أنّ العبرة بوضع أطراف أصابع الرجلين لا خصوص الإبهامين، بل نسب ذلك إلى كثير من القدماء، و هذا لم يظهر له مستند من طرقنا.

نعم، روى الجمهور بسندهم عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) أنّه قال: «أُمرت بالسجود على سبعة أعظم: اليدين و الركبتين و أطراف القدمين و الجبهة» «4» و نحوه ما عن ابن أبي جمهور في عوالي اللآلي «5» المتضمِّن لذكر أطراف أصابع الرجلين، و لا عبرة بشي‌ء من ذلك بعد عدم تمامية السند، فالأقوى تبعاً للمشهور و عملًا بالنصوص اعتبار السجود على الإبهامين بخصوصهما.

______________________________
(1) المفيد في أحكام النِّساء (مصنفات الشيخ المفيد 9): 27، الطوسي في المبسوط 1: 112.

(2) الغنية: 80.

(3) الكافي في الفقه: 119.

(4) سنن البيهقي 2: 103، سنن ابن ماجة 1: 286/ 883.

(5) عوالي اللآلي 1: 196/ 5، المستدرك 4: 455/ أبواب السجود ب 4 ح 3.

90
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الذكر ؛ ج 15، ص : 91

[الثاني: الذِّكر]

الثاني: الذِّكر و الأقوى كفاية مُطلقه، و إن كان الأحوط اختيار التسبيح على نحو ما مرّ في الركوع، إلّا أنّ في التسبيحة الكبرى يبدل [1] العظيم بالأعلى (1).

[الثالث: الطمأنينة فيه بمقدار الذكر الواجب]

الثالث: الطمأنينة فيه بمقدار الذكر الواجب (2) بل المستحب أيضاً إذا أتى

______________________________
و أمّا سائر الأحكام و الخصوصيات المتعلِّقة بالمساجد السبعة فسنتكلّم فيها إن شاء اللّٰه تعالى عند تعرّض الماتن إليها في مطاوي المسائل الآتية.

هذا، و قد أشرنا فيما سبق «1» إلى وجه ما نبّه إليه الماتن في المقام من أنّ الركنية تدور مدار وضع الجبهة بخصوصها، و لا دخل لوضع سائر المساجد و عدمه من هذه الجهة فراجع.

(1) قدّمنا الكلام حول ذلك مستقصًى في مبحث الركوع «2»، فانّ ملاك البحث مشترك بينهما بكامله فيجري فيه ما مرّ حرفاً بحرف، و قد عرفت أنّ الأقوى الاجتزاء بمطلق الذكر بشرط أن يعادل ثلاث تسبيحات من الصغرى، و عليه فهو مخيّر في المقام بين ذلك و بين التسبيحة الكبرى بتبديل العظيم بالأعلى كما في النصوص «3».

(2) بل المستحب أيضاً إذا أتى به بقصد الخصوصية كما جزم به في المقام و إن توقف فيه في بحث الركوع، مع عدم وضوح الفرق بين المقامين، و كيف ما كان فالمشهور اعتبار الطمأنينة في السجود بمقدار الذكر بل لم يعرف فيه خلاف بل قد ادّعي عليه الإجماع في كثير من الكلمات، إنّما الكلام في مستند ذلك.

______________________________
[1] على الأحوط.

______________________________
(1) في ص 85.

(2) في ص 12 و ما بعدها.

(3) الوسائل 6: 299/ أبواب الركوع ب 4 ح 1، 5، 7.

91
موسوعة الإمام الخوئي15

الثالث: الطمأنينة فيه بمقدار الذكر الواجب ؛ ج 15، ص : 91

به بقصد الخصوصية، فلو شرع في الذكر قبل الوضع أو الاستقرار عمداً بطل و أبطل، و إن كان سهواً وجب التدارك إن تذكر قبل رفع الرأس، و كذا لو أتى به حال الرفع أو بعده و لو كان بحرف واحد منه فإنّه مبطل إن كان عمداً، و لا يمكن التدارك إن كان سهواً، إلّا إذا ترك الاستقرار و تذكر قبل رفع الرأس.

______________________________
قال في المدارك بعد دعوى الإجماع عليه ما لفظه: و تدل عليه مضافاً إلى التأسّي روايتا حريز و زرارة المتقدِّمتان، انتهى
«1».

أقول: أمّا الإجماع فالمنقول منه ليس بحجّة، و المحصل منه على وجه يكون تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) غير حاصل بعد احتمال استناد المجمعين إلى بعض الوجوه الآتية، و إن كان الظاهر قيام التسالم و الاتفاق عليه و أمّا التأسي فالإشكال عليه ظاهر كما مرّ مراراً، لعدم إحراز صدور الفعل منه (صلّى اللّٰه عليه و آله) على وجه الوجوب كي يشمله دليل التأسّي، فإنّ الفعل مجمل لا لسان له. و أمّا الروايتان فلا وجود لهما في الأخبار، و لعلّه سهو من قلمه الشريف كما نبّه عليه في الحدائق «2»، هذا.

و قد استدلّ له في الحدائق «3» بصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: بينا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام يصلِّي فلم يتم ركوعه و لا سجوده فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) نقر كنقر الغراب لئن مات هذا و هكذا صلاته ليموتنّ على غير ديني» «4» و نحوه‌

______________________________
(1) المدارك 3: 409.

(2) الحدائق 8: 290.

(3) الحدائق 8: 290.

(4) الوسائل 6: 298/ أبواب الركوع ب 3 ح 1.

92
موسوعة الإمام الخوئي15

الثالث: الطمأنينة فيه بمقدار الذكر الواجب ؛ ج 15، ص : 91

..........

______________________________
صحيحة القداح المشتملة على نظير القصّة مع وقوعها بمحضر من عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)
«1» و قد ادّعى (قدس سره) وضوح دلالتهما على وجوب الطمأنينة مع عدم الدلالة عليه بوجه، فان غايتهما وجوب المكث في الركوع و السجود، و هذا ممّا لا بدّ منه أداءً لوظيفة الذكر الواجب حالهما، إذ لو رفع رأسه بمجرّد الوضع من غير مكث الّذي به يكون ركوعه و سجوده نقرياً فقد أخلّ بوظيفة الذكر، و هو خارج عن محل الكلام، و أمّا أنّه حين المكث هل يكون مستقراً مطمئناً أو متزلزلًا مضطرباً يميناً و شمالًا الّذي هو محل البحث فالروايتان أجنبيتان عن التعرّض لذلك نفياً و إثباتاً كما لا يخفى.

و ربما يستدل للحكم بصحيحة عليّ بن يقطين «سألته عن الركوع و السجود كم يجزي فيه من التسبيح؟ فقال: ثلاثة، و تجزيك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض» «2»، و صحيحة عليّ بن جعفر قال: «سألته عن الرجل يسجد على الحصى فلا يمكن جبهته من الأرض فقال: يحرِّك جبهته حتّى يتمكن فينحي الحصى عن جبهته و لا يرفع رأسه» «3».

و فيه: أنّ غايتهما الدلالة على اعتبار الاطمئنان و التمكين في الجبهة لدى السجود لا في بدن المصلِّي الّذي هو محل الكلام، فهذه الوجوه كلّها ضعيفة.

و الأولى الاستدلال له بصحيحة بكر بن محمّد الأزدي بمثل ما تقدّم في الركوع «4»، و لم أر من تعرّض لها في المقام و إن تعرّضوا لها هناك قال (عليه السلام) فيها: «و إذا سجد فلينفرج و ليتمكن» «5».

______________________________
(1) الوسائل 4: 36/ أبواب أعداد الفرائض ب 9 ح 2.

(2) الوسائل 6: 300/ أبواب الركوع ب 4 ح 3.

(3) الوسائل 6: 353/ أبواب السجود ب 8 ح 3.

(4) في ص 23.

(5) الوسائل 4: 35/ أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 8 ح 14.

93
موسوعة الإمام الخوئي15

الرابع: رفع الرأس منه ؛ ج 15، ص : 94

[الرابع: رفع الرأس منه]

الرابع: رفع الرأس منه (1).

______________________________
و تقريب الاستدلال: ما عرفت في بحث الركوع من كونها إرشاداً إلى شرطية التمكن و الاستقرار في تحقّق الركوع و السجود الشرعيين، و تدل بالدلالة الالتزامية على اشتراطه في الذكر الواجب أيضاً، للزوم إيقاع الذكر المأمور به فيهما، فلا بدّ من استمرار الاستقرار فيهما و استدامته بمقدار يقع الذكر في محلِّه بل مقتضى هذا البيان اعتباره في الذكر المستحب أيضاً إذا قصد به الخصوصية بعين هذا التقريب، كما نبّهنا عليه هناك، و قد أشرنا إلى أنّ تفكيك الماتن بين المقام و ما سبق بالجزم هنا و التوقف هناك في غير محله، بل الأقوى اعتباره في المقامين لما ذكر.

(1) أي من السجدة الأُولى بلا خلاف و لا إشكال، و إنّما خصّوا التعرّض به مع وضوح وجوب رفعه من السجدة الثانية أيضاً، لعدم وقوع الخلاف في الثاني، إذ يجب التشهّد و نحوه فلا بدّ من الرفع مقدّمة، و أمّا الأوّل فقد خالف فيه العامّة، فأنكره أبو حنيفة و ذكر أنّه لو حفر حفيرة حال السجود فنقل جبهته إليها، أو كان دون مسجد الجبهة مكان أخفض فجر الجبهة إليه بقصد السجدة الثانية كفى «1»، فنبّهوا على وجوب رفع الرأس هنا طعناً عليه و رداً لمقالته.

و منه تعرف أنّه ليس الوجه في وجوب هذا الرفع توقف صدق تعدّد السجدة عليه، و أنّه بدونه يكون سجود واحد مستمر لإمكان صدق التعدّد بدونه أيضاً، كما ذكر من النقل و التغيّر المساوق للتعدّد، بل لروايات دلّت عليه كصحيحة حماد «2» و غيرها فلاحظ.

______________________________
(1) المجموع 3: 440، المغني 1: 598، الخلاف 1: 360.

(2) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

94
موسوعة الإمام الخوئي15

الخامس: الجلوس بعده مطمئنا ثم الانحناء للسجدة الثانية ؛ ج 15، ص : 95

[الخامس: الجلوس بعده مطمئناً ثمّ الانحناء للسجدة الثانية]

الخامس: الجلوس بعده مطمئناً ثمّ الانحناء للسجدة الثانية (1).

[السادس: كون المساجد السبعة في محالها إلى تمام الذكر]

السادس: كون المساجد السبعة في محالها إلى تمام الذكر (2) فلو رفع بعضها بطل و أبطل إن كان عمداً، و يجب تداركه إن كان سهواً، نعم لا مانع من رفع ما عدا الجبهة في غير حال الذكر (3) ثمّ وضعه عمداً كان أو سهواً، من غير فرق بين كونه لغرض كحك الجسد و نحوه أو بدونه.

______________________________
(1) أمّا الجلوس فقد دلّت عليه صحيحة حماد
«1» و غيرها. و أمّا الاطمئنان فقد استدلّ له بالإجماع و هو كما ترى.

و الأولى أن يستدل له بذيل صحيحة الأزدي المتقدِّمة قال (عليه السلام) فيها: «و إذا سجد فلينفرج و ليتمكن و إذا رفع رأسه فليلبث حتّى يسكن» «2» و دلالتها ظاهرة.

(2) بلا خلاف و لا إشكال، للزوم إيقاع الذكر في السجود المأمور به كما تشهد به النصوص المتقوّم بالمحال السبعة فلا بدّ من إبقائها في مواضعها إلى نهاية الذكر تحقيقاً للظرفية.

و عليه فلو رفع بعضها حال الذكر، فان كان عمداً بطل الذكر لعدم وقوعه في محله، و أبطل الصلاة للزوم الزيادة العمدية، إذ قد أتى بالذكر بقصد الجزئية كما هو الفرض، و لم يكن جزءاً و هو معنى الزيادة، و إن كان سهواً وجب التدارك، لبقاء المحل ما لم يرفع جبهته كما هو ظاهر.

(3) لعدم الدليل على مانعية هذا الرفع، و المرجع أصالة البراءة، و الظاهر أنّه‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(2) الوسائل 4: 35/ أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 8 ح 14.

95
موسوعة الإمام الخوئي15

السادس: كون المساجد السبعة في محالها إلى تمام الذكر ؛ ج 15، ص : 95

..........

______________________________
لا إشكال في الحكم كما لا خلاف. نعم، حكى في الجواهر
«1» عن بعض المشايخ التوقف فيه أو الجزم بالبطلان، و ليس له وجه ظاهر عدا تخيّل إلحاق سائر المساجد بالجبهة، فكما لا يجوز رفعها و وضعها لاستلزام زيادة السجود فكذا سائر الأعضاء.

لكنّه كما ترى واضح البطلان، لما عرفت من أنّ المدار في صدق السجود و تعدّده بوضع الجبهة و رفعها دون سائر المحال فإنّها واجبات حال السجود لا مقوّمات له، لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية للسجود، بل يطلق على ما هو عليه من المعنى اللغوي المتقوّم بذاك فحسب. و من هنا كانت الركنية تدور مداره وجوداً و عدماً كما مرّ، و قد عرفت «2» أنّ الأحكام المتعلِّقة بالسجود في لسان الأخبار من لزوم وقوعه على الأرض أو نباتها، و عدم جواز السجود على القير و نحو ذلك كلّها ناظرة إلى موضع الجبهة دون سائر الأعضاء.

و من هنا لم يعتبر أحد ذلك فيها بلا خلاف و لا إشكال كما مرّ التعرّض إليه و لأجله أشرنا فيما سبق «3» إلى أن قوله (عليه السلام) «السجود على سبعة أعظم» مبني على ضرب من التجوز و المسامحة، و المراد إيجاب هذه الأُمور حال السجود، لا أنّ حقيقته الشرعية، أو المراد منه في لسان الشرع ذلك. و عليه فلا وجه لقياس سائر الأعضاء عليه في المقام، و قد تعرّض العلّامة الطباطبائي (قدس سره) «4» لدفع هذا التوهّم مستقصى و أعطى المقال حقّه فلاحظ إن شئت.

ثمّ إنّه استدلّ غير واحد للحكم المزبور بخبر علي بن جعفر عن أخيه‌

______________________________
(1) الجواهر 10: 164.

(2) في ص 85.

(3) في ص 85.

(4) الدرّة النجفية: 126.

96
موسوعة الإمام الخوئي15

السابع: مساواة موضع الجبهة للموقف ؛ ج 15، ص : 97

[السابع: مساواة موضع الجبهة للموقف]

السابع: مساواة موضع الجبهة للموقف (1)

______________________________
(عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يكون راكعاً أو ساجداً فيحكه بعض جسده هل يصلح له أن يرفع يده من ركوعه أو سجوده فيحكه ممّا حكه؟ قال: لا بأس إذا شقّ عليه أن يحكه، و الصبر إلى أن يفرغ أفضل»
«1»، و الدلالة و إن كانت تامّة لكنها ضعيفة السند بعبد اللّٰه بن الحسن فإنّه لم يوثق، فالمتعيِّن الاستناد في الجواز و عدم المانعية إلى الأصل كما عرفت.

(1) على المشهور بل إجماعاً كما ادّعاه غير واحد، فلا يجوز علوّه عن الموقف و لا انخفاضه أزيد من لبنة و يجوز بمقدارها، و قد قدّرها الأصحاب بأربعة أصابع و هو كذلك، حيث إنّ المراد بها في لسان الأخبار هي اللبنة التي كانت متعارفة معتادة في زمن الأئمّة (عليهم السلام)، و قد لاحظنا ما بقي منها من آثار العباسيين في سامراء فكان كذلك تقريبا.

و كيف ما كان، فقد خالف في ذلك صاحب المدارك (قدس سره) «2» فاعتبر المساواة، و منع عن العلو مطلقاً حتّى بمقدار اللبنة، و استند في ذلك إلى صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن موضع جبهة الساجد أ يكون أرفع من مقامه؟ فقال: لا، و ليكن مستوياً» «3»، و في بعض النسخ «و لكن» بدل و ليكن.

و تقريب الاستدلال: أنّ من الواضح أنّ المساواة المأمور بها لم يرد بها المساواة الحقيقية الملحوظة بالآلات الهندسية، فإنّه تكليف شاق لا يمكن‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 330/ أبواب الركوع ب 23 ح 1.

(2) المدارك 3: 407.

(3) الوسائل 6: 357/ أبواب السجود ب 10 ح 1.

97
موسوعة الإمام الخوئي15

السابع: مساواة موضع الجبهة للموقف ؛ ج 15، ص : 97

..........

______________________________
توجيهه إلى عامّة المكلّفين، فالمراد لا محالة هي المساواة العرفية المتحققة و لو مع الاختلاف اليسير فيما إذا كان تدريجياً انحدارياً، دون ما كان دفعياً تسنيمياً و لو كان بقدر إصبع، لصدق عدم المساواة حينئذ بعد أن كان الاختلاف في مثله محسوساً بيّناً، و ظاهر الأمر بالمساواة لزوم مراعاتها على جهة الوجوب.

هذا، و لا يخفى أنّ لازم كلامه (قدس سره) الاستشكال بل المنع عمّا هو الدارج بين الشيعة من السجود على التربة الحسينية على مشرّفها آلاف الثناء و التحيّة، لعدم تحقّق المساواة حينئذ بالمعنى الّذي ذكره و هو كما ترى.

و كيف كان، فينبغي القطع بفساد هذه الدعوى، لقيام السيرة العملية القطعية من المتشرِّعة خلفاً عن سلف على عدم رعاية هذا المقدار من التساوي، و لا سيّما في الجماعات المنعقدة في الأماكن المختلفة من البيداء و نحوها التي قلّما يتّفق تساوى سطوحها حتّى من غير ناحية الانحدار، فتراهم يصلّون و لو فيما كان مسجد الجبهة بخصوصها أرفع من الموقف بمقدار يسير من أجل وجود الحصى أو التل و نحوهما، و أمّا الصحيحة فلا بدّ من حملها على الاستحباب كما ستعرف هذا.

و يستدل للمشهور بصحيحة أُخرى لعبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن السجود على الأرض المرتفع فقال: إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس» «1».

دلّت على جواز السجود فيما إذا كان الارتفاع بمقدار اللّبنة، و بالمفهوم على عدمه فيما زاد عليها، و بذلك يحمل الأمر بالمساواة المطلقة في صحيحته الاولى على الاستحباب.

و نوقش فيها من حيث السند تارة، و الدلالة اخرى، و المتن ثالثة.

______________________________
(1) الوسائل 6: 358/ أبواب السجود ب 11 ح 1.

98
موسوعة الإمام الخوئي15

السابع: مساواة موضع الجبهة للموقف ؛ ج 15، ص : 97

..........

______________________________
أمّا من حيث السند، فبما ذكره في المدارك من أنّ في الطريق النهدي المردّد بين الموثق و غيره «1». و فيه: ما لا يخفى، فانّ المنصرف من هذا اللّفظ عند الإطلاق رجلان: أحدهما: هيثم بن أبي مسروق و هو ممدوح في كتب الرِّجال، بل بملاحظة وقوعه في أسانيد كامل الزيارات موثق، و الآخر: هو محمّد بن أحمد ابن خاقان أبو جعفر القلانسي المعروف بحمدان و هو موثق، فالرجل مردّد بين الممدوح و الموثق، و باعتبار آخر بين موثقين، فغايته كون الرواية مرددة بين الحسنة و الموثقة فهي حجّة على التقديرين. و أمّا غير الرجلين ممّن لم يوثق فهو خارج عن منصرف اللّفظ عند الإطلاق كما عرفت.

نعم، الظاهر أنّ المراد به في المقام هو الأوّل، لعدم كون الثاني في طبقة ابن محبوب الراوي عنه. مضافاً إلى أنّ الأوّل له كتاب، و الطريق إليه هو محمّد بن علي بن محبوب.

و أمّا من حيث الدلالة، فبأنّ البأس المستفاد من المفهوم أعم من المنع، و هو كما ترى، فإنّ البأس بقول مطلق مساوق للمنع كما لا يخفى، فالمنصرف من هذه اللفظة عند الإطلاق نفياً و إثباتاً ليس إلّا الجواز و عدمه، سيّما بعد ملاحظة وقوعه جواباً عن السؤال المذكور في هذه الصحيحة، الظاهر في كونه سؤالًا عن الجواز و عدمه، إذ لا يحتمل وجوب السجود على الأرض المرتفعة أو استحبابه كي يسأل عنه.

و أمّا من حيث المتن، فقد قيل إنّ في بعض النسخ «يديك» باليائين المثناتين من تحت بدل «بدنك» بالباء الموحّدة و النون، فلا دلالة فيها حينئذ على الموقف.

و فيه: أنّ النسخة المعروفة الموجودة في جميع كتب الأخبار و الاستدلال إنّما‌

______________________________
(1) المدارك 3: 407.

99
موسوعة الإمام الخوئي15

السابع: مساواة موضع الجبهة للموقف ؛ ج 15، ص : 97

بمعنى عدم علوّه أو انخفاضه أزيد من مقدار لبنة موضوعة على أكبر سطوحها أو أربع أصابع مضمومات و لا بأس بالمقدار المذكور (1).

______________________________
هي الثاني، بل في الجواهر أنّه لم يعثر على الأوّل مضافاً إلى ما ذكره (قدس سره) و نعم ما ذكر من أنّ استدلال الأصحاب به و الفتوى بمضمونه قديماً و حديثاً على اختلاف طبقاتهم و نسخهم، مع أنّ فيهم من هو في غاية التثبت و الإتقان و التدقيق ككاشف اللثام يشرف الفقيه على القطع بضبطهم له بالباء و النون و عدم وجود النسخة الأُخرى. و على تقديره فهي سهو من قلم النسّاخ بلا ارتياب
«1».

هذا، مع أنّ سوق السؤال المتضمِّن للسجود على الأرض لعلّه يشهد بإرادة موضع البدن دون اليدين خاصّة كما لا يخفى.

و ممّا يؤكِّده أيضاً: التعبير بالرجلين في مرسل الكافي قال: و في حديث آخر في السجود على الأرض المرتفعة قال: «إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن رجليك قدر لبنة فلا بأس» «2»، إذ الظاهر أنّه يشير بذلك إلى هذه الصحيحة.

فتحصّل: أنّ هذه المناقشات كلّها ساقطة. فالصحيح إذن ما عليه المشهور من اعتبار المساواة و عدم جواز العلو أكثر من مقدار اللبنة.

(1) لم يقع التحديد باللبنة من ناحية الانخفاض في كلام من تقدّم على الشهيدين، و أوّل من تعرّض له هو الشهيد «3» و تبعه من تأخّر عنه، و من هنا نسب جواز الخفض مطلقاً إلى أكثر القدماء حيث اقتصروا على التحديد المزبور‌

______________________________
(1) الجواهر 10: 151.

(2) الوسائل 6: 359/ أبواب السجود ب 11 ح 3، الكافي 3: 333/ 4.

(3) الدروس 1: 157.

100
موسوعة الإمام الخوئي15

السابع: مساواة موضع الجبهة للموقف ؛ ج 15، ص : 97

..........

______________________________
من حيث الارتفاع فحسب، بل عن الأردبيلي (قدس سره) التصريح بذلك
«1» بل عن العلّامة في التذكرة دعوى الإجماع عليه، حيث قال: و لو كان مساوياً أو أخفض جاز إجماعا «2».

و كيف كان، فالأقوى ما ذكره الشهيد (قدس سره) من إلحاق الخفض بالرفع لموثقة عمار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن المريض أ يحلّ له أن يقوم على فراشه و يسجد على الأرض؟ قال فقال: إذا كان الفراش غليظاً قدر آجرّة أو أقل استقام له أن يقوم عليه و يسجد على الأرض و إن كان أكثر من ذلك فلا» «3». فانّ الآجرّة هي اللبنة، و لا فرق إلّا من حيث الطبخ و عدمه و نفي الاستقامة عن الزائد عليها ظاهر في المنع، و التشكيك في هذا الظهور بأنّ استقام أعم من الجواز، لإطلاقه على المندوب أيضاً و ما هو الأنسب و الأفضل فعدمه لا يدل على المنع، في غير محله، فان مقابل الاستقامة هو الاعوجاج فنفيها بقول مطلق ظاهر في المنع كما لا يخفى.

و لا تعارضها رواية محمّد بن عبد اللّٰه عن الرِّضا (عليه السلام) في حديث «انّه سأله عمّن يصلِّي وحده فيكون موضع سجوده أسفل من مقامه، فقال: إذا كان وحده فلا بأس» «4» التي هي مستند القول الآخر و من أجلها حملوا الموثق على الكراهة.

إذ فيه أوّلًا: أنّها ضعيفة السند، فانّ محمّد بن عبد اللّٰه الواقع في سندها مشترك بين جماعة كلّهم مجاهيل لم تثبت وثاقتهم «5». و دعوى أنّ الراوي عنه‌

______________________________
(1) مجمع الفائدة و البرهان 2: 133، 263.

(2) التذكرة 3: 189.

(3) الوسائل 6: 358/ أبواب السجود ب 11 ح 2.

(4) الوسائل 6: 358/ أبواب السجود ب 10 ح 4.

(5) نعم، قد وثّق كل من محمّد بن عبد اللّٰه بن زرارة و محمّد بن عبد اللّٰه بن رباط كما في معجم الأُستاذ 17: 253/ 11117، 252/ 11116. إلّا أنّه لا يحتمل إرادتهما في المقام، أمّا الأوّل فلعدم مساعدة الطبقة بعد ملاحظة الراوي و المروي عنه، و أمّا الثاني فهو و إن كان من رجال هذه الطبقة إلّا أنّه لا توجد له و لا رواية واحدة في شي‌ء من الكتب الأربعة.

101
موسوعة الإمام الخوئي15

السابع: مساواة موضع الجبهة للموقف ؛ ج 15، ص : 97

..........

______________________________
هو صفوان و هو من أصحاب الإجماع الّذين لم يرووا إلّا عن الثقة، قد تقدّم الجواب عنها غير مرّة بعدم تمامية المبنى، و الظاهر أنّ صفوان لم يرو عن محمّد ابن عبد اللّٰه إلّا في هذه الرواية.

و ثانياً: أنّ غايتها الإطلاق فيقيّد بالموثق جمعا.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ التقييد بالوحدة في هذه الرواية سؤالًا و جواباً إنّما هو في مقابل الجماعة التي وقع السؤال عنها في صدر هذا الخبر حيث قال «سألته عن الإمام يصلِّي في موضع و الّذين خلفه يصلّون في موضع أسفل منه، أو يصلّي في موضع و الذين خلفه في موضع أرفع منه، فقال يكون مكانهم مستوياً» «1»، فسأله (عليه السلام) أوّلًا عن حكم الجماعة من حيث اختلاف مكان الإمام و المأموم خفضاً و رفعاً، فأجاب (عليه السلام) باعتبار المساواة، ثمّ سأله ثانياً عن حكم المنفرد و أنّ مَن يصلِّي وحده هل يجوز أن يكون مسجده أسفل من مقامه، فأجاب (عليه السلام) بنفي البأس عن هذا الفرد الّذي وقع السؤال عنه في مقابل الصدر، فالتقييد بالوحدة في كلامه (عليه السلام) إنّما هو بتبع وقوعه في كلام السائل، لا لدخله في الحكم، فلا يدلّ على المفهوم، فليتأمّل.

نعم، هناك صورة أُخرى لم يتعرّض لحكمها في الرواية سؤالًا و لا جواباً و هي حكم المأموم في حدّ نفسه من حيث اختلاف موقفه عن مسجده، و لعل حكمه يظهر من المنفرد لعدم احتمال الفرق من هذه الجهة.

______________________________
(1) الوسائل 8: 412/ أبواب صلاة الجماعة ب 63 ح 3.

102
موسوعة الإمام الخوئي15

السابع: مساواة موضع الجبهة للموقف ؛ ج 15، ص : 97

و لا فرق في ذلك بين الانحدار و التسنيم (1)، نعم الانحدار اليسير لا اعتبار به [1] فلا يضر معه الزيادة على المقدار المذكور. و الأقوى عدم اعتبار ذلك في باقي المساجد (2) لا بعضها مع بعض و لا بالنسبة إلى الجبهة، فلا يقدح ارتفاع مكانها أو انخفاضه ما لم يخرج به السجود عن مسمّاه.

______________________________
(1) لإطلاق النص كالفتوى، فإنّ الزيادة على اللبنة الممنوعة في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان و موثقة عمار شاملة بإطلاقها لنحوي الانحدار و التسنيم.

نعم، استثنى الماتن من ذلك ما إذا كان الانحدار يسيراً أي تدريجياً بأن يشرع من الموقف و ينتهي إلى موضع الجبهة فلا يقدح مثله و إن زاد على اللبنة، و خصّ المنع بما إذا كان كثيراً أي دفعياً واقعاً فيما حول الجبهة بحيث يكون العلو أو الخفض ظاهراً محسوساً، و كأنّه لانصراف النص عن الأوّل، و لكنّه كما ترى لا وجه له بعد تسليم الإطلاق في النص و شموله لنحوي التسنيم و الانحدار كما صرّح (قدس سره) به، فالأقوى عدم الفرق بين اليسير و الكثير.

(2) فلا يعتبر التساوي بينها بعضها مع بعض، فلو كان موضع اليدين بالنسبة إلى الركبتين، أو إحدى اليدين أو الركبتين بالنسبة إلى الأُخرى أرفع أو أخفض بأزيد من لبنة، جاز ما لم يخرج عن هيئة الساجد بلا خلاف فيه، لعدم الدليل على مراعاة المساواة بينها، و مقتضى الأصل البراءة.

و هل المساواة المعتبرة ملحوظة بين موضع الجبهة و موقف المصلِّي خاصّة على ما هو صريح المتن تبعاً للأصحاب على اختلاف تعابيرهم فلا يقدح الاختلاف بينه و بين سائر المحال، أو أنّها ملحوظة بينه و بين كل واحد من بقية‌

______________________________
[1] الظاهر عدم الفرق بينه و بين غير اليسير إذا كان ظاهراً، نعم لو لم يكن الانحدار ظاهراً فلا اعتبار بالتقدير المزبور و إن كان هو الأحوط الأولى.

103
موسوعة الإمام الخوئي15

السابع: مساواة موضع الجبهة للموقف ؛ ج 15، ص : 97

..........

______________________________
المساجد الستّة، فلو كانت يداه مثلًا أرفع من الجبهة بطلت، و إن كانت هي مساوية مع الموقف؟

قد يقال بالثاني، بل نسب ذلك إلى ظاهر العلامة في بعض كتبه «1» و غيره.

و هذا يبتني على أمرين:

أحدهما: أنّ المراد بالبدن في صحيحة ابن سنان المتقدِّمة «2» التي هي الأصل في هذا التحديد بدن المصلِّي حال سجوده كي يشمل جميع المساجد الستّة فتلحظ النسبة بينها و بين موضع الجبهة.

الثاني: أنّ تلك المساجد ملحوظة على سبيل العموم الاستغراقي حتّى تجب ملاحظة النسبة بين كل واحدة منها و بين الجبهة، فيقدح حينئذ علو كل واحد من الأعضاء أو انخفاضه عنها بأزيد من لبنة. و أمّا لو كانت ملحوظة على نحو العموم المجموعي فالقادح إنّما هو علو المجموع غير الصادق عند علو بعض و تساوي الآخر كما لا يخفى.

و للمناقشة في كلا الأمرين مجال واسع.

أمّا الثاني، فإنّ لحاظ العموم على سبيل الاستغراق كي يقتضي الانحلال يحتاج إلى مئونة زائدة و عناية خاصّة ثبوتاً و إثباتاً، يدفعها إطلاق الدليل على أنّ لازمه إطلاق البدن على كلّ واحد من المحال بمقتضى الانحلال، و هو كما ترى فإنّه اسم لمجموع الأعضاء لا لكل واحد منها.

و أمّا الأوّل، فهو أيضاً خلاف الظاهر، إذ البدن في حال السجود يعم الجبهة فلا يناسب التقابل بينه و بين موضع الجبهة، لاعتبار المغايرة في المتقابلين.

و عليه فإمّا أن يراد به البدن حال الجلوس، أو حال القيام، و حيث إنّ‌

______________________________
(1) نهاية الإحكام 1: 488.

(2) في ص 98.

104
موسوعة الإمام الخوئي15

السابع: مساواة موضع الجبهة للموقف ؛ ج 15، ص : 97

..........

______________________________
الاعتماد في الأوّل على ما دون الركبتين من الساقين و الأليين الموضوعتين على الرجلين، فما يعتمد عليه من مواضع السجود حينئذ إنّما هو الرجلان، بل هما العمدة في الاعتماد، فيتّحد بحسب النتيجة مع الثاني، أعني حال القيام، فتكون العبرة بالرجلين فحسب، فهما المدار في المقايسة مع موضع الجبهة، بل خصوص الإبهام منهما كما لا يخفى.

و ليس المراد بذلك مراعاة موقف المصلِّي في حال القيام بما هو كذلك، لعدم احتمال كون التساوي المزبور شرطاً في حال القيام و قيداً تعبّدياً معتبراً في مكان المصلِّي مطلقاً، و لذا لو وقف في مكان و عند إرادة السجود صعد على دكّة قريبة منه و سجد عليها صحّت صلاته بلا إشكال، مع أنّ مسجده حينئذ أرفع من المكان الّذي كان واقفاً فيه أزيد من اللبنة، فإنّ الرواية منصرفة عن هذه الصورة قطعاً، بل ناظرة إلى الفرد الشائع المتعارف الّذي يقتضيه طبع المصلِّي من السجود في مكان يقوم فيه لا في مكان آخر.

فالمتحصِّل من الصحيحة تحديد الانحناء لدى السجود، و أنّه ينحني إلى مقدار يوازي جبهته موقفه بحيث لو قام عن سجوده ساوى مسجده موضع رجليه. و هذا هو المراد من الموقف حال القيام الّذي جعلنا المدار عليه و استظهرناه من الصحيحة.

و بعبارة اخرى: المكان الّذي يضع المصلِّي قدميه فيه حال القيام و وركيه حال الجلوس و إبهاميه حال السجود مكان واحد عرفاً و هو المعبّر عنه ب‍ (موضع البدن) فروعي التساوي بينه و بين موضع الجبهة، و عليه فلا عبرة بسائر المواضع فلا يضر ارتفاعها عن موضع الجبهة و إن زاد على اللبنة ما لم يخرج عن هيئة الساجد، كما لو وضع يديه على الحائط مثلًا، فانّ ذلك خروج عن هيئة السجود.

و ممّا يؤكِّد ما ذكرناه من جعل العبرة بالموقف و أنّه المراد من البدن في‌

105
موسوعة الإمام الخوئي15

الثامن: وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه من الأرض ؛ ج 15، ص : 106

[الثامن: وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه من الأرض]

الثامن: وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه من الأرض، و ما نبت منها غير المأكول و الملبوس على ما مرّ في بحث المكان (1).

______________________________
الصحيحة ما وقع في غير واحد من النصوص من التعبير بدل البدن بالرجلين، أو المقام أو موضع القدم، ففي صحيحة ابن سنان الأُخرى «أ يكون أرفع من مقامه»
«1» و في صحيحة أبي بصير «إنِّي أُحب أن أضع وجهي في موضع قدمي» «2» و في رواية محمّد بن عبد اللّٰه «فيكون موضع سجوده أسفل من مقامه» «3» و أظهر من الكل مرسلة الكليني التي تقدّم «4» استظهار أنّها هي صحيحة ابن سنان المبحوث عنها قال (عليه السلام) فيها «إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن رجليك قدر لبنة فلا بأس» «5».

هذا كلّه من حيث الارتفاع، و أمّا من حيث الانخفاض فلا ينبغي الشك في كون المدار على الموقف، للتصريح به في موثقة عمار التي هي المستند في هذا الحكم قال (عليه السلام) فيها: «إذا كان الفراش غليظاً قدر آجرّة أو أقل استقام له أن يقوم عليه و يسجد على الأرض» «6» حيث فرض فيه المساواة فيما عدا قدر الآجر، بين ما يقوم عليه الّذي هو الموقف و بين المسجد، فالمقتضي للاحتمال الآخر أعني الاعتبار بسائر المحال قاصر هنا في حد نفسه كما لا يخفى.

(1) قد مرّ الكلام حول ذلك في بحث المكان في فصل ما يسجد عليه «7» مستقصى فلا نعيد.

______________________________
(1) الوسائل 6: 357/ أبواب السجود ب 10 ح 1، 2، 4.

(2) الوسائل 6: 357/ أبواب السجود ب 10 ح 1، 2، 4.

(3) الوسائل 6: 357/ أبواب السجود ب 10 ح 1، 2، 4.

(4) في ص 100.

(5) الوسائل 6: 359/ أبواب السجود ب 11 ح 3، الكافي 3: 333/ 4.

(6) الوسائل 6: 358/ أبواب السجود ب 11 ح 2.

(7) شرح العروة 13: 129 فما بعدها.

106
موسوعة الإمام الخوئي15

التاسع: طهارة محل وضع الجبهة ؛ ج 15، ص : 107

[التاسع: طهارة محل وضع الجبهة]

التاسع: طهارة محل وضع الجبهة (1).

[العاشر: المحافظة على العربية و الترتيب و الموالاة في الذكر]

العاشر: المحافظة على العربية و الترتيب و الموالاة في الذكر (2).

[مسائل]

[مسألة 1: الجبهة ما بين قصاص شعر الرأس و طرف الأنف الأعلى]

[1609] مسألة 1: الجبهة ما بين قصاص شعر الرأس و طرف الأنف الأعلى و الحاجبين طولًا و ما بين الجبينين عرضاً (3)

______________________________
(1) قد مرّ الكلام حول ذلك أيضاً في أوائل كتاب الطهارة عند التكلّم في أحكام النجاسات في فصل يشترط في صحّة الصلاة واجبة كانت أو مندوبة إزالة النجاسة، و عرفت أنّ عمدة المستند هي صحيحة ابن محبوب عن الرِّضا (عليه السلام) «عن الجص يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى ثمّ يجصص به المسجد أ يسجد عليه؟ فكتب (عليه السلام) إنّ الماء و النار قد طهّراه»
«1». و قد فصّلنا القول حول هذا الحديث و ما يتعلّق بهذا الحكم بما لا مزيد عليه فراجع و لاحظ «2».

(2) كما سبق البحث عن كل ذلك في بحث القراءة فلاحظ.

(3) كما نصّ عليه غير واحد من الأصحاب تبعاً لتصريح أهل اللغة، و تشهد به جملة من النصوص كصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: الجبهة كلّها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود، فأيّما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم، أو مقدار طرف الأنملة» «3»، و صحيحته الأُخرى عن أحدهما (عليهما السلام) قال «قلت: الرجل يسجد و عليه قلنسوة أو عمامة، فقال: إذا مسّ جبهته الأرض فيما بين حاجبه و قصاص شعره فقد‌

______________________________
(1) الوسائل 3: 527/ أبواب النجاسات ب 81 ح 1.

(2) شرح العروة 3: 243.

(3) الوسائل 6: 356/ أبواب السجود ب 9 ح 5.

107
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 1: الجبهة ما بين قصاص شعر الرأس و طرف الأنف الأعلى ؛ ج 15، ص : 107

و لا يجب فيها الاستيعاب (1) بل يكفي صدق السجود على مسمّاها.

______________________________
أجزأ عنه»
«1» و قد روى الأخيرة في الوسائل كما ذكرنا فأسندها أوّلًا إلى الشيخ ثمّ قال: و رواه الصدوق بإسناده عن زرارة مثله.

و رواها أيضاً في الباب 14 من أبواب ما يسجد عليه الحديث 2 بهذا اللفظ: «إذا مسّ شي‌ء من جبهته الأرض ...» «2» بزيادة كلمة «شي‌ء من» و أسندها أوّلًا إلى الصدوق ثمّ قال و رواه الشيخ مرسلًا بعكس المقام. و لا أثر لهذا الاختلاف فيما نحن بصدده و إن أوجب الفرق من حيث الدلالة على الاستيعاب و عدمه الّذي سيأتي الكلام عليه، و نحوهما موثقة عمار «3» و غيرها.

و قد يقال: بخلو النصوص عن التعرّض للتحديد العرضي، و أنّها مقصورة على بيان الحد من ناحية الطول فقط، لكن الظاهر دلالتها على التحديد من كلتا الناحيتين طولًا باعتبار طول الإنسان و عرضاً، فانّ المراد بالحاجب أو الحاجبين في صحيحتي زرارة المتقدِّمتين ليس خصوص ما يلي الأنف، بل كل ما صدق عليه اسم الحاجب بمقتضى الإطلاق المحدود فيما بين اليمين و اليسار المحفوفين بالجبينين المقارنين للصدغين، فإذا أخذت هذا الحد بكامله و لاحظته إلى قصاص الشعر فكل ما يسعه فهو الجبهة التي تكفلت هذه النصوص ببيانها، فالشبهة نشأت من تخيّل أنّ المراد بالحاجب مسمّاه، أو خصوص طرف الأنف، و الغفلة عن صدقه على كل جزء منه يميناً و شمالًا بدواً و ختماً كما عرفت.

(1) على المشهور، بل بلا خلاف كما عن غير واحد. نعم، نسب إلى ابن‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 355/ أبواب السجود ب 9 ح 1.

(2) الوسائل 5: 363.

(3) الوسائل 6: 356/ أبواب السجود ب 9 ح 4.

108
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 1: الجبهة ما بين قصاص شعر الرأس و طرف الأنف الأعلى ؛ ج 15، ص : 107

و يتحقّق المسمّى بمقدار الدرهم قطعاً، و الأحوط عدم الأنقص (1).

______________________________
إدريس
«1» و ابن الجنيد «2» كلام يشعر بلزوم الاستيعاب، حيث قالا فيما حكي عنهما إنّ من كان به علّة يجزيه الوضع بمقدار الدرهم، و ظاهره لزوم الاستيعاب مع عدم العلّة، لكن النسبة لو صحّت فهو قول شاذ مخالف للإجماع كما عرفت و محجوج عليه بالأخبار فإنّها صريحة في كفاية المسمّى، ففي صحيحة زرارة المتقدِّمة: «فأيّما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك»، و صحيحته الأُخرى: «إذا مسّ شي‌ء من جبهته الأرض ...» إلخ و في موثقة عمار «أيّ ذلك أصبت به الأرض أجزأك» و غيرها ممّا تقدّمت الإشارة إليها.

و ليس في النصوص ما يشهد للاستيعاب عدا صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن المرأة تطول قصتها فاذا سجدت وقع بعض جبهتها على الأرض و بعض يغطيها الشعر هل يجوز ذلك؟ قال: لا، حتّى تضع جبهتها على الأرض» «3».

لكن لا مناص من حملها على الفضل و كراهة البعض، لما عرفت من الروايات الناصة بكفاية المسمّى «4».

(1) قد عرفت عدم وجوب الاستيعاب و كفاية البعض، إنّما الكلام في مصداق ذاك البعض و أنّه هل يعتبر فيه أن يكون بقدر الدرهم فلا يجزي الأقل‌

______________________________
(1) السرائر 1: 225.

(2) حكاه عنه في الذكرى 3: 392.

(3) الوسائل 5: 363/ أبواب ما يسجد عليه ب 14 ح 5.

(4) الصحيحة مشتملة على التعبير ب‍ «لا يجوز» الصريح في نفي الجواز و مثله لا يقبل الحمل على الكراهة كما لا يخفى. فالأُولى الخدش بإعراض الأصحاب عنها و إن لم يتم على مسلك سيِّدنا الأستاد أو ردّ علمها إلى أهله.

109
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 1: الجبهة ما بين قصاص شعر الرأس و طرف الأنف الأعلى ؛ ج 15، ص : 107

..........

______________________________
أو يكفي المسمّى و إن كان دون ذلك مع العلم بعدم كفاية السجود على مقدار الحمصة، إذ لا يصدق معه السجود على الأرض، بل هو حاجب و مانع عنه كما لا يخفى، فلا يتحقّق في مثله المسمّى، و محل الكلام بعد فرض حصول المسمّى.

و كيف كان، فالمشهور هو الثاني، و ظاهر الصدوق هو الأوّل، حيث قال: و يجزي مقدار الدرهم، و قد ذكر هذه العبارة في موضعين من الفقيه أحدهما: في باب ما يصح السجود عليه، نقلًا عن والده (قدس سره) و أمضاه. الثاني: في باب صفات الصلاة و هو من كلام نفسه (قدس سره) «1» و ظاهره أنّه حدّده بذلك، فلا يجزي الأقل.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ ذلك من باب المثال و لا يريد به التحديد، لأنّه (قدس سره) قال في صدر الكتاب إنِّي أعمل بكل رواية أرويها فيه و أنّه حجّة بيني و بين اللّٰه «2»، و قد نقل في المقام هذه الروايات الظاهرة في كفاية المسمّى فيظهر أنّه يعمل بهذه الأخبار، فلا بدّ من حمل الدرهم على المثال.

نعم، صرّح الشهيد في الذكرى بما لفظه: و الأقرب أن لا ينقص في الجبهة عن درهم لتصريح الخبر و كثير من الأصحاب به فيحمل المطلق من الأخبار و كلام الأصحاب على المقيّد «3». و نحوه ما عن الدروس «4»، و قد وقع الكلام في المراد من الخبر الّذي أشار إليه قال في الجواهر: و أشار بالخبر إلى صحيح زرارة السابق «5» أي المشتملة على لفظ الدرهم «6» السابقة في كلامه (قدس سره) و لكنّه‌

______________________________
(1) الفقيه 1: 175، 205.

(2) الفقيه 1: 3.

(3) الذكرى 3: 389.

(4) الدروس 1: 180.

(5) الجواهر 10: 143.

(6) الوسائل 6: 356/ أبواب السجود ب 9 ح 5.

110
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 1: الجبهة ما بين قصاص شعر الرأس و طرف الأنف الأعلى ؛ ج 15، ص : 107

و لا يعتبر كون المقدار المذكور مجتمعاً، بل يكفي و إن كان متفرِّقاً مع الصدق (1) فيجوز السجود على السبحة غير المطبوخة [1] إذا كان مجموع ما وقعت عليه الجبهة بقدر الدرهم.

______________________________
كما ترى، فإنّه على خلاف المطلوب أدل، لتضمنها عطف
«1» طرف الأنملة على الدرهم الّذي هو أقل من الدرهم قطعاً، و إلّا لما صحّ التقابل، فهو أعلم بما قال. على أنّه (قدس سره) أسنده إلى الأصحاب، مع أنّه أسند كثير إليهم و هو المعروف بينهم عدم اعتباره و كفاية المسمّى، و هذا أيضاً لم يعرف وجهه.

و كيف ما كان، فالصحيح ما عليه المشهور من كفاية المسمّى، لإطلاق النصوص المتقدِّمة و عدم ما يصلح للتقييد. نعم، ورد التحديد بالدرهم في الفقه الرضوي «2» و دعائم الإسلام، بل إنّ عبارة الثاني أصرح لقوله «أقل ما يجزي أن يصيب الأرض من جبهتك قدر درهم» «3» لكن سندهما ضعيف جدّاً كما مرّ مراراً، فلا يصلحان لمعارضة ما سبق.

(1) لإطلاق النصوص الدالّة على كفاية المسمّى كما مرّ، الصادق حتّى مع التفرّق إذا لم يكن بمثابة يمنع عن الصدق و يعد من الحائل، و عليه فيجوز السجود على السبحة مع تفرّقها بشرط الصدق المزبور، سواء أ كان مجموع ما تقع عليه الجبهة بالغاً حدّ الدرهم أم لا، لما عرفت من عدم العبرة بهذا الحد، لضعف مستنده و كفاية المسمّى حيثما تحقّق.

______________________________
[1] بل على المطبوخة أيضا.

______________________________
(1) صاحب الجواهر ملتفت إلى هذا و يجيب عنه بما ينبغي الملاحظة فراجع الجواهر 10: 143.

(2) فقه الرِّضا: 114.

(3) المستدرك 4: 458/ أبواب السجود ب 8 ح 1، الدعائم 1: 164.

111
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 1: الجبهة ما بين قصاص شعر الرأس و طرف الأنف الأعلى ؛ ج 15، ص : 107

..........

______________________________
و منه تعرف أنّ التقييد بذلك في المتن في غير محله. نعم، بناءً على اعتبار الدرهم قد يستشكل في جواز السجود على مثل السبحة و الحصى و إن بلغ المجموع مقدار الدرهم، كما حكاه في الجواهر
«1» عن شرح نجيب الدين و كأنّه لانصراف التحديد إلى صورة الاتِّصال، فلا يكفي مع الانفصال و التفرّق، كما قيل بمثل ذلك في مانعية الدم البالغ حدّ الدرهم في الصلاة من انصراف المنع إلى الدم المتّصل، فالمتفرِّق في البدن أو اللباس لا يمنع و إن كان المجموع بقدر الدرهم، لكن الانصراف بدوي في كلا المقامين كما لا يخفى.

هذا و يظهر من الجواهر جواز السجود على السبحة و الحصى المتفرِّقة و إن لم يبلغ الدرهم، حتّى بناءً على اعتبار هذا الحد استناداً إلى النص قال (قدس سره) ما لفظه: بل بعض نصوص الحصى و عدم وجوب التسوية لما يسجد عليه ربما تشهد للاجتزاء على تقدير اعتبار الدرهم أيضاً فتأمّل، انتهى «2».

و لم يظهر مراده (قدس سره) من تلك النصوص، إذ لم نظفر على رواية تدل على عدم وجوب التسوية، بل إنّ النصوص الواردة في المقام حاكية عن أنّ الإمام (عليه السلام) كان يسوي بين الحصى، و إن لم تدل هي لا على الوجوب و لا على عدم الوجوب لإجمال الفعل، ففي موثقة يونس بن يعقوب المرويّة بطريقي الشيخ و الصدوق قال: «رأيت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) يسوي الحصى في موضع سجوده بين السجدتين» «3»، و في رواية عبد الملك بن عمرو قال: «رأيت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) سوّى الحصى حين أراد السجود» «4».

______________________________
(1) الجواهر 10: 145.

(2) الجواهر 10: 145.

(3) الوسائل 6: 373/ أبواب السجود ب 18 ح 2، التهذيب 2: 301/ 1215، الفقيه 1: 176/ 834.

(4) الوسائل 6: 373/ أبواب السجود ب 18 ح 4.

112
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: يشترط مباشرة الجبهة لما يصح السجود عليه ؛ ج 15، ص : 113

[مسألة 2: يشترط مباشرة الجبهة لما يصحّ السجود عليه]

[1610] مسألة 2: يشترط مباشرة الجبهة لما يصحّ السجود عليه (1) فلو كان هناك مانع أو حائل عليه أو عليها وجب رفعه حتّى مثل الوسخ الّذي على التربة إذا كان مستوعباً لها بحيث لم يبق مقدار الدرهم منها و لو متفرِّقاً خالياً عنه، و كذا بالنسبة إلى شعر المرأة (2) الواقع على جبهتها، فيجب رفعه بالمقدار الواجب، بل الأحوط إزالة الطين اللّاصق بالجبهة في السجدة الأُولى (3)، و كذا إذا لصقت التربة بالجبهة فانّ الأحوط رفعها، بل الأقوى

______________________________
(1) فإنّها المنصرف من الأمر بوضع الجبهة على الأرض، فمع وجود الحائل في أحدهما المانع عن المباشرة لا يصدق الامتثال، فالحكم مطابق للقاعدة مضافاً إلى استفادته من النصوص المانعة عن السجود على القلنسوة أو العمامة أو الشعر كصحيح عبد الرّحمن «عن الرجل يسجد و عليه العمامة لا يصيب وجهه الأرض قال: لا يجزيه ذلك حتّى تصل جبهته إلى الأرض»
«1»، و نحوها صحيحة زرارة «2» و علي بن جعفر و غيرهما «3». فلا إشكال في الحكم مضافاً إلى دعوى الإجماع عليه.

و عليه، فيجب إزالة الحاجب حتّى مثل الوسخ الّذي على التربة إذا كانت له جرمية تستوعب سطحها، و لم يعد من اللون في نظر العرف.

(2) لو أبدلها بالرجل كان أولى، فإن ظهور شعرها و وقوعه على الجبهة بنفسه موجب للبطلان، لوجوب الستر عليها إلّا أن يفرض كونها أمة، بل يمكن فرضه في الحرة أيضاً كما لا يخفى، و قد أُشير إليه في صحيحة علي بن جعفر المزبورة.

(3) تقدّم هذا الفرع في المسألة الرابعة و العشرين من فصل مسجد الجبهة من مكان المصلِّي «4»، و قد جزم (قدس سره) هناك بوجوب الإزالة و إن احتاط‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 362/ أبواب ما يسجد عليه ب 14 ح 1، 2، 5.

(2) الوسائل 5: 362/ أبواب ما يسجد عليه ب 14 ح 1، 2، 5.

(3) الوسائل 5: 362/ أبواب ما يسجد عليه ب 14 ح 1، 2، 5.

(4) شرح العروة 13: 173 المسألة [1372].

113
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: يشترط مباشرة الجبهة لما يصح السجود عليه ؛ ج 15، ص : 113

وجوب رفعها إذا توقف صدق السجود على الأرض أو نحوها عليه و أمّا إذا لصق بها تراب يسير لا ينافي الصدق فلا بأس به.

______________________________
في المقام. و كيف كان، فقد وقع الكلام في وجوب إزالة الطين، أو رفع التربة اللّاصقة بالجبهة في السجدة الأُولى و عدمه. و ربما يعلّل الوجوب بعدم صدق تعدّد الوضع المتوقف عليه صدق السجدتين لولا الرفع، إذ بدونه فهو إبقاء للسجدة الاولى لا إحداث للأُخرى، فلا يتحقّق معه التعدّد المأمور به، بل المجموع سجود واحد مستمر.

و فيه: ما لا يخفى، بداهة أنّ الوضع الّذي يتقوّم به مفهوم السجود لا يكفي في صدقه مجرد اللصوق و الاتِّصال، بل لا بدّ من الاعتماد و الاستناد، فلا وضع من غير اعتماد، كما لا سجود. فحقيقة السجود عبارة عن إيجاد تلك الهيئة عن وضع و اعتماد، و عليه فبعد رفع الرأس عن السجدة الأُولى قد زالت تلك الهيئة و انعدم الوضع إذ لا اعتماد وقتئذ، و إن كانت الجبهة بعدُ ملاصقة للتربة، فلا يطلق عليه الساجد في هذا الحال بالضرورة، و بعد تكرّر الهيئة فقد تحقّق وضع و اعتماد جديد بعد أن لم يكن لتخلّل العدم بينهما، فهو إحداث سجدة أُخرى لا إبقاء لما كان بالوجدان، فتتحقّق معه السجدتان و يصدق التعدّد بلا ارتياب و إلّا فهل ترى جواز وضع الجبهة كذلك على الأرض مرّة أو مرّات عامداً لشكر و نحوه لا نظن أن يلتزم به الفقيه، للزوم زيادة السجدة بلا إشكال. فهذا التقرير ساقط قطعا.

و الأولى في تعليل الوجوب أن يقال: إنّ السجود بمفهومه اللغوي و إن كان حادثاً في المقام من دون الرفع أيضاً فإنّه لغة عبارة عن وضع الجبهة على الأرض سواء أ كان ذلك مباشرة و بلا واسطة أم معها، كما سبق في صدر‌

114
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: يشترط مباشرة الجبهة لما يصح السجود عليه ؛ ج 15، ص : 113

..........

______________________________
البحث
«1»، إلّا أنّ الشارع قد اعتبر في هذا الوضع خصوصية المباشرة كما مرّ و إن لم يعتبر في بقية المحال بلا إشكال، و الأمر بالمباشرة كغيرها من سائر الواجبات ظاهر في الاحداث، فلا يكفي الإبقاء بقصد الامتثال، و لا أحداث في المقام، فإنّ الجبهة كانت مباشرة مع التربة قبل الوضع على الأرض، فهو إبقاء لما كان لا إحداث جديد.

و الحاصل: أنّ السجود الشرعي يتقوّم بأمرين: الوضع، و أن يكون عن مباشرة، و الإحداث و إن حصل في الأوّل لكنّه لم يتحقّق في الثاني فمن أجله لا بدّ من الرفع تحصيلًا للاحداث بالإضافة إليهما معا.

و بعبارة اخرى: لو كان السجود الشرعي متقوّماً بالوضع فحسب لما وجب الرفع، لصدق تعدّده بدونه كما عرفت، لكن المأخوذ في لسان النصوص عناوين أُخر يقتضي مراعاتها وجوب الرفع في المقام كعنوان السقوط إلى الأرض، و إصابة الجبهة و مسها بها. ففي صحيح زرارة «فأيّما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك» «2» و في موثق عمار «أيّ ذلك أصبت به الأرض أجزأك» «3» و نحوها موثقة بريد «4»، و في صحيحة زرارة الأُخرى «إذا مسّ جبهته الأرض» «5».

فان صدق هذه العناوين و لا سيما السقوط يتوقف على انفصال الجبهة عن الأرض الموقوف على الرفع، إذ بدونه لا يصدق أنّ الجبهة سقطت أو أصابت أو مسّت الأرض، بل المتّصف بهذه الأُمور هي الجبهة التي عليها التربة الحائلة بينها و بين الأرض دون الجبهة نفسها، فانّ الحدوث ملحوظ في مفاهيم هذه العناوين كما عرفت، فسقوط الجبهة على التربة لم يتحقّق و على الأرض و إن تحقّق لكنّه مع الحائل فيبطل السجود من هذه الجهة.

______________________________
(1) في ص 84.

(2) الوسائل 6: 356/ أبواب السجود ب 9 ح 5، 4، 3، 1.

(3) الوسائل 6: 356/ أبواب السجود ب 9 ح 5، 4، 3، 1.

(4) الوسائل 6: 356/ أبواب السجود ب 9 ح 5، 4، 3، 1.

(5) الوسائل 6: 356/ أبواب السجود ب 9 ح 5، 4، 3، 1.

115
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: يشترط مباشرة الجبهة لما يصح السجود عليه ؛ ج 15، ص : 113

..........

______________________________
هذا، و يشهد لما ذكرناه من وجوب الرفع صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته أ يمسح الرجل جبهته في الصلاة إذا لصق بها تراب؟ فقال: نعم، قد كان أبو جعفر (عليه السلام) يمسح جبهته في الصلاة إذا لصق بها التراب»
«1».

فانّ الظاهر أنّ السؤال إنّما هو عن الوجوب دون الجواز، و ذلك لأنّ المنقدح في ذهن السائل لو كان احتمال مانعية المسح في الصلاة بتخيّل أنّه فعل كثير فكان مقصوده السؤال عن الجواز و عدمه لكان حقّ العبارة أن يقول هكذا: «يمسح الرجل ...» إلخ بصيغة الجملة الخبرية كي يكون السؤال عن أنّ هذا المسح المفروض وقوعه هل هو قادح أم لا، و مثله يجاب عنه ب‍ (لا بأس) كما وقع نظيره في الروايات كثيراً، لكن الرواية ليست كذلك، بل هي بصيغة الاستفهام فقال «أ يمسح الرجل»، إلخ الظاهر في السؤال عن الوظيفة الفعلية و أنّه هل يلزم عليه أن يمسح حينما يجد التراب لاصقاً بجبهته أم لا، و مثله لا يجاب عنه ب‍ (لا بأس) كما في الأوّل بل ب‍ (نعم) أو (لا). فقوله (عليه السلام): «نعم»، و لا سيّما مع التعبير بصيغة الاستفهام يعطي قوّة الظهور في أنّ المسئول عنه هو الوجوب، و قد أمضاه (عليه السلام) بقوله «نعم» فكأنه (عليه السلام) قال ابتداءً «يمسح الرجل ...» إلخ الّذي لا شك في ظهوره في الوجوب، فدلالة الصحيحة على ما ذكرناه تامّة لا خدشة فيها.

و من جميع ما ذكرناه يظهر أنّ وجوب رفع التربة اللّاصقة هو الأقوى و إن جعلناه أحوط في مبحث المكان «2»، و جعله الماتن كذلك في المقام. نعم، إذا كان‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 373/ أبواب السجود ب 18 ح 1.

(2) في المسألة الرابعة و العشرين من «فصل مسجد الجبهة من مكان المصلِّي» [شرح العروة 13: 173].

116
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 3: يشترط في الكفين وضع باطنهما مع الاختيار ؛ ج 15، ص : 117

و أمّا سائر المساجد فلا يشترط فيها المباشرة للأرض (1).

[مسألة 3: يشترط في الكفّين وضع باطنهما مع الاختيار]

[1611] مسألة 3: يشترط في الكفّين وضع باطنهما مع الاختيار (2)

______________________________
التراب اللّاصق يسيراً جدّاً مثل الغبار و نحوه بحيث لا ينافي صدق السجود على الأرض، لكونه بمنزلة العرض عرفاً لا يعد حائلًا لم تجب إزالته كما نبّه عليه في المتن.

(1) بلا خلاف و لا إشكال، بل لعلّه يعد من الضروري، و تقتضيه جملة وافرة من النصوص التي منها صحيحة زرارة «... و إن كان تحتهما ثوب فلا يضرّك و إن أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل» «1» و صحيحة حمران «كان أبي (عليه السلام) يصلِّي على الخمرة يجعلها على الطنفسة و يسجد عليها فاذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد» «2» و صحيحة الفضيل و بريد «لا بأس بالقيام على المصلى من الشعر و الصوف إذا كان يسجد على الأرض ...» إلخ «3» و نحوها غيرها.

على أنّ المقتضي لاعتبار المباشرة بالإضافة إليها قاصر في حدّ نفسه، فإنّ الأمر بالسجود على الأرض و نباتها منصرف إلى وضع الجبهة بخصوصها الّذي هو المقوّم للسجود كما عرفت سابقاً و لا يشمل سائر المساجد.

(2) لانصراف الأمر بوضع اليدين على الأرض الوارد في النصوص إلى الباطن فإنّه المنسبق منه إلى الذهن، و لا سيّما و أنّ المتعارف من لدن زمن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) إلى عصر صدور هذه الأخبار كان هو ذلك، و لا ريب أنّ‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 385/ أبواب السجود ب 26 ح 2.

(2) الوسائل 5: 347/ أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 2.

(3) الوسائل 5: 344/ أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 5.

117
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 3: يشترط في الكفين وضع باطنهما مع الاختيار ؛ ج 15، ص : 117

و مع الضرورة يجزي الظاهر (1)

______________________________
النص منصرف إلى الشائع المتعارف، فلا إطلاق فيه يعم الظاهر لدى التمكن من الباطن.

و تدل عليه أيضاً: صحيحة حماد «1» فإنّه و إن لم يصرّح فيها بالسجود على الباطن لكنّا نقطع بأنّه (عليه السلام) في مقام التعليم قد سجد على باطن كفّه على ما هو المتعارف، حتّى و إن لم ينقله حماد، إذ لو سجد (عليه السلام) على ظاهر الكف فحيث إنّه على خلاف المتعارف المعهود في مقام السجود فهو بطبيعة الحال لافت لنظر حماد فكان عليه أن ينقله كما نقل جميع الخصوصيات الصادرة عنه (عليه السلام) في صلاته، بل إنّ هذا أحرى بالحكاية من كثير ممّا حكى كما لا يخفى، فمن عدم التعرّض لذلك نكشف كشفاً قطعياً أنّه (عليه السلام) قد سجد على الباطن، ثمّ قال (عليه السلام) في الذيل «يا حماد هكذا فصل» و ظاهر الأمر الوجوب، و أمّا الاستدلال بالتأسِّي فظاهر المنع كما مرّ غير مرّة إذ الفعل مجمل العنوان فلم يعلم صدوره منه (صلّى اللّٰه عليه و آله) بعنوان الوجوب كي يشمله دليل التأسِّي.

(1) لعدم المقتضي لتقييد المطلقات بالإضافة إلى حال الضرورة، فإنّ المقيّد منحصر في أحد أمرين كما مرّ، إمّا الانصراف و التعارف الخارجي، و إمّا صحيحة حماد، و كلاهما مختصّان بفرض التمكّن، أمّا الأوّل فظاهر، و كذا الثاني، لوضوح أنّ الإمام (عليه السلام) و كذا حماد المأمور بتلك الصلاة كانا متمكّنين من السجود على الباطن.

و عليه فاطلاقات الأمر بالسجود على الكف الشامل للظاهر و الباطن مثل‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

118
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 3: يشترط في الكفين وضع باطنهما مع الاختيار ؛ ج 15، ص : 117

..........

______________________________
قوله (عليه السلام): إنّما السجود على سبعة أعظم و منها الكفّان
«1» غير قاصرة الشمول للمقام بعد سلامتها عن التقييد.

و أمّا الاستدلال لذلك بقاعدة الميسور ففيه ما لا يخفى، إذ مضافاً إلى منع الكبرى، لعدم تمامية القاعدة في نفسها كما مرّ مراراً لا صغرى لها في المقام، فان ظاهر الكف مقابل للباطن و مباين له، فكيف يعد ميسوراً منه و من مراتبه، و هل هذا إلّا كمن أمره المولى أن يذهب يميناً فعجز عنه، فيحكم بوجوب ذهابه شمالًا لكونه ميسوراً منه.

و أمّا ما يدعى من أنّه مع الشك في تعين الظاهر لدى العجز عن الباطن فالأصل يقتضي التعيين بناءً على الرجوع إليه عند الشك في التعيين و التخيير فممّا لا محصل له.

إذ فيه أوّلًا: أنّ الدوران بين التعيين و التخيير لا صغرى له في المقام، فان مورده ما إذا علم بالوجوب في الجملة و تردّد بين الأمرين، و في المقام لا علم بالوجوب أصلًا، فإنّ السجود على الباطن قد سقط بالعجز حسب الفرض، و أمّا على الظاهر فلم يعلم تعلّق التكليف به من أوّل الأمر، فالأمر دائر بين وجوبه في هذا الحال معيّناً، و بين سقوط التكليف به رأساً و الاجتزاء بالمساجد الستّة، و لا شك أنّ مقتضى الأصل البراءة للشك في حدوث تكليف جديد فأين التعيين و التخيير.

و ثانياً: ما نقّحناه في الأُصول من أنّ الشك في التعيين و التخيير هو بعينه الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطيين، و لا فرق بينهما إلّا في مجرّد العبارة و ليست قاعدة أُخرى في قبالها، فانّ الجامع بينهما و هو الأقل متيقّن، و خصوصية التعيين و هي الأكثر مشكوكة و المرجع في مثله البراءة كما حرّر في محله «2».

______________________________
(1) الوسائل 6: 343/ أبواب السجود ب 4 ح 2.

(2) مصباح الأُصول 2: 453.

119
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 4: لا يجب استيعاب باطن الكفين أو ظاهرهما بل يكفي المسمى و لو بالأصابع ؛ ج 15، ص : 120

كما أنّه مع عدم إمكانه لكونه مقطوع الكف أو لغير ذلك ينتقل إلى الأقرب من الكف فالأقرب [1] من الذراع و العضد (1).

[مسألة 4: لا يجب استيعاب باطن الكفّين أو ظاهرهما بل يكفي المسمّى و لو بالأصابع]

[1612] مسألة 4: لا يجب استيعاب باطن الكفّين أو ظاهرهما بل يكفي المسمّى و لو بالأصابع [2] فقط أو بعضها، نعم لا يجزئ وضع رؤوس الأصابع مع الاختيار (2)

______________________________
(1) حكم (قدس سره) بالانتقال إلى الأقرب من الكف فالأقرب من الذراع و العضد، و هذا مشكل بل ممنوع، إذ لا دليل عليه عدا قاعدة الميسور التي تقدّم منعها صغرى و كبرى، و عرفت أيضاً ما في دعوى أصالة التعيين عند الدوران بينه و بين التخيير. إذن فالأشبه بالقواعد سقوط التكليف به، و الاجتزاء بالمساجد الستّة، فانّ الواجب هو السجود على الكف باطناً أو ظاهراً كما مرّ الّذي هو المراد من اليد الواقعة معه في بقيّة الأخبار كما أشرنا إليه سابقاً و قد سقط بالتعذّر حسب الفرض، و لا دليل على وجود بدل له و الانتقال إليه. نعم لا ريب أنّ ما ذكره (قدس سره) هو الأحوط.

(2) قد عرفت عدم وجوب الاستيعاب في الجبهة، فهل الحكم كذلك في الكفّين باطناً أو ظاهراً؟ المشهور ذلك، بل عن غير واحد دعوى عدم الخلاف فيه، فيكفي المسمّى و إن كان هو الأصابع، لكن عن العلّامة في المنتهي «1» التردّد فيه حيث إنّ الاجتزاء بالبعض و كفاية المسمّى إنّما ثبت في الجبهة بالنص، أعني صحيحة زرارة المتقدِّمة «2» و غيرها، و لا دليل على الإلحاق و التعدِّي منه إلى المقام.

______________________________
[1] على الأحوط.

[2] فيه اشكال، و الاحتياط لا يترك.

______________________________
(1) المنتهىٰ 1: 290 السطر 10.

(2) في ص 109.

120
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 4: لا يجب استيعاب باطن الكفين أو ظاهرهما بل يكفي المسمى و لو بالأصابع ؛ ج 15، ص : 120

..........

______________________________
و أُجيب عنه كما في كلمات جماعة بأنّ الاجتزاء في المقام ليس من أجل الإلحاق و التعدِّي، بل لكونه مقتضى إطلاق الأدلّة، فالاستيعاب يحتاج إلى الدليل دون الاجتزاء و هو مفقود.

أقول: لا بدّ من التكلّم في موضعين: أحدهما: في وجود المقتضي للاستيعاب و عدمه. و الثاني: في أنّه بعد وجوده فهل هناك ما يمنع عنه.

أمّا الأوّل: فظاهر المشهور عدمه، لوجود الإطلاقات الدافعة لاحتمال الاستيعاب كما عرفت، لكنّه لا يتم، فان مقتضى الإطلاق في حدّ نفسه و إن كان ما ذكر، و لذا يصدق ضرب اليتيم باليد أو وضع اليد على الحائط و نحوهما حتّى لو فعل ذلك مع جزء من الكف و لا ينسبق منه المجموع، إلّا أنّ الظهورات ربّما تختلف باختلاف المتعلِّقات، و حيث إنّ المتعلِّق في المقام هو السجود دون مثل الضرب و نحوه، و المتعارف المعهود من السجود خارجاً إنّما هو وضع تمام الكف فينصرف الإطلاق إلى الاستيعاب لا محالة، فلم يبق للأمر ظهور يعتمد عليه في الإطلاق. نعم، المنصرف إليه إنّما هو الاستيعاب العرفي دون الحقيقي كما لا يخفى.

و يؤيِّده: بل يدل عليه صحيحة حماد «1» فإنّه و إن لم يذكر فيها أنّه (عليه السلام) سجد على تمام كفّه، لكنّا نقطع بأنّه (عليه السلام) لم يسجد في مقام التعليم على خلاف ما هو المتعارف من مراعاة الاستيعاب العرفي و إلّا لنقله إلينا حماد، فمن عدم النقل نقطع بأنّه (عليه السلام) سجد مستوعباً ثمّ قال (عليه السلام) في الذيل «يا حماد هكذا فصل». كما ذكرنا نظير هذا التقرير في السجود على باطن الكف على ما سبق «2». فالإنصاف أنّ المقتضي للاستيعاب تام‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(2) في ص 118.

121
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 4: لا يجب استيعاب باطن الكفين أو ظاهرهما بل يكفي المسمى و لو بالأصابع ؛ ج 15، ص : 120

..........

______________________________
و ترديد العلّامة في محله.

و أمّا الثاني: أعني وجود المانع عن هذا المقتضي، فيظهر من المحقِّق الهمداني «1» (قدس سره) أنّ المانع عنه هو التفريع المذكور في نصوص الجبهة التي منها و هي العمدة صحيحة زرارة «الجبهة كلّها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود فأيّما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك ...» إلخ «2» فانّ الحكم بالاجتزاء بسقوط أيّ جزء المساوق لعدم وجوب الاستيعاب متفرِّعاً ذلك على بيان حدّ الجبهة بقوله (عليه السلام) «فأيّما» يعطي سريان الحكم إلى جميع المساجد و منها الكف و أنّه حكم عام قد طبّق على المقام، فالتفريع بمنزلة العلّة و كأن هناك صغرى و كبرى مطويّة، كأنه (عليه السلام) قال: هذا الحد كلّه مسجد، و كل مسجد يكفي فيه البعض، فيجتزى بكل ما سقط من الجبهة على الأرض.

و لكن الجواب عن هذا لعلّه ظاهر، فانّ الروايات ليست بصدد بيان عدم وجوب الاستيعاب، كيف و هذا من الواضحات الأوّلية التي يعرفها كل أحد حتّى الصبيان، فانّ الجبهة مستديرة و في مثلها يستحيل الاستيعاب، إلّا إذا كانت الأرض تراباً بحيث تغمس فيها الجبهة، و أمّا الصلب المسطح كما هو الأغلب فلا يعقل فيه ذلك و ليس قابلًا للبحث عن وجوبه و عدمه.

بل الرواية في مقام التوسعة في حدّ الجبهة، و أنّها صادقة على كل جزء ممّا بين الحاجبين إلى قصاص الشعر، و لا تختص بما يلي طرف الأنف مثلًا، و لأجله فرّع عليه جواز السجود على كل جزء منه، فالتفريع ناظر إلى التوسعة في الصدق، لا في مقام عدم وجوب الاستيعاب كي يستفاد منه ضابط كلِّي يشمل‌

______________________________
(1) مصباح الفقيه (الصلاة): 342 السطر 8.

(2) الوسائل 6: 356/ أبواب السجود ب 9 ح 5.

122
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 4: لا يجب استيعاب باطن الكفين أو ظاهرهما بل يكفي المسمى و لو بالأصابع ؛ ج 15، ص : 120

..........

______________________________
عامّة المساجد كما أفاد (قدس سره). و يشهد لذلك قوله (عليه السلام) في ذيلها «مقدار الدرهم» أو «مقدار طرف الأنملة» فهل يحتمل الاكتفاء بذلك في الكفّين أيضا.

و لا ينافي هذا ما قدّمناه «1» من الاستدلال بهذه الصحيحة و نحوها على عدم وجوب الاستيعاب، فانّ المراد بذلك عدمه بالإضافة إلى الأجزاء الممكنة كما لا يخفى.

فالإنصاف: أنّ تردّد العلّامة في محله، إذ المقتضي تام و المانع مفقود، فمراعاة الاستيعاب العرفي لو لم يكن أقوى فلا ريب أنّه الأحوط.

و تؤيِّده: رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) في حديث «قال: إذا سجدت فابسط كفّيك على الأرض» «2» فان دلالتها و إن تمّت لملازمة البسط للاستيعاب، و ظاهر الأمر الوجوب، و لا يقدح ذكر الأرض فإنّه من باب المثال قطعاً، لكون النظر مقصوراً على البسط، و ليست بصدد بيان ما يسجد عليه كي تدل على التقييد بالأرض الموجب للحمل على الاستحباب كما أُفيد لكنّها ضعيفة السند لضعف علي بن أبي حمزة، مضافاً إلى ضعف طريق الشيخ (قدس سره) إليه.

و ممّا ذكرنا يظهر أنّ ما أفاده في المتن من كفاية وضع الأصابع فقط أو بعضها لا يمكن المساعدة عليه، لعدم تحقّق الاستيعاب العرفي معه سيّما في البعض منها.

و هل يكفي وضع خصوص الراحة؟

مقتضى ما ذكرناه من الاستيعاب هو العدم، لكن قد يستدلّ للجواز بما رواه العياشي عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) «أنّه سأله المعتصم عن السارق‌

______________________________
(1) في ص 109.

(2) الوسائل 6: 375/ أبواب السجود ب 19 ح 2.

123
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 4: لا يجب استيعاب باطن الكفين أو ظاهرهما بل يكفي المسمى و لو بالأصابع ؛ ج 15، ص : 120

كما لا يجزئ لو ضمّ أصابعه و سجد عليها مع الاختيار (1).

______________________________
من أيّ موضع يجب أن تقطع يده؟ فقال: إنّ القطع يجب أن يكون من مفصل أُصول الأصابع فيترك الكف. قال: و ما الحجّة على ذلك؟ قال: قول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): السجود على سبعة أعضاء: الوجه، و اليدين، و الركبتين و الرجلين. فاذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها. و قال اللّٰه
أَنَّ الْمَسٰاجِدَ لِلّٰهِ يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها فَلٰا تَدْعُوا مَعَ اللّٰهِ أَحَداً و ما كان للّٰه فلا يقطع ...» الخبر «1».

و دلالة الرواية و إن كانت تامّة، لأنّ ظاهرها أنّ ما كان للّٰه لا يقطع شي‌ء منه و لا يقع عليه القطع، لا أنّه لا يقطع بتمامه، فيظهر أنّ الكف الّذي يجب السجود عليه يراد به خصوص الراحة، لكنّها ضعيفة السند من جهة الإرسال فلا يمكن الاعتماد عليها.

فظهر أنّ الأقوى عدم الاكتفاء بالراحة، بل اللّازم مراعاة الاستيعاب العرفي للكف كما مرّ، فلو وضع نصف تمام كفّه طولًا أو عرضاً لم يكن مجزيا.

(1) كما نفى عنه البعد في الجواهر، دافعاً لاحتمال كون الأصابع حينئذ بمنزلة البساط و الفراش بمنافاته للصدق العرفي «2» لكن هذا بناءً على كفاية المسمّى كما اختاره في المتن لا وجه له، إذ يقع حينئذ مقدار من الراحة بالإضافة إلى الأصابع المتعارفة على الأرض لا محالة، إلّا إذا فرض طول الأصابع بمثابة تستوعب الراحة لدى الضم الّذي هو فرد نادر و على خلاف المتعارف.

______________________________
(1) الوسائل 28: 252/ أبواب حدّ السرقة ب 4 ح 5، تفسير العياشي 1: 319/ 109.

(2) الجواهر 10: 146.

124
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 5: في الركبتين أيضا يجزئ وضع المسمى منهما ؛ ج 15، ص : 125

[مسألة 5: في الركبتين أيضاً يجزئ وضع المسمّى منهما]

[1613] مسألة 5: في الركبتين أيضاً يجزئ وضع المسمّى منهما و لا يجب الاستيعاب (1)، و يعتبر ظاهرهما دون الباطن (2) و الركبة مجمع عظمي الساق و الفخذ فهي بمنزلة المرفق من اليد (3).

______________________________
(1) لإطلاق الأدلّة، بل الاستيعاب الحقيقي متعذِّر من جهة استدارتها كما مرّ في الجبهة.

(2) بل لا يمكن وضع الباطن خصوصاً مع السجود على الإبهام.

(3) كما هو ظاهر معناها عرفاً و لغة، و عليه فمقتضى أصالة الإطلاق جواز السجود على أيّ جزء منها، سواء أ كان هو الجزء المتّصل بالساق أم المتّصل بالفخذ أم المحل المرتفع المتوسّط ما بينهما.

لكن يظهر من صاحب الجواهر (قدس سره) مراعاة الاحتياط بالسجود على الأخير و لو بالتمدد في الجملة، و أنّه المراد من عين الركبة الواقع في صحيحة حماد قال (قدس سره) بعد تفسير الركبة بما عرفت ما لفظه: فينبغي حال السجود وضع عينيهما و لو بالتمدد في الجملة في السجود كما فعله الصادق (عليه السلام) في تعليم حماد كي يعلم حصول الامتثال «1».

أقول: يرد عليه أوّلًا: أنّه لم يثبت أنّ المراد بعين الركبة ما ذكره من العظم المستدير المرتفع المتخلِّل بين الطرفين الّذي يتوقف السجود عليه على مزيد التمدد، بل ربما يظهر من بعض نصوص الركوع و غيرها أنّه الجزء المتّصل بالساق الّذي يقع جزء منه على الأرض لدى الجلوس مثنياً، و يكون أسفل من العضو المرتفع في حال القيام، و لا يحتاج إلى مزيد التمدد لدى السجود. ففي صحيح زرارة بعد بيان الاجتزاء في حدّ الركوع ببلوغ أطراف الأصابع إلى الركبتين‌

______________________________
(1) الجواهر 10: 139.

125
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 6: الأحوط في الإبهامين وضع الطرف من كل منهما دون الظاهر ؛ ج 15، ص : 126

[مسألة 6: الأحوط في الإبهامين وضع الطرف من كل منهما دون الظاهر]

[1614] مسألة 6: الأحوط في الإبهامين [1] وضع الطرف من كل منهما دون الظاهر أو الباطن منهما (1)

______________________________
قال (عليه السلام) «و أحبّ إليّ أن تمكن كفّيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة»
«1».

فيظهر أنّ عين الركبة أسفل من ذاك العظم المستدير الّذي هو بمنزلة المرفق و لذا حثّ (عليه السلام) على مزيد الانحناء، و تمكين الكفّين من الركبتين بحيث تقع الأصابع على العضو الأسفل المتّصل بالساق الّذي عبّر (عليه السلام) عنه بعين الركبة.

و ثانياً: لو سلّم أنّ المراد بعين الركبة ما ذكره و سلم وقوعه في صحيحة حماد، مع أنّ النسخ مختلفة، و بعضها عارية عن لفظة «عين» لا دلالة فيها على وجوب ذلك و إن صدر منه (عليه السلام) كذلك، لتصريحه (عليه السلام) فيها على رواية الكافي «2» بأنّ الواجب من المساجد سبعة: و هي الجبهة و الكفّان، و الركبتان، و الإبهامان، فلو كان الواجب عينها و هو في مقام التحديد و التعليم و بصدد بيان تمام ما هو الواجب من مواضع السجود لقيّد الركبة بها، فيعلم أنّ صدوره منه (عليه السلام) من باب إيجاد الطبيعة في ضمن أحد الأفراد أو أفضلها، لا لوجوبه بالخصوص، سيّما مع اشتمال الصحيحة على جملة من المستحبّات، و منه تعرف عدم كون المقام من موارد حمل المطلق على المقيّد.

(1) أشرنا فيما سبق إلى أنّ الواجب إنّما هو السجود على خصوص الإبهامين‌

______________________________
[1] جواز وضع الظاهر أو الباطن منهما لا يخلو من قوّة.

______________________________
(1) الوسائل 5: 461/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

(2) الوسائل 5: 461/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 2، الكافي 3: 311/ 8.

126
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 6: الأحوط في الإبهامين وضع الطرف من كل منهما دون الظاهر ؛ ج 15، ص : 126

..........

______________________________
فان نصوص المقام و إن اختلفت و قد عبّر في بعضها بالرجلين كما في صحيحة القداح
«1» لكن يجب تقييدها بالإبهامين المصرّح بهما في البعض الآخر كصحيحة زرارة «2» و حماد «3» و غيرهما، عملًا بصناعة الإطلاق و التقييد.

و هل الواجب وضع خصوص الطرف من الإبهام أو يتخيّر بينه و بين الظاهر أو الباطن؟

ذهب جمع إلى الأوّل، استناداً إلى صحيحة حماد المتضمِّنة أنّه (عليه السلام) سجد على أنامل إبهامي الرجلين. و في الجواهر أنّه أحوط بل لعلّه متعيِّن «4».

أقول: أمّا الاحتياط فممّا لا شك فيه، و أمّا التعيّن فلا، لقصور الصحيحة عن إثباته. أمّا أوّلًا: فلأنه لم يثبت أنّ الأنملة هي خصوص رأس الإصبع و طرفه بل يظهر من بعض أهل اللغة أنّها العقد الأخير من الأصابع.

و أمّا ثانياً: فعلى تقدير التسليم لا يدل فعله (عليه السلام) على الوجوب لتصريحه (عليه السلام) فيها عند عدّ المساجد على رواية الكافي بالإبهامين «5» كما قدّمنا نظير هذا آنفاً في الركبتين، فالأقوى جواز السجود على كل من الطرف أو الظاهر أو الباطن، لصدق الإبهام على الجميع و إن كان الأوّل أحوط و أمّا ما عن الموجز «6» من اعتبار وضع ظاهر الأصابع فلم يظهر له مستند أصلا.

______________________________
(1) الوسائل 6: 345/ أبواب السجود ب 4 ح 8.

(2) الوسائل 6: 343/ أبواب السجود ب 4 ح 2.

(3) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(4) الجواهر 10: 141.

(5) الوسائل 5: 461/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 2، الكافي 3: 311/ 8.

(6) الموجز (الرسائل العشر): 81.

127
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 7: الأحوط الاعتماد على الأعضاء السبعة بمعنى إلقاء ثقل البدن عليها ؛ ج 15، ص : 128

و من قطع إبهامه يضع ما بقي منه (1) و إن لم يبق منه شي‌ء أو كان قصيراً يضع سائر أصابعه [1]. و لو قطع جميعها يسجد على ما بقي من قدميه، و الأولى و الأحوط ملاحظة محل الإبهام.

[مسألة 7: الأحوط الاعتماد على الأعضاء السبعة بمعنى إلقاء ثقل البدن عليها]

[1615] مسألة 7: الأحوط الاعتماد على الأعضاء السبعة (2) بمعنى إلقاء ثقل البدن عليها، و إن كان الأقوى عدم وجوب أزيد من المقدار الّذي يتحقّق معه صدق السجود، و لا يجب مساواتها في إلقاء الثقل و لا عدم مشاركة غيرها معها من سائر الأعضاء كالذراع و باقي أصابع الرجلين.

______________________________
(1) لصدق الإبهام عليه فيشمله الإطلاق. و أمّا ما أفاده (قدس سره) من وجوب وضع سائر الأصابع لو لم يبق من الإبهام شي‌ء، أو كان قصيراً في حدّ نفسه بحيث فرض عدم التمكن من السجود عليه و ان كان الفرض نادراً إذ لا أقل من جعل سائر الأصابع في حفيرة و السجود على الإبهام الخارجة عنها و أنّه عند قطع الجميع يسجد على ما بقي من قدميه مع ملاحظة محل الإبهام فكل ذلك مبني على الاحتياط، إذ ليس له مستند صحيح عدا ما يتوهّم من قاعدة الميسور التي هي ممنوعة كبرى كما مرّ مراراً، و كذا صغرى، لمباينة بقية الأصابع مع الإبهام، و كذا سائر القدم، فكيف تعد ميسوراً منه و من مراتبه كما قدّمنا مثل ذلك في باطن الكف و ظاهرها
«1».

(2) بل هو الأقوى، لما مرّ مراراً من تقوّم مفهوم السجود عرفاً و دلّت عليه بعض النصوص أيضاً بالوضع المتوقف صدقه على الاعتماد و إلقاء الثقل، فلا يكفي مجرّد المماسة، كما لو علّق بحبل و نحوه، أو جعل سناداً تحت بطنه أو‌

______________________________
[1] هذا الحكم و ما بعده مبني على الاحتياط.

______________________________
(1) في ص 119.

128
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 8: الأحوط كون السجود على الهيئة المعهودة ؛ ج 15، ص : 129

[مسألة 8: الأحوط كون السجود على الهيئة المعهودة]

[1616] مسألة 8: الأحوط كون السجود على الهيئة المعهودة (1)، و إن كان الأقوى كفاية وضع المساجد السبعة بأيّ هيئة كان ما دام يصدق السجود كما إذا ألصق صدره و بطنه بالأرض، بل و مدّ رجله أيضاً، بل و لو انكبّ على وجهه لاصقاً بالأرض مع وضع المساجد بشرط الصدق المذكور، لكن قد يقال بعدم الصدق [1] و أنّه من النوم على وجهه.

______________________________
صدره مع لصوق المساجد السبعة بالأرض من دون اعتماد عليها، فانّ ذلك ليس من السجود على الأعضاء السبعة في شي‌ء. نعم لا يلزم انحصار الثقل بها فلا يقدح مشاركة غيرها معها في الثقل كالذراع و السناد و نحوهما، للإطلاق كما لا تعتبر مساواة الأعضاء في ذلك، فلو كان ثقله على إحدى ركبتيه أو يديه أكثر لم يكن قادحاً، لما عرفت من الإطلاق.

(1) فإنّ الظاهر أنّ حقيقة السجود تتقوّم بهيئة خاصّة و هي المتعارفة المعهودة المقابلة للركوع و القيام و القعود و الاضطجاع و نحوها من سائر الهيئات، فلا يكفي مجرد وضع المساجد كيف ما اتّفق من دون مراعاة هذه الهيئة، كما لو انكبّ على وجهه فإنّه نوم لا سجود و إن حصل معه وضع الأعضاء السبعة على الأرض، فليس كل وضع سجوداً، بل السجود يعتبر فيه الوضع المزبور فالنسبة بينهما عموم مطلق.

فما حكاه في المتن عن بعض من عدم صدق السجود في هذه الصورة، و أنّه من النوم على وجهه هو الصحيح الّذي لا ينبغي الرّيب فيه. نعم، بعد تحقّق الهيئة السجودية لا يعتبر مساواة الأعضاء من حيث التقديم و التأخير، بأن تكون على نسق واحد، فلا ضير في تقديم إحدى الركبتين أو الرجلين على‌

______________________________
[1] الظاهر صحّة هذا القول.

129
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 9: لو وضع جبهته على موضع مرتفع أزيد من المقدار المغتفر ؛ ج 15، ص : 130

[مسألة 9: لو وضع جبهته على موضع مرتفع أزيد من المقدار المغتفر]

[1617] مسألة 9: لو وضع جبهته على موضع مرتفع (1) أزيد من المقدار المغتفر كأربع أصابع مضمومات فان كان الارتفاع بمقدار لا يصدق معه السجود عرفاً جاز رفعها و وضعها ثانياً، كما يجوز جرّها [1] و إن كان بمقدار يصدق معه السجدة عرفاً فالأحوط الجرّ لصدق زيادة السجدة مع الرفع، و لو لم يمكن الجرّ فالأحوط الإتمام و الإعادة.

______________________________
الأُخرى، أو وضع إحدى اليدين دون الجبهة، و الأُخرى أعلى منها مع فرض مراعاة الاستقبال لإطلاق الأدلّة.

(1) قسّمه (قدس سره) على قسمين: فتارة يكون الارتفاع بمثابة لا يصدق معه السجود العرفي، و أُخرى يصدق عرفاً و لكنّه لا يصدق شرعاً لزيادته عن اللبنة يسيراً، كما لو كان الارتفاع بمقدار خمس أصابع مثلًا، فانّ السجود العرفي صادق حينئذ، و إنكاره كما عن صاحب الجواهر (قدس سره) «1» زاعماً أنّ المساواة شرط في مفهوم السجود العرفي لم نتحقّقه بل ممنوع كما لا يخفى.

أمّا القسم الأوّل، فقد يكون الوضع كذلك عمداً، و أُخرى سهوا.

أمّا في صورة العمد، فلا ينبغي الإشكال في البطلان إذا كان ذلك بقصد الجزئية لصدق الزيادة العمدية، فيشمله قوله (عليه السلام): «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» «2» إذ لا يعتبر في صدق الزيادة أن يكون الزائد من سنخ أجزاء‌

______________________________
[1] فيه إشكال، و الأظهر وجوب الرفع و وضع الجبهة على أرض غير مرتفعة و الأحوط إعادة الصلاة بعد إتمامها.

______________________________
(1) الجواهر 10: 153.

(2) الوسائل 8: 231/ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 2.

130
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 9: لو وضع جبهته على موضع مرتفع أزيد من المقدار المغتفر ؛ ج 15، ص : 130

..........

______________________________
الصلاة، بل كل ما أتى به بعنوان الجزئية و لم يكن جزءاً كان زائداً في الصلاة سواء أ كان من أجزائها أم لا كما في المقام، حيث إنّ الزائد ليس من السجود في شي‌ء حسب الفرض، فالزيادة صادقة من الآن سواء سجد بعدئذ أم لا.

كما لا ينبغي الإشكال في الصحّة إذا لم يقصد به الجزئية، بل أتى به بداع آخر من حك الجبهة و نحوه، لعدم صدق الزيادة بعد تقوّمها بالقصد المزبور، فغايته أنّه عمل عبث في الصلاة لا ضير فيه بعد أن لم يكن ماحياً لصورتها، فلو رفع رأسه و أتى بالسجود الشرعي بعده صحّت صلاته.

إنّما الكلام في صورة السهو، فهل يتعيّن عليه الرفع حينئذ و الوضع ثانياً في المكان السائغ أم يجزيه الجر إليه فهو مخيّر بين الأمرين؟

اختار الثاني في المتن، و الأقوى هو الأوّل، لما عرفت سابقاً «1» من أنّ المعتبر في السجود إحداث الوضع و سقوط الجبهة على الأرض، فلا ينفعه الجر، فإنّه إبقاء للوضع السابق و ليس إحداثاً لوضع جديد، فلا مناص من الرفع مقدّمة للاحداث و لا ضير فيه، إذ لا يترتّب عليه زيادة السجدة، إذ الأُولى لم تكن من السجود في شي‌ء حتّى عرفاً فلم يتكرّر كي يكون زائداً، على أنّ زيادة السجدة الواحدة سهواً مغتفرة بلا إشكال.

و تؤيِّده رواية الحسين بن حماد قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) أسجد فتقع جبهتي على الموضع المرتفع، فقال: ارفع رأسك ثمّ ضعه» «2» لكنّها ضعيفة السند، فانّ الحسين بن حماد لم يوثق و إن كان السند من غير ناحيته صحيحاً فإن أبا مالك الحضرمي هو الضحّاك الّذي وثّقه النجاشي، بل قال إنّه ثقة ثقة «3»

______________________________
(1) في ص 114.

(2) الوسائل 6: 354/ أبواب السجود ب 8 ح 4.

(3) رجال النجاشي: 205/ 546.

131
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 9: لو وضع جبهته على موضع مرتفع أزيد من المقدار المغتفر ؛ ج 15، ص : 130

..........

______________________________
و من هنا لا تصلح إلّا للتأييد
«1»، هذا.

و ربما يستدل على وجوب الجر بصحيحة معاوية بن عمار قال «قال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام): إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها و لكن جرّها على الأرض» «2». و النبكة هي التل محدّداً كان أم لا. فان مقتضى إطلاقها وجوب الجر و عدم جواز الرفع، سواء أ كان الموضع ممّا يتحقّق معه السجود العرفي أم لا.

و يندفع بأنّ الرواية و إن كانت صحيحة من حيث السند، إذ أنّ محمّد بن إسماعيل الّذي يروي عن الفضل بن شاذان و يروي عنه الكليني كثيراً و إن لم يوثق في كتب الرِّجال، لكن يكفي وقوعه في كامل الزيارات بعين هذا السند لكنّها قاصرة الدلالة بالإضافة إلى المقام، إذ الظاهر انصرافها إلى ما صدق معه السجود العرفي، لأنّ سياقها يشهد بأنّ المانع هو خصوص العلو مع تحقّق الوضع المعتبر في السجود العرفي، و إلّا فمع عدم تحقّقه كان المعنى هكذا: إذا لم تسجد فاسجد و هو كما ترى. فالإنصاف أنّ الصحيحة ناظرة إلى القسم الثاني و ليست من المقام. فظهر أنّ المتعيِّن في هذا القسم تعيّن الرفع و ليس له الجر.

و أمّا القسم الثاني، فقد يكون أيضاً عن عمد و أُخرى عن سهو.

أمّا العمد، فلا ينبغي الإشكال في البطلان، سواء أقصد به الجزئية أم لا لصدق الزيادة العمدية. أمّا في الأوّل فظاهر ممّا مرّ، و كذا الثاني لما استفيد ممّا دلّ على المنع عن تلاوة آية العزيمة في الصلاة معلِّلًا بأنّها زيادة في المكتوبة‌

______________________________
(1) لا يبعد انصرافها إلى ما صدق معه السجود العرفي على حذو ما أفاده (دام ظلّه) في صحيحة معاوية الآتية فتكون خارجة عن محل الكلام، مضافاً إلى معارضتها في موردها بروايته الأُخرى الآتية.

(2) الوسائل 6: 353/ أبواب السجود ب 8 ح 1.

132
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 9: لو وضع جبهته على موضع مرتفع أزيد من المقدار المغتفر ؛ ج 15، ص : 130

..........

______________________________
مع أنّ المأتي به حينئذ سجود التلاوة دون الصلاة من أنّ السجود و يلحقه الركوع بالأولوية يمتاز عن غيره بعدم اعتبار قصد الجزئية في اتِّصافه بعنوان الزيادة، فتشمله أدلّة الزيادة القادحة من غير انتظار للرفع و الوضع ثانياً، فان هذا العنوان صادق من الآن و منطبق على الوضع الأوّل المتحقق معه السجود العرفي على الفرض من حين تحقّقه و لا يناط بتكرّره. و أمّا الجر تحقيقاً للسجود المأمور به فلا يكاد ينفع، لاعتبار الأحداث في الوضع على ما دون اللبنة المتقوّم به السجود المزبور كما يفصح عنه قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن سنان «إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس»
«1» فاعتبرت المساواة في موضع الجبهة أي محل وضعها، فلا بدّ أن يكون الوضع حادثاً في المكان المساوي، و من الواضح أنّ هذا العنوان لا يتيسّر بالجر فإنّه إبقاء للوضع السابق لا إحداث للوضع على ما دون اللبنة ابتداءً، اللّازم رعايته بمقتضى الصحيحة، و هي و إن دلّت على اعتبار الحدوث في موضع البدن أيضاً بمقتضى وحدة السياق فلا ينفع الجر فيه، كما لم ينفع في موضع الجبهة، لكن ثبت الاكتفاء فيه من الخارج بالقطع و الإجماع و هو الفارق بين الموضعين. فلا مناص في المقام من الحكم بالبطلان الّذي هو مطابق للقاعدة.

فما في بعض الكلمات من الحكم بالصحّة مع الجر و أنّه المطابق للقاعدة مستشهداً عليه بصحيحة معاوية بن عمار المتقدِّمة: «إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها و لكن جرها على الأرض»، فيه: ما لا يخفى، فإنّ القاعدة قد عرفت حالها. و أمّا الصحيحة فليست ممّا نحن فيه، لانصرافها عن صورة العمد، كما يكشف عنه قوله (عليه السلام): «فلا ترفعها»، فإنّ النهي عن الرفع إنّما يتّجه مع وجود المقتضي له، كما لو أراد‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 358/ أبواب السجود ب 11 ح 1.

133
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 9: لو وضع جبهته على موضع مرتفع أزيد من المقدار المغتفر ؛ ج 15، ص : 130

..........

______________________________
الوضع في مكان فنسي أو أخطأ فوضع في مكان آخر ثمّ تذكّر، فإنّ المقتضي للرفع و تجديد الوضع حاصل في مثله جرياً على إرادته السابقة و تنفيذاً للقصد الأوّل الّذي عنه ذهل، بخلاف صورة العمد إذ لم يقصد ما عداه، فلا مقتضي للرفع كي ينهى عنه كما لا يخفى.

و على الجملة: فالصحيحة لا تشمل المقام، و الجر لا يوجب الاحداث، و الرفع لا أثر له بعد تحقّق الزيادة، فلا محيص عن الحكم بالبطلان عملًا بالقواعد السليمة عن المخصص، هذا كلّه في العمد.

و أمّا السهو، فمقتضى القاعدة وجوب الرفع و عدم الاجتزاء بالجر، أمّا الثاني، فلما عرفت من حديث الاحداث. و أمّا الأوّل، فلعدم محذور فيه غايته زيادة سجدة واحدة سهواً و هي مغتفرة بلا إشكال، لكنّا نخرج عن مقتضاها استناداً إلى صحيحة معاوية بن عمار المتقدِّمة الناهية عن الرفع، و الآمرة بالجر فتكون مخصّصة للقاعدة لا محالة.

و تؤيِّده: رواية الحسين بن حماد الأُخرى قال: «قلت له (عليه السلام) أضع وجهي للسجود فيقع وجهي على حجر أو على موضع مرتفع أُحول وجهي إلى مكان مستو، فقال: نعم، جر وجهك على الأرض من غير أن ترفعه» «1» لكنّها ضعيفة السند لعدم توثيق الحسين كما مرّ، و إن كان الراوي عنه هنا عبد اللّٰه بن مسكان الّذي هو من أصحاب الإجماع، لما تكرّر في مطاوي هذا الشرح من أنّ كون الراوي من أصحاب الإجماع لا يقتضي إلّا وثاقته في نفسه لا توثيق من يروي عنه، و من هنا لا تصلح الرواية إلّا للتأييد.

على أنّه يمكن النقاش في دلالتها باحتمال كونها ناظرة إلى ما إذا تحقّق معه السجود العرفي و الشرعي، فلم يكن الارتفاع في موضع الجبهة أزيد من اللبنة‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 353/ أبواب السجود ب 8 ح 2.

134
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 10: لو وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه يجب عليه الجر ؛ ج 15، ص : 135

[مسألة 10: لو وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه يجب عليه الجر]

[1618] مسألة 10: لو وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه (1) يجب عليه الجر [1] و لا يجوز رفعها، لاستلزامه زيادة السجدة و لا يلزم من الجرّ ذلك، و من هنا يجوز له ذلك مع الوضع على ما يصح أيضاً لطلب

______________________________
غير أنّه أراد الرفع طلباً للاستقرار الحقيقي و تحرِّياً للفرد الأفضل، فيكون خارجاً عن محل الكلام.

هذا كلّه إذا تمكّن من الجر، و أمّا مع عدم التمكّن فالظاهر البطلان، فان وجوب الجر ساقط بعد فرض العجز فهو مرفوع بحديث نفي الاضطرار، و لا سبيل إلى الرفع لإطلاق النهي عنه في صحيحة معاوية الشامل للمقام حيث دلّت على أنّ الوظيفة ليست هي الرفع، و إطلاقها يشمل العجز عن الجر، فلا مناص من الحكم بالبطلان.

و التصدِّي للتصحيح بدعوى أنّ الساقط خصوص جزئية الجر بمقتضى حديث نفي الاضطرار، فلا موجب لعدم الاكتفاء بالباقي، يدفعه أنّ الحديث لا يقتضي تعلّق الأمر بالباقي، فإن رفع الجزئية إنّما هو برفع منشأ الانتزاع و هو الأمر المتعلِّق بالمركب، و بعد سقوطه يحتاج تعلّق الأمر بما عداه من الأجزاء إلى دليل مفقود كما تعرّضنا لذلك في الأُصول «1» فلا محيص عن الاستئناف و إعادة الصلاة.

(1) أمّا إذا كان ذلك عن قصد و عمد فلا ينبغي الشك في البطلان سواء أقصد به الجزئية أم لا، من جهة الزيادة العمدية الحاصلة بمجرد تحقّق السجود‌

______________________________
[1] بل يجب عليه الرفع و الوضع ثانياً، و لو كان الالتفات بعد رفع الرأس وجبت إعادة السجدة، و الأحوط في جميع ذلك إعادة الصلاة بعد إتمامها.

______________________________
(1) مصباح الأُصول 2: 267.

135
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 10: لو وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه يجب عليه الجر ؛ ج 15، ص : 135

الأفضل أو الأسهل و نحو ذلك، و إذا لم يمكن إلّا الرفع، فان كان الالتفات إليه قبل تمام الذكر فالأحوط الإتمام ثمّ الإعادة، و إن كان بعد تمامه فالاكتفاء به قوي كما لو التفت بعد رفع الرأس، و إن كان الأحوط الإعادة أيضا.

______________________________
على ما لا يصح من غير توقف على الرفع و تجديد الوضع كما عرفت في المسألة السابقة.

و أمّا إذا كان سهواً فالظاهر وجوب الرفع و الوضع ثانياً على ما يصح، إذ لا يترتّب عليه عدا زيادة سجدة واحدة سهواً و هي غير قادحة بلا إشكال. و قد عرفت أنّ الجر على خلاف القاعدة، إذ لا يتحقّق معه الاحداث المعتبر في الوضع المتقوّم به السجود، و إنّما قلنا به في المسألة السابقة من أجل النص غير الشامل للمقام كما هو ظاهر، فوجوب الرفع هنا مطابق للقاعدة السليمة عن المخصّص.

و يؤيِّده: ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن الحميري عن صاحب الزمان (عليه السلام) «أنّه كتب إليه يسأله عن المصلِّي يكون في صلاة الليل في ظلمة فإذا سجد يغلط بالسجادة و يضع جبهته على مسح أو نطع فاذا رفع رأسه وجد السجادة، هل يعتد بهذه السجدة أم لا يعتد بها؟ فكتب إليه في الجواب: ما لم يستو جالساً فلا شي‌ء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة» «1».

و نوقش فيها تارة من حيث السند، إذ أنّ الطبرسي يرويها عن الحميري مرسلا.

و أُخرى: من حيث المضمون و اضطراب المتن، لعدم استقامة الجواب في حدّ نفسه، إذ بعد فرض عدم استوائه في جلوسه الملازم لرفع رأسه فأيّ معنى‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 354/ أبواب السجود ب 8 ح 6، الاحتجاج 2: 570.

136
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 10: لو وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه يجب عليه الجر ؛ ج 15، ص : 135

..........

______________________________
بعدئذ لقوله (عليه السلام): «لا شي‌ء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة» و هل هذا إلّا من تحصيل الحاصل. على أنّ الجواب غير مطابق للسؤال، فانّ المسئول عنه هو الاعتداد بتلك السجدة و عدمه، فالجواب بعدم البأس في رفع الرأس لا ينطبق عليه، إذ لم يظهر بعدُ حكم الاعتداد الواقع في السؤال.

و يمكن الجواب عن الأوّل: بأنّها و إن كانت مرسلة في هذا السند لكن الشيخ رواها في كتاب الغيبة بسند صحيح «1» كما نبّه عليه صاحب الوسائل (قدس سره) في المقام حيث قال: و رواه الشيخ في كتاب الغيبة بالإسناد الآتي و سنده (قدس سره) إلى الحميري بوساطة محمّد بن أحمد بن داود القمي الّذي هو من أجلّاء الأصحاب كما ذكره النجاشي «2» و الشيخ (قدس سره) و إن لم يدركه لأنّه توفي قبل ولادة الشيخ، لكنّه يروي عنه بواسطة مشايخه كالغضائري و ابن عبدون و غيرهما كما صرّح به في الفهرست «3».

و عن الثاني: بأنّ في الكلام تقديماً و تأخيراً حيث إنّ قوله (عليه السلام) «ما لم يستو ...» إلخ متعلِّق بقوله (عليه السلام): «فلا شي‌ء عليه»، فكأنه قال هكذا: لا شي‌ء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة ما لم يستو جالساً. فرخص (عليه السلام) في رفع الرأس بمقدار يسير و مشروطاً بأن لا يستوي جالساً، لا أنّه قبل الاستقرار رخص في رفع الرأس كي يكون من تحصيل الحاصل، فليست الجملة شرطية، بل القيد راجع إلى الذيل كما عرفت.

و منه يظهر الجواب عن عدم المطابقة للسؤال، إذ بعد حكمه (عليه السلام) برفع الرأس طلباً للخمرة يظهر أنّه لا يعتد بتلك السجدة و إلّا لم يكن له الرفع حتّى يسيراً كما لا يخفى.

______________________________
(1) الغيبة: 380/ 346.

(2) رجال النجاشي: 384/ 1045.

(3) الفهرست: 136/ 592.

137
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 10: لو وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه يجب عليه الجر ؛ ج 15، ص : 135

..........

______________________________
فالإنصاف: أنّ الرواية صحيحة السند ظاهرة المتن من غير تشويش و لا يرد عليها شي‌ء ممّا ذكر، و لكنّها مع ذلك لا تصلح للمقام إلّا تأييداً، و لا يمكن الاستدلال بها، فان موردها صلاة الليل الظاهرة في نافلته، و هي لمكان الاستحباب قد يغتفر فيها ما لا يغتفر في الفرائض، لابتنائها على الإرفاق و التسهيل، و ربّما لا يعتبر فيها ما يعتبر في الفرائض كما يشهد به بعض المقامات و لعل المقام منها، فلا يمكن التعدِّي عن موردها كما أشار إليه في الجواهر
«1».

و كيف ما كان، ففيما ذكرناه من التمسّك بالقاعدة التي مقتضاها وجوب الرفع مقدّمة لتحقيق السجود المأمور به غنى و كفاية، و لا حاجة إلى هذه الرواية، و قد عرفت أنّ غاية ما هناك زيادة سجدة واحدة و أنّها حاصلة بمجرد الوضع السابق، و لم تكن مترتِّبة على الرفع و الوضع ثانياً، و حيث إنّها سهوية لم تكن قادحة. فما ذكره في المتن من المنع عن الرفع معلِّلًا باستلزامه زيادة السجدة و لا يلزم من الجر ذلك في غير محلّه.

كما أنّ قياسه المقام على ما لو سجد على ما يصح فأراد الجر طلباً للأفضل أو الأسهل الجائز بلا إشكال مع الفارق، بداهة حصول السجود المأمور به في المقيس عليه من غير خلل فيه، فالتصدِّي للجر طلباً للأفضل ممّا لا ضير فيه و قد دلّت عليه أيضاً رواية صحيحة، و أمّا في المقام فغير حاصل، لما عرفت من لزوم إحداث الوضع على ما يصح مباشرة و لم يتحقّق على الفرض، و الجر غير نافع في تحقيقه فإنّه إبقاء للوضع السابق و ليس إحداثاً لوضع جديد، و إلّا فلو بني على كفاية الجر في تحقيق السجود المأمور به كان اللّازم الاكتفاء به حتّى في صورة العمد و الاختيار، فله أن يضع جبهته على ما لا يصح عالماً عامداً ثمّ يجره إلى ما يصح السجود عليه، و لا يظن أن يلتزم به الفقيه.

فيكشف هذا كشفاً قطعياً عن عدم تحقّق السجود المأمور به من أجل فقده‌

______________________________
(1) الجواهر 10: 162.

138
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 10: لو وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه يجب عليه الجر ؛ ج 15، ص : 135

..........

______________________________
شرط الاحداث، و أنّه لا يكاد يمكن تحصيله إلّا بالرفع، و أنّ ما وقع سجود عرفي بحت لا يمكن تتميمه بالجر، و بما أنّه لم يكن من أجزاء الصلاة فيقع على صفة الزيادة لا محالة من لدن وقوعه سواء أ تعقب بالرفع أم لا، فالزيادة حاصلة على كل حال، و حيث إنّه كان مستنداً إلى السهو فزيادته غير قادحة.

و ملخص الكلام مع تنقيح المقام: أنّ من وقعت جبهته على ما لا يصح فقد يكون الالتفات قبل رفع الرأس، و أُخرى بعده فهنا فرعان.

أمّا الفرع الأوّل ففيه قولان: وجوب الجر كما اختاره في المتن تبعاً للجواهر «1» بل نسب ذلك إلى المشهور، و وجوب الرفع كما اختاره في الحدائق «2». و مبنى القولين بعد وضوح عدم نص في البين عدا التوقيع الّذي عرفت حاله، فلا بدّ من الجري على ما تقتضيه القواعد أنّ اعتبار السجود على ما يصح هل من شرائط المكان و قيد معتبر في محل الجبهة سواء أحصل ذلك حدوثاً أم بقاءً، أو انّه قيد ملحوظ في نفس السجود و أنّ اللّازم هو الوضع على ما يصح ابتداءً و وقوع الجبهة عليه حدوثاً، و لا يكفي بقاءً و استدامة.

فعلى الأوّل: تعيّن الجر، إذ السجود الحاصل و إن لم يكن بعدُ شرعياً و من أجزاء الصلاة إلّا انّه لمكان صلوحه لذلك و لو بمعونة الجر لفرض كفاية البقاء لم يكن موصوفاً بالزيادة، و انّما يتّصف بها بعد الرفع و الوضع ثانياً و لأجل ذلك لا يجوز الرفع لاستلزامه زيادة السجدة عمداً، إذ كان في وسعه الاقتصار على هذه السجدة و تتميمها، فباختياره زاد سجدة أُخرى. فلا مناص من وجوب الجر حذراً عن هذا المحذور المترتِّب على الرفع كما علّله به في المتن.

و على الثاني: تعيّن الرفع، إذ بعد فرض اعتبار الاحداث فهذا السجود غير قابل للإصلاح، و لا يمكن عدّه من أجزاء الصلاة إذ لا ينفعه الجر كما مرّ، و لازمه‌

______________________________
(1) الجواهر 10: 159.

(2) الحدائق 8: 287.

139
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 10: لو وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه يجب عليه الجر ؛ ج 15، ص : 135

..........

______________________________
اتِّصافه بالزيادة حينما وقع سواء أ تعقبه الرفع و الوضع أم لا، فالزيادة حاصلة على كل حال، و حيث إنّها سهوية لم تكن قادحة. فلا مناص من تعيّن الرفع و الإتيان بالسجدة المأمور بها، هذا.

و لأجل أنّ المتعيِّن هو المبنى الثاني لما استفيد من النصوص من اعتبار الحدوث لمكان التعبير بالسقوط و الوضع و نحوهما الظاهر في ذلك فالأقوى هو الرفع و عدم كفاية الجر، و إلّا لانتقض بصورة العمد الّذي لا يظن أن يلتزم به الفقيه كما مرّت الإشارة إليه.

هذا كلّه مع التمكّن من الجر، و أمّا مع العجز عنه فبناءً على المختار من وجوب الرفع عند التمكن فمع العجز بطريق أولى كما لا يخفى.

و أمّا بناءً على المسلك الآخر فالمشهور وجوب الرفع حينئذ، بل في المدارك «1» دعوى الإجماع عليه و هو الظاهر من عبارة المتن و إن احتاط بالإعادة بعد الإتمام، إذ يبعد إرادته الإتمام من غير رفع و إلّا لم يكن وجه لقوله: و إذا لم يمكن إلّا الرفع، بل كان الأحرى أن يقول: و إذا لم يمكن الجر، فيظهر من هذا التعبير المشعر بالعناية بالرفع لزوم مراعاته، و هو الّذي ادّعى في المدارك الإجماع عليه كما عرفت. و حينئذ ينافيه ما تقدّم منه (قدس سره) في المسألة الثامنة و العشرين من فصل مسجد الجبهة «2» من الجزم بالبطلان. على انّه (قدس سره) صرّح في المقام بالاكتفاء لو كان التذكّر بعد استكمال الذكر مع انّه (قدس سره) جزم بالبطلان هناك و إن خصّه بالسعة.

و كيف ما كان، فسواء أراده الماتن أم لا، يتوجّه على القائلين بالرفع ما اعترضه شيخنا الأنصاري (قدس سره) «3» من أنّه بعد البناء على استلزامه‌

______________________________
(1) راجع المدارك 3: 409.

(2) شرح العروة 13: 182 المسألة [1376].

(3) كتاب الصلاة: 170.

140
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 10: لو وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه يجب عليه الجر ؛ ج 15، ص : 135

..........

______________________________
لزيادة السجدة كما اعترف به الماتن و غيره، فمن الضروري عدم الفرق في ذلك بين صورتي التمكن من الجر و عدمه.

و عليه فكيف يمكن الالتزام في المقام بوجوب الرفع تحصيلًا لقيد معتبر في السجود و هو الوضع على ما يصح، و هل يمكن المصير إلى إيجاد مانع مقدّمة لتحصيل شرط، فلا مناص إمّا من إنكار المبنى فيلتزم بوجوب الرفع في كلتا الصورتين كما هو الصحيح أو البناء على البطلان في المقام فإنّه المتعيِّن لو سلّم الاستلزام المزبور، فالتفكيك مع الاعتراف بالمبنى غير ظاهر الوجه.

هذا، و قد يحتمل في المقام قول ثالث و هو البناء على صحّة الصلاة و إتمامها على هذه الحالة من دون رفع، فانّ الجر ساقط لفرض العجز، و الرفع موجب للزيادة، فيدور الأمر بين الصحّة و الإتمام كذلك و بين البطلان، لكن الأخير منفي بحديث لا تعاد، إذ الخلل لم ينشأ من قبل السجود كي يندرج في عقد الاستثناء، و إنّما هو في قيد معتبر فيه و هو الوضع على ما يصح، فيشمله عموم المستثنى منه، فذات السجود قد اتي به، و إنّما الخلل في واجب آخر معتبر فيه فليس حاله إلّا كالإخلال بالذكر أو الاطمئنان، أو وضع سائر المساجد الّذي هو مشمول لعموم الحديث بلا ارتياب، فيتعيّن الحكم بالصحّة.

و لعل فتوى الماتن بها لو كان الالتفات بعد استكمال الذكر حيث قال: و إن كان بعد تمامه فالاكتفاء به قوي، ناظر إلى هذا القول غير الجاري فيما لو كان التذكر قبل الاستكمال، لعدم تكفّل الحديث لتشريع الذكر حال فقد القيد و لأجله فصّل (قدس سره) بين الصورتين و إلّا فلم يظهر وجه للتفكيك أصلًا كما لا يخفى.

و لكنّه لا يتم أمّا أوّلًا: فلأنّ السجود بمفهومه العرفي و إن كان هو مطلق وضع الجبهة على الأرض، لكن الّذي اعتبره الشارع في الصلاة هو حصّة خاصّة منه و هو الوضع على ما يصح السجود عليه فهو الجزء بخصوصه دون غيره‌

141
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 10: لو وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه يجب عليه الجر ؛ ج 15، ص : 135

..........

______________________________
فالإخلال بهذا القيد إخلال بذات الجزء، فلو سجد على ما لا يصح فقد ترك الجزء نفسه، إذ ما أتى به لم يكن جزءاً، و ما هو الجزء لم يأت به، و من الواضح أنّ السجود المستثنى في حديث لا تعاد و كذا الركوع لا يراد به إلّا السجود المعدود من أجزاء الصلاة، أعني السجود الشرعي المأمور به دون ذاته بما له من المفهوم العرفي، و من هنا لو انحنى مقداراً تحقّق معه الركوع العرفي و لم يبلغ الحد الشرعي نسياناً ثمّ تذكّر لا ينبغي الشك في بطلان الصلاة، و لا مجال لتصحيحها بالحديث، مع أنّ المتروك حينئذ إنّما هو قيد الركوع و حدّه الشرعي لا ذاته، و قياسه بالذكر و نحوه في غير محله، إذ تلك الأُمور واجبات معتبرة حال السجود و ليست قيداً مأخوذاً في ذات المأمور به.

و على الجملة: فالإخلال بالقيد في المقام إخلال بنفس السجود لا بواجب آخر، فيندرج في عقد الاستثناء دون المستثنى منه.

و أمّا ثانياً: سلّمنا أنّ المراد بالسجود في الحديث هو ذاته و معناه العرفي دون الشرعي، إلّا أنّ الحديث لا يشمل الإخلال العمدي و إن كان عن عذر كما في المقام، حيث إنّ الوظيفة هي الجر حسب الفرض غير أنّه عاجز عنه، فهو يخل به و يتركه عن عمد و التفات و إن كان مضطرّاً إليه، و الحديث إنّما يجري فيما إذا كان الالتفات بعد تحقّق الإخلال و مضي محل التدارك، سواء أ كان الالتفات أثناء الصلاة أم بعدها، و لا يعم ما إذا كان ملتفتاً إلى الترك حين الإخلال بالجزء أو الشرط و إن كان معذوراً فيه، لاختصاص الحديث بغير صورة العمد، و من هنا لو شرع في الصلاة فمنعه عن القراءة مثلًا مانع أو نسي صورتها فتركها ملتفتاً لا ينبغي الشك في عدم شمول الحديث له و وجوب إعادة الصلاة.

و المتحصِّل ممّا مرّ: سقوط هذا القول و أنّ الأقوى وجوب الرفع سواء أتمكن من الجر أم لا، و سواء أ كان الالتفات قبل استكمال الذكر أم بعده قبل رفع الرأس.

142
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 10: لو وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه يجب عليه الجر ؛ ج 15، ص : 135

..........

______________________________
و أمّا الفرع الثاني: أعني ما إذا كان الالتفات بعد رفع الرأس، فقد ظهر ممّا مرّ لزوم التدارك تحصيلًا للسجود المأمور به و لا ضير فيه بعد عدم قادحية الزيادة السهوية في السجدة الواحدة كما مرّ، و لكن المشهور هو الاكتفاء بذلك و علّله في الجواهر «1» بأنّ المتروك خصوصية معتبرة في السجود و هي كونه على ما يصح دون أصله، فيشمله عقد المستثنى منه في حديث لا تعاد المقتضي للصحّة. فالمقام نظير ما لو أخلّ بالذكر أو الاطمئنان أو وضع سائر المساجد سهواً المحكوم بالصحّة بلا إشكال عملًا بالحديث.

أقول: الظاهر لزوم التدارك كما عرفت، لوقوع الخلل في نفس السجود المأمور به.

و توضيح المقام: أنّه لا ريب أنّ أجزاء الصلاة قد لوحظت على صفة الانضمام و الارتباط، فكل جزء إنّما يعتبر في المركب مقيّداً بالمسبوقية أو الملحوقية، أو المقارنة مع الجزء الآخر بمقتضى فرض الارتباطية الملحوظة بين الأجزاء، فالقراءة مثلًا المعدودة من أجزاء الصلاة هي المسبوقة بالتكبيرة و الملحوقة بالركوع، و المقارنة للقيام دون المجرّدة عن شي‌ء منها، فالإخلال بهذا القيد يستوجب الإخلال بذات الجزء لا محالة، و من هنا لو نسي القراءة و تذكّر بعد الدخول في الركوع كان محل التدارك باقياً بالنظر الدقيق، لعدم الدخول بعدُ في الجزء المترتِّب فإنّه الركوع المتّصف بمسبوقيته بالقراءة و لم يتحقّق، و المتحقِّق ركوع غير مسبوق و لم يكن جزءاً، إلّا أنّ الإخلال بهذا القيد الناشئ من اللحاظ المزبور غير قادح في الصحّة بلا إشكال، و إلّا لزم اللغوية في حديث لا تعاد، لعدم الفرق حينئذ بين الخمسة المستثناة و غيرها، إذ الإخلال بغير الخمس عندئذ يستوجب الإخلال بالخمس بطبيعة الحال، فترك القراءة مثلًا ملازم لترك الركوع، و ترك التشهّد ملازم لترك السجود، لعدم مسبوقية الركوع‌

______________________________
(1) الجواهر 10: 162.

143
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 10: لو وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه يجب عليه الجر ؛ ج 15، ص : 135

..........

______________________________
بالقراءة، و عدم ملحوقية السجود بالتشهّد، و هكذا.

فلازمه الحكم بالبطلان لدى الإخلال بأيّ جزء على الإطلاق، حتّى الذكر حال الركوع، لعدم مقارنته معه. مع أنّ الحديث خصّ البطلان من ناحية الخمس فقط، كما أنّه يلغو حينئذ قوله (عليه السلام): لا تعاد الصلاة من سجدة و إنّما تعاد من ركعة «1» لاستلزام الإخلال بالسجدة الإخلال بالركعة كما عرفت.

فبهذه القرينة القطعية يستكشف أنّ القيد الّذي يستوجب الإخلال به البطلان في الخمس و لا يستوجبه في غيرها هو القيد غير الناشئ من ناحية الانضمام و الارتباط، و أنّ الموجب للبطلان في الخمس هو الإخلال بها في أنفسها إمّا بتركها رأساً، أو بترك القيد المعتبر في تحقّقها بما هي كذلك مع قطع النظر عن لحاظ الارتباط و الانضمام، و هذا ظاهر جدّا.

و عليه فبما أنّ وضع الجبهة على ما يصح من القيود الشرعية المعتبرة في ذات السجود المأمور به بما هو كذلك، فالإخلال به إخلال بنفس السجود، فيشمله عقد الاستثناء في حديث لا تعاد، إذ المراد من السجود في الحديث و كذا الركوع هو السجود الشرعي دون العرفي، لما مرّ قريباً من النقض بمن اقتصر على الركوع العرفي و لم يبلغ الحدّ الشرعي في انحنائه نسياناً، فانّ صلاته حينئذ محكومة بالبطلان بلا إشكال، مع تحقّق الركوع العرفي منه.

نعم، من ناحية الزيادة لا يعتبر أن يكون الزائد سجوداً أو ركوعاً شرعياً بل يكفي العرفي، لاستفادة ذلك ممّا دلّ على النهي عن تلاوة العزيمة في الصلاة معلِّلًا بأنّه زيادة في المكتوبة «2» حيث طبّق (عليه السلام) عنوان الزيادة على سجود التلاوة، مع أنّه سجود عرفي قطعاً، لعدم اعتبار الوضع على ما يصح‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 319/ أبواب الركوع ب 14 ح 2 (نقل بالمضمون).

(2) الوسائل 6: 105/ أبواب القراءة ب 40 ح 1.

144
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 10: لو وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه يجب عليه الجر ؛ ج 15، ص : 135

..........

______________________________
السجود عليه في هذا السجود، بل يكفي كيف ما اتّفق.

و على الجملة: السجود المذكور في الحديث شرعي من حيث النقص، و إن كان عرفياً من ناحية الزيادة. فالإخلال بكل قيد معتبر فيه شرعاً إخلال بنفس السجود، و لا ريب أنّ الوضع على ما يصح من هذا القبيل، فتركه تركه إذ ما أتى به من الوضع على ما لا يصح لم يكن جزءاً، و ما هو الجزء لم يأت به فلا يمكن الاكتفاء به، لعدم اندراجه في عقد المستثنى منه، بل لا بدّ من إعادة السجود و تداركه تحصيلًا للمأمور به، غاية ما هناك لزوم زيادة سجدة واحدة و حيث إنّها سهويّة من حين تحقّقها لم تقدح كما مرّ غير مرّة.

يبقى الجواب عمّا ذكره (قدس سره) من موارد النقض، أمّا عن الذكر فظاهر فإنّه جزء مستقل معتبر حال السجود و لم يكن قيداً مأخوذاً في تحقّق السجود الشرعي إلّا باعتبار فرض الارتباط الّذي عرفت عدم العبرة بالقيد الناشئ من هذه الجهة، فهو جزء بحياله و لا يستوجب الإخلال به إخلالًا بالسجود الشرعي بوجه، فإنّه متقوّم بوضع الجبهة على ما يصح، سواء أ كان معه ذكر أم لا، فلا يقاس ذلك بخصوصية كون المسجد ممّا يصح، فإنّها دخيلة في تحقّقه دونه.

و منه يظهر الجواب عن سائر المحال فإنّها واجبات في هذا الحال و ليست بمقوّمات السجود الشرعي بما هو سجود، فليس الإخلال بها إخلالًا به كما لا يخفى.

و أمّا النقض بالطمأنينة، فلا مجال له أيضاً بناءً على مسلك المشهور من انحصار مستندها بالإجماع، إذ هو دليل لبي يقتصر على المتيقن منه و هو حال الذكر، فمع النسيان لم يكن معتبراً من أصله كي يكون الإخلال به إخلالًا بالسجود.

نعم، يتّجه النقض بها بناءً على مسلكنا من الاستناد فيها إلى الدليل اللفظي‌

145
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 10: لو وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه يجب عليه الجر ؛ ج 15، ص : 135

..........

______________________________
و هو صحيح الأزدي
«1» حسبما تقدّم «2» الشامل بإطلاقه لحالتي العمد و السهو إذ ظاهر قوله (عليه السلام): «إذا سجد فلينفرج و ليتمكن» اعتبار التمكن في تحقّق السجود الشرعي كاعتبار الوضع على ما يصح، من غير فرق بين العمد و السهو، لكونه إرشاداً إلى الشرطية المطلقة كما مرّ، لكن دقيق النظر يقضي بعدم ورود النقض على هذا المسلك أيضاً، فإنّ المستفاد من قوله (عليه السلام) «إذا سجد فليتمكن»، و كذا قوله (عليه السلام) «إذا ركع فليتمكن» أنّ السجود أمر مفروض الوجود خارجاً، و حيث إنّه متقوّم بالوضع فلا يكفي مجرّد المماسة و الوضع متقوّم بالاعتماد المنوط بالاستقرار و لو آناً ما، إذ بدونه ضرب لا وضع كما لا يخفى، إذن فالاستقرار في الجملة مأخوذ في مفهوم السجود عرفاً، و بذلك يفترق عن الركوع، و عليه فالأمر بالتمكين في الصحيحة لما كان بعد فرض تحقّق السجود، فهو لا جرم ناظر إلى مرحلة البقاء و أنّه يعتبر فيه التمكين و عدم الاضطراب، و أن لا يكون سجوده نقراً كنقر الغراب، و هذا كما ترى واجب آخر موضوعه البقاء و لا مساس له بنفس السجود المتقوّم تحقّقه بالحدوث، فلا يكون الإخلال به إخلالًا بذات السجود، بل إنّ وزانه وزان الذكر و وضع سائر المحال في كونها واجبات مستقلّة مندرجة في عقد المستثنى منه لحديث لا تعاد.

و المتحصِّل من جميع ما قدّمناه لحدّ الآن: عدم الاعتداد بما يقع من الجبهة على ما لا يصح سهواً، و لزوم التدارك بإعادة السجود، سواء أ كان التذكّر قبل رفع الرأس أم بعده، فيجب الرفع في الأوّل، و التكرار في الثاني، و لا يترتّب عليه أيّ محذور عدا الزيادة السهوية في السجدة الواحدة غير القادحة بلا إشكال.

______________________________
(1) الوسائل 4: 35/ أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 8 ح 14.

(2) في ص 93.

146
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 10: لو وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه يجب عليه الجر ؛ ج 15، ص : 135

..........

______________________________
هذا كلّه فيما إذا اتّفق ذلك في سجدة واحدة.

و لو اتّفق في السجدتين معاً، بأن التفت في السجدة الثانية، أو بعد رفع الرأس عنها أنّ سجدتيه كانتا على ما لا يصح، فالظاهر هو البطلان، بل لا ينبغي الإشكال فيه، إذ لو اقتصر عليهما فقد نقص السجود المأمور به فيشمله عقد الاستثناء في حديث لا تعاد، و لو تداركهما لزم الزيادة في السجدتين القادحة و لو سهواً بلا ريب، فيشمله الحديث أيضاً لإطلاقه من حيث الزيادة و النقص كما تقرّر في محله. نعم، الزيادة حاصلة في السجود العرفي كما لا يخفى، لكن أشرنا فيما سبق أنّ المراد بالسجود و الركوع في الحديث هو الشرعي منهما من حيث النقص، و العرفي من ناحية الزيادة فتذكّر. فلا مناص من الحكم بالبطلان.

نعم، يمكن أن يقال في المقام بالاقتصار في مقام التدارك على إحدى السجدتين، إذ المتروك حينئذ ليس إلّا سجدة واحدة و لا ضير فيها، فيحكم بالصحّة استناداً إلى قوله (عليه السلام): لا تعاد الصلاة من سجدة المراد بها السجدة الواحدة قطعاً و إنّما تعاد من ركعة «1» لكنّه ساقط جدّاً، لما أشرنا إليه قريباً من أنّ هذا الحديث كحديث «لا تعاد الصلاة إلّا من خمس» لا يكاد يشمل الإخلال العمدي و إن كان عن عذر، بل يختص مورده بما إذا كان الالتفات بعد تحقّق الإخلال خارجاً، و لا يعم ما لو كان ملتفتاً حين الإخلال كما في المقام و إن كان معذوراً فيه، فانّ ذلك قضيّة مادة الإعادة و تمام الكلام في محلّه.

______________________________
(1) الوسائل 6: 319/ أبواب الركوع ب 14 ح 2.

147
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 11: من كان بجبهته دمل أو غيره، فان لم يستوعبها و أمكن سجوده ؛ ج 15، ص : 148

[مسألة 11: من كان بجبهته دمل أو غيره، فان لم يستوعبها و أمكن سجوده]

[1619] مسألة 11: من كان بجبهته دمل أو غيره، فان لم يستوعبها و أمكن سجوده على الموضع السليم سجد عليه، و إلّا حفر حفيرة ليقع السليم منها على الأرض، و إن استوعبها أو لم يمكن بحفر الحفيرة أيضاً سجد على أحد الجبينين من غير ترتيب [1] و إن كان الأولى و الأحوط تقديم الأيمن على الأيسر و إن تعذّر سجد على ذقنه، فان تعذّر اقتصر على الانحناء الممكن [2] (1).

______________________________
(1) التفصيل المذكور هو المعروف المشهور بين الأصحاب، بل ادّعي عليه الإجماع في كثير من الكلمات، و لم ينسب الخلاف إلّا إلى الصدوق حيث إنّه (قدس سره) خالف الترتيب المزبور من ناحيتين، فحكم بتقديم الجانب الأيمن على الأيسر لزوماً، و أنّه مع العجز عنه يسجد على ظهر كفّه قبل الانتقال إلى الذقن
«1».

و قد تبع (قدس سره) في ذلك الفقه الرضوي «2» المتضمِّن لكلتا الناحيتين و ليس له مستند غيره، لكنّه ضعيف السند و لا يمكن الاعتماد عليه في شي‌ء من الأحكام كما مرّ غير مرّة. على أنّا لا نعقل معنى محصلًا للسجود على ظهر الكف.

فإن أراد به وضع الجبهة عليه فقد عاد المحذور، إذ المفروض عدم التمكّن من وضع الجبهة على الأرض و لو على ترابها الناعم، فما هو الفرق بينه و بين ظهر الكف، فان تمكن منه تمكن من الأرض أيضاً و كان هو المتعيِّن من أوّل الأمر و إلّا كان عاجزاً عنهما، فالسجود على ظهر الكف مستلزم لعود محذور العجز عن السجود على الأرض.

______________________________
[1] الأحوط الجمع بينه و بين السجود على الذقن، و لو لم يمكن الجمع و لو بتكرار الصلاة لم يبعد تقديم الثاني.

[2] بل وجب عليه الإيماء، و الأحوط الجمع بين الأمرين.

______________________________
(1) المقنع: 86.

(2) فقه الرِّضا: 114، المستدرك 4: 459/ أبواب السجود ب 10 ح 1.

148
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 11: من كان بجبهته دمل أو غيره، فان لم يستوعبها و أمكن سجوده ؛ ج 15، ص : 148

..........

______________________________
و إن أراد به وضع ظهر الكف على الأرض بدلًا عن وضع الجبهة عليها على سياق ما ذكره قبله و بعده من السجود على الجبينين و السجود على الذقن فكما أنّ معنى ذلك وضع الجبين أو الذقن على الأرض بدلًا عن الجبهة، فكذا هنا يضع ظهر الكف عليها بدلًا عنها.

فهذا أفحش كما لا يخفى. على أنّ باطن الكف من أحد المساجد فكيف يمكن الجمع بينه و بين السجود على الظهر. فهذا القول ساقط جزماً، و لا بدّ من التكلّم في مستند فتوى المشهور.

أمّا وجوب الحفر، فقد استدلّ له بخبر مصادف قال: «خرج بي دمل فكنت أسجد على جانب، فرأى أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) أثره فقال: ما هذا؟ فقلت: لا أستطيع أن أسجد من أجل الدمل فإنّما أسجد منحرفاً، فقال لي لا تفعل ذلك و لكن احفر حفيرة و اجعل الدمل في الحفيرة حتّى تقع جبهتك على الأرض» «1».

لكنّه ضعيف السند للإرسال، و لدوران مصادف بين المهمل و الضعيف فلا يصلح للاستدلال، إلّا أنّ الحكم مطابق للقاعدة من غير حاجة إلى ورود النص لما تقدّم «2» من عدم لزوم الاستيعاب في وضع الجبهة و كفاية المسمّى و لو قدر الدرهم أو طرف الأنملة، كما صرّح بهما في صحيح زرارة «3»، فلا يجب الأكثر منه حتّى اختياراً، فمع التمكن منه و لو بحفر الأرض وجب، كما أنّ له حفر الخشبة أو السجود على تربة عالية بوضع الموضع السليم عليها و نحو ذلك ممّا يتحقّق معه وضع مسمّى الجبهة على ما يصح السجود عليه.

و منه تعرف أنّ حفر الأرض من أحد أفراد الواجب مقدّمة لتحصيل المأمور به و لا تعين له بخصوصه.

______________________________
(1) الوسائل 6: 359/ أبواب السجود ب 12 ح 1.

(2) في ص 108.

(3) الوسائل 6: 356/ أبواب السجود ب 9 ح 5.

149
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 11: من كان بجبهته دمل أو غيره، فان لم يستوعبها و أمكن سجوده ؛ ج 15، ص : 148

..........

______________________________
و أمّا السجود على أحد الجبينين، فليس عليه دليل ظاهر، فإنّه استدلّ له بوجوه كلّها مخدوشة:

الأوّل: الإجماعات المحكية في كلمات غير واحد من الأعلام. و فيه: أنّها لا تزيد على كونها إجماعات منقولة لا اعتداد بها. على أنّها لو كانت محصّلة لم تكن إجماعاً تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) لاحتمال استناد المجمعين كلّاً أو بعضاً إلى بعض الوجوه الآتية، سيّما و أنّ المحقِّق قد استدلّ على الحكم صريحاً بما يرجع إلى قاعدة الميسور فلو كان المستند هو الإجماع التعبّدي لم يظهر وجه لهذا الاستدلال كما لا يخفى.

الثاني: قاعدة الميسور. و فيه: مضافاً إلى منع الكبرى كما حقّق في الأُصول «1» و إلى منع الصغرى، لوضوح أنّ الجبين مباين مع الجبهة و ليس من مراتبها كي يعد ميسوراً لها، أنّه لا مجال للتمسّك بها بعد وجود النص المصرح بالوظيفة الفعلية و هو موثق إسحاق الآتي، فلا تنفع القاعدة حتّى لو سلّمت كبرى و صغرىً كما لا يخفى.

الثالث: خبر مصادف المتقدِّم، بتقريب أنّ الإمام (عليه السلام) قد قرّره على ما زعمه من السجود على الجبين غير أنّه (عليه السلام) بيّن له مرحلة أُخرى سابقة عليه و هو الحفر بحيث يظهر إمضاؤه (عليه السلام) لما اعتقده من جواز السجود على الجبين لولا التمكن من الحفر.

و أُورد عليه: بأنّ غايته الجواز دون الوجوب، فمن الجائز أن يكون مخيّراً بينه و بين السجود على الذقن فلا يدل على تعيّنه كما هو المطلوب.

و في كل من الاستدلال و الإيراد نظر، فانّ الخبر ضعيف السند كما مرّ و قاصر الدلالة، فإنّ الإمام (عليه السلام) قد نهاه صريحاً عمّا صنعه بقوله (عليه السلام)

______________________________
(1) مصباح الأُصول 2: 477.

150
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 11: من كان بجبهته دمل أو غيره، فان لم يستوعبها و أمكن سجوده ؛ ج 15، ص : 148

..........

______________________________
«لا تفعل ذلك» فأيّ تقرير بعد هذا المنع الصريح كي يبحث عن أنّ متعلّقه الجواز أو الوجوب.

و على الجملة: لا إشعار في الرواية فضلًا عن الدلالة على تقرير زعمه لا جوازاً و لا وجوباً، إذ لا تعرّض فيها لبيان الوظيفة عند العجز عن الحفر بوجه.

الرابع: موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) في حديث قال «قلت له: رجل بين عينيه قرحة لا يستطيع أن يسجد، قال: يسجد ما بين طرف شعره، فان لم يقدر سجد على حاجبه الأيمن، قال: فان لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر، فان لم يقدر فعلى ذقنه. قلت: على ذقنه؟ قال: نعم، أما تقرأ كتاب اللّٰه عزّ و جلّ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقٰانِ سُجَّداً» «1».

و الكلام فيها يقع تارة: من حيث السند و أُخرى من ناحية الدلالة.

أمّا السند، فالظاهر أنّه موثق، فان صباح الواقع في هذا الخبر مردّد بين ثلاثة من المعروفين بهذا الاسم و هم صباح بن صبيح الحذّاء، و صباح بن يحيى المزني، و صباح بن موسى الساباطي أخو عمار، و كلّهم موثقون و لا يحتمل إرادة غيرهم كما لا يخفى.

هذا، و قد أورد صاحب الوسائل صدر هذا الحديث في موضع آخر «2»، و ذكر هناك «عن أبي الصباح» بدلًا عن «الصباح» الّذي ذكره في المقام و هو أبو الصباح الكناني الثقة. فالرجل موثق على جميع التقادير، فالرواية صحيحة السند و باعتبار إسحاق بن عمار الفطحي موثقة.

و أمّا من حيث الدلالة، فهي كما ترى قاصرة، إذ المذكور فيها الحاجب دون‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 360/ أبواب السجود ب 12 ح 3.

(2) الوسائل 6: 98/ أبواب القراءة في الصلاة ب 33 ح 6.

151
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 11: من كان بجبهته دمل أو غيره، فان لم يستوعبها و أمكن سجوده ؛ ج 15، ص : 148

..........

______________________________
الجبين. نعم، استدلّ بها في الحدائق
«1» كما استدلّ بالفقه الرضوي السابق ذكره بعد حمل الحاجب على الجبين مجازاً بعلاقة المجاورة.

و هذا غريب جدّاً، إذ ليس من صناعة الاستدلال ارتكاب التأويل في اللفظ و حمله على خلاف ظاهره من غير شاهد عليه ثمّ الاستدلال به، فانّ ذلك ليس من البرهان الفقهي في شي‌ء كما لا يخفى.

و أمّا فقه الحديث، فهو أنّ القرحة المفروضة في السؤال لم تكن مستوعبة للجبهة، بل هي واقعة بين عيني الرجل كما صرّح به السائل بحيث لا يستطيع معها أن يسجد على النحو المتعارف من وضع وسط الجبهة على الأرض فأمره (عليه السلام) بالسجود حينئذ على ما بين طرف الشعر أي أعلى الجبهة و لعلّه أفضل، فان لم يقدر فعلى الحاجب.

و هذا لا لخصوصية فيه، بل من أجل أنّ السجود على الحاجب يلازم خارجاً وضع جزء من الطرف الأسفل من الجبهة على الأرض و لا ينفك عنه، و هذا الحكم مطابق للقاعدة، لما مرّ من عدم اعتبار الاستيعاب و كفاية المسمّى من الجبهة لدى الوضع، فمع التمكّن بأيّ جزء منها كان هو المقدّم، و لا ينتقل إلى البدل، و ما فوق الحاجب جزء من الجبهة، لما عرفت فيما سبق أنّ حدّها الطولي من الحاجب إلى قصاص الشعر، و العرضي ما يسعه الحاجبان فصاعداً من البدء إلى الختم المنتهيين بالجبينين، و قد عرفت استفادة كلا الحدّين من النصوص.

و أمّا تقديم الحاجب الأيمن على الأيسر الّذي تضمنه الحديث فليس على جهة اللّزوم، بل من أجل استحباب تقديم الميامن على المياسر على الإطلاق كما لا يخفى. و مع العجز عن وضع الجبهة مطلقاً ينتقل إلى السجود على الذقن.

و ممّا ذكرنا تعرف أنّ السجود على الجبين ممّا لا دليل عليه، فلا مجال للمصير‌

______________________________
(1) الحدائق 8: 321.

152
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 12: إذا عجز عن الانحناء للسجود انحنى بالقدر الممكن ؛ ج 15، ص : 153

[مسألة 12: إذا عجز عن الانحناء للسجود انحنى بالقدر الممكن]

[1620] مسألة 12: إذا عجز عن الانحناء للسجود انحنى بالقدر الممكن (1)

______________________________
إليه سيّما مع استلزامه انحراف الوجه عن القبلة إلى المشرق أو المغرب بطبيعة الحال الّذي هو محذور بحياله، و لا دليل على اغتفاره بعد عموم قوله تعالى
فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ «1». بل المتعيِّن بعد العجز عن الجبهة الانتقال إلى الذقن كما تضمنه الموثق المزبور بالبيان المذكور المؤيّد بمرسلة الكافي عن علي بن محمّد قال: «سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) عمّن بجبهته علّة لا يقدر على السجود عليها، قال: يضع ذقنه على الأرض، إنّ اللّٰه تعالى يقول يَخِرُّونَ لِلْأَذْقٰانِ سُجَّداً» «2» و إن كان الأحوط الجمع بينه و بين الجبين و لو بتكرار الصلاة.

و مع العجز عن ذلك أيضاً فلا محيص عن الانتقال إلى الإيماء، لاندراجه حينئذ في عنوان العاجز عن السجود الّذي وظيفته ذلك كما مرّ التكلّم حوله في بحث القيام.

و منه يظهر ضعف ما في بعض الكلمات من الانتقال حينئذ إلى السجود على الأنف أو على العارض، أو الاقتصار على الانحناء الممكن كما صنعه في المتن استناداً إلى قاعدة الميسور، لمنعها كبرى و كذا صغرى، فانّ الأنف أو العارض مباين مع الجبهة، و كذا الانحناء مقدّمة للسجود و هي مباينة مع ذيها، فكيف تكون ميسوراً له و من مراتبه.

فالأقوى تعيّن الإيماء و إن كان الأحوط الجمع بينه و بين الانحناء، و اللّٰه سبحانه أعلم.

(1) ينبغي فرض الكلام فيما إذا كان المقدار الممكن من الانحناء بمثابة يتحقّق‌

______________________________
(1) البقرة 2: 144.

(2) الوسائل 6: 360/ أبواب السجود ب 12 ح 2، الكافي 3: 334/ 6.

153
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 12: إذا عجز عن الانحناء للسجود انحنى بالقدر الممكن ؛ ج 15، ص : 153

مع رفع المسجد [1] إلى جبهته، و وضع سائر المساجد في محالها، و إن لم يتمكن من الانحناء [2] أصلًا أومأ برأسه، و إن لم يتمكن فبالعينين، و الأحوط له رفع المسجد مع ذلك إذا تمكّن من وضع الجبهة عليه، و كذا الأحوط وضع ما يتمكن من سائر المساجد في محالها، و إن لم يتمكّن من الجلوس أومأ برأسه و إلّا فبالعينين، و إن لم يتمكن من جميع ذلك ينوي بقلبه جالساً أو قائماً إن لم يتمكن من الجلوس، و الأحوط الإشارة باليد و نحوها مع ذلك.

______________________________
معه السجود العرفي، و إلّا فلا إشكال في الانتقال إلى الإيماء كما أشار إليه الأُستاذ (دام ظلّه) في تعليقته الشريفة.

ثمّ إنّ الحكم المزبور هو المعروف المشهور بلا خلاف فيه، بل ادّعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد، فينحني بقدر طاقته و يرفع المسجد و يسجد عليه و لا تصل النوبة إلى الإيماء. و استدلّ له بخبر إبراهيم الكرخي قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء، و لا يمكنه الركوع و السجود، فقال: ليومئ برأسه إيماءً، و إن كان له من يرفع الخمرة فليسجد، فان لم يمكنه ذلك فليومئ برأسه نحو القبلة إيماءً» «1»، و هو و إن كان صريح الدلالة لكنّه ضعيف السند، فإنّ الكرخي مهمل، و الطيالسي و إن كان مهملًا أيضاً لكنّه مذكور في أسانيد كامل الزيارات، فالضعف من ناحية الكرخي فقط. و كيف ما كان فالرواية غير صالحة للاستدلال بها.

لكن الحكم كما ذكروه فإنّه مطابق للقاعدة من غير حاجة إلى نص بالخصوص‌

______________________________
[1] على نحو يصدق عليه السجود، و إلّا اقتصر على الإيماء.

[2] مرّ حكم جميع ذلك في مبحث القيام [في المسألة 1475].

______________________________
(1) الوسائل 5: 484/ أبواب القيام ب 1 ح 11، 6: 375/ أبواب السجود ب 20 ح 1.

154
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 12: إذا عجز عن الانحناء للسجود انحنى بالقدر الممكن ؛ ج 15، ص : 153

..........

______________________________
إذ هو مقتضى الإطلاقات المتضمِّنة للأمر بالسجود كحديث التثليث
«1» و غيره فإنّها و إن قيّدت بمساواة الجبهة لموضع البدن كما مرّ البحث عنه مستقصى «2» لكن الدليل المقيّد لا إطلاق له، بل هو مختص بصورة التمكن، لاشتمال الصحيحة على الخطاب المتوجِّه إلى ابن سنان حيث قال (عليه السلام) فيها: «إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس» «3»، و معلوم أنّ ابن سنان كان قادراً على مراعاة التساوي و لم يكن عاجزاً حينما خاطبه الإمام (عليه السلام). نعم، لو كانت العبارة هكذا: يجب التساوي أو يعتبر المساواة و نحوها بحيث لم يشتمل على خطاب متوجِّه إلى شخص خاص انعقد الإطلاق.

و على الجملة: فلسان التقييد لا إطلاق له فيقتصر على المقدار المتيقّن و هو فرض التمكّن، و في مورد العجز يتمسّك بإطلاقات السجود السليمة عن التقييد. فالحكم مطابق للقاعدة. مضافاً إلى إمكان الاستدلال عليه ببعض النصوص.

منها: موثقة أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن المريض هل تمسك له المرأة شيئاً فيسجد عليه؟ فقال: لا، إلّا أن يكون مضطرّاً ليس عنده غيرها، و ليس شي‌ء ممّا حرّم اللّٰه إلّا و قد أحلّه لمن اضطرّ إليه» «4» فانّ الظاهر من الإمساك هو الرفع، و إلّا فالسجود على الأرض نفسه لا حاجة معه إلى إمساك المرأة ما يسجد عليه كما هو ظاهر. و هي بحسب السند موثقة كما ذكرنا، فانّ المراد بالحسين الراوي عن سماعة هو الحسين بن عثمان بن زياد الرواسي بقرينة روايته عن سماعة كثيراً، و هو موثق كما نقله الكشِّي عن حمدويه‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 389/ أبواب السجود ب 28 ح 2.

(2) في ص 97.

(3) الوسائل 6: 358/ أبواب السجود ب 11 ح 1.

(4) الوسائل 5: 483/ أبواب القيام ب 1 ح 7.

155
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 12: إذا عجز عن الانحناء للسجود انحنى بالقدر الممكن ؛ ج 15، ص : 153

..........

______________________________
أنّه قال: سمعت أشياخي يذكرون أنّ حماداً و جعفراً و الحسين بن عثمان بن زياد الرواسي كلّهم فاضلون خيار ثقات
«1»، فالسند صحيح، و باعتبار سماعة موثق.

و منها: صحيحة زرارة قال: «سألته عن المريض كيف يسجد؟ فقال: على خمرة، أو على مروحة، أو على سواك يرفعه إليه هو أفضل من الإيماء ...» إلخ «2» حيث تضمن الأمر برفع المسجد فلا تصل النوبة إلى الإيماء. نعم، قد ينافيه قوله (عليه السلام) في الذيل «هو أفضل من الإيماء»، حيث يظهر منه التخيير بين الأمرين، غير أنّ الرفع أفضل، لكن ظاهره غير مراد قطعاً، فإنّه مع التمكن من السجود و لو بالرفع تعيّن، و إلّا تعيّن الإيماء، و لا يحتمل التخيير بينهما بالضرورة كما لا قائل به جزماً فلا بدّ من التصرّف بأحد وجهين:

الأوّل: أن يكون المراد أنّ طبيعة الصلاة المشتملة على السجود و لو مع الرفع أفضل من الطبيعة المشتملة على الإيماء، كما يقال إنّ الفريضة أفضل من النافلة، و الصلاة أفضل من الصوم و هكذا، إذ ليس معنى الأفضلية في هذه الإطلاقات التخيير بين الأمرين، بل المراد أنّ هذه الطبيعة في ظرفها و شرائطها المناسبة لها أفضل، أي أكثر ثواباً من الطبيعة الأُخرى في موطنها المقرّر لها فيكون حاصل المعنى أنّ الصلاة المشتملة على السجود الصادرة ممّن يتمكن منه أفضل من المشتملة على الإيماء الصادرة من العاجز عنه، لا أنّ أحدهما أفضل من الأُخرى في موضع واحد.

الثاني: أن يكون المراد من المريض من يشق عليه السجود و لو مع الرفع فانّ وظيفته الأوّلية هي الإيماء، غير أنّ الأفضل في حقّه تحمل المشقّة و السجود و لو مع رفع المسجد و إن تضمن العسر و الحرج من باب أنّ أفضل الأعمال أحمزها‌

______________________________
(1) رجال الكشي: 372/ 694.

(2) الوسائل 5: 364/ أبواب ما يسجد عليه ب 15 ح 1.

156
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 13: إذا حرك إبهامه في حال الذكر عمدا أعاد الصلاة ؛ ج 15، ص : 157

[مسألة 13: إذا حرّك إبهامه في حال الذِّكر عمداً أعاد الصلاة]

[1621] مسألة 13: إذا حرّك إبهامه في حال الذِّكر عمداً أعاد الصلاة (1)

______________________________
كما يشهد بهذا الحمل صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن المريض إذا لم يستطع القيام و السجود، قال: يومئ برأسه إيماءً، و أن يضع جبهته على الأرض أحب إليّ»
«1».

و قد مرّ التعرّض لهذه الصحيحة في بحث القيام، و قلنا إنّ مفادها بحسب الظاهر لا يستقيم، إذ بعد فرض عدم الاستطاعة على القيام و السجود فأيّ معنى لقوله (عليه السلام) في الذيل «إنّ السجود أحب إليّ» فلا مناص من أن يكون المراد عدم الاستطاعة العرفية، لتضمنه المشقّة و الحرج دون التعذّر الحقيقي و أنّ الوظيفة حينئذ هي الإيماء و إن كان السجود و تحمل المشقة أفضل، و لذا كان أحبّ إليه (عليه السلام) فعلى ضوء ذلك تفسر الأفضلية في المقام.

فتحصّل: أنّ وجوب رفع المسجد و السجود عليه مع التمكن ممّا لا ينبغي الإشكال فيه، لكونه مطابقاً للقاعدة، و لاستفادته من بعض النصوص كما عرفت فلا تصل النوبة إلى الإيماء.

و أمّا بقية الفروع المذكورة في هذه المسألة فقد تقدّم الكلام حولها بشقوقها مستقصى في بحث القيام فلا حاجة إلى الإعادة فراجع و لاحظ.

(1) لأنّ ظرف الذكر هو السجود الواجب، و حيث إنّ المعتبر فيه الاستقرار فلا بدّ من مراعاته تحصيلًا للسجود المأمور به حتّى يقع الذكر فيه قضاءً للظرفية. و عليه فبناءً على أنّ تحريك الإبهام مخل بالاستقرار لاعتباره في تمام البدن، فلو حرّك عامداً و أتى بالذكر وقتئذ كان الذكر المقصود به الجزئية زيادة عمدية لوقوعه في غير محله موجبة للبطلان. نعم، لو كان ذلك سهواً فبما أنّ الزيادة‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 481/ أبواب القيام ب 1 ح 2.

157
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 13: إذا حرك إبهامه في حال الذكر عمدا أعاد الصلاة ؛ ج 15، ص : 157

احتياطاً، و إن كان سهواً أعاد الذكر [1] إن لم يرفع رأسه، و كذا لو حرّك سائر المساجد، و أمّا لو حرّك أصابع يده مع وضع الكف بتمامها فالظاهر عدم البأس به لكفاية اطمئنان بقيّة الكف، نعم لو سجد على خصوص الأصابع [1] كان تحريكها كتحريك إبهام الرجل.

______________________________
السهوية لم تقدح، فان كان التذكر قبل رفع الرأس أعاد الذكر لبقاء محلّه، و إن كان بعده مضى في صلاته و لا شي‌ء عليه عملًا بحديث لا تعاد بعد امتناع التدارك لمضي المحل، و هكذا الحال في تحريك سائر المساجد.

و أمّا وجه التوقف و احتياطه (قدس سره) فهو من أجل التشكيك في قدح التحريك و الإخلال بالاستقرار المعتبر في الصلاة، فإنّ المستند في اعتبار الاطمئنان إن كان هو الإجماع فغير معلوم شموله لمثل هذه الحركة اليسيرة لو لم ندّع القطع بعدم الشمول كما لا يشمله في غير حال السجود قطعاً، و لذا لو حرّك أصابع اليدين أو الرجلين، أو نفس اليدين حال القراءة لم يكن مضرّاً بصدق الاستقرار بلا إشكال. و كذا الحال لو كان المستند صحيحة الأزدي فانّ التمكين اللّازم مراعاته بمقتضى هذه الصحيحة هو التمكين العرفي المتقوّم باستقرار معظم الأجزاء لإتمام البدن، فلا تنافيه مثل تلك الحركة اليسيرة. فالحكم بإعادة الصلاة في صورة العمد و إعادة الذكر في صورة السهو مبني على الاحتياط لا محالة.

هذا، و لو حرّك الإصبع مع وضع تمام الكف فلا ينبغي الإشكال في عدم البأس، لكفاية الاطمئنان في بقية الكف التي هي المناط في تحقّق السجود. نعم لو سجد على خصوص الأصابع بناءً على الاجتزاء بها كان تحريكها حينئذ‌

______________________________
[1] على الأحوط.

[1] مرّ الإشكال في كفايته.

158
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 14: إذا ارتفعت الجبهة قهرا من الأرض قبل الإتيان بالذكر ؛ ج 15، ص : 159

[مسألة 14: إذا ارتفعت الجبهة قهراً من الأرض قبل الإتيان بالذِّكر]

[1622] مسألة 14: إذا ارتفعت الجبهة قهراً من الأرض قبل الإتيان بالذِّكر، فإن أمكن حفظها عن الوقوع ثانياً حسبت سجدة فيجلس و يأتي بالأُخرى إن كانت الاولى، و يكتفي بها إن كانت الثانية، و إن عادت إلى الأرض قهراً، فالمجموع سجدة واحدة فيأتي بالذكر [1] و إن كان بعد الإتيان به اكتفى به (1).

______________________________
كتحريك إبهام الرجل الّذي مرّ حكمه كما أشار إليه في المتن، إلّا أنّ المبنى غير تام، لاعتبار الاستيعاب العرفي في السجود على اليدين كما عرفت فيما سبق
«1».

(1) أمّا إذا كان الارتفاع القهري بعد الإتيان بالذكر فلا إشكال فيه، لعدم وجوب الرفع في نفسه كي يحتاج إلى القصد، بل هو مقدّمة للإتيان ببقية الأجزاء فيجزي كيف ما اتّفق.

و أمّا إذا كان قبله، فان ارتفعت الجبهة قهراً بمجرد إصابتها الأرض من دون اعتماد و لا استقرار حتّى في الجملة كما قد يتّفق إذا هوى إلى السجود بسرعة فهذا لا يعدّ سجوداً لا شرعاً و لا عرفاً، لتقوّمه بالوضع المتقوّم بالاعتماد، و هو منتف في الفرض، إذ هو من قبيل الضرب بالأرض لا الوضع عليها، و أمّا إذا ارتفعت بعد تحقّق الوضع و الاعتماد و الاستقرار حدوثاً، فتارة يتمكن من ضبط نفسه و حفظ الجبهة عن الوقوع ثانياً، و أُخرى لا يتمكن بل تعود إلى الأرض قهراً أيضا.

أمّا في الأوّل: فتحسب عليه سجدة، إذ لا خلل فيه من ناحية السجود بما‌

______________________________
[1] على الأحوط، و لا يبعد أن لا يكون العود متمّماً للسجدة.

______________________________
(1) في ص 120.

159
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 14: إذا ارتفعت الجبهة قهرا من الأرض قبل الإتيان بالذكر ؛ ج 15، ص : 159

..........

______________________________
هو كذلك. فانّ السجود المأمور به المعدود من أركان الصلاة متقوّم بمجرّد الوضع الحدوثي و قد تحقّق، و لا يشترط فيه الاستقرار بقاءً. نعم، هو واجب آخر معتبر حاله كالذكر و قد فات محل التدارك فيشمله حديث لا تعاد، إذ لا قصور فيه بعد أن لم يكن ملتفتاً إلى الإخلال حينما أخلّ، لوقوعه قهراً عليه و من غير اختيار و عمد، و عليه فان كان ذلك في السجدة الأُولى جلس و أتى بالأُخرى، و إن كان في الثانية اكتفى بها و مضى في صلاته و لا شي‌ء عليه.

و أمّا في الثاني: فقد ذكر في المتن أنّ المجموع سجدة واحدة، لكون الثانية من متمِّمات الاولى عرفاً، فيأتي بالذكر حينئذ، لكنّه مشكل جدّاً، فإنّ الثاني وضع جديد مباين للأوّل و قد تخلّل بينهما العدم، فكيف يكون بقاءً للأوّل و من متمِّماته، و حيث إنّ الثاني عار عن القصد فليس هو من السجود في شي‌ء حتّى عرفاً، و من هنا لو عثر فأصابت جبهته الأرض لا يقال إنّه سجد، لتقوّم المفهوم بالقصد إلى السجود، كما أنّه لو تكرّر منه الرفع و الوضع القهريان مرّتين أو أكثر لم يضر ذلك بصحّة الصلاة بلا إشكال، لعدم كونه من زيادة السجدتين القادحة و لو سهواً بعد عدم القصد إلى السجود المتقوّم به كما عرفت.

و منه تعرف أنّه ليس له الإتيان بالذكر حينئذ، لأنّ ظرفه السجود غير المنطبق على الوضع الثاني بعد فقد القصد و إنّما المتّصف به الأوّل و قد انعدم، فلا مجال لتدارك الذكر لفوات محلّه.

و على الجملة: فليس السجود إلّا الوضع الأوّل، و الثاني لغو محض، فيجري فيه الكلام المتقدِّم في الصورة السابقة من أنّه إن كان ذلك في السجدة الأُولى جلس و أتى بالثانية و إلّا اكتفى بها.

160
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 15: لا بأس بالسجود على غير الأرض و نحوها مثل الفراش في حال التقية ؛ ج 15، ص : 161

[مسألة 15: لا بأس بالسجود على غير الأرض و نحوها مثل الفراش في حال التقيّة]

[1623] مسألة 15: لا بأس بالسجود على غير الأرض و نحوها مثل الفراش في حال التقيّة (1)، و لا يجب التفصي عنها بالذهاب إلى مكان آخر نعم لو كان في ذلك المكان مندوحة بأن يصلِّي على البارية أو نحوها ممّا يصح السجود عليه وجب اختيارها.

[مسألة 16: إذا نسي السجدتين أو إحداهما و تذكر قبل الدخول في الركوع]

[1624] مسألة 16: إذا نسي السجدتين أو إحداهما (2) و تذكر قبل الدخول في الركوع وجب العود إليها، و إن كان بعد الركوع مضى إن كان

______________________________
(1) قدّمنا الكلام حول المقام و نظائره من موارد التقيّة في مبحث الوضوء
«1» و قلنا إنّ الوظيفة الأوّلية تنقلب بعد عروض التقيّة إلى ما يقتضيه مذهب العامّة للنصوص الدالّة على ذلك التي مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين وجود المندوحة و إمكان التفصي بالذهاب إلى مكان آخر، أو التأخير إلى آونة اخرى و عدمه فلو كان في المسجد مثلًا من يتقى منه جاز السجود على الفراش و نحوه ممّا لا يصح السجود عليه، و إن أمكن التأخير إلى مكان أو زمان آخر، فلا يجب التفصي. نعم، يعتبر عدم وجود المندوحة حال الاشتغال بالعمل، فلو كان في نفس المسجد حينما يريد الصلاة مكانان أحدهما تراب أو حصير و نحوهما و الآخر فراش، لا يجوز له اختيار الثاني، لانتفاء موضوع التقيّة حينئذ، فإنّه متقوّم بالاضطرار و عدم التمكن من الإتيان بالوظيفة الأوّلية في هذا الحال المفقود في الفرض.

(2) يقع الكلام تارة فيما إذا كان السجود المنسي من غير الركعة الأخيرة و أُخرى فيما إذا كان منها بخصوصها، فهنا مقامان:

______________________________
(1) شرح العروة 5: 267.

161
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: إذا نسي السجدتين أو إحداهما و تذكر قبل الدخول في الركوع ؛ ج 15، ص : 161

المنسي واحدة و قضاها بعد السلام، و تبطل الصلاة إن كان اثنتين، و إن كان في الركعة الأخيرة يرجع ما لم يسلم، و إن تذكر بعد السلام بطلت الصلاة إن كان المنسي اثنتين [1]، و إن كان واحدة قضاها.

______________________________
أمّا المقام الأوّل: فقد يكون المنسي سجدة واحدة، و أُخرى سجدتين.

أمّا في السجدة الواحدة، فلا إشكال كما لا خلاف في أنّ التذكّر إن كان قبل الركوع وجب العود إليها، و إلّا مضى في صلاته و قضاها بعد السلام. و هذا الحكم هو المطابق للقاعدة مع قطع النظر عن النصوص الخاصّة الواردة في المقام فانّ التذكر إذا كان قبل الركوع فحيث إنّ القيام و القراءة وقعا في غير محلهما للزوم تأخرهما عن السجود بمقتضى الترتيب الملحوظ بين الأجزاء، فلا يعدّان من أجزاء الصلاة، بل يتّصفان بالزيادة غير القادحة بعد كونها سهويّة، فمحل السجود بعدُ باق، و حيث لا يلزم من تداركه محذور وجب العود إليه كما وجب إعادة القيام و القراءة، لعدم وقوعهما على وجههما كما عرفت.

و أمّا إذا كان بعد الركوع فحيث لم يمكن تدارك المنسي حينئذ لمضي محله بالدخول في الركن و قد ثبت أنّ الصلاة لا تعاد من سجدة واحدة، فالمتعيِّن هو الحكم بالصحّة و المضي في الصلاة، فالحكم بكلا شقّيه ممّا تقتضيه القاعدة من غير ناحية القضاء فإنّه قد ثبت بالنص.

ففي صحيحة إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتّى قام فذكر و هو قائم أنّه لم يسجد قال: فليسجد ما لم يركع فاذا ركع فذكر بعد ركوعه انّه لم يسجد فليمض على صلاته حتّى‌

______________________________
[1] بل تصح و يجب التدارك ما لم يحصل المنافي، و بذلك يظهر حكم نسيان السجدة الواحدة.

162
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: إذا نسي السجدتين أو إحداهما و تذكر قبل الدخول في الركوع ؛ ج 15، ص : 161

..........

______________________________
يسلم ثمّ يسجدها فإنّها قضاء ...» إلخ
«1»، و نحوها صحيحة أبي بصير «2»، فإنّها و إن كانت ضعيفة بطريق الشيخ «3» من أجل محمّد بن سنان لكنّها صحيحة بطريق الصدوق «4».

و قوله (عليه السلام) «فإنّها قضاء» يكشف عن أنّ السجود المأتي به فيما لو كان التذكّر قبل الركوع أداء، أي واقع في محله، فلا بدّ من إعادة القيام و القراءة بعد تدارك السجود تحقيقاً لوقوعهما في المحل كما بيّنا ذلك في تقرير مقتضى القاعدة. و على الجملة فالنصوص الواردة في المقام تطابق مقتضى القاعدة من غير ناحية القضاء، هذا كلّه في السجدة الواحدة.

و أمّا في السجدتين، فلم يرد نص بالخصوص فلا بدّ من الجري على ما تقتضيه القواعد.

فنقول: لا إشكال كما لا خلاف في البطلان فيما لو كان التذكر بعد الركوع لنقص الركن لو استرسل، و زيادته لو تدارك، للزوم إعادة الركوع حينئذ.

و بعبارة اخرى: الركوع حينما تحقّق كان متّصفاً بالزيادة، لعدم مسبوقيته بالسجدتين و زيادته و لو سهواً مبطلة، و إن شئت فقل: السجدتان ركن قد ترك في محله، و لا يمكن تداركه، و ترك الركن مبطل، فيمكن تعليل البطلان بترك الركن مرّة و بزيادته اخرى، و المعنى واحد كما لا يخفى.

إنّما الكلام فيما إذا كان التذكر قبل الركوع، فالمشهور وجوب العود كما في السجدة الواحدة لعين ما مرّ في تقرير القاعدة.

______________________________
(1) الوسائل 6: 364/ أبواب السجود ب 14 ح 1، 4.

(2) الوسائل 6: 364/ أبواب السجود ب 14 ح 1، 4.

(3) التهذيب 2: 152/ 598.

(4) الفقيه 1: 228/ 1008، 4 (المشيخة): 58.

163
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: إذا نسي السجدتين أو إحداهما و تذكر قبل الدخول في الركوع ؛ ج 15، ص : 161

..........

______________________________
و لكن المنسوب إلى جمع كالمفيد
«1» و أبي الصلاح «2» و ابن إدريس «3» الحكم بالبطلان، استناداً إلى حديث لا تعاد، فانّ الخارج عنه ما إذا كان المنسي سجدة واحدة لقوله (عليه السلام): لا تعاد الصلاة من سجدة واحدة «4»، فتبقى السجدتان مشمولتين لإطلاق الحديث.

و الجواب عنه: مضافاً إلى ثبوت الحكم في المقام على سبيل الأولوية، إذ لو جاز العود لتدارك سجدة واحدة مع أنّها ليست بركن، فجوازه في السجدتين و هما ركن بطريق أولى كما لا يخفى، أنّ مفاد الحديث لو كان هو البطلان بمجرّد نسيان الخمس كما في الشك في الأوّلتين الموجب للبطلان في حدّ نفسه، لتم ما ذكروه، لكنّه ليس كذلك قطعاً، بل مفادها أنّ الإخلال بالصلاة المقتضي للإعادة لا يوجبها إلّا من ناحية الخمس. فالموضوع ليس هو النسيان، بل الإخلال الموجب للبطلان، و واضح أنّ الحكم لا يتكفّل لبيان موضوعه و تحقّق صغراه و مصداقه، بل لا بدّ من إثبات الموضوع و إحرازه من الخارج، و قد عرفت أنّ القاعدة تقتضي عدم تحقّق الإخلال المستوجب للبطلان في المقام لإمكان تدارك السجدتين كالسجدة الواحدة بعد فرض بقاء المحل من أجل عدم الدخول في الركن، فلا خلل كي يشمله الحديث.

و على الجملة: مفاد الحديث أنّ الخلل الّذي لا يمكن معه تصحيح الصلاة و يكون مورداً للإعادة حكمه كذا، و هذا العنوان غير متحقِّق في المقام. فالصحيح ما عليه المشهور من وجوب العود لو كان التذكر قبل الدخول في الركوع من غير فرق بين ما إذا كان المنسي سجدة واحدة أو سجدتين.

______________________________
(1) المقنعة: 138.

(2) الكافي في الفقه: 119.

(3) السرائر 1: 241.

(4) الوسائل 6: 319/ أبواب الركوع ب 14 ح 2 (نقل بالمضمون).

164
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: إذا نسي السجدتين أو إحداهما و تذكر قبل الدخول في الركوع ؛ ج 15، ص : 161

..........

______________________________
و أمّا المقام الثاني: فإن كان التذكر قبل السلام رجع بلا إشكال و لا كلام سواء أ كان المنسي سجدة واحدة أم سجدتين و لا شي‌ء عليه، إذ لم يترتّب عليه محذور سوى زيادة التشهّد كلّاً أو بعضاً، و لا ضير فيها بعد أن كانت سهواً. فالحكم حينئذ على طبق القاعدة.

إنّما الكلام فيما إذا كان بعد السلام، فقد فصّل في المتن تبعاً لجمع بين ما إذا كان المنسي سجدة واحدة أم سجدتين، فحكم بالقضاء في الأوّل، و البطلان في الثاني، و كلاهما محل نظر بل منع.

أمّا القضاء، فلعدم الدليل عليه، إذ النص الوارد فيه مختص بما إذا كان التذكر بعد الركوع المستلزم بطبيعة الحال لكون المنسي من سائر الركعات، فلا يمكن التعدِّي إلى المقام، لوجود الفرق الواضح بين الموردين، فانّ السجود غير قابل للتدارك هناك، فلا مناص من القضاء، بخلاف المقام، لبقاء المحل إذ لا ركن بعده، فهو قابل للتدارك غايته أنّ التشهّد و السلام وقعا زائدين و لا بأس بالزيادة السهوية في مثلهما فيتدارك السجود و يعيد التشهّد و السلام، و عليه سجدتا السهو للسلام الزائد، و لا محذور في ذلك أبداً. فمقتضى القاعدة في المقام بعد عدم ورود نص فيه وجوب التدارك دون القضاء. نعم، لو كان التذكّر بعد الإتيان بالمنافي من استدبار أو حدث، أو فصل طويل و نحوها ممّا لم يبق معه مجال للتدارك اتّجه القضاء حينئذ لموثقة عمار «1».

و أمّا البطلان، فهو مبني على ما مرّ آنفاً من الاستناد إلى حديث لا تعاد، بدعوى أنّ الموضوع فيه مجرد النسيان الحاصل في المقام، و قد عرفت جوابه بما لا مزيد عليه، و أنّ الموضوع هو الخلل الموجب للبطلان غير المتحقق في المقام بعد إمكان التدارك، إذ هو بعدُ في الصلاة، لعدم وقوع السلام في محله فيمكنه‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 364/ أبواب السجود ب 14 ح 2.

165
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: إذا نسي السجدتين أو إحداهما و تذكر قبل الدخول في الركوع ؛ ج 15، ص : 161

..........

______________________________
التدارك، فلا يشمله الحديث إلّا إذا كان التذكر بعد فعل المنافي، فإنّه لا مناص حينئذ من الحكم بالبطلان كما هو ظاهر، هذا.

و ربّما يستدل للبطلان برواية معلّى بن خنيس قال: «سألت أبا الحسن الماضي (عليه السلام) في الرجل ينسى السجدة من صلاته، قال: إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها و بنى على صلاته، ثمّ سجد سجدتي السهو بعد انصرافه، و إن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة، و نسيان السجدة في الأوّلتين و الأخيرتين سواء» «1» فانّ المراد بالسجدة في موضوع هذه الرواية ليس الواحدة بلا ريب، إذ لا تعاد الصلاة منها قطعاً نصّاً و فتوى، و قد تضمّنت إعادتها لو كان التذكر بعد الركوع، بل المراد طبيعي السجدة الواجبة في الصلاة، أعني الثنتين، و قد حكم (عليه السلام) أنّ نسيانها في الأوّلتين و الأخيرتين سواء.

و فيه: أنّ الرواية ضعيفة السند و غير قابلة للاعتماد من وجوه أمّا أوّلًا: فللإرسال.

و أمّا ثانياً: فلعدم توثيق معلى بن خنيس، بل قد ضعّفه النجاشي صريحاً «2» و كذا ابن الغضائري «3»، و لا دلالة في شهادة الصادق (عليه السلام) بعد مقتله بأنّه من أهل الجنّة كما ورد في بعض الروايات المعتبرة «4» على وثاقته حين روايته، لجواز أن يكون السبب في دخوله الجنّة قتله في سبيل الحق و موالاة أهل البيت، و بذله تلك الأموال الخطيرة في حبّهم (عليهم السلام)، فقد ورد أنّ داود بن علي لمّا عزم على قتله قال له معلى: أخرجني إلى الناس فإنّ لي دَيناً‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 366/ أبواب السجود ب 14 ح 5.

(2) رجال النجاشي: 417/ 1114.

(3) الخلاصة: 408/ 1652.

(4) رجال الكشي: 376/ 707.

166
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: إذا نسي السجدتين أو إحداهما و تذكر قبل الدخول في الركوع ؛ ج 15، ص : 161

..........

______________________________
كثيراً و مالًا حتّى أشهد بذلك فأخرجه إلى السوق فلمّا اجتمع الناس، قال: أيُّها الناس، أنا معلى بن خنيس فمن عرفني فقد عرفني اشهدوا أنّ ما تركت من مال عين أو دين أو أمة أو عبد، أو دار، أو قليل أو كثير فهو لجعفر بن محمّد (عليه السلام)، فشد عليه صاحب شرطة داود فقتله، فلمّا بلغ ذلك أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) خرج يجر ذيله حتّى دخل على داود فقال له: قتلت مولاي و أخذت مالي، قال: ما أنا قتلته و لكن صاحب شرطتي، قال بإذن منك؟ قال: لا، فأمر ابنه إسماعيل فقتله ثمّ دعا (عليه السلام) على داود فمات في تلك الليلة
«1».

و على الجملة: فشهادته (عليه السلام) و اغتياظه على داود و الدُّعاء عليه و أمره بقتل القاتل كل ذلك من أجل قتله ظلماً في سبيل أهل البيت الّذين هم سبل النجاة، و لا دلالة على كونه من أهل الجنّة قبل قتله كي تقتضي الوثاقة حين الرواية.

نعم، ورد في بعض الأخبار أنّه (عليه السلام) اعترض على داود قائلًا: قتلت رجلًا من أهل الجنّة، الكاشف عن أنّه كان من أهلها من قبل ورود القتل عليه، لكن الرواية ضعيفة السند. مضافاً إلى أنّه أيضاً لا يقتضي التوثيق حال الرواية، إذ لعل كونه من أهلها من أجل الولاء و الإخلاص لهم (عليهم السلام) غير المنافي للفسق. و الحاصل: أنّ النجاشي عدل ضبط قد صرّح بالضعف و لم يثبت ما يعارضه «2».

و ثالثاً: أنّ السند عجيب في نفسه، فانّ الرجل قتل في زمن الصادق (عليه‌

______________________________
(1) رجال الكشي: 377/ 708.

(2) لكنّه (دام ظلّه) بالرغم من ذلك كلّه ناقش في تضعيف النجاشي و بنى في المعجم 19: 268/ 12525 على وثاقة الرجل فليلاحظ.

167
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 17: لا تجوز الصلاة على ما لا تستقر المساجد عليه ؛ ج 15، ص : 168

[مسألة 17: لا تجوز الصلاة على ما لا تستقر المساجد عليه]

[1625] مسألة 17: لا تجوز الصلاة على ما لا تستقر المساجد عليه (1) كالقطن المندوف و المخدة من الريش و الكومة من التراب الناعم أو كدائس الحنطة و نحوها.

[مسألة 18: إذا دار أمر العاجز عن الانحناء التام للسجدة بين وضع اليدين على الأرض]

[1626] مسألة 18: إذا دار أمر العاجز عن الانحناء التام للسجدة (2) بين وضع اليدين على الأرض و بين رفع ما يصح السجود عليه و وضعه

______________________________
السلام) كما سمعت، فكيف يقول سمعت أبا الحسن الماضي (عليه السلام) الّذي هو الكاظم (عليه السلام) سيّما مع توصيفه بالماضي المشعر بوفاة الكاظم (عليه السلام) حين روايته، فيقتضي أن يكون الرجل في زمن الرِّضا أو الجواد (عليه السلام) كما اصطلح هذا التوصيف في ألسنة الرواة بعدئذ في قبال أبي الحسن الثاني (عليه السلام)، فكيف يمكن التوفيق بينه و بين قتله في زمن الصادق (عليه السلام)
«1». و على الجملة: فالرواية ساقطة عن درجة الاعتبار و لا يمكن الاعتماد عليها و لا سيّما بعد مخالفتها لمقتضى القواعد كما عرفت.

(1) لاعتبار الاستقرار حال الذكر. نعم، لو وضع جبهته و ألقى الثقل عليها حتّى إذا استقر أتى بالذكر لم يكن به بأس لحصول الاستقرار بقاء.

(2) الظاهر أنّ في العبارة سهواً من قلمه الشريف، إذ لا يحتمل وضع ما يصح السجود عليه على الجبهة في المقام، فانّ هذا الوضع إنّما يتّجه فيما إذا كان المصلِّي مستلقياً أو مضطجعاً بحيث لا يتمكن من وضع الجبهة على ما يصح كما تقدّم في بحث القيام، مع أنّه لم يتم هناك أيضاً لعدم الدليل عليه كما مرّ. و أمّا في‌

______________________________
(1) ذكر (دام ظلّه) في المعجم 19: 258 أنّ الرواية لو صحّت فالمراد بمعلى بن خنيس هذا شخص آخر غير معلى بن خنيس المعروف.

168
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 18: إذا دار أمر العاجز عن الانحناء التام للسجدة بين وضع اليدين على الأرض ؛ ج 15، ص : 168

على الجبهة فالظاهر تقديم الثاني [1]، فيرفع يديه أو إحداهما عن الأرض ليضع ما يصح السجود عليه على جبهته، و يحتمل التخيير.

______________________________
المقام فهو متمكن من الانحناء و وضع الجبهة و لو برفع المسجد، و إنّما عجزه عن الانحناء التام كما صرّح به (قدس سره) فالمراد وضع الجبهة على ما يصح لا وضعه على الجبهة كما عبّر (قدس سره) به.

و كيف ما كان، فالصحيح أن يقال: إذا تمكّن من السجود العرفي و لو برفع المسجد تعيّن و إن استلزم رفع اليدين أو إحداهما عن الأرض، و لا تصل النوبة حينئذ إلى الإيماء فإنّه وظيفة العاجز عن السجود و المفروض تمكنه منه، و لا ضير في عدم وضع اليدين حينئذ على الأرض لسقوطه لدى العجز.

و أمّا إذا لم يتمكّن منه انتقل الأمر إلى الإيماء و لا يلزم وضع سائر المحال حينئذ، إذ ظرف وضعها السجود المتقوّم بوضع الجبهة على الأرض، كما يكشف عنه قوله (عليه السلام): «السجود على سبعة أعظم» «1» لا حتّى مع الإيماء، و لا دليل على انتقال حكم المبدل منه إلى البدل.

______________________________
[1] بل الظاهر أنّه إذا تمكّن من رفع المسجد و وضع الجبهة عليه بحيث يصدق عليه السجود تعيّن ذلك و إلّا وجب الإيماء كما مرّ.

______________________________
(1) الوسائل 6: 343/ أبواب السجود ب 4 ح 2.

169
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في مستحبات السجود ؛ ج 15، ص : 170

[فصل في مستحبّات السجود]

فصل في مستحبّات السجود و هي أُمور:

الأوّل: التكبير حال الانتصاب من الركوع قائماً أو قاعدا (1).

الثاني: رفع اليدين حال التكبير.

الثالث: السبق باليدين إلى الأرض عند الهوي إلى السجود.

الرابع: استيعاب الجبهة على ما يصح السجود عليه، بل استيعاب جميع المساجد.

______________________________
و لنقتصر في هذا الفصل على التعرّض لبعض المستحبّات ممّا وقع الخلاف في وجوبه لوضوح الباقي.

(1) لا يخفى أنّ الخلاف المتقدِّم «1» في بحث الركوع في وجوب هذا التكبير جار هنا بعينه مع مستنده و ردّه، لاشتراك الدليل و اتِّحاد مناط البحث، غير أنّ المقام يمتاز في جهة واحدة، و هي أنّك قد عرفت هناك اختصاص الاستحباب بحال الانتصاب، فلا يشرع التكبير بقصد التوظيف حال الهوي و إن جاز بقصد مطلق الذكر.

______________________________
(1) في ص 77.

170
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في مستحبات السجود ؛ ج 15، ص : 170

..........

______________________________
فهل الأمر كذلك في المقام؟ الظاهر ثبوت الفرق، و بيانه: أنّ مقتضى صحيحة حماد التي ورد فيها «... ثمّ كبر و هو قائم و رفع يديه حيال وجهه و سجد» إلخ
«1» و كذا صحيحة زرارة: «إذا أردت أن تركع و تسجد فارفع يديك و كبِّر ثمّ اركع و اسجد» «2» هو الاختصاص، للتصريح بالانتصاب في الأُولى و العطف ب‍ «ثمّ» الظاهر في التراخي في الثانية.

لكن قد يعارضهما رواية معلى بن خنيس قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) يقول كان علي بن الحسين (عليه السلام) إذا أهوى ساجداً انكبّ و هو يكبِّر» «3» لظهورها في المشروعية لدى الهوي. و من هنا قد يجمع بينهما كما في الحدائق «4» بالحمل على التخيير.

و فيه: ما لا يخفى، لمنافاته مع التعبير بلفظة «كان» المشعر بالدوام و الاستمرار و مواظبته (عليه السلام) عليه فلا يناسب التخيير.

و منه تعرف تعذّر الأخذ بظاهر الرواية، لعدم احتمال أرجحية التكبير حال الهوي لتستوجب المواظبة عليه، بل إمّا أنّه يتعيّن حال القيام كما عليه المشهور أو أنّه أفضل، و لا يحتمل العكس فلا تنهض لمقاومة ما سبق و لا بدّ من رد علمها إلى أهله.

نعم، لا ريب في ظهورها في استحباب التكبير لدى الهوي كما عرفت و يقتضيه أيضاً إطلاق بعض النصوص.

ففي صحيحة زرارة: «فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير و خرّ‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(2) الوسائل 6: 296/ أبواب الركوع ب 2 ح 1.

(3) الوسائل 6: 383/ أبواب السجود ب 24 ح 2.

(4) الحدائق 8: 265.

171
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في مستحبات السجود ؛ ج 15، ص : 170

الخامس: الإرغام بالأنف (1) على ما يصح السجود عليه.

______________________________
ساجداً ...»
«1»، و في صحيحته الأُخرى «ثمّ ترفع يديك بالتكبير و تخرّ ساجداً» «2» فإن إطلاقهما يشمل التكبير حال الهوي، بل هو أوضح شمولًا كما لا يخفى.

و حيث لا تجري صناعة الإطلاق و التقييد في باب المستحبّات، فلا جرم يحمل التقييد بالانتصاب في الصحيحتين المتقدّمتين على بيان أفضل الفردين. فالأقوى ثبوت الاستحباب بقصد التوظيف في كلتا الحالتين في المقام، على خلاف ما تقدّم في بحث الركوع.

(1) على المشهور المعروف، بل عن جملة من الأصحاب دعوى الإجماع عليه و مال في الحدائق إلى الوجوب «3»، و نسب ذلك إلى الصدوق في الفقيه و الهداية «4» حيث عبّر بمضمون النص الظاهر في الوجوب.

و كيف ما كان، فمستند الوجوب موثقة عمار عن جعفر عن أبيه قال «قال علي (عليه السلام): لا تجزي صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين» «5»، و في بعض النسخ كمصباح الفقيه «6» نقلت هكذا «لا تجزي صلاة من لا يصيب أنفه ما يصيب جبينه» لكن المذكور في الوسائل و غيره ما عرفت و المعنى واحد‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 461/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

(2) الوسائل 6: 295/ أبواب الركوع ب 1 ح 1.

(3) الحدائق 8: 294.

(4) الفقيه 1: 205، الهداية: 137.

(5) الوسائل 6: 344/ أبواب السجود ب 4 ح 4.

(6) مصباح الفقيه (الصلاة): 349 السطر 34.

172
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في مستحبات السجود ؛ ج 15، ص : 170

..........

______________________________
و الدلالة ظاهرة، فانّ نفي الاجزاء ظاهر في نفي الصحّة المساوق لوجوب الإرغام كما أنّ المراد بالجبين هنا الجبهة التي هي أحد إطلاقيه لغة كما في المنجد
«1» و ما في مجمع البحرين «2» من إيراد الموثقة بصورة «الجبينين» بدلًا عن «الجبين» غير واضح، لعدم استقامة المعنى حينئذ كما لا يخفى، و لعلّه من غلط النسّاخ.

و تؤيّدها مرسلة عبد اللّٰه بن المغيرة عمّن سمع أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) يقول: «لا صلاة لمن لم يصب أنفه ما يصيب جبينه» «3».

و ربّما يجاب بلزوم حمل الموثق على الاستحباب تارة للإجماع القائم عليه المدّعى في كلمات غير واحد.

و فيه: أنّه إنّما يتم لو صحّ الإجماع و كان تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) و ليس كذلك، كيف و قد نسب الخلاف إلى الصدوق سيّما بعد وجود المستند في المسألة كما ستعرف.

و أُخرى: لخبر محمّد بن مصادف (مضارب) قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) يقول: إنّما السجود على الجبهة و ليس على الأنف سجود» «4».

و فيه: أنّ الدلالة و إن تمّت لحصر السجود من أعضاء الوجه في الجبهة و نفيه عن الأنف، لكن السند ضعيف عند القوم، فانّ محمّد بن مصادف لم يوثق، بل قد ضعّفه ابن الغضائري صريحا «5».

______________________________
(1) المنجد: 78 مادة «جبن».

(2) مجمع البحرين 6: 224.

(3) الوسائل 6: 345/ أبواب السجود ب 4 ح 7.

(4) الوسائل 6: 343/ أبواب السجود ب 4 ح 1.

(5) مجمع الرِّجال 6: 55.

173
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في مستحبات السجود ؛ ج 15، ص : 170

..........

______________________________
و ثالثة: للروايات المتقدِّمة «1» المتضمِّنة أنّ السجود على سبعة أعظم و أنّها الفرض، و أنّ الإرغام بالأنف سنّة.

و فيه: أنّ السنّة في لسان الأخبار غير ظاهرة في الاستحباب سيّما إذا قوبلت بالفرض، فانّ المراد بها ما سنّة النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) وجوباً أو استحباباً في قبال ما فرضه اللّٰه تعالى في كتابه، و قد أُطلقت السنة على بعض الواجبات في لسان الروايات كقوله: القراءة سنّة، التشهّد سنّة، الركعتان الأخيرتان سنّة و غير ذلك.

و رابعة: للنصوص المتضمِّنة ان ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف أو إلى الحاجب مسجد و إن أي ذلك أصبت به الأرض أجزأك «2» فانّ مقتضاها عدم وجوب السجود على الأنف لخروجه عن الحد.

و فيه: ما لا يخفى، فانّ تلك النصوص في مقام تحديد المسجد من الجبهة و لا نظر فيها إلى سائر المساجد، فكما لا تنفي وجوب السجود على اليدين و الركبتين كذلك لا تنفي وجوبه على الأنف لو كان واجباً لعدم كونها ناظرة إلى ما عدا الجبهة من المساجد كما عرفت.

فالإنصاف: أنّ شيئاً من هذه الوجوه لا يصلح سنداً للاستحباب فيبقى الموثق المؤيّد بالمرسل الظاهر في الوجوب سليماً عن المعارض.

و الصحيح في الجواب أن يقال: أوّلًا: أنّ المقتضي للوجوب قاصر في حدّ نفسه، فان ظاهر الموثق لزوم إصابة الأنف شخص ما يصيبه الجبين لا شي‌ء غيره من نوع أو جنس آخر و إن كان ممّا يصح السجود عليه، لاستلزامه نوعاً من الاستخدام الّذي هو على خلاف الأصل، و لازمه عدم الاجتزاء بما لو وضع‌

______________________________
(1) في ص 89.

(2) الوسائل 6: 355/ أبواب السجود ب 9.

174
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في مستحبات السجود ؛ ج 15، ص : 170

..........

______________________________
جبهته على الخشبة مثلًا و الأنف على التربة، إذ لا يصدق معه أنّ الأنف أصاب ما أصابه الجبين، بل كل منهما أصاب شيئاً غير ما أصابه الآخر، بل لازمه عدم الاجتزاء بما لو وضع جبهته على تربة، و أنفه على تربة اخرى مفصولة عنها لعين ما ذكر، فظاهر الموثق أن يكون هناك شي‌ء واحد و جسم فأرد مسجداً لكلا العضوين كتربة واحدة تسع الموضعين كي يصدق معه أنّ الأنف أصاب ما أصابه الجبين لانتفاء الصدق بدون ذلك إلّا بمعونة ارتكاب نوع من الاستخدام، بأن يقال إنّ الأنف أصاب نوع ما أصابه الجبين أو جنسه و هو على خلاف الأصل، و حيث إنّ هذا الظاهر مطروح قطعاً لعدم القول به من أحد. فلا مناص من طرح الرواية أو حملها على الاستحباب، فالمقتضي للوجوب قاصر في حدّ نفسه.

و ثانياً: مع التسليم لا بدّ من رفع اليد عنه للدليل الّذي تمسّكنا به في كثير من المقامات، و هو أنّ المسألة كثيرة الدوران و عامّة البلوى لكل أحد في كل يوم، فلو كان الوجوب ثابتاً لاشتهر و بان و شاع و ذاع و كان من الواضحات من غير خلاف معتد به، كيف و لم ينسب القول به إلى أحد ما عدا الصدوق في ظاهر عبارته التي هي مضمون النصوص القابلة للحمل على الاستحباب بقرينة عدّه من الآداب. فالمتعيِّن هو الحكم بالاستحباب الّذي عليه المشهور، بل هو المتسالم عليه لعدم وجود مخالف صريح، و إن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه.

و ثالثاً: أنّ محمّد بن مصادف و إن ضعّفه ابن الغضائري كما سمعت إلّا أنّه وثقه في موضع آخر من كتابه «1» و من ثمّ توقف فيه العلّامة «2». و على أيّ حال لا يمكن التعويل لا على تضعيفه و لا على توثيقه، لا لقدح فيه في نفسه فإنّه من الثقات و من مشايخ النجاشي و قد اعتمد عليه كثيراً، بل لأنّ الكتاب المنسوب‌

______________________________
(1) الخلاصة: 404/ 1630.

(2) الخلاصة: 404/ 1630.

175
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في مستحبات السجود ؛ ج 15، ص : 170

السادس: بسط اليدين مضمومتي الأصابع حتّى الإبهام حذاء الأُذنين متوجِّهاً بهما إلى القبلة.

السابع: شغل النظر إلى طرف الأنف حال السجود.

الثامن: الدُّعاء قبل الشروع في الذكر بأن يقول: اللّٰهمّ لك سجدت و بك آمنت و لك أسلمت و عليك توكّلت و أنتَ ربِّي سجد وجهي للّذي خلقه و شقّ سمعه و بصره، و الحمد للّٰه ربّ العالمين تبارك اللّٰه أحسن الخالقين.

______________________________
إليه لم تظهر صحّة نسبته إليه، و قد صرّح الشيخ (قدس سره)
«1» بأنّ له كتابين و مدحهما غير أنّه لم ينسخهما أحد من أصحابنا و عمد بعض ورثته إلى إتلاف هذين الكتابين و غيرهما من الكتب. و قد ذكر في التحرير الطاووسي «2» أيضاً أنّه لا طريق لنا إلى كتابه، و العلّامة أيضاً لا طريق له إليه و إن أكثر النقل عنه.

و حيث إنّ الرجل محمّد بن مصادف أو مضارب موجود في أسانيد كامل الزيارات فيحكم بوثاقته لسلامته عن المعارض، و عليه فالرواية موثقة، كما أنّ الدلالة ظاهرة، و الخدش فيها بأنّ غايتها نفي السجود على الأنف، و عدم جواز الاقتصار فيه بدلًا عن الجبهة، فلا تدل على نفي الإرغام الّذي هو محل الكلام ساقط لدلالتها على حصر السجود في الجبهة و إن لزم تقييدها بما دلّ على وجوبه في سائر المساجد أيضاً. و على أيّ حال فهي كالصريح في أنّه لا يجب السجود من أعضاء الوجه إلّا على الجبهة، فلو وجب على الأنف أيضاً لم يتّجه الحصر و لما صحّ النفي عن الأنف كما لا يخفى.

فتحصّل: أنّ المقتضي لوجوب الإرغام قاصر في حدّ نفسه، لقصور موثقة‌

______________________________
(1) الفهرست: 1.

(2) التحرير الطاووسي: 5.

176
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في مستحبات السجود ؛ ج 15، ص : 170

التاسع: تكرار الذكر.

العاشر: الختم على الوتر.

الحادي عشر: اختيار التسبيح من الذكر و الكبرى من التسبيح، و تثليثها أو تخميسها أو تسبيعها.

الثاني عشر: أن يسجد على الأرض بل التراب دون مثل الحجر و الخشب.

الثالث عشر: مساواة موضع الجبهة مع الموقف، بل مساواة جميع المساجد.

الرابع عشر: الدُّعاء في السجود أو الأخير بما يريد من حاجات الدُّنيا و الآخرة، و خصوص طلب الرِّزق الحلال بأن يقول: يا خير المسئولين و يا خير المعطين ارزقني و ارزق عيالي من فضلك فإنّك ذو الفضل العظيم.

الخامس عشر: التورك في الجلوس بين السجدتين و بعدهما، و هو أن يجلس على فخذه الأيسر جاعلًا ظهر القدم اليمنى في بطن اليسرى.

السادس عشر: أن يقول في الجلوس بين السجدتين: استغفر اللّٰه ربِّي و أتوب إليه.

السابع عشر: التكبير بعد الرفع من السجدة الأُولى بعد الجلوس مطمئناً و التكبير للسجدة الثانية و هو قاعد.

الثامن عشر: التكبير بعد الرفع من الثانية كذلك.

التاسع عشر: رفع اليدين حال التكبيرات.

العشرون: وضع اليدين على الفخذين حال الجلوس اليمنى على اليمنى

______________________________
عمار عن إفادته. و على تقدير التسليم فتحمل على الاستحباب جمعاً بينها و بين هذه الموثقة الصريحة في عدم الوجوب. مضافاً إلى الدليل المتقدِّم.

177
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في مستحبات السجود ؛ ج 15، ص : 170

و اليسرى على اليسرى.

الحادي و العشرون: التجافي حال السجود بمعنى رفع البطن عن الأرض.

الثاني و العشرون: التجنح، بمعنى تجافي الأعضاء حال السجود بأن يرفع مرفقيه عن الأرض مفرّجاً بين عضديه و جنبيه و مبعّداً يديه عن بدنه جاعلًا يديه كالجناحين.

الثالث و العشرون: أن يصلِّي على النبيّ و آله في السجدتين.

الرابع و العشرون: أن يقوم سابقاً برفع ركبتيه قبل يديه.

الخامس و العشرون: أن يقول بين السجدتين: اللّٰهمّ اغفر لي و ارحمني و أجرني و ادفع عنِّي فإنِّي لما أنزلت إليّ من خير فقير تبارك اللّٰه ربّ العالمين.

السادس و العشرون: أن يقول عند النهوض للقيام: بحول اللّٰه و قوّته أقوم و أقعد. أو يقول: اللّٰهمّ بحولك و قوتك أقوم و أقعد.

السابع و العشرون: أن لا يعجن بيديه عند إرادة النهوض، أي لا يقبضهما بل يبسطهما على الأرض معتمداً عليهما للنهوض.

الثامن و العشرون: وضع الركبتين قبل اليدين للمرأة عكس الرجل عند الهوي للسجود، و كذا يستحب عدم تجافيها حاله بل تفترش ذراعيها و تلصق بطنها بالأرض و تضم أعضاءها، و كذا عدم رفع عجيزتها حال النهوض للقيام بل تنهض و تنتصب عدلا.

التاسع و العشرون: إطالة السجود، و الإكثار فيه من التسبيح و الذكر.

الثلاثون: مباشرة الأرض بالكفّين.

الواحد و الثلاثون: زيادة تمكين الجبهة و سائر المساجد في السجود.

178
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 1: يكره الإقعاء في الجلوس بين السجدتين ؛ ج 15، ص : 179

[مسألة 1: يكره الإقعاء في الجلوس بين السجدتين]

[1627] مسألة 1: يكره الإقعاء في الجلوس بين السجدتين بل بعدهما أيضاً، و هو أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض و يجلس على عقبيه كما فسّره به الفقهاء بل بالمعنى الآخر المنسوب إلى اللغويين أيضاً، و هو أن يجلس على أليتيه، و ينصب ساقيه، و يتساند إلى ظهره كإقعاء الكلب.

[مسألة 2: يكره نفخ موضع السجود إذا لم يتولّد حرفان]

[1628] مسألة 2: يكره نفخ موضع السجود إذا لم يتولّد حرفان، و إلّا فلا يجوز بل مبطل للصلاة، و كذا يكره عدم رفع اليدين من الأرض بين السجدتين.

[مسألة 3: يكره قراءة القرآن في السجود]

[1629] مسألة 3: يكره قراءة القرآن في السجود كما كان يكره في الركوع.

[مسألة 4: الأحوط عدم ترك جلسة الاستراحة]

[1630] مسألة 4: الأحوط عدم ترك جلسة الاستراحة [1] (1) و هي الجلوس بعد السجدة الثانية في الركعة الأُولى و الثالثة ممّا لا تشهد فيه، بل وجوبها لا يخلو عن قوّة.

______________________________
(1) المعروف و المشهور استحباب جلسة الاستراحة، و هي الجلوس بعد رفع الرأس عن السجدة الثانية في الركعة التي لا تشهد فيها، و هي الاولى و الثالثة من الصلاة الرباعية، بل عن بعض دعوى الإجماع عليه. و حكي عن السيِّد القول بالوجوب
«1»، بل نسب ذلك إلى غير واحد من القدماء، و مالَ إليه في كشف اللثام «2»، و قوّاه في الحدائق «3»، و احتاط فيه في المتن بل استقواه أخيرا.

______________________________
[1] لا بأس بتركه.

______________________________
(1) الانتصار: 150.

(2) كشف اللثام 4: 103.

(3) الحدائق 8: 302.

179
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 4: الأحوط عدم ترك جلسة الاستراحة ؛ ج 15، ص : 179

..........

______________________________
و الّذي يمكن أن يستدل به على الوجوب جملة من النصوص.

الاولى: ما رواه الصدوق في كتاب الخصال عن أبي بصير و محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام) قال قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «اجلسوا في الركعتين حتّى تسكن جوارحكم ثمّ قوموا فانّ ذلك من فعلنا» «1» فانّ الركعتين إشارة إلى الأُولى و الثالثة ممّا لا تشهد فيه. و ظاهر الأمر الوجوب.

هذا، و سند الرواية التي هي من حديث الأربعمائة معتبر و إن وقع في الطريق القاسم بن يحيى عن جدّه الحسن بن راشد، فانّ الرجلين و إن لم يوثقا صريحاً في كتب الرِّجال، أعني القاسم و جدّه الحسن دون غيرهما ممّن يسمّى بذلك لكن يكفي وقوعهما بعين هذا السند أي القاسم بن يحيى عن جدّه الحسن بن راشد في أسانيد كامل الزيارات، و يؤكِّده أنّ الصدوق اختار في باب الزيارات رواية قال إنّها أصح الروايات التي وصلت إليّ «2»، مع أنّ في طريقها أيضاً القاسم بن يحيى عن جدّه الحسن بن راشد، فهذا توثيق منه (قدس سره) لهما. و لعلّه من أجل هذا وصف صاحب الحدائق هذه الرواية في المقام بالاعتبار فقال: بسند معتبر «3» و إلّا فقد عرفت أنّ الرجلين غير موثقين في كتب الرِّجال و من المعلوم عدم استناده إلى كتاب كامل الزيارات.

و على الجملة: فالرواية صحيحة السند لكنّها قاصرة الدلالة على الوجوب لمكان الاشتمال على التعليل بقوله (عليه السلام) «فانّ ذلك من فعلنا» فانّ هذا اللِّسان أقرب إلى الاستحباب كما لا يخفى على من له أُنس بالأخبار، إذ مع‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 471/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 16، الخصال: 628.

(2) الفقيه 2: 360.

(3) الحدائق 8: 304.

180
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 4: الأحوط عدم ترك جلسة الاستراحة ؛ ج 15، ص : 179

..........

______________________________
الوجوب لا حاجة إلى هذا التعليل، لكونه من أجزاء الصلاة حينئذ لا من فعلهم (عليهم السلام).

الثانية: صحيحة أبي بصير: «و إذا سجدت فاقعد مثل ذلك، و إذا كنت في الركعة الأُولى و الثانية و لا يبعد أنّ النسخة مغلوطة و الصحيح الثالثة فرفعت رأسك من السجود فاستتمّ جالساً حتّى ترجع مفاصلك فاذا نهضت فقل: بحول اللّٰه و قوّته أقوم و أقعد، فانّ عليّاً (عليه السلام) هكذا كان يفعل» «1». و هذه كالسابقة في عدم الدلالة على الوجوب، فانّ ظاهر الأمر و إن كان هو الوجوب لكن يصرفه عنه التعليل المذكور في الذيل، فانّ الوجوب لا يناسب التعليل بالتأسِّي بفعل علي (عليه السلام). فالدلالة قاصرة و إن صحّ السند كالسابقة، فإنّ داود الخندقي الواقع في السند هو داود بن زربي الخندقي الموثق.

الثالثة: إطلاق صحيحة الأزدي قال (عليه السلام) فيها: «و إذا سجد فلينفرج و ليتمكّن، و إذا رفع رأسه فيلبث حتّى يسكن» «2» حيث أمر (عليه السلام) باللبث و السكون المساوق للجلوس مطمئناً. و ظاهر الأمر الوجوب، و مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين الرفع عن السجدة الأُولى أو الثانية. هذا و نسخة الوسائل طبع عين الدولة مشتملة على الغلط، و الصحيح ما هو الموجود في الطبعة الجديدة فلتلاحظ.

و كيف كان، فهذه الرواية صحيحة السند ظاهرة الدلالة، فلا بأس بالاعتماد عليها.

الرابعة: ما رواه زيد النرسي في كتابه قال: «سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: إذا رفعت رأسك من آخر سجدتك في الصلاة قبل أن تقوم فاجلس جلسة‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 465/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 9.

(2) الوسائل 4: 35/ أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 8 ح 14.

181
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 4: الأحوط عدم ترك جلسة الاستراحة ؛ ج 15، ص : 179

..........

______________________________
ثمّ بادر بركبتيك إلى الأرض قبل يديك و ابسط يديك بسطاً و اتك عليهما ثمّ قم فانّ ذلك وقار المؤمن الخاشع لربّه و لا تطيش من سجودك مبادراً إلى القيام كما يطيش هؤلاء الأقشاب في صلاتهم»
«1».

و الظاهر أنّ الرواية صحيحة السند، فان زيداً موجود في أسانيد كامل الزيارات و إن لم يوثق صريحاً في كتب الرِّجال، و أمّا كتابه فلم يرو عنه محمّد ابن علي بن بابويه، و قال لم يروه محمّد بن الحسن بن الوليد، و كان يقول وضعه محمّد بن موسى السمان الهمداني «2»، و لكن ابن الغضائري و كذا من تأخّر عنه خطأ ابن الوليد في نسبة الوضع و قال هذا غلط فإنِّي رأيت كتابه مسموعاً من محمّد بن أبي عمير «3»، و قال الشيخ أيضاً إنّ كتابه رواه عنه ابن أبي عمير «4» و كذا النجاشي اعتمد على كتابه و قال: رواه جماعة منهم ابن أبي عمير «5». فالظاهر أنّ نسبة الوضع في غير محلها، و لم يعلم أنّ ابن الوليد بأيّ استناد حكم بالوضع، و لو سلّم فمن أين علم أنّ الواضع هو محمّد بن موسى مع أنّ الكتاب مروي عنه بطريق ابن أبي عمير كما سمعت و لم يكن في الطريق هذا الرجل، فلعل الواضع شخص آخر.

و كيف ما كان، فلا ينبغي التشكيك في صحّة السند، لكن الدلالة قاصرة لمكان التعليل المذكور في الذيل من كونه من وقار الصلاة الكاشف عن الاستحباب.

______________________________
(1) المستدرك 4: 456/ أبواب السجود ب 5 ح 2.

(2) الفهرست: 71/ 290، الخلاصة: 347/ 1377.

(3) الخلاصة: 347/ 1377.

(4) الفهرست: 71/ 290.

(5) رجال النجاشي: 174/ 460.

182
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 4: الأحوط عدم ترك جلسة الاستراحة ؛ ج 15، ص : 179

..........

______________________________
الخامسة: رواية الأصبغ بن نباتة «1».

و فيه: مضافاً إلى ضعف السند بعلي بن الحزور فإنّه لم يوثق، أنّ الدلالة لمكان التعليل بالتوقير قاصرة لمناسبته الاستحباب كما مرّ.

السادسة: ما رواه الشيخ بإسناده عن سماعة عن أبي بصير قال «قال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام): إذا رفعت رأسك في (من) السجدة الثانية من الركعة الأُولى حين تريد أن تقوم فاستو جالساً ثمّ قم» «2» و هذه كما ترى ظاهرة الدلالة إنّما الكلام في السند و قد عبّر عنها في الجواهر بالموثقة «3»، و تبعه غير واحد و لكن صاحب الحدائق عبّر عنها بما رواه الشيخ عن أبي بصير «4» المشعر بالضعف و هو كذلك، فإنّ سماعة و إن كان ثقة كأبي بصير لكن طريق الشيخ إليه غير معلوم مع الفصل الطويل بينهما، فلم يعلم الواسطة، لعدم ذكر الاسناد هنا و إن كان قد يذكره في الروايات الأُخرى عنه، و لم يتعرّض لسماعة في الفهرست كي يذكر طريقه إليه فتصبح الرواية مرسلة لا محالة «5».

السابعة: صحيحة عبد الحميد بن عواض عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «رأيته إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأُولى جلس حتّى يطمئن ثمّ يقوم» «6».

______________________________
(1) الوسائل 6: 347/ أبواب السجود ب 5 ح 5.

(2) الوسائل 6: 346/ أبواب السجود ب 5 ح 3، التهذيب 2: 82/ 303.

(3) الجواهر 10: 184.

(4) الحدائق 8: 303.

(5) لكن يمكن التصحيح بوجه آخر، و هو أنّ طريق الصدوق إليه صحيح، و قد صحّ طريق الشيخ أيضاً إلى جميع كتب الصدوق و رواياته كما أشار إليه الأُستاذ في المعجم [17: 350/ 11319].

(6) الوسائل 6: 346/ أبواب السجود ب 5 ح 1.

183
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 4: الأحوط عدم ترك جلسة الاستراحة ؛ ج 15، ص : 179

..........

______________________________
و فيه: أنّه حكاية فعل صادر عنه (عليه السلام) و هو أعم من الوجوب فلا يدل عليه.

فتحصّل: أنّ شيئاً من الروايات المتقدِّمة لا يمكن الاستدلال بها على الوجوب لضعفها سنداً أو دلالة على سبيل منع الخلو عدا صحيحة الأزدي بإطلاقها.

و بإزاء هذه الأخبار موثقة زرارة قال: «رأيت أبا جعفر و أبا عبد اللّٰه (عليهما السلام) إذا رفعا رؤوسهما من السجدة الثانية نهضا و لم يجلسا» «1» فإنّها كما ترى صريحة في عدم الوجوب، و بها يرفع اليد عن إطلاق صحيح الأزدي و يقيّد برفع الرأس عن السجدة الأُولى، أو يحمل على الاستحباب كما يحمل عليه بقية الأخبار المتقدِّمة لو سلّم دلالتها على الوجوب.

و المناقشة في الموثقة بدلالتها على مواظبتهما (عليهما السلام) على الترك مع وضوح رجحان الجلوس على الأقل فيكشف عن أنّه كان لعذر وراء الواقع و هو التقيّة، و إلّا فلا معنى للالتزام بترك المستحب سيّما و هو من توقير الصلاة كما مرّ، فلا تدل على عدم الوجوب، ساقطة، إذ لم يظهر وجه الدلالة على المواظبة و ليست فيها كلمة «كان» المشعرة بالدوام و الاستمرار، و لفظة «إذا» وقتية محضة لا دلالة فيها على الدوام بوجه، سواء أ كانت متعلِّقة ب‍ «رأيت» أم ب‍ «نهضا» فالرواية صادقة مع الرؤية مرّة واحدة، و لا قرينة في البين على حمل الفعل على التقيّة بعد أن كان الطبع الأوّلي مقتضياً للجري على الحكم الواقعي كما لا يخفى.

و منه تعرف أنّ دعوى معارضتها بصحيحة عبد الحميد السابقة أيضاً ساقطة إذ بعد عدم دلالتهما على المواظبة فلا تنافي بين صدور الفعل منه مرّة و قد رآه عبد الحميد، و صدور الترك اخرى و قد رآه زرارة.

______________________________
(1) الوسائل 6: 346/ أبواب السجود ب 5 ح 2.

184
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 4: الأحوط عدم ترك جلسة الاستراحة ؛ ج 15، ص : 179

..........

______________________________
هذا، و قد يستدل على الاستحباب بخبر رحيم قال: «قلت لأبي الحسن الرِّضا (عليه السلام) جعلت فداك أراك إذا صلّيت فرفعت رأسك من السجود في الركعة الأُولى و الثالثة فتستوي جالساً ثمّ تقوم، فنصنع كما تصنع؟ فقال: لا تنظروا إلى ما أصنع أنا اصنعوا ما تؤمرون»
«1» قال في الوسائل: أوّل الحديث يدل على الاستحباب، و آخره على نفي الوجوب.

و فيه: أنّ الرواية و إن كانت معتبرة سنداً، فانّ رحيم الّذي هو من أصحاب الرِّضا (عليه السلام) هو الملقب بعبدوس الخلنجي أبو أحمد و هو موجود في أسانيد كامل الزيارات، و هو كاف في توثيقه و إن لم يوثق في كتب الرِّجال لكن الدلالة قاصرة، فإنّها محمولة على التقيّة، و إلّا فلما ذا منعه (عليه السلام) عن أن يصنع كما صنع، مع أنّ جلسة الاستراحة لا إشكال في رجحانها و استحبابها لكونها من توقير الصلاة كما مرّ. فيعلم من ذلك أنّ سند المنع هو التقيّة إمّا من نفس الراوي كما احتمله في الحدائق «2»، أو من أجل الابتلاء بالعامّة و الوقوع في خلاف التقيّة، فلم تكن الرواية واردة في مقام بيان الحكم الواقعي قطعا.

و قد ظهر من جميع ما سردناه أنّ الأقوى عدم وجوب جلسة الاستراحة و إن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه.

بقي هنا شي‌ء: و هو أنّ صاحب المدارك (قدس سره) بعد أن استدلّ للوجوب برواية أبي بصير المتقدِّمة التي في سندها سماعة و هي الرواية السادسة من الروايات المتقدِّمة و عارضها بموثقة زرارة المتقدِّمة بقوله: و السندان متقاربان قال (قدس سره) بعد ذلك: و يدلُّ على الاستحباب صحيحة عبد الحميد بن عواض «3»

______________________________
(1) الوسائل 6: 347/ أبواب السجود ب 5 ح 6.

(2) الحدائق 8: 304.

(3) المدارك 3: 413.

185
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 4: الأحوط عدم ترك جلسة الاستراحة ؛ ج 15، ص : 179

..........

______________________________
و هي الرواية السابعة و اعترض عليه في الحدائق
«1» متعجِّباً بأن الصحيحة حكاية فعل و هو أعم من الوجوب و الاستحباب فأين الدلالة عليه.

و أجاب عنه المحقِّق الهمداني (قدس سره) «2» بكلام متين و حاصله: أنّ الاعتراض ناش عن الغفلة و عدم التفطن إلى مراد صاحب المدارك، فإنّه بعد أن نفى في المدارك احتمال الوجوب بمقتضى موثقة زرارة احتاج في إثبات الاستحباب إلى دليل فاستدلّ له بالصحيحة. فالاستدلال بها إنّما هو بعد القطع بعدم احتمال الوجوب بمقتضى الموثقة المؤيّدة بالأصل، فتعجبه في غير محله و هذا الاشكال غير وارد على صاحب المدارك.

نعم، يرد عليه الاشكال من وجهين: أحدهما: أنّ ما ذكره من أنّ سند الروايتين متقاربان في غير محله، بل هما متباعدان، فإن رواية أبي بصير ضعيفة من جهة الإرسال كما عرفت «3»، و رواية زرارة موثقة، فلا تعارض لعدم التكافؤ في السند.

الثاني: أنّه لا حاجة في إثبات الاستحباب إلى دليل آخر لا صحيحة عواض و لا غيرها، بل يكفي فيه نفس الدليلين من غير حاجة إلى ثالث، فإن أحدهما تضمن الأمر و هي رواية أبي بصير مع قطع النظر عمّا ذكرناه من الضعف و الآخر و هي الموثقة تضمنت تركه (عليه السلام)، و بضم إحداهما إلى الأُخرى يثبت الاستحباب لا محالة.

______________________________
(1) الحدائق 8: 305.

(2) مصباح الفقيه (الصلاة): 352 السطر 5.

(3) و قد عرفت إمكان التصحيح من وجه آخر.

186
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 5: لو نسيها رجع إليها ما لم يدخل في الركوع ؛ ج 15، ص : 187

[مسألة 5: لو نسيها رجع إليها ما لم يدخل في الركوع]

[1631] مسألة 5: لو نسيها رجع إليها ما لم يدخل في الركوع (1).

______________________________
(1) لبقاء المحل ما لم يدخل في الركن كما هو الحال في سائر الأجزاء المنسيّة لكن الظاهر عدم إمكان التدارك فليس له الرجوع، إذ الواجب ليس مطلق الجلوس بعد السجود، بل حصّة خاصّة و هي الجلوس عن السجود، و إن شئت قل: رفع الرأس عن السجود و الاستواء جالساً كما تضمنته النصوص، و من الواضح أنّ هذا غير قابل للتدارك إلّا بإعادة السجود، فيلزم منها الزيادة العمدية في السجدة الواحدة غير الجائزة بلا إشكال.

و قد تقدّم «1» نظير ذلك في بحث الركوع و قلنا إنّه لو نسي القيام بعد الركوع فأهوى إلى السجود و تذكر قبل وضع الجبهة على الأرض مضى في صلاته لحديث لا تعاد، و ليس له التدارك لعدم إمكانه، إذ الواجب إنّما هو القيام عن الركوع لا القيام بعد الركوع، فتداركه يتوقف على إعادة الركوع المستلزمة لزيادة الركن، فكذا الحال في المقام.

______________________________
(1) في ص 26، 53.

187
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في سائر أقسام السجود ؛ ج 15، ص : 188

[فصل في سائر أقسام السجود]

فصل في سائر أقسام السجود

[مسألة 1: يجب السجود للسهو كما سيأتي مفصلًا في أحكام الخلل]

[1632] مسألة 1: يجب السجود للسهو كما سيأتي مفصلًا في أحكام الخلل.

[مسألة 2: يجب السجود على من قرأ إحدى آياته الأربع في السور الأربع]

[1633] مسألة 2: يجب السجود على من قرأ إحدى آياته الأربع في السور الأربع و هي: الم تنزيل عند قوله وَ هُمْ لٰا يَسْتَكْبِرُونَ و حم فصّلت عند قوله تَعْبُدُونَ و النجم، و العلق و هي سورة اقرأ باسم عند ختمهما. و كذا يجب على المستمع لها بل السامع على الأظهر (1) [1].

______________________________
(1) لا بدّ من التكلّم في جهات:

الاولى: في وجوب سجدة التلاوة و موردها.

الظاهر عدم الخلاف بين الإمامية في الوجوب، بل ادّعى عليه الإجماع غير واحد، كما أنّ موردها العزائم الأربع على ما ذكره في المتن، و تشهد له جملة وافرة من النصوص.

منها: الروايات الواردة في الحائض الآمرة بالسجود إذا سمعت السجدة التي منها صحيحة الحذاء قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الطامث تسمع السجدة، فقال: إن كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها» «1» و غيرها.

______________________________
[1] بل على الأحوط، و الظاهر عدم الوجوب بالسماع.

______________________________
(1) الوسائل 2: 340/ أبواب الحيض ب 36 ح 1.

188
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: يجب السجود على من قرأ إحدى آياته الأربع في السور الأربع ؛ ج 15، ص : 188

..........

______________________________
و منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «إذا قرأت شيئاً من العزائم التي يسجد فيها فلا تكبِّر قبل سجودك، و لكن تكبِّر حين ترفع رأسك، و العزائم أربعة: حم السجدة، و تنزيل، و النجم، و اقرأ باسم ربّك» «1».

و منها: صحيحة داود بن سرحان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إنّ العزائم أربع: اقرأ باسم ربّك الّذي خلق، و النجم، و تنزيل السجدة، و حم السجدة» «2».

و منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان «عن رجل سمع السجدة تقرأ، قال: لا يسجد إلّا أن يكون منصتاً لقراءته مستمعاً لها ...» إلخ «3».

و منها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: «سألته عن الرجل يقرأ بالسورة فيها السجدة فينسى فيركع و يسجد سجدتين ثمّ يذكر بعد، قال: يسجد إذا كانت من العزائم، و العزائم أربع: الم تنزيل، و حم السجدة و النجم و اقرأ باسم ربّك ...» إلخ «4».

و منها: غيرها كما لا يخفى على المراجع. فالحكم مسلّم لا غبار عليه.

الجهة الثانية: هل الموجب للسجود و الموضوع لهذا الحكم تلاوة الآية بتمامها فلا وجوب ما لم يفرغ عنها، أو أنّ الموجب تلاوة نفس الكلمة المتضمِّنة للسجدة فلا عبرة بما قبلها و لا ما بعدها؟

المشهور هو الأوّل، بل حكي عليه الإجماع و الاتفاق. و يظهر من المحقِّق في‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 239/ أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 1.

(2) الوسائل 6: 241/ أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 7.

(3) الوسائل 6: 242/ أبواب قراءة القرآن ب 43 ح 1.

(4) الوسائل 6: 244/ أبواب قراءة القرآن ب 44 ح 2.

189
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: يجب السجود على من قرأ إحدى آياته الأربع في السور الأربع ؛ ج 15، ص : 188

..........

______________________________
المعتبر
«1» الثاني ناسباً له إلى الشيخ، و مال إليه في الحدائق «2».

و يستدل لهذا القول بوجهين: الأوّل: أنّ سبب السجدة هو الأمر المتعلِّق بها في الآية، فعند الانتهاء إلى هذه اللفظة يتحقّق الموجب فلا اعتداد بغيرها.

و هذا كما ترى ساقط جدّاً، ضرورة أنّ الموجب إنّما هو التلاوة الخارجية أو السماع على ما نطقت به النصوص لا نفس الأمر و إلّا وجب السجود دائماً سواء قرأ أم لا، كما هو الحال في سائر الأحكام التي تضمّنها القرآن من الصلاة و الزكاة و نحوهما غير المنوط وجوبهما بالقراءة و هو واضح الفساد.

الثاني: ما ذكره في الحدائق من أنّ ذلك مقتضى ظواهر الأخبار لتعليق السجود في جملة منها على سماع السجدة أو قراءتها أو استماعها، و المتبادر من السجدة إنّما هو لفظ السجدة، إذ الحمل على تمام الآية يحتاج إلى التقدير الّذي هو خلاف الأصل، غير أنّ اتفاق الأصحاب على خلافه يمنعنا من الالتزام به و إلّا فهو مقتضى الجمود على ظواهر النصوص.

و فيه: ما لا يخفى، ضرورة أنّ حمل السجدة الواردة في النصوص على لفظ السجدة كي يكون من باب استعمال اللفظ في اللفظ ممّا لا يمكن المصير إليه، لعدم ورود هذه اللفظة بمادتها و هيئتها في شي‌ء من آيات العزائم و إنّما الموجود فيها سائر المشتقات. و عليه فارتكاب التقدير ممّا لا محيص عنه، فيدور الأمر بين أن يكون المراد آية السجدة أو سورتها لصحّة كلا الإطلاقين، لكن الثاني مقطوع العدم، لقيام الإجماع بل الضرورة على عدم مدخلية السورة في الوجوب و عدم الاعتداد بسائر الآيات. مضافاً إلى دلالة النصوص عليه التي منها موثقة‌

______________________________
(1) المعتبر 2: 273.

(2) الحدائق 8: 334.

190
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: يجب السجود على من قرأ إحدى آياته الأربع في السور الأربع ؛ ج 15، ص : 188

..........

______________________________
عمار قال (عليه السلام) فيها: «إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها»
«1».

فيتعيّن الأوّل، فيظهر أنّ الموجب للسجود إنّما هو نفس الآية، فلا عبرة بأبعاضها حتّى اللفظة المتضمِّنة للسجدة. و على تقدير التنزل و الشك في إيجاب هذه اللّفظة لها فتكفينا أصالة البراءة التي هي المرجع في الشبهة الحكمية الوجوبية باتِّفاق الأُصوليين و الأخباريين.

الجهة الثالثة: إذا بنينا على أنّ سبب الوجوب هو تمام الآية كما عرفت، فلا إشكال في أنّ موضع السجدة و محلها هو ما بعد الفراغ عن الآية، لعدم تحقّق الموجب قبلئذ. و أمّا على المبنى الآخر و أنّ السبب نفس الكلمة، فهل يتعيّن السجود بمجرّد الانتهاء عنها أو يؤخِّر إلى ما بعد الفراغ عن الآية كما في الأوّل و لا تنافي بين الأمرين بأن يكون الموجب نفس الكلمة و موضع السجدة بعد الآية كما لا يخفى.

و قد اضطربت كلماتهم و اختلفت في المقام فوقع الخلط بين هذه الجهة و بين الجهة السابقة، و الأولى هو التفكيك و تحرير البحث بما سمعت. المعروف هو التأخير حتّى على هذا المبنى، لكن المحقِّق في المعتبر «2» ذكر أنّ موضعه في خصوص حم السجدة عند قوله تعالى وَ اسْجُدُوا لِلّٰهِ و نسبه إلى الشيخ في الخلاف. و عن الشهيد في الذكرى «3» أنّ النسبة غير تامّة و أنّ كلام الشيخ ليس صريحاً فيه و لا ظاهراً.

و الّذي يمكن أن يستدل له هو الفورية المعتبرة في سجدة التلاوة، لكنّه لو تمّ لعم و لم يختص بهذه السجدة، على أنّه لا يتم لعدم اقتضاء الأمر للفور و لا دليل‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 105/ أبواب القراءة في الصلاة ب 40 ح 3.

(2) المعتبر 2: 273.

(3) الذكرى 3: 468.

191
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: يجب السجود على من قرأ إحدى آياته الأربع في السور الأربع ؛ ج 15، ص : 188

..........

______________________________
عليه في المقام. نعم، يستفاد ذلك ممّا دلّ على المنع عن تلاوة آية العزيمة في الصلاة معلّلًا بأنّه زيادة في المكتوبة
«1»، إذ لو جاز التأخير إلى ما بعد الصلاة لم تتحقّق الزيادة فتدل لا محالة على اعتبار الفور في هذه السجدة، لكن المراد هي الفورية العرفية دون الحقيقية فلا يقدح فيها التأخير اليسير بمقدار الفراغ من الآية سيّما لو كان الباقي منها كلمة واحدة كما في سورة العلق، أو أتمها حال الهوي إلى السجود. و قد دلّت موثقة سماعة صريحاً على ذلك قال (عليه السلام) فيها: «من قرأ اقرأ باسم ربّك فاذا ختمها فليسجد» «2» فالأقوى أنّ موضع السجدة هو الفراغ عن الآية من غير فرق بين المبنيين.

الجهة الرابعة: لا إشكال كما لا خلاف نصّاً و فتوى في شمول الحكم للقارئ و المستمع، و تقتضيه جملة وافرة من النصوص التي تقدّمت الإشارة إليها.

و هل يعم السامع أيضاً من غير اختيار و إنصات أم أنّها مستحبّة بالإضافة إليه؟ حكي عن غير واحد من القدماء و جملة من المتأخِّرين الأوّل بل عن الحلِّي دعوى الإجماع عليه «3»، و اختاره في المتن، لكن المحكي عن جماعة آخرين الثاني، بل قيل إنّه مذهب الأكثر، أو أنّه المشهور، بل عن الخلاف «4» و التذكرة «5» الإجماع عليه، و هذا هو الأقوى، فإنّ مقتضى غير واحد من الأخبار و إن كان هو الإطلاق الشامل لصورتي السماع و الاستماع، لكن يجب تقييدها بالثاني بمقتضى صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المصرِّحة بالتفصيل و تخصيص الحكم بالمستمع، قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن رجل سمع السجدة تقرأ‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 105/ أبواب القراءة في الصلاة ب 40 ح 1.

(2) الوسائل 6: 102/ أبواب القراءة في الصلاة ب 37 ح 2.

(3) السرائر 1: 226.

(4) الخلاف 1: 431 المسألة 179.

(5) التذكرة 3: 213.

192
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: يجب السجود على من قرأ إحدى آياته الأربع في السور الأربع ؛ ج 15، ص : 188

..........

______________________________
قال: لا يسجد إلّا أن يكون منصتاً لقراءته مستمعاً لها أو يصلِّي بصلاته فأمّا أن يكون يصلِّي في ناحية، و أنت تصلِّي في ناحية أُخرى فلا تسجد لما سمعت»
«1» هذا.

و قد نوقش في الصحيحة من وجوه:

أحدها: من حيث السند، فانّ في الطريق محمّد بن عيسى بن عبيد عن يونس بن عبد الرّحمن، و قد استثناه الصدوق تبعاً لشيخه محمّد بن الحسن بن الوليد عن رجال نوادر الحكمة لمحمّد بن أحمد بن يحيى حيث قال: ما تفرد به محمّد بن عيسى من كتب يونس و حديثه لا أعتمد عليه «2»، و ضعّفه الشيخ أيضاً صريحاً «3».

أقول: الظاهر صحّة الرواية فإنّ الاستثناء لم يصدر إلّا من الصدوق و شيخه ابن الوليد، فما في بعض الكلمات من إسناده إلى القميين في غير محله، و حيث إنّ الصدوق تابع في ذلك لشيخه كما صرّح (قدس سره) بالتبعية «4» و أنّه لا رأي له في ذلك مستقلا، فليس المستثني في الحقيقة إلّا ابن الوليد فحسب، لكنّ المتأخِّرين عنه أنكروا عليه هذا الاستثناء و خطؤه في ذلك، قال النجاشي بعد توصيف العبيدي بجلالة القدر و أنّه ثقة عين، و بعد حكاية الاستثناء المزبور ما لفظه: «و رأيت أصحابنا ينكرون هذا القول و يقولون من مثل أبي جعفر محمّد بن عيسى»، انتهى «5».

______________________________
(1) الوسائل 6: 242/ أبواب قراءة القرآن ب 43 ح 1.

(2) الفهرست: 140/ 601، رجال النجاشي: 333/ 896.

(3) الفهرست: 140/ 601، رجال الطوسي: 391/ 5758.

(4) الفقيه 2: 55/ 241.

(5) رجال النجاشي: 333/ 896.

193
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: يجب السجود على من قرأ إحدى آياته الأربع في السور الأربع ؛ ج 15، ص : 188

..........

______________________________
و حكى الكشي
«1» عن القتيبي أنّه قال: كان الفضل بن شاذان (رحمه اللّٰه) يحب العبيدي و يثني عليه، و يمدحه و يميل إليه، و يقول: ليس في أقرانه مثله و قد اعتمد عليه النجاشي كثيراً و وثّقه صريحاً كما سمعت، و حكى عن شيخه أبي العباس بن نوح إنكاره على ابن الوليد في الاستثناء قائلًا: فلا أدري ما رابه فيه أي ما الّذي أوقعه في الريب، لا ما رأيه كما في نسخة جامع الرواة ج 2 ص 64 فإنّه غلط كما لا يخفى لأنّه كان على ظاهر العدالة و الثقة «2».

و على الجملة: فلا يمكن التعويل على استثناء ابن الوليد المشعر بضعف الرجل في قبال توثيق النجاشي و غيره و الثناء عليه بتلك المقالة الكاشفة عن كونه بمكانة من الوثاقة و الجلالة حتّى كأنه من المتسالم عليه عند الأصحاب و لذا أنكروا عليه استثناءه متعجبين ناقمين كما مرّ. فلا يصلح ذاك الجرح لمعارضة مثل هذا التوثيق.

بل التحقيق: أنّ استثناء ابن الوليد لا يكشف عن جرح و قدح في نفس الرجل، فإنّ النجاشي قد تعرّض لنقل هذا الاستثناء في موضعين من كتابه.

أحدهما: في ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى، فعدّ من جملة ما استثناه ابن الوليد من رواياته ما يرويه محمّد بن عيسى بن عبيد بإسناد منقطع. و هذا كما ترى كالصريح في أنّ منشأ الاستثناء كون الرواية مقطوعة و ليست هي بحجّة حينئذ بلا خلاف و لا إشكال و إن كان الراوي في أعلى درجات الوثاقة، فلا إشعار في هذه العبارة فضلًا عن الدلالة على قدح في العبيدي نفسه.

الثاني: في ترجمة محمّد بن عيسى بن عبيد نفسه، فحكى عن ابن الوليد أنّه قال: ما تفرّد به محمّد بن عيسى من كتب يونس و حديثه لا أعتمد عليه‌

______________________________
(1) رجال الكشي: 537/ 1021.

(2) رجال النجاشي: 348/ 939.

194
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: يجب السجود على من قرأ إحدى آياته الأربع في السور الأربع ؛ ج 15، ص : 188

..........

______________________________
و الظاهر من هذه العبارة أنّ سبب الاستثناء في نظر ابن الوليد وجود خلل في طريق العبيدي إلى كتب يونس لعلّة مجهولة لدينا، لا وجود الخلل و الضعف في نفس العبيدي و إلّا لم يكن وجه لتخصيص الاستثناء بما يرويه عن يونس، بل كان اللّازم الاستثناء على سبيل الإطلاق للغوية التقييد حينئذ، فالتقييد المزبور أقوى شاهد على أنّ الرجل لم يكن بنفسه ممقوتاً عند ابن الوليد. فلا مجال للإنكار عليه بالعبائر المتقدِّمة من أنّه مَن مثل العبيدي، أو ليس في أقرانه مثله، و كأنهم استفادوا من كلامه قدحاً في الرجل فأنكروا عليه.

و كيف ما كان، فالإنصاف أنّ استثناء ابن الوليد لا يدل على قدح في الرجل حتّى يعارض به توثيق النجاشي، و العلّة التي كانت في نظره في وجه الخلل في طريقه إلى كتب يونس مجهولة لدينا كما عرفت فلا يمكن التعويل عليها، و قد عرفت أنّ الصدوق تابع له و أنّه لم يتبعه غيره من القميين.

و الّذي يكشف عمّا ذكرناه كشفاً قطعياً: أنّ الصدوق الّذي هو تابع لشيخه في الاستثناء المزبور كما صرّح به لم يذكر في كتاب الفقيه رواية عن محمّد بن عيسى عن يونس مع روايته عن محمّد بن عيسى بنفسه غير ما يرويه عن يونس كثيراً، فلو كان الاستثناء كاشفاً عن قدح في الرجل لما نقل رواية عنه أصلًا، فالتفكيك أقوى شاهد على أنّ الخلل في طريقه إلى يونس لا فيه نفسه و حيث إنّ ادّعاء الخلل اجتهاد من شيخه من غير أن يكون عليه دليل ظاهر فهو أعرف بما قال، و لا يلزمنا اتباعه.

و أمّا تضعيف الشيخ فهو أيضاً متّخذ من عبارة ابن الوليد و مستند إليه، لقوله في ترجمته: يونسي، أي من تلاميذ يونس، فكأنّ الخلل إنّما هو في طريقه إليه كما عرفت من ابن الوليد، و كذا تضعيف العلّامة في بعض كتبه و غيره مستند إليه، و بعد وضوح المستند و عدم صلاحيته للاستناد لخطئهم فيه كما ذكرنا فهو غير قابل للاعتماد، فالأقوى وثاقة الرجل لتوثيق النجاشي السليم عمّا يصلح‌

195
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: يجب السجود على من قرأ إحدى آياته الأربع في السور الأربع ؛ ج 15، ص : 188

..........

______________________________
للمعارضة، فمن أجل ذلك يحكم بصحّة الرواية، فالمناقشة السندية ساقطة.

الوجه الثاني من وجوه المناقشة: أنّها قد تضمّنت جواز قراءة الإمام للعزيمة الممنوع عنها بلا إشكال، فهي محمولة على التقيّة فتسقط عن الحجّية.

و الجواب عنه أوّلًا: أنّ الإمام المذكور لم يفرض كونه إمام الحق، فمن الجائز كونه من المخالفين و هم يجوّزون العزيمة في الصلاة، و لا يرون وجوب السجود فان سجد الإمام تبعه تقيّة، و إلّا يومئ برأسه كما ورد في بعض النصوص «1» من أنّ من سمع العزيمة و هو في الصلاة يومئ برأسه إيماءً، و لا محذور في حمل الصحيحة على ذلك، غايته ارتكاب التقييد بما إذا سجد الإمام، و إلّا فالوظيفة هي الإيماء كما عرفت، و لا ضير فيه.

و ثانياً: مع التسليم، فغايته سقوط هذه الفقرة عن الحجِّية غير القادحة في حجِّية الباقي الّذي هو مبنى الاستدلال فإنّها إلى قوله (عليه السلام) «مستمعاً لها» صريحة الدلالة و إن سلّم الإجمال فيما بعده.

الوجه الثالث: أنّها مطلقة بالإضافة إلى العزيمة و غيرها لعدم تقييدها بالأوّل و عليه فالنسبة بينها و بين النصوص المتقدِّمة الدالّة على الوجوب في العزيمة الشاملة بإطلاقها للسامع و المستمع عموم من وجه، لاختصاص الصحيحة بالسامع و عمومها للعزيمة و غيرها على عكس تلك النصوص، فيتعارضان في مادة الاجتماع و هي السامع للعزيمة، فلا يجب السجود بمقتضى هذه الصحيحة و يجب بمقتضى تلك المطلقات، و حيث إنّ الترجيح للثاني لمكان الشهرة المؤيّدة بإجماع السرائر تعيّن الوجوب.

و الجواب أوّلًا: أنّ الظاهر من الصحيحة و لو بمناسبة الحكم و الموضوع أنّ المراد بالسجدة فيها خصوص العزيمة لقوله (عليه السلام): «لا يسجد» متعقّباً‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 243/ أبواب قراءة القرآن ب 43 ح 4.

196
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: يجب السجود على من قرأ إحدى آياته الأربع في السور الأربع ؛ ج 15، ص : 188

..........

______________________________
بالاستثناء، إذ لا يحتمل أن يراد بالنهي المنع، لثبوت الاستحباب لدى سماع السجدة مطلقاً بلا ارتياب، بل المراد به نفي الوجوب لوروده في مقام توهّم الأمر كما يكشف عنه استثناء صورة الاستماع المحكومة بالوجوب، فيكون حاصل المعنى: أنّ من سمع السجدة لا يجب عليه السجود إلّا مع الإنصات و الاستماع. و هذا كما ترى لا ينطبق إلّا مع إرادة العزيمة خاصّة لعدم احتمال الوجوب في غيرها.

و عليه، فالنسبة بينها و بين المطلقات عموم و خصوص مطلق لا من وجه، فيلتزم بالتخصيص بحمل تلك المطلقات على صورة الاستماع خاصّة.

و ثانياً: على تقدير التسليم، فحيث إنّ التعارض في مادة الاجتماع بالإطلاق فيسقطان، و يرجع حينئذ إلى أصالة البراءة، و لا مجال للرجوع إلى المرجحات. مع أنّ إجماع السرائر مضافاً إلى وهنه معارض بمثله كما تقدّمت الإشارة إليه «1».

الوجه الرابع: أنّ أقصى ما يستفاد منها نفي الوجوب في السامع المصلِّي فيحتاج ثبوت الحكم في غير المصلِّي إلى إثبات عدم القول بالفصل كي يتعدّى من أحدهما إلى الآخر.

و الجواب: أنّ هذا إنّما يتّجه لو كان قوله (عليه السلام): «فامّا أن يكون يصلّي ...» إلخ راجعاً إلى صدر الكلام حتّى يقيّد به إطلاقه كي يكون المعنى حينئذ أنّه لا يسجد السامع إذا كان القارئ يصلِّي في ناحية و أنت تصلِّي في ناحية أُخرى، لكنّه ليس كذلك قطعاً، بل هذه الجملة بمقتضى الظهور العرفي من متمِّمات الجملة المتّصلة بها، أعني قوله (عليه السلام) «أو يصلِّي بصلاته» فأراد (عليه السلام) بيان أنّ المصلِّي يسجد إذا كان مأموماً يصلِّي بصلاة القارئ و أمّا إذا كان منفرداً فلا، بل يومئ، و قد أشرنا إلى وجه السجود إذا كان‌

______________________________
(1) في ص 192.

197
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: يجب السجود على من قرأ إحدى آياته الأربع في السور الأربع ؛ ج 15، ص : 188

و يستحب في أحد عشر موضعاً (1): في الأعراف عند قوله وَ لَهُ يَسْجُدُونَ

______________________________
مأموماً و أنّه من أجل التقيّة، لكون الإمام من المخالفين، و لا مقتضي له حال الانفراد.

و عليه فيبقى إطلاق الصدر على حاله، و أنّه لدى السماع لا يجب السجود مطلقاً إلّا في خصوص المأموم.

و على الجملة: فهذه الإشكالات كلّها ساقطة، فإنّ الرواية صحيحة السند ظاهرة الدلالة من غير اشتمالها على ما يخالف القواعد، فلا مناص من الأخذ بها، و من أجلها تقيد تلك المطلقات و تحمل على صورة الاستماع جمعاً بينها و بين هذه الصحيحة فلا وجوب مع السماع.

و أمّا الاستحباب فممّا لا ينبغي الإشكال فيه من غير حاجة إلى ورود دليل عليه بالخصوص، إذ يقتضيه مضافاً إلى الاتفاق و التسالم نفس الأمر الوارد في تلك المطلقات بضميمة الترخيص في الترك الّذي تضمنته الصحيحة، بناءً على ما هو الصحيح من أنّ الوجوب و الاستحباب غير مستفادين من نفس اللّفظ و لم يكونا مدلولين للأمر، و إنّما هما بحكم العقل المنتزع من الأمر بشي‌ء مع الاقتران بالترخيص في الترك، أو عدم الاقتران، فالأمر بالسجدة في تلك المطلقات مستعمل في جامع الطلب، و حيث إنّه لم يقترن بالترخيص في الترك بالإضافة إلى المستمع كما هو ظاهر، و اقترن به بالإضافة إلى السامع بمقتضى هذه الصحيحة، لدلالتها على نفي الوجوب بالنسبة إليه كما سبق، فنتيجته الوجوب في الأوّل و الاستحباب في الثاني.

(1) كأن هذا من المتسالم عليه بينهم حكماً و مورداً مرسلين له إرسال المسلّمات، فلا يجب في الزائد على الأربع و يستحب في غيرها من المواضع الأحد عشر على التفصيل الّذي ذكره في المتن.

198
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: يجب السجود على من قرأ إحدى آياته الأربع في السور الأربع ؛ ج 15، ص : 188

و في الرعد عند قوله وَ ظِلٰالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصٰالِ، و في النحل عند قوله وَ يَفْعَلُونَ مٰا يُؤْمَرُونَ و في بني إسرائيل عند قوله وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً و في مريم عند قوله خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا و في سورة الحج في موضعين عند قوله يَفْعَلُ اللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ و عند قوله افْعَلُوا الْخَيْرَ و في الفرقان عند قوله وَ زٰادَهُمْ نُفُوراً و في النمل عند قوله رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ و في ص عند قوله وَ خَرَّ رٰاكِعاً وَ أَنٰابَ و في الانشقاق عند قوله وَ إِذٰا قُرِئَ بل الأولى السجود عند كل آية فيها أمر بالسجود.

______________________________
و يؤيِّده: النبوي الّذي رواه جماعة من الأصحاب عن عبد اللّٰه بن عمرو بن العاص
«1»، و رواية دعائم الإسلام «2»، و خبر عبد اللّٰه بن سنان «3» و غيرها من الروايات الضعيفة التي تؤيِّد المطلوب المصرّحة بالاستحباب فيما عدا الأربع، بل ذكر في المتن تبعاً لجماعة ثبوت الاستحباب عند كل آية فيها أمر بالسجود مثل قوله تعالى يٰا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَ اسْجُدِي «4» و غير ذلك.

و تؤيِّده: رواية جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: إنّ أبي علي بن الحسين (عليه السلام) ما ذكر للّٰه نعمة عليه إلّا سجد، و لا قرأ آية من كتاب اللّٰه فيها سجدة إلّا سجد إلى أن قال فسمي السجّاد بذلك» «5» و إن كانت ضعيفة السند.

______________________________
(1) سنن ابن ماجة 1: 355/ 1057، سنن أبي داود 2: 58/ 1401.

(2) الدعائم 1: 214، المستدرك 4: 320/ أبواب قراءة القرآن ب 37 ح 1.

(3) الوسائل 6: 241/ أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 9.

(4) آل عمران 3: 43.

(5) الوسائل 6: 244/ أبواب قراءة القرآن ب 44 ح 1.

199
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: يجب السجود على من قرأ إحدى آياته الأربع في السور الأربع ؛ ج 15، ص : 188

..........

______________________________
و عن صاحب المدارك
«1» المناقشة في استحباب ما عدا المواضع الأربعة لعدم وقوفه على نص يعتد به.

و اعترض عليه في الحدائق «2» بأنّ النص الصحيح موجود حتّى بناءً على اصطلاحه، و هو ما رواه محمّد بن إدريس في مستطرفات السرائر نقلًا من نوادر أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن العلاء عن محمّد بن مسلم «... و كان علي بن الحسين (عليه السلام) يعجبه أن يسجد في كل سورة فيها سجدة» «3»، لأنّ البزنطي صاحب الكتاب رواه عن العلاء عن محمّد بن مسلم، و الثلاثة ثقات بالاتِّفاق. على أنّه (قدس سره) في غير موضع من كتابه يعمل بالخبر الضعيف في باب السنن، فلا معنى لردّه هنا بضعف السند بعد وجود الخبر كرواية جابر المتقدِّمة. ثمّ اعتذر عنه بأنّ نظره في الفحص مقصور على الكتب الأربعة كما هي عادته و لم يراجع غيرها، و هذه الأخبار خارجة عنها.

أقول: الظاهر صحّة ما أفاده صاحب المدارك (قدس سره) في المقام، فإنّه لم ينكر وجود النص بقول مطلق كي يعتذر عنه بقصر النظر على الكتب الأربعة بل قيّده بنص يعتد به و هو مفقود كما أفاده (قدس سره)، و ما ذكره صاحب الحدائق من رواية محمّد بن مسلم فهي ليست من النص الصحيح، فانّ رجال السند و إن كان كلّهم ثقات كما ذكره إلّا أنّ طريق ابن إدريس إلى كتاب البزنطي مجهول لدينا مع الفصل الطويل بينهما، فإنّ البزنطي من أصحاب الجواد (عليه السلام) و الحلِّي من رجال القرن السادس فبينهما وسائط، و حيث أنّها مجهولة، فالرواية محكومة بالإرسال لا محالة فتسقط عن الاستدلال، فهي‌

______________________________
(1) المدارك 3: 419.

(2) الحدائق 8: 331.

(3) الوسائل 6: 244/ أبواب قراءة القرآن ب 44 ح 2، السرائر 3 (المستطرفات): 558.

200
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 3: يختص الوجوب و الاستحباب بالقارئ و المستمع و السامع للآيات ؛ ج 15، ص : 201

[مسألة 3: يختص الوجوب و الاستحباب بالقارئ و المستمع و السامع للآيات]

[1634] مسألة 3: يختص الوجوب و الاستحباب بالقارئ و المستمع و السامع للآيات فلا يجب على من كتبها أو تصوّرها، أو شاهدها مكتوبة أو أخطرها بالبال (1).

[مسألة 4: السبب مجموع الآية فلا يجب بقراءة بعضها و لو لفظ السجدة منها]

[1635] مسألة 4: السبب مجموع الآية فلا يجب بقراءة بعضها و لو لفظ السجدة منها (2).

______________________________
ضعيفة السند، لا أنّ صاحب المدارك لم يظفر بها لبعده جدّاً كما لا يخفى.

نعم، رواها الشيخ في التهذيب بسند صحيح لكنّها عارية عن الذيل الّذي هو موضع الاستدلال «1».

و أمّا حكمه (قدس سره) بالاستحباب في غير موضع من كتابه عند وجود الخبر الضعيف، فإنّما هو بالعنوان الثانوي من باب قاعدة مَن بلغ و التسامح في أدلّة السنن، و لم ينكر ذلك في المقام، بل أنكر النص الصحيح الدال على الاستحباب بالعنوان الأوّلي و هو صحيح كما أفاده، فالحكم في المقام مبني على قاعدة التسامح.

(1) موضوع الحكم وجوباً و استحباباً إنّما هو عنوان القارئ و المستمع و السامع، على كلام في الأخير بالنسبة إلى الوجوب كما مرّ فلا يعم غيرها كالكاتب و المتصور و الناظر إلى الكتابة و من يخطرها بالبال، لخروج كل ذلك عن موضوع الحكم في النصوص، بل لعلّه يلزم التكليف بما لا يطاق في الأخير إذ نفس الالتفات إلى هذا الأمر يقتضي الخطور فيلزمه السجود دائماً. هذا و لو شكّ في الشمول و لا نكاد نشك فالمرجع أصالة البراءة.

(2) كما تقدّم «2» البحث عنه مستقصًى فلا نعيد.

______________________________
(1) الوسائل 6: 104/ أبواب القراءة في الصلاة ب 39 ح 1، التهذيب 2: 292/ 1176.

(2) في ص 189.

201
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 5: وجوب السجدة فوري فلا يجوز التأخير ؛ ج 15، ص : 202

[مسألة 5: وجوب السجدة فوري فلا يجوز التأخير]

[1636] مسألة 5: وجوب السجدة فوري فلا يجوز التأخير (1)

______________________________
(1) إجماعاً كما ادّعاه غير واحد، و تشهد له جملة من النصوص.

منها: الأخبار المانعة عن قراءة العزيمة في الفريضة، معلّلًا بأنّ السجود زيادة في المكتوبة «1» فإنّها تكشف عن فورية السجدة لا محالة، إذ لو جاز التأخير إلى ما بعد الصلاة لم يكن أيّ وجه للمنع.

و منها: الروايات الآمرة بالإيماء لو سمعها و هو في الفريضة «2» التي منها و لعلّها أصرحها صحيحة عليّ بن جعفر قال: «سألته عن الرجل يكون في صلاته فيقرأ آخرُ السجدةَ، فقال: يسجد إذا سمع شيئاً من العزائم الأربع ثمّ يقوم فيتم صلاته إلّا أن يكون في فريضة فيومئ برأسه إيماءً» «3»، حيث تضمّنت التفصيل بين صلاة النافلة فيسجد عند سماع الآية ثمّ يتمّ الصلاة، لعدم قدح زيادة السجدة فيها، و بين الفريضة فيومئ، فلو جاز التأخير لم يكن وجه للانتقال إلى الإيماء الّذي هو بدل عن السجود لدى تعذّره.

فالأمر بالإيماء مقتصراً عليه من دون تعرّض لتدارك السجدة بعد الصلاة يكشف عن الفورية، و كأنّ صاحب الحدائق لم يظفر بهذه النصوص و إلّا لما اقتصر في الاستدلال على الإجماع الّذي بمجرّده لا قيمة له عنده، و لذا نراه كثيراً ما يحاول الاستدلال بالروايات و إن كانت ضعيفة بالمعنى المصطلح.

و كيف ما كان، فبمقتضى هذه النصوص تقيّد المطلقات و يحمل الأمر فيها على الفور، فالحكم مسلّم لا غبار عليه.

______________________________
(1) الوسائل 6: 105/ أبواب القراءة في الصلاة ب 40.

(2) الوسائل 6: 102، 103/ أبواب القراءة في الصلاة ب 37، 38.

(3) الوسائل 6: 243/ أبواب قراءة القرآن ب 43 ح 4.

202
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 5: وجوب السجدة فوري فلا يجوز التأخير ؛ ج 15، ص : 202

..........

______________________________
إنّما الكلام فيما إذا سمع السجدة في الأوقات التي تكره فيها الصلاة، و هي بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، و كذا قبل الغروب، فهل الفورية ثابتة هنا أيضاً أو أنّها تؤخّر إلى ما بعد خروج الوقت؟

مقتضى الإطلاقات هو الأوّل، لكن قد يتخيّل الثاني استناداً إلى موثقة عمار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: في الرجل يسمع السجدة في الساعة التي لا تستقيم الصلاة فيها قبل غروب الشمس و بعد صلاة الفجر، فقال: لا يسجد» «1».

و فيه أوّلًا: أنّ إمارة التقيّة عليها ظاهرة لقوله: «في الساعة التي لا تستقيم الصلاة ...» إلخ، فإن عدم الاستقامة المساوق لعدم الصحّة هو مذهب العامّة و قد تقدّم في بحث الأوقات «2» الأخبار الناهية عن الصلاة في هذا الوقت، معلّلة بأنّ الشمس تطلع بقرني الشيطان، فاذا صلّى الناس في هذا الوقت فرح إبليس و أخبر أتباعه أنّهم يسجدون لي، فلأجله منع عن السجود فيه في هذه الموثقة للاشتراك في علّة المنع. و بيّنا هناك أنّ هذه الروايات كلّها محمولة على التقيّة و أنّ التعليل جار على مذهبهم و مطابق لعقيدتهم، إذ هو مذكور في رواياتهم و إلّا فالشمس لا تزال في حالة الطلوع على صقع من الأصقاع من غير اختصاص بزمان أو مكان.

و ثانياً: أنّ النسبة بين الموثقة و بين الإطلاقات الآمرة بالسجود عموم من وجه، لإطلاق هذه من حيث العزيمة و غيرها و اختصاصها بالوقت الخاص على عكس المطلقات، فتتعارضان في مادّة الاجتماع و هي سماع العزيمة في الوقت المزبور فيجب السجود بمقتضاها، و لا يجب بمقتضى الموثقة، لكن الترجيح مع المطلقات، لكون الدلالة فيها بالعموم، و في الموثقة بالإطلاق و لا‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 105/ أبواب القراءة في الصلاة ب 40 ح 3.

(2) شرح العروة 11: 361.

203
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 5: وجوب السجدة فوري فلا يجوز التأخير ؛ ج 15، ص : 202

..........

______________________________
شك في تقدّم الأوّل، فإن من تلك المطلقات صحيحة محمّد بن مسلم المشتملة على صيغة العموم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يعلّم السورة من العزائم فتعاد عليه مراراً في المقعد الواحد، قال: عليه أن يسجد كلّما سمعها، و على الّذي يعلّمه أيضاً أن يسجد»
«1».

على أنّه يمكن أن يقال: إنّ الموثقة خاصّة بغير العزيمة، فهي أجنبية عمّا نحن فيه و النسبة هي التباين لا العموم من وجه و ذلك بقرينة قوله: «لا تستقيم الصلاة فيها ...» إلخ، فإنّ المراد بهذه الصلاة إنّما هي النافلة، إذ هي التي يتوهّم أنّها لا تستقيم و إلّا فلا شك في استقامة الفريضة، لامتداد وقتها من الفجر إلى طلوع الشمس، و لا يحتمل خفاء مثل هذا الحكم الواضح على مثل عمار فبمناسبة الحكم و الموضوع يكون المراد من السجدة هي المستحبّة. و قد أشرنا آنفاً إلى أنّ الأخبار الناهية كلّها محمولة على التقيّة، و عليه فهذه السجدة كالنافلة مستحبّة في هذا الوقت أيضا.

و يشهد لما ذكرناه من الاختصاص بغير العزيمة: ذيل الموثقة حيث ذكر فيها هكذا «و عن الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم ...» إلخ، فإنّ التقييد بالعزيمة في هذا السؤال يكشف عن أنّ المراد بالسجدة في السؤال الأوّل ما يقابلها، فسأل أوّلًا عن حكم غير العزيمة ثمّ عن حكمها.

فظهر من جميع ما ذكرناه: أنّ الأقوى جواز فعلها في جميع الأوقات كلّها و إن كانت ممّا يكره فيه النوافل.

و تؤيِّده: رواية دعائم الإسلام «2» المصرّحة بالتعميم.

______________________________
(1) الوسائل 6: 245/ أبواب قراءة القرآن ب 45 ح 1.

(2) الدعائم 1: 215، المستدرك 4: 318/ أبواب قراءة القرآن ب 35 ح 2.

204
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 5: وجوب السجدة فوري فلا يجوز التأخير ؛ ج 15، ص : 202

نعم، لو نسيها أتى بها إذا تذكّر (1)

______________________________
(1) هل الفورية المعتبرة في السجدة لدى السماع أو التلاوة تجعلها من قبيل الواجبات الموقّتة التي يسقط معها الوجوب عند خروج الوقت و يكون قضاءً بعدئذ لو ثبت كالظهرين و نحوهما، فكما أنّ الأمر فيهما محدود بما بين الزوال و الغروب و موقّت بذلك فيسقط لو تركهما حتّى خرج الوقت، فكذا الأمر في المقام موقّت بالفورية العرفية فيسقط لو لم يسجد في هذا الوقت، أو أنّه لا توقيت في المقام و إنّما الفورية واجب آخر من قبيل تعدّد المطلوب، فلو أخلّ بها نسياناً أو عصياناً كان التكليف الأوّل باقياً و يقع أداءً مهما امتثله، فهو نظير صلاة الزلزلة الحادث وجوبها بحدوث السبب و الباقي مدى العمر من غير توقيت؟

اختار في الحدائق «1» الثاني، و هذا إنّما يتّجه بناءً على مسلكه من الاستناد في الفورية إلى الإجماع، فإنّه دليل لبي يقتصر على المقدار المتيقن و هو حال التذكّر، فمع النسيان يبقى التكليف الأوّل على حاله من غير توقيت فيه، فيجب الإتيان مهما تذكّر.

و أمّا بناءً على المختار من الاستناد إلى الأدلّة اللفظية، و هي النصوص الدالّة على الفورية التي تقدّمت «2»، فحيث إنّها مطلقة تشمل حالتي التذكّر و عدمه فهي تقيِّد الأمر الوارد في المطلقات على الإطلاق و تجعله من قبيل الموقتات لكشفها عن أنّ الواجب حصّة معيّنة و هي المحدودة بالفورية العرفية، فمقتضى القاعدة حينئذ سقوط التكليف بعد انتهاء الحد و خروج الوقت و لو كان ذلك‌

______________________________
(1) الحدائق 8: 340.

(2) في ص 202.

205
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 5: وجوب السجدة فوري فلا يجوز التأخير ؛ ج 15، ص : 202

..........

______________________________
من أجل النسيان، إلّا أنّه مع ذلك نحكم بالوجوب لدى التذكّر لورود النص الخاص في المقام، و هي صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «سألته عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتّى يركع و يسجد، قال: يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم»
«1». و يؤيِّدها ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلًا عن نوادر البزنطي عن محمّد بن مسلم أيضاً «2» لكنّها ضعيفة السند، لجهالة طريق الحلِّي إلى كتاب البزنطي كما مرّت الإشارة إليه قريباً. فمن أجل تلك الصحيحة يحكم ببقاء الأمر الأوّل و وجوب السجود متى تذكر.

و ربّما يستدل للحكم بالاستصحاب.

و فيه أوّلًا: أنّه لا مجال للأصل بعد وجود الدليل كما عرفت.

و ثانياً: أنّ الشبهة حكمية و لا نقول بجريان الاستصحاب فيها.

و ثالثاً: أنّه لو تمّ فإنّما يسلّم في موارد العصيان دون النسيان، لانقطاع التكليف و سقوط الأمر الأوّل قطعاً حتّى واقعاً، فانّ التكاليف الواقعية مرفوعة عن الناسي، و من هنا ذكرنا في محلّه «3» أنّ إسناد الرفع في حديث الرفع واقعي بالإضافة إلى الناسي و المكره و المضطر و ظاهري بالنسبة إلى الجاهل. و معه لا مجال للاستصحاب، لعدم الشك في البقاء بعد القطع بالارتفاع، فلو ثبت فهو تكليف جديد لا أنّه بقاء للتكليف السابق.

______________________________
(1) الوسائل 6: 104/ أبواب القراءة في الصلاة ب 39 ح 1.

(2) الوسائل 6: 244/ أبواب قراءة القرآن ب 44 ح 2، السرائر 3 (المستطرفات): 558.

(3) مصباح الأُصول 2: 265.

206
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 6: لو قرأ بعض الآية و سمع بعضها الآخر فالأحوط الإتيان بالسجدة ؛ ج 15، ص : 207

بل و كذلك لو تركها عصيانا (1).

[مسألة 6: لو قرأ بعض الآية و سمع بعضها الآخر فالأحوط الإتيان بالسجدة]

[1637] مسألة 6: لو قرأ بعض الآية و سمع بعضها الآخر فالأحوط الإتيان بالسجدة (2).

______________________________
(1) أمّا الاستدلال له بالاستصحاب، فلا يتم بناءً على مسلكنا كما مرّت الإشارة إليه. نعم، يمكن استفادة الحكم من صحيحة محمّد بن مسلم المتقدِّمة آنفاً و إن كان موردها النسيان، فانّ الظاهر من قوله (عليه السلام): «يسجد إذا ذكر» أنّ الوجوب مستند إلى نفس الأمر السابق، و أنّه باق بحاله ما لم يمتثل، لا أنّه تكليف جديد، فإنّه خلاف الظاهر جدّاً كما لا يخفى، فيشترك فيه الناسي و العاصي لوحدة المناط.

(2) مقتضى الجمود على ظواهر النصوص الحاصرة لسبب الوجوب في القراءة و السماع عدم شمول الحكم لصورة التلفيق، إذ لا يصدق على الملفّق من الأمرين شي‌ء من العنوانين، لكن لا يبعد استفادة الحكم منها بمقتضى الفهم العرفي، بدعوى أنّ الموضوع هو الجامع بين الأمرين و لو في مجموع الآية، فإنّ العرف يساعد على هذا الاستظهار و يرى أنّ المجمع غير خارج عن موضوع الأخبار.

و قد تقدّم نظير ذلك في بحث الأواني «1» و قلنا أنّ الآنية المصوغة من مجموع الذهب و الفضّة إمّا مزجاً أو بدونه، بأن يكون نصفه من أحدهما و النصف الآخر من الآخر و إن لم يصدق عليه فعلًا عنوان آنية الذهب و لا الفضّة، لكن العرف لا يراها خارجة عن موضوع نصوص المنع.

و أوضح حالًا ما لو تركب معجون من عدّة مواد محرّمة الأكل بعناوينها‌

______________________________
(1) شرح العروة 4: 291.

207
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 7: إذا قرأها غلطا أو سمعها ممن قرأها غلطا ؛ ج 15، ص : 208

[مسألة 7: إذا قرأها غلطاً أو سمعها ممّن قرأها غلطاً]

[1638] مسألة 7: إذا قرأها غلطاً أو سمعها ممّن قرأها غلطاً فالأحوط الإتيان بالسجدة (1).

[مسألة 8: يتكرّر السجود مع تكرّر القراءة أو السماع أو الاختلاف]

[1639] مسألة 8: يتكرّر السجود مع تكرّر القراءة أو السماع أو الاختلاف بل و إن كان في زمان واحد بأن قرأها جماعة [1] أو قرأها شخص حين قراءته على الأحوط (2).

______________________________
كالدم الطاهر و التراب و النخاع و نحوها، فان هذا المركب و إن لم يصدق عليه فعلًا شي‌ء من عناوين تلك المواد لاستهلاك بعضها في البعض، و لكنّه مع ذلك يجب الاجتناب عنه بلا ارتياب، لما عرفت من أنّ الملفق منها مشمول لأدلّة تلك العناوين بمقتضى الفهم العرفي.

بل يمكن استفادة الحكم في المقام من نفس النصوص، فإنّ القارئ سامع لقراءة نفسه إلّا ما شذ، فيشمله دليل السماع، إذ لا وجه لتخصيصه بالغير، فاذا سمع الباقي من غيره يصدق في حقّه أنّه سمع تمام الآية، إذ لا يعتبر أن يكون السماع من شخص واحد، و لذا لو سمع بعض الآية من شخص و البعض الآخر من شخص آخر وجب السجود بلا إشكال. فالسجود في المقام لو لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط.

(1) لاحتمال اندراجه تحت إطلاق النصوص، لكن الأقوى عدم الوجوب، فان موضوع الحكم سماع أو قراءة آية السجدة، و هي التي أنزلها اللّٰه تعالى على نبيّه (صلّى اللّٰه عليه و آله)، و لا شك أنّ النازل هي القراءة الصحيحة و على النهج العربي، فالملحون مادّة أو هيئة خارج عن موضوع الحكم لانصراف الدليل إلى غيره.

(2) أمّا مع تخلّل السجود بين السببين المكررين فلا إشكال في الوجوب‌

______________________________
[1] الظاهر جواز الاكتفاء بسجدة واحدة حينئذ.

208
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 8: يتكرر السجود مع تكرر القراءة أو السماع أو الاختلاف ؛ ج 15، ص : 208

..........

______________________________
ثانياً كما هو ظاهر، و أمّا مع عدم التخلل، فهل يكتفي بالسجدة الواحدة لدى تعدّد الأسباب؟

يبتني ذلك على أنّ مقتضى الأصل هل هو التداخل أو عدمه، و حيث إنّ التداخل على خلاف الأصل، لاقتضاء كل سبب مسببه، فالمتعيِّن تكرار السجود في المقام بتكرّر سببه. نعم، ثبت التداخل في باب الأغسال بالنص لقوله (عليه السلام): إذا كان للّٰه عليك حقوق أجزأك عنها حق واحد «1». على أنّه يمكن استفادة الحكم في المقام من صحيحة محمّد بن مسلم: «عن الرجل يعلّم السورة من العزائم فتعاد عليه مراراً في المقعد الواحد، قال: عليه أن يسجد كلّما سمعها» «2» حيث دلّت على وجوب السجود لكل مرّة.

و عليه فمع تكرّر السبب سواء أ كان من سنخ واحد أو سنخين يجب السجود لكل مرّة. هذا إذا كان التكرار في زمانين، و يلحق بذلك ما لو كان التكرّر في زمان واحد مع الاختلاف في السنخ، كما لو قرأها و سمعها من شخص آخر في تلك الحال، لصدق تعدّد السبب المقتضي لتعدّد المسبب. و أمّا مع الاتِّحاد في السنخ مع وحدة الزمان، كما لو سمعها من جماعة يقرءونها في آن واحد فقد حكم في المتن بالإلحاق أيضاً، لكنّه مشكل جدّاً، بل ممنوع، إذ العبرة بالسماع لا بالمسموع، و في المقام لم يكن إلّا سماع واحد و إن كان المسموع متعدِّداً، نظير النظر المتعلِّق بجماعة كثيرين فانّ النظر و الإبصار لم يتعدّد، و إنّما التعدّد في المنظور إليه، فلم تجب عليه إلّا سجدة واحدة لوحدة السبب.

______________________________
(1) الوسائل 2: 261/ أبواب الجنابة ب 43 ح 1 (نقل بالمضمون).

(2) الوسائل 6: 245/ أبواب قراءة القرآن ب 45 ح 1.

209
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 9: لا فرق في وجوبها بين السماع من المكلف أو غيره ؛ ج 15، ص : 210

[مسألة 9: لا فرق في وجوبها بين السماع من المكلّف أو غيره]

[1640] مسألة 9: لا فرق في وجوبها بين السماع من المكلّف أو غيره (1) كالصغير و المجنون إذا كان قصدهما قراءة القرآن.

[مسألة 10: لو سمعها في أثناء الصلاة أو قرأها]

[1641] مسألة 10: لو سمعها في أثناء الصلاة أو قرأها [1] أومأ للسجود و سجد [2] بعد الصلاة و أعادها (2).

______________________________
(1) لإطلاق النصوص كقوله في صحيحة الحذاء «عن الطامث تسمع السجدة ...» إلخ، و في صحيحة علي بن جعفر «فيقرأ آخرُ السجدةَ»، و غيرهما ممّا تقدّمت
«1»، الشاملة بإطلاقها لما إذا كان السماع من المكلّف أو غيره ممّن كان قاصداً لقراءة القرآن كالصبي المميِّز و المجنون، لعدم الدليل على اعتبار البلوغ و التكليف في القارئ، و ما في بعض النصوص كصحيحة محمّد بن مسلم «2» من التقييد بالرجل فهو من باب المثال بلا إشكال.

(2) حكم (قدس سره) حينئذ بأُمور ثلاثة: الإيماء، و السجود بعد الصلاة، و إعادتها. أمّا الإيماء فلا ينبغي الإشكال فيه، للنصوص الدالّة عليه التي منها صحيحة علي بن جعفر المتقدِّمة «3» و قد مرّ الكلام حول ذلك في بحث القراءة مستقصى «4».

______________________________
[1] أُريد بذلك القراءة سهواً، و أمّا إذا كانت عمداً فتبطل الصلاة على الأحوط عندنا، و جزماً عند الماتن (قدس سره) كما تقدّم.

[2] على الأحوط و أمّا الإعادة فلا وجه لها.

______________________________
(1) في ص 188، 202.

(2) الوسائل 6: 245/ أبواب قراءة القرآن ب 45 ح 1.

(3) الوسائل 6: 243/ أبواب قراءة القرآن ب 43 ح 4.

(4) شرح العروة 14: 315.

210
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 11: إذا سمعها أو قرأها في حال السجود يجب رفع الرأس منه ؛ ج 15، ص : 211

[مسألة 11: إذا سمعها أو قرأها في حال السجود يجب رفع الرأس منه]

[1642] مسألة 11: إذا سمعها أو قرأها في حال السجود يجب رفع الرأس منه ثمّ الوضع (1) و لا يكفي البقاء بقصده بل و لا الجرّ إلى مكان آخر.

______________________________
نعم، هذا في صلاة الفريضة، و أمّا إذا سمعها في النافلة سجد فوراً و أتمّ صلاته، لعدم قادحية زيادة السجدة في النافلة، و قد صرّح بذلك في صحيحة ابن جعفر المزبورة.

و أمّا السجود بعد الصلاة فلا دليل عليه بعد الانتقال إلى الإيماء الّذي هو بدله المستتبع لسقوط الأمر قضاءً للبدلية سيّما مع الاقتصار على الإيماء في صحيحة ابن جعفر من دون تعرّض للسجود بعدئذ. فيكشف و هو (عليه السلام) في مقام البيان عن عدم الوجوب. نعم، لا شك أنّه أحوط لاحتمال بقاء الأمر و أنّ الإيماء بدل موقّت.

و أمّا إعادة الصلاة فلا وجه لها أصلًا، إذ لا منشأ لها و لو احتمالًا، لعدم عروض ما يقتضي البطلان بوجه فلم يتّضح وجه حكمه (قدس سره) بها. مع أنّه مناف لما تقدّم منه (قدس سره) في مبحث القراءة في المسألة الرابعة من التخيير بين الإيماء و بين السجدة و هو في الصلاة و إتمامها و إعادتها «1».

و الظاهر أنّ في العبارة سهواً من قلمه الشريف أو من النسّاخ، و أنّ الصحيح «أو سجد» بالعطف ب‍ «أو» لا بالواو، مع تبديل «بعد الصلاة» ب‍ «في الصلاة» كي ينتج التخيير الموافق لما سبق منه (قدس سره) هناك.

(1) لأنّ الأمر بالسجود كغيره من سائر الواجبات ظاهر في الإيجاد و الإحداث، فلا يكفي البقاء بقصده و لا الجر إلى مكان آخر، لعدم صدق الإحداث‌

______________________________
(1) شرح العروة 14: 320.

211
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 12: الظاهر عدم وجوب نيته حال الجلوس أو القيام ليكون الهوي إليه بنيته ؛ ج 15، ص : 212

[مسألة 12: الظاهر عدم وجوب نيّته حال الجلوس أو القيام ليكون الهوي إليه بنيّته]

[1643] مسألة 12: الظاهر عدم وجوب نيّته حال الجلوس أو القيام ليكون الهوي إليه بنيّته، بل يكفي نيّته قبل وضع الجبهة بل مقارناً له (1).

[مسألة 13: الظاهر أنّه يعتبر في وجوب السجدة كون القراءة بقصد القرآنية]

[1644] مسألة 13: الظاهر أنّه يعتبر في وجوب السجدة كون القراءة بقصد القرآنية (2)

______________________________
معه، بل هو إبقاء لما كان كما مرّت الإشارة إليه سابقاً
«1»، فلا بدّ من الرفع و الوضع تحقيقاً للامتثال.

(1) بما أنّ السجود الواجب متقوّم بوضع الجبهة على الأرض، و الهوي إليه مقدّمة صرفة، فلا تعتبر النيّة عند الهوي فضلًا عن حال الجلوس أو القيام فلو هوى لداع آخر ثمّ بدا له في السجود قبل بلوغ الحد فنوى و سجد أجزأ عنه، فتكفي النيّة الحاصلة قبل السجود و لو آناً ما، بل لا يعتبر هذا المقدار أيضاً فتكفي المقارنة كما هو الشأن في سائر العبادات، لعدم الدليل على لزوم سبق النيّة على العمل، فلو اتّفقت مقارنة النيّة لنفس العمل مقارنة حقيقية كفى لكن الشأن في تحقّقه و إحرازه خارجاً فإنّه عسر جدّاً و نادر التحقّق، و لذا كان اللّازم من باب المقدّمة العلمية سبق النيّة و لو آناً ما، و إن كانت المقارنة على تقدير تحقّقها كافية أيضا.

(2) لتوقف صدق قراءة القرآن على قصد الحكاية عن ذاك الكلام النازل على النبيّ الأعظم (صلّى اللّٰه عليه و آله) كما مرّ توضيحه في بحث القراءة عند التكلّم عن لزوم تعيين البسملة «2»، فالعاري عن القصد كلام آدمي مشابه للقرآن‌

______________________________
(1) في ص 114، 131.

(2) شرح العروة 14: 337.

212
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 13: الظاهر أنه يعتبر في وجوب السجدة كون القراءة بقصد القرآنية ؛ ج 15، ص : 212

فلو تكلّم شخص بالآية لا بقصد القرآنية لا يجب السجود بسماعه، و كذا لو سمعها ممّن قرأها حال النوم، أو سمعها من صبي غير مميِّز، بل و كذا لو سمعها من صندوق حبس الصوت، و إن كان الأحوط السجود في الجميع.

______________________________
و ليس من القرآن في شي‌ء، و حيث إنّ الموضوع في وجوب السجدة قراءة القرآن أو سماعها المتقوّمة بالقصد المزبور فلا وجوب مع فقد القصد، و يترتّب عليه عدم الوجوب لو سمعها ممّن قرأها حال النوم، أو من صبي غير مميِّز أو من حيوان كالطوطي، أو من صندوق حبس الصوت.

أمّا صندوق حبس الصوت و آلة التسجيل، فلوضوح أنّ الصوت الخارج منه ليس هو عين الصوت السابق و قد كان مضبوطاً محبوساً فيه، و إنّما هو صوت جديد مماثل له ناشٍ من اصطكاك جسم بجسم على نهج معيّن و كيفية خاصّة و واضح أنّه فاقد للقصد لعدم صدوره من شاعر قاصد، فلا يصدق عليه قراءة القرآن. و كذا الحال فيما يصدر عن الصبي و الحيوان فإنّه مجرّد لقلقة اللِّسان من غير قصد إلى العنوان بوجه.

و أمّا النائم فهو أيضاً عار عن القصد، للزوم سبقه بالالتفات المنفي حال النوم، و لذا قد يعتذر عمّا صدر منه في تلك الحال بعدم القصد و الالتفات. نعم لا يخلو هو عن نوع من القصد المناسب لعالم النوم إلّا أنّه أجنبي عن القصد الموضوع للأحكام بلا كلام، و كذا الحال في المجنون إذا كان بمثابة لا تصدر عنه القراءة عن قصد و التفات.

و أمّا حكم الاذاعات، فان كان المذيع شخصاً يقرأ القرآن فعلًا فلا ينبغي الشك في وجوب السجود عند سماع الآية كما في السماع من حاضر، إذ لا فرق بين القريب و البعيد في ذلك، فهو نظير السماع من شخص آخر بواسطة التليفون‌

213
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 14: يعتبر في السماع تمييز الحروف و الكلمات ؛ ج 15، ص : 214

[مسألة 14: يعتبر في السماع تمييز الحروف و الكلمات]

[1645] مسألة 14: يعتبر في السماع تمييز الحروف و الكلمات فمع سماع الهمهمة لا يجب السجود (1) و إن كان أحوط.

[مسألة 15: لا يجب السجود لقراءة ترجمتها أو سماعها]

[1646] مسألة 15: لا يجب السجود لقراءة ترجمتها أو سماعها (2) و إن كان المقصود ترجمة الآية.

[مسألة 16: يعتبر في هذا السجود بعد تحقّق مسمّاه]

[1647] مسألة 16: يعتبر في هذا السجود بعد تحقّق مسمّاه مضافاً إلى النيّة (3)

______________________________
الّذي يجب السجود حينئذ بلا إشكال، و إن كان البُعد بينهما مئات الفراسخ. فكما أنّ الصوت يصل فيه بواسطة الأسلاك، فكذا يصل في الاذاعات بواسطة الأمواج و لا فرق بين الواسطتين من هذه الجهة قطعا.

و أمّا إذا لم يكن في دار الإذاعة شخص حاضر بالفعل و إنّما الموجود في محطّتها مسجّلة تلقي الصوت، فحكمه حكم صندوق الصوت الّذي عرفت فيه عدم الوجوب. نعم، الاحتياط بالسجود حسن في جميع ما ذكر كما أُشير إليه في المتن.

(1) لوضوح أنّ موضوع الحكم سماع الآية المتوقف على تمييز المراد و تشخيص الحروف و الكلمات غير المنطبق على سماع الهمهمة، لفقد التمييز و التشخيص فلا يصدق معه سماع الآية و إن كان السامع يعلم أنّها المقروءة فانّ العبرة بالسماع لا العلم، و من هنا لا يكفي سماع همهمة الأذان في تحقيق حدّ الترخّص. نعم، ثبت الاكتفاء بالهمهمة في سماع قراءة الإمام و هو خارج بالنص فلا يتعدّى عن مورده.

(2) فانّ الموضوع قراءة نفسها و ليست الترجمة منها.

(3) أمّا النيّة فلا إشكال في اعتبارها كما في سائر العبادات بعد وضوح كون هذه السجدة عبادية بمقتضى الارتكاز، فلا بدّ من قصد التقرّب بها، و كذا‌

214
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: يعتبر في هذا السجود بعد تحقق مسماه ؛ ج 15، ص : 214

إباحة المكان، و عدم علوّ المسجد بما يزيد على أربعة أصابع [1]، و الأحوط وضع سائر المساجد و وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه.

______________________________
القصد إلى عنوان السجود، لكونه من العناوين القصدية كما هو ظاهر.

و أمّا سائر ما يعتبر في السجود فهو على نوعين: فتارة يظهر من لسان الدليل أنّ المناط في الاعتبار ليس لخصوصية في السجود بما هو سجود، بل من أجل أنّه من أجزاء الصلاة، فهو شرط لعامّة الأجزاء الصلاتية من غير اختصاص بالسجود، و هذا كالستر و الطهارة و الاستقبال و نحوها. و لا ريب في عدم شمول مثل هذا الدليل لسجدة التلاوة التي هي واجبة بوجوب مستقل غير مرتبط بالصلاة، فالمقتضي بالإضافة إليها قاصر في حدّ نفسه إلّا أن يقوم دليل آخر يقتضي الاعتبار فيها بالخصوص، و سيأتي الكلام عليه.

و اخرى: يظهر منه اعتباره في السجود بما هو سجود من غير إناطة بكونه من أجزاء الصلاة، كما لا يبعد ذلك بالإضافة إلى اشتراط عدم علوّ المسجد أزيد من مقدار اللبنة، و وضع المساجد السبعة، و وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، لإطلاق أدلّة هذه الأُمور الثلاثة، فإنّ المسئول عنه في الأوّل هو ذات السجود، قال في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان «سألته عن السجود على الأرض المرتفع، فقال: إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس» «1».

و الحكم في الثاني متعلِّق بطبيعة السجود لقوله (عليه السلام) «إنّما السجود على سبعة أعظم» «2»، و كذا الثالث، ففي صحيحة هشام «أخبرني عمّا يجوز‌

______________________________
[1] على الأحوط.

______________________________
(1) الوسائل 6: 358/ أبواب السجود ب 11 ح 1.

(2) الوسائل 6: 343/ أبواب السجود ب 4 ح 2.

215
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: يعتبر في هذا السجود بعد تحقق مسماه ؛ ج 15، ص : 214

..........

______________________________
السجود عليه و عمّا لا يجوز؟ قال: السجود لا يجوز إلّا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلّا ما أكل أو لبس إلى أن قال (عليه السلام) في مقام التعليل إنّ أبناء الدُّنيا عبيد ما يأكلون و يلبسون، و الساجد في سجوده في عبادة اللّٰه (عزّ و جلّ) فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدُّنيا الّذين اغترّوا بغرورها»
«1» فإن إطلاق هذه الأدلّة سيّما الأخير بلحاظ الاشتمال على التعليل يقتضي عدم الفرق بين السجود الصلاتي و غيره.

اللّٰهمّ إلّا أن يدعى الانصراف إلى الأوّل المانع عن انعقاد الإطلاق، فإن تمّت هذه الدعوى لم يكن هناك دليل يشمل المقام، و إلّا بأن كان الانصراف بدوياً و لم يكن بمثابة ينعقد معه الظهور العرفي في المنصرف إليه الّذي هو الضابط في الانصراف المانع عن الإطلاق كما لعلّه الأظهر و لا سيّما بالإضافة إلى الأخير لمكان التعليل المقتضى للتعميم كما عرفت كان الحكم شاملًا للمقام أيضاً فهذا إن لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط.

و كيف ما كان، فالحكم سعة و ضيقاً مشترك بين هذه الأُمور الثلاثة لوحدة المناط، و اشتراك الدليل إطلاقاً و انصرافاً، فان كان إطلاق ففي الجميع، أو انصراف ففي الجميع أيضاً.

و منه تعرف أنّه لم يظهر وجه للتفكيك بين الأوّل و الأخيرين بالجزم في الأوّل و التوقف فيهما كما صنعه في المتن.

هذا و ربّما يستدل على عدم اعتبار وضع سائر المساجد بما رواه الصدوق في العلل بإسناده عن الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يقرأ السجدة و هو على ظهر دابته، قال: يسجد حيث توجّهت به، فانّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) كان يصلِّي على ناقته و هو مستقبل المدينة، يقول اللّٰه‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 343/ أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 1.

216
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: يعتبر في هذا السجود بعد تحقق مسماه ؛ ج 15، ص : 214

..........

______________________________
عزّ و جلّ
فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّٰهِ» «1» فإنّ السجود على ظهر الدابة المستلزم للإخلال بسائر المحال بطبيعة الحال يكشف عن عدم الاعتبار.

أقول: الكلام في هذه الرواية يقع تارة من حيث السند، و أُخرى من ناحية الدلالة.

أمّا الدلالة، فالظاهر أنّها قاصرة، إذ لا يبعد أن يكون المراد من السجدة هي المندوبة دون العزيمة بقرينة الاستشهاد في مقام التعليل بصلاة رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) على ظهر الدابة، فإنّ المراد بها صلاة النافلة قطعاً، إذ لا تجوز الفريضة على الدابة مع التمكن من النزول إلى الأرض بلا إشكال و لا كلام، و كذا استشهاده (عليه السلام) بالآية المباركة إنّما يناسب إرادة النافلة كما ورد مثل ذلك في روايات النافلة على ظهر الدابة «2». و عليه فمناسبة الحكم و الموضوع تقتضي إرادة المندوب من السجدة أيضاً كما لا يخفى.

و أمّا من حيث السند، فقد عبّر عنها في الحدائق «3» بالصحيحة، و تبعه غير واحد ممّن تأخّر عنه، لكن الظاهر أنّها ضعيفة، لمكان جعفر بن محمّد بن مسرور شيخ الصدوق فإنّه مهمل لم يرد فيه توثيق، و إن كان بقيّة رجال السند كلّهم ثقات.

نعم، تصدّى المرحوم الميرزا محمّد في الوسيط «4» لعدّ الرجل في الحسان باعتبار ترحّم الصدوق و ترضّاه عليه و أقرّه الأردبيلي في جامع الرواة «5» على‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 248/ أبواب قراءة القرآن ب 49 ح 1، علل الشرائع: 358.

(2) الوسائل 4: 328/ أبواب القبلة ب 15.

(3) الحدائق 8: 327.

(4) الوسيط: 45 السطر 9.

(5) جامع الرواة 1: 161.

217
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: يعتبر في هذا السجود بعد تحقق مسماه ؛ ج 15، ص : 214

..........

______________________________
ذلك، لكنّه لا يتم، فانّ الترحّم بنفسه لا يقتضي التوثيق و لا يكشف عن حسن الحال، و قد رأينا الصدوق كثيراً ما يترحّم و يترضّى على مشايخه و فيهم الضعيف و غيره، و أنّ ذلك منه لا يكشف إلّا عن كونه شيعياً إمامياً لا يزيد عليه بشي‌ء كيف و قد ترحّم الصادق (عليه السلام) على جميع زوّار الحسين (عليه السلام) و فيهم الفاسق و الكذّاب و شارب الخمر، أ فهل ترى أنّ ترحّم الصدوق و ترضّاه أعظم شأناً من ترحّم الصادق (عليه السلام) هذا.

و قد استقرب في الوسيط أيضاً أن يكون المراد بالرجل هو جعفر بن محمّد ابن قولويه بعينه الّذي هو فوق الوثاقة و الجلالة، مستظهراً ذلك من عبارة النجاشي حيث ذكر في ترجمة عليّ بن محمّد بن جعفر بن موسى بن مسرور ما لفظه: مات حدث السن لم يسمع منه، له كتاب فضل العلم و آدابه أخبرنا محمّد و الحسن بن هدبة قالا حدّثنا جعفر بن محمّد بن قولويه قال حدّثنا أخي به، أي بالكتاب «1».

فيظهر أنّ المترجم له هو أخو ابن قولويه، فيكون جعفر بن محمّد بن موسى ابن قولويه هو بعينه جعفر بن محمّد بن جعفر بن موسى بن مسرور، و ذكر ذلك الوحيد البهبهاني أيضاً في تعليقته على الرجال الكبير «2»، و لعلّه من أجل ذلك عبّر في الحدائق عن الرواية بالصحيحة.

و لكن هذا لا يتم بل الظاهر عدمه، فانّ الصدوق و إن أمكن روايته عن ابن قولويه لتقارب العصر و أقدميّة ابن قولويه في السن فيصلح لكونه شيخاً له كما يتّضح ذلك من قرينتين بعد معلومية تاريخ ولادة الصدوق و أنّه سنة 305 و إن لم يضبط تاريخ الآخر إحداهما: أنّ ابن قولويه قد روى عن محمّد بن‌

______________________________
(1) رجال النجاشي: 262/ 685 [و الموجود فيه: حسن بن هديّة].

(2) تعليقة الوحيد البهبهاني: 87.

218
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: يعتبر في هذا السجود بعد تحقق مسماه ؛ ج 15، ص : 214

..........

______________________________
جعفر الرزاز كثيراً المتوفى سنة 312، فبطبيعة الحال يقتضي أن يكون سنّه عندئذ 20 أو 15 سنة على الأقل فيكون أسبق من الصدوق المتولِّد سنة 305 كما عرفت.

الثانية: أنّه قد روى عن سعد بن عبد اللّٰه القمي الأشعري روايتين أو أربع كما ذكره النجاشي «1»، و على أيّ حال فقد روى عنه و لو رواية واحدة، و قد توفي سعد في سنة 299 أو سنة 301، فلا بدّ و أن يكون سن ابن قولويه عندئذ 15 سنة على الأقل، فيكون متولداً في سنة 285 فيكون أسبق من الصدوق. و كيف ما كان، فالصدوق و إن أمكن روايته عن ابن قولويه بحسب الطبقة إلّا أنّه لم ينقل عنه و لا رواية واحدة، و كلّما ينقل فهو يرويه عن جعفر بن محمّد بن مسرور.

و دعوى الاتِّحاد بينه و بين جعفر بن قولويه مستظهراً ذلك من عبارة النجاشي غير مسموعة، فإنّ النجاشي لم يقل أنّ علي بن محمّد بن جعفر بن موسى بن مسرور روى كتابه أخوه جعفر بن قولويه ليدل على أنّ عليّاً و جعفراً أخوان كي يقتضي الاتِّحاد المزبور، بل قال بعد ذكر أنّ عليّاً له كتاب فضل العلم و آدابه: إنّ جعفر بن قولويه قال حدّثنا أخي به، أي بالكتاب، و أمّا أنّ أخاه من هو، هل هو علي أم غيره فلا دلالة في العبارة عليه أصلًا.

و بعبارة اخرى: فرق واضح بين أن يقول بعد ذكر علي بن مسرور و أنّ له كتاباً روى جعفر بن قولويه عن أخيه بكتابه، و بين أن يقول روى جعفر بن قولويه عن أخيه بالكتاب، فإنّ الأوّل يدل على اخوّة جعفر و علي و أنّ أخاه هو علي صاحب الكتاب، بخلاف الثاني إذ مفاده أنّ أخاه هو الراوي لذاك الكتاب من دون أيّ دلالة على أنّه هو صاحب الكتاب كي يثبت به اخوّته مع‌

______________________________
(1) رجال النجاشي: 123/ 318، 177/ 467.

219
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: يعتبر في هذا السجود بعد تحقق مسماه ؛ ج 15، ص : 214

و لا يعتبر فيه الطهارة من الحدث (1)

______________________________
علي حتّى ينتج الاتِّحاد المزبور.

و ممّا يكشف كشفاً قطعياً عن أنّ علي بن مسرور لم يكن أخاً لابن قولويه أنّ النجاشي قد ذكر في ترجمة علي أنّه مات حدث السن لم يسمع منه، و إنّما له كتاب كما سمعت من عبارته، مع أنّ جعفر بن قولويه روى في الكامل عن أخيه كثيراً، فكيف يقال إنّه لم يسمع منه. و هذا كتاب كامل الزيارات مملوء من الروايات عن أخيه علي بن محمّد بن جعفر بن موسى بن قولويه. إذن جعفر بن محمّد بن مسرور رجل آخر غير جعفر بن موسى بن قولويه جزماً، و مسرور جدّه بلا واسطة و ليس لقباً لقولويه الّذي هو جدّ الثاني بوسائط فهما رجلان بلا إشكال، و هذا ثقة و أيّ ثقة، بل قال النجاشي في حقّه كل ما يوصف به الناس من جميل و ثقة و فقه فهو فوقه «1»، و هذا غاية الثناء و التوثيق. و أما ابن مسرور الّذي هو شيخ الصدوق فلم تثبت وثاقته بوجه.

و عليه فالرواية ضعيفة السند و غير قابلة للاعتماد أبداً. مضافاً إلى قصور الدلالة كما عرفت، إذن لا دليل على عدم اعتبار وضع المساجد السبعة في هذه السجدة، و مقتضى الاحتياط الوجوبي هو الوضع، بل عرفت أنّه لا يخلو عن قوّة.

(1) بلا إشكال و لا خلاف فيما عدا حدث الحيض كما ستعرف و يدلُّ عليه مضافاً إلى الإجماع: الأصل و الإطلاقات، لعدم التقييد فيها بالطهارة من الحدث الأصغر و لا الأكبر. و ربّما يستدل له أيضاً بجملة من النصوص.

منها: رواية أبي بصير التي هي أجمع رواية في الباب، لكونها جامعة لتمام‌

______________________________
(1) رجال النجاشي: 123/ 318.

220
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: يعتبر في هذا السجود بعد تحقق مسماه ؛ ج 15، ص : 214

..........

______________________________
أقسام الحدث من الأصغر و الأكبر و ما يختص بالنِّساء و ما لا يختص، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا قرئ بشي‌ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد و إن كنت على غير وضوء، و إن كنت جنباً، و إن كانت المرأة لا تصلِّي»
«1».

لكنّها ضعيفة السند بعلي بن أبي حمزة البطائني فإنّه لم يوثق فلا يعتمد عليها.

و منها: ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلًا من نوادر أحمد بن أبي نصر البزنطي بإسناده عن الوليد بن صبيح عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: من قرأ السجدة و عنده رجل على غير وضوء، قال: يسجد» «2». و عن علي بن رئاب عن الحلبي قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) يقرأ الرجل السجدة و هو على غير وضوء؟ قال: يسجد إذا كانت من العزائم» «3».

و لا يمكن الاعتماد عليهما أيضاً، فإنّ السند و إن كان صحيحاً، إذ رجاله كلّهم ثقات، و لعلّه من أجله عبّر عنهما في الحدائق بالصحيحة «4»، إلّا أنّ طريق ابن إدريس إلى كتاب البزنطي مجهول لدينا مع الفصل الطويل بينهما فيكونان في حكم المرسل.

و منها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن إمام قرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد كيف يصنع؟ قال: يقدّم غيره فيتشهد و يسجد و ينصرف هو و قد تمّت صلاتهم» «5» و أوردها أيضاً‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 240/ أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 2.

(2) الوسائل 6: 241/ أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 5، السرائر 3 (المستطرفات): 557.

(3) الوسائل 6: 241/ أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 6، السرائر 3 (المستطرفات): 555.

(4) الحدائق 8: 328 [و لكن وصف رواية الحلبي بالصحّة فقط].

(5) الوسائل 6: 240/ أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 4.

221
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: يعتبر في هذا السجود بعد تحقق مسماه ؛ ج 15، ص : 214

..........

______________________________
في باب 40 من أبواب القراءة حديث 5 بتبديل «فيتشهّد و يسجد» إلى قوله «فيسجد و يسجدون»
«1».

و لكنّها من أجل تضمّنها جواز قراءة الإمام للعزيمة و سجود المأمومين للتلاوة مع أنّها زيادة عمديّة و تماميّة صلاتهم، و كل ذلك على خلاف المذهب فلا مناص من حملها على التقيّة، لموافقتها للعامّة «2» فلا يمكن الاعتماد عليها و إن صحّ سندها.

و منها: مرسلة الدعائم قال فيها: «و يسجد و إن كان على غير طهارة» «3».

و ضعفها ظاهر. فظهر لحدّ الآن أنّ شيئاً من هذه الأخبار غير صالح للاستدلال لضعفها سنداً و دلالة.

و استدلّ أيضاً بصحيحة الحذاء قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الطامث تسمع السجدة، فقال: إن كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها «4». و موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال في حديث: «و الحائض تسجد إذا سمعت السجدة» «5» فاذا ثبت الحكم في حدث الحيض ثبت في بقية الأحداث قطعاً، لعدم احتمال الفرق و عدم القول بالفصل. و هاتان الروايتان لا بأس بالاستدلال بهما، لتماميتهما من حيث السند و الدلالة.

إلّا أنّ بإزائهما صحيحة عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن الحائض هل تقرأ القرآن و تسجد سجدة إذا سمعت‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 106/ أبواب القراءة في الصلاة ب 40 ح 5.

(2) بدائع الصنائع 1: 180، مغني المحتاج 1: 216، المغني 1: 689.

(3) الدعائم 1: 215، المستدرك 4: 318/ أبواب قراءة القرآن ب 35 ح 2.

(4) الوسائل 2: 340/ أبواب الحيض ب 36 ح 1، 3.

(5) الوسائل 2: 340/ أبواب الحيض ب 36 ح 1، 3.

222
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: يعتبر في هذا السجود بعد تحقق مسماه ؛ ج 15، ص : 214

..........

______________________________
السجدة؟ قال: تقرأ و لا تسجد»
«1». هكذا رواها في التهذيب «2»، لكن عن الاستبصار «لا تقرأ و لا تسجد» «3» و الظاهر أنّ نسخة التهذيب هي الصحيحة بقرينة الروايات الكثيرة المصرّحة بجواز قراءتها القرآن ما عدا العزائم «4». و كيف ما كان، فهي صريحة في نفي السجدة عنها.

و نحوها موثقة غياث: «لا تقضي الحائض الصلاة و لا تسجد إذا سمعت السجدة» «5» و من هنا ذهب المفيد و الشيخ في النهاية «6» و ابن الجنيد «7» إلى حرمة السجود على الحائض عملًا بظاهر النهي، لكنّه ساقط جزماً لاستلزامه طرح الصحيحة و الموثقة المتقدِّمتين الظاهرتين في الوجوب بلا موجب، و لا أقل من الجمع بالحمل على الاستحباب كما صنعه الشيخ «8». فالأمر في المقام دائر بين الوجوب أو الاستحباب، و لا يحتمل الحرمة قطعا.

و على الجملة: فهذه الصحيحة معارضة لصحيحة الحذاء فلا بدّ من التصدِّي لوجه الجمع بينهما، و قد قيل في تقرير الجمع وجوه:

أحدها: ما سمعته من الشيخ من الحمل على الاستحباب، بدعوى أنّ النهي الوارد في هذه الصحيحة لمكان وقوعه موقع توهّم الإيجاب فلا يدل إلّا على جواز الترك دون المنع، و لأجله يحمل الأمر الوارد في صحيحة الحذاء الظاهر‌

______________________________
(1) الوسائل 2: 341/ أبواب الحيض ب 36 ح 4.

(2) التهذيب 2: 292/ 1172.

(3) الاستبصار 1: 320/ 1193.

(4) الوسائل 2: 215/ أبواب الجنابة ب 19.

(5) الوسائل 2: 342/ أبواب الحيض ب 36 ح 5.

(6) المقنعة: 52، النهاية: 25.

(7) حكاه عنه في المختلف 2: 185 المسألة 103.

(8) التهذيب 2: 292، 1: 129.

223
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: يعتبر في هذا السجود بعد تحقق مسماه ؛ ج 15، ص : 214

..........

______________________________
في الوجوب على الاستحباب جمعاً كما هو الشأن في أمثال المقام، و استحسنه من تأخّر عنه.

و لكنّه لا يتم و إن صدر عن الشيخ (قدس سره) لاقتران القراءة بالسجود في السؤال المانع عن انقداح شبهة الوجوب في ذهن السائل كي يكون النهي واقعاً موقع توهّم الإيجاب و يكون ظاهراً في الجواز حينئذ، إذ لا مقتضي لتوهّم الوجوب بالإضافة إلى القراءة بوجه كما لا يخفى. فانضمام القراءة يستوجب أن يكون السؤال عن الجواز لا محالة دون الوجوب، و كأنّ الداعي للسؤال تخيّل السائل المنع عن القراءة و السجود بمناط واحد و هو كونهما من أجزاء الصلاة الممنوعة عنها الحائض، و إن كان الجواز لو ثبت ملازماً للوجوب بالإضافة إلى السجدة إذا كانت عزيمة.

و عليه فلا مقتضي لصرف النهي الوارد في الجواب عن ظاهره من المنع و حمله على عدم الوجوب، إذ لا قرينة عليه بوجه فتستقر المعارضة بين الصحيحتين لا محالة، و لا مجال للحمل على الاستحباب من غير فرق فيما ذكرناه بين أن تكون النسخة «تقرأ» أو «لا تقرأ» كما لا يخفى.

الثاني: ما ذكره صاحب الوسائل «1» و نفى عنه البُعد في الحدائق «2» من حمل النهي في صحيحة عبد الرّحمن على الاستفهام الإنكاري.

و هذا أضعف من سابقه، إذ فيه أوّلًا: أنّ الحمل على الإنكار خلاف الظاهر جدّاً لا يصار إليه من غير قرينة. مع عدم وضوح الفرق بينه و بين غيره في المقام إلّا من ناحية اللّهجة و كيفية الأداء، و فتح باب هذا الاحتمال يستلزم الخلل في استفادة الحكم من غير واحد من الأخبار.

______________________________
(1) الوسائل 2: 341/ أبواب الحيض ب 36 ح 4.

(2) الحدائق 8: 336.

224
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: يعتبر في هذا السجود بعد تحقق مسماه ؛ ج 15، ص : 214

..........

______________________________
و ثانياً: أنّه غير محتمل في خصوص المقام، إذ لم يكن حكم القراءة مسلّماً عند السائل حتّى يستنكر الإمام (عليه السلام) التفكيك بينه و بين السجود و إنّما سأل عن حكمهما بنفس هذا السؤال و قد صدر الحكم فعلًا من دون أن يكون معلوماً قبلًا، فأيّ معنى للاستفهام الإنكاري و الحال هذه.

و ثالثاً: أيّ ملازمة بين الأمرين حتّى يستنكر التفكيك، إذ من الجائز مشروعية القراءة للحائض لعدم كونها من مقوّمات الصلاة بل هي من السنّة كما ورد أنّ القراءة سنّة «1» بخلاف السجود فإنّه مقوّم لها فيسقط بتبعها، و حيث إنّ الصلاة ممنوعة عن الحائض فكذا السجود المقوّم لها. فأيّ مجال للإنكار بعد وضوح الفرق و عدم التلازم في السقوط و الثبوت.

و من هنا ذكر في منتقى الجمان «2» وجهاً آخر للجمع و هو:

الوجه الثالث: بدعوى أنّ صحيحة الحذاء موردها خصوص العزيمة بخلاف صحيحة عبد الرّحمن فإنّها مطلقة فتحمل على غير العزيمة جمعاً.

و لكن هذا أيضاً لا يتم و إن استحسنه بعض مدّعياً أنّه أوفق بالجمع العرفي.

إذ فيه أوّلًا: أنّ الظاهر من صحيحة عبد الرّحمن أنّ لحدث الحيض خصوصية تستوجب سقوط السجدة مطلقاً، و أنّ الحائض تمتاز عن غيرها في ذلك، و إلّا فالتفصيل بين العزائم و غيرها أمر عام يشترك فيه جميع المكلّفين من غير فرق بين الحائض و غيرها فيلزم اللغوية في هذا العنوان. مع أنّ ظاهرها أنّ الوصف العنواني هو الموضوع للحكم و حيثية الحيض هي الدخيلة في المنع.

و ثانياً: أنّ نتيجة هذا الجمع هو التفصيل في الحائض بين العزيمة فيجب‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 91/ أبواب القراءة في الصلاة ب 29 ح 5.

(2) منتقى الجمان 1: 212.

225
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: يعتبر في هذا السجود بعد تحقق مسماه ؛ ج 15، ص : 214

..........

______________________________
و بين غيرها فيحرم على ما هو ظاهر النهي، و هذا كما ترى و لم يقل به أحد فلا يمكن الالتزام به. و ممّا ذكرنا يظهر الجواب عن:

الوجه الرابع: الّذي ذكره بعضهم من حمل هذه الصحيحة على السماع و صحيحة الحذاء على الاستماع، بشهادة صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدِّمة «1» المصرّحة بهذا التفصيل.

إذ فيه: ما عرفت من لزوم اللغوية في صفة الحيض، فانّ السقوط لدى السماع تشترك فيه الحائض و غيرها كالوجوب عند الاستماع. مضافاً إلى أنّ لازمه القول بأنّ الحائض يجب عليها السجود عند الاستماع و يحرم مع السماع و هذا ممّا لم يقل به أحد.

و المتحصِّل من جميع ما قدّمناه لحدّ الآن: أنّ جميع هذه الوجوه المقرّرة لكيفية الجمع ساقطة و لا يمكن المساعدة على شي‌ء منها.

فالإنصاف: استقرار المعارضة بين الطائفتين و امتناع التوفيق على نحو يعدّ من الجمع العرفي، لظهور الطائفة الاولى في الوجوب، و الثانية في المنع، و لا يتيسّر في مثله الجمع من غير شاهد، و لا شاهد كما عرفت.

إلّا أنّ الأقوى مع ذلك كلّه وجوب السجدة على الحائض كغيرها لدى استماع العزائم، و لا تعتبر الطهارة في هذه السجدة عن أيّ حدث حتّى الحيض كما عليه المشهور، و ذلك أمّا بناءً على الالتزام في الخبرين المتعارضين بالتساقط و الرجوع ابتداء إلى العام الفوق أو الأصل العملي من دون اعتناء بالمرجحات السندية المقرّرة في محلِّها لعدم تماميتها، فالأمر ظاهر، إذ المرجع حينئذ العمومات المتقدِّمة المتضمِّنة لوجوب السجدة عند سماع العزيمة الشاملة‌

______________________________
(1) في ص 192.

226
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: يعتبر في هذا السجود بعد تحقق مسماه ؛ ج 15، ص : 214

..........

______________________________
بإطلاقها للحائض و غيرها السليمة عمّا يصلح للتقييد، إذ المقيّد و هي صحيحة عبد الرّحمن بنفسه مبتلى بالمعارض كما هو المفروض فوجوده كعدمه.

و أمّا بناءً على إعمال قواعد الترجيح كما هو الصحيح على ما بيّناه في مبحث التعادل و التراجيح «1»، فالترجيح مع صحيحة الحذاء لموافقتها مع السنّة القطعيّة إذ الأخبار الدالّة و لو بإطلاقها على وجوب السجود على الحائض كثيرة جدّاً بحيث يقطع بصدور بعضها عن المعصوم (عليه السلام) على سبيل التواتر الإجمالي و موافقة الكتاب و السنّة من المرجّحات. هذا أوّلا.

و ثانياً: مع الغض عن ذلك فهي مخالفة للعامّة، إذ المعروف عند أكثر الجمهور اشتراط الطهارة من الحدثين «2» كما ذكره في الحدائق «3» نقلًا عن المنتهي «4». فتحمل صحيحة عبد الرّحمن على التقيّة، و قد ذكرنا في محله انحصار المرجّح السندي في أمرين موافقة الكتاب و السنّة أوّلًا، ثمّ مخالفة العامّة. و قد عرفت وجود كلا المرجحين في صحيح الحذاء.

هذا كلّه في حدث الحيض، و كذا الحال في الجنابة فلا تعتبر الطهارة عنها بلا إشكال و لا خلاف، و يقتضيه الأصل و الإطلاقات المؤيّدة بخبر أبي بصير المتقدِّم «5» المصرح بالوجوب و إن كان جنباً، غير أنّه ضعيف السند باعتبار عليّ بن أبي حمزة فلا يصلح إلّا للتأييد.

______________________________
(1) مصباح الأُصول 3: 404.

(2) المجموع 4: 63، المغني 1: 685، المبسوط للسرخسي 2: 4.

(3) الحدائق 8: 336.

(4) المنتهىٰ 1: 305 السطر 12.

(5) الوسائل 6: 240/ أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 2.

227
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: يعتبر في هذا السجود بعد تحقق مسماه ؛ ج 15، ص : 214

و لا من الخبث (1) فتسجد الحائض وجوباً عند سببه، و ندباً عند سبب الندب و كذا الجنب، و كذا لا يعتبر فيه الاستقبال (2)

______________________________
(1) بلا خلاف، و يدلُّ عليه بعد الإجماع: الأصل و الإطلاقات. و يمكن استفادة الحكم من صحيحة الحذاء و غيرها من نصوص الحائض، لعدم خلوّها عن الخبث غالباً بل لعلّه دائماً.

(2) بلا خلاف بل إجماعاً كما عن غير واحد، و يقتضيه الأصل و الإطلاقات. نعم، قد يستشعر أو يستظهر الاعتبار من رواية الحلبي المتقدِّمة «1» المرويّة عن علل الصدوق باب 49 قراءة القرآن المسوّغة للسجدة على ظهر الدابة، معلِّلًا بأنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) كان يصلِّي على ناقته مستشهداً بقوله تعالى فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّٰهِ «2» حيث يظهر منها لزوم مراعاة الاستقبال لو كان ساجداً على وجه الأرض.

لكن الرواية ضعيفة السند من أجل جعفر بن محمّد بن مسرور شيخ الصدوق فإنّه مجهول، و قد مرّ البحث حوله مستقصى. كما أنّها قاصرة الدلالة على المطلوب، للقطع بإرادة النافلة من صلاة النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) على ناقته لعدم صحّة الفريضة عليها اختياراً بلا إشكال و لا كلام كما يشهد به الاستشهاد بالآية المباركة الواردة في نصوص التنفل على الدابة حال السير «3»، و إلّا فلا شك في لزوم مراعاة الاستقبال في الفريضة لدى الاختيار على ما يقتضيه قوله تعالى فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ «4» و عليه فيكشف بمناسبة الحكم و الموضوع‌

______________________________
(1) في ص 216.

(2) البقرة 2: 115.

(3) الوسائل 4: 328/ أبواب القبلة ب 15 ح 18، 19، 23.

(4) البقرة 2: 144.

228
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: يعتبر في هذا السجود بعد تحقق مسماه ؛ ج 15، ص : 214

و لا طهارة موضع الجبهة، و لا ستر العورة، فضلًا عن صفات الساتر (1) من الطهارة، و عدم كونه حريراً أو ذهباً أو جلد ميتة، نعم يعتبر أن لا يكون لباسه مغصوباً إذا كان السجود يعدّ تصرّفاً فيه [1] (2).

______________________________
عن إرادة السجدة المندوبة من السجود على ظهر الدابّة دون العزيمة، أو يقال إنّ السجدة و إن كانت عزيمة إلا أنّ حالها كالنافلة فكما أنّ الأفضل رعاية الاستقبال فيها و إن لم يكن معتبراً، فكذا السجدة كما هو قضيّة التعليل و الاستشهاد بالآية فلا تدل على الوجوب، بل غايته الرجحان.

(1) كل ذلك للأصل و إطلاق النصوص بعد قصور المقتضي، لاختصاص أدلّة هذه الأُمور بالسجود الصلاتي و عدم الدليل على التعدِّي إلى المقام، مضافاً إلى عدم الخلاف فيها.

(2) أمّا اعتبار إباحة المكان الّذي أشار (قدس سره) إليه في هذه المسألة فلا إشكال فيه بعد وضوح أنّ السجدة واجب عبادي، فانّ الحرام لا يتقرّب به و لا يكون مصداقاً للواجب كما هو الحال في سجود الصلاة، لوحدة المناط و اشتراك الدليل.

و أمّا إباحة اللِّباس، فقد حكم (قدس سره) باعتبارها فيما إذا عدّ السجود تصرّفاً فيه، و هذا متين بحسب الكبرى، لعين ما عرفت في المكان، إلّا أنّ الظاهر أنّه لا مصداق له خارجاً، إذ لا يعدّ السجود تصرّفاً في اللِّباس بوجه، فإنّه متقوّم بوضع الجبهة على الأرض و لا مساس لهذا بالتصرّف في اللِّباس و الهوي إليه و إن استلزمه إلّا أنّه مقدّمة خارجية أجنبية عن حقيقة السجود المتقوّم بما عرفت.

______________________________
[1] و لكنّه لا يعدّ.

229
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 17: ليس في هذا السجود تشهد و لا تسليم ؛ ج 15، ص : 230

[مسألة 17: ليس في هذا السجود تشهّد و لا تسليم]

[1648] مسألة 17: ليس في هذا السجود تشهّد و لا تسليم (1) و لا تكبير افتتاح، نعم يستحب التكبير للرفع منه، بل الأحوط عدم تركه.

______________________________
(1) و يدلُّ عليه فيهما بعد الإجماع الّذي ادّعاه غير واحد: الأصل و الإطلاق و كذا الحال في تكبيرة الافتتاح، بل لم تكن مشروعة، للنهي في صحيحة عبد اللّٰه ابن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا قرأت شيئاً من العزائم التي يسجد فيها فلا تكبِّر قبل سجودك، و لكن تكبِّر حين ترفع رأسك»
«1». و موثقة سماعة: «إذا قرأت السجدة فاسجد و لا تكبِّر حتّى ترفع رأسك» «2» و ظاهر النهي المنع و نفي التشريع.

إنّما الكلام في التكبير بعد رفع الرأس منه، و لا شبهة في مشروعيته للأمر به في جملة من النصوص التي منها ما عرفت، و هل هو مستحب أم واجب؟ المشهور هو الأوّل، و ذهب جماعة إلى الثاني.

و يستدل للوجوب بظاهر الأمر الوارد في طائفة من الأخبار التي منها: صحيحة ابن سنان، و موثقة سماعة المتقدِّمتان آنفاً. و منها: ما رواه المحقِّق في المعتبر نقلًا من جامع البزنطي عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «في من يقرأ السجدة من القرآن من العزائم، فلا يكبِّر حين يسجد و لكن يكبِّر حين يرفع رأسه» «3».

و منها: مرسلة الصدوق: «... ثمّ يرفع رأسه ثمّ يكبِّر» «4» و ظاهر الأمر الوجوب.

إلّا أنّ بإزاء هذه النصوص الأربعة ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلًا‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 239/ أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 1، 3.

(2) الوسائل 6: 239/ أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 1، 3.

(3) الوسائل 6: 242/ أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 10، المعتبر 2: 274.

(4) الوسائل 6: 245/ أبواب قراءة القرآن ب 46 ح 2، الفقيه 1: 200/ 922.

230
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 17: ليس في هذا السجود تشهد و لا تسليم ؛ ج 15، ص : 230

..........

______________________________
من كتاب محمّد بن علي بن محبوب بسنده عن مصدّق عن عمار قال: «سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الرجل إذا قرأ العزائم كيف يصنع؟ قال: ليس فيها تكبير إذا سجدت و لا إذا قمت»
«1» حيث تضمّنت صريحاً نفي التكبير قبل السجود و بعده.

و من هنا حمل المشهور الأمر الوارد في تلك النصوص على الاستحباب جمعاً بينها و بين هذه الرواية كما هو مقتضى الصناعة في نظائر المقام.

و لكنّه لا يتم، لضعف الرواية من أجل علي بن خالد الواقع في السند فإنّه لم يوثق، و أمّا التضعيف من أجل جهالة طريق ابن إدريس إلى أرباب المجامع و الكتب كما سبق منّا مراراً، فهو و إن كان وجيهاً و لا يجدي اعتماده على القرائن القطعية بناءً منه على عدم العمل بأخبار الآحاد، إذ هو لا يستوجب القطع بالإضافة إلينا، سيّما بعد ما نشاهده من اشتمال كتاب السرائر على خبط و تشويش فتراه ينقل عن رأو ثمّ عمّن هو متقدِّم عليه بكثير بحيث يمتنع روايته عنه- إلّا أنّه يستثني من ذلك خصوص ما يرويه عن كتاب محمّد بن علي بن محبوب الّذي يروي عنه هذه الرواية فإنّ طريقه إليه صحيح، لتصريحه في السرائر بأنّ ما يرويه عن هذا الكتاب قد وجده بخطّ الشيخ (قدس سره) «2» إذ من المعلوم قرب عهده بعصر الشيخ بما لا يزيد على مائة سنة، و واضح أنّ خط الشيخ و هو شيخ الطائفة حقّا و من رؤساء المذهب المعروفين المشهورين كان يعرفه كل من قارب عصره و لم يكن معرضاً للاختفاء و الالتباس، إذن فيطمئن عادة بأنّ الخط الّذي رآه كان خطّه بنفسه، و حيث إنّ طريقه إلى ابن‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 246/ أبواب قراءة القرآن ب 46 ح 3، السرائر 3 (المستطرفات): 605.

(2) السرائر 3 (المستطرفات): 601.

231
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 17: ليس في هذا السجود تشهد و لا تسليم ؛ ج 15، ص : 230

..........

______________________________
محبوب صحيح، فيعتمد على ما يرويه عن خصوص هذا الكتاب. فالعمدة في وجه الضعف ما عرفت. إذن فتبقى تلك النصوص سليمة عمّا يوجب صرفها عن ظاهرها و هو الوجوب.

و التحقيق: قصور المقتضي للوجوب في حدّ نفسه، لضعف تلك النصوص من جهة الدلالة أو السند على سبيل منع الخلو.

أمّا صحيحة عبد اللّٰه بن سنان فقاصرة الدلالة على الوجوب، لمسبوقية الأمر بالتكبير بعد السجود بالنهي عنه قبله، و من الواضح أنّ الأمر المتعلِّق بشي‌ء الواقع عقيب النهي عن ذاك الشي‌ء لا يدل إلّا على الجواز و الإباحة دون الوجوب.

و أوضح حالًا: موثقة سماعة، لعدم تضمنها الأمر من أصله، و إنّما اشتملت على تحديد النهي برفع الرأس قال (عليه السلام): «و لا تكبِّر حتّى ترفع رأسك ...» و مقتضى مفهوم الغاية ارتفاع النهي عند حصول الغاية و هي رفع الرأس لا تعلّق الأمر كي يقتضي الوجوب، فغايتها الإباحة و جواز التكبير عندئذ دون الوجوب.

و أمّا رواية محمّد بن مسلم فهي ضعيفة السند و الدلالة. أمّا السند، فلجهالة طريق المحقِّق «1» إلى جامع البزنطي بعد وجود الفصل الطويل فتلحق بالمراسيل.

و أمّا الدلالة، فلعين ما مرّ في صحيحة ابن سنان لتقارب المتنين فلاحظ.

و أمّا مرسلة الصدوق، فهي و إن كانت أقوى دلالة من الكل، لسلامتها عن تلك المناقشات، إلّا أنّ ضعفها من جهة الإرسال يمنع عن الاعتماد عليها.

فتحصّل ممّا سردناه: أنّ الأقوى عدم الوجوب و إن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه.

______________________________
(1) و لكنّه (دام ظلّه) بني أخيراً على صحّة الطريق.

232
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 18: يكفي فيه مجرد السجود، فلا يجب فيه الذكر ؛ ج 15، ص : 233

[مسألة 18: يكفي فيه مجرّد السجود، فلا يجب فيه الذكر]

[1649] مسألة 18: يكفي فيه مجرّد السجود، فلا يجب فيه الذكر (1) و إن كان يستحب، و يكفي في وظيفة الاستحباب كلّ ما كان، و لكن الأولى أن يقول: سجدت لك يا ربّ تعبّداً و رقّاً لا مستكبراً عن عبادتك و لا مستنكفاً و لا مستعظماً بل أنا عبد ذليل خائف مستجير. أو يقول: لا إلٰه إلّا اللّٰه حقّا حقّا، لا إلٰه إلّا اللّٰه إيماناً و تصديقاً، لا إلٰه إلّا اللّٰه عبودية و رقاً، سجدت لك يا ربّ تعبّداً و رقاً، لا مستنكفاً و لا مستكبراً، بل أنا عبد ضعيف ذليل خائف مستجير. أو يقول: إلٰهي آمنّا بما كفروا، و عرفنا منك ما أنكروا و أجبناك إلى ما دعوا، إلٰهي فالعفو العفو. أو يقول ما قاله النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) في سجود سورة العلق و هو: أعوذ برضاك من سخطك و بمعافاتك من عقوبتك، و أعوذ بك منك لا أُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.

______________________________
(1) لم يتعرّض القدماء للذكر و الدُّعاء في هذه السجدة أصلًا، و لذا ترى المحقِّق قد أهمله في الشرائع
«1»، فيظهر منهم الاتِّفاق على عدم الوجوب. و أمّا المتأخِّرون فقد اكتفوا بمطلق الذكر مصرِّحين بالاستحباب مرسلين له إرسال المسلّمات، فيظهر من جميع ذلك إجماع القدماء و المتأخِّرين على عدم الوجوب هذا حال الأقوال.

و أمّا بالنظر إلى الأخبار، فقد ورد في صحيحة الحذاء الأمر بالدُّعاء على وجه خاص، «قال: إذا قرأ أحدكم السجدة من العزائم فليقل في سجوده سجدت لك تعبّداً و رقاً، لا مستكبراً عن عبادتك و لا مستنكفاً و لا مستعظماً بل أنا عبد ذليل خائف مستجير» «2» و ظاهر الأمر وجوب هذه الكيفية، إلّا أنّ بإزائها روايات أُخر دلّت على خلاف ذلك.

______________________________
(1) الشرائع 1: 106.

(2) الوسائل 6: 245/ أبواب قراءة القرآن ب 46 ح 1.

233
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 18: يكفي فيه مجرد السجود، فلا يجب فيه الذكر ؛ ج 15، ص : 233

..........

______________________________
منها: ما رواه ابن إدريس في السرائر عن كتاب محمّد بن علي بن محبوب بسنده عن عمار قال: «سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الرجل إذا قرأ العزائم كيف يصنع؟ قال: ليس فيها تكبير إذا سجدت و لا إذا قمت، و لكن إذا سجدت قلت ما تقول في السجود» «1»، و مقتضاها وجوب مطلق الذكر من غير توظيف كما في السجود.

و منها: ما عن الصدوق في الفقيه قال: «روي أنّه يقول في سجدة العزائم لا إلٰه إلّا اللّٰه حقّا حقّا، لا إلٰه إلّا اللّٰه إيماناً و تصديقاً، لا إلٰه إلّا اللّٰه عبودية و رقّا سجدت لك يا ربّ تعبّداً و رقّا، لا مستنكفاً و لا مستكبراً، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير» «2».

و منها: ما أرسله العلّامة في المنتهي، و كذا الصدوق في الفقيه أيضاً «من قرأ شيئاً من العزائم الأربع فليسجد و ليقل: إلٰهي آمنّا بما كفروا، و عرفنا منك ما أنكروا، و أجبناك إلى ما دعوا، إلٰهي فالعفو العفو» «3».

و منها: ما عن عوالي اللآلي أنّه قال: «روي في الحديث أنّه لمّا نزل قوله تعالى وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ سجد النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) و قال في سجوده: أعوذ برضاك من سخطك، و بمعافاتك من عقوبتك، و أعوذ بك منك لا أُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» «4».

و هذه النصوص كما ترى مختلفة المضمون، و حيث إنّ وجوب العمل بجميعها مقطوع العدم، و الالتزام بالوجوب التخييري بعيد عن سياقها. مضافاً إلى أنّه‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 246/ أبواب قراءة القرآن ب 46 ح 3، السرائر 3 (المستطرفات): 605.

(2) الوسائل 6: 245/ أبواب قراءة القرآن ب 46 ح 2، الفقيه 1: 201/ 922.

(3) المنتهىٰ 1: 305 السطر 12، الفقيه 1: 201/ 922.

(4) عوالي اللآلي 4: 113/ 176، المستدرك 4: 321/ أبواب قراءة القرآن ب 39 ح 2.

234
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 19: إذا سمع القراءة مكررا و شك بين الأقل و الأكثر ؛ ج 15، ص : 235

[مسألة 19: إذا سمع القراءة مكرّراً و شكّ بين الأقل و الأكثر]

[1650] مسألة 19: إذا سمع القراءة مكرّراً و شكّ بين الأقل و الأكثر يجوز له الاكتفاء في التكرار بالأقل، نعم لو علم العدد و شكّ في الإتيان بين الأقل و الأكثر وجب الاحتياط بالبناء على الأقل أيضا (1).

______________________________
لا قائل به، فيلتزم بالاستحباب جمعاً، لكشف الاختلاف عن عدم التوظيف هكذا ذكره المشهور.

و لكنّه مبني على تكافؤ هذه النصوص من حيث السند، و ليس كذلك فإنّ الثلاثة الأخيرة مراسيل لا يعوّل على شي‌ء منها، و ما قبلها ضعيف بعلي بن خالد كما تقدّم «1»، فلم يبق بإزاء صحيحة الحذاء ما يصلح للمقاومة و ظاهرها الوجوب و تعيّن تلك الكيفية.

إلّا أنّ هذا الظاهر ممّا لا قائل به، إذ لم يذهب أحد إلى وجوب هذه الكيفية و التصرّف فيه بإرادة مطلق الذكر، فيكون الواجب هو الجامع، و حمل الخصوصية على الاستحباب ممّا لا شاهد عليه، فلا يصار إليه من غير قرينة مع أنّه لا قائل بوجوب الجامع أيضاً كما سبق، فلا يمكن العمل بالصحيحة بوجه، و مقتضى الأصل البراءة عن الوجوب. إذن فنفي الوجوب من أجل عدم الدليل عليه لا قيام الدليل على العدم.

و المتحصل: أنّ الأقوى بالنظر إلى الأدلّة أيضاً فضلًا عن التسالم الخارجي استحباب الذكر لا وجوبه، فله الإتيان بأيّ ذكر شاء من الكيفيّات المذكورة في المتن التي عرفت مداركها و كذا غيرها، و إن كان الأولى الاقتصار على ما تضمنته صحيحة الحذاء، لقوّة سندها و ضعف أسانيد النصوص الأُخر.

(1) الحكم ظاهر جدّاً بكلا شقّيه، فانّ الشك في الأوّل في التكليف زائداً‌

______________________________
(1) في ص 231.

235
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 20: في صورة وجوب التكرار يكفي في صدق التعدد رفع الجبهة ؛ ج 15، ص : 236

[مسألة 20: في صورة وجوب التكرار يكفي في صدق التعدّد رفع الجبهة]

[1651] مسألة 20: في صورة وجوب التكرار يكفي في صدق التعدّد رفع الجبهة (1) عن الأرض ثمّ الوضع للسجدة الأُخرى، و لا يعتبر الجلوس ثمّ الوضع، بل و لا يعتبر رفع سائر المساجد و إن كان أحوط (2).

[مسألة 21: يستحب السجود للشكر لتجدّد نعمة أو دفع نقمة أو تذكرهما ممّا كان سابقاً]

[1652] مسألة 21: يستحب السجود للشكر لتجدّد نعمة أو دفع نقمة أو تذكرهما ممّا كان سابقاً، أو للتوفيق لأداء فريضة، أو نافلة، أو فعل خير و لو مثل الصلح بين اثنين، فقد روي عن بعض الأئمّة (عليهم السلام) أنّه كان إذا صالح بين اثنين أتى بسجدة الشكر، و يكفي في هذا السجود مجرّد وضع الجبهة مع النيّة، نعم يعتبر فيه إباحة المكان، و لا يشترط فيه الذكر و إن كان يستحب أن يقول: شكراً للّٰه، أو شكراً شكراً، و عفواً عفواً مائة مرّة أو ثلاث مرّات، و يكفي مرّة واحدة أيضاً. و يجوز الاقتصار على سجدة واحدة، و يستحب مرّتان، و يتحقّق التعدّد بالفصل بينهما بتعفير الخدّين أو الجبينين أو الجميع مقدّماً للأيمن منهما على الأيسر ثمّ وضع الجبهة ثانياً.

______________________________
على المقدار المتيقن، و المرجع فيه أصالة البراءة، و في الثاني في الامتثال بعد العلم بالتكليف، و المرجع قاعدة الاشتغال.

(1) إذ السجود متقوّم بوضع الجبهة على الأرض و الهوي مقدّمة صرفة فيكفي في تكرّر الوضع مجرّد الرفع بأقل ما يتحقّق معه انفصال الجبهة عن الأرض ثمّ الوضع ثانياً بحيث يتخلّل العدم بين الوضعين الّذي هو مناط التعدّد و لا حاجة إلى الجلوس بينهما، لما عرفت من عدم دخل الهوي إليه في تحقّق الواجب.

(2) هذا إنّما يتم بناءً على عدم اعتبار وضع سائر المساجد في هذه السجدة‌

236
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 21: يستحب السجود للشكر لتجدد نعمة أو دفع نقمة أو تذكرهما مما كان سابقا ؛ ج 15، ص : 236

و يستحب فيه افتراش الذراعين، و إلصاق الجؤجؤ و الصدر و البطن بالأرض و يستحب أيضاً أن يمسح موضع سجوده بيده ثمّ إمرارها على وجهه و مقاديم بدنه، و يستحب أن يقرأ في سجوده ما ورد في حسنة عبد اللّٰه بن جندب عن موسى بن جعفر (عليه السلام) «ما أقول في سجدة الشكر فقد اختلف أصحابنا فيه؟ فقال (عليه السلام): قل و أنت ساجد: اللّٰهمّ إنِّي أُشهدك و أُشهد ملائكتك و أنبياءك و رسلك و جميع خلقك أنّك أنت اللّٰه ربِّي، و الإسلام ديني، و محمّد نبيِّي، و عليّ و الحسن و الحسين إلى آخرهم أئمّتي (عليهم السلام) بهم أتولّى و من أعدائهم أتبرّأ، اللّٰهمّ إنِّي أَنشدك دم المظلوم ثلاثاً اللّٰهمّ إنِّي أَنشدك بإيوائك على نفسك لأعدائك لتهلكنّهم بأيدينا و أيدي المؤمنين، اللّٰهمّ إنِّي أَنشدك بإيوائك على نفسك لأوليائك لتظفرنّهم بعدوك و عدوهم، أن تصلِّي على محمّد و على المستحفظين من آل محمّد ثلاثاً اللّٰهمّ إنِّي أسألك اليسر بعد العسر ثلاثاً ثمّ تضع خدك الأيمن على الأرض و تقول: يا كهفي حين تعييني المذاهب و تضيق عليّ الأرض بما رحبت، يا بارئ خلقي رحمة بي و قد كنتَ عن خلقي غنيّاً، صلّ على محمّد و على المستحفظين من آل محمّد، ثمّ تضع خدّك الأيسر و تقول: يا مُذلّ كل جبّار، و يا مُعزّ كل ذليل، و قد و عزّتك

______________________________
و أمّا بناءً على الاعتبار كما هو الأحوط لو لم يكن أقوى على ما سبق، فيشكل الاقتصار على رفع الجبهة في صدق التعدّد، لاعتبار الأحداث في تحقّق الواجب و عدم كفاية البقاء، كما هو الشأن في سائر الواجبات رعاية لظاهر الأمر المتعلِّق بها، فانّ ظاهره الحدوث و الإيجاد كما مرّ مراراً، فلا يتحقّق امتثال الأمر بوضع سائر المحال و السجود على الأعظم السبعة إلّا بالرفع و الوضع ثانياً. و منه تعرف اعتبار ذلك في سجود الصلاة أيضاً، لوحدة المناط.

237
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 22: إذا وجد سبب سجود الشكر و كان له مانع من السجود على الأرض فليوم برأسه و يضع خده على كفه ؛ ج 15، ص : 238

بلّغ مجهودي ثلاثاً ثمّ تقول: يا حنّان يا منّان يا كاشف الكرب العظام، ثمّ تعود للسجود فتقول مائة مرّة: شكراً شكراً، ثمّ تسأل حاجتك إن شاء اللّٰه» و الأحوط وضع الجبهة في هذه السجدة أيضاً على ما يصح السجود عليه و وضع سائر المساجد على الأرض، و لا بأس بالتكبير قبلها و بعدها لا بقصد الخصوصية و الورود.

[مسألة 22: إذا وجد سبب سجود الشكر و كان له مانع من السجود على الأرض فليوم برأسه و يضع خده على كفّه]

[1653] مسألة 22: إذا وجد سبب سجود الشكر و كان له مانع من السجود على الأرض فليوم برأسه و يضع خده على كفّه، فعن الصادق (عليه السلام): «إذا ذكر أحدكم نعمة اللّٰه عزّ و جلّ فليضع خدّه على التراب شكراً للّٰه، و إن كان راكباً فلينزل فليضع خدّه على التراب، و إن لم يكن يقدر على النزول للشهرة فليضع خدّه على قربوسه، فان لم يقدر فليضع خدّه على كفّه ثمّ ليحمد اللّٰه على ما أنعم عليه» و يظهر من هذا الخبر تحقّق السجود بوضع الخد فقط من دون الجبهة.

[مسألة 23: يستحب السجود بقصد التذلّل أو التعظيم للّٰه تعالى]

[1654] مسألة 23: يستحب السجود بقصد التذلّل أو التعظيم للّٰه تعالى، بل من حيث هو راجح و عبادة، بل من أعظم العبادات و آكدها، بل ما عبد اللّٰه بمثله، و ما من عمل أشد على إبليس من أن يرى ابن آدم ساجداً لأنّه أُمر بالسجود فعصى، و هذا أُمر به فأطاع و نجى، و أقرب ما يكون العبد إلى اللّٰه و هو ساجد، و أنّه سنّة الأوّابين، و يستحب إطالته فقد سجد آدم ثلاثة أيّام بلياليها، و سجد عليّ بن الحسين (عليه السلام) على حجارة خشنة حتّى أُحصي عليه ألف مرّة «لا إلٰه إلّا اللّٰه حقّا حقّا، لا إلٰه إلّا اللّٰه تعبّداً و رقّا، لا إلٰه إلّا اللّٰه إيماناً و تصديقاً» و كان الصادق (عليه السلام) يسجد السجدة حتّى يقال إنّه راقد، و كان موسى بن جعفر (عليه السلام) يسجد كل

238
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 24: يحرم السجود لغير الله تعالى فإنه غاية الخضوع ؛ ج 15، ص : 239

يوم بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال.

[مسألة 24: يحرم السجود لغير اللّٰه تعالى فإنّه غاية الخضوع]

[1655] مسألة 24: يحرم السجود لغير اللّٰه تعالى (1) فإنّه غاية الخضوع فيختص بمن هو غاية الكبرياء و العظمة، و سجدة الملائكة لم تكن لآدم بل كان قبلة لهم، كما أنّ سجدة يعقوب و ولده لم تكن ليوسف بل للّٰه تعالى شكراً حيث رأوا ما أعطاه اللّٰه من الملك، فما يفعله سواد الشيعة من صورة السجدة عند قبر أمير المؤمنين و غيره من الأئمّة (عليهم السلام) مشكل، إلّا أن يقصدوا به سجدة الشكر لتوفيق اللّٰه تعالى لهم لإدراك الزيارة. نعم لا يبعد جواز تقبيل العتبة الشريفة.

______________________________
(1) بلا إشكال و لا خلاف، لما أُشير إليه في المتن من أنّه غاية الخضوع فيختص بمن هو في غاية الكبرياء، و يدل عليه من الكتاب قوله تعالى
لٰا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَ لٰا لِلْقَمَرِ «1» فانّ مناط المنع هو المخلوقية فيعم ما سواه تعالى و تخصيصهما بالذكر لعظم الخلقة، و من ثمّ احتجّ به إبراهيم (عليه السلام) على ربوبيتهما فقال مشيراً إلى القمر هٰذٰا رَبِّي «2» ثمّ للشمس هٰذٰا رَبِّي هٰذٰا أَكْبَرُ «3».

و من السنّة طائفة كثيرة من الأخبار، و هي و إن كانت ضعيفة السند إلّا أنّها متضافرة بل متواترة إجمالًا فيعتمد عليها، و قد ورد عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) بسند معتبر «أنّه لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد‌

______________________________
(1) فصّلت 41: 37.

(2) الأنعام 6: 77.

(3) الأنعام 6: 78.

239
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 24: يحرم السجود لغير الله تعالى فإنه غاية الخضوع ؛ ج 15، ص : 239

..........

______________________________
لزوجها»
«1». فانّ التعبير بكلمة «لو» الامتناعية دال على امتناع السجود لغير اللّٰه تعالى.

و أمّا سجود الملائكة لآدم و كذا سجود يعقوب و ولده ليوسف فقد أُجيب عنه في الروايات بوجهين و كلاهما صحيح.

أحدهما: أنّ السجود كان للّٰه تعالى، و إنّما جعل آدم و يوسف قبلة لهم تشريفاً و إجلالًا، كما أنّ الكعبة قبلة لنا «2»، فلم يكن السجود لآدم و لا ليوسف بل شكراً له تعالى. كما أنّا لم نسجد لتلك الأحجار أو لذاك الفضاء.

الثاني: أنّ السجود و إن كان لآدم إلّا أنّه حيث كان بأمر من اللّٰه تعالى فهو في الحقيقة سجود له و عين العبودية و التوحيد، أ لا ترى أنّ الملك إذا أمر بتعظيم شخص و الخضوع له فتعظيمه في الحقيقة عائد إلى الملك و خضوعه يرجع بالأخرة إلى الخضوع إليه، لانبعاثه عن أمره و كونه إطاعة لحكمه، و عليه فلا يجوز السجود لغير من أمر به تعالى، لكونه شركاً في العبادة بعد أن لم يكن صادراً عن أمره. و قد ذكرنا في بحث التفسير «3» أنّ السجود للأصنام إنّما لا يجوز لعدم إذنه تعالى في ذلك، و إلّا فلو أذن تعالى به لم يكن به بأس لكونه طاعة له و امتثالًا لأمره.

و قد ورد في بعض الروايات «4» أنّ النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) أجاب عمّن‌

______________________________
(1) الوسائل 20: 162/ أبواب مقدّمات النكاح و آدابه ب 81 ح 1.

(2) غير خفي أنّ السجود للشي‌ء غير السجود إلى الشي‌ء، و ظاهر الآيات الواردة في آدم و يوسف هو الأوّل كما أنّ الواردة في الكعبة هو الثاني، فلا يكونان من سنخ واحد ليقاس أحدهما بالآخر.

(3) البيان: 478.

(4) الوسائل 6: 386/ أبواب السجود ب 27 ح 3.

240
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 24: يحرم السجود لغير الله تعالى فإنه غاية الخضوع ؛ ج 15، ص : 239

..........

______________________________
سأله عن السجود لغير اللّٰه تعالى قياساً على سجود الملائكة لآدم (عليه السلام) بأنّه كان ذلك عن إذنه تعالى، و أوضحه (صلّى اللّٰه عليه و آله) بإيراد مثال و هو أنّه إذا أذن أحد لغيره بالدخول في داره الخاصّة فهل يجوز للمأذون له الدخول في داره الأُخرى قياساً على الاولى، و هذا المضمون قوي و إن كان سند الخبر ضعيفاً. و كيف ما كان فالحكم ظاهر لا غبار عليه.

241
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التشهد ؛ ج 15، ص : 242

[فصل في التشهّد]

فصل في التشهّد و هو واجب في الثنائية مرّة بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة من الركعة الثانية، و في الثلاثية و الرباعية مرّتين، الاولى كما ذكر و الثانية بعد رفع الرأس من السجدة الثانية في الركعة الأخيرة (1).

______________________________
(1) لا إشكال كما لا خلاف عندنا في وجوب التشهّد مرّة في الثنائية و مرّتين في الثلاثية و الرباعية على النحو الّذي ذكره في المتن، و قد ادّعى عليه الإجماع غير واحد من الأصحاب قديماً و حديثاً قال في الجواهر: بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما متواتر أو في أعلى درجات الاستفاضة
«1». و في المستند: هو واجب عندنا، بل الضرورة من مذهبنا «2». و عن الأمالي: أنّه من دين الإمامية «3» و لم ينسب الخلاف إلّا إلى العامّة، فقد أنكر كثير منهم وجوب التشهّد الأوّل و بعضهم كأبي حنيفة و غيره وجوب الثاني، و بعض آخر وجوبهما «4»، فالخلاف منهم، و إلّا فالشيعة متّفقون على الوجوب في الموضعين و هو قول علمائنا أجمع، هذا.

______________________________
(1) الجواهر 10: 246.

(2) المستند 5: 323.

(3) أمالي الصدوق: 741/ 1006.

(4) بداية المجتهد 1: 129، المغني 1: 613، 614، المجموع 3: 450، 462، المنتقى للباجي 1: 168.

242
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التشهد ؛ ج 15، ص : 242

..........

______________________________
و قد ذكر بعضهم انحصار الدليل في الإجماع و إلّا فالنصوص غير وافية بإثبات الوجوب، لورودها في مقام آخر من نسيان التشهّد أو الشك و نحوهما، فليست هي في مقام تشريع الوجوب كي تدل عليه، بل مسوقة لبيان حكم آخر.

لكن الإنصاف عدم الانحصار و إن كان الإجماع بنفسه صالحاً للاستدلال فان معظم الأخبار و إن كانت كما ذكر إلّا أنّه يمكن استفادة الحكم من بعضها.

فمنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا قمت في الركعتين من ظهر أو غيرها فلم تتشهّد فيهما فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع فاجلس و تشهّد و قم فأتم صلاتك ...» إلخ «1» فإنّ الأمر بالجلوس و التشهّد ظاهر في الوجوب.

و منها: صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته، فان كان مستعجلًا في أمر يخاف أن يفوته فسلّم و انصرف أجزأه» «2» دلّت بمفهوم الشرط على عدم مضي الصلاة و عدم تماميتها ما لم يفرغ عن الشهادتين، و هذا كما ترى مساوق لجزئية التشهّد و وجوبه و إلّا لما أُنيطت صحّة الصلاة بالفراغ عنه.

و حكمه (عليه السلام) في الذيل باجزاء التسليم لدى الاستعجال ناظر إلى عدم لزوم الإتيان بالأذكار و الأدعية المستحبّة الواردة بعد التشهّد.

و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا التفتّ في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشاً و إن كنت قد تشهّدت فلا تعد» «3» دلّت بالمفهوم على وجوب الإعادة إذا كان الالتفات‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 406/ أبواب التشهّد ب 9 ح 3.

(2) الوسائل 6: 397/ أبواب التشهّد ب 4 ح 2.

(3) الوسائل 6: 424/ أبواب التسليم ب 3 ح 4.

243
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التشهد ؛ ج 15، ص : 242

..........

______________________________
الفاحش أي إلى اليمين أو إلى اليسار قبل التشهّد، لوقوعه حينئذ أثناء الصلاة. و هذا يكشف عن جزئية التشهّد و وجوبه لا محالة، إذ لو لم يكن من أجزاء الصلاة و واجباتها لم يكن أيّ وجه للإعادة كما هو ظاهر. و أمّا ما تضمنته الصحيحة من عدم الإعادة لو كان الالتفات بعد التشهّد و عند التسليم فلعلّه من أجل أنّ السلام مخرج فلا يضر الالتفات عندئذ و إن كان فاحشاً. و كيف ما كان فهي صريحة الدلالة فيما نحن بصدده.

فهذه النصوص غير قاصرة الدلالة عن إفادة الوجوب، و ليست واردة في مقام حكم آخر بمثابة تمنع عن استفادة الوجوب.

نعم، هناك روايات أُخر قد يظهر منها عدم الوجوب، و هذا و إن لم يظهر له قائل كما عرفت، إلّا أنّ الكلام يقع في مفاد تلك النصوص و أنّها هل تحمل على التقيّة أو لا؟

فمنها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه في السجدة الأخيرة و قبل أن يتشهّد، قال: ينصرف فيتوضّأ فإن شاء رجع إلى المسجد و إن شاء ففي بيته و إن شاء حيث شاء قعد فيتشهّد ثمّ يسلِّم، و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته» «1».

فربّما يستظهر منها عدم الوجوب و خروج التشهّد عن الصلاة و إلّا بطلت لمكان الحدث، فكيف حكم (عليه السلام) بالانصراف و الإتيان بالتشهّد حيثما شاء بعد التوضي، و قد أفتى الصدوق بمضمونها «2»، و من أجله قد ينسب إليه الخلاف في المسألة، لكنّه ساقط قطعاً، فانّ الصدوق لم يفت بعدم الوجوب و إنّما أفتى بمضمون الصحيحة، و مضمونها كما ترى لا يقتضي عدم الوجوب، بل غايته‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 410/ أبواب التشهّد ب 13 ح 1.

(2) الفقيه 1: 233 ذيل الحديث 1030.

244
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التشهد ؛ ج 15، ص : 242

..........

______________________________
عدم مبطلية الحدث في خصوص هذا المورد. و هذا حكم آخر إمّا أن يلتزم به كما صنعه الصدوق أو يحمل على التقيّة، و سيجي‌ء الكلام حوله في بحث الخلل إن شاء اللّٰه تعالى.

و أمّا نفس التشهّد، فلا دلالة فيها على عدم وجوبه كي تعارض النصوص السابقة، بل هي بالدلالة على الوجوب أولى من الدلالة على العدم، و لذا لم يسوّغ (عليه السلام) في تركه، بل أمره بالإتيان بعد تحصيل الطهارة و إن كان في بيته أو حيثما شاء، و ظاهر الأمر الوجوب، فتخرج الصحيحة عن المعارضة إلى المعاضدة. فاستظهار الخلاف منها كنسبته إلى الصدوق كلاهما في غير محلّه.

و على الجملة: فالصحيحة لا تعارض إلّا النصوص الدالّة بإطلاقها على ناقضية الحدث و للعلاج بينهما مقام آخر لا نصوص المقام.

و منها: موثقة عبيد بن زرارة قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام): الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير، فقال: تمّت صلاته، و إنّما التشهّد سنّة في الصلاة فيتوضّأ و يجلس مكانه أو مكاناً نظيفاً فيتشهّد» «1».

و هي كسابقتها توهّماً و جواباً غير أنّها تزيد عليها بقوله (عليه السلام): «التشهّد سنّة»، فقد يتوهّم من التعبير بالسنّة الاستحباب، و هو كما ترى، فانّ هذا الإطلاق اصطلاح محدث من الفقهاء دارج في ألسنتهم. و أمّا في لسان الأخبار فهو بمعنى ما سنّة النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) في قبال ما فرضه اللّٰه تعالى فلا ينافي الوجوب، و قد أُطلق لفظ السنّة على القراءة و التشهّد في ذيل حديث لا تعاد «2» و غيره، مع أنّ القراءة واجبة بلا إشكال لقوله (عليه السلام): «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» «3» و غيره من الأخبار.

______________________________
(1) الوسائل 6: 411/ أبواب التشهّد ب 13 ح 2.

(2) الوسائل 6: 91/ أبواب القراءة في الصلاة ب 29 ح 5.

(3) المستدرك 4: 158/ أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 5.

245
موسوعة الإمام الخوئي15

و واجباته سبعة ؛ ج 15، ص : 246

 

و هو واجب غير ركن، فلو تركه عمداً بطلت الصلاة (1) و سهواً أتى به ما لم يركع، و قضاه بعد الصلاة إن تذكّر بعد الدخول [1] في الركوع مع سجدتي السهو.

[و واجباته سبعة]

و واجباته سبعة:

[الأوّل: الشهادتان]

الأوّل: الشهادتان (2)

______________________________
و منها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): «في الرجل يفرغ من صلاته و قد نسي التشهّد حتّى ينصرف، فقال: إن كان قريباً رجع إلى مكانه فتشهّد و إلّا طلب مكاناً نظيفاً فتشهّد فيه، و قال إنّما التشهّد سنّة في الصلاة» «1».

و قد ظهر حالها ممّا مرّ إشكالًا و جواباً فلا حاجة إلى الإعادة. و قد تحصّل من جميع ما مرّ: وجوب التشهّد فتوى و نصّاً من غير معارض.

(1) فانّ البطلان لدى العمد هو مقتضى حديث الجزئية و الوجوب الّذي عرفته، و أمّا عدم كونه ركناً فلاندراجه في عقد المستثنى منه في حديث لا تعاد و أمّا التفصيل لدى السهو بين ما إذا كان التذكّر قبل الركوع فالرجوع أو بعده فالمضي، فلأنه مضمون صحيحة الحلبي الأُولى التي مرّت الإشارة إليها «2».

(2) أي الشهادة بالتوحيد و بالرسالة بلا خلاف كما ادّعاه غير واحد، بل إجماعاً كما حكاه الأصحاب قديماً و حديثاً، و لم ينسب الخلاف إلّا إلى الجعفي في الفاخر «3» حيث خصّ الوجوب بالشهادة الاولى في التشهّد الأوّل و إن أوجبهما‌

______________________________
[1] على الأحوط.

______________________________
(1) الوسائل 6: 401/ أبواب التشهّد ب 7 ح 2.

(2) الوسائل 6: 406/ أبواب التشهّد ب 9 ح 3.

(3) حكاه عنه في الذكرى 3: 420.

 

246
موسوعة الإمام الخوئي15

الأول: الشهادتان ؛ ج 15، ص : 246

..........

______________________________
في الثاني، و إلّا إلى الصدوق في المقنع
«1» حيث حكي عنه الاجتزاء بقول: بسم اللّٰه و باللّٰه بدل الشهادتين.

و يدل على المشهور جملة من النصوص فيها الصحيح و هو المعتمد المؤيِّد بغيره.

فمنها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام): التشهّد في الصلوات؟ قال: مرّتين، قال قلت: كيف مرّتين؟ قال: إذا استويت جالساً فقل: أشهد أن لا إلٰه إلّا اللّٰه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله ...» إلخ «2».

و منها: رواية عبد الملك بن عمرو الأحول عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: التشهّد في الركعتين الأولتين: الحمد للّٰه أشهد أن لا إلٰه إلّا اللّٰه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله، اللّٰهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد و تقبّل شفاعته و ارفع درجته» «3»، و لا يقدح اشتمالها على ما ثبت استحبابه من الخارج كما لا يخفى. نعم، هي ضعيفة السند بالأحول فإنّه لم يوثق، غير أنّ الكشي روى رواية في مدحه «4»، لكن السند ينتهي إلى الرجل نفسه فلا يعتمد عليه.

و منها: رواية يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: التشهّد في كتاب علي شفع» «5» فانّ المراد بالشفع هو الزوج أي المرّتان اللّتان وقع‌

______________________________
(1) لاحظ المقنع: 96.

(2) الوسائل 6: 397/ أبواب التشهّد ب 4 ح 4.

(3) الوسائل 6: 393/ أبواب التشهّد ب 3 ح 1.

(4) رجال الكشي: 389/ 730.

(5) الوسائل 6: 398/ أبواب التشهّد ب 4 ح 5.

247
موسوعة الإمام الخوئي15

الأول: الشهادتان ؛ ج 15، ص : 246

..........

______________________________
التصريح بهما في بقيّة الأخبار كصحيحة ابن مسلم المتقدِّمة و غيرها، لا التعدّد باعتبار الموضع، و إلّا فلا شفع بهذا المعنى في الثنائية المشمولة لإطلاقها. و هي أيضاً ضعيفة السند بعلي بن عبيد حيث لم يوثق.

و منها: رواية سورة بن كليب قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن أدنى ما يجزئ من التشهّد، قال: الشهادتان» «1» و المراد بالشهادتين هما الشهادتان المعهودتان المشار إليهما في بقية الأخبار، أي الشهادة بالتوحيد و بالرسالة. و هي أيضاً ضعيفة عند القوم ب‍ «سورة» إذ لم يوثق، و لكنّها معتبرة عندنا لوقوعه في أسناد تفسير القمي.

و أمّا مقالة الجعفي، فإن أراد بها الاكتفاء بإحدى الشهادتين في التشهّد الأوّل من غير تعيين فلم يعرف له مستند أصلًا، و إن أراد خصوص الشهادة بالتوحيد فيمكن الاستدلال عليه بصحيحة زرارة قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما يجزئ من القول في التشهّد في الركعتين الأوّلتين؟ قال: أن تقول: أشهد أن لا إلٰه إلّا اللّٰه وحده لا شريك له، قلت: فما يجزئ من تشهّد الركعتين الأخيرتين؟ فقال: الشهادتان» «2».

لكن لا يبعد أن تكون الصحيحة ناظرة إلى بيان عدم وجوب سائر الأذكار و الأدعية المستحبّة الواردة في التشهّد التي تضمنتها موثقة أبي بصير «3». فقوله (عليه السلام) «أن تقول أشهد ...» إلخ، إشارة إلى مجموع الشهادتين المعهودتين و أنّه يقتصر عليهما في قبال سائر الأذكار، لا خصوص الشهادة الأُولى، و هذا النوع من الإطلاق دارج في الاستعمالات فيذكر أوّل الكلام و يراد به تمامه و إلى‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 398/ أبواب التشهّد ب 4 ح 6.

(2) الوسائل 6: 396/ أبواب التشهّد ب 4 ح 1.

(3) الوسائل 6: 393/ أبواب التشهّد ب 3 ح 2.

248
موسوعة الإمام الخوئي15

الأول: الشهادتان ؛ ج 15، ص : 246

..........

______________________________
آخره فيكتفى بالإشارة إليه لمعهوديته الموجبة للاستغناء عن التعرّض إليه تفصيلًا.

و منه تعرف أنّ جوابه (عليه السلام) عن السؤال الثاني بقوله (عليه السلام): «الشهادتان» لم يرد في مقام الفرق بين الركعتين الأوّلتين و الأخيرتين في عدد الشهادة كما هو مبنى الاستدلال، بل المراد بيان الاتِّحاد في كيفية الشهادة و أنّ الواجب فيهما على حد سواء ردّاً لما توهّمه السائل من الفرق بينهما، كما يكشف عن ذلك وقوع السؤال عن الاتِّحاد في صحيحة البزنطي قال: «قلت لأبي الحسن (عليه السلام) جعلت فداك التشهّد الّذي في الثانية يجزئ أن أقول في الرابعة؟ قال: نعم» «1».

و أمّا ما نسب إلى الصدوق في المقنع من الاجتزاء بقول: بسم اللّٰه و باللّٰه، فلم يعرف له مستند أصلًا. نعم، هناك روايتان يظهر منهما الاجتزاء بقول: بسم اللّٰه من دون اضافة «و باللّٰه».

إحداهما: موثقة عمار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إن نسي الرجل التشهّد في الصلاة فذكر أنّه قال بسم اللّٰه فقط فقد جازت صلاته، و إن لم يذكر شيئاً من التشهّد أعاد الصلاة» «2». و الحكم بالإعادة في ذيلها محمول على الاستحباب لحديث لا تعاد المقتضي لعدم الإعادة من نسيان التشهّد.

الثانية: رواية علي بن جعفر قال: «سألته عن رجل ترك التشهّد حتّى سلّم كيف يصنع؟ قال: إن ذكر قبل أن يسلِّم فليتشهّد، و عليه سجدتا السهو، و إن ذكر أنّه قال أشهد أن لا إلٰه إلّا اللّٰه، أو بسم اللّٰه، أجزأه في صلاته، و إن لم يتكلّم‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 397/ أبواب التشهّد ب 4 ح 3.

(2) الوسائل 6: 403/ أبواب التشهّد ب 7 ح 7.

249
موسوعة الإمام الخوئي15

الأول: الشهادتان ؛ ج 15، ص : 246

..........

______________________________
بقليل و لا كثير حتّى يسلم أعاد الصلاة»
«1».

لكن موردهما خصوص حال النسيان فلا يشمل صورة العمد، مضافاً إلى ضعف سند الثانية بعبد اللّٰه بن الحسن، هذا و الحكم بالإعادة في ذيل الأخيرة محمول على الاستحباب أيضاً كما سبق. و أمّا الحكم بسجدتي السهو فغير واضح إذ التذكّر إنّما كان في المحل لكونه قبل التسليم و قد أتى بالتشهّد، فلم يعرف موجب للسجدتين أصلًا.

ثمّ إنّه قد يظهر من رواية الخثعمي الاجتزاء بالتحميد «قال: إذا جلس الرجل للتشهّد فحمد اللّٰه أجزأه» «2».

لكنّها مضافاً إلى ضعف السند قاصرة الدلالة على كفايته عن الشهادتين، إذ المفروض فيها جلوس الرجل للتشهّد و لا يكون الجلوس متّصفاً بكونه جلسة التشهّد إلّا إذا اشتمل عليه و اقترن به، و واضح أنّ التحميد ليس من التشهّد في شي‌ء.

فالتشهّد مفروض الوجود لا محالة. إذن يكون المراد بالاجتزاء اجتزاء التحميد عن بقية الأذكار و الأدعية الواردة في بقية الروايات و لا سيّما موثقة أبي بصير الطويلة المشتملة على جملة من الأذكار المستحبّة «3» لا عن أصل التشهّد، كما يشهد لهذا الحمل رواية بكر بن حبيب قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) أيّ شي‌ء أقول في التشهّد و القنوت؟ قال: قل بأحسن ما علمت فإنّه لو كان موقتاً لهلك الناس» «4».

______________________________
(1) الوسائل 6: 404/ أبواب التشهّد ب 7 ح 8.

(2) الوسائل 6: 399/ أبواب التشهّد ب 5 ح 2.

(3) الوسائل 6: 393/ أبواب التشهّد ب 3 ح 2.

(4) الوسائل 6: 399/ أبواب التشهّد ب 5 ح 1.

250
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الصلاة على محمد و آل محمد ؛ ج 15، ص : 251

[الثاني: الصلاة على محمّد و آل محمّد]

الثاني: الصلاة على محمّد و آل محمّد فيقول: أشهد أن لا إلٰه إلّا اللّٰه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله، اللّٰهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد (1).

______________________________
و روايته الأُخرى قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن التشهّد، فقال: لو كان كما يقولون واجباً على الناس هلكوا، إنّما كان القوم يقولون أيسر ما يعلمون، إذا حمدت اللّٰه أجزأ عنك»
«1» و هما و لا سيما الأخيرة واضحتا الدلالة على ما ذكرنا من اجتزاء التحميد عن سائر الأذكار المندوبة و أنّه ليس هناك شي‌ء موقّت، و إن كان السند ضعيفاً، إذ لم تثبت وثاقة بكر بن حبيب و من هنا كانت مؤيّدة لما ذكرناه.

(1) هذا الحكم ممّا تسالم عليه الأصحاب، و قد ادّعى عليه الإجماع غير واحد، نعم ربّما ينسب الخلاف إلى الصدوق بإنكار الوجوب مطلقاً «2»، و إلى والده بإنكاره في التشهّد الأوّل «3»، و قد وقع الكلام في صحّة هذه النسبة بل استضعفها في الجواهر «4» من أجل تصريح الصدوق في الأمالي «5» بأن من دين الإمامية الإقرار بأنّه يجزئ في التشهّد الشهادتان و الصلاة على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله)، و إن أورد عليه بعدم دلالة العبارة على الوجوب. و كيف ما كان لا يهمّنا التعرّض لذلك بعد وضوح أنّ الخلاف على تقدير صدق النسبة شاذ لا يعبأ به.

______________________________
(1) الوسائل 6: 399/ أبواب التشهّد ب 5 ح 3.

(2) الفقيه 1: 209، المقنع: 95.

(3) حكاه عنه في الذكرى 3: 412.

(4) الجواهر 10: 254.

(5) لاحظ أمالي الصدوق: 741/ 1006.

251
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الصلاة على محمد و آل محمد ؛ ج 15، ص : 251

..........

______________________________
كما نسب الخلاف إلى ابن الجنيد
«1» أيضاً، و أنّه يرى الاكتفاء بها في أحد التشهّدين، و هو أيضاً شاذ كسابقه.

و على أيّ حال فلا ينبغي الإشكال في قيام التسالم و انعقاد الإجماع على الحكم، بل تدل عليه جملة وافرة من النصوص المتضمِّنة عدم قبولية الصلاة بدونها المرويّة من فرق الخاصّة و العامّة.

منها: ما رواه الشيخ في الصحيح بسنده عن أبي بصير و زرارة جميعاً عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) أنّه «قال: مِن تمام الصوم إعطاء الزكاة، كما أنّ الصلاة على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) من تمام الصلاة، و من صام و لم يؤدها فلا صوم له إن تركها متعمِّداً، و من صلّى و لم يصلّ على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) و ترك ذلك متعمِّداً فلا صلاة له، إنّ اللّٰه تعالى بدأ بها قبل الصلاة فقال قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّٰى» «2» و روى الشيخ أيضاً مثله بسنده عن أبي بصير عن زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «3».

هذا، و قد روى صاحب الوسائل رواية أُخرى عن الصدوق بسنده عن أبي بصير و زرارة جميعاً قالا في حديث «قال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام): إنّ الصلاة على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) من تمام الصلاة إذا تركها متعمِّداً فلا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) ...» الحديث «4» و هي مضافاً إلى اشتمالها على التكرار الّذي لم يعرف وجهه غير موجودة في الفقيه بهذه الألفاظ‌

______________________________
(1) حكاه عنه في الذكرى 3: 412.

(2) الوسائل 6: 407/ أبواب التشهّد ب 10 ح 2 [لم يرد الحديث في كتب الشيخ بهذا السند].

(3) التهذيب 2: 159/ 625 و 4: 108/ 314.

(4) الوسائل 6: 407/ أبواب التشهّد ب 10 ح 1، الفقيه 2: 119/ 515.

252
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الصلاة على محمد و آل محمد ؛ ج 15، ص : 251

..........

______________________________
و إنّما الموجود هي الرواية السابقة التي نقلها عنه صاحب الوسائل في باب 1 من زكاة الفطرة حديث 5
«1». نعم، قال في الحدائق: و ظنّي أنِّي وقفت عليه في الكتاب المذكور حين قرأ بعض الاخوان عليّ الكتاب المذكور و لكن لا يحضرني موضعه الآن «2».

لكن الظاهر أنّ نسبة هذه الرواية إلى الصدوق مبنية على السهو و ليست للصدوق رواية أُخرى تختص بالصلاة، فذكر صاحب الوسائل هذه الرواية في المقام و نسبتها إليه سهو من قلمه الشريف سيّما مع ذكر الرواية الأُولى عقيبها مقتصراً في نسبتها إلى الشيخ مع وجودها في الفقيه أيضاً كما نقلها عنه في كتاب الزكاة على ما عرفت. و كيف ما كان فلا ينبغي الشك في أنّه ليست هناك إلّا رواية واحدة نقلها الشيخ بطريقين، و الصدوق بطريق واحد و هي الرواية السابقة.

إنّما الكلام في دلالتها على الوجوب، و قد نوقش فيها من وجوه:

أحدها: الاشتمال على التشبيه المقتضي للمساواة في وجه الشبه، و حيث إنّ الحكم في الصوم مبني على نفي الكمال بلا إشكال فكذا في الصلاة فلا تدل على نفي الصحّة فيها. بل قال بعضهم إنّ التفكيك بين المشبه و المشبّه به بالحمل على متمِّم الذات في أحدهما و متمِّم الكمال في الآخر مستبشع جدّاً.

و هذا الاشكال مذكور في كلمات القوم، و جوابه هو ما ذكره المحقِّق الهمداني «3» و صاحب الحدائق «4» (قدس سرهما) من عدم الضير في ذلك، و لا بشاعة في التفكيك الثابت من قرينة خارجية، غايته حمل الكلام على ضرب من التجوّز‌

______________________________
(1) الوسائل 9: 318.

(2) الحدائق 8: 459.

(3) مصباح الفقيه (الصلاة): 367 السطر 15.

(4) الحدائق 8: 459.

253
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الصلاة على محمد و آل محمد ؛ ج 15، ص : 251

..........

______________________________
و المبالغة، فان ظاهر الصحيحة أنّ الحكم في المشبّه به، أعني الصلاة التي هي مبنى الاستدلال أمر مسلّم مفروغ عنه، و أنّ اعتبار الصلاة على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) في صحّتها شي‌ء ثابت لا ينكر و قد شبّه الصِّيام بها، و ظاهره أنّه مثلها في اعتبار الزكاة في صحّتها غير أنّه قد ثبت من الخارج اعتبارها في الكمال دون الصحّة، فمن أجل ذلك يحمل الاعتبار في المشبّه الظاهر في الصحّة على التأكيد و المبالغة، إذ لا يعتبر أن يكون المشبّه كالمشبّه به في تمام الجهات بل من الجائز أن يكون وجه الشبه في المشبّه به حقيقياً، و في المشبّه مجازياً.

و قد وقع نظيره في المنع عن التطوّع في وقت الفريضة قياساً على صوم النافلة لمن عليه الفريضة، ففي صحيحة زرارة بعد منعه (عليه السلام) عن التنفل في وقت الفريضة قال (عليه السلام): «أ تريد أن تقايس، لو كان عليك من شهر رمضان أ كنت تطوّع، إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة» «1» فانّ المنع في المقيس عليه و هو الصوم مسلّم لا شبهة فيه، و ليس كذلك في المقيس لجواز التنفّل في وقت الفريضة، غير أنّ الأفضل البدأة بها إذا بلغ الفي‌ء الذراع لقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة: «فإذا بلغ فيؤك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة و تركت النافلة» «2».

و على الجملة: ظاهر التشبيه هو الاتِّحاد و المساواة بين المشبّه و المشبّه به في أنّ الاعتبار في كليهما من حيث الدخل في الصحّة، لكن ثبت من الخارج خلافه بالإضافة إلى المشبّه و أنّ إعطاء الزكاة من كمال الصوم لا من مقوّماته، و لم يثبت هذا في المشبّه به و هو الصلاة فيحمل الاعتبار في الأوّل على ضرب من التجوز و المبالغة، و أنّ نفي الصوم عمّن لم يزك نظير نفي الصلاة في قوله (عليه‌

______________________________
(1) الوسائل 4: 264/ أبواب المواقيت ب 50 ح 3.

(2) الوسائل 4: 141/ أبواب المواقيت ب 8 ح 3.

254
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الصلاة على محمد و آل محمد ؛ ج 15، ص : 251

..........

______________________________
السلام): لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد
«1». و أمّا في الثاني فيبقى النفي على ظاهره من الحمل على المعنى الحقيقي المساوق لنفي الذات الكاشف عن الدخل في الصحّة، و أنّ الصلاة الفاقدة للصلاة على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) في حكم العدم و محكومة بالبطلان، لعدم الموجب للتصرّف في هذا الظهور بعد عدم ثبوت خلافه من الخارج، و قد عرفت عدم اعتبار المساواة بين المشبّه و المشبّه به من تمام الجهات.

الثاني: أنّ غايتها الدلالة على وجوب الصلاة على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) دون الآل لعدم التعرّض لذلك.

و الجواب عنه ظاهر، فانّ هذه الصحيحة و غيرها من بعض روايات الباب و إن لم تدل عليه إلّا أنّه قد ثبتت الملازمة الخارجية بينهما المستفادة من جملة وافرة من النصوص المرويّة من طرق العامّة و الخاصّة و في بعضها النهي عن الصلاة البتراء، و هي بأجمعها مذكورة في باب 42 من الذكر من كتاب الوسائل «2»، و ذكر أكثرها السيوطي «3» و غيره من العامّة، حتّى أنّ ابن حجر و هو من أنصب النصاب روى في صواعقه عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) أنّه «قال: لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء، فقالوا: و ما الصلاة البتراء؟ قال: تقولون اللّٰهمّ صلّ على محمّد و تمسكون، بل قولوا: اللّٰهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد» «4».

فالمستفاد من هذه النصوص تبعية الآل و دخول العترة في كيفية الصلاة‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 194/ أبواب أحكام المساجد ب 2 ح 1.

(2) الوسائل 7: 201/ أبواب الذكر ب 42.

(3) الدرّ المنثور 6: 646.

(4) الصواعق المحرقة: 225.

255
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الصلاة على محمد و آل محمد ؛ ج 15، ص : 251

..........

______________________________
عليه و أنّه كلّما ورد الأمر بالصلاة عليه لا تتأدّى الوظيفة إلّا مع ضمّ الآل و لا يجزئ تخصيصه بالصلاة وحده، فهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر.

و هذه الملازمة بمكان من الوضوح لدى الفريقين حتّى قال الشافعي و نعم ما قال:

كفاكم من عظيم القدر أنّكم من لم يصلّ عليكم لا صلاة له «1» غير أنّ بعض المعاندين من النصّاب (خذلهم اللّٰه تعالى) أصرّوا على تركه عناداً للحق و أهله، و قد ذكر الصدوق «2» عن بعض مشايخه و هو الضبي (ضاعف اللّٰه في عذابه) أنِّي ما رأيت أنصب منه كان يقول: اللّٰهمّ صلّ على محمّد منفرداً (بقيد الانفراد).

و كيف ما كان، فهذه النصوص إن دلّت على النهي عن التفكيك و حرمة الصلاة عليه من دون ضمّ الآل، و يؤكِّده التعبير ب‍ «أبعده اللّٰه» في لسان بعضها فالأمر واضح، و إلّا فلا أقل من دلالتها على عدم الأمر بالصلاة عليه وحده و أنّه مهما تعلّق الأمر بالصلاة عليه فلا ينفك عن ضمّ الآل و لا يتحقّق بدونه الامتثال. على أنّ الحكم من المتسالم عليه بين الأصحاب و لا قائل بالفصل من أحد.

الثالث: أنّه لا دلالة فيها على تعيين الموضع و لزوم الصلاة في كلا التشهّدين فلا تدل إلّا على الاجتزاء بها في أحدهما كما هو مذهب ابن الجنيد «3».

و الجواب: أنّا لو كنّا نحن و هذه الصحيحة مع الإغماض عن القرائن‌

______________________________
(1) ديوان الإمام الشافعي: 115.

(2) عيون أخبار الرِّضا 2: 279/ 3.

(3) حكاه عنه في الذكرى 3: 412.

256
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الصلاة على محمد و آل محمد ؛ ج 15، ص : 251

..........

______________________________
الخارجية لما دلّتنا على مذهب ابن الجنيد أيضاً فضلًا عن مسلك المشهور، إذ لا إشعار فيها بنفسها على تعيين الموضع فضلًا عن الدلالة، إذ غايتها الأمر بالصلاة على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) أثناء الصلاة و عدم خلوّها عنها، فلتكن هي في ضمن الركوع أو السجود و نحوهما، إلّا أنّه بعد ملاحظة القرينة الخارجية و هي السيرة القطعية و التعارف المعهود من المتشرِّعة خلفاً عن سلف القائم على أنّ محلّها التشهّدان معاً لا غيرهما المؤيّد بالمرسلتين الواردتين في كيفيّة صلاة رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) في المعراج
«1» يتمّ المطلوب و يصحّ الاستدلال بها على المسلك المشهور.

و هذا نظير الأمر بالقراءة في الصلاة بقوله (عليه السلام): «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» «2»، أو كل صلاة لا فاتحة فيها فهي خداج «3» و نحو ذلك، فإنّه و إن لم يعيِّن موضع القراءة في هذه النصوص إلّا أنّه مستفاد من التعارف الخارجي الموجب لانصراف الأمر إلى ما هو المعهود المتعارف المتداول بين المصلِّين.

و المتحصِّل من جميع ما سردناه: أنّ الصحيحة ظاهرة الدلالة على وجوب الصلاة على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) و آله في التشهّدين، لسلامتها عن جميع تلك المناقشات.

و يتأكّد الوجوب و يتأيّد: برواية الأحول «قال: التشهّد في الركعتين الأوّلتين: الحمد للّٰه، أشهد أن لا إلٰه إلّا اللّٰه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله، اللّٰهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد، و تقبّل شفاعته و ارفع درجته» «4»

______________________________
(1) الوسائل 5: 465/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10، 11 [و لكنّ الروايتين مسندتان].

(2) المستدرك 4: 158/ أبواب القراءة ب 1 ح 5.

(3) الوسائل 6: 39/ أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 6.

(4) الوسائل 6: 393/ أبواب التشهّد ب 3 ح 1.

257
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الصلاة على محمد و آل محمد ؛ ج 15، ص : 251

..........

______________________________
فإنّها و إن كانت ضعيفة السند من جهة الأحول، و من هنا ذكرناها بعنوان التأييد، إلّا أنّها ظاهرة الدلالة على الوجوب.

و المناقشة فيها باشتمالها على المستحب ساقطة، لما مرّ غير مرّة من عدم دلالة اللفظ على الوجوب أو الاستحباب و إنّما هما مستفادان من حكم العقل المنتزع من الاقتران بالترخيص في الترك و عدمه، و حيث اقترن الحديث بالترخيص في بعض فقرأته الثابت من الخارج و لم يقترن في غيرها فيستقل العقل فيما عدا الثابت بالوجوب الّذي هو اعتبار نفسي متعلِّق بجعل المادّة على ذمّة العبد و عاتقه من دون أن يكون ذلك مدلولًا للفظ نفسه كي يقتضي الاختلاف من جهة استعماله في الوجوب و الاستحباب.

و بهذا البيان تظهر صحّة الاستدلال على وجوب الصلاة بموثقة أبي بصير الطويلة «1» فإنّها و إن اشتملت على جملة من المستحبّات، لكن الترخيص في تركها قد ثبت من الخارج و لم يثبت فيما عداها، فيستقل العقل بالوجوب فالجواب عن المناقشة السابقة الجارية في المقام هو الجواب بعينه.

بقي الكلام في جملة من الروايات التي قد يستدلّ بها على عدم الوجوب و من المظنون بل المطمأن به أنّ الصدوق و والده اعتمدا عليها في الحكم بالاكتفاء بالشهادتين و عدم وجوب الصلاة عليه (صلّى اللّٰه عليه و آله).

فمنها: صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته، فان كان مستعجلًا في أمر يخاف أن يفوته فسلّم و انصرف أجزأه» «2».

و فيه: أنّه لا تعارض بينها و بين النصوص المتقدِّمة، بل إنّ صحيحة زرارة‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 393/ أبواب التشهّد ب 3 ح 2.

(2) الوسائل 6: 397/ أبواب التشهّد ب 4 ح 2.

258
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الصلاة على محمد و آل محمد ؛ ج 15، ص : 251

..........

______________________________
السابقة حاكمة عليها، لدلالتها على أنّ الصلاة على النبيّ و آله من متمِّمات الصلاة و أنّه لا صلاة بدونها، فغاية ما هناك إطلاق هذه الصحيحة من حيث الاشتمال على الصلاة و عدمه فيقيّد بتلك الصحيحة و غيرها الناطقة بوجوب الصلاة عليهم.

بل يمكن أن يستفاد من تلك الصحيحة و غيرها أنّ الشهادتين اسم لما يشتمل عليها، و أنّها جزء من التشهّد و معتبرة في كيفيّته، و عليه فلا يتحقّق الفراغ من الشهادتين إلّا بالفراغ عنها فلا تعارض بوجه.

و أمّا قوله (عليه السلام) في الذيل «أجزأه» فالمراد الإجزاء عن بقيّة الأدعية و الأذكار لا عن الصلاة على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) بداهة أنّ الاستعجال مهما كان فهو لا ينافي الإتيان بها، إذ هي لا تستوعب من الوقت إلّا ثواني قليلة.

هذا، و مع الإغماض عن جميع ما ذكرناه فلا شك أنّ الصحيحة موردها الاستعجال، فيمكن الالتزام بسقوط الصلاة في خصوص هذا المورد، فغايته أن لا تكون هي في عرض التشهّد في ملاك الوجوب، و أنّ مرتبته ضعيفة تسقط بمجرّد الاستعجال كما هو الحال في السورة على ما سبق في بحث القراءة من عدم المنافاة بين الوجوب و بين السقوط لدى العجلة.

و منها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) التشهّد في الصلوات؟ قال: مرّتين، قال قلت: كيف مرّتين؟ قال: إذا استويت جالساً فقل: أشهد أن لا إلٰه إلّا اللّٰه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله ثمّ تنصرف ...» إلخ «1» و جوابها يظهر ممّا مرّ في الصحيحة السابقة من أنّ غايتها الإطلاق، فيقيّد بالنصوص المتقدِّمة الدالّة على اعتبار الصلاة على‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 397/ أبواب التشهّد ب 4 ح 4.

259
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الصلاة على محمد و آل محمد ؛ ج 15، ص : 251

..........

______________________________
النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) في التشهّد، بل قال بعضهم: إنّ في التعبير ب‍ «ثمّ» في قوله «ثمّ تنصرف» المشعر بالتراخي، إيماءً بوجود فاصل بين التشهّد و التسليم و هو الإتيان بالصلاة عليه (صلّى اللّٰه عليه و آله).

و منها: صحيحة زرارة قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) ما يجزئ من القول في التشهّد في الركعتين الأوّلتين؟ قال: أن تقول: أشهد أن لا إلٰه إلّا اللّٰه وحده لا شريك له، قلت: فما يجزئ من تشهّد الركعتين الأخيرتين؟ فقال: الشهادتان» «1».

و الجواب عنها أوّلًا: أنّها مسوقة لبيان الوجوب من ناحية الشهادة و ليست بصدد البيان من ناحية الصلاة على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) التي هي واجب آخر، فلا ينعقد لها الإطلاق كي يتمسّك به لنفي الوجوب.

و ثانياً: مع التسليم فغايتها الإطلاق، فيقيّد بما دلّ على الوجوب كما مرّ.

و منها: صحيحته الأُخرى عن أبي جعفر (عليه السلام) «في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه في السجدة الأخيرة و قبل أن يتشهّد، قال: ينصرف فيتوضأ فإن شاء رجع إلى المسجد، و إن شاء ففي بيته، و إن شاء حيث شاء قعد فيتشهّد ثمّ يسلِّم، و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته» «2» و الاستشهاد إنّما هو بالفقرة الأخيرة حيث دلّت على عدم قادحية الحدث الواقع بعد الشهادتين المنافي لوجوب الصلاة عليه (صلّى اللّٰه عليه و آله).

و الجواب أوّلًا: أنّ دلالتها إنّما هي بالإطلاق و هو قابل للتقييد بوقوع الحدث بعدها.

و ثانياً: أنّه لا مجال للعمل بها، لدلالتها على عدم قدح الحدث الواقع أثناء‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 396/ أبواب التشهّد ب 4 ح 1.

(2) الوسائل 6: 410/ أبواب التشهّد ب 13 ح 1.

260
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الصلاة على محمد و آل محمد ؛ ج 15، ص : 251

..........

______________________________
الصلاة و قبل التسليم، فتنافيها النصوص الدالّة على القدح و أنّ المخرج هو السلام منحصراً، فلا مناص من حملها على التقيّة.

و مثلها في لزوم الحمل على التقيّة ما تضمّن الحكم بتمامية الصلاة و مضيها و إن كان الحدث قبل التشهّد، كموثقة عبيد بن زرارة و غيرها «1» بل إنّ في بعضها الحكم بالصحّة و عدم قادحية الحدث الواقع أثناء الصلاة حيثما اتّفق و إن كان خلال الركعة الأُولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة و أنّه ينصرف و يتوضّأ ثمّ يبني على صلاته كما في رواية أبي سعيد القمّاط قال: «سمعت رجلًا يسأل أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن رجل وجد غمزاً في بطنه أو أذى أو عصراً من البول و هو في صلاة المكتوبة في الركعة الأُولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة فقال: إذا أصاب شيئاً من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك فيتوضّأ ثمّ ينصرف إلى مصلّاه الّذي كان يصلِّي فيه فيبني على صلاته من الموضع الّذي خرج منه لحاجته ...» إلخ «2».

و نحوها صحيحة الفضيل بن يسار «3» و هي صحيحة السند لصحّة طريق الصدوق إلى الفضيل، إذ ليس فيه من يغمز فيه إلّا علي بن الحسين السعدآبادي و لكنّه من مشايخ ابن قولويه فيشمله التوثيق العام الّذي ذكره في كامل الزيارات، بل إنّ مشايخه هم القدر المتيقّن من التوثيق الّذي تضمّنته عبارته. على أنّ طريق الشيخ خال عنه.

و كيف ما كان، فهذه النصوص بأجمعها محمولة على التقيّة، لموافقتها أشهر مذاهب العامّة «4» و معارضتها لجملة وافرة من النصوص دلّت على قاطعية الحدث أثناء الصلاة مطلقاً و انحصار المخرج في التسليم، فلا يمكن الاعتماد عليها بوجه.

______________________________
(1) الوسائل 6: 411/ أبواب التشهّد ب 13 ح 2.

(2) الوسائل 7: 237/ أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 11، 9.

(3) الوسائل 7: 237/ أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 11، 9.

(4) المجموع 4: 75، 76، حلية العلماء 2: 151، بدائع الصنائع 1: 220.

261
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الصلاة على محمد و آل محمد ؛ ج 15، ص : 251

و يجزئ على الأقوى [1] أن يقول: أشهد أن لا إلٰه إلّا اللّٰه و أشهد أنّ محمّداً رسول اللّٰه، اللّٰهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد (1).

______________________________
و منها: صحيحة الحسن بن الجهم قال: «سألته يعني أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل صلّى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة قال: إن كان قال أشهد أن لا إلٰه إلّا اللّٰه و أشهد أنّ محمّداً رسول اللّٰه فلا يعد و إن كان لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد» «1» و هي و إن كانت صحيحة من حيث السند، إذ ليس فيه من يتأمّل لأجله إلّا عباد بن سليمان الموجود في أسانيد كامل الزيارات، لكن الدلالة قاصرة كسوابقها، إذ أقصى دلالتها على عدم الوجوب إنّما هي بالإطلاق القابل للتقييد بموجب النصوص المتقدِّمة الدالّة على الوجوب. مضافاً إلى لزوم حملها على التقيّة أيضاً كالروايات المتقدِّمة لعين ما عرفت. على أنّ في هذه الصحيحة كلاماً من جهة أُخرى ستعرفها «2».

فتحصّل: أنّ شيئاً من هذه النصوص غير قابل للاعتماد عليه في نفي الوجوب فالمتعيِّن هو الوجوب.

(1) بل قد اقتصر المحقِّق في الشرائع «3» على هذه الكيفية بحيث قد يلوح منه تعيّنها، و إن كان اللّازم حمل كلامه (قدس سره) على إرادة الاجتزاء بها، إذ لا يحتمل إرادة التعيين بعد عدم القائل به، و ورود الكيفية المعروفة في النصوص‌

______________________________
[1] بل الأحوط الاقتصار على الكيفيّة الاولى.

______________________________
(1) الوسائل 7: 234/ أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 6.

(2) في الصفحة 264.

(3) الشرائع 1: 107.

262
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الصلاة على محمد و آل محمد ؛ ج 15، ص : 251

..........

______________________________
المعتبرة المصرّحة في كلام غير واحد.

و كيف ما كان، فصريح جماعة الاجتزاء بهذه الكيفية، بل نسب ذلك إلى الأشهر أو المشهور من أجل اقتصارهم على الشهادتين من دون تعرّض لصورتهما، فانّ مقتضى الإطلاق الاجتزاء بها أيضاً، و إن كانت النسبة لا تخلو عن النظر، لاحتمال أن يكون الإطلاق منزّلًا على ما هو المتعارف. و على أيّ حال فقد قال بهذا جماعة منهم المحقِّق في الشرائع صريحاً، و منهم الماتن و غيره و المتبع هو الدليل.

و قد استدلّ لذلك أوّلًا: بالمطلقات كصحيحة زرارة و صحيحة الفضلاء و معتبرة سورة بن كليب «1»، حيث يظهر منها الاجتزاء في مقام الأداء بمطلق الشهادتين.

و لكنّها كما ترى لا تصلح للاستدلال، لعدم كونها في مقام البيان من حيث الكيفية، و لا سيّما الثانية لورودها في مقام بيان حكم آخر و هو الاستعجال فاللّام فيها للعهد إشارة إلى الشهادة المعهودة المتعارفة في الخارج، فلا ينعقد إطلاق من هذه الجهة كي يتمسّك به بعد انصرافه إلى المتعارف.

مع أنّه لو كان فهو قابل للتقييد بمثل صحيحة محمّد بن مسلم الآتية «2». هذا مضافاً إلى أنّ المراد بالشهادتين في هذه النصوص إن كان هو واقع الشهادة و ما هو كذلك بالحمل الشائع، و هو الّذي عليه مدار الإسلام، و من هنا استفيد الإطلاق، فلازمه الاجتزاء بمجرّد قول: لا إلٰه إلّا اللّٰه محمّد رسول اللّٰه، من دون ذكر كلمة أشهد، لكفاية ذلك في مقام إظهار الإسلام، مع أنّه غير مجز في المقام قطعاً و غير مراد من هذه النصوص جزماً، للزوم التلفظ بهذه الكلمة اتفاقاً.

______________________________
(1) الوسائل 6: 396/ أبواب التشهّد ب 4 ح 1، 2، 6.

(2) في ص 266.

263
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الصلاة على محمد و آل محمد ؛ ج 15، ص : 251

..........

______________________________
و إن أُريد بهما الشهادتان على كيفية خاصّة كما هو المتعيِّن، فحيث لم تبيّن تلك الكيفية فلا محالة تنصرف النصوص إلى ما هو المعهود المتعارف الّذي هو غير هذه الصورة. فاللّام في قوله (عليه السلام) «الشهادتان» للعهد الخارجي لا للجنس كي يراد به الكلِّي، فلا ينعقد لها الإطلاق بوجه.

و ثانياً: بالروايات الخاصّة و هي روايتان: إحداهما: صحيحة الحسن بن الجهم المتقدِّمة المشتملة على الكيفية المزبورة «1».

و فيه: مضافاً إلى لزوم حملها على التقيّة من أجل تضمنها ما لا نقول به كما مرّ، و إلى إمكان أن يكون المراد التلفظ بذاك المضمون أي الشهادة بالوحدانية و بالرِّسالة بعبارتهما المتعارفة لا نفس هذه العبارة، أنّه يشكل الاعتماد عليها من أجل أنّ مقتضاها جواز الاقتصار على كلمة «أشهد» في الشهادة الاولى من غير تكرّر هذه اللفظة في الشهادة بالرِّسالة و الاكتفاء بالعطف، فانّ الموجود في التهذيب الطبع القديم و الحديث في باب الصلاة و في باب التيمم «2»، و كذا الاستبصار «3» كذلك، أي بلا تكرار كلمة أشهد.

بل قال المحقِّق الهمداني (قدس سره): إنّ عدّة من الكتب المعتبرة التي شاهدناها منها الحدائق و الوافي و الاستبصار الّذي هو الأصل في نقلها بلا تكرار الشهادة، و في الجواهر أيضاً رواها في باب القواطع كذلك، بل في نسخة الوسائل الموجودة عندي أيضاً كذلك، و لكن اثبت لفظ الشهادة في الثانية فيما بين الأسطر، بحيث يستشعر منه كونه من الملحقات انتهى «4».

______________________________
(1) الوسائل 7: 234/ أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 6.

(2) التهذيب 2: 354/ 1467، 1: 205/ 596.

(3) الاستبصار 1: 401/ 1531.

(4) مصباح الفقيه (الصلاة): 371/ السطر 36.

264
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الصلاة على محمد و آل محمد ؛ ج 15، ص : 251

..........

______________________________
و الموجود في الوسائل الطبعة الحديثة و إن كان مشتملًا على التكرار، إلّا أنّه يشكل الاعتماد عليه بعد ما سمعت، فيظن أنّه زيادة من قلم النسّاخ، و لا أقل من عدم العلم بالنسخة الصحيحة، و هذا يستوجب قدحاً آخر في الصحيحة إذ لو كانت النسخة الأصلية خالية عن التكرار فلازمها جواز الاقتصار على العطف و لم يقل به أحد من فقهائنا، إذ لم ينقل القول بجواز حذف لفظ الشهادة من الثانية عن أحد من الأصحاب عدا ما ينسب إلى العلّامة في القواعد
«1»، و لا ينبغي القول به، فإنّ العاري عن التكرار شهادة واحدة متعلِّقة بأمرين لا شهادتان، و لا شك في وجوب الشهادتين في التشهّد نصّاً و فتوى، و قد نطقت جملة من النصوص بأنّ الواجب الشهادتان غير المنطبق على الشهادة الواحدة المتعلِّقة بأمرين قطعاً، و لا يكاد يتحقّق إلّا بتكرار لفظ الشهادة و التلفظ بها مرّتين. إذن فالرواية ساقطة إذ لم يعمل بها أحد في موردها فلا بدّ من الحمل على التقيّة.

ثانيتهما: رواية إسحاق بن عمار الواردة في كيفية صلاة رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) في المعراج و فيها: «... ثمّ قال له ارفع رأسك ثبتك اللّٰه، و اشهد أن لا إلٰه إلّا اللّٰه، و أنّ محمّداً رسول اللّٰه إلى أن قال ففعل ...» إلخ «2».

و فيه: مضافاً إلى ضعف السند كما لا يخفى، أنّها قاصرة الدلالة، إذ لم يذكر فيها أنّه (صلّى اللّٰه عليه و آله) بأيّ صورة فعل و بأي كيفية أدّى الشهادتين، بل غايتها أنّه (صلّى اللّٰه عليه و آله) فعل ما أُمر به.

فتحصّل: أنّ شيئاً من هذه الروايات لا المطلقات و لا غيرها لا يمكن الاعتماد عليها في الاجتزاء بهذه الصورة، فلم يبق في البين إلّا أصالة البراءة عن‌

______________________________
(1) القواعد 1: 279.

(2) الوسائل 5: 468/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 11.

265
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الصلاة على محمد و آل محمد ؛ ج 15، ص : 251

..........

______________________________
الكيفية المشهورة و لا بأس بها في حدّ نفسها.

و المناقشة فيها بأنّ المقام من موارد الدوران بين التعيين و التخيير، و المرجع فيها قاعدة الاشتغال ساقطة، لما مرّ غير مرّة من أنّ الدوران المزبور هو بعينه الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطيين و لا فرق بينهما إلّا في مجرّد العبارة و المختار في تلك المسألة هي البراءة.

و على الجملة: فلا ينبغي الشك في أنّ مقتضى الأصل العملي في المقام لو انتهى الأمر إليه هي البراءة، لكنّه لا ينتهي إليه، لوجود النص الصحيح المعيّن للكيفية المشهورة، و هي صحيحة محمّد بن مسلم قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) التشهّد في الصلوات؟ قال: مرّتين، قال: قلت كيف مرّتين؟ قال: إذا استويت جالساً فقل: أشهد أن لا إلٰه إلّا اللّٰه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله ...» إلخ «1» و ظاهر الأمر الوجوب التعييني و بذلك يخرج عن مقتضى الأصل المزبور.

و منه تعرف أنّه لو سلّم الإطلاق في تلك المطلقات لا بدّ من تقييدها بهذه الصحيحة المؤيّدة برواية الأحول «2» و قد عرفت «3» أنّ اشتمال هذه الرواية على ما ثبت استحبابه من الخارج لا يقدح في دلالتها على الوجوب فيما عداه، غير أنّها ضعيفة السند بالأحول نفسه فلا تصلح إلّا للتأييد.

و تؤيِّدها أيضاً: موثقة سماعة قال: «سألته عن رجل كان يصلِّي فخرج الإمام و قد صلّى الرجل ركعة من صلاة فريضة، قال: إن كان إماماً عدلًا فليصلّ اخرى و ينصرف و يجعلهما تطوّعاً، و ليدخل مع الإمام في صلاته كما‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 397/ أبواب التشهّد ب 4 ح 4.

(2) الوسائل 6: 393/ أبواب التشهّد ب 3 ح 1.

(3) في ص 258.

266
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الصلاة على محمد و آل محمد ؛ ج 15، ص : 251

..........

______________________________
هو، و إن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو و يصلِّي ركعة أُخرى و يجلس قدر ما يقول: أشهد أن لا إلٰه إلّا اللّٰه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله، ثمّ ليتم صلاته معه قدر ما استطاع فإنّ التقية واسعة»
«1».

و لا يضرّها الإضمار بعد أن كان المضمر مثل سماعة الّذي لا يروي إلّا عن الإمام (عليه السلام) و إنّما ذكرناها بعنوان التأييد، لإمكان الخدش في الدلالة من جهة كونها مسوقة لبيان حكم آخر و هو التفرقة بين الإمام العادل و غيره، فمن الجائز أن لا تكون ناظرة إلى تعيّن هذه الكيفية، و يكفي نكتة لذكرها كونها المتعارف المعهود، فلا تدل على الوجوب، لعدم كونها في مقام التعيين من حيث الكيفية. فالعمدة في الاستدلال إنّما هي الصحيحة المؤيّدة بالرواية و الموثقة.

و من جميع ما ذكرناه تعرف: أنّ تعيّن الكيفية المشهورة في التشهّد لو لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط، هذا كلّه في التشهّد.

و أمّا كيفية الصلاة على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) فهل يتعيّن فيها أن تكون بصيغة اللّٰهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد كما صرّح به جمع، بل نسب إلى الأكثر أو الأشهر كما عن الذكرى «2»، أو المشهور كما عن المفاتيح «3»، أم يجتزأ بكل صيغة تأدّت مثل: صلّى اللّٰه على محمّد و آله، أو: صلّى اللّٰه على رسوله و آله و نحوهما، كما هو ظاهر جمع آخرين منهم المفيد في المقنعة «4»، فإنّه (قدس سره) ذكر في تشهّد نافلة الزوال بصورة: صلّى اللّٰه على محمّد و آله الطاهرين، ثمّ عطف عليها التشهّد الأوّل من صلاة الظهر، ثمّ تعرّض للتشهّد الثاني من الظهر‌

______________________________
(1) الوسائل 8: 405/ أبواب صلاة الجماعة ب 56 ح 2.

(2) الذكرى 3: 413.

(3) مفاتيح الشرائع 1: 151.

(4) المقنعة: 108.

267
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الصلاة على محمد و آل محمد ؛ ج 15، ص : 251

..........

______________________________
و العصر و العشاء و المغرب و كذا الغداة، و ذكر فيها تشهّداً طويلًا يقرب ما تضمنته موثقة أبي بصير الطويلة
«1» و أتى فيها بصيغة: اللّٰهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد، فإنّه لا يحتمل ذهابه (قدس سره) إلى التفصيل في الكيفية بين التشهّد الأوّل و الثاني، أو بين النافلة و غيرها، فإنّها في الجميع على نسق واحد قطعاً. فيظهر من ذلك أنّه (قدس سره) بان على التخيير و يرى الاجتزاء بكلتا الصورتين.

و ممّن صرّح بالتخيير أيضاً: العلّامة في النهاية «2»، فإنّه بعد أن حكم بوجوب اللّٰهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد، قال: و لو قال صلّى اللّٰه على محمّد و آله، أو قال: صلّى اللّٰه عليه و آله، أو صلّى اللّٰه على رسوله و آله، فالأقرب الإجزاء. و كيف ما كان فالمسألة خلافية و المتبع هو الدليل، و لا ينبغي الشك في الاجتزاء بالصورة المعروفة المتداولة: اللّٰهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد، غير أنّه قد يستدل على وجوبها و تعيّنها بالخصوص بوجوه:

أحدها: رواية ابن مسعود عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) المرويّة من طرق العامّة أنّه «قال: إذا تشهّد أحدكم في صلاة فليقل: اللّٰهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد» «3» قالوا: إن ضعفها منجبر بعمل المشهور.

و فيه: مضافاً إلى منع الكبرى كما هو المعلوم من مسلكنا، أنّ صغرى الانجبار ممنوعة من وجهين:

أحدهما: أنّه لم يعلم ذهاب المشهور إليه كي يتحقّق الانجبار بعملهم، غايته أنّ هذا القول هو الأشهر لا أنّه المشهور، نعم نسبه إليهم في المفاتيح كما سمعت لكنّه لم يثبت سيّما بعد تصريح الشهيد في الدروس «4» بأنّه الأشهر كما مرّ الّذي‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 393/ أبواب التشهّد ب 3 ح 2.

(2) نهاية الإحكام 1: 500.

(3) مستدرك الحاكم 1: 269، سنن البيهقي 2: 379.

(4) [بل الذكرى كما تقدّم آنفا].

268
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الصلاة على محمد و آل محمد ؛ ج 15، ص : 251

..........

______________________________
يظهر منه أنّ القائل بكلا القولين كثير و إن كان أحدهما أكثر.

ثانيهما: أنّه مع التسليم لم يثبت اعتماد المشهور على هذه الرواية الضعيفة. نعم، ذكروها في كتب الاستدلال لكنّه لم يعلم استنادهم إليها في الفتوى، و لعلّهم استندوا إلى بعض الوجوه الآتية.

الثاني: رواية عبد الملك بن عمرو الأحول المتضمِّنة لهذه الصيغة «1».

و فيه: أنّها و إن كانت تامّة من حيث الدلالة، و قد عرفت أنّ اشتمالها على ما ثبت استحبابه من الخارج لا يضر بدلالتها على الوجوب فيما عداه، لكنّها ضعيفة السند و إن عبّر عنها المحقِّق الهمداني «2» بالموثقة لعدم ثبوت وثاقة الأحول كما مرّ، فلا يمكن الاعتماد عليها.

الثالث: رواية إسحاق بن عمار الحاكية لصلاة رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) في المعراج المشتملة على الصلاة عليه (صلّى اللّٰه عليه و آله) بهذه الصورة «3».

و فيه: أنّها ضعيفة السند جدّاً من جهة محمّد بن علي ماجيلويه شيخ الصدوق أوّلًا. و ثانياً: من جهة محمّد بن علي الكوفي أبي سمينة «4» المشهور بالكذب على ما ذكره الفضل بن شاذان في جملة جماعة، بل قال هذا أشهرهم «5» و كذا النجاشي «6».

الرابع: السيرة القائمة بين المسلمين خلفاً عن سلف.

______________________________
(1) الوسائل 6: 393/ أبواب التشهّد ب 3 ح 1.

(2) مصباح الفقيه (الصلاة): 367 السطر 27.

(3) الوسائل 5: 468/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 11.

(4) لكن في المعجم 18: 58/ 11427 أنّه غير أبي سمينة.

(5) رجال الكشي: 546/ 1033.

(6) رجال النجاشي: 332/ 894.

269
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الصلاة على محمد و آل محمد ؛ ج 15، ص : 251

..........

______________________________
و فيه: أنّ السيرة و إن كانت ثابتة كما يظهر بمراجعة الأخبار أيضاً، إلّا أنّ القائم منها على الفعل لا يكشف إلّا عن عدم الحرمة دون الوجوب، فغايتها الجواز و أنّه أحد الأفراد أو أفضلها، كما أنّ القائم منها على الترك لا يكشف إلّا عن عدم الوجوب دون التحريم.

و بعبارة اخرى: لا تزيد السيرة على عمل المعصوم (عليه السلام)، و كلاهما لا يدلّان على الوجوب.

الخامس: و هو العمدة، موثقة أبي بصير الطويلة المتضمِّنة للصلاة عليه (صلّى اللّٰه عليه و آله) بهذه الصيغة «1».

لكن الاستدلال بها إنّما يستقيم بناءً على مسلكنا من أنّ الوجوب و الاستحباب غير مدلولين لصيغة الأمر و إنّما يستفادان من حكم العقل المنتزع من الاقتران بالترخيص في الترك و عدمه، حيث إنّ الترخيص فيه قد ثبت من الخارج بالإضافة إلى جملة من الأدعية و الأذكار الواردة في هذه الموثقة، و لم يثبت بالنسبة إلى هذه الكيفية، فيستقل العقل حينئذ بكون الأمر في الأوّل للاستحباب، و في الثاني للوجوب، و لا منافاة بين الأمرين و لا ضير في التفكيك بين الموردين.

و أمّا بناءً على المسلك المشهور من استفادتهما من اللفظ بحسب الوضع أو الاستعمال، فلا مناص من الالتزام بأنّ الأمر هنا مستعمل في جامع الطلب فلا يدل على الوجوب.

فظهر من جميع ما سردناه: أنّ الوجوه المستدل بها لتعيّن هذه الكيفية كلّها مخدوشة إلّا الوجه الأخير و هي موثقة أبي بصير بناءً على مسلكنا، و أمّا على مسلك القوم فليس لهم الاستدلال بها أيضا.

______________________________
(1) الوسائل 6: 393/ أبواب التشهّد ب 3 ح 2.

270
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الصلاة على محمد و آل محمد ؛ ج 15، ص : 251

..........

______________________________
و أمّا القول الآخر، أعني الاكتفاء بمطلق الصلاة على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) فقد استدلّ له أيضاً بوجوه:

أحدها: أصالة البراءة عن تعيّن الكيفية الخاصّة. و نوقش فيها: بأنّ المقام من دوران الأمر بين التعيين و التخيير و المرجع في مثله قاعدة الاشتغال. و فيه: ما أسلفناك مراراً من أنّ هذا الدوران هو بعينه الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطيين و لا فرق بينهما إلّا في مجرد العبارة، و المختار فيه هو أصالة البراءة.

إلّا أنّ الرجوع إلى الأصل فرع عدم الدليل، و قد عرفت قيام الدليل على وجوب تلك الكيفية و هي موثقة أبي بصير بالتقريب المتقدِّم، فلا تنتهي النوبة إلى الأصل.

الثاني: إطلاق الأمر بالصلاة عليه (صلّى اللّٰه عليه و آله) الوارد في الروايات.

و فيه أوّلًا: منع الإطلاق، لعدم ورود تلك النصوص إلّا لبيان أصل الاعتبار لا كيفيته، فان عمدتها كانت صحيحة زرارة «1» المتضمِّنة لتشبيه الصيام بالصلاة في اعتبار الزكاة فيه كاعتبار الصلاة على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) فيها، فكما لا تعرّض فيها لبيان كيفية الزكاة فكذا لا تعرّض لكيفية الصلاة، فهي غير مسوقة إلّا لبيان الاعتبار في الموردين في الجملة و لا نظر فيها لبيان الكيفية في شي‌ء من الموردين.

و ثانياً: لو سلّم الإطلاق فهو مقيّد بموثقة أبي بصير المشتملة على تلك الكيفية الخاصّة.

الثالث و الرابع: صحيحة الحسن بن الجهم «2»، و موثقة سماعة «3» فقد ذكر‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 407/ أبواب التشهّد ب 10 ح 2.

(2) الوسائل 7: 234/ أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 6.

(3) الوسائل 8: 405/ أبواب صلاة الجماعة ب 56 ح 2.

271
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الصلاة على محمد و آل محمد ؛ ج 15، ص : 251

..........

______________________________
فيهما في بيان الكيفية هكذا: «صلّى اللّٰه عليه و آله».

و فيه: أنّ هذه الجملة غير موجودة في التهذيب و لا الاستبصار «1»، بل غير موجودة في الموثقة حتّى في الوسائل و إنّما ذكرت في بعض كتب الاستدلال فيطمأن بل يجزم عادة بأنّ هذه الزيادة من الكاتب على حسب العادة من الصلاة عليه عند كتابة اسمه (صلّى اللّٰه عليه و آله) كالتلفظ به، و ليست جزءاً من الروايتين.

الخامس: ما رواه الصدوق في العلل و كذا الكليني بسند صحيح عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) في علّة تشريع الصلاة، و فيها «... فقال يا محمّد صلّ عليك و على أهل بيتك، فقلت: صلّى اللّٰه عليّ و على أهل بيتي و قد فعل ...» إلخ «2» فيظهر منها عدم اعتبار الكيفية المشهورة في أداء الوظيفة، و لا تعارضها رواية إسحاق بن عمار الواردة في هذا المورد المشتملة على تلك الكيفية لضعف سندها كما مرّ «3».

و فيه: أنّها و إن كانت صحيحة السند لكنّها قاصرة الدلالة، فإن من أمعن النظر فيها و لاحظها صدراً و ذيلًا يكاد يقطع بأن ما فعله (صلّى اللّٰه عليه و آله) في المعراج لم يكن بنفسه صلاة، و إنّما أُمر بأجزائها شيئاً فشيئاً كالتمهيد للتشريع و بعد ذلك شرعت الصلاة على طبقها، أ لا ترى قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله): «و طالبتني نفسي أن أرفع رأسي ...» إلخ و قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله): «فخررت لوجهي ...» إلخ و قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله): «ثمّ قمت ...» إلخ و هكذا غيرها من‌

______________________________
(1) التهذيب 2: 354/ 1467، الاستبصار 1: 401/ 1531، التهذيب 3: 51/ 177.

(2) الوسائل 5: 465/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10، علل الشرائع: 312/ 1، الكافي 3: 482/ 1.

(3) في ص 269.

272
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الصلاة على محمد و آل محمد ؛ ج 15، ص : 251

..........

______________________________
الأُمور التي صدرت منه (صلّى اللّٰه عليه و آله) من تلقاء نفسه ثمّ صارت علّة للتشريع من غير أن يتعلّق بها الأمر ابتداء.

و الحاصل: أنّه يعتبر في الصلاة القصد إلى تمام الأجزاء من أوّل الأمر، و لم يكن الصادر منه كذلك قطعاً، و إنّما أتى بعدّة من الأفعال شيئاً فشيئاً و على سبيل التدريج، و صار المجموع علّة لتشريع الصلاة بعد ذلك. فما صدر منه (صلّى اللّٰه عليه و آله) وقتئذ لم يكن بعد من الصلاة المأمور بها حتّى يستدل به على الوجوب كما يكشف عنه خلوّها عن التشهّد.

هذا مع أنّ المذكور فيها هكذا: «صلّى اللّٰه عليّ و على أهل بيتي» و التعبير به مختص بالنبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) فلا يمكن التعدِّي بعد القطع بعدم صحّة هذا التعبير من غيره (صلّى اللّٰه عليه و آله).

و كيف ما كان، فلا يمكن رفع اليد عن موثقة أبي بصير المتقدِّمة «1» بهذه الصحيحة فإنّها صريحة في اعتبار الكيفية المشهورة، و إن كان اقترانها بغير واحد من المستحبّات قد يستوجب الظن بعدم وجوب هذه أيضاً و قد مرّ الجواب عنه.

و من جميع ما ذكرنا تعرف: أنّ الأقوى اعتبار هذه الكيفية و لا أقل من أنّه أحوط، و لأجل هذا ترى أنّ الماتن (قدس سره) مع اختياره في التشهّد الاقتصار على الأقل ممّا يجزئ، لم يختر إلّا خصوص هذه الكيفية التي قامت عليها السيرة خلفاً بعد سلف و جيلًا بعد جيل.

تنبيه: قد عرفت أنّ اللّازم تكرار لفظ الشهادة في التشهّد حتّى يتحقّق عنوان الشهادتين المأمور به في النصوص، كصحيحة محمّد بن مسلم «2» و غيرها‌

______________________________
(1) في ص 270.

(2) الوسائل 6: 397/ أبواب التشهّد ب 4 ح 4.

273
موسوعة الإمام الخوئي15

الثالث: الجلوس بمقدار الذكر المذكور ؛ ج 15، ص : 274

[الثالث: الجلوس بمقدار الذكر المذكور]

الثالث: الجلوس بمقدار الذكر المذكور (1).

______________________________
إحداهما: بالوحدانية، و الأُخرى: بالرسالة، و أنّه لا يجتزأ بالعطف، إذ معه ليس هناك إلّا شهادة واحدة متعلِّقة بأمرين لا شهادتان، إلّا أنّ مقتضى موثقة أبي بصير
«1» الطويلة الاجتزاء به، إذ لم يذكر فيها لفظ الشهادة في الشهادة بالرِّسالة في التشهّد الأوّل على ما في نسخة الوسائل و الحدائق «2» و مصباح الفقيه «3» و عليه فلا مناص من الالتزام بالاجتزاء، و لكن في خصوص ما لو أتى بهذا التشهّد الطويل الّذي تضمنته الموثقة، فإنّه المتيقن في الخروج عمّا دلّ على اعتبار التكرار و التلفظ بالشهادتين، فلو اقتصر على التشهّد المعروف وجب التكرار عملًا بإطلاق الأدلّة.

لكن الّذي يهوّن الخطب عدم ثبوت صحّة النسخة، فإنّ المذكور في التهذيب «4» الموجود عندنا تكرار لفظ التشهّد، و لا يبعد أن يكون هناك سقط في نسخة الوسائل و قد أخذ عنه الحدائق و المحقِّق الهمداني. و كيف ما كان، فعلى تقدير صحّة النسخة تحمل الموثقة على ما عرفت جمعاً، لكن التقدير غير ثابت فلا موجب للخروج عن المطلقات.

(1) بلا إشكال و لا خلاف، بل إجماعاً كما ادّعاه غير واحد و تشهد له جملة من النصوص.

منها: الواردة في ناسي التشهّد و هي عدّة أخبار كصحيحة سليمان بن خالد:

______________________________
(1) الوسائل 6: 393/ أبواب التشهّد ب 3 ح 2.

(2) الحدائق 8: 450.

(3) مصباح الفقيه (الصلاة): 374 السطر 9.

(4) التهذيب 2: 99/ 373.

274
موسوعة الإمام الخوئي15

الثالث: الجلوس بمقدار الذكر المذكور ؛ ج 15، ص : 274

..........

______________________________
«... إن ذكر قبل أن يركع فليجلس ...» إلخ
«1» و صحيحتي الفضيل بن يسار و الحلبي «2».

و منها: صحيحة محمّد بن مسلم: «إذا استويت جالساً فقل ...» إلخ «3».

و منها: موثقة أبي بصير الطويلة «4»، و منها غيرها ممّا لا يخفى على المراجع و قد ذكرنا الصحاح منها.

و ربّما يستدل له بما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلًا عن كتاب حريز عن زرارة قال «قال أبو جعفر (عليه السلام): لا بأس بالإقعاء فيما بين السجدتين، و لا ينبغي الإقعاء في موضع التشهّد، إنّما التشهّد في الجلوس و ليس المقعي بجالس» «5» و هي و إن كانت أظهر رواية في الباب، لاشتمالها على كلمة الحصر، لكنّها ضعيفة السند، لضعف طريق ابن إدريس إلى كتاب حريز و غيره من سائر الكتب و المجامع عدا كتاب ابن محبوب كما تقدّم «6»، لجهالة طريقه إليها، فتلحق بالمرسل، فهي مؤيّدة للمطلوب لا دليل عليه.

و أمّا الإقعاء الّذي تضمنته هذه الرواية، فسيأتي الكلام عليه موضوعاً و حكماً عند تعرّض الماتن في المسائل الآتية إن شاء اللّٰه تعالى.

ثمّ إنّ هناك رواية قد يستفاد منها عدم اعتبار الجلوس، و هي رواية عبد اللّٰه ابن حبيب بن جندب قال «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام): إنِّي أُصلِّي المغرب‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 402/ أبواب التشهّد ب 7 ح 3.

(2) الوسائل 6: 405/ أبواب التشهّد ب 9 ح 1، 3.

(3) الوسائل 6: 397/ أبواب التشهّد ب 4 ح 4.

(4) الوسائل 6: 393/ أبواب التشهّد ب 3 ح 2.

(5) الوسائل 6: 391/ أبواب التشهّد ب 1 ح 1، السرائر 3 (المستطرفات): 586.

(6) في ص 231.

275
موسوعة الإمام الخوئي15

الرابع: الطمأنينة فيه ؛ ج 15، ص : 276

[الرابع: الطمأنينة فيه]

الرابع: الطمأنينة فيه (1).

______________________________
مع هؤلاء فأُعيدها فأخاف أن يتفقدوني، فقال: إذا صلّيت الثالثة فمكِّن في الأرض أليتيك ثمّ انهض و تشهّد و أنت قائم ثمّ اركع و اسجد فإنّهم يحسبون أنّها نافلة»
«1».

و فيه: مضافاً إلى ضعف السند جدّاً، إذ رجاله كلّهم مجاهيل، أنّ الدلالة قاصرة، فإنّه حكم خاص بالتقية، فهو نظير ما مرّ من جواز الصلاة في الطين أو الوحل عند الاضطرار. ثمّ إنّ ما اشتملت عليه الرواية من الحكم بالإعادة لم يظهر وجهه بناءً على ما هو الصحيح من صحّة الصلاة مع العامّة، فهي ساقطة لا يمكن الاعتماد عليها بوجه.

(1) لم أجد تعرّضاً لهذه المسألة بالخصوص في كلمات القوم، لا المحقِّق في الشرائع و لا صاحب الجواهر و لا الحدائق و لا المحقِّق الهمداني (رضوان اللّٰه عليهم) و لعلّ الإهمال من أجل الاتكال على الوضوح لاعتبار الاطمئنان في تمام أجزاء الصلاة.

و كيف ما كان، فلم نجد رواية تدل على اعتبار الاطمئنان في التشهّد لا خصوصاً و لا عموماً إلّا رواية واحدة و هي رواية سليمان بن صالح: «و ليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة ...» إلخ «2».

و لكنّك عرفت فيما سبق عدم إطلاق لها يشمل جميع الحالات، لعدم كونها مسوقة إلّا لبيان أصل اعتبار التمكن في الصلاة تمهيداً لاعتباره في الإقامة‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 392/ أبواب التشهّد ب 2 ح 1.

(2) الوسائل 5: 404/ أبواب الأذان و الإقامة ب 13 ح 12.

276
موسوعة الإمام الخوئي15

الخامس: الترتيب بتقديم الشهادة الأولى على الثانية ؛ ج 15، ص : 277

[الخامس: الترتيب بتقديم الشهادة الأُولى على الثانية]

الخامس: الترتيب بتقديم الشهادة الأُولى على الثانية، و هما على الصلاة على محمّد و آل محمّد كما ذكر (1).

______________________________
قياساً لها عليها، و لا نظر فيها إلى محله و مورده كي يتمسّك بإطلاقه، فهي نظير ما مرّ
«1» في صحيح زرارة من تشبيه الصيام بالصلاة في اعتبار الزكاة فيه كاعتبار الصلاة على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) فيها، فانّ التشبيه غير وارد إلّا لبيان أصل الاعتبار، و لا نظر فيه إلى سائر الجهات حتّى ينعقد الإطلاق.

و بالجملة: فالدليل اللّفظي على اعتبار الاطمئنان في المقام مفقود، فان تمّ الإجماع المدّعى في كلمات غير واحد، و إلّا فالحكم محل إشكال و سبيل الاحتياط معلوم.

(1) أمّا اعتبار الترتيب بين الشهادتين، فيدل عليه مثل صحيح محمّد بن مسلم الناص على أنّ كيفية التشهّد هو أنّه إذا استوى جالساً قال: أشهد أن لا إلٰه إلّا اللّٰه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله، إلخ «2». و منه يعلم أنّه لو فرض هناك إطلاق في بعض الروايات كصحيح زرارة، نظراً إلى ما جاء فيه من قوله (عليه السلام) «الشهادتان» «3» فلا بدّ من تقييده بهذه الصحيحة.

و أمّا اعتباره بين الشهادتين و بين الصلاة عليه (صلّى اللّٰه عليه و آله) فيستفاد من مثل موثقة أبي بصير الطويلة حيث وقعت الصلاة عقيب ذكر التشهّد «4»

______________________________
(1) في ص 271.

(2) الوسائل 6: 397/ أبواب التشهّد ب 4 ح 4.

(3) الوسائل 6: 396/ أبواب التشهّد ب 4 ح 1.

(4) الوسائل 6: 393/ أبواب التشهّد ب 3 ح 2.

277
موسوعة الإمام الخوئي15

السادس: الموالاة بين الفقرات و الكلمات و الحروف ؛ ج 15، ص : 278

[السادس: الموالاة بين الفقرات و الكلمات و الحروف]

السادس: الموالاة بين الفقرات و الكلمات و الحروف بحيث لا يخرج عن الصدق (1).

[السابع: المحافظة على تأديتها على الوجه الصحيح العربي في الحركات و السكنات]

السابع: المحافظة على تأديتها على الوجه الصحيح العربي في الحركات و السكنات و أداء الحروف و الكلمات (2).

______________________________
و تؤيِّده: رواية عبد الملك بن عمرو الأحول و غيرها
«1» بل و يمكن أن يستدل لذلك بإطلاق ما دلّ على أنّ من صلّى و لم يصلّ على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) فلا صلاة له «2» فإنّه منزّل على ما هو مغروس في الأذهان و معروف عند المتشرِّعة من كون موضعها عقيب الشهادتين، نظير ما ورد من أنّه «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» «3» فإنّ إطلاقه أيضاً محمول على ما هو معهود في الخارج من موضعها الخاص المعيّن.

(1) و الوجه فيه ظاهر، فإنّه مع الإخلال بها بإيجاد الفصل بين فقرأتها أو كلماتها أو حروفها بالسكوت المخل لم يصدق حينئذ أنّه تشهد، بل يقال أتى بكلمات أو حروف متقطعة.

(2) فانّ الواقع في الروايات المتعرِّضة لاعتبار التشهّد كصحيح محمّد بن مسلم «4»، و موثقة أبي بصير «5» و غيرهما، إنّما هو على النهج المزبور دون غيره من الترجمة أو الملحون من جهة المادّة أو الهيئة، فلا بدّ من الاقتصار عليه.

______________________________
(1) الوسائل 6: 393/ أبواب التشهّد ب 3 ح 1.

(2) الوسائل 6: 407/ أبواب التشهّد ب 10 ح 2.

(3) المستدرك 4: 158/ أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 5.

(4) الوسائل 6: 397/ أبواب التشهّد ب 4 ح 4.

(5) الوسائل 6: 393/ أبواب التشهّد ب 3 ح 2.

278
موسوعة الإمام الخوئي15

مسائل ؛ ج 15، ص : 279

[مسائل]

[مسألة 1: لا بدّ من ذكر الشهادتين و الصلاة بألفاظها المتعارفة]

[1656] مسألة 1: لا بدّ من ذكر الشهادتين و الصلاة بألفاظها المتعارفة (1) فلا يجزئ غيرها و إن أفاد معناها، مثل ما إذا قال بدل أشهد: أعلم، أو أُقرّ أو اعترف، و هكذا في غيره.

[مسألة 2: يجزئ الجلوس فيه بأيّ كيفية كان و لو إقعاءً]

[1657] مسألة 2: يجزئ الجلوس فيه بأيّ كيفية كان و لو إقعاءً، و إن كان الأحوط تركه (2).

______________________________
(1) بلا خلاف فيه، و يقتضيه الجمود على ظواهر النصوص.

(2) المعروف و المشهور هو كراهة الإقعاء بقسميه مطلقاً بين السجدتين، أو بعد الثانية، سواء أ كان جلسة الاستراحة أو حال التشهّد، و إن كان صريح كثير منهم أنّ الكراهة في الأخير أشد و آكد، و المحكي عن ظاهر الشيخ في المبسوط «1» و السيِّد المرتضى «2» هو جواز ذلك كذلك.

و عن الصدوق «3» المنع عنه حال التشهّد دون غيره ممّا يعتبر فيه الجلوس في الصلاة فإنّه نفى البأس عنه فيه.

و ذهب صاحب الحدائق «4» إلى المنع عن خصوص الإقعاء المصطلح عند الفقهاء، و هو أن يعتمد الشخص بصدور قدميه على الأرض و يجلس على عقبيه بلا فرق بين حال التشهّد و غيره. و كراهة الإقعاء بالمعنى اللّغوي و هو أن يضع الرجل ألييه على الأرض و ينصب ساقيه و فخذيه واضعاً يديه على الأرض أو‌

______________________________
(1) المبسوط 1: 113.

(2) حكاه عنه في المعتبر 2: 218.

(3) الفقيه 1: 206.

(4) الحدائق 8: 312.

279
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: يجزئ الجلوس فيه بأي كيفية كان و لو إقعاء ؛ ج 15، ص : 279

..........

______________________________
بدون الوضع كما في القاموس
«1»، شبيه إقعاء الكلب جاعلًا موردها خصوص ما بين السجدتين، و أمّا حال التشهّد فلا كراهة. و عن بعض العامّة «2» استحباب الإقعاء الفقهائي الّذي منع صاحب الحدائق عنه.

و الأقرب هو ما عليه المشهور من الكراهة مطلقاً «3».

أمّا الإقعاء بين السجدتين فالحكم بالكراهة من جهة الجمع الدلالي بين ما دلّ على حرمة ذلك من موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام): «لا تقع بين السجدتين إقعاءً» «4» و بين ما هو نص في جواز ذلك و هو صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: لا بأس بالإقعاء في الصلاة فيما بين السجدتين» «5» فانّ الجمع العرفي يقتضي رفع اليد عن ظهور الموثقة في الحرمة و حملها على الكراهة، و حيث إنّ كلّاً من الدليلين مطلق من حيث كيفية الإقعاء، فلا محالة تكون نتيجة الجمع هو كراهة الإقعاء بقسميه بحكم الإطلاق كما هو ظاهر المشهور.

و لكن صاحب الحدائق بعد أن حمل الروايات الناهية على المنع عن الإقعاء بالمعنى اللّغوي و الروايات المجوّزة على ترخيص الإقعاء بالمعنى المصطلح عند الفقهاء مستشهداً على ذلك بقرائن ذكرها، استقرب كون الروايات المجوّزة واردة مورد التقيّة من جهة موافقتها لمذهب جماعة من العامّة، و حيث ورد في رواية زرارة و عمرو بن جميع الآتيتين أنّ المقعي ليس بجالس، و فهم من ذلك النفي بمعناه الحقيقي، لزمه القول ببطلان الصلاة فيما إذا أقعى بالمعنى المصطلح عند‌

______________________________
(1) القاموس المحيط 4: 382.

(2) المغني 1: 599، المجموع 3: 438.

(3) [سيأتي في ص 285 عدم كراهة الإقعاء اللّغوي].

(4) الوسائل 6: 348/ أبواب السجود ب 6 ح 1، 3.

(5) الوسائل 6: 348/ أبواب السجود ب 6 ح 1، 3.

280
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: يجزئ الجلوس فيه بأي كيفية كان و لو إقعاء ؛ ج 15، ص : 279

..........

______________________________
الفقهاء، نظراً إلى الإخلال بالجلوس المعتبر فيما بين السجدتين و كذا عند التشهّد قطعاً.

و فيه: أنّ مجرّد الموافقة مع العامّة لا يقتضي الحمل على التقيّة ما لم يكن ثمة معارض. و مع ما ذكرناه من الجمع الدلالي لا معارضة في البين. على أنّه كيف يمكن القول بأنّ المقعي ليس بجالس حقيقة مع أنّه من كيفيّات الجلوس، و ليس مفهوماً آخر مقابلًا له كالقيام و الانحناء و الاستلقاء و الاضطجاع و نحوها، فلا بدّ من حمل ما ورد في الرواية على معنى آخر سنبيِّنه إن شاء اللّٰه تعالى.

و بالجملة: ما استنتجه صاحب الحدائق من القول بعدم جواز الإقعاء في الصلاة بالمعنى المصطلح عند الفقهاء و الظاهر أنّه متفرِّد بهذا القول لا يمكن المساعدة عليه، و لا على ما ذكره من كيفية الجمع، بل مقتضى الصناعة هو ما ذكرناه من كراهة الإقعاء بكلا قسميه، فإن إطلاق موثقة أبي بصير كما يشمل الإقعاء اللغوي كذلك يشمل الإقعاء الفقهائي و لا موجب لتخصيصه بالقسم الأوّل، فإنّ القسم الثاني أيضاً كان متعارفاً عند العامّة، كما أنّ صحيح الحلبي المؤيّد برواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «لا بأس بالإقعاء فيما بين السجدتين» «1» و غيرها يعمّ كلا القسمين و لا وجه لتخصيصه بالإقعاء الفقهائي و نتيجة الجمع العرفي بينهما هو كراهة كلا القسمين من الإقعاء.

و يدلّنا أيضاً على كراهة الإقعاء الفقهائي بل و اللغوي: ذيل صحيحة زرارة: «... و إيّاك و القعود على قدميك فتتأذّى بذلك، و لا تكون قاعداً على الأرض فيكون إنّما قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهّد و الدُّعاء» «2» فإنّها متضمِّنة لواقع الإقعاء و إن لم يعبّر عنه فيها بلفظه، و استفادة الكراهة من جهة التعليل‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 349/ أبواب السجود ب 6 ح 7.

(2) الوسائل 5: 461/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

281
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: يجزئ الجلوس فيه بأي كيفية كان و لو إقعاء ؛ ج 15، ص : 279

..........

______________________________
الواقع فيها فإنّه مناسب للكراهة دون الحرمة كما لا يخفى. و كذا ما في صحيحته الأُخرى عن أبي جعفر (عليه السلام): «و لا تقع على قدميك»
«1» سواء أ كانت مادته هو الوقوع أو الإقعاء فإنّه على كلا التقديرين يستفاد منها مرجوحية ذلك.

و أمّا الإقعاء حال التشهّد، فقد عرفت أنّ المحكي عن الصدوق هو المنع مطلقاً، و كذا صاحب الحدائق، و لكن في خصوص الإقعاء الفقهائي، و استدلّوا على ذلك بما رواه ابن إدريس في الموثقة «2» عن زرارة قال قال أبو جعفر (عليه السلام) «لا بأس بالإقعاء فيما بين السجدتين و لا ينبغي الإقعاء في موضع التشهّد إنّما التشهّد في الجلوس و ليس المقعي بجالس» «3». و برواية عمرو بن جُمَيع قال «قال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام): لا بأس بالإقعاء في الصلاة بين السجدتين و بين الركعة الأُولى و الثانية و بين الركعة الثالثة و الرابعة، و إذا أجلسك الإمام في موضع يجب أن تقوم فيه تتجافى و لا يجوز الإقعاء في موضع التشهّدين إلّا من علّة، لأنّ المقعي ليس بجالس إنّما جلس بعضه على بعض، و الإقعاء أن يضع الرجل ألييه على عقبيه في تشهّديه فأمّا الأكل مقعياً فلا بأس به، لأنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) قد أكل مقعياً» «4».

و لا يخفى أنّ الإقعاء بالمعنى اللغوي غير مشمول لشي‌ء من الروايتين، و ذلك من جهة التعليل فيهما بأنّ المقعي ليس بجالس، مع أنّ الإقعاء بمعنى وضع الأليين على الأرض منتصب الساق و الفخذ يكون من أظهر أفراد الجلوس فلا يكون هذا الفرد مشمولًا للروايتين. و يؤيِّده: تفسير الإقعاء في ذيل رواية‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 463/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 5.

(2) [لكن رماها بالضعف في ص 275].

(3) الوسائل 6: 391/ أبواب التشهّد ب 1 ح 1، السرائر 3 (المستطرفات): 586.

(4) الوسائل 6: 349/ أبواب السجود ب 6 ح 6.

282
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: يجزئ الجلوس فيه بأي كيفية كان و لو إقعاء ؛ ج 15، ص : 279

..........

______________________________
عمرو بن جميع بالمعنى المصطلح عند الفقهاء. فلا دليل على عدم جواز ذلك حال التشهّد، اللّٰهمّ إلّا أن يكون الوجه هو الشهرة الفتوائية و هو أمر آخر و إلّا فلا دليل بحسب النصوص.

و أمّا الإقعاء بهذا المعنى فظاهر هاتين الروايتين هو الحرمة، و ليس بإزائهما ما يدل بالخصوص على الجواز ليكون مقتضى الجمع بينهما هو الكراهة كما كان هو الحال بالنسبة إلى ما بين السجدتين، سوى إطلاقات الجلوس حال التشهّد، فان تمّ هاتان الروايتان سنداً و دلالة فلا بدّ من تقييد تلك الإطلاقات المقتضية لجواز الإقعاء و لو بهذا المعنى بغير هذا الفرض فإنّه يكون غير جائز و إلّا كان مقتضى تلك الإطلاقات هو الجواز، إلّا أن يكون المنع مبنياً على الاحتياط كما في المتن، و إن كان ظاهره هو الاحتياط حتّى عن الإقعاء بالمعنى اللغوي. مع أنّه لا موجب لذلك، لقصور شمول الروايتين له قطعاً كما عرفت.

و لكن يمكن المناقشة في كلتا الروايتين: أمّا رواية زرارة، فلأنه رواها ابن إدريس عن كتاب حريز بن عبد اللّٰه، و قد عرفت مراراً أنّ طريق ابن إدريس لهذه الكتب مجهول لدينا، فهي بالنسبة إلينا في حكم المرسل و إن عبّر عنها في كلام غير واحد من الأعاظم بالصحيحة.

على أنّه يمكن المناقشة في دلالتها، و ذلك لأنّ لفظة «لا ينبغي» و إن كانت في لسان الأخبار ظاهرة في الحرمة كما يقتضيه معناه اللغوي «1» و هو لا يتيسّر و لا يمكن، قال اللّٰه تعالى لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهٰا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ «2» إلخ، أي لا يتيسّر لها ذلك، إلّا أنّه في خصوص المقام قامت القرينة على خلاف ذلك و هو التعليل بقوله: «و ليس المقعي بجالس» فان ظاهر هذه الجملة غير مراد‌

______________________________
(1) لسان العرب 14: 77، المنجد: 44.

(2) يس 36: 40.

283
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: يجزئ الجلوس فيه بأي كيفية كان و لو إقعاء ؛ ج 15، ص : 279

..........

______________________________
قطعاً، فإنّه كيف لا يكون المقعي بجالس مع أنّ الإقعاء نحو من أنحاء الجلوس و ليس مفهوماً مبايناً له كالقيام و نحوه، فلا بدّ و أن يكون المقصود أنّ المقعي ليس مستريحاً في جلوسه بمثابة يتمكن من أداء التشهّد و لا سيّما مع سننه و آدابه المفصّلة كما يفصح عن ذلك ذيل صحيحة زرارة المتقدِّمة: «... فلا تصبر للتشهّد و الدُّعاء»
«1»، و هذا التعليل إنّما يلائم و يناسب الحكم التنزيهي دون التحريمي كما لا يخفى.

و أمّا رواية عمرو بن جُمَيع، فلأن هذا الرجل مضافاً إلى كونه بترياً ضعّفه كل من الشيخ «2» و النجاشي «3» صريحاً فلا تكون روايته حجّة.

و ما قيل من أنّ الراوي عنه هو محمّد بن أبي عمير و هو ممّن قد أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه فهو عجيب جدّاً، فان هذا الأصل الّذي يكون الأصل فيه كلام الشيخ في العدّة «4» من أن مثل ابن أبي عمير لا يرسل إلّا عن الثقة على فرض تماميته إنّما هو فيما إذا كان حال الراوي مجهولًا و مردّداً و أمّا مع التنصيص على الضعف كما فيما نحن فيه فلا سبيل للرجوع إلى ذلك الأصل، بل يكون العثور على هذه التضعيفات كاشفاً و شاهداً على عدم تمامية ذلك الأصل.

على أنّه لم يعلم كون هذه الجملة من تتمّة الرواية، بل سوق الكلام يشهد بأنّها من فتوى الصدوق أخذها من رواية زرارة فذكرها في ذيل هذه الرواية ثمّ فسّر الإقعاء بنظره ثمّ ذكر بعد ذلك جواز الإقعاء حال الأكل مستشهداً‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 461/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

(2) رجال الطوسي: 251/ 3517.

(3) رجال النجاشي: 288/ 769.

(4) العدّة 1: 58 السطر 7.

284
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 3: من لا يعلم الذكر يجب عليه التعلم و قبله يتبع غيره فيلقنه ؛ ج 15، ص : 285

[مسألة 3: من لا يعلم الذكر يجب عليه التعلّم و قبله يتبع غيره فيلقّنه]

[1658] مسألة 3: من لا يعلم الذكر يجب عليه التعلّم و قبله يتبع غيره فيلقّنه، و لو عجز و لم يكن من يلقّنه أو كان الوقت ضيقاً أتى بما يقدر [1] و يترجم الباقي، و إن لم يعلم شيئاً يأتي بترجمة الكل، و إن لم يعلم يأتي بسائر الأذكار بقدره، و الأولى التحميد إن كان يحسنه، و إلّا فالأحوط الجلوس قدره مع الإخطار بالبال إن أمكن (1).

______________________________
بفعل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله).

و كيف ما كان، لا ريب في أنّ الروايتين كلتاهما ضعيفة، و معه لا يمكن الاستدلال بهما على عدم جواز الإقعاء حال التشهّد، بل و لا على كراهته.

و لكن يمكن إثبات الكراهة بصحيحتي زرارة المتقدِّمتين في باب أفعال الصلاة حيث صرّح في إحداهما بأنّه «لا تكون قاعداً على الأرض فيكون إنّما قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهّد و الدُّعاء» «1» و في الأُخرى بأنّه «لا تقع على قدميك» «2» فإنّ النهي فيهما ليس محمولًا على ظاهره، و ذلك بقرينة التعليل و كونه في مقام بيان تعداد السنن و الآداب فلاحظ.

فالنتيجة: أنّ الإقعاء حال التشهّد بالمعنى المصطلح عند الفقهاء مكروه، و بالمعنى اللغوي جائز من غير كراهة، و أمّا الإقعاء بين السجدتين فهو مكروه بقسميه.

(1) لا ريب في وجوب التعلّم على من لم يعلم شيئاً من الصلاة، سواء كان هو الذكر أو غيره، لئلّا يقال له فيما إذا أدّى ذلك إلى ترك الصلاة الصحيحة-

______________________________
[1] مع صدق عنوان الشهادة عليه، و إلّا فوجوبه كوجوب المراتب اللّاحقة مبنيّ على الاحتياط.

______________________________
(1) الوسائل 5: 461/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3، 5.

(2) الوسائل 5: 461/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3، 5.

285
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 3: من لا يعلم الذكر يجب عليه التعلم و قبله يتبع غيره فيلقنه ؛ ج 15، ص : 285

..........

______________________________
فهلّا تعلّمت إذا قال ما علمت على ما ورد ذلك في النص
«1» فوجوب التعلّم إنّما هو لأجل عدم إفضاء جهله إلى ذلك. نعم، لو كان ثمة من يلقّنه حال الصلاة و لو كلمة كلمة لم يكن بأس في عدم تعلّمه حتّى متعمِّداً، إذ وجوب التعلّم إنّما هو طريقي لا نفسي، فلا مانع من تركه إذا كان متمكِّناً معه من أداء الواجب و لو بمثل التلقين. و أمّا إذا لم يجد من يلقّنه و لم يمكنه التعلّم و لو من جهة ضيق الوقت ففيه فروض:

الأوّل: أن يكون متمكِّناً من القراءة الملحونة، و إنّما لا يتمكّن من القراءة الصحيحة. الظاهر أنّه لا إشكال و لا خلاف في وجوب ذلك عليه، و يدلّنا عليه: مضافاً إلى التسالم، إطلاقات التشهّد، فإنّه خطاب عام متوجِّه إلى الجميع و المستفاد منه عرفاً وجوب ذلك عليهم كلٌّ بحسب تمكنه و مقدرته، فيكون المطلوب ممّن لا يتمكن من أدائه على وجهه ما يحسنه و يتمكن منه و لو مع تبديل بعض الحروف ببعض، و قد ورد من طرق العامّة أنّ سين بلال شين عند اللّٰه «2»، فهذا يكون فرداً و مصداقاً للتشهّد حقيقة.

و أيضاً تدل عليه: موثقة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: قال النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) إنّ الرجل الأعجمي من أُمّتي ليقرأ القرآن بعجميّته فترفعه الملائكة على عربيته» «3»، إذ من المعلوم أنّه لا خصوصية للقراءة و إنّما هو من باب المثال و إلّا فالتشهّد أيضاً كذلك، و يؤيِّد التعدِّي بل يدل على أصل الحكم: معتبرة مسعدة بن صدقة قال: «سمعت جعفر بن محمّد (عليه السلام)

______________________________
(1) البحار 2: 29، 180.

(2) البداية و النهاية 4: 102، و أورده في المستدرك 4: 278/ أبواب قراءة القرآن ب 23 ح 3.

(3) الوسائل 6: 221/ أبواب قراءة القرآن ب 30 ح 4.

286
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 3: من لا يعلم الذكر يجب عليه التعلم و قبله يتبع غيره فيلقنه ؛ ج 15، ص : 285

..........

______________________________
يقول: إنّك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح و كذلك الأخرس في القراءة في الصلاة و التشهّد و ما أشبه ذلك، فهذا بمنزلة العجم و المحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلِّم الفصيح»
«1» فانّ هذه الرواية صريحة في أنّ جميع المكلّفين ليسوا على حد سواء، بل المطلوب من كل واحد منهم هو ما يكون مقدوراً له و متمكناً منه.

الثاني: أن لا يكون متمكناً من تمام التشهّد حتّى الملحون منه لكنّه متمكِّن من ترجمته، و قد ذكر الماتن كغيره أنّه يأتي بما يقدر و يترجم الباقي، و إن لم يعلم شيئاً أصلًا يأتي بترجمة الكل.

أمّا وجوب الترجمة كلّاً أو بعضاً فقد استدلّ له بوجهين:

الأوّل: إطلاقات التشهّد المقتضية لجواز إتيانه و لو بترجمته، غايته دلالة الدليل على أنّه مع التمكن لا بدّ و أن يكون ذلك بالألفاظ الخاصّة، و أمّا فرض العجز فهو باق تحت تلك الإطلاقات.

و يرده: بعد تسليم الإطلاقات و الغض عن انصرافها إلى ما هو المتعارف الخارجي من جهة كون الألف و اللّام فيها للعهد، أنّها مقيّدة بمثل صحيحة محمّد ابن مسلم «2» الدالّة على كون الواجب الصيغة الخاصّة مطلقاً حتّى حال عدم التمكّن منه و [التمكّن من] الإتيان بالترجمة، و من المعلوم أنّ إطلاق دليل الخاص مقدّم على إطلاق دليل العام و حاكم عليه كما قرّر في محله، فالاطلاقات قاصرة عن إثبات وجوب الترجمة.

الثاني: قاعدة الميسور، بتقريب أنّ المأمور به في التشهّد ليس هو الألفاظ‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 136/ أبواب القراءة في الصلاة ب 59 ح 2.

(2) الوسائل 6: 397/ أبواب التشهّد ب 4 ح 4.

287
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 3: من لا يعلم الذكر يجب عليه التعلم و قبله يتبع غيره فيلقنه ؛ ج 15، ص : 285

..........

______________________________
بل معانيها، كما هو الحال في إظهار الإسلام، غايته أنّه في المقام قد دلّ الدليل على أن يكون إبراز ذاك المعنى بهذه الألفاظ الخاصّة، فإذا فرض أنّه عجز عن أداء تلك الألفاظ فمقتضى ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه هو إبراز تلك المعاني بما يكون ترجمة لهذه الألفاظ الخاصّة.

و فيه: مضافاً إلى المنع من هذه القاعدة كبروياً على ما عرفته مكرراً، المنع عن الصغرى أيضاً، للمنع عن عدم كون المأمور به هو الألفاظ، كيف و إنّ كثيراً من المكلّفين و لا سيّما الأعاجم منهم و على الأخص حديثوا العهد بالإسلام لا يدركون معاني تلك الألفاظ و لم يكلفوا تفهّم معانيها، فالمطلوب ليس إلّا هذه الألفاظ و لو بداعي حكايتها عن تلك المعاني، و من الظاهر أنّ ترجمة تلك الألفاظ بلغة اخرى لا تعد ميسورة لها ليجب الإتيان بها بمقتضى تلك القاعدة بناءً على تماميتها، فالترجمة لا دليل على الإتيان بها.

و أمّا الإتيان بما يقدر من التشهّد، فان كان ذلك ممّا يصدق عليه عنوان التشهّد كما لو كان غير المتمكن من أدائه هو جملة «وحده لا شريك له» أو كلمة «عبده» فلا إشكال في وجوب الإتيان بالمتمكن منه ممّا يصدق عليه عنوان التشهّد، فانّ العجز عن بعض أجزاء الصلاة لا يوجب سقوط البعض الآخر المتمكن منه، لما استفدناه من قوله (عليه السلام): «لا تدع الصلاة على حال» «1» من أنّ كل جزء من الصلاة مشروط بالقدرة على نفس ذاك الجزء فلا بدّ من الإتيان به إذا كان ممّا يصدق عليه عنوان التشهّد. و أمّا إذا لم يصدق عليه التشهّد كما إذا كان متمكناً من لفظة «أشهد» فقط مثلًا، فلا دليل على الإتيان به لا بنفسه و لا بترجمته لا منفرداً و لا منضماً إلى ترجمة بقيّة ما يكون عاجزاً عنه، بل مقتضى القاعدة هو سقوط التشهّد عندئذ رأساً.

______________________________
(1) الوسائل 2: 373/ أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5.

288
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 3: من لا يعلم الذكر يجب عليه التعلم و قبله يتبع غيره فيلقنه ؛ ج 15، ص : 285

..........

______________________________
الثالث: أن لا يكون متمكناً حتّى من الترجمة، فقد ذكر غير واحد أنّه لا بدّ من أن يأتي بسائر الأذكار بقدره كما في المتن. و عن الشهيد «1» أنّه لا بدّ من الإتيان بخصوص التحميد و لذا جعله الماتن أولى من غيره.

أمّا التحميد، فمدركه هو رواية حبيب الخثعمي المتقدِّمة: «إذا جلس الرجل للتشهّد فحمد اللّٰه أجزأه» «2» و رواية بكر بن حبيب قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن التشهّد، فقال: لو كان كما يقولون واجباً على الناس هلكوا إنّما كان القوم يقولون أيسر ما يعلمون، إذا حمدت اللّٰه أجزأ عنك» «3» بناءً على ما ذكره الشهيد من أنّهما تدلّان على اعتبار التحميد بالفحوى.

و الوجه في ذلك: أنّه حملهما على التقيّة كصاحب الحدائق «4»، فإذا كانت الوظيفة عند المانع الخارجي أعني التقيّة هو التحميد بدلًا عن التشهّد، فمع المانع التكويني و هو عدم التمكن من التشهّد و العجز عنه لا بدّ و أن تكون الوظيفة هو ذلك بالأولويّة القطعية.

و فيه: مضافاً إلى ضعف الروايتين، الاولى بسعد بن بكر، و الثانية بنفس بكر بن حبيب، ما عرفته سابقاً «5» من أنّ الروايتين ناظرتان إلى الأوراد المفصّلة المعمولة عندهم، و أنّه يجزئ التحميد عن تلك الأوراد و الأدعية، لا أنّ التشهّد غير واجب، و أنّ التحميد بدل عنه، كيف و رواية حبيب ظاهرة في وجوبه حيث قال: «إذا جلس للتشهّد»، و العامّة أيضاً لا يرون عدم وجوبه ليحمل ذلك على التقيّة، فالروايتان قاصرتان سنداً و دلالةً عن إثبات التحميد.

______________________________
(1) الذكرى 3: 413.

(2) الوسائل 6: 399/ أبواب التشهّد ب 5 ح 2.

(3) الوسائل 6: 399/ أبواب التشهّد ب 5 ح 3.

(4) الحدائق 8: 445.

(5) في ص 251.

289
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 3: من لا يعلم الذكر يجب عليه التعلم و قبله يتبع غيره فيلقنه ؛ ج 15، ص : 285

..........

______________________________
و أمّا مطلق الذكر، فلا وجه له إلّا أن يستفاد ذلك من صحيح عبد اللّٰه بن سنان قال: «قال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) إنّ اللّٰه فرض من الصلاة الركوع و السجود، أ لا ترى لو أنّ رجلًا دخل في الإسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبِّر و يسبِّح و يصلِّي» «1» بناءً على أنّ ذكر القراءة من باب المثال و المراد أنّ مع عدم التمكّن من غير الركوع و السجود يجزئ عنه التكبير و التسبيح.

و فيه: أنّ الرواية في مقام بيان ركنية الركوع و السجود في الصلاة على ما ورد ذلك في غير هذه الرواية، فلا يستفاد منها أكثر من بدلية التكبيرة عن القراءة، و أمّا بدليتها عن كل ما ليس بركن فلا، لعدم كون الرواية في مقام البيان من هذه الجهة.

فالنتيجة: أنّه مع عدم التمكن من الترجمة لا دليل على وجوب مطلق الذكر أو خصوص التحميد، ففي هذا الفرض لا يجب عليه شي‌ء أصلًا.

لكن المحقِّق الهمداني (قدس سره) «2» استبعد ذلك باعتبار استلزامه أن يكون هذا أسوأ حالًا من الأخرس، حيث إنّ الأخرس يجب عليه أن يجلس و يحرِّك لسانه بداعي الحكاية عن ذلك.

إلّا أنّ استبعاده (قدس سره) في غير محله، لأنّ الأخرس إنّما يكون تشهّده هو هذا حقيقة كسائر أفعاله و أقواله الصادرة منه، و أمّا غيره ممّن هو قادر على التكلّم لكنّه لم يتعلّم التشهّد فلا بدّ في وجوب غير التشهّد عليه بدلًا عنه من قيام دليل عليه و هو مفقود و لا يقتضي ذلك كونه أسوأ حالًا، فان ذلك متمكِّن من التشهّد و لو بحسب حاله دون هذا.

الرابع: أن لا يكون متمكناً حتّى من مطلق الذكر أو التحميد، ذكر الماتن‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 42/ أبواب القراءة في الصلاة ب 3 ح 1.

(2) مصباح الفقيه (الصلاة): 373 السطر 18.

290
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 4: يستحب في التشهد أمور ؛ ج 15، ص : 291

[مسألة 4: يستحب في التشهّد أُمور]

[1659] مسألة 4: يستحب في التشهّد أُمور:

الأوّل: أن يجلس الرجل متورّكاً على نحو ما مرّ من الجلوس بين السجدتين.

الثاني: أن يقول قبل الشروع في الذكر: «الحمد للّٰه» أو يقول: «بسم اللّٰه و باللّٰه و الحمد للّٰه و خير الأسماء للّٰه، أو الأسماء الحسنى كلّها للّٰه».

الثالث: أن يجعل يديه على فخذيه منضمّة الأصابع.

الرابع: أن يكون نظره إلى حجره.

الخامس: أن يقول بعد قوله و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله: «أرسله بالحق بشيراً و نذيراً بين يدي الساعة، و أشهد أنّ ربِّي نعم الرب و أنّ محمّداً نعم الرسول» ثمّ يقول: «اللّٰهمّ صلّ ...» إلخ.

السادس: أن يقول بعد الصلاة: «و تقبّل شفاعته و ارفع درجته» في التشهّد الأوّل بل في الثاني أيضاً، و إن كان الأولى عدم قصد الخصوصية في الثاني.

______________________________
(قدس سره) كغيره أنّ الأحوط الجلوس قدره مع الاخطار بالبال إذا أمكن و هذا مبني على أنّ الجلوس واجب في نفسه كالتشهّد و العجز عن خصوص الثاني لا يقتضي سقوط الأوّل المفروض تمكنه منه.

و فيه: أنّ المستفاد من الروايات كون الجلوس واجباً حال التشهّد لا أنّه واجب في نفسه، فمع سقوط التشهّد من جهة العجز يكون الجلوس ساقطاً أيضاً.

فظهر ممّا سبق أنّ جميع ما ذكروه من الترجمة كلّاً أو بعضاً منضماً إلى ما لا يصدق عليه التشهّد أو الذكر أو التحميد، أو الجلوس مع الاخطار بالبال، كل ذلك مبني على الاحتياط، و إلّا فلا دليل عليه، و اللّٰه سبحانه أعلم.

291
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 4: يستحب في التشهد أمور ؛ ج 15، ص : 291

السابع: أن يقول في التشهّد الأوّل و الثاني ما في موثقة أبي بصير و هي قوله (عليه السلام) «إذا جلست في الركعة الثانية فقل: بسم اللّٰه و باللّٰه و الحمد للّٰه و خير الأسماء للّٰه، أشهد أن لا إلٰه إلّا اللّٰه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله أرسله بالحقّ بشيراً و نذيراً بين يدي الساعة، أشهد أنّك نعم الرب، و أنّ محمّداً نعم الرسول، اللّٰهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد و تقبّل شفاعته في أُمّته و ارفع درجته، ثمّ تحمد اللّٰه مرّتين أو ثلاثاً، ثمّ تقوم فاذا جلست في الرابعة قلت: بسم اللّٰه و باللّٰه و الحمد للّٰه و خير الأسماء للّٰه أشهد أن لا إلٰه إلّا اللّٰه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله أرسله بالحقّ بشيراً و نذيراً بين يدي الساعة، أشهد أنّك نعم الرب و أنّ محمّداً نعم الرسول، التحيّات للّٰه و الصلوات الطاهرات الطيِّبات الزاكيات الغاديات الرائحات السابغات الناعمات، ما طاب و زكى و طهر و خلص و صفا فللّٰه أشهد أن لا إلٰه إلّا اللّٰه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله أرسله بالحقّ بشيراً و نذيراً بين يدي الساعة، أشهد أنّ ربِّي نعم الربّ و أنّ محمّداً نعم الرسول، و أشهد أنّ الساعة آتية لا ريب فيها و أنّ اللّٰه يبعث من في القبور، الحمد للّٰه الّذي هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّٰه، الحمد للّٰه ربّ العالمين، اللّٰهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد، و بارك على محمّد و آل محمّد، و سلم على محمّد و آل محمّد، و ترحّم على محمّد و آل محمّد كما صلّيت و باركت و ترحّمت على إبراهيم و آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، اللّٰهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفر لنا و لإخواننا الّذين سبقونا بالإيمان و لا تجعل في قلوبنا غلّاً للّذين آمنوا ربّنا إنّك رؤوف رحيم، اللّٰهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد و امنن عليّ بالجنّة، و عافني من النار، اللّٰهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد

292
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 5: يكره الإقعاء حال التشهد على نحو ما مر في الجلوس بين السجدتين ؛ ج 15، ص : 293

و اغفر للمؤمنين و المؤمنات و لا تزد الظالمين إلّا تباراً، ثمّ قل: السلام عليك أيُّها النبيّ و رحمة اللّٰه و بركاته، السلام على أنبياء اللّٰه و رسله، السلام على جبريل و ميكائيل و الملائكة المقرّبين، السلام على محمّد بن عبد اللّٰه خاتم النبيين لا نبيّ بعده، و السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين، ثم تسلِّم.

الثامن: أن يسبِّح سبعاً بعد التشهّد الأوّل بأن يقول: سبحان اللّٰه سبحان اللّٰه سبعاً ثمّ يقوم.

التاسع: أن يقول: بحول اللّٰه و قوّته ... إلخ حين القيام عن التشهّد الأوّل.

العاشر: أن تضم المرأة فخذيها حال الجلوس للتشهّد.

[مسألة 5: يكره الإقعاء حال التشهّد على نحو ما مرّ في الجلوس بين السجدتين]

[1660] مسألة 5: يكره الإقعاء حال التشهّد على نحو ما مرّ في الجلوس بين السجدتين، بل الأحوط تركه كما عرفت.

293
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

[فصل في التسليم]

فصل في التسليم و هو واجب على الأقوى و جزء من الصلاة فيجب فيه جميع ما يشترط فيها (1) من الاستقبال و ستر العورة، و الطهارة و غيرها، و مخرج منها، و محلل للمنافيات المحرّمة بتكبيرة الإحرام، و ليس ركناً فتركه عمداً مبطل لا سهواً فلو سها عنه و تذكّر بعد إتيان شي‌ء من المنافيات عمداً و سهواً أو بعد فوات الموالاة لا يجب تداركه.

______________________________
(1) كما اختاره جمع كثير من القدماء و المتأخِّرين فذهبوا إلى أنّه الجزء الوجوبي الأخير من أجزاء الصلاة، و به تحل المنافيات و يتحقّق الخروج عن الصلاة. بل عن بعض دعوى الإجماع عليه كما في الجواهر
«1»، بل عن الأمالي «2» نسبته إلى دين الإمامية، هذا.

و قد نسب إلى جماعة أُخرى من القدماء و المتأخِّرين القول بالاستحباب، بل قيل إنّه الأشهر بل المشهور، و قد تصدّى بعض لرفع الخلاف و أقام شواهد من كلماتهم تقضي باتفاق الكل على الوجوب، و أنّ من كان ظاهره الاستحباب يريد به السلام الأخير لدى الجمع بينه و بين الصيغة الاولى أعني قول: السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين، لا مطلق السلام، تعرّض لذلك شيخنا في‌

______________________________
(1) الجواهر 10: 282.

(2) أمالي الصدوق: 741/ 1006.

294
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
الجواهر تبعاً للسيِّد في منظومته
«1»، و تبعه المحقِّق الهمداني (قدس سره) «2» منكرين للخلاف في المسألة.

و ما ذكروه و إن كان وجيهاً بالنظر إلى كلمات بعض القائلين بالاستحباب لكنّه لا يتم في كلمات جميعهم بحيث يتحقّق الاتِّفاق من الكل على الوجوب كما لا يخفى على من لاحظها.

و كيف ما كان، فالظاهر أنّ المسألة خلافية و المتبع هو الدليل فلا بدّ من النظر في مستند كل من القولين.

و يقع الكلام أوّلًا في ثبوت المقتضي للوجوب، ثمّ في المانع عنه الموجب للذهاب إلى الاستحباب فهنا مقامان:

أمّا المقام الأوّل: فقد استدلّ للوجوب بوجوه و طوائف من الأخبار:

إحداها: نصوص التحليل المتضمِّنة أنّ افتتاح الصلاة أو تحريمها التكبير و تحليلها التسليم، و هي عدّة روايات ستقف عليها إن شاء اللّٰه تعالى.

و قد ناقش فيها الأردبيلي «3» و تبعه تلميذه صاحب المدارك «4» بأنّ أسانيدها بأجمعها ضعاف فلا تصلح للاستدلال بها و الاستناد إليها.

و ذكر صاحب الحدائق و الجواهر «5» و من تأخّر عنهما و تقدّم عليهما بأنّ هذه روايات مشهورة و مقبولة عند الكل بلغت حدّ الاستفاضة، بل كادت أن تكون متواترة و لو إجمالًا بحيث يعلم بصدور بعضها عن المعصوم (عليه السلام)

______________________________
(1) الدرّة النجفية: 144.

(2) مصباح الفقيه (الصلاة): 374 السطر 25.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 2: 282.

(4) المدارك 3: 433.

(5) الحدائق 8: 479، الجواهر 10: 286.

295
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
و معه لا يقدح عدم صحّة أسانيدها.

و لكن الأقرب ما ذكره الأردبيلي و صاحب المدارك من عدم صلاحية هذه الروايات للاستدلال بها، و ذلك لأنّ هذه الروايات لم يذكر منها في الكتب الأربعة التي عليها المدار إلّا روايتان: إحداهما في الكافي و الأُخرى فيه و في الفقيه و التهذيب، و أمّا الباقية منها و هي ست روايات فقد ذكر إحداها ابن شهرآشوب في مناقبه مرسلًا، و ذكر الخمس الأُخر الصدوق في علله أو عيونه أو خصاله أو معانيه «1»، دون فقيهة الّذي هو العمدة، حيث ذكر أنّه لم ينقل فيه رواية إلّا و تكون حجّة بينه و بين ربّه «2»، فمن عدم ذكره لتلك الروايات فيه يستكشف عدم اعتنائه بشأنها، فكيف تكون تلك الروايات مشهورة مقبولة مستفيضة. مع أنّ الموجود في الكتب الأربعة اثنتان منها كما عرفت و لا تتحقّق بهما الاستفاضة، و الست الباقية لم يذكرها إلّا ابن شهرآشوب في مناقبه، و الصدوق في غير فقيهة، و هو لا يقتضي الشهرة و المقبولية.

أمّا رواية الكافي فهي ما رواه القداح عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): افتتاح الصلاة الوضوء، و تحريمها التكبير، و تحليلها التسليم» «3» و هي ضعيفة بسهل بن زياد، و أمّا جعفر بن محمّد الأشعري الّذي يروي عن القداح فهو و إن لم يوثق صريحاً إلّا أنّه من رجال كامل الزيارات فلا إشكال من ناحيته.

و أمّا رواية الفقيه فقد رواها هكذا قال «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): افتتاح الصلاة الوضوء، و تحريمها التكبير، و تحليلها التسليم» «4»، و ضعفها من‌

______________________________
(1) ستأتي مصادرها في الصفحات الآتية.

(2) الفقيه 1: 3.

(3) الوسائل 6: 415/ أبواب التسليم ب 1 ح 1، الكافي 3: 69/ 2.

(4) الوسائل 6: 417/ أبواب التسليم ب 1 ح 8، الفقيه 1: 23/ 68.

296
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
جهة الإرسال ظاهر. نعم، رواها في هدايته عن الصادق (عليه السلام)
«1» و قد عرفت أنّ الكافي روى هذه الرواية بعينها عن القداح عن الصادق (عليه السلام) مسنداً، فلا تكون هذه رواية أُخرى مغايرة لها، بل هي بعينها و لكن الصدوق أرسلها و لم يسندها. نعم، لو كان الصحيح هو ما ذكره في الفقيه من كون الرواية علوية كانت هي رواية أُخرى مرسلة ضعيفة، و إن كان ظاهر تعبير الصدوق بأنّه قال أمير المؤمنين (عليه السلام) هو علمه بصدوره منه (عليه السلام) لكنّه غير مجد بالنسبة إلينا كما لا يخفى.

و أمّا رواية ابن شهرآشوب فهي ما رواه في مناقبه عن أبي حازم قال: «سئل علي بن الحسين (عليه السلام) ما افتتاح الصلاة؟ قال: التكبير قال: ما تحليلها؟ قال: التسليم» «2» و هي أيضاً ضعيفة من جهة الإرسال.

و أمّا الروايات الخمس الباقية، فإحداها: ما رواه في العلل و عيون الأخبار بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرِّضا (عليه السلام) «قال: إنّما جعل التسليم تحليل الصلاة و لم يجعل بدلها تكبيراً أو تسبيحاً أو ضرباً آخر، لأنّه لما كان الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين و التوجه إلى الخالق، كان تحليلها كلام المخلوقين و الانتقال عنها و ابتداء المخلوقين في الكلام أوّلًا بالتسليم» «3» وجه الضعف ما عرفت مراراً من أنّ طريق الصدوق في العلل و العيون ضعيف كما ذكر ذلك صاحب الوسائل في آخر كتابه في ضمن فوائد فلاحظ «4»، و لكن‌

______________________________
(1) الهداية: 133.

(2) المستدرك 5: 21/ أبواب التسليم ب 1 ح 1، المناقب 4: 143.

(3) الوسائل 6: 417/ أبواب التسليم ب 1 ح 10، علل الشرائع: 262/ 9، عيون أخبار الرِّضا 2: 108.

(4) الوسائل 30: 121.

297
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
عبّر المحقِّق الهمداني عن هذه الرواية بقوله: بإسناده الحسن كالصحيح
«1». و في الجواهر: بإسناده الّذي قيل إنّه لا يقصر عن الصحيح «2»، و هو في غير محله.

ثانيتها: ما رواه في العلل عن المفضل بن عمر قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن العلّة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة؟ قال: لأنّه تحليل الصلاة إلى أن قال-: قلت: فلم صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال: لأنّه تحيّة الملكين، و في إقامة الصلاة بحدودها و ركوعها و سجودها و تسليمها سلامة للعبد من النار ...» إلخ «3».

قال في الجواهر «4» عند نقل هذه الرواية: بسند يمكن أن يكون معتبراً، مع أنّ في سندها علي بن العباس و قد ضعفوه و قالوا لم يعتن برواياته، و القاسم بن الربيع الصحّاف و هو لم يوثق و إن كان من رجال كامل الزيارات و تفسير القمي و محمّد بن سنان و ضعفه ظاهر، و المفضل بن عمر الّذي ضعّفه النجاشي «5» و غيره صريحاً و إن كان الأظهر وثاقته «6»، و علي بن أحمد الدقاق و هو شيخ الصدوق و لم يوثق، و مع هؤلاء المجاهيل و الضعفاء كيف يمكن أن يكون السند معتبراً كما ادّعاه (قدس سره).

ثالثتها: ما رواه في معاني الأخبار عن أحمد بن الحسن القطّان عن أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، عن بكر بن عبد اللّٰه بن حبيب عن تميم بن بهلول عن‌

______________________________
(1) مصباح الفقيه (الصلاة): 374 السطر 35.

(2) الجواهر 10: 285.

(3) الوسائل 6: 417/ أبواب التسليم ب 1 ح 11، علل الشرائع: 359/ الباب 77.

(4) الجواهر 10: 285.

(5) رجال النجاشي: 416/ 1112.

(6) لاحظ المعجم 19: 330/ 12615.

298
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
أبيه، عن عبد اللّٰه بن الفضل الهاشمي قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن معنى التسليم في الصلاة، فقال: التسليم علامة الأمن و تحليل الصلاة ...»
«1». قال في الحدائق «2» عند ذكره لهذه الرواية: و ما رواه الصدوق بسند معتبر. و هذا منه (قدس سره) عجيب جدّاً، بل لم يعهد منه مثل هذا الاشتباه إن لم يكن من النسّاخ بسقوط كلمة «غير» منهم، و إلّا فكيف يكون مثل هذا السند معتبراً مع أنّ رواته بأجمعهم ضعاف أو مجاهيل ما عدا الراوي الأخير، أعني الهاشمي.

رابعتها: ما رواه في عيون الأخبار بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرِّضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون قال فيه: «تحليل الصلاة التسليم» «3» و الطريق إليه ضعيف كما مرّ.

خامستها: ما رواه في الخصال مرسلًا عن الأعمش عن الصادق (عليه السلام) و فيها: «... لأن تحليل الصلاة هو التسليم» «4» و ضعفها من جهة الإرسال ظاهر.

هذه هي الروايات التي يكون مضمونها أنّ الصلاة تحريمها التكبير، و تحليلها التسليم، و هي بأجمعها ضعاف غير معتبرة كما عرفت، و لم تكن روايات مشهورة مقبولة، و إلّا فلِم لم يذكرها الصدوق في الفقيه سوى رواية واحدة، كما أنّها لم تبلغ حدّ الاستفاضة فضلًا عن التواتر ليقطع بصدور بعضها عن المعصوم (عليه السلام) فلا تصلح للاستدلال بها وفاقاً للأردبيلي و تلميذه.

ثمّ إنّه على تقدير تسليم اعتبار أسانيدها و فرضها روايات صحاح، فهل‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 418/ أبواب التسليم ب 1 ح 13، معاني الأخبار: 175/ 1.

(2) الحدائق 8: 480.

(3) الوسائل 6: 418/ أبواب التسليم ب 1 ح 12، عيون أخبار الرِّضا 2: 123.

(4) الوسائل 7: 286/ أبواب قواطع الصلاة ب 29 ح 2، الخصال: 604/ 9.

299
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
تدل على وجوب التسليم؟ فيه كلام، فقد ناقشوا في استفادة الحصر منها، و أنّ التحليل منحصر في خصوص التسليم من وجوه، و جوّزوا أن يكون ثمة محلل آخر غير التسليم فيكون الواجب هو الجامع دون خصوص التسليم، و قد أطالوا النقض و الإبرام في ذلك.

و لكن الإنصاف أنّه لا ينبغي الشك في استفادة الحصر، فانّ الظاهر أنّ الإمام (عليه السلام) في مقام بيان ماهية الصلاة و أنّه يحرم بالتكبير عدّة أُمور من المنافيات، و تحليلها إنّما هو بالتسليم لا غير بمقتضى الظهور العرفي في كونه (عليه السلام) بصدد التحديد لا مجرّد بيان الطبيعة المهملة.

ثمّ على تقدير تسليم عدم دلالتها على الحصر ليس معنى ذلك هو جواز الإتيان بالمنافي قبل التسليم [أو عدله]، بل لازم كون التسليم تحليلًا و لو في الجملة أنّه لا يجوز الإتيان بشي‌ء من المنافيات قبل التسليم [أو عدله] و إلّا لم يكن محللًا، سواء أ كان المراد من عدم جواز الإتيان بالمنافيات في الصلاة عدم الجواز التكليفي أو الوضعي كما هو الظاهر، و لذا يعم ذلك الفريضة و النافلة، و قلنا بجواز قطع الصلاة و لو اختياراً، فليس له الاكتفاء بالتشهّد كما يزعمه القائل بالاستحباب و بأنّه يحصل الفراغ من الصلاة بمجرّد التشهّد، بل لا بدّ له من التسليم [أو عدله]، و معه كيف يصح القول باستحبابه و أنّه ليس بواجب.

و ما يقال من أنّ ذلك من أجل أنّ الرواية غير ظاهرة المراد، لأنّ التحليل ليس نفس التسليم فلا بدّ من إضمار، و لا دليل على ما يقتضي الوجوب ضعيف غايته، فان حمل المصدر على الذات من باب المبالغة أو إرادة معنى اسم الفاعل منه أمر متعارف شائع، فيكون المراد أنّ التسليم محلل للمنافيات، كما أنّ التكبير محرّم لها. و الحاصل: أنّه لا قصور في دلالة هذه الروايات على أنّ التسليم واجب و كونه ممّا لا بدّ منه، نعم لا يستفاد منها أنّه جزء من الصلاة لإمكان أن يكون مأخوذاً على نحو الشرط المتأخِّر بأن يكون جواز الإتيان‌

300
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
بالمنافيات بعد التشهّد مشروطاً بتعقبه بالتسليم. اللّٰهمّ إلّا أن يستفاد اعتبار الجزئية من السياق و كونه على حد سائر الأجزاء المعتبرة فيها من التكبيرة و غيرها.

و أمّا احتمال أن لا يكون جزءاً و لا شرطاً بل هو أمر أجنبي اعتبر في هذا المحل و مع ذلك لا يجوز الإتيان بالمنافيات قبله، كما ربّما يتراءى ذلك من بعض الكلمات فلا نعقل له وجهاً صحيحاً.

و المتحصِّل من جميع ما مرّ: أنّ المناقشة في هذه الطائفة من الروايات إنّما هي من جهة السند فقط، دون الدلالة.

الطائفة الثانية: الروايات الكثيرة الآمرة بالتسليم ابتداءً أو عند الشك أو غيره ممّا وردت في أبواب متفرِّقة مناسبة، قيل بلغت من الكثرة حدّا يصعب معه إحصاؤها.

منها: ما ورد في ذيل صحيحة حماد المعروفة من قوله: «فلمّا فرغ من التشهّد سلّم فقال: يا حماد، هكذا صلّ» «1»، و قد عرفت مراراً أنّ الأوامر في باب المركبات تنقلب من ظهورها في المولوية إلى كونها ظاهرة في الإرشاد إلى الجزئية أو الشرطية على اختلاف المقامات، و سياق الرواية فيما نحن فيه يشهد بأنّ دخل التسليم على نحو الجزئية لا الشرطية و كون الدخيل هو التقيد به كما لا يخفى.

و منها: ما رواه الصدوق في العلل بأسانيد معتبرة تنتهي إلى عمر بن أُذينة و غيره عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) في حديث طويل في قضيّة المعراج جاء فيه: «... ثمّ التفتّ فإذا أنا بصفوف من الملائكة و النبيين و المرسلين فقال لي: يا‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 461/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 2.

301
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
محمّد سلّم، فقلت: السلام عليكم و رحمة اللّٰه و بركاته» إلخ
«1» فإنّها ظاهرة الدلالة في جزئية التسليم كما أنّها صحيحة السند.

و منها: موثقة أبي بصير الطويلة حيث جاء في آخرها: «... ثمّ قل: السلام عليك أيُّها النبيّ و رحمة اللّٰه و بركاته، السلام على أنبياء اللّٰه و رسله، السلام على جبرئيل و ميكائيل و الملائكة المقرّبين، السلام على محمّد بن عبد اللّٰه خاتم النبيين لا نبي بعده، و السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين ثمّ تسلّم» «2» فإنّها ظاهرة في وجوب التسليم، و لا موجب لرفع اليد عنه و حمله على الاستحباب كما في غيره ممّا وقع متعلّقاً للأمر إلّا بقرينة و لا قرينة على ما ستعرف، فهي تدل على الوجوب، و مقتضى السياق الجزئية كما عرفت. و منها غيرها من النصوص الكثيرة المتفرِّقة.

الطائفة الثالثة: الروايات المصرّحة بأنّ ختامها التسليم.

منها: موثقة علي بن أسباط عنهم (عليهم السلام): «... له أي لرسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) كل يوم خمس صلوات متواليات ينادي إلى الصلاة كنداء الجيش بالشعار، و يفتتح بالتكبير و يختتم بالتسليم» «3» و علي بن أسباط و إن كان فطحياً إلّا أنّه موثق، مع أنّه رجع إلى المذهب الحق، فالسند معتبر كما أنّ الدلالة على أنّ التسليم من الصلاة واضحة.

و منها: موثقة أبي بصير قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) يقول في رجل صلّى الصبح فلمّا جلس في الركعتين قبل أن يتشهد رعف، قال: فليخرج‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 465/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10، علل الشرائع: 312/ 1.

(2) الوسائل 6: 393/ أبواب التشهّد ب 3 ح 2.

(3) الوسائل 6: 415/ أبواب التسليم ب 1 ح 2.

302
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
فليغسل أنفه ثمّ ليرجع فليتم صلاته، فان آخر الصلاة التسليم»
«1» فإنّها ظاهرة الدلالة على جزئية التسليم، إذ لو كان أمراً خارجاً غير واجب لكان المناسب تعليل الرجوع لإتمام الصلاة بأنّ التشهّد آخر الصلاة و لم يأت به، إذ المفروض كون الرعاف قبله، فالتعليل بكون التسليم آخره يكشف عن دخله فيها. نعم مقتضى الرواية الرجوع و إتمام الصلاة حتّى مع الفصل الطويل الماحي للصورة و لا يمكن الالتزام به، إلّا أنّ دلالتها على ذلك إنّما هو بالإطلاق فيقيّد بما دلّ على كون ذلك قاطعاً للصلاة و تحمل على ما إذا لم يستلزم الفعل الكثير.

و منها: موثقة أُخرى لأبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا نسي الرجل أن يسلِّم فإذا ولّى وجهه عن القبلة و قال السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين فقد فرغ من صلاته» «2» فإنّها أيضاً ظاهرة الدلالة على الجزئية و أنّه ما لم يسلِّم لم يفرغ عن صلاته، حيث علّق الفراغ منها على قوله: السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين، فاذا لم يكن السلام جزءاً فلِم لم يحصل له الفراغ منها بدون التسليم.

ثمّ لا يخفى أنّ المستفاد من الموثقة أنّ التسليم بقول مطلق منصرف إلى خصوص السلام الأخير، لأنّه مع فرضه (عليه السلام) نسيان التسليم ذكر أنّه إذا كان قال: السلام علينا ... إلى آخره، فلا بدّ و أن يكون المراد من السلام المنسي هو قولنا: السلام عليكم و رحمة اللّٰه و بركاته.

بل يظهر من بعض الروايات أنّ العامّة يعدّون قول الرجل: السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين من توابع التشهّد، فقد روى الصدوق عن الصادق (عليه السلام) أنّه «قال: أفسد ابن مسعود على الناس صلاتهم بشيئين بقوله:

______________________________
(1) الوسائل 6: 416/ أبواب التسليم ب 1 ح 4.

(2) الوسائل 6: 423/ أبواب التسليم ب 3 ح 1.

303
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
تبارك اسم ربّك و تعالى جدّك، و هذا شي‌ء قالته الجن بجهالة فحكى اللّٰه عنها و بقوله: السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين، يعني في التشهّد الأوّل»
«1»، بل ظاهر كثير من نصوصنا أيضاً هو ذلك، و أيضاً ظاهر موثقته السابقة المفصّلة حيث قال (عليه السلام) فيها «ثمّ تسلّم» «2» أنّ المراد منه هو السلام الأخير فلاحظ.

و منها: صحيحة زرارة الواردة في صلاة الخوف عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه «قال: إذا كانت صلاة المغرب في الخوف فرّقهم فرقتين فيصلِّي بفرقة ركعتين ثمّ جلس بهم ثمّ أشار إليهم بيده فقام كل إنسان منهم فيصلِّي ركعة ثمّ سلّموا فقاموا مقام أصحابهم، و جاءت الطائفة الأُخرى فكبّروا و دخلوا في الصلاة و قام الإمام فصلّى بهم ركعة ثمّ سلّم، ثمّ قام كل رجل منهم فصلّى ركعة فشفعها بالتي صلّى مع الإمام ثمّ قام فصلّى ركعة ليس فيها قراءة فتمت للإمام ثلاث ركعات و للأوّلين ركعتان جماعة، و للآخرين وحداناً فصار للأوّلين التكبير و افتتاح الصلاة و للآخرين التسليم» «3» فإنّه لو لم يكن التسليم جزءاً لما كان لهذا التقابل بين التكبير و التسليم معنى كما لا يخفى.

الطائفة الرابعة: الروايات التي مضمونها اعتبار التسليم في الصلاة و هي عدّة روايات:

منها: صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته، فإن كان مستعجلًا في أمر يخاف أن يفوته فسلّم‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 410/ أبواب التشهّد ب 12 ح 2، الفقيه 1: 261/ 1190.

(2) الوسائل 6: 393/ أبواب التشهّد ب 3 ح 2.

(3) الوسائل 8: 436/ أبواب صلاة الخوف و المطاردة ب 2 ح 2.

304
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
و انصرف أجزأه»
«1». فإنّا إن قلنا بأنّ قولنا: السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين، من توابع التشهّد فصدر الرواية أيضاً يدل على اعتبار السلام في الصلاة، حيث علّق فيه مضي الصلاة على الفراغ من الشهادتين بما له من التوابع التي منها السلام المزبور حسب الفرض. و إن أنكرنا ذلك، فيكفي في استفادة الجزئية منها ذيلها، حيث يدل على أنّ الاهتمام بأمر التسليم المنصرف عند الإطلاق إلى السلام الأخير على ما عرفت من استفادة ذلك من موثقتي أبي بصير بمثابة لا بدّ من الإتيان به حتّى في فرض الاستعجال، فيكون ذلك كاشفاً عن اعتباره في الصلاة.

و منها: صحيح عبيد اللّٰه الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «في الرجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهّد، قال: يسلِّم من خلفه و يمضي في حاجته إن أحبّ» «2». فإنّه لو لم يكن التسليم جزءاً لاقتصر على التشهّد و مضى في حاجته من دون حاجة إلى التسليم.

و منها: موثقة غالب بن عثمان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يصلِّي المكتوبة فيقضي صلاته و يتشهّد ثمّ ينام قبل أن يسلِّم قال: تمّت صلاته و إن كان رعافاً غسله ثمّ رجع فسلّم» «3». فان لزوم الرجوع بعد غسل الدم لتدارك التسليم يكشف عن كونه جزءاً من الصلاة، و إلّا فلما ذا وجب عليه ذلك و لو في فرض عدم استلزام الغسل الفصل الطويل الّذي لا بدّ من تقييد إطلاقه و حمله على ذلك كما لا يخفى.

و أما حكمه (عليه السلام) في فرض النوم بأنّه تمّت صلاته مع أنّه لم يسلِّم‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 397/ أبواب التشهّد ب 4 ح 2.

(2) الوسائل 6: 416/ أبواب التسليم ب 1 ح 6.

(3) الوسائل 6: 425/ أبواب التسليم ب 3 ح 6.

305
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
فلا بدّ من حمله على أنّه كان قد أتى بالتشهّد بتوابعه التي منها قول: السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين، و إنّما لم يأت بالسلام الأخير الّذي هو المنصرف إليه إطلاق التسليم على ما عرفت استفادة ذلك من موثقتي أبي بصير المتقدِّمتين
«1».

و منها: موثقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يصلِّي ثمّ يجلس فيحدث قبل أن يسلِّم، قال: تمّت صلاته، و إن كان مع إمام فوجد في بطنه أذى فسلّم في نفسه و قام فقد تمّت صلاته» «2».

أمّا الذيل، فدلالته على الاعتبار واضحة حيث علّق فيه تمامية الصلاة على التسليم، فلو لم يكن معتبراً فيها لم يكن وجه للإتيان به حتّى مع وجود الأذى.

و أمّا الصدر الظاهر في عدم وجوب السلام، فلا بدّ من حمله على إرادة السلام الأخير كما يقتضيه إطلاق التسليم على ما عرفت. و أمّا قول: السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين، فقد كان قد أتى به و الحدث وقع بعد الفراغ منه، فلا يدل على عدم وجوب السلام أصلًا.

الطائفة الخامسة: الروايات الواردة في حكم الشك في الركعات و هي كثيرة:

منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا لم تدر أ ثنتين صلّيت أم أربعاً و لم يذهب وهمك إلى شي‌ء فتشهّد و سلم ثمّ صلّ ركعتين و أربع سجدات تقرأ فيهما بأُمّ الكتاب ثمّ تشهّد و تسلّم فان كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع، و إن كنت صلّيت أربعاً كانتا هاتان نافلة» «3» فانّ‌

______________________________
(1) في ص 302، 303.

(2) الوسائل 6: 424/ أبواب التسليم ب 3 ح 2.

(3) الوسائل 8: 219/ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 1.

306
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
التسليم إن لم يكن واجباً لم تكن حاجة إلى الإتيان به قبل أن يصلِّي الركعتين لأنّ العلاج المذكور و هو الإتيان بالركعتين و احتسابهما متمِّماً إن لم يكن أتى بالأربع و نافلة على التقدير الآخر يحصل مع عدم التسليم أيضاً، فمن الأمر به يستدل على كونه جزءاً من الصلاة.

و دعوى: أنّ الأمر به من جهة أن يتحقّق الخروج، إذ لولاه لاستلزم ذلك اشتمالها على الزيادة المبطلة، فلا يكون الأمر بالتسليم كاشفاً عن جزئيته لها و وجوبه فيها.

مدفوعة: بأنّ الزيادة إنّما تصدق فيما إذا أتى بالركعتين بعنوان الجزئية، و أمّا إذا أتى بها بعنوان الاحتياط و بقصد الرجاء كما هو كذلك فلا يكون ذلك موجباً لاتِّصافها بوقوع الزيادة فيها، نظير ما لو شكّ في أشواط الطواف فأتى بالمشكوك فيه بعنوان الرجاء دون الجزئية، فإنّه لا إشكال في عدم كون ذلك موجباً للبطلان بمقتضى القاعدة و إن كان في الواقع زائداً لولا قيام النص الخاص على خلافه، و عليه فيكون الأمر به كاشفاً عن الجزئية كما ذكرناه. و لا يقدح وقوعه في أثناء الصلاة على تقدير كون المأتي به متمّماً لأنّه زيادة سهوية و لا بأس بها.

و منها: صحيحة ابن أبي يعفور التي يقرب مضمونها من الصحيحة السابقة «1».

و منها: رواية عمار الساباطي «2» لكنّها ضعيفة السند، و إلّا فهي ظاهرة الدلالة بعين البيان المتقدِّم في الصحيحة السابقة.

______________________________
(1) الوسائل 8: 219/ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 2.

(2) الوسائل 8: 213/ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 3.

307
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
و ربّما يستدل بطائفة سادسة و هي الروايات الواردة في من أتمّ في موضع القصر «1» حيث دلّت على أنّ من أتمّ كذلك فان كان جاهلًا فلا شي‌ء عليه و تمّت صلاته، و إن كان عالماً عامداً فعليه الإعادة، و إن كان ناسياً فكذلك عليه الإعادة لكن في الوقت دون خارجه، مع أنّ مقتضى عدم كونه جزءاً منها هو عدم الإعادة حتّى فيما إذا أتمّ عالماً عامداً، إذ بناءً عليه يكون الزائد واقعاً خارج الصلاة، مثل ما إذا أتى بركعة زائدة بعد السلام غير الضائر قطعاً، فليكن ذلك أيضاً كذلك، فكيف حكم الشارع بوجوب الإعادة، فلا بدّ و أن يكون حكمه بذلك دليلًا و كاشفاً عن كون السلام جزءاً من الصلاة، إذ عليه تكون الركعتان من الزائد الواقع في أثناء الصلاة عمداً، و الزيادة العمدية موجبة للبطلان قطعاً.

و الجواب عنها: أنّه قد يفرض أنّ مثل هذا الشخص يكون من أوّل الأمر قاصداً للإتيان بأربع ركعات تشريعاً أو نسياناً أو لجهة أُخرى، فهذا لا يشك في بطلان صلاته، لأنّ ما له أمر فهو غير مقصود، و ما هو المقصود لا أمر له و هذا واضح.

و قد يفرض أنّه كان قاصداً للأمر الفعلي و لكنّه من باب الخطأ و الاشتباه أو النسيان تخيل و زعم أنّه أربع ركعات، فهل تكون هذه الصلاة محكومة بالصحّة بمقتضى القاعدة، نظراً إلى تحقّق قصد ما هو المأمور به، غايته أن اشتبه في التطبيق و لا ضير فيه بعد ما تقدّم سابقاً من أنّ القصر و التمام ليستا بماهيتين مختلفتين، بل هما ماهية واحدة و طبيعة فأرده، فإن صلاة الظهر مثلًا قصراً و تماماً لا فرق بينهما بحسب الحقيقة، بل شرعت بالنسبة إلى طائفة مقيّدة بعدم كونها زائدة على الركعتين، و بالنظر إلى جماعة أُخرى مشروطة بأن يلتحق‌

______________________________
(1) الوسائل 8: 505/ أبواب صلاة المسافر ب 17.

308
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
بالركعتين الأولتين ركعتان أُخريان، و بالقياس إلى عدّة ثالثة لوحظت مخيّراً فيها بين الأمرين. و هذا المقدار لا يستوجب الاختلاف في الماهية، فليس الآتي بالتمام آتياً بماهية أُخرى مباينة لما هو المطلوب منه أو تكون محكومة بالبطلان؟

الظاهر هو الثاني، و ذلك من جهة اشتمالها على الزيادة المبطلة، فإن صدق الزيادة لا يتوقف على وقوعها في أثناء العمل، بل يعم ما إذا كانت متّصلة بآخره، و في المقام حيث إنّ المطلوب هو الإتيان بركعتين مقيّداً بأن لا يلحقهما شي‌ء، فلا محالة تكون إضافة الركعتين الأُخريين و لو في آخرهما موجباً لاتِّصاف الصلاة بوقوع الزيادة فيها. أ لا ترى أنّه لو أمر المولى بأن يكبِّر خمساً ليس إلّا فكبّر ستّاً يكون التكبير الزائد موجباً لاتِّصاف التكبيرات بعدم كونها مصداقاً للمأمور به، لا أنّ خمساً منها يكون مصداقاً للواجب و يكون الباقي زائداً خارجاً عنه.

و من هنا لو أتى في الطواف بثمانية أشواط كان ذلك موجباً للبطلان رأساً، لا أنّ السبع منها يعدّ فرداً من الواجب و يلغى الباقي.

نعم، لو كانت الزيادة فيما نحن فيه بعد الإتيان بالسلام فلا يوجب ذلك اتِّصاف الصلاة بكونها مشتملة على الزيادة، و ذلك لأنّ السلام أوجب الخروج من الصلاة كالحدث، فلا محالة تكون الركعة الزائدة واقعة خارج الصلاة، فلا تقاس الزيادة قبل السلام بالزيادة بعده فإنّ الاولى من الزيادة في الصلاة دون الثانية.

و عليه فلا يمكن أن تكون تلكم الروايات شاهدة على جزئية التسليم و وجوبه، لأنّه حتّى بناءً على عدم الوجوب يكون إلحاق الركعة موجباً لعنوان الزيادة المبطلة و تحقّقها في الصلاة ما لم يكن ذلك واقعاً بعد التسليم. فالعمدة في‌

309
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
إثبات وجوب التسليم بل جزئيته هو ما تقدمها من الطوائف من الروايات هذا كلّه في المقتضي.

و أمّا المقام الثاني: أعني المانع عنه على تقدير تسليم المقتضي الملازم للقول بالاستحباب، فقد استدلّ له بوجوه:

أحدها: الأصل، فإن مقتضاه البراءة عن اعتبار الجزئية و تشريع الوجوب.

و فيه: أنّ مقتضى الأصل في نفسه و إن كان هو ذلك لكنّه محجوج و مخرج عنه بما عرفت من الروايات الكثيرة المختلفة الدالّة على الوجوب و الجزئية.

ثانيها: صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يكون خلف الإمام فيطول الإمام التشهّد فيأخذ الرجل البول أو يتخوّف على شي‌ء يفوت أو يعرض له وجع كيف يصنع؟ قال: يتشهّد هو و ينصرف و يدع الإمام» «1». فإنّه لو كان التسليم جزءاً من الصلاة بل أو واجباً لأمره (عليه السلام) بذلك و لم يقتصر على التشهّد مع الانصراف، فمن عدم أمره (عليه السلام) بذلك يستكشف عدم جزئيته و وجوبه.

و الجواب: أنّ هذه الصحيحة على ما ذكره المحقِّق الهمداني (قدس سره) «2» و إن كانت في موضع من التهذيب كما رقمت من دون الأمر بالتسليم إلّا أنّه في موضع آخر «3» و كذا في الفقيه «4» ذكر فيها أنّه يسلِّم و ينصرف.

قال المحقِّق الهمداني (قدس سره): و الفقيه أضبط من التهذيب. و حينئذ‌

______________________________
(1) الوسائل 8: 413/ أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 2، التهذيب 2: 349/ 1446.

(2) مصباح الفقيه (الصلاة): 377 السطر 28.

(3) التهذيب 3: 283/ 842.

(4) الفقيه 1: 261/ 1191.

310
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
تكون الصحيحة من جملة أدلّة القائلين بالوجوب و تكون على عكس المطلوب أدل، هذا أوّلًا.

و ثانياً: سلّمنا أنّ الصحيح هو ما ذكر في هذا الموضع من التهذيب كما في الوسائل، فغايته أن تكون حال هذه الصحيحة حال الصحيحة الآتية و يكون الجواب هو الجواب عنها.

ثالثها: صحيح محمّد بن مسلم قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) التشهّد في الصلوات، قال: مرّتين، قلت: كيف مرّتين؟ قال: إذا استويت جالساً فقل: أشهد أن لا إلٰه إلّا اللّٰه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله ثمّ تنصرف ...» «1» إلخ بعين التقريب المتقدِّم.

و الجواب: أنّ تعلّق الأمر بالانصراف يقتضي أن لا يكون المراد منه ما هو الأمر العادي الّذي يقتضيه الطبع الأوّلي من التوجّه و الرواح إلى مهمّاته و حوائجه، و إلّا فهذا لا يحتاج إلى الأمر به، بل يكون المراد منه ما هو وظيفته الشرعية و قد عيّن مصداق ذلك في جملة من الروايات و فيها الصحاح و غيرها.

منها: صحيح الحلبي قال: «قال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) كلّ ما ذكرت اللّٰه (عزّ و جلّ) به و النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) فهو من الصلاة، و إن قلت: السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين فقد انصرفت» «2»، المؤيّد برواية أبي كهمس عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن الركعتين الأوّلتين إذا جلست فيهما للتشهّد فقلت و أنا جالس: السلام عليك أيُّها النبيّ و رحمة اللّٰه و بركاته، انصراف هو؟ قال: لا، و لكن إذا قلت: السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين فهو‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 397/ أبواب التشهّد ب 4 ح 4.

(2) الوسائل 6: 426/ أبواب التسليم ب 4 ح 1.

311
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
الانصراف»
«1» فقد عيّن فيهما ما يتحقّق به الانصراف و هو السلام الخاص فتكون تانك الصحيحتان دالّتين على وجوب التسليم لا أنّه يستفاد منهما عدم الوجوب كما هو المدّعى.

و منها: صحيحه الآخر عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام)، قال: «سألته عن الرجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهّد قال: يسلّم من خلفه و يمضي لحاجته إن أحبّ» «2» فان مضمون هذه الصحيحة هو بعينه مضمون صحيحة علي بن جعفر المتقدِّمة، و قد صرّح (عليه السلام) هنا بأنّ للمأموم أن يسلِّم عند إطالة الإمام للتشهّد، فيكون المراد من الانصراف هناك هو التسليم أيضاً و تكون هذه مفسّرة لتلك.

و منها: ذيل صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته، فان كان مستعجلًا في أمر يخاف أن يفوته فسلّم و انصرف أجزأه» «3» فان عطف جملة «انصرف» على «سلّم» لا بدّ و أن يكون تفسيرياً، إذ لا معنى لكون الانصراف موجباً للإجزاء، و المراد أنّه لدى الاستعجال يكفي التسليم و لا يلزمه الأوراد و الأذكار المتعارفة المستحبّة، فهذه الرواية أيضاً شاهدة على أنّ المراد من الانصراف ليس إلّا التسليم.

رابعها: صدر هذه الصحيحة حيث علّق (عليه السلام) فيه المضي من الصلاة على خصوص الفراغ من الشهادتين، و لو كان السلام جزءاً و واجباً لكان اللّازم أن يكون هو المعلّق عليه لا التشهّد.

و الجواب: أنّ عد هذه الصحيحة من أدلّة القول بالوجوب أولى من‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 426/ أبواب التسليم ب 4 ح 2.

(2) الوسائل 8: 413/ أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 3.

(3) الوسائل 6: 416/ أبواب التسليم ب 1 ح 5.

312
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
الاستدلال بها على خلافه، و ذلك أمّا بناءً على أن يكون المراد من الشهادتين هو الشهادتان مع توابعهما التي منها قول: السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين كما عرفت استظهار ذلك من موثقتي أبي بصير المتقدِّمتين
«1» فواضح، إذ عليه يكون مضي الصلاة متوقّفاً على أداء الشهادتين و السلام المزبور معاً.

و أمّا بناءً على إنكار ذلك فيكفي في الاستدلال بها ذيلها، حيث يدل على أنّ الاهتمام بشأن السلام بمكان لا يجوز تركه حتّى مع فرض الاستعجال فكيف يمكن أن تكون الصحيحة دليلًا على عدم وجوب السلام. نعم، لا بدّ حينئذ من التصرّف في كلمة المضي في الصدر و حملها بقرينة الذيل على مضي أجزائها غير المخرج، و هو السلام الّذي به تتم الصلاة دون المضي المطلق.

خامسها: موثقة يونس بن يعقوب قال: «قلت لأبي الحسن (عليه السلام) صلّيت بقوم صلاة فقعدت للتشهّد ثمّ قمت و نسيت أن أُسلِّم عليهم، فقالوا: ما سلمت علينا، فقال: أ لم تسلِّم و أنت جالس، قلت: بلى، قال: فلا بأس عليك و لو نسيت حين قالوا لك ذلك استقبلتهم بوجهك و قلت: السلام عليكم» «2» بناءً على أن يكون «بلى» تصديقاً للنفي، أي نعم ما سلّمت، و قد حكم (عليه السلام) بنفي البأس عن ذلك فيكون دليلًا على عدم الوجوب.

و فيه: أنّ كلمة «بلى» تصديق للمنفي لا النفي بشهادة تصريح أهل اللغة و ملاحظة موارد استعمالاتها كما في قوله تعالى أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قٰالُوا بَلىٰ «3» أي أنت ربّنا.

و لو سلّمنا استعمال بلى حتّى في تصديق النفي فلا نسلِّمه في المقام، و إلّا فما‌

______________________________
(1) في ص 302، 303.

(2) الوسائل 6: 425/ أبواب التسليم ب 3 ح 5.

(3) الأعراف 7: 172.

313
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
معنى نفي البأس مع عدم التسليم، و أيّ فائدة في هذا السؤال إذا لم يكن فرق في الحكم بين ما لو سلّم و ما إذا لم يسلِّم و كان كل منهما محكوماً بعدم البأس، فلا بدّ و أن يكون المراد تصديق الإتيان بالسلام و هو قول: السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين، و أمّا السلام الأخير فالمفروض أنّه قد نسيه فلا يمكن أن يكون التصديق راجعاً إليه. و إذا كانت الموثقة دالّة على نفي البأس في فرض الإتيان بالسلام و لو بغير الصيغة الأخيرة فكيف يمكن أن يستدل بها على عدم اعتبار السلام مع أنّه على عكس المطلوب أدل، هذا.

و لا يبعد أن يكون قوله: «و لو نسيت» من تصرّف نسّاخ التهذيب، و أن يكون في الأصل «و لو شئت» كما استظهره المحقِّق الهمداني (قدس سره) «1» تبعاً لغيره، مستشهداً بأنّ المذكور في قرب الاسناد «2» على ما قيل بلفظ «و لو شئت» بدل «و لو نسيت».

سادسها: الروايات المستفيضة الدالّة على عدم بطلان الصلاة بإتيان المنافي من الحدث و الالتفات الفاحش و غيرهما قبل التسليم، و ذلك آية عدم الجزئية إذ لو كان التسليم جزءاً و لم يخرج المصلِّي قبله عن الصلاة لكان ذلك موجباً للبطلان كالاتيان بها قبل التشهّد.

منها: صحيح الحسن بن الجهم قال: «سألته يعني أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل صلّى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة، قال: إن كان قال: أشهد أن لا إلٰه إلّا اللّٰه و أشهد أنّ محمّداً رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) فلا يعد، و إن كان لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد» «3».

______________________________
(1) مصباح الفقيه (الصلاة): 377 السطر 35.

(2) قرب الاسناد: 309/ 1206.

(3) الوسائل 7: 234/ أبواب القواطع ب 1 ح 6.

314
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
أمّا الدلالة فظاهرة، حيث دلّت صريحاً على أنّ الحدث إذا كان واقعاً بعد التشهّد فلا يكون موجباً للإعادة و بطلان الصلاة، سواء أتى بالتسليم أم لا.

و أمّا السند، فقد تقدّم سابقاً و قلنا إنّ تعبير غير واحد عنها بالرواية و إن كان مشعراً بالضعف إلّا أنّ الظاهر كونها صحيحة، فإنّ الحسن بن الجهم منصرف إلى الحسن بن الجهم بن بكير الزراري المعروف الموثق، و أمّا ابن الجهم الآخر غير الموثق فهو غير معروف بحيث ينصرف اللفظ عنه عند الإطلاق. و أمّا عباد بن سليمان الواقع في السند فهو و إن لم يوثق صريحاً إلّا أنّه من رجال كامل الزيارات، و يكفينا ذلك في اعتباره.

و منها: صحيحة زرارة التي مضمونها عين مضمون الصحيحة السابقة عن أبي جعفر (عليه السلام) «في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه في السجدة الأخيرة و قبل أن يتشهّد، قال: ينصرف فيتوضّأ، فإن شاء رجع إلى المسجد و إن شاء ففي بيته و إن شاء حيث شاء قعد فيتشهّد ثمّ يسلِّم، و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته» «1» فان ذيلها دال على أنّ الحدث بعد الشهادة ليس بضائر، و مقتضى ذلك أنّ التسليم ليس بجزء.

و منها: حسنة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام): «إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشاً، و إن كنت قد تشهّدت فلا تعد» «2» فانّ هذه الرواية دلّتنا على أنّ الالتفات الفاحش الّذي هو من جملة المنافيات لا يوجب الإعادة إذا كان بعد التشهّد، فلا بدّ و أن لا يكون السلام واجباً و جزءاً.

و الجواب عن هذه الصحاح الثلاث:

______________________________
(1) الوسائل 6: 410/ أبواب التشهّد ب 13 ح 1.

(2) الوسائل 6: 424/ أبواب التسليم ب 3 ح 4.

315
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
أمّا أوّلًا: فلأن هذه الروايات كما تدل على عدم بطلان الصلاة بالحدث إذا كان قبل التسليم الكاشف عن عدم جزئيّته، فكذلك تدل على عدم البطلان إذا كان ذلك قبل الصلاة على النبيّ المستلزم لعدم جزئيّتها أيضاً، لأنّ التفصيل فيها واقع بين كون الحدث قبل التشهّد فيعيد، و بعده فلا يعيد من دون ذكر للصلاة عليه (صلّى اللّٰه عليه و آله). و ما يتراءى في صحيح ابن الجهم من قول (صلّى اللّٰه عليه و آله) فهو ليس جزءاً من الرواية بل زيادة ناشئة من رعاية أدب الكتابة بشهادة عدم ذكره في التهذيب «1» و إنّما هو موجود في الوسائل فلاحظ.

و على الجملة: فمقتضى الإطلاق عدم الإعادة حتّى فيما إذا كان الحدث قبل التصلية، و هذا ممّا لا يلتزم به القائل بعدم جزئية التسليم، فلا بدّ من طرح هذه الروايات.

إلّا أن يقال: إنّ التصلية بما أنّها من توابع التشهّد و ملحقاته فالمراد من التشهّد التشهّد المنضم بها فلا يدل على عدم الإعادة إذا كان الحدث قبلها، بل لا بدّ من فرض وقوعه بعدها، و لكن هذا الجواب لو تمّ فهو جارٍ بالنسبة إلى السلام أيضاً، لأنّ قول: السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين على ما يستفاد من ظاهر بعض النصوص كما تقدّم «2» يكون من توابع التشهّد، و أنّ التسليم المطلق ينصرف إلى السلام الأخير، فلا تدل على عدم الإعادة إذا كان الحدث قبل تلك الصيغة، بل لا بدّ من فرض وقوعه بعدها، فاذا كانت الصحاح محمولة على أنّ المراد بالتشهّد هو المعنى الجامع، فلا يفرق في ذلك بين التصلية و بين السلام بتلك الصيغة، و معه لا تكون هذه الروايات دالّة على عدم الجزئية.

و أمّا ثانياً: فمع الإغماض عمّا ذكرناه نقول: إن أمكن الالتزام بمضمون هذه‌

______________________________
(1) التهذيب 2: 354/ 1467.

(2) في ص 302، 303.

316
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
الأخبار و دعوى أنّها مخصّصة لما دلّ على مبطلية الالتفات و الحدث فهو، و إلّا فهذه الأخبار الدالّة على عدم قدح الحدث و نحوه تكون معارضة لما دلّ على جزئية التسليم و أنّه آخر الصلاة، و واضح أنّ الترجيح مع روايات الجزئية لمخالفتها للعامّة، و موافقة هذه الأخبار لهم و منهم أبو حنيفة
«1» القائل بجواز الخروج عن الصلاة بالحدث و غيره فتطرح و تحمل على التقيّة.

بقي في المقام روايتان: إحداهما: موثقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يصلِّي ثمّ يجلس فيحدث قبل أن يسلِّم قال: تمّت صلاته ...» إلخ «2» حيث دلّت على صحّة الصلاة مع وقوع الحدث في الأثناء و قبل التسليم الكاشف عن عدم جزئيّته.

و الجواب عنها: هو ما ذكرناه في سائر الأخبار، و يزيد هذه أنّه لم يذكر فيها وقوع الحدث بعد التشهّد كما في تلك الأخبار، بل المذكور وقوعه قبل التسليم. و قد ذكرنا فيما مرّ أنّ التسليم لدى الإطلاق منصرف إلى السلام الأخير.

و عليه فتحمل الموثقة على ما إذا كان الحدث واقعاً بعد قول السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين. فالجواب عن هذه الرواية أوضح ممّا مرّ.

و عين هذا الجواب يجري في الرواية الثانية، و هي موثقة غالب بن عثمان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يصلِّي المكتوبة فيقضي صلاته و يتشهّد ثمّ ينام قبل أن يسلِّم، قال: تمّت صلاته» «3».

هذا و لم يبق من الروايات التي يمكن الاستدلال بها لنفي الوجوب و الجزئية عدا روايتين و الاستدلال بهما ضعيف غايته.

______________________________
(1) المجموع 3: 481، المغني 1: 623.

(2) الوسائل 6: 424/ أبواب التسليم ب 3 ح 2.

(3) الوسائل 6: 425/ أبواب التسليم ب 3 ح 6.

317
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
الأُولى: صحيحة زرارة في حديث عن أحدهما (عليهما السلام) قال «قلت له: من لم يدر في أربع هو أم في ثنتين و قد أحرز الثنتين، قال: يركع بركعتين و أربع سجدات و هو قائم بفاتحة الكتاب و يتشهّد و لا شي‌ء عليه» «1» و هذه الصحيحة و إن كان ظاهرها الإتيان بالركعتين متّصلتين، إلّا أنّ في قوله «بفاتحة الكتاب» إشعاراً بالانفصال، و لا أقل من أنّها مقيّدة بذلك ببقية الأخبار. و على أيّ حال فقد دلّت على عدم وجوب التسليم لعدم ذكر له فيها بعد التشهّد.

و فيه: أنّ هذه الرواية بعين هذا السند رواها الكليني بلفظ «ثمّ يسلِّم و لا شي‌ء عليه» بدل «يتشهّد» «2» و لا يبعد أنّهما رواية واحدة، و على تقدير التعدّد تتقيّد إحداهما بالأُخرى كما لا يخفى.

الثانية: صحيحة معاوية بن عمار قال: «قال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم (عليه السلام) فصلّ ركعتين و اجعله أماماً، و اقرأ في الأُولى منهما سورة التوحيد قُل هو اللّٰه أحد، و في الثانية قُل يا أيُّها الكافرون ثمّ تشهد و احمد اللّٰه و اثن عليه و صلّ على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) و اسأله أن يتقبّل منك» «3» فانّ الاقتصار على التشهّد و عدم ذكر التسليم بعده يكشف عن عدم وجوبه.

و فيه: أنّه (عليه السلام) لم يكن في مقام بيان أجزاء الصلاة، و لذا لم يذكر الركوع و السجود مع أنّهما أولى بالذكر، و إنّما النظر فيها معطوف على بيان خصوصية هذه الصلاة و هي إيقاعها في مقام إبراهيم و اشتمالها على سورة الجحد و التوحيد، فعدم التعرّض للتسليم غير المختص بهذه الصلاة لا يدل على عدم الوجوب.

______________________________
(1) الوسائل 8: 220/ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 3.

(2) الوسائل 8: 220/ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 4، الكافي 3: 350/ 3.

(3) الوسائل 13: 423/ أبواب الطواف ب 71 ح 3.

318
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
على أنّ الظاهر أنّ قوله (عليه السلام): «ثمّ تشهد ...» إلخ ناظر إلى ما بعد السلام، و أنّه بعد الفراغ من الصلاة يأتي بهذه الأعمال من التشهّد و الحمد و الثناء و غيرها من المذكورات، و ذلك من جهة كلمة «ثمّ» الظاهرة في التفريع على صلاة ركعتين، فليس التشهّد المزبور من التشهّد الصلاتي في شي‌ء.

فتلخص من جميع ما ذكرناه: أنّ القول بالاستحباب استناداً إلى هذه الروايات ضعيف جدّاً، لعدم تمامية الاستدلال بشي‌ء منها، فلا مناص من القول بالوجوب. و أمّا ما نسب إلى المشهور من الاستحباب فالمراد به التسليم الأخير.

بقي شي‌ء: و هو أنّ السيِّد الماتن (قدس سره) ذكر أنّ التسليم و إن كان جزءاً لكنّه ليس بركن، فلو تركه عمداً بطلت صلاته تحقيقاً لما تقتضيه الجزئية. و أمّا لو تركه سهواً فان كان التذكّر بعد الإتيان بشي‌ء من المنافيات عمداً و سهواً كالحدث، أو بعد فوات الموالاة لا يجب تداركه، لحديث لا تعاد المستفاد منه عدم جزئية غير الخمس حال النسيان، و إنّما تختص جزئيّتها بحال الالتفات و الذكر فيكون الحدث واقعاً قهراً خارج الصلاة لا أثناءها، فالصلاة في هذا الفرض محكومة بالصحّة غايته الإتيان بسجدتي السهو و لو احتياطاً للنقصان بترك التسليم.

و إن كان التذكّر قبل ذلك أتى به لبقاء محل تداركه، و معه لا يجري حديث لا تعاد كما لا يخفى، و لا شي‌ء عليه إلّا أنّه إذا كان قد تكلّم فتجب عليه حينئذ سجدتا السهو لعدم كونه منافياً و مبطلًا إلّا حال العمد دون السهو.

و أورد عليه شيخنا الأُستاذ (قدس سره) في تعليقته الأنيقة «1» و تبعه غير واحد من تلامذته فحكموا بالبطلان فيما إذا كان التذكّر بعد الحدث أو‌

______________________________
(1) العروة الوثقىٰ مع تعليقات عدّة من الفقهاء 2: 593.

319
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
الاستدبار، أو فوات الموالاة ممّا يكون منافياً و لو سهواً، نظراً إلى أنّ المستفاد من روايات التحليل أنّ المخرج و المحلل منحصر في خصوص السلام لا غير و ليس لاعتقاد المصلِّي خروجه عن الصلاة من جهة نسيان السلام أيّ أثر في التحليل و الخروج عنها، فما دام لم يسلِّم فهو بعد باقٍ في الصلاة، و لا مجال للاستناد بحديث لا تعاد للحكم بالخروج و حصول التحليل، و عليه فلو أحدث قبل السلام المنسي أو استدبر أو استمرّ النسيان إلى أن فاتت الموالاة كان كل ذلك واقعاً أثناء الصلاة لا محالة دون خارجها، و لأجله يحكم ببطلان الصلاة.

و ذكر (قدس سره) في آخر كلامه و تبعه بعض تلامذته: أنّه بماذا يجمع بين هذه الدعوى أي مخرجية الاعتقاد و ما التزم به من وجوب سجود السهو عليه لو تكلّم عند نسيانه، فهل التكلّم بعد الخروج عن الصلاة موجب لسجود السهو؟

أقول: الصحيح هو ما ذكره الماتن، و لا يرد عليه شي‌ء ممّا ذكر. أمّا الأخير فواضح الدفع، بل لم نكن نترقب صدوره من شيخنا الأُستاذ (قدس سره)، فانّ السيِّد الماتن (قدس سره) إنّما التزم بسجدة السهو للتكلّم فيما إذا كان التذكر قبل الإتيان بالمنافي و قبل فوات الموالاة الّذي حكم (قدس سره) حينئذ بوجوب الإتيان بالسلام لبقاء المحل، فيكون التكلّم عندئذ واقعاً أثناء الصلاة لا محالة فتجب سجدة السهو لأجله.

و أمّا حكمه (قدس سره) بالصحّة و عدم التدارك الراجع إلى مخرجية الاعتقاد على حد تعبير شيخنا الأُستاذ (قدس سره) فهو فيما إذا كان التذكر بعد الإتيان بالمنافي أو بعد فوات الموالاة بحيث لم يبق محل للتدارك، و هذا فرض آخر غير الفرض الأوّل الّذي حكم فيه بسجود السهو للتكلّم، و لم يلتزم بالسجود للتكلّم في هذه الصورة، فأحد الحكمين في فرض، و الآخر في فرض آخر و لا تنافي بينهما بوجه كي يحتاج إلى الجمع بين الدعويين كما هو أوضح من أن يخفى.

320
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
و أمّا أصل المطلب و أنّ من نسي السلام حتّى أتى بالمنافي هل تصح صلاته أم تبطل؟ فالظاهر الصحّة كما ذكره الماتن (قدس سره) و دعوى أنّ المنافي حدث في الأثناء لانحصار المحلل في السلام مدفوعة:

أوّلًا: أنّه لم تثبت و لا رواية واحدة من أخبار التحليل، لضعفها بأجمعها كما سبق «1»، و إنّما الثابت أنّ اختتام الصلاة بالتسليم و أنّه الجزء الأخير، لا أنّ تحليلها به، و حيث إنّ الجزئية منفية لدى النسيان بحديث لا تعاد، فالتسليمة لا جزئية لها بالنسبة إلى الناسي، و لا يكون اختتام الصلاة بها بالإضافة إليه. و عليه فالحدث واقع خارج الصلاة لا محالة دون أثنائها.

و ثانياً: سلّمنا تمامية تلك الأخبار، لكن ليس معنى محللية التسليم حصر الخروج عن الصلاة بالسلام بحيث لو أتى بالمنافي لا يخرج به إلّا إذا سبقه السلام، فلو أراد التكلّم وجب عليه أن يسلِّم و يتكلّم، فانّ هذا ليس بمراد قطعاً، كيف و من ارتكب المنافي بطلت صلاته المستلزم للخروج عنها، أ فهل يحتاج بعدئذ إلى المحلل، بل معناه أنّ المصلِّي ما دام كونه مصلِّياً لا يحلِّله إلّا التسليم. و أمّا إذا فرضنا أنّه خرج عن الصلاة إمّا بالإبطال أو بغيره بحيث لا يطلق عليه عنوان المصلِّي وقتئذ فهو غير محتاج إلى المحلِّل بالضرورة.

و عليه فالحدث و نحوه من سائر المنافيات الصادرة سهواً واقعة خارج الصلاة بعد ملاحظة أنّ السلام المنسي لا جزئية له حال النسيان بمقتضى حديث لا تعاد كما عرفت، فببركة الحديث يحكم بخروج الحدث و نحوه عن كونه حدثاً في الصلاة، إذ لا مانع من شمول الحديث بالإضافة إلى السلام المنسي إلّا الحكم بالبطلان من ناحية وقوع الحدث في الصلاة، لكن هذه المانعية غير معقولة لاستلزام الدور، لوضوح أنّ البطلان المزبور موقوف على‌

______________________________
(1) في ص 295.

321
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
عدم شمول الحديث للسلام المنسي، إذ مع الشمول لا جزئية للسلام فلا يكون الحدث في الأثناء فلا بطلان، فلو كان عدم الشمول مستنداً إلى البطلان و متوقفاً عليه كان هذا من الدور الظاهر، فهذه المانعية ساقطة.

و لم يكن ثمة مانع آخر عن شمول الحديث بالإضافة إلى السلام المنسي عدا ما يتوهّم من توقف الشمول على إحراز صحّة الصلاة من بقية الجهات مع قطع النظر عن نفس الحديث، و هذا غير ممكن في المقام من غير ناحية الشمول كما لا يخفى.

و يندفع بعدم الدليل على هذه الدعوى عدا لزوم اللغوية من شمول الحديث لو لم تكن الصحّة محرزة من سائر الجهات، فلا بدّ من فرض صحّة الصلاة ظاهراً أو واقعاً من النواحي الأُخر حذراً من اللغوية المترتبة على جريان القاعدة مع فرض البطلان من ناحية أُخرى، لكن اللغوية ترتفع في خصوص المقام بالحكم بصحّة الصلاة فعلًا، و لو كان ذلك من ناحية نفس الحديث، إذ يثبت به أنّ التسليم ليس جزءاً من الصلاة حال النسيان، و نتيجته عدم وقوع الحدث أثناء الصلاة فتحرز بذلك الصحّة الفعلية و لو كان ذلك ناشئاً من نفس الحديث كما عرفت، فلا تلزم اللغوية من شموله للمقام بوجه كما هو واضح جدّاً. فهذه الدعوى أيضاً ساقطة.

و أوضح منها فساداً: ما قد يدعى من أنّ الحدث مهما وقع فهو في الأثناء لأنّ الخروج عن الصلاة معلول للحدث، فهو في مرتبة متأخِّرة عنه لتأخّر المعلول عن العلّة بحسب المرتبة، ففي المرتبة السابقة على الخروج كان الحدث واقعاً أثناء الصلاة لا محالة، لتقدّم العلّة فمن أجله يحكم بالبطلان.

إذ فيه: ما لا يخفى، ضرورة أنّ المعلول و إن كان متأخِّراً عن العلّة رتبة لكنهما متقارنان زماناً، فزمان الحدث هو بعينه زمان الخروج من غير سبق‌

322
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
و لحوق، و لا شكّ أنّ أدلّة البطلان ناظرة إلى وقوع المنافي في الأثناء بحسب الزمان، إذ لا أثر للتأخّر الرتبي المبني على التدقيق العقلي في الحكم الفقهي المحوّل إلى الفهم العرفي كما لا يخفى.

و ثالثاً: لو سلّم كل ما ذكر فإنّما يتم لو قلنا بأنّ الحدث مانع قد اعتبر عدمه في نفس الصلاة بما لها من الأجزاء و الأكوان المتخلِّلة بينها، و لكن لا يبعد دعوى اختصاص الاعتبار بذوات الأجزاء كما يقتضيه قوله (عليه السلام) «لا صلاة إلّا بطهور» «1»، أي نفس هذه الأجزاء التي تتألّف منها الصلاة مشروطة بالطهارة، أو أنّ الحدث مانع عنها فلو وقع الحدث أثناء الصلاة كما بين الركوع و السجود لم يكن ثمة مانع من التوضي و الإتمام إلّا ما دلّ على قاطعية الحدث و إلّا فمجرّد اعتبار المانعية الراجع إلى الاشتراط المزبور لا ينافي ذلك كما هو الحال في اشتراط الطمأنينة في الأجزاء القابل للتدارك لدى الإخلال، فعدم إمكان التدارك و الإتمام في المقام ليس إلّا من أجل دليل اعتبار القاطعية للحدث.

و عليه ففي مفروض الكلام، أعني ما لو أحدث بعد التشهّد و قبل السلام، لم يكن هناك مانع من تدارك الطهارة من ناحية الشرطية أو مانعية الحدث، و إنّما المانع ما دلّ على أنّ الحدث قاطع و أنّه بعد حصوله لا تنضم الأجزاء اللّاحقة بالسابقة، فليكن الأمر كذلك، إذ هذا لا ضير فيه في المقام بعد أن كانت التسليمة اللّاحقة جزءاً غير ركني منفياً بحديث لا تعاد، فعلى تقدير تسليم جميع ما مرّ لا يتم ذلك في مثل الحدث قبل السلام فإنّه لو أضرّ فإنّما هو من حيث القطع و لا محذور فيه كما عرفت.

و رابعاً: لو سلّم هذا أيضاً فلا نسلِّمه في الفصل الطويل بمقدار لا يمكن معه‌

______________________________
(1) الوسائل 1: 365/ أبواب الوضوء ب 1 ح 1.

323
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

نعم، عليه سجدتا السهو للنقصان [1] بتركه (1) و إن تذكر قبل ذلك أتى به (2) و لا شي‌ء عليه إلّا إذا تكلّم فيجب عليه سجدتا السهو (3)، و يجب فيه الجلوس (4) و كونه مطمئنا (5).

______________________________
الضم، إذ لا دليل على إبطال الفصل المزبور إلّا من ناحية الوحدة العرفية و اعتبار الهيئة الاتِّصالية بين أجزاء الصلاة، فإذا شمل الحديث للسلام و أسقطه عن الجزئية في ظرف النسيان فلتكن الهيئة غير باقية بعد أن لم يكن السلام ركناً يقدح فقده.

فتحصّل: أنّ ما ذكره الماتن (قدس سره) هو الصحيح و إن كانت الإعادة أحوط، و اللّٰه سبحانه أعلم.

(1) بناءً على وجوبهما لكل زيادة و نقيصة.

(2) لعدم الموجب لسقوطه بعد بقاء المحل و إمكان التدارك.

(3) لما سيجي‌ء في محله إن شاء اللّٰه تعالى من وجوبهما للكلام سهواً.

(4) يدل عليه بعد التسالم و عدم الخلاف فيه قوله (عليه السلام) في موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام): «إذا جلست في الركعة الثانية إلى أن قال (عليه السلام) في آخرها ثمّ تسلِّم» «1» الظاهر في اشتراك التسليم مع التشهّد في وجوب الجلوس، و نحوها غيرها ممّا تقدّم في التشهّد.

(5) للإجماع المدّعى في كلمات غير واحد، مضافاً إلى إمكان استفادته من قوله (عليه السلام) في رواية سليمان بن صالح «... و ليتمكن في الإقامة كما‌

______________________________
[1] على الأحوط كما سيجي‌ء في محلّه.

______________________________
(1) الوسائل 6: 393/ أبواب التشهّد ب 3 ح 2.

324
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

و له صيغتان هما: «السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين» و «السلام عليكم و رحمة اللّٰه و بركاته» و الواجب إحداهما، فإن قدّم الصيغة الأُولى كانت الثانية مستحبّة (1).

______________________________
يتمكن في الصلاة ...» إلخ
«1».

و لو نوقش في الإجماع بعدم وضوح انعقاده على اعتبار الطمأنينة في مجموع الصلاة بما لها من الأجزاء التي منها السلام، و كذا في الرواية بعدم دلالتها إلّا على اعتبارها في الصلاة في الجملة لا مطلقاً لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة، كان اعتبار الطمأنينة في السلام محل إشكال كما تقدّم «2» نظيره في التشهّد.

(1) اختلف الفقهاء (قدس اللّٰه أسرارهم) فيما هو المخرج من الصلاة من الصيغتين المزبورتين على أقوال:

فالمشهور من زمن المحقِّق و من بعده هو التخيير و حصول الخروج و التحليل بكل واحدة منهما، و قيل بتعين الصيغة الثانية في الوجوب و استحباب الاولى و لعلّه ظاهر أكثر القائلين بوجوب السلام، و قيل بالعكس و أنّ الاولى واجبة و الثانية مستحبّة، و قيل بوجوبهما معاً ذهب إليه جمال الدين بن طاوس «3» و اختار صاحب الحدائق «4» أنّ الاولى مخرجة و الثانية محلِّلة و به جمع بين نصوص الباب.

______________________________
(1) الوسائل 5: 404/ أبواب الأذان و الإقامة ب 13 ح 12.

(2) في ص 276.

(3) حكاه عنه في الذكرى 3: 431.

(4) الحدائق 8: 487.

325
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
و الأصح هو القول الأوّل، و يتّضح ذلك بإبطال بقية الأقوال.

أمّا القول الثاني: فتدفعه النصوص الناطقة بحصول الخروج من الصلاة بالصيغة الأُولى التي منها صحيحة الحلبي قال: «قال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) كل ما ذكرت اللّٰه عزّ و جلّ به و النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) فهو من الصلاة، و إن قلت السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين فقد انصرفت»، و نحوها غيرها كخبر أبي كهمس و أبي بصير «1».

و أمّا القول الثالث: فيدفعه أوّلًا: قيام الإجماع على خلافه، لتسالمهم على حصول الخروج بالأخيرة إمّا متعيِّناً أو مخيّراً بينها و بين الاولى حتّى أنّ الشهيد «2» ادّعى أنّ من قال بتعين الاولى فقد خرج عن الإجماع من دون شعور.

و ثانياً: المطلقات الدالّة على أنّ افتتاحها التكبير و اختتامها التسليم، فإنّها شاملة للصيغة الأخيرة لو لم تكن منصرفة إليها كما قد يشهد لهذا الانصراف استعمال التسليم في خصوص الثانية في جملة من النصوص كموثقة يونس بن يعقوب قال: «قلت لأبي الحسن (عليه السلام): صلّيت بقوم صلاة فقعدت للتشهّد ثمّ قمت و نسيت أن أُسلِّم عليهم، فقالوا: ما سلمت علينا، فقال: أ لم تسلِّم و أنت جالس، قلت: بلى، قال: فلا بأس عليك و لو نسيت حين قالوا لك ذلك استقبلتهم بوجهك و قلت السلام عليكم» «3» حيث إنّ السائل مع كونه آتياً بالسلام الأوّل عبّر بنسيان السلام الكاشف عن ظهوره في الأخيرة. إذن فهي القدر المتيقن من السلام المأمور به في الروايات.

______________________________
(1) الوسائل 6: 426/ أبواب التسليم ب 4 ح 1، 2، 5.

(2) الذكرى 3: 432.

(3) الوسائل 6: 425/ أبواب التسليم ب 3 ح 5.

326
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
بل قد يظهر من بعض النصوص الدالّة على كفاية الصيغة الاولى أنّ ذلك من أجل أنّها مصداق للسلام لا لخصوصية فيها فتشمل السلام الثاني أيضاً كموثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا نسي الرجل أن يسلِّم فإذا ولى وجهه عن القبلة و قال: السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين فقد فرغ من صلاته»
«1».

و نحوها ما ورد «2» من أنّ ابن مسعود أفسد على القوم صلاتهم حيث قدّم «السلام علينا» على التشهّد «3» حيث يظهر منها أنّ المخرج هو مطلق السلام و أنّه وقع في غير محله من غير خصوصية للصيغة الاولى.

و ثالثاً: الروايات الخاصّة الدالّة على كفاية الصيغة الثانية التي منها موثقة أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «قلت له إنِّي أُصلِّي بقوم، فقال تسلِّم واحدة و لا تلتفت، قل: السلام عليك أيُّها النبيّ و رحمة اللّٰه و بركاته السلام عليكم ...» الحديث «4». و حيث إنّ السلام على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) غير مخرج قطعاً فيتعيّن الخروج بالسلام الأخير.

و الراوي الأخير، أعني الحضرمي و إن لم يوثق صريحاً إلّا أنّه من رجال كامل الزيارات و تفسير القمي، هذا.

و هناك صحاح ثلاث لعبد الحميد بن عواض و للفضلاء و لعبيد اللّٰه الحلبي «5» و هي ظاهرة الدلالة في إرادة السلام الأخير، و لا أقل من شمول إطلاقها له حيث إنّه القدر المتيقن منه كما مرّ. إذن فلا ينبغي التأمّل في ضعف هذا القول‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 423/ أبواب التسليم ب 3 ح 1.

(2) الوسائل 6: 410/ أبواب التشهّد ب 12 ح 2.

(3) [مفاد الرواية أنّه شرع السلام في التشهد الأوّل، أي في الركعة الثانية].

(4) الوسائل 6: 427/ أبواب التسليم ب 4 ح 3.

(5) الوسائل 6: 416/ أبواب التسليم ب 1 ح 3، 5، 6.

327
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
أيضاً كسابقه.

و أمّا القول الرابع: و هو وجوبهما معاً فامّا أن يراد من وجوب الثانية وجوبها ضمناً و بعنوان الجزئية للصلاة، أو يراد وجوبها مستقلا و كلاهما باطل.

أمّا الأوّل: فللمناقضة الظاهرة، إذ بعد فرض وجوب الاولى المستلزم لاتِّصافه بالمخرجية و الفراغ من الصلاة فما معنى بقاء جزء آخر المستلزم لعدم الخروج، و هل يعقل الجزئية لما هو خارج عن المركب.

و أمّا الثاني: فمقطوع البطلان، لتطابق النص و الفتوى على أنّ التسليم إنّما يجب لكونه الجزء الأخير من الصلاة لا لوجوبه الاستقلالي، و أنّه لا يجب شي‌ء بعد الخروج من الصلاة بضرورة الفقه.

و أمّا مقالة صاحب الحدائق من اتِّصاف الاولى بالمخرجية، و الثانية بالمحللية فغير قابلة للتصديق، إذ ليت شعري بعد تحقّق الخروج من الصلاة بالصيغة الأُولى حسبما اعترف به، المساوق لسلب الوصف العنواني عن المصلِّي و عدم اتِّصافه عندئذ بكونه مصلّياً، فأيّ حاجة بعد هذا إلى المحلل، فانّ الموضوع لجميع ما حرّم على المصلِّي بالتكبير من أدلّة المنافيات و القواطع إنّما هو ارتكاب شي‌ء منها أثناء الصلاة، أمّا بعد الخروج كما هو المفروض فلا محرم ليحتاج إلى المحلل، كما يدل عليه بوضوح قوله (عليه السلام) في صحيحة الحلبي: «يسلِّم من خلفه و يمضي في حاجته إن أحبّ» «1» حيث إنّه كالصريح في أنّه بعد حصول طبيعي التسليم الصادق على الصيغة الأُولى تحل المنافيات و له المضي حيثما شاء.

و مثلها موثقة عمار قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن التسليم ما‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 416/ أبواب التسليم ب 1 ح 6.

328
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

بمعنى كونها جزءاً مستحبّاً لا خارجاً (1)

______________________________
هو؟ قال: هو إذن»
«1» فإنّها واضحة الدلالة على حصول الاذن المساوق للتحليل بمطلق ما صدق عليه التسليم، من غير فرق بين الاولى و الثانية. إذن فتخصيص المحللية بالثانية و المخرجية بالأُولى ممّا لا محصل له.

و المتحصِّل من جميع ما تقدّم: أنّ ما عليه المشهور بين المتأخِّرين من القول بالتخيير هو الصحيح، لأنّه مقتضى الجمع بين الأمر بإحدى الصيغتين في صحيحة الحلبي و بالأُخرى في موثقة الحضرمي بعد القطع بعدم إرادة الوجوب التعييني كما عرفت و مقتضاه جواز الاقتصار على إحدى الصيغتين، كما أنّه لدى الجمع تتّصف الاولى طبعاً بالوجوب و الثانية بالاستحباب بالمعنى الّذي ستعرفه، و قد حمل بعضهم كلام القدماء القائلين باستحباب التسليم على هذا المعنى، أي استحباب الثانية بعد الاولى.

(1) لا إشكال في استحباب الصيغة الثانية بعد أداء الوظيفة بالصيغة الأُولى لتعلّق الأمر بها في النص و جريان السيرة على الجمع.

و إنّما الكلام في أنّها جزء مستحب أو مستحب نفسي واقع خارج الصلاة كالتعقيب؟

اختار جمع منهم السيِّد الماتن الأوّل، و يستدل له بموثقة أبي بصير الطويلة الواردة في كيفية التشهّد «2» حيث تضمّنت الأمر بالتسليم الأخير في عداد الأمر ببقية الأجزاء، الظاهر في كونه مثلها في الجزئية.

______________________________
(1) الوسائل 6: 416/ أبواب التسليم ب 1 ح 7.

(2) الوسائل 6: 393/ أبواب التشهّد ب 3 ح 2.

329
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

و إن قدّم الثانية اقتصر عليها (1).

و أمّا السلام عليك أيُّها النبيّ، فليس من صيغ السلام بل هو من توابع التشهّد (2).

______________________________
و ربّما تعارض بروايته الأُخرى الظاهرة في الاستقلال حيث ورد فيها: «و تقول السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين، فاذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة ثمّ تؤذن القوم فتقول و أنت مستقبل القبلة السلام عليكم ...» إلخ
«1». و لكنّها من أجل ضعف سندها بمحمّد بن سنان ساقطة و غير صالحة للمعارضة.

و أما الموثقة فلا سبيل للأخذ بظاهرها، لما تقدّم غير مرّة من منافاة الجزئية مع الاستحباب، و أنّ الجزء الاستحبابي في نفسه أمر غير معقول سيّما في مثل المقام ممّا وقع خارج العمل و بعد انقطاع الصلاة و الفراغ عنها، فان عدم معقولية الجزئية حينئذ أوضح كما لا يخفى. فلا مناص إذن من حملها على إرادة الاستحباب النفسي كالقنوت، غاية الأمر أنّ ظرف القنوت أثناء العمل و التسليم بعد الانتهاء منه.

(1) لعدم الدليل على استحباب إيقاع الاولى بعدها كما اعترف به غير واحد، و إن كان ظاهر عبارة المحقِّق «2» و الشهيد في اللّمعة «3» ذلك، نعم لا بأس به بناءً على قاعدة التسامح و شمولها لفتوى الفقيه.

(2) فلا يتحقّق الخروج به، خلافاً لما نسب إلى الراوندي «4» من كونه مخرجاً‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 421/ أبواب التسليم ب 2 ح 8.

(2) الشرائع 1: 108، المعتبر 2: 234.

(3) الروضة البهية 1: 277.

(4) حكاه عنه في الذكرى 3: 421.

330
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

و ليس واجباً بل هو مستحب، و إن كان الأحوط عدم تركه لوجود القائل بوجوبه (1).

______________________________
و إن كان مستحباً، و لعلّه لإطلاق بعض الروايات المتضمِّنة لمخرجية السلام بدعوى شمولها للمقام و عدم انحصاره في الصيغتين الأخيرتين.

و لكن الإطلاق لو تمّ كما لا يبعد لم يكن بدّ من الخروج عنه بما دلّ صريحاً على عدم كونه مخرجاً، ففي صحيح الحلبي قال: «قال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) كل ما ذكرت اللّٰه عزّ و جلّ به و النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) فهو من الصلاة، و إن قلت: السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين فقد انصرفت» «1» فإنّها كالصريح في أنّ السلام عليه (صلّى اللّٰه عليه و آله) من مصاديق ذكره المعدود من أجزاء الصلاة، و لا يتحقّق الانصراف إلّا بالصيغة الأُخرى.

و أصرح منها رواية أبي كهمس عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن الركعتين الأوّلتين إذا جلست فيهما للتشهّد فقلت و أنا جالس: السلام عليك أيُّها النبيّ و رحمة اللّٰه و بركاته انصراف هو؟ قال: لا و لكن إذا قلت: السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين فهو الانصراف» «2».

فإنّها واضحة الدلالة في كون السلام عليه (صلّى اللّٰه عليه و آله) من توابع التشهّد و عدم كونه مخرجاً. نعم، هي ضعيفة السند بأبي كهمس حيث لم تثبت وثاقته فلا تصلح إلّا للتأييد. على أنّ المسألة مجمع عليها حيث لم يذهب أحد إلى حصول الانصراف بالسلام على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) غير الراوندي كما عرفت.

(1) بعد ما عرفت من عدم كون هذا السلام مخرجاً فهل هو واجب أو‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 426/ أبواب التسليم ب 4 ح 1.

(2) الوسائل 6: 426/ أبواب التسليم ب 4 ح 2.

331
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
مستحب؟ المشهور و المعروف هو الثاني، و نسب الوجوب إلى بعضهم كالجعفي في الفاخر
«1»، و مال إليه في كنز العرفان «2»، و يستدل للوجوب بروايات.

منها: موثقة أبي بصير الطويلة الواردة في كيفية التشهّد «3» حيث ورد في ذيلها الأمر بالسلام على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) و ظاهر الأمر هو الوجوب.

و يندفع: بأن اشتمالها على كثير من المستحبّات يستوجب ضعف الظهور المزبور، فانّا و إن ذكرنا في الأُصول «4» أنّ الاستحباب كالوجوب بحكم العقل و منتزع من الاقتران بالترخيص في الترك فغير المقرون محكوم بالوجوب و من ثمّ أنكرنا قرينية السياق فيما لو اشتملت الرواية على أوامر تثبت استحباب بعضها من الخارج، حيث حكمنا بالوجوب في غير الثابت لمكان عدم الاقتران إلّا أنّ خصوص هذه الموثقة لما كانت مشتملة على كثير من التحيّات و المسنونات بحيث يستظهر عدم ورودها لبيان أجزاء الصلاة الأصلية بل لبيان الفرد الأكمل و المصداق الأفضل، فهي في قوّة الاقتران بالترخيص في الترك، فعليه لا ينعقد للأمر المزبور ظهور في الوجوب.

و على تقدير التنازل و تسليم الظهور، فلا مناص من رفع اليد عنه بما هو كالصريح في عدم الوجوب كصحيحة الفضلاء عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته، فان كان مستعجلًا في أمر يخاف أن يفوته فسلّم و انصرف أجزأه» «5» و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «في الرجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهّد، فقال:

______________________________
(1) حكاه عنه في الذكرى 3: 420.

(2) كنز العرفان: 142.

(3) الوسائل 6: 393/ أبواب التشهّد ب 3 ح 2.

(4) محاضرات في أُصول الفقه 2: 131 و 132.

(5) الوسائل 6: 416/ أبواب التسليم ب 1 ح 5.

332
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
يسلِّم من خلفه و يمضي في حاجته»
«1» حيث يظهر منها بوضوح عدم وجوب شي‌ء بعد التشهّد ما عدا سلام الانصراف المنحصر في الصيغتين الأخيرتين كما تقدّم «2».

و منها: موثقة أبي بكر الحضرمي قال «قلت له: إنِّي أُصلِّي بقوم فقال سلّم واحدة و لا تلتفت، قل السلام عليك أيُّها النبيّ و رحمة اللّٰه و بركاته، السلام عليكم» «3».

و فيه: مضافاً إلى قصور المقتضي بعدم كونه (عليه السلام) بصدد بيان السلام الواجب، بل في مقام بيان كفاية المرّة و عدم الحاجة إلى التكرار بالسلام تارة إلى اليمين و أُخرى إلى الشمال، و لعلّ التعرّض لصيغة السلام عليك أيُّها النبيّ مبني على المتعارف الخارجي توطئة للسلام المخرج من غير نظر إلى وجوبه أو استحبابه، فالمقتضي للظهور في الوجوب قاصر في حدّ نفسه أنّه مع تسليم الظهور لم يكن بدّ من رفع اليد عنه و الحمل على الاستحباب، للنصوص الظاهرة في عدم الوجوب كما عرفت آنفا.

و منها: رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا كنت إماماً فإنّما التسليم أنّ تسلِّم على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) و تقول: السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين، فاذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة ...» إلخ «4».

و فيه: مضافاً إلى ضعف سندها بمحمّد بن سنان، أنّها محمولة على الاستحباب، لأنّ السلام الواجب هو السلام المخرج بمقتضى صحيحتي الفضلاء‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 416/ أبواب التسليم ب 1 ح 6.

(2) في ص 325.

(3) الوسائل 6: 421/ أبواب التسليم ب 2 ح 9.

(4) الوسائل 6: 421/ أبواب التسليم ب 2 ح 8.

333
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

و يكفي في الصيغة الثانية «السلام عليكم» بحذف قوله «و رحمة اللّٰه و بركاته» و إن كان الأحوط ذكره (1). بل الأحوط الجمع بين الصيغتين بالترتيب المذكور

______________________________
و عبيد اللّٰه الحلبي المتقدِّمتين
«1» حيث يظهر منهما بوضوح أنّه لا يجب بعد التشهّد إلّا السلام المخرج، و حيث إنّ السلام على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) لم يكن مخرجاً بمقتضى صحيحة الحلبي المتقدِّمة «2» فلا جرم يكون المراد ممّا اتّصف بالمخرجية في هذه الرواية خصوص السلام علينا، و مقتضاه كون السلام على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) مستحبّاً.

و المتحصِّل: من جميع ما مرّ: قصور النصوص المتقدِّمة عن الدلالة على الوجوب. و أضعف من الكل الاستدلال بقوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً «3» بدعوى ظهور الأمر في الوجوب، و حيث لا يجب التسليم عليه (صلّى اللّٰه عليه و آله) في سائر موارد الصلاة إجماعاً، فتقيّد الآية بهذا المورد، أعني ما بعد التشهّد الثاني.

إذ فيه: مضافاً إلى أنّ المراد بالتسليم في المقام هو الانقياد و الإطاعة لا صيغة السلام المتعارفة كما لا يخفى، فالآية أجنبية عن محل الكلام بالكلِّيّة أنّه مع التسليم، فالآية الشريفة مطلقة و حمل المطلق على فرد خاص و هو حال الصلاة في مورد مخصوص منها مع بعده في نفسه يحتاج إلى الدليل و لا دليل. فتحصّل أنّ الأظهر استحباب السلام على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) كما عليه المشهور.

(1) بعد الفراغ عن الوجوب التخييري للصيغتين يقع الكلام في تعيين‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 416/ أبواب التسليم ب 1 ح 5، 6.

(2) الوسائل 6: 426/ أبواب التسليم ب 4 ح 1.

(3) الأحزاب 33: 56.

334
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
صورتهما.

أمّا الصيغة الثانية، فالمعروف و المشهور كفاية السلام عليكم، و بإزائه قولان: أحدهما: ما عن جماعة منهم أبو الصلاح الحلبي «1» من إضافة «و رحمة اللّٰه» استناداً إلى صحيح علي بن جعفر قال: «رأيت إخوتي موسى و إسحاق و محمّداً بني جعفر (عليه السلام) يسلِّمون في الصلاة عن اليمين و الشمال السلام عليكم و رحمة اللّٰه، السلام عليكم و رحمة اللّٰه» «2».

و فيه: أنّه حكاية فعل مجمل العنوان، فانّ عمل المعصوم (عليه السلام) لا يدل على أكثر من الرجحان.

ثانيهما: ما عن ابن زهرة «3» و جماعة من ضم «و بركاته» أيضاً، استناداً إلى ما في صحيح المعراج من قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله): «فقال لي يا محمّد سلِّم فقلت: السلام عليكم و رحمة اللّٰه و بركاته ...» إلخ «4».

و فيه: أيضاً ما عرفت، من أنّ فعل المعصوم (عليه السلام) أعمّ من الوجوب، نعم أمره سبحانه نبيّه (صلّى اللّٰه عليه و آله) ظاهر في الوجوب، لكن المأمور به مطلق التسليم لا تلك الكيفية الخاصّة، فلعلّه اختار (صلّى اللّٰه عليه و آله) في مقام العمل الفرد الأفضل.

و بالجملة: فالقولان ضعيفان، لضعف مستندهما، مضافاً إلى ما عن العلّامة «5» من دعوى الإجماع على عدم وجوب ضمّ الجملتين المزبورتين، فالأقوى إذن‌

______________________________
(1) الكافي في الفقه: 119.

(2) الوسائل 6: 419/ أبواب التسليم ب 2 ح 2.

(3) لاحظ الغنية: 81، 85 و حكاه عنه في الحدائق 8: 501.

(4) الوسائل 5: 465/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.

(5) المنتهىٰ 1: 296 السطر 34.

335
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
ما عليه المشهور.

و يمكن الاستدلال له أوّلًا: بالنصوص الخاصّة التي منها موثقة أبي بكر الحضرمي المتقدِّمة «1».

و دعوى أنّ ما تضمنته من قوله: السلام عليكم، من باب استعمال اللفظ في اللفظ فيراد به التسليم المتداول بين الناس المشتمل على تلك الزيادة، مدفوعة بأنّ هذا الاستعمال و إن كان واقعاً في لغة العرب إلّا أنّه لا ريب في كونه خلاف الظاهر جدّاً لا يصار إليه من غير قرينة، و حيث لا قرينة فلا يمكن المصير إليه. فلا مناص من الأخذ بظاهرها من كفاية تلك العبارة من غير الزيادة.

و منها: موثقة يونس بن يعقوب: «... و لو نسيت حتّى قالوا لك ذلك استقبلتهم بوجهك و قلت: السلام عليكم» «2» فإنّها صريحة في حصول تدارك المنسي بهذه الصيغة فحسب، و مقتضى ذلك عدم وجوب الزائد عليها.

و منها: غير ذلك كروايتي أبي بصير، و ابن أبي يعفور «3» و إن لم تكونا نقيتي السند و لا تصلحان إلّا للتأييد.

و ثانياً: بإطلاق بعض الأخبار كقوله (عليه السلام) في صحيحة الفضلاء: «فان كان مستعجلًا في أمر يخاف أن يفوته فسلّم و انصرف أجزأه» «4». و في صحيحة عبيد اللّٰه الحلبي: «يسلِّم من خلفه و يمضي في حاجته إن أحبّ» «5» فانّ مقتضاه جواز الاقتصار على هذا المقدار من دون ضم تلك الزيادة.

و ثالثاً: بالأصل العملي و هو أصالة البراءة عن تلك الزيادة بعد كون المقام‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 421/ أبواب التسليم ب 2 ح 9.

(2) الوسائل 6: 425/ أبواب التسليم ب 3 ح 5.

(3) الوسائل 6: 421/ أبواب التسليم ب 2 ح 8، 11.

(4) الوسائل 6: 416/ أبواب التسليم ب 1 ح 5، 6.

(5) الوسائل 6: 416/ أبواب التسليم ب 1 ح 5، 6.

336
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
من موارد الدوران بين الأقل و الأكثر.

و دعوى: أنّ الّذي يترتّب على هذا الأصل إنّما هو نفي الجزئية أو الشرطية و لا تثبت به المحللية فالمرجع حينئذ استصحاب بقاء التحريم حتّى يثبت المحلل، مدفوعة: بأنّ الموضوع للمحلل إنّما هو السلام الواجب كما تقدّم، إذن فالشك في حصول التحليل في المقام مستند إلى الشك في وجوب تلك الزيادة و بعد نفيه بالأصل المزبور لم يبق شك في حصول المحللية كما لا يخفى.

فتحصّل: أنّ القول المشهور هو الأظهر، و إن كان الأحوط الضم حذراً عن الخلاف.

و هناك خلاف آخر في هذه الصيغة من تعريف السلام و تنكيره و ستعرفه.

و أمّا الصيغة الأُولى، فظاهر النصوص و الفتوى اعتبار الصيغة بكاملها و لكن صاحب الجواهر ذكر في نجاة العباد «1» أنّ الأصح الاجتزاء ب‍ «السلام علينا» و يستدل له بصدق التسليم عليه فتشمله الإطلاقات.

و يندفع: بانصرافها إلى ما هو المعهود المتعارف من هذه الصيغة، و لا ريب أنّ المتعارف هي تمام الصيغة بكاملها. و مع الغض عن ذلك فيقيّد الإطلاق بما دلّ على أنّ المخرج هي الصيغة الكاملة كصحيحة الحلبي «2» و غيرها.

و دعوى عدم الريب في بطلان الصلاة بقول «السلام علينا» في غير محله فيكشف المبطلية عن المخرجية بيِّنة الفساد، ضرورة عدم الملازمة بين الأمرين فإنّ المبطل هو مطلق ما صدق عليه السلام، لكونه من كلام الآدميين، و أمّا السلام المخرج الّذي هو جزء من المأمور به فهو حصّة خاصّة منه و هي الصيغة‌

______________________________
(1) نجاة العباد: 134.

(2) الوسائل 6: 426/ أبواب التسليم ب 4 ح 1.

337
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

و يجب فيه المحافظة على أداء الحروف و الكلمات على النهج الصحيح مع العربية، و الموالاة (1)، و الأقوى عدم كفاية قوله «سلام عليكم» بحذف الألف و اللّام (2).

______________________________
المخصوصة بكاملها فلو لم يستكملها لم يتحقّق الخروج بحيث لو أتى حينئذ بالمنافي بطلت الصلاة لوقوعه في أثنائها، فلا سبيل إذن للكشف المزبور بوجه.

(1) للزوم أداء الصيغة بالكيفية الواردة في لسان الأدلّة بعد ظهورها في لزوم رعايتها، فالإخلال بها على نحو يقدح في المصداقية لتلك الكيفية إخلال بالمأمور به، بل إفساد للصلاة، نظراً للتكلّم العمدي قبل حصول المحلل و الخروج منها.

(2) خلافاً للمحقِّق في المعتبر «1» و العلّامة في التذكرة «2» حيث ذهبا إلى الكفاية.

و استدلّ له المحقِّق تارة بالإطلاقات، بعد وضوح صدق اسم التسليم على العاري من أداة التعريف.

و فيه: مضافاً إلى انصرافها إلى السلام المتعارف و هو خصوص المعرّف كيف و لو بني على الأخذ بالإطلاق لساغ مطلق السلام كيف ما كان و لو بالتسليم على أحد الأئمّة (عليهم السلام) و هو كما ترى لم يلتزم به حتّى المحقِّق نفسه أنّه لو سلّم الإطلاق لم يكن بدّ من تقييده بما في النصوص كموثقة الحضرمي «3» حيث قد ورد فيها معرّفاً.

______________________________
(1) المعتبر 2: 236.

(2) التذكرة 3: 247.

(3) الوسائل 6: 421/ أبواب التسليم ب 2 ح 9.

338
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التسليم ؛ ج 15، ص : 294

..........

______________________________
و أُخرى بوروده في الكتاب العزيز منكّراً كقوله تعالى
سَلٰامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهٰا خٰالِدِينَ «1».

و فيه: ما لا يخفى، فانّ الصيغ الواردة للسلام في الكتاب العزيز كثيرة كقوله تعالى وَ سَلٰامٌ عَلَيْهِ «2»، وَ سَلٰامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ «3»، سَلٰامٌ عَلىٰ إِلْ‌يٰاسِينَ «4»، و لا شكّ في عدم الاجتزاء بشي‌ء منها، إذ المأمور به في الصلاة حصّة خاصّة ذات صيغة مخصوصة كما دلّت عليه النصوص المتقدِّمة لا بدّ من المحافظة عليها و عدم التعدِّي عنها، فمجرّد الورود في القرآن الكريم لا يصلح حجّة في المقام.

و استدلّ له العلّامة أيضاً تارة: بما ورد من أنّ علياً (عليه السلام) كان يقول ذلك عن يمينه و شماله، و أُخرى: بأنّ التنوين يقوم مقام اللّام فإنّه بدل منه.

و كلاهما كما ترى، فإنّ الأوّل لم يثبت من طرقنا. على أنّ من الجائز أنّه (عليه السلام) كان يقول ذلك بعد أداء السلام الواجب و الخروج من الصلاة فكان (عليه السلام) يسلِّم على من في يمينه و شماله من الجماعة بهذه الكيفية و لا ضير فيه.

و أمّا الثاني، ففيه: أنّ البدلية و إن صحّت لكنّها بمجرّدها لا تستوجب قيام البدل مقام المبدل منه و إجزائه عنه ما لم ينهض دليل عليه، و لا دليل على الإجزاء في المقام.

______________________________
(1) الزّمر 39: 73.

(2) مريم 19: 15.

(3) الصّافّات 37: 181.

(4) الصّافّات 37: 130.

339
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 1: لو أحدث أو أتى ببعض المنافيات الأخر قبل السلام بطلت الصلاة ؛ ج 15، ص : 340

[مسألة 1: لو أحدث أو أتى ببعض المنافيات الأُخر قبل السلام بطلت الصلاة]

[1661] مسألة 1: لو أحدث أو أتى ببعض المنافيات الأُخر قبل السلام بطلت الصلاة، نعم لو كان ذلك بعد نسيانه بأن اعتقد خروجه من الصلاة لم تبطل (1) و الفرق أنّ مع الأوّل يصدق الحدث في الأثناء و مع الثاني لا يصدق، لأنّ المفروض [1] أنّه ترك نسياناً جزءاً غير ركني فيكون الحدث خارج الصلاة.

______________________________
و توهّم أنّ التسليم المنكّر يكون مبطلًا و مخرجاً عن الصلاة لو وقع في غير محلّه فيكون مجزئاً لو وقع في محله، قد عرفت الجواب عنه و أنّه ليس مطلق الخروج مجزئاً عن السلام الواجب و إلّا لأجزأ التسليم على النفس أو الغير أو أحد المعصومين (عليهم السلام) و هو كما ترى، فالبطلان و الخروج في هذه الموارد مستند إلى كونها من كلام الآدميين لا من أجل إجزائها عن السلام المأمور به كما هو واضح، فما عليه المشهور من عدم الكفاية هو المتعيِّن.

(1) قد تقدّم «1» البحث حول هذه المسألة في مطاوي ما سبق من هذا الفصل بنطاق واسع و بيان مشبع، فلاحظ و لا نعيد.

______________________________
[1] يريد بذلك أنّ شمول حديث لا تعاد بالإضافة إلى السلام المنسي يخرج الحدث عن كونه حدثاً في الصلاة، و لا مانع من شموله إلّا الحكم بالبطلان من ناحية وقوع الحدث في الصلاة إلّا أنّه غير ممكن، لتوقفه على عدم شمول الحديث للسلام المنسي، فلو كان عدم الشمول مستنداً إليه لزم الدور، و أمّا دعوى توقف شمول الحديث على إحراز صحّة الصلاة من بقيّة الجهات و لا يمكن ذلك من غير جهة الشمول في المقام فمدفوعة بعدم الدليل عليه إلّا من ناحية اللغوية، و من الضروري أنّها ترتفع بالحكم بصحّة الصلاة فعلًا و لو كان ذلك من ناحية نفس الحديث، و ما يقال من أنّ الخروج من الصلاة معلول للحدث و في مرتبة متأخِّرة عنه فالحدث واقع في الصلاة واضح البطلان، مع أنّه لا يتم في القواطع كما يظهر وجهه بالتأمّل.

______________________________
(1) في ص 319.

340
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: لا يشترط فيه نية الخروج عن الصلاة ؛ ج 15، ص : 341

[مسألة 2: لا يشترط فيه نيّة الخروج عن الصلاة]

[1662] مسألة 2: لا يشترط فيه نيّة الخروج عن الصلاة، بل هو مخرج قهراً و إن قصد عدم الخروج (1) لكنّ الأحوط عدم قصد عدم الخروج بل لو قصد ذلك فالأحوط إعادة الصلاة.

______________________________
(1) إذ المأمور به هو ذات السلام لا المعنون بالخروج ليجب قصده. نعم هو متّصف بالمخرجية في اعتبار الشرع، فالخروج حكم قهري مترتِّب عليه لا أنّه جزء مقوّم له و مأخوذ في الموضوع ليلزم تعلّق القصد به. و منه تعرف عدم قدح قصد عدم الخروج فضلًا عن اعتبار قصد الخروج.

و بالجملة: بما أنّ السلام جزء صلاتي فلا بدّ من تعلّق القصد بذاته المتّصفة بكونها من أجزاء الصلاة كما هو الشأن في سائر الأجزاء، و أمّا الزائد عليه من قصد الخروج أو عدم قصد عدم الخروج فلا دليل على اعتبار شي‌ء من ذلك بعد إطلاق الأدلّة، سيّما و أنّ قصد عدم الخروج موجود في أكثر العوام، لزعمهم عدم الخروج إلّا بالصيغة الأخيرة، فيأتون بالأُولى قاصدين بها طبعاً عدم الخروج، و لا يحتمل بطلان صلاتهم بذلك. نعم، لو كان ذلك من باب التشريع بأن نوى السلام المحكوم بعدم المخرجية فحيث إنّه لم يكن من السلام الصلاتي بطل، لرجوعه إلى عدم قصد الأمر، و قد عرفت أنّ قصد كونه من الصلاة ممّا لا بدّ منه.

هذا، و ربّما يستدل للمطلوب بمعتبرة ميسر عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم، قول الرجل: تبارك اسمك و تعالى جدّك و لا إلٰه غيرك و إنّما هو شي‌ء قالته الجن بجهالة فحكى اللّٰه عنهم، و قول الرجل: السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين» «1».

______________________________
(1) الوسائل 6: 409/ أبواب التشهّد ب 12 ح 1.

341
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 3: يجب تعلم السلام على نحو ما مر في التشهد ؛ ج 15، ص : 342

[مسألة 3: يجب تعلّم السلام على نحو ما مرّ في التشهّد]

[1663] مسألة 3: يجب تعلّم السلام على نحو ما مرّ في التشهّد (1) و قبله يجب متابعة الملقّن إن كان (2) و إلّا اكتفى بالترجمة [1] (3)، و إن عجز فبالقلب ينويه مع الإشارة باليد على الأحوط، و الأخرس يخطر ألفاظه بالبال و يشير إليها باليد أو غيرها.

______________________________
فانّ من المعلوم أنّ الناس كانوا يأتون بهذا السلام في التشهّد الأوّل المقصود به طبعاً عدم الخروج، و مع ذلك حكم عليه بالإفساد و الخروج من الصلاة.

و فيه: ما عرفت من حصول البطلان المستلزم للخروج من الصلاة بمطلق السلام الواقع في غير محله، سواء قصد به الخروج أم قصد عدمه، لكونه من كلام الآدميين، و أين هذا من محل الكلام، أعني السلام المأمور به الواقع في محله الّذي هو جزء صلاتي مخرج غير مبطل، و أنّه هل يعتبر فيه قصد الخروج أو يقدح قصد عدمه أم لا؟ و المعتبرة ناظرة إلى الفرض الأوّل و لا ربط لها بما نحن فيه، فلا ملازمة بين البطلان في غير محله و إن لم يقصد به الخروج، و بين كونه مخرجاً في محله مطلقاً كما هو واضح لا يخفى.

(1) لحكومة العقل بلزوم تحصيل ما يتوقف الواجب عليه، و منه تعلّم أجزاء الصلاة، من غير فرق بين ما كان من سنخ الأذكار و بين غيرها.

(2) لحصول الغرض بذلك، إذ لا فرق في تحقّق المأمور به بين المباشرة بنفسه أو بواسطة الملقّن.

(3) كفاية الترجمة مبنية على التمسّك بقاعدة الميسور، بدعوى أنّ الواجب هو إيجاد معنى التسليم بهذه الصيغة الخاصّة فلا يجزئ غيرها مع التمكن و إن أدّى معناها، و أمّا لو تعذّر فينتقل إلى ما تيسّر و هو إيجاده بلفظ آخر و لو كان‌

______________________________
[1] وجوب الترجمة مبني على الاحتياط.

342
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 4: يستحب التورك في الجلوس حاله على نحو ما مر و وضع اليدين على الفخذين ؛ ج 15، ص : 343

[مسألة 4: يستحب التورّك في الجلوس حاله على نحو ما مرّ و وضع اليدين على الفخذين]

[1664] مسألة 4: يستحب التورّك في الجلوس حاله على نحو ما مرّ و وضع اليدين على الفخذين و يكره الإقعاء (1).

[مسألة 5: الأحوط أن لا يقصد بالتسليم التحيّة حقيقة]

[1665] مسألة 5: الأحوط أن لا يقصد بالتسليم التحيّة حقيقة [1] بأن يقصد السلام على الإمام أو المأمومين أو الملكين، نعم، لا بأس بأخطار ذلك بالبال، فالمنفرد يخطر بباله الملكين الكاتبين حين السلام الثاني، و الإمام يخطرهما مع المأمومين (2).

______________________________
من سنخ الترجمة كما هو الحال في بابي النكاح و الطلاق.

و لكن الدعوى غير واضحة، بل الظاهر أنّ الواجب إنّما هو نفس هذه الصيغة و إن لم يلتفت إلى معناها أبداً، و من البديهي أنّ الألفاظ متباينة و لا يعدّ شي‌ء منها ميسوراً للآخر بوجه. هذا مضافاً إلى أنّ القاعدة غير تامّة في نفسها.

إذن فمقتضى الصناعة سقوط التكليف لدى العجز، فلا ملزم للانتقال إلى الترجمة فضلًا عن الاخطار بالبال و الإشارة باليد لدى العجز عنها و إن كان ذلك مطابقاً للاحتياط.

نعم، يتّجه الاخطار و الإشارة بالنسبة إلى الأخرس خاصّة كما مرّ تفصيله في نظائر المقام.

(1) و لعلّه من أجل تبعية التسليم للتشهّد فيجري فيه ما مرّ فيه.

(2) ينبغي التكلّم في جهات:

الاولى: هل يجب قصد التحيّة عند التسليم؟ يظهر من بعض الفقهاء وجوب قصدها و لو إجمالًا أي من دون تعيين أنّ المقصود بالتحيّة هل هو الإمام أو‌

______________________________
[1] لا يبعد الجواز إذا قصد به تحيّة المقصودين بها واقعاً.

343
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 5: الأحوط أن لا يقصد بالتسليم التحية حقيقة ؛ ج 15، ص : 343

..........

______________________________
المأموم أو الملائكة أو غيرهم و لكنّه عار عن الدليل، إذ لا يستفاد من الأدلّة ما عدا أداء عنوان التسليم بالصيغة الخاصّة، و أمّا القصد المزبور فلا دليل عليه.

نعم، لا مناص من قصد عنوان التسليم و لو إجمالًا و ارتكازاً كسائر العناوين من الركوع و السجود و نحوهما.

و أمّا قصد عنوان التحيّة زائداً على ذلك فلا دليل عليه بوجه.

الجهة الثانية: لو قصد به التحيّة فهل تبطل صلاته؟ ظاهر الجواهر هو البطلان، للنهي عن الابتداء بالتحيّة في الصلاة، و لأصالة عدم التداخل، و لأنه من كلام الآدميين «1».

و يندفع: بعدم الضير في كون التسليم المقصود به التحيّة محللًا و مصداقاً للسلام الواجب و إن كان من كلام الآدميين بعد أن كان ذلك مطابقاً لظواهر جملة من الأخبار، كقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله) في صحيح المعراج: «... ثمّ التفتّ فإذا أنا بصفوف من الملائكة و النبيِّين و المرسلين، فقال لي: يا محمّد سلِّم، فقلت: السلام عليكم و رحمة اللّٰه و بركاته، فقال: يا محمّد إنِّي أنا السلام و التحيّة و الرحمة ...» إلخ «2».

و كصحيحة الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن صلاة الخوف إلى أن قال (عليه السلام) و يتشهّدون و يسلِّم بعضهم على بعض ...» إلخ «3». و موثقة يونس بن يعقوب الواردة في نسيان التسليم: «لو نسيت حتّى قالوا لك‌

______________________________
(1) الجواهر 10: 343.

(2) الوسائل 5: 465/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.

(3) الوسائل 8: 436/ أبواب صلاة الخوف و المطاردة ب 2 ح 4.

344
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 5: الأحوط أن لا يقصد بالتسليم التحية حقيقة ؛ ج 15، ص : 343

و المأموم يخطرهم مع الإمام (1)، و في «السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين»

______________________________
ذلك استقبلتهم بوجهك و قلت السلام عليكم»
«1» المؤيّدة برواية المفضل بن عمر قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن العلّة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة؟ قال لأنّه تحليل الصلاة إلى أن قال قلت: فلِمَ صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال: لأنّه تحيّة الملكين» «2».

فإنّه يستفاد من هذه النصوص بعد ضم بعضها ببعض بوضوح عدم قدح قصد التحيّة في صحّة التسليم، و بها يقيّد النهي عن ابتداء التحيّة في الصلاة و عن كلام الآدميين، كما أنّها رافعة لموضوع أصالة عدم التداخل كما لا يخفى.

الجهة الثالثة: مَن هو المقصود بالتحيّة عند قولنا: السلام عليكم؟ يظهر من رواية عبد اللّٰه بن الفضل الهاشمي «3»، و كذا من رواية المفضل بن عمر «4» أنّه الملكان الموكلان في سلام المنفرد، كما يظهر من الثانية أنّه الملكان مع المأمومين في سلام الإمام و هما مع الإمام في سلام المأمومين.

و حيث إنّهما ضعيفتان سنداً و لا رواية غيرهما معتبرة ليعوّل عليها، فاللّازم لمن ينوي التحيّة أن يقصد تحيّة المقصودين بها واقعاً من غير تعيين.

(1) كما عرفت.

______________________________
(1) الوسائل 6: 425/ أبواب التسليم ب 3 ح 5.

(2) الوسائل 6: 417/ أبواب التسليم ب 1 ح 11.

(3) الوسائل 6: 418/ أبواب التسليم ب 1 ح 13.

(4) الوسائل 6: 422/ أبواب التسليم ب 2 ح 15.

345
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 6: يستحب للمنفرد و الإمام الإيماء بالتسليم الأخير إلى يمينه بمؤخر عينه ؛ ج 15، ص : 346

يخطر بباله الأنبياء و الأئمّة و الحفظة (عليهم السلام) (1).

[مسألة 6: يستحب للمنفرد و الإمام الإيماء بالتسليم الأخير إلى يمينه بمؤخر عينه]

[1666] مسألة 6: يستحب للمنفرد و الإمام الإيماء بالتسليم الأخير إلى يمينه بمؤخر عينه، أو بأنفه أو غيرهما على وجه لا ينافي الاستقبال، و أما المأموم، فان لم يكن على يساره أحد فكذلك، و إن كان على يساره بعض المأمومين فيأتي بتسليمة أُخرى مومئاً إلى يساره، و يحتمل استحباب تسليم آخر للمأموم بقصد الإمام فيكون ثلاث مرّات.

[مسألة 7: قد مرّ سابقاً في الأوقات أنّه إذا شرع في الصلاة قبل الوقت]

[1667] مسألة 7: قد مرّ سابقاً في الأوقات أنّه إذا شرع في الصلاة قبل الوقت و دخل عليه و هو في الصلاة صحّت صلاته [1] (2) و إن كان قبل السلام أو في أثنائه، فاذا أتى بالسلام الأوّل و دخل عليه الوقت في أثنائه تصح صلاته، و أمّا إذا دخل بعده قبل السلام الثاني أو في أثنائه ففيه اشكال و إن كان يمكن القول بالصحّة، لأنّه و إن كان يكفي الأوّل في الخروج عن الصلاة لكن على فرض الإتيان بالصيغتين يكون الثاني أيضاً جزءاً فيصدق دخول الوقت في الأثناء، فالأحوط إعادة الصلاة مع ذلك.

______________________________
(1) على ما يستفاد ذلك من نفس هذه الصيغة.

(2) لكنّك عرفت سابقاً «1» الاستشكال في الصحّة، و أنّ الأحوط لزوماً إعادة الصلاة، نظراً لضعف رواية إسماعيل بن رباح «2» التي هي مستند المسألة.

______________________________
[1] في صحّتها إشكال، و الأحوط لزوماً إعادتها بل هي الأقوى إذا كان دخول الوقت بعد السلام المخرج.

______________________________
(1) شرح العروة 11: 381.

(2) الوسائل 4: 206/ أبواب المواقيت ب 25 ح 1.

346
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 7: قد مر سابقا في الأوقات أنه إذا شرع في الصلاة قبل الوقت ؛ ج 15، ص : 346

..........

______________________________
و على تقدير الصحّة فلا ينسحب الحكم إلى السلام الثاني، لتحقّق الخروج بالسلام الأوّل طبعاً لاتِّصاف الثاني بالاستحباب. و حيث لا معنى للجزء الاستحبابي فلا جرم يكون الثاني عملًا مستقلا و مستحبّاً نفسياً واقعاً خارج الصلاة، فإذا دخل الوقت قبله فقد دخل بعد الصلاة فلا يكون مشمولًا للنص المزبور، و مقتضى القاعدة حينئذ البطلان لفقد شرط الوقت.

347
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في الترتيب ؛ ج 15، ص : 348

[فصل في الترتيب]

فصل في الترتيب يجب الإتيان بأفعال الصلاة على حسب ما عرفت من الترتيب بأن يقدّم تكبيرة الإحرام على القراءة، و القراءة على الركوع و هكذا (1).

______________________________
(1) وجوب مراعاة الترتيب على النهج المألوف بين أجزاء الصلاة من الأذكار و الأفعال ممّا لا خلاف فيه و لا إشكال، و قد دلّت عليه طوائف من الأخبار.

منها: النصوص البيانية الواردة في كيفية الصلاة، و لعل أحسنها صحيحة حماد «1» و قد تضمّنت الترتيب المزبور و دلّت على لزوم رعايته بمقتضى قوله (عليه السلام) في ذيلها: «يا حماد هكذا صلّ».

و منها: النصوص الواردة في مورد قاعدة التجاوز، أعني الشك في الجزء بعد الدخول في غيره كصحيحة زرارة الواردة في من شكّ في التكبيرة بعد ما قرأ، أو في القراءة بعد ما ركع، أو في الركوع بعد ما سجد «2» الكاشفة بوضوح عن أنّ لكل جزء محلا يخصّه و هو معنى الترتيب.

و منها: النصوص الواردة في نسيان جزء حتّى دخل في غيره كمن تذكّر في القراءة نسيان التكبيرة، أو في الركوع نسيان القراءة و هكذا «3»، إلى غير ذلك‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(2) الوسائل 8: 237/ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 1.

(3) الوسائل 6: 12/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 2، 88/ أبواب القراءة في الصلاة ب 28، 364/ أبواب السجود ب 14.

348
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في الترتيب ؛ ج 15، ص : 348

فلو خالفه عمداً بطل ما أتى به مقدّماً (1) و أبطل من جهة لزوم الزيادة، سواء كان ذلك في الأفعال أو الأقوال، و في الأركان أو غيرها، و إن كان سهواً فان كان في الأركان بأن قدّم ركناً على ركن كما إذا قدّم السجدتين على الركوع فكذلك، و إن قدّم ركناً على غير الركن كما إذا قدّم الركوع على القراءة، أو قدّم غير الركن على الركن كما إذا قدّم التشهّد على السجدتين، أو قدّم غير الأركان بعضها على بعض كما إذا قدّم السورة مثلًا على الحمد فلا تبطل الصلاة إذا كان ذلك سهواً، و حينئذ فإن أمكن التدارك بالعود بأن لم يستلزم زيادة ركن وجب و إلّا فلا (2).

______________________________
من النصوص الظاهرة في لزوم مراعاة الترتيب بين أفعال الصلاة.

(1) لوقوعه في غير محله، و حينئذ فان لم يتداركه في محله لزمت النقيصة العمدية و إن تداركه لزمت الزيادة كذلك، بل تلزم الزيادة العمدية و إن لم يتدارك كما لا يخفى، فيستوجب البطلان بطبيعة الحال من غير فرق بين الأقوال و الأفعال و الأركان و غيرها، لوحدة المناط.

(2) صور الإخلال بالترتيب سهواً أربع، إذ تارة يقدِّم ركناً على مثله كما لو قدّم السجدتين على الركوع، و أُخرى يقدِّم الركن على غيره كما لو قدّم الركوع على القراءة، و ثالثة عكس ذلك كتقديم التشهّد على السجدتين، و رابعة يقدّم غير الركن على مثله كما لو قدّم السورة على الحمد.

أمّا الصورة الأُولى، فهي محكومة بالبطلان، سواء أ تدارك المنسي في محله أم لا، للزوم الزيادة في الأوّل و النقيصة في الثاني، بل قد عرفت لزوم الزيادة مطلقاً و من المعلوم أنّ زيادة الركن كنقيصته تستوجب البطلان، سواء كانت عمدية أم سهوية.

349
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 1: إذا خالف الترتيب في الركعات سهوا ؛ ج 15، ص : 350

نعم، يجب عليه سجدتان لكل زيادة أو نقيصة [1] تلزم من ذلك (1).

[مسألة 1: إذا خالف الترتيب في الركعات سهواً]

[1668] مسألة 1: إذا خالف الترتيب في الركعات سهواً، كأن أتى بالركعة الثالثة في محل الثانية، بأن تخيّل بعد الركعة الاولى أنّ ما قام إليه ثالثة فأتى بالتسبيحات الأربعة و ركع و سجد و قام إلى الثالثة و تخيّل أنّها ثانية فأتى بالقراءة و القنوت لم تبطل صلاته (2) بل يكون ما قصده ثالثة ثانية

______________________________
و أمّا في بقية الصور، فلا بطلان، إذ لا محذور في الصورة الثانية ما عدا ترك جزء غير ركني سهواً بعد تعذّر تداركه بالدخول في الركن و لا ضير فيه بمقتضى حديث لا تعاد. كما أنّ في الصورتين الأخيرتين يتدارك المنسي و إن استلزم الزيادة، إذ لا ضير في الزيادة السهوية لجزء غير ركني.

(1) بناءً على وجوبهما لكل زيادة و نقيصة، و حيث إنّ المبنى غير واضح فمن ثمّ كان الحكم مبنياً على الاحتياط.

(2) فانّ التذكّر إن كان قبل الركوع في المورد الأوّل تدارك القراءة لبقاء محلها و لا ضير في زيادة التسبيحات فإنّها زيادة سهوية لجزء غير ركني و حيث إنّ الواجب هو الإتيان بذوات الركعات لا بوصفها العنواني من الأوّلية و الثانوية و نحوهما، لأنّها ملحوظة داعية إلى العمل لا قيداً في موضوع الامتثال، فلا يضرّه قصد الخلاف.

و هكذا في المورد الثاني فيجتزئ بالقراءة و لا حاجة إلى التسبيحات بعد أن كان مخيّراً بينهما و قد أتى بأحد العدلين و لو من غير التفات.

و إن كان التذكر بعد الدخول في الركوع مضى في صلاته في كلا الموردين و لا‌

______________________________
[1] على الأحوط كما سيجي‌ء.

350
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 1: إذا خالف الترتيب في الركعات سهوا ؛ ج 15، ص : 350

و ما قصده ثانية ثالثة قهراً، و كذا لو سجد الاولى بقصد الثانية، و الثانية بقصد الأُولى (1).

______________________________
شي‌ء عليه، إذ غايته أنّه ترك القراءة في المورد الأوّل و زاد السورة و القنوت في المورد الثاني، و لا بأس بذلك بعد أن كان سهواً، و قد عرفت عدم اعتبار قصد خصوصية الركعة بعنوانها، و إنّما الواجب هو ذاتها و قد أتى بها على وجه شرعي غايته أنّه اشتبه في التطبيق فتخيّل أنّها الثالثة فبانت ثانية فكان من تخلّف الداعي و الخطأ في التطبيق و لا ضير فيه.

(1) لما عرفت من أنّ الواجب إنّما هو الإتيان بذات السجدتين من غير مدخل لوصف الأوّلية و الثانوية.

351
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في الموالاة ؛ ج 15، ص : 352

[فصل في الموالاة]

فصل في الموالاة قد عرفت سابقاً (1) وجوب الموالاة في كل من القراءة و التكبير و التسبيح و الأذكار، بالنسبة إلى الآيات و الكلمات و الحروف (2) و أنّه لو تركها عمداً على وجه يوجب محو الاسم بطلت الصلاة، بخلاف ما إذا كان سهواً فإنّه لا تبطل الصلاة و إن بطلت تلك الآية أو الكلمة فيجب إعادتها، نعم إذا أوجب فوات الموالاة فيها محو اسم الصلاة بطلت، و كذا إذا كان ذلك في تكبيرة الإحرام فإنّ فوات الموالاة فيها سهواً بمنزلة نسيانها، و كذا في السلام فإنّه بمنزلة عدم الإتيان به، فاذا تذكّر ذلك و مع ذلك أتى بالمنافي بطلت صلاته، بخلاف ما إذا أتى به قبل التذكر فإنّه كالإتيان به بعد نسيانه.

______________________________
(1) في المسألة السادسة و الثلاثين من مسائل فصل القراءة.

(2) لأنّ لهيئات هذه الأذكار من التكبير و التسبيح و القراءة و نحوها وحدةً عرفية يستوجب الفصل الفاحش بين أجزائها سلب عناوينها عنها و عدم تحقّقها خارجاً، فلا يصدق التكبير على الحروف المتقطعة الفاقدة للموالاة، و لا قراءة الآية و لا السورة على الكلمات المنفصلة، أو مع تباعد الآيات. و منه تعرف أنّ الموالاة المعتبرة بين حروف الكلمة الواحدة أضيق دائرة منها بين كلمات الآيات كما أنّها بينها أضيق دائرة منها بين نفس الآيات.

كما تعرف أيضاً أنّ مستند الحكم هو عدم صدق اسم العناوين المأمور بها على الفاقد للموالاة و عدم كونه مصداقاً لها عرفاً من غير حاجة إلى التماس دليل آخر.

352
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في الموالاة ؛ ج 15، ص : 352

..........

______________________________
و نتيجة ذلك: بطلان الصلاة إذا أخلّ بالموالاة المزبورة عامداً، إذ بعد عدم صدق اسم الذكر و لا القرآن و لا الدُّعاء على الفاقد لها فلا جرم يكون مصداقاً للزيادة العمدية المستوجبة للبطلان.

بخلاف ما إذا كان ساهياً فإنّه لا يوجب إلّا بطلان نفس الكلمة أو الآية دون الصلاة نفسها، لعدم قدح الزيادة السهوية ما لم يبلغ الإخلال المزبور حدّا يستوجب محو اسم الصلاة و حينئذ فان كان المحل باقياً تداركها، و إلّا فلا شي‌ء عليه.

نعم، يستثني من ذلك موردان:

أحدهما: تكبيرة الإحرام، فإن مرجع الإخلال بالموالاة فيها سهواً إلى نسيانها رأساً المحكوم بلزوم الاستئناف و إعادة الصلاة.

ثانيهما: السلام، فإنّ الإخلال بها فيه سهواً لما أوجب سقوط الكلمة و عدم صدق اسم التسليمة، فيفصّل حينئذ بين ما إذا تذكّر قبل ارتكاب المنافي و ما إذا تذكّر بعده.

ففي الصورة الأُولى، وجب عليه التدارك، و إذا لم يتدارك و أتى بالمنافي بطلت صلاته، لوقوعه في أثنائها بعد أن كانت التسليمة المأتي بها في حكم العدم.

بخلاف الصورة الثانية، فإنّ الصلاة حينئذ محكومة بالصحّة، إذ هو في مفروض المسألة كناسي التسليمة و قد تقدّم «1» أنّ صدور المنافي من الناسي لا يقدح في الصحّة، إذ لا خلل في الصلاة حينئذ إلّا من ناحية التسليمة المتعذِّر تداركها و هي مشمولة لحديث لا تعاد.

______________________________
(1) في ص 319.

353
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 1: تطويل الركوع أو السجود أو إكثار الأذكار أو قراءة السور الطوال ؛ ج 15، ص : 354

و كما تجب الموالاة في المذكورات تجب في أفعال الصلاة، بمعنى عدم الفصل بينها على وجه يوجب محو صورة الصلاة (1) سواء كان عمداً أو سهواً مع حصول المحو المذكور، بخلاف ما إذا لم يحصل المحو المذكور فإنّه لا يوجب البطلان.

[مسألة 1: تطويل الركوع أو السجود أو إكثار الأذكار أو قراءة السور الطوال]

[1669] مسألة 1: تطويل الركوع أو السجود أو إكثار الأذكار أو قراءة السور الطوال لا يعد من المحو (2) فلا إشكال فيها.

______________________________
(1) لما هو المرتكز في أذهان المتشرّعة خلفاً عن سلف من أنّ مجموع الصلاة عمل وحداني و مركب ارتباطي ذات هيئة اتِّصالية مقوّمة لمفهومها بمثابة تفوت بفواتها، و يستوجب الفصل الطويل الماحي للصورة انثلام الوحدة و انتفاء صدق الاسم عليها.

إذن فكما تعتبر الموالاة في نفس الأجزاء كما مرّ تعتبر بينها أيضاً بعضها مع بعض. و بتعبير آخر: كما أنّها تعتبر في الأقوال تعتبر في الأفعال أيضاً بمناط واحد، غاية الأمر أنّ الاعتبار في الأوّل مستند إلى رعاية الصدق العرفي، و في الثاني إلى الصدق الشرعي و ارتكاز المتشرِّعة حسبما عرفت.

نعم، يفترقان في أنّ الإخلال بها في الأوّل لا يستدعي إلّا بطلان الجزء نفسه فيتدارك على تفصيل بين العمد و السهو قد تقدّم.

و أمّا في الثاني، فيوجب بطلان الصلاة رأساً عمداً كان أو سهواً، إذ بعد انثلام الهيئة الاتِّصالية الماحي للصورة و المزيل للماهية لم يكن ثمة أيّ سبيل إلى التصحيح كما هو واضح.

(2) لعدم كونه من الفصل بالأجنبي، و إنّما هو إطالة للصلاة نفسها بعد أن‌

354
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: الأحوط مراعاة الموالاة العرفية بمعنى متابعة الأفعال بلا فصل ؛ ج 15، ص : 355

[مسألة 2: الأحوط مراعاة الموالاة العرفية بمعنى متابعة الأفعال بلا فصل]

[1670] مسألة 2: الأحوط مراعاة الموالاة العرفية بمعنى متابعة الأفعال بلا فصل و إن لم يمح معه صورة الصلاة، و إن كان الأقوى عدم وجوبها (1) و كذا في القراءة و الأذكار.

[مسألة 3: لو نذر الموالاة بالمعنى المذكور فالظاهر انعقاد نذره لرجحانها]

[1671] مسألة 3: لو نذر الموالاة بالمعنى المذكور فالظاهر انعقاد نذره لرجحانها و لو من باب الاحتياط [1] فلو خالف عمداً عصى لكن الأظهر عدم بطلان صلاته (2).

______________________________
كان ذلك كلّه معدوداً منها
«1» بمقتضى ما ورد في صحيحة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) من أنّه: «كل ما ذكرت اللّٰه (عزّ و جلّ) به و النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) فهو من الصلاة» «2».

(1) إذ الدليل على اعتبار الموالاة بين الأجزاء هو ما تقدّم من الارتكاز في أذهان المتشرِّعة، و لا ريب أنّ المرتكز لديهم أوسع دائرة من الموالاة العرفية أي التتابع المعبّر عنه بالفارسية ب‍ (پي در پي) فانّ القادح إنّما هو الفصل الطويل الماحي للصورة و المزيل للهيئة الاتِّصالية كما تقدّم فيعتبر عدمه، و أمّا اعتبار الاتِّصال زائداً على ذلك لتتحقّق معه الموالاة العرفية أيضاً فلا دليل عليه، و مع الشك فالمرجع أصالة البراءة، و إن كان ذلك أحوط حذراً عن شبهة الخلاف.

(2) لا ينبغي التأمّل في انعقاد هذا النذر لرجحان متعلّقه بعد أن كان محتمل‌

______________________________
[1] هذا فيما إذا تعلّق النذر بعنوان الاحتياط، و إلّا فانعقاده فيما إذا تعلّق بالخصوصية محلّ نظر بل منع.

______________________________
(1) فما عن صاحب الجواهر (قدس سره) ج 12 ص 208 من المناقشة في ذلك بدعوى كون الإطالة المزبورة مغيّرة للهيئة المعهودة غير واضح.

(2) الوسائل 6: 327/ أبواب الركوع ب 20 ح 4.

355
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 3: لو نذر الموالاة بالمعنى المذكور فالظاهر انعقاد نذره لرجحانها ؛ ج 15، ص : 355

..........

______________________________
الوجوب و مورداً للاحتياط حسبما سبق، فتركه عمداً حنث للنذر و موجب للكفارة. نعم، انعقاده من دون رعاية عنوان الاحتياط ممنوع كما لا يخفى.

و إنّما الكلام في صحّة الصلاة الفاقدة للموالاة المنذورة، و الأظهر هو الصحّة. و قد تقدّم نظير المقام في من نذر أن يصلِّي في مكان راجح كالمسجد فخالف و صلّى في غيره، فإنّ الصلاة حينئذ محكومة بالصحّة و إن كان آثماً في مخالفة النذر.

و الوجه في ذلك: أنّ الصلاة الفاقدة للموالاة و الواجدة ضدّان لهما ثالث و تعلّق الأمر بالثانية من ناحية النذر لا يستوجب النهي عن الاولى، لوضوح أنّ الأمر بالشي‌ء لا يقتضي النهي عن ضدّه، إذن لا مانع من تصحيح الاولى بالخطاب الترتبي بعد البناء على إمكانه و وقوعه، بل كفاية تصوّره في تصديقه حسبما فصّلنا البحث حوله في الأُصول «1»، هذا.

و قد يقال: إنّ التصدِّي للصلاة الفاقدة تصرف في موضوع النذر و إعدام له و بما أنّ النذر يستدعي حفظ الموضوع و إبقاءه فلا جرم كان الاعدام المزبور المنطبق على فعل الصلاة محرّماً فتبطل، نظير ما لو نذر أن يتصدّق بشاة معيّنة على زيد فتصدّق بها على عمرو.

و يندفع أوّلًا: بأنّ إعدام الموضوع لو تمّ فإنّما يتم فيما إذا كان المنذور أمراً شخصياً كالشاة في المثال المزبور، أمّا في المقام فالواجب طبيعي الصلاة و لها حصّتان: الواجدة للموالاة و الفاقدة، و من البيِّن أنّ الإتيان بالثانية لم يكن إعداماً للأُولى، غايته أنّهما متقارنان خارجاً، لا أنّ وجود هذه علّة لترك الأُخرى، فهو نظير الاشتغال بالصلاة مع وجوب الإزالة عليه.

______________________________
(1) راجع محاضرات في أُصول الفقه 3: 102 و ما بعدها.

356
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 3: لو نذر الموالاة بالمعنى المذكور فالظاهر انعقاد نذره لرجحانها ؛ ج 15، ص : 355

..........

______________________________
و ثانياً: أنّ الأعدام لم يتحقق حتّى في المقيس عليه فنلتزم بصحّة التصدّق لعمرو في المثال المزبور أيضاً، فإنّ الشاة و إن كانت شخصية إلّا أنّ التصدّق كلِّي و له حصّتان: الإعطاء لزيد و الإعطاء لغيره، و الأمر بالأوّل لمكان النذر لا يستوجب النهي عن الثاني، لما عرفت من أنّ الأمر بالشي‌ء لا يقتضي النهي عن ضدّه. إذن فمع عصيان الأوّل لا مانع من تصحيح الثاني بالخطاب الترتبي بعد أن لم تكن إحدى الحصّتين علّة لترك الأُخرى، بل مجرّد الاقتران في الوجود كما هو الشأن في كل ضدّين لهما ثالث حسبما عرفت.

357
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في القنوت ؛ ج 15، ص : 358

[فصل في القنوت]

فصل في القنوت و هو مستحب (1) في جميع الفرائض اليومية و نوافلها

______________________________
(1) على المشهور بل إجماعاً كما عن غير واحد. و عن الصدوق القول بالوجوب مطلقاً
«1»، و عن ابن أبي عقيل كما في الذكرى «2» اختصاصه بالجهرية و إن نسب إليه الوجوب مطلقاً أيضاً كالصدوق «3».

و عن البهائي في الحبل المتين «4» الميل إليه حيث إنّه قال بعد ما نسب الوجوب إلى من عرفت: أنّ ما قال به ذانك الشيخان الجليلان غير بعيد عن جادة الصواب، بل في الحدائق «5» بعد حكاية الميل إلى الوجوب عن الشيخ سليمان بن عبد اللّٰه البحراني ذكر أنّه صنّف رسالة في ذلك و إن لم يعثر عليها.

و عن التذكرة «6» حمل الوجوب المنسوب إلى بعض الأصحاب على إرادة التأكّد و شدّة الاستحباب.

و كيف ما كان، فمنشأ الخلاف اختلاف ظواهر الأخبار، و المتبع هو الدليل و يستدل للوجوب بوجوه:

______________________________
(1) الفقيه 1: 207.

(2) الذكرى 3: 281.

(3) حكاه عنه في المعتبر 2: 243.

(4) الحبل المتين: 237.

(5) الحدائق 8: 353.

(6) التذكرة 3: 260.

358
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في القنوت ؛ ج 15، ص : 358

..........

______________________________
أحدها: قوله تعالى وَ قُومُوا لِلّٰهِ قٰانِتِينَ «1» بناءً على أن يكون المراد من القيام للّٰه هو الصلاة، و من القنوت القنوت المصطلح.

و كلاهما كما ترى، بل الظاهر أنّ المراد من القيام له سبحانه الاستعداد لإطاعته و التصدِّي لامتثال أوامره، كما أنّ المراد من القنوت السكون و الخضوع و الخشوع كما فسّرت الآية الشريفة بذلك في بعض النصوص «2». و أمّا القنوت المصطلح أعني رفع اليدين في موضع خاص من الصلاة فهو اصطلاح متأخِّر لا ينبغي حمل الآية عليه.

و ممّا يؤكِّده أنّه لو أُريد ذلك لزم القول بوجوب القنوت في جميع حالات الصلاة، لعدم التقييد في الآية المباركة بحالة خاصّة فإن «قٰانِتِينَ» حال للقيام أي قُومُوا لِلّٰهِ حال كونكم قٰانِتِينَ، و هو كما ترى.

إذن فلا مناص من أن يراد بها ما يكون القيام قانتاً ظاهراً فيه و هو ما عرفت من المثول بين يدي الرب لإطاعته مع سكون و خضوع كقيام العبد بين يدي مولاه، و لا ارتباط لها بالقنوت المبحوث عنه في المقام بوجه.

نعم، في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: قال حٰافِظُوا عَلَى الصَّلَوٰاتِ وَ الصَّلٰاةِ الْوُسْطىٰ و هي صلاة الظهر، و هي أوّل صلاة صلّاها رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) و هي وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة و صلاة العصر وَ قُومُوا لِلّٰهِ قٰانِتِينَ قال: و أُنزلت هذه الآية يوم الجمعة و رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) في سفره فقنت فيها و تركها على حالها في السفر و في الحضر ...» الحديث «3».

______________________________
(1) البقرة 2: 238.

(2) تفسير نور الثقلين 1: 237.

(3) الوسائل 4: 10/ أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 2 ح 1.

359
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في القنوت ؛ ج 15، ص : 358

..........

______________________________
فربّما يقال: إنّ الصحيحة تضمنت تفسير القنوت المذكور في الآية، و أنّ المراد به هو القنوت المصطلح حيث إنّه (صلّى اللّٰه عليه و آله) قنت في صلاته بعد نزولها.

و فيه: أنّ ورودها في مقام التفسير غير واضح، إذ لم يؤمر في الآية الشريفة بالقنوت في الصلاة ليكون عمله (صلّى اللّٰه عليه و آله) تفسيراً لها، و لعلّه من باب التطبيق، حيث إنّ القنوت في الصلاة من أحد مصاديق كلي الدُّعاء و الخشوع له سبحانه، فيكون فعله (صلّى اللّٰه عليه و آله) الصادر منه امتثالًا للآية الشريفة حكمة لتشريع القنوت المصطلح فأصبح سنّة متبعة.

ثانيها: صحيحة زرارة «أنّه سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن الفرض في الصلاة فقال: الوقت و الطهور و القبلة و التوجّه و الركوع و السجود و الدُّعاء قلت: ما سوى ذلك؟ قال: سنّة في فريضة» «1» و قد رواها الشيخ و الكليني «2» بسند صحيح و أسندها في الحدائق «3» إلى الصدوق في الفقيه، و لعلّه سهو من قلمه الشريف حيث لم نعثر عليها فيه كما نبّه عليه المعلِّق.

نعم، رواها في الخصال «4» بإسناده عن الأعمش عن الصادق (عليه السلام) مع اختلاف يسير و سند غير صحيح، و قد أشار إلى صدرها في الوسائل باب 1 من أبواب القنوت حديث 6.

و كيف ما كان، فقد دلّت الصحيحة على وجوب الدُّعاء في الصلاة، و حيث إنّ من المقطوع به عدم وجوبه في غير حال القنوت فلا جرم يراد به ذلك.

______________________________
(1) الوسائل 6: 264/ أبواب القنوت ب 1 ح 13.

(2) التهذيب 2: 241/ 955، الكافي 3: 272/ 5.

(3) الحدائق 8: 358.

(4) الخصال: 604، الوسائل 6: 262/ أبواب القنوت ب 1 ح 6.

360
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في القنوت ؛ ج 15، ص : 358

..........

______________________________
و قد أجاب عنه المحقِّق الهمداني (قدس سره) «1» تبعاً لصاحب الحدائق بما هو في غاية الجودة: و هو أنّه إن أُريد من الدُّعاء معناه المصطلح المقابل للذكر من التكبير و التسبيح و نحوهما، أعني طلب حاجة دنيوية أو أُخروية، فلا ريب في عدم وجوبه في القنوت، لجواز الاقتصار على مجرد التسبيح كما نطقت به جملة من النصوص.

و إن أُريد به معناه العام الشامل لمطلق الذكر، فهو صادق على ذكرى الركوع و السجود و على القراءة و التشهّد، فلا دليل على أن يكون المراد خصوص ما يقع في حال القنوت. مع أنّ الدعاء بالمعنى الأوّل منطبق على الصلاة على محمّد و آله، الواقعة بعد التشهّد، فإنّها أيضاً نوع من طلب الحاجة و لا إشكال في وجوبها.

ثالثها: النصوص الآمرة بالقنوت في جميع الصلوات:

كصحيحة عبد الرّحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن القنوت، فقال: في كل صلاة فريضة و نافلة» «2».

و صحيحة «3» محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه «قال: القنوت في كل ركعتين في التطوّع و الفريضة» «4».

و ما رواه الصدوق في العيون عن الفضل بن شاذان عن الرِّضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون «قال: و القنوت سنّة واجبة في الغداة و الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة» «5».

______________________________
(1) مصباح الفقيه (الصلاة): 388 السطر 5.

(2) الوسائل 6: 263/ أبواب القنوت ب 1 ح 8.

(3) [و لكن طريق الصدوق إلى محمّد بن مسلم ضعيف].

(4) الوسائل 6: 261/ أبواب القنوت ب 1 ح 2.

(5) الوسائل 6: 262/ أبواب القنوت ب 1 ح 4، عيون أخبار الرِّضا (عليه السلام) 2: 123.

361
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في القنوت ؛ ج 15، ص : 358

..........

______________________________
و ما رواه في الخصال عن الأعمش عن جعفر بن محمّد في حديث شرائع الدين «قال: و القنوت في جميع الصلوات سنّة واجبة في الركعة الثانية قبل الركوع و بعد القراءة»
«1».

و يندفع: بأنّ الصحيحتين ناظرتان إلى المشروعية التي كثر السؤال عنها في لسان الأخبار لا إلى الوجوب كما يفصح عنه عطف النافلة على الفريضة في إحداهما، و عطف التطوّع عليها في الأُخرى، فإن من الضروري أنّ القنوت على القول بوجوبه فهو خاص بالفرائض و لا يعم النوافل.

و أمّا روايتا العيون و الخصال فدلالتهما و إن كانت تامّة لكن السند ضعيف كما لا يخفى، فلا يمكن التعويل عليهما.

رابعها: النصوص الآمرة بالقنوت في خصوص الصلوات الجهرية، و هي روايتان هما المستند لابن أبي عقيل القائل بالتفصيل بين الجهرية و غيرها.

إحداهما: موثقة سماعة قال: «سألته عن القنوت في أيّ صلاة هو؟ فقال: كل شي‌ء يجهر فيه بالقراءة فيه قنوت» «2».

ثانيتهما: معتبرة وهب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: القنوت في الجمعة و العشاء و العتمة و الوتر و الغداة، فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له» «3».

و الظاهر أنّ المراد من وهب هذا هو وهب بن عبد ربّه كما صرّح به في الكافي ج 3 ص 339 عند نقله لذيل هذه الرواية و هو موثق.

كما أنّ المراد من العشاء هو المغرب، و من العتمة العشاء، فإنّه قد يعبّر عن صلاة المغرب بالعشاء، و من ثمّ يعبّر عن العشاء بالعشاء الآخرة.

و يندفع أوّلًا: بعدم كونهما ناظرتين إلى الوجوب، بل إلى أصل المشروعية‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 262/ أبواب القنوت ب 1 ح 6، الخصال: 604.

(2) الوسائل 6: 264/ أبواب القنوت ب 2 ح 1، 2.

(3) الوسائل 6: 264/ أبواب القنوت ب 2 ح 1، 2.

362
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في القنوت ؛ ج 15، ص : 358

..........

______________________________
التي كثر السؤال عنها في الأخبار لاختلاف الأنظار، بل ذهاب عامّة المخالفين إلى الإنكار، فإن أبا حنيفة قال: لا يقنت في شي‌ء من الصلوات إلّا الوتر. و قال مالك و الشافعي: لا يقنت في شي‌ء من الصلوات المفروضة إلّا الصبح خاصّة
«1».

و يرشدك إلى ذلك قوله (عليه السلام) في ذيل المعتبرة: «فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له» إذ ليت شعري لو كان النظر معطوفاً إلى الوجوب فما هو الوجه في تخصيص الترك بالرغبة، ضرورة أنّ مطلق ترك الجزء موجب للبطلان سواء أ كان رغبة عنه أم لا. فالتقييد المزبور خير دليل على أنّ القنوت في نفسه مستحب و سنّة، و الّذي يقدح إنّما هو الإعراض عن هذه السنّة و الرغبة عنها لا مجرد الترك.

و ثانياً: بمعارضتها لروايتين: إحداهما: صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرِّضا (عليه السلام) قال: «سألته عن القنوت هل يقنت في الصلوات كلّها أم فيما يجهر فيه بالقراءة؟ قال: ليس القنوت إلّا في الغداة و الجمعة و الوتر و المغرب» «2».

ثانيتهما: موثقة يونس بن يعقوب قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن القنوت في أيّ الصلوات أقنت؟ فقال: لا تقنت إلّا في الفجر» «3». حيث لم تذكر العشاء في الاولى مع أنّها أيضاً جهرية و لم يذكر من الجهرية في الثانية إلّا خصوص الفجر.

و ثالثاً: بلزوم حملها على التقيّة بشهادة جملة من النصوص.

منها: موثقة أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن القنوت فقال: فيما يجهر فيه بالقراءة، قال: فقلت له: إنِّي سألت أباك عن ذلك، فقال: في‌

______________________________
(1) المبسوط للسرخسي 1: 165، المغني 1: 823، المجموع 3: 494، 504.

(2) الوسائل 6: 265/ أبواب القنوت ب 2 ح 6، 7.

(3) الوسائل 6: 265/ أبواب القنوت ب 2 ح 6، 7.

363
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في القنوت ؛ ج 15، ص : 358

..........

______________________________
الخمس كلّها، فقال: رحم اللّٰه أبي إنّ أصحاب أبي أتوه فسألوه فأخبرهم بالحق ثمّ أتوني شكّاكاً فأفتيتهم بالتقيّة»
«1».

فإنّها صريحة في أنّ الحكم الواقعي هو ثبوت القنوت في جميع الفرائض و أنّ التخصيص بالجهرية مبني على التقيّة.

و منها: موثقة محمّد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن القنوت في الصلوات الخمس، فقال: اقنت فيهنّ جميعاً. قال: و سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) بعد ذلك عن القنوت، فقال لي: أمّا ما جهرت به فلا تشك (شك)» «2».

و منها: موثقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: القنوت في كل الصلوات «3» قال محمّد بن مسلم فذكرت ذلك لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) فقال: أمّا ما لا يشك فيه فما جهر فيه بالقراءة» «4» فانّ التعبير بنفي الشك لا يناسب إلّا التقيّة كما لا يخفى.

خامسها: و هو العمدة موثقة عمار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إن نسي الرجل القنوت في شي‌ء من الصلاة حتّى يركع فقد جازت صلاته و ليس عليه شي‌ء، و ليس له أن يدعه متعمداً» «5».

فإنّ النهي عن الترك عامداً ظاهر في الوجوب، فهي واضحة الدلالة على وجوب القنوت في جميع الصلوات كما أنّها تامّة السند.

إلّا أنّه لم يكن بدّ من رفع اليد عن هذا الظهور، و كذا ظهور سائر الأخبار المتقدِّمة لو سلّم ظهورها في الوجوب لقرائن عديدة تشهد بذلك و تستوجب‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 263/ أبواب القنوت ب 1 ح 10.

(2) الوسائل 6: 262/ أبواب القنوت ب 1 ح 7.

(3) الوسائل 6: 265/ أبواب القنوت ب 2 ح 4، 5.

(4) الوسائل 6: 265/ أبواب القنوت ب 2 ح 4، 5.

(5) الوسائل 6: 286/ أبواب القنوت ب 15 ح 3.

364
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في القنوت ؛ ج 15، ص : 358

..........

______________________________
الحمل على الاستحباب.

الأُولى: صحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرِّضا (عليه السلام) «قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) في القنوت: إن شئت فاقنت و إن شئت فلا تقنت، قال أبو الحسن (عليه السلام): و إذا كانت التقيّة فلا تقنت و أنا أتقلد هذا» «1».

و رواها الشيخ بسند آخر عن البزنطي عنه (عليه السلام) إلّا أنّه قال: «القنوت في الفجر» «2».

و الظاهر تعدّد الرواية و تكرّر الواقعة لاختلاف المتن و السند و إن اتّحد الجواب فسأله تارة عن القنوت في مطلق الصلوات، و أُخرى في خصوص صلاة الفجر و لعلّه لذهاب جماعة من العامّة «3» إلى مشروعيّته فيها فأجاب (عليه السلام) في الموردين بعدم الوجوب و التعليق على المشيئة ما لم يكن مورداً للتقيّة و لو لحضور من لا يقول بالمشروعية في الفجر من العامّة.

و كيف ما كان، فسواء اتّحدت الرواية أم تعدّدت فهي صريحة في عدم الوجوب إمّا مطلقاً أو في خصوص صلاة الفجر المستلزم لعدم الوجوب في غيرها بطريق أولى، بداهة أنّ القنوت فيها أهم، و من ثمّ ورد الأمر فيها بالخصوص في غير واحد من النصوص، فاذا لم يكن فيها للوجوب ففي غيرها بالأولوية.

و من الواضح الجلي عدم السبيل إلى حملها على التقية، لصراحتها في التخيير و نفي الوجوب في غير مورد التقية، فبهذه القرينة القاطعة يرفع اليد عمّا كان ظاهراً في الوجوب و يحمل على الاستحباب.

______________________________
(1) الوسائل 6: 269/ أبواب القنوت ب 4 ح 1.

(2) التهذيب 2: 161/ 634.

(3) حلية العلماء 2: 134، المبسوط للسرخسي 1: 165، الفقه على المذاهب الأربعة 1: 269.

365
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في القنوت ؛ ج 15، ص : 358

..........

______________________________
الثانية: رواية عبد الملك بن عمرو قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن القنوت قبل الركوع أو بعده؟ قال: لا قبله و لا بعده» «1».

و نحوها روايته الأُخرى قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قنوت الجمعة في الركعة الأُولى قبل الركوع، و في الثانية بعد الركوع؟ فقال لي: لا قبل و لا بعد» «2». فقد استدلّ بهما غير واحد على عدم الوجوب بتقريب أنّ السؤال لم يكن عن المشروعية، كيف و هي واضحة جليّة في الجمعة و في غيرها، بل عن الوجوب و قد تضمنتا صريحاً نفيه على سبيل الإطلاق.

و يندفع: مضافاً إلى ضعف السند فان عبد الملك لم يوثق بقصور الدلالة إذ السؤال لم يكن لا عن الوجوب و لا عن المشروعية، بل عن محل القنوت و أنّه قبل الركوع أو بعده، فالاجابة عنه بالنفي المطلق بعد وضوح ثبوت المشروعية و لو في الجملة نصّاً و فتوى، محمولة على التقيّة لا محالة، فلا يمكن الاستدلال بهما.

الثالثة: معتبرة وهب بن عبد ربّه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: من ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له» «3».

و لا يقدح اشتمال السند على محمّد بن عيسى بن عبيد فإنّه ثقة على الأقوى و نحوها معتبرته الأُخرى المتقدِّمة «4» فان في تقييد الترك الممنوع عنه بالرغبة دلالة واضحة على أنّ ترك القنوت في نفسه لا ضير فيه، و إنّما الضير في إسناد هذا الترك إلى الإعراض و الرغبة عنه كما عليه المخالفون البانون على عدم‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 269/ أبواب القنوت ب 4 ح 2.

(2) الوسائل 6: 272/ أبواب القنوت ب 5 ح 9.

(3) الوسائل 6: 263/ أبواب القنوت ب 1 ح 11.

(4) الوسائل 6: 265/ أبواب القنوت ب 2 ح 2.

366
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في القنوت ؛ ج 15، ص : 358

..........

______________________________
المشروعية، و هذا كما ترى من شؤون الاستحباب، ضرورة أنّ الجزء الوجوبي لا سبيل لتركه سواء أ كان مقروناً بالرغبة أم لا كما تقدّم.

الرابعة: كثرة الأسئلة عن القنوت الصادرة من أكابر الرواة و أعاظم أصحاب الأئمّة كزرارة و محمّد بن مسلم و صفوان و أضرابهم من الأعيان و الأجلّاء، فان نفس هذه الأسئلة المتكاثرة خير دليل بل أقوى شاهد على عدم الوجوب، بداهة أنّه لو كان واجباً لكان أمراً جليّا و واضحاً بعد شدّة الابتلاء به و أقله في كل يوم خمس مرّات، فكيف يحتمل خفاء مثله عن مثلهم. و هل هذا إلّا كالسؤال عن وجوب الركوع أو السجود.

و يرشدك إلى ذلك: ما في صحيحة صفوان الجمال قال: «صلّيت خلف أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) أيّاماً فكان يقنت في كل صلاة يجهر فيها و لا يجهر» «1» فانّ القنوت لو كان واجباً لم يكن أيّ وجه للتعرّض إليه و تخصيصه بالذكر من بين سائر الأجزاء، فإنّه نظير أن يقول صلّيت خلف أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) أيّاماً فكان يركع في كل صلاة الّذي فيه من البشاعة ما لا يخفى.

إذن فيكشف التعبير المزبور كشفاً باتاً عن استحباب القنوت في نفسه، و أنّه (عليه السلام) كان مهتماً بهذا الأمر المندوب و مواظباً عليه.

الخامسة: اختلاف أجوبتهم (عليهم السلام) عن تلك الأسئلة، فتارة: نفوا القنوت قبل الركوع و بعده، و أُخرى: أمروا به في خصوص الفجر، و ثالثة: بضميمة الجمعة و العشاء و العتمة و الوتر، و رابعة: في خصوص الصلوات الجهرية، و خامسة: في كل فريضة أو نافلة، فإن خير محمل لهذا الاختلاف هو كشفه عن ابتناء الحكم على الاستحباب مع نوع من التقيّة و اختلاف في مراتب الفضيلة.

______________________________
(1) الوسائل 6: 261/ أبواب القنوت ب 1 ح 3.

367
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في القنوت ؛ ج 15، ص : 358

..........

______________________________
توضيح المقام: أنّه لا ريب في استقرار بناء المخالفين على ترك هذه السنّة عملًا و التجنّب عنها خارجاً، و إن أذعن بعضهم بها إجمالًا و اعترف بشرعيتها في صلاة الفجر كما يظهر ذلك من صحيحة البزنطي المتقدِّمة «1». إذن فالنصوص المانعة على اختلاف ألسنتها محمولة على التقيّة، لا بمعنى الاتقاء من الرواة و السائلين، كيف و جلّهم لولا كلّهم من أصحابهم و خواصّهم، بل حملة أسرارهم نظراء زرارة و محمّد بن مسلم و أضرابهما، بل حفاظاً عليهم و حماية للحمى و صيانة لهم، مخافة الوقوع في مخالفة التقيّة و لو أحياناً و من حيث لا يشعرون. و من ثمّ كانوا (عليهم السلام) يقتصرون على بيان ما هو الأهم و الأفضل، فنهى في صحيحة يونس بن يعقوب المتقدِّمة «2» عن القنوت إلّا في الفجر، لكونه في صلاة الفجر أهم، و خصّت هي و صلاة المغرب بالذكر في صحيحة الأشعري المتقدِّمة «3» لكونه فيهما أفضل من سائر الصلوات الخمس، و ورد الأمر به في الصلوات الجهرية خاصّة لكونه فيها أفضل من غيرها.

و هذا كما ترى أقوى شاهد على أنّ القنوت في حدّ نفسه لم يكن واجباً و إلّا لأمروا به بقول مطلق إلّا في مواضع التقيّة كغيره من الواجبات المنافية لها كالمسح على الخفين و الوضوء منكوساً و نحوهما. و هذا بخلاف ما لو كان مستحبّاً فإنّه قد يحسن ترك هذا المستحب حذراً عن الوقوع و لو أحياناً في ورطة التقيّة.

و عليه فالجمع بين شتات الأخبار يستدعي الحمل على اختلاف مراتب الاستحباب الموجب للاهتمام بمراعاة التقيّة تارة و عدمه اخرى حسبما عرفت.

فاتّضح من جميع ما تقدّم: أنّ الأقوى ما عليه المشهور من استحباب القنوت في عامّة الصلوات، و إن كان الاستحباب في بعضها آكد منه في البعض الآخر.

______________________________
(1) في ص 365.

(2) في ص 363.

(3) في ص 363.

368
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في القنوت ؛ ج 15، ص : 358

بل جميع النوافل (1) حتّى صلاة الشفع على الأقوى (2)، و يتأكّد في الجهرية من الفرائض (3)، خصوصاً في الصبح و الوتر، و الجمعة (4) بل الأحوط عدم تركه في الجهرية بل في مطلق الفرائض،

______________________________
(1) إجماعاً كما عن غير واحد، و تشهد له صحيحة عبد الرّحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن القنوت، فقال: في كل صلاة فريضة و نافلة»
«1»، و موثقة محمّد بن مسلم «2» عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: القنوت في كل ركعتين في التطوّع أو الفريضة» «3» و غيرهما.

(2) مرّ التعرّض لذلك مستوفى في المسألة الاولى من فصل أعداد الفرائض و نوافلها «4».

(3) للأمر بها بالخصوص في بعض النصوص المحمولة على تأكّد الاستحباب كما تقدّم «5».

(4) لتخصيصها بالذكر في صحيحة سعد الأشعري المتقدِّمة «6»، لكن ينبغي إضافة المغرب لورودها فيها أيضاً، و لم يعرف وجه لإهمال الماتن لها.

______________________________
(1) الوسائل 6: 263/ أبواب القنوت ب 1 ح 8.

(2) و أما روايته الأُخرى «القنوت في كل صلاة في الفريضة و التطوّع» في باب 1 من أبواب القنوت حديث 12، فهي ضعيفة السند بطريقيها كما لا يخفى. فتوصيفها بالصحيحة كما عن بعضهم في غير محله. على أنّ الموجود في الفقيه [1: 207/ 934] مغاير لهذا المتن و إن كان ظاهر عبارة الوسائل هو الاتِّحاد.

(3) الوسائل 6: 265/ أبواب القنوت ب 2 ح 3.

(4) شرح العروة 11: 68.

(5) في ص 362.

(6) في ص 363.

369
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في القنوت ؛ ج 15، ص : 358

و القول بوجوبه في الفرائض أو في خصوص الجهرية منها ضعيف (1). و هو في كل صلاة مرّة قبل الركوع من الركعة الثانية (2)

______________________________
(1) كما تقدّم
«1».

(2) بعد القراءة على المشهور بل إجماعاً كما عن غير واحد، للنصوص المستفيضة كصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع» «2».

و موثقة سماعة قال: «سألته عن القنوت في أيّ صلاة هو؟ فقال: كل شي‌ء يجهر فيه بالقراءة فيه قنوت، و القنوت قبل الركوع و بعد القراءة» «3».

و صحيحة يعقوب بن يقطين قال: «سألت عبداً صالحاً (عليه السلام) عن القنوت في الوتر و الفجر و ما يجهر فيه قبل الركوع أو بعده؟ قال: قبل الركوع حين تفرغ من قراءتك» «4».

و هذا ممّا لا شبهة فيه، كما لا شبهة في جواز إتيانه بعد الركوع لو نسيه قبله كما سيجي‌ء.

و إنّما الكلام في جواز تأخيره اختياراً بحيث يكون مخيّراً بين الإتيان به قبل الركوع أو بعده.

ظاهر المحقِّق في المعتبر «5» ذلك، و إن كان التقديم أفضل، و استحسنه الشهيد‌

______________________________
(1) في ص 362.

(2) الوسائل 6: 266/ أبواب القنوت ب 3 ح 1.

(3) الوسائل 6: 267/ أبواب القنوت ب 3 ح 3.

(4) الوسائل 6: 268/ أبواب القنوت ب 3 ح 5.

(5) المعتبر 2: 245.

370
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في القنوت ؛ ج 15، ص : 358

..........

______________________________
الثاني في الروضة
«1»، و مال إليه المحقِّق الهمداني «2» استناداً إلى ما رواه الشيخ بإسناده عن إسماعيل الجعفي و معمّر بن يحيى عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: القنوت قبل الركوع و إن شئت فبعده» «3» فإنّها معتبرة السند على الأظهر و إن اشتمل على القاسم بن محمّد الجوهري فإنّه من رجال كامل الزيارات، و مقتضى الجمع بينها و بين ما تقدّم هو ما عرفت من التخيير مع أفضلية التقديم.

و ما احتمله غير واحد من المتأخِّرين من وقوع التحريف من النسّاخ و أنّ «شئت» مصحف «نسيت» يبعّده أنّ النسخة التي عوّل عليها الشيخ كانت كذلك، و من ثمّ تصدّى لتوجيه الرواية تارة بحملها على حال القضاء و أُخرى على التقية. و احتمال كون تلك النسخة أيضاً مغلوطة ممّا لا ينبغي الالتفات إليه بعد كونه على خلاف الأصل، و نقله عن المصادر بالإجازة أو بالقراءة.

و على الجملة: فلا ينبغي التأمّل في سند الرواية و لا في دلالتها، غير أنّها معارضة بصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: ما أعرف قنوتاً إلّا قبل الركوع» «4».

فإنّها كالصريح في اختصاص المشروعية بما قبل الركوع، و لا ينافيها المشروعية بعد الركوع في صلاة الجمعة، إذ الظاهر أنّ النظر فيها مقصور على الصلوات المتعارفة غير الموقتة بوقت خاص، فلا تشمل مثل صلاة الجمعة كما لا يخفى.

و ما عن المحقِّق الهمداني (قدس سره) «5» في حل المعارضة من حمل قوله «ما‌

______________________________
(1) الروضة البهية 1: 284.

(2) مصباح الفقيه (الصلاة): 389 السطر 14.

(3) الوسائل 6: 267/ أبواب القنوت ب 3 ح 4، التهذيب 2: 92/ 343.

(4) الوسائل 6: 268/ أبواب القنوت ب 3 ح 6.

(5) مصباح الفقيه (الصلاة): 389 السطر 24.

371
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في القنوت ؛ ج 15، ص : 358

و قبل الركوع في صلاة الوتر (1)

______________________________
أعرف» على «ما أعمل» و أنّه جار مجرى التعبير في مقام الإخبار عمّا استقرّت عليه سيرته في مقام العمل، فإنّه كثيراً ما يقال في العرف لا أعرف إلّا هذا مريداً به لا أعمل إلّا هذا، فلا يكون كناية عن عدم المشروعية، بل عن سيرته الشخصية.

ففيه: ما لا يخفى، فانّ التفسير المزبور و إن لم يكن بعيداً بالنسبة إلى الاستعمالات الدارجة في العرف الحاضر، و أمّا في كلمات الفصحاء و لا سيّما الأحاديث الصادرة من أهل بيت الوحي (عليهم السلام) فلم يعهد عنهم مثل هذا التعبير بوجه. فالحمل المزبور بالإضافة إلى الجمل الفصيحة في غاية البعد كما لا يخفى.

و عليه فلا مناص من الإذعان باستقرار المعارضة و التصدِّي للعلاج، و حيث إنّ الصحيحة موافقة للسنّة القطعية، لما عرفت من أنّ النصوص الناطقة باختصاص المحل بما قبل الركوع بالغة حدّ الاستفاضة بحيث أصبحت معلومة الصدور، فلا جرم كان الترجيح معها و لم تنهض المعتبرة لمقاومتها.

فتحصّل: أنّ الأظهر اختصاص المحل الاختياري بما قبل الركوع، و أمّا بعده فليس هو من القنوت الموظّف و إن لم يكن به بأس من باب رجحان مطلق الدُّعاء المندوب في جميع الأحوال.

(1) ففي صحيحة معاوية بن عمار «أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن القنوت في الوتر، قال: قبل الركوع ...» إلخ «1».

فحال مفردة الوتر أو الركعة الثالثة باعتبار ملاحظتها مع ركعتي الشفع‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 288/ أبواب القنوت ب 18 ح 5.

372
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في القنوت ؛ ج 15، ص : 358

إلّا في صلاة العيدين (1) ففيها في الركعة الأُولى خمس مرّات و في الثانية أربع مرّات و إلّا في صلاة الآيات ففيها مرّتان: مرّة قبل الركوع الخامس، و مرّة قبل الركوع العاشر، بل لا يبعد استحباب خمس قنوتات فيها في كل زوج من الركوعات، و إلّا في الجمعة (2) ففيها قنوتان: في الركعة الأُولى قبل الركوع و في الثانية بعده،

______________________________
صلاة واحدة حال بقية الصلوات في أنّ محل القنوت قبل الركوع. و هذا ممّا لا شبهة فيه غير أنّ جمعاً من الأصحاب كالمحقِّق في المعتبر
«1» و العلّامة في التذكرة «2» و الشهيدين في الدروس و الروضة «3» صرّحوا بأنّ لها قنوتاً آخر بعد الركوع استناداً إلى ما روي عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) أنّه «كان إذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر قال: هذا مقام من حسناته نعمة منك ...» إلخ «4».

لكن الرواية مضافاً إلى ضعف سندها بالإرسال و بسهل بن زياد، قاصرة الدلالة على استحباب القنوت المصطلح، بل غايته إرادة مطلق الدُّعاء الّذي هو مسنون في كثير من مواضع الصلاة كالسجدة الأخيرة و ما بين السجدتين و غيرهما مع وضوح عدم إطلاق اسم القنوت عليها.

(1) سيأتي الكلام فيها و في صلاة الآيات في محلهما إن شاء اللّٰه تعالى.

(2) حيث إنّ الماتن لم يتعرّض لصلاة الجمعة مستقلا فيجدر بنا التعرّض لحكمها في المقام من حيث القنوت تبعاً للمتن فنقول:

______________________________
(1) المعتبر 2: 241.

(2) التذكرة 3: 259.

(3) الدروس 1: 170، الروضة البهية 1: 284.

(4) الكافي 3: 325/ 16، التهذيب 2: 132/ 508.

373
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في القنوت ؛ ج 15، ص : 358

..........

______________________________
لا ينبغي التأمّل في مشروعية القنوت في صلاة الجمعة في الجملة كما في سائر الصلوات للإطلاقات، مضافاً إلى النصوص الخاصّة كما ستعرف. و ما ورد من نفيه في رواية عبد الملك بن عمرو و صحيحة داود بن الحصين
«1» محمول على التقية أو نفي الوجوب كما تقدّم «2».

و إنّما الكلام في محله و عدده، و استيعاب البحث يستدعي التكلّم تارة في صلاة الجمعة منفرداً، أي صلاة الظهر الرباعية من يوم الجمعة، و أُخرى جماعة التي هي ذات ركعتين مع الخطبتين، و هنا أيضاً يبحث تارة عن حكم الإمام، و أُخرى عن وظيفة المأمومين، فالكلام يقع في جهات ثلاث:

أمّا الجهة الأُولى: فالمشهور أنّ حالها حال سائر الصلوات في أنّ فيها قنوتاً واحداً قبل الركوع من الركعة الثانية، إلّا أنّ حريزاً روى عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث «قال: و على الإمام فيها أي في الجمعة قنوتان إلى أن قال-: و من صلاها وحده فعليه قنوت واحد في الركعة الأُولى قبل الركوع» «3».

قال الصدوق في الفقيه بعد نقل الحديث ما لفظه: و تفرّد بهذه الرواية حريز عن زرارة، انتهى «4».

فالرواية باعتبار ذيلها شاذّة لم يروها غير حريز، بل لم يعلم عمله بها و إن رواها في كتابه.

و كيف ما كان، فمضافاً إلى شذوذها و عدم وضوح العامل بها، معارضة في‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 272/ أبواب القنوت ب 5 ح 9، 10.

(2) في ص 366.

(3) الوسائل 6: 271/ أبواب القنوت ب 5 ح 4.

(4) الفقيه 1: 266.

374
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في القنوت ؛ ج 15، ص : 358

..........

______________________________
موردها بنصوص دلّت على أنّ محل القنوت إنّما هو الركعة الثانية لا الأُولى كصحيحة معاوية بن عمار قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) يقول في قنوت الجمعة: إذا كان إماماً قنت في الركعة الأُولى، و إن كان يصلِّي أربعاً ففي الركعة الثانية قبل الركوع»
«1».

و صحيحة عمران الحلبي قال: «سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الرجل يصلِّي الجمعة أربع ركعات أ يجهر فيها بالقراءة؟ قال: نعم، و القنوت في الثانية» «2».

أضف إلى ذلك: العمومات الناطقة بذلك كصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع» «3».

إذن فصحيحة حريز مطروحة بعد عدم نهوضها لمقاومة ما عرفت. و الصحيح ما عليه النص و الفتوى من أنّ محل القنوت في صلاة الظهر من يوم الجمعة للمنفرد إنّما هو الركعة الثانية قبل الركوع كما في سائر الصلوات.

و أمّا الجهة الثانية: أعني حكم الإمام في صلاة الجمعة، ففيه أقوال أربعة:

الأوّل: ما هو المشهور بين الأصحاب من أنّ فيها قنوتين: أحدهما: في الركعة الأُولى قبل الركوع. و ثانيهما: في الثانية بعده.

الثاني: ما نسب إلى أبي الصلاح «4» و ابن أبي عقيل «5» من أنّهما قبل الركوع في كل من الركعتين.

الثالث: ما اختاره المفيد «6» من أنّ القنوت واحد و محله قبل الركوع من‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 270/ أبواب القنوت ب 5 ح 1، 3.

(2) الوسائل 6: 270/ أبواب القنوت ب 5 ح 1، 3.

(3) الوسائل 6: 266/ أبواب القنوت ب 3 ح 1.

(4) لاحظ الكافي في الفقه: 123، 151.

(5) حكاه عنه في المختلف 2: 238.

(6) المقنعة: 164.

375
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في القنوت ؛ ج 15، ص : 358

..........

______________________________
الركعة الأُولى.

الرابع: ما نسب إلى الصدوق «1» و ابن إدريس «2» من أنّه واحد و محله الركعة الثانية قبل الركوع كما في سائر الصلوات.

أمّا القول الأوّل: الّذي هو المشهور المنصور، فتشهد له جملة من النصوص كصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث «قال: على الإمام فيها أي في الجمعة قنوتان: قنوت في الركعة الأُولى قبل الركوع، و في الركعة الثانية بعد الركوع ...» إلخ «3».

و موثقة سماعة قال: «سألته عن القنوت في الجمعة، فقال: أمّا الإمام فعليه القنوت في الركعة الأُولى بعد ما يفرغ من القراءة قبل أن يركع، و في الثانية بعد ما يرفع رأسه من الركوع قبل السجود ...» إلخ «4».

و موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: سأله بعض أصحابنا و أنا عنده عن القنوت في الجمعة، فقال له: في الركعة الثانية، فقال له: قد حدثنا به بعض أصحابنا أنّك قلت له: في الركعة الأُولى، فقال: في الأخيرة و كان عنده ناس كثير، فلمّا رأى غفلة منهم قال: يا أبا محمّد في الأُولى و الأخيرة فقال له أبو بصير بعد ذلك قبل الركوع أو بعده؟ فقال له أبو عبد اللّٰه (عليه السلام): كل قنوت قبل الركوع إلّا في الجمعة فإنّ الركعة الأُولى القنوت فيها قبل الركوع، و الأخيرة بعد الركوع» «5».

______________________________
(1) الفقيه 1: 267.

(2) السرائر 1: 299.

(3) الوسائل 6: 271/ أبواب القنوت ب 5 ح 4.

(4) الوسائل 6: 272/ أبواب القنوت ب 5 ح 8.

(5) الوسائل 6: 273/ أبواب القنوت ب 5 ح 12.

376
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في القنوت ؛ ج 15، ص : 358

..........

______________________________
و أمّا القول الثاني: فلعل مستنده بعد مفروغية التعدّد في الجمعة و كونه من المسلّمات إطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة معاوية: «ما أعرف قنوتاً إلّا قبل الركوع» «1».

و فيه: بعد تسليم الإطلاق و قد تقدّم «2» منعه أنّه قابل للتقييد بالنصوص المزبورة بمقتضى صناعة الإطلاق و التقييد.

و أمّا القول الثالث: فيستدل له بجملة من النصوص:

منها: صحيحة معاوية بن عمار قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) يقول في قنوت الجمعة: إذا كان إماماً قنت في الركعة الأُولى، و إن كان يصلِّي أربعاً ففي الركعة الثانية قبل الركوع» «3».

و صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام): «إنّ القنوت يوم الجمعة في الركعة الأُولى» «4».

و صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) في حديث «قال: و ليقعد قعدة بين الخطبتين و يجهر فيها بالقراءة و يقنت في الركعة الأُولى منهما قبل الركوع» «5».

و صحيحة أبي بصير «قال: القنوت في الركعة الأُولى قبل الركوع» «6» المؤيّدة بمرسلته عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: القنوت قنوت يوم الجمعة في‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 268/ أبواب القنوت ب 3 ح 6.

(2) في ص 371.

(3) الوسائل 6: 270/ أبواب القنوت ب 5 ح 1.

(4) الوسائل 6: 271/ أبواب القنوت ب 5 ح 6.

(5) الوسائل 6: 272/ أبواب القنوت ب 5 ح 11.

(6) الوسائل 6: 271/ أبواب القنوت ب 5 ح 7 [بل هي موثقة بزرعة].

377
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في القنوت ؛ ج 15، ص : 358

..........

______________________________
الركعة الأُولى بعد القراءة»
«1» فإنّها ظاهرة في كفاية قنوت واحد في الركعة الأُولى كما أنّها منصرفة إلى الإمام، بل بعضها صريحة فيه.

و يندفع: بعدم دلالة شي‌ء من هذه الأخبار على نفي القنوت الثاني، لعدم كونها في مقام الحصر، بل غايته الظهور الإطلاقي في كفاية الواحدة. و مقتضى قانون الإطلاق و التقييد لزوم رفع اليد عنه و تقييده بالنصوص المتقدِّمة المصرّحة بوجود قنوت آخر في الركعة الثانية بعد الركوع بعد كونها سليمة عن المعارض. فهذا القول كسابقه ضعيف.

و منه تعرف ضعف القول الرابع أيضاً، الّذي ذهب إليه الصدوق و ابن إدريس، إذ ليت شعري ما هو الموجب للتخصيص بالركعة الثانية مع صراحة النصوص المتقدِّمة في التعدّد، بل إنّ ذلك موجب لطرح النصوص المشار إليها آنفاً المصرّحة بالثبوت في الركعة الاولى من غير مسوّغ.

و على الجملة: ففتوى الصدوق كفتوى المفيد في التخصيص بإحدى الركعتين غير ظاهرة الوجه بعد ورود النصوص الصحيحة المتظافرة الصريحة في الجميع.

و أمّا ابن إدريس فقد اعتذر عنه بعدم العمل بأخبار الآحاد، و هو كما ترى ضرورة أنّ نصوص الباب مضافاً إلى اعتبارها في أنفسها قد جاوزت من الكثرة حدّ الاستفاضة، فلو لم يعمل بمثل هذه النصوص في الأحكام الشرعية فعلى الفقه السلام، فان كثيراً من الأحكام و منها مشروعية القنوت في الركعة الثانية من الجمعة التي اعترف بها إنّما ثبتت بمثل هذه الأخبار، فرفضها يستوجب خللًا في الاستنباط بل سداً لباب الاجتهاد بمصراعيه كما لا يخفى.

فتحصّل: أنّ الأظهر هو القول الأوّل الّذي عليه المشهور.

______________________________
(1) الوسائل 6: 270/ أبواب القنوت ب 5 ح 2.

378
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في القنوت ؛ ج 15، ص : 358

..........

______________________________
و أمّا الجهة الثالثة: فربّما يقال بأنّ مورد تشريع القنوت في الركعة الأُولى في جملة من النصوص المتقدِّمة كموثقة سماعة «1» و صحيحتي معاوية و زرارة «2» إنّما هو الإمام، و الإطلاق في غيرها منزّل عليه لانصرافه إليه و لو بمعونة ما عرفت فلا دليل على شمول الحكم للمأمومين، بل عليهم القنوت في الركعة الثانية فقط كما في سائر الصلوات.

و يندفع أوّلًا: بأنّ لزوم متابعة المأموم للإمام في كافة الأفعال و منها القنوت حتّى فيما إذا لم يكن وظيفة له كما لو ائتم في الركعة الثانية من سائر الصلوات فضلًا عن المقام أمر مغروس في الأفهام و مرتكز في أذهان عامّة المتشرِّعة كما يشير إليه قوله (عليه السلام): «إنّما جعل الإمام إماماً ليؤتم به» «3»، فدليل التشريع في الإمام يغني عن التنبيه عليه في المأموم، اعتماداً على تلك الملازمة المغروسة و المتابعة المرتكزة.

و ثانياً: أنّ المراد بالإمام في تلك النصوص ما يقابل المنفرد المذكور في ذيلها، لا ما يقابل المأموم، فلا يراد به وصفه العنواني و بما هو إمام، بل بما هو مقيم لصلاة الجمعة إيعازاً إلى أنّ هذه الماهية من الصلاة المتقوّمة بالجماعة تفارق صلاة المنفرد في اختصاصها بقنوت آخر في الركعة الاولى من غير فرق في ذلك بين الإمام و المأموم.

و ثالثاً: مع التنازل عن كل ذلك فيكفينا في شمول الحكم للمأموم إطلاق‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 272/ أبواب القنوت ب 5 ح 8.

(2) الوسائل 6: 270/ أبواب القنوت ب 5 ح 1، 4.

(3) أورده الشهيد مرسلًا عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) في الذكرى 4: 444 و راجع صحيح البخاري 1: 184، صحيح مسلم 1: 308/ 411، سنن أبي داود 1: 164/ 601.

379
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في القنوت ؛ ج 15، ص : 358

و لا يشترط فيه رفع اليدين (1)

______________________________
قوله (عليه السلام) في ذيل صحيحة أبي بصير المتقدِّمة: «كل قنوت قبل الركوع إلّا في الجمعة فإنّ الركعة الأُولى القنوت فيها قبل الركوع و الأخيرة بعد الركوع»
«1» فإنّها شاملة لمطلق صلاة الجمعة من غير تقييد بالإمام.

إذن فلا شبهة في شمول الحكم للمأموم أيضاً.

بقي شي‌ء: و هو أنّه لا ينبغي التأمّل في أنّ المراد بالإمام الثابت له القنوت في الركعة الأُولى بمقتضى النصوص المتقدِّمة إنّما هو الإمام في صلاة الجمعة لا في صلاة الظهر يوم الجمعة، فلا فرق بينه و بين سائر الأيّام في عدم ثبوت أكثر من قنوت واحد في الركعة الثانية، و ذلك لظهور تلك النصوص في ذلك، بل إنّ صحيحة معاوية المتقدِّمة «2» كالصريح في الاختصاص لقوله (عليه السلام) في الذيل: «و إن كان يصلِّي أربعاً ففي الركعة الثانية» الكاشف بمقتضى المقابلة عن أنّ المراد بالصدر صلاة الجمعة ذات الخطبتين و هذا واضح لا غبار عليه.

و المتحصِّل من جميع ما تقدّم: ثبوت قنوتين في صلاة الجمعة من غير فرق بين الإمام و المأموم، و عدم ثبوت أكثر من قنوت واحد في صلاة الظهر من يوم الجمعة، من غير فرق أيضاً بين الإمام و المأموم و المنفرد.

(1) فهو بالقياس إليه من قبيل المستحب في المستحب على ما يقتضيه ظاهر كلمات الأصحاب، خلافاً لما يظهر من جماعة آخرين كالفاضل المقداد «3» و كاشف‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 273/ أبواب القنوت ب 5 ح 12.

(2) في ص 377.

(3) كنز العرفان 1: 59.

380
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في القنوت ؛ ج 15، ص : 358

..........

______________________________
اللثام
«1»، و صاحب الجواهر «2» من الذهاب أو الميل إلى دخله في ماهية القنوت و تقوم مفهومه به و أنّه بدونه من الدُّعاء المطلق دون القنوت الموظف.

و هذا هو الصحيح، و يدلّنا عليه بعد قيام ارتكاز المتشرِّعة على أنّ المراد به في الصلاة عمل خاص ذو كيفية مخصوصة فهو اسم لمعنى مصطلح مغاير لمعناه اللغوي من مطلق الدُّعاء أو الخضوع و الخشوع أُمور:

أحدها: ما ورد في غير واحد من النصوص من تخصيص محله بالركعة الثانية قبل الركوع ما عدا صلاة الجمعة و العيدين و الآيات ففيها كيفيات اخرى كما تقدّم، فلو كان مساوقاً لمطلق الدُّعاء و لم يتقوّم برفع اليدين لم يعرف أيّ وجه لهذا التخصيص، و لا معنى لقوله (عليه السلام): «ما أعرف قنوتاً إلّا قبل الركوع» «3» ضرورة استحباب الدُّعاء في غير موضع من الصلاة، بل مشروعيته في جميع حالاتها، فما هو الموجب لذلك الحصر و التخصيص الّذي تنادي به تلك النصوص.

ثانيها: النواهي المتعلِّقة به في غير واحد من النصوص المحمولة على التقيّة بل التصريح في بعضها بتركه لدى التقيّة كما تقدّم «4»، فان من البديهي أنّ عنوان التقيّة لا يكاد يتحقّق من دون تقوم القنوت برفع اليدين، فانّ الدُّعاء المطلق أثناء الصلاة ممّا لا ينكره العامّة سيما بعد عدم التوظيف و جواز الاكتفاء بالتسبيح أو التسمية أو بعض الآيات كما سيجي‌ء بل العامّة بأنفسهم يقرءون بعض الآيات بعد الفراغ من الحمد، فكيف تتصوّر التقيّة مع هذه‌

______________________________
(1) كشف اللثام 4: 152.

(2) الجواهر 10: 368.

(3) الوسائل 6: 268/ أبواب القنوت ب 3 ح 6.

(4) في ص 363، 365.

381
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في القنوت ؛ ج 15، ص : 358

..........

______________________________
الحالة. هذا في الصلوات الجهرية، و أمّا في الإخفاتية فالأمر أوضح كما لا يخفى.

ثالثها: ما اتّفق عليه النص و الفتوى من نفي القنوت عن صلاة الميت مع وضوح تقوّم هذه الصلاة بالدُّعاء بل ليست حقيقتها إلّا ذلك، و هذا خير دليل على مغايرة القنوت مع الدُّعاء المطلق، إذ لا يكاد يستقيم النفي المزبور من دون ذلك.

رابعها: دلالة بعض النصوص الخاصّة عليه.

فمنها: موثقة عمار الساباطي قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام): أخاف أن أقنت و خلفي مخالفون، فقال: رفعك يديك يجزي، يعني رفعهما كأنّك تركع» «1». و دلالتها من وجهين:

أحدهما: قوله (عليه السلام): «يجزئ» فان فيه دلالة واضحة على اعتبار رفع اليدين في أداء وظيفة القنوت، غير أنّه لمّا لم يتمكن منه لمكان التقيّة يجتزئ عنه برفعهما موهماً إرادة التكبير للركوع قاصداً أداء مسمّى القنوت.

ثانيهما: قول السائل «و خلفي مخالفون» فإنّه كالصريح في اعتبار رفع اليدين في مفهوم القنوت و أنّه به قوامه و من ثمّ يخاف من المخالفين، و إلّا فقد عرفت أنّ الدُّعاء المطلق لم يكن مورداً للتقيّة.

و منها: موثقة علي بن محمّد بن سليمان قال: «كتبت إلى الفقيه (عليه السلام) أسأله عن القنوت، فكتب إذا كانت ضرورة شديدة فلا ترفع اليدين و قل ثلاث مرّات: بسم اللّٰه الرّحمٰن الرّحيم» «2». دلّت بمفهومها على لزوم الرفع لدى عدم الضرورة الشديدة الكاشف عن دخله في مفهوم القنوت، و إلّا لم يكن وجه‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 282/ أبواب القنوت ب 12 ح 2.

(2) الوسائل 6: 282/ أبواب القنوت ب 12 ح 3.

382
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في القنوت ؛ ج 15، ص : 358

و لا ذكر مخصوص بل يجوز ما يجري على لسانه (1) من الذكر و الدُّعاء و المناجاة و طلب الحاجات. و أقلّه: سبحان اللّٰه خمس مرّات، أو ثلاث مرّات، أو بسم اللّٰه الرّحمٰن الرّحيم ثلاث مرّات، أو الحمد للّٰه ثلاث مرّات بل يجزئ سبحان اللّٰه أو سائر ما ذكر مرّة واحدة، كما يجزئ الاقتصار على الصلاة على النبيّ و آله (صلّى اللّٰه عليه و آله) و مثل قوله: اللّٰهمّ اغفر لي، و نحو ذلك (2)

______________________________
لإناطة تركه بالضرورة.

و المتحصِّل: أنّ المستفاد من مجموع الروايات تقوّم القنوت برفع اليدين و أنّه بدونه لم يكن آتياً بالوظيفة الخاصّة أعني القنوت المأمور به. نعم، لا بأس به بقصد مطلق الدُّعاء دون التوظيف.

(1) لصحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن القنوت و ما يقال فيه؟ قال: ما قضى اللّٰه على لسانك، و لا أعلم فيه شيئاً موقتاً» «1» و نحوها غيرها ممّا هو صريح في عدم التوقيت.

(2) كل ذلك لإطلاق نفي التوقيت «2» المستفاد من مثل الصحيح المتقدِّم‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 277/ أبواب القنوت ب 9 ح 1.

(2) لا يخفى أنّ القنوت لغة و إن كان لمعان عديدة، إلّا أنّ المتيقن إرادته منه في قنوت الصلاة إنّما هو الدُّعاء كما يفصح عنه ما في صحيحة عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّٰه عن الصادق (عليه السلام) «أنّه قال: القنوت في الوتر الاستغفار و في الفريضة الدُّعاء» (باب 8 من أبواب القنوت الحديث 1) و مقتضى ما دلّ على نفي التوقيت فيه عدم التوقيت بدعاء خاص فيعم المأثور و غيره، لا أنّه يكتفي بغير ما هو من سنخ الدُّعاء كالتسبيح و نحوه، إلّا أن ينهض على تجويزه دليل بالخصوص و لم ينهض لضعف تلكم النصوص.

383
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 1: يجوز قراءة القرآن في القنوت خصوصا الآيات المشتملة على الدعاء ؛ ج 15، ص : 384

و الأولى أن يكون جامعاً للثناء على اللّٰه تعالى و الصلاة على محمّد و آله و طلب المغفرة له و للمؤمنين و المؤمنات (1).

[مسألة 1: يجوز قراءة القرآن في القنوت خصوصاً الآيات المشتملة على الدُّعاء]

[1672] مسألة 1: يجوز قراءة القرآن في القنوت (2) خصوصاً الآيات المشتملة على الدُّعاء (3) كقوله تعالى رَبَّنٰا لٰا تُزِغْ قُلُوبَنٰا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنٰا وَ هَبْ لَنٰا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّٰابُ و نحو ذلك.

[مسألة 2: يجوز قراءة الأشعار المشتملة على الدُّعاء]

[1673] مسألة 2: يجوز قراءة الأشعار المشتملة على الدُّعاء (4) و المناجاة مثل قوله:

______________________________
مؤيّداً ببعض النصوص الخاصّة.

(1) كما جاء ذلك في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «عن القنوت في الوتر هل فيه شي‌ء موقت يتبع و يقال؟ فقال: لا، أثن على اللّٰه عزّ و جلّ، و صلّ على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) و استغفر لذنبك العظيم ثمّ قال: كل ذنب عظيم» «1».

(2) إذ بعد فرض عدم التوقيت كما عرفت فالقرآن خير ما يجري على اللِّسان و تشهد به رواية ابن سليمان المتقدِّمة «2».

(3) فإنّها قرآن و دعاء و قد تضمنتها جملة من القنوتات المرويّة عنهم (عليهم السلام) «3».

(4) فإنّها مصداق للدعاء فيشملها الإطلاق المتقدِّم.

______________________________
(1) الوسائل 6: 277/ أبواب القنوت ب 9 ح 2.

(2) في ص 382.

(3) المستدرك 4: 401/ أبواب القنوت ب 6، ح 3، ب 16 ح 1.

384
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 3: يجوز الدعاء فيه بالفارسية و نحوها من اللغات غير العربية ؛ ج 15، ص : 385

إلٰهي عبدك العاصي أتاكا

مقرّاً بالذنوب و قد دعاكا

[مسألة 3: يجوز الدُّعاء فيه بالفارسية و نحوها من اللّغات غير العربية]

[1674] مسألة 3: يجوز الدُّعاء فيه بالفارسية و نحوها من اللّغات غير العربية (1)، و إن كان لا يتحقّق وظيفة القنوت إلّا بالعربي، و كذا في سائر أحوال الصلاة و أذكارها، نعم الأذكار المخصوصة لا يجوز إتيانها بغير العربي.

______________________________
(1) كما صرّح به الصدوق في الفقيه
«1» و نسب إلى كثير من القدماء بل إلى المشهور بين الأصحاب، بل لم ينسب الخلاف إلّا إلى سعد بن عبد اللّٰه، بل يظهر من المحقِّق الثاني «2» انحصار المخالف فيه.

و قد استدلّ له في الفقيه بقول أبي جعفر الثاني (عليه السلام): «لا بأس أن يتكلّم الرجل في صلاة الفريضة بكل شي‌ء يناجي به ربّه (عزّ و جلّ)» قال (قدس سره) و لو لم يرد هذا الخبر لكنت أُجيزه بالخبر الّذي روي عن الصادق (عليه السلام) أنّه «قال: كل شي‌ء مطلق حتّى يرد فيه نهي» و النهي عن الدُّعاء بالفارسية في الصلاة غير موجود، و الحمد للّٰه «3».

و يشير بالمرسل الأوّل إلى صحيحة علي بن مهزيار «4»، و قد تبعه المحقِّق الهمداني (قدس سره) «5» في الاستدلال المزبور.

أقول: يقع الكلام تارة في جواز الإتيان بالدُّعاء أو الذكر بغير العربية في القنوت أو في غيره من سائر حالات الصلاة أو أنّها تبطل بذلك، و أُخرى في‌

______________________________
(1) الفقيه 1: 208 ذيل ح 935.

(2) جامع المقاصد 2: 322.

(3) الفقيه 1: 208/ 936، 937.

(4) الوسائل 6: 289/ أبواب القنوت ب 19 ح 1.

(5) مصباح الفقيه (الصلاة): 392 السطر 31.

385
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 3: يجوز الدعاء فيه بالفارسية و نحوها من اللغات غير العربية ؛ ج 15، ص : 385

..........

______________________________
أنّه على تقدير الجواز فهل تتأدّى وظيفة القنوت بذلك أو لا؟ فهنا مقامان:

أمّا المقام الأوّل: فالظاهر هو الجواز لجملة من النصوص المجوّزة للتكلم في الصلاة بكل شي‌ء يناجى به الرب التي منها صحيحة علي بن مهزيار المشار إليها آنفاً قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يتكلّم في صلاة الفريضة بكل شي‌ء يناجي به ربّه (عزّ و جلّ)، قال: نعم»، و صحيحة الحلبي قال: «قال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) كل ما ذكرت اللّٰه (عزّ و جلّ) به و النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) فهو من الصلاة ...» إلخ «1» و غيرهما.

فإن إطلاقها سيّما بعد عدم تقييد الرجل بالعربي في صحيحة ابن مهزيار يقتضي تجويز المناجاة بجميع اللّغات فلا قصور في شمول إطلاقها من حيث اللّغة أيضاً، و لو لأجل ترك الاستفصال، و لا موجب لقصر النظر فيها على المضمون كما قيل. و دعوى الانصراف إلى خصوص اللغة العربية غير واضحة، فإنّه بدوي لا يعبأ به، هذا أوّلًا.

و ثانياً: مع الغض عمّا ذكر فتكفينا أصالة البراءة عن المانعية بعد عدم ورود النهي عن الدُّعاء بالفارسية كما سمعته عن الفقيه.

و أمّا المقام الثاني: فما يمكن أن يستدل به من النصوص على أداء وظيفة القنوت بغير العربي روايتان:

إحداهما: صحيحة عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّٰه عن الصادق (عليه السلام) أنّه «قال: القنوت في الوتر الاستغفار و في الفريضة الدُّعاء» «2» بدعوى أنّ إطلاقها بعد عدم تقييد الدُّعاء بالعربية يشمل جميع اللّغات.

______________________________
(1) الوسائل 6: 426/ أبواب التسليم ب 4 ح 1.

(2) الوسائل 6: 276/ أبواب القنوت ب 8 ح 1.

386
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 3: يجوز الدعاء فيه بالفارسية و نحوها من اللغات غير العربية ؛ ج 15، ص : 385

 

..........

______________________________
و يندفع: بعدم كونه (عليه السلام) في مقام البيان من هذه الناحية، و إنّما هو بصدد التفرقة بين قنوتي الوتر و الفريضة و أنّه في الأوّل الاستغفار، و في الثاني الدُّعاء من غير نظر إلى خصوصية اللغة لكي ينعقد الإطلاق من هذه الجهة. و بعبارة اخرى: الصحيحة مسوقة لبيان التفرقة بين الموردين من حيث المعنى و المضمون من غير نظر إلى الألفاظ و خصوصيّاتها بوجه، فلا إطلاق لها بتاتاً.

ثانيتهما: صحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن القنوت و ما يقال فيه؟ قال: ما قضى اللّٰه على لسانك، و لا أعلم فيه شيئاً موقتاً» «1» بدعوى أنّ ما قضى اللّٰه على اللِّسان من غير توقيت فيه يشمل غير العربي أيضاً.

و يندفع: بما عرفت من أنّها ناظرة إلى عدم التوقيت من ناحية المضمون من غير نظر إلى اللّغة، سيّما و أنّ السائل عربي لا يجري على لسانه إلّا باللّغة العربية، نعم لو كان السائل غير عربي، أو كان الجواب هكذا: «ما قضى اللّٰه على لسان الرجل» لأمكن التعميم، و إذ ليس فليس. فالتمسّك إذن بإطلاق الأخبار لتصحيح القنوت بالفارسية كما عن الصدوق و غيره في غاية الإشكال.

نعم، يمكن الاستدلال له بأصالة البراءة فإنّها و إن لم تكن جارية في باب المستحبّات، لا العقلية منها لعدم احتمال العقاب، و لا الشرعية، إذ المرفوع بمقتضى افتراض كون الرفع ظاهرياً بالنسبة إلى ما لا يعلمون إنّما هو إيجاب الاحتياط، و لا ريب في حسنه و استحبابه في هذا الباب فلم يكن مرفوعاً قطعاً إلّا أنّنا أشرنا في الأُصول «2» إلى أنّ هذا البيان إنّما يتّجه بالنسبة إلى المستحبّات الاستقلالية، فمع الشك في استحباب شي‌ء لا مجال لنفيه بأصالة البراءة.

______________________________
(1) الوسائل 6: 277/ أبواب القنوت ب 9 ح 1.

(2) مصباح الأُصول 2: 270.

 

387
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 4: الأولى أن يقرأ الأدعية الواردة عن الأئمة(صلوات الله عليهم) ؛ ج 15، ص : 388

[مسألة 4: الأولى أن يقرأ الأدعية الواردة عن الأئمّة (صلوات اللّٰه عليهم)]

[1675] مسألة 4: الأولى أن يقرأ الأدعية الواردة عن الأئمّة (صلوات اللّٰه عليهم) (1) و الأفضل كلمات الفرج (2) و هي: لا إلٰه إلّا اللّٰه الحليم الكريم، لا إلٰه إلّا اللّٰه العليّ العظيم، سبحان اللّٰه ربّ السماوات السبع و ربّ الأرضين السبع و ما فيهنّ و ما بينهنّ و ربّ العرش العظيم، و الحمد للّٰه ربّ العالمين». و يجوز أن يزيد بعد قوله و ما بينهنّ «و ما فوقهنّ و ما تحتهنّ»

______________________________
و أمّا التكاليف الضمنية بأن شكّ في تقيّد المستحب بقيد كالعربية في المقام فالاحتياط فيه و إن كان حسناً أيضاً كما عرفت فلا يجري الأصل لرفعه، إلّا أنّ تقيد هذا المستحب بذاك القيد بحيث لا يمكن الإتيان بفاقد القيد بداعي الأمر الراجع إلى الوجوب الشرطي كلفة زائدة، و بما أنّها مشكوك فيها فيمكن رفعها بأصالة البراءة.

فتحصّل: أنّ مقتضى الأصل جواز أداء وظيفة القنوت بالفارسية و إن كانت النصوص قاصرة عن إثبات ذلك.

(1) تأسّياً بهم (عليهم السلام).

(2) على المشهور، لكنّ النصوص حتّى الضعيفة منها خالية عن التعرّض لكلمات الفرج بعنوانها في باب القنوت كما اعترف به غير واحد، و إن ورد ذلك في باب تلقين المحتضر «1».

نعم، ورد الأمر بذوات هذه الكلمات في روايتين ضعيفتين: إحداهما مرسلة أبي بصير «2» و الأُخرى الفقه الرضوي «3» و كيف ما كان، فلا ريب في رجحان هذه الكلمات إمّا للأمر بها بالخصوص، أو لأنّها من أبرز مصاديق الذكر و الثناء.

______________________________
(1) الوسائل 2: 459/ أبواب الاحتضار ب 38.

(2) الوسائل 6: 275/ أبواب القنوت ب 7 ح 4.

(3) المستدرك 4: 403/ أبواب القنوت ب 6 ح 4، فقه الرِّضا: 107.

388
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 4: الأولى أن يقرأ الأدعية الواردة عن الأئمة(صلوات الله عليهم) ؛ ج 15، ص : 388

كما يجوز أن يزيد بعد قوله: «العرش العظيم»، «وَ سَلٰامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ» (1) و الأحسن أن يقول بعد كلمات الفرج: «اللّٰهمّ اغفر لنا و ارحمنا و عافنا، و اعف عنّا، إنّك على كلّ شي‌ء قدير».

______________________________
(1) هذه الزيادة لم ترد في شي‌ء من نصوص الباب حتّى الروايتين الضعيفتين المتقدِّمتين. نعم، وردت في مرسلة الفقيه الواردة في باب الاحتضار
«1» كما نقلها عنه في الحدائق «2» و في جامع الأحاديث «3». و إن خلت عنها فيما حكاه عنه في الوسائل باب 38 من الاحتضار حديث 2 «4»، و لعلّه سهو من قلمه الشريف.

و وردت أيضاً في الفقه الرضوي «5» في الباب نفسه، لكن ضعفهما يمنع عن التعويل عليهما في موردهما فضلًا عن التعدِّي إلى المقام.

على أنّ الكافي روى مرسلة الصدوق بطريق صحيح عن الحلبي خالياً عن تلك الزيادة «6»، كما أنّه روى أيضاً صحيحة لزرارة من دون تلك الزيادة «7».

إذن فالنصوص قاصرة عن إثبات هذه الزيادة، بل يظهر المنع عنها من رواية المروزي عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) «لا تقل في صلاة الجمعة في القنوت و سلام على المرسلين» «8»، و إن لم تكن نقيّة السند.

______________________________
(1) الفقيه 1: 77/ 346.

(2) الحدائق 8: 367.

(3) جامع أحاديث الشيعة 3: 199.

(4) الوسائل 2: 459.

(5) فقه الرِّضا: 165، المستدرك 2: 128/ أبواب الاحتضار ب 28 ح 2.

(6) الوسائل 2: 459/ أبواب الاحتضار ب 38 ح 2، 1، الكافي 3: 124/ 9، 122/ 3.

(7) الوسائل 2: 459/ أبواب الاحتضار ب 38 ح 2، 1، الكافي 3: 124/ 9، 122/ 3.

(8) الوسائل 6: 276/ أبواب القنوت ب 7 ح 6.

389
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 5: الأولى ختم القنوت بالصلاة على محمد و آله ؛ ج 15، ص : 390

[مسألة 5: الأولى ختم القنوت بالصلاة على محمّد و آله]

[1676] مسألة 5: الأولى ختم القنوت بالصلاة على محمّد و آله، بل الابتداء بها أيضاً، أو الابتداء في طلب المغفرة أو قضاء الحوائج بها، فقد روي أنّ اللّٰه سبحانه و تعالى يستجيب الدُّعاء للنبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) بالصلاة و بعيد من رحمته أن يستجيب الأوّل و الآخر و لا يستجيب الوسط، فينبغي أن يكون طلب المغفرة و الحاجات بين الدُّعاءين بالصلاة على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله).

[1677] مسألة 6: من القنوت الجامع الموجب لقضاء الحوائج على ما ذكره بعض العلماء أن يقول: «سبحان من دانت له السّماوات و الأرض بالعبودية، سبحان من تفرّد بالوحدانية، اللّٰهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد و عجِّل فرجهم، اللّٰهمّ اغفر لي و لجميع المؤمنين و المؤمنات، و اقض حوائجي و حوائجهم بحقّ حبيبك محمّد و آله الطاهرين صلّى اللّٰه عليه و آله أجمعين».

______________________________
فنبقى نحن و مقتضى القواعد، فقد يقال إنّ مقتضاها الجواز، لأصالة عدم المانعية بعد عدم احتمال كونها من التسليم المحلِّل، لأنّ ما ورد من أنّ «تحليلها التسليم»
«1» ناظر إلى إثبات المحللية للتسليم في الجملة، و لا إطلاق له من حيث الكيفيّة ليشمل المقام.

و لكن الظاهر عدم الجواز ما لم يقصد بها القرآن، لكونها من كلام الآدمي الممنوع ارتكابه أثناء الصلاة، فإن ما استثني ممّا ورد من أنّ «من تكلّم في صلاته متعمِّداً فعليه الإعادة» «2» عناوين ثلاثة: القرآن، و الدُّعاء، و الذِّكر، و شي‌ء‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 415/ أبواب التسليم ب 1 ح 1، 8.

(2) الوسائل 7: 281/ أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 2.

390
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 7: يجوز في القنوت الدعاء الملحون ؛ ج 15، ص : 391

[مسألة 7: يجوز في القنوت الدُّعاء الملحون]

[1678] مسألة 7: يجوز في القنوت الدُّعاء الملحون (1) مادّة أو إعراباً إذا لم يكن لحنه فاحشاً و لا مغيّراً للمعنى (2) لكن الأحوط الترك.

______________________________
منها غير منطبق على تلك الزيادة فتكون طبعاً من كلام الآدمي الموجب للبطلان و الخروج من الصلاة، سواء أشمله قوله «تحليلها السلام» أم لا.

و من البيِّن أنّ مجرّد ورود لفظ «السلام» في الذكر الحكيم لا يسوّغه، إذ لا يدرجه في عنوانه ما لم يقصد به القرآنية، و إلّا لساغ أن نقول بدل السلام على المرسلين، و سلام على المؤمنين أو على الحسين أو شهداء بدر و حنين أو السلام عليه، أو السلام عليّ، و كل ذلك كما ترى لا يظن أن يلتزم به الفقيه و لو لا قيام الدليل على الجواز بل استحباب التسليم على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) لقلنا بعدم جوازه أيضاً لما عرفت.

فتحصّل: أنّ تجويز تلك الزيادة ما لم يقصد بها القرآنية محل إشكال بل منع.

(1) لما تقدّم «1» من جواز الدُّعاء بالفارسية، بل عرفت أنّ مقتضى الأصل أداء وظيفة القنوت أيضاً بذلك، فانّ ملاك البحث المتقدِّم يجري في المقام بمناط واحد فلاحظ.

(2) فلو كان مغيّراً بحيث استوجب سلب اسم الدُّعاء عنه عرفاً لا يجوز لعدم كون المدار في صدق اسم الدُّعاء على مجرّد قصد المتكلِّم كما توهّم، بل مشروطاً باقترانه بالمبرز على النهج المتعارف.

أ لا ترى أنّ من تصدّى للتحيّة فأتى بألفاظ من لغة بزعم أنّها مصداق للتحيّة فبان أنّها سب و لعن لا يصدق عرفاً أنّه حيّي فلاناً و إن كان من قصده ذلك، و لا فرق بين الدُّعاء و التحيّة من هذه الجهة كما لا يخفى.

______________________________
(1) في ص 385.

391
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 8: يجوز في القنوت الدعاء على العدو بغير ظلم و تسميته ؛ ج 15، ص : 392

[مسألة 8: يجوز في القنوت الدُّعاء على العدو بغير ظلم و تسميته]

[1679] مسألة 8: يجوز في القنوت الدُّعاء على العدو (1) بغير ظلم (2) و تسميته، كما يجوز الدُّعاء لشخص خاص مع ذكر اسمه (3).

[مسألة 9: لا يجوز الدُّعاء لطلب الحرام]

[1680] مسألة 9: لا يجوز الدُّعاء لطلب الحرام (4).

______________________________
(1) لإطلاقات الدُّعاء بعد عدم التوقيت فيها كما تقدّم
«1»، مضافاً إلى دلالة بعض النصوص عليه كصحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: تدعو في الوتر على العدو و إن شئت سمّيتهم و تستغفر» «2».

(2) ففي صحيح هشام بن سالم قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) يقول: إنّ العبد ليكون مظلوماً فلا (فما) يزال يدعو حتّى يكون ظالماً» «3».

(3) لما عرفت من الإطلاق.

(4) كشرب الخمر أو قتل المؤمن، و الكلام تارة في حرمته تكليفاً، و أُخرى وضعاً، أي بطلان الصلاة بذلك.

أمّا الأوّل: فيستدل على الحرمة بدعوى الإجماع بل التسالم عليها بحيث تعدّ من المسلّمات، و يعضدها أنّ طلب ما يبغضه المولى تجاسر عليه، و هتك لحرمته، و خروج عن مقتضى العبودية، فهو نوع من التجري و يحرم بناءً على حرمته. و نظيره في الموالي العرفية طلب العبد من سيِّده طلاق زوجته الكريمة عنده أو التمكين من قتل ولده و نحوهما ممّا يقطع بعدم رضاه به، فان مثل هذا العبد لا شك أنّه يعدّ هاتكاً لحرمة المولى و متجاسراً عليه بل مطروداً لديه.

______________________________
(1) في ص 384.

(2) الوسائل 6: 283/ أبواب القنوت ب 13 ح 1.

(3) الوسائل 7: 131/ أبواب الدُّعاء ب 53 ح 1.

392
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 10: يستحب إطالة القنوت خصوصا في صلاة الوتر ؛ ج 15، ص : 393

[مسألة 10: يستحب إطالة القنوت خصوصاً في صلاة الوتر]

[1681] مسألة 10: يستحب إطالة القنوت خصوصاً في صلاة الوتر، فعن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) «أطولكم قنوتاً في دار الدُّنيا أطولكم راحة يوم القيامة في الموقف»، و في بعض الروايات قال (صلّى اللّٰه عليه و آله): «أطولكم قنوتاً في الوتر في دار الدُّنيا» إلخ، و يظهر من بعض الأخبار أنّ إطالة الدُّعاء في الصلاة أفضل من إطالة القراءة.

[مسألة 11: يستحب التكبير قبل القنوت، و رفع اليدين حال التكبير]

[1682] مسألة 11: يستحب التكبير قبل القنوت، و رفع اليدين حال التكبير، و وضعهما ثمّ رفعهما حيال الوجه و بسطهما جاعلًا باطنهما نحو السماء و ظاهرهما نحو الأرض، و أن يكونا منضمّتين مضمومتي الأصابع إلّا الإبهامين، و أن يكون نظره إلى كفّيه، و يكره أن يجاوز بهما الرأس، و كذا يكره أن يمرّ بهما على وجهه و صدره عند الوضع.

______________________________
و أمّا الثاني: فسيأتي البحث عنه في مبطلية الكلام إن شاء اللّٰه تعالى «1».

و ملخصه: أنّ المبطل هو خصوص كلام الآدميين أو أنّه مطلق الكلام إلّا ما خرج و هو القرآن و الذكر و الدُّعاء.

فعلى الأوّل: لا بطلان في مفروض المسألة، فإن ما تلفظ به كلام مع اللّٰه فهو بالأخرة دعاء و إن كان محرّماً، و ليس من كلام الآدمي في شي‌ء.

و على الثاني: يبطل، لانصراف المستثنى إلى الدُّعاء المأمور به، فغيره باق تحت إطلاق المستثنى منه، سواء أصدق عليه كلام الآدمي أم لا.

و الفرق بين المسلكين أنّه على الأوّل لا بدّ في البطلان من صدق كلام الآدمي دون الثاني، و تمام الكلام في محله إن شاء اللّٰه تعالى.

______________________________
(1) في ص 446.

393
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 12: يستحب الجهر بالقنوت سواء كانت الصلاة جهرية أو إخفاتية ؛ ج 15، ص : 394

[مسألة 12: يستحبّ الجهر بالقنوت سواء كانت الصلاة جهرية أو إخفاتية]

[1683] مسألة 12: يستحبّ الجهر بالقنوت سواء كانت الصلاة جهرية أو إخفاتية، و سواء كان إماماً أو منفرداً بل أو مأموماً إذا لم يسمع الإمام صوته.

[مسألة 13: إذا نذر القنوت في كل صلاة أو صلاة خاصّة وجب]

[1684] مسألة 13: إذا نذر القنوت في كل صلاة أو صلاة خاصّة وجب (1)، لكن لا تبطل الصلاة بتركه سهواً بل و لا بتركه عمداً أيضاً على الأقوى (2).

______________________________
(1) لانعقاد نذره بمقتضى إطلاق دليل الوفاء به بعد رجحان متعلّقه و استحبابه. و منه تعرف ثبوت الكفارة أيضاً على تقدير الحنث و هذا واضح.

(2) أمّا مع الترك سهواً فلا ينبغي الشك في الصحّة لوضوح عدم اقتضاء النذر المزبور تقييداً في المأمور به و تخصيصه بحصّة خاصّة و لا تضييقاً لملاك أمره، بل غايته وجوب شي‌ء فيه من قبيل الواجب في الواجب، و المفروض سقوط الوجوب لأجل النسيان فأي موجب للبطلان بعد الإتيان بالمأمور به على وجهه من غير أي خلل فيه و لا في عباديّته، و منه تعرف عدم ثبوت الكفّارة أيضاً.

و أمّا مع الترك عمداً فلا شبهة في تعلّق الكفارة. و أما الصحّة فيجري فيها الكلام المتقدِّم في نذر الموالاة و ملخصه: أنّ النذر المزبور بعد أن لم يكن موجباً للنهي عن الفاقد للقيد المنذور إذ الأمر بالشي‌ء لا يقتضي النهي عن ضدّه فلا مانع حينئذ من تصحيحه بالخطاب الترتبي، فيؤمر أوّلًا بالصلاة مع القنوت و على تقدير العصيان فبالصلاة الخالية عنه.

394
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 14: لو نسي القنوت فان تذكر قبل الوصول إلى حد الركوع قام و أتى به ؛ ج 15، ص : 395

[مسألة 14: لو نسي القنوت فان تذكّر قبل الوصول إلى حدّ الركوع قام و أتى به]

[1685] مسألة 14: لو نسي القنوت فان تذكّر قبل الوصول إلى حدّ الركوع قام و أتى به، و إن تذكر بعد الدخول في الركوع قضاه بعد الرفع منه و كذا لو تذكّر بعد الهويّ للسجود قبل وضع الجبهة، و إن كان الأحوط ترك العود إليه، و إن تذكّر بعد الدخول في السجود أو بعد الصلاة قضاه بعد الصلاة و إن طالت المدّة، و الأولى الإتيان به إذا كان بعد الصلاة جالساً مستقبلًا و إن تركه عمداً في محلّه أو بعد الركوع فلا قضاء.

[مسألة 15: الأقوى اشتراط القيام في القنوت مع التمكن منه إلّا إذا كانت الصلاة من جلوس]

[1686] مسألة 15: الأقوى اشتراط القيام في القنوت مع التمكن منه إلّا إذا كانت الصلاة من جلوس أو كانت نافلة حيث يجوز الجلوس في أثنائها كما يجوز في ابتدائها اختياراً.

[مسألة 16: صلاة المرأة كالرجل في الواجبات و المستحبّات إلّا في أُمور]

[1687] مسألة 16: صلاة المرأة كالرجل في الواجبات و المستحبّات إلّا في أُمور قد مرّ كثير منها في تضاعيف ما قدّمنا من المسائل و جملتها: أنّه يستحب لها الزينة حال الصلاة بالحلي و الخضاب، و الإخفات في الأقوال، و الجمع بين قدميها حال القيام، و ضمّ ثدييها إلى صدرها بيديها حاله أيضاً و وضع يديها على فخذيها حال الركوع، و أن لا تردّ ركبتيها حاله إلى وراء و أن تبدأ بالقعود للسجود، و أن تجلس معتدلة ثمّ تسجد، و أن تجمع و تضم أعضاءها حال السجود، و أن تلتصق بالأرض بلا تجاف و تفترش ذراعيها، و أن تنسل انسلالًا إذا أرادت القيام، أي تنهض بتأنّ و تدريج عدلًا لئلّا تبدو عجيزتها، و أن تجلس على أليتيها إذا جلست رافعة ركبتيها ضامّة لهما.

[مسألة 17: صلاة الصبيّ كالرجل، و الصبيّة كالمرأة]

[1688] مسألة 17: صلاة الصبيّ كالرجل، و الصبيّة كالمرأة.

395
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 18: قد مر في المسائل المتقدمة متفرقة حكم النظر و اليدين حال الصلاة ؛ ج 15، ص : 396

[مسألة 18: قد مرّ في المسائل المتقدِّمة متفرّقة حكم النظر و اليدين حال الصلاة]

[1689] مسألة 18: قد مرّ في المسائل المتقدِّمة متفرّقة حكم النظر و اليدين حال الصلاة، و لا بأس بإعادته جملة: فشغل النظر حال القيام أن يكون على موضع السجود، و حال الركوع بين القدمين، و حال السجود إلى طرف الأنف، و حال الجلوس إلى حجره، و أما اليدان فيرسلهما حال القيام و يضعهما على الفخذين، و حال الركوع على الركبتين مفرّجة الأصابع، و حال السجود على الأرض مبسوطتين مستقبلًا بأصابعهما منضمّة حذاء الأُذنين و حال الجلوس على الفخذين، و حال القنوت تلقاء وجهه.

396
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في التعقيب ؛ ج 15، ص : 397

[فصل في التعقيب]

فصل في التعقيب و هو الاشتغال عقيب الصلاة بالدُّعاء أو الذكر أو التلاوة أو غيرها من الأفعال الحسنة: مثل التفكّر في عظمة اللّٰه، و نحوه، و مثل البكاء لخشية اللّٰه أو للرغبة إليه، و غير ذلك. و هو من السنن الأكيدة، و منافعه في الدين و الدُّنيا كثيرة، و في رواية: «من عقّب في صلاته فهو في صلاته» و في خبر: «التعقيب أبلغ في طلب الرِّزق من الضرب في البلاد» و الظاهر استحبابه بعد النوافل أيضاً، و إن كان بعد الفرائض آكد. و يعتبر أن يكون متّصلًا بالفراغ منها غير مشتغل بفعل آخر ينافي صدقه الّذي يختلف بحسب المقامات من السفر و الحضر، و الاضطرار و الاختيار. ففي السفر يمكن صدقه حال الركوب أو المشي أيضاً كحال الاضطرار، و المدار على بقاء الصدق و الهيئة في نظر المتشرِّعة، و القدر المتيقن في الحضر الجلوس مشتغلًا بما ذكر من الدُّعاء و نحوه، و الظاهر عدم صدقه على الجلوس بلا دعاء أو الدُّعاء بلا جلوس إلّا في مثل ما مرّ، و الأولى فيه الاستقبال و الطهارة و الكون في المصلّى و لا يعتبر فيه كون الأذكار و الدُّعاء بالعربية، و إن كان هو الأفضل، كما أنّ الأفضل الأذكار و الأدعية المأثورة المذكورة في كتب العلماء، و نذكر جملة منها تيمّناً:

أحدها: أن يكبِّر ثلاثاً بعد التسليم رافعاً يديه على هيئة غيره من التكبيرات.

الثاني: تسبيح الزهراء (صلوات اللّٰه عليها) و هو أفضلها على ما ذكره جملة من العلماء ففي الخبر: «ما عبد اللّٰه بشي‌ء من التحميد أفضل من تسبيح

397
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 19: يستحب أن يكون السبحة بطين قبر الحسين ؛ ج 15، ص : 398

فاطمة، و لو كان شي‌ء أفضل منه لنحله رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) فاطمة» و في رواية: «تسبيح فاطمة الزهراء الذكر الكثير الّذي قال اللّٰه تعالى اذْكُرُوا اللّٰهَ ذِكْراً كَثِيراً» و في اخرى عن الصادق (عليه السلام): «تسبيح فاطمة كل يوم في دبر كل صلاة أحبّ إليّ من صلاة ألف ركعة في كل يوم» و الظاهر استحبابه في غير التعقيب أيضاً، بل في نفسه، نعم هو مؤكّد فيه، و عند إرادة النوم لدفع الرؤيا السيِّئة، كما أنّ الظاهر عدم اختصاصه بالفرائض بل هو مستحب عقيب كل صلاة، و كيفيّته: «اللّٰه أكبر» أربع و ثلاثون مرّة، ثمّ «الحمد للّٰه» ثلاث و ثلاثون، ثمّ «سبحان اللّٰه» كذلك، فمجموعها مائة و يجوز تقديم التسبيح على التحميد و إن كان الأولى الأوّل.

[مسألة 19: يستحب أن يكون السبحة بطين قبر الحسين]

[1690] مسألة 19: يستحب أن يكون السبحة بطين قبر الحسين (صلوات اللّٰه عليه) و في الخبر أنّها تسبِّح إذا كانت بيد الرجل من غير أن يسبِّح و يكتب له ذلك التسبيح و إن كان غافلًا.

[مسألة 20: إذا شكّ في عدد التكبيرات أو التسبيحات أو التحميدات بنى على الأقل]

[1691] مسألة 20: إذا شكّ في عدد التكبيرات أو التسبيحات أو التحميدات بنى على الأقل إن لم يتجاوز المحل، و إلّا بنى على الإتيان به، و إن زاد على الأعداد بنى عليها و رفع اليد عن الزائد.

الثالث: لا إلٰه إلّا اللّٰه وحده وحده، أنجز وعده، و نصر عبده، و أعزّ جنده، و غلب الأحزاب وحده، فله الملك و له الحمد، يحيي و يميت، و هو حي لا يموت بيده الخير و هو على كلّ شي‌ء قدير.

الرابع: «اللّٰهمّ اهدني من عندك، و أفض عليّ من فضلك و انشر عليّ من رحمتك، و أنزل عليّ من بركاتك».

398
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 20: إذا شك في عدد التكبيرات أو التسبيحات أو التحميدات بنى على الأقل ؛ ج 15، ص : 398

الخامس: «سبحان اللّٰه و الحمد للّٰه و لا إلٰه إلّا اللّٰه و اللّٰه أكبر» مائة مرّة، أو أربعين، أو ثلاثين.

السادس: «اللّٰهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد و أجرني من النار و ارزقني الجنّة و زوّجني من الحور العين».

السابع: أعوذ بوجهك الكريم و عزّتك التي لا ترام و قدرتك التي لا يمتنع منها شي‌ء من شرّ الدُّنيا و الآخرة و من شرّ الأوجاع كلّها، و لا حول و لا قوّة إلّا باللّٰه العليّ العظيم.

الثامن: قراءة الحمد، و آية الكرسي، و آية شَهِدَ اللّٰهُ أَنَّهُ لٰا إِلٰهَ ... إلخ [آل عمران 3: 17]، و آية الملك [آل عمران 3: 26].

التاسع: «اللّٰهمّ إنِّي أسألك من كل خير أحاط به علمك، و أعوذ بك من كلّ شر أحاط به علمك، اللّٰهمّ إنِّي أسألك عافيتك في أُموري كلّها، و أعوذ بك من خزي الدُّنيا و عذاب الآخرة».

العاشر: «أُعيذ نفسي و ما رزقني ربِّي باللّٰه الواحد الأحد الصمد الّذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفواً أحد، و أُعيذ نفسي و ما رزقني ربِّي بربّ الفلق من شرّ ما خلق إلى آخر السورة-، و أُعيذ نفسي و ما رزقني ربِّي بربّ الناس ملك الناس إلى آخر السورة».

الحادي عشر: أن يقرأ قل هو اللّٰه أحد اثني عشر مرّة ثمّ يبسط يديه و يرفعهما إلى السماء و يقول: «اللّٰهمّ إنِّي أسألك باسمك المكنون المخزون الطهر الطاهر المبارك، و أسألك باسمك العظيم و سلطانك القديم أن تصلِّي على محمّد و آل محمّد، يا واهب العطايا يا مطلق الأُسارى يا فكّاك الرِّقاب من النّار

399
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 21: يستحب في صلاة الصبح أن يجلس بعدها في مصلاه إلى طلوع الشمس ؛ ج 15، ص : 400

أسألك أن تصلِّي على محمّد و آل محمّد، و أن تعتق رقبتي من النار و تخرجني من الدُّنيا آمناً و تدخلني الجنّة سالماً و أن تجعل دعائي أوّله فلاحاً و أوسطه نجاحاً و آخره صلاحاً إنّك أنت علّام الغيوب».

الثاني عشر: الشهادتان و الإقرار بالأئمّة.

الثالث عشر: قبل أن يثني رجليه يقول ثلاث مرّات: «استغفر اللّٰه الّذي لا إلٰه إلّا هو الحيّ القيوم ذو الجلال و الإكرام و أتوب إليه».

الرابع عشر: دعاء الحفظ من النسيان، و هو: سبحان من لا يعتدي على أهل مملكته، سبحان من لا يأخذ أهل الأرض بألوان العذاب، سبحان الرؤوف الرحيم، اللّٰهمّ اجعل لي في قلبي نوراً و بصراً و فهماً و علماً إنّك على كلّ شي‌ء قدير.

[مسألة 21: يستحب في صلاة الصبح أن يجلس بعدها في مصلّاه إلى طلوع الشمس]

[1692] مسألة 21: يستحب في صلاة الصبح أن يجلس بعدها في مصلّاه إلى طلوع الشمس مشتغلًا بذكر اللّٰه.

[مسألة 22: الدُّعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلًا]

[1693] مسألة 22: الدُّعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلًا و كذا الدُّعاء بعد الفريضة أفضل من الدُّعاء بعد النافلة.

[مسألة 23: يستحب سجود الشكر بعد كل صلاة فريضة كانت أو نافلة]

[1694] مسألة 23: يستحب سجود الشكر بعد كل صلاة فريضة كانت أو نافلة و قد مرّ كيفيّته سابقاً.

400
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في الصلاة على النبي(صلى الله عليه و آله) ؛ ج 15، ص : 401

[فصل في الصلاة على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله)]

فصل في الصلاة على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) يستحبّ الصلاة على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) حيث ما ذكر، أو ذكر عنده (1)، و لو كان في الصلاة و في أثناء القراءة،

______________________________
(1) على المشهور بل عن غير واحد كالمحقِّق في المعتبر و العلّامة في المنتهي
«1» دعوى الإجماع عليه، خلافاً للمحكي عن جماعة من القول بالوجوب.

فقد نسبه شيخنا البهائي في مفتاح الفلاح «2» بعد اختياره إلى ابن بابويه و الفاضل المقداد في كنز العرفان كما اختاره صريحاً في الحدائق «3» مصرّاً عليه و نسبه إلى المحدِّث الكاشاني في الوافي و المحقِّق المدقِّق المازندراني في شرحه على أُصول الكافي، و المحدِّث الشيخ عبد اللّٰه بن صالح البحراني و هو الظاهر من عنوان صاحب الوسائل «4».

و كيف ما كان، فالمتبع هو الدليل بعد أن كان منشأ الخلاف اختلاف الأنظار في مفاد الأخبار، فلا بدّ من استعراض النصوص لانكشاف الحال و هي على طوائف.

______________________________
(1) المعتبر 2: 226، المنتهىٰ 1: 293 السطر 22.

(2) مفتاح الفلاح: 113.

(3) الحدائق 8: 463.

(4) الوسائل 7: 201/ أبواب الذكر ب 42.

401
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في الصلاة على النبي(صلى الله عليه و آله) ؛ ج 15، ص : 401

..........

______________________________
الطائفة الأُولى: ما دلّ على وجوب الصلاة عليه (صلّى اللّٰه عليه و آله) مطلقاً كرواية الفضل بن شاذان عن الرِّضا (عليه السلام) «قال: و الصلاة على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) واجبة في كل موطن» «1».

و رواية الأعمش في كتاب الخصال عن جعفر بن محمّد «قال: و الصلاة على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) واجبة في كل المواطن» «2»، و قبل ذلك كلّه الكتاب العزيز قال تعالى إِنَّ اللّٰهَ وَ مَلٰائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً «3».

و الجواب: أمّا عن الآية الشريفة، فلأنّ أقصى مفادها وجوب الصلاة عليه و لو في العمر مرّة واحدة، و لا دلالة لها على الوجوب كلّما ذكر كما هو المدّعى.

و أمّا الروايات، فمضافاً إلى ضعف أسنادها كما لا يخفى، ظاهرة في وجوب الصلاة عليه في كل موطن و إن لم يذكره ذاكر، و هذا ممّا لم يقل أحد بوجوبه.

الطائفة الثانية: الروايات الآمرة بإكثار الصلاة عليه (صلّى اللّٰه عليه و آله) كرواية عبد اللّٰه بن الحسن بن علي عن أبيه عن جدّه «قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): من قال صلّى اللّٰه على محمّد و آله قال اللّٰه (جلّ جلاله) صلّى اللّٰه عليك فليكثر من ذلك» «4».

و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا ذكر النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) فأكثروا الصلاة عليه، فإنّه من صلّى على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) صلاة واحدة صلّى اللّٰه عليه ألف صلاة في ألف صف من الملائكة، و لم يبق‌

______________________________
(1) الوسائل 7: 203/ أبواب الذكر ب 42 ح 8.

(2) الوسائل 7: 205/ أبواب الذكر ب 42 ح 12، الخصال: 607.

(3) الأحزاب 33: 56.

(4) الوسائل 7: 203/ أبواب الذكر ب 42 ح 6.

402
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في الصلاة على النبي(صلى الله عليه و آله) ؛ ج 15، ص : 401

..........

______________________________
شي‌ء ممّا خلقه اللّٰه إلّا صلّى على العبد لصلاة اللّٰه و ملائكته، فمن لم يرغب في هذا فهو جاهل مغرور قد برئ اللّٰه منه و رسوله و أهل بيته»
«1».

و يردّها: مضافاً إلى ضعف السند، أنّ مفادها وجوب الإكثار و لا قائل به. على أنّ متن الثانية مشعر بالاستحباب كما لا يخفى.

و من العجيب أنّ صاحب الحدائق «2» مع تفطنه لذلك استدلّ بها على الوجوب و حمل الإكثار على الاستحباب.

و يندفع بعدم تضمنها حكمين: الأمر بالصلاة و بإكثارها، ليحمل أحدهما على الوجوب و الآخر على الاستحباب، بل تضمنت حكماً واحداً و هو الإكثار فامّا أن يراد به الوجوب أو الاستحباب، و حيث لا سبيل إلى الأوّل فلا جرم يراد به الثاني.

الطائفة الثالثة: ما دلّ على رفع الصوت بالصلاة عليه (صلّى اللّٰه عليه و آله) كصحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سمعته يقول: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): ارفعوا أصواتكم بالصلاة عليّ فإنّها تذهب بالنفاق» «3».

و فيه: مضافاً إلى أنّه لا قائل بوجوب رفع الصوت، أنّ التعليل خير شاهد على الاستحباب.

الطائفة الرابعة: و هي العمدة، النصوص الآمرة بالصلاة عليه عند ذكره (صلّى اللّٰه عليه و آله).

______________________________
(1) الوسائل 7: 193/ أبواب الذكر ب 34 ح 4.

(2) الحدائق 8: 463.

(3) الوسائل 7: 192/ أبواب الذكر ب 34 ح 2.

403
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في الصلاة على النبي(صلى الله عليه و آله) ؛ ج 15، ص : 401

..........

______________________________
فمنها: مرسلة عبيد اللّٰه بن عبد اللّٰه عن رجل عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) في حديث و من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ فلم يغفر اللّٰه له و أبعده اللّٰه» «1».

و هي و إن كانت تامّة الدلالة بل قد يظهر منها أنّ ترك الصلاة عليه (صلّى اللّٰه عليه و آله) من المحرّمات العظيمة، إلّا أنّها كالروايتين الآتيتين ضعيفة السند بالإرسال.

و منها: مرسلة المفيد في المقنعة عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في حديث «إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) قال: قال لي جبرئيل من ذكرت عنده فلم يصلّ عليك فأبعده اللّٰه، قلت آمين ...» إلخ «2».

و منها: مرسلة ابن فهد في عدّة الداعي «قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): أجفى الناس رجل ذكرت بين يديه فلم يصل عليّ» «3».

و هذه مضافاً إلى ضعف السند قاصرة الدلالة أيضاً، إذ التعبير بالجفاء يلائم الاستحباب كما لا يخفى.

و منها: ما رواه الكليني بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) من ذكرت عنده فنسي أن يصلِّي عليّ خطأ اللّٰه به طريق الجنّة» «4».

و هذه الرواية و إن كانت معتبرة لكن الأخذ بظاهرها متعذِّر، لاستقلال‌

______________________________
(1) الوسائل 7: 202/ أبواب الذكر ب 42 ح 3.

(2) الوسائل 7: 206/ أبواب الذكر ب 42 ح 13، المقنعة: 308.

(3) الوسائل 7: 207/ أبواب الذكر ب 42 ح 18، عدّة الداعي: 34.

(4) الوسائل 7: 201/ أبواب الذكر ب 42 ح 1، الكافي 2: 495/ 20.

404
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في الصلاة على النبي(صلى الله عليه و آله) ؛ ج 15، ص : 401

..........

______________________________
العقل بقبح مجازاة الناسي بابعاده عن الجنّة. مضافاً إلى حديث رفع النسيان الدال على سقوط التكاليف الإلزامية عنه بأسرها، و حملها على خلاف ظاهرها بإرادة الترك المطلق من النسيان تصرف في الدلالة من غير قرينة تقتضيه فلا بدّ إذن من ردّ علمها إلى أهله.

و نحوها رواية أنس بن محمّد عن أبيه عن جعفر بن محمّد عن آبائه في وصية النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) لعلي (عليه السلام) «قال: يا علي من نسي الصلاة عليّ فقد أخطأ طريق الجنّة» «1».

و منها: ما رواه الصدوق في معاني الأخبار بإسناده عن عبد اللّٰه بن علي بن الحسن عن أبيه عن جدّه «قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) البخيل حقّا من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ» «2».

و فيه: مضافاً إلى ضعف السند، أنّ التعليل بالبخل مشعر بالاستحباب فهذه النصوص كلّها ساقطة.

و العمدة من هذه الطائفة إنّما هي صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث «قال: و صلّ على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره» «3».

فإنّها ظاهرة الدلالة على الوجوب، و ما ذكره صاحب الذخيرة «4» من عدم دلالة الأوامر في أخبارنا على الوجوب ما لم تنضم إليها قرينة تدل عليه فضعفه غني عن البيان، هذا.

______________________________
(1) الوسائل 7: 202/ أبواب الذكر ب 42 ح 4.

(2) الوسائل 7: 204/ أبواب الذكر ب 42 ح 9، معاني الأخبار 246/ 9.

(3) الوسائل 5: 451/ أبواب الأذان و الإقامة ب 42 ح 1.

(4) ذخيرة المعاد: 289 السطر 12.

405
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في الصلاة على النبي(صلى الله عليه و آله) ؛ ج 15، ص : 401

..........

______________________________
و الظاهر انحصار الرواية الصحيحة في المقام بهذه الصحيحة التي رواها كل من الكليني و الصدوق
«1» بطريق معتبر، فما يظهر من صاحب الحدائق «2» من عدم الانحصار تارة، و من رواية المشايخ الثلاثة لها اخرى، غير واضح لعدم رواية الشيخ لهذه الصحيحة كما نبّه عليه المعلِّق.

و كيف ما كان، فهي بالرغم من قوّة السند و ظهور الدلالة لم يكن بدّ من رفع اليد عنها و حملها على الاستحباب لقرائن تستوجب ذلك و عمدتها ما تكرّرت الإشارة إليه في مطاوي هذا الشرح من أنّ المسألة كثيرة الدوران و محل لابتلاء عامّة الناس، و لعلّه في كل يوم عدّة مرّات، فلو كان الوجوب ثابتاً مع هذه الحالة لأصبح واضحاً جليّا بل يعرفه حتّى النِّساء و الصبيان فكيف خفي على جل الفقهاء بحيث لم يذهب إلى الوجوب إلّا نفر يسير ممّن عرفت، بل لم ينسب إلى القدماء ما عدا الصدوق كما سمعت.

على أنّ السيرة العملية بين المسلمين قد استقرت على عدم الالتزام بالصلاة عليه (صلّى اللّٰه عليه و آله) عند ذكره في القرآن و الأدعية و الزيارات و الروايات و الأذان و الإقامة و ما شاكلها. و لم ترد و لا رواية واحدة تدل على أنّ بلالًا كان يصلِّي عليه (صلّى اللّٰه عليه و آله) عند ذكره أو أنّ المسلمين كانوا يصلّون عليه لدى سماع أذانه أو عند ذكره في حياته.

و من جميع ما ذكرناه تعرف أنّ ما ذكره في الحدائق من أنّ الوجوب في المقام من الواضحات التي لا تعتريها غشاوة الأوهام و أنّ المنكر مكابر صرف، ممّا لا أساس له.

______________________________
(1) الكافي 3: 303/ 7، الفقيه 1: 184/ 875.

(2) الحدائق 8: 462، 463.

406
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في الصلاة على النبي(صلى الله عليه و آله) ؛ ج 15، ص : 401

بل الأحوط عدم تركها لفتوى جماعة من العلماء بوجوبها (1) و لا فرق بين أن يكون ذكره باسمه العَلَمي كمحمّد و أحمد أو بالكنية و اللّقب (2) كأبي القاسم و المصطفى و الرسول و النبيّ، أو بالضمير، و في الخبر الصحيح: «و صلّ على النبيّ كلّما ذكرته، أو ذكره ذاكر عندك في الأذان أو غيره»، و في رواية

______________________________
(1) كما عرفت.

(2) كما صرّح به شيخنا البهائي في مفتاح الفلاح «1»، و المحدِّث الكاشاني في خلاصة الأذكار «2»، نظراً إلى إطلاق النص بعد صدق الذكر على الجميع حتّى الضمير، هذا.

و قد فصّل صاحب الحدائق «3» في الألقاب و الكنى بعد الجزم بالوجوب في الاسم العلمي بين ما كان من الألفاظ المعروفة المشهورة التي جرت في الإطلاقات و المحاورات مثل: الرسول، النبيّ، أبو القاسم، و بين غيرها مثل: خير الخلق، خير البريّة، المختار، فألحق الأوّل بالاسم العلمي كما ألحق الضمائر بالثاني.

و لكنّه غير واضح، فإنّ العبرة بمقتضى إطلاق النص بصدق الذكر من غير فرق بين أنحائه و مصاديقه، و لا ينبغي الريب في صدق الذكر على الجميع عرفاً بمناط واحد حسبما عرفت.

فالظاهر أنّ الحكم وجوباً أو استحباباً يشمل الكل و لا وجه للتفصيل المزبور.

______________________________
(1) مفتاح الفلاح: 117.

(2) خلاصة الأذكار: 84.

(3) الحدائق 8: 464.

407
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 1: إذا ذكر اسمه(صلى الله عليه و آله) مكررا يستحب تكرارها ؛ ج 15، ص : 408

«من ذكرت عنده و نسي أن يصلِّي عليّ خطأ اللّٰه به طريق الجنّة» (1).

[مسألة 1: إذا ذكر اسمه (صلّى اللّٰه عليه و آله) مكرّراً يستحب تكرارها]

[1695] مسألة 1: إذا ذكر اسمه (صلّى اللّٰه عليه و آله) مكرّراً يستحب تكرارها، و على القول بالوجوب يجب (2). نعم، ذكر بعض القائلين بالوجوب يكفي مرّة إلّا إذا ذكر بعدها فيجب إعادتها، و بعضهم على أنّه يجب في كل مجلس مرّة.

[مسألة 2: إذا كان في أثناء التشهّد فسمع اسمه]

[1696] مسألة 2: إذا كان في أثناء التشهّد فسمع اسمه لا يكتفي بالصلاة التي تجب للتشهّد (3).

______________________________
(1) كما مرّت الإشارة إليهما.

(2) ينبغي أن يكون موضوع هذه المسألة ما إذا ذكر اسمه (صلّى اللّٰه عليه و آله) ثانياً قبل الصلاة عليه، أمّا بعدها فلا شبهة في التكرار لحصول موجب جديد، و لا وجه للاكتفاء بما سبق، فمحل الكلام ما إذا لم تتخلّل الصلاة بين الذكرين فهل يجب التكرار حينئذ أو يستحب على الخلاف المتقدِّم، استناداً إلى أصالة عدم التداخل؟

الظاهر العدم، لانسباق العموم الأزماني من قوله (عليه السلام): «كلّما ذكرته» في الصحيحة المتقدِّمة التي هي عمدة المستند في المسألة، لا الأفرادي، أي في كل زمان عرفي ذكر اسمه يصلى عليه، لا أنّه يصلى لكل فرد من أفراد الذكر. إذن فموضوع الصلاة إنّما هو طبيعي الذكر لا أفراده، و مقتضاه الاجتزاء بصلاة واحدة، فلاحظ.

(3) بل يكتفي، فانّ التداخل في المسبّبات و إن كان على خلاف الأصل، فلا يجوز الاكتفاء بغسل واحد عن الجنابة و عن مسّ الميت ما لم يقم عليه دليل بالخصوص، إلّا أنّا ذكرنا في محلّه أنّ النسبة بينها إذا كانت عموماً من وجه‌

408
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 3: الأحوط عدم الفصل الطويل بين ذكره و الصلاة عليه ؛ ج 15، ص : 409

نعم، ذكره في ضمن قوله (1): «اللّٰهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد» لا يوجب تكرارها، و إلّا لزم التسلسل (2).

[مسألة 3: الأحوط عدم الفصل الطويل بين ذكره و الصلاة عليه]

[1697] مسألة 3: الأحوط عدم الفصل الطويل بين ذكره و الصلاة عليه (3) بناءً على الوجوب، و كذا بناءً على الاستحباب في إدراك فضلها و امتثال الأمر الندبي، فلو ذكره أو سمعه في أثناء القراءة في الصلاة لا يؤخر إلى آخرها إلّا إذا كان في أواخرها.

[مسألة 4: لا يعتبر كيفية خاصّة في الصلاة]

[1698] مسألة 4: لا يعتبر كيفية خاصّة في الصلاة (4)

______________________________
إمّا في الموضوع كالأمر بإكرام العالم تارة و بإكرام الهاشمي أُخرى، أو في المتعلِّق كالأمر بصلاة الغفيلة و بنافلة المغرب و منه المقام جاز الاكتفاء بمجمع العنوانين، أخذاً بإطلاق كل من الدليلين و تمام الكلام في محلّه
«1».

(1) أي قول المصلِّي نفسه، فلا تشمل العبارة الصلاة الصادرة من غيره.

(2) و من ثمّ كان إطلاق الدليل منصرفاً عنه، و أمّا ما يصدر من غيره فلا ينبغي التأمّل في كونه مشمولًا للإطلاق.

(3) بل الأظهر ذلك، لانسباق الفورية العرفية من كلمة «ما» الزمانية الواردة في قوله (عليه السلام) في الصحيح المتقدِّم «2» «كلّما ذكرته ...» إلخ ضرورة عدم صدق الصلاة في زمان ذكره أو عند ذكره مع الفصل الطويل، فلو ذكر اسمه نهاراً و صلّى عليه ليلًا لا يقال إنّه صلّى عليه عند ذكره، و هذا واضح.

(4) للإطلاق.

______________________________
(1) محاضرات في أُصول الفقه 5: 124.

(2) في ص 405.

409
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 5: إذا كتب اسمه(صلى الله عليه و آله) يستحب أن يكتب الصلاة عليه ؛ ج 15، ص : 410

بل يكفي في الصلاة عليه كل ما يدل عليها مثل (صلّى اللّٰه عليه) و «اللّٰهمّ صلّ عليه» و الأولى (1) ضمّ الآل إليه.

[مسألة 5: إذا كتب اسمه (صلّى اللّٰه عليه و آله) يستحب أن يكتب الصلاة عليه]

[1699] مسألة 5: إذا كتب اسمه (صلّى اللّٰه عليه و آله) يستحب أن يكتب الصلاة عليه (2).

[مسألة 6: إذا تذكّره بقلبه فالأولى أن يصلِّي عليه لاحتمال شمول قوله (عليه السلام): «كلّما ذكرته ...»]

[1700] مسألة 6: إذا تذكّره بقلبه فالأولى أن يصلِّي عليه لاحتمال شمول قوله (عليه السلام): «كلّما ذكرته ...» إلخ، لكن الظاهر إرادة الذكر اللِّساني دون القلبي.

[مسألة 7: يستحب عند ذكر سائر الأنبياء و الأئمّة أيضاً ذلك. نعم]

[1701] مسألة 7: يستحب عند ذكر سائر الأنبياء و الأئمّة أيضاً ذلك. نعم، إذا أراد أن يصلِّي على الأنبياء أوّلًا يصلِّي على النبيّ و آله (صلّى اللّٰه عليه و آله) ثمّ عليهم، إلّا في ذكر إبراهيم (عليه السلام) ففي الخبر عن معاوية بن عمار قال: «ذكرت عند أبي عبد اللّٰه الصادق (عليه السلام) بعض الأنبياء فصلّيت عليه فقال (عليه السلام): إذا ذكر أحد من الأنبياء فابدأ بالصلاة على محمّد و آله ثمّ عليه».

______________________________
(1) بل هو المتعيِّن كما تقدّم
«1» مستوفى في مبحث التشهّد.

(2) لا تعرّض لخصوص ذلك في النصوص، و لكن يمكن استفادته منها و إلحاق الذكر الكتبي باللّفظي. إمّا بالتوسعة في الذكر الوارد في الصحيح بشموله للذكر القلبي الحاصل طبعاً حين الكتابة، أو بتنقيح المناط القطعي و تعميمه حيث إنّه الاحترام و التوقير و التبجيل و التجليل المشترك بين الموردين.

______________________________
(1) في ص 255.

410
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في مبطلات الصلاة ؛ ج 15، ص : 411

[فصل في مبطلات الصلاة]

فصل في مبطلات الصلاة و هي أُمور،

[أحدها: فقد بعض الشرائط في أثناء الصلاة]

أحدها: فقد بعض الشرائط في أثناء الصلاة كالستر و إباحة المكان و اللِّباس و نحو ذلك ممّا مرّ في المسائل المتقدِّمة (1).

[الثاني: الحدث الأكبر أو الأصغر]

الثاني: الحدث الأكبر أو الأصغر، فإنّه مبطل أينما وقع فيها و لو قبل الآخر بحرف، من غير فرق بين أن يكون عمداً (2)

______________________________
(1) لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه و قد مرّ البحث عنها مشبعاً في محالها.

(2) إجماعاً كما صرّح به غير واحد، بل في المدارك «1» إجماع العلماء عليه كافّة، بل عن شرح المفاتيح «2» احتمال عدّه من ضروريات الدين أو المذهب و لم ينسب الخلاف إلّا إلى الصدوق «3» في خصوص ما لو صدر الحدث بعد السجدة الثانية من الركعة الأخيرة و ستعرف الحال فيه.

و كيف ما كان، فيستدل للبطلان بعد الإجماع المزبور بأُمور:

أحدها: أنّ اشتراط الصلاة بالطهارة ممّا لا غبار عليه كما تقدّم في محلّه و المشروط ينتفي بانتفاء شرطه.

و فيه: أنّ الشرطية و إن كانت مسلّمة لكن المتيقن منها الاشتراط في طابع خاص و هو ذوات الأجزاء دون الأكوان المتخلِّلة، سيّما بعد ما عرفت فيما سبق من عدم كونها من الصلاة فلا يعتبر فيها ما يعتبر في الصلاة.

______________________________
(1) المدارك 3: 455.

(2) حكاه عنه في مفتاح الكرامة 3: 2 السطر 9.

(3) الفقيه 1: 233 ذيل الحديث 1030.

411
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الحدث الأكبر أو الأصغر ؛ ج 15، ص : 411

..........

______________________________
و دعوى: أنّ المستفاد ممّا دلّ على أنّ تحريمها التكبير و تحليلها التسليم، أنّ مجموع الصلاة عمل وحداني ذو هيئة اتِّصالية فالحدث الواقع أثناءها قاطع للهيئة و مبطل لهذا العمل الواحد المتّصل، فلا مناص من الإعادة، يدفعها: مضافاً إلى ضعف أسناد تلك الأخبار كما تقدّم في محلّه «1»، أنّه لا يستفاد منها أكثر من كون الصلاة عملًا واحداً مركّباً من سلسلة أجزاء معيّنة، و أمّا تأليفها حتّى من الأكوان المتخلِّلة بحيث يكون وقوع الحدث فيها مخلّاً بها فهو أوّل الكلام، و النصوص المزبورة لا تدل عليه بوجه.

ثانيها: أنّ المحدث أثناء الصلاة إن تصدّى لتحصيل الطهارة بطلت صلاته من أجل الفعل الكثير الماحي للصورة، و إلّا خلت بقية الأجزاء عن الطهارة المعتبرة فيها، فلا مناص من البطلان.

و يندفع: بعدم الاطراد، لجواز حضور الماء لديه و الاقتصار على أقل الواجب في أقرب وقت ممكن من دون صدور أيّ فعل ماح للصورة، و لو كانت وظيفته التيمم فالأمر أوضح، فالدليل إذن أخص من المدّعى.

ثالثها: و هو العمدة، الروايات الكثيرة الدالّة على بطلان الصلاة بالحدث الواردة في الأبواب المختلفة و الموارد المتفرِّقة كالمبطون و المسلوس و غيرهما ممّا لا يخفى على من لاحظها، غير أنّ بإزائها روايتين دلّتا على عدم البطلان.

إحداهما: صحيحة الفضيل بن يسار قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) أكون في الصلاة فأجد غمزاً في بطني أو أذى أو ضرباناً، فقال: انصرف ثمّ توضأ و ابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمِّداً، و إن تكلّمت ناسياً فلا شي‌ء عليك، فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسياً، قلت:

______________________________
(1) في ص 296.

412
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الحدث الأكبر أو الأصغر ؛ ج 15، ص : 411

..........

______________________________
و إن قلب وجهه عن القبلة؟ قال: نعم، و إن قلب وجهه عن القبلة»
«1».

ثانيتهما: رواية أبي سعيد القماط قال: «سمعت رجلًا يسأل أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن رجل وجد غمزاً في بطنه أو أذى أو عصراً من البول و هو في صلاة المكتوبة في الركعة الأُولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة، فقال: إذا أصاب شيئاً من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك فيتوضّأ ثمّ ينصرف إلى مصلّاه الّذي كان يصلِّي فيه فيبني على صلاته من الموضع الّذي خرج منه لحاجته ما لم ينقض الصلاة بالكلام. قال قلت: و إن التفت يميناً أو شمالًا أو ولّى عن القبلة؟ قال: نعم، كل ذلك واسع إنّما هو بمنزلة رجل سها فانصرف في ركعة أو ركعتين أو ثلاثة من المكتوبة، فإنّما عليه أن يبني على صلاته ثمّ ذكر سهو النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله)» «2».

لكن الثانية ضعيفة السند، فانّ موسى بن عمر بن يزيد لم يوثق عند القوم، على أنّ الظاهر أنّ المراد بابن سنان هو محمّد بقرينة الراوي و المروي عنه فلا يعبأ بها.

و أمّا الاولى: فمضافاً إلى لزوم حملها على التقيّة لمخالفتها للإجماع بل الضرورة حسبما سمعت معارضة في موردها بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه قال: «و سألته عن رجل وجد ريحاً في بطنه فوضع يده على أنفه و خرج من المسجد حتّى أخرج الرِّيح من بطنه ثمّ عاد إلى المسجد فصلّى فلم يتوضّأ هل يجزئه ذلك؟ قال: لا يجزئه حتّى يتوضّأ و لا يعتد بشي‌ء ممّا صلّى» «3» و المرجع بعد التساقط إطلاقات مبطلية الحدث في الأثناء كما عرفت.

______________________________
(1) الوسائل 7: 235/ أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 9.

(2) الوسائل 7: 237/ أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 11.

(3) الوسائل 7: 235/ أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 8.

413
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الحدث الأكبر أو الأصغر ؛ ج 15، ص : 411

أو سهواً (1) أو اضطراراً (2)

______________________________
أضف إلى ذلك: أنّ الروايتين في أنفسهما غير صالحتين للاستدلال، لتضمنهما عدم البطلان حتّى مع استدبار القبلة. و هذا لا قائل به، بل مخالف لضرورة الفقه. على أنّ الثانية دلّت على جواز سهو النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) و هو أيضاً كما ترى.

فتحصّل: أنّ البطلان في صورة العمد ممّا لا ينبغي التردّد فيه.

(1) لإطلاق الأخبار و معاقد الإجماع، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه صريحاً. نعم، نسب إلى بعضهم كما حكاه في الشرائع «1» عدم البطلان لو أحدث سهواً، و لكن الظاهر على ما أشار إليه المحقِّق الهمداني (قدس سره) «2» أنّ مرادهم بالحدث السهوي في المقام ما يقابل العمد، أي الخارج اضطراراً و بلا اختيار، فيختص بمن سبقه الحدث، لا السهو عن كونه في الصلاة مع اختيارية الحدث الّذي هو محل الكلام، و ذلك مضافاً إلى ظهور عبائرهم في ذلك، أنّه لم ترد الصحّة مع السهو حتّى في رواية ضعيفة ليتوهّم منها ذلك فلاحظ.

(2) على المشهور و المعروف بين الأصحاب، بل ادّعي عليه الإجماع، غير أنّ جماعة ذهبوا إلى عدم البطلان استناداً إلى صحيحة الفضيل، و رواية القماط المتقدِّمتين «3» بدعوى أنّ قول السائل «فأجد غمزاً في بطني أو أذى أو ضرباناً» كناية عن خروج الرِّيح من غير الاختيار من باب ذكر السبب و إرادة المسبب.

و فيه: أنّ هذه الدعوى غير بيّنة و لا مبيّنة، و عهدتها على مدّعيها، و لا‌

______________________________
(1) الشرائع 1: 110.

(2) مصباح الفقيه (الصلاة): 399 السطر 5.

(3) في ص 412، 413.

414
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الحدث الأكبر أو الأصغر ؛ ج 15، ص : 411

..........

______________________________
قرينة على رفع اليد عن ظاهرهما من كون السؤال عمّن يجد في بطنه غمزاً أو أذى، و أنّه هل يجوز له في هذه الحالة تحصيل الراحة بإخراج الرِّيح اختياراً، أو أنّه يجب عليه الصبر و المقاومة إلى أن يفرغ من الصلاة؟ فالسؤال عن حكم ما قبل الخروج لا ما بعده.

و الّذي يكشف عمّا ذكرناه: ورود مثل هذا التعبير في صحيحة عليّ بن جعفر المتقدِّمة و صحيحة عبد الرّحمن بن الحجاج قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه و هو يستطيع أن يصبر عليه أ يصلِّي على تلك الحال أو لا يصلِّي؟ فقال: إن احتمل الصبر و لم يخف إعجالًا عن الصلاة فليصلّ و ليصبر» «1».

فان لسان الكل يفرغ عن شي‌ء واحد و هو السؤال عن حكم الإخراج الاختياري لدى عروض شي‌ء من هذه العوارض.

و كيف ما كان، فيدل على المشهور مضافاً إلى إطلاقات الأدلّة موثقة عمار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سئل عن الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حبّ القرع كيف يصنع؟ قال: إن كان خرج نظيفاً من العذرة فليس عليه شي‌ء و لم ينقض وضوءه، و إن خرج متلطخاً بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء و إن كان في صلاته قطع الصلاة و أعاد الوضوء و الصلاة» «2» فانّ من الواضح أنّ الخروج المفروض فيها غير اختياري و مع ذلك حكم (عليه السلام) بالإعادة لدى التلطخ بالعذرة.

فتحصّل: أنّ الأظهر ما عليه المشهور من بطلان الصلاة بالحدث من غير فرق بين العمد و السهو و الاضطرار.

بقي الكلام في أمرين:

______________________________
(1) الوسائل 7: 251/ أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 1.

(2) الوسائل 1: 259/ أبواب نواقض الوضوء ب 5 ح 5.

415
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الحدث الأكبر أو الأصغر ؛ ج 15، ص : 411

..........

______________________________
أحدهما: أنّه نسب إلى المفيد في المقنعة «1» التفصيل في قاطعية الحدث بين المتيمم الّذي يسبقه الحدث أثناء الصلاة و يجد الماء و بين غيره سواء أ كان متيمماً و لم يجد الماء أم متوضئاً فأوجب البناء في الأوّل و الاستئناف في الثاني. و قد اختاره الشيخ في النهاية و المبسوط «2» كابن أبي عقيل «3» و قوّاه في المعتبر «4».

و المستند في البناء المزبور صحيحة زرارة المرويّة بطرق عديدة كلّها معتبرة «أنّه سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل دخل في الصلاة و هو متيمم فصلّى ركعة ثمّ أحدث فأصاب ماءً، قال: يخرج و يتوضّأ ثمّ يبني على ما مضى من صلاته التي صلّى بالتيمم» «5».

و قد حملها الشيخ «6» على حصول الحدث نسياناً بعد أن خصّ الحكم بموردها و هو التيمم، و أنّه بذلك يرتكب التقييد في إطلاقات قاطعية الحدث و يفرّق بين المتيمم و المتوضي.

و ذكر المحقِّق في المعتبر «7» في توجيه هذا الفرق بأنّ التيمم مبيح لا رافع، إذن فالحدث أثناء الصلاة لا أثر له، إذ لا حدث بعد الحدث، بل غايته ارتفاع الاستباحة بقاءً بوجدان الماء في مفروض المسألة، فإذا جدّد الوضوء و بنى فقد تمّت صلاته، مقدار منها بالتيمم السابق و مقدار بالوضوء اللّاحق.

و هذا بخلاف المتوضي فإنّه بعد ارتفاع الحدث بالوضوء و حصول الطهارة‌

______________________________
(1) المقنعة: 61.

(2) النهاية: 48، المبسوط 1: 117.

(3) حكاه عنه في المختلف 1: 281.

(4) المعتبر 1: 407.

(5) الوسائل 7: 236/ أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 10.

(6) التهذيب 1: 205/ ذيل ح 595.

(7) المعتبر 1: 407.

416
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الحدث الأكبر أو الأصغر ؛ ج 15، ص : 411

..........

______________________________
فالحدث العارض في الأثناء رافع لها و قاطع للصلاة، فلا مناص من الاستئناف.

و يندفع: بابتناء الفرق على القول بالاستباحة و هو خلاف التحقيق، بل الصواب أنّ التيمم أيضاً رافع كالوضوء فانّ التراب طهور كالماء على ما يقتضيه قوله (عليه السلام): التراب أحد الطهورين «1»، و غيره من النصوص التي منها نفس هذه الصحيحة حيث ذكر في صدرها: «... لمكان أنّه دخلها و هو على طهر بتيمم ...» إلخ «2».

على أنّ مقتضى هذه المقالة أنّ المتيمم المزبور لو أحدث أثناء الصلاة بما يوجب الغسل، أو بما يوجب الوضوء و لكنّه لم يجد الماء، أنّه يغتسل في الأوّل و يتيمم في الثاني و يبني على صلاته، و هو كما ترى لا يظن أن يلتزم به فقيه حتّى نفس هذا القائل.

فالصواب حينئذ أن يقال: إنّ مورد الصحيحة و إن كان هو التيمم إلّا أنّه يمنعنا عن تخصيص الحكم به أمران:

أحدهما: أنّ الطهارة الحاصلة في مورده و هو بدل عن الوضوء لو لم تكن أضعف من الحاصلة في مورد الوضوء فلا ريب أنّها لم تكن أقوى منها، ضرورة أنّ البدل لا يكون أعظم شأناً و أقوى تأثيراً من المبدل منه. و عليه فكيف يمكن الحكم بانتقاض الصلاة بالحدث الصادر من المتوضي دون المتيمم، فان هذا بعيد في نفسه بل غريب.

ثانيهما: أنّ التعبير بالطهر في صدر الحديث كما عرفت كاشف عن أنّ العبرة بمطلق الطهارة من دون خصوصية للتيمم. إذن فالمستفاد من الصحيحة تعميم الحكم لمطلق الطهور حتّى الوضوء، و هذا شي‌ء لا يمكن تصديقه، لكونه على‌

______________________________
(1) الوسائل 3: 385/ أبواب التيمم ب 23 (نقل بالمضمون).

(2) الوسائل 3: 382/ أبواب التيمم ب 21 ح 4.

417
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الحدث الأكبر أو الأصغر ؛ ج 15، ص : 411

..........

______________________________
خلاف النصوص السابقة الناطقة بناقضية الحدث للطهارة و قاطعيته للصلاة.

فلا بدّ إذن من حمل الصحيحة على التقيّة أو ردّ علمها إلى أهله، إذ لا سبيل للعمل بها بوجه.

الأمر الثاني: تقدّم «1» أنّ الصدوق نسب إليه القول بعدم ناقضية الحدث إذا كان بعد السجدة الثانية من الركعة الأخيرة، و لعلّ الظاهر منه شمول الحكم لصورة العمد أيضاً و اختاره المجلسي «2». و يستدل له بجملة من النصوص:

كصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه في السجدة الأخيرة و قبل أن يتشهّد، قال: ينصرف فيتوضّأ فإن شاء رجع إلى المسجد، و إن شاء ففي بيته و إن شاء حيث شاء قعد فيتشهّد ثمّ يسلِّم، و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته» «3».

و موثقة عبيد بن زرارة قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير فقال: تمّت صلاته، و إنّما التشهّد سنّة في الصلاة فيتوضأ و يجلس مكانه أو مكاناً نظيفاً فيتشهّد» «4».

و موثقته الأُخرى عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل صلّى الفريضة فلمّا فرغ و رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الرابعة أحدث فقال: أما صلاته فقد مضت و بقي التشهّد و إنّما التشهّد سنّة في الصلاة، فليتوضأ و ليعد إلى مجلسه أو مكان نظيف فيتشهّد» «5».

______________________________
(1) في ص 411.

(2) البحار 81: 282.

(3) الوسائل 6: 410/ أبواب التشهّد ب 13 ح 1.

(4) الوسائل 6: 411/ أبواب التشهّد ب 13 ح 2.

(5) الوسائل 6: 412/ أبواب التشهّد ب 13 ح 4.

418
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الحدث الأكبر أو الأصغر ؛ ج 15، ص : 411

..........

______________________________
و يندفع: بعدم كون النظر في هذه النصوص إلى عدم قاطعية الحدث الواقع أثناء الصلاة في خصوص هذا المورد أي بعد السجدة الأخيرة من الركعة الأخيرة كي تكون تخصيصاً في دليل القاطعية، بل الظاهر منها وقوع الحدث حينئذ خارج الصلاة، لكون التشهّد سنّة كما زعمه جماعة من العامّة كأبي حنيفة و غيره من النافين لجزئية التشهّد، بل أنكر بعضهم حتّى جزئية التشهّد الأوّل «1».

و عليه فتكون هذه النصوص معارضة بالنصوص الكثيرة الناطقة بالجزئية حسبما تقدّم في محلّه «2»، فلا جرم تكون محمولة على التقيّة.

و يرشدك إلى ذلك كثرة سؤال الرواة عن حكم هذه المسألة مع عدم الابتلاء بها إلّا نادراً، لشذوذ صدور الحدث بعد السجدة الأخيرة من الركعة الأخيرة فيعلم من ذلك أنّ ثمة خصوصية دعتهم إلى الإكثار من هذا السؤال، و ليست إلّا ما عرفت من ذهاب العامّة إلى الجواز، و إلّا فلما ذا لم يسأل عن حكم الحدث في الركعة الأُولى أو الثانية أو الثالثة، أو بعد الركوع، أو ما بين السجدتين مع وحدة المناط في الكل.

و مع الإغماض و تسليم كون النصوص ناظرة إلى التخصيص في دليل القاطعية فهي بأسرها معارضة بمعتبرة الحسن بن الجهم قال: «سألته يعني أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل صلّى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة قال: إن كان قال: أشهد أن لا إلٰه إلّا اللّٰه و أشهد أنّ محمّداً رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) فلا يعد، و إن كان لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد» «3».

______________________________
(1) بداية المجتهد 1: 129، المنتقى للباجي 1: 168، المغني 1: 613، 614.

(2) في ص 243.

(3) الوسائل 7: 234/ أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 6.

419
موسوعة الإمام الخوئي15

الثاني: الحدث الأكبر أو الأصغر ؛ ج 15، ص : 411

عدا ما مرّ في حكم المسلوس و المبطون و المستحاضة. نعم، لو نسي السلام ثمّ أحدث فالأقوى عدم البطلان (1) و إن كان الأحوط الإعادة أيضاً.

______________________________
فإنّ السند لا غمز فيه إلّا من ناحية عباد بن سليمان و هو من رجال كامل الزيارات.

و ما عن المحقِّق الهمداني (قدس سره) «1» من الجمع بينهما بحمل الأمر بالإعادة على الاستحباب كما ترى، لما تقدّم غير مرّة من أنّ الأمر المزبور إرشاد إلى الفساد و استحبابه ممّا لا محصل له، فلا مناص من الإذعان باستقرار المعارضة و المرجع بعد التساقط إطلاق دليل القاطعية.

هذا كلّه في الحدث الواقع بعد السجدتين قبل الشهادتين.

و أمّا الواقع بعد الشهادة قبل التسليم فمقتضى النصوص المتقدِّمة حتّى المعتبرة و كذا صحيحة أُخرى لزرارة «2» و إن كان هو الصحّة أيضاً، إلّا أنّ ذلك من أجل وقوع الحدث خارج الصلاة كما يكشف عنه ما اشتملت عليه من التعبير بالتمامية و أنّه مضت صلاته، و لكنّها معارضة بالنصوص الكثيرة الدالّة على جزئية التسليم و قد تقدّمت في محلّها «3» فلا بدّ إذن من حمل هذه النصوص على التقيّة أو التصرّف فيها بإرادة وقوع الحدث بعد التشهّد و ما يلحق به من التسليم.

(1) كما تقدّم «4» البحث عنه مستوفى و بنطاق واسع في مباحث التسليم، فراجع و لا نعيد.

______________________________
(1) مصباح الفقيه (الصلاة): 401 السطر 6.

(2) الوسائل 6: 424/ أبواب التسليم ب 3 ح 2.

(3) في ص 304.

(4) في ص 321.

420
موسوعة الإمام الخوئي15

الثالث: التكفير ؛ ج 15، ص : 421

[الثالث: التكفير]

الثالث: التكفير [1] (1)

______________________________
(1) غير خفي أنّ عملية التكفير لم تكن معهودة في عصر النبيّ الأعظم (صلّى اللّٰه عليه و آله) و إن نطقت به جملة من النصوص المرويّة من غير طرقنا فإنّها بأجمعها مفتعلة و عارية عن الصحّة، ضرورة أنّه لو كان لشاع و بان و كان يعرفه حتّى الصبيان، و أصبح من الواضحات المتواترة كسائر أفعال الصلاة و كيف يخفى مثل هذا الأمر الظاهر البارز الّذي استمرّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) عليه طيلة تلك الفترة الطويلة و السنين العديدة، و ما هو معنى السؤال عن حكمه من الأئمّة (عليهم السلام)، و أيّ موقع للجواب عنه كما في صحيحة ابن جعفر الآتية
«1» بأنّه عمل و ليس في الصلاة عمل، مع قرب العهد، و أيّ وجه للخلاف بين العامّة في كيفية وضع اليدين و أنّه فوق السرّة أو تحتها.

إذن فلا ينبغي التردّد في كونه من البدع المستحدثة بعد عصره (صلّى اللّٰه عليه و آله) إمّا في زمن الخليفة الأوّل كما قيل به، أو الثاني و لعلّه الأظهر، كما جاء في الأثر من أنّه لمّا جي‌ء بأُسارى الفرس إلى عمر و شاهدهم على تلك الهيئة فاستفسر عن العلّة أُجيب بأنّهم هكذا يصنعون أمام ملوكهم تعظيماً و إجلالًا، فاستحسنه و أمر بصنعه في الصلاة، لأنّه تعالى أولى بالتعظيم.

و كيف ما كان، فيقع الكلام تارة في حكم التكفير تكليفاً و وضعاً، و أُخرى في موضوعه فهنا مقامان.

أمّا المقام الأوّل: فالتكفير الواقع في الصلاة و يسمّى التكتف أيضاً يتصوّر‌

______________________________
[1] على الأحوط، و لا يختص الحكم بالنحو الّذي يصنعه غيرنا، هذا إذا لم يكن بقصد الجزئية و إلّا فهو مبطل جزماً.

______________________________
(1) في ص 425.

421
موسوعة الإمام الخوئي15

الثالث: التكفير ؛ ج 15، ص : 421

..........

______________________________
على أنحاء:

أحدها: أن يقصد به الجزئية للصلاة، و لا شبهة في حرمته و في مبطليته. أمّا الأوّل فللتشريع. و أمّا الثاني فلكونه من الزيادة العمدية القادحة، و هذا واضح من غير حاجة إلى ورود دليل بالخصوص.

ثانيها: أن يؤتى به لا بقصد الجزئية للصلاة، بل بعنوان العبودية و الخضوع و الخشوع المأمور بها حال الصلاة كما هو الدارج عند العامّة، و لا ريب في حرمته أيضاً لمكان التشريع. و أمّا البطلان فمقتضى القاعدة عدمه بعد وضوح أنّ الحرمة المزبورة لا تستوجبه ما لم يرجع التشريع إلى التقييد في مقام الامتثال فإنّه عمل خارج عن الصلاة كالنظر إلى الأجنبية أثناءها.

نعم، قد يستدل له بقوله (عليه السلام) في صحيحة محمّد بن مسلم الآتية «1» «ذلك التكفير لا تفعل» بدعوى ظهور النهي في باب المركبات الارتباطية في الإرشاد إلى المانعية.

و فيه: أنّ الأمر و إن كان كذلك و لكنّه خاص بما إذا لم يكن الفعل المنهي عنه محرّماً في نفسه كالصلاة فيما لا يؤكل لحمه، دون مثل المقام ممّا هو في نفسه حرام لمكان التشريع، فانّ الإرشاد إلى الفساد حينئذ غير واضح كما لا يخفى.

على أنّه مع التسليم فهي معارضة بقوله (عليه السلام) في صحيحة علي بن جعفر: «فان فعل فلا يعود» «2» الصريح في عدم الفساد.

ثالثها: أن يؤتى به لا بقصد الجزئية، و لا بعنوان الخضوع و العبودية، فهل هو أيضاً محرّم و مبطل؟ اختار الماتن (قدس سره) عدمهما، و لكن ظاهر المشهور القائلين بهما، بل الإجماع المدّعى عليهما تعميم الحكم لهذه الصورة أيضاً، فالتكفير‌

______________________________
(1) في ص 424.

(2) الآتية في ص 425.

422
موسوعة الإمام الخوئي15

الثالث: التكفير ؛ ج 15، ص : 421

..........

______________________________
بنفسه محرّم ذاتاً و من موانع الصلاة كالتكلّم و القهقهة و نحوهما، و ليست المانعية تشريعية.

و يشهد لهذا التعميم استثناؤهم صورة التقيّة، فإن من البيِّن جدّاً عدم انسحابها في موارد الحرمة التشريعية فإنّها متقوّمة بالقصد و لا معنى للتقيّة فيه ضرورة أنّ المتكتِّف لأجل التقيّة لا يقصد التشريع بتكتّفه بل دفع ضرر المخالفين عن نفسه، فلو لم يكن العمل في حد ذاته محرّماً و مبطلًا كان الاستثناء حينئذٍ منقطعاً كما نبّه عليه المحقق الهمداني (قدس سره) «1» و انّما يتّجه الاستثناء المتّصل فيما إذا كان العمل في نفسه كذلك كبقية المنافيات من القهقهة و نحوها.

و قد فهم المحقِّق أيضاً هذا المعنى حيث اختار الكراهة تبعاً لأبي الصلاح «2» مستدلّاً عليها باستلزام التكتف ترك المستحب و هو وضع اليدين على الفخذين، فان في هذا الاستدلال دلالة واضحة على أنّه يرى أنّ المكروه إنّما هو ذات العمل مطلقاً فإنّه الموجب للترك المزبور المستتبع للكراهة العرضية لا خصوص ما قصد به العبودية، بل إنّ هذا حرام لمكان التشريع كما عرفت فكيف يقول بالكراهة.

و كيف ما كان، فقد عرفت أنّ المشهور هو الحرمة و البطلان، بل عن السيِّد المرتضى «3» دعوى الإجماع على ذلك.

و يستدل لهم بوجوه: أحدها: دعوى الإجماع.

و فيه: مع أنّها موهونة لذهاب جماعة إلى الخلاف كالمحقِّق في المعتبر و أبي الصلاح و غيرهما، أنّه على تقدير تسليمه لم يكن إجماعاً تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم بعد احتمال استناد المجمعين إلى الوجوه الآتية، بل إنّ هذا هو‌

______________________________
(1) مصباح الفقيه (الصلاة): 401 السطر 35.

(2) المعتبر 2: 257، الكافي في الفقه: 125.

(3) الانتصار: 141.

423
موسوعة الإمام الخوئي15

الثالث: التكفير ؛ ج 15، ص : 421

..........

______________________________
الظاهر منهم لتعويل أكثرهم عليها.

ثانيها: قاعدة الاحتياط. و يدفعها: مضافاً إلى أنّ مقتضى الإطلاق في دليل القراءة عدم التقييد بالتجرّد عن التكتف، أنّ المرجع إنّما هي أصالة البراءة بناءً على ما هو الصواب من لزوم الرجوع إليها في الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطيين دون الاشتغال.

ثالثها: أنّ ذلك هو مقتضى توقيفية العبادات.

و يندفع: بأنّ مقتضى التوقيفية عدم جواز الإتيان بشي‌ء بقصد العبودية ما لم يسوّغه دليل شرعي، و إلّا كان تشريعاً محرّماً و هو حق لا نضايق عنه. و أمّا من دون هذا القصد كما هو مورد الفرض فلا يتوقف جوازه على نهوض دليل عليه بالخصوص، إذ لا ارتباط له بتوقيفية العبادة فإنّها سالبة بانتفاء الموضوع.

رابعها: أنّه من الفعل الكثير المبطل للصلاة.

و لكنّه كما ترى، بل في غاية الضعف، ضرورة أنّ المبطل منه ما كان ماحياً للصورة، و لا محو جزماً، إذ أيّ فرق بين وضع إحدى اليدين على الأُخرى و بين وضعهما على الفخذين، أو الظهر أو الرأس و نحوها ممّا لا يحتمل فيه البطلان بل الأوّل منها مستحب و لا يكون الماحي للصورة مستحباً بالضرورة.

خامسها: و هي العمدة الروايات و إليك عرضها:

إحداها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «قلت له الرجل يضع يده في الصلاة و حكى اليمنى على اليسرى فقال: ذلك التكفير لا تفعل» «1».

الثانية: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «... و لا تكفّر فإنّما‌

______________________________
(1) الوسائل 7: 265/ أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 1.

424
موسوعة الإمام الخوئي15

الثالث: التكفير ؛ ج 15، ص : 421

..........

______________________________
يصنع ذلك المجوس»
«1» و نحوها مرسلة حريز «2».

الثالثة: صحيحة علي بن جعفر قال: «قال أخي قال علي بن الحسين (عليه السلام): وضع الرجل إحدى يديه على الأُخرى في الصلاة عمل و ليس في الصلاة عمل» «3».

الرابعة: صحيحته الأُخرى «سألته عن الرجل يكون في صلاته أ يضع إحدى يديه على الأُخرى بكفّه أو ذراعه؟ قال: لا يصلح ذلك فان فعل فلا يعود له» «4».

الخامسة: ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده عن علي (عليه السلام) في حديث الأربعمائة «قال: لا يجمع المسلم يديه في صلاته و هو قائم بين يدي اللّٰه (عزّ و جلّ) يتشبّه بأهل الكفر، يعني المجوس» «5».

و لكن شيئاً منها لا يصلح للاستدلال.

أمّا الأُوليان: و ما بمضمونهما، فلأنّ المنهي عنه فيها إنّما هو عنوان التكفير المشروب في مفهومه الخضوع و الخشوع و العبودية على نحو ما يصنعه العامّة و لا ريب في حرمته لكونه من التشريع المحرّم كما تقدّم. و أمّا ذات العمل منعزلًا عن هذا العنوان الّذي هو محل الكلام فلا دلالة فيها على حرمته بوجه.

و أمّا الثالثة: فالممنوع فيها و إن كان هو نفس العمل و ذات التكتّف لا بعنوان التكفير إلّا أنّ الأخذ بظاهرها متعذِّر، لعدم احتمال البطلان بكل عمل واقع أثناء الصلاة على سبيل الضابطة الكلِّيّة و إن لم يكن ماحياً للصورة حسبما يقتضيه الجمود على ظاهر الصحيحة كحك الرأس، أو وضع اليد على الظهر و ما شاكلهما ممّا هو مثل التكتف في عدم كونه ماحياً، فانّ ذلك مقطوع البطلان. فلا مناص‌

______________________________
(1) الوسائل 7: 266/ أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 2، 3، 4، 5.

(2) الوسائل 7: 266/ أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 2، 3، 4، 5.

(3) الوسائل 7: 266/ أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 2، 3، 4، 5.

(4) الوسائل 7: 266/ أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 2، 3، 4، 5.

(5) الوسائل 7: 267/ أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 7، الخصال: 622.

425
موسوعة الإمام الخوئي15

الثالث: التكفير ؛ ج 15، ص : 421

..........

______________________________
من حملها إمّا على أنّ المراد من العمل العمل الصلاتي، أي المأتي به بعنوان كونه من أفعال الصلاة و أجزائها تشريعاً و بدعة، فيكون حاصل المعنى أنّ التكتف بدعة و لا بدعة في الصلاة، أو على أنّ المراد أنّ التكتّف عمل خارجي شاغل للقلب مانع عن الإقبال و التوجّه، و لا ينبغي الإتيان في الصلاة بعمل غير أفعالها، فيكون النهي حينئذ محمولًا على الكراهة كما أُشير إليه في بعض النصوص. و على أيّ حال فلا تصلح للاستدلال بها لمحل الكلام.

و أمّا الرابعة: فهي على خلاف المطلوب أدل، للاقتصار على النهي عن العود من غير أمر بالإعادة، الكاشف عن صحّة العبادة و عدم فسادها بالتكتف.

و أمّا الخامسة: فالسند و إن كان نقيّاً بالرغم من اشتماله على القاسم بن يحيى و الحسن بن راشد و لم يوثقا صريحاً، لوجودهما في أسناد كامل الزيارات، إلّا أنّ الدلالة قاصرة، لأنّ مقتضى المماثلة المعتبرة في التشبيه أنّ المنهي عنه إنّما هو التكتف الّذي يصنعه المجوس و هو المأتي به بقصد التأدّب و الخضوع، فلا تدل على حرمته بما هو و في حد نفسه الّذي هو محل الكلام.

و المتحصِّل من جميع ما تقدّم: أنّ التكتف في حد ذاته لا دليل على حرمته و لا مبطليته. نعم، هو مكروه كما ذهب إليه المحقِّق لكن كراهة عرضية مجازية باعتبار استلزامه ترك المستحب و هو وضع اليدين على الفخذين.

و أمّا التكتف بقصد العبودية و الخضوع فهو و إن كان محرّماً تشريعاً إلّا أنّه لا يستوجب البطلان. فما في الرياض «1» من عدم بطلان الصلاة بالتكتف مطلقاً هو الصواب و إن كان الاحتياط حذراً عن مخالفة المشهور، بل الإجماع المنقول ممّا لا ينبغي تركه.

______________________________
(1) لاحظ رياض المسائل 3: 513.

426
موسوعة الإمام الخوئي15

الثالث: التكفير ؛ ج 15، ص : 421

بمعنى وضع إحدى اليدين على الأُخرى على النحو الّذي يصنعه غيرنا (1) إن كان عمداً لغير ضرورة، فلا بأس به سهواً (2)،

______________________________
(1) و أمّا المقام الثاني، أعني تفسير موضوع التكفير، فهل هو وضع إحدى اليدين على الأُخرى، أو خصوص اليمنى على اليسرى بوضع الكف على الكف أو على الذراع أو العضد بلا حائل أو معه فوق السرة أو تحتها؟ فيه خلاف.

و لا يخفى أنّه على المختار من كراهته العرضية و حرمته التشريعية لا يفرق حينئذ بين أنحاء الوضع، لاشتراك الكل في ترك المستحب، أعني الوضع على الفخذين كاشتراكها في التعبّد بما لا أمر به، اللّذين كانا هما المناط في الكراهة و الحرمة المزبورتين حسبما تقدّم.

و أمّا على القول بحرمته الذاتية فالمتبع في تعيين الحد هو الدليل، و مقتضى صحيحة ابن مسلم و إن كان هو خصوص وضع اليمنى على اليسرى كما اختاره العلّامة «1»، كما أنّ مقتضى صحيحة ابن جعفر هو التخصيص بوضع الكف أو الذراع، إلّا أنّ مقتضى صحيحته الأُخرى تعميمه لمطلق وضع اليد، و حيث لا تنافي بينهما فلا موجب لارتكاب التقييد، و نتيجته تعميم الحكم لمطلق ما صدق عليه وضع إحدى اليدين على الأُخرى كيف ما اتّفق.

نعم، يظهر من رواية الخصال المتقدِّمة تخصيصه بما عدّ تشبّهاً بعمل المجوس فلا يكفي الوضع من دونه كما لو ألصق أصابع إحدى يديه بالأُخرى.

(2) قال في الجواهر «2»: لا أجد فيه خلافاً، بل ظاهر إرساله إرسال المسلّمات من جماعة من الأصحاب كونه من القطعيات، ثمّ نقل في آخر عبارته كلاماً‌

______________________________
(1) التذكرة 3: 295، المنتهىٰ 1: 311 السطر 29.

(2) الجواهر 11: 23.

427
موسوعة الإمام الخوئي15

الثالث: التكفير ؛ ج 15، ص : 421

و إن كان الأحوط الإعادة معه أيضاً (1)، و كذا لا بأس به مع الضرورة (2)

______________________________
عن الرياض يظهر منه أنّ المسألة غير قطعية. و كيف ما كان، فقد استشكل هو (قدس سره) في المسألة لو لم يكن إجماع بعدم الوقوف على ما يوجب خروج صورة السهو بعد الإطلاق في دليل المانعية، خصوصاً على القول بأنّ العبادات أسامٍ للصحيح الموجب لإجمالها و عدم صحّة التمسّك بإطلاقاتها.

و دعوى: اختصاص دليل المنع بصورة العمد لمكان الاشتمال على النهي المتعذِّر توجيهه إلى الساهي، يدفعها: ما هو المقرّر في محلِّه «1» من ظهور النواهي كالأوامر في باب المركبات في الغيرية و الإرشاد إلى المانعية أو الجزئية أو الشرطية الشاملة للعامد و الساهي بمناط واحد.

أقول: ما أفاده (قدس سره) وجيه لو كان القائل بالاختصاص يرى قصوراً في المقتضي للتعميم، و ليس كذلك بل هو من أجل وجود المانع و هو حديث لا تعاد الحاكم على الأدلّة الأوّلية و الموجب لتخصيصها في غير الخمسة المستثناة بصورة العمد بناءً على ما هو الصواب من شموله للموانع و الشرائط كالأجزاء.

و على الجملة: فالقول بالاختصاص ليس لأجل الإجماع ليستشكل بأنّ المسألة غير قطعية، و لا لقصور المقتضي ليناقش بما ذكر، بل لحديث لا تعاد حسبما عرفت، فما في المتن هو المتعيِّن.

(1) و لعلّه حذراً عن الشبهة المزبورة.

(2) بلا خلاف فيه و لا إشكال، لعموم أدلّة التقيّة.

______________________________
(1) محاضرات في أُصول الفقه 4: 156، 145.

428
موسوعة الإمام الخوئي15

الثالث: التكفير ؛ ج 15، ص : 421

بل لو تركه حالها أشكلت الصحّة و إن كانت أقوى (1)، و الأحوط عدم وضع إحدى اليدين على الأُخرى بأيّ وجه كان (2)، في أيّ حالة من حالات الصلاة و إن لم يكن متعارفاً بينهم، لكن بشرط أن يكون بعنوان الخضوع

______________________________
(1) فانّ احتمال البطلان في المقام يبتني إمّا على دعوى أنّ العمل المخالف للتقيّة منهي عنه، أو على أنّه غير مأمور به على الأقل، فتفسد العبادة لفقد الأمر، و شي‌ء منهما لا يتم.

أمّا الدعوى الثانية: فلوضوح عدم اقتضاء أوامر التقيّة تقييداً في موضوع الأوامر الأوّلية، فالصلاة مع التكفير و إن وجبت بالعنوان الثانوي إلّا أنّ مصلحة الصلاة بعنوانها الأوّلي باقية على حالها من غير تصرف في موضوعها. إذن فالإتيان بها بلا تكفير موافق لأمرها، فتصح بطبيعة الحال سيّما و أنّ المنسوب إلى العامّة أنّهم لا يرون جزئية التكفير و لا شرطيّته، و إنّما هو مستحب ظرفه الصلاة «1»، فإنّ الأمر حينئذ أوضح.

و أمّا الدعوى الاولى: فتندفع أوّلًا: بأنّ الثابت بحسب الأدلّة إنّما هو وجوب التقيّة لا حرمة مخالفتها. إذن فالعمل المخالف لم يتعلّق به نهي إلّا بناءً على اقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن ضدّه و هو في حيّز المنع.

و ثانياً: مع التسليم فليس الحرام إلّا ما هو مصداق لمخالفة التقيّة و مبرز للتشيّع و هو ترك التكفير حال الصلاة لا نفس الصلاة الفاقدة للتكفير، فلم يتعلّق النهي بذات العبادة بل بما هو خارج عنها. و معه لا مقتضي لفسادها.

(2) كما علم ممّا سبق.

______________________________
(1) المجموع 3: 311، المغني 1: 549، بدائع الصنائع 1: 201.

429
موسوعة الإمام الخوئي15

الثالث: التكفير ؛ ج 15، ص : 421

و التأدّب، و أمّا إذا كان لغرض آخر كالحك و نحوه فلا بأس به مُطلقاً (1) حتّى على الوضع المتعارف.

الرابع: تعمّد الالتفات بتمام البدن إلى الخلف أو إلى اليمين أو اليسار بل و إلى ما بينهما على وجه يخرج عن الاستقبال و إن لم يصل إلى حدّهما، و إن لم يكن الالتفات حال القراءة أو الذكر، بل الأقوى ذلك في الالتفات بالوجه إلى الخلف مع فرض إمكانه و لو بميل البدن على وجه لا يخرج عن الاستقبال و أمّا الالتفات بالوجه يميناً و يساراً مع بقاء البدن مستقبلًا (2)،

______________________________
(1) قد عرفت الحال فيه فلاحظ.

(2) قاطعية الالتفات في الجملة ممّا لا مرية فيه و لا شبهة تعتريه، و إنّما الكلام في حدّه و أنّه هل يعتبر فيه أن يكون بتمام البدن، أو يكفي الالتفات بالوجه، و هل يلزم أن يكون إلى الخلف أو يكفي اليمين أو الشمال بل ما بينهما؟

فقد اختلفت كلمات الأصحاب في المقام، فمنهم من عبّر بالالتفات بكلّه، و آخر إلى الوراء كالمحقِّق في الشرائع «1»، و ثالث بحيث يرى من خلفه إلى غير ذلك، و حيث إنّ المتبع هو الدليل فلا بدّ إذن من استعراض النصوص الواردة في المقام:

فمنها: صحيحة زرارة «أنّه سمع أبا جعفر (عليه السلام) يقول: الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكلّه» «2».

و هذه الصحيحة هي مدرك من خصّ الالتفات بتمام البدن، لكنّه مبني على‌

______________________________
(1) الشرائع 1: 110.

(2) الوسائل 7: 244/ أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 3.

430
موسوعة الإمام الخوئي15

الثالث: التكفير ؛ ج 15، ص : 421

..........

______________________________
عود الضمير في «بكلّه» إلى المصلِّي أو البدن و نحو ذلك، و لم يسبق ذكر منه ليرجع إليه. على أنّ المتعارف في من صرف تمام بدنه عن القبلة التعبير عنه بالانحراف دون الالتفات الّذي هو ظاهر في صرف بعض البدن و هو الوجه كما لا يخفى.

إذن فمرجع الضمير هو الالتفات نفسه السابق ذكره، و يكون حاصل المعنى أنّ القاطع للصلاة هو الالتفات بصرف الوجه إذا كان بكلّ الالتفات المعبّر عنه في كلمات القوم بالالتفات الفاحش كما يفصح عنه ما ورد في صحيحتين من تخصيص المبطل بذلك، أي بالالتفات الفاحش.

ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) في حديث قال «قال: إذا التفتّ في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشاً و إن كنت قد تشهّدت فلا تعد» «1».

و في حديث الأربعمائة المروي في الخصال قال: «الالتفات الفاحش يقطع الصلاة ...» إلخ «2».

إذن فيكون مفاد هذه النصوص تخصيص المبطل بالالتفات الفاحش و قد عرفت تفسير الالتفات بصرف الوجه فقط دون البدن.

و منها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: سألته عن الرجل يلتفت في صلاته، قال: لا، و لا ينقض أصابعه» «3».

و هي و إن دلّت على المنع عن مطلق الالتفات و لكنّه يقيِّد بالفاحش جمعاً بينه و بين ما سبق.

______________________________
(1) الوسائل 7: 244/ أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 2.

(2) الوسائل 7: 245/ أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 7، الخصال: 622.

(3) الوسائل 7: 244/ أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 1.

431
موسوعة الإمام الخوئي15

الثالث: التكفير ؛ ج 15، ص : 421

..........

______________________________
و منها: ما رواه الشيخ بإسناده عن عبد الملك قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الالتفات في الصلاة أ يقطع الصلاة؟ فقال: لا، و ما أُحبّ أن يفعل» «1».

و هي و إن دلّت على الجواز عن كراهة لكنّها محمولة على الالتفات غير الفاحش بقرينة ما سبق.

و المتحصِّل من هذه النصوص بطلان الصلاة بصرف الوجه يمنة أو يسرة شريطة كونه فاحشاً، و عدم البأس بغير الفاحش منه و إن كان مكروهاً.

بقي الكلام في روايتين استدلّ بهما من خصّ البطلان بالالتفات إلى الخلف كالمحقِّق في الشرائع.

إحداهما: ما رواه في السرائر عن جامع البزنطي صاحب الرِّضا (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟ قال: إذا كانت الفريضة و التفت إلى خلفه فقد قطع صلاته فيعيد ما صلّى و لا يعتد به، و إن كانت نافلة لا يقطع ذلك صلاته و لكن لا يعود» «2».

و لكنّها مضافاً إلى ضعف السند، لجهالة طريق ابن إدريس إلى كتاب الجامع كما مرّ غير مرّة، قاصرة الدلالة لما عرفته في تفسير الالتفات من أنّه لغة و عرفاً عبارة عن صرف الوجه مع بقاء البدن مستقبلًا، و حيث إنّ هذا الصرف متعذِّر إلى الخلف في الإنسان و إن أمكن في بعض الحيوانات، اللّٰهمّ إلّا بصرف البدن أيضاً فيكون انحرافاً لا التفاتاً، فلا جرم يراد به الالتفات الفاحش بحيث يرى من خلفه فيتّحد مفادها مع النصوص المتقدِّمة، هذا.

و الظاهر أنّ مراد المحقِّق أيضاً من الالتفات إلى الوراء هو ذلك، أي صرف الوجه على نحو يرى ما خلفه المساوق للالتفات الفاحش لا الاستدبار بمقاديم‌

______________________________
(1) الوسائل 7: 245/ أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 5، التهذيب 2: 200/ 784.

(2) الوسائل 7: 246/ أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 8، السرائر 3 (المستطرفات): 572.

432
موسوعة الإمام الخوئي15

الثالث: التكفير ؛ ج 15، ص : 421

..........

______________________________
البدن فإنّه كما عرفت انحراف لا التفات، و هو عربي عارف باللغة فكيف يخفى عليه مثل ذلك.

ثانيتهما: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يكون في صلاته فيظن أنّ ثوبه قد انخرق أو أصابه شي‌ء هل يصلح له أن ينظر فيه أو يمسّه؟ قال: إن كان في مقدّم ثوبه أو جانبيه فلا بأس، و إن كان في مؤخّره فلا يلتفت فإنّه لا يصلح» «1» بدعوى أنّ النظر إلى الخرق الكائن في مؤخّر الثوب لا يكون إلّا بالالتفات إلى الخلف.

و تندفع: بمنع الملازمة، لجواز تحويل المؤخّر إلى الإمام و النظر فيه، بل لعلّ العادة جارية على ذلك، فانّ الغالب لدى إرادة النظر إدارة المؤخّر إلى القدام لا صرف الوجه إلى الوراء على وجه يخرج عن حالة الاستقبال.

نعم، بما أنّ هذه العملية أثناء الصلاة تستلزم نوعاً من انشغال القلب و انصراف الذهن عن التوجّه المرغوب فيه، فلا جرم يكون النهي محمولًا على الكراهة. و يرشدك إلى ذلك عطف المس على النظر فانّ من الضروري عدم استلزام المس للالتفات أصلًا. و هذا خير دليل على أنّ النهي عنهما من باب واحد و هو ما عرفت من انشغال الذهن عن العبادة المحمول على الكراهة.

و المتحصِّل من جميع ما قدّمناه: أنّ الالتفات بالوجه إلى الخلف غير ممكن، و إلى اليمين أو اليسار مع كونه فاحشاً بحيث يرى من خلفه مبطل، لمنافاته مع تولِّي الوجه نحو المسجد الحرام المأمور به في قوله تعالى فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ «2» مضافاً إلى النصوص المتقدِّمة، و لا بأس بغير الفاحش منه و إن كان مكروهاً، لصحيحة عبد الملك، إلّا إذا أوجب الخروج عن الاستقبال‌

______________________________
(1) الوسائل 7: 245/ أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 4.

(2) البقرة 2: 144.

433
موسوعة الإمام الخوئي15

الثالث: التكفير ؛ ج 15، ص : 421

فالأقوى كراهته مع عدم كونه فاحشاً [1] (1) و إن كان الأحوط اجتنابه أيضاً خصوصاً إذا كان طويلًا و سيّما إذا كان مقارناً لبعض أفعال الصلاة خصوصاً الأركان سيّما تكبيرة الإحرام، و أمّا إذا كان فاحشاً ففيه إشكال فلا يترك الاحتياط حينئذ (2)، و كذا تبطل مع الالتفات سهواً فيما كان عمده مبطلًا (3)

______________________________
بوجهه فإنّه أيضاً مبطل لما عرفت.

و أمّا الالتفات بتمام البدن المعبّر عنه بالانحراف عن القبلة فلا شبهة في اقتضائه البطلان و لا أقل من أجل فقد شرط الاستقبال المعتبر في تمام حالات الصلاة كما لا يخفى.

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق ما دلّ على البطلان لدى الالتفات الفاحش، عدم الفرق بين تحقّقه حال الاشتغال بالأفعال و بين كونه في الأكوان المتخلِّلة، كما لا فرق في الأوّل بين الأركان و غيرها و لا بين تكبيرة الإحرام و غيرها، و لا بين الالتفات في زمان طويل أو قصير، كل ذلك لإطلاق الدليل بعد عدم نهوض ما يصلح للتقييد.

(1) ما لم يستوجب الخروج عن الاستقبال بوجهه و إلّا فهو موجب للبطلان كما عرفت.

(2) و قد عرفت أنّ الأظهر هو الإبطال.

(3) لإطلاق النصوص المتقدِّمة الشامل لصورتي العمد و السهو، بعد وضوح عدم السبيل للتصحيح بحديث لا تعاد، ضرورة أنّ الالتفات السهوي إخلال بالقبلة التي هي من الخمسة المستثناة، فهو إذن عاضد للإطلاق لا أنّه حاكم عليه.

______________________________
[1] بل الأقوى إبطاله الصلاة إذا خرج عن الاستقبال بوجهه.

434
موسوعة الإمام الخوئي15

الثالث: التكفير ؛ ج 15، ص : 421

..........

______________________________
نعم، خصّ البطلان جماعة من الأصحاب بالالتفات العمدي فلا يقدح السهوي منه. و هو وجيه فيما إذا كان الالتفات إلى ما بين اليمين و اليسار، حيث قد ورد أنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة، المحمول على صورة السهو و الغفلة كما تقدّم في مبحث القبلة، فإنّ ذلك يقتضي الصحّة في المقام بالفحوى كما لا يخفى.

و أمّا إذا كان إلى نقطتي اليمين أو الشمال فضلًا عن الخلف لو أمكن فالحكم بالصحّة حينئذ في غاية الإشكال، فإن عمدة ما يستدل به لذلك هو التمسّك بحديث رفع النسيان، بل ألحق بعضهم به الإكراه و الاضطرار تمسّكاً بحديث رفعهما، بدعوى أنّ مقتضى رفع قاطعية الالتفات لدى النسيان أو الإكراه فرضه كالعدم و كأنّه لم يكن، و هو مساوق لصحّة العمل لفرض خلوّه عمّا يمنع عنها.

و يندفع: بما هو المحقّق في محلّه من عدم جريان الحديث في باب الأجزاء و الشرائط و الموانع لتثبت به صحّة المأتي به، نظراً إلى أنّ المأمور به إنّما هو الكلِّي و الطبيعي الجامع بين الأفراد الطولية و العرضية المحدودة فيما بين الحدّين و ما تعلّق به النسيان أو الإكراه أو الاضطرار إنّما هو فرد من ذلك الجامع. فما تعلّق به النسيان مثلًا غير ما تعلّق به الأمر، و لا بدّ من تعلّق الرفع بعين ما تعلّق به الوضع، و لأجله لا يتكفّل الحديث لتصحيح الباقي، فلا يكون الإتيان بالناقص مجزئاً، اللّٰهمّ إلّا مع استيعاب العذر لتمام الوقت و هو أمر آخر و تمام الكلام في محلّه «1».

فالصواب عدم الفرق في البطلان بين صورتي العمد و السهو، عملًا بإطلاقات الأدلّة السليمة عمّا يصلح للتقييد.

ثمّ إنّه قد يظهر من بعض النصوص المعتبرة عدم قدح الالتفات السهوي فيما‌

______________________________
(1) مصباح الأُصول 2: 265، الأمر الثالث.

435
موسوعة الإمام الخوئي15

الثالث: التكفير ؛ ج 15، ص : 421

..........

______________________________
إذا كان في الركعتين الأخيرتين أو ثالثة المغرب أو ثانية الغداة، و هي بين ما هو مطلق و غير صريح في الاستدبار كصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سئل عن رجل دخل مع الإمام في صلاته و قد سبقه بركعة فلمّا فرغ الإمام خرج مع الناس ثمّ ذكر بعد ذلك أنّه فاتته ركعة، فقال: يعيدها ركعة واحدة»
«1» لجواز كون الخروج من طرف القبلة.

و بين ما هو صريح فيه كموثقة عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّٰه قال: «قال في رجل صلّى الفجر ركعة ثمّ ذهب و جاء بعد ما أصبح و ذكر أنّه صلّى ركعة قال: يضيف إليها ركعة» «2».

و أصرح منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل صلّى بالكوفة ركعتين ثمّ ذكر و هو بمكّة أو بالمدينة أو بالبصرة أو ببلدة من البلدان أنّه صلّى ركعتين، قال: يصلِّي ركعتين» «3».

و موثقة عمار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) في حديث «و الرجل يذكر بعد ما قام و تكلّم و مضى في حوائجه أنّه إنّما صلّى ركعتين في الظهر و العصر و العتمة و المغرب، قال: يبني على صلاته فيتمّها و لو بلغ الصين و لا يعيد الصلاة» «4».

و لكن هذه الأخبار مضافاً إلى عدم وضوح عامل بها غير الصدوق في المقنع «5» فهي مهجورة و معرض عنها عند الأصحاب، معارضة في موردها بطائفة أُخرى دلّت على البطلان منها: صحيحة جميل قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن رجل صلّى ركعتين ثمّ قام، قال: يستقبل، قلت: فما يروي‌

______________________________
(1) الوسائل 8: 202/ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 12.

(2) الوسائل 8: 204/ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 18.

(3) الوسائل 8: 204/ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 19، 20.

(4) الوسائل 8: 204/ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 19، 20.

(5) المقنع: 105، الهامش رقم 3.

436
موسوعة الإمام الخوئي15

الخامس: تعمد الكلام بحرفين ؛ ج 15، ص : 437

إلّا إذا لم يصل إلى حدّ اليمين و اليسار بل كان فيما بينهما فإنّه غير مبطل إذا كان سهواً و إن كان بكلّ البدن (1).

[الخامس: تعمّد الكلام بحرفين]

الخامس: تعمّد الكلام بحرفين و لو مهملين [1] غير مفهمين للمعنى، أو بحرف واحد بشرط كونه مفهماً للمعنى نحو (قِ) فعل أمر من (وقى) (2)

______________________________
الناس فذكر حديث ذي الشمالين، فقال: إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) لم يبرح من مكانه و لو برح استقبل»
«1».

و لا ريب أنّ الترجيح مع الثانية، لمخالفة الاولى مع الكتاب و السنّة الدالّين على اعتبار الاستقبال و مانعية التكلّم و عدم الاستقرار و غيرهما من المنافيات. فلا بدّ إذن من ردّ علمها إلى أهله، سيّما مع اشتمال بعضها على سهو النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) و إتيانه بسجدتي السهو المنافي لأُصول المذهب.

(1) كما مرّت الإشارة إليه.

(2) لا إشكال كما لا خلاف في بطلان الصلاة بالتكلّم العمدي بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه.

و تدل عليه جملة من الروايات التي منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «في الرجل يصيبه الرعاف، قال: إن لم يقدر على ماء حتّى ينصرف لوجهه أو يتكلّم فقد قطع صلاته» «2».

و صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إن تكلّم‌

______________________________
[1] بل بحرف واحد أيضاً على الأظهر، و منه يظهر الحال في جملة من الفروع الآتية.

______________________________
(1) الوسائل 8: 200/ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 7.

(2) الوسائل 7: 282/ أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 6.

437
موسوعة الإمام الخوئي15

الخامس: تعمد الكلام بحرفين ؛ ج 15، ص : 437

..........

______________________________
فليعد صلاته»
«1».

و صحيحة الفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: ابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمِّداً، و إن تكلّمت ناسياً فلا شي‌ء عليك» «2». و نحوها غيرها.

كما لا إشكال و لا خلاف أيضاً في عدم البطلان بالتكلّم السهوي، و يدلّنا عليه مضافاً إلى ما في بعض تلك النصوص من التقييد بالعمد، التصريح في صحيحة الفضيل المتقدِّمة بعدم البأس به.

و إنّما الإشكال في جهتين:

الاولى: هل المراد من الكلام في المقام خصوص ما تركّب من حرفين فصاعداً كما عليه المشهور، أو أنّ المراد جنس ما يتكلّم به الصادق على الحرف الواحد أيضاً كما ذهب إليه بعضهم.

الثانية: هل يختص الكلام بالموضوع أو أنّه يشمل المهمل غير المفهم للمعنى؟ يظهر من الشهيد في الروضة «3» الترديد في ذلك، بل ظاهر مجمع البحرين «4» اعتبار الوضع، خلافاً لظاهر الأصحاب و جماعة من النحويين من التعميم، بل قد حكي عن شمس العلوم «5» و نجم الأئمّة «6» التنصيص عليه، و اختار المحقِّق الهمداني «7» ما في المتن من التفصيل بين ما اشتمل على حرفين فيبطل مطلقاً‌

______________________________
(1) الوسائل 7: 282/ أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 7.

(2) الوسائل 7: 282/ أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 5.

(3) الروضة البهيّة 1: 232.

(4) مجمع البحرين 6: 157.

(5) حكاه عنه في كشف اللثام 4: 162.

(6) شرح الرضي على الكافية 1: 20.

(7) مصباح الفقيه (الصلاة): 406 السطر 9.

438
موسوعة الإمام الخوئي15

الخامس: تعمد الكلام بحرفين ؛ ج 15، ص : 437

..........

______________________________
و على حرف واحد فيشترط كونه مفهماً للمعنى، هذا.

و غير خفي أنّ البحث عن هاتين الجهتين في المقام قليل الجدوى و لا طائل تحته، ضرورة أنّ الكلام بعنوانه لم يكن موضوعاً للحكم في نصوص الباب كي يبحث عن حدوده و قيوده، و تحليل ماهيته، كما أنّه لم يكن مبدأ للمشتقّات ليكون معناه سارياً فيها، فإنّه اسم مصدر و مشتق كغيره، و إنّما الوارد في لسان الأخبار هو «تكلّم»، «متكلِّم»، «تكلّمت» و نحوها، و مصدرها التكلّم، و لا ريب في صدقه على الحرف الواحد الصادر من أيّ لافظ و لو غير شاعر من غير قصد التفهيم كالنائم و المغمى عليه و الصبي، فيقال من غير أيّة عناية أنّه تكلّم بكذا، فلم يؤخذ في مفهومه العرفي لا التركيب و لا الوضع.

على أنّه تدل على البطلان في المهمل معتبرة طلحة بن زيد: «من أنّ في صلاته فقد تكلّم» «1».

فانّ الرجل و إن كان عاميا إلّا أنّ الشيخ (قدس سره) «2» ذكر أنّ كتابه معتبر، و لا معنى لاعتبار الكتاب إلّا كون صاحبه ممّن يعتمد عليه. فالسند إذن معتبر، كما أنّ الدلالة أيضاً تامّة، ضرورة أنّ الأنين الصادر من المريض غير مقصود به التفهيم، فهو من التكلّم بالمهمل طبعاً.

و ملخص الكلام: أنّ المأخوذ في نصوص المقام هو عنوان «التكلّم» و هو صادق حتّى لدى صدور حرف واحد كما يفصح عنه ما اشتهر في المحاورات من قولهم: لا أتكلّم معك حتّى بحرف واحد، الكاشف عن أنّ الحرف الواحد أيضاً مصداق للتكلّم، و من ثمّ أُشير إلى الفرد الخفي منه، فلا يعتبر في صدقه التعدّد فضلًا عن الوضع.

______________________________
(1) الوسائل 7: 281/ أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 4.

(2) الفهرست: 86/ 362.

439
موسوعة الإمام الخوئي15

الخامس: تعمد الكلام بحرفين ؛ ج 15، ص : 437

بشرط أن يكون عالماً بمعناه (1) و قاصداً له، بل أو غير قاصد أيضاً مع التفاته إلى معناه على الأحوط (2).

______________________________
نعم، بناءً على المشهور من أنّ الموضوع للحكم هو عنوان «الكلام» فبما أنّ مفهومه مجمل، لتردّده بين المؤلف من حرفين فصاعداً كما عليه المشهور و بين الأعم منه و من غيره، فيصدق على الحرف الواحد أيضاً كما عن جماعة آخرين فلا مناص من الاقتصار في مثله على المقدار المتيقن الّذي يقطع معه بالبطلان و هو ما تألّف من حرفين فصاعداً، و الرجوع في الزائد عليه إلى الأصل، و لو بني على ترجيح الأوّل فالأمر أوضح.

هذا فيما إذا لم يكن الحرف الواحد مفهماً و مفيداً للمعنى، أمّا معه كما في الأمر من (وعى) أو من (وقى) فلا ينبغي الشك في البطلان، لصدق الكلام عليه جزماً، بل هو في الحقيقة لم يكن من الحرف الواحد بعد أن كان المقدّر في مثل المقام كالمذكور، فإنّه لا ينبغي التأمّل في أنّ من اعتبر التعدّد يريد به الأعم منهما كما لا يخفى، هذا من حيث العدد.

و أمّا من ناحية الوضع فالأمر كذلك لو انتهى الأمر إلى الشك، فيقتصر على المقدار المتيقن و هو الموضوع المستعمل، إلّا أنّه لا ينبغي التردّد في شموله للمهمل كما يكشف عنه بوضوح تقسيم الكلام إلى المهمل و المستعمل.

فتحصّل: أنّ التفصيل المذكور في المتن وجيه على المبنى المشهور، و أمّا على المختار من أنّ الموضوع للبطلان هو التكلّم لا الكلام، فالمتعيِّن شمول الحكم حتّى للحرف الواحد المهمل.

(1) فانّ تفهيم المعنى متقوّم بالعلم به و الالتفات إليه.

(2) لجواز كفاية الالتفات في صدق التفهيم و إن لم يكن مقصوداً.

440
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 1: لو تكلم بحرفين حصل ثانيهما من إشباع حركة الأول ؛ ج 15، ص : 441

[مسألة 1: لو تكلّم بحرفين حصل ثانيهما من إشباع حركة الأوّل]

[1702] مسألة 1: لو تكلّم بحرفين حصل ثانيهما من إشباع حركة الأوّل بطلت (1). بخلاف ما لو لم يصل الإشباع إلى حد حصول حرف آخر (2).

[مسألة 2: إذا تكلّم بحرفين من غير تركيب]

[1703] مسألة 2: إذا تكلّم بحرفين من غير تركيب، كأن يقول: (ب ب) مثلًا، ففي كونه مبطلًا أو لا وجهان، و الأحوط الأوّل (3).

______________________________
(1) إذ بعد البناء على عدم الفرق في المركّب من حرفين بين المهمل و المستعمل، لم يكن حينئذ فرق في موجب الحصول بين كونه هو الإشباع أم غيره، لاتِّحاد المناط.

(2) بل الأظهر البطلان حتّى في هذه الصورة، لما عرفت من كفاية التكلّم و لو بحرف واحد.

(3) لا وجه لهذا الاحتياط بعد البناء على اعتبار الحرفين في المبطلية ضرورة عدم صدق التكلّم بما تركّب من حرفين في مفروض المسألة بعد عدم تحقّق التركيب بينهما، غايته أنّه كرّر الحرف الواحد و هو بمجرّده لا يستوجب التركيب و لا صدق الكلام عليه. فلا ضير فيه و إن تحقّق عدّة مرّات ما لم يستوجب البطلان من ناحية أُخرى ككونه ماحياً للصورة.

نعم، لو فرض الوصل بينهما على نحو تضمّن التركيب و عدّا عرفاً كلاماً واحداً بطل، إذ لا يعتبر في هذا الصدق كون الحرفين من جنسين بل يكفي و لو كانا من جنس واحد.

هذا على مبناه (قدس سره)، و أمّا على المختار من كفاية الحرف الواحد فالمتعيِّن هو البطلان مطلقاً.

441
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 3: إذا تكلم بحرف واحد غير مفهم للمعنى لكن وصله بإحدى كلمات القراءة أو الأذكار ؛ ج 15، ص : 442

[مسألة 3: إذا تكلّم بحرف واحد غير مفهم للمعنى لكن وصله بإحدى كلمات القراءة أو الأذكار]

[1704] مسألة 3: إذا تكلّم بحرف واحد غير مفهم للمعنى لكن وصله بإحدى كلمات القراءة أو الأذكار، أبطل من حيث إفساد تلك الكلمة (1) إذا خرجت تلك الكلمة عن حقيقتها.

[مسألة 4: لا تبطل بمدّ حرف المدّ و اللين]

[1705] مسألة 4: لا تبطل بمدّ حرف المدّ و اللين و إن زاد فيه بمقدار حرف آخر، فإنّه محسوب حرفاً واحدا (2).

[مسألة 5: الظاهر عدم البطلان بحروف المعاني]

[1706] مسألة 5: الظاهر عدم البطلان بحروف المعاني (3) مثل (ل) حيث إنّه لمعنى التعليل أو التمليك أو نحوهما، و كذا مثل (و) حيث يفيد معنى العطف، أو القسم، و مثل (ب) فإنّه حرف جر و له معان، و إن كان الأحوط البطلان مع قصد هذه المعاني، و فرق واضح بينها و بين حروف المباني.

______________________________
(1) لكونها من الزيادة القادحة و الكلام العمدي، و أمّا على المختار من كفاية الحرف الواحد في الإبطال فالأمر أوضح.

(2) لوضوح عدم كون المد بنفسه حرفاً و لا حركة.

(3) فانّ هذه الحروف و إن افترقت عن حروف المباني في كونها موضوعة لمعنى ما، إلّا أنّ ذلك المعنى لما كان من المعاني الحرفية التي هي غير مستقلّة و لا تفيد إلّا لدى الانضمام مع الغير فلا جرم كانت عند الانفراد من مصاديق المهمل و بذلك تفترق عن مثل الأمر من (وعى) أو (وقى) لكونها مفيدة للمعنى باستقلالها بل عرفت أنّها لدى التحليل مركّبة من حروف ثلاثة، لكون موضوع المركب أعم من المذكور و المقدّر كما تقدّم. هذا كلّه بناءً على اختصاص المبطل بما تركّب من حرفين. و أمّا على المختار من كفاية الحرف الواحد فالأمر واضح.

442
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 6: لا تبطل بصوت التنحنح ؛ ج 15، ص : 443

[مسألة 6: لا تبطل بصوت التنحنح]

[1707] مسألة 6: لا تبطل بصوت التنحنح، و لا بصوت النفخ و الأنين و التأوّه، و نحوها (1) نعم، تبطل بحكاية أسماء هذه الأصوات مثل أح، و يف و أوه.

[مسألة 7: إذا قال: آه من ذنوبي]

[1708] مسألة 7: إذا قال: آه من ذنوبي، أو آه من نار جهنّم، لا تبطل الصلاة قطعاً، إذا كان في ضمن دعاء أو مناجاة (2)

______________________________
(1) فانّ المبطل هو الصوت المختص صدوره بالإنسان المعبّر عنه بالتكلّم أو الكلام غير الصادق على شي‌ء من المذكورات في المتن و نحوها ممّا يتّفق صدوره من بعض الحيوانات أيضاً، فإنّها ليست من التكلّم في شي‌ء إلّا إذا تشكّل منها حرف أو حرفان على المسلكين المتقدِّمين، فيتّجه البطلان حينئذ لهذه الجهة.

نعم، ظاهر معتبرة طلحة بن زيد المتقدِّمة: «مَن أنّ في صلاته فقد تكلّم» «1» هو البطلان بالأنين، بناءً على أن يكون المراد أنّه في حكم التكلّم في اعتبار الشرع و إن لم يكن منه حقيقة، فيكون تصرّفاً في عقد الحمل على سبيل التجوّز في الإسناد.

و لكنّه ليس بأولى من التصرّف في عقد الوضع، بأن يقيّد الأنين بما اشتمل على التكلّم كما لعلّه الغالب و لو مهملًا، فغايته أن تكون المعتبرة مجملة لو لم يكن المتعيِّن هو الثاني، إذ مضافاً إلى أنّ التقييد أهون من التجوز المزبور كما لا يخفى، لم يلتزم أحد من الفقهاء فيما نعلم بمبطلية الأنين المجرّد.

(2) لكونه معدوداً حينئذ من أجزائهما، و شي‌ء منهما لا يوجب البطلان كما سيجي‌ء.

______________________________
(1) الوسائل 7: 281/ أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 4.

443
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 8: لا فرق في البطلان بالتكلم بين أن يكون هناك مخاطب أم لا ؛ ج 15، ص : 444

و أمّا إذا قال: آه، من غير ذكر المتعلِّق، فان قدّره فكذلك (1) و إلّا فالأحوط اجتنابه، و إن كان الأقوى عدم البطلان إذا كان في مقام الخوف من اللّٰه (2).

[مسألة 8: لا فرق في البطلان بالتكلّم بين أن يكون هناك مخاطب أم لا]

[1709] مسألة 8: لا فرق في البطلان بالتكلّم بين أن يكون هناك مخاطب أم لا، و كذا لا فرق بين أن يكون مضطرّاً في التكلّم أو مختاراً (3).

______________________________
(1) إذ المقدر المنوي في حكم المذكور فكأنه قال: آه من نار جهنم، الّذي عرفت عدم البأس به، بل الأمر كذلك و إن لم ينو شيئاً تفصيلًا، بل قصد الشكاية إليه تعالى إجمالًا، لكونه معدوداً من المناجاة معه تعالى التي لا ضير فيها كما عرفت.

(2) فكان متعلّقه أمراً أُخروياً، بل لا يبعد الجواز حتّى إذا كان أمراً دنيوياً كالخوف من عدوّ أو مرض أو دين و نحوها، إذ الملاك في الجواز عنوان المناجاة التي حقيقتها التكلّم مع اللّٰه سبحانه الصادق على الكل بمناط واحد.

(3) لإطلاق الدليل فيه و فيما قبله. نعم، ربّما يتمسّك للتصحيح في مورد الاضطرار أو الإكراه بحديث الرفع الجاري فيهما، بدعوى أنّ مفاده عدم قاطعية التكلّم الناشئ عنهما و كأنّه لم يكن.

و يندفع أوّلًا: بما هو المقرّر في محلّه «1» من اختصاص الحديث بالأحكام المجعولة مستقلا من التكليفية أو الوضعية، فالبيع الصادر عن إكراه كأنه لم يكن، و كذا شرب الخمر الصادر عن اضطرار، و لا يجري في باب المركبات الارتباطية من الجزئية أو الشرطية أو المانعية، لعدم كونها مجعولة إلّا بتبع منشأ انتزاعها، فلا يتعلّق الرفع بها مستقلا لينتج الأمر بالباقي و تصحيحه.

______________________________
(1) مصباح الأُصول 2: 265، الأمر الثالث.

444
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 9: لا بأس بالذكر و الدعاء في جميع أحوال الصلاة بغير المحرم ؛ ج 15، ص : 445

نعم، التكلّم سهواً ليس مبطلًا (1) و لو بتخيّل الفراغ من الصلاة.

[مسألة 9: لا بأس بالذكر و الدُّعاء في جميع أحوال الصلاة بغير المحرّم]

[1710] مسألة 9: لا بأس بالذكر و الدُّعاء في جميع أحوال الصلاة بغير المحرّم (2)

______________________________
و ثانياً: أنّ مورد الاضطرار أو الإكراه في محلّ الكلام إنّما هو فرد من الأفراد لا نفس الطبيعة المأمور بها، فالمكره عليه غير مأمور به، كما أنّ المأمور به غير مكره عليه، و من البيِّن أنّ الرفع لا يتعلّق إلّا بما تعلّق به الوضع.

نعم، لو كان الإكراه أو الاضطرار مستوعباً لتمام الوقت شمله الحديث و مقتضاه سقوط الأمر بالصلاة حينئذ رأساً لولا انكشاف تعلّق الأمر بالباقي ممّا دلّ على عدم سقوط الصلاة بحال. و تمام الكلام في محلّه.

(1) لا لحديث الرفع لما مرّ آنفاً، بل لاختصاص المبطل بالكلام العمدي فالمقتضي قاصر. مضافاً إلى النصوص الخاصّة الناطقة بالصحّة لدى السهو كما مرّت الإشارة إليها «1» و يأتي تفصيلها في مباحث الخلل إن شاء اللّٰه تعالى.

(2) بلا خلاف فيه و لا إشكال، و يدلّنا عليه مضافاً إلى انصراف نصوص المنع إلى ما كان من سنخ كلام الآدميين غير الصادق على مثل القرآن و الذكر و الدُّعاء ممّا كان التخاطب فيه مع اللّٰه تعالى، بل قد قيّد التكلّم به في بعض النصوص المتقدِّمة، كيف و أقوال الصلاة مؤلفة من هذه الأُمور فكيف يشملها دليل المنع و لا يكون منصرفاً عنها جملة من النصوص الدالّة على الجواز، و أنّه كل ما ناجيت به ربّك فهو من الصلاة، التي منها صحيحة علي بن مهزيار قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يتكلّم في صلاة الفريضة بكل شي‌ء يناجي به ربّه، قال: نعم» «2». و صحيحة الحلبي قال «قال أبو عبد اللّٰه‌

______________________________
(1) في ص 438.

(2) الوسائل 7: 263/ أبواب قواطع الصلاة ب 13 ح 1.

445
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 9: لا بأس بالذكر و الدعاء في جميع أحوال الصلاة بغير المحرم ؛ ج 15، ص : 445

و كذا بقراءة القرآن (1) غير ما يوجب السجود (2)، و أمّا الدُّعاء بالمحرّم كالدُّعاء على مؤمن ظلماً فلا يجوز بل هو مبطل للصلاة [1] (3)

______________________________
(عليه السلام): كل ما ذكرت اللّٰه (عزّ و جلّ) به و النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) فهو من الصلاة»
«1».

(1) لم نعثر على نص فيه ما عدا صحيحة معاوية بن وهب «2» المتضمِّنة لقراءة أمير المؤمنين (عليه السلام) في صلاة الصبح قوله تعالى فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ وَ لٰا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لٰا يُوقِنُونَ «3» في جواب ابن الكوّاء حينما قرأ وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخٰاسِرِينَ «4».

و كيف ما كان، فيكفينا الانصراف المتقدِّم آنفاً. و أمّا ما في بعض النصوص «5» من النهي عن القراءة في الركوع أو في السجود فهو محمول على الكراهة.

(2) كما تقدّم «6» في مبحث القراءة عند التكلّم عن قراءة العزائم في الفريضة.

(3) يظهر حال المقام ممّا قدّمناه في القنوت «7»، و ملخصه: أنّا تارة نبني على‌

______________________________
[1] في إبطاله إشكال بل منع.

______________________________
(1) الوسائل 7: 263/ أبواب قواطع الصلاة ب 13 ح 2.

(2) الوسائل 8: 367/ أبواب صلاة الجماعة ب 34 ح 2.

(3) الرُّوم 30: 60.

(4) الزُّمر 39: 65.

(5) الوسائل 6: 308/ أبواب الركوع ب 8.

(6) شرح العروة 14: 305.

(7) في ص 393.

446
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 10: لا بأس بالذكر و الدعاء بغير العربي أيضا ؛ ج 15، ص : 447

و إن كان جاهلًا بحرمته (1)، نعم لا يبطل مع الجهل بالموضوع كما إذا اعتقده كافراً فدعا عليه فبان أنّه مسلم.

[مسألة 10: لا بأس بالذكر و الدُّعاء بغير العربي أيضاً]

[1711] مسألة 10: لا بأس بالذكر و الدُّعاء بغير العربي أيضاً، و إن كان الأحوط العربية (2).

______________________________
أنّ الكلام المأخوذ موضوعاً للبطلان يراد به مطلق الكلام و قد خرج منه الذكر و الدُّعاء و القرآن تخصيصاً.

و اخرى: نبني على أنّ الموضوع خصوص كلام الآدمي كما ورد التصريح به في بعض النصوص.

فعلى الأوّل: يتّجه البطلان في المقام، ضرورة أنّ المتيقن خروجه و لو انصرافاً إنّما هو المباح من تلك الأُمور، فيبقى المحرّم تحت عموم المبطلية.

و على الثاني: يتّجه عدمه، لقصور المقتضي في حدّ نفسه عن الشمول لها فغايته ارتكاب الإثم لا البطلان، و حيث عرفت أنّ الأصح هو الثاني، فلا جرم كان عدم البطلان هو الأوجه، بل الأمر كذلك حتّى مع التردّد في المبنى، للشك في المانعية زائداً على المقدار المعلوم و مقتضى الأصل عدمها.

(1) فانّ الجهل بالحرمة لا يغيِّر الواقع و لا يخرجه عن كونه دعاءً بالمحرّم، فيشمله دليل المبطلية على القول بها، إلّا إذا كان معذوراً كما في الجاهل القاصر نحو المجتهد الخاطئ، فإنّه ملحق بالجاهل بالموضوع المشار إليه في المتن في عدم البطلان لاتِّحاد المناط.

(2) قد مرّ الكلام حول هذه المسألة مستوفى في مبحث القنوت «1»، فراجع و لا نعيد.

______________________________
(1) في ص 385.

447
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 11: يعتبر في القرآن قصد القرآنية ؛ ج 15، ص : 448

[مسألة 11: يعتبر في القرآن قصد القرآنية]

[1712] مسألة 11: يعتبر في القرآن قصد القرآنية (1)، فلو قرأ ما هو مشترك بين القرآن و غيره لا بقصد القرآنية و لم يكن دعاءً أيضاً أبطل، بل الآية المختصّة بالقرآن أيضاً إذا قصد بها غير القرآن أبطلت، و كذا لو لم يعلم أنّها قرآن (2).

[مسألة 12: إذا أتى بالذكر بقصد تنبيه الغير و الدلالة على أمر من الأُمور]

[1713] مسألة 12: إذا أتى بالذكر بقصد تنبيه الغير و الدلالة على أمر من الأُمور فإن قصد به الذكر و قصد التنبيه برفع الصوت مثلًا فلا إشكال في الصحّة، و إن قصد به التنبيه من دون قصد الذكر أصلًا، بأن استعمله في التنبيه و الدلالة فلا إشكال في كونه مبطلًا، و كذا إن قصد الأمرين معاً على أن يكون له مدلولان و استعمله فيهما، و أمّا إذا قصد الذكر و كان داعيه على الإتيان بالذكر تنبيه الغير فالأقوى الصحّة (3).

______________________________
(1) لتقوّم مفهومه بإيجاد المماثل قاصداً به الحكاية عمّا انزل على النبيّ الأعظم (صلّى اللّٰه عليه و آله) كغيره من قراءة أشعار العرب و خطبهم على ما تقدّم تفصيله في مبحث القراءة. إذن فالتلاوة من غير القصد المزبور فضلًا عن قصد الخلاف لا تكون مصداقاً لقراءة القرآن، من غير فرق بين الآيات المشتركة و المختصّة لوحدة المناط. فتكون طبعاً من التكلّم المبطل، ما لم ينطبق عليه عنوان آخر من ذكر أو دعاء.

(2) للشك في اندراجه في التكلّم السائغ، فيشمله عموم المنع.

(3) لا شبهة في جواز تنبيه الغير أثناء الصلاة بغير اللفظ من إشارة أو تنحنح و نحوهما، لعدم اقتضائه ارتكاب شي‌ء من المنافيات و هذا واضح، و أمّا باللفظ من ذكر و نحوه فله صور أُشير إليها في المتن.

448
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 12: إذا أتى بالذكر بقصد تنبيه الغير و الدلالة على أمر من الأمور ؛ ج 15، ص : 448

..........

______________________________
إحداها: أن يأتي بالذكر و يقصد التنبيه بشي‌ء من خصوصياته كرفع صوته به، و هذا ممّا لا إشكال في جوازه، ضرورة أنّ قصد القربة غير معتبر إلّا في نفس الطبيعة، و أمّا الخصوصيات فهي خارجة عن حريم المأمور به فلا ضير في إتيانها لغاية أُخرى مباحة، فالحكم بالصحّة في هذه الصورة مطابق للقاعدة. مع أنّها القدر المتيقن من النصوص الدالّة عليها التي منها صحيحة الحلبي «أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الرجل يريد الحاجة و هو في الصلاة، فقال: يومئ برأسه و يشير بيده و يسبِّح» إلخ «1».

ثانيتها: أن يقصد به التنبيه فقط من غير تعلّق القصد بالذكر نفسه بوجه و هذا لا إشكال في كونه مبطلًا، لكونه من التكلّم العمدي من غير انطباق العنوان السائغ عليه بتاتاً.

ثالثتها: أن يقصد الأمرين معاً في عرض واحد على نحو استعمال اللفظ المشترك في معنييه، بناءً على إمكانه كما هو الصحيح.

و الظاهر هو البطلان أيضاً، فإنّه و إن لم يكن فيه بأس بأحد الاعتبارين، إلّا أنّ فيه بأساً بالاعتبار الآخر بعد أن كان كل منهما ملحوظاً بحياله و استقلاله و كان الاستعمال المزبور بمثابة تكرار اللفظ.

و بعبارة اخرى: الاستعمال بأحد القصدين و إن لم يكن مقتضياً للبطلان، إلّا أنّه بالقصد الآخر يكون مقتضياً له، و من البيِّن أنّ ما فيه الاقتضاء لا يزاحمه ما لا اقتضاء فيه.

رابعتها: أن يقصدهما معاً و لكن طولًا و على سبيل الداعي على الداعي فيقصد به الذكر و يكون الداعي عليه هو التنبيه، و هذا أيضاً لا ضير فيه بعد‌

______________________________
(1) الوسائل 7: 254/ أبواب قواطع الصلاة ب 9 ح 2.

449
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 13: لا بأس بالدعاء مع مخاطبة الغير ؛ ج 15، ص : 450

[مسألة 13: لا بأس بالدُّعاء مع مخاطبة الغير]

[1714] مسألة 13: لا بأس بالدُّعاء مع مخاطبة الغير [1] (1) بأن يقول: غفر اللّٰه لك، فهو مثل قوله: اللّٰهمّ اغفر لي أو لفلان.

[مسألة 14: لا بأس بتكرار الذكر أو القراءة عمداً]

[1715] مسألة 14: لا بأس بتكرار الذكر أو القراءة عمداً (2) أو من باب الاحتياط، نعم إذا كان التكرار من باب الوسوسة فلا يجوز [2]

______________________________
وضوح عدم كون الداعي المزبور قادحاً في صدق عنوان الذكر فيندرج تحت عنوان الاستثناء و يكون ملحقاً بالصورة الأُولى.

(1) فيه إشكال بل منع، نظراً إلى أنّ الدُّعاء بعنوانه لم يؤخذ موضوعاً للاستثناء ليتمسّك بإطلاقه، و إنّما ساغ لكونه مصداقاً للمناجاة مع الرب تعالى الوارد في النصوص، و من البيِّن عدم صدق المناجاة معه سبحانه على ما اشتمل على التخاطب مع الغير.

و بعبارة أُخرى: المستثنى في لسان الأخبار أحد أمرين: إمّا الذكر أو المناجاة مع اللّٰه تعالى، و شي‌ء منهما غير منطبق على المقام، فيشمله إذن عموم مبطلية الكلام. و منه تعرف ضعف ما في المتن من القياس.

و مع التنازل و تسليم استثناء الدُّعاء بعنوانه، فمفروض البحث مجمع للعنوانين، أعني الدُّعاء و التكلّم مع الغير، و العنوان الأوّل و إن لم يقتض البطلان، لكن العنوان الثاني يقتضيه، و قد تقدّم آنفاً أنّ ما لا اقتضاء فيه لا يزاحم ما فيه الاقتضاء.

(2) لاستثنائهما من عموم مبطلية الكلام، و مقتضى الإطلاق في دليل الاستثناء عدم الفرق بين المرّة و التكرار.

______________________________
[1] فيه إشكال بل منع و به يظهر الحال في جملة من الفروع الآتية.

[2] في عدم جوازه فضلًا عن بطلان الصلاة به نظر بل منع.

450
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 15: لا يجوز ابتداء السلام للمصلي ؛ ج 15، ص : 451

بل لا يبعد بطلان الصلاة به (1).

[مسألة 15: لا يجوز ابتداء السلام للمصلِّي]

[1716] مسألة 15: لا يجوز ابتداء السلام للمصلِّي، و كذا سائر التحيّات مثل: صبّحك اللّٰه بالخير، أو: مسّاك اللّٰه بالخير، أو: في أمان اللّٰه، أو: ادخلوها بسلام، إذا قصد مجرّد التحيّة (2)،

______________________________
(1) أمّا من حيث الجواز و عدمه فينبغي التفصيل بين ما إذا بلغ التكرار حدّا يعدّ عرفاً من المهملات، كما لو كرّر (أش) في التشهّد مرّات عديدة، و بين ما كان دون هذا الحد، فيحكم بعدم الجواز بل البطلان في الأوّل كما ظهر ممّا مرّ دون الثاني لعدم نهوض دليل على حرمة الوسوسة.

أجل، في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: «ذكرت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) رجلًا مبتلى بالوضوء و الصلاة، و قلت هو رجل عاقل، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام): و أيّ عقل له و هو يطيع الشيطان، فقلت له: و كيف يطيع الشيطان؟ فقال: سله هذا الّذي يأتيه من أيّ شي‌ء هو، فإنّه يقول لك من عمل الشيطان» «1».

و لكنّها تدل على ضعف العقل لا ضعف الدين ليستفاد التحريم.

و أمّا من حيث البطلان على تقدير الحرمة فيجري فيه ما تقدّم «2» في الدُّعاء المحرّم، و قد عرفت أنّ الأظهر هو العدم.

نعم، الأحوط الأولى لمن ابتلي بذلك تكرار الصلاة مرّة مع تكرار الذكر أو القراءة، و أُخرى بدونه.

(2) هذا ممّا لا شبهة فيه، ضرورة أنّ ما قصد به التحيّة يعدّ من كلام الآدميين فتبطل به الصلاة. و إنّما الإشكال في موردين:

______________________________
(1) الوسائل 1: 63/ أبواب مقدّمة العبادات ب 10 ح 1.

(2) في ص 446.

451
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 15: لا يجوز ابتداء السلام للمصلي ؛ ج 15، ص : 451

و أمّا إذا قصد الدُّعاء بالسلامة أو الإصباح أو الإمساء بالخير و نحو ذلك فلا بأس به، و كذا إذا قصد القرآنية [1] من نحو قوله سَلٰامٌ عَلَيْكُمْ أو ادْخُلُوهٰا بِسَلٰامٍ، و إن كان الغرض منه السلام أو بيان المطلب بأن يكون من باب الداعي على الدُّعاء أو قراءة القرآن.

______________________________
أحدهما: ما إذا قصد بالسلام أو بغيره من التحيّات الدُّعاء، فقد يقال بجوازه و عدم إبطاله.

و يندفع أوّلًا: بما تقدّم من أنّ الدُّعاء بعنوانه لم يؤخذ في نصوص الاستثناء و إنّما الوارد فيها الذكر أو المناجاة مع الرب، فلا تأثير لقصد الدُّعاء.

و ثانياً: مع التسليم، تصبح التحيّة المزبورة مجمعاً للعنوانين، و قد سبق أنّ عدم البطلان بعنوان الدُّعاء لا يستلزم عدمه بعنوان التكلّم و التخاطب مع الغير، فان عدم الاقتضاء لا يزاحم ما فيه الاقتضاء.

ثانيهما: ما إذا قصد به القرآن و لكن الداعي عليه تفهيم مطلب كالتسليم في مثل قوله «سَلٰامٌ عَلَيْكُمْ» أو الإذن في الدخول في نحو قوله تعالى ادْخُلُوهٰا بِسَلٰامٍ «1».

و هذا على نحوين: إذ تارة يقصد بتلك العبارة الحكاية عمّا انزل على النبيّ الأعظم (صلّى اللّٰه عليه و آله) و لكنّه بالكناية و الدلالة الالتزامية يريد التفهيم المزبور. و هذا و إن لم يستوجب البطلان لمكان استثناء قراءة القرآن، إلّا أنّه‌

______________________________
[1] قصد القرآنية لا يخرجه عن كونه خطاباً مع الغير و تكلّماً مع المخلوقين فتشمله أدلّة المنع، و به يظهر الحال في جملة من الفروع الآتية.

______________________________
(1) الحجر 15: 46.

452
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 15: لا يجوز ابتداء السلام للمصلي ؛ ج 15، ص : 451

..........

______________________________
لا تتحقّق به التحيّة المتقوّم بها مفهوم التسليم، لأنّه لم يقصد به التخاطب مع الغير، بل قراءة القرآن محضاً كما هو المفروض.

و أُخرى: يجمع بين قراءة القرآن و إنشاء التحيّة مثلًا، بأن ينشئ التحيّة بنفس اللفظ المستعمل في ألفاظ القرآن.

و دعوى: أنّ قراءة القرآن متقوّمة بقصد الحكاية المقتضية لاستعمال اللفظ في معنى خاص و هو الّذي نزل به الروح الأمين على النبيّ الأكرم (صلّى اللّٰه عليه و آله) فلا يمكن استعماله في معنى آخر كإنشاء التحيّة، مدفوعة: بما تقدّم في مبحث القراءة من عدم التنافي بين الأمرين، و جواز تطبيق اللفظ المستعمل في القرآن على معنى آخر كما في الشعر و الخطابة و نحوهما، هذا.

و لكن الظاهر مع ذلك بطلان الصلاة بذلك، لعدم خروجه عن كونه تكلّماً و تخاطباً مع الغير و مصداقاً لكلام الآدميين، نظراً إلى أنّ المستثنى لم يكن هو مطلق قراءة القرآن حتّى إذا قصد به غير المعنى الّذي قصده منه اللّٰه (عزّ و جلّ) حيث إنّه تعالى أراد في مثل قوله ادْخُلُوهٰا بِسَلٰامٍ دخول الجنّة، فإذا أُريد به دخول الدار أو الغرفة مثلًا، كان من كلام الآدميين الموجب للبطلان.

و إن شئت قلت هذا من مجمع العنوانين، و عدم البأس من ناحية القراءة لا ينافي البأس من ناحية التخاطب مع الغير، لما عرفت من أنّ ما لا يقتضي البطلان لا يزاحم ما يقتضيه. فحال هذه الصورة حال التحيّة بقصد الدُّعاء المحكومة بالبطلان على ما تقدّم.

453
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: يجوز رد سلام التحية في أثناء الصلاة ؛ ج 15، ص : 454

[مسألة 16: يجوز ردّ سلام التحيّة في أثناء الصلاة]

[1717] مسألة 16: يجوز ردّ سلام التحيّة في أثناء الصلاة، بل يجب و إن لم يكن السلام أو الجواب بالصيغة القرآنية (1).

______________________________
(1) لا إشكال كما لا خلاف في وجوب ردّ السلام في غير حالة الصلاة، و قد نطقت به جملة من النصوص التي منها صحيحة عبد اللّٰه بن سنان «قال: رد جواب الكتاب واجب كوجوب ردّ السلام»
«1». و في موثقة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): السلام تطوّع و الرد فريضة» «2».

و ناهيك قبل ذلك كلّه قوله تعالى وَ إِذٰا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهٰا أَوْ رُدُّوهٰا «3» حيث فسّرت التحيّة بالسلام «4»، بل هي معناه لغة «5».

إنّما الكلام في الرد أثناء الصلاة فقد منعه العامّة «6» و إن اختلفوا بين من اكتفى بالإشارة، و من أخّره إلى ما بعد الصلاة.

و أمّا الخاصّة فقد اتّفقوا على الجواز، و غير خفي أنّ مرادهم به الجواز بالمعنى الأعم في مقابل المنع، لا خصوص الإباحة المصطلحة، ضرورة أنّه متى جاز وجب كتاباً و سنّة و إجماعاً حسبما عرفت. فالوجوب بعد فرض الجواز معلوم من القواعد. و من ثمّ قال في المسالك: إنّ كل من قال بالجواز قال بالوجوب «7»

______________________________
(1) الوسائل 12: 57/ أبواب أحكام العشرة ب 33 ح 1، 3.

(2) الوسائل 12: 57/ أبواب أحكام العشرة ب 33 ح 1، 3.

(3) النِّساء 4: 86.

(4) التبيان 3: 278، مجمع البيان 3: 130.

(5) المصباح المنير: 160، لسان العرب 12: 289، القاموس المحيط 4: 322.

(6) المغني 1: 747، فتح العزيز 4: 117.

(7) المسالك 1: 231.

454
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: يجوز رد سلام التحية في أثناء الصلاة ؛ ج 15، ص : 454

..........

______________________________
و نحوه عن مجمع البرهان
«1»، فلا ينبغي التردّد في أنّ مرادهم الوجوب لا الجواز بمعناه الخاص.

و ممّا يكشف عنه حكم جماعة منهم ببطلان الصلاة مع عدم الرد، بناءً منهم على أنّ الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضدّه و لا أقل من عدم تعلّق الأمر به.

و كيف ما كان، فتدل على وجوب الرد أثناء الصلاة نصوص مستفيضة و هي على طوائف.

الأُولى: ما دلّ على وجوب الرد من غير تعرّض لكيفيّة التسليم و لا لصيغة ردّه، كموثقة عمار بن موسى عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن السلام على المصلِّي، فقال: إذا سلّم عليك رجل من المسلمين و أنت في الصلاة فردّ عليه فيما بينك و بين نفسك و لا ترفع صوتك» «2».

الثانية: ما دلّ على وجوب الرد بصيغة السلام عليك، من غير تعرّض لكيفيّة التسليم، كما رواه الصدوق بإسناده عن محمّد بن مسلم «أنّه سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يسلّم على القوم في الصلاة، فقال: إذا سلّم عليك مسلم و أنت في الصلاة فسلّم عليه تقول: السلام عليك و أشر بإصبعك» «3».

فانّ هذا الاسناد و إن كان ضعيفاً، لضعف طريق الصدوق إلى محمّد بن مسلم إلا أنّها بعينها رويت بطريق آخر معتبر و هو ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر عن كتاب محمّد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمّد البزنطي بسند صحيح عن ابن مسلم «4»، و قد أشرنا في محلّه إلى أنّ الكتاب المزبور الّذي‌

______________________________
(1) مجمع الفائدة و البرهان 3: 114.

(2) الوسائل 7: 268/ أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 4.

(3) الوسائل 7: 268/ أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 5، الفقيه 1: 240/ 1063.

(4) الوسائل 7: 269/ أبواب قواطع الصلاة ب 16 ذيل ح 5، السرائر 3 (المستطرفات): 604.

455
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: يجوز رد سلام التحية في أثناء الصلاة ؛ ج 15، ص : 454

..........

______________________________
روى عنه ابن إدريس كان بخط الشيخ الطوسي
«1»، و طريق الشيخ إلى هذا الكتاب صحيح، و بذلك تصبح الرواية معتبرة.

الثالثة: ما دلّ على وجوب الرد بصيغة سلام عليكم، من غير تعرّض لكيفيّة التسليم أيضاً، و هي موثقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يسلّم عليه و هو في الصلاة، قال: يرد سلام عليكم، و لا يقول: و عليكم السلام، فانّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) كان قائماً يصلِّي فمرّ به عمّار بن ياسر فسلّم عليه عمّار فردّ عليه النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) هكذا» «2».

و لكن الصدوق روى قصّة تسليم عمّار على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) و جوابه له بصيغة مطلقة سلاماً و جواباً حيث قال «و قال أبو جعفر (عليه السلام): سلّم عمّار على رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) و هو في الصلاة فردّ عليه، ثمّ قال أبو جعفر (عليه السلام) إنّ السلام اسم من أسماء اللّٰه عزّ و جلّ» «3». غير أنّها مرسلة فلا يمكن التعويل عليها.

نعم، رواها الشهيد في الأربعين «4» بسند صحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) إذن فتكون ملحقة بالطائفة الأُولى، هذا.

و يظهر ممّا رواه الشهيد في الذكرى عن البزنطي عن الباقر (عليه السلام) أنّ سلام عمّار كان بصيغة السلام عليك «5».

______________________________
(1) ذكره في السرائر 3 (المستطرفات): 601.

(2) الوسائل 7: 267/ أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 2.

(3) الوسائل 7: 269/ أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 6، الفقيه 1: 241/ 1066.

(4) الوسائل 7: 269/ أبواب قواطع الصلاة ب 16 ذيل ح 6، الأربعون حديثاً: 50/ 22.

(5) الوسائل 7: 271/ أبواب قواطع الصلاة ب 17 ح 3، الذكرى 4: 24.

456
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: يجوز رد سلام التحية في أثناء الصلاة ؛ ج 15، ص : 454

..........

______________________________
و لو تمّ سند الرواية يظهر منها بعد ضمّها إلى موثقة سماعة المتقدِّمة أنّ تخصيص الجواب بتلك الصيغة منوط بكون السلام بهذه الصيغة. و لكن السند ضعيف، لجهالة طريق الشهيد إلى كتاب البزنطي، فالمتّبع إذن هي الموثقة بمجرّدها الدالّة على كون الجواب بتلك الصيغة مطلقاً.

الرابعة: ما دلّ على لزوم المماثلة بين السلام و ردّه، كصحيحة محمّد بن مسلم قال: «دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) و هو في الصلاة فقلت: السلام عليك، فقال: السلام عليك، فقلت: كيف أصبحت؟ فسكت، فلمّا انصرف قلت: أ يردّ السلام و هو في الصلاة؟ قال: نعم، مثل ما قيل له» «1».

و صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا سلّم عليك الرجل و أنت تصلِّي، قال: تردّ عليه خفياً كما قال» «2».

و على الجملة: فالمستفاد من هذه الروايات بطوائفها و اختلاف ألسنتها وجوب ردّ السلام أثناء الصلاة، غير أنّ بإزائها ما يظهر منه عدم الجواز، و هو ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده عن مصدق بن صدقة عن جعفر بن محمّد عن أبيه (عليهما السلام) «قال: لا تسلّموا على اليهود و لا النصارى إلى أن قال-: و لا على المصلِّي، و ذلك لأنّ المصلِّي لا يستطيع أن يردّ السلام، لأنّ التسليم من المسلّم تطوّع و الرد فريضة» «3».

حيث إنّ عدم الاستطاعة بعد تعذّر إرادة التكوينية منها كما هو واضح محمول على التشريعية المساوقة للحرمة.

و لكنّ السند ضعيف بمحمّد بن علي ماجيلويه شيخ الصدوق فإنّه لم يوثق و مجرّد الشيخوخة غير كافية في الوثاقة سيّما بعد ما نشاهده من روايته عن‌

______________________________
(1) الوسائل 7: 267/ أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 1، 3.

(2) الوسائل 7: 267/ أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 1، 3.

(3) الوسائل 7: 270/ أبواب قواطع الصلاة ب 17 ح 1، الخصال: 484/ 57.

457
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 16: يجوز رد سلام التحية في أثناء الصلاة ؛ ج 15، ص : 454

و لو عصى و لم يردّ الجواب و اشتغل بالصلاة قبل فوات وقت الردّ لم تبطل على الأقوى (1).

______________________________
الضعاف في غير مورد. كما أنّ اعتماده عليه حسبما يظهر من إكثاره الرواية عنه لا يجدي بعد تطرّق احتمال بنائه على أصالة العدالة التي لا نعترف بها.

و مع تسليم صحّة السند فحيث إنّها لا تنهض لمقاومة ما سبق من تلك النصوص الكثيرة فلا مناص من التصرّف فيها إمّا بحملها على التقيّة، أو على إرادة المشقّة من عدم الاستطاعة، حيث إنّ التصدِّي للردّ ثمّ العود إلى صلاته يشغله عن الإقبال و التوجّه فلا يسهل عليه الرد، فيكون مفادها حينئذ كراهة التسليم على المصلِّي لا عدم جواز الرد لو سلّم عليه.

(1) خلافاً لجماعة من الحكم بالبطلان بناءً منهم على اقتضاء الأمر بالشي‌ء للنهي عن ضدّه الخاص، بل عن البهائي (قدس سره) «1» الحكم به حتّى لو لم نقل بالاقتضاء، نظراً إلى اقتضائه عدم الأمر بالضد، ضرورة امتناع تعلّق الأمر بالضدّين، و يكفي في فساد العبادة مجرّد عدم الأمر بها.

نعم، تصدّى في الكفاية «2» للتصحيح من ناحية الملاك، و ناقشنا فيه لعدم السبيل لإحرازه من غير ناحية الأمر، و المفروض عدم ثبوته.

و لكنّا ذكرنا في الأُصول إمكان التصحيح في نظائر المقام بالخطاب الترتّبي و أنّ مجرّد إمكانه مساوق لوقوعه، كما أنّ تصوّره مساوق لتصديقه، و تمام الكلام في محلّه «3».

______________________________
(1) زبدة الأُصول: 82، و حكاه عنه في كفاية الأُصول: 133.

(2) كفاية الأُصول: 134.

(3) محاضرات في أُصول الفقه 3: 102، 94.

458
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 17: يجب أن يكون الرد في أثناء الصلاة بمثل ما سلم ؛ ج 15، ص : 459

[مسألة 17: يجب أن يكون الردّ في أثناء الصلاة بمثل ما سلّم]

[1718] مسألة 17: يجب أن يكون الردّ في أثناء الصلاة بمثل ما سلّم فلو قال: سلام عليكم، يجب أن يقول في الجواب: سلام عليكم مثلًا، بل الأحوط [1] المماثلة في التعريف و التنكير و الإفراد و الجمع فلا يقول: سلام عليكم في جواب السلام عليكم، أو في جواب سلام عليك مثلًا و بالعكس، و إن كان لا يخلو من منع (1).

______________________________
(1) لا إشكال كما لا خلاف في اعتبار المماثلة بين السلام و ردّه من حيث الذات، فلا بدّ و أن يكون الجواب حال الصلاة على سياق السلام الابتدائي في كون السلام مقدّماً على الخبر، فلا يجوز بصيغة عليكم السلام مثلًا، و قد دلّت عليه الروايات حسبما مرّت الإشارة إليها.

و إنّما الكلام في اعتبار المماثلة في الخصوصيات من التعريف و التنكير و إفراد الضمير و جمعه، فانّ فيه خلافاً و لأجله احتاط الماتن (قدس سره) و منشأ الخلاف اختلاف الروايات الواردة في المقام.

فانّ مقتضى إطلاق صحيحتي ابن مسلم و ابن حازم المتقدِّمتين في الطائفة الرابعة من المسألة السابقة هو اعتبارها في تمام الجهات لقوله (عليه السلام) في إحداهما: «مثل ما قيل له» و في الأُخرى: «كما قال».

كما أنّ مقتضى إطلاق موثقة سماعة المتقدِّمة في الطائفة الثالثة عدم اعتبارها إلّا من حيث الذات.

بل إنّ ذلك هو مقتضى صريحها بعد ضمّها برواية الشهيد في الذكرى لو تمّ سندها، لدلالتهما على تخالف سلام عمّار مع جوابه من هذه الجهة بناءً على‌

______________________________
[1] لا يترك هذا الاحتياط.

459
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 17: يجب أن يكون الرد في أثناء الصلاة بمثل ما سلم ؛ ج 15، ص : 459

..........

______________________________
اتِّحاد الواقعة كما لعلّه الظاهر فيقيّد بهما الإطلاق الأوّل و يحمل على إرادة المماثلة من حيث الذات فقط. و لكن السند غير تام كما تقدّم
«1».

إذن فتقع المعارضة بين الإطلاقين، و يدور الأمر حينئذ بين تقييد الأوّل بالثاني لينتج اعتبار المماثلة في الذات فقط، و بين عكسه لينتج اعتبارها في تمام الخصوصيات، و حيث لا ترجيح في البين فلا جرم يسقط الإطلاق من الطرفين و كان المرجع حينئذ أصالة البراءة عن اعتبارها في الزائد على المقدار المتيقن أعني من حيث الذات فقط.

هذا كلّه في ملاحظة الصحيحتين مع الموثقة و ينسحب ذلك بعينه عند ملاحظتهما مع معتبرة محمّد بن مسلم المتقدِّمة في الطائفة الثانية، لاتِّحاد مناط البحث كما لا يخفى.

أجل، لا يبعد القول بأنّ الإطلاق في المعتبرة أقوى منه في الموثقة، نظراً إلى استفادته في الثانية من ترك الاستفصال، و أمّا في المعتبرة فهو مستفاد من نفس اللفظ لقوله (عليه السلام): «إذا سلّم عليك مسلم» إلخ.

و كيف ما كان، فقد عرفت أنّه بعد سقوط الإطلاقين بالمعارضة فالمرجع أصالة البراءة، هذا.

و هناك معارضة اخرى بين الموثقة و المعتبرة نفسيهما، حيث إنّ ظاهر الاولى تعيّن الرد بصيغة سلام عليكم، و ظاهر الثانية تعيّنه بصيغة السلام عليك و مقتضى الجمع العرفي رفع اليد عن ظهور كل منهما في التعيين بنصّ الأُخرى في جواز الآخر، و نتيجته جواز اختيار أيّ منهما شاء.

و المتحصِّل من جميع ما مرّ: عدم اعتبار المماثلة إلّا من حيث الذات، و إن كان الأحوط رعايتها في جميع الخصوصيّات كما ظهر وجهه ممّا تقدّم.

______________________________
(1) في ص 457.

460
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 18: لو قال المسلم: عليكم السلام، فالأحوط في الجواب أن يقول: سلام عليكم بقصد القرآنية ؛ ج 15، ص : 461

نعم، لو قصد القرآنية في الجواب فلا بأس بعدم المماثلة (1).

[مسألة 18: لو قال المسلّم: عليكم السلام، فالأحوط في الجواب أن يقول: سلام عليكم بقصد القرآنية]

[1719] مسألة 18: لو قال المسلّم: عليكم السلام، فالأحوط [1] في الجواب أن يقول: سلام عليكم بقصد القرآنية، أو بقصد الدُّعاء (2).

______________________________
(1) لوضوح انصراف أدلّة الاعتبار إلى الجواب الصادر بعنوان ردّ التحيّة.

(2) قال في الحدائق: إنّ صيغة عليكم السلام بتقديم الظرف ليست من صيغ الابتداء بالسلام، و إنّما هي من صيغ الرد انتهى «1». و مقتضاه عدم وجوب ردّه بل لو ردّ المصلِّي بطلت صلاته لكونه من كلام الآدميين.

و فيه: ما لا يخفى، إذ لا وجه له بعد إطلاق الكتاب و السنّة، فانّ التحيّة في قوله تعالى وَ إِذٰا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ ... «2» إلخ، و السلام في موثقتي السكوني و عمّار ابن موسى المتقدِّمتين «3» في المسألة السادسة عشرة مطلق يشمل مثل هذه الصيغة أيضاً، و مجرّد قيام التعارف الخارجي على عدمها لا يستوجب انصراف الإطلاق عنها كما لا يخفى.

على أنّ خروجها عن المتعارف ممنوع، فقد ورد الأمر بها في موثقة عمّار الساباطي «أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن النِّساء كيف يسلّمن إذا دخلن على القوم؟ قال: المرأة تقول: عليكم السلام و الرجل يقول: السلام عليكم» «4» فانّ من الواضح عدم اختلاف مفهوم السلام في المرأة عنه في الرجل و إن‌

______________________________
[1] في كونه أحوط نظر ظاهر، و الظاهر جواز ردّه بأيّ صيغة كانت.

______________________________
(1) الحدائق 9: 74.

(2) النِّساء 4: 86.

(3) في ص 454، 455.

(4) الوسائل 12: 66/ أبواب أحكام العشرة ب 39 ح 3.

461
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 18: لو قال المسلم: عليكم السلام، فالأحوط في الجواب أن يقول: سلام عليكم بقصد القرآنية ؛ ج 15، ص : 461

..........

______________________________
اختلفت الكيفية بموجب هذه الرواية.

نعم، إنّ تلك الصيغة قليلة بالإضافة إلى بقيّة الصيغ الأربع، و هي سلام عليكم و السلام عليكم، و سلام عليك، و السلام عليك، لكن القلّة لا تستوجب الخروج عن المتعارف.

و أمّا النبوي: «لا تقل عليك السلام فانّ عليك السلام تحيّة الموتى، إذا سلّمت فقل: سلام عليك، فيقول الراد عليك السلام» «1» فهو لضعف سنده لا يعوّل عليه.

إذن فلا ينبغي التأمّل في تحقّق التحيّة بتلك الصيغة أيضاً و وجوب ردّها و حينئذ فان كان الرد في غير حال الصلاة فيردّها كيف ما شاء.

و أمّا إذا كان في الصلاة ففيه إشكال و قد احتاط الماتن باختيار سلام عليكم بقصد القرآنية أو الدُّعاء، و لكنّه كما ترى، فانّ الجواب بهذه الصيغة إن كان جائزاً فقد صحّ من غير حاجة إلى القصد المزبور، و إلّا لم ينفعه هذا القصد لكونه حينئذ مجمعاً للعنوانين، و قد تقدّم أنّه متى صدق عنوان التكلّم مع الغير حكم بالبطلان، سواء قارنه عنوان القرآن أم لا، فكون الأحوط ما ذكره محل نظر بل منع.

و الّذي ينبغي أن يقال: إنّ مقتضى إطلاق صحيحتي ابن مسلم «2» و منصور ابن حازم «3» الناطقتين باعتبار المماثلة لزوم كون الجواب بصيغة عليكم السلام و لكنّه معارض بموثقة سماعة المانعة عن ذلك حيث قال (عليه السلام) «و لا يقول و عليكم السلام» «4» كما أنّ معتبرة ابن مسلم دلّت على لزوم كون الجواب‌

______________________________
(1) كنز العمال 9: 126/ 25318، سنن أبي داود 4: 353/ 5209.

(2) الوسائل 7: 267/ أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 1، 3.

(3) الوسائل 7: 267/ أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 1، 3.

(4) الوسائل 7: 267/ أبواب القواطع ب 16 ح 2.

462
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 19: لو سلم بالملحون وجب الجواب صحيحا ؛ ج 15، ص : 463

[مسألة 19: لو سلّم بالملحون وجب الجواب صحيحاً]

[1720] مسألة 19: لو سلّم بالملحون وجب الجواب صحيحاً [1] (1)

______________________________
بصيغة السلام عليك
«1».

و بعد سقوط الجميع بالمعارضة فالمرجع إطلاقات الجواب من السنّة و الكتاب التي مقتضاها جواز تقديم الظرف و تأخيره.

و مع الغض عن الإطلاق فيرجع إلى أصالة البراءة عن المانعية، و عليه فله الردّ بأيّ صيغة شاء.

(1) تارة يفرض بلوغ اللحن حدّا لا يصدق معه عنوان التحيّة و إن تخيلها المسلّم، و أُخرى يفرض الصدق.

فعلى الأوّل: لا يجب الجواب في الصلاة و غيرها لعدم المقتضي، بل لا يجوز في الصلاة لكونه من كلام الآدمي من غير مسوّغ.

و على الثاني: وجب مطلقاً أخذاً بإطلاقات ردّ التحيّة بعد وضوح منع انصرافها عن الملحون بنحو يمنع عن التمسّك بالإطلاق، و هذا ممّا لا ينبغي الإشكال فيه.

و إنّما الإشكال في أنّه هل يلزم الرد بالصحيح أو أنّه يجزئ الملحون مماثلًا للسلام؟ مقتضى إطلاق الآية هو الثاني، لصدق ردّ التحيّة المأمور به، و لكن الماتن تبعاً للجواهر «2» اعتبر الأوّل، و هو غير واضح بعد الإطلاق المزبور من غير مقيّد.

______________________________
[1] على الأحوط.

______________________________
(1) الوسائل 7: 268/ أبواب القواطع ب 16 ح 5.

(2) الجواهر 11: 107.

463
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 20: لو كان المسلم صبيا مميزا أو نحوه أو امرأة أجنبية أو رجلا أجنبيا على امرأة تصلي ؛ ج 15، ص : 464

و الأحوط قصد الدُّعاء أو القرآن (1).

[مسألة 20: لو كان المسلّم صبيّاً مميّزاً أو نحوه أو امرأة أجنبية أو رجلًا أجنبياً على امرأة تصلِّي]

[1721] مسألة 20: لو كان المسلّم صبيّاً مميّزاً أو نحوه أو امرأة أجنبية أو رجلًا أجنبياً على امرأة تصلِّي، فلا يبعد بل الأقوى جواز الردّ بعنوان ردّ التحيّة، لكن الأحوط قصد القرآن أو الدُّعاء (2).

______________________________
و دعوى أنّ الجواب الملحون كلام آدمي تبطل الصلاة به مدفوعة بعدم المجال لهذه الدعوى بعد فرض كونه مشمولًا للإطلاق، و لا دليل على أنّ كل كلام ملحون مبطل، و من ثمّ ساغ الدُّعاء الملحون و القنوت بالملحون كما تقدّم
«1» فليكن السلام الملحون من هذا القبيل. نعم، تعتبر الصحّة في الأذكار المعدودة من أجزاء الصلاة، دون ما هو خارج عنها كالموارد المزبورة. إذن فاعتبار الصحّة في الجواب مبني على الاحتياط.

(1) لاحتمال عدم الوجوب، و قد ظهر ضعفه ممّا مرّ.

(2) لا إشكال كما لا خلاف في وجوب الرد فيما إذا كان المسلّم و المسلّم عليه رجلين أو امرأتين أو مختلفين مع كونهما محرمين، لعدم الدليل على اختصاص الحكم بالمماثل كما هو ظاهر.

و أما لو كان المسلّم صبياً مميِّزاً، فالظاهر وجوب ردّه أيضاً حتّى في حال الصلاة، لإطلاقات الأدلّة بعد صدق التحيّة عليه كصدقه على سلام البالغين، و عدم نهوض أيّ دليل على التقييد بالبلوغ، عدا ما قد يتخيّل من عدم شرعية عبادات الصبي و أنّها تمرينية فلا موجب للرد.

و هو كما ترى، إذ مضافاً إلى أنّ الأصح أنّها شرعية كما سبق في محلّه «2»، أنّ‌

______________________________
(1) في ص 391.

(2) مصباح الفقاهة 3: 241.

464
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 20: لو كان المسلم صبيا مميزا أو نحوه أو امرأة أجنبية أو رجلا أجنبيا على امرأة تصلي ؛ ج 15، ص : 464

..........

______________________________
ذاك البحث غير مرتبط بالمقام، ضرورة عدم كون السلام من الأُمور العبادية و إنّما هو تحيّة عرفية و لا مساس لها بالشرعية أو التمرينية، و حيث إنّ الموضوع لوجوب الرد هو عنوان التحيّة التي لا ينبغي الشك في صدقها على سلام المميِّز كغيره حسبما عرفت، فلا مناص من الالتزام بالوجوب.

نعم، لا يجب الردّ في سلام غير المميز، لعدم صدق عنوان التحيّة عليه بعد أن كان آتياً بمجرّد اللفظ من دون كونه قاصداً للمعنى بمقتضى افتراض عدم التمييز.

و أمّا السلام على الأجنبية، فبناءً على جواز سماع صوتها لا ينبغي الشك في وجوب الرد عليها للإطلاقات. و أمّا بناءً على عدم الجواز فالظاهر وجوب الرد أيضاً و إن حرم عليها الإسماع، فتردّ التحيّة إخفاتاً، و الوجه فيه: أنّ الرد شي‌ء و إسماع الصوت شي‌ء آخر، و حرمة الثاني لا تستلزم سقوط الأوّل. فالمقام نظير من كان عاجزاً عن الإسماع تكويناً لمرض و نحوه، فكما أنّ العجز التكويني لا يستوجب السقوط فكذلك العجز التشريعي بمناط واحد.

و أمّا عكس ذلك، أعني سلامها على الرجل الأجنبي، فقد يقال بعدم وجوب الرد نظراً إلى حرمة التسليم الصادر منها باعتبار حرمة إسماع صوتها للأجنبي، و حيث إنّ التسليم المحرّم لا يستأهل الجواب فأدلّة الرد منصرفة عنه.

و فيه: بعد تسليم حرمة الإسماع المزبور، أنّ الحرام لم يكن هو السلام بالذات بل شي‌ء من الخصوصيات المحفوفة به و هو الإسماع، فنفس التحيّة لا حرمة فيها، و من البيِّن أنّ الرد إنّما يكون لها لا للخصوصية المقترنة بها المفروض حرمتها.

على أنّه لا مانع من أن يكون الحرام بالإضافة إلى شخص موضوعاً للوجوب بالإضافة إلى شخص آخر، فانّ الممنوع إنّما هو اجتماع الحكمين المتضادّين في مورد واحد. إذن فلا محذور في أن يكون التسليم محرّماً على‌

465
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 21: لو سلم على جماعة منهم المصلي فرد الجواب غيره لم يجز له الرد ؛ ج 15، ص : 466

[مسألة 21: لو سلّم على جماعة منهم المصلِّي فردّ الجواب غيره لم يجز له الردّ]

[1722] مسألة 21: لو سلّم على جماعة منهم المصلِّي فردّ الجواب غيره لم يجز له الردّ، نعم لو ردّه صبي مميِّز ففي كفايته إشكال، و الأحوط ردّ المصلِّي بقصد القرآن أو الدُّعاء (1).

______________________________
المرأة، و مع ذلك إذا عصت و سلمت وجب على الرجل ردّه.

و منه تعرف حكم ما لو كان السلام محرّماً لجهة أُخرى كالرِّياء، فانّ مقتضى الإطلاقات وجوب ردّه أيضاً فلاحظ.

(1) لا إشكال كما لا خلاف في أنّ الرد الصادر من واحد من الجماعة يجزئ عن الآخرين و إن كان فيهم المصلِّي، كما أنّ السلام الصادر من أحدهم يجزئ و يسقط به الاستحباب عن الباقين و قد دلّت على الحكم من الطرفين جملة من الأخبار التي منها: صحيحة عبد الرّحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا سلّم الرجل من الجماعة أجزأ عنهم» «1»، و لا يبعد شمول إطلاقها للسلام الابتدائي و لردّه معاً، فيراد الإجزاء عن كل من الاستحباب و الوجوب.

و منها: موثقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا سلّم من القوم واحد أجزأ عنهم، و إذا ردّ واحد أجزأ عنهم» (2)، و هي صريحة في الإجزاء في كلتا الصورتين.

و تؤيِّدهما: مرسلة ابن بكير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا مرّت الجماعة بقوم أجزأهم أن يسلِّم واحد منهم، و إذا سلّم على القوم و هم جماعة أجزأهم أن يردّ واحد منهم» (3).

______________________________
(1) 2)، (3) الوسائل 12: 75/ أبواب أحكام العشرة ب 46 ح 1، 2، 3.

466
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 21: لو سلم على جماعة منهم المصلي فرد الجواب غيره لم يجز له الرد ؛ ج 15، ص : 466

..........

______________________________
و إنّما الإشكال في موردين:

أحدهما: ما إذا كان المجيب صبيّاً مميّزاً فهل يكون ذلك مجزئاً عن الباقين؟ استشكل فيه الماتن و ذكر أنّ الأحوط أن يردّه المصلِّي بقصد القرآن أو الدُّعاء.

أقول: أمّا الاحتياط المزبور فقد مرّ ضعفه غير مرّة، حيث عرفت أنّ ضميمة قصد القرآن أو الدُّعاء لا تنفع، إذ غايته أن يصبح الرد مجمعاً للعنوانين التكلّم مع الغير و القرآن، و الثاني و إن لم يستوجب البطلان لكنّ الأوّل يوجبه و لا يزاحم ما لا اقتضاء فيه ما فيه الاقتضاء.

و أمّا الاستشكال فالظاهر أنّه في محلّه، إذ الرد الصادر من الصبي غير واجب عليه، و سقوط الواجب بغير الواجب خلاف الأصل لا يصار إليه من غير دليل، و لا دليل عليه في البين عدا ما يتوهّم من إطلاق الرد في النصوص المزبورة بدعوى شموله للصادر من البالغ و غيره.

و لكنّه كما ترى، فانّ توصيف الواحد بكونه منهم أو من القوم، أو من الجماعة ظاهر في كونه مشاركاً معهم في توجيه الخطاب، و من ثمّ كان مجزئاً عنه و عنهم، و حيث إنّ الصبي لم يخاطب بالرد إذ لم يتعلّق به التكليف فلا جرم كان النص منصرفاً عنه.

و يعضده التعبير بالإجزاء الّذي لا يكون إلّا عن التكليف، فكأن إجزاءه عن نفس الراد أمر مفروغ عنه، فأُريد بيان كونه مجزئاً عن القوم أيضاً، و هذا يستدعي مشاركة الكل في التكليف فلا يشمل الصبي.

و المتحصِّل: أنّ سلام المميّز و إن وجب ردّه، إلّا أنّ ردّه للسلام لا يسقط التكليف عن الباقين.

ثانيهما: ما لو سلّم على جماعة منهم المصلِّي فهل يجوز له الرد بعد ما تصدّى‌

467
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 22: إذا قال: سلام بدون عليكم، وجب الجواب في الصلاة ؛ ج 15، ص : 468

[مسألة 22: إذا قال: سلام بدون عليكم، وجب الجواب في الصلاة]

[1723] مسألة 22: إذا قال: سلام بدون عليكم، وجب الجواب (1) في الصلاة (2) إمّا بمثله و يقدر: عليكم و إمّا بقوله: سلام عليكم، و الأحوط الجواب كذلك بقصد القرآن أو الدُّعاء.

______________________________
له غيره؟ الظاهر عدم الجواز، لانصراف الأدلّة إلى الرد الواجب، و أنّ حيثيّة الاشتغال بالصلاة لا تمنع عن التصدِّي للامتثال و لا تعم مثل المقام ممّا سقط الوجوب بفعل الغير، فلو فعل أبطل، لعموم دليل القدح من غير مخصص.

(1) لصدق التحيّة عليه عرفاً، فتشمله إطلاقات وجوب الرد، و التشكيك في الصدق فضلًا عن إنكاره كما ترى.

(2) أما في غير حال الصلاة فله الرد كيف ما شاء كما هو واضح، و أما في حال الصلاة فهل يعتبر حذف الظرف و يكتفى بتقديره رعاية للمماثلة المأمور بها فيها، أو أنّه يجوز ذكره فيقول: سلام عليكم؟

يبتني ذلك على أنّ المماثلة المعتبرة هل هي ملحوظة من جميع الجهات و تلزم رعايتها في تمام الخصوصيات حتّى من ناحية الذكر و التقدير، فلا يجوز الذكر حينئذ بل تبطل الصلاة به، لكونه من كلام الآدمي من غير مسوّغ حتّى لو قصد به القرآن أو الدُّعاء، لعدم نفع هذا القصد مع فرض التخاطب مع الغير كما مرّ غير مرّة، أو أنّها ملحوظة من ناحية تقديم الظرف و تأخيره فحسب فيجوز، لحصول المماثلة بعد أن كان المقدّر في السلام في قوّة المذكور في الجواب و تأخير الظرف في كليهما.

و هذا هو الصحيح كما يكشف عنه قوله (عليه السلام) في موثقة سماعة «عن الرجل يسلّم عليه و هو في الصلاة، قال: يردّ سلام عليكم، و لا يقول: و عليكم‌

468
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 23: إذا سلم مرات عديدة يكفي في الجواب مرة ؛ ج 15، ص : 469

[مسألة 23: إذا سلّم مرّات عديدة يكفي في الجواب مرّة]

[1724] مسألة 23: إذا سلّم مرّات عديدة يكفي في الجواب مرّة (1)

______________________________
السلام»
«1» حيث إنّ النظر فيها معطوف على رعاية التقديم و التأخير فقط. على أنّ إطلاقها يشمل ما إذا كان السلام بصيغة سلام فقط كإطلاق التسليم في صحيحة محمّد بن مسلم «2».

(1) أمّا إذا كان التعدّد بقصد التأكّد فلا ريب في كفاية المرّة، لعدم المقتضي للزيادة بعد أن لم يكن المقصود من المجموع إلّا تحيّة واحدة.

و أمّا إذا كان بقصد التجدّد و الإتيان بتحيّة اخرى مستقلّة، فالظاهر هو الكفاية أيضاً، نظراً إلى أنّ المستفاد من الأدلّة وجوب الرد لطبيعي التحيّة الصادق على الواحد و الأكثر، إذ ليس فيها مطلق شمولي يدل على الوجوب لكل فرد من التسليم الصادر قبل الجواب على سبيل الانحلال. فالمقتضي للوجوب لكل فرد قاصر في حدّ نفسه، هذا أوّلًا.

و ثانياً: مع تسليم المقتضي فالمانع موجود و هو روايتان دلّتا على كفاية الواحدة.

إحداهما: ما رواه الصدوق مرسلًا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «أنّه قال لرجل من بني سعد إلا أُحدِّثك عنِّي و عن فاطمة إلى أن قال فغدا علينا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) و نحن في لحافنا فقال: السلام عليكم فسكتنا و استحيينا لمكاننا، ثمّ قال: السلام عليكم فسكتنا، ثمّ قال: السلام عليكم فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف و قد كان يفعل ذلك فيسلِّم ثلاثاً فان اذن له و إلّا انصرف، فقلنا: و عليك السلام يا رسول اللّٰه ادخل فدخل ثمّ ذكر حديث‌

______________________________
(1) الوسائل 7: 267/ أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 2.

(2) الوسائل 7: 268/ أبواب القواطع ب 16 ح 5.

469
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 23: إذا سلم مرات عديدة يكفي في الجواب مرة ؛ ج 15، ص : 469

نعم، لو أجاب ثمّ سلّم يجب جواب الثاني أيضاً (1).

______________________________
تسبيح فاطمة عند النوم»
«1».

و لكنّها مضافاً إلى ضعف السند موهونة باستبعاد ترك الرد منهما (عليهما السلام) جدّا.

و العمدة إنّما هي الرواية الثانية و هي: صحيحة أبان بن عثمان عن الصادق (عليه السلام) في حديث الدراهم الاثني عشر «إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) قال للجارية: مري بين يدي و دليني على أهلك، و جاء رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) حتّى وقف على باب دارهم و قال: السلام عليكم يا أهل الدار فلم يجيبوه، فأعاد عليهم السلام فلم يجيبوه، فأعاد السلام فقالوا: و عليك السلام يا رسول اللّٰه و رحمة اللّٰه و بركاته، فقال: ما لكم تركتم إجابتي في أوّل السلام و الثاني؟ قال: يا رسول اللّٰه، سمعنا سلامك فأحببنا أن نستكثر منه ...» إلخ «2».

و هي ظاهرة الدلالة على كفاية المرة للتحيّات العديدة فليتأمّل.

و من جميع ما ذكرنا يظهر أنّه لا مجال للرجوع في المقام إلى أصالة عدم التداخل.

(1) للإطلاقات بعد حدوث موجب جديد للرد و سقوط الموجب الأوّل بالامتثال، فانّ مقتضاها عدم الفرق بين كون التحيّة الحادثة مسبوقة بتحيّة اخرى مردودة أم لا.

______________________________
(1) الوسائل 12: 67/ أبواب أحكام العشرة ب 40 ح 1، الفقيه 1: 211/ 947.

(2) الوسائل 12: 68/ أبواب أحكام العشرة ب 40 ح 2.

470
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 24: إذا كان المصلي بين جماعة فسلم واحد عليهم و شك المصلي في أن المسلم قصده أيضا أم لا ؛ ج 15، ص : 471

و هكذا، إلّا إذا خرج عن المتعارف فلا يجب الجواب حينئذ (1).

[مسألة 24: إذا كان المصلِّي بين جماعة فسلّم واحد عليهم و شكّ المصلِّي في أنّ المسلّم قصده أيضاً أم لا]

[1725] مسألة 24: إذا كان المصلِّي بين جماعة فسلّم واحد عليهم و شكّ المصلِّي في أنّ المسلّم قصده أيضاً أم لا، لا يجوز له الجواب (2)، نعم لا بأس به بقصد القرآن أو الدُّعاء (3).

[مسألة 25: يجب جواب السلام فوراً]

[1726] مسألة 25: يجب جواب السلام فوراً (4) فلو أخّر عصياناً أو نسياناً بحيث خرج [1] عن صدق الجواب لم يجب، و إن كان في الصلاة لم يجز (5)

______________________________
(1) لعدم صدق التحيّة، بل هي أشبه بالسخرية، و مقتضى الأصل البراءة.

(2) لأصالة عدم قصده و عدم تعلّق السلام به، فيكون الرد حينئذ من كلام الآدمي غير المقرون بمسوّغ شرعي.

(3) قد مرّ غير مرّة ما في هذا القصد و أنّه لا ينفع فلاحظ.

(4) على المشهور، و الوجه فيه أنّ ذلك هو من مقتضيات مفهوم الرد عرفاً لتقوّم ردّ التحيّة بالارتباط بها بحيث يعد جواباً لها، فلا يصدق مع الفصل المعتد به، نظير الارتباط المعتبر بين الإيجاب و القبول، فكما أنّه مع الفصل المخل لا يكون قبولًا للإيجاب، فكذا في المقام لا يعد ردّاً للسلام، و إنّما هو تحيّة أُخرى بحيالها، فالمحافظة على الارتباط تستدعي المبادرة إلى الجواب و مراعاة الفورية بطبيعة الحال و هذا واضح.

(5) لعدم كونه مصداقاً للرد السائغ حسبما عرفت.

______________________________
[1] لعلّه أراد به الخروج عن صدق الردّ الّذي هو متعلّق الوجوب.

471
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 25: يجب جواب السلام فورا ؛ ج 15، ص : 471

و إن شكّ في الخروج عن الصدق وجب (1). و إن كان [1] في الصلاة (2) لكن الأحوط حينئذ قصد القرآن أو الدُّعاء.

______________________________
(1) استناداً إلى استصحاب بقاء الوقت و عدم الخروج عن صدق الرد.

و لكنّه لا يتمّ سواء أ كانت الشبهة مفهومية بأن تردّد الوقت الّذي ينتفي الصدق معه بين الأقل و الأكثر، أم كانت موضوعية بأن علمت الكمِّيّة و أنّها دقيقة واحدة مثلًا و شكّ في انقضائها و عدمه.

أمّا الأوّل: فلما هو المقرّر في محلّه «1» من عدم جريان الاستصحاب في الشبهات المفهومية، لعدم الشك في بقاء شي‌ء أو ارتفاعه، بل في سعة المفهوم و ضيقه و هو خارج عن نطاق الأصل و مفاده و لا يكاد يرتبط به.

و أمّا الثاني: فلأجل أنّ أصالة بقاء الوقت لا يترتّب عليها صدق عنوان الرد الّذي هو الموضوع للحكم إلّا بنحو الأصل المثبت لكونه من لوازمه العقلية فلا يقاس ذلك باستصحاب بقاء النهار لإثبات وجوب الصلاة أو الصِّيام، لأنّهما مترتِّبان عليه شرعاً، و أما أصالة بقاء صدق الرد فهو من الاستصحاب التعليقي كما لا يخفى.

إذن فوجوب الرد في المقام مبني على الاحتياط، و مقتضى الصناعة عدمه.

(2) قد عرفت الإشكال في الوجوب، و عليه فمقتضى الاحتياط الرد و الإتمام ثمّ إعادة الصلاة، أمّا الأوّل فلاحتمال وجوبه، و أمّا الثاني فلاحتمال حرمة القطع. و أمّا الثالث فلاحتمال بطلان الصلاة بكلام الآدمي، و قد تقدّم غير مرّة أنّ قصد القرآن أو الدُّعاء لا ينفع في حصول الاحتياط.

______________________________
[1] فيه إشكال و الأحوط الردّ ثمّ إعادة الصلاة بعد إتمامها.

______________________________
(1) مصباح الأُصول 3: 132.

472
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 26: يجب إسماع الرد سواء كان في الصلاة أو لا ؛ ج 15، ص : 473

[مسألة 26: يجب إسماع الرد سواء كان في الصلاة أو لا]

[1727] مسألة 26: يجب إسماع الرد سواء كان في الصلاة أو لا (1).

______________________________
(1) أمّا في غير حال الصلاة فالمعروف هو الوجوب، بل عن الذخيرة عدم وجدان الخلاف فيه، و يستدل له
تارة برواية عبد اللّٰه بن الفضل الهاشمي: «... التسليم علامة الأمن إلى أن قال كان الناس فيما مضى إذا سلّم عليهم وارد أمنوا شرّه، و كانوا إذا ردّوا عليه أمن شرهم ...» إلخ «1» فإنّ الأمن من الشر منوط بالإسماع.

و أُخرى: برواية ابن القداح عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا سلّم أحدكم فليجهر بسلامه، و لا يقول سلّمت فلم يردّوا عليّ، و لعلّه يكون قد سلّم و لم يسمعهم، فاذا ردّ أحدكم فليجهر بردّه، و لا يقول المسلّم سلّمت فلم يردّوا عليّ» «2».

و الدلالة واضحة أيضاً كالأُولى، لكن سنديهما ضعيف. أمّا الأُولى فبعدّة من المجاهيل، و أمّا الثانية فبسهل بن زياد فلا يمكن التعويل على شي‌ء منهما، على أنّ لسان التعليل مشعر بابتناء الحكم على الاستحباب و كونه من الآداب.

و لكنّا في غنى عنهما لصحّة مضمونهما، فانّ السلام الّذي هو تحيّة عرفية متقوّم بإظهار الأمن و التسليم المنوط طبعاً بالإسماع. كما أنّ رد هذه التحيّة متقوّم في مفهومه بالإيصال و الإبلاغ و لا يكون إلّا بالإسماع و لو تقديراً، فلا يصدق عنوان الرد عليه الوارد في موثقة عمّار من دون الإسماع المزبور.

و أمّا في حال الصلاة فقد نسب إلى المحقِّق «3» عدم وجوب الإسماع، استناداً‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 418/ أبواب التسليم ب 1 ح 13.

(2) الوسائل 12: 65/ أبواب أحكام العشرة ب 38 ح 1.

(3) المعتبر 2: 264.

473
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 26: يجب إسماع الرد سواء كان في الصلاة أو لا ؛ ج 15، ص : 473

..........

______________________________
إلى بعض النصوص الظاهرة في وجوب الإخفات بعد حملها عليه.

منها: صحيحة منصور بن حازم المتقدِّمة: «إذا سلّم عليك الرجل و أنت تصلِّي، قال: ترد عليه خفياً» «1». فان ظاهرها و إن كان هو وجوب إخفاء الرد، لكنّه ترفع عنه اليد بالإجماع القائم على جواز الإسماع، أو يقال إنّها لمكان ورودها موقع توهّم الحظر و حرمة الرد في الصلاة لا تدل على أكثر من الترخيص في الإخفات.

و منها: موثقة عمّار بن موسى المتقدِّمة: «إذا سلّم عليك رجل من المسلمين و أنت في الصلاة فردّ عليه فيما بينك و بين نفسك و لا ترفع صوتك» «2».

و ظاهرها و إن كان وجوب الإخفاء أيضاً، لكنّه ترفع اليد عنه للوجهين المزبورين، كيف و صحيح محمّد بن مسلم المتقدِّم «3» كالصريح في جواز الإسماع كما لا يخفى.

و منها: صحيحة محمّد بن مسلم: «إذا سلّم عليك مسلم و أنت في الصلاة فسلّم عليه تقول: السلام عليك و أشر بإصبعك» «4» بدعوى ظهور قوله: «و أشر ...» إلخ، في أنّ المفهم للرد إنّما هو الإشارة لا الإسماع.

و الجواب: أمّا عن الأخيرة فبمنع الظهور، لعدم كون المقصود بالإشارة الافهام المزبور لتكون بدلًا عن الإسماع، و إنّما هي بدل عن الإقبال و الالتفات المقرون بهما ردّ التحيّة غالباً، فلا ينافي ذلك ما تقتضيه الإطلاقات من جواز الإسماع أو وجوبه.

______________________________
(1) الوسائل 7: 268/ أبواب القواطع ب 16 ح 3.

(2) الوسائل 7: 268/ أبواب القواطع ب 16 ح 4، 1.

(3) الوسائل 7: 268/ أبواب القواطع ب 16 ح 4، 1.

(4) الوسائل 7: 268/ أبواب القواطع ب 16 ح 5.

474
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 26: يجب إسماع الرد سواء كان في الصلاة أو لا ؛ ج 15، ص : 473

إلّا إذا سلّم و مشى سريعاً [1] أو كان المسلّم أصم فيكفي الجواب على المتعارف بحيث لو لم يبعد أو لم يكن أصم كان يسمع (1).

______________________________
و أمّا عن الأوّلتين، فبما ذكره في الجواهر
«1» من الحمل على ما يقابل الجهر العالي و المبالغة في رفع الصوت المتداول في ردود التحيّة لأجل بعد المسلّم و نحوه، للمنع عن ذلك في الصلاة، فلا ينافي جواز الإسماع مقتصراً على أدناه بل قد عرفت وجوبه لتقوّم مفهوم الرد به. و ربّما يرشد إلى هذا الحمل قوله في الموثقة «و لا ترفع صوتك».

و المتحصّل: أنّه لا فرق في وجوب الإسماع بين حال الصلاة و غيرها لوحدة المناط.

(1) أمّا في المورد الأوّل من الاستثناء: فالظاهر عدم وجوب الجواب من أصله، لقصور المقتضي، حيث عرفت أنّ مفهوم ردّ التحيّة متقوّم بالإيصال و الإبلاغ المنوطين بالإسماع، فمع تعذّره لم يجب الرد الفعلي، و الرد التقديري الفرضي بحيث لو لم يسرع لكان يسمع لا دليل عليه. نعم، لو كان الإسماع بالإضافة إلى الرد من قبيل الواجب في واجب لأمكن القول بعدم سقوط الثاني بتعذّر الأوّل، و لكنّه كما ترى.

و أمّا في المورد الثاني: فلا يبعد وجوب الرد في الصمم العارض، إذ لا قصور في شمول الإطلاقات له، و مجرّد تعذّر الإسماع لا يستوجب سقوط الرد بعد التمكّن من إيصاله إليه بإشارة و نحوها، فإنّه لا شأن للاسماع ما عدا الإبلاغ و الإيصال، و حيث تعذّر فليكن من سبيل آخر، و قد عرفت أنّ الإسماع التقديري لا دليل عليه.

______________________________
[1] لا يبعد عدم وجوب الجواب في هذه الصورة.

______________________________
(1) الجواهر 11: 109.

475
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 27: لو كانت التحية بغير لفظ السلام كقوله: صبحك الله بالخير ؛ ج 15، ص : 476

[مسألة 27: لو كانت التحيّة بغير لفظ السلام كقوله: صبّحك اللّٰه بالخير]

[1728] مسألة 27: لو كانت التحيّة بغير لفظ السلام كقوله: صبّحك اللّٰه بالخير، أو مسّاك اللّٰه بالخير، لم يجب الردّ و إن كان هو الأحوط (1).

______________________________
نعم، يشكل الوجوب في الصمم الذاتي، لاقترانه بالخرس الموجب لعدم صدور التسليم منه إلّا على نحو الإشارة و تحريك اللِّسان، و لا دليل على وجوب الرد لمثل هذا التسليم فضلًا عن إسماعه. و لم ينهض دليل على قيام إشارته مقام قوله بنطاق عام و إنّما ثبت ذلك في موارد خاصّة كالتشهّد و القراءة و نحوهما من غير قرينة تستوجب التعدِّي عنها.

و على تقدير وجوب الرد بدعوى صدق التحيّة على إشارته فلا يجب إلّا بإشارة مثلها دون الجواب اللفظي و الإسماع التقديري كما لا يخفى.

(1) يقع الكلام تارة في الرد في غير حال الصلاة، و أُخرى في حالها.

أمّا في الموضع الأوّل: فقد نسب إلى العلّامة «1» وجوب الرد تمسّكاً بإطلاق ردّ التحيّة، و لكن المشهور عدمه لعدم الدليل عليه.

و أمّا التحيّة في الآية الشريفة فهي إمّا ظاهرة في خصوص السلام، كما نصّ عليه جملة من اللغويين «2»، أو أنّ المراد بها ذلك كما عن أكثر المفسِّرين «3».

و مع الغض و تسليم ظهورها في مطلق أنواعها، فلا ينبغي الشك في عدم وجوب رد غير السلام منها، كيف و لو كان واجباً مع كثرة الابتلاء بأنواع التحيّات في كل يوم عدّة مرّات لأغلب الناس لاشتهر و بان و شاع و ذاع و أصبح‌

______________________________
(1) التذكرة 3: 283، المختلف 2: 220.

(2) المصباح المنير: 160، لسان العرب 12: 289، القاموس المحيط 4: 322.

(3) التبيان 3: 278، مجمع البيان 3: 130.

476
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 27: لو كانت التحية بغير لفظ السلام كقوله: صبحك الله بالخير ؛ ج 15، ص : 476

و لو كان في الصلاة فالأحوط الرد [1] بقصد الدُّعاء (1).

______________________________
من الواضحات، فكيف لم يقل بوجوبه أحد ما عدا العلّامة، بل السيرة القطعية قائمة على خلافه، فلا مناص من حمل الأمر في الآية الشريفة على هذا التقدير على الاستحباب في غير السلام الثابت وجوب ردّه بضرورة الفقه.

و أمّا في الموضع الثاني: فبناءً على عدم وجوب الرد في غير حال الصلاة فالأمر واضح. و أمّا بناءً على الوجوب فكذلك على ما دلّت عليه صحيحة محمّد بن مسلم المتقدِّمة «1» حيث تضمّنت سكوته (عليه السلام) حينما قال له ابن مسلم: «كيف أصبحت» إذ لا ريب في كونه نوعاً من التحيّة العرفية فسكوته (عليه السلام) خير دليل على عدم الوجوب.

على أنّا لو بنينا على وجوب الرد فصحّة الصلاة معه لا تخلو عن الاشكال لعدم الدليل على اغتفار ما عدا ردّ السلام من كلام الآدميين، و من البيِّن أنّ وجوب التكلّم لا ينافي البطلان كما لو اضطرّ إليه لإنقاذ الغريق مثلًا.

إذن فمقتضى عموم قدح التكلّم في الصلاة هو البطلان و إن بنينا على وجوب الرد.

(1) إن أُريد به قصد الدُّعاء و الرد معاً بحيث يكون الجواب مجمعاً للعنوانين فقد تقدّم غير مرّة أنّ هذا الاحتياط غير نافع بل مخالف للاحتياط، و إن أُريد به قصد الدُّعاء المحض من غير أن يتضمّن المخاطبة مع الغير فلا بأس به، و قد عرفت عدم وجوب الرد مطلقاً.

______________________________
[1] بل الأحوط تركه و الأولى أن يدعو له بغير المخاطبة.

______________________________
(1) الوسائل 7: 267/ أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 1.

477
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 28: لو شك المصلي في أن المسلم سلم بأي صيغة فالأحوط أن يرد ؛ ج 15، ص : 478

[مسألة 28: لو شكّ المصلِّي في أنّ المسلّم سلّم بأيّ صيغة فالأحوط أن يردّ]

[1729] مسألة 28: لو شكّ المصلِّي في أنّ المسلّم سلّم بأيّ صيغة فالأحوط أن يردّ [1] بقوله: سلام عليكم بقصد القرآن أو الدُّعاء (1).

[مسألة 29: يكره السلام على المصلِّي]

[1730] مسألة 29: يكره السلام على المصلِّي (2).

______________________________
(1) لا شبهة في كفاية هذا الجواب بناءً على ما هو الصواب من عدم اعتبار المماثلة إلّا من حيث تقديم المبتدأ، لوقوعه حينئذ جواباً عن كل من الصيغ الأربع المحتمل وقوعها، بل قد عرفت كفايته حتّى لو تضمّنت الصيغة الواقعة تقديم الظرف و تأخير المبتدأ، فهذا الرد مجز على جميع التقادير.

و أمّا بناءً على اعتبارها من تمام الجهات حتّى التعريف و التنكير و الإفراد و الجمع فلا يخلو حينئذ عن الاشكال بعد ما تكرّر غير مرّة من عدم وقع للاحتياط المذكور في المتن، هذا.

و سبيل الاحتياط هو التنزّل إلى الامتثال الاحتمالي بعد تعذّر التفصيلي فيجيب بإحدى الصيغ برجاء المماثلة، ثمّ يعيد الصلاة لاحتمال عدمها المترتِّب عليه البطلان حسب الفرض.

بل له قطع الصلاة بعد الجواب المزبور و استئنافها، نظراً إلى قصور دليل حرمة القطع لو تمّ عن الشمول لمثل المقام فإنّه الإجماع و القدر المتيقن منه غير ما نحن فيه.

(2) على المشهور و يستدل له بروايتين:

إحداهما: رواية الخصال المتقدِّمة المتضمّنة للنهي عن السلام على المصلِّي معلّلًا بأنّه لا يستطيع الرد «1». و لكنّها ضعيفة السند بمحمّد بن علي ماجيلويه‌

______________________________
[1] و الظاهر جواز الرد بكل من الصيغ الأربع المتعارفة.

______________________________
(1) الوسائل 7: 270/ أبواب قواطع الصلاة ب 17 ح 1، الخصال: 484/ 57.

478
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 29: يكره السلام على المصلي ؛ ج 15، ص : 478

..........

______________________________
شيخ الصدوق كما تقدّم
«1».

ثانيتهما: موثقة الحسين بن علوان عن جعفر بن محمّد (عليه السلام) «قال: كنت أسمع أبي يقول: إذا دخلت المسجد الحرام و القوم يصلّون فلا تُسلِّم عليهم ...» إلخ «2».

فانّ الرجل موثق على الأظهر، لظهور التوثيق المذكور في عبارة النجاشي «3» عند ترجمته في رجوعه إليه لا إلى أخيه الحسن كما لا يخفى. إذن فالرواية معتبرة و التعبير عنها بالخبر المشعر بالضعف في غير محلّه.

غير أنّ بإزائها ما رواه الشهيد في الذكرى قال: روى البزنطي عن الباقر (عليه السلام) «قال: إذا دخلت المسجد و الناس يصلّون فسلِّم عليهم ...» إلخ «4».

و لكنّها ضعيفة السند، لجهالة طريق الشهيد إلى كتاب البزنطي. مضافاً إلى أنّه من أصحاب الرِّضا (عليه السلام) و لا يمكن روايته عن الباقر (عليه السلام) بلا واسطة، فالسند مخدوش من وجهين فتوصيفه بالقوّة كما في بعض العبائر غير واضح.

و عليه فتبقى الموثقة بلا معارض، و مقتضى الجمود على ظاهر النهي الوارد فيها هو الحرمة، لكنّه محمول على الكراهة، لكون الجواز من المسلّمات كما تفصح عنه جملة من النصوص.

ففي صحيحة محمّد بن مسلم قال: «دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) و هو في الصلاة فقلت: السلام عليك، فقال: السلام عليك ...» إلخ «5»، و في موثقة‌

______________________________
(1) في ص 457.

(2) الوسائل 7: 270/ أبواب قواطع الصلاة ب 17 ح 2.

(3) رجال النجاشي: 52/ 116.

(4) الوسائل 7: 271/ أبواب قواطع الصلاة ب 17 ح 3، الذكرى 4: 24.

(5) الوسائل 7: 267/ أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 1.

479
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 30: رد السلام واجب كفائي ؛ ج 15، ص : 480

[مسألة 30: ردّ السلام واجب كفائي]

[1731] مسألة 30: ردّ السلام واجب كفائي (1) فلو كان المسلّم عليهم جماعة يكفي رد أحدهم، و لكن الظاهر عدم سقوط الاستحباب بالنسبة إلى الباقين (2) بل الأحوط رد كل من قصد به (3)

______________________________
سماعة: «إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) كان قائماً يصلِّي فمرّ به عمّار بن ياسر فسلّم عليه عمّار فردّ عليه النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) هكذا»
«1».

فان تقرير الباقر (عليه السلام) لفعل ابن مسلم كتقرير النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) لفعل عمّار خير دليل على الجواز، فلذلك يحمل النهي المزبور على الكراهة.

(1) بلا خلاف فيه كما عن غير واحد، بل عن التذكرة «2» دعوى الإجماع عليه، و تدل عليه صريحاً موثقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا سلم من القوم واحد أجزأ عنهم، و إذا ردّ واحد أجزأ عنهم» «3» المؤيّدة بمرسلة ابن بكير «4».

(2) لما دلّ على استحباب إفشاء السلام كما سنشير إليه.

(3) هذا الاحتياط غير ظاهر الوجه بعد صراحة الموثقة في السقوط عن الباقين. نعم، هو وجيه عند من يستضعف النص لاعتباره عدالة الراوي، فإنّ غياثاً بتري و ليس باثني عشري، و لكن الماتن يرى ما هو الصواب من حجّية خبر الثقة و إن لم يكن عدلًا. فالاحتياط المزبور كأنه في غير محلّه.

______________________________
(1) الوسائل 7: 267/ أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 2.

(2) لاحظ التذكرة 3: 281، و حكاه عنه في الحدائق 9: 75.

(3) الوسائل 12: 75/ أبواب أحكام العشرة ب 46 ح 2، 3.

(4) الوسائل 12: 75/ أبواب أحكام العشرة ب 46 ح 2، 3.

480
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 30: رد السلام واجب كفائي ؛ ج 15، ص : 480

و لا يسقط برد مَن لم يكن داخلًا في تلك الجماعة (1)، أو لم يكن مقصوداً، و الظاهر عدم كفاية ردّ الصبي [1] المميّز أيضاً (2) و المشهور على أنّ الابتداء بالسلام أيضاً من المستحبّات الكفائية، فلو كان الداخلون جماعة يكفي سلام أحدهم (3) و لا يبعد بقاء الاستحباب بالنسبة إلى الباقين أيضاً (4) و إن لم يكن مؤكّداً.

______________________________
(1) لعدم اندراجه تحت الموثقة فيبقى وجوب الرد على حاله بعد عرائه عن المسقط. و منه يظهر الحال فيما بعده.

(2) تقدّم «1» منه (قدس سره) في المسألة الحادية و العشرين الاستشكال في الكفاية، و قد عرفت أنّه في محلّه، نظراً إلى أنّ سقوط الواجب بغير الواجب يحتاج إلى دليل مفقود في المقام.

و عليه فلا بدّ من الاحتياط بالتصدِّي للرد، رعاية لقاعدة الاشتغال بعد الشك في حصول المسقط ثمّ إعادة الصلاة، لعدم إحراز كونه من أفراد الخاص المستثنى من عموم قدح التكلّم.

(3) لموثقة غياث المتقدِّمة.

(4) ربّما يورد على ما أفاده (قدس سره) في المقام، و على نظيره ممّا تقدّم في ردّ السلام عند قوله: و لكن الظاهر إلخ، بأنّ ما دلّ على وجوب الرد أو استحباب السلام قد خصّص بما في الموثقة من إجزاء الواحد عن الآخرين الكاشف عن سقوط الأمر عن الباقين، فما الدليل حينئذ على الاستحباب.

______________________________
[1] مرّ منه (قدس سره) الإشكال في الكفاية، و عليه فلا بدّ من رعاية الاحتياط بالردّ ثمّ إعادة الصلاة.

______________________________
(1) في ص 466.

481
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 31: يجوز سلام الأجنبي على الأجنبية و بالعكس على الأقوى ؛ ج 15، ص : 482

[مسألة 31: يجوز سلام الأجنبي على الأجنبية و بالعكس على الأقوى]

[1732] مسألة 31: يجوز سلام الأجنبي على الأجنبية و بالعكس على الأقوى (1) إذا لم يكن هناك ريبة أو خوف فتنة، حيث إنّ صوت المرأة من حيث هو ليس عورة.

______________________________
و يمكن دفعه: بأنّه يكفي في إثبات الاستحباب النصوص المتكاثرة الناطقة باستحباب إفشاء السلام و نشره
«1»، لصدق السلام على الرد أيضاً و لا يختص بالسلام الابتدائي. إذن فالاستحباب لكل واحد من الباقين و إن كان ساقطاً بالنظر إلى الدليل الأوّلي، و لكنّه يثبت بمقتضى الدليل الثانوي.

(1) لإطلاق الأدلّة بعد عدم كون صوت المرأة من حيث هو عورة كما تقدّم في مبحث القراءة «2» ليستوجب التقييد بالمماثل. و هكذا الحال في إطلاقات الرد، مضافاً إلى بعض النصوص الخاصّة كصحيحة ربعي بن عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) يسلِّم على النِّساء و يرددن عليه السلام و كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يسلِّم على النِّساء، و كان يكره أن يسلِّم على الشابة منهنّ و يقول: أتخوّف أن يعجبني صوتها فيدخل عليّ أكثر ممّا أطلب من الأجر» «3».

فإنّها صريحة في الجواز لولا خوف الفتنة، بل في الاستحباب بمقتضى قوله (عليه السلام): «ممّا أطلب من الأجر».

______________________________
(1) الوسائل 12: 58/ أبواب أحكام العشرة ب 34.

(2) شرح العروة 14: 398.

(3) الوسائل 12: 76/ أبواب أحكام العشرة ب 48 ح 1.

482
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 32: مقتضى بعض الأخبار عدم جواز الابتداء بالسلام على الكافر إلا لضرورة ؛ ج 15، ص : 483

[مسألة 32: مقتضى بعض الأخبار عدم جواز الابتداء بالسلام على الكافر إلّا لضرورة]

[1733] مسألة 32: مقتضى بعض الأخبار عدم جواز الابتداء بالسلام على الكافر إلّا لضرورة (1)

______________________________
(1) كما ذهب إليه جماعة مستدلين له بجملة من النصوص.

منها: موثقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تبدؤوا أهل الكتاب بالتسليم، و إذا سلّموا عليكم فقولوا: و عليكم» «1».

و منها: ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلًا من رواية أبي القاسم بن قولويه عن الأصبغ قال: «سمعت علياً (عليه السلام) يقول: ستّة لا ينبغي أن تسلِّم عليهم اليهود و النصارى ...» إلخ «2».

و منها: ما في قرب الاسناد عن أبي البختري عن جعفر بن محمّد عن أبيه (عليه السلام) «أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) قال: لا تبدؤوا أهل الكتاب (اليهود و النصارى) بالسلام، و إن سلّموا عليكم فقولوا عليكم ...» إلخ «3».

لكن الأخيرة ضعيفة السند بأبي البختري الّذي قيل إنّه أكذب البريّة، و كذا ما قبلها لجهالة طريق ابن إدريس إلى ابن قولويه كجهالة الواسطة بينه و بين أصبغ بن نباتة الّذي هو من أصحاب الأمير (عليه السلام) و بينهما فصل طويل و العمدة إنّما هي الموثقة.

______________________________
(1) الوسائل 12: 77/ أبواب أحكام العشرة ب 49 ح 1.

(2) الوسائل 12: 79/ أبواب أحكام العشرة ب 49 ح 8، السرائر 3 (المستطرفات): 638.

(3) الوسائل 12: 80/ أبواب أحكام العشرة ب 49 ح 9، قرب الاسناد: 133/ 465.

483
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 32: مقتضى بعض الأخبار عدم جواز الابتداء بالسلام على الكافر إلا لضرورة ؛ ج 15، ص : 483

لكن يمكن الحمل على إرادة الكراهة (1) و إن سلّم الذمي على مسلم فالأحوط الرد بقوله: عليك، أو بقوله: سلام دون عليك (2).

______________________________
(1) جمعاً بين ما تقدّم و بين ما هو صريح في الجواز كصحيحة عبد الرّحمن ابن الحجاج قال: «قلت لأبي الحسن (عليه السلام) أ رأيت إن احتجت إلى طبيب و هو نصراني أُسلِّم عليه و أدعو له، قال: نعم، إنّه لا ينفعه دعاؤك»
«1».

و دعوى أنّ موردها الحاجة فيكون جواز السلام مختصّاً بهذه الصورة مدفوعة بأنّ مورد الحاجة طبّه و هو لا يلازم الضرورة إلى التسليم عليه، لجواز التحيّة بسائر التحيّات العرفية من الترحيب و نحوه، فيكون مقتضى الجمع هو حمل ما تقدّم على الكراهة.

(2) ينبغي التكلّم في جهات:

الاولى: لو سلّم الذمِّي فهل يجب ردّه؟ قد يقال بالعدم، و اختاره في الجواهر «2» لعدم الدليل عليه، فانّ النصوص المتعرّضة لردّه ناظرة إلى كيفيّة الرد، و أنّ من تصدّى للجواب فليقل هكذا، لا إلى أصل الوجوب، و إن شئت قلت: إنّها واردة مورد توهّم الحظر، فلا تدل على أزيد من الرخصة.

و لكنّ الظاهر هو الوجوب، فانّ النصوص الخاصّة و إن كان الأمر فيها كما ذكر إلّا أنّ الإطلاقات كقوله (عليه السلام) في موثقة السكوني: «السلام تطوّع و الرد فريضة» «3»، و في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان «رد جواب الكتاب واجب كوجوب ردّ السلام» (4) غير قاصرة الشمول للكافر، بل يمكن الاستدلال بإطلاق‌

______________________________
(1) الوسائل 12: 83/ أبواب أحكام العشرة ب 53 ح 1.

(2) الجواهر 11: 116.

(3) 4) الوسائل 12: 58/ أبواب أحكام العشرة ب 33 ح 3، 1.

484
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 32: مقتضى بعض الأخبار عدم جواز الابتداء بالسلام على الكافر إلا لضرورة ؛ ج 15، ص : 483

..........

______________________________
الآية الشريفة بناءً على أن يكون المراد من التحيّة خصوص السلام لا مطلق التحيّة، فإنّها حينئذ محمولة على الاستحباب كما تقدّم
«1».

الجهة الثانية: هل يجب ردّه في حال الصلاة أيضاً؟ الظاهر عدم الوجوب لاختصاص بعض نصوص الباب بالمسلم كقوله (عليه السلام) في صحيحة ابن مسلم: «إذا سلّم عليك مسلم ...» إلخ «2». و في موثقة عمّار: «إذا سلّم عليك رجل من المسلمين» «3».

نعم، الموضوع في سائر النصوص كصحيحة محمّد بن مسلم الأُخرى «4» و موثقة سماعة «5»، و صحيحة منصور «6» مطلق يشمل المسلم و غيره، إلّا أنّه لم يكن بدّ من تقييده بالأوّل بقرينة الأمر بالرد بالمثل غير الثابت في حقّ الكافر قطعاً كما ستعرف.

نعم، الاحتياط بالرد ثمّ الإعادة حسن و في محلّه.

الجهة الثالثة: في كيفية الرد و قد اختلفت فيه النصوص، ففي معتبرة زرارة الاقتصار على كلمة «سلام» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: تقول في الرد على اليهودي و النصراني سلام» «7» فانّ السند و إن اشتمل على عبد اللّٰه بن محمّد الّذي هو ابن عيسى أخو أحمد بن محمّد بن عيسى و لم يوثق في كتب الرِّجال لكنّه موجود في أسناد كامل الزيارات.

و في صحيحة زرارة الاقتصار على كلمة «عليك» عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: دخل يهودي إلى أن قال-: فاذا سلّم عليكم كافر فقولوا‌

______________________________
(1) في ص 476.

(2) الوسائل 7: 268/ أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 5.

(3) الوسائل 7: 268/ أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 5.

(4) الوسائل 7: 267/ أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 1.

(5) الوسائل 7: 267/ أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 2.

(6) الوسائل 7: 267/ أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 3.

(7) الوسائل 12: 77/ أبواب أحكام العشرة ب 49 ح 2.

485
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 33: المستفاد من بعض الأخبار أنه يستحب أن يسلم الراكب على الماشي ؛ ج 15، ص : 486

[مسألة 33: المستفاد من بعض الأخبار أنّه يستحب أن يسلِّم الراكب على الماشي]

[1734] مسألة 33: المستفاد من بعض الأخبار أنّه يستحب أن يسلِّم الراكب على الماشي، و أصحاب الخيل على أصحاب البغال و هم على أصحاب الحمير، و القائم على الجالس، و الجماعة القليلة على الكثيرة و الصغير على الكبير (1). و من المعلوم أنّ هذا مستحب في مستحب (2) و إلّا فلو وقع العكس لم يخرج عن الاستحباب أيضاً.

______________________________
عليك»
«1»، و نحوها موثقة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا سلّم عليك اليهودي و النصراني و المشرك فقل عليك» «2».

و مقتضى الجمع التخيير بين الكلمتين و عدم جواز الجمع بينهما.

(1) الأخبار المشار إليها و إن كانت جملة منها ضعيفة السند، إلّا أنّ فيها ما يمكن الاعتماد عليه و هو ما رواه الكليني بإسناده عن عنبسة بن مصعب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: القليل يبدؤون الكثير بالسلام، و الراكب يبدأ الماشي و أصحاب البغال يبدؤون أصحاب الحمير، و أصحاب الخيل يبدؤون أصحاب البغال» «3».

فإنّ عنبسة و صالح بن السندي الواقعين في السند و إن لم يوثقا صريحاً، لكنّهما موجودان في أسناد كامل الزيارات فتصبح الرواية معتبرة.

(2) إذ لا مقتضي لتقييد المطلقات في باب المستحبّات، بل يحمل الأمر بالخصوصية على أفضلية ذي المزيّة و الاختلاف في مراتب الفضيلة.

______________________________
(1) الوسائل 12: 78/ أبواب أحكام العشرة ب 49 ح 4، 3.

(2) الوسائل 12: 78/ أبواب أحكام العشرة ب 49 ح 4، 3.

(3) الوسائل 12: 74/ أبواب أحكام العشرة ب 45 ح 3، الكافي 2: 646/ 2.

486
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 34: إذا سلم سخرية أو مزاحا فالظاهر عدم وجوب رده ؛ ج 15، ص : 487

[مسألة 34: إذا سلّم سخرية أو مزاحاً فالظاهر عدم وجوب ردّه]

[1735] مسألة 34: إذا سلّم سخرية أو مزاحاً فالظاهر عدم وجوب ردّه (1).

[مسألة 35: إذا سلّم على أحد شخصين و لم يعلم أنّه أيّهما أراد]

[1736] مسألة 35: إذا سلّم على أحد شخصين و لم يعلم أنّه أيّهما أراد، لا يجب الرد على واحد منهما (2)، و إن كان الأحوط في غير حال الصلاة الرد من كل منهما (3).

[مسألة 36: إذا تقارن سلام شخصين كل على الآخر وجب على كل منهما الجواب]

[1737] مسألة 36: إذا تقارن سلام شخصين كل على الآخر وجب على كل منهما الجواب (4)

______________________________
(1) لانصراف التحيّة الواجب ردّها عن مفروض المسألة.

(2) لأصالة البراءة بعد عدم تنجيز العلم الإجمالي في مثل المقام ممّا تعدّد فيه المكلف، و لم يتوجّه الخطاب نحو شخص واحد كما في واجدي المني في الثوب المشترك، بل لكل منهما التمسّك بأصالة عدم قصد المسلّم إيّاه، أو عدم توجّه التكليف بالرد إليه بعد وضوح عدم معارضته باستصحاب عدم قصد الغير، أو عدم توجّه التكليف إليه، إذ لا يثبت به قصد نفسه أو توجّه التكليف إليه إلّا على القول بالأصل المثبت.

(3) و كذا في صلاة لا يحرم قطعها كالنافلة دون الفريضة، بناءً على حرمة القطع، لكون المتبع عموم حرمة المنع من الكلام بعد عدم إحراز كون المقام من أفراد المخصص. نعم، بناءً على جواز القطع فحيث إنّ الأحوط أيضاً تركه كالرد فلا جرم يتزاحم الاحتياطان الاستحبابيان، أعني الرد و ترك القطع و يتقدّم ما هو الأهم. و من البيِّن أنّه إذا اختار الرد أعاد الصلاة، لكونه بعد أصالة عدم السلام عليه من الكلام القادح كما عرفت.

(4) لعموم وجوب الرد بعد عدم كفاية ما صدر في إسقاطه، لعدم قصد الرد‌

487
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 36: إذا تقارن سلام شخصين كل على الآخر وجب على كل منهما الجواب ؛ ج 15، ص : 487

و لا يكفي سلامه الأوّل [1] لأنّه لم يقصد الرد بل الابتداء بالسلام.

______________________________
به كما أُفيد في المتن.

و لكنّه منظور فيه، لتطرّق الخدش في عموم يصلح للاستناد إليه فيما نحن فيه. أمّا الآية الشريفة، فعمومها و إن كان انحلالياً شاملًا للمقام إلّا أنّه مبني على أن يكون المراد من التحيّة خصوص السلام، ليكون الأمر بالرد على سبيل الوجوب، و هو قابل للمنع لجواز أن يراد بها مطلق التحيّة المستلزم لحمل الأمر حينئذ على الاستحباب كما تقدّم نفي البُعد عنه «1».

و أمّا الروايات فطائفة منها «2» وردت لبيان كيفية الرد من غير تعرّض لأصل الوجوب ليتمسّك بإطلاقه.

و طائفة اخرى: وردت في باب الصلاة، الأجنبي عمّا نحن فيه، لعدم إمكان فرض التقارن بين سلام المصليين بعد منع البدأة بالسلام في الصلاة كما هو واضح.

و طائفة ثالثة: و هي العمدة دلّت على وجوب الرد كصحيحة عبد اللّٰه بن سنان «3» و موثقة السكوني «4».

و لكن دعوى انصرافها عن صورة التقارن غير بعيدة، نظراً إلى أنّ المنساق منها أنّ السلام تحيّة و إحسان، و لأجله لا بدّ من تداركه و مثل هذا اللِّسان منصرف إلى صورة التعاقب كما لا يخفى.

______________________________
[1] على الأحوط.

______________________________
(1) راجع ص 476، 485.

(2) الوسائل 12: 70/ أبواب أحكام العشرة ب 43.

(3) الوسائل 12: 57/ أبواب أحكام العشرة ب 33 ح 1، 3.

(4) الوسائل 12: 57/ أبواب أحكام العشرة ب 33 ح 1، 3.

488
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 37: يجب جواب سلام قارئ التعزية و الواعظ و نحوهما من أهل المنبر ؛ ج 15، ص : 489

[مسألة 37: يجب جواب سلام قارئ التعزية و الواعظ و نحوهما من أهل المنبر]

[1738] مسألة 37: يجب جواب سلام قارئ التعزية و الواعظ و نحوهما من أهل المنبر (1)، و يكفي رد أحد المستمعين (2).

[مسألة 38: يستحب الرد بالأحسن في غير حال الصلاة]

[1739] مسألة 38: يستحب الرد بالأحسن (3) في غير حال الصلاة بأن يقول في جواب «سلام عليكم»: «سلام عليكم و رحمة اللّٰه و بركاته»، بل يحتمل ذلك فيها أيضاً (4) و إن كان الأحوط الرد بالمثل [1].

______________________________
إذن فالحكم المذكور في المتن مبني على الاحتياط كما أُشير إليه في تعليقة الأُستاذ (دام ظلّه).

(1) لعموم وجوب الرد بعد وضوح كونه قاصداً للتحيّة كغيره من المسلِّمين.

(2) لكون وجوب الرد كفائياً كما تقدّم «1».

(3) لقوله سبحانه فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهٰا «2».

(4) لما تقدّم «3» من أنّ المراد من المماثلة المأمور بها في النصوص التماثل من حيث تأخير الظرف في مقابل تقديمه لا في تمام الجهات، إذن فلا مانع من تلك الزيادة عملًا بإطلاق الرد بالأحسن.

و يندفع: بأنّ هذا وجيه لولا ما ورد في الأخبار كما مرّ من تعيين الرد في أجوبة خاصّة من قول: السلام عليك أو: سلام عليكم ممّا لا يجوز التخطِّي عنه‌

______________________________
[1] بل الأحوط الاكتفاء في الرد بمجرّد صيغة السلام و لو أضاف المسلّم إلى سلامه كلمة «و رحمة اللّٰه» و نحوها.

______________________________
(1) في ص 480.

(2) النِّساء 4: 86.

(3) في ص 459.

489
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 39: يستحب للعاطس و لمن سمع عطسة الغير ؛ ج 15، ص : 490

[مسألة 39: يستحب للعاطس و لمن سمع عطسة الغير]

[1740] مسألة 39: يستحب للعاطس و لمن سمع عطسة الغير (1)

______________________________
لاندراجه في كلام الآدمي، و بذلك يرتكب التقييد في إطلاق دليل الرد بالأحسن و يقيّد بغير حال الصلاة.

و بعبارة اخرى: مقتضى عموم قدح التكلّم في الصلاة عدم جواز الرد إلّا بالمقدار المرخّص فيه و هو ما عرفت، فتبقى تلك الزيادة مشمولة للعموم.

و منه تعرف عدم جواز الإتيان بتلك الزيادة حتّى لو اشتمل التسليم عليها فلو أضاف المسلّم كلمة «و رحمة اللّٰه» لا يضيفها المجيب، إذ لا تقتضيها المماثلة بعد ما عرفت المراد منها فتندرج في عموم المنع.

(1) لجملة من الأخبار التي منها معتبرة الحسن بن راشد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: من عطس ثمّ وضع يده على قصبة أنفه ثمّ قال: الحمد للّٰه ربّ العالمين حمداً كثيراً كما هو أهله و صلّى اللّٰه على محمّد النبيّ و آله و سلم خرج من منخره الأيسر طائر أصغر من الجراد و أكبر من الذباب حتّى يصير تحت العرش يستغفر اللّٰه إلى يوم القيامة» «1». و في مرسلة ابن أبي عمير «... إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد للّٰه ربّ العالمين و صلّى اللّٰه على محمّد و أهل بيته ...» إلخ «2».

و في رواية أبي أُسامة: «من سمع عطسة فحمد اللّٰه (عزّ و جلّ) و صلّى على محمّد و أهل بيته لم يشتك عينه و لا ضرسه، ثمّ قال: إن سمعتها فقلها و إن كان بينك و بينه البحر» «3».

______________________________
(1) الوسائل 12: 95/ أبواب أحكام العشرة ب 63 ح 4، 1، 2.

(2) الوسائل 12: 95/ أبواب أحكام العشرة ب 63 ح 4، 1، 2.

(3) الوسائل 12: 95/ أبواب أحكام العشرة ب 63 ح 4، 1، 2.

490
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 39: يستحب للعاطس و لمن سمع عطسة الغير ؛ ج 15، ص : 490

و إن كان في الصلاة (1) أن يقول: الحمد للّٰه، أو يقول: الحمد للّٰه و صلّى اللّٰه على محمّد و آله، بعد أن يضع إصبعه على أنفه (2) و كذا يستحب تسميت العاطس (3) بأن يقول له: يرحمك اللّٰه، أو يرحمكم اللّٰه، و إن كان في الصلاة (4)

______________________________
(1) يدل عليه مضافاً إلى الإطلاقات المتقدِّمة بعد وضوح جواز ذكر اللّٰه و الصلاة على النبيّ في الصلاة بل استحبابه و كونه من الصلاة كما في صحيح الحلبي
«1» جملة من النصوص الخاصّة، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا عطس الرجل في صلاته فليحمد اللّٰه (عزّ و جلّ) «2». و رواية أبي بصير قال: «قلت له أسمع العطسة فأحمد اللّٰه و أُصلِّي على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) و أنا في الصلاة، قال: نعم، و إن كان بينك و بين صاحبك اليم» «3».

(2) ظاهره استحباب الوضع المزبور لكل من العاطس و السامع، مع أنّ معتبرة ابن راشد المتقدِّمة التي هي المستند لهذا الحكم مختصّة بالأوّل، و لم نعثر على نص يدل عليه في السامع.

(3) كما نطقت به جملة من النصوص، بل في بعضها أنّ ذلك من حقّ المسلم على أخيه كما في معتبرة جراح المدائني «4».

(4) على المشهور بل لم ينقل الخلاف فيه، و يستدل له كما في الجواهر «5»-

______________________________
(1) الوسائل 6: 426/ أبواب التسليم ب 4 ح 1.

(2) الوسائل 7: 271/ أبواب قواطع الصلاة ب 18 ح 2.

(3) الوسائل 7: 272/ أبواب قواطع الصلاة ب 18 ح 4.

(4) الوسائل 12: 86/ أبواب أحكام العشرة ب 57 ح 1.

(5) الجواهر 11: 96.

491
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 39: يستحب للعاطس و لمن سمع عطسة الغير ؛ ج 15، ص : 490

و إن كان الأحوط الترك حينئذ [1]، و يستحب للعاطس كذلك أن يرد التسميت بقوله: يغفر اللّٰه لكم.

______________________________
بأنّ التسميت دعاء للعاطس، و حيث أنّه سائغ في الصلاة فلا قصور في شمول الإطلاقات له.

و لكنّه غير واضح، لما تقدّم «1» من أنّ المستثنى هو عنوان المناجاة مع الرب لا الدُّعاء بما هو دعاء، و لا ريب في عدم صدقه على التسميت فإنّه تخاطب مع المخلوق لا تناجٍ مع الخالق، فيشمله حينئذ عموم قدح التكلّم المستوجب لبطلان الصلاة.

و عليه فان بنينا على عدم حرمة القطع مطلقاً، أو كانت الصلاة نافلة فلا محذور في شمول الإطلاقات فيسمت و يعيد الصلاة و لا شي‌ء عليه.

و أمّا إذا بنينا على الحرمة كما هو المشهور، فان قلنا بأنّ مركز التحريم و مصبّه هو نفس القطع لا سببه من التكلّم و القهقهة و نحوهما من موجبات القطع، و أنّ هذه الأسباب لا حرمة لها في حد ذاتها، اندرج المقام حينئذ في باب التزاحم إذ لا تعارض و لا تضاد في مقام الجعل بين استحباب التسميت و بين حرمة القطع بعد أن كان موضوع كل منهما مغايراً مع الآخر، غاية الأمر أنّ المصلِّي لا يستطيع الجمع بين ترك المحرّم و امتثال المستحب، و من البيِّن جدّاً أنّه كلّما دار الأمر بينهما قدّم الأوّل، ضرورة أنّ ما فيه الإلزام لا يزاحمه ما لا إلزام فيه.

و أمّا إذا قلنا بأنّ متعلّق التحريم إنّما هو ذات الأسباب دون القطع المسبّب‌

______________________________
[1] بل الأظهر ذلك.

______________________________
(1) في ص 450.

492
موسوعة الإمام الخوئي15

السادس: تعمد القهقهة ؛ ج 15، ص : 493

[السادس: تعمد القهقهة]

السادس: تعمد القهقهة (1)

______________________________
عنها كما قد يقتضيه ما ورد من أنّ تحريمها التكبير و تحليلها التسليم، حيث يستظهر منه أنّ التكبيرة توجب حرمة المنافيات بأنفسها من التكلّم و القهقهة و نحوهما، فيندرج المقام حينئذ في باب التعارض، حيث إنّ التسميت مستحب بمقتضى الإطلاقات، و حرام أيضاً، لكونه مصداقاً للتكلّم.

و بعبارة أُخرى: إطلاق دليل استحباب التسميت يشمل حال الصلاة، كما أنّ إطلاق ما دلّ على حرمة التكلّم في الأثناء يشمل التسميت، فلا جرم تقع المعارضة بين الإطلاقين بالعموم من وجه.

إلّا أنّه لا ينبغي التردّد في لزوم تقديم الثاني و تحكيمه، فان مورد الاستحباب إنّما هو ذات التسميت بعنوانه الأوّلي، و لا ينافي ذلك تحريمه بالعنواني الثانوي و هو كونه موجباً لقطع الفريضة، نظير ما ورد من استحباب أكل الرمان يوم الجمعة، فإنّه لا ينافي تحريمه بالعنوان الثانوي من الغصب أو منع الوالد و نحوهما. و منه تعرف عدم جواز ردّ التسميت للمصلِّي.

و على الجملة: فالتسليم و الترحيب و التسميت و ردّه كل ذلك أُمور مستحبّة في حد أنفسها، و لكنّها تحرم لدى عروض عنوان ثانوي، و لا يرى العرف تنافياً بينهما بوجه.

(1) هذا الحكم في الجملة ممّا لا خلاف فيه و لا إشكال، و قد نطقت به جملة من الأخبار التي منها صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: القهقهة لا تنقض الوضوء و تنقض الصلاة» «1».

______________________________
(1) الوسائل 7: 250/ أبواب قواطع الصلاة ب 7 ح 1.

493
موسوعة الإمام الخوئي15

السادس: تعمد القهقهة ؛ ج 15، ص : 493

و لو اضطراراً (1)، و هي: الضحك المشتمل على الصوت و المد و الترجيع، بل مطلق الصوت على الأحوط [1]، و لا بأس بالتبسّم، و لا بالقهقهة سهواً.

______________________________
و موثقة سماعة قال: «سألته عن الضحك هل يقطع الصلاة؟ قال: أمّا التبسّم فلا يقطع الصلاة، و أمّا القهقهة فهي تقطع الصلاة»
«1».

كما لا إشكال أيضاً في اختصاص البطلان بصورة العمد فلا بطلان مع السهو لا لقصور في إطلاق النصوص كما يظهر من المحقِّق الهمداني «2» (قدس سره)، بل لحديث لا تعاد، و إنّما الإشكال في موردين:

(1) أحدهما: ما لو اضطرّ إلى القهقهة، فالمشهور هو البطلان أيضاً، خلافاً لما نسب إلى الأردبيلي (قدس سره) «3» من إلحاقه بالسهو، لحديث رفع الاضطرار الموجب لارتفاع المبطلية في هذه الصورة.

و الصواب ما عليه المشهور، بل لا ينبغي التأمّل فيه، لعدم صلاحيّة الحديث لإثبات الصحّة و إلّا لحكم بها في من اضطرّ أو أُكره على التكلّم في أثناء الصلاة و هو كما ترى.

و السر ما تكرّرت الإشارة إليه في مطاوي هذا الشرح من اختصاص مورد الحديث بما إذا تعلّق الاضطرار أو الإكراه بنفس المأمور به لا بفرد من أفراده و من البيِّن أنّ المأمور به في أمثال المقام إنّما هو الطبيعي الجامع المحدود ما بين الحدّين، و الّذي تعلّق به الاضطرار أو الإكراه إنّما هو فرد من أفراده، فما هو‌

______________________________
[1] و لكن عدم البطلان بما يشتمل على مجرّد الصوت أظهر.

______________________________
(1) الوسائل 7: 250/ أبواب قواطع الصلاة ب 7 ح 2.

(2) مصباح الفقيه (الصلاة): 410 السطر 3.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 3: 68.

494
موسوعة الإمام الخوئي15

السادس: تعمد القهقهة ؛ ج 15، ص : 493

نعم، الضحك المشتمل على الصوت تقديراً كما لو امتلأ جوفه ضحكاً (1) و احمرّ وجهه لكن منع نفسه من إظهار الصوت، حكمه حكم القهقهة [1].

______________________________
المأمور به لم يتعلّقا به، و ما تعلّقا به لم يكن مأموراً به بعد تمكنه من الإتيان بفرد آخر غير مقرون بهذا المانع، فلأجله لا يشمل الحديث أمثال هذه الموارد.

على أنّ القهقهة الحاصلة حالة الصلاة تنشأ عن الاضطرار غالباً، حيث يرى المصلِّي ما يوجب تعجّبه فيضحك من غير اختيار، فالتخصيص بالاختياري حمل للمطلق على الفرد النادر الّذي فيه من البشاعة ما لا يخفى. نعم، مقدّماته لعلّها اختيارية غالباً، فله أن لا يصلِّي في المجلس الّذي تُذكر فيه القصص المضحكة أو أن لا ينصت إليها، و أمّا بعد حصول المقدّمات فالقهقهة قهرية و خارجة عن الاختيار.

(1) ثانيهما: في المتوسط ما بين القهقهة و التبسّم كمن امتلأ جوفه ضحكاً مع احمرار وجهه و امتناعه من إظهار الصوت، فإنّ الأوّل مبطل قطعاً، كما أنّ الثاني غير مبطل جزماً، إمّا لأنّه ليس من الضحك أو أنّه ضحك غير مبطل بصريح النصوص المتقدِّمة.

و أمّا الحدّ المتوسط فقد حكم بمبطليّته جماعة منهم صاحب الجواهر «1» و اختاره في المتن، و هو مبني على أمرين:

الأوّل: دخوله في مفهوم الضحك عرفاً.

الثاني: أنّ الضحك مطلقاً ما عدا التبسّم مبطل للصلاة كما قد يستظهر ذلك من موثقة سماعة المتقدِّمة المفصّلة بين التبسّم و القهقهة جواباً عن سؤال مبطلية‌

______________________________
[1] على إشكال، و عدم البطلان أظهر.

______________________________
(1) الجواهر 11: 55.

495
موسوعة الإمام الخوئي15

السادس: تعمد القهقهة ؛ ج 15، ص : 493

..........

______________________________
الضحك، حيث يعرف من ذلك مبطلية ما عدا التبسّم من مصاديق الضحك و حيث إنّ الحد المتوسط المزبور لا يصدق عليه التبسّم بالضرورة فلا جرم يكون محكوماً بالبطلان.

و غير خفي أنّ كلا من الأمرين قابل للمناقشة.

أمّا الأوّل: فلمنع صدق الضحك عليه أيضاً، غايته وجود مقتضيه فيه لا أنّه ضاحك بالفعل، و هذا كدافع الأخبثين فانّ المدافعة تكشف عن تمامية الاقتضاء لخروج الخبث مع عدم صدق المحدث عليه ما لم يخرج بالضرورة. فكما لا يصدق المحدث قبل خروج الناقض فكذلك لا يصدق الضاحك قبل خروج الصوت. فامتلاء الجوف من الضحك كامتلائه من الأخبثين لا أثر له.

و أمّا الثاني: فلا نسلِّم المبطلية لكل ضحك لو سلّم صدق الضحك في المقام لعدم الدليل عليه، فانّ الّذي تعرّضت له الموثقة هو مبطلية القهقهة و عدم مبطلية التبسّم من غير تعرّض للحد المتوسط بينهما الّذي هو خارج عن كل منهما موضوعاً و لعلّه لندرته، و حينئذ فكما يحتمل إلحاقه حكماً بالأوّل يحتمل إلحاقه بالثاني من غير ترجيح لأحدهما على الآخر.

و نظير المقام ما ورد في غسل ما أُصيب بالبول في صحيحة محمّد بن مسلم من قوله (عليه السلام): «اغسله في المركن مرّتين فان غسلته في ماء جار فمرّة واحدة» «1» حيث لم تتعرّض لحكم الغسل في الكر بعد وضوح خروجه عن موضوع القليل و الجاري، فإنّه كما يحتمل إلحاقه حكماً بالأوّل يحتمل إلحاقه بالثاني.

بل إنّ مقتضى الجمود على ظاهر النص الّذي علّق فيه البطلان على عنوان القهقهة اختصاصه بها و عدم ثبوته في غيرها، بعد وضوح عدم اندراج هذا القسم من الضحك فيها.

______________________________
(1) الوسائل 3: 397/ أبواب النجاسات ب 2 ح 1.

496
موسوعة الإمام الخوئي15

السادس: تعمد القهقهة ؛ ج 15، ص : 493

السابع: تعمّد البكاء [1] (1) المشتمل على الصوت،

______________________________
و منه تعرف حكم الضحك المشتمل على مجرّد الصوت من غير مد و ترجيع فإنّه كما يمكن دخوله في حكم القهقهة و إن خرج عنها موضوعاً لعدم التقهقه فيه، كذلك يمكن دخوله في حكم التبسّم و إن خرج عن موضوعه، لاختصاصه بما لا صوت فيه، و لكنّ المبطل لمّا كان عنوان القهقهة فمقتضى الجمود على النص الاقتصار عليه.

و ممّا يدل على الاختصاص المزبور: صحيحة ابن أبي عمير عن رهط سمعوه يقول: «إنّ التبسّم في الصلاة لا ينقض الصلاة و لا ينقض الوضوء إنّما يقطع الضحك الّذي فيه القهقهة» «1».

إذن فالضحك المشتمل على الصوت من دون القهقهة أو على الصوت التقديري لا دليل على مبطليّته و إن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه.

ثمّ إنّ هذه الرواية لا ينبغي التأمّل في صحّتها، إذ الرهط الّذين يروي عنهم ابن أبي عمير لا يروون إلّا عن الإمام، و لأجله كان مرجع الضمير في قوله «سمعوه» هو المعصوم (عليه السلام)، و لا شبهة في اشتمال الرهط على من يعتمد عليه.

(1) على المشهور بل عن المدارك «2» دعوى الإجماع عليه.

و يستدل له تارة: برواية أبي حنيفة قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن البكاء في الصلاة أ يقطع الصلاة؟ فقال: إن بكى لذكر جنّة أو نار فذلك هو‌

______________________________
[1] على الأحوط.

______________________________
(1) الوسائل 7: 250/ أبواب قواطع الصلاة ب 7 ح 3.

(2) المدارك 3: 466.

497
موسوعة الإمام الخوئي15

السادس: تعمد القهقهة ؛ ج 15، ص : 493

..........

______________________________
أفضل الأعمال في الصلاة، و إن كان ذكر ميتاً له فصلاته فاسدة»
«1».

و أُخرى: بمرسلة الصدوق قال: «و روى أنّ البكاء على الميت يقطع الصلاة و البكاء لذكر الجنّة و النّار من أفضل الأعمال في الصلاة» «2». و لا يبعد أن تشير المرسلة إلى الرواية الأُولى لاتِّحاد مضمونهما.

و على أيّ حال فلا عبرة بها حتّى لو كانت رواية مستقلّة لمكان الإرسال و المستند إنّما هي الرواية الأُولى، غير أنّها ضعيفة السند، لمكان أبي حنيفة المعلوم حاله. على أنّ الراوي عنه و هو النعمان بن عبد السلام لم تثبت وثاقته.

و دعوى انجبار ضعفها بعمل المشهور ممنوعة صغرى و كبرى. أمّا الثانية فواضحة، و أمّا الاولى فلأن هذه الشهرة على ما يظهر من الحدائق «3» إنّما حصلت بعد زمن الشيخ للتبعية له في فتاواه و من ثمّ سموا بالمقلدة، و الشهرة الجابرة هي الحاصلة بين القدماء لا المتأخِّرين. و على الجملة: فلا نص يعوّل عليه لإثبات البطلان.

و أمّا الاستدلال له بكونه من الفعل الكثير فهو كما ترى، لعدم الملازمة بينهما، و مع حصوله فالبطلان لأجله لا لأجل البكاء بعنوانه كما هو المدّعى. فلم ينهض دليل على البطلان، و من ثمّ استشكل فيه المحقِّق الأردبيلي «4»، و تبعه صاحب المدارك «5». إذن فالحكم مبني على الاحتياط.

______________________________
(1) الوسائل 7: 247/ أبواب قواطع الصلاة ب 5 ح 4.

(2) الوسائل 7: 247/ أبواب قواطع الصلاة ب 5 ح 2، الفقيه 1: 208/ 941.

(3) الحدائق 9: 50.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 3: 73.

(5) المدارك 3: 466.

498
موسوعة الإمام الخوئي15

السادس: تعمد القهقهة ؛ ج 15، ص : 493

بل و غير المشتمل عليه على الأحوط (1)

______________________________
(1) قد عرفت انحصار المستند في رواية أبي حنيفة الضعيفة، و عليه فان لم نقل بالانجبار كما هو المختار فلا دليل على البطلان حتّى في المشتمل على الصوت فضلًا عن غير المشتمل.

و إن قلنا به كما عليه المشهور فالوارد في الخبر كلمة «البكاء» ممدودة و المعروف عند أهل اللّغة «1» أنّها اسم للصوت مع الدمع، في قبال المقصورة التي هي اسم للدمع بلا صوت. و عليه فيختص البطلان بما اشتمل على الصوت.

و دعوى عدم ثبوت كون المذكور في الخبر هو الممدود، كدعوى عدم ثبوت ما هو المنقول عن اللّغة و جواز كون الكلمة اسماً لمطلق الدمع و إن خلت عن الصوت مدفوعة: أمّا الأُولى، فباطباق النسخ الصحيحة على ضبط الكلمة ممدودة. على أنّ مجرّد الاحتمال كاف في لزوم الاقتصار على المقدار المتيقن و الرجوع فيما عداه و هو الخالي عن الصوت إلى أصالة البراءة.

و منه تعرف ما في الدعوى الثانية، إذ غايتها أن يكون من إجمال المفهوم و دورانه بين الأقل و الأكثر الّذي مقتضاه أيضاً لزوم الاقتصار على المقدار المتيقن.

و أمّا ما يظهر من الحدائق «2» من أنّ البحث عن اللّغة أو عن كيفية ضبط الكلمة قليل الجدوى، إذ المذكور في الخبر كلمة «بكى» بصيغة الماضي و هي مشتقّة من الجامع بين الممدود و المقصور على ما هو الصواب من أنّ الأفعال مشتقّة ممّا تشتق منه المصادر لا من نفس المصادر، فهي صادقة عليهما و شاملة لواجد الصوت و فاقده.

______________________________
(1) الصحاح 6: 2284، مجمع البحرين 1: 59.

(2) الحدائق 9: 51.

499
موسوعة الإمام الخوئي15

السادس: تعمد القهقهة ؛ ج 15، ص : 493

لأُمور الدُّنيا (1) و أمّا البكاء للخوف من اللّٰه و لأُمور الآخرة فلا بأس به، بل هو من أفضل الأعمال (2) و الظاهر أنّ البكاء اضطراراً أيضاً مبطل (3)، نعم لا بأس به إذا كان سهواً (4)

______________________________
فيندفع: بأنّ المذكور في كلام الإمام (عليه السلام) و إن كان كذلك، إلّا أنّ السؤال لمّا كان عن حكم المصدر فلا جرم كان الإطلاق منزّلًا على ما في كلام السائل، رعاية لتطابق الجواب مع السؤال. و معه لا مجال للتمسّك بالإطلاق بعد الاقتران بما يصلح للقرينية.

فالمتحصِّل: أنّه لا سبيل إلى إثبات المبطلية لغير المشتمل على الصوت بهذا الخبر، و مقتضى الأصل البراءة عنها.

(1) فان مورد النص و إن كان هو البكاء لذكر الميّت، لكن الظاهر بقرينة المقابلة مع ذكر الجنّة و النّار أنّ المراد به كل ما يتعلّق بأُمور الدُّنيا من زوال نعمة أو الوقوع في نقمة، و تخصيصه بالذكر إنّما هو من باب المثال.

(2) لجملة من الأخبار التي منها ما رواه الصدوق بإسناده عن منصور بن يونس بُزُرج «أنّه سأل الصادق (عليه السلام) عن الرجل يتباكى في الصلاة المفروضة حتّى يبكي، فقال: قرّة عين و اللّٰه، و قال: إذا كان ذلك فاذكرني عنده» «1».

(3) لإطلاق النص بعد عدم صلوح حديث رفع الاضطرار لإثبات الصحّة كما تقدّم «2» في نظائر المقام من القهقهة و نحوها. نعم، لا شبهة في ارتفاع الحرمة التكليفية على القول بحرمة قطع الفريضة.

(4) لا لحديث الرفع لما عرفت آنفاً، بل لحديث لا تعاد.

______________________________
(1) الوسائل 7: 247/ أبواب قواطع الصلاة ب 5 ح 1، الفقيه 1: 208/ 940.

(2) في ص 494.

500
موسوعة الإمام الخوئي15

السادس: تعمد القهقهة ؛ ج 15، ص : 493

بل الأقوى عدم البأس به إذا كان لطلب أمر دنيوي من اللّٰه فيبكي تذلّلًا له تعالى ليقضي حاجته (1).

الثامن: كل فعل ماح لصورة الصلاة قليلًا كان أو كثيراً كالوثبة و الرقص و التصفيق و نحو ذلك ممّا هو منافٍ [1] للصلاة، و لا فرق بين العمد و السهو، و كذا السكوت الطويل الماحي و أمّا الفعل القليل غير الماحي بل الكثير غير الماحي فلا بأس به، مثل الإشارة باليد لبيان مطلب، و قتل الحيّة و العقرب و حمل الطفل و ضمّه و إرضاعه عند بكائه، و عدّ الركعات بالحصى و عدّ الاستغفار في الوتر بالسبحة و نحوها ممّا هو مذكور في النصوص، و أمّا الفعل الكثير، أو السكوت الطويل المفوّت للموالاة بمعنى المتابعة العرفية إذا لم يكن ماحياً للصورة فسهوه لا يضر، و الأحوط الاجتناب عنه عمداً (2).

______________________________
(1) لخروجه عن منصرف النص و الفتوى، نظراً إلى ظهورهما في كون الباعث على البكاء فوات أمر دنيوي و عدم حصوله، لا البكاء لأجل تحصيل الفائت تذلّلًا و استعطافاً ممّن أزمة الأُمور طراً بيده، كيف و مثل هذا البكاء تصدق عليه المناجاة مع الرب فلا يكون مبطلًا.

و منه يظهر حكم البكاء لما أصاب الدين من ضعف الإسلام و المسلمين، أو لمصاب المعصومين (عليهم السلام) أو لفقد أحد من العلماء العاملين، فان مرجع الكل إلى البكاء لأمر أُخروي لا دنيوي ليستوجب البطلان كما هو ظاهر.

(2) لا ريب في عدم قدح الفصل بين أجزاء الصلاة بالفعل الكثير الّذي يكون من سنخها من ذكر أو دعاء أو قرآن، كقراءة السور الطوال أو دعاء كميل و ما‌

______________________________
[1] في تحقّق المنافاة في جميع مراتب المذكورات إشكال.

501
موسوعة الإمام الخوئي15

السادس: تعمد القهقهة ؛ ج 15، ص : 493

..........

______________________________
شاكلهما، لكونه معدوداً من نفس الصلاة على ما نطق به النص.

و أمّا ما لا يكون مسانخاً لها فالمشهور أنّه مبطل للصلاة، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه، و خصّه بعضهم بما إذا كان ماحياً للصورة بحيث خرج به عن كونه مصلّياً، بل ذكر بعضهم أنّ العبرة بالماحي سواء أ كان كثيراً أم قليلًا و قد اختاره في المتن، هذا.

و قد اعترف غير واحد بعدم ورود نص يدل على مبطلية الفعل الكثير بعنوانه، كما أنّ العلّامة «1» صرّح بعدم ورود تحديد شرعي لضابط الكثرة، و أنّ العبرة في ذلك بالعرف و العادة كسائر الموارد التي لم يرد فيها حد شرعي المحكوم بالرجوع إلى النظر العرفي.

و أمّا الماحي فقد ذكر له في المتن أمثلة ثلاثة و عدّ منها التصفيق، مع ورود النص الصحيح بعدم مانعيته و جوازه لدى الحاجة، ففي صحيح الحلبي «أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الرجل يريد الحاجة و هو في الصلاة، فقال: يومئ برأسه و يشير بيده و يسبِّح، و المرأة إذا أرادت الحاجة و هي تصلِّي فتصفق بيديها» «2».

و كيف ما كان، فإن أُريد بالكثرة الكثرة العددية فلا ينبغي الشك في أنّها بمجرّدها لا تستوجب البطلان، فان من أخذ سبحة بيده و أدارها بخرزاتها المائة أو حرّك جفنيه أو ضرب بإصبعه على فخذه مائة مرّة لا يحتمل أن يفتي فقيه ببطلان صلاته بذلك.

و إن أُريد بها الكثرة الزمنية التي حدّدها بعض الشافعية «3»، بأن تكون بمقدار الإتيان بركعة كاملة، فهذا و إن استوجب البطلان لكنّه مستند إلى فقد الموالاة‌

______________________________
(1) التذكرة 3: 288، نهاية الاحكام 1: 521.

(2) الوسائل 7: 254/ أبواب قواطع الصلاة ب 9 ح 2.

(3) المجموع 4: 93، فتح العزيز 4: 126، مغني المحتاج 1: 199.

502
موسوعة الإمام الخوئي15

السادس: تعمد القهقهة ؛ ج 15، ص : 493

..........

______________________________
المعتبرة بين الأجزاء، و من ثمّ لو سكت هذه المدّة و لم يأت بقليل و لا كثير بحيث انفصلت الأجزاء اللّاحقة عن السابقة على نحو لا تصلح للانضمام حكم بالبطلان بلا كلام. فلا موضوعية للكثرة الزمانية بعنوانها، بل المبطل حينئذ هو الفصل الموجب للإخلال بالموالاة و زوال الهيئة الاتِّصالية، سواء أ كان الفاصل فعلًا كثيراً أم سكوتاً طويلًا.

و إن أُريد بها العمل الأجنبي المستوعب لمقدار من الوقت و إن كان مقروناً بالأجزاء لا متخلِّلًا بينها، كما لو اشتغل أثناء القراءة بالكتابة أو الخياطة أو تقشير الفاكهة و نحوها فالبطلان بذلك أوّل الكلام، فإنّه موقوف على نهوض ما يدل على اعتبار عدمها في الصلاة، كما نهض في مثل الأكل و الشرب حيث يمنع عنهما حتّى المأموم حال اشتغال الإمام بالقراءة غير المخل بالموالاة بوجه و إلّا فليس للعرف سبيل لتشخيص القادحية في الأُمور الشرعية التعبّدية التي زمام قيودها الوجودية و العدمية بيد مخترعها. فما عن العلّامة من إيكال ذلك إلى النظر العرفي ليس كما ينبغي.

و دعوى أنّ مثله لا يُقال إنّه يصلِّي بل يكتب مثلًا مدفوعة بصدق كلا العنوانين، فيقال إنّه يصلِّي و يكتب، و الكلام في قادحية صدق الثاني التي هي أوّل الدعوى.

و ما في الحدائق «1» من احتياج الجواز إلى الدليل مبني على القول بأصالة الاحتياط في العبادات، و هو خلاف ما عليه المحقّقون من الرجوع إلى أصالة البراءة في الأقل و الأكثر الارتباطيين دون الاشتغال.

هذا، مع أنّ عدّة من الأخبار دلّت على جواز جملة من الأفعال أثناء الصلاة ممّا لا شبهة في عدّ بعضها عرفاً من الفعل الكثير كرمي الكلب بحجر، أو رمي‌

______________________________
(1) الحدائق 9: 43.

503
موسوعة الإمام الخوئي15

السادس: تعمد القهقهة ؛ ج 15، ص : 493

التاسع: الأكل و الشرب الماحيان للصورة (1)

______________________________
أحد بحصاة ليأتي نحوه كما فعله الصادق (عليه السلام) أو قتل الحيّة أو العقرب أو إرضاع الأُم ولدها و حمله معها، أو الذهاب عند الرعاف أو رؤية النجاسة في الثوب أو البدن للتطهير ثمّ العود لإتمام الصلاة، أو تصفيق المرأة للتنبيه على الحاجة، و نحو ذلك ممّا أورده صاحب الوسائل في الباب التاسع و العاشر من أبواب القواطع
«1».

و الحاصل: أنّ الكبرى الكلِّيّة المذكورة في كلمات القوم من قادحية الفعل الكثير بما هو و بوصفه العنواني لا يمكن المساعدة عليها إلّا فيما قام عليه دليل بالخصوص من إجماع و نحوه كما في الأكل و الشرب، أو أوجب الإخلال بالموالاة المعتبرة بين الأجزاء، المستلزم طبعاً لمحو صورة الصلاة فتبطل حينئذ لهذه العلّة.

و منه تعرف أنّ ما في المتن من عدّ الوثبة و الرقص و التصفيق منافياً للصلاة الظاهر في كونها كذلك بجميع مراتبها محل إشكال بل منع.

ثمّ إنّ من جميع ما ذكرناه يتّضح لك أنّ البطلان في الفعل الكثير إن كان مستنداً إلى الإخلال بالموالاة بحيث أوجب سلب اسم الصلاة فلا يفرق حينئذ بين العمد و السهو، إذ لا صلاة حسب الفرض كي يمكن تصحيحها بحديث لا تعاد فإنّه سالبة بانتفاء الموضوع.

و إن كان مستنداً إلى دليل آخر من نص أو إجماع فتختص طبعاً بصورة العمد لكونها مع السهو مشمولة للحديث المزبور.

(1) ذهب الشيخ «2» و جم غفير ممّن تأخّر عنه إلى مانعية الأكل و الشرب في‌

______________________________
(1) الوسائل 7: 254 258.

(2) الخلاف 1: 413، المبسوط 1: 118.

504
موسوعة الإمام الخوئي15

السادس: تعمد القهقهة ؛ ج 15، ص : 493

..........

______________________________
الصلاة، بل نسبه في الحدائق
«1» إلى المشهور، و مقتضى عدّهم ذلك عنواناً مستقلا في مقابل الفعل الكثير أو الماحي، أنّ المانعية ثابتة لنفس هذين العنوانين سواء أعدّا من الفعل الكثير أم لا، فتبطل بالأكل و لو لقمة، و بالشرب و لو جرعة.

نعم، جعلهما العلّامة «2» من الفعل الكثير حتّى في مثل اللقمة، نظراً إلى أنّ تناول المأكول و مضغه و ابتلاعه أفعال كثيرة، و هكذا المشروب.

و لكنّه كما ترى، فانّ مقتضاها عدّ نحو لبس الخاتم أو مسح الأنف بالمنديل من الفعل الكثير أيضاً، لانحلالهما إلى أفعال كثيرة من إدخال اليد في الجيب و إخراج الخاتم أو المنديل و لبسه أو المسح به، و لا يظن أن يلتزم فقيه بعدم جوازه. فالظاهر أنّهم يرون البطلان لنفس العنوان لا للاندراج تحت الضابط المزبور حسبما ذكرناه.

و من ثمّ أشكل عليهم غير واحد من الفقهاء منهم المحقِّق في المعتبر «3» بعدم الدليل عليه و طالبوهم بمستند هذه الفتوى، هذا.

و الّذي ينبغي أن يقال: أمّا بالنسبة إلى ابتلاع بقايا الطعام الموجودة في الفم فضلًا عن المتخلِّلة ما بين الأسنان، أو السكّر الّذي يذوب شيئاً فشيئاً و ينزل فلا ينبغي الإشكال في عدم بطلان الصلاة بها و إن بطل الصوم بل قد ادّعي الإجماع على ذلك، فمحل الاشكال ما كان مصداقاً للأكل و الشرب عرفاً لا صوماً. و حينئذ فان استوعب من الوقت مقداراً يخل بالموالاة العرفية بحيث لا تنسجم الأجزاء اللّاحقة بالسابقة فلا ريب في البطلان، لكن لا لتحقّق الأكل و الشرب، بل لفوات الموالاة و محو صورة الصلاة.

______________________________
(1) الحدائق 9: 54.

(2) التذكرة 3: 292، المنتهىٰ 1: 312 السطر 9.

(3) المعتبر 2: 259.

505
موسوعة الإمام الخوئي15

السادس: تعمد القهقهة ؛ ج 15، ص : 493

فتبطل الصلاة بهما عمداً كانا أو سهواً (1)

______________________________
و يحتمل أنّ الشيخ و من تبعه من القائلين بالمانعية يريدون بها ذلك، و إنّما خصّوهما بالذكر مقدّمة لاستثناء الوتر كما سيجي‌ء، غير أنّه يبعّده اختصاص الاستثناء بالشرب فلما ذا ألحقوا به الأكل.

و كيف ما كان، فلا شبهة في البطلان لدى بلوغ هذا الحد.

و أمّا إذا كان دونه فلم يتّضح حينئذ وجه للبطلان، عدا ما ادّعاه في الجواهر «1» من قيام سيرة المتشرِّعة عليه بمثابة يعرفه حتّى الصبيان.

و فيه: أنّ السيرة و إن كانت متحقِّقة إلّا أنّ اتصالها بعصر المعصوم (عليه السلام) الّذي هو مناط حجّيتها غير معلوم، فإنّ الأطفال إنّما تلقوها من آبائهم و هم من علمائهم إلى أن يتّصل بعصر الشيخ الطوسي (قدس سره) و لم تكن المسألة معنونة قبله كي يعرف الاتِّصال، و عليه فان ثبت الإجماع التعبّدي على المبطلية فهو الحجّة، و إلّا فإثباتها بحسب الصناعة في غاية الإشكال.

و من هنا يمكن أن يقال: إنّ ما سيأتي من الرواية الدالّة على جواز الشرب أثناء الوتر مطابق للقاعدة و لم يكن استثناءً في المسألة، نظراً إلى أنّ هذا المقدار من الفصل لم يكن مخلّاً بالموالاة العرفية، إذ لم يكن هو أكثر ممّا فعله النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) على ما رواه الصدوق من أنّه رأى نخامة في المسجد فمشى إليها بعرجون من عراجين أرطاب فحكّها ثمّ رجع القهقرى فبنى على صلاته «2» فاذا لم يكن الإجماع ثابتاً كان الحكم المزبور مطابقاً للقاعدة.

(1) هذا وجيه لو كان البطلان لأجل محو الصورة، و أمّا لو كان لأجل الإجماع‌

______________________________
(1) الجواهر 11: 78.

(2) الوسائل 7: 292/ أبواب قواطع الصلاة ب 36 ح 1، الفقيه 1: 180/ 849.

506
موسوعة الإمام الخوئي15

السادس: تعمد القهقهة ؛ ج 15، ص : 493

و الأحوط الاجتناب عمّا كان منهما مفوّتاً للموالاة العرفية عمداً (1)، نعم لا بأس بابتلاع بقايا الطعام الباقية في الفم أو بين الأسنان، و كذا بابتلاع قليل من السكّر الّذي يذوب و ينزل شيئاً فشيئاً (2) و يستثنى أيضاً ما ورد في النص (3) بالخصوص من جواز شرب الماء لمن كان مشغولًا بالدُّعاء في صلاة الوتر و كان عازماً على الصوم في ذلك اليوم، و يخشى مفاجاة الفجر و هو عطشان و الماء أمامه و محتاج إلى خطوتين أو ثلاثة، فإنّه يجوز له التخطِّي

______________________________
مع حفظها فلا مانع من التصحيح لدى السهو بحديث لا تعاد كما تقدّم في المبطل السابق.

(1) كما تقدّم البحث عنه في فصل الموالاة «1».

(2) كما تقدّم آنفاً.

(3) و هو ما رواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمّد عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي، عن محمّد بن هيثم، عن سعيد الأعرج قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) إنِّي أبيت و أُريد الصوم فأكون في الوتر فأعطش فأكره أن أقطع الدُّعاء و أشرب و أكره أن أُصبح و أنا عطشان و أمامي قلّة بيني و بينها خطوتان أو ثلاثة، قال: تسعى إليها و تشرب منها حاجتك و تعود في الدُّعاء» «2».

و ما رواه الفقيه بإسناده عن سعيد الأعرج أنّه قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام): جعلت فداك إنِّي أكون في الوتر و أكون قد نويت الصوم فأكون في الدُّعاء و أخاف الفجر فأكره أن أقطع على نفسي الدُّعاء و أشرب الماء و تكون‌

______________________________
(1) في ص 355.

(2) الوسائل 7: 279/ أبواب قواطع الصلاة ب 23 ح 1، التهذيب 2: 329/ 1354.

507
موسوعة الإمام الخوئي15

السادس: تعمد القهقهة ؛ ج 15، ص : 493

و الشرب حتّى يروي، و إن طال زمانه (1) إذا لم يفعل غير ذلك من منافيات الصلاة (2)، حتّى إذا أراد العود إلى مكانه رجع القهقرى لئلّا يستدبر القبلة

______________________________
القلّة أمامي، قال فقال لي: فاخط إليها الخطوة و الخطوتين و الثلاث و اشرب و ارجع إلى مكانك و لا تقطع على نفسك الدُّعاء»
«1».

أمّا من حيث السند فكلتاهما معتبرة، إذ ليس في سند الاولى من يغمز فيه ما عدا النهدي حيث لم يرد فيه توثيق، و لكنّه ممدوح مضافاً إلى كونه من رجال كامل الزيارات.

و أمّا طريق الصدوق «2» في الثانية فهو و إن تضمّن عبد الكريم بن عمرو الّذي قال الشيخ في حقّه إنّه واقفي خبيث «3»، لكنّ الظاهر أنّ مراده خبث العقيدة لمكان الوقف من غير طعن في حديثه، فلا ينافي ما قاله النجاشي في حقّه من أنّه ثقة ثقة «4».

و أمّا من حيث الدلالة فهما صريحتان في الجواز إلّا أنّ الكلام في مقدار الاستثناء و ستعرفه.

(1) لإطلاق النص.

(2) إذ لا نظر في النص إلّا إلى الجواز من حيث الشرب دون سائر المنافيات.

______________________________
(1) الوسائل 7: 279/ أبواب قواطع الصلاة ب 23 ح 2، الفقيه 1: 313/ 1424.

(2) الفقيه 4 (المشيخة): 71.

(3) رجال الطوسي: 339/ 5051.

(4) رجال النجاشي: 245/ 645.

508
موسوعة الإمام الخوئي15

السادس: تعمد القهقهة ؛ ج 15، ص : 493

و الأحوط الاقتصار على الوتر المندوب و كذا على خصوص شرب الماء (1) فلا يلحق به الأكل و غيره، نعم الأقوى عدم الاقتصار على الوتر و لا على حال الدُّعاء فيلحق به مطلق النافلة و غير حال الدُّعاء (2) و إن كان الأحوط الاقتصار.

______________________________
(1) جموداً في الحكم المخالف للقاعدة على مورد النص و هو خصوص الوتر بل خصوص حال التشاغل بالدعاء المراد به على الظاهر القنوت المأتي به في مفردتها.

و لكنّ الشيخ «1» تعدّى إلى مطلق النافلة، نظراً إلى اختصاص دليل المنع و هو الإجماع بالفريضة، كما أنّ المحقِّق «2» أيضاً تعدّى إلى غير الدُّعاء من أحوال الوتر، للقطع بل الإجماع على إلغاء خصوصية المورد، و اعترض على ما ذهب إليه الشيخ من التعدِّي بأنّه لم يعلم أيّ إجماع أشار إليه بعد إطلاق معقده و النص لا يدل إلّا على الجواز في خصوص الوتر بقيود معيّنة لا ينبغي التعدِّي عنها، و هو في محلّه.

إلّا أن يقال: إنّ البطلان إنّما هو من أجل الإخلال بالموالاة، و هذا المقدار من الفصل لا يوجبه، فالنص مطابق للقاعدة. إذن فكما أنّ خصوصية الدُّعاء ملغاة فكذلك خصوصية الوترية، لوحدة المناط فيشمل الحكم جميع النوافل. و أمّا الإجماع فحيث إنّ المتيقن منه هو الفريضة فيختص المنع بها و يبقى غيرها تحت أصالة عدم المنع.

(2) كما عرفت.

______________________________
(1) المبسوط 1: 118، الخلاف 1: 413.

(2) المعتبر 2: 259، الشرائع 1: 110.

509
موسوعة الإمام الخوئي15

السادس: تعمد القهقهة ؛ ج 15، ص : 493

العاشر: تعمد قول آمين [1] (1)

______________________________
(1) على المشهور بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه.

و نسب إلى أبي الصلاح «1» و ابن الجنيد «2» القول بالجواز و إن لم نتحقّق النسبة كما نسب المحقِّق «3» القول بالكراهة إلى قائل مجهول.

و عن المحقِّق في المعتبر «4» اختصاص المنع بالمنفرد. و كيف ما كان، فالمتبع هو الدليل.

و يقع الكلام تارة: فيما تقتضيه القاعدة، و أُخرى: بالنظر إلى الروايات الخاصّة فهنا جهتان:

أمّا الجهة الأُولى: فالتأمين المبحوث عنه في المقام يتصوّر على أنحاء:

فتارة: يقصد به الجزئية كما قد تفعله جهلة العامّة و عوامّهم فان علماءهم يقصدون به الاستحباب و لا ريب حينئذ في البطلان، لكونه من الزيادة العمدية القادحة، سواء أتى به جهراً أم سراً، بعد الفاتحة أم في موضع آخر، إماماً كان أو مأموماً أو منفرداً، لاتِّحاد المناط في الكل.

و أُخرى: يقصد به الدُّعاء، أي طلب الإجابة بهذه الكلمة التي هي من أسماء الأفعال بمعنى استجب إمّا لما دعا هو بنفسه كما لو قصد عند قوله‌

______________________________
[1] يختص البطلان بما إذا قصد به الجزئيّة أو لم يقصد به الدُّعاء.

______________________________
(1) حكاه عنه في الجواهر 10: 2.

(2) حكاه عنه في الدروس 1: 174.

(3) الشرائع 1: 100.

(4) المعتبر 2: 186.

510
موسوعة الإمام الخوئي15

السادس: تعمد القهقهة ؛ ج 15، ص : 493

..........

______________________________
اهْدِنَا الصِّرٰاطَ الْمُسْتَقِيمَ القرآنية و الدُّعاء معاً، بناءً على جوازه كما تقدّم في محلّه «1»، أو لما دعا به غيره كما لو سمع وقتئذ من يدعو فأمّن، و لا ريب أيضاً في عدم البطلان في تمام الصور، لعدم الضير في الدُّعاء و المناجاة مع اللّٰه تعالى أثناء الصلاة، لما جاء في النص من أنّه «كلّ ما ذكرت اللّٰه عزّ و جلّ به و النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) فهو من الصلاة» «2».

و ثالثة: لا يقصد به شيئاً منهما، كما لو أمّن تبعاً للقوم جهلًا منه بالمعنى لكونه من غير العرب مثلًا، و اللّازم حينئذ هو الحكم بالبطلان، لكونه من كلام الآدميين بعد عدم صدق الدُّعاء عليه، لفقد القصد حسب الفرض.

و أمّا الجهة الثانية: فيستدل للمانعية بطائفة من الأخبار:

منها: صحيحة جميل عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد و فرغ من قراءتها، فقل أنت: الحمد للّٰه ربّ العالمين، و لا تقل آمين» «3».

بناءً على ظهور النهي في باب المركبات في الإرشاد إلى الفساد، و حيث إنّ ظاهرها بقرينة النهي عن التأمين كون الإمام من العامّة، فهي ناظرة إلى ما يفعلونه من الإتيان بقصد الجزئية أو الاستحباب و لا تدل على المانعية فيما إذا قصد به الدُّعاء. فهي إذن مطابقة لما قدّمناه من القاعدة التي مقتضاها كما عرفت عدم الفرق بين الإمام و المأموم و المنفرد، و لا بين مواضع الصلاة و حالاتها و إن كان مورد الصحيحة خصوص المأموم.

______________________________
(1) شرح العروة 14: 498.

(2) الوسائل 6: 426/ أبواب التسليم ب 4 ح 1.

(3) الوسائل 6: 67/ أبواب القراءة في الصلاة ب 17 ح 1.

511
موسوعة الإمام الخوئي15

السادس: تعمد القهقهة ؛ ج 15، ص : 493

..........

______________________________
نعم، لو سلّم دلالتها على المانعية المطلقة لزم الاقتصار على موردها و هو المأموم بعد القراءة، و أمّا الإمام و المنفرد أو المأموم في موضع آخر فلا مانع لهم من الإتيان به بقصد الدُّعاء، لقصور الصحيحة عن شمولها لهم.

و منها: رواية محمّد الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) أقول: إذا فرغت من فاتحة الكتاب آمين، قال: لا» «1» بالتقريب المتقدِّم، و موردها الإمام و المنفرد لقوله: «إذا فرغت ...» إلخ، و كأنّ القائل بالتعميم استند إليها بضميمة الصحيحة المتقدِّمة. و لكنّها ضعيفة السند بمحمّد بن سنان فلا يمكن التعويل عليها.

و منها: ما في حديث زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: و لا تقولنّ إذا فرغت من قراءتك آمين، فإن شئت قلت: الحمد للّٰه ربّ العالمين» «2».

و موردها خصوص الإمام أو المنفرد، و قد عبّر عنها بالمصححة في بعض الكلمات، و ليس كذلك، فان هذه الفقرة لم تكن في رواية زرارة المعتبرة، و إنّما ذكرت فيما رواه الصدوق «3» بإسناده عنه، و هو ضعيف لاشتماله على محمّد بن علي ماجيلويه، فالطريق المعتبر خال عن هذه الزيادة، و ما اشتمل عليها ضعيف السند، و قد أشار صاحب الوسائل إلى الطريقين في الباب الأوّل من أفعال الصلاة الحديث الخامس و السادس «4».

و منها: صحيحة معاوية بن وهب قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) أقول: آمين إذا قال الإمام غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضّٰالِّينَ، قال: هم‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 67/ أبواب القراءة في الصلاة ب 17 ح 3.

(2) الوسائل 6: 68/ أبواب القراءة في الصلاة ب 17 ح 4.

(3) علل الشرائع: 358.

(4) الوسائل 5: 463.

512
موسوعة الإمام الخوئي15

السادس: تعمد القهقهة ؛ ج 15، ص : 493

..........

______________________________
اليهود و النصارى و لم يجب في هذا»
«1».

و هي كصحيحة جميل خاصّة بالمأموم و بعد الفاتحة. و يظهر من الجواهر «2» أنّ الجملة الأخيرة من زيادة صاحب الوسائل.

و كيف ما كان، فيستشعر من السكوت و الاعراض عن الجواب و التعرّض للتفسير الظاهر في ابتنائه على التقيّة عدم الجواز، إذ لو كان جائزاً لصرّح به، و لم يكن وجه لما ذكر كما أشار إليه في الوسائل.

بل احتمل في الجواهر «3» أن يكون قوله: «هم اليهود و النصارى» هو الجواب إيعازاً إلى أنّ هذا من عملهم عند تلاوة إمامهم في صلاتهم، و تشنيعاً على العامّة المقتفين لأثرهم و إن لم يفهمه السائل و تخيّل أنّ هذا تفسير للآية لا جواب عن سؤاله، فتكون الدلالة على المنع أظهر.

و ربّما تعارض هذه النصوص بصحيحة أُخرى لجميل ظاهرة في الجواز و يجمع بينها بالحمل على الكراهة، قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب: آمين، قال: ما أحسنها و اخفض الصوت بها» «4».

بناءً على أنّ كلمة «ما» للتعجّب، و أنّ قوله: «و اخفض» إلخ، أمر من الإمام (عليه السلام) بخفض الصوت لدى التأمين، و لعلّها هي المستند لمن خصّ الجواز بالاسرار.

و أمّا بناءً على كون الكلمة نافية و أنّ قوله: «و اخفض ...» إلخ، من كلام‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 67/ أبواب القراءة في الصلاة ب 17 ح 2.

(2) الجواهر 10: 4.

(3) الجواهر 10: 4.

(4) الوسائل 6: 68/ أبواب القراءة في الصلاة ب 17 ح 5.

513
موسوعة الإمام الخوئي15

السادس: تعمد القهقهة ؛ ج 15، ص : 493

بعد تمام الفاتحة (1) لغير ضرورة،

______________________________
السائل أراد به أنّ الإمام (عليه السلام) أخفض صوته عند الجواب تقيّة. فهي إذن مطابقة للنصوص المتقدِّمة، و تخرج عن المعارضة إلى المعاضدة.

و لكن الاحتمال الأخير ضعيف، لأنّ خفض الصوت ثلاثي مجرّد و لم يعهد استعماله من باب الافعال، فلا يقال أخفض صوته، بل الصحيح خفض، و حيث إنّ الموجود في الصحيحة رباعي فيتعيّن كونه من كلام الإمام (عليه السلام) و أمراً منه بالخفض كما عرفت. فلا مناص من الإذعان بالمعارضة.

إلّا أنّ الجمع المزبور في غاية الضعف، ضرورة أنّ أقل مراتب الاستحسان الّذي دلّت عليه هذه الصحيحة هو الاستحباب و هو مضاد مع الكراهة، فكيف يمكن حمل تلك النصوص عليها. بل المتعيِّن في مقام الجمع هو الحمل على التقيّة لموافقتها للعامّة.

و المتحصِّل من جميع ما تقدّم: أنّ عمدة الدليل على المنع إنّما هي الصحيحة الأُولى لجميل، فان قلنا بانصرافها إلى ما هو المتعارف بين العامّة من الإتيان بقصد الجزئية فالحكم إذن مطابق للقاعدة، و مقتضاها عدم الفرق بين المأموم و غيره، و لا ما بعد الفاتحة أو موضع آخر.

و إن قلنا بدلالتها على المنع المطلق حتّى بقصد الدُّعاء، فحيث إنّه مخالف للقاعدة، فلا بدّ من الاقتصار على موردها. و على التقديرين «1» فيختص البطلان فيما إذا قصد به الجزئية أو لم يقصد به الدُّعاء كما أشار إليه سيِّدنا الأُستاذ (دام ظلّه) في تعليقته الأنيقة و اتّضح وجهه ممّا مرّ فلاحظ.

(1) لاختصاص النصوص بذلك.

______________________________
(1) [الصحيح أن يُقال: و على التقدير الأوّل و هو الظاهر ...].

514
موسوعة الإمام الخوئي15

السادس: تعمد القهقهة ؛ ج 15، ص : 493

من غير فرق بين الإجهار به و الإسرار، للإمام و المأموم و المنفرد (1)، و لا بأس به في غير المقام المزبور بقصد الدُّعاء (2)، كما لا بأس به مع السهو (3) و في حال الضرورة (4) بل قد يجب معها، و لو تركها أثم لكن تصح صلاته على الأقوى (5).

الحادي عشر: الشك في ركعات الثنائية و الثلاثية و الأُوليين من الرباعية على ما سيأتي (6).

الثاني عشر: زيادة جزء أو نقصانه عمداً إن لم يكن ركناً، و مطلقاً إن كان ركنا [1].

______________________________
(1) لاستفادة التعميم من مجموع النصوص، مضافاً إلى إطلاق معاقد الإجماعات.

(2) لأنّ ذلك هو مقتضى القاعدة مع عدم ورود نص على خلافها.

(3) لحديث لا تعاد الشامل بإطلاقه للموانع.

(4) لعموم أدلّة التقيّة التي مقتضاها صحّة العمل الموافق لها في مثل المقام.

(5) من غير فرق بين اعتقاد العامّة جزئية التأمين، كما لعلّه الشائع عند جهّالهم، أو عدمها كما يراه علماؤهم، إذ لا يستفاد من أدلّة التقيّة أكثر من الوجوب النفسي لا جزئية ما يتقى فيه ليستوجب فقده البطلان. و إن شئت قلت: غاية ما يترتّب في المقام على أدلّة التقيّة إنّما هو رفع المانعية لا قلبها إلى الجزئية.

(6) سيأتي الكلام فيه و فيما بعده مستوفى في مباحث الخلل إن شاء اللّٰه تعالى.

______________________________
[1] على تفصيل سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى.

515
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 40: لو شك بعد السلام في أنه هل أحدث في أثناء الصلاة أم لا ؛ ج 15، ص : 516

[مسألة 40: لو شكّ بعد السلام في أنّه هل أحدث في أثناء الصلاة أم لا]

[1741] مسألة 40: لو شكّ بعد السلام في أنّه هل أحدث في أثناء الصلاة أم لا، بنى على العدم و الصحّة (1).

[مسألة 41: لو علم بأنّه نامَ اختياراً و شكّ في أنّه هل أتمّ الصلاة ثمّ نام أو نام في أثنائها بنى على أنّه أتمّ ثمّ نام]

[1742] مسألة 41: لو علم بأنّه نامَ اختياراً و شكّ في أنّه هل أتمّ الصلاة ثمّ نام أو نام في أثنائها بنى على أنّه أتمّ ثمّ نام (2) [1] و أمّا إذا علم بأنّه غلبه النوم قهراً و شك في أنّه كان في أثناء الصلاة أو بعدها وجب

______________________________
(1) إمّا لاستصحاب الطهارة فيحكم بالصحّة بضمّ الوجدان إلى الأصل، أو لقاعدة الفراغ الحاكمة عليه حتّى في الموافقة له.

(2) لقاعدة الفراغ، و لكنّا ذكرنا في محلّه «1» أنّ مقتضى التعليل بالأذكرية و الأقربية إلى الحق الوارد في بعض نصوص الباب اختصاص القاعدة بموارد احتمال الغفلة و عدم شمولها لاحتمال الابطال العمدي «2» و الإخلال الاختياري.

و عليه فينبغي التفصيل في المقام و نظائره من سائر المبطلات كالتكلّم و الأكل و نحوهما، بين ما إذا كان النوم الاختياري المفروض في المسألة مقروناً باحتمال الابطال العمدي لغرض من الأغراض، و بين ما إذا لم يكن كما لو احتمل أنّه غفل عن كونه في الصلاة و من ثمّ نام اختياراً من دون احتمال التعمّد في ذلك فتجري القاعدة في الصورة الثانية دون الاولى، و حيث لا مؤمّن للصحّة فيها‌

______________________________
[1] هذا فيما إذا لم يحتمل إبطاله الصلاة متعمِّداً، و إلّا فالحكم بالصحّة محلّ إشكال بل منع.

______________________________
(1) مصباح الأُصول 3: 306، 309.

(2) هكذا كان (دام ظلّه) بانياً عليه سابقاً في مباحثه الفقهية و الأُصولية، و لكنّه عدل عنه أخيراً و بنى على الشمول لهما معاً كما صرّح به في الطبعة الأخيرة من تعليقته الأنيقة على المسألة السادسة و الخمسين من فروع العلم الإجمالي، و أوضحناه ثمة بنطاق واسع و بيان مشبع عند التعرّض لشرح هذه المسألة في شرح العروة 19/ المسألة 2189.

516
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 42: إذا كان في أثناء الصلاة في المسجد فرأى نجاسة فيه ؛ ج 15، ص : 517

عليه الإعادة، و كذا إذا رأى نفسه نائماً في السجدة و شكّ في أنّها السجدة الأخيرة من الصلاة أو سجدة الشكر بعد إتمام الصلاة و لا يجري قاعدة الفراغ في المقام (1).

[مسألة 42: إذا كان في أثناء الصلاة في المسجد فرأى نجاسة فيه]

[1743] مسألة 42: إذا كان في أثناء الصلاة في المسجد فرأى نجاسة فيه، فان كانت الإزالة موقوفة على قطع الصلاة أتمّها ثمّ أزال النجاسة (2) [1]

______________________________
فلا بدّ من الإعادة بقاعدة الاشتغال.

و التمسّك بأصالة عدم حدوث النوم في الصلاة كالتمسّك بقاعدة الصحّة التي يقتضيها ظاهر حال المسلم، كما ترى.

(1) لما عرفت آنفاً من اختصاص الجريان بما إذا كان الخلل المحتمل مستنداً إلى الغفلة فقط. و أمّا مع العلم بعدمها و احتمال الاستناد إلى موجب آخر كالنوم القهري في المقام فلا مجال لجريانها. و من ثمّ منعنا عن جريانها في موارد انحفاظ صورة العمل و استناد الصحّة إلى مجرّد المصادفة الواقعية، كما لو شكّ بعد التوضِّي بمائع معيّن في إطلاقه و إضافته، أو بعد الصلاة إلى جهة معيّنة في كونها القبلة و حيث لا تجري فالمتبع قاعدة الاشتغال حسبما عرفت.

(2) بل الأقوى التخيير بينهما، لما تقدّم في كتاب الطهارة «1» عند التعرّض لأحكام المساجد في المسألة الخامسة من فصل: وجوب إزالة النجاسة عن البدن، من أنّ دليل كل من حرمة قطع الفريضة و فوريّة الإزالة هو الإجماع و حيث إنّه دليل لبّي لا إطلاق له يشمل صورة المزاحمة مع الآخر، فالمرجع في‌

______________________________
[1] بل يتخيّر بينه و بين القطع للإزالة كما تقدّم.

______________________________
(1) شرح العروة 3: 266.

517
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 43: ربما يقال بجواز البكاء على سيد الشهداء(أرواحنا فداه) في حال الصلاة ؛ ج 15، ص : 518

و إن أمكنت بدونه بأن لم يستلزم الاستدبار و لم يكن فعلًا كثيراً موجباً لمحو الصورة وجبت الإزالة ثمّ البناء على صلاته (1).

[مسألة 43: ربّما يُقال بجواز البكاء على سيِّد الشُّهداء (أرواحنا فداه) في حال الصلاة]

[1744] مسألة 43: ربّما يُقال بجواز البكاء على سيِّد الشُّهداء (أرواحنا فداه) في حال الصلاة و هو مشكل [1] (2).

______________________________
موردها أصالة البراءة عن كل منهما و نتيجتها التخيير بين الأمرين. هذا، و لو بنينا على عدم حرمة القطع من أصله فالأمر واضح.

(1) كما ورد نظيره في غسل الثوب المتنجِّس حال الصلاة.

(2) مورد الاشكال ما لو كان البكاء لمجرّد عظم المصيبة في نفسها مع الغض عمّا يترتّب عليها، لاحتمال كونه حينئذ مشمولًا لقوله: «و إن ذكر ميتاً له ...» إلخ، الوارد في نصوص مبطلية البكاء كما تقدّم «1».

و أمّا البكاء لما يترتّب على مصيبته و استشهاده (عليه السلام) من حصول ثلمة لا تنجبر في الدين و ضعف، بل تضعضع في أركان الإسلام و المسلمين فضلًا عن المثوبات الأُخرويّة المترتّبة في الأخبار على البكاء عليه (عليه السلام) بحيث يرجع الكل إلى العبادة و قصد القربة و البكاء لأمر أُخروي لا دنيوي، فلا ينبغي الإشكال في جوازه، و إن كان الاحتياط بالتأخير إلى خارج الصلاة ممّا لا ينبغي تركه.

______________________________
[1] أظهره الجواز فيما إذا قصد به التقرّب إلى اللّٰه، و الأحوط تأخيره إلى خارج الصلاة.

______________________________
(1) في ص 497.

518
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 44: إذا أتى بفعل كثير أو بسكوت طويل و شك في بقاء صورة الصلاة و محوها معه ؛ ج 15، ص : 519

[مسألة 44: إذا أتى بفعل كثير أو بسكوت طويل و شكّ في بقاء صورة الصلاة و محوها معه]

[1745] مسألة 44: إذا أتى بفعل كثير أو بسكوت طويل و شكّ في بقاء صورة الصلاة و محوها معه، فلا يبعد البناء على البقاء [1] لكنّ الأحوط الإعادة بعد الإتمام (1).

______________________________
(1) تقدّم
«1» الكلام حول كبرى هذه المسألة و عرفت أنّ المستند في مانعية الفعل الكثير الماحي تارة يكون هو الإجماع، و أُخرى فوات الموالاة.

فعلى الأوّل: لا مانع في فرض الشك من التمسّك بأصالة عدم وجود المانع فتحرز صحّة الصلاة بضمّ الوجدان إلى الأصل.

و على الثاني: أي البناء على أنّ للصلاة بمقتضى ارتكاز المتشرِّعة المعتضد بما يتحصّل من تضاعيف النصوص هيئة اتِّصالية مبنية على موالاة ملحوظة بين أجزائها يتقوّم العمل بها و يستوجب فقدها عدم التحاق لاحقها بسابقها حسبما صرّح به الشهيد «2» في الأذان من أنّ انفصال بعض أجزائه عن بعض يوجب سلب العنوان نظير الإيجاب و القبول المركب منهما العقد و غير ذلك من سائر الموارد، فاذا شكّ في أنّ الفعل الكثير أو السكوت الطويل أوجب الإخلال بالموالاة المزبورة إمّا بشبهة حكمية أو موضوعية فالحكم بالصحّة حينئذ استناداً إلى الاستصحاب حسبما يظهر من الماتن (قدس سره) في غاية الإشكال سواء أُريد به استصحاب بقاء الهيئة الاتِّصالية أو بقاء الصورة و الموالاة العرفية أو عدم وجود الماحي، إذ لا يترتّب على شي‌ء من ذلك التحاق الأجزاء اللّاحقة و اتِّصالها بالسابقة و تحقّق ماهية الصلاة إلّا على سبيل الأصل المثبت.

______________________________
[1] فيه اشكال فلا يترك الاحتياط بالإعادة إذا أتمّها، و الأظهر جواز القطع حينئذٍ.

______________________________
(1) في ص 501.

(2) الذكرى 3: 210.

519
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 44: إذا أتى بفعل كثير أو بسكوت طويل و شك في بقاء صورة الصلاة و محوها معه ؛ ج 15، ص : 519

..........

______________________________
و الحاصل: أنّه على هذا المبنى لم يعتبر عدم الفعل الكثير أو عدم الماحي بنحو الاستقلال حتّى يحرز ذلك بالأصل كما في الشك في الطهارة و نحوها من القيود الوجودية أو العدمية. و إنّما اعتبر ذلك من أجل اعتبار الاتِّصال بين الأجزاء، و قد عرفت أنّ الأصل المزبور لا يثبته.

نعم، لو قلنا بجريان الاستصحاب التعليقي حتّى في الموضوعات الخارجية أمكن الحكم بالصحّة بأن يقال: إنّا لو أتينا بالأجزاء اللّاحقة قبل عروض هذه الحالة لالتحقت و انضمّت و الآن كما كان، و لكنّه فرض في فرض إذ لا نقول بحجّيّته، و على القول بها تختص بالأحكام دون الموضوعات.

و أمّا التمسّك في المقام بأصالة البراءة فلا يخلو عن غرابة، لعدم احتمال اعتبار التوالي في نفسه، و إنّما هو من أجل دخله في انضمام الأجزاء و تأليف الصلاة منها فلدى الشك يكون المتبع أصالة الاشتغال بعد عدم وجود مؤمّن لتفريغ الذمّة عمّا اشتغلت به.

و من جميع ما ذكرناه تعرف: أنّه لا مانع من قطع الصلاة حينئذ و رفع اليد عنها، لاختصاص دليل حرمة القطع على تقدير تماميّته بما إذا تمكن المصلِّي من إتمام الصلاة و الاقتصار عليها في مقام الامتثال، و هو غير متحقِّق في المقام.

520
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في المكروهات في الصلاة ؛ ج 15، ص : 521

[فصل في المكروهات في الصلاة]

فصل في المكروهات في الصلاة و هي أُمور:

الأوّل: الالتفات بالوجه قليلًا، بل و بالعين و بالقلب. الثاني: العبث باللّحية أو بغيرها كاليد و نحوها. الثالث: القرآن بين السورتين على الأقوى، و إن كان الأحوط الترك. الرابع: عقص الرجل شعره و هو جمعه و جعله في وسط الرأس و شدّه أوليّة و إدخال أطرافه في أُصوله أو ضفره و ليّه على الرأس أو ضفره و جعله كالكبة في مقدّم الرأس على الجبهة، و الأحوط ترك الكل بل يجب ترك الأخير في ضفر الشعر حال السجدة. الخامس: نفخ موضع السجود. السادس: البصاق. السابع: فرقعة الأصابع أي نقضها. الثامن: التمطي. التاسع: التثاؤب. العاشر: الأنين. الحادي عشر: التأوّه. الثاني عشر: مدافعة البول و الغائط، بل و الرِّيح. الثالث عشر: مدافعة النوم ففي الصحيح «لا تقم إلى الصلاة متكاسلًا و لا متناعساً و لا متثاقلًا». الرابع عشر: الامتخاط. الخامس عشر: الصفد في القيام أي الأقران بين القدمين معاً كأنّهما في قيد. السادس عشر: وضع اليد على الخاصرة. السابع عشر: تشبيك الأصابع. الثامن عشر: تغميض البصر. التاسع عشر: لبس الخف أو الجورب الضيّق الّذي يضغطه. العشرون: حديث النفس. الحادي و العشرون: قصّ الظفر و الأخذ من الشعر و العض عليه. الثاني و العشرون: النظر إلى نقش الخاتم و المصحف و الكتاب، و قراءته. الثالث و العشرون: التورّك بمعنى وضع اليد

521
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 1: لا بد للمصلي من اجتناب موانع قبول الصلاة ؛ ج 15، ص : 522

عن الورك معتمداً عليه حال القيام. الرابع و العشرون: الإنصات في أثناء القراءة أو الذكر ليسمع ما يقوله القائل. الخامس و العشرون: كل ما ينافي الخشوع المطلوب في الصلاة.

[مسألة 1: لا بدّ للمصلِّي من اجتناب موانع قبول الصلاة]

[1746] مسألة 1: لا بدّ للمصلِّي من اجتناب موانع قبول الصلاة كالعجب و الدلال و منع الزكاة و النشوز و الإباق و الحسد و الكبر و الغيبة و أكل الحرام و شرب المسكر، بل جميع المعاصي لقوله تعالى إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ.

[مسألة 2: قد نطقت الأخبار بجواز جملة من الأفعال في الصلاة]

[1747] مسألة 2: قد نطقت الأخبار بجواز جملة من الأفعال في الصلاة، و أنّها لا تبطل بها، لكن من المعلوم أنّ الأولى الاقتصار على صورة الحاجة و الضرورة و لو العرفية. و هي: عدّ الصلاة بالخاتم و الحصى بأخذها بيده، و تسوية الحصى في موضع السجود، و مسح التراب عن الجبهة، و نفخ موضع السجود إذا لم يظهر منه حرفان، و ضرب الحائط أو الفخذ باليد لإعلام الغير أو إيقاظ النائم، و صفق اليدين لإعلام الغير، و الإيماء لذلك و رمي الكلب و غيره بالحجر، و مناولة العصي للغير، و حمل الصبي و إرضاعه و حكّ الجسد، و التقدّم بخطوة أو خطوتين، و قتل الحيّة و العقرب و البرغوث و البقّة و القملة و دفنها في الحصى، و حك خرء الطير من الثوب، و قطع الثواليل، و مسح الدماميل، و مسّ الفرج، و نزع السن المتحرِّك، و رفع القلنسوة و وضعها، و رفع اليدين من الركوع أو السجود لحكّ الجسد، و إدارة السبحة، و رفع الطرف إلى السماء، و حكّ النخامة من المسجد، و غسل الثوب أو البدن من القي‌ء و الرعاف.

522
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في حكم قطع الصلاة ؛ ج 15، ص : 523

[فصل في حكم قطع الصلاة]

فصل [في حكم قطع الصلاة] لا يجوز قطع صلاة الفريضة اختياراً [1] (1) و الأحوط عدم قطع النافلة أيضاً و إن كان الأقوى جوازه، و يجوز قطع الفريضة لحفظ مال، و لدفع ضرر مالي أو بدني كالقطع لأخذ العبد من الإباق، أو الغريم من الفرار، أو الدابة من الشراد و نحو ذلك، و قد يجب كما إذا توقف حفظ نفسه أو حفظ نفس محترمة، أو حفظ مال يجب حفظه شرعاً عليه. و قد يستحب كما إذا توقف حفظ مال مستحب الحفظ عليه، و كقطعها عند نسيان الأذان و الإقامة إذا تذكر قبل الركوع، و قد يجوز كدفع الضرر المالي الّذي لا يضرّه تلفه و لا يبعد كراهته لدفع ضرر مالي يسير [2]،

______________________________
(1) على المشهور و لا سيّما بين المتأخِّرين، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه، بل عدّه في شرح المفاتيح
«1» من بديهيّات الدين.

و لكن دعوى الإجماع التعبّدي في مثل هذه المسألة المعلوم مداركها و يطمأن استناد المجمعين إليها، و لا أقل من احتماله، كما ترى. على أنّ صغرى الإجماع‌

______________________________
[1] على الأحوط.

[2] في الحكم بالكراهة إشكال.

______________________________
(1) حكاه عنه في مفتاح الكرامة 3: 45 السطر 16.

523
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في حكم قطع الصلاة ؛ ج 15، ص : 523

..........

______________________________
و الاتِّفاق ممنوعة، لذهاب بعضهم إلى جواز القطع كما حكاه في الحدائق
«1» عن بعض معاصريه، و عليه فلا بدّ من النظر في الوجوه التي استدلّ بها القائل بالتحريم.

فمنها: ما نسب إلى العلّامة «2» من أنّ إتمام الفريضة واجب فقطعها حرام لتوقفه على عدمه.

و فيه: أنّه إن أُريد من الإتمام لزوم الإتيان ببقية الأجزاء فهو حق لكنّه غير متوقف على إتمام هذا الفرد، لجواز الإتيان بالطبيعي المأمور به في ضمن فرد آخر، فهو مخيّر بين الإتمام و الاستئناف كما هو الشأن في كل أمر متعلِّق بالطبيعي من غير فرق بين التعبّدي و التوصلي من التخيير في التطبيق على أيّ فرد شاء ما لم ينهض على خلافه دليل بالخصوص.

و إن أُريد به إتمام هذا الفرد بخصوصه بحيث تكون الصلاة كالحج في لزوم الإتمام بمجرّد الشروع فهو عين الدعوى و أوّل الكلام.

و منها: قوله تعالى وَ لٰا تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ «3» خرج ما خرج بالدليل و يبقى الباقي و منه الصلاة تحت الإطلاق.

و فيه: أنّ الإبطال الّذي هو من باب الإفعال ظاهر في إيجاد المبطل و إحداثه بعد اتِّصاف العمل بالصحّة المنوط بإتمامه و الفراغ عنه نظير قوله تعالى لٰا تُبْطِلُوا صَدَقٰاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذىٰ «4» فالمراد النهي عن ارتكاب ما يستوجب‌

______________________________
(1) الحدائق 9: 101.

(2) حكاه عنه في الحدائق 9: 101.

(3) محمّد (صلّى اللّٰه عليه و آله) 47: 33.

(4) البقرة 2: 264.

524
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في حكم قطع الصلاة ؛ ج 15، ص : 523

..........

______________________________
الإبطال بعد الإتمام الّذي من أظهر مصاديقه الكفر و الارتداد، و لا نظر فيها إلى الإبطال في الأثناء، كيف و لازمه ارتكاب تخصيص الأكثر المستهجن، لجواز ذلك في عامّة الواجبات و المستحبّات التعبّدية و التوصّلية إلّا ما شذّ كالحجّ و الصّوم و الصّلاة على المشهور.

و منها: ما في جملة من النصوص من أنّ «تحريمها التكبير و تحليلها التسليم» «1».

و فيه: بعد الغض عمّا في أسناد هذه الطائفة من الخدش على ما تقدّم سابقاً «2»، و إنّما المعتبر ما تضمن التعبير ب‍ «الافتتاح و الاختتام» و من ثمّ يعبّر عن هذه التكبيرة في لسان الروايات بتكبيرة الافتتاح، و أمّا التعبير بتكبيرة الإحرام فهو اصطلاح خاص بالفقهاء.

أنّ مبنى الاستدلال على إرادة التحريم و التحليل التكليفيين و هو ممنوع، بل المراد الوضعي منهما بشهادة شمولها للنافلة، و لا حرمة فيها بالضرورة.

و منها: ما في بعض نصوص كثير الشك من قوله (عليه السلام): «لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه» «3» حيث يظهر منها النهي عن النقض الظاهر في الحرمة.

و فيه: أنّ المنهي عنه لم يكن مجرّد النقض، بل تعويد الخبيث منه بإكثاره الكاشف عن إطاعته و الركون إلى ميوله و تسويلاته، و من ثمّ يسري الحكم إلى النافلة و الوضوء و غيرهما ممّا لا ريب في جواز قطعه. بل يمكن أن يقال: إنّها على خلاف المطلوب أدل، لكشفها عن جواز النقض في حد نفسه و إلّا لكان النهي عنه أولى من النهي عن التعويد المزبور.

______________________________
(1) الوسائل 6: 415/ أبواب التسليم ب 1، ح 1، 8.

(2) في ص 296.

(3) الوسائل 8: 228/ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 2.

525
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في حكم قطع الصلاة ؛ ج 15، ص : 523

..........

______________________________
و على الجملة: إن لم تكن الصحيحة دالّة على الجواز فلا ريب في عدم دلالتها على عدم الجواز.

و منها: النصوص الآمرة بالمضي في الصلاة و عدم قطعها لدى عروض بعض الأُمور من رعاف و نحوه، كصحيحة معاوية بن وهب قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الرعاف أ ينقض الوضوء؟ قال (عليه السلام): لو أنّ رجلًا رعف في صلاته و كان عنده ماء أو من يشير إليه بماء فتناوله فقال (فمال) برأسه فغسله فليبن على صلاته و لا يقطعها» «1».

و فيه: أنّها ظاهرة في الحكم الوضعي لا التكليفي، حيث إنّها ناظرة إلى الإرشاد إلى صحّة الصلاة و عدم لزوم استئنافها لا في وجوب البناء تعبّداً.

و بعبارة أُخرى: أنّها واردة موقع توهّم الحظر، لما قد يتوهّم البطلان من غسل دم الرعاف، فأمر بالإتمام دفعاً لهذا الإيهام، فلا يدل إلّا على الجواز.

و منها: النصوص الناهية عن ارتكاب المنافيات أثناء الصلاة.

و فيه: ما لا يخفى، بل لعل هذا أردأ الوجوه، لما هو الموضح في محلّه من كون النواهي في باب المركبات كالأوامر إرشاداً إلى المانعية أو الجزئية أو الشرطية، من غير أن يتضمّن تكليفاً نفسياً بوجه.

و منها: النصوص التي علّق فيها جواز القطع بموارد الضرورة التي عمدتها صحيحة حريز المرويّة في الفقيه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاماً لك قد أبق أو غريماً لك عليه مال، أو حيّة تتخوّفها على نفسك فاقطع الصلاة، و اتبع غلامك أو غريمك، و اقتل الحيّة» «2»

______________________________
(1) الوسائل 7: 241/ أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 11.

(2) الوسائل 7: 276/ أبواب قواطع الصلاة ب 21 ح 1، الفقيه 1: 242/ 1073.

526
موسوعة الإمام الخوئي15

فصل في حكم قطع الصلاة ؛ ج 15، ص : 523

..........

______________________________
و رواها الكليني و الشيخ أيضاً مرسلًا
«1»، فإنّه من البديهي عدم كون الأمر بالقطع للوجوب، بل لمجرّد الترخيص، و مقتضى تعليقه على الضرورة بمقتضى القضيّة الشرطية عدم الجواز بدونها.

و فيه: أنّ القضيّة مسوقة لبيان تحقّق الموضوع فلا مفهوم لها، إذ الشرط هو الكون في الفريضة، و عدم القطع لدى انتفائه من باب السالبة بانتفاء الموضوع كما أنّ الجزاء هو القطع لاتباع الغلام أو الغريم أو قتل الحيّة لا مطلق القطع فاذا كان في الصلاة و لم يكن شي‌ء من ذلك فانتفاء الجزاء حينئذ أيضاً كذلك أي سالبة بانتفاء الموضوع فلم ينعقد مفهوم لهذه القضيّة بوجه «2».

و منه تعرف الجواب عن موثقة سماعة قال: «سألته عن الرجل يكون قائماً في الصلاة الفريضة فينسى كيسه أو متاعاً يتخوّف ضيعته أو هلاكه، قال: يقطع صلاته و يحرز متاعه ثمّ يستقبل الصلاة، قلت فيكون في الفريضة فتغلب عليه دابة أو تغلب دابته فيخاف أن تذهب أو يصيب فيها عنت، فقال: لا بأس بأن يقطع صلاته و يتحرّز و يعود إلى صلاته» «3».

على أنّه يمكن أن يراد بالقطع هنا مجرّد رفع اليد موقتاً بقرينة قوله (عليه السلام) في الذيل «و يعود إلى صلاته» فتكون حينئذ أجنبية عمّا نحن فيه، و لكن يأباه التعبير بالاستقبال في صدر الموثقة.

و المتحصِّل من جميع ما مرّ: ضعف هذه الوجوه بالأسر، ما عدا الإجماع‌

______________________________
(1) الكافي 3: 367/ 5، التهذيب 2: 331/ 1361.

(2) أضف إلى ذلك: أنّ الرواية حيث لا يحتمل تعدّدها بأن يرويها حريز تارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) بلا واسطة كما في الفقيه، و أُخرى معها كما في الكافي و التهذيب، فلا جرم يتطرّق فيها احتمال الإرسال فتسقط عن صلاحية الاستدلال.

(3) الوسائل 7: 277/ أبواب قواطع الصلاة ب 21 ح 2. و في المصدر: فتفلت بدل فتغلب.

527
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 1: الأحوط عدم قطع النافلة المنذورة ؛ ج 15، ص : 528

و على هذا فينقسم إلى الأقسام الخمسة (1).

[مسألة 1: الأحوط عدم قطع النافلة المنذورة]

[1748] مسألة 1: الأحوط عدم قطع النافلة المنذورة (2) [1] إذا لم تكن

______________________________
لو تمّ فيقتصر حينئذ على المقدار المتيقن و هو غير مورد الضرورة بالضرورة فإنّه لا شبهة في جواز القطع حينئذ من غير حاجة إلى التماس دليل خاص لكفاية الأدلّة العامّة مثل حديث الرفع، فالحرمة على تقدير ثبوتها مرفوعة بالحديث.

على أنّ جل المجمعين قد صرّحوا بالجواز إمّا بعنوان الضرورة كما عن بعض أو العذر كما عن آخر، أو لحاجة دنيويّة أو أُخروية كما عن ثالث، و الكل يشير إلى قصور الإجماع على اختلاف تعابيرهم فلا يحرم القطع حينئذ قطعاً، بل قد يجب، و من ثمّ يقسم إلى الأحكام الخمسة حسب اختلاف الموارد كما أُشير إليها في المتن.

(1) هذا وجيه لو كان المستند لحرمة القطع هو الإجماع، إذ المتيقن منه هو القطع لمجرّد هوى النفس فيبقى غيره مشمولًا للأقسام المزبورة، ما عدا الكراهة لدفع ضرر مالي كما مثّل به في المتن فانّ في الحكم بالكراهة المصطلحة إشكالًا كما لا يخفى.

و أمّا لو كان المستند مفهوم صحيحة حريز «1» فمقتضاها عدم الجواز إلّا في موارد الضرورة من الأمثلة المذكورة فيها، فلا يجوز القطع في غيرها فضلًا عن أن يكون مستحبّاً.

(2) أمّا النافلة في نفسها، فلا إشكال في جواز قطعها، لقصور المقتضي‌

______________________________
[1] و إن كان الأظهر جواز قطعها.

______________________________
(1) الوسائل 7: 276/ أبواب قواطع الصلاة ب 21 ح 1.

528
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: إذا كان في أثناء الصلاة فرأى نجاسة في المسجد أو حدثت نجاسة فالظاهر عدم جواز قطع الصلاة لإزالتها ؛ ج 15، ص : 529

منذورة بالخصوص بأن نذر إتيان نافلة فشرع في صلاة بعنوان الوفاء لذلك النذر، و أما إذا نذر نافلة مخصوصة فلا يجوز قطعها قطعاً.

[مسألة 2: إذا كان في أثناء الصلاة فرأى نجاسة في المسجد أو حدثت نجاسة فالظاهر عدم جواز قطع الصلاة لإزالتها]

[1749] مسألة 2: إذا كان في أثناء الصلاة فرأى نجاسة في المسجد أو حدثت نجاسة فالظاهر عدم جواز قطع الصلاة لإزالتها، لأنّ دليل فورية الإزالة قاصر الشمول عن مثل المقام (1) [1]،

______________________________
فانّ الدليل على الحرمة إن كان صحيحة حريز فهي خاصّة بالفريضة و إن كان الإجماع فكذلك، لتصريح كثير من الفقهاء بجواز قطع النافلة.

و أمّا النافلة المنذورة، فتارة يكون المنذور حصّة خاصّة منها كصلاة ركعتين بعد الفراغ من صلاة الظهر مباشرة، و أُخرى طبيعي النافلة.

أمّا في الأوّل: فلا شبهة في حرمة القطع، لا من أجل حرمة قطع الصلاة بل من أجل وجوب الوفاء بالنذر، لامتناع التدارك لو قطع، فيحرم في خصوص المقام لمكان الحنث حتّى لو بنينا على جواز قطع الفريضة. و هذا لعلّه واضح غايته و هو خارج عن محلّ الكلام، إذ الكلام في حرمة قطع النافلة بما أنّها صلاة لا بما أنّه مخالفة للنذر.

و أمّا في الثاني: فقد احتاط الماتن بعدم القطع أيضاً. و لكنّه غير واضح لانصراف الفريضة في صحيحة حريز إلى ما كانت كذلك ذاتاً فلا تشمل الواجب بالعرض، كما أنّ المتيقن من الإجماع ذلك. فالأظهر جواز القطع و إن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه.

(1) إذ الدليل المزبور هو الإجماع و القدر المتيقن منه غير صورة المزاحمة مع‌

______________________________
[1] نعم، إلّا أنّ دليل حرمة القطع كذلك، فالأقوى هو التخيير كما تقدّم.

529
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 2: إذا كان في أثناء الصلاة فرأى نجاسة في المسجد أو حدثت نجاسة فالظاهر عدم جواز قطع الصلاة لإزالتها ؛ ج 15، ص : 529

هذا في سعة الوقت، و أما في الضيق فلا إشكال (1).

نعم، لو كان الوقت موسعاً و كان بحيث لولا المبادرة إلى الإزالة فاتت القدرة عليها فالظاهر وجوب القطع (2).

______________________________
حرمة قطع الصلاة فلا يشمل المقام.

لكنّك خبير بأن دليل حرمة القطع أيضاً هو الإجماع و القدر المتيقن منه غير صورة المزاحمة مع فورية الإزالة، و نتيجة ذلك هو التخيير بين الأمرين كما مرّت الإشارة إليه في المسألة الثانية و الأربعين من الفصل السابق «1» إلّا إذا لزم من عدم المبادرة إلى الإزالة فوت القدرة عليها، فإنّه يجب القطع حينئذ لحكم العقل بلزوم حفظ القدرة كي لا يفوته المأمور به على ما هو الشأن في كافة الواجبات الموسعة حيث يستقل العقل بلزوم البدار إليها أوّل وقتها لدى العلم بفواتها مع التأخير.

(1) فإنّه إن تمكّن من الإزالة بعد الصلاة فلا إشكال في وجوب الإتمام لأهمّية الوقت بلا كلام، و إن لم يتمكن، فان تمكن من الإزالة حال الاشتغال بالصلاة من غير إخلال بشي‌ء من الأجزاء أو الشرائط تعيّن ذلك لفقد المزاحمة حينئذ، بل و كذا لو أخلّ، لأهمّية الإزالة من بعضها كما لا يخفى.

و إن لم يتمكن بحيث وقعت المزاحمة بين الإزالة و بين أصل الصلاة قدّم الثاني بلا إشكال فإنّها لا تسقط بحال، إلّا إذا أدرك ركعة من الوقت فإنّ الإزالة تتقدّم حينئذ لعدم المزاحمة بعد التوسعة المستفادة من حديث من أدرك.

(2) كما عرفت.

______________________________
(1) في ص 517.

530
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 3: إذا توقف أداء الدين المطالب به على قطعها فالظاهر وجوبه في سعة الوقت ؛ ج 15، ص : 531

[مسألة 3: إذا توقّف أداء الدّين المطالَب به على قطعها فالظاهر وجوبه في سعة الوقت]

[1750] مسألة 3: إذا توقّف أداء الدّين المطالَب به على قطعها فالظاهر وجوبه في سعة الوقت (1) لا في الضيق (2) و يحتمل في الضيق وجوب الاقدام على الأداء متشاغلًا بالصلاة (3).

[مسألة 4: في موارد وجوب القطع إذا تركه و اشتغل بها فالظاهر الصحّة]

[1751] مسألة 4: في موارد وجوب القطع إذا تركه و اشتغل بها فالظاهر الصحّة (4) و إن كان آثماً في ترك الواجب، لكن الأحوط الإعادة خصوصاً في صورة توقف دفع الضرر الواجب عليه (5).

______________________________
(1) لإطلاق دليل وجوب الأداء الشامل لحال الصلاة، بخلاف دليل حرمة القطع فإنّه الإجماع و لا إطلاق له فيقتصر على المتيقن منه و هو غير المقام.

(2) لوضوح أنّ الصلاة لا تسقط بحال.

(3) و إن استلزم فوات بعض الأجزاء أو الشرائط، لأنّ أداء الدين أهم من ذلك الجزء أو الشرط المزاحم معه.

هذا فيما إذا ضاق الوقت حتّى عن إدراك الركعة، و إلّا تعيّن القطع، إذ لا مزاحمة بعد تمكنه من امتثال كلا التكليفين ببركة حديث من أدرك.

(4) إذ بعد أن لم يكن الأمر بالقطع مقتضياً للنهي عن ضدّه الخاص و هو الإتمام لم يكن مانع من تعلّق الأمر به و لو بنحو الخطاب الترتبي، كما في نظائر المقام، غايته ارتكاب الإثم في ترك الواجب الأهم.

(5) ربّما يورد عليه بانحصار القطع الواجب في هذه الصورة فما هو معنى الخصوصية؟

و هو عجيب، لبداهة منع الانحصار، فان من موارده القطع لأداء الدين الّذي تقدّم البحث عنه في المسألة السابقة. نعم، يتوجّه على ما في المتن السؤال‌

531
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 4: في موارد وجوب القطع إذا تركه و اشتغل بها فالظاهر الصحة ؛ ج 15، ص : 531

..........

______________________________
عن الخصوصية المنظورة لهذه الصورة، فانّا إذا صحّحنا الخطاب الترتبي كما هو الأظهر صحّت الصلاة في جميع الصور و إلّا لم تصح في شي‌ء منها، فما هو الوجه في تخصيص هذه الصورة بالذكر.

و ربّما يوجه بتوقف دفع الضرر على عنوان القطع، فاذا وجب امتنع الأمر بالتمام و لو بنحو الترتّب، لأنّهما من الضدّين اللّذين لا ثالث لهما، و لا موقع للترتّب في مثل ذلك كما لا يخفى.

و يندفع أوّلًا: بمنع وجوب القطع بعنوانه، بل الّذي يكون موجباً لدفع الضرر إنّما هو سببه من التكلّم أو المشي أو الاستدبار و نحوها من المنافيات فهو الواجب مقدّمة لدفع الضرر من إنقاذ غريق أو إطفاء حريق و ما شاكلهما لا القطع بما هو قطع، و من ثمّ لو قطع و لم يأت بها لم ينفع، كما أنّه لو أتى بها كفى و إن لم يكن متشاغلًا بالصلاة ليحتاج إلى القطع.

فاذا كان الواجب تلك المنافيات كان المقام من الضدّين اللّذين لهما ثالث فيؤمر بالإتمام على تقدير عصيان الأمر بما يحصل به القطع لدفع الضرر، ضرورة أنّ هذا العاصي قد يتم و قد لا يتم كما هو واضح.

و ثانياً: أنّ هذا لو تمّ لعمّ و شمل جميع موارد القطع الواجب من غير اختصاص بدفع الضرر، لوحدة المناط كما لا يخفى.

و ملخّص الكلام: أنّ الواجب إن كان هو القطع بعنوانه لم يمكن تصحيح الصلاة حتّى بعنوان الترتّب، و إن كان ما به يحصل القطع أمكن التصحيح بالخطاب الترتبي، لكون الضدّين ممّا لهما ثالث في الثاني دون الأوّل، من غير فرق في كلتا الصورتين بين مورد و مورد، لاتِّحاد المناط في الكل، فما في المتن من تخصيص تلك الصورة بالذكر غير واضح.

532
موسوعة الإمام الخوئي15

مسألة 5: يستحب أن يقول حين إرادة القطع في موضع الرخصة أو الوجوب ؛ ج 15، ص : 533

[مسألة 5: يُستحب أن يقول حين إرادة القطع في موضع الرخصة أو الوجوب]

[1752] مسألة 5: يُستحب أن يقول حين إرادة القطع في موضع الرخصة أو الوجوب: «السلام عليك أيُّها النبيّ و رحمة اللّٰه و بركاته» (1).

______________________________
(1) هذا غير واضح، لعدم ورود رواية تدل على الاستحباب و لو ضعيفة و لو أُريد التمسّك بعموم «تحليلها التسليم» بدعوى شمولها حتّى لأثناء الصلاة
ففيه أوّلًا: أنّ تلك النصوص ضعيفة السند بأجمعها كما مرّ «1».

و ثانياً: أنّها ناظرة إلى التحليل الوضعي، و أنّ الصلاة لا تبطل بارتكاب المنافي بعد التسليم و تبطل قبله، لا التكليفي ليتوهّم عدم حلِّيّة المنافيات إلّا بالتسليم.

و ثالثاً: لو سلّم فهي خاصّة بالتحليل في الصلاة التامّة دون الناقصة.

و رابعاً: أنّ المراد فيها هو أحد التسليمين الأخيرين على ما تقدّم في محلّه «2» لا التسليم على النبيّ الّذي هو من توابع التشهّد. فما أُفيد في المتن لا يمكن المساعدة عليه بوجه.

هذا ما أردنا إيراده في هذا الجزء و يليه الجزء الخامس مبتدءاً ب‍ (فصل في صلاة الآيات) و الحمد للّٰه أوّلًا و آخراً و ظاهراً و باطناً و صلّى اللّٰه على سيِّدنا و نبيّنا محمّد و آله الطيبين الطاهرين.

و كان الفراغ في اليوم التاسع من شهر رجب سنة 1389 هجرية في جوار القبّة العلوية على مشرفها آلاف التحيّة.

______________________________
(1) في ص 296.

(2) في ص 325.

 

533