مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الجزء العاشر
الجزء العاشر
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
3
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
كتاب الخمس ج 10 ص 5
كتاب الخمس
و هو في الاصطلاح: حقّ ماليّ ثبت لبني هاشم بالأصل.
و الأخير لإخراج المنذور لهم و الموقوف عليهم.
و زيادة قيد العوض عن الزكاة- كما في بعض العبارات- أو في مال مخصوص أو الغنائم- كما في آخرين- لبيان الواقع، و إلّا فهو غير محتاج إليه، بل قد يكون الأخير مخلّا.
و هو ثابت بالكتاب، و السنّة، و الإجماع.
و الكلام فيه يقع في مقاصد
5
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المقصد الأول فيما يجب فيه الخمس ج 10 ص 7
المقصد الأول فيما يجب فيه الخمس
و فيه مسائل
7
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الأولى ج 10 ص 9
المسألة الأولى:
اعلم أنّ الأصل وجوب الخمس في جميع ما يستفيده الإنسان و يكتسبه و يغنمه، للآية الشريفة، و الأخبار.
أمّا الآية فقوله سبحانه وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ الآية «1».
فإنّ الغنيمة في أصل اللغة: الفائدة المكتسبة، صرّح به في مجمع البحرين «2» و غيره «3» من أهل اللغة، و ليس هناك ما يخالفه و يوجب العدول عنه، بل المتحقّق ما يثبته و يوافقه من العرف و كلام الفقهاء و الأخبار.
فنصّ في البيان على شمول الغنيمة للأقسام السبعة المشهورة «4»، بل في الخلاف دعوى إجماعنا على أنّ ما يستفيده الإنسان من أرباح التجارات و المكاسب و الصنائع يدخل في الغنيمة «5».
و في رواية حكيم: عن قول اللّه تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ إلى أن قال: «هي و اللّه الإفادة يوما بيوم، إلّا أنّ أبي جعل شيعته في حلّ لتزكّيهم» [1].
______________________________
[1] الكافي 1: 544- 10، التهذيب 4: 121- 344، الاستبصار 2: 54- 179، الوسائل 9:
546 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 8، إلّا أنّ فيها: ليزكوا، بدل: لتزكّيهم.
______________________________
(1) الأنفال: 41.
(2) مجمع البحرين 6: 129.
(3) كما في معجم مقاييس اللغة 4: 397.
(4) البيان: 341.
(5) الخلاف 2: 118.
9
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الأولى ج 10 ص 9
و في صحيحة عليّ بن مهزيار الطويلة: «فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام، قال اللّه تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ الآية، فالغنائم و الفوائد- يرحمك اللّه- فهي الغنيمة يغنمها المرء، و الفائدة يفيدها» الحديث «1».
و في الرضويّ: «و قال جلّ و علا وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ الآية، فتطوّل بذلك علينا امتنانا منه و رحمة» إلى أن قال: «و كلّ ما أفاده الناس فهو غنيمة، لا فرق بين الكنوز و المعادن و الغوص و مال الفيء الذي لم يختلف فيه و ما ادّعي فيه الرخصة، و هو ربح التجارة و غلّة الضيعة و سائر الفوائد من المكاسب و الصناعات و المواريث و غيرها، لأنّ الجميع غنيمة و فائدة» «2».
و أمّا ما في بعض الأخبار- بعد بيان خمس الغنيمة- من أنّه يقسّم الأربعة أخماس الباقية بعد خمس الغنيمة بين من قاتل عليه «3»، حيث إنّ الظاهر منه تلازم الغنيمة و المقاتلة.
فلا ينافي ما ذكر، إذ لا دلالة فيها على أنّ المراد بالغنائم في الآية ذلك، غايته الاستعمال، و هو أعمّ من الحقيقة، مع أنّه لا يتعيّن التجوّز فيها أيضا، لاحتمال التخصيص، أي أربعة أخماس بعض الغنائم.
و ممّا ذكر يظهر لك ما في المدارك و الذخيرة من النظر في دلالة الآية، حيث إنّ المتبادر من الغنيمة: ما يؤخذ من دار الحرب، و يدلّ عليه سوق الآية «4»، فإنّ التبادر حال نزول الآية- بل في الآن أيضا- ممنوع.
______________________________
(1) التهذيب 4: 141- 398، الاستبصار 2: 60- 198، الوسائل 9: 501 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 5.
(2) فقه الرضا «ع»: 293.
(3) التهذيب 4: 128- 365، الاستبصار 2: 56- 186، الوسائل 9: 483 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 3.
(4) المدارك 5: 381، الذخيرة: 480.
10
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الأولى ج 10 ص 9
نعم، لاتّفاق أكثر العامّة على تخصيص الخمس بغنائم دار الحرب اشتهر ذلك بينهم، و بنى عليه مفسّروهم، فتوهّم التبادر.
و ورود الآية في الحرب لا يدلّ على التخصيص.
و أمّا الأخبار فكثيرة، منها: الأخبار الثلاثة المتقدّمة.
و موثّقة سماعة: عن الخمس فقال: «في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير» «1».
و رواية ابن سنان: «على كلّ امرئ غنم أو اكتسب الخمس ممّا أصاب لفاطمة و لمن يلي أمرها من بعدها من ذرّيتها الحجج على الناس، فذلك لهم خاصّة، يضعونه حيث شاءوا، و حرّم عليهم الصدقة، حتى الخيّاط يخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق، إلّا من أحللناه من شيعتنا، لتطيب لهم به الولادة» «2».
و مرسلة حمّاد الطويلة، و فيها: «الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم، و الغوص، و من الكنوز، و من المعادن، و الملاحة» الحديث «3»، إلى غير ذلك من المستفيضة «4».
و لا معارض لها يوجب الوهن فيها سوى بعض ما ظاهره حصر الخمس في أمور خاصّة، و لكن منها الغنائم الشاملة لجميع الفوائد.
و ضعف بعض سندا- لو كان مضرّا- يندفع بالانجبار بالشهرة و الإجماع المنقول، بل المحقّق.
______________________________
(1) الكافي 1: 545- 11، الوسائل 9: 503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 6.
(2) التهذيب 4: 122- 348، الاستبصار 2: 55- 180، الوسائل 9: 503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 8.
(3) الكافي 1: 539- 4، الوسائل 9: 487 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 4.
(4) الوسائل 9: 499 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8.
11
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الأولى ج 10 ص 9
و تدلّ على المطلوب أيضا الأدلّة [و] «1» الأخبار الواردة في كلّ قسم قسم من الفوائد أيضا، كما يأتي.
ثمَّ الثابت من الآية و الأخبار هو ثبوت الخمس في الفوائد المكتسبة، و هي ما حصلت بنوع سعي و اكتساب لا غير المكتسبة، لأنّ الوارد فيها:
الغنيمة، التي هي الفوائد المكتسبة- كما صرّح به بعض أهل اللغة «2»- أو الاكتساب- و ظاهر أنّه مختصّ بما ذكرنا- أو الاستفادة المختصّة بالمكتسبة، أو الإفادة المفسّرة بالاستفادة أيضا.
مضافا إلى صحيحة ابن سنان: «ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصّة» «3».
نفي بمنطوقها الخمس عن كلّ شيء، سوى الغنائم التي هي الفوائد المكتسبة، و لا أقلّ من احتمال الاختصاص بها من جهة تصريح بعض اللغويين و جمع من الفقهاء، فلا يعلم خروج غير المكتسبة من المستثنى منه، فتكون باقية فيه، لحجّية العام المخصّص بالمجمل إذا كان متّصلا في غير موضع الإجمال.
ثمَّ هذا المنطوق و إن تعارض مع ما دلّ على ثبوت الخمس في كلّ الفوائد، إلّا أنّه بالعموم من وجه، لشمول المنطوق لغير الفوائد و معارضته للفوائد المكتسبة، فيرجع في موضع التعارض إلى الأصل. فاللازم عليك أن يكون ذلك أصلا لك في المسألة، و تحكم بوجوب الخمس في جميع
______________________________
(1) أثبتناه لاستقامة العبارة.
(2) كما في مجمع البحرين 6: 129.
(3) الفقيه 2: 21- 74، التهذيب 4: 124- 359، الاستبصار 2: 56- 184، الوسائل 9: 485 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 1.
12
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الأولى ج 10 ص 9
الفوائد المكتسبة للإنسان، إلّا أن يخرج شيء منها بدليل.
المسألة الثانية:
اعلم أنّه و إن ثبت بما ذكرنا وجوب الخمس في كلّ ما يستفيده الإنسان و يحصل في يده بضرب من الاكتساب، إلّا أنّ الفقهاء قسّموها إلى خمسة أقسام، لذكر كلّ قسم في الأخبار على حدة، و لامتياز بعض تلك الأقسام عن بعض ببعض الشرائط، كما يأتي إن شاء اللّه سبحانه.
13
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
القسم الأول في غنائم دار الحرب ج 10 ص 14
القسم الأول في غنائم دار الحرب
أي ما يؤخذ غنيمة من أهل الحرب، سواء كان في دارهم أو غيرها، و وجوب الخمس فيها في الجملة إجماعيّ بين المسلمين، و نقل الإجماع عليه مستفيض.
و يدلّ عليه معه ما مرّ من الأصل المتقدّم، لكونها من الفوائد المكتسبة.
و الآية الشريفة، لكون غنائم دار الحرب ممّا غنم نصّا و إجماعا و إن اختلفوا في غيرها.
و خصوص السنّة المستفيضة، كمرسلة أحمد: «الخمس من خمسة أشياء: من الكنوز، و المعادن، و الغوص، و المغنم الذي يقاتل عليه» و لم يحفظ الخامس «1».
و صحيحة ربعي: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له، ثمَّ يقسّم ما بقي خمسة أقسام و يأخذ خمسه» الحديث «2».
و صحيحة الحلبي: في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة، فقال: «يؤدّي خمسا و يطيب له» «3».
______________________________
(1) التهذيب 4: 126- 364، الوسائل 9: 489 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 11.
(2) التهذيب 4: 128- 365، الاستبصار 2: 56- 186، الوسائل 9: 510 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 3، بتفاوت يسير.
(3) التهذيب 4: 124- 357، الوسائل 9: 488 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 8.
14
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
القسم الأول في غنائم دار الحرب ج 10 ص 14
و رواية أبي بصير: «كلّ شيء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه فإنّ لنا خمسه» «1».
و هل يختصّ وجوب الخمس فيها فيما إذا أخذ مع الحرب، أو يعمّ ما أخذ بدون الحرب، كالسرقة و الاختلاس أيضا؟
فقيل بالأول، و حكم في الثاني بأنّه لآخذه بلا خمس، لأنّه لا يسمّى غنيمة «2».
و قيل بالثاني «3»، لفحوى صحيحة حفص «4» و رواية المعلّى «5» الواردتين في مال الناصب، أنّه خذه حيث وجدته و ابعث إلينا الخمس.
و يرد عليه منع الفحوى، لعدم قطعيّة العلّة.
و لكن يرد على الأول أيضا: منع عدم التسمية، فإنّ الغنيمة تصدق على كلّ ما أفاده الناس، كما يأتي، فثبت الخمس فيه بالأصل المتقدّم في المسألة الاولى.
ثمَّ ما أخذ بالحرب هل يختصّ وجوب الخمس فيه بما كان الحرب بإذن الإمام، الذي هو محلّ الوفاق، أو يعمّ الحرب بغير إذنه أيضا؟
فقيل بالأول، و حكم في الثاني بأنّ المأخوذ للإمام جميعا «6»، لمرسلة الورّاق: «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام، و إذا
______________________________
(1) الكافي 1: 545- 14، الوسائل 9: 487 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 5.
(2) كما في الكافي في الفقه: 170.
(3) كما في المراسم: 139.
(4) التهذيب 4: 122- 350، مستطرفات السرائر: 100- 29، الوسائل 9: 487 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 6.
(5) التهذيب 6: 387- 1153، مستطرفات السرائر: 101- 30، الوسائل 9: 488 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 7.
(6) انظر الدروس 1: 259، و المسالك 1: 66.
15
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
فرعان ج 10 ص 16
غزا قوم بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس» «1».
و قيل بالثاني، لصحيحة الحلبي السالفة.
و فصّل بعض المتأخّرين، فقال: إذا كان الحرب للدعاء إلى الإسلام و التكليف بالشهادتين فالغنيمة للإمام و لا خمس، و إن كان بالقهر و الغلبة لا للجهاد فيجب فيه الخمس.
و القول الفصل و طريق الجمع أن يقال: إنّ الغنيمة للإمام، للمرسلة، و لكنه أحلّه للشيعة بعد الخمس، للصحيحة، إذ لا يثبت منها الأزيد من ذلك حتى تعارض به المرسلة.
و يأتي زيادة كلام في ذلك في ذكر الأنفال.
فرعان:
أ: صريح جماعة: عدم الفرق في غنائم دار الحرب بين المنقول و غيره «2»، و يظهر من بعض المتأخّرين التخصيص بالأول، لكون الأراضي مال الإمام.
أقول: إن كانت مال الإمام فهو أحلّها لشيعته أيضا كما يأتي، فيخمّسها لكونها من الفوائد، و يأتي تحقيقها في موضعه.
ب: مثل مال أهل الحرب: مال الناصب و الخارجي و سائر من يحلّ ماله ممّن انتحل الإسلام، فيجب إخراج خمسه، لصحيحة حفص و رواية المعلّى المتقدّمتين.
______________________________
(1) التهذيب 4: 135- 378، الوسائل 9: 529 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 16.
(2) منهم المحقق في الشرائع 1: 179، و الأردبيلي في زبدة البيان: 209.
16
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
القسم الثاني في المعادن ج 10 ص 17
القسم الثاني في المعادن
و وجوب الخمس فيها إجماعي، و الأصل المتقدّم يثبته، و النصوص به مع ذلك مستفيضة:
فمنها: ما يوجبه في المعادن من غير تفصيل، كالمرسلتين المتقدّمتين «1»، و صحيحة زرارة «2».
و منها: ما يثبته فيها و في الرصاص و الصفر و الحديد و الذهب و الفضّة، كصحيحة الحلبي «3».
و منها: ما يثبته في الخمسة، كصحيحة محمّد «4».
و منها: ما يثبته في المعدن و الملاحة و الكبريت و النفط و أشباهه، كصحيحته الأخرى «5».
و منها: ما يثبته في الياقوت و الزبرجد و معادن الذهب و الفضّة، كرواية محمّد بن علي «6».
______________________________
(1) يعني مرسلتي حمّاد و أحمد المتقدمتين في ص 9 و 12.
(2) التهذيب 4: 122- 347، الوسائل 9: 492 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 3.
(3) الكافي 1: 546- 19، الفقيه 2: 21- 73، التهذيب 4: 121- 346، الوسائل 9: 492 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 2.
(4) الكافي 1: 544- 8، التهذيب 4: 121- 345، الوسائل 9: 491 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 1.
(5) الفقيه 2: 21- 76، التهذيب 4: 122- 349، المقنع: 53، الوسائل 9: 492 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 4.
(6) الكافي 1: 547- 21، الفقيه 2: 21- 72، التهذيب 4: 124- 356، الوسائل 9:
493 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 5.
17
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
القسم الثاني في المعادن ج 10 ص 17
و لا ينافي ما ذكر صحيحة ابن سنان: «ليس الخمس إلّا في الغنائم» «1»، لأنّ المعادن أيضا غنيمة.
مع أنّه لو سلّم الاختصاص يكون التعارض بالعموم و الخصوص المطلقين، فيجب تخصيص الصحيحة بما مرّ.
و لو سلّم التباين فالترجيح لما مرّ بوجوه كثيرة، منها: مخالفة العامّة، فلا إشكال في المسألة.
و إنّما الإشكال في تحقيق المعدن، فقد اختلفت فيه كلمات أهل اللغة و الفقهاء:
فمنهم من خصّصه بمنبت الجوهر من ذهب و نحوه، كالقاموس «2» و الأزهري.
و منهم من يظهر منه الاختصاص بموضع الذهب و الفضّة، كالمغرب «3».
و منهم من عمّمه لكلّ ما يخرج من الأرض و يخلق فيها من غيرها ممّا له قيمة، كالنهاية الأثيريّة و التذكرة و المنتهى، مدّعيا فيهما إجماع علمائنا عليه «4».
و منهم من جعله أعمّ من ذلك أيضا- فلم يذكر قيد: من غيرها، و قال: إنّه ما يستخرج من الأرض و كانت أصله، ثمَّ اشتمل على خصوصيّة يعظم الانتفاع بها، سواء خرج عن اسم الأرض أم لا- كالشهيد «5». و على ذلك، يدخل فيه الجصّ، و النورة، و المغرة- و هي الطين الأحمر «6»- و طين
______________________________
(1) المتقدمة في ص: 12.
(2) القاموس 4: 248.
(3) المغرب 2: 32.
(4) النهاية الأثيرية 3: 192، التذكرة 1: 251، المنتهى 1: 544.
(5) الروضة 2: 66.
(6) الصحاح 2: 818، القاموس 2: 140.
18
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
القسم الثاني في المعادن ج 10 ص 17
الغسل، و حجر الرحى، بل كلّ حجر.
و على هذا، فيحصل نوع من الإجمال في معناه.
و ترجيح الأولين- بجعل الملاحة في بعض الصحاح مثل المعدن- مردود بجعلها على نسختي الفقيه و التهذيب نفسه.
كما أنّ ترجيح الرابع بحكاية الإجماع مردود بعدم حجّيتها، فالحقّ إجماله، و لازمه الأخذ بالمقطوع به، و العمل فيها عداه بمقتضى الأصل، للشك في إطلاق الاسم.
و يمكن دفع الأصل في جميع ما يشكّ فيه بعمومات الغنيمة و الفائدة «1» كما مرّ، فيجب في الجميع الخمس، إلّا أنّه يكون وجوبه فيها من هذه الجهة غير وجوبه فيها من جهة المعدنيّة.
و تظهر الثمرة في اعتبار مئونة السنة إن قلنا باعتبارها في كلّ فائدة، و يأتي تحقيقه، و في اعتبار النصاب إن قلنا به في المعدن دون كلّ فائدة، و لكن كان ذلك لو لا إجمال لفظ المعادن، و أمّا معه فتكون العمومات مخصّصة بالمجمل، فلا يكون حجّة في موضع الإجمال، و يعمل فيه بالأصل.
و منه تظهر قوّة اعتبار النصاب في جميع مواضع الشكّ أيضا، لأصالة عدم وجوب الخمس فيما دونه.
______________________________
(1) الوسائل 9: 485 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2.
19
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
القسم الثالث في الكنوز ج 10 ص 20
القسم الثالث في الكنوز
و اللّازم أولا بيان ما يملكه الواجد منها و ما لا يملكه، ثمَّ بيان وجوب الخمس فيه، فهاهنا بحثان:
البحث الأول
الكنز إمّا يوجد في دار الحرب أو دار الإسلام، و على التقديرين إمّا يكون عليه أثر الإسلام أو لا، و على التقادير إمّا يوجد في أرض مباحة أو مملوكة، و على الثاني إمّا تكون مملوكة للواجد أو لغيره، فهذه اثنى عشر.
فإن وجده في دار الحرب فهو لواجده في صورة الستّ بلا خلاف يعرف، بل هو مقطوع به في كلام الأصحاب كما صرّح به جماعة «1».
و تدلّ عليه أصالة الإباحة في الأشياء، إلّا ما علم سبق ملكيّة مسلم له، و هو هنا غير معلوم، و أثر الإسلام غير مفيد «2» له، لجواز صدوره من كافر، و تتمّ الأولويّة و الملكيّة بضميمة الإجماع المركّب هنا.
و صحيحتا محمّد، إحداهما: عن الورق يوجد في دار، فقال: «إن كانت الدار معمورة فيها أهلها فهي لأهلها، فإن كانت خربة فأنت أحقّ بما وجدت» «3»، و قريبة منها الأخرى «4».
______________________________
(1) منهم صاحب المدارك 5: 370، و السبزواري في الكفاية: 43.
(2) في «س»: مقيد ..
(3) التهذيب 6: 390- 1365، الوسائل 25: 447 كتاب اللقطة ب 5 ح 2.
(4) الكافي 5: 138- 5، التهذيب 6: 390- 1169، الوسائل 25: 447 كتاب اللقطة ب 5 ح 1.
20
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
البحث الأول ج 10 ص 20
و رواية أبي بصير: «من وجد شيئا فهو له، فليتمتّع به حتى يأتي طالبه، فإذا جاء طالبه ردّه إليه» «1».
و الفرق بين المعمورة و غيرها في الأوليين لا يفيد هنا، للإجماع على عدم تملّك الحربي.
نعم، لو كان في دار الحرب بيت مسلم و وجد فيه، يجب الحكم بكونه له بمقتضاهما، و هو كذلك، و شمول الفتاوى لمثل ذلك غير معلوم.
و قد يستدلّ على ملكيّة الواجد بإطلاقات وجوب الخمس في الكنز، حيث إنّه لا معنى لإيجاب الخمس على أحد في غير ملكه.
و فيه: أنّه لم يصرّح فيهما بوجوب الخمس على الواجد، فإنّه يدلّ على ثبوت الخمس في الكنز، مع أنّه يمكن أن يجب عليه، لأنّه أول متصرّف.
و إن وجده في دار الإسلام، فإن كان في غير ملك له أهل معلوم، فهو أيضا- كسابقه- لواجده مطلقا على الأقوى، وفاقا للخلاف و السرائر و لقطة الشرائع و المدارك «2»، و نقله فيه عن جماعة، للأصل المذكور في غير ما علم بالقرائن سبق يد المسلم عليه، و الروايات المذكورة.
و خلافا للمبسوط «3»، و أكثر المتأخّرين «4»، فجعلوه لقطة، لأنّه مال ضائع عليه أثر ملك و وجد في دار الإسلام، فيصدق عليه حدّ اللقطة، و لأنّه مال مسلم، فلا يحلّ لغيره إلّا بإذن شرعيّ.
______________________________
(1) الكافي 5: 139- 10، التهذيب 6: 392- 1175، الوسائل 25: 447 كتاب اللقطة ب 4 ح 2.
(2) الخلاف 2: 122، السرائر 1: 487، الشرائع 3: 293، المدارك 5: 370.
(3) المبسوط 1: 236.
(4) كالمحقق في الشرائع 1: 180، و العلّامة في المختلف: 203، و الفاضل المقداد في التنقيح 1: 337.
21
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
البحث الأول ج 10 ص 20
أمّا الثاني، فظاهر.
و أمّا الأول، فلأثر الإسلام، و لرواية محمّد بن قيس: «في رجل وجد ورقا في خربة: أن يعرّفها، فإن وجد من يعرفها و إلّا تمتّع بها» «1».
و يردّ الأول: بمنع كونه ضائعا، بل هو مذخور، و لو سلّم فيمنع كون مطلق الضائع لقطة، و إنّما هي ما وجد فوق الأرض.
و الثاني: بمنع كونه مال مسلم، و أثر الإسلام أعمّ منه، و ظهوره فيه- لو سلّم- لا يدفع الأصل، و لو سلّم فالإطلاقات إذن شرعيّ.
و الثالث: بعدم الدلالة على الوجوب، بل غايته الرجحان، و هو مسلّم.
و إن وجده في أرض مملوكة لها أهل معروف، فإن كانت للواجد، فإن كانت مملوكة له بالإحياء أو التوارث مع الانحصار، فهو له، و الوجه معلوم.
و إن كانت منتقلة إليه من غيره، فالمصرّح به في كلماتهم: أنّه يجب تعريف الناقل، فإن عرفه دفع إليه، و إلّا فهو للواجد «2».
و لعلّه لصحيحة عبد اللّه بن جعفر: عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للأضاحي، فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة، لمن يكون ذلك؟ فوقّع عليه السّلام: «عرّفها البائع، فإن لم يعرفها فالشيء لك، رزقك اللّه إيّاه» «3».
بضميمة عدم القول بالفرق بين الأرض و الحيوان، فإن ثبت فهو، و إلّا
______________________________
(1) التهذيب 6: 398- 1199، الوسائل 25: 448 كتاب اللقطة ب 5 ح 5.
(2) انظر الشرائع 1: 179.
(3) الكافي 5: 139- 9، التهذيب 6: 392- 1174، الوسائل 25: 452 كتاب اللقطة ب 9 ح 1.
22
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
البحث الأول ج 10 ص 20
فمقتضى الإطلاقات كونه للواجد من غير تعريف، كما مال إليه في المدارك و الذخيرة «1»، و هو قوي.
و كيف كان، فلا يجب تعريف ما فوق الناقل لو لم يعرفه الناقل على الأظهر، وفاقا لصريح بعضهم «2»، و ظاهر الأكثر، كما صرّح به بعض من تأخّر، لعدم المقتضي و إن قلنا بكون البائع في الصحيحة جنسا، لعدم ثبوت الإجماع المركّب هنا قطعا.
و إن كانت لغيره، فالأكثر أنّه كالموجود في الأرض المبتاعة، فيعرّف صاحب الأرض، فإن لم يعرفها فهو للواجد، و هو كذلك، لفحوى ما دلّ على التعريف في المبتاعة.
و لموثّقة ابن عمّار: رجل نزل في بعض بيوت مكّة، فوجد فيها نحوا من سبعين درهما مدفونة، فلم تزل معه و لم يذكرها حتى قدم الكوفة، كيف يصنع؟ قال: «فاسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها» قلت: فإن لم يعرفوها؟ قال: «يتصدّق بها» «3».
و بهذه يقيّد إطلاق الصحيحين المتقدّمين «4»، الدالّين على أنّه لأهل المنزل مطلقا.
و كما يقيّد بالمجموع إطلاق: «من وجد شيئا فهو له».
و لا ينافيه قوله في الموثّقة: «و إلّا فتصدّق بها» «5»، لعدم دلالته على
______________________________
(1) المدارك 5: 373، الذخيرة: 475.
(2) كيحيى بن سعيد الحلي في الجامع للشرائع: 149.
(3) التهذيب 6: 391- 1171، الوسائل 25: 448 كتاب اللقطة ب 5 ح 3.
(4) في ص: 20.
(5) الكافي 5: 308- 21، الفقيه 3: 190- 856، التهذيب 6: 396- 1191، الاستبصار 3: 124- 440، الوسائل 25: 463 كتاب اللقطة ب 18 ح 1.
________________________________________
نراقى، مولى احمد بن محمد مهدى، مستند الشيعة في أحكام الشريعة، 19 جلد، مؤسسه آل البيت عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1415 ه ق
23
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
البحث الأول ج 10 ص 20
الأزيد من الرجحان.
فروع:
أ: ما مرّ من حكم الموجود في الأراضي المملوكة هل يختصّ بالدار المعمورة لاختصاص أخباره بها، و يكون الموجود في غيرها من الضياع و أراضي الزرع و الدور الخربة و العقار و نحوها للواجد، لإطلاق: «من وجد شيئا فهو له»؟
أو يعمّ الجميع، كما هو ظاهر إطلاق الفتاوى؟
فيه إشكال، لما ذكر، و الأظهر: الأول، و الأحوط: الثاني.
ب: لا يختصّ الحكم المذكور بالذهب و الفضّة، بل يعمّ كلّ مال، للإطلاق المذكور.
ج: وجوب التعريف فيما يجب يختصّ بما إذا لم يعلم عدم معرفة المالك أو البائع و احتمل ملكيّته، و لو علم و لو بالقرائن سقط قولا واحدا، و لو ادّعى حينئذ لم يسمع، و الوجه واضح، و قوله: «فإن لم يعرفها» فيما مرّ يدلّ عليه.
د: قال جماعة: بأنّه لو اعترف به و طلبه المالك فيما وجد في المملوك للغير أو البائع في المملوك للواجد، يسلّم إليه بلا بيّنة و لا يمين و لا وصف «1». و في الدروس: إنّ الظاهر أنّه كذلك «2».
و استدلّ له تارة: باعتبار اليد الحاليّة في الأول و السابقة في الثاني على
______________________________
(1) منهم الشهيد الثاني في الروضة 2: 68، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 300، و السبزواري في الكفاية: 43.
(2) الدروس 1: 260.
24
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
فروع ج 10 ص 24
الأرض.
و اخرى: بأنّه مقتضى القاعدة الثابتة من أنّ من ادّعى شيئا و لا منازع له دفع إليه «1».
و في الأول: منع صدق اليد على المال في المفروض، و عدم دليل على كفاية اليد على الأرض.
و في الثاني: منع ثبوت القاعدة بإطلاقها، و لو سلّم فيعارض دليلها الإطلاقات المتقدّمة، مع أنّه لو تمَّ ذلك لزم دفع كلّ ما وجد في كلّ مكان إلى كلّ مدّع بلا بيّنة و لا وصف، بل لو لم يعلم الوصف، و لا أظنّ أن يقبلوه.
نعم، يمكن أن يستدلّ له بقوله في رواية أبي بصير المتقدّمة «2» و في بعض روايات أخر أيضا «3»: «فإذا جاء طالبه» فإنّه أعمّ من العارف بالوصف و غيره، إلّا أنّ قوله: «فإن لم يعرفها» و: «لم يعرفوها» و نحوهما في الروايات المتقدّمة يخصّص الطالب بمن لم يكن غير عارف.
و الظاهر أنّ المراد بالعارف ليس من يدّعيه فقط، بل المتبادر منه من يعرفه ببعض أوصافه، فيجب التخصيص بذلك.
و يدلّ عليه قوله في صحيحة البزنطي الواردة في الطير الذي يؤخذ:
«فإن جاءك طالب لا تتّهمه، ردّه إليه» «4» فإنّ من لا بيّنة له و لا يعرف الوصف يكون متّهما غالبا.
و تؤيده رواية الجعفي «5» الواردة في الكيس الذي وجده، حيث سئل
______________________________
(1) كما في الحدائق 12: 338.
(2) في ص: 21.
(3) الوسائل 25: 441 كتاب اللقطة ب 2 ح 1 و 2 و 3 و 10 و 13 ..
(4) التهذيب 6: 394- 1186، الوسائل 25: 461 أبواب اللقطة ب 15 ح 1.
(5) الكافي 5: 138- 6، التهذيب 6: 390- 1170، الوسائل 25: 449 كتاب اللقطة ب 6 ح 1.
25
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
فروع ج 10 ص 24
[الطالب عن العلامة] «1».
ثمَّ لو اطّلع الطالب على جميع الأوصاف من الخارج ثمَّ ادّعاه فيشكل الأمر، لعدم إمكان معرفة أنّه ممّن يعرف أو لا يعرف.
و الظاهر أنّه لا يدفع إليه إن لم يكن متّهما، يعني احتمل أن يكون كاذبا أو ظنّ ذلك، و يدفع إليه إن لم يكن متّهما و لو لأجل وثاقته.
ثمَّ الظاهر اختصاص هذا الحكم- أي وجوب الردّ بادّعاء غير المتّهم، أو العارف الذي لا تفيد معرفته أزيد من الظنّ- بالموجود في المملوك.
و أمّا الموجود في المباح، فلا يجب الدفع إلّا بعد العلم بالصدق، لأصالة الإباحة، الّتي هي المرجع بعد تعارض صحيحتي محمّد- المخصوصة بالموجود في الخربة- مع رواية أبي بصير المخصوصة بما إذا كان له طالب «2».
ه-: لو وجد في دار مستأجرة، فإن وجده المالك يستعرف المستأجر، لموثّقة ابن عمّار «3»، لأنّه أهل المنزل عرفا، فإن لم يعرفه فهو له.
و إن وجده المستأجر يعرّف المالك، لفحوى ما دلّ على التعريف في المبتاعة.
و لو وجده غيرهما يعرّف المستأجر، لما مرّ، بل المالك أيضا، لأنّه أيضا أهل للمنزل، فيردّه إلى من يعرف منهما، و لو لم يعرف أحدهما فيكون له.
هذا حكم المسألة من حيث إنّ المال كنز.
و أمّا لو ادّعى كلّ من المالك و المستأجر الملكيّة السابقة، فهي دعوى
______________________________
(1) بدل ما بين المعقوفتين في «س»: عن الطالب للعلامة، في «ق» و «ج»: عن الطالب لعلامة، و الأنسب ما أثبتناه.
(2) راجع ص: 20.
(3) المتقدمة في ص: 23.
26
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
فروع ج 10 ص 24
كسائر الدعاوي، و لا مدخليّة للوجدان حينئذ.
فقيل: يقدّم قول المالك «1»، ليده السابقة.
و قيل: قول المستأجر «2»، ليده الحالية، و موافقة الظاهر، لأنّ الظاهر عدم إجارة الملك مع الدفين، و لأصالة تأخّر الدفن.
و تضعّف اليد: بعدم معلوميّة ثبوت حكم اليد للمال المدفون تحت أرض شخص لذلك الشخص ما لم يثبت تصرّف آخر له فيه، و على الظاهر منعه كليّا، إذ قد يكون المال مدفونا في أعماق الأرض و مدّة الإجارة قليلة، سيّما إذا أجّره المالك لسفر.
و أصل التأخّر: بأنّه قد تكون الدعوى بعد زمان الإجارة و تصرّف المالك، أو يدّعى المالك الدفن في زمان الإجارة مع تردّده في الدار كثيرا.
و مقام تحقيق المسألة كتاب القضاء.
البحث الثاني
يجب في الكنز الخمس بلا خلاف يعرف، بل ادّعى عليه جماعة الإجماع «3».
و يدلّ عليه الأصل المتقدّم، و خصوص المستفيضة، كصحيحتي الحلبي: عن الكنز كم فيه؟ قال: «الخمس» «4».
و صحيحة البزنطي: عمّا يجب فيه الخمس من الكنز، فقال:
______________________________
(1) المبسوط 1: 237.
(2) الخلاف 2: 123.
(3) كالشيخ في الخلاف 2: 121، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 569، و العلّامة في التذكرة 1: 252.
(4) الكافي 1: 546- 19، الفقيه 2: 21- 73، التهذيب 4: 121- 346، الوسائل 9: 495 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5 ح 1.
27
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
البحث الثاني ج 10 ص 27
«ما يجب فيه الزكاة في مثله ففيه الخمس» «1».
و وصيّة النبيّ المرويّة في الفقيه و الخصال: «إنّ عبد المطّلب سنّ في الجاهلية خمس سنن أجراها اللّه تعالى في الإسلام» إلى أن قال: «و وجد كنزا فأخرج منه الخمس و تصدّق به، فأنزل اللّه سبحانه (وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) الاية» «2».
فرع: ظاهر إطلاق جماعة و صريح المحكيّ عن الاقتصاد و الوسيلة و التحرير و المنتهى و التذكرة و البيان و الدروس «3»: عدم الفرق في وجوب الخمس بين أنواع الكنز من ذهب و فضّة و جوهر و صفر و نحاس و غيرها، لعموم الأخبار «4».
و ظاهر الشيخ في النهاية و المبسوط و الجمل و الحلّي في السرائر و ابن سعيد في الجامع «5»: الاختصاص بكنوز الذهب و الفضّة، و نسبه بعض من تأخّر إلى ظاهر الأكثر.
و هو الأظهر، لمفهوم صحيحة البزنطي المتقدّمة.
و حمل: «مثله» فيها على الأعمّ من العين و القيمة تجوّز لا دليل عليه.
و به يخصّص عموم الأخبار، مع أنّه قد يتأمّل في إطلاق الكنز على غير الذهب و الفضّة أيضا.
______________________________
(1) الفقيه 2: 21- 75، الوسائل 9: 495 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5 ح 2.
(2) الفقيه 4: 264- 723، الخصال: 312- 90، الوسائل 9: 496 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5 ح 3.
(3) الاقتصاد: 283، الوسيلة: 136، التحرير 1: 73، المنتهى 1: 547، التذكرة 1: 252، البيان: 344، الدروس 1: 260.
(4) الوسائل 9: 495 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5.
(5) النهاية: 198، المبسوط 1: 236، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 207، السرائر 1: 486، الجامع: 148.
28
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
القسم الرابع ما يخرج من البحر ج 10 ص 29
القسم الرابع ما يخرج من البحر
و وجوب الخمس فيه إجماعيّ، و عليه دعواه في الانتصار و الغنية و المنتهى «1»، و غيرها «2».
و يدلّ عليه- مع الأصل المتقدّم- خصوص المستفيضة، ففي صحيحة الحلبي: عن العنبر و غوص اللؤلؤ، فقال: «عليه الخمس» «3»، و مرسلتي حمّاد و أحمد المتقدّمتين في الغنائم «4»، و رواية محمّد بن عليّ الآتية «5» في نصاب المعادن «6».
و صحيحة ابن أبي عمير المروية في الخصال: «فيما يخرج من المعادن «7»، و البحر، و الغنيمة، و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه، و الكنوز: الخمس» «8».
و الظاهر جريان الحكم في كلّ ما يخرج من البحر بالغوص و لو كان حيوانا، كما حكاه في البيان عن بعض من عاصره «9»، لإطلاق المرسلتين
______________________________
(1) الانتصار: 86، الغنية (الجوامع الفقهية): 569، المنتهى 1: 547.
(2) كالمعتبر 1: 292.
(3) الكافي 1: 548- 28، التهذيب 4: 121- 346، الوسائل 9: 498 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 7 ح 1.
(4) راجع ص: 11 و 14.
(5) في ص: 58.
(6) في «ق» زيادة: في بعض الكتب.
(7) في «ح» زيادة: في بعض الكتب.
(8) الخصال: 290- 51، الوسائل 9: 494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 6، و فيهما: عن عمّار بن مروان.
(9) البيان: 345 و 346.
29
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
القسم الرابع ما يخرج من البحر ج 10 ص 29
و رواية الخصال.
و في المدارك و عن المعتبر: عدم تعلّق الحكم بالحيوان إلّا من باب الأرباح و الفوائد، لاختصاص الرواية المعتبرة «1» بغوص اللؤلؤ «2». و هو ممنوع.
و تظهر الفائدة في اعتبار مئونة السنة، فلا يعتبر على ما ذكرناه.
نعم، الظاهر عدم اعتبار النصاب في مثل الحيوان، لاختصاص روايته بغوص اللؤلؤ.
و «3» لو أخذ منه شيء من غير غوص فلا شكّ في وجوب الخمس فيه.
و هل هو من جهة الإخراج من البحر، كما استقر به الشهيدان «4»؟
لإطلاق روايتي محمّد بن عليّ و الخصال، و تضعيفهما ضعيف، مع أنّ الأولى صحّت عمّن أجمعوا على صحّة ما صحّ عنه و عمّن لا يروي إلّا عن ثقة، و الثانية صحيحة.
أو من جهة الأرباح، كما في الشرائع «5»؟
الظاهر: الثاني، لمعارضة الإطلاق مع الحصر المستفاد من المرسلتين بالعموم من وجه، فيرجع إلى الأصل.
كما لا يجب من هذه الجهة فيما يوجد مطروحا في الساحل، للأصل.
و توهّم دخوله فيما يخرج مدفوع باحتمال كونه بصفة المجهول، فتأمّل.
______________________________
(1) و هي صحيحة الحلبي المتقدمة في ص 27.
(2) المدارك 5: 376، المعتبر 2: 622.
(3) في النسخ: أو، و الأنسب ما أثبتناه.
(4) الشهيد الأول في البيان: 345، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 67، حيث ألحق ما يخرج من داخل الماء بآلة مع عدم دخول المخرج بالغوص.
(5) الشرائع 1: 180.
30
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
القسم الخامس ج 10 ص 31
القسم الخامس
أرباح التجارات، و الزراعات، و الغرس، و الضرع، و الصناعات، و جميع أنواع الاكتسابات من الصيد، و الاحتطاب، و الاحتشاش، و الاستقاء، و غير ذلك.
و وجوب الخمس في هذا النوع هو المشهور بين الأصحاب، و عن الخلاف و الانتصار و التبيان و مجمع البيان و الغنية و المنتهى و التذكرة و الشهيد: الإجماع عليه «1». بل الظاهر إجماعيّته في الجملة، لعدم وجود مخالف صريح، إلّا ما حكي عن القديمين أنّهما قالا بالعفو عن هذا النوع «2»، و في استفادته من كلامهما خفاء، بل ظاهره التوقّف.
و كيف كان، فلا ينبغي الريب في وجوبه فيه، للأصل المتقدّم في المسألة الاولى، و خصوص الروايات الواردة في بعض أنواع هذا القسم:
كرواية ابن الصلت: ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلّة رحى في أرض قطيعة لي، و في ثمن سمك و بردي و قصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب: «يجب عليك فيه الخمس» «3».
و رواية النيشابوري: عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كرّ
______________________________
(1) الخلاف 2: 116، الانتصار: 86، التبيان 5: 123، مجمع البيان 2: 544، الغنية (الجوامع الفقهية): 569، المنتهى 1: 548، التذكرة 1: 253، و الشهيد في البيان: 348.
(2) حكاه عنهما في البيان: 348، و هما العماني و الإسكافي.
(3) التهذيب 4: 139- 394، الوسائل 9: 504 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 9. و الأجمة: الشجر الملتفّ- مجمع البحرين 6: 6.
31
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
القسم الخامس ج 10 ص 31
ما يزكّى، و أخذ منه العشر عشرة أكرار، و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّا، و بقي في يده ستّون كرّا، ما الذي يجب لك من ذلك؟ و هل يجب لأصحابه من ذلك عليه شيء؟ فوقّع عليه السّلام: «لي منه الخمس ممّا يفضل عن مئونته» «1».
و رواية عليّ بن مهزيار: أمرتني بالقيام بأمرك و أخذ حقّك فأعلمت مواليك ذلك، فقال بعضهم: أيّ شيء حقّه؟ فلم أدر ما أجيبه، فقال:
«يجب عليهم الخمس»، فقلت: من أيّ شيء؟ فقال: «في أمتعتهم و ضياعهم»، قلت: فالتاجر عليه و الصانع بيده؟ فقال: «ذلك إذا أمكنهم بعد مئونتهم» «2».
و في الرضوي: «إنّ الخمس على الخيّاط من إبرته، و الصانع من صناعته «3»، فعلى كلّ من غنم من هذه الوجوه مالا فعليه الخمس» «4».
إلى غير ذلك من المستفيضة «5»، بل المتواترة كما عن التذكرة «6».
و دلالة بعضها على اختصاص بعض أنواع الخمس بالإمام- و هو حكم غير معروف، فتوهن به الرواية- مدفوع بمنع الدلالة أولا، و منع مخالفة الإجماع ثانيا كما يأتي.
و لا يضرّ اقتصار بعض كلمات القوم في ذلك القسم ببعض أنواعه
______________________________
(1) التهذيب 4: 16- 39، الوسائل 9: 500 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 2.
(2) التهذيب 4: 123- 353، الاستبصار 2: 55- 182، الوسائل 9: 500 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 3، بتفاوت يسير.
(3) في «ق»: و الصائغ من صياغته.
(4) فقه الرضا «ع»: 294، المستدرك 7: 284 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 6 ح 1.
(5) الوسائل 9: 499 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8.
(6) التذكرة: 253.
32
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
القسم الخامس ج 10 ص 31
- كمجرّد الأرباح أو مع الغلّات أو مع الصنائع- لأنّه إمّا من باب التمثيل، أو عدم الالتفات إلى التعميم.
تتميم: مورد الخمس في ذلك القسم: الأرباح و المنافع
، و بعبارة أخرى: الفوائد المكتسبة غير الأربعة المتقدّمة، و المراد بها جميع مداخل الشخص و منافعه الحاصلة من الأملاك و الأراضي و الأشجار و البساتين و المستقلّات، و من المواشي، و من الشغل و العمل، و من التجارة و الزراعة و الغرس و الصناعة و الاستئجار و الصيد.
و بالجملة: كلّ فائدة و منفعة حاصلة من الاكتساب عرفا، و منها: نماء الشجر المغروس للنماء، و نتاج الحيوان المستفاد بالقصد، و نمو الحيوانات و الأشجار كذلك، بخلاف ما لم يستفده المالك، كحيوان غائب حصل له ولد، أو أمة حصل لها حمل و لم يعلم به المولى.
و زيادة القيمة السوقيّة قبل البيع ليست فائدة مكتسبة، كما ذكره في المنتهى و التحرير «1»، لعدم حصول زيادة له بعد، و الزيادة إنّما هي فرضية، أي لو باع السلعة تحصل له الفائدة، و لاستصحاب عدم وجوب الخمس فيه.
نعم، لو باعه بنقد أو جنس وجب الخمس في القدر الزائد و لو كان الجنس المأخوذ بإزاء القيمة أيضا ممّا زادت قيمته، لصدق حصول الفائدة.
و منهم من أوجب في زيادة القيمة أيضا، كما حكي في الذخيرة «2».
و ليس بشيء.
و منه يعلم عدم كفاية ظهور الربح في أمتعة التجارة، بل يحتاج إلى
______________________________
(1) المنتهى 1: 548، التحرير 1: 74.
(2) الذخيرة: 484.
33
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
تتميم مورد الخمس في ذلك القسم الأرباح و المنافع ج 10 ص 33
الانقباض و البيع.
المسألة الثالثة:
اعلم أنّه كما يجب الخمس في الفوائد المكتسبة بأقسامها الخمسة، قالوا: يجب في موضعين آخرين أيضا:
الأول: الأرض التي اشتراها الذمّي من المسلم.
و وجوب الخمس فيها مذهب الشيخ «1» و أتباعه «2»، و هو المشهور بين المتأخّرين «3»، و عن الغنية و المنتهى: الإجماع عليه «4».
و هو كذلك، لصحيحة الحذّاء: «أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضا فعليه الخمس» «5».
خلافا لظاهر كثير من القدماء، حيث لم يذكروا هذا النوع، و مال إليه الشهيد الثاني في بعض فوائده.
لتضعيف الرواية. و هو ضعيف.
أو لمعارضتها مع ما مرّ من الأخبار الحاصرة للخمس في خمسة، أو في الغنائم خاصّة.
و يضعّف بأنّ التعارض بالعموم و الخصوص المطلق، فيقدّم الخاصّ، فلا إشكال في المسألة، و إن كان إشكال ففي مصرف هذا الخمس.
و الأظهر- موافقا لظاهر الأصحاب- أنّه كسائر الأخماس، لمرسلتي
______________________________
(1) المبسوط 1: 237.
(2) كابن البراج في المهذّب 1: 177، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):
569، و ابن حمزة في الوسيلة: 137.
(3) كالشهيد في الدروس 1: 259، و صاحب المدارك 5: 386، و صاحب الحدائق 12: 359.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 569، المنتهى 1: 549.
(5) الفقيه 2: 22- 81، التهذيب 4: 123- 355، الوسائل 9: 505 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 9 ح 1.
34
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الأول الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم ج 10 ص 34
أحمد «1» و حمّاد «2» الآتيتين في بيان مصرف السائر، و للإجماع المركّب.
خلافا لجماعة من متأخّري المتأخّرين «3»، فجوّزوا أن يكون المراد تضعيف العشر على الذمّي إذا كانت الأراضي عشريّة كما هو مذهب مالك.
و هو بعيد، مع أنّه لم يقل به أحد من أصحابنا الإماميّة، و لا يوافقه عموم الأرض في الرواية «4»، و يأتي بيانه.
و لا فرق في الأرض بين أرض السكنى و الزراعة و البستان و العقار، وفاقا لظاهر عبارات جماعة «5»، و تصريح بعضهم منه الروضة «6»، لإطلاق الرواية.
و عن المعتبر و المنتهى: التخصيص بأرض الزراعة «7»، و استجوده بعض المتأخّرين «8»، استنادا إلى أنّها المتبادر. و فيه منع ظاهر.
و مورد الخبر- كما عرفت- الشراء، كما وقع التعبير به في كثير من كلمات الأصحاب، و ظاهر جملة من عباراتهم ترتّب الحكم على مجرّد الانتقال كيف ما كان، صرّح به في البيان و الروضة «9»، و الوقوف على مورد
______________________________
(1) التهذيب 4: 139- 393، الوسائل 9: 505 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 9 ح 1.
(2) الكافي 1: 539- 4، الوسائل 9: 487 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 4.
(3) منهم صاحب المدارك 5: 386، و صاحب الذخيرة 1: 484، و الكاشاني في المفاتيح 1: 226.
(4) أي في صحيحة الحذّاء المتقدّمة في ص: 34.
(5) كما في البيان: 346، و المسالك 1: 67، و الرياض 1: 295، و غنائم الأيام:
371.
(6) الروضة 2: 72.
(7) المعتبر 2: 624، المنتهى 1: 549.
(8) كصاحب المدارك 5: 386.
(9) البيان: 346، الروضة 2: 72.
35
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الأول الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم ج 10 ص 34
النصّ في الحكم المخالف للأصل يقوّي الأول، فلا خمس فيما انتقل بهبة أو صلح أو نحوهما.
و لو كانت الأرض مشغولة بشجر أو بناء فالخمس واجب في الأرض لا فيهما، للأصل.
ثمَّ المأخوذ هو خمس رقبة الأرض، لأنّه حقيقة خمس الشيء.
و بعد أخذه يتخيّر الحاكم بين بيعه مع المصلحة و تقسيم ثمنه بين أرباب الخمس، و بين إعطاء الرقبة لأربابه، فإن باعه من المسلم فهو، و إن باعه من الذمّي يأخذ خمس المبيع، و إن باع هذا الخمس أيضا يأخذ خمسه و هكذا.
و إن أعطى الرقبة، فربّ الخمس يتخيّر بين البيع- فإن باعه من الذمّي يؤخذ الخمس أيضا- و بين التصرّف فيه بالإجارة و نحوها، فإن أجّره و كانت الأرض مشغولة ببناء أو شجر يأخذ أجرة الأرض المشغولة أبدا بحيث لم يقدر ربّها على الإزالة، و يحتمل أخذ أجرة الأرض بياضا و إن كانت مشغولة.
و أمّا أخذ قيمة خمس الأرض من غير نفع «1» كما يتداول في هذه الأزمان فلم يذكره أحد من العلماء، و لا دليل عليه، كما لا دليل على ما ذكره جماعة من التخيير بين أخذ الأرض أو ارتفاعها و أجرتها في كلّ سنة.
و لو نقل الذمّي الأرض إلى غيره قبل أخذ الخمس لم يسقط الخمس، بل لا يصحّ النقل في قدره، و يكون للمشتري الخيار إن كان النقل بالبيع، و كذا لا يسقط لو فسخ الذمّي البيع، و لو كان ذلك بخيار لأحدهما يشكل الحكم. و يحتمل انتقال الخمس أيضا متزلزلا.
______________________________
(1) في «س»: بيع ..
36
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الأول الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم ج 10 ص 34
و لو أخذ المبيع من الذمّي بشفعة فالظاهر تقسيط الثمن أخماسا.
الثاني: المال المختلط.
و هو على أربعة أقسام، لأنّه إمّا لا يعرف قدر الحرام- بالنسبة إلى الجميع لا تفصيلا و لا إجمالا- و لا صاحبه، أو يعرفان معا، أو يعرف الأول خاصّة، أو الثاني كذلك.
فإن كان الأول فيجب إخراج خمسه و يطهر الباقي على الأشهر كما صرّح به جمع ممّن تأخّر «1»، بل عن الغنية الإجماع عليه «2»، للمستفيضة، منها: صحيحة ابن أبي عمير المرويّة في الخصال، المتقدّمة في الغوص «3».
و رواية الحسن بن زياد: إنّي أصبت مالا لا أعرف حلاله من حرامه، فقال له: «أخرج الخمس من ذلك المال، فإنّ اللّه عزّ و جلّ قد رضي من المال بالخمس، و اجتنب ما كان صاحبه يعلم» «4».
و مرسلة الفقيه: أصبت مالا أغمضت فيه أ فلي توبة؟ قال: «ائتني بخمسه» فأتاه بخمسه، فقال: «هو لك، إنّ الرجل إذا تاب تاب ماله معه» «5».
و رواية السكوني: «إنّي اكتسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا و حراما، و قد أردت التوبة و لا أدري الحلال منه و الحرام و قد اختلط عليّ،
______________________________
(1) كالمحقق في المعتبر 2: 624، و العلّامة في المنتهى 1: 548، و الكاشاني في المفاتيح 1: 226.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 569.
(3) الخصال: 291- 53، الوسائل 9: 494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 7.
(4) التهذيب 4: 124- 358، الوسائل 9: 505 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10 ح 1.
(5) الفقيه 2: 22- 83، الوسائل 9: 506 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10 ح 3.
37
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثاني المال المختلط ج 10 ص 37
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: تصدّق بخمس مالك، فإنّ اللّه رضي من الأشياء بالخمس، و سائر المال لك» «1».
و موثّقة الساباطي: عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل، قال: «لا، إلّا أن لا يقدر على شيء و لا يأكل و لا يشرب و لا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت» «2».
قيل: و قصور سند بعضها- إن كان- فبما مرّ منجبر «3».
و قال جمهور من أوجبه: إنّ مصرف هذا الخمس أيضا مصرف سائر الأخماس المتقدّمة، و نسبه في البيان إلى ظاهر الأصحاب «4»، لما مرّ من الإجماع المركّب، و للمرسلتين الآتيتين «5».
مضافا إلى انضمام الصحيحة المرويّة في الخصال «6»، حيث إنّ خمس سائر ما ذكر فيها يصرف إلى الذرّية الطيّبة قطعا.
و إلى التعليل بأنّ اللّه تعالى رضي من الأموال، إلى آخره، إذ لا خمس رضي اللّه به إلّا ما يكون مصرفه الذرّية.
______________________________
(1) الكافي 5: 125- 5، التهذيب 6: 368- 1065، الوسائل 9: 506 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10 ح 4.
(2) التهذيب 6: 330- 915، الوسائل 9: 506 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10 ح 2، بتفاوت يسير.
(3) كما في الرياض 1: 295.
(4) البيان: 348.
(5) الاولى في: التهذيب 4: 128- 366، الوسائل 9: 513 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8.
الثانية في: التهذيب 4: 126- 364، الوسائل 9: 514 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 9.
(6) الخصال: 290- 51، الوسائل 9: 494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 6.
38
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثاني المال المختلط ج 10 ص 37
و إلى الأمر بإتيان الخمس إليه عليه السّلام في المرسلة، و بالبعث إلى أهل البيت في الموثقة «1».
و لا ينافيه لفظ التصدّق في الرواية «2»، لجواز استعماله في إخراج الخمس أيضا، بل قيل بشيوعه «3»، مع أنّ منافاته إنّما هو لو قلنا بحرمة كلّ تصدّق واجب على الذرّية، و هي ليست كذلك، بل تختصّ بالزكاة.
خلافا في الأول للمحكيّ عن جماعة من القدماء- كالقديمين و المفيد و الديلمي- فلم يوجبوا ذلك الخمس «4»، و هو ظاهر المدارك و الذخيرة «5»، و بعض الأجلّة «6»، للأصل، و ضعف الروايات.
و في الثاني لجمع من متأخّري المتأخّرين، فقالوا: إنّ مصرف ذلك الخمس الفقراء «7».
أقول: أمّا الخمس بالمعنى المعهود فالظاهر عدم ثبوته، لأنّ الأصل ينفيه، و الروايات المذكورة غير ناهضة لإثباته.
أمّا رواية الخصال، فلأنّ الرواية على النحو المذكور إنّما هو ما نقله عنه بعض المتأخّرين «8».
و قال بعض مشايخنا المحقّقين: و ذكر الصدوق في الخصال- في باب ما يجب فيه الخمس- رواية كالصحيحة إلى ابن أبي عمير، عن غير واحد،
______________________________
(1) و هما مرسلة الفقيه و موثقة الساباطي المتقدمتين في ص: 37 و 38.
(2) و هي رواية السكوني المتقدمة في ص: 37.
(3) كما في الرياض 1: 295.
(4) حكاه عنهم في المختلف: 203.
(5) المدارك 5: 388، و الذخيرة: 484.
(6) كالكاشاني في المفاتيح 1: 227.
(7) كصاحب المدارك 5: 388، و صاحب الذخيرة: 484.
(8) كما في الحدائق 12: 364.
39
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثاني المال المختلط ج 10 ص 37
عن الصادق عليه السّلام، قال: «الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز، و المعادن، و الغوص، و الغنيمة» و نسي ابن أبي عمير الخامس «1».
و قال مصنّف هذا الكتاب: الخامس الذي نسيه: مال يرثه الرجل، و هو يعلم أنّ فيه من الحلال و الحرام، و لا يعرف أصحاب الحرام فيؤدّيه إليهم، و لا يعرف الحرام بجنسه، فيخرج منه الخمس «2». انتهى.
و أنا تفحّصت الخصال فوجدت الرواية فيه في باب ما فيه الخمس من بعض نسخه هكذا: «الخمس في المعادن و البحر و الكنوز»، و لم أجد الرواية بالطريقين المذكورين فيه مع التفحّص عن أكثر أبوابه، و في بعض آخر كما نقله بعض مشايخنا، و لعلّ نسخ الكتاب مختلفة، و مع ذلك لا تبقى فيه حجّة، مضافا إلى عدم صراحتها في الوجوب.
و أمّا الموثقة «3»، فلعدم دلالتها على أنّ الخمس للمال المختلط بالحرام، فإنّ الشيء فيه مطلق شامل للحلال محضا و الحرام كذلك، و المشتبه، و الحرام و الحلال المختلطين، فالحمل على الأخير لا وجه له، بل الظاهر أنّه من باب خمس المكاسب.
و أمّا النهي عن عمل السلطان، فهو لأجل عمله لا لحرمة ما يأخذ، فمراده عليه السّلام: أنّه لا تدخل في عمل السلطان، و إن اضطررت إليه و دخلت و اكتسبت مالا فأدّ خمسنا.
مع أنّ أكثر ما يستفاد من عملهم الغنائم التي يجب أداء خمسها إلى الإمام، أو من مكاسبهم التي لا يؤدّون خمسها، فيمكن أن يكون ذلك وجه
______________________________
(1) الخصال 1: 291- 53، الوسائل 9: 494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 7.
(2) انظر غنائم الأيام: 373.
(3) المتقدمة في ص: 38.
40
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثاني المال المختلط ج 10 ص 37
الأمر بأداء الخمس.
و نحوها المرسلة «1» أيضا، إذ ليس فيها ما يشعر بالاختلاط إلّا الإغماض.
و يحتمل أن يكون المراد بالإغماض: الإغماض عن أداء خمسة، أو الإغماض عن حلّيته و حرمته، فيكون مشتبها، و على التقديرين يكون خمسه من باب المكاسب، و لا أقلّ من الاحتمال المخلّ بالاستدلال.
بل و كذا رواية السكوني «2»، حيث إنّ الموجود في النسخ المصحّحة التي رأيت من بعض كتب الحديث: «في مطالبه حلال و حرام».
و على هذا، فيمكن أن يكون متعلّق الإغماض محذوفا، و يكون: «في مطالبه» متعلّقا بقوله: «حلال و حرام»، أي اكتسبت مالا و أغمضت، و في مظانّ طلبه حلال و حرام، و لم أدر الحلال من الحرام في المطالب، فاشتبه لأجله ما اكتسبته، فأمر عليه السّلام بأداء خمس المكتسب.
بل يجري هذا الاحتمال على ما في أكثر نسخ كتب الفقه و بعض نسخ الحديث المصحّحة أيضا من نصب الحلال و الحرام، فيمكن كونهما حالين من المطالب.
بل يمكن إرادة ذلك المعنى من رواية الحسن «3» أيضا، بأن يكون المراد من قوله: لا أعرف حلاله من حرامه، أي حلّيته من حرمته.
و لكن الحقّ أنّ ذلك الاحتمال فيهما خلاف الظاهر، إلّا أنّه يرد عليهما احتمال أن يكون المال الحرام المختلط بالحلال الغير المتميّز عينه
______________________________
(1) المتقدمة في ص: 37.
(2) المتقدمة في ص: 37.
(3) المتقدمة في ص: 37.
41
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثاني المال المختلط ج 10 ص 37
و لا المعروف صاحبه حلالا، كما نقل المحقّق الأردبيلي في كتاب الصيد و الذباحة من شرحه قولا به.
و تدلّ عليه المستفيضة من الروايات، كموثّقة سماعة: «إن كان خلط الحلال بالحرام فاختلطا جميعا فلا يعرف الحلال من الحرام فلا بأس» «1».
و صحيحة ابن سنان: «كلّ شيء فيه حلال و حرام فهو لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه» «2».
و في صحيحة الحذّاء: «لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه» «3».
و صحيحة أبي بصير: عن شراء السرقة و الخيانة، فقال: «لا، إلّا أن يكون قد اختلط معه غيره، فأمّا السرقة بعينها فلا» «4».
و رواية جرّاح: «لا يصلح شراء السرقة و الخيانة إذا عرفت» «5».
و في صحيحة الحلبي: «لو أنّ رجلا ورث من أبيه مالا و قد عرف أنّ في ذلك المال ربا و لكن اختلط في التجارة بغيره حلالا كان حلالا طيّبا فليأكله، و إن عرف منه شيئا معزولا أنّه ربا فليأخذ رأس ماله و ليردّ الربا» «6».
و في صحيحة أخرى له: إنّي ورثت مالا، و قد علمت أنّ صاحبه الذي
______________________________
(1) الكافي 5: 126- 9، الوسائل 17: 88 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 2.
(2) الكافي 5: 313- 39، الفقيه 3: 216- 1002، التهذيب 9: 79- 337، مستطرفات السرائر: 84- 27، الوسائل 17: 87 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 1.
(3) الكافي 5: 228- 2، التهذيب 6: 375- 1094، الوسائل 17: 219 أبواب ما يكتسب به ب 52 ح 5.
(4) الكافي 5: 228- 1، التهذيب 6: 374- 1088، الوسائل 17: 335 أبواب ما يكتسب به ب 1 ح 4.
(5) الكافي 5: 228- 4، التهذيب 4: 374- 1089، الوسائل 17: 336 أبواب ما يكتسب به ب 1 ح 7.
(6) الكافي 5: 145- 4، الفقيه 3: 175- 787، التهذيب 7: 16- 69، الوسائل 18: 129 أبواب الربا ب 5 ح 2.
42
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثاني المال المختلط ج 10 ص 37
ورثت منه قد كان يربي، و قد أعرف أنّ فيه ربا و استيقن ذلك، و ليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه- إلى أن قال- فقال أبو جعفر عليه السّلام: «إن كنت تعلم بأنّ فيه مالا معروفا ربا و تعرف أهله فخذ رأس مالك و ردّ ما سوى ذلك، و إن كان مختلطا فكله هنيئا، فإنّ المال مالك» «1»، و نحوها في رواية أبي الربيع الشامي «2»، إلى غير ذلك.
و على هذا، فيمكن أن يكون الخمس المأمور به في الروايتين «3»:
خمس المكاسب، و يكون المال حلالا و إن كان قدره أيضا معلوما تفصيلا أو إجمالا ما لم تعرف عينه.
و لا استبعاد فيه، فإنّ من له تحليله للفقراء أو بعد التخميس، له تحليله لصاحب المال الحلال أيضا.
إلّا أنّ بإزاء تلك الروايات روايات أخر دالّة على الاجتناب عن الجميع، كصحيحة ضريس: «أمّا ما علمت أنّه قد خلطه الحرام فلا تأكل» «4»، و خصوصيّة المورد بالسمن و الجبن لا يخصّص عموم الجواب.
و رواية إسحاق بن عمّار: «يشتري منه ما لم يعلم أنّه ظلم فيه أحدا» «5».
و في رواية عبد اللّه بن سليمان: «كلّ شيء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان عندك بأنّ فيه الميتة» «6».
______________________________
(1) الكافي 5: 145- 5، الفقيه 3: 175- 789، التهذيب 7: 16- 70، الوسائل 18: 129 أبواب الربا ب 5 ح 3.
(2) الكافي 5: 146- 9، الوسائل 18: 130 أبواب الربا ب 5 ح 4.
(3) و هما روايتا الحسن بن زياد و السكوني، المتقدمتان في ص: 37.
(4) التهذيب 9: 79- 336، الوسائل 24: 235 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 64 ح 1.
(5) الكافي 5: 228- 3، التهذيب 6: 375- 1093، الوسائل 17: 221 أبواب ما يكتسب به ب 53 ح 2.
(6) الكافي 6: 339- 2، الوسائل 25: 118 أبواب الأطعمة المباحة ب 61 ح 2.
43
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثاني المال المختلط ج 10 ص 37
وجه دلالة الجميع واضح، و مع التعارض يرجع إلى استصحاب حرمة مال الغير المعلوم وجوده في المختلط قطعا، و عمومات حرمة مال الغير.
نعم، يرد عليهما أنّ الروايتين «1» تعارضان مع ما مرّ من الأخبار الدالّة على أنّه لا خمس إلّا في خمسة «2»، و أنّه ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصّة، و لو لا ترجيح الأخيرة بالأكثريّة و الأصحّية ليتساويان، فيرجع إلى أصل البراءة.
و لكن هذا إذا كان الكلام في الخمس المعهود، و أمّا مطلق الخمس فلا تعارض بين ما ذكر و بين الروايتين، لأنّ الخمس المنفي في ما ذكر هو الخمس المعهود كما لا يخفى، إذ لا معنى لنفي مطلق الخمس، و مدلول الروايتين وجوب إخراج خمس المال المختلط، و لا ينافي ذلك عدم وجوب الخمس المعهود.
و لا يتوهّم أنّ الخمس في الجميع لا بدّ أن يكون بمعنى واحد، إذ الخمس الذي ينصرف إلى المعهود هو الخمس المطلق، كما في الروايات الحاصرة.
و أمّا المنسوب إلى المال- كالخمس من ذلك، أو خمس مالك، كما في الروايتين- فلا ينصرف إليه.
مضافا إلى أنّ الخمس في الروايات الحاصرة من كلام الصادق أو الكاظم عليهما السّلام، و حصول الحقيقة الشرعيّة للخمس في زمانهما هو الأظهر، و في الروايتين من كلام الأمير عليه السّلام، و لم تعلم فيه الحقيقة الشرعيّة له، فيجب حمله على المعنى اللغوي.
______________________________
(1) و هما روايتا الحسن بن زياد و السكوني المتقدمتان في ص: 37.
(2) الوسائل 9: 485 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2.
________________________________________
نراقى، مولى احمد بن محمد مهدى، مستند الشيعة في أحكام الشريعة، 19 جلد، مؤسسه آل البيت عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1415 ه ق
44
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثاني المال المختلط ج 10 ص 37
فالحقّ: وجوب إخراج الخمس من ذلك المال، و لعدم تعيّن المخرج إليه يخرج إلى الفقراء من الشيعة، و الأحوط صرفه إلى الفقراء من السادة.
هذا، ثمَّ إنّ المثبتين للخمس في ذلك المال بأحد المعنيين قسّموا المال إلى أربعة أقسام: مجهول القدر و المالك، و معلومهما، و مجهول القدر معلوم المالك، و بالعكس. و قالوا باختصاص وجوب الخمس و كفايته بالقسم الأول.
أقول: و هو كذلك. و بيانه: أنّه لا شكّ أنّ مورد ذلك الخمس في المال المختلط يجب أن يكون مورد الروايتين، و هو ما لا يعرف الحلال منه و الحرام، و هو المراد بمجهول القدر.
و ذلك المعنى يتحقق عرفا في المثليّات بالجهل بالمقدار المعتبر فيه من الوزن أو الكيل أو العدّ.
و في القيميّات بالجهل بالنسبة إلى المجموع إن كان الاختلاط بالإشاعة- كالمال المشترك بين شخص و بين من غصب منه إذا لم يعلم قدر حصّة الشريك- و بالجهل بالعين إن لم يكن بالإشاعة، لصدق عدم معرفة الحلال من الحرام عرفا به.
و الظاهر أنّه لا تفيد «1» المعرفة الإجماليّة- كما لو علم أنّه لا يزيد عن المقدار الفلاني مع احتمال النقص، أو لا ينقص مع احتمال الزيادة، أو يزيد عنه أو ينقص مع عدم العلم بالقدر الزائد أو الناقص- إلّا إذا كان القدر المجهول زيادته أو نقصه قدرا لا يعبأ به بالنسبة إلى المال، لصدق عدم معرفة الحلال من الحرام عرفا، و عدم كفاية المعرفة الإجماليّة في صدق المعرفة المطلقة.
______________________________
(1) في «س»: لا يقصد ..
45
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثاني المال المختلط ج 10 ص 37
مع أنّه لو اعتبر عدم المعرفة الإجماليّة أيضا لم يتحقّق مورد لذلك الخمس أصلا، إذ يعلم في كلّ مورد اجتمع فيه الحلال و الحرام القدر الذي لا أقلّ من كلّ منهما، و كذا القدر الذي لا يزيد عنه.
فإن قيل: فيلزم وجوب الخمس في صورة العلم بأنّه لا يزيد عن العشر مثلا و إن احتمل النقص، أو العلم بأنّه لا ينقص عن الربع مع احتمال الزيادة، فيلزم إيجاب الزائد عن الحرام في الأول، و إبقاء الحرام في الثاني.
قلنا: لا ضير في اللازم، لجواز أن يكون إيجاب الزائد في الأول لتحليل العين المخلوطة، فإنّ بإخراج العشر المعلوم لا يحصل العلم إلّا بإخراج قدر الحرام دون أعيانه الداخلة في المال، مع أنّه أيضا يعطي لغير مالكه، فيمكن أن يكون الزائد لجبر هذين الأمرين.
و كذا يمكن أن يكون إخراج الخمس موجبا لتطهير المال و حلّيته، و إن كان فيه شيء حرام مجهول العين و المالك، فلا يضرّ بقاء الزائد.
فإن قيل: صرّحوا باشتراط عدم المعرفة الإجماليّة أيضا في وجوب الخمس.
قلنا: لم يصرّح به إلّا بعض نادر من المتأخّرين «1»، و لا حجّية في مثل ذلك التصريح.
و من ذلك ثبتت صحّة تخصيصهم الخمس بالقسم الأول.
و أمّا غيره، فإن كان من القسم الثاني فحكمه واضح.
و إن كان من الثالث، يجب ردّ ما علمت منه الحرمة- أي القدر المتيقّن انتفاؤه عنه- إلى مالكه.
لرواية عليّ بن أبي حمزة، و فيها: إنّي كنت في ديوان هؤلاء القوم
______________________________
(1) كالشهيد في المسالك 1: 67.
46
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثاني المال المختلط ج 10 ص 37
- يعني بني أميّة- فأصبت من دنياهم مالا كثيرا و أغمضت في مطالبه- إلى أن قال-: قال عليه السّلام له: «فأخرج من جميع ما اكتسبت من ديوانهم، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله، و من لم تعرف تصدّقت له» الحديث «1».
و لا يضرّ عدم صراحة قوله: «رددت» و: «تصدّقت» في الوجوب، بعد صريح الأمر بالخروج عمّا اكتسب من ديوانهم، فإنّ وجوبه يستلزم وجوب الردّ و التصدّق أيضا.
و لا وجه لحمل الخروج على الاستحباب، بعد جواز حرمة كلّ ما اكتسب من الديوان، فإنّ الظاهر أنّ المكتسب من الديوان أموال الناس.
و لإطلاق: «رددت عليه ماله» للمختلط بمال حلاله و للمجهول قدره يدلّ على حكم المطلوب.
و الأحوط: ردّ القدر الذي تحصل به البراءة.
و أمّا القول بوجوب الصلح هنا أو إعطاء الخمس للمالك لا دليل «2» عليه، إلّا استدعاء الشغل اليقيني للبراءة اليقينيّة في الأول، و أخبار «3» إخراج الخمس في الثاني.
و يضعّف الأول: بمنع تيقّن الشغل إلّا بالأقلّ.
و الثاني: بأنّ المأمور به هو التصدّق بالخمس، و مورد الأخبار: عدم ظهور المالك.
فإن قيل: بعد اختلاط القدر المتيقّن بغيره فلا يفيد إعطاء هذا القدر
______________________________
(1) الكافي 5: 106- 4، التهذيب 6: 331- 920، الوسائل 17: 199 أبواب ما يكتسب به ب 47 ح 1.
(2) في «ح» زيادة: تاما.
(3) الوسائل 9: 505 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10.
47
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثاني المال المختلط ج 10 ص 37
في رفع الاشتغال، إذ ليس له تقسيم المال المشترك، فلا مفرّ إلّا إرضاء المالك بالصلح.
قلنا. اللازم أن يقول له: هذا القدر مخلوط بمالي، فإن رضي بأخذ المثل و إلّا يرجع إلى الحاكم في التقسيم.
نعم، لا يتمّ هذا القول في القيميّات الغير المشاعة، إذ لا قدر متيقّنا فيه. و الظاهر فيها الرجوع إلى القرعة، لأنّها لكلّ أمر مشتبه.
و لو علم الصاحب إجمالا- أي في جملة قوم- فإن [لم] «1» يمكن الإحاطة بهم عادة فهو مجهول المالك. و إن كانوا محصورين، ففي وجوب تحصيل البراءة اليقينيّة بصلح أو غيره، و لو بدفع أمثال المال إلى الجميع، أو كونه مجهول المالك، أو الرجوع إلى القرعة، أقوال، أجودها: الأوسط، سيّما مع تكثّر الأشخاص، و الاحتياط لا ينبغي أن يترك.
و إن كان من الرابع تصدّق به.
لا لبعض الأخبار الدالّة على التصدّق بالمال المتميّز المجهول مالكه، كصحيحة يونس: كنّا مرافقين لقوم بمكّة و ارتحلنا عنهم و حملنا ببعض متاعهم بغير علم و قد ذهب القوم و لا نعرفهم و لا نعرف أوطانهم و قد بقي المتاع عندنا، فما نصنع به؟ قال: فقال: «تحملونه حتى تلحقوهم بالكوفة»، قال يونس: فقلت لست أعرفهم و لا ندري كيف نسأل عنهم؟ قال: فقال: «بعه و أعط ثمنه أصحابك»، قال: فقلت: جعلت فداك أهل الولاية؟ قال: «نعم» «2»، لاختصاصها بالمال المتميّز.
______________________________
(1) أثبتناها لاقتضاء الكلام.
(2) التهذيب 6: 395- 1189، الوسائل 25: 450 كتاب اللقطة ب 7 ح 2، بتفاوت يسير.
48
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثاني المال المختلط ج 10 ص 37
و لا لرواية نصر بن حبيب: و قد وقعت عندي مائتا درهم و أربعة دراهم، و أنا صاحب فندق، و مات صاحبها و لم أعرف له ورثة، فرأيك في إعلامي حالها و ما أصنع بها فقد ضقت بها ذرعا؟ فكتب: «اعمل فيها و أخرجها صدقة قليلا قليلا حتى تخرج» «1»، لأنّها واردة في حكم من لا يعرف له ورثة، و ماله مال الإمام، لأنّه وارث من لا وارث له، و من لا يعرف وارثه فالأصل عدم وارث له.
مع أنه مصرّح به في رواية محمّد بن القاسم: في رجل صار في يده مال لرجل ميّت لا يعرف له وارثا، كيف يصنع بالمال؟ قال: «ما أعرفك لمن هو؟!» يعني نفسه «2».
و لا تنافيه رواية النصر، لأنّ للإمام الأمر بتصدّق ماله، و لذا لا تنافيه الأخبار الواردة بأنّ من لم يكن له وارث يعطى ماله همشهريجه [1].
بل لرواية عليّ بن أبي حمزة المتقدّمة «3»، الشاملة بإطلاقها لما نحن فيه.
و منه يظهر ضعف ما في الحدائق- بعد نقل القول بتصدّق ذلك القسم-: أنّ الظاهر أنّ مستنده الأخبار «4» الدالّة على الأمر بالتصدّق بالمال
______________________________
[1] 26: 252 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 4. و همشهريجه كلمة فارسية معرّبة تعني: أهل بلده.
______________________________
(1) الكافي 7: 153- 3، و في التهذيب 9: 389- 1389، و الاستبصار 4:
197- 740 عن فيض بن حبيب، مع تفاوت يسير في المتن، الوسائل 26: 297 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 6 ح 13.
(2) التهذيب 9: 390- 1393، الاستبصار 4: 198- 741، الوسائل 26: 251 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 3 ح 13.
(3) الكافي 5: 106- 4، التهذيب 6: 331- 920، الوسائل 17: 199 أبواب ما يكتسب به ب 47 ح 1.
(4) الوسائل 26: 296 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 6، و ج 17: 199 أبواب ما يكتسب به ب 47.
49
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثاني المال المختلط ج 10 ص 37
المجهول المالك.
و لقائل أن يقول: إنّ موردها إنّما هو المال المتميّز في حدّ ذاته للمالك المفقود الخبر، و إلحاق المال المشترك به- مع كونه ممّا لا دليل عليه- قياس مع الفارق، لأنّ الاشتراك في هذا المال سار في كلّ درهم درهم و جزء جزء منه. فعزل هذا القدر المعلوم- مع كون الشركة شائعة- لا يوجب استحقاق المال المجهول له حتى يتصدّق به، فهذا العزل لا ثمرة له، بل الاشتراك باق.
إلى أن قال: و بما ذكرنا يظهر أنّ الأظهر: دخول هذه الصورة تحت الأخبار المتقدّمة، أي إخراج الخمس «1». انتهى.
فإنّ رواية ابن أبي حمزة شاملة بل ظاهرة في المال المختلط، مع أنّ بعد العلم بالقدر يخرج من تحت أخبار الخمس، فلا وجه لإدخاله فيها.
و هل التصدّق به و بالمال المتميّز المجهول مالكه- كما هو مورد صحيحة يونس و الداخل في عموم رواية ابن أبي حمزة- لأنّه مال الفقراء؟
أو لكونه مال الإمام، و هو أمر بالتصدّق؟
الظاهر: الثاني، لرواية داود بن أبي يزيد: إنّي قد أصبت مالا و إنّي قد خفت فيه على نفسي، و لو أصبت صاحبه دفعته إليه و تخلّصت منه، قال:
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لو أصبته كنت تدفعه إليه؟» فقال: إي و اللّه، فقال عليه السّلام: «و اللّه ماله صاحب غيري» قال: فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره، قال: فحلف، قال: «فاذهب فاقسمه في إخوانك، و لك الأمن ممّا خفت فيه» قال: فقسّمه بين إخوانه «2».
______________________________
(1) الحدائق 12: 364- 365.
(2) الكافي 5: 138- 7، الفقيه 3: 189- 854، الوسائل 25: 450 كتاب اللقطة ب 7 ح 1.
50
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثاني المال المختلط ج 10 ص 37
و إطلاق المال و عدم الاستفصال ينافي اختصاصه بكونه من الأموال المختصّة للإمام المفقودة منه. و لا ينافي الأخبار المتضمّنة للتصدّق مطلقا لذلك أيضا، لأنّ له صرف ماله في أيّ مصرف أراد.
و تدلّ عليه أيضا الأخبار الآتية في بحث الأنفال من ذلك المبحث، المصرّحة: بأنّ الأراضي التي جلي أهلها أو باد من الأنفال «1».
فإن قيل: فعلى هذا فلا يثبت من الأخبار المتقدّمة وجوب التصدّق به، لأنّ أمر الإمام أحدا بالتصدّق بما عنده من مال الإمام لا يدلّ على ثبوته في حقّ الغير أيضا،. بل و لو لا رواية داود أيضا لا يثبت، لأنّ الأمر بالتصدّق يحتمل أن يكون إذنا منه فلا يفيد جواز التصدّق لغير المأمور.
قلنا: نعم، و لكن أمره عليه السّلام بالتصدّق به حال ظهوره عليه السّلام و وجود مصارف كثيرة له للمال يثبته في حال الغيبة و عدم احتياجه و فاقة مواليه بالطريق الأولى .. بل لنا إثبات جواز التصدّق- بل وجوبه- بالإذن الحاصل من شاهد الحال أيضا، سيّما مع تأيده بتلك الأخبار، و كون حفظه و إبقائه للإمام- كما جعله أحد الوجهين في نهاية الإحكام [1]، و حكي عن الحلّي «2»- معرضا لفساد المال، و عدم وصوله إلى أهله.
و هل يتوقّف التصدّق على إذن النائب العام أو مباشرته في زمن الغيبة، أم لا؟
الظاهر: نعم، إذ الأصل عدم جواز تصرّف كلّ أحد، و لا يثبت من فحوى أخبار التصدّق و شاهد الحال أزيد من ذلك، و لا يحصل العلم
______________________________
[1] الموجود في نهاية الإحكام 2: 525: و لو عرف القدر دون المالك تصدق به أو احتفظه و دفعه إلى مالكه.
______________________________
(1) الوسائل 9: 523 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1.
(2) السرائر 1: 488.
51
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثاني المال المختلط ج 10 ص 37
بالبراءة و جواز التصرّف بدونه.
و سيجيء زيادة بيان لذلك في مسألة تقسيم حصّة الإمام من الخمس.
فرعان:
أ: حيثما خمّس أو تصدّق به ثمَّ ظهر المالك، فإن رضي بما فعل و إلّا ففي الضمان و عدمه وجهان، بل قولان، أحوطهما: الأول، و أوفقهما بالأصل: الثاني، للإذن من الشارع، فلا يستعقب «1» الضمان.
ب: لو كان الحلال الخليط ممّا يجب فيه الخمس خمّسه بعد إخراج الخمس بحسبه.
المسألة الرابعة:
لا يجب الخمس في الميراث، و الصداق، و الصدقة، و الهبة، و نحوها، على الحقّ المشهور، بل في السرائر: أنّه شيء لم يذكره أحد من أصحابنا غير أبي الصلاح «2»، لما عرفت من اختصاص ثبوت الخمس في الفوائد المكتسبة، و صدقها على هذه الأمور غير معلوم.
و تدلّ عليه أيضا في الجملة رواية ابن مهزيار: رجل دفع إليه مال يحجّ به، هل عليه في ذلك المال حين يصير إليه الخمس، أو على ما فضل في يده بعد الحجّ؟ فكتب عليه السّلام: «ليس عليه الخمس» «3».
و إثبات الخمس في بعض الروايات في الجائزة أو الميراث «4» غير مفيد، لضعف البعض سندا، و الكلّ بمخالفة الشهرة القديمة و الجديدة
______________________________
(1) في «س»: فلا يستصحب ..
(2) السرائر 1: 490.
(3) الكافي 1: 547- 22، الوسائل 9: 507 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 11 ح 1.
(4) الوسائل 9: 499 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8.
52
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الرابعة ج 10 ص 52
و الشذوذ.
خلافا للمحكيّ عن الحلبي «1»، و استحسنه في اللمعة «2»، و يميل إليه كلام بعض متأخّري المتأخّرين «3»، لعموم الفوائد. و جوابه قد ظهر.
و كذا لا يجب في الهبة الغير المعوّضة، أو المعوّضة بشيء يسير بالنسبة إلى الموهوب، أو بالمصالحة كذلك، لعدم صدق الاكتساب عرفا و إن عدّه الفقهاء من المكاسب.
بخلاف ما لو طلب الهبة أو المصالحة، و كان العوض أو مال المصالحة ما يعتنى بشأنه.
______________________________
(1) الكافي في الفقه: 170.
(2) اللمعة (الروضة 2): 74.
(3) كصاحب الحدائق 12: 352.
53
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المقصد الثاني في شرائط وجوب الخمس فيما يجب فيه ج 10 ص 55
المقصد الثاني في شرائط وجوب الخمس فيما يجب فيه
و هي أمور تذكر في مسائل
55
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الاولى ج 10 ص 57
المسألة الاولى:
لا يشترط بلوغ النصاب في وجوبه في غير الغنائم و الكنز و الغوص و المعادن إجماعا، للأصل السالم عن المعارض بالمرّة، و العمومات «1»، و الإطلاقات.
و كذا في غنائم دار الحرب، فلا فرق في وجوب الخمس فيها بين قليلها و كثيرها على الحقّ المشهور، لما مرّ.
و عن المفيد: اعتبار بلوغ قيمتها عشرين دينارا «2». و العمومات تدفعه.
و يشترط في الكنز و الغوص بلا خلاف فيهما يعرف، بل في الأول عند علمائنا، كما عن التذكرة و المنتهى «3»، و بالإجماع، كما عن الخلاف و الغنية «4»، و في الثاني بالإجماع المحقّق، و المحكيّ مستفيضا «5».
و في المعادن على الأقوى، وفاقا للمبسوط و النهاية و الوسيلة و المعتبر و المختلف و التحرير و القواعد و الإرشاد و التبصرة و البيان و الروضة «6»، و مال
______________________________
(1) الوسائل 9: 495 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5.
(2) نقله عنه في المختلف: 203.
(3) التذكرة 1: 253، المنتهى 1: 549.
(4) الخلاف 2: 121، الغنية (الجوامع الفقهية): 569.
(5) كما في المدارك 5: 375، و الذخيرة: 479، و غنائم الأيام: 366.
(6) المبسوط 1: 237، النهاية: 197، الوسيلة: 138، المعتبر 2: 293، المختلف: 203، التحرير 1: 73، القواعد 1: 62، الإرشاد 1: 292، التبصرة:
50، البيان: 342، الروضة 2: 70.
57
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الاولى ج 10 ص 57
إليه في المنتهى و التلخيص و النافع و الدروس «1»، و هو مختار عامّة المتأخّرين «2»، لظاهر الإجماع في الأولين.
مضافا في الأول إلى صحيحة البزنطي: عمّا يجب فيه الخمس من الكنز، فقال: «ما يجب فيه الزكاة في مثله ففيه الخمس» «3».
و في الثاني إلى رواية محمد بن علي: عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد، و عن معادن الذهب و الفضة، ما فيه؟ قال: «إذا بلغ ثمنه دينارا ففيه الخمس» «4».
و لهذه الرواية في الثالث مضافا إلى صحيحة البزنطي: عمّا اخرج من المعدن من قليل أو كثير، هل فيه شيء؟ قال: «ليس فيه شيء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا» «5».
خلافا في الثالث للخلاف و الاقتصاد و الجمل و السرائر «6» و ظاهر الإسكافي و العماني و المفيد و السيّدين و القاضي و الديلمي، فلم يعتبروا فيه نصابا «7»،
______________________________
(1) المنتهى 1: 549، النافع: 63، الدروس 1: 260.
(2) كفخر المحققين في الإيضاح 1: 217، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 295، و السبزواري في الذخيرة: 478.
(3) الفقيه 2: 21- 75، الوسائل 9: 495 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5 ح 2.
(4) الكافي 1: 547، الحجّة ب 20 ح 21، و في الفقيه 2: 21- 72، و التهذيب 4:
124- 356، و الوسائل 9: 493 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 5 بتفاوت يسير، المقنعة: 283.
(5) التهذيب 4: 138- 391، الوسائل 9: 494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 4 ح 1.
(6) الخلاف 2: 119، الاقتصاد: 283، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 207، السرائر 1: 489.
(7) حكاه عن الإسكافي و العماني في المختلف: 203، المفيد في المقنعة: 276، حكاه عن السيد المرتضى في المختلف: 203، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 569، القاضي في المهذّب 1: 178- 179، الديلمي في المراسم: 139.
58
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الاولى ج 10 ص 57
و نسبه في الروضة إلى ظاهر الأكثر «1»، و في الخلاف و السرائر الإجماع عليه «2»، استنادا إلى ذلك الإجماع، و العمومات «3».
و الأول ممنوع، و الثاني بوجود المخصّص مدفوع.
ثمَّ النصاب في الأول: عشرون دينارا عند علمائنا، كما عن التذكرة و المنتهى «4»، بل بالإجماع، كما عن الخلاف و الغنية «5»، لصحيحة البزنطي المذكورة أولا.
و تكفي مائتا درهم على الأصحّ، إذ فيها تجب الزكاة أيضا.
و كذا في الثالث، وفاقا لغير الحلبي من المعتبرين للنصاب «6»، لصحيحة البزنطي الثانية. و لا تنافيها رواية محمّد بن علي، لعدم صراحتها في الوجوب.
و الصحيحة و إن كانت كذلك أيضا إلّا أنّ نفيها للوجوب قطعي، مع أنّه على فرض التنافي يكون العمل على الصحيحة، لضعف الرواية بالشذوذ، و مخالفة الشهرتين العظيمتين.
خلافا للحلبي، فجعله دينارا، للرواية. و جوابها قد ظهر.
و في الثاني: دينار على الأشهر الأقوى، بل عليه الإجماع في السرائر
______________________________
(1) الروضة 2: 71.
(2) الخلاف 2: 119، السرائر 1: 489.
(3) الوسائل 9: 491 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3.
(4) التذكرة 1: 253، المنتهى 1: 549.
(5) الخلاف 2: 121، الغنية (الجوامع الفقهية): 569.
(6) كما في النافع: 63، و المفاتيح 1: 223.
59
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الاولى ج 10 ص 57
و التنقيح و المنتهى «1»، لرواية محمّد بن عليّ المنجبر هنا ضعفها، مضافة إلى نفي الأقلّ بالإجماع و الأكثر بالعمومات «2».
خلافا للرسالة العزّية، فجعله عشرين دينارا «3».
و هو- مع عدم وضوح مستنده- شاذّ مخالف لما دلّ على وجوب الخمس فيه مطلقا.
فرع: لا يعتبر في نصاب المعدن و الغوص الإخراج دفعة
، بل لو أخرج في دفعات متعدّدة ضمّ بعضه إلى بعض، و اعتبر النصاب من المجموع و إن تخلّل طول الزمان أو الأعراض، وفاقا لصريح جماعة، كالروضة و المدارك و الذخيرة «4»، و ظاهر الأكثر «5»، لإطلاق النصّ.
و خلافا للمنتهى و التحرير «6» في صورة الإعراض، و لعلّه لعدم انفهام ما يتخلّل بين دفعاته الإعراض من النصّ، و تبادر ما يخرج دفعة واحدة عرفيّة، و هي ما لا يتخلّل بينها الإعراض. و فيه نظر.
و في اعتبار اتّحاد النوع وجهان احتملهما في البيان «7».
و استجود في الروضة الاعتبار «8»، و كأنّه للأصل و الشكّ في دخول الأنواع المختلفة في الأفراد المتبادرة من الإطلاق.
______________________________
(1) السرائر 1: 488، التنقيح 1: 338، المنتهى 1: 550.
(2) الوسائل 9: 498 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 7.
(3) نقله عنه في المختلف: 203.
(4) الروضة 2: 71، المدارك 5: 376، الذخيرة: 478.
(5) كما في البيان: 345، و مجمع الفائدة 4: 296.
(6) المنتهى 1: 549، التحرير 1: 74.
(7) البيان: 343.
(8) الروضة 2: 72.
60
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
فرع لا يعتبر في نصاب المعدن و الغوص الإخراج دفعة ج 10 ص 60
و اختار في المنتهى و التذكرة و التحرير و المدارك: العدم «1»، لما مرّ من إطلاق النصّ. و هو الأظهر، لذلك، و عدم اعتبار الشكّ في التبادر، بل المعتبر العلم بعدم التبادر، و هو ممنوع.
و لو اشترك جماعة في الاستخراج، قالوا: يعتبر بلوغ نصيب كلّ واحد النصاب «2».
و يظهر من بعض الأجلّة و صاحب الحدائق «3» الميل إلى العدم، بل يكفي بلوغ نصيب المجموع. و هو قوي، للإطلاق، خرج منه غير صورة الاشتراك بالإجماع و الضرورة، فيبقى الباقي.
المسألة الثانية:
يشترط في وجوب الخمس في الفوائد المكتسبة بأقسامها الخمسة: وضع مئونة التحصيل التي يحتاج إليها في التوصّل إلى هذه الأمور، من حفظ الغنيمة و نقلها، و اجرة حفر المعدن و إخراجه و إصلاحه و آلاته، و آلات الغوص أو أرشها، و اجرة الغوص و غير ذلك، و مئونة التجارة من الكراية، و اجرة الدلّال و المنزل، و مئونة السفر و العشور و نحوها، و كذا مئونة الزراعة و الصناعة «4» ممّا يحتاج إليها حتى آلات الصناعة «5»، لعدم صدق الفائدة على ما يقابلها، و للأخبار المستفيضة:
كصحيحة البزنطي: الخمس أخرجه قبل المؤنة أو بعد المؤنة؟
فكتب: «بعد المؤنة» «6».
______________________________
(1) المنتهى 1: 550، التذكرة 1: 253، التحرير 1: 73، المدارك 5: 367.
(2) كما في الكفاية: 42.
(3) الحدائق 12: 344.
(4) في «ق»: الصياغة.
(5) في «ق»: الصياغة.
(6) الكافي 1: 545- 13، الوسائل 9: 508 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 12 ح 1
61
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الثانية ج 10 ص 61
و توقيع الهمداني: «الخمس بعد المؤنة» «1».
و رواية الأشعري: عن الخمس، أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل أو كثير من جميع الضروب و على الصنّاع؟ و كيف ذلك؟ فكتب بخطّه: «الخمس بعد المؤنة» «2»، إلى غير ذلك ممّا يأتي.
و المؤنة و إن كانت مجملة محتملة لمؤنة المعاش، إلّا أنّ عدم حجّية العامّ المخصّص بالمجمل المنفصل في موضع الإجمال يثبت وضع مئونة التحصيل و التوصّل.
و لا يوجب التصريح بمؤنة الرجل في بعض الأخبار «3» ابتداء أو بعد السؤال عمّا اختلف فيه- كما يأتي- تقييد تلك الأخبار أيضا، لأنّه لا يدلّ على أنّها المراد خاصّة بالمؤنة في مطلقاتها، و لا على أنّه ليس بعد مئونة العمل، بل يدلّ على كونه بعد هذه المؤنة.
و أمّا مئونة
62
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الثانية ج 10 ص 61
آلات الصناعة «1»- فيوضع عن القسم الخامس.
ثمَّ الحقّ: أنّ اعتبار النصاب فيما يعتبر فيه قبل هذه المؤنة، وفاقا للمدارك «2»، فيجب فيه الخمس إذا بلغ النصاب، غايته وضع المؤنة، لإطلاق قوله: «ما يجب فيه الزكاة في مثله ففيه الخمس» و قوله: «حتى يبلغ عشرين دينارا» أو: «إذا بلغ ثمنه دينارا ففيه الخمس»، و تخصيص ما يقابل المؤنة بمخصّص لا ينافيه.
خلافا لصريح البيان و الدروس «3»، و المحكيّ عن ظاهر الأكثر «4»، فبعدها يعتبر. و ما ذكرناه يردّه.
المسألة الثالثة:
يشترط في وجوب الخمس في القسم الخامس- و بعبارة أخرى: في غير الغنائم و المعادن و الكنز و الغوص من الفوائد المكتسبة من حيث هي- كونه فاضلا عن مئونة السنة، إجماعا محقّقا، و محكيّا عن صريح السرائر و المعتبر و ظاهر المنتهى و التذكرة و الذخيرة و المدارك «5»، و في الحدائق نفى الخلاف عنه ظاهرا «6».
لما ذكر، و للأصل، و المستفيضة، كصحيحة البزنطي و توقيع الهمداني المتقدّمين في الغنائم «7»، و روايات النيشابوري «8» و الأشعري «9» و ابن
______________________________
(1) في «ق»: الصياغة.
(2) المدارك 5: 392.
(3) البيان: 344، الدروس 1: 260.
(4) انظر الروضة 2: 71.
(5) السرائر 1: 489، المعتبر 2: 627، المنتهى 1: 550، التذكرة 1: 253، الذخيرة: 483، المدارك 5: 385.
(6) الحدائق 12: 347.
(7) راجع ص: 61 و 62.
(8) التهذيب 4: 16- 39، الاستبصار 2: 17- 48، الوسائل 9: 500 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 2.
(9) المتقدّمة في ص: 62.
63
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الثالثة ج 10 ص 63
مهزيار «1» السابقة.
و رواية الهمداني، و فيها: و اختلفوا من قبلنا في ذلك، فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المؤنة، مئونة الضيعة و خراجها، لا مئونة الرجل و عياله، فكتب عليه السّلام: «بعد مئونته و مئونة عياله و خراج السلطان» «2».
و المرويّ في تفسير العيّاشي: كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السّلام أسأله عمّا يجب في الضياع، فكتب: «الخمس بعد المؤنة» فقال: فناظرت أصحابنا، فقالوا: المؤنة بعد ما يأخذ السلطان و بعد مئونة الرجل، فكتبت إليه: إنّك كتبت «3» إليّ: أنّ الخمس بعد المؤنة، و إنّ أصحابنا اختلفوا في المؤنة، فكتب: «الخمس بعد ما يأخذ السلطان و بعد مئونة الرجل و عياله» «4».
و المؤنة في بعض تلك الأخبار و إن لم تكن معيّنة، إلّا أنّ في بعض آخر صرّح ب: «مئونة الرجل و عياله» أو: «مئونته» أو: «مئونتهم» و ضعفه- إن كان- بالعمل يجبر.
مضافا إلى ما مرّ من أنّ إجمال المؤنة كاف في إخراج جميع المؤن ممّا ليس على عدم إخراجه دليل، لعدم بقاء عمومات الخمس و إطلاقاتها على الحجّية حينئذ، لتخصيصها بالمجمل المنفصل.
لا يقال: التخصيص في رواية النيشابوري [بالمتّصل] «5» حيث يدلّ
______________________________
(1) المتقدمة في ص: 52.
(2) الكافي 1: 547- 24، التهذيب 4: 123- 354، الاستبصار 2: 55- 183، الوسائل 9: 500 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 4.
(3) في المصدر: قلت.
(4) تفسير العياشي 2: 63- 61، مستدرك الوسائل 7: 285 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 7 ح 1.
(5) في النسخ: بالمنفصل، و الصحيح ما أثبتناه.
64
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الثالثة ج 10 ص 63
مرجع الضمير المجرور في قوله: «منه» بما يفضل عن مئونته، و المخصّص بالمتّصل المجمل عندك حجّة في غير ما علم خروجه و إن خصّص بمثله من المنفصل.
لأنّا نقول: هذا إنّما يصحّ لو كان: «ممّا يفضل» بدلا عن الضمير، و لكنّه يمكن أن يكون متعلّقا بالخمس، أي لي خمس ما يفضل عن مئونته من ستّين كرّا، فلا تخصيص في المرجع أصلا.
و منه يظهر وجه تقييد المؤنة بمؤنة السنة، كما صرّح به كثير من الأصحاب، و عن السرائر و المنتهى و التذكرة: الإجماع عليه «1»، لعدم إخراج مئونة الزائد عن السنة إجماعا، فيبقى الباقي تحت الإجمال المذكور، مع أنّ المؤنة مطلقة مضافة، فتفيد العموم، خرج منها الزائد عن السنة فيبقى الباقي.
و أيضا المتبادر من المؤنة- كما صرّح به جماعة «2»- مئونة السنة، سيّما من مئونة أرباب الضياع «3» و التجار، لعدم انضباط نسبة أرباحهم إلى مئونة كلّ يوم.
فروع:
أ: المؤنة التي يشترط الفضل عنها هي مئونة الرجل نفسه
و عياله الواجبي النفقة إجماعا، و غيرهم ممّن أدخله في عياله عرفا على ما عمّمه جماعة «4»، لعموم العيال في الأخبار، و الإجمال المتقدّم ذكره. و الضيف
______________________________
(1) السرائر 1: 489، المنتهى 1: 548، التذكرة 1: 253.
(2) منهم صاحب الحدائق 12: 353، و صاحب الرياض 1: 296.
(3) في «س»: الصنائع.
(4) كصاحب الذخيرة: 483.
65
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
أ: المؤنة التي يشترط الفضل عنها هي مئونة الرجل نفسه ج 10 ص 65
أيضا مطلقا- كما عن الجامع و الدروس و في الروضة «1»- أو في الجملة، كما عن الشاميّات لابن فهد و المقداديّات للفاضل. و الأولى درج مئونة الضيف في مئونة الرجل.
ب: المفهوم لغة و عرفا من مئونة الشخص:
ما دعته إليه من المخارج الماليّة ضرورة أو حاجة بحسب اللائق بحاله عادة.
و بعبارة أخرى: ما يلزمه صرفه لزوما عقليّا أو عاديّا أو شرعيّا من أنواع المصارف، و بحسب الاقتصاد اللائق بحاله من كيفيّاتها.
و بثالثة: ما يضطرّ إليه عقلا أو يلزمه شرعا أو لا يليق له تركه عادة و عرفا من الأنواع، و بحسب اللائق بحاله عادة في الكيفيّات.
و برابعة «2»: المال المحتاج إليه في رفع الحوائج و الضرورات.
هذا معناها الاسمي، و أمّا المصدري فهو: صرف المال المذكور.
و إنّما قلنا: إنّ المؤنة ذلك، للتبادر و عدم صحّة السلب فيما ذكر، و عدم التبادر و صحّة السلب في غيره، كما يظهر لك فيما نذكره.
و من هذا يظهر وجه ما صرّح جماعة «3»- بل الأكثر على ما صرّح به بعض الأجلّة- من تقييد المؤنة بكونها على وجه الاقتصاد بحسب اللائق بحاله عادة دون الإسراف، فإنّه ليس من المؤنة، لصحّة السلب.
و يؤيّده ما في موثّقة سماعة الواردة فيمن يحلّ له أخذ الزكاة: «فإن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه و لعياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم في غير
______________________________
(1) الجامع للشرائع: 148، الدروس 1: 258، الروضة 2: 76.
(2) في «ق» و «ح»: يرادفه.
(3) منهم الشيخ في النهاية: 198، و الديلمي في المراسم: 139، و الحلي في السرائر 1: 489، و السبزواري في الكفاية: 43.
66
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
ب: المفهوم لغة و عرفا من مئونة الشخص ج 10 ص 66
إسراف فقد حلّت له الزكاة» «1».
(يمكن الاستدلال بها) «2» بضميمة ما صرّح به بعض الأصحاب «3»- بل انعقد عليه الإجماع- من أنّ المعتبر في حلّ الزكاة قصر المؤنة، بل يظهر منها أيضا صدق المؤنة على ما ذكرنا، لصدق الحاجة في كلّ ما ذكر.
و يظهر منه أيضا أنّ ما كان لغوا- كسفر لا حاجة إليه، أو دار زائدة أو تزويج الزائدة على امرأة مع عدم الحاجة- و ما كان معصية- كمؤنة الملاهي، و تصوير البيت بذات روح، و سفر المعصية، و معونة الظالم، و نحوها- ليس من المؤنة، لما ذكر من صحّة السلب.
و كذا تظهر صحّة استشكال بعض الأجلّة في احتساب الصلة و الهديّة اللائقان بحاله، و قال: إنّه لا دليل على احتسابه.
و كذا ترديده في مئونة الحجّ المندوب و سائر سفر الطاعة المندوبة.
و هما في موقعهما، بل الظاهر عدم كونها من المؤنة، و هو كذلك، فلا يحتسب إلّا مع دعاء الضرورة العاديّة إليهما.
و صحّة تقييد ابن فهد في الشاميّات الضيافة بالاعتياد أو الضرورة، بل في كفاية الاعتياد أيضا نظر، إلّا أن يكون بحيث يذمّ بتركها عادة، فلا يحسب مطلق الضيافة و لا الصدقة و لا الصلة و لا الهديّة و لا الأسفار المندوبة، و لا سائر الأمور المندوبة من غير ضرورة أو حاجة و لو بقدر اقتصادها.
______________________________
(1) الكافي 3: 560- 4، الفقيه 2: 17- 57، التهذيب 4: 48- 127، الوسائل 9:
235 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 1.
(2) ما بين القوسين ليس في «س».
(3) كصاحب الذخيرة: 453.
67
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
ب: المفهوم لغة و عرفا من مئونة الشخص ج 10 ص 66
و طرف الإفراط في ذلك: ما ذكره المحقّق الخوانساري في رسالته من احتساب مئونة المستحبّات من غير اعتبار الاقتصاد فيها.
و يظهر أيضا احتساب مئونة الأمور الواجبة شرعا- كالحجّ الواجب و النذر و الكفّارة و ما يضطرّ إليه من مأخوذ الظالم قهرا أو مصانعة- لصدق المؤنة على الكلّ، و صرّح بالأخير في رواية العيّاشي المتقدّمة «1».
ثمَّ المراد باللائق بحاله عادة: أنّه لم يعدّ زائدا له عرفا و لا يلام به، لا ما يعدّ خلافه ناقصا و يلام بتركه، لوضوح صدق المؤنة و عدم صحّة السلب مع عدم عدّه زائدا.
و هذا هو سرّ تقييدنا نوع المؤنة بالاضطرار أو اللزوم، و كيفيّتها باللياقة، فإنّ من أنواع المخارج ما لا يعدّ زائدا و لكن يصحّ سلب المؤنة عنها، كبناء المسجد و سفر الطاعة و ضيافة الإخوان و الهديّة و البذل.
و لكن ما يلزم نوعه لا يشترط في كيفيّته اللزوم أيضا، بل يكفي عدم عدّها زائدة، فإنّه لا يشترط في صدق المؤنة على الكسوة مثلا الاقتصار على كيفيّة يذمّ على ما دونها، بل يصدق مع كونها بحيث لا تعدّ زائدة عرفا.
و قد يختلف حال الكيفيّة في صورة الانضمام مع النوع و التجدّد بعده، كشراء الدار المجصّصة أولا و التجصيص بعد الشراء، و اللّازم متابعة العرف.
ج: و اعلم أنّه يشترط في الحاجة أو اللزوم لزومه في ذلك العام
، فلا يكفي تحقّق الحاجة أو اللزوم في عام آخر، فمن كانت له دار مستأجرة في
______________________________
(1) تفسير العياشي 2: 63- 61، مستدرك الوسائل 7: 258 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 7 ح 1.
68
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
ج: و اعلم أنه يشترط في الحاجة أو اللزوم لزومه في ذلك العام ج 10 ص 68
عام ربح و اشترى دارا لأعوام أخر لا تحتسب له قيمة الدار من ربح ذلك العام كما لا يحتسب له ثمن طعام العام الآتي، لأنّ المعتبر مئونة هذه السنة، و لا يحتاج إلى دار فيها.
نعم، لو احتاج إلى شيء مرة و كانت نسبته إلى جميع الأحوال متساوية يحسب له من كلّ عام صرفه، كمؤنة التزويج له و لولده.
د: من مئونة الرجل: ما يصرف في الأكل و الشرب و الكسوة
، و ما به تجمّله اللازم له عرفا، و ما يحتاج إليه من أثاث البيت و قيمة المسكن أو أجرته، و كذا الخادم و مئونة عمارة الدار و ثمن الدابّة أو أجرته، و الحقوق اللازمة عليه من النذر و الكفارات و الدين و الصداق و مئونة الحجّ الواجب و التزويج لنفسه أو ولده، و نحو ذلك.
و منهم من قيّد الدين بصورة الحاجة إليه.
و منهم من قيّد المتأخّر عن الاكتساب الواقع في عامه بالحاجة، دون المتقدّم، فأطلقه و لو كان لا لغرض صحيح.
و الكلّ لأجل اختلاف الفهم في الصدق في مصداق المؤنة، و العرف يعاضد الأخير جدّا، و مثله المنذور أيضا.
ه: هل يعتبر في صدق المؤنة على ما ذكرنا تحقّق الإنفاق و الصرف أيضا،
حتى أنّه لو قتّر على نفسه مع الحاجة لم يحسب له، أو لا يعتبر فيحسب؟
صرّح في الدروس و البيان و الروضة و المدارك بالثاني «1»، بل الظاهر أنّه مذهب الأكثر.
و هو الأظهر، إذ لو وضع القدر المتعارف أولا بقصد الإنفاق لم يكن
______________________________
(1) الدروس 1: 258، البيان: 348، الروضة 2: 76، المدارك 5: 385.
69
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
ه: هل يعتبر في صدق المؤنة على ما ذكرنا تحقق الإنفاق و الصرف أيضا ج 10 ص 69
فيه خمس، فتعلّقه به بعد ترك الإنفاق يحتاج إلى دليل.
و أيضا الظاهر صدق المؤنة على ما ذكرنا بدون قيد الإنفاق، و لا أقلّ من احتماله الموجب للإجمال، الموجب لعدم وجوب الخمس فيه كما مرّ.
و لذا يحلّ للفقير أخذ قدر الاقتصاد و لو كان من قصده التقتير، و يجوز إعطاؤه بهذا القدر و لو علم تقتيره.
و أمّا عدم جواز إعطاء ما قتّر بعد تقتيره فلأجل انتفاء حاجته حينئذ، و توقّف حلّية الزكاة على الحاجة في الحال أو المستقبل.
بخلاف الوضع للخمس، فإنّه لم يتوقّف إلّا على صدق المؤنة المتوقّف على الحاجة في الجملة.
و منه يظهر وجه ما ذكره بعضهم- منهم المحقّق الخوانساري «1»- من وضع مئونة الحجّ إذا وجب في عام و قصر فيه، و كذا إن وجب قبله و قصر و تلف ماله السابق على ذلك العام و لم يكن ما يحجّ به غير ربح العام.
و لو كان له ربح سابق يحسب منه لا من ربح ذلك العام، و كذا الدين اللازم أداؤه، بل و كذا كلّ مئونة واجبة قصر فيها، كأداء المنذور و الكفّارات و نحوها.
و: لو قلّت المؤنة في أثناء حول لذهاب بعض عياله أو ضيافته في مدّة أو نحوها
، لم يحسب له، لظهور الكاشف في أنّ مئونة هذه السنة ما صرفه خاصّة.
ز: لو بقيت عين من أعيان مئونته حتى تمَّ الحول
- كأن يشتري دابّة أو عبدا أو دارا أو أثاث الدار أو لباسا أو نحوها- فهل يجب الخمس فيها بعد تمام الحول، أو لا؟
______________________________
(1) احتمله في الحواشي على شرح اللمعة الدمشقية: 314.
70
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
ز: لو بقيت عين من أعيان مئونته حتى تم الحول ج 10 ص 70
الظاهر: لا، كما صرّح به بعض فضلاء معاصرينا أيضا، إذ لم يكن الخمس فيها واجبا، فيستصحب.
فإن قيل: صدق الفائدة المكتسبة عليها، و وجوب الخمس فيما زاد عن مئونة السنة منها، يزيل الاستصحاب.
قلنا أولا: إنّا لا نسلّم عدم كونها عن مئونة السنة، فإنّها مئونة السنة عرفا، و لا يشترط في صدق المؤنة تلف العين.
و ثانيا: إنّ المصرّح به في الأخبار «1» وضع المؤنة، و التقييد بالسنة الواحدة إنّما كانت للإجماع أو التبادر، و كلاهما في المقام غير معلوم.
نعم، لو زالت الحاجة عن هذه الأعيان في سنة يمكن القول بوجوب الخمس فيها، فتأمّل.
هذا فيما لا يكون التموّن به بتلف عينه بل بمنفعته.
و أمّا ما كانت عينه تالفة بالتموّن- كالحنطة و الشعير و الشحم و نحوها- فلو زاد عن السنة من غير تقتير يجب خمسه، لظهور أنّ المؤنة كانت أقلّ ممّا وضعه أولا.
ح: ليس من المؤنة ثمن الضياع و العقار و المواشي
، للانتفاع بمنافعها و لو لمؤنة السنة. و لا رأس مال تجارته، لعدم التبادر، و صحّة السلب، و لعدم الاضطرار و لا اللزوم. و الحاجة إلى رقباتها في ذلك العام للمؤنة فيه، إذ ظاهر أنّ ثمنها يكون فاضلا عن مئونة ذلك العام، فالاحتياج إليها لو كان لكان لأعوام أخر.
نعم، لو فرض شراؤها من مئونة ذلك العام- بأن يضيّق على نفسه فيه أو أنفق من مال لا خمس فيه- يحسب له على الأول، و يبنى على ما يأتي
______________________________
(1) الوسائل 9: 499 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8.
71
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
ح: ليس من المؤنة ثمن الضياع و العقار و المواشي ج 10 ص 71
في مسألة اجتماع مالين له يجب في أحدهما الخمس دون الآخر [على الثاني] «1».
ط: لو كان له مال آخر لا يجب فيه خمس
، فإن كان مما يتّجر به من الأموال، أو يشتغل منه من الصناع، أو نحو ذلك، ممّا يحتاج إليه في الاستفادة أو الصناعة، و بالجملة ما ليس من شأنه أن يصرف في المؤن عادة، فلا توضع منه المؤنة و توضع من الربح إجماعا، له، و لأنّه المتبادر الظاهر من الأخبار «2».
و إن كان من غير ذلك ممّا من شأنه المؤنة منه عادة، ففي أخذ المؤنة منه خاصّة، أو من الكسب كذلك، أو منهما بالنسبة، أوجه.
صرّح جماعة من المتأخّرين بأنّ الأحوط: الأول، و الأعدل: الثالث، و الأظهر: الثاني «3». بل في كلام المحقّق الشيخ عليّ و الشهيد الثاني في شرح الإرشاد: أنّه الظاهر من الأخبار.
و عن بعضهم: التفرقة بالقصد و اعتباره، فإن قصد إخراج المؤنة من الربح أخذت منه، و إن قصد من الآخر فكذلك، و إن لم يقصد أو قصد ثمَّ نسي فمنهما بالنسبة.
و ذكر بعضهم تفصيلا آخر «4».
و الظاهر- كما ذكروه- هو الثاني، إمّا لظهور ذلك من الأخبار، أو لإجمالها، حيث إنّ قولهم: بعد المؤنة أو ما يفضل عن المؤنة، يحتمل
______________________________
(1) أثبتناه لاقتضاء الكلام له.
(2) المتقدمة في ص 61- 64.
(3) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 67، و الروضة 2: 77، و السبزواري في الكفاية: 43.
(4) كما في غنائم الأيام: 370.
72
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
ط: لو كان له مال آخر لا يجب فيه خمس ج 10 ص 72
معنيين، أحدهما: بعد قدر المؤنة من ذلك المال و الفاضل منها منه، أو مطلقا «1»، فيحصل الإجمال في عمومات الخمس، فلا خمس في قدر المؤنة من ذلك المال. و أمر الاحتياط كما ذكروه.
ي: لو حصل ربح و خسران معا و تلف بعض ماله أيضا
، فإن كانا في عامين لا يجبر الخسران أو التلف بالربح، لعدم دخوله في المؤنة و انتفاء دليل آخر عليه.
و إن كانا في عام، فإمّا يكونان في تجارة واحدة، أو في تجارتين في مال واحد، أو في مالين.
فإن كان الأول- كأن يشتري أمتعة بمائة، ثمَّ باع نصفها بستّين و نصفها بأربعين- يجبر الخسران بالربح، سواء كان بيع الجميع دفعة واحدة- و هذا يكون إذا اختلف جنس الأمتعة- أو دفعات، لعدم صدق حصول الفائدة و الربح عرفا.
و إن كان الثاني- كأن يشتري أمتعة بمائة و باعها بمائة و خمسين، ثمَّ اشترى من هذه المائة و الخمسين متاعا ثمَّ باعه بمائة- فالظاهر توزيع الخسران على الربح و رأس المال إن تقدّم الربح على الخسران، إذ لم يكن دفع الخمس عليه واجبا، و كانت له أنحاء التصرّفات في الربح، فتلف بعضه، و لعدم تعيّن ما وقع عليه الخسران يوزّع على الجميع.
و لو اتّجر ثانيا ببعض ذلك المال دون جميعه- كأن يشتري من مائة منه متاعا و وقع الخسران- فإن عيّن الباقي بالقصد أنّه من الربح أو رأس المال فله حكمه، و إن لم يعيّنه أو قصد الإشاعة، فيوزّع الخسران أيضا بما
______________________________
(1) يعني: و ثانيهما بعد قدر المؤنة من المال مطلقا، سواء كان ذلك المال و غيره، و الفاضل من المؤنة منه كذلك.
73
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
ي: لو حصل ربح و خسران معا و تلف بعض ماله أيضا ج 10 ص 73
يقتضيه العمل.
و إن تقدّم الخسران لم يجبر بالربح المتأخّر.
و إن كان الثالث- كأن يشتري أمتعة بمائة و اخرى بمائة أيضا، و باع الأولى بمائة و خمسين و الثانية بخمسين- فلا يجبر الخسران أصلا.
و ليعلم أنّ وحدة التجارة إنّما تتحقّق باشتراء الجميع دفعة و لو تعدّد البيع، أو البيع دفعة و لو تعدّد الشراء.
المسألة الرابعة:
هل يشترط في وجوب الخمس في الأموال: البلوغ و العقل و الحريّة، أم لا؟
صرّح في الشرائع و الإرشاد و القواعد بعدم اشتراطها في خمس المعادن و الكنز و الغوص «1».
و في التحرير بعدمه في الأول «2».
و في الدروس بعدمه في الأولين «3».
و في المنتهى و التذكرة بعدمه في الثاني، مدّعيا في المنتهى أنّه قول أهل العلم كافّة «4».
و في الأول بعدم اشتراط الحرّية على القول بملك العبد.
و في البيان و المسالك بعدمه في الثاني «5».
و قال بعض المعاصرين: و يظهر منهم أنّ تعلّق الخمس بما أخرجه الصبيّ إجماعي.
______________________________
(1) الشرائع 1: 181، الإرشاد 1: 293، القواعد 1: 61.
(2) التحرير 1: 73.
(3) الدروس 1: 260.
(4) المنتهى 1: 547، التذكرة 1: 252.
(5) البيان: 344، المسالك 1: 67.
74
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الرابعة ج 10 ص 74
قيل: يلوح من ذلك عدم اشتراطها في غير الثلاثة «1».
أقول: يمكن أن يكون التصريح في الثلاثة لأجل بيان عدم اشتراط تملّك المعدن و الخارج من الغوص و الكنز بالحريّة و البلوغ، حيث إنّه محل الخفاء، بل بعض هؤلاء عنون التملّك، و على هذا كاد أن يكون الأمر بالعكس، فلاح منه عدم الاشتراط في غير الثلاثة ممّا يملك قطعا. بل ظاهر تصريح الجميع- باشتراط الكمال بالحريّة و البلوغ و العقل في الزكاة، و إطلاقهم جميعا ثبوت الخمس من غير ذكر الشرط- عدم الاشتراط. و على هذا فربّما كان ذلك إجماعا.
و في المدارك: عدم اشتراط الحرّية في تعلّق الخمس بغير الثلاثة، و كون اشتراط التكليف متّجها.
و استدلّ في المدارك لعدم الاشتراط في الثلاثة بعموم الأخبار المتضمّنة لوجوب الخمس في هذه الأنواع، نحو صحيحة الحلبي: عن المعادن كم فيها؟ قال: «الخمس» «2» «3».
و لا يخفى أنّه لو تمَّ ذلك لجرى بعينه في المكاسب أيضا، لعموم موثّقة سماعة المتقدّمة: عن الخمس، فقال: «في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير» «4».
و الصحيح: «ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصّة» «5».
______________________________
(1) كما في مجمع الفائدة 4: 323.
(2) الكافي 1: 546- 19، الفقيه 2: 21- 73، التهذيب 4: 121- 346، الوسائل 9: 492 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 2.
(3) المدارك 5: 389.
(4) أصول الكافي 1: 545- 11، الوسائل 9: 503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 6.
(5) الفقيه 2: 21- 74، التهذيب 4: 124- 359، الاستبصار 2: 56- 184، الوسائل 9: 485 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 1.
الوسائل 9: 485 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 1.
75
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الرابعة ج 10 ص 74
و قوله عليه السّلام: «الخمس من خمسة» «1».
و أمّا أحاديث رفع القلم عن الصبي، فإن أوجبت نفي الخمس لأوجبته في الجميع، و لكن لا تنافيه، إذ المأمور بالإخراج الولي.
نعم، في صحيحة زرارة و محمّد: «ليس على مال اليتيم في العين و المال الصامت شيء، فأمّا الغلّات فعليها الصدقة واجبة» «2».
و في صحيحة ابن سنان: «ليس في مال المملوك شيء و لو كان ألف ألف، و لو أنّه احتاج لم يعط من الزكاة شيء» «3».
و ذكر الأصحاب الصحيحين في باب الزكاة لا يوجب تخصيص الشيء بها، و لعلّه لجزأيهما الأخيرين.
و اختصاص الاولى ببعض الأول لا يضرّ، للإجماع المركّب، و تعارضهما مع العمومات المذكورة بالعموم من وجه، و إذ لا مرجّح فيرجع إلى الأصل، و لا يرجّح الكتاب الثبوت، لكونه خطاب المشافهة، فلعلّ المشافهين كانوا مكلّفين أحرارا، بل هو كذلك، لقوله عزّ شأنه وَ اعْلَمُوا «4».
فالظاهر عدم ثبوت الخمس في مال اليتيم و العبد مطلقا، إلّا أن يثبت الإجماع كلّيا أو في بعض الأنواع، كما هو المظنون، سيّما في الثلاثة.
ثمَّ عدم الثبوت في المال المختلط أظهر، لثبوته بالخطاب التكليفي
______________________________
(1) راجع الوسائل 9: 485 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2.
(2) الكافي 3: 541- 5، التهذيب 4: 29- 72، الاستبصار 2: 31- 90، الوسائل 9: 83 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 2.
(3) الكافي 3: 542- 1، الوسائل 9: 91 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 1.
(4) الأنفال: 43.
76
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الرابعة ج 10 ص 74
المختص بالكمّل، و كذلك الأرض التي اشتراها الذمي.
ثمَّ على عدم الثبوت، فهل يثبت في أمواله الحاصلة حال الصغر الباقية إلى حال البلوغ؟
الظاهر: لا، للاستصحاب. و الأحوط له أنّه يخمّس أمواله الباقية.
المسألة الخامسة:
لا يعتبر الحول في وجوب الخمس في غير الأرباح، إجماعا محقّقا، و محكيّا «1»، بل عن المنتهى: أنّه قول أهل العلم كافّة «2»، له، و للعمومات كتابا و سنّة، و أصالة عدم تقييدها بما بعد السنة.
و هل وجوبه فيه بعد حصوله فوريّ مضيّق أم لا؟
77
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الخامسة ج 10 ص 77
و المشهور بين الأصحاب: الثاني «1»، إلّا أنّ الوجوب موسّع عندهم إلى طول السنة.
دليل الأول: الإجماع، و أنّ وجوب الخمس بعد مئونة السنة، و هي غير معلومة بل و لا مظنونة، لأنّ حدوث الحوادث المحتاجة إلى المؤنة- كخراب عمارة و حصول أمراض أو غرامة أو ورود أضياف أو موت أو نحوها- ممكن، و الأصل براءة الذمّة و عدم الوجوب.
و دليل الثاني على الوجوب: العمومات «2» و الإطلاقات، و على التوسعة: الإجماع، و احتياط المؤنة.
أقول: التحقيق أنّ ثبوت حقّ أرباب الخمس في الفاضل عن مئونة السنة أمر واقعي غير محتاج إلى علم ربّ المال به حينئذ، و لا دليل على تقييد العمومات به، بل تكفي معلوميّته عند اللّه سبحانه، لأنّ تعلّق حقّهم به أمر وضعي غير محتاج إلى علم المكلّف.
نعم، وجوب إخراجه عليه يتوقّف على علمه بالقدر الفاضل، و هو أمر لا سبيل إليه إلّا بعد مضي السنة. و على هذا، فلو أخرجه قبل الحول، و ظهر بعده أنّه كان مطابقا للواقع، يكون مشروعا و مجزئا عنه، و لو أخّره إلى الحول كان جائزا له و لم يكن عاصيا.
فإن أراد الأول بعدم الوجوب قبل الحول: عدم مشروعيّته و إجزائه لو أخرجه قبله و ظهر كونه فاضلا- كما صرّح به بعضهم «3»- فهو غير صحيح، لحصول الكشف بتعلّق حقّ الغير به و وصوله إلى أهله، فلا وجه لعدم
______________________________
(1) منهم العلّامة في المنتهى 1: 550، و السبزواري في الكفاية: 44.
(2) المتقدمة في ص 75 و 76.
(3) انظر المدارك 5: 391.
78
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الخامسة ج 10 ص 77
الإجزاء، و قصد القربة اللازمة بعد تجويز تعلّق الحقّ ممكن، سيّما مع ظن الفضلة.
و إن أراد عدم تعلّق وجوب الإخراج على المكلّف، فهو كذلك.
و إن أراد الثاني بالوجوب الموسّع: أنّه تعلّق به التكليف و إن جاز له التأخير- كصلاة الظهر في أول الوقت- فهو باطل قطعا، لأنّ شرط وجوب الخمس (الزيادة) «1» عن المؤنة، و هي غير معلومة، و انتفاء العلم بالشرط يوجب انتفاء العلم بالمشروط، و المفروض أنّ الخمس في الفاضل عن مئونة السنة، و هو لا يعلمها، فكيف يحكم بوجوب إخراجه؟! و إن أرادوا: أنّه و إن لم يجب عليه الإخراج حينئذ و لكن لو أخرجه و انكشف بعده تعلق الخمس به كان مجزئا، فهو صحيح.
و ممّا ذكرنا يظهر أيضا ضعف ما استدلّ به في المختلف لتعلّق الوجوب أولا: من أنّه لولاه لجاز للمكتسب إتلافه قبل الحول و لا يجب عليه شيء، و ليس كذلك قطعا «2».
و وجه الضعف: أنّ بعد تمام الحول و ظهور الحال يعلم أنّ ما أتلفه كان مال أرباب الخمس و إن لم يجب عليه إخراجه حينئذ، فتجب عليه الغرامة، كمن أتلف مال غيره باعتقاد أنّه ماله ثمَّ ظهر حاله.
فروع:
أ: في ابتداء الحول من الشروع في التكسّب
، أو ظهور الربح، أو حصوله، وجوه، بل أقوال.
______________________________
(1) في «ح» و «س»: العلم بالزيادة.
(2) المختلف: 204.
79
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
أ في ابتداء الحول من الشروع في التكسب ج 10 ص 79
أظهرها: الأخير، لإطلاقات وضع المؤنة، و لم يعلم خروج الأكثر من السنة التي مبدؤها حصول الربح منه.
و تظهر الفائدة في مئونة الزمان المتخلّل بين النهايات دون المبادئ، إذ مئونة ما تخلّل بين المبادئ إن كان من مال آخر فلا يوضع من الربح قطعا، و إن كان من الدين فيوضع كذلك.
ب: لو حصلت أرباح متعدّدة في أثناء الحول تدريجا
، فقيل: يعتبر لكلّ خارج حول بانفراده، و توضع المؤنة في المدّة المشتركة بين الربحين عليهما، و يختصّ الثاني بمؤنة بقيّة حوله و هكذا «1».
و قال بعض الأصحاب: إنّ الربح المتجدّد في أثناء الحول المبتدئ من الربح الأول يضمّ بعضه إلى بعض و تستثنى المؤنة من المجموع، و يخمّس الباقي بعد تمام الحول الأول، فيكون حول الجميع واحدا. و إليه ذهب في الدروس «2» و المحقّق الشيخ عليّ في حواشي الشرائع، و استحسنه في المدارك و الذخيرة «3»، و جعله بعض الأجلّة أولى.
و هو كذلك، بل هو الأقوى، لإيجاب الأول العسر و الحرج المنفيّين، بل هو خلاف سيرة الناس و إجماع العلماء طرّا، لإيجابه ضبط حول كلّ ربح و عدم خلطه مع غيره، و هو ممّا لم يفعله أحد، سيّما أرباب الصناعات و كثير من التجارات، مع أنّ المتبادر المتعارف الشائع من وضع المؤنة: هو المعنى الأول. هذا، مع أنّه الموافق للاحتياط أيضا.
ج: لو مات المكتسب في أثناء الحول بعد ظهور الربح و قبل التموّن به كلّا أو بعضا
، يخمّس ما بقي منه، لظهور أنّه لا مئونة له غير ما تموّن.
______________________________
(1) المسالك 1: 68، و الروضة 2: 78.
(2) الدروس 1: 259.
(3) المدارك 5: 391، الذخيرة: 484.
80
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المقصد الثالث في قسمة الخمس و مصرفها ج 10 ص 81
المقصد الثالث في قسمة الخمس و مصرفها
و فيه مسائل
81
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الأولى الخمس يقسم أسداسا ج 10 ص 83
المسألة الأولى: الخمس يقسّم أسداسا:
للّه، و لرسوله، و لذي القربى، و اليتامى، و المساكين، و أبناء السبيل، على الحقّ المعروف بين أصحابنا، بل عليه الإجماع عن صريح السيّدين و الخلاف «1»، و ظاهر التبيان و مجمع البيان و فقه القرآن للراوندي «2»، بل هو إجماع حقيقة، لعدم ظهور قائل منّا بخلافه، سوى شاذّ غير معروف لا تقدح مخالفته في الإجماع، فهو الدليل عليه، مضافا إلى ظاهر الآية الكريمة «3»، و صريح الأخبار المستفيضة:
كمرفوعة أحمد، و فيها: «فأما الخمس فيقسّم على ستّة أسهم: سهم للّه، و سهم للرسول، و سهم لذوي القربى، و سهم لليتامى، و سهم للمساكين، و سهم لأبناء السبيل، فالذي للّه فلرسوله، فرسول اللّه أحقّ به فهو له، و الذي للرسول هو لذوي القربى و الحجّة في زمانه، فالنصف له خاصّة، و النصف لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من آل محمّد الذين لا تحلّ لهم الصدقة و لا الزكاة، عوّضهم اللّه مكان ذلك الخمس» «4».
و مرسلة حمّاد: «و يقسّم بينهم الخمس على ستّة أسهم: سهم للّه، و سهم لرسول اللّه، و سهم لذوي القربى، و سهم لليتامى، و سهم للمساكين،
______________________________
(1) المرتضى في الانتصار: 82، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 569، الخلاف 4: 209.
(2) التبيان 5: 123، مجمع البيان 2: 543، فقه القرآن 1: 243.
(3) الأنفال: 41.
(4) التهذيب 4: 126- 364، الوسائل 9: 514 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 9.
83
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الأولى الخمس يقسم أسداسا ج 10 ص 83
و سهم لأبناء السبيل، فسهم اللّه و سهم رسول اللّه لأولي الأمر من بعد رسول اللّه وراثه، فله ثلاثة أسهم: سهمان وراثة، و سهم مقسوم له من اللّه، فله نصف الخمس كملا، و نصف الخمس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم، و سهم لمساكينهم، و سهم لأبناء سبيلهم» إلى أن قال: «و إنّما جعل اللّه هذا الخمس خاصّة لهم دون مساكين الناس و أبناء سبيلهم عوضا لهم من صدقات الناس، تنزيها من اللّه لهم لقرابتهم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» الحديث «1».
و مرسلة ابن بكير في قوله تعالى وَ اعْلَمُوا إلى آخره، قال:
«خمس اللّه للإمام، و خمس الرسول للإمام، و خمس ذوي القربى لقرابة الرسول الإمام، و اليتامى يتامى آل الرسول، و المساكين منهم، و أبناء السبيل منهم، فلا يخرج منهم إلى غيرهم» «2».
و المروي في رسالة المحكم و المتشابه للسيّد عن تفسير النعماني:
«و يجزّأ هذا الخمس على ستّة أجزاء، فيأخذ الإمام منها سهم اللّه و سهم الرسول و سهم ذوي القربى، ثمَّ يقسّم الثلاثة الباقية بين يتامى آل محمّد و مساكينهم و أبناء سبيلهم» «3»، و غير ذلك.
خلافا للمحكيّ في المعتبر و الشرائع و التذكرة و المنتهى و الجامع عن بعض أصحابنا «4»، فيقسّم خمسة أقسام بإسقاط سهم اللّه، فواحد للرسول
______________________________
(1) الكافي 1: 539- 4، التهذيب 4: 128- 366، الوسائل 9: 513 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8.
(2) التهذيب 4: 125- 361، الوسائل 9: 510 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 2.
(3) رسالة المحكم و المتشابه: 46.
(4) المعتبر 2: 628، الشرائع 1: 184، التذكرة 1: 253، المنتهى 1: 550، الجامع للشرائع: 150.
84
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الأولى الخمس يقسم أسداسا ج 10 ص 83
و الأربعة للأربعة.
و في شرحي الشرائع لابن فهد: أنّه لا يعرف به قائلا «1»، و هو مذهب الشافعي و أبي حنيفة، و استدلّ له بالآية بتأويلها بما يوافقه، و بصحيحة ربعي «2».
و الأول: مدفوع بتقديم الظاهر على التأويل، سيّما مع تفسيرها بالظاهر في الأخبار «3».
و الثاني: بأنّه حكاية فعله صلّى اللّه عليه و آله، فلعلّه اقتصر من سهميه على سهم و جزء من سهم تفضّلا منه على أقربائه.
و لا ينافيه قوله فيها: «و كذلك الإمام يأخذ كما أخذ الرسول صلّى اللّه عليه و آله»، لجواز أن يكونوا يتأسون به، فإنّه أيضا خبر، و لا دليل على تأويله بالإنشاء، مع أنّه على التأويل أيضا لا يفيد التعيّن، فلعلّه لهم أرجح و لو للتأسّي، و مع المعارضة فالترجيح لما مرّ بالأكثريّة و الأشهريّة و موافقة الكتاب و مخالفة العامّة.
المسألة الثانية: سهم اللّه لرسوله
، و سهما الرسول للإمام من بعده إجماعا، و تدلّ عليه المراسيل الثلاث «4»، و رواية رسالة المحكم و المتشابه «5»، و صحيحة البزنطي، و فيها: فما كان للّه فلمن هو؟ فقال:
«لرسول اللّه، و ما كان لرسول اللّه فهو للإمام» «6».
______________________________
(1) المهذب البارع 1: 561، المقتصر: 107.
(2) التهذيب 4: 128- 365، الاستبصار 2: 56- 186، الوسائل 9: 510 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 3.
(3) راجع ص: 83.
(4) المتقدمة في ص 83 و 84.
(5) المتقدمة في ص 84.
(6) الكافي 1: 544- 7، التهذيب 4: 126- 363، الوسائل 9: 512 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 6.
85
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الثانية سهم الله لرسوله ج 10 ص 85
و لا يعارضه قوله في رواية الجعفي: «فأمّا خمس الرسول فلأقاربه» «1»، لأنّه يجب إرادة أشرف الأقارب تجوّزا بالقرينة المذكورة.
و سهم ذي القربى أيضا له على الحقّ المشهور، بل المجمع عليه، كما عن السرائر و ظاهر الخلاف «2»، و في الحدائق: أنّه اتّفقت عليه كلمة أصحابنا «3».
و يدلّ عليه- بعد الإجماع المحقّق- ظاهر الآية، حيث إنّ الظاهر مغايرة المعطوف للمعطوف عليه، و لو كان المراد مطلق القرابة لا يبقى التغاير الكلّي، و لأنّه لو كان المراد المطلق لكان الظاهر: و لذوي القربى، مع أنّه لا دليل على أنّ المراد بالقربى: القرب في النسب خاصّة، فيمكن أن يكون القرب فيه و في الرتبة معا، فيجب الأخذ بالمتيقّن، و للأخبار المتقدّمة الأربعة، و ضعفها سندا لو قلنا به لانجبر بما ذكر.
خلافا للمحكيّ عن الإسكافي «4»، و يميل إليه كلام المدارك، فقال:
هو لجميع قرابة الرسول «5».
و استشكل في المسألة بعض الأجلّة، لظاهر الآية، و لقوله في صحيحة ربعي: «ثمَّ يقسّم الأربعة الأخماس بين ذوي القربى و اليتامى و المساكين و أبناء السبيل» «6».
______________________________
(1) الفقيه 2: 22- 79، التهذيب 4: 125- 360، الوسائل 9: 509 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 1.
(2) السرائر 1: 493، الخلاف 4: 209.
(3) الحدائق 12: 377.
(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 204.
(5) المدارك 5: 399.
(6) التهذيب 4: 128- 365، الاستبصار 2: 56- 186، الوسائل 9: 510 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 3.
86
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الثانية سهم الله لرسوله ج 10 ص 85
و في رواية الجعفي: «و أمّا خمس الرسول فلأقاربه، و خمس ذوي القربى فهم أقرباؤه».
و يضعّف الأول: بما مرّ من عدم الظهور لو لا ظهور خلافه، مع أنّه مع الظهور يجب الصرف عنه بالأخبار المتقدّمة المعتضدة بما ذكر، المخالفة «1» للعامّة.
و الثاني: بأنّ فعله عليه السّلام يمكن أن يكون برضا الإمام، أو يكون المراد بذوي القربى: الأمير و الحسنين.
و الثالث: بأنّه لا يخالف ما ذكرنا، لاحتمال أن يكون المراد بالأقرباء:
الأئمّة، و جمعه باعتبار التعدّد و لو في الأزمان و هو و إن كان مجازا إلّا أنّه على العموم لا بدّ من التخصيص بما ذكرنا.
المسألة الثالثة:
لا فرق فيما ذكر من قسمة الخمس أسداسا بين الأقسام الخمسة، فيقسّم خمس الأرباح و المكاسب أيضا ستّة أقسام، فمصرفها مصرف سائر الأخماس، وفاقا لظاهر جمهور القدماء «2» و معظم المتأخّرين «3».
لظاهر الآية، و قوله في مرسلة حمّاد الطويلة: «و هؤلاء الذين جعل اللّه لهم الخمس هم قرابة النبيّ، الذين ذكرهم اللّه تعالى، فقال وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ، و هم بنو عبد المطّلب أنفسهم، الذكر منهم و الأنثى «4».
______________________________
(1) في «ح»: لمخالفته.
(2) كما في المقنعة: 277.
(3) كالمحقّق في الشرائع 1: 181، و العلّامة في المنتهى 1: 550، و القواعد 1: 62.
(4) الكافي 1: 539- 4، التهذيب 4: 128- 366، الوسائل 9: 513 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8.
87
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الثالثة ج 10 ص 87
و في مرسلة أحمد: «و أمّا الخمس فيقسّم على ستة أسهم» إلى أن قال: «فالنصف له خاصّة، و النصف لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من آل محمّد، الذين لا تحلّ لهم الصدقة و لا الزكاة، عوّضهم اللّه مكان ذلك الخمس» «1».
و احتمل جملة منهم اختصاصه بالإمام «2»، لدعوى دلالة جملة من الروايات عليه، لدلالة بعضها على تحليلهم هذا النوع للشيعة «3»، و لو لا اختصاصهم به لما ساغ لهم ذلك، لعدم جواز التصرف في مال الغير.
و لإضافته في بعض آخر إلى الإمام، بمثل قول الإمام: «لي الخمس» أو: «لنا خمسة» أو: «حقّنا»، و قول الراوي: حقّك، أو: لك، و أمثال ذلك.
و لتصريح جملة من الأخبار بأنّه لهم خاصّة، كرواية ابن سنان المتقدّمة «4».
و يرد على الأول- بعد المعارضة-: (النقض) «5» بجملة من الأخبار المحلّلة للخمس بقول مطلق، بحيث يشمل هذا النوع و غيره، بل غير الخمس من أموال الفقراء، بل كثير منها صريح في غيره، كرواية عبد العزيز ابن نافع المصرّحة بتحليله ما سباه بنو أميّة لرجل استأذنه «6».
و رواية إبراهيم بن هاشم: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السّلام إذ دخل
______________________________
(1) التهذيب 4: 126- 364، الوسائل 9: 514 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 9.
(2) كما في الكفاية: 44.
(3) الوسائل 9: 537 أبواب الأنفال ب 3.
(4) التهذيب 4: 122- 348، الاستبصار 2: 55- 180، الوسائل 9: 503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 8.
(5) في النسخ: و النقض، و الظاهر ما أثبتناه.
(6) الكافي 1: 545- 15، الوسائل 9: 551 أبواب الأنفال ب 4 ح 18.
88
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الثالثة ج 10 ص 87
صالح بن محمّد بن سهل- و كان يتولى له الوقف بقم- فقال: يا سيّدي، اجعلني من عشرة آلاف درهم في حلّ، فإنّي أنفقتها، فقال له: «أنت في حلّ» فلمّا خرج صالح فقال أبو جعفر عليه السّلام: «أحدهم يثبت على أموال آل محمّد و أيتامهم و مساكينهم و فقرائهم و أبناء سبيلهم فيأخذها، ثمَّ يجيء فيقول: اجعلني في حلّ، أ تراه ظنّ أنّي أقول: لا أفعل؟! و اللّه ليسألنّهم يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا» «1».
و صحيحة عمر بن يزيد: رأيت مسمعا بالمدينة و قد كان حمل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام تلك السنة مالا فردّه أبو عبد اللّه عليه السّلام عليه، فقلت له: لم ردّ عليك أبو عبد اللّه المال الذي حملته إليه؟ قال: فقال: إنّي قلت له حين حملت إليه المال: إنّي كنت وليت البحر من الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم، و قد جئتك بخمسها ثمانين ألف درهم، و كرهت أن أحبسها عنك أو أعرض لها و هي حقّك الذي جعل اللّه لك في أموالنا- إلى أن قال- فقال:
«يا أبا سيّار، قد طيّبناه لك و أحللناك منه» الحديث «2».
مع أنّهم لا يقولون بالاختصاص بالإمام في غير هذا النوع، فما هو جوابهم عن ذلك فهو جوابنا فيما نحن فيه، مع عدم جواز تصرّفهم في مال الغير مطلقا، كيف لا؟! و هم أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فما ظنّك بأموالهم؟! و في رواية الكابلي: «إن رأيت صاحب هذا الأمر يعطي كلّ ما في
______________________________
(1) الكافي 1: 548- 27، التهذيب 4: 140- 19، الاستبصار 2: 60- 197، الوسائل 9: 537 أبواب الأنفال ب 3 ح 1.
(2) الكافي 1: 408- 3، التهذيب 4: 144- 403، الوسائل 9: 548 أبواب الأنفال ب 4 ح 12.
89
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الثالثة ج 10 ص 87
بيت المال رجلا واحدا فلا يدخلنّ في قلبك شيء، و إنّما يعمل بأمر اللّه» «1».
و في صحيحة زرارة: «الإمام يجري و ينفّل و يعطي ما شاء قبل أن تقع السهام، و قد قاتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بقوم لم يجعل لهم في الفيء نصيبا، و إن شاء قسّم ذلك بينهم» «2».
و في رواية أبي بصير: «أما علمت أنّ الدنيا و الآخرة للإمام يضعها حيث يشاء، و يدفعها إلى من يشاء، جائز له ذلك من اللّه» «3».
و على الثاني: عدم الدلالة، لأنّ ما كان منها بلفظ الجمع- كخمسنا، و حقّنا، و لنا، و أمثال ذلك- فلإجمال ما به الاجتماع «4» يحتمل إرادة ذرّية الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منه، ألا ترى إلى صحيحة محمّد في قول اللّه تعالى:
وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ الآية، قال: «هم قرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فالخمس للّه و للرسول و لنا» «5».
و في رواية الحلبي: الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة، فقال: «يؤدّي خمسنا و يطيب له» «6».
و في رواية أبي بصير: «كلّ شيء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه فإنّ لنا خمسه، و لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقّنا» «7».
______________________________
(1) التهذيب 4: 148- 412، الوسائل 9: 520 أبواب قسمة الخمس ب 2 ح 3.
(2) الكافي 1: 544- 9، الوسائل 9: 524 أبواب الأنفال ب 1 ح 2.
(3) الكافي 1: 408- 4.
(4) في «ح» و «س»: إجماع.
(5) الكافي 1: 539- 2، الوسائل 9: 511 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 5.
(6) التهذيب 4: 124- 357، الوسائل 9: 488 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 8.
(7) الكافي 1: 545- 14، المقنعة: 280، الوسائل 9: 542 أبواب الأنفال ب 3 ح 10.
90
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الثالثة ج 10 ص 87
و ما كان بالإضافة فلإجمال ما لأجله الإضافة- حيث إنّه يكفي فيها أدنى ملابسة- يحتمل إرادة ما يجب أن يصل إليهم، حيث إنّ لهم التصرّف فيه.
و لأنّه- كما مرّ في صحيحة عمر بن يزيد- إطلاق: حقّك، على خمس الغوص، و الحكم بالملكيّة في بعض الإضافات عرفا، إنّما هو بواسطة أصل عدم اختصاص لغيره، فلا يفيد في موضع كان دليل على شركة الغير، و لا تعارض.
و منه يظهر الإيراد على ما يتضمّن لفظة اللام مثل قوله: لي و للإمام، فإنّ ظهور مثل ذلك في التمليك دون نوع من الاختصاص، مع أنّه لا يثبت من اللام سوى الاختصاص باعتبار الأصل. و لذا لا يعارض قول القائل:
أوصى بذلك لزيد، مع قوله: أوصى أن يعطي زيد ذلك عمرا، و نحو ذلك.
و لذا ورد في مرسلة الورّاق: «و إذا غزوا بإذن الإمام فغنموا كان للإمام الخمس» «1».
هذا، مع أنّ لفظ: حقّك، في رواية عليّ بن مهزيار ورد في كلام السائل، و لا حجّية في التقرير على الاعتقاد، و لذا عدل الإمام إلى قوله:
«يجب عليهم الخمس» «2».
و أمّا في رواية النيشابوري «3» فيمكن كون اللام صلة لقوله: يجب
______________________________
(1) التهذيب 4: 135- 378، الوسائل 9: 529 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 16.
(2) التهذيب 4: 123- 353، الاستبصار 2: 55- 182، الوسائل 9: 500 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 3.
(3) التهذيب 4: 16- 39، الاستبصار 2: 17- 48، الوسائل 9: 500 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 2.
91
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الثالثة ج 10 ص 87
لك، لا للاختصاص و التمليك.
و ممّا ذكر يظهر ما يرد على الثالث أيضا، مع أنّ رواية ابن سنان «1» لاشتمالها على قوله: «غنم» تخالف الآية الكريمة و سائر ما دلّ على التشريك في الغنيمة- سواء حملت الغنيمة على المعنى الخاصّ أو العامّ- فلا تكون حجّة، مع أنّه على الحمل على المعنى الخاصّ يكون مخالفا لمختارهم أيضا.
و أمّا حمل الغنيمة في الرواية على المعنى العامّ دون الآية فلا وجه له.
مضافا إلى عدم إمكان إبقائها على ظاهرها، لدلالتها على الاختصاص بسيّدة النساء و الحجّة من ذرّيتها، و هو ممّا لا يقول به أحد، لاشتراك الرسول و الأمير إجماعا، مع أنّ مفادها ليس الاختصاص بالحجّة، بل بفاطمة و من يلي أمرها من ذرّيتها، فلا يثبت منها حكم بعد وفاة فاطمة و من يلي أمرها، فتأمّل. و أيضا لا بدّ إمّا من التخصيص، أو التجوّز في لفظة: «غنم»، أو التجوّز في لفظة اللام، أو تجوّز آخر، و لا ترجيح.
المسألة الرابعة:
يعتبر في الطوائف الثلاث الأخر أن يكونوا من السادات على الحقّ المشهور، بل عن الانتصار الإجماع عليه «2»، للروايات الأربع «3»، و رواية ابن سنان المتقدّمة في الأرباح «4»، و رايتي الجعفي «5»
______________________________
(1) التهذيب 4: 122- 348، الاستبصار 2: 55- 180، الوسائل 9: 501 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 8.
(2) الانتصار: 87.
(3) المتقدّمة في ص: 83 و 84.
(4) التهذيب 4: 122- 348، الاستبصار 2: 55- 180، الوسائل 9: 503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 8، و قد تقدمت في ص 11.
(5) المتقدّمة في ص: 86.
92
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الرابعة ج 10 ص 92
و سليم بن قيس «1»، و حسنة إبراهيم بن هاشم المتضمّنة لقضيّة صالح بن محمّد بن سهل «2».
و تؤيّده الأخبار المتضمّنة لمثل قوله: خمسنا، و حقّك، و لي منه الخمس، و خمسنا أهل البيت، و لنا الخمس «3».
خلافا للمحكيّ عن الإسكافي، فلم يعتبره، بل جوّز صرفه إلى غيرهم من المسلمين مع استغناء القرابة عنه «4».
و هو- مع شذوذه- غير واضح المستند، عدا إطلاق بعض الظواهر، اللازم تقييده بالنصوص المستفيضة المنجبرة بالشهرة العظيمة، بل الإجماع في الحقيقة.
و أمّا الاستدلال بإطلاق صحيحة ربعي «5» فغفلة واضحة، إذ الفعل لا عموم له.
المسألة الخامسة: السادة هم: الهاشميّون
المنتسبون إلى هاشم جدّ النبيّ، أي أولاد عبد المطّلب من بني عبد اللّه و أبي طالب و العبّاس و الحارث و أبي لهب، و استحقاقهم الخمس إجماعي.
و يدلّ عليه قوله في مرسلة حمّاد المتقدّمة بعضها: «و هؤلاء الذين جعل اللّه لهم الخمس هم قرابة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، الذين ذكرهم اللّه تعالى فقال:
وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ و هم بنو عبد المطّلب أنفسهم، الذكر منهم و الأنثى، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش و لا من العرب أحد، و لا فيهم
______________________________
(1) التهذيب 4: 126- 362، الوسائل 9: 511 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 4.
(2) راجع ص: 88.
(3) انظر الوسائل 9: 535 أبواب الأنفال ب 2.
(4) حكاه عنه في المختلف: 205.
(5) المتقدّمة في ص: 86.
93
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الخامسة السادة هم الهاشميون ج 10 ص 93
و لا منهم في هذا الخمس من مواليهم، و قد تحلّ صدقات الناس لمواليهم، و هم و الناس سواء، و من كانت امّه من بني هاشم و أبوه من سائر قريش فإنّ الصدقات تحلّ له و ليس له من الخمس شيء، لأنّ اللّه يقول ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ» الحديث «1».
و يؤيّده أيضا تصريح الأخبار بأنّ الخمس عوض الزكاة «2»، و استفاضتها في حرمتها على بني هاشم.
و هذه الأدلة قرائن على إرادة بني هاشم من آل محمّد و أهل بيته الذين وقع في بعض الأخبار التصريح بأنّ هذا الخمس لهم «3».
و لا يستحقّه غيرهم على الحقّ المشهور، لمرسلة حمّاد «4»، و عدم صدق آل محمّد و أهل بيته على غيرهم.
خلافا للمحكيّ عن المفيد و الإسكافي «5»، فجوّزاه للمطّلبي، أولاد المطّلب عمّ عبد المطّلب.
لموثّقة زرارة: «لو كان العدل لما احتاج هاشمي و لا مطلبيّ إلى صدقة، إنّ اللّه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم» «6».
و هي بمخالفة الشهرة العظيمة الموجبة لشذوذها مردودة، مع أنّ بمعارضتها مع ما ذكر تخرج عن الحجّية، فيجب الاقتصار على ما ثبت
______________________________
(1) تقدمت مصادرها في ص 84، 87.
(2) الوسائل 9: 509 أبواب قسمة الخمس ب 1.
(3) الوسائل 9: 509 أبواب قسمة الخمس ب 1.
(4) المتقدمة مصادرها في ص: 84، 87.
(5) حكاه عنهما في المعتبر 2: 631، و المختلف 205.
(6) التهذيب 4: 59- 159، الاستبصار 2: 36- 111، الوسائل 9: 276 أبواب المستحقين للزكاة ب 33 ح 1.
94
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الخامسة السادة هم الهاشميون ج 10 ص 93
الإجماع في التعدّي إليه من أهل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، مع أنّ إرادة المنسوب إلى عبد المطّلب ممكن، فإنّ المركّب ينسب إلى جزئه الأخير.
المسألة السادسة:
المعتبر في الانتساب إلى هاشم أن يكون بالأب، فلا يعطى من انتسب إليه بالأمّ خاصّة، على الأظهر الأشهر، بل عليه عامّة أصحابنا سوى نادر يأتي ذكره، لمرسلة حمّاد المتقدّمة «1» المعمول عليها عند الأصحاب، المنجبر ضعفها- لو كان- به.
و خلافا للسيّد، فيكتفي بالانتساب بالأمّ أيضا «2»، و نسب إلى ابن حمزة «3»، و كلامه في الوسيلة- كما حكي- صريح في الأول «4»، و مال إليه بعض الأجلّة «5»، و اختاره صاحب الحدائق و بالغ فيه «6».
احتجّ السيّد بصدق الولد على المنتسب بالبنت و الأب على الجدّ منها حقيقة. و قد بالغ صاحب الحدائق في إثبات ذلك بالآيات و الأخبار و الاعتبارات.
و زيد في الدليل أيضا بأنّ جملة من الأخبار الواردة في الخمس إنّما تضمّنت التعبير بآل محمّد و أهل بيته أو آل الرسول أو ذرّيته أو عترته أو قرابته أو نحو ذلك من الألفاظ، و لا يمكن النزاع في شمولها لأولاد البنات «7».
______________________________
(1) في ص: 93.
(2) رسائل الشريف المرتضى 3: 257- 265.
(3) نسبه إليه في المدارك: 307، و المفاتيح 1: 228.
(4) الوسيلة: 137.
(5) الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 187.
(6) الحدائق 12: 396.
(7) الحدائق 12: 390.
95
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة السادسة ج 10 ص 95
و ردّ الأول: بعدم اقتضاء صدق الولد على ولد البنت لاستحقاق المنتسبين بالأمّ للخمس مطلقا، إذ ليس في باب المستحقين للخمس أنّهم أولاد هاشم أو أولاد رسول اللّه، سوى المرسلة «1» المتضمّنة للفظ: بنو عبد المطّلب، المصرّحة بإرادة المنتسبين بالأب خاصة.
قال بعض الأجلّة- بعد بيان النزاع في الإطلاق الحقيقي للفظ الولد و الابن و النسبة-: و الحقّ أنّه لا طائل تحت هذا النزاع هنا، فإنّا لم نظفر من أخبار الخمس بخبر فيه لفظ بني هاشم أو الهاشمي. انتهى.
أقول: استدلال السيّد و من يحذو حذوه ليس منحصرا بإطلاق لفظ الولد، بل محطّ استدلاله على لفظ الولد و الابن كما تنادي به استدلالاتهم للإطلاق الحقيقي بمثل قوله سبحانه وَ حَلٰائِلُ أَبْنٰائِكُمُ «2» و قوله أَوْ أَبْنٰائِهِنَّ أَوْ أَبْنٰاءِ بُعُولَتِهِنَّ «3» و بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ابناي هذان إمامان» «4»، و نحوها «5».
و لفظ الابن و إن قلّ وروده في باب المستحقّين للخمس، و لكنّه ورد- في باب من تحرم عليه الصدقة- في الأخبار المستفيضة «6» جدّا حرمتها على بني هاشم و بني عبد المطّلب، و استفاضت بذلك الروايات.
بل ورد في بعض الروايات الصحيحة تعليق الحرمة على الولد أيضا، كما في صحيحة ابن سنان: «لا تحلّ الصدقة لولد العبّاس و لا لنظرائهم من
______________________________
(1) أي مرسلة حماد المتقدّمة في ص: 84، 87.
(2) النساء: 23.
(3) النور: 31.
(4) كشف الغمّة 1: 533، البحار 43: 278.
(5) النساء: 28، النور: 32.
(6) الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29.
96
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة السادسة ج 10 ص 95
بني هاشم» «1».
و في رواية المعلّى: «لا تحلّ الصدقة لأحد من ولد العبّاس، و لا لأحد من ولد عليّ عليه السّلام، و لا لنظرائهم من ولد عبد المطّلب» «2».
و لا شكّ أنّ حرمة الصدقة تستلزم حلّية الخمس استلزاما ثابتا بالإجماع المركّب و تتبّع الأخبار.
و قد يردّ ذلك الدليل أيضا بأنّ مع تسليم الصدق الحقيقي على ولد البنت يتعارض بمثله من الاندراج تحت إطلاق مثل: القريشي، الذي يحرم عليه الخمس إجماعا، و ترجيح الإطلاق الأول على هذا ليس بأولى من عكسه.
و فيه: أنّ هذا يصحّ إنّما لو كان هناك إطلاق لفظي في حرمة الخمس على ولد فلان، و لم يظفر بمثله إلى الآن. و أمّا الإجماع فلا يفيد، لوجوب الاقتصار فيه على المجمع عليه.
فالصواب أن يردّ الدليل الأول- بعد تسليم الصدق الحقيقي- بأنّ المطلق بالدليل يقيّد، و العامّ يخصّص، و المرسلة المذكورة «3» المعتضدة بالشهرة العظيمة المنجبرة بها مقيّد و مخصّص، فلا بدّ من التقييد و التخصيص.
و بذلك يجاب عن الثاني أيضا.
و القدح فيه- بأنّ المرسلة مخالفة للكتاب و موافقة للعامّة، من حيث إنّ الكتاب العزيز مصرّح بصدق الابن على أولاد البنت، و العامّة متّفقون
______________________________
(1) التهذيب 4: 59- 158، الاستبصار 2: 35- 109، الوسائل 9: 269 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 3.
(2) التهذيب 9: 158- 651.
(3) أي مرسلة حمّاد المتقدمة في ص 84، 87.
97
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة السادسة ج 10 ص 95
على خلافه، فيجب طرحها- مردود بأنّ ذلك إنّما هو في صورة وجود المعارض المساوي، و هو هنا مفقود، بل المعارض هنا أعمّ مطلقا، فيجب تخصيصه.
و القول- بأنّ التخصيص بالأخصّ المطلق فرع التكافؤ، و هو هنا منتف، لتواتر الأخبار على صدق الولد و الابن على أولاد البنت، و دلالة الكتاب عليه- غفلة، إذ لا كلام لنا هنا في الصدق المذكور، و إنّما الكلام في استحقاق الخمس، و مطلقاته ليست بأقوى من هذه المرسلة المعاضدة بالشهرتين بحيث لا تصلح لتخصيصها.
و من هذا يظهر عدم مخالفة المرسلة للكتاب و لا موافقتها للعامّة أيضا.
فإن قيل: التعليل بقوله: «لأنّ اللّه تعالى يقول ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ «1»» ينافي صدق الابن الحقيقي، و هو مخالف للكتاب و موافق للعامّة.
قلنا: إن أريد أنّ العلّة مخالفة و موافقة فهي كلام اللّه سبحانه.
و إن أريد التعليل بها كذلك، فهو إنّما يتمّ لو كان التعليل لعدم صدق الولد أو الابن، و لكنه لعدم استحقاق الخمس.
غاية الأمر أنّ جهة التعليل تكون لنا مخفيّة.
سلّمنا، و لكن طرح جزء من الخبر لا يوجب طرح باقيه، و لو كان الأول علّة للثاني لو لم يحتج في إثبات الأول إلى علّيّة، فإنّ اللازم حينئذ التقيّة في التعليل، و هي لا تثبت منها التقيّة في المعلول أيضا، فإنّه لو قال الشارع: الخمر نجس لأنّه كالبول في الميعان، و طرحنا العلّة- لكونها قياسا
______________________________
(1) الأحزاب: 5.
98
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة السادسة ج 10 ص 95
باطلا- لا يطرح أصل الحكم، بل نقول: إنّ في التعليل تقيّة، أو تقريبا لأذهان العامّة، أو احتجاجا عليهم بطريقتهم.
نعم، لو ثبت الملازمة بين عدم استحقاق الخمس و عدم صدق الولد أو الابن لكان لبعض هذه الوجوه وجه، و لكنّها غير ثابتة، ألا ترى أنّ الشيخين العالمين- الشيخ سليمان بن عبد اللّه، و الشيخ عبد اللّه بن صالح البحرينيّين- رجّحا مذهب السيّد في مسألة صدق الولد و الابن، و منع الأول المنتسب بالأمّ من الخمس، و توقّف الثاني فيه «1»؟! و منه يظهر ما في كلام شيخنا صاحب الحدائق «2»، حيث نسب موافقة السيّد في مسألة الخمس إلى جماعة من المتأخّرين و القدماء بمحض موافقتهم له في مسألة صدق الولد و الابن.
المسألة السابعة:
هل يجوز أن يخصّ بنصف الخمس الذي للطوائف الثلاث طائفة أو طائفتان منها، أم يجب البسط على الأصناف؟
المحكيّ عن الفاضلين «3» و من تأخّر عنهما «4»: الأول، بل هو المشهور بين المتأخّرين، كما صرّح به جماعة «5».
لصحيحة البزنطي الواردة في الخمس: أ فرأيت إن كان صنف أكثر من صنف، و صنف أقلّ من صنف، كيف يصنع به؟ فقال: «ذلك إلى الإمام، أرأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كيف صنع؟ إنّما كان يعطي على ما يرى هو، كذلك الإمام» «6».
______________________________
(1) نقله عنهما في الحدائق 12: 416.
(2) الحدائق 12: 390.
(3) المحقق في المعتبر 2: 631، العلّامة في التحرير 1: 74.
(4) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 68.
(5) كصاحب المدارك 5: 405، و السبزواري في الذخيرة: 488.
(6) التهذيب 4: 126- 363، الوسائل 9: 519 أبواب قسمة الخمس ب 2 ح 1.
99
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة السابعة ج 10 ص 99
و تضعف بعدم صراحتها في جواز التخصيص بطائفة، بل و لا ظهورها.
نعم، تدلّ على عدم وجوب استيعاب أشخاص كلّ صنف.
و عن المبسوط و الحلبي و التنقيح: الثاني «1»، و مال إليه جمع من متأخّري المتأخرين، منهم: الذخيرة و الحدائق «2» و بعض شرّاح المفاتيح.
و هو الأقوى، لظاهر الآية الشريفة «3»- فإنّ اللام للملك أو الاختصاص، و العطف يقتضي التشريك في الحكم، و حملها على بيان المصرف خلاف الظاهر، و ارتكابه في الزكاة لوجود الصارف، و هو هنا مفقود- و ظاهر المرسلتين المتقدّمتين «4»، و رواية رسالة المحكم و المتشابه «5»، و يدلّ عليه أيضا استصحاب شغل الذمّة.
و تردّد في النافع و الشرائع في المسألة «6»، و جعل الأحوط: الأول.
و لا يجب بسط حصّة كلّ صنف على جميع أفراده مطلقا بلا خلاف فيه، و لا على الحاضر منهم على الأشهر الأظهر.
خلافا فيه للمحكيّ عن الحلّي و الدروس «7»، لاستلزام الأول العسر و الحرج المنفيّين، سيّما في هذه الأزمنة، مع كونه مخالفا لعمل الطائفة بل الإجماع بالضرورة، فتحمل لأجله اللام في الآية على الجنس، و مقتضاه
______________________________
(1) المبسوط 1: 262، الحلبي في الكافي في الفقه: 173، التنقيح 1: 341.
(2) الذخيرة: 488، الحدائق 12: 381.
(3) الأنفال: 41.
(4) في ص: 83 و 84.
(5) المتقدّمة في ص: 84.
(6) النافع: 63 الشرائع 1: 182.
(7) الحلي في السرائر 1: 497، الدروس 1: 262.
100
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة السابعة ج 10 ص 99
كفاية واحد من كلّ طائفة، و عدم دليل على الثاني.
لا يقال: الآية عامّة، و التخصيص يرتكب بقدر المخصّص، علم خروج غير الحاضرين بما مرّ، فيبقى الباقي.
قلنا: جعله من باب التخصيص يوجب خروج الأكثر، إذ ليس في كلّ بلد من الهاشميّين إلّا أقلّ قليل، فلا بدّ من حمل اللام على الجنس. على أنّ حمل الآية على الاستغراق غير ممكن، لأنّ استغراق اليتامى مثلا يتامى آل محمّد إلى يوم القيامة و إرادتهم غير ممكنة، و إرادة يتامى كلّ عصر تجوّز، و يتامى عصر الخطاب غير مفيد، فتأمّل.
فرعان:
أ: هل تجب التسوية في قسمة الأصناف، فيعطى كلّ صنف قسما مساويا للآخر، أم لا؟
مقتضى استصحاب الشغل و جعل السهام الثلاثة الاولى في الآية نصفا: الأول.
و مقتضى أصل إطلاق الآية و ظاهر الصحيحة «1»: الثاني. و هو الأظهر، لذلك، كما صرّح به جماعة، منهم الشهيد في البيان «2»، و إن كان الأول أحوط.
ب: على ما اخترناه من وجوب التقسيط على الأصناف، فهل يجب التقسيط في كلّ فائدة
بخصوصها من معدن و غوص و ربح، و من الأرباح في كلّ ربح ربح من كلّ شخص؟
أو الواجب تقسيط خمس كلّ شخص مطلقا؟
______________________________
(1) المتقدّمة في ص: 99.
(2) البيان: 351.
101
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
ب على ما اخترناه من وجوب التقسيط على الأصناف فهل يجب التقسيط في كل فائدة ج 10 ص 101
أو خمسه من كلّ سنة؟
احتمالات، الأوجه: وجوب التقسيط في خمس كلّ معدن و غوص و كنز و غنيمة بخصوصه، و في كلّ ربح إذا أعطى خمسه قبل الحول، و لو خمّسه بعد المؤنة، فيقسّط خمس أرباح جميع الحول بعد المؤنة.
المسألة الثامنة:
الحقّ اعتبار الفقر في مستحقّ الخمس من يتامى السادات، وفاقا لظاهر الانتصار و النافع و الإرشاد «1»، بل للمشهور على ما صرّح به جماعة «2».
لتصريح الأخبار «3» بأنّ اللّه سبحانه عوّضهم الخمس من الزكاة، و المفهوم من هذا الكلام: اتّحاد أهل الخمس و الزكاة في جميع الأوصاف سوى ما صار سببا للتعويض و هو السيادة، و يتبادر منه كون أهل الخمس بحيث لو لا المنع من الزكاة لأجل السيادة و التعويض لجاز لهم أخذ المعوّض.
و لقوله عليه السّلام في آخر مرسلة حمّاد: «و جعل للفقراء قرابة الرسول نصف الخمس، فأغناهم به عن صدقات الناس» الحديث «4»، و صرّحت بأنّ النصف مقرّر للفقراء فيعتبر الفقر فيه.
و قد يستدلّ بوجوه أخر لا اعتناء للفقيه بأمثالها.
خلافا للشيخ و الحلّي و الجامع «5»، فلم يعتبروا الفقر فيهم، لعموم الآية.
______________________________
(1) الانتصار: 87، النافع: 63، الإرشاد 1: 293.
(2) كما في الروضة 2: 82.
(3) الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29.
(4) الكافي 1: 539- 4، التهذيب 4: 128- 366، الوسائل 9: 513 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8.
(5) الشيخ في المبسوط 1: 262، الحلي في السرائر 1: 496، الجامع للشرائع: 150.
102
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الثامنة ج 10 ص 102
و يجاب بوجوب تخصيصه بما مرّ.
و لأنّه لو اعتبر الفقر فيهم لم يكن اليتامى قسما برأسه.
و يضعف باحتمال أن يكون ذلك لمزيد التأكيد كما في آية الزكاة «1».
و ظاهر المحكيّ عن المنتهى و التلخيص و التذكرة و التحرير و المختلف و المعتبر و الشرائع و الدروس «2»، التوقّف في المسألة.
و أمّا ابن السبيل فلا يعتبر فقره في بلده إجماعا. و الحقّ المشهور:
اعتباره في بلد التسليم، للمرسلة، و بها يقيّد إطلاق الآية.
و من جميع ذلك يظهر اختصاص ذلك النصف بالفقراء من السادات و عدم استحقاق غيرهم بالمرّة.
المسألة التاسعة:
الحقّ اشتراط الإيمان فيه، وفاقا للأكثر، كما صرّح به بعض من تأخّر «3»، و عن الغنية و المختلف: الإجماع عليه «4».
للتعويض المذكور، و لما في مرسلة حمّاد «5» و غيرها «6» من أنّ اختصاص الخمس بقرابة الرسول لكرامتهم و تنزيههم و رفعهم عن موضع الذلّ، و المخالف ليس أهلا لذلك. إلّا أن يقال بجواز اجتماع جهتي استحقاق الإذلال و الكرامة، كما روي من الترغيب إلى إكرام شريف كلّ قوم «7».
______________________________
(1) التوبة: 61.
(2) المنتهى 1: 552، التذكرة 1: 254، التحرير 1: 74، المختلف: 206، المعتبر 2: 295، الشرائع 1: 182، الدروس 1: 262.
(3) كما في الحدائق 12: 389، و الرياض 1: 297.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 568، المختلف: 205.
(5) المتقدّمة في ص: 83.
(6) الوسائل 9: 509 أبواب قسمة الخمس ب 1.
(7) الوسائل 12: 100 أبواب أحكام العشرة ب 68.
103
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة التاسعة ج 10 ص 103
و لقوله عليه السّلام في رواية يعقوب بن شعيب- بعد السؤال عمّن لم يتمكّن من دفع الزكاة إلى أهل الولاية-: «يدفعها إلى من لا ينصب»، قلت:
فغيرهم؟ قال: «ما لغيرهم إلّا الحجر» «1».
و في رواية الأوسي- بعد الأمر بطرح الصدقة التي لا يجد لها محلّا من أهل الولاية في البحر-: «فإنّ اللّه عزّ و جلّ حرّم أموالنا و أموال شيعتنا على عدوّنا» «2».
و في رواية عمر بن يزيد: عن الصدقة على النّصاب و على الزيديّة، فقال: «لا تصدّق عليهم بشيء، و لا تسقهم من الماء إن استطعت» «3».
و في رواية ابن أبي يعفور: ما تقول في الزكاة لمن هي؟ قال: فقال:
«هي لأصحابك»، قال: قلت: فإن فضل منهم؟ قال: «فأعد عليهم»، قال:
قلت: فإن فضل عنهم؟ قال «فأعد عليهم»، قال: قلت: فإن فضل عنهم؟
قال: «فأعد عليهم»، قلت: فيعطى السؤال منها شيئا؟ قال: فقال: «لا و اللّه إلّا التراب، إلّا أن ترحمه فإن رحمته فأعطه كسرة» ثمَّ أومأ بيده فوضع إبهامه على أصابعه «4».
و الظاهر أنّ المراد السؤال من المخالفين بقرينة المقام، و كراهة ردّ غيرهم من السؤال كما قال سبحانه وَ أَمَّا السّٰائِلَ فَلٰا تَنْهَرْ «5».
و أمّا قوله عليه السّلام في رواية أبي بصير- بعد سؤال رجل: أعطي قرابتي من زكاة مالي و هم لا يعرفون-: «لا تعط الزكاة إلّا مسلما، و أعطهم من غير
______________________________
(1) التهذيب 4: 46- 121، الوسائل 9: 223 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 7.
(2) التهذيب 4: 52- 139، الوسائل 9: 223 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 8.
(3) التهذيب 4: 53- 141، الوسائل 9: 222 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 5.
(4) التهذيب 4: 53- 142، الوسائل 9: 222 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 6.
(5) الضحى: 10.
104
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة التاسعة ج 10 ص 103
ذلك» «1».
و موثّقته: عن الرجل يكون له قرابة محتاجون غير عارفين، أ يعطيهم من الزكاة؟ قال: «لا، و لا كرامة، لا يجعل الزكاة وقاية لماله، يعطيهم من غير الزكاة إن أراد» «2».
فلا ينافي ما ذكرنا، لأنّ المسئول عنه لم يكن من السادات، و إلّا لم يسألوا عن إعطاء الزكاة، فلا يشمل غير الزكاة- المجوّز إعطائه لهم- الخمس، مع أنّ الخمس في زمانه كان يحمل إلى الإمام عليه السّلام و لا يعطيه ربّ المال، و أنّ قرابة السائل في الأولى كانوا معيّنين، و لا يعلم أنّهم من السادة أو الرعيّة، فلا يعلم شمول الخمس.
المسألة العاشرة:
لا تعتبر العدالة فيه بلا خلاف يوجد كما قيل «3»، و قيل: و هو ممّا لا يعرف فيه مخالفا بعينه «4»، لإطلاق الأدلّة السليمة عمّا يصلح للمعارضة.
و ربّما يظهر من الشرائع «5» وجود مخالف، و في المدارك: أنّه مجهول «6».
و قيل: لعلّه السيّد، فإنّه و إن لم يصرّح باعتبارها ها هنا، و لكنّه استدلّ على اعتبارها في الزكاة بما يجري هنا، و هو الظواهر الناهية عن معونة الفسّاق و العصاة «7».
______________________________
(1) التهذيب 4: 55- 146، الوسائل 9: 247 أبواب المستحقين للزكاة ب 16 ح 1.
(2) التهذيب 4: 55- 148، الوسائل 9: 248 أبواب المستحقين للزكاة ب 6 ح 2.
(3) الرياض 1: 297.
(4) المدارك 5: 411.
(5) الشرائع 1: 183.
(6) المدارك 5: 411.
(7) انظر الرياض 1: 297.
105
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة العاشرة ج 10 ص 105
و قال بعض الأجلّة: بعض العبارات يشعر بالخلاف، و كلام ابن فهد في المهذب يصرّح به. انتهى.
المسألة الحادية عشرة:
يحلّ نقل الخمس من بلده مع عدم وجود المستحقّ فيه، بلا ريب فيه كما في المدارك «1»، و قولا واحدا كما في غيره «2»، للأصل، و لأنّه توصّل إلى إيصال الحقّ إلى مستحقّه فيكون جائزا، بل قد يكون واجبا.
و أمّا مع وجوده فيه، فذهب جماعة- منهم: النافع و الشرائع و الإرشاد و المنتهى و التحرير و الدروس- إلى عدم جواز النقل «3»، لأنّ المستحقّ مطالبه من حيث الحاجة، فنقله عن البلد تأخير لصاحب الحقّ عن حقّه مع المطالبة.
و فيه: منع كونه حقّا لهؤلاء المخصوصين.
نعم، لهم نوع استحقاق أدنى من الاستحقاق بخصوصه، و إيجاب مثله لحرمة النقل مع مطالبته ممنوع.
و لذا ذهب الحلّي و الشهيد الثاني إلى جواز النقل «4»، و اختاره في المدارك و الذخيرة «5»، و هو الأقوى.
المسألة الثانية عشرة:
قد ذكر أكثر الأصحاب بأنّ مع وجود الإمام يحمل الخمس إليه جميعا، و هو يقسّم سهام الطوائف الثلاث بينهم،
______________________________
(1) المدارك 5: 410.
(2) الرياض 1: 297.
(3) النافع: 63، الشرائع 1: 183، الإرشاد 1: 293، المنتهى 1: 552، التحرير 1: 74، الدروس 1: 262.
(4) الحلي في السرائر 1: 496، الشهيد الثاني في المسالك 1: 68.
(5) المدارك 5: 410، الذخيرة: 489.
106
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الثانية عشرة ج 10 ص 106
فيعطيهم على قدر كفايتهم مقتصدا، فإن فضل عن كفايتهم شيء عن نصيبهم كان له، و لو أعوز كان عليه الإتمام من نصيبه «1».
و خالف في ذلك الحلّي و منع الحكمين- أي كون الزائد له و الناقص عليه- أشدّ منع «2».
و أطال الفريقان في النقض و الإبرام و الجدال و البسط من الكلام و القيل و القال.
و أنا لا أرى في التعرّض للمسألة جدوى و فائدة، و ذلك لأنّ مقصودهم إن كان بيان حكم الإمام و ما له و عليه حال وجوده فهو تعرّض بارد و اتّجار كأسد، لأنّه المرجع في الأحكام و العارف بالحلال و الحرام.
و إن كان غرضهم معرفة ما كان عليه، حتى يبنى تقسيم الخمس في زمان الغيبة عليه، كما ذكره المحقّق الثاني في شرح القواعد، حيث قال بعد اختيار المشهور: و يتفرّع عليه جواز صرف حصّته في حال الغيبة إليهم و عدم جواز إعطاء الزائد على مئونة السنة «3». انتهى. فتستخرج منه أحكام ثلاثة: كون الفاضل مال الإمام الغائب، و إتمام الناقص من حصّته، و الاكتفاء في إعطاء الخمس بقدر مئونة السنة مقتصدة.
ففيه: أنّه لا يمكن وجود الفاضل و العلم به في هذه الأزمان، لعدم محصوريّة فقراء السادة، مع أنّهم لو عرفوا جميعا لما يفضل عنهم شيء.
فلا يتفرّع الحكم الأول تفريعا مفيدا لنا.
و أمّا الثاني، فإنّما كان يفيد لو علمنا أنّه عليه السّلام كان يتمّ الناقص من
______________________________
(1) انظر الرياض 1: 299.
(2) السرائر 1: 492.
(3) جامع المقاصد 3: 54.
107
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الثانية عشرة ج 10 ص 106
نصيبه من الخمس، و ليس دليل على ذلك أصلا، إذ ليس في المرسلتين «1»- اللتين هما مستند الأكثر- إلّا أنّه كان على الوالي إتمامه من عنده، و لم يكن ما عنده منحصرا بالخمس و الزكاة، بل كانت له أموال أخر، و عنده ما يصرف في مصالح العباد، و محاويج الناس، و منافع موقوفات آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و النذور، و غير ذلك.
مع أنّه قد صرّح بمثل ذلك في مرسلة حمّاد في تقسيم الزكاة أيضا، قال: «بدأ فأخرج منه العشر من الجميع ممّا سقت السماء أو سقي سيحا، و نصف العشر ممّا سقي بالدوالي و النواضح، فأخذه الوالي» إلى أن قال:
«ثمانية أسهم تقسّم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا ضيق و لا تقتير، فإن فضل من ذلك شيء ردّ إلى الوالي، و إن نقص من ذلك شيء و لم يكتفوا به كان على الوالي أن يموّنهم من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنوا» «2».
هذا، مضافا إلى أنّ جمعا من الأصحاب أيضا لم يبنوا الحكم على ذلك، حيث توقّفوا في هذه المسألة، و مع ذلك ذهبوا إلى جواز صرف حصّته في زمان الغيبة إليهم على وجه الغنيمة.
و أمّا الثالث، فلأنّه لا تدلّ المرسلتان- اللتان هما الأصل في المسألة- على لزوم الاكتفاء بمؤنة السنة، بل تصرّحان بأنّه كان عليه السّلام يعطي هذا القدر، و لا دلالة في ذلك على التعيين أصلا، كما إذا ورد أنّه أعطى فقيرا من الزكاة كذا و كذا، و قد نصّ في المرسلة أيضا على أنّه كان يفعل في الزكاة كذلك مع أنّه لا يتعيّن فيه ذلك.
______________________________
(1) المتقدّمتين في ص: 83 و 84.
(2) الكافي 1: 453- 4، الوسائل 9: 266 أبواب المستحقّين للزكاة ب 28 ح 3.
108
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الثانية عشرة ج 10 ص 106
و بالجملة: لا فائدة لنا في التعرّض لهذه المسألة أصلا، فصرف الوقت فيما يهمّ لنا أولى و أحرى.
المسألة الثالثة عشرة:
اختلفوا في حكم الخمس في زمن الغيبة، و الكلام فيه إمّا في نصف الأصناف الثلاثة، أو في نصف الإمام، فهاهنا مقامان:
المقام الأول: في نصف الأصناف. و فيه خمسة أقوال:
الأول: وجوب صرفه فيهم و قسمته عليهم
، و هو الحقّ المشهور بين المتقدّمين و المتأخّرين، و صرّح به السيّد في المسائل الحائريّة، و نسب إلى جمهور أصحابنا، بل قيل: لا خلاف فيه أجده إلّا من نادر من القدماء «1».
الثاني: سقوطه و كونه مباحا للشيعة
، حكي عن الديلمي و صاحب الذخيرة «2»، و نقله في الحدائق عن شيخه الشيخ عبد اللّه بن صالح البحريني و جملة من معاصريه «3»، و يظهر من الشيخ في النهاية تجويزه مع مرجوحيّته «4».
إلّا أنّ ظاهر بعضهم نفي القول بإباحة هذا النصف، و نسب ابن فهد في شرح النافع أنّ مذهب الديلمي إباحة نصف الإمام خاصّة «5».
و الذي نقل من كلامه إلينا غير صريح في ذلك أيضا، بل يحتمل إرادة
______________________________
(1) الرياض 1: 299.
(2) الديلمي في المراسم: 140 و استفاد العلّامة في المختلف: 207 تعميم الإسقاط من كلامه، الذخيرة: 492.
(3) الحدائق 12: 439.
(4) النهاية: 201.
(5) المهذّب البارع 1: 571.
109
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثاني سقوطه و كونه مباحا للشيعة ج 10 ص 109
نصيبه من الأنفال، و لذا قال في كشف الرموز: إنّه لا يعرف القائل بهذا القول إلّا من حكاية المصنّفين «1».
و على هذا، فيكون عدم إباحته محل الوفاق.
الثالث: وجوب دفنه إلى وقت ظهور الإمام عليه السّلام
، نقله في النهاية و المقنعة عن بعضهم «2».
الرابع: وجوب حفظه و الوصيّة به
، و هو مختار الشيخ في التهذيب «3».
الخامس: التخيير [بين] [1] قسمته بينهم و عزله و حفظه و الوصيّة به إلى ثقة إلى وقت ظهور الإمام عليه السّلام.
و هو مختار المفيد في المقنعة، حيث اختار أولا عزل جميع السهام و حفظه، ثمَّ قال: و لو قسّم شطر الأصناف بينهم كان صوابا «4». و كذا الشيخ في المبسوط، إلّا أنّه زاد الدفن أيضا «5».
لنا: إطلاق الآية الكريمة «6»، و الأخبار الكثيرة «7» المتقدّمة بعضها بل أكثرها، الموجبة للخمس بقول مطلق، أو المثبتة نصفه للأصناف من غير تقييد بوقت أو حال، أو الدالّة على وجوبه على كلّ أحد من غير تخصيص، و على وجوبه في كلّ عام و في كلّ ما أفاده الناس.
المعتضدة بالمستفيضة «8» المصرّحة بتعويض الذرّية الخمس عن
______________________________
[1] أثبتناه لاستقامة العبارة.
______________________________
(1) كشف الرموز 1: 272.
(2) النهاية: 201، المقنعة: 286.
(3) التهذيب 4: 147.
(4) المقنعة: 286.
(5) المبسوط 1: 264.
(6) الأنفال: 41.
(7) الوسائل 9: 483 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 1.
(8) الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29.
110
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الخامس التخييربين1 قسمته بينهم و عزله و حفظه و الوصية به إلى ثقة إلى وقت ظهور الإمام عليه السلام ج 10 ص 110
الزكاة تنزيها و صيانة لهم عن أوساخ أيدي الناس.
المؤيّدة بالشهرة العظيمة، التي كادت أن تكون إجماعا، الخالية عن المعارض جدّا، إذ ليس إلّا بعض أدلّة المخالفين في المسألة، و هي للمعارضة غير صالحة.
دليل المسقطين له المبيحين إيّاه للشيعة أمور ثلاثة:
الأول: ما أشار إليه المفيد «1» من أنّ تقسيم الخمس بين أربابه منصب للإمام- و هو الذي كان يقسّمه- و هو غائب، و لا دليل على جواز نيابة المالك أو غيره عنه في ذلك.
و فيه: أنّ أدلّة استحقاق هؤلاء لنصف الخمس مطلقة من غير تعيين لمن يصرفه إليهم، و أمر الإمام أحدا بأخذه أو إتيانه إليه لا يدلّ على أنّه يجب إتيانه إليه.
سلّمنا وجوب دفعه إليه ليصرفه فيهم، و لكن لا يلزم من سقوط ذلك- لتعذّر الوصول إلى من له حقّ الصرف- سقوط أصل الحقّ الثابت بالكتاب و السنّة، المقتضيين لاستمراره إلى الأبد، فإنّ مقتضى أدلّة وجوب الإيصال إلى الإمام- لو تمّت- وجوبه مع الإمكان، و يخرج عن أصل عدم وجوبه المقتضي لجواز صرف كلّ أحد في الأصناف في حال الإمكان، و أمّا مع عدمه فيبقى الأصل بلا معارض.
الثاني: الأخبار الكثيرة المتضمّنة لتحليل الخمس و إباحته مطلقا للشيعة، و هي كثيرة جدّا:
كصحيحة النصري: إنّ لنا أموالا من غلّات و تجارات و نحو ذلك، و قد علمنا أنّ لك فيها حقّا، قال: «فلم أحللنا إذن لشيعتنا إلّا لتطيب
______________________________
(1) المقنعة: 286.
111
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الخامس التخييربين1 قسمته بينهم و عزله و حفظه و الوصية به إلى ثقة إلى وقت ظهور الإمام عليه السلام ج 10 ص 110
ولادتهم، و كلّ من والى آبائي فهو في حلّ عمّا في أيديهم من حقّنا، فليبلغ الشاهد الغائب» «1».
و روايته، و فيها: «إنّ لنا الخمس في كتاب اللّه، و لنا الأنفال، و لنا صفو المال» إلى أن قال: «إنّ الناس ليتقلّبون في حرام إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت» إلى أن قال: «اللّهمّ إنّا أحللنا ذلك لشيعتنا» «2».
و رواية يونس بن يعقوب: تقع في أيدينا الأرباح و الأموال و التجارات، نعرف أنّ حقّك فيها ثابت، و إنّا عن ذلك مقصّرون، فقال: «ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم» «3».
و صحيحة الفضلاء: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: هلك الناس في بطونهم و فروجهم، لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا، ألا و إنّ شيعتنا من ذلك و آباءهم في حلّ» «4».
و صحيحه ابن مهزيار، و فيها: «من أعوزه شيء من حقّي فهو في حلّ» «5».
و صحيحة الكناسي: «أ تدري من أين دخل على الناس الزنا؟»
______________________________
(1) التهذيب 4: 143- 399، الوسائل 9: 547 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 9.
(2) التهذيب 4: 145- 405، الوسائل 9: 549 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 14.
(3) الفقيه 2: 23- 87، التهذيب 4: 138- 389، الاستبصار 2: 59- 194، الوسائل 9: 545 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 6.
(4) التهذيب 4: 137- 386، الاستبصار 2: 58- 191، المقنعة: 282، العلل:
377- 2، الوسائل 9: 543 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 1.
(5) الفقيه 2: 23- 88، التهذيب 4: 143- 400، الوسائل 9: 543 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 2.
112
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الخامس التخييربين1 قسمته بينهم و عزله و حفظه و الوصية به إلى ثقة إلى وقت ظهور الإمام عليه السلام ج 10 ص 110
فقلت: لا أدري، فقال: «من قبل خمسنا أهل البيت، إلّا لشيعتنا الأطيبين، فإنّه محلّل لهم و لميلادهم» «1».
و حسنة الفضيل، و فيها: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام لفاطمة عليها السّلام: أحلّي نصيبك من الفيء لآباء شيعتنا، ليطيبوا»، ثمَّ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إنّا أحللنا أمّهات شيعتنا لآبائهم، ليطيبوا» «2».
و رواية الرقّي: «الناس كلّهم يعيشون في فضل مظلمتنا، إلّا أنّا أحللنا شيعتنا من ذلك» «3».
و المرويّ في تفسير الإمام: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قد علمت أنّه سيكون بعدك ملك عضوض و جبر، فيستولي على خمسي من السبي و الغنائم و يبيعونه، و لا يحلّ لمشتريه لأنّ نصيبي فيه، و قد وهبت نصيبي منه لكلّ من ملك شيئا من ذلك من شيعتي، لتحلّ لهم منافعهم من مأكل و مشرب، و لتطيب مواليدهم و لا يكون أولادهم أولاد حرام، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما تصدّق أحد أفضل من صدقتك، و قد تبعك رسول اللّه في فعلك، أحلّ للشيعة كلّ ما كان فيه من غنيمة أو بيع من نصيبه على واحد من شيعتي، و لا أحلّها أنا و لا أنت لغيرهم» «4».
و رواية معاذ: «موسّع على شيعتنا أن ينفقوا ممّا في أيديهم
______________________________
(1) الكافي 1: 546- 16، التهذيب 4: 136- 383، الاستبصار 2: 57- 188، المقنعة: 280، الوسائل 9: 544 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 3.
(2) التهذيب 4: 143- 401، الوسائل 9: 547 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 10.
(3) الفقيه 2: 24- 90، التهذيب 4: 138- 388، الاستبصار 2: 59- 193، الوسائل 9: 546 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 7.
(4) الوسائل 9: 552 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 20.
113
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الخامس التخييربين1 قسمته بينهم و عزله و حفظه و الوصية به إلى ثقة إلى وقت ظهور الإمام عليه السلام ج 10 ص 110
بالمعروف» «1».
و رواية أبي حمزة: «نحن أصحاب الخمس و الفيء، و قد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا» «2».
و رواية ابن سنان، و فيها- بعد ذكر أنّ على من اكتسب الخمس لفاطمة و للحجج-: «إلّا من أحللناه من شيعتنا، لتطيب لهم به الولادة» «3».
و رواية سالم: قال رجل: حلّل لي الفروج، ففزع أبو عبد اللّه عليه السّلام، فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق، إنّما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوّجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيه، فقال: «هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم و الغائب، و الميّت منهم و الحيّ، و ما يولد منهم إلى يوم القيامة، فهو لهم حلال» «4».
و صحيحة محمّد: «إنّ أشدّ ما فيه يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول: يا ربّ خمسي، و قد طيّبنا ذلك لشيعتنا، لتطيب ولادتهم، و لتزكو أولادهم» «5».
______________________________
(1) الكافي 4: 61- 4، التهذيب 4: 143- 402، الوسائل 9: 547 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 11.
(2) الكافي 8: 285- 431، الوسائل 9: 552 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 19.
(3) التهذيب 4: 122- 348، الاستبصار 2: 55- 180، الوسائل 9: 503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 8.
(4) التهذيب 4: 137- 384، الاستبصار 2: 58- 189، المقنعة: 281، الوسائل 9: 544 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 4.
(5) التهذيب 4: 136- 382، الاستبصار 2: 57- 187، الوسائل 9: 545 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 5، و رواها في الكافي 1: 546- 20، المقنعة:
280.
114
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الخامس التخييربين1 قسمته بينهم و عزله و حفظه و الوصية به إلى ثقة إلى وقت ظهور الإمام عليه السلام ج 10 ص 110
و صحيحة زرارة المرويّة في العلل: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام حلّلهم من الخمس- يعني الشيعة- ليطيب مولدهم» «1».
و رواية حكيم، و فيها بعد ذكر آية الخمس: «إلّا أنّ أبي جعل شيعتنا من حلّ في ذلك، ليزكوا» «2».
و التوقيع الرفيع المرويّ في إكمال الدين و الاحتجاج، و فيه: «و أمّا المتلبسون بأموالنا فمن استحلّ منها شيئا فأكله فإنّما يأكل النيران، و أمّا الخمس فقد أبيح لشيعتنا و جعلوا منه في حلّ إلى وقت ظهور أمرنا، لتطيب ولادتهم» «3».
إلى غير ذلك من الأخبار، التي بعضها مخصوص بحلّية الفيء، و بعضها يدلّ على تحليل خمس بعض أشخاص معيّنين، و بعضها على تحليل شيء معيّن.
و جوابه أولا: بالمعارضة بالأخبار المتكثّرة، كالروايات الثلاث- المتقدّمة في أوائل خمس الأرباح «4»- لابن مهزيار و ابن الصلت و النيشابوري عن أبي محمّد و أبي الحسن الثالث.
و كرواية محمّد بن يزيد الطبري: قال: كتب رجل من تجّار فارس من بعض مواليّ أبي الحسن الرضا عليه السّلام يسأله الإذن في الخمس، فكتب إليه:
«بسم اللّه الرحمن الرحيم» إلى أن قال: «لا يحلّ مال إلّا من وجه أحلّه اللّه،
______________________________
(1) العلل: 377- 1، الوسائل 9: 550 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 15.
(2) التهذيب 4: 121- 344، الاستبصار 2: 54- 179، الوسائل 9: 546 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 8، و رواها في الكافي 1: 544- 10.
(3) كمال الدين 2: 483- 4، الاحتجاج 2: 471، الوسائل 9: 550 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام 4 ح 16.
(4) في ص: 31- 32.
115
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الخامس التخييربين1 قسمته بينهم و عزله و حفظه و الوصية به إلى ثقة إلى وقت ظهور الإمام عليه السلام ج 10 ص 110
إنّ الخمس عوننا على ديننا و على عيالاتنا و على موالينا و ما نبذل و نشتري من أعراضنا ممّن نخاف سطوته، فلا تزووه عنّا، و لا تحرموا أنفسكم دعاءنا» إلى أن قال: «و ليس المسلم من أجاب باللسان و خالف بالقلب» «1».
و الأخرى: قال: قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا عليه السّلام، فسألوه أن يجعلهم في حلّ من الخمس، فقال: «ما أمحل هذا؟! تمحضونا بالمودّة بألسنتكم و تزوون عنّا حقّا جعله اللّه لنا و جعلنا له، و هو الخمس، لا نجعل أحدا منكم في حلّ» «2».
و رواية أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السّلام، و فيها: «و لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقّنا» «3».
و اخرى: «من اشترى شيئا من الخمس لم يعذره اللّه، اشترى ما لا يحلّ له» «4».
و صحيحة ابن مهزيار الطويلة، عن أبي جعفر الثاني عليه السّلام، و فيها:
«و أمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام، قال اللّه تعالى:
(وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ) الآية «5»»، إلى أن قال: «فمن كان عنده شيء من
______________________________
(1) الكافي 1: 547- 25، التهذيب 4: 139- 395، الاستبصار 2: 59- 195، المقنعة: 283، الوسائل 9: 538 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 2، و في الكافي و الوسائل: محمد بن زيد الطبري.
(2) الكافي 1: 548- 26، التهذيب 4: 140- 396، الاستبصار 2: 60- 196، الوسائل 9: 539 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 3، بتفاوت يسير.
(3) الكافي 1: 545- 14، المقنعة: 280، الوسائل: 9: 487 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 5.
(4) التهذيب 4: 136- 381، الوسائل 9: 540 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 6.
(5) الأنفال: 41.
116
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الخامس التخييربين1 قسمته بينهم و عزله و حفظه و الوصية به إلى ثقة إلى وقت ظهور الإمام عليه السلام ج 10 ص 110
ذلك فليوصل إلى وكيلي، من كان نائيا بعيد الشقّة فليعمد لإيصاله و لو بعد حين» «1».
و الرضوي، و فيه: «فعلى كلّ من غنم من هذه الوجوه مالا فعليه الخمس، فإن أخرجه فقد أدّى حقّ اللّه عليه» إلى أن قال: «فاتّقوا اللّه و أخرجوا حقّ اللّه ممّا في أيديكم يبارك لكم في باقيه» «2».
و المرويّ في كتاب الخرائج و الجرائح: «يا حسين، لم ترزأ على الناحية؟ و لم تمنع أصحابي من خمس مالك؟» ثمَّ قال «إذا مضيت إلى الموضع الذي تريده تدخله عفوا و كسبت ما كسبت تحمل خمسه إلى مستحقّه» قال: فقلت: السمع و الطاعة، ثمَّ ذكر في آخره: أنّ العمري أتاه و أخذ خمس ماله بعد ما أخبره بما كان «3».
إلى غير ذلك من الأخبار المتضمّنة لما فيه الخمس «4»، و أنّه يجب بعد المؤنة، و كيفيّة تقسيم الإمام له.
و قد يذكر في المعارضة توقيعان آخران [1] لا دلالة لهما على المطلوب أصلا، كما لا يخفى على المتأمّل، فإنّ مدلولهما قريب من صدر التوقيع المذكور.
______________________________
[1] الظاهر أنّه ناظر إلى كلام الرياض 1: 301، و التوقيعان المذكوران مرويان في الوسائل 9: 504 أبواب الأنفال ب 3 ح 6 و 7.
______________________________
(1) التهذيب 4: 141- 398، الاستبصار 2: 60- 198، الوسائل 9: 501 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 5.
(2) فقه الرضا عليه السّلام: 294، المستدرك 7: 284 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 6 ح 1.
(3) الخرائج و الجرائح 3: 1118- 33، الوسائل 9: 541 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 9.
(4) الوسائل 9: 537 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3.
117
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الخامس التخييربين1 قسمته بينهم و عزله و حفظه و الوصية به إلى ثقة إلى وقت ظهور الإمام عليه السلام ج 10 ص 110
وجه التعارض: أنّ من المعلوم أنّ استدلالهم بروايات التحليل «1» باعتبار حملهم إيّاها على التحليل الاستمراري، و إلّا فتحليل أيّام حقّه في زمان لا يفيد لزمان الغيبة، و لا شكّ أنّ الاستمراري ينافي الأمر بالأخذ، و المطالبة، و المنع من ترك دفعه، و التصريح بعدم جعله حلالا على أحد، و النهي عن اشترائه، و التصريح بالوجوب في كلّ عام، و الأمر بالإيصال إلى الوكيل، و بالإخراج.
و غير نادر من أخبار التحليل مرويّ عن الأمير و الصادقين عليهم السّلام «2»، و غير نادر من أخبار الوجوب مرويّ عن مولانا الرضا و أبي جعفر الثاني و أبي الحسن الثالث و أبي محمّد العسكري عليهم السّلام «3».
و التوقيع المحلّل يعارض رواية الجرائح.
و حمل التوقيع المحلّل على زمان الغيبة الكبرى تأويل بلا شاهد، و حمل بلا حامل.
و ليست المطالبة في التوقيع الآخر «4» من باب التخصيص اللفظي حتى يقال: خرج ما خرج فيبقى الباقي، و إنّما هو فعل ذو وجوه.
و لا شكّ أنّ الإيجاب المتأخّر مناف للتحليل المتقدّم، فيحصل التعارض، و تترجّح أخبار الوجوب بمعاضدة الشهرة القديمة و الجديدة، و موافقة الآية الكريمة «5»، و مخالفة الطائفة العامّة، و بالأحدثيّة، التي هي أيضا من المرجّحات المنصوصة، مع أنّ مع التكافؤ أيضا يجب الرجوع إلى
______________________________
(1) المتقدمة في ص: 111- 115.
(2) راجع ص: 111- 151.
(3) راجع ص: 31 و 32.
(4) انظر الوسائل 9: 537 أبواب الأنفال ب 3.
(5) الأنفال: 41.
118
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الخامس التخييربين1 قسمته بينهم و عزله و حفظه و الوصية به إلى ثقة إلى وقت ظهور الإمام عليه السلام ج 10 ص 110
الكتاب و مطلقات الخمس و استصحاب وجوبه و أصالة عدم التحليل.
و هذا مع مطابقة أخبار الوجوب للاعتبار، فإنّ المصرّح به في الأخبار «1»: أنّ اللّه سبحانه حرّم الزكاة على فقراء الذرّية الطاهرة، تعظيما و إكراما لهم، و عوّضهم عن ذلك بالخمس، و لو أبيح مطلق الخمس و سقط عن مطلق الشيعة- و المخالف لا يقول بخمس الأرباح الذي هو معظمه، و لا يخمّس المال المختلط، بل الغوص عند أكثرهم، و مع ذلك لا يعطونه سادات الشيعة، و لو أعطوا لا يعطونه الشيعة الساكنين بلاد التشيّع- فأيّ عوض حصل للذرّية مع كثرتهم؟! و بما ذا وقع التلافي لهم؟! و بأيّ شيء يدفع احتياج فقرائهم و مساكينهم؟! و ثانيا: بأنّ أكثر أخبار التحليل غير شامل لحقّ الأصناف، بل صريح أو ظاهر في حقّهم خاصّة، لتضمّنها لفظ: «حقّنا» أو: «مظلمتنا» أو:
«خمسنا أهل البيت» و نحو ذلك، كالروايات التسع الاولى، بل بعضها يختصّ بحقّ بعض الأئمّة، و هو ما تضمّن لفظ «حقّي» و «حقك» و «نصيبي» و «نصيبك» كالروايات الأربع: الثالثة و الخامسة و السابعة و الثامنة، فلا يدلّ على سقوط حقّ جميع الأئمّة.
و أمّا الثمان البواقي، فالأربعة الأولى منها لا دلالة لها على مطلوبهم.
أمّا أولاها- و هي رواية معاذ- فلعدم دلالتها على أمر الخمس، و لو سلّم فإنّما يكون بالعموم المطلق بالنسبة إلى أخبار وجوب الخمس، فيجب التخصيص.
مضافا إلى احتمال شمول الإنفاق لإخراج الخمس أيضا، مع أنّها مقيّدة بالمعروف، فلعلّه بعد إخراج الخمس، بل هو كذلك عند من يوجب
______________________________
(1) الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29.
119
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الخامس التخييربين1 قسمته بينهم و عزله و حفظه و الوصية به إلى ثقة إلى وقت ظهور الإمام عليه السلام ج 10 ص 110
إخراجه.
و أمّا ما بعدها، فلاحتمال إرجاع الضمير إلى الفيء، بل هو الراجح، لأقربيّته و إفراد الضمير.
مضافا إلى أنّ مفهوم الاستثناء فيه عدم تحريم الخمس و الفيء للشيعة، و هو يصدق بحلّيّة بعض ذلك و لو لبعض الشيعة، فتأمّل.
و أمّا ما بعدها، فلجواز كون لفظة «من» في قوله: «من شيعتنا» تبعيضيّة، بل هو الأظهر، فلا يعلم أنّه من هو، فيمكن أن يكون بعض أصحاب بعض الأئمّة.
و أمّا ما بعدها، فلعدم دلالتها على تحليل الخمس أصلا، إذ يمكن أن يكون المسئول عن إباحتها ما يحتمل أن يكون فيه خمسهم أو أن يكون فيه الفيء و غنائم دار الحرب.
فلم تبق إلّا الأربعة الأخيرة، و الثلاثة الأولى منها أيضا لا تدلّ على أزيد من تحليل الخمس كلّا أو بعضا للشيعة الموجودين في زمان التحليل أو مع ما سبقه، لأنّ «أحللنا» و «طيّبنا» و «حلّلهم» و «جعلهم في حلّ»- بالإضافة إلى من يأتي- مجاز قطعا، فلا يرتكب إلّا بدليل.
و منه يظهر جواب آخر لأكثر ما يسبق الأربعة من أخبار التحليل، بل لجميعها.
فلم يبق إلّا التوقيع، و ظاهر أنّه بانفراده- سيّما مع ما مرّ من وجوه المرجوحيّة- لا يقاوم أخبار الوجوب البتّة.
مضافا إلى أنّه لو أريد منه العموم بالنسبة إلى جميع سهام الخمس يخرج جدّا عن الحجّية بالمخالفة للشهرتين و الدخول في حيّز الشذوذ.
و منه يظهر جواب آخر لجميع أخبار الإباحة.
120
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الخامس التخييربين1 قسمته بينهم و عزله و حفظه و الوصية به إلى ثقة إلى وقت ظهور الإمام عليه السلام ج 10 ص 110
هذا كلّه، مع أنّه علّل فيه التحليل بطيب الولادة، و هو في غير المناكح- التي جمهور الأصحاب فيها على الحلّية- لا يصلح للعلّية، فتصلح العلّة قرينة لإرادة هذا النوع خاصّة.
و منه يظهر جواب آخر لجميع ما يتضمّن تلك العلّية، و هو أكثر أخبار الحلّية.
هذا كلّه، مضافا إلى قصور دلالة كلّ واحد واحد من الروايات التسع الاولى بخصوصها على إباحة مطلق الخمس أو نصف الإمام في هذه الأزمان من وجوه أخر أيضا.
أمّا الأول- و هو صحيحة النصري «1»- فلظهور قوله: «ممّا في أيديهم» في الفعلية، بل حقيقة منحصرة فيها، و كذا جملة: «فهو في حلّ ممّا في أيديهم» و كذا: «كلّ من والى آبائي»، فلا يشمل من سيأتي، بل «الشاهد و الغائب» حقيقتان في الموجود، و لا يطلق الغائب على المعدوم.
و أمّا الثاني، فلأنّ المشار إليه في قوله: «ذلك» هو الحرام الذي ظلم فيه أهل البيت، و مدلوله أنّ ما ظلموا فيه من الخمس و صفو المال و الأنفال التي بيد المخالفين إذا أخذه الشيعة بشراء أو عطيّة فهو لهم حلال، لا أنّ الخمس الذي بيد الشيعة و لم يظلموا فيه بعد فهو أيضا لهم حلال، و جعل الإشارة للخمس مطلقا لا دليل عليه، بل لا وجه.
و أمّا الثالث، فلأنّ السؤال وقع فيه عمّا في أيدي السائل، و الجواب مقصور في عدم التكليف في ذلك اليوم بخصوصه، فلا دلالة له لغيره أصلا، و لا عموم فيه و لا إطلاق أبدا.
و أمّا الرابع، ففيه أوّلا: أنّه لا يشمل الحقّ للخمس إلّا بالعموم،
______________________________
(1) المتقدمة في ص: 111.
121
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الخامس التخييربين1 قسمته بينهم و عزله و حفظه و الوصية به إلى ثقة إلى وقت ظهور الإمام عليه السلام ج 10 ص 110
و أخبار وجوب الخمس خاصّ مطلق بالنسبة إليه، فيجب التخصيص، و ذلك يجري في الثلاثة الأولى أيضا.
و ثانيا: أنّ عدم أداء الحقّ يتحقّق مع حبس بعض منه أيضا، و إذا لم تؤدّ جميع الحقوق يصدق عدم أداء الحقّ، و لا يعلم الحقّ المحبوس المحلّل المشار إليه بقوله: «من ذلك»، فلا يفيد.
و ثالثا: أنّ «آباءهم» مطلق شامل للمخالف و غيره، و ظاهر أنّ المحلّل لآبائهم المخالفين ليس إلّا المناكح حتى تطيب ولادة الشيعة لا مطلقا، و ليس تخصيص الآباء بالشيعة منهم أولى من تخصيص الحقّ- لو كان عامّا- بالمناكح.
و أمّا الخامس، فلما ذكر أولا في الرابع، مضافا إلى اختصاصه بالإعواز- و هو غير محلّ النزاع- و بحقّ الصادق عليه السّلام خاصّة.
و أمّا السادس، فلأنّ مرجع الضمير في قوله: «فإنّه محلّل» كما يمكن أن يكون خمسا يمكن أن يكون الموضع الذي دخل منه الزنا- أي المناكح- كما يعاضده قوله: «لميلادهم». مع أنّ فيمن جعل في حلّ إجمالا، لتقييد الشيعة بالأطيبين، فلا تعلم الحلّية لغيرهم، و جعل الوصف توضيحيّا مساويا خلاف الظاهر.
و أمّا السابع، فلاختصاصه بالفيء- و هو غير الخمس- و أمّهات الشيعة، و هنّ من المناكح.
و أمّا الثامن، فلعموم فضل المظلمة بالنسبة إلى الخمس أولا.
و اختصاص قوله: «يعيشون» بالفعليّة، و عدم صدقه على من يأتي، فتختصّ الإشارة بما تحقّق، ثانيا.
و كون الإشارة لفضل المظلمة، فتختصّ بالمأخوذ عن المخالف كما
122
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الخامس التخييربين1 قسمته بينهم و عزله و حفظه و الوصية به إلى ثقة إلى وقت ظهور الإمام عليه السلام ج 10 ص 110
مرّ في الثاني، ثالثا.
و أمّا التاسع، فلصراحته في أنّ المحلّل هو ما يشتري من المخالف الجابر، و هو غير محلّ النزاع.
و من جميع ذلك يظهر عدم انتهاض تلك الأخبار لإثبات حلّية نصف الإمام في زمان الغيبة أيضا، بل و لا دلالة بالنسبة إلى جميع النصف و من جميع الأئمّة في زمن الحضور أيضا.
الثالث من أدلّة القول بالسقوط في زمن الغيبة: ما يستفاد من الذخيرة «1»، و هو الأصل، فإنّ الأصل عدم وجوب شيء على أحد حتى يدلّ عليه دليل، و لا دليل على ثبوت الخمس في زمن الغيبة، فإنّه منحصر بالآية و الأخبار، و لا دلالة لشيء منها.
أمّا الآية، فلاختصاصها بغنائم دار الحرب المختصّة بحال الحضور دون الغيبة، مع أنّها خطاب شفاهيّ متوجّه إلى الحاضرين خاصّة، و التعدية إلى غيرهم بالإجماع إنّما يتمّ مع التوافق في الشرائط جميعا، و هو ممنوع في محلّ البحث، فلا ينهض حجّة في زمان الغيبة.
و لو سلّم فلا بدّ من صرفها إلى خلاف ظاهرها، إمّا بالحمل على بيان المصرف، أو بالتخصيص، جمعا بينها و بين الأخبار الدالّة على الإباحة.
و أمّا الأخبار، فلأنّها- مع ضعف أسانيدها- غير دالّة على تعلّق النصف بالأصناف على وجه الملكيّة أو الاختصاص مطلقا، بل دلّت على أنّ الإمام يقسّمه كذلك، فيجوز أن يكون هذا واجبا عليه من غير أن يكون شيء من الخمس ملكا لهم أو مختصّا بهم.
______________________________
(1) الذخيرة: 491 و 492.
123
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الخامس التخييربين1 قسمته بينهم و عزله و حفظه و الوصية به إلى ثقة إلى وقت ظهور الإمام عليه السلام ج 10 ص 110
سلّمنا، لكنّها تدلّ على ثبوت الحكم في زمان الحضور لا مطلقا، فيجوز اختلاف الحكم باختلاف الأزمنة.
سلّمنا، لكن لا بدّ من التخصيص فيها و صرفها عن ظاهرها، جمعا بين الأدلّة.
و الجواب: أنّ تخصيص الآية بغنائم دار الحرب مخالف للعرف و اللغة و الأخبار المستفيضة، بل- كما قيل «1»- لإجماع الإماميّة، و بالمشافهين حقيقة غير ضائر، لما أثبتنا في الأصول من شمول الخطابات للمعدومين أيضا- و لو مجازا- بالأخبار، من غير افتقار إلى الإجماع حتى يناقش فيه بانتفائه في محلّ النزاع مع أنّ الإجماع ثابت على الشركة في جميع الأحكام، إلّا ما ثبت اشتراطه بشرط أو تقييده بقيد غير متحقّق للغائب.
و ما نحن فيه كذلك، لعدم دليل على اشتراط الحضور، و لا حاجة لنا إلى تحقّق الإجماع في كلّ مسألة.
مضافا إلى أنّ دعوى اشتراط الحضور فاسدة، و للإجماع- بل الضرورة- مخالفة، لأنّ المبيح في زمن الغيبة- مع ندرته- يقول به من جهة التحليل لا من عدم عموم الدليل.
و أيضا استشهاد الأئمّة و استدلالهم بالآية في كثير من الأخبار كاشف عن شمولها لزمانهم المتأخّر عن زمان نزولها أيضا، بل أخبار التحليل و الإباحة كاشفة عن الشمول، و إلّا فلا معنى للتحليل.
و أمّا صرف الآية عن ظاهرها جمعا، فهو موقوف على وجود المعارض الأقوى، و هو منتف، لما عرفت من عدم وضوح دلالة أخبار
______________________________
(1) انظر الرياض 1: 300.
124
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الخامس التخييربين1 قسمته بينهم و عزله و حفظه و الوصية به إلى ثقة إلى وقت ظهور الإمام عليه السلام ج 10 ص 110
التحليل على ما يوجب صرفها عن ظاهرها.
مع أنّ القاعدة الشرعيّة الثابتة بالأحاديث الكثيرة: عرض الأخبار على القرآن و ردّ ما يخالفه، لا صرف الآية عن ظاهرها مع اختلاف روايات الواقعة، سيّما مع أنّ الآية أرجح بوجوه عديدة مرّ ذكرها.
هذا كلّه، مع أنّ الجمع غير منحصر في ذلك، لإمكانه بوجوه:
منها: ما عليه جمهور أصحابنا «1» من تخصيص التحليل بالمناكح و المساكن، كما يأتي ذكره.
و منها: تخصيص التحليل بحقوقهم لبعض شيعتهم أو جميعهم في زمانهم، أي في زمان المحلّل خاصّة.
و منها: تخصيصه بما يصل إليهم من ظالمي حقوق أهل البيت من الغنائم و الأخماس.
و منها: تخصيصه بما يختلط مع الأخماس أو يشتبه وجودها فيه. إلى غير ذلك.
و لا وجه لترجيح الأول لو لم نقل بكون هذه الوجوه كلّا أو بعضا أرجح.
مضافا إلى أنّ حمل الآية على بيان المصرف خلاف الظاهر جدّا، كما صرّح هو به حيث قال- بعد نقل حملها عليه من المحقّق-: و فيه نظر، لأنّ حمل الآية على أنّ المراد بيان مصارف الاستحقاق عدول عن الظاهر، بل الظاهر من الآية الملك أو الاختصاص، و العدول عنه محتاج إلى دليل، و لو كان كذلك لاقتضى جواز صرف الخمس كلّه في أحد الأصناف الستّة.
انتهى.
______________________________
(1) انظر ص: 121.
125
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الخامس التخييربين1 قسمته بينهم و عزله و حفظه و الوصية به إلى ثقة إلى وقت ظهور الإمام عليه السلام ج 10 ص 110
و أمّا ما ذكره في الأخبار- من ضعف الإسناد- فهو غير صالح للاستناد، لوجودها في كتب عليها المدار و الاعتماد، و مع ذلك ففيها الصحيح و الموثّق و موافق للشهرة العظيمة، و هي لضعف الأخبار عند الأصحاب جابرة.
مضافا إلى استناده إلى تلك الأخبار في كثير من أحكام الخمس.
و أمّا إنكار دلالتها على تعلق النصف بالأصناف على وجه الملكية و الاختصاص فهو مكابرة محضة، كيف؟! و في بعضها: «و النصف له، و النصف لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الذين لا يحلّ لهم الصدقة و لا الزكاة، عوّضهم اللّه تعالى مكان ذلك الخمس» «1».
و لا ريب أنّ اللامين هنا بمعنى واحد، فكما أنّها في نصف الإمام للتملّك أو الاختصاص «2» فكذا في نصف الأصناف، سيّما مع ذكر التعويض لهم عن الصدقة.
و في آخر: «يثب أحدهم على أموال آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يتاماهم و مساكينهم و أبناء سبيلهم فيأخذها» الحديث «3».
و في ثالث: «و إنّما جعل اللّه هذا الخمس لهم خاصّة دون مساكين الناس و أبناء سبيلهم عوضا لهم من صدقات الناس» إلى أن قال: «و جعل لفقراء قرابة الرسول نصف الخمس فأغناهم به عن صدقات الناس» «4».
و أمّا احتمال اختصاص الحكم بزمان الحضور ففساده أوضح من أن يذكر، فإنّه لا جهة لهذا التوهّم و لا منشأ لذلك الاحتمال في الأخبار.
و أمّا تخصيصها و صرفها عن ظاهرها جمعا، ففيه ما مرّ في تخصيص
______________________________
(1) التهذيب 4: 126- 364، الوسائل 9: 521 أبواب قسمة الخمس ب 3 ح 2.
(2) في «ح»: للتمليك و الاختصاص، و الأولى: الملكية أو الاختصاص.
(3) التهذيب 4: 127- 364، الوسائل 9: 538 أبواب قسمة الخمس ب 3 ح 1.
(4) التهذيب 4: 128- 366، الوسائل 9: 513 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8.
126
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الخامس التخييربين1 قسمته بينهم و عزله و حفظه و الوصية به إلى ثقة إلى وقت ظهور الإمام عليه السلام ج 10 ص 110
الآية.
و دليل الموجبين للدفن: دليل وجوب دفن حصّة الإمام- كما يأتي «1» مع ردّه- بضميمة ما مرّ «2» من أنّ صرف هذا النصف منصب الإمام و موكول إليه، و قد عرفت ضعفه.
و كذا حجّة الموجبين للوصيّة.
و حجّة القول الآخر: الجمع بين أدلّة ملكيّة النصف للأصناف و دليل وجوب الدفع إلى الإمام ليصرفه فيهم.
و يردّ باختصاص وجوب الدفع- لو سلّم- بحال الحضور.
و ممّا ذكر ظهر أنّ وجوب قسمة نصف الأصناف بينهم- كما اختاره من أصحابنا الجمهور «3»- في غاية الظهور.
المقام الثاني: في نصف الإمام عليه السّلام. و فيه تسعة أقوال:
الأول: سقوطه و تحليله
، ذهب إليه من ذهب إليه في نصف الأصناف «4»، و اختاره أيضا صاحب المدارك و المحدّث الكاشاني في المفاتيح و الوافي و صاحب الحدائق «5»، و نسبه في كشف الرموز إلى قوم من المتقدّمين و قال: إنّه متروك و لا فتوى عليه «6».
______________________________
(1) في ص: 129.
(2) في ص: 111.
(3) راجع ص: 110.
(4) كما في المراسم: 140، و الذخيرة: 492.
(5) المدارك 5: 424، المفاتيح 1: 229، الوافي 10: 344، الحدائق 12: 443.
(6) كشف الرموز 1: 272.
127
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثاني عزله و إيداعه و الوصية به من ثقة إلى وقت ظهوره ج 10 ص 128
الثاني: عزله و إيداعه و الوصيّة به من ثقة إلى وقت ظهوره،
اختاره المفيد في المقنعة و القاضي و الحلبي و الحلّي «1»، و استحسنه في المنتهى «2»، و هو مذهب السيّد في المسائل الحائريّة.
الثالث: دفنه
، نقل عمّن نقل عنه الدفن في النصف الأول.
الرابع: قسمته بين المحاويج من الذريّة
، حكاه في المختلف عن جماعة من علمائنا «3»، و هو اختيار المفيد في الرسالة العزّية و المحقّق في الشرائع و الشيخ عليّ في حاشيته و ابن فهد في المهذّب «4»، و نسبه في الروضة إلى المشهور بين المتأخّرين «5»، و ذهب إليه الشيخ سليمان بن عبد اللّه البحراني، و الشيخ الحرّ في الوسائل إلّا أنّه قال: مع عدم حاجة الأصناف تباح للشيعة «6».
الخامس: التخيير بين التحليل و الدفن و الإيداع
، يظهر من الشيخ في النهاية «7».
السادس: التخيير بين الأخيرين
، اختاره في المبسوط «8».
السابع: التخيير بين الأخيرين و القسمة بين الأصناف
، حكي عن الدروس «9».
______________________________
(1) المقنعة: 286، القاضي في المهذب 1: 181، الحلبي في الكافي في الفقه:
173، الحلي في السرائر 1: 499.
(2) المنتهى 1: 555.
(3) المختلف: 210.
(4) الشرائع 1: 184، المهذب البارع 1: 571.
(5) الروضة 2: 80.
(6) الوسائل 9: 543.
(7) النهاية: 201.
(8) المبسوط 1: 264.
(9) الدروس 1: 262.
128
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثامن التخيير بين الأخير و القسمة ج 10 ص 129
الثامن: التخيير بين الأخير و القسمة
، اختاره في المختلف «1»، و هو الظاهر من النافع «2»، و نسب إلى البيان «3»، و إليه ذهب المحقّق الخوانساري في رسالته بزيادة رجحان القسمة.
التاسع: قسمته بين موالي الإمام و شيعته من أهل الفقر و الصلاح من غير تخصيص بالذرّية
، نقله في المقنعة عن بعضهم، و جعله قريبا من الصواب «4»، و إليه ذهب ابن حمزة في الوسيلة «5».
دليل الأول: ما مرّ «6» من أخبار التحليل بحملها على حقّه عليه السّلام.
و جوابه قد ظهر.
و دليل الثاني: أنّه مال الإمام- لأخبار وجوبه مطلقا أو مستمرّا، و استصحاب بقائه- فلا يجوز التصرّف فيه، و لا يمكن إيصاله إلى ذي الحقّ، فيجب حفظه إلى زمان إمكان الإيصال.
و فيه: أنّه إنّما يتمّ لو لم يعلم عدم رضاه بذلك و رضاه بغيره، و قد يدّعى العلم بذلك كما يأتي «7».
و دليل الثالث: دليل الثاني، بضميمة أنّ الدفن أحفظ الوجوه، مع ما روي من أنّ الأرض تخرج كنوزها للقائم «8».
______________________________
(1) المختلف: 210.
(2) النافع: 64.
(3) البيان: 351.
(4) المقنعة: 286.
(5) الوسيلة: 137.
(6) راجع ص: 111 و ما بعدها.
(7) في ص: 131.
(8) انظر البحار 52: 280- 6 نقلا عن الاحتجاج، و ص: 322- 31 نقلا عن كمال الدين.
129
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
التاسع قسمته بين موالي الإمام و شيعته من أهل الفقر و الصلاح من غير تخصيص بالذرية ج 10 ص 129
و فيه- مع ما مرّ-: منع كون الدفن أحفظ، بل هو أيضا في معرض الظهور و التلف، و الرواية لا دلالة لها على المورد أصلا.
و حجّة الرابع: أنّ الإمام كان يفعل ذلك، أي يتمّ للسادات ما يحتاجون إليه من نصيبه وجوبا لا تفضّلا، فهو حقّ لهم إذا لم تف أنصبائهم.
بمؤنهم، فثبت ذلك لهم في الغيبة، لأنّ الحقّ الواجب لا يسقط بغيبة من ثبت في حقّه.
و زاد في المهذّب: كونه أحوط، لاشتماله على إخراج الواجب و تفريغ الذمّة، و اشتماله على نفع المحاويج من الذرّية، و كونه صلة لهم، و كونه أسلم عاقبة من الوصيّة و الدفن «1».
و ضعف الجميع ظاهر:
أمّا الأول، فلمنع وجوب الإتمام عليه من حصّته كما مرّ، و غاية ما ثبت أنّه كان يتمّ من عنده- كما في تقسيم الزكاة أيضا- فيمكن أن يكون من الأوقاف و النذور أو غيرها.
سلّمنا أنّه كان عليه الإتمام من حصّته، و لكن لم يعلم أنّ هذا الوجوب من باب حقّ الذرّية، فلعلّه كان أمرا واجبا عليه نفسه، و مثل هذا ليس ممّا يجب الإتيان به من غيره أيضا.
و أمّا البواقي، فظاهر، لعدم وجوب الاحتياط، مع أنّ الاحتياط إخراج الواجب من الحقّ إلى ذي الحقّ، و أمّا إلى غيره فلا احتياط فيه أصلا، بل خلاف الاحتياط.
و لعدم استلزام رجحان نفع المحاويج و صلة الذرّية رجحانه بالتصرّف في مال الغير.
______________________________
(1) المهذب البارع 1: 572.
130
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
التاسع قسمته بين موالي الإمام و شيعته من أهل الفقر و الصلاح من غير تخصيص بالذرية ج 10 ص 129
و أسلميّة عاقبته من الدفن و الوصيّة يفيد لو ثبت الإذن فيه، و إلّا فذلك إتلاف معلوم معجّل.
نعم، يمكن أن يستدلّ لذلك بأنّ الإذن في ذلك التصرّف معلوم بشاهد الحال، فإنّه لا حاجة للمالك إليه و لا ضرر فيه بوجه، و أهل الاضطرار من أهل التقوى من الذرّية في غاية الكثرة، و الدفن و الوصيّة حبس بلا منفعة و معرض للتلف و الهلكة، بل يعلم التلف بالوصيّة غالبا في مثل ذلك الزمان، فيعلم رضا المالك بصلة الذرّية و رفع حاجتهم و مسكنتهم بذلك قطعا، و ليس القطع به بأدون من الظنّ الحاصل من الألفاظ الدالّة على الإذن الواجب اتّباعه البتّة.
و هذا دليل تامّ حسن، إلّا أنّه لكونه تابعا للعلم الحاصل بشهادة الحال لا يكون مخصوصا بصلة الذرّية، فإنّه قد يكون هنا محتاج معيل من خيار الشيعة من غير السادة، سيّما إذا كان ممّن كان لوجوده مصلحة عامّة، و كان عياله في غاية الضيق و الشدّة، و لم يكن فقير الذرّية بهذه المثابة، بل كان من رعاع الناس، و له قوت نصف السنة مثلا، فالحكم بالقطع برضا الإمام دفع حصّته إلى الثاني دون الأول مكابرة صرفة.
و كذا إذا كان في إعطاء صاحب المال الخمس عليه حيف و شدّة.
فهذا الدليل يصلح للمطلوب في الجملة، بل التحقيق: أنّه لا مدخليّة فيه للسيادة من حيث هي.
حجّة الخامس: الجمع بين أدلّة التحليل و الحفظ، و تحقّق الحفظ بكلّ من الدفن و الوصيّة.
و بعد ضعف الدليلين يظهر ضعف الجمع أيضا.
و دليل السادس: وجوب الحفظ و تحقّقه بكلّ منهما.
131
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
التاسع قسمته بين موالي الإمام و شيعته من أهل الفقر و الصلاح من غير تخصيص بالذرية ج 10 ص 129
و هو حسن لو قلنا بوجوبه.
و حجّة السابع و الثامن: وجوب حفظ مال الغير، و دلالة شاهد الحال على جواز التقسيم أيضا.
و هو كان حسنا لو لم يعلم بشاهد الحال عدم رضاه بالحفظ، حيث إنّه في معرض التلف، و أقرباؤه و مواليه محتاجون.
و دليل التاسع: أخبار التحليل للشيعة مطلقا، و الأخبار الواردة في حصول تركهم حقّهم من الخمس لبعض مواليهم.
و مرسلة حمّاد الناطقة بأنّه: «إذا قسّم الزكاة فيهم كان على الإمام الإتمام لهم إذا أعوزت» «1».
و رواية محمّد بن يزيد: «من لم يستطع أن يصلنا فليصل فقراء شيعتنا» «2».
و مرسلة الفقيه: «من لم يقدر على صلتنا فليصل صالحي شيعتنا» «3».
و مرسلة يوسف، و فيها: «أنا أحبّ أن أتصدّق بأحبّ الأشياء إليّ» [1]، و إذا كان كذلك فيجب البتّة بتصدّق حقّه.
أقول: أكثر هذه الوجوه و إن كانت مدخولة، إلّا أنّه يدلّ على الحكم
______________________________
[1] الكافي 4: 61- 3، التهذيب 4: 331- 1036، الوسائل 9: 471 أبواب الصدقة ب 48 ح 2، إلّا أنه في الكافي عن يونس، و في التهذيب عن الحسين بن عاصم بن يونس، و ما في المستند هو الموافق للوافي و بعض نسخ الكافي على ما جاء في هامشه.
______________________________
(1) الكافي 1: 539- 4، التهذيب 4: 128- 366، الوسائل 9: 266 أبواب المستحقين للزكاة ب 28 ح 3.
(2) الكافي 4: 59- 7، التهذيب 4: 111- 324، الوسائل 9: 475 أبواب الصدقة ب 50 ح 1.
(3) الفقيه 2: 43- 3، الوسائل 9: 476 أبواب الصدقة ب 50 ح 3.
132
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
التاسع قسمته بين موالي الإمام و شيعته من أهل الفقر و الصلاح من غير تخصيص بالذرية ج 10 ص 129
ما مرّ من الإذن المعلوم بشاهد الحال، فإنّا نعلم قطعا- بحيث لا يداخله شوب شكّ- أنّ الإمام الغائب- الذي هو صاحب الحقّ في حال غيبته، و عدم احتياجه، و عدم تمكّن ذي الخمس من إيصاله حقّه إليه، و كونه في معرض الضياع و التلف، بل كان هو المظنون، و كان مواليه و أولياؤه المتّقون في غاية المسكنة و الشدّة و الاحتياج و الفاقة- راض بسدّ خلّتهم و رفع حاجتهم من ماله و حقّه.
كيف؟! و هم الذين يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة، فما الحال إذا لم تكن لهم حاجة و خصاصة؟! و كيف لا يرضى؟! و هو خليفة اللّه في أرضه و المؤمنون عياله، كما صرّح به في مرسلة حمّاد، و فيها: «و هو وارث من لا وارث له يعول من لا حيلة له».
و هو منبع الجود و الكرد، سيّما مع ما ورد منهم و تواتر من الترغيب إلى التصدّق و إطعام المؤمن و كسوته و السعي في حاجته و تفريج كربته «1»، و الأمر بالاهتمام بأمور المسلمين، حتى قالوا: «من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم» «2».
و قالوا في حقّ المسلم على المسلم: «إنّ له سبع حقوق واجبات، إن ضيّع منها شيئا خرج من ولاية اللّه و طاعته، و لم يكن للّه فيه من نصيب» إلى أن قال: «أيسر حقّ منها أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك» إلى أن قال: «و الحقّ الثالث: أن تغنيه بنفسك و مالك» إلى أن قال: «و الحقّ الخامس: أن لا تشبع و يجوع» الحديث «3».
______________________________
(1) الوسائل 9: 475 أبواب الصدقة ب 50.
(2) الكافي 2: 164- 4، الوسائل 16: 336 أبواب فعل المعروف ب 18 ح 1.
(3) الكافي 2: 169- 2.
133
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
التاسع قسمته بين موالي الإمام و شيعته من أهل الفقر و الصلاح من غير تخصيص بالذرية ج 10 ص 129
و جعلوا من حقوق المسلم: مواساته بالمال.
و مع ذلك يدلّ عليه إطلاق رواية محمّد بن يزيد و مرسلة الفقيه المتقدّمتين «1»، فإنّ إعطاء الخمس صلة.
و لا يتوهّم أنّ بمثل ذلك يمكن إثبات التحليل لذي الخمس أيضا و إن لم يكن فقيرا، لأنّ أداء الخمس فريضة من فرائض اللّه، واجب من جانب اللّه، و إعطاؤه امتثال لأمر اللّه، و فيه إظهار لولايتهم و تعظيم لشأنهم و سدّ لحاجة مواليهم، و منه تطهيرهم و تمحيص ذنوبهم.
و مع ذلك، ترى ما وصل إلينا من الأخبار المؤكّدة في أدائه و التشدّد عليه، و أنّ اللّه يسأل عنه يوم القيامة سؤالا حثيثا، و تراهم قد يقولون في الخمس: «لا نجعل لأحد منكم في حلّ»، و أمثال ذلك «2».
و مع هذا، لا يشهد الحال برضاه عليه السّلام لصاحب المال أن لا يؤدّي خمسة، فيجب عليه أداؤه، لأوامر الخمس و إطلاقاته و استصحاب وجوبه، و معه لم يبق إلّا الحفظ بالدفن أو الوصيّة أو التقسيم بين الفقراء.
و الأولان ممّا لا دليل عليهما، فإنّ الدفن و الإيداع نوعا تصرّف في مال الغير لا يجوز إلّا مع إذنه، و لا إذن هناك، بل يمكن استنباط عدم رضائه بهما من كونهما معرّضين للتلف، و من حاجة مواليه و رعيّته.
فلم يبق إلّا الثالث الذي علمنا رضاه به، فيتعيّن و يكون هو الواجب في نصفه.
و لمّا كان المناط الإذن المعلوم بشاهد الحال و الروايتين «3» و نسبتهما
______________________________
(1) في ص: 132.
(2) الوسائل 9: 537 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3.
(3) المتقدّمتين في ص: 132.
134
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
التاسع قسمته بين موالي الإمام و شيعته من أهل الفقر و الصلاح من غير تخصيص بالذرية ج 10 ص 129
إلى السادات و غيرهم من فقراء الشيعة على السواء، فيكون الحقّ هو المذهب الأخير، و الأحوط اختيار السادة من بين الفقراء.
و لكن قد يعكس الاحتياط، كما إذا كان هناك شيعة وليّ ورع معيل في ضيق و شدّة و لم يكن السادة بهذا المثابة.
و على المعطي ملاحظة الأحوال.
فرع: لا تشترط مباشرة النائب العام- و هو الفقيه العدل- و لا إذنه في تقسيم نصف الأصناف على الحقّ، للأصل.
خلافا لبعضهم «1»، فاشتراطه، و نسبه بعض الأجلّة إلى المشهور.
و لعلّ وجهه: أنّ مع حضور الإمام يجب دفع تمام الخمس إليه، و كان التقسيم منصبه، فيجب الدفع إلى نائبه في زمن الغيبة بحكم النيابة.
و فيه: منع ثبوت وجوب الدفع إليه مع الحضور، و لو سلّم فلا نسلّم ثبوته بالنسبة إلى النائب.
و هل تشترط مباشرته في تقسيم نصف الإمام، كما هو صريح جماعة، منهم: الفاضلان و الشهيدان، بل أكثر المتأخّرين «2»، و صرّح جماعة بضمان غيره من المباشرين «3»، و عن الشهيد الثاني: اتّفاق القائلين بوجوب التقسيم على ذلك «4»، و الظاهر أنّه كذلك؟
أم لا، فيجوز تولّي غيره، كما عن ظاهر إطلاق العزّية؟
و الحقّ: هو الأول، إذ قد عرفت أنّ المناط في الحكم بالتقسيم هو
______________________________
(1) انظر زاد المعاد: 586.
(2) المحقق في المعتبر 2: 641، العلامة في التحرير 1: 75، و القواعد 1: 63، الشهيد الأول في الدروس 1: 262، الشهيد الثاني في الروضة 2: 79.
(3) كما في الروضة 2: 79، و الذخيرة: 492.
(4) كما في المسالك 1: 69.
135
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
التاسع قسمته بين موالي الإمام و شيعته من أهل الفقر و الصلاح من غير تخصيص بالذرية ج 10 ص 129
الإذن المعلوم بشاهد الحال، و ثبوته عند من يجوّز التقسيم إجماعيّ و لغيره غير معلوم، سيّما مع اشتهار عدم جواز تولّي الغير، بل الإجماع على عدم جواز تولية التصرّف في المال الغائب، الذي هذا أيضا منه، خصوصا مع وجود النائب العام، الذي هو أعرف بأحكام التقسيم و أبصر بمواقعة.
و وقع التصريح في رواية إسماعيل بن جابر: «إنّ العلماء أمناء» «1».
و في مرسلة الفقيه: «أنّه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: اللهم ارحم خلفائي، قيل: يا رسول اللّه، و من خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون بعدي و يروون حديثي و سنّتي» «2».
و في روايات كثيرة: «إنّ العلماء ورثة الأنبياء» «3».
و في مقبولة ابن حنظلة: «إنّه الحاكم من جانبهم» «4».
و في التوقيع الرفيع: «إنّه حجّة من جانبهم» «5».
و لا شكّ أنّ مع وجود أمين الشخص و خليفته و حجّته و الحاكم من جانبه و وارثه الأعلم بمصالح أمواله و الأبصر بمواقع صرفه الأبعد عن الأغراض الأعدل في التقسيم و لو ظنّا، لا يعلم الإذن في تصرّف الغير و مباشرته، فلا يكون جائزا.
نعم، لو تعذّر الوصول إليه جاز تولّي المالك، كما استظهره بعض المتأخّرين و زاد: أو تعسّر «6».
______________________________
(1) الكافي 1: 33- 5.
(2) الفقيه 4: 302- 915، الوسائل 27: 91 أبواب صفات القاضي ب 8 ح 50.
(3) كما في الكافي 1: 32- 2.
(4) الكافي 1: 67- 10، الوسائل 27: 106 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.
(5) كمال الدين: 484- 4، الوسائل 27: 140 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 9.
(6) كما في مجمع الفائدة 4: 359.
136
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
التاسع قسمته بين موالي الإمام و شيعته من أهل الفقر و الصلاح من غير تخصيص بالذرية ج 10 ص 129
و لا بأس به إذا تعسّر الاستئذان منه أيضا و لو بالكتابة و الرسالة و كان هناك أرباب فقر و حاجة، و الأحوط حينئذ مباشرة المالك باطلاع عدول المؤمنين.
و هل تجب مباشرة الفقيه بنفسه للتقسيم، كما هو ظاهر الأكثر «1»؟
أم يجوز له الإذن لغيره و تولّي الغير بإذنه، كما عن الدروس «2» و بعض مشايخ والدي قدّس سرّه؟
و الأول أحوط، و الثاني أظهر إذا كان الغير أمينا عدلا عارفا بمواقع التقسيم و أحكامه، سيّما إذا كان مجبورا بنظر النائب نفسه و اطلاعه.
المسألة الرابعة عشرة:
ظاهر الأكثر أنّه لا يعطى فقير من الخمس أزيد من كفاية مئونة السنة على وجه الاقتصاد و لو دفعة واحدة، و نظرهم إلى ما روي في المرسلة: أنّ الإمام كان يفعل كذلك وجوبا «3»، فكذا غيره، سيّما في نصف الإمام إذا صرف على وجه التتمّة، إذ لم يثبت فيه إلّا جواز إتمام المؤنة.
و الحقّ: أنّ حكم نصف الأصناف حكم الزكاة، و يجوز إعطاء الزائد عن المؤنة دفعة واحدة- أي قبل خروجه عن الفقر- لإطلاق الأدلّة.
و أمّا نصف الإمام، فلا يجوز إعطاء الزائد من مئونة السنة على وجه الاقتصاد قطعا، لأنّه القدر المعلوم إذنه فيه، بل يعلم عدم رضاه بغير ذلك مع وجود المحتاج غيره، بل يشكل إعطاء قدر مئونة السنة كاملة لواحد مع وجود محتاج بالفعل. و اللازم فيه مراعاة المواساة في الجملة و ملاحظة الحاجة.
______________________________
(1) انظر الشرائع 1: 184، و المنتهى 1: 555، و الروضة 2: 79.
(2) الدروس 1: 262.
(3) تقدّمت مصادرها في ص: 132.
137
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الخامسة عشرة ج 10 ص 138
المسألة الخامسة عشرة:
مقتضى الآية و الأخبار تعلّق الخمس بالعين، فيجب أداؤه منها، و لا يجوز العدول إلى القيمة، إلّا إذا أعطى العين إلى أهلها ثمَّ اشتراها منه.
نعم، الظاهر جواز تولّي النائب العام للمبادلة، سيّما في نصف الإمام، فإنّه يجوز له قطعا.
و لربّ المال القسمة، بالإجماع، و ظواهر الأخبار «1» المتضمّنة لإفراز ربّ المال خمسه و عرضه على الإمام و تقريره عليه.
______________________________
(1) الوسائل 9: 537 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3.
138
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
تتميم في الأنفال ج 10 ص 139
تتميم في الأنفال
جمع نفل- بسكون الفاء و فتحها- و هو: الغنيمة أو العطيّة و الزيادة، و منه سمّيت النافلة، لزيادتها على الفريضة.
و المراد هنا: المال الزائد للنّبيّ و الإمام بعده على قبيلتهما من بني هاشم، فالمطلوب ما يختصّ بالنبيّ عليه السّلام ثمَّ الإمام.
و ها هنا مسألتان:
المسألة الأولى: الأنفال- أي الأموال المختصّة بالنبيّ ثمَّ بعده بالإمام- أشياء:
الأول: كلّ أرض أخذت من الكفّار من غير قتال-
سواء جلا أهلها و تركوها للمسلمين، أو سلّموها طوعا و بقوا فيها و مكّنوا المسلمين منها- بلا خلاف فيها يوجد، للإجماع، و المستفيضة من الأخبار:
كحسنة البختري: «الأنفال: ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، أو قوم صولحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، و كلّ أرض خربة و بطون الأودية، فهو لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و للإمام من بعده» «1» و قريبة منها حسنة محمّد «2» و موثّقته «3».
______________________________
(1) الكافي 1: 539- 3، الوسائل 9: 523 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 1.
(2) التهذيب 4: 133- 370، الوسائل 9: 526 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 10.
(3) التهذيب 4: 133- 372، الوسائل 9: 526 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 7.
139
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الأول كل أرض أخذت من الكفار من غير قتال ج 10 ص 139
و مرسلة حمّاد، و فيها: «و له بعد الخمس الأنفال، و الأنفال: كلّ أرض خربة قد باد أهلها، و كلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، و لكن صالحوا صلحا و أعطوا بأيديهم على غير قتال، و له رؤوس الجبال و بطون الأودية و الآجام و كلّ أرض ميتة لا ربّ لها، و له صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب، لأنّ الغصب كلّه مردود، و هو وارث من لا وارث له يعول من لا حيلة له» الحديث «1».
و موثّقة زرارة، و فيها- بعد السؤال عن الأنفال-: «و هي كلّ أرض جلا أهلها من غير أن يحمل عليها بخيل و لا رجل و لا ركاب، فهي نفل للّه و للرسول» «2».
و رواية الحلبي: عن الأنفال؟ فقال: «ما كان من الأرضين باد أهلها» «3».
و موثّقة سماعة: عن الأنفال؟ فقال: «كلّ أرض خربة أو شيء كان يكون للملوك فهو خالص للإمام ليس للناس فيها سهم» قال: «و منها البحرين لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب» «4».
و موثّقة إسحاق بن عمّار المرويّة في تفسير القمّي: عن الأنفال؟
فقال: «هي القرى التي قد خربت و انجلى أهلها، فهي للّه و للرسول، و ما كان
______________________________
(1) الكافي 1: 539- 4، التهذيب 4: 128- 366، الوسائل 9: 524 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 4.
(2) التهذيب 4: 132- 368، الوسائل 9: 526 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 9، و في المصدر: .. و لا رجال.
(3) التهذيب 4: 133- 371، الوسائل 9: 527 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 11.
(4) التهذيب 4: 133- 373، الوسائل 9: 526 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 8.
140
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الأول كل أرض أخذت من الكفار من غير قتال ج 10 ص 139
للملوك فهو للإمام، و ما كان من الأرض الخربة لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، و كلّ أرض لا ربّ لها، و المعادن منها، و من مات و ليس له مولى فماله من الأنفال» «1».
و المرويّ في تفسير العيّاشي عن داود بن فرقد: و ما الأنفال؟ قال:
«بطون الأودية و رؤوس الجبال و الآجام و المعادن، و كلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، و كلّ أرض ميتة قد جلا أهلها و قطائع الملوك» «2».
و فيه أيضا عن أبي بصير: و ما الأنفال؟ قال: «منها المعادن و الآجام، و كلّ أرض ميتة لا ربّ لها، و كلّ أرض باد أهلها فهو لنا» «3»، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
الثاني: ما يختصّ به ملوك أهل الحرب من القطائع و الصوافي
الغير المعلوم كونها مغصوبة من مسلم أو مسالم غير منقرض.
و ضابطه: كلّ ما اصطفاه ملك الكفّار لنفسه و اختصّ به من الأراضي المعبّر عنها بالقطائع، أو من الأموال المنقولة المعبّر عنها بالصوافي، للأخبار المستفيضة «4»، المتقدّمة كثير منها.
و المذكور في الأخبار: الملوك، فلا يشمل الحكّام و الولاة و الأمراء.
الثالث: رؤوس الجبال و أذيالها و بطون الأودية السائلة و الآجام،
و هي الأراضي المملوءة من القصب و سائر الأشجار الملتفّة المجتمعة، و المراد
______________________________
(1) تفسير القمي 1: 254، الوسائل 9: 531 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 20.
(2) تفسير العياشي 2: 49- 21، الوسائل 9: 534 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 32.
(3) تفسير العياشي 2: 48- 11، الوسائل 9: 533 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 28.
(4) الوسائل 9: 523 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1.
141
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثالث رؤوس الجبال و أذيالها و بطون الأودية السائلة و الآجام ج 10 ص 141
منها: ما يقال بالفارسيّة: بيشه.
فإنّ كل ذلك من الأنفال مع ما فيها من الأشجار و الأحجار و النبات و السمك و الكنز و الماء و نحوها.
و المرجع في معرفة هذه الأمور: العرف، أي ما يقال في العرف:
جبلا و واديا و أجمة.
و تدلّ على الثلاثة مرسلة حمّاد، و رواية داود المتقدّمتين، و على الثاني خاصّة الحسنان و الموثّقة الاولى، و على الثالث رواية أبي بصير السابقة «1»، و على الأولين مرفوعة أحمد: «و بطون الأودية و رؤوس الجبال و الموات كلّها هي له» إلى أن قال: «و ما كان في القرى من ميراث من لا وارث له فهو له خاصّة» «2». و ضعف بعض تلك الأخبار مرتفع للشهرة بالانجبار.
و مقتضى إطلاقاتها اختصاص كلّ هذه الأمور بالإمام مطلقا، كما صرّح به الشيخان «3»، و هو ظاهر الأكثر «4»، لما ذكر من الإطلاقات.
و قيّدها الحلّي بما لم يكن في أرض مسلم «5»، أي كان في الأراضي المختصّة بالإمام من الموات و المحياة المملوكة، و مال إلى ذلك بعض من تأخّر عنه «6»، لضعف تلك المطلقات.
و ردّ بما مرّ من الانجبار، مع ما يستلزم التقييد من التداخل.
______________________________
(1) تقدمت جميعا في ص: 139- 141.
(2) التهذيب 4: 126- 364، الوسائل 9: 529 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 17.
(3) المفيد في المقنعة: 278، الطوسي في المبسوط 1: 263.
(4) كما في القواعد 1: 62، و البيان: 352.
(5) السرائر 1: 497.
(6) كما في الروضة 2: 85.
142
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثالث رؤوس الجبال و أذيالها و بطون الأودية السائلة و الآجام ج 10 ص 141
أقول: ظنّي أنّ المنازعين في المقام غفلوا عن حقيقة الحال، و تحقيق المقال: أنّه لم يثبت في الشريعة أنّ كلّ ما يتصرّف فيه مسلم و يدّعي ملكيّته فيحكم له به، بل لا بدّ فيه من احتمال كون يده عليه بأحد الوجوه الموجبة للملكيّة شرعا، فلو لم يحتمله عقلا أو شرعا أو عادة لا يحكم له بذلك أصلا.
ألا ترى أنّه لو كانت هناك جبال فيها وحوش و كان يتصيّد فيها أحد من مدّة طويلة، لا تسمع دعواه- لو منع غيره من الاصطياد- مدّعيا أنّ هذه الجبال مع ما فيها من الوحوش ملكي أتصيّد فيها من القديم.
و لو كان بحر لأشخاص فيه سفن يتردّدون فيه و يغوصون، لا يسمع ادّعاؤهم الملكيّة.
لعدم ثبوت اعتبار مثل ذلك اليد، و عدم احتمال تحقّق التصرّف المملّك- أي الموجب للملكيّة شرعا- فيهما.
و على هذا، فنقول: إنّه ما ثبت إيجابه للتملّك في الأرضين و نحوها هو إحياء ببناء أو غرس أو زرع أو حفر أو نحو ذلك، و لا تحتمل هذه الوجوه في رؤوس الجبال من حيث هي.
نعم، يمكن تصرّف مسلّم في موضع منها ببناء أو غرس شجر أو حفر، و هو غير ما نحن فيه.
فالوجوه الثابت إيجابها للتملّك شرعا ممّا لا يمكن تحقّقها في الجبال و رؤوسها من حيث هي، فدعوى أحد: أنّ هذه الجبال برؤوسها ملك لي و يدي عليها لأنّي أنقل حجارها و أحصد نباتها و نحو ذلك، ممّا لا يسمع، إذ لا يمكن تحقّق الأسباب الموجبة للتملّك فيها.
نعم، يمكن ذلك في بعض أجزائها، و هو غير تملّك رؤوس الجبال
143
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثالث رؤوس الجبال و أذيالها و بطون الأودية السائلة و الآجام ج 10 ص 141
من حيث هي هي.
و لذا لو ادّعى أحد ملكيّة أرض ميتة لم يكن فيها بناء و لا قناة و لا زرع أبدا، و يقرّ المدّعي بذلك، و لكن يقول: إنّها في يدي، لأنّي أحتطب فيها و أحتشش و أرعى فيها دوابي .. لا يسمع منه، إذ محض هذه التصرّفات لا يوجب التملّك، و لذا جعل من مطاعن الثاني ما فعل من حماية الحمى.
و كذا الوادي، فإنّ أسباب تملّك المياه السائلة إنّما تتحقّق بحفر قنوات أو حيازة عين أو عيون و نحوها، و ما كان منتهيا إلى مثل ذلك لا يطلق عليه الوادي عرفا، بل حقيقة المياه العظيمة التي لا تنتهي إلى عين أو عيون أو قناة أو نهر يحتمل أن يكون مستحدثا من شخص أو أشخاص بقصد التملّك، و ما يحتمل فيه ذلك لا يسمّى واديا إلّا مجازا.
و كذا الآجام، و المراد بها- كما مر- ما يقال بالفارسيّة: بيشه. و الوجوه المملّكة للأشجار من الغرس أو الابتياع أو النمو في الملك إنّما هو أمر لا يتحقّق عرفا في الآجام.
فالوجوه الموجبة للملكيّة غير محتملة في هذه الثلاثة.
و لو فرض وجود نادر- كواد صغير منته إلى عيون محصورة في موضع معين، أو أجمة صغيرة محتملة لأن تكون مغروسة، أو ملكها في الأصل لواحد معيّن- فهو إمّا لا يطلق عليه الوادي و الأجمة إلّا مجازا، أو فرد نادر جدّا لا تنصرف إليه الإطلاقات.
إذا عرفت ذلك نقول: إنّ الكلام ليس في جزء من الجبال يتصرّف فيه أحد بقصد التملّك ببناء أو حفر أو غرس أو غيرها من الوجوه الثابتة مملّكيتها شرعا، بل في الجبال من حيث هي هي.
و لا في نهر شقّ من واد أو نهر عظيم متصرّف فيه لأحد ينتهي إلى
144
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثالث رؤوس الجبال و أذيالها و بطون الأودية السائلة و الآجام ج 10 ص 141
مبادئ كونها مستحدثة من شخص أو أشخاص بقصد التملّك، فإنّه ليس واديا عرفا، و إن أطلق عليه الوادي مجازا.
و لا في محلّ محصور فيه أشجار و قصبات ملتفّة محتملة لكونها مغروسة أو أصل ملكها مملوكة لأشخاص، فإنّه ليس أجمة عرفا و إن أطلقت عليه مجازا، لما عرفت من عدم كونهما واديا أو أجمة حقيقة.
و لو سلّمناه فمثلهما من الأفراد الغير المتبادرة من الوادي و الأجمة.
و أمّا ما عدا ذلك فلا يملكه أحد، إذ لم يثبت من الشريعة وجه مملّك لجميعه، فيكون ملكا للإمام بمقتضى الإطلاقات، و لا تعارضها يد المسلم و لا دعواه، لعدم احتمال تحقّق وجه مملّك فيه عرفا، فافهم.
الرابع: المال المجهول مالكه
، كما مرّ في مسألة الحلال المختلط بالحرام.
الخامس: الأراضي الميتة
، سواء لم يعلم سبق إحياء و ملك عليها- ككثير من المفاوز و البوادي- أو علم إحياؤها في زمان و طريان الموتان عليها. و كونها من الأنفال ممّا لا خلاف فيه في القسم الأول، و الثاني إذا لم يكن له مالك معروف، بل في التنقيح و المسالك و المفاتيح و شرحه و غيرها الإجماع عليه «1».
و تدلّ عليه مرسلتا حمّاد و أحمد، و روايتا داود و أبي بصير المتقدّمة المتضمّنة للفظ الميتة و الموات «2»، و استدلّوا له أيضا بحسنتي البختري و محمّد و موثّقات محمّد و سماعة و إسحاق المتضمّنة للفظ الخربة «3».
و لا يخفى أنّ المتبادر منها هو القسم الأخير من الميتة- و هو
______________________________
(1) التنقيح 4: 98، المسالك 2: 287، المفاتيح 3: 20.
(2) المتقدّمة جميعا في ص 140- 142.
(3) المتقدّمة في ص: 139، 140.
145
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الخامس الأراضي الميتة ج 10 ص 145
المسبوق بالإحياء و العمارة- فهي تصلح أدلّة لبعض أفراد المطلوب، بل يحتمل شمولها ما لم يبلغ حدّ الموات من هذا القسم أيضا، كما هو الظاهر من جمعها مع الميتة في المرسلة.
ثمَّ مقتضى إطلاق أكثر تلك الأخبار و إن كان كون القسم الثاني من الأراضي الميتة و الخربة من الأنفال مطلقا- سواء لم يكن لها مالك معروف أو كان، و سواء ملكها المالك المعروف بالإحياء أو بغيره من وجوه الانتقالات، كما نقله في الذخيرة عن بعض الأصحاب و نسبه إلى ظاهر الإرشاد أيضا «1»- إلّا أنّ أكثر الأصحاب خصّوه بالأولين، و جعلوا الثالث ملكا لمالكه المعروف «2»، و منهم من خصّه بالأول خاصّة، و جعل الأخيرين لمالكه.
و منه يعلم أنّ كون ما لا مالك له معروفا من الأراضي الميتة و الخربة من الأنفال ممّا لا خلاف فيه، و استفاضت عليه الروايات أيضا.
و أمّا ما له مالك معروف منها ففيه أقوال ثلاثة:
الأول: أنّها من الأنفال مطلقا كما مرّ.
الثاني: أنّها ليست منها كذلك، اختاره الشيخ و المحقّق «3».
الثالث: التفصيل بين ما ملكه مالكه بالإحياء فمن الأنفال، و بغيره كالشراء و الإرث و نحوهما فمالكه، نقل عن الفاضل في بعض فتاويه، و عن التذكرة «4»، و قوّاه في المسالك «5»، و استقربه في الكفاية «6»، و إن
______________________________
(1) الذخيرة: 489.
(2) منهم العلّامة في المنتهى 1: 553، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 68.
(3) المبسوط 1: 235، الشرائع 1: 323.
(4) التذكرة 1: 428.
(5) المسالك 1: 156.
(6) الكفاية: 239.
146
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الخامس الأراضي الميتة ج 10 ص 145
استشكل أخيرا فيما ملكه المالك بالبيع و الشراء أيضا.
دليل الأول وجوه:
الأول: المطلقات المذكورة المصرّحة بأنّ كلّ أرض ميّتة أو خربة بإطلاقها للإمام.
و لا يعارضها تقييد الميّتة في بعضها بقوله: «لا ربّ لها»، أو الخربة بقوله: «باد أهلها» أو «جلا»، إذ لا منافاة بين منطوقه و بين الإطلاق، و أمّا مفهومه فمفهوم وصف لا حجّية له، على أنّ القائلين بذلك القول يقولون:
إذا ماتت الأرض لا يكون لها ربّ البتّة. فالوصف به توضيحي. و التوصيف بالجلاء أعمّ من المعروفيّة بعده أيضا. و يمكن إرادة المربّي و العامر من الربّ، بل هو مقتضى المعنى اللغوي، و على هذا فيرجع إلى ما يأتي من كونها غير متروكة.
الثاني: الأخبار المصرّحة بأنّ الأرض كلّها للإمام.
كصحيحة الكابلي، و فيها: «و الأرض كلّها لنا» «1».
و صحيحة عمر بن يزيد، و فيها: «يا أبا سيّار، إنّ الأرض كلّها لنا» «2»، خرج منها ما ثبت خروجه، فيبقى الباقي.
الثالث: المستفيضة المصرّحة بأنّ من أحيا أرضا ميّتة فهي له، ففي صحيحة محمّد: «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض و عمروها فهم أحقّ بها و هي لهم» «3».
______________________________
(1) الكافي 1: 407- 1، و ج 5: 279- 5، التهذيب 7: 152- 674، الاستبصار 3:
108- 383، الوسائل 25: 414 أبواب إحياء الموات ب 3 ح 2.
(2) الكافي 1: 408- 3، التهذيب 4: 144- 403، الوسائل 9: 548 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 12.
(3) الكافي 5: 279- 1، التهذيب 7: 152- 671، الاستبصار 3: 107- 380، الوسائل 25: 412 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 4.
147
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الخامس الأراضي الميتة ج 10 ص 145
و في صحيحة زرارة أو حسنته: «من أحيا مواتا فهي له» «1».
و في صحيحة الفضلاء السبعة أو حسنتهم: «من أحيا أرضا مواتا فهي له» «2»، إلى غير ذلك، كصحيحة السرّاد «3»، و رواية السكوني «4»، و صحيحة عمر بن يزيد «5».
وجه الاستدلال: أنّها تدلّ على أنّ بالإحياء تملك الموات و إن كان لها مالك معروف، و لا يكون ذلك إلّا بكونها من الأنفال، للإجماع المركّب.
و المعارضة بكون الأول أيضا مصداقا لذلك يأتي جوابه.
الرابع: خصوص صحيحة ابن وهب: «أيّما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها و كرى أنهارها و عمرها فإنّ عليه فيها الصدقة، فإن كانت أرضا لرجل قبله فغاب عنها و تركها و أخربها ثمَّ جاء بعد يطلبها فإنّ الأرض للّه عزّ و جلّ و لمن عمرها» «6»، و دلالتها- بضميمة الإجماع المركّب المشار إليه- واضحة جدّا. و جعل اللام للاختصاص دون الملكيّة خلاف الظاهر.
و أورد عليها: بأنّ دلالتها متشابهة، إذ لو جعلنا أول الرواية مبنيّا على أنّ تلك الأرض كانت معمورة قبل الإحياء- كما هو ظاهر لفظ الخربة
______________________________
(1) الكافي 5: 279- 3، الوسائل 25: 412 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 6.
(2) التهذيب 7: 152- 673، الاستبصار 3: 108- 382، الوسائل 25: 412 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 5.
(3) الفقيه 3: 152- 668، الوسائل 25: 412 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 8.
(4) الكافي 5: 280- 6، الفقيه 3: 151- 665، التهذيب 7: 151- 670، الوسائل 25: 413 أبواب إحياء الموات ب 2 ح 1.
(5) التهذيب 4: 145- 404، الوسائل 9: 549 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 13.
(6) الكافي 5: 279- 2، التهذيب 7: 152- 672، الوسائل 25: 414 أبواب إحياء الموات ب 3 ح 1.
148
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الخامس الأراضي الميتة ج 10 ص 145
و البائرة، و إضافة الأنهار إلى الأرض- فلا بدّ من حمل بقيّة الحديث على أنّ الأرض كانت غير معروفة المالك وقت الإحياء الثاني، ثمَّ ظهر مالكها بعد الإحياء، فالرواية خارجة عن محلّ النزاع.
و إن جعلنا أولها مبنيّا على كونها مواتا غير مسبوقة بإحياء، فلا بدّ أن يحمل آخرها على بيان حكم ما سبق إليها إحياء قبل ذلك، فلا بدّ أن يكون المراد منها أنّ الأرض للّه عزّ و جلّ و لمن عمرها أولا.
و إن جعل الأول و الآخر مبنيّا على مسبوقيّة الإحياء الثاني بإحياء آخر، فيبقى العطف و التعقيب بلا فائدة، و يصير الكلام في غاية الحزازة، بل المناسب حينئذ أن يقال: و إن كان له صاحب قبله و جاء يطلبها، بكلمة إن الوصليّة. انتهى.
و لا يخفى ما فيه من الركاكة و السخافة، أمّا أولا: فلأنّ أولها مبنيّ على الإحياء المسبوق. قوله: فلا بدّ من حمل بقيّة الحديث، إلى آخره. قلنا:
و لم ذلك و أيّ لا بدّية فيه؟! بل يبقى على ظاهره.
و توهّم كونه خلاف الإجماع ممنوع، إذ بمجرّد نقل الإجماع في التذكرة «1» لا يثبت الإجماع الموجب لتأويل الرواية، و لذا قال صاحب الكفاية بعدم ثبوت الإجماع المذكور «2»، مع أنّ الإجماع المنقول أيضا مخصوص بصورة التملّك بغير الإحياء، فحمل آخر الرواية عليه ممكن.
و ثانيا: أنّ ما ذكره- بقوله: فيبقى العطف و التعقيب، إلى آخره- فاسد جدّا، لأنّ بالجزء الأول يثبت أنّ على المحيي الثاني الصدقة، و لازمة أحقّيّته، و لم يثبت حكم ما إذا جاء طالب و يدّعيه و أنّ أحقّيّته هل هي
______________________________
(1) التذكرة 1: 427.
(2) الكفاية: 239.
149
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الخامس الأراضي الميتة ج 10 ص 145
بالملكيّة، فعطف عليه قوله: «فإن جاء» لبيان هذه الغاية.
و بالجملة: دلالة الصحيحة على المطلوب في غاية الوضوح. و استدلّ أيضا بوجوه خطابيّة لا حجيّة فيها.
حجّة الثاني أيضا وجوه:
الأول: استصحاب الملك الأول و لا مزيل له.
و فيه: أنّ جميع ما مرّ له مزيل.
الثاني: عمومات: من أحيا أرضا ميّتة فهي له.
و ردّ بأنّ الإحياء الثاني أيضا إحياء، بل هي أدلّ عليه، لكونه عارضا و طارئا على الإحياء الأول، و السبب المملّك الطارئ أقوى.
و اعترض عليه بأنّ المتبادر من الروايات هو الإحياء الأول، و بيّن ذلك بما لا يرجع إلى محصّل عند المحقّق.
و يردّه منع التبادر جدّا، بل المتبادر أنّها له ما دامت محياة. و لو قطع النظر عنه فتكون نسبته إلى الإحياءين على السواء، ألا ترى أنّه إذا ورد:
«من اشترى شيئا فهو له» لا يتبادر منه الشراء الأول الغير المسبوق بشراء آخر من البائع.
و لا يتوهّم أنّه يحصل التعارض حينئذ بين الإحياءين لأجل تلك العمومات، لأنّ ذلك توهّم فاسد جدّا، لأنّ الثابت من قوله: «من أحيا مواتا فهي له» ليس إلّا سببيّة الإحياء للتملّك و حصول التملّك بعده، و أمّا استمراره و بقاؤه حتى بعد الموتان أيضا فلا يثبت من الخبر أصلا، بل هو أمر ثابت بالاستصحاب فقط، و قد مرّ جوابه.
و لذا يحكم بكون ما اشتراه ملكا للمشتري الثاني و لو كان بائعه ملكه بالاشتراء أيضا.
150
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الخامس الأراضي الميتة ج 10 ص 145
و لذا لا يحكم بكون الموضع الملاقي للنجاسة- مثلا- نجسا بعد غسله مرّة بما دلّ على تنجّسه، بل بالاستصحاب، و هذا ظاهر جدّا.
الثالث: قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من أحيا أرضا ميّتة فهي له، و ليس لعرق ظالم حقّ» «1».
و فسّر: بأنّ المراد: أن يأتي الرجل الأرض الميّتة لغيره فيغرس فيها.
و فيه: أنّ التفسير محكيّ عن هشام بن عروة و السيّد في المجازات النبويّة «2»، و مجرّد قولهما ليس بحجّة في التفاسير، مع أنّ أصل الرواية غير ثابت، و الجابر لها- في صورة تملّك الأول بالإحياء- مفقود.
الرابع: صحيحة سليمان بن خالد: عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها و يجري أنهارها و يعمرها و يزرعها، ما ذا عليه؟ قال: «عليه الصدقة» قلت: فإن كان يعرف صاحبها؟ قال: «فليردّ عليه حقّه» «3»، و قريبة منها مرويّة عن الحلبي عنه عليه السّلام في البحار «4».
و فيه أولا: أنّ المأمور به ردّ الحقّ، و فيه إجمال، لاحتمال كونه الأرض و الطسق «5» و الأعيان التي منه فيها، و غير ذلك ممّا لم يعلمه، كقيمة التفاوت بينها و بين الموات المطلق، كما إذا كان بعض أنهارها أو آبارها باقيا- و لا يبعد أن يكون هذا هو الأظهر- و غير ذلك. و لا يلزم تخصيص بمجمل، إذ لا تخصّص تلك العمومات إلّا بعد تيقّن أنّ المراد منه نفس الرقبة.
______________________________
(1) غوالي اللئالي 3: 480- 2، سنن البيهقي 6: 142.
(2) المجازات النبوية: 255.
(3) التهذيب 7: 148- 658، الوسائل 25: 411 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 2.
(4) بحار الأنوار 101: 255- 11.
(5) الطسق: الوظيفة من خراج الأرض، فارسي معرّب- الصحاح 4: 1517.
151
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الخامس الأراضي الميتة ج 10 ص 145
و القول بأنّ إطلاق الأعمّ يقتضي إرادة جميع الأفراد.
سخيف جدّا، لأنّه فرع ثبوت كون الأرض حينئذ أيضا حقّا للأول، مع أنّ أصل الاقتضاء ممنوع.
و بأنّ مقتضى لفظ الصاحب أنّه مالك بالفعل، لأنّ المشتقّ حقيقة في المتلبّس بالمبدإ.
أسخف، لأنّه وقع في كلام الراوي، و لا حجّية فيه، و ليس فيه تقرير حجّة، إذ غايته تجوّز من الراوي.
و بأنّ ذلك يستلزم حمل الر
152
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الخامس الأراضي الميتة ج 10 ص 145
و دليل الثالث: الإجماع المنقول في التذكرة على عدم تملّك الثاني إذا ملك الأول بغير الإحياء «1»، و صرّح بعدم الخلاف فيه بعض آخر أيضا «2».
و الجمع بين الأخبار المتقدّمة بحمل صحيحة سليمان على ما إذا ملكها الأول بغير الإحياء، و ما تقدّم عليها على ما إذا ملكها بالإحياء بشهادة صحيحة الكابلي، و فيها: «و من أحيا من المسلمين أرضا فليعمرها، و ليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، و له ما أكل منها، فإن تركها أو أخربها، فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و أحياها، فهو أحقّ بها من الذي تركها، فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي و له ما أكل، حتى يظهر القائم من أهل بيتي عليهم السّلام بالسيف» الحديث.
و ردّها بأنّ الظاهر منها حكم زمان الحضور- كما يدلّ عليه إعطاء الخراج- و بأنّها لا تدلّ إلّا على الأحقيّة و الأولويّة، و هي أعمّ من الملكيّة.
مردود بأنّ قوله: «حتى يظهر القائم» صريح في إرادة العموم لزمان الغيبة أيضا، و تخصيص أداء الخراج بزمان الحضور بالدليل لا يستلزم تخصيص الباقي أيضا، و الأحقيّة و إن كانت أعمّ من الملك لكن المطلوب ثبت منه كما لا يخفى.
و لا يخفى أنّ تلك الصحيحة و إن اختصّت بما إذا كان المالك الأول ملكها بالإحياء، إلّا أنّها لا تدلّ على نفي الحكم الثابت بأدلّة القول الأول في غير موردها.
نعم، لو كان دليل الثاني دالّا على مطلوبه لصلحت هذه الصحيحة للجمع، لكونها أخصّ منها، و لكن قد عرفت عدم تماميّتها.
______________________________
(1) التذكرة 1: 427.
(2) كالسرائر 1: 481.
153
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الخامس الأراضي الميتة ج 10 ص 145
و الإجماع المنقول ليس بحجّة، و قد صرّح في الكفاية بعدم ثبوته أيضا «1». إلّا أنّ معه- مضافا إلى عدم العثور على مصرّح بخصوصه بالملكيّة مع تملّك المالك الأول بغير الإحياء- الفتوى بها خلاف الاحتياط.
و منه يظهر أنّ أقوى الأقوال- بحسب الدليل- هو الأول، و الاحتياط في متابعة الثالث فيما لم يعارضه احتياط آخر.
و كيف كان، يجب تقييدهما بقيد آخر أيضا، و هو كون الملك ممّا تركها المالك الأول المعروف، لمفهومي الشرط في صحيحتي ابن وهب و الكابلي المؤيّدتين برواية يونس: «فمن عطّل أرضا ثلاث سنين متوالية لغير سبب أو علّة أخرجت من يده» «2».
و لتقييد الميّتة و الأرض في بعض ما تقدّم من الأخبار بكونها لا ربّ لها، أي كانت متروكة لا مربّي لها و لا عامر، بل يدلّ على الترك و التعطيل الإجماع، فإنّ الظاهر أنّ عدم جواز التصرّف في أرض لها مالك معروف لم يتركها و يريد إحياءها و عمارتها محلّ إجماع العلماء، بل الضرورة، بل و كذلك لو لم يعلم أنّها تركها أم هو بصدد إحيائها.
و على هذا، فكلّ أرض ميّتة لم يعلم سبق إحياء عليها فهي ملك لمحييها مطلقا، و كذا ما علم و لم يعرف مالكها الأول، أو عرف و ملكها بالإحياء خاصّة على الأحوط، و مطلقا على الأظهر بشرط أن ترك إحياء الأرض و عطّلها.
فروع:
أ: قالوا: المرجع في معرفة الموات إلى العرف
«3»، و عرّفوها فيه: بأنّه
______________________________
(1) الكفاية: 239.
(2) الكافي 5: 297- 1، الوسائل 25: 433 أبواب إحياء الموات ب 17 ح 1.
(3) المسالك 2: 287، و المدارك 5: 414، و الكفاية: 44 و 238.
154
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
أ: قالواالمرجع في معرفة الموات إلى العرف ج 10 ص 154
ما لا ينتفع منه لعطلته، و حصول موانع الانتفاع منه بحيث يتعذّر الانتفاع منه بدون عمل فيه.
و قد يشكل في بعض الأراضي في صدق الموات عليه عرفا و عدمه، إلّا أنّه لعدم انحصار العنوان في الموات- بل علّق الحكم بعينه للأرض الخربة- يسهل الأمر، لأنّ معنى الخربة عرفا أظهر و أجلى، و هي: كلّ أرض معطّلة غير ممكن الانتفاع منها بالفعل لخرابها و بوارها، و توقّفه على عمارتها و إصلاحها.
ب: ليس المراد بترك المالك للأرض إعراضه عنها
و إخراجها عن ملكه، لأنّه ليس معنى عرفيّا للترك و لا لغويّا، بل المراد منه تعطيل إصلاحها و ترك عمارتها و إبقاؤها على خرابها و عدم الاهتمام و الالتفات إلى مرمّتها و عدم عزمه على إحيائها، سواء كان لعدم حاجته إليها أو عدم تمكّنه من إحيائها.
و أمّا لو كان مهتمّا بإحيائها عازما عليه مريدا له، فلا تكون متروكة و إن توقّف الاشتغال به على جمع آلات متوقّعة الحصول، أو انتظار وقت صالح له، أو حصول مال متوقّع له.
و لو كانت لأحد أرض خربة و لم يعلمها- كأن تكون موروثة و هو غير عالم بها- فلا يصدق الترك، بل اللازم إعلامه ثمَّ اعتبار الترك و عدمه.
و الظاهر أنّه يشترط في صدق الترك عرفا أمران آخران:
أحدهما: أن لا يعزم على بيعها أو صلحها و لو ببعض رقبتها لإحياء الجميع، إمّا لعدم قصده بذلك، أو عدم توقّع من يشتريها أو يقبلها توقّعا مظنون الحصول.
و ثانيهما: أن يمضي على ذلك زمان يعتدّ به، بحيث يصدق معه
155
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
ب: ليس المراد بترك المالك للأرض إعراضه عنها ج 10 ص 155
الترك عرفا من سنين متعدّدة و لا أقلّ من ثلاث سنين، و لا يبعد أن يكون نظره عليه السّلام إلى ذلك في رواية يونس المتقدّمة.
ج: القائلون- ببقاء الملك على ملكيّة المالك الأول في الأخيرين أو أحدهما
- بين قائل بجواز الإحياء و أحقّية المحيي الثاني في التصرّف، و عليه طسقها للأول، و قائل بعدم الأحقّية أيضا فلا يجوز له الإحياء.
و الظاهر عدم دليل يعتدّ به على الأول، فإن جاز للثاني الإحياء و ثبتت أحقّيته فلا طسق عليه، و إلّا فلا يجوز أصل التصرّف.
د: المناط في التملّك بالإحياء و غيره-
على الفرق بينهما- تملّك من وقع الموتان في حال تملّكه، فلو تملّك أحد أرضا بالإحياء و ماتت حال تملّكه لا تنتقل إلى ورثته، إذ بالموتان خرجت من ملكه و صارت من الأنفال، فليس للورثة دعوى أنّها منتقلة إليهم بالإرث.
ه: لو لم يعلم أنّ تملّكه هل بالإحياء أو بغيره
، و لم يمكن تحقيق الحال، فحكمه حكم المتملّك بالإحياء، للعمومات و الإطلاقات المتقدّمة، خرج منها ما تحقّق فيه الإجماع لو ثبت- و هو ما علم تملّكه بغير الإحياء- فيبقى الباقي، مضافا إلى أصالة تأخّر الحادث في كثير من الصور.
و: لو كانت الأرض موقوفة و طرأها الموتان
أو الخراب تصير به من الأنفال مطلقا، أي من غير تفرقة بين الوقف العامّ أو الخاصّ، و لا بين معلوم الجهة و مجهولها، و لا بين ما تملّكه الواقف بالإحياء أو بغيره، للعمومات و الإطلاقات الخالية عن المعارض، إذ ليس إلّا صحيحة سليمان المتضمّنة للفظ صاحبها، و المتبادر منها الشخص المعيّن و جهة الملكيّة لا غير ذلك.
أو الإجماع، و تحقّقه في المقام غير معلوم، بل مفقود.
156
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
و: لو كانت الأرض موقوفة و طرأها الموتان ج 10 ص 156
أو استصحاب الوقفيّة، و هو بما مرّ مزال.
أو عمومات الوقف، و شمولها فرع تسليم الوقفيّة، و هي عين النزاع.
نعم، يشترط في دخولها في الأنفال و عدمه اعتبار الترك و عدمه، للإجماع، فإنّ الظاهر أنّه ما لم يتركها الموقوفة عليه أو المتولّي و لم يعطّلها و كان بصدد إحيائها كان عدم جواز تصرّف الغير إجماعيّا، بل هي إجماعيّة مقطوع بها.
و يدلّ عليه أيضا الإجماع المركّب، فإنّ الظاهر عدم تفرقة أحد بين الموقوف و المملوك فيما يدخل به في الأنفال.
بل يمكن الاستدلال عليه بمفهوم صحيحة ابن وهب «1» أيضا، فإنّ اللام في قوله: «لرجل» يمكن أنّ يكون للاختصاص الثابت للموقوف عليه الخاصّ أو المتولّي العامّ، إلّا أنّ مجرّد احتمال ذلك مع احتمال الملكيّة غير كاف في الاستدلال.
نعم، يمكن الاستدلال بإطلاق قوله: «فمن أحيا» في صحيحة الكابلي «2»، فإنّه شامل لمن أحياها و وقفها أيضا، فهو دليل على اعتبار الترك و عدمه هنا مع الإجماعين القطعيّين.
و المناط في التارك في الوقف الخاص: متولّيه الخاصّ إن كان، أو الموقوف عليه، و في العامّ المتولّي الخاصّ إن كان، و إلّا فالحاكم مع وجوده في تلك النواحي، أو عدول المسلمين مع عدمه.
و لا تكفي مشاهدة كون الأرض بائرة لا عامل لها و عدم اهتمام
______________________________
(1) المتقدّمة في ص: 148.
(2) الكافي 1: 407- 1 و ج 5: 279- 5، التهذيب 7: 152- 674، الاستبصار 3:
108، الوسائل 25: 414 أبواب إحياء الموات ب 3 ح 2.
157
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
و: لو كانت الأرض موقوفة و طرأها الموتان ج 10 ص 156
المتولّي الخاصّ أو العامّ في إحيائها، لجواز عدم علم المتولّي بالكيفيّة، و كذا الموقوف عليه، بل اللازم الفحص و إعلام المتولّي العامّ أو الخاصّ أو الموقوف عليه، فإن قصدوا الإحياء و نهضوا له و لو بعد حين يتوقّع فيه تهيّؤه عرفا فهو، و إلّا فيحييها من أراد و يصير هو أحقّ بها و ملكا له.
ز: لو ترك المالك بالإحياء أو بغيره أيضا على الأظهر أرضا مدّة و عطّلها
، و لم يهتمّ بإحيائها أو لم يكن في نظره، ثمَّ أراد الإحياء، فهل يجوز لغيره السبق عليه قبل شروعه في العمل؟ و لو سبق عليه فهل له ردعه و منعه؟ و كذا لو عطّلها و تركها مالكها و مات المالك، و أراد الوارث إحياءها و سبق عليهم محيي آخر، فهل لهم منعه و أخذهم الأرض منه، أم لا؟
الظاهر: الثاني، لدخولها بالترك في الأنفال، فلا تعود إلى الملكيّة بلا موجب، و لاستصحاب جواز إحياء كلّ أحد لها قبل إرادة الإحياء.
ح: لو ماتت أرض الصغير
، أو انتقل إليه ملك خراب يريد مالكه عمارته فمات و انتقل إلى صغيره، فهل يعتبر الترك و التعطيل و عدمهما من وليّه المعيّن أو الحسبي، أو لا، بل ينتظر إلى كبر الصغير و اعتبارهما بالنسبة إليه؟
الأحوط: الثاني، و اللّه العالم.
ط: قد عرفت إناطة الحكم في بعض الأقسام على الاحتياط أو الفتوى على عدم معروفيّة المالك.
و ظاهر أنّ المراد منه ليس عدم معروفيّته عند أحد من الناس، إذ حصول العلم بمثل ذلك غير ممكن. و لا عدم معروفيّته عند المحيي أو شخص معيّن مطلقا، إذ ليست أرض إلّا و مالكها غير معروف عند بعض الناس.
158
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
ط: قد عرفت إناطة الحكم في بعض الأقسام على الاحتياط أو الفتوى على عدم معروفية المالك ج 10 ص 158
بل المراد: كون مالكها غير معروف عند المحيي، و يكون بحيث لا تحصل معرفته بعد التفحّص عنه في مظانّه، و هي بلد الأرض و حواليه، فلا تدخل في الأنفال بدون ذلك التفحّص، و معه تكون من الأنفال، إذ لا يثبت من الإجماع و لا صحيحة سليمان- اللذين هما الباعث لاعتبار معروفيّة المالك- أزيد من ذلك.
ي: لو فحص و أحيا ثمَّ بان له مالك آخر
، لم يكن له حقّ، إذ لم يثبت من أدلّة اعتبار عدم معروفيّة المالك و خروج معروف المالك عن العمومات ما يشمل ذلك أيضا.
يا: قد تلخّص ممّا ذكرنا: أنّ الأراضي الخربة تملك بالإحياء
إن لم يكن لها مالك معروف بعد الفحص المذكور مطلقا، و إن كان لها مالك معروف يملك أيضا به بعد تعطيل المالك إيّاها و تركها خربة كذلك، و إن كان الأحوط في صورة العلم بتملّكه بغير الإحياء تحصيل الإذن منه.
يب: لو كانت هناك أرض خربة لها مالك معروف
و لم يعلم أنّه عطّلها أو لا، و أراد أحد إحياءها، يستأذن المالك، فإن أذن فهو، و إلّا فيأمره بإحيائها، فإن أحياها أو نهض بصدده فلا يجوز لغيره إحياؤها و إن علّقه على أمر متوقّع له منتظر، و لم يعلم من الخارج أنّ غرضه التعطيل.
و إن لم ينهض أو علّقه على أمر غير متوقّع في حقّه، أو علم أنّه ليس بصدده و غرضه التعطيل، يحييها من يريد.
و الأولى- كما قيل «1»- الاستئذان من الحاكم.
السادس من الأنفال: كلّ أرض باد أهلها أو لا ربّ لها
- من غير تقييد بالخربة أو الميتة- كما ورد في بعض الروايات المتقدّمة، و إنّما لم يذكروها
______________________________
(1) انظر الرياض 1: 497.
159
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
السادس من الأنفالكل أرض باد أهلها أو لا رب لها ج 10 ص 159
على حدة لأنّ معمورها داخل في مجهول المالك، و خرابها في الخربة.
السابع: ما يصطفيه الإمام من غنيمة أهل الحرب
، بمعنى: أنّ له أن يصطفي منها قبل القسمة ما يريد من فرس أو ثوب أو جارية أو نحو ذلك، بالإجماع، كما في المنتهى و غيره «1»، و عليه استفاضت الروايات «2».
الثامن: الغنيمة المحوزة في قتال بغير إذن الإمام
، و كونها من الأنفال على الحقّ الموافق للشيخين و السيّد و الحلّي و المحقّق في الشرائع و الفاضل في جملة من كتبه و الشهيدين «3»، بل للشهرة العظيمة المحقّقة، و المحكيّة في كتب الجماعة «4»، و في الروضة: أنّه لا قائل بخلافها، و عن الخلاف و السرائر: دعوى الإجماع عليه صريحا، و في التنقيح ظاهرا «5».
لمرسلة الورّاق: «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام، و إذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس» «6» و ضعفها- لو كان- منجبر بما ذكر.
و استدلّ له في الحدائق «7» بحسنة ابن وهب: السريّة يبعثها الإمام
______________________________
(1) المنتهى 1: 553، و كالرياض 1: 297.
(2) الوسائل 9: 523 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1.
(3) المفيد في المقنعة: 275، و الشيخ في المبسوط 1: 263، و الخلاف 4: 190، و نسبه إلى الثلاثة- و منهم السيّد- في المعتبر 2: 635، و الحلي في السرائر 1:
497، و المحقق في الشرائع 1: 183، و العلّامة في التحرير 1: 75، و الشهيد الأول في اللمعة، و الثاني في الروضة 2: 85.
(4) كالرياض 1: 298.
(5) الخلاف 4: 190، نقله عنه في المعتبر 2: 635، و عبّر عنه ببعض المتأخّرين كعادته، و لم نجده في السرائر، التنقيح 1: 343.
(6) التهذيب 4: 135- 378، الوسائل 9: 529 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 16.
(7) الحدائق 12: 478.
160
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثامن الغنيمة المحوزة في قتال بغير إذن الإمام ج 10 ص 160
فيصيبون غنائم كيف تقسّم؟ قال: «إن قاتلوا عليها مع أمير أمره الإمام عليهم، اخرج منها الخمس للّه تعالى و للرسول، و قسّم بينهم ثلاثة أخماس، و إن لم يكن قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعل حيث أحبّ» «1».
و لا يخفى أنّها تدلّ فيما إذا كانت الغنيمة بغير قتال، و هي غير محلّ الكلام، و يأتي حكمه في كتاب الجهاد إن شاء اللّه، مع ما في الرواية من الوهن من جهة قوله: «ثلاثة أخماس».
و استجود في المدارك كونها كالغنيمة المأخوذة بإذن الإمام «2»، و قوّاه في المنتهى «3»، و تردّد في النافع «4».
لإطلاق الآية الكريمة «5».
و صحيحة الحلبي: في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم، فيكون معهم، فيصيب غنيمة، قال: «يؤدّي خمسها و يطيب له» «6».
و قوله في صحيحة عليّ بن مهزيار الطويلة في تعداد ما يجب فيه الخمس: «و مثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله» «7».
و الآية لإطلاقها تقيّد- للمرسلة- بما إذا كان الغزو بإذن الإمام، كما هو
______________________________
(1) الكافي 5: 43- 1، الوسائل 9: 524 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 3.
(2) المدارك 5: 418.
(3) المنتهى 1: 554.
(4) المختصر النافع: 64.
(5) الأنفال: 41.
(6) التهذيب 4: 134- 357، الوسائل 9: 488 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 8.
(7) التهذيب 4: 141- 398، الاستبصار 2: 60- 198، الوسائل 9: 501 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 5.
161
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثامن الغنيمة المحوزة في قتال بغير إذن الإمام ج 10 ص 160
المتبادر من حال المخاطبين المشافهين بها، و لأجل ذلك يحصل الضعف في إطلاقها أيضا.
و كذلك الصحيحان، لإطلاقهما بالنسبة إلى حصول الغنيمة بالغزو و غيره، مع أنّ الأولى محتملة لكونها من باب التحليل، حيث إنّ الرجل من الشيعة.
ثمَّ إنّه لا فرق في ذلك بين ما إذا كان الإمام حاضرا أو غائبا، كما صرّح به في الروضة «1»، لإطلاق المرسلة. و لا فيما إذا كان الغزو للدعاء إلى الإسلام أو الملك و السلطنة في دار الحرب أو دار الإسلام، لما ذكر.
نعم، لو كان فيما إذا كان يخاف من الكفّار على بيضة الإسلام تكون الغنيمة كما إذا كان الغزو بإذنه، للإذن العام حينئذ.
و تمام الكلام فيه يأتي في كتاب الجهاد.
التاسع: ميراث من لا وارث له،
و يأتي تحقيقه في بحث الميراث.
العاشر: المعادن
، و هي من الأنفال على الأظهر، وفاقا لجماعة من أعيان القدماء، كالكليني و القمّي و الشيخين و القاضي و الديلمي و الفاضل في خمس التحرير، و اختاره صاحب الحدائق «2»، و هو مذهب ابن أبي عمير «3».
للمرويّين في تفسيري القمّي و العيّاشي المتقدّمين «4».
و رواية جابر المرويّة في الكافي: «خلق اللّه تعالى آدم، و أقطعه الدنيا
______________________________
(1) الروضة 2: 85.
(2) الكافي 1: 538، تفسير القمي 1: 254، المقنعة: 278، التهذيب 4: 132، و القاضي في المهذب 1: 186، و الديلمي في المراسم: 140، التحرير 1: 74، الحدائق 12: 479.
(3) الكافي 1: 409- 8، مستدرك الوسائل 7: 304 أبواب الأنفال ب 5 ح 2.
(4) في ص 140، 141.
162
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
العاشرالمعادن ج 10 ص 162
قطيعة، فما كان لآدم فلرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ما كان لرسول اللّه فهو للأئمّة عليهم السّلام من آل محمّد» «1».
و رواية محمّد بن ريّان: «إنّ الدنيا و ما عليها لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» «2».
و مرسلة أحمد بن محمّد بن عبد اللّه: «الدنيا و ما فيها للّه و لرسوله و لنا» الحديث «3»، دلّت على أنّ الدنيا و ما فيها- و منه المعادن- للإمام، خرج منها ما خرج فيبقى الباقي.
و بعد دلالة تلك الأخبار الكثيرة- التي أكثرها مذكورة في الكافي و عمل قدماء الطائفة عليها- لا يضرّ ضعف سندها، و لا ضعف دلالة الاولى من جهة اختلاف النسخ بتبديل لفظة: «منها» في بعضها «فيها» فلا تدلّ إلّا على المعادن التي في أرضه- كما هو مذهب جمهور المتأخّرين «4»- بل و كذلك على نسخة: «منها»، لاحتمال رجوع الضمير إلى الأرض لا الأنفال، سيّما مع قرب المرجع، و إيجاب الرجوع إلى الأنفال استئناف الواو مع أنّ الأصل فيها العطف، سيّما مع كونه مغنيا عن قوله: «منها».
و لا ينافي كون المعادن من الأنفال ما دلّ على وجوب الخمس فيها- حيث إنّه لا معنى لوجوبه في ماله على الغير- لجواز أن يكون الحكم في المعادن: أنّ من أخرجه بإذنه يكون خمسه له و الباقي له، كما صرّح به الكليني و الديلمي «5».
______________________________
(1) الكافي 1: 409- 7.
(2) الكافي 1: 409- 6.
(3) الكافي 1: 408- 2.
(4) منهم الشهيد الثاني في الروضة 2: 85، و السبزواري في الكفاية: 44، و صاحب الرياض 1: 298.
(5) الكافي 1: 538، المراسم: 140.
163
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
العاشرالمعادن ج 10 ص 162
و معنى كونه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مالكا للمجموع: أنّ له التصرّف في المجموع بالإذن و المنع، فمعنى أخبار وجوب الخمس: أنّ من أخرجها على الوجه الشرعي كان عليه الخمس، و هو إنّما يكون مع إذنه عليه السّلام.
الحادي عشر: البحار
، و هي على الأظهر من الأنفال، وفاقا لصريح الكليني «1»، و ظاهر ابن أبي عمير، و المحكي عن المفيد بل الديلمي «2»، للعمومات المتقدّمة «3».
و حسنة البختري: «إنّ جبرئيل كرى برجله خمسة أنهار و لسان الماء يتبعه: الفرات، و دجلة، و نيل مصر، و مهران، و نهر بلخ، فما سقت أو سقي منها فللإمام، و البحر المطيف بالدنيا» «4».
و تؤيده- بل تدلّ عليه أيضا- صحيحة عمر بن يزيد، و فيها: إنّي كنت وليت البحرين الغوص، فأصبت أربعمائة ألف درهم، و قد جئتك بخمسها ثمانين ألف درهم- إلى أن قال:- فقال عليه السّلام: «أو ما لنا من الأرض و ما أخرج اللّه منها إلّا الخمس يا أبا سيّار؟! إنّ الأرض كلّها لنا، فما أخرج اللّه منها من شيء فهو لنا» فقلت له: و أنا أحمل إليك المال كلّه؟ فقال: «يا أبا سيّار، قد طيّبناه لك، و أحللناك منه، فضمّ إليك مالك، و كلّ ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون، يحلّ ذلك لهم حتى يقوم قائمنا» الحديث «5».
______________________________
(1) الكافي 1: 538.
(2) المقنعة: 278، المراسم: 140.
(3) راجع ص: 139- 141.
(4) الكافي 1: 409- 8، الفقيه 2: 24- 91، الوسائل 9: 530 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 18.
(5) الكافي 1: 408- 3، التهذيب 4: 144- 403، الوسائل 9: 548 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 12.
164
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الحادي عشرالبحار ج 10 ص 164
وجه الدلالة: أنّ المال الحاصل للسائل، و سؤاله كان عن الغوص، و منه يفهم أن مراده عليه السّلام من الأرض و ما أخرج منها ما يشمل أرض البحار أيضا.
المسألة الثانية: ليس علينا بيان حكم الأنفال في حال حضور الإمام
، فإنّه المرجع في جميع الأحكام، و أمّا في زمان الغيبة فالمشهور بين أصحابنا- كما في الروضة «1»- إباحتها للشيعة، و منهم من ذكر إباحة بعضها كالمناكح و المساكن و المتاجر «2»، و عن الحلبي و الإسكافي: عدم إباحة شيء منها «3».
أقول: قد مرّ حكم الرابع منها، و هو المال المجهول مالكه.
و أمّا الثالث و الخامس، فيأتي حكمهما مشروحا في بحث إحياء الموات، و قد ذكرنا ها هنا بعض ما يتعلّق بهما أيضا.
و أمّا السادس، فهو- كما عرفت- غير خارج من الثلاثة المذكورة.
و يأتي حكم التاسع أيضا في كتاب المواريث.
بقيت ستّة أخرى، و الأصل فيها: إباحتها للشيعة و تحليلها بعد أداء ما فيه الخمس.
لقوله عليه السّلام في رواية يونس بن ظبيان أو المعلّى: «و ما كان لنا فهو لشيعتنا» «4».
و في رواية النصري المتقدّمة: «اللهمّ إنّا أحللنا ذلك لشيعتنا» «5».
______________________________
(1) الروضة 2: 85.
(2) كالشيخ في المبسوط 1: 263.
(3) الحلبي في الكافي في الفقه: 174، و نقله عن الإسكافي في المختلف: 207.
(4) الكافي 1: 409- 5، الوسائل 9: 550 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 17.
(5) التهذيب 4: 145- 405، الوسائل 9: 549 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 14.
165
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الثانيةليس علينا بيان حكم الأنفال في حال حضور الإمام ج 10 ص 165
و في صحيحة الفضلاء: «ألا و إنّ من شيعتنا و آبائهم في ذلك من حلّ» «1».
و في رواية ابن حمزة: «ما خلا شيعتنا» «2»، و رواية سالم «3».
الخالية جميعا عن معارضة ما يعارض هذه الأخبار في أمر الخمس، و اللّه العالم بحقائق أحكامه.
قد تمَّ كتاب الخمس من مستند الشيعة في أحكام الشريعة في محق يوم السبت، الثامن و العشرين من جمادى الثاني سنة 1237.
______________________________
(1) التهذيب 4: 137- 386، الاستبصار 2: 58- 191، الوسائل 9: 543 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 1.
(2) الكافي 8: 285- 431، الوسائل 9: 552 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 19.
(3) التهذيب 4: 137- 384، الاستبصار 2: 58- 189، الوسائل 9: 544 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 4.
166
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
كتاب الصوم و يلحقه الاعتكاف و فيه أربعة مقاصد ج 10 ص 167
كتاب الصوم و يلحقه الاعتكاف، و فيه أربعة مقاصد:
167
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
كتاب الصوم و يلحقه الاعتكاف و فيه أربعة مقاصد ج 10 ص 167
المقصد الأول في بيان ماهيّته و ما يتحقّق به
و هو في اللغة: الإمساك بقول مطلق، كما صرّح به جماعة «1»، أو إمساك الإنسان «2»، أو كلّ حيوان عن الطعام كما قيل «3».
و شرعا: الإمساك بالنّية و القصد عن تناول أشياء مخصوصة، عمدا، في وقت مخصوص، من شخص خاصّ، أي من يصحّ الصوم عنه.
فلا بدّ لنا في كشف ماهيّته الشرعيّة من شرح أمور خمسة في فصول خمسة:
______________________________
(1) حكاه في المصباح المنير: 352، لسان العرب 12: 351.
(2) المغرب في ترتيب المعرب 1: 311.
(3) كما في الصحاح 5: 1970 و مجمل اللغة 3: 250.
168
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المقصد الأول في بيان ماهيته و ما يتحقق به ج 10 ص 169
المقصد الأول في بيان ماهيّته و ما يتحقّق به
و هو في اللغة: الإمساك بقول مطلق، كما صرّح به جماعة «1»، أو إمساك الإنسان «2»، أو كلّ حيوان عن الطعام كما قيل «3».
و شرعا: الإمساك بالنّية و القصد عن تناول أشياء مخصوصة، عمدا، في وقت مخصوص، من شخص خاصّ، أي من يصحّ الصوم عنه.
فلا بدّ لنا في كشف ماهيّته الشرعيّة من شرح أمور خمسة في فصول خمسة:
______________________________
(1) حكاه في المصباح المنير: 352، لسان العرب 12: 351.
(2) المغرب في ترتيب المعرب 1: 311.
(3) كما في الصحاح 5: 1970 و مجمل اللغة 3: 250.
169
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الفصل الأول في النية ج 10 ص 171
الفصل الأول في النيّة
و لا خلاف في اعتبارها، و لا ريب في وجوبها و بطلان الصوم بتركها عمدا أو سهوا، إذ لا عمل إلّا بنيّة، و لا فائدة بعد ذلك في الكلام في كونها شرطا أو شطرا ركنا.
و هنا هنا مسائل:
المسألة الأولى:
يعتبر في النيّة القصد إلى الفعل مع القربة، و اعتبارهما فيها قطعي إجماعي، كما مرّ في بحث الوضوء، و لا يعتبر غيرهما ممّا اعتبره بعضهم، كنيّة الوجه و الأداء و القضاء و غير ذلك.
نعم، يعتبر قصد المعيّن و المميّز، حيث يمكن إيقاع الفعل على وجوه متعدّدة شرعا و لم تتداخل الوجوه، كالنذر المطلق، و النافلة و الإجارة، و القضاء، إذا اجتمعت كلّا أو بعضا، إجماعا محقّقا، و محكيّا عن ظاهر المعتبر و المنتهى و التنقيح و صريح التحرير «1»، و قد مرّ وجهه مستوفى.
و أمّا لو لم يمكن الإيقاع كذلك شرعا، أو كان و لكن أمكن تداخل الوجوه، لم يعتبر ذلك أيضا.
و تفصيل الكلام في ذلك المقام: أنّ المكلّف إمّا يكون بحيث يمكن له إيقاع الصوم على وجوه عديدة شرعا- بأن تكون عليه صيام متعدّدة، وجوبا أو ندبا، أو وجوبا و ندبا، و يكون الوقت صالحا لجمعيها، و لا تتداخل تلك الوجوه، أي لا يكفي الواحد للجميع- أو ليس كذلك.
و الأول: ما ذكرنا من اعتبار قصد المعيّن و المميّز فيه- أي في نوعه
______________________________
(1) المعتبر 2: 643، المنتهى 2: 557، التنقيح 1: 349، التحرير 1: 76.
171
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الأولى ج 10 ص 171
لا في أصنافه أو أفراده، إذا لم تختلف آثارها- فلو نذر صوم يوم ثمَّ نذر صوم يوم آخر لا يلزم تعيين النذر الأول أو الثاني إذا لم يختلف النذران من حيث الأثر، و كذا قضاء اليوم الأول أو الثاني، أو نحو ذلك.
و الثاني: على قسمين، لأنّه إمّا لا يمكن له إيقاع الصوم على وجوه متعدّدة، أو يمكن و لكن يمكن تداخل تلك الوجوه.
و القسم الأول على نوعين، لأنّ عدم الإمكان إمّا لأجل عدم صلاحيّة الوقت لغير صوم واحد، أو لأجل عدم اشتغال الذمّة وجوبا أو ندبا بغير واحد.
و النوع الأول على ثلاثة أصناف: صوم شهر رمضان، و النذر المعيّن، و غيرهما كالإجارة المعيّنة أو القضاء المضيّق.
و الجميع خمسة مواضع، لا بدّ من البحث عن كلّ منها على حدة:
الموضع الأول: صوم شهر رمضان.
المشهور عدم اشتراط تعيين السبب- و هو كونه صوم رمضان- و كفاية قصد الصوم مع القربة، بل عن الغنية و التنقيح و ظاهر المختلف و التذكرة و المنتهى: الإجماع عليه «1»، للأصل، و عدم دليل على اشتراط التعيين في مثل المقام، فإنّه لم يثبت إلّا وجوب صوم هذا الشهر و قد تحقّق.
و يلوح إلى ذلك قوله عليه السّلام في رواية الزهري: «لأنّ الفرض إنّما وقع على اليوم بعينه» «2».
و إن زدنا عليه نقول: بشرط أن لا يكون الصوم صوما آخر، و هو
______________________________
(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 571، التنقيح 1: 348، المختلف: 211، التذكرة 1: 255، المنتهى 2: 557.
(2) الكافي 4: 83- 1، الفقيه 2: 46- 208، التهذيب 4: 294- 895، الوسائل 10: 22 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 8.
172
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الموضع الأول صوم شهر رمضان ج 10 ص 172
أيضا متحقّق، لاستحالة وقوع صوم آخر فيه، و لأنّ اعتباره إنّما كان لدفع اشتراك الفعل حتى يطابق أحد الأمرين معيّنا و تتحقّق الصحّة، و لا اشتراك هنا، فيكون الوقت كالمميّز الخارجي الموجب لانطباق الفعل على واحد معيّن.
و في الذخيرة حكاية الخلاف عن نادر، فاعتبر تعيين السبب، لتوقّف الامتثال على الإتيان بالفعل المأمور به من جهة أنّه مأمور به للسبب الذي أمر به «1».
و فيه: منع التوقّف على الجزء الأخير.
هذا، و التحقيق أن يقال: إنّ على ما هو التحقيق في أمر النيّة من أنّها هي مجرّد الداعي المخطور بالبال، و كون شهر رمضان معروفا، و وجوب صومه ضروريّا، لا يمكن فرض المسألة إلّا بتعمّد الخلاف على اللّه تعالى، و عدم قصد صوم رمضان، أو بالذهول و الغفلة عن الشهر، أو عن وجوب صومه.
و الأول لا يمكن القول بصحّته، لانتفاء قصد التقرّب معه قطعا.
و الثاني على قسمين، لأنّه إمّا يكون مع الالتفات و الشعور إلى صوم غير رمضان و ينوي ذلك الغير، أو يكون مع الذهول عنه أيضا.
و الأول غير مفروض المسألة، بل هو المسألة الآتية المتضمّنة لحكم من نوى صوم غير رمضان فيه.
فبقي الثاني، و لا شكّ أنّه فرض غير متحقّق الوقوع أو نادر جدّا، و مع ذلك فهو على قسمين، لأنّ الغفلة و الذهول إمّا يكون عن وجوب مطلق الصوم أيضا، أو يكون عن مجرّد الشهر أو وجوب صومه بخصوصه.
______________________________
(1) الذخيرة: 495.
173
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الموضع الأول صوم شهر رمضان ج 10 ص 172
فعلى الأول أيضا لا معنى لصحة الصوم، لأنّ الصحة موافقة المأمور به، و لا أمر حينئذ بصوم رمضان، لامتناع تكليف الغافل، و لا بصوم، لذهوله عنه، بل قصد التقرّب حينئذ أيضا غير متصوّر غالبا، و لكن لا تترتّب عليه فائدة بعد انتفاء التكليف.
نعم، تظهر الفائدة حينئذ في القضاء، و تحقيقه أيضا مشكل، من حيث إنّ القضاء بأمر جديد، و شمول أوامر القضاء لمثل ذلك الشخص الآتي بالصوم غير معلوم، و من حيث إنّ صومه لعدم موافقته لأمر لا يتّصف بالصحّة فيكون كغير الصائم، فتشمله أدلّة القضاء.
و على الثاني يكون صومه صحيحا، و لا يضرّ عدم قصد التعيين، لما ذكر أولا، و شعوره لأصل وجوب الصوم يكفي للتكليف و الصحّة و لو كان ذاهلا عن خصوصيّة الشهر.
هذا كلّه إذا لم يكن عدم تعيين السبب للجهل برؤية الهلال، و أمّا معه فهو مسألة أخرى يأتي بيانها.
و الموضع الثاني: النذر المعيّن.
و الأقوى فيه أيضا عدم اشتراط قصد السبب، وفاقا لجمل السيّد و الحلّي و المنتهى و القواعد و التذكرة و الإرشاد و التبصرة و الروضة و المدارك «1»، لما مرّ بعينه من عدم الاشتراك، و الأصل، فإنّ بالنذر في يوم لم يثبت إلّا وجوب صوم هذا اليوم، و أمّا وجوب صومه بقصد أنّه منذور فلا.
______________________________
(1) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 53، الحلي في السرائر 1:
370، المنتهى 2: 557، القواعد 1: 63، التذكرة 1: 255، الإرشاد 1: 299، التبصرة: 52، الروضة 2: 108، المدارك 6: 18.
174
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
و الموضع الثاني النذر المعين ج 10 ص 174
و خلافا لجمل الشيخ و خلافه و مبسوطه و الشرائع و النافع و المختلف و الدروس و اللمعة و البيان «1»، لأنّ الأصل وجوب تعيين المنويّ و إن لم يكن على المكلّف غيره إذا احتمل الزمان لغيره و لو بالنسبة إلى غيره من المكلّفين، إذ الأفعال إنّما تقع على الوجوه المقصودة، خولف في شهر رمضان بالإجماع، فيبقى الباقي، و لصلاحيّة الزمان بحسب الأصل له و لغيره فلا يجدي التعيّن بالعرض [1].
و ردّ الأول: بمنع الأصل، مع أنّ الوجه في ترك العمل به في شهر رمضان ليس الإجماع فقط، بل عدم إمكان وقوع غيره فيه شرعا، حيث إنّه موجب لانطباق الفعل على الأمر به، و هو ثابت فيما نحن فيه أيضا.
فإن قيل: على التحقيق في أمر النيّة لا ينفكّ قصد السبب إلّا مع السهو أو الذهول عن النذر أو اليوم، و مع أحدهما لا بدّ من قصد سبب آخر ليتحقّق قصد القربة، و حينئذ فيبطل الصوم، لأنّه لا يمكن انطباقه على المنذور، لقصد غيره، و لا على الغير، لعدم صلاحيّة الزمان.
قلنا:- مضافا إلى أنّ عدم صلاحيّة الزمان لغيره مختصّ بما لا يتداخل معه- إنّ الانطباق بالقصد إنّما هو إذا لم يكن مرجّح آخر للانطباق بغير المقصود و إلّا فينطبق عليه.
بيان ذلك: أنّه إذا تعلّق أمران بصومين غير متداخلين- مثلا- و أتى المكلّف بصوم من غير تعيين بالقصد و لا: بمميّز خارجي، نقول: إنّه
______________________________
[1] قال في المسالك 1: 69: إنّ الزمان بأصل الشرع غير معيّن بالنذر و إنّما يتعيّن بالعارض، و ما بالأصل لا يزيله ما بالعارض، فلا بدّ من نيّة التعيين.
______________________________
(1) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 211، الخلاف 2: 164، المبسوط 1:
277، الشرائع 1: 187، المختصر النافع 1: 65، المختلف: 211، الدروس 1:
267، اللمعة (الروضة 2): 108، البيان: 357.
175
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
و الموضع الثاني النذر المعين ج 10 ص 174
لا يوافق الأمرين، لعدم التداخل، و لا واحدا غير معيّن، لعدم معقوليّة البراءة عن واحد غير معيّن من الأمرين المختلفين آثارا و توابع، و لا واحدا معيّنا، لبطلان الترجيح بلا مرجّح فيبطل العمل.
و أمّا مع وجود مرجّح كعدم صلاحيّة الوقت إلّا لواحد فينطبق عليه قطعا فيكون صحيحا، على أنّ المأمور به ليس إلّا الصوم الواقع في يوم النذر، و قد تحقّق، فيحصل الانطباق قطعا، و قصد الزائد الغير الممكن التحقّق غير مؤثّر.
نعم، لو كان المأمور به الصوم المنذور- بحيث يكون القيد جزءا له أو قيدا- لجاء الإشكال، و هو ممنوع.
فإن قيل: الانطباق عليه إنّما يكون لو لم يعارضه قصد الآخر.
قلنا: القصد إنّما يفيد في الانطباق مع الإمكان، و أمّا بدونه فلا يفيد، بل يتحقّق قصد الزائد لغوا، غير مؤثّر في صحّة و لا بطلان.
فإنّ قيل: لا شكّ أنّ الامتثال موقوف على القصد، فإذا لم يقصد المكلّف إطاعة ذلك الأمر- بل قصد إطاعة أمر آخر غير ممكن التحقّق في ذلك اليوم- لم يتحقّق امتثال، أمّا الأمر الأول فلعدم قصد امتثاله، و أمّا الثاني فلاستحالة وقوعه إذا لم يتداخل مع الصوم المنذور.
قلنا: الامتثال يتوقّف على قصد امتثال مطلق الأمر الحاصل بقصد القربة، و لا يتوقّف على قصد امتثال كلّ أمر بخصوصه، فإنّه إذا أمر المولى عبده بإعطاء درهم لزيد و درهم لعمرو، و هو أعطى زيدا درهما بقصد إطاعة المولى و لكن يظنّ أنّه عمرو، يمتثل أمر الإعطاء لزيد قطعا، و لا يكلّف إعطاء الدرهم لزيد ثانيا قطعا.
ثمَّ التفصيل و التحقيق في هذا الموضع أيضا يعلم ممّا سبق في
176
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
و الموضع الثاني النذر المعين ج 10 ص 174
الموضع الأول.
الموضع الثالث: غير المذكورين، ممّا يتعيّن وقته و لا يصلح الزمان لغيره
، كالإجارة المعيّنة، و القضاء المضيّق.
و الحقّ فيه: اشتراط تعيين السبب، كما عن الشيخ و ابن حمزة و الفاضلين و فخر المحقّقين «1»، بل لم أجد فيه خلافا، فيبطل الصوم لو لم يعيّن السبب و قصد الصوم ذاهلا عن كونه بالنيابة أو للقضاء- مثلا- و عن نيّة غير هذا الصوم أيضا، و أمّا معها فهي مسألة أخرى تأتي.
و إنّما قلنا: إنّه يبطل الصوم، لعدم كون هذا الصوم المعيّن مشروعا و مقصودا، فلا وجه لانطباق الفعل بالأمر بالغير، و لأصالة عدم تحقّق هذا المعيّن و استصحاب الاشتغال به.
و الفرق بين ذلك و بين المذكورين: أنّ الثابت شرعا فيهما ليس إلّا وجوب الإتيان بالصوم و كونه في اليوم المعيّن- أي ظرفيّته له- و قد تحقّق الأمران، و الأصل عدم الاشتغال بغيره.
بخلاف ذلك، فإنّ المستأجر لم يرد من الأجير صوم الأيام المعيّنة مطلقا، و لم يستأجره للصوم مطلقا- و لو كان كذلك لقلنا بعدم اشتراط تعيين السبب- بل استأجره للصوم عن شخص معيّن، فالثابت شرعا أمور ثلاثة:
الصوم، و النيابة عن الغير، و كونه في أيّام معيّنة، و لا يحصل الثاني إلّا بالقصد، فيكون شرطا.
و كذا القضاء المضيّق، فإنّه لا دليل شرعا على وجوب الصوم
______________________________
(1) الشيخ في المبسوط 1: 278، و الخلاف 2: 164، ابن حمزة في الوسيلة:
139، المحقّق في الشرائع 1: 187، العلّامة في التحرير 1: 76، فخر المحققين في الإيضاح 1: 220.
177
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الموضع الثالث غير المذكورين مما يتعين وقته و لا يصلح الزمان لغيره ج 10 ص 177
بالإطلاق في أيّام تضيّق القضاء حتى تبرأ الذمّة بالإتيان به و يجري الأصل في الزائد، بل الثابت شرعا هو وجوب الصوم قضاء فيها، و وقع أمر الشارع بالقضاء بمثل قوله: «اقض» أو: «تقضي» أو: «صم قضاء» و لا تعلم صيرورته قضاء إلّا بقصده.
فإن قيل: كما أنّ اليوم المعيّن في شهر رمضان و النذر المعيّن ظرف للصوم، كذلك القضاء و النيابة وصف له، فما الفرق في لزوم تعيين ذلك في النيّة دونه؟
قلنا: الفرق أنّ المطلوب حصول ذلك الظرف و الوصف، و الأول حاصل في الخارج من غير احتياج إلى النيّة، بخلاف الثاني، فإنّه لا تحقّق له إلّا بالقصد، و على هذا فلك أن تجعل مناط ما يجب تعيينه بالقصد و ما لا يجب: قيد المأمور به، الذي لا وجود له إلّا بالقصد، و ماله وجود بنفسه، فما كان من الأول يجب قصده، و ما كان من الثاني لا يجب.
و ممّا ذكرنا علم المناط و الضابط فيما يعتبر فيه قصد التعيين و ما لا يعتبر فيه.
الموضع الرابع: ما لم يتعلّق بذمّة المكلّف غير صوم واحد واجب أو ندب.
و لا تعتبر فيه أيضا نية التعيين و قصد السبب، إلّا إذا كان السبب قيدا للمأمور به أو جزءا له و لم يتعيّن إلّا بالقصد، كما مرّ في الموضع السابق.
الموضع الخامس: ما تعدّدت وجوه الصوم و لكن أمكن تداخلها.
و لا يعتبر فيه التعيين، بل يكفي قصد الصوم مطلقا عن الجميع، لما أثبتناه من أصالة تداخل الأسباب، بل يكفي قصد واحد معيّن عن الجميع أيضا، لما أثبتناه في موضعه من التداخل القهري فيما يمكن فيه التداخل،
178
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الموضع الخامس ما تعددت وجوه الصوم و لكن أمكن تداخلها ج 10 ص 178
و أصالة عدم اشتراط التعيين، إلّا فيما كان أحد المتداخلين أو كلاهما ممّا كان قصد السبب جزءا للمأمور به فيه، فيجب قصده.
و على هذا، فلو نذر صوم أيّام البيض من كلّ شهر، و صوم يوم قدوم مسافرة، و اتّفق قدومه في أحد أيّام البيض، يكفي صوم واحد للأمرين، لأصالة التداخل.
و لا يشترط قصد التعيين، للأصل، فإنّ الثابت ليس إلّا وجوب الصوم في هذا اليوم و قد تحقّق، غاية الأمر أنّه يكون لوجوبه سببان، و ذلك لا يقتضي التعدّد و لا قصد السبب.
و كذا لو نذر صوم يوم قدوم مسافرة، و قدم أحد أيّام البيض، فيكفي صوم لواجبه و مستحبّه، و هكذا في اجتماع المندوبين.
فرعان:
أ: عن الشهيد في البيان: إلحاق الندب المعيّن- كأيام البيض- بشهر رمضان
في عدم افتقاره إلى التعيين «1»، للتعيين هناك بأصل الشرع.
بل عنه في بعض تحقيقاته: إلحاق مطلق المندوب به، لتعيينه شرعا في جميع الأيام إلّا ما استثني «2»، و استحسنه جماعة كما قيل «3»، و تنظّر فيه أخرى.
أقول: التعيين بأصل الشرع إنّما يفيد في التعيين لو امتنع وقوع غيره فيه، و ذلك مختصّ بالواجب، و أمّا المندوب فليس كذلك، فإنّ أيّام البيض
______________________________
(1) البيان: 357.
(2) حكاه عنه في المدارك 5: 20.
(3) انظر الرياض 1: 301.
179
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
أ عن الشهيد في البيان إلحاق الندب المعين كأيام البيض بشهر رمضان ج 10 ص 179
لم تتعيّن للصوم المندوب فيها. و كذلك مطلق الأيّام لمطلق المندوب، لجواز وقوع غيرهما فيهما، بل وقوعه كثيرا، فالانصراف إليهما موقوف على صارف.
و التحقيق: أنّ التعيّن الندبي غير مفيد في ذلك، بل ليس تعيّنا ندبيّا أيضا، لأنّ التعيّن الندبي أن يكون غيره فيه مرجوحا، و ليس كذلك، بل اللازم فيه أيضا الإناطة بما مرّ، من عدم الاشتراك و التداخل و جزئيّة السبب، فإن لم يكن على المكلّف غير الصوم المندوب في كلّ يوم إلّا ما استثني تكفي فيه نيّة مطلق الصوم.
و كذا إذا اجتمعت أصوام متداخلة مندوبة أو مندوبة و واجبة، تكفي نيّة المطلق إذا لم يكن تعيين السبب جزء المأمور به، و يجب التعيين في غير ذلك، فلو كان عليه قضاء و كفّارة و نيابة و مستحبّ، و نوى مطلق الصوم متردّدا بين هذه الأمور، بطل.
نعم، لو كان ذاهلا عن الأمور المذكورة و نوى الصوم، فالظاهر صحّته للمستحبّ، لأنّ قصده القربة لا يكون إلّا مع الالتفات إليه، و لو فرض إمكان تحقّق الذهول عن الجميع و قصد القربة فيبطل، و لكنه فرض غير متحقّق.
و كذا لو كان على أحد صوم عن غيره مندوبا- كأن يطلب منه أحد ليصوم عن والده مثلا و قبل ذلك رجحانا لقضاء مطلوب أخيه المؤمن، أو أراد قضاء صيام محتمل الفوات أو مظنونه و قلنا باستحبابه- لا ينصرف إلى أحدهما إلّا بقصد السبب. و تكفي نيّة مطلق الصوم في أيّام البيض عن صومها و لو كان عليه الصوم المستحبّ في كلّ يوم، للتداخل، و هكذا.
ثمَّ إنّه قد تحصّل من جميع ما ذكرنا: أنّه إذا كان المأمور به متعدّدا غير متداخلة و لا متميّزة بمميّز خارجي، و كانت مختلفة الآثار، أو كان له قيد
180
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
أ عن الشهيد في البيان إلحاق الندب المعين كأيام البيض بشهر رمضان ج 10 ص 179
مطلوب لا يحصل إلّا بالقصد، يعتبر التعيين بالقصد.
و ما كان غير ذلك لا يعتبر فيه ذلك، سواء في ذلك الصوم و غيره من العبادات، من الطهارات و الصلوات و غيرهما.
ب: لمّا كان الأصل- على الأقوى- تداخل الأسباب
، فالأصل في أنواع الصيام التداخل إلّا ما ثبت فيه العدم، و ممّا ثبت فيه عدم التداخل:
صوم شهر رمضان، و النيابة عن الغير، و القضاء، و النذر معيّنا، و مطلقا، و الكفّارة، فإنّها لا يتداخل بعضها مع البعض إجماعا.
و يتداخل النذر المطلق و المعيّن «1» مع صوم أيّام البيض، و هو مع صوم دعاء الاستفتاح «2»، و هو مع القضاء «3»، و نحو ذلك.
المسألة الثانية: لو نوى في شهر رمضان صوما غيره
مع وجوب الصوم عليه، فإن كان مع الجهل بالشهر فالظاهر عدم الخلاف في الصحّة و الإجزاء عن رمضان، كما يأتي في صوم يوم الشكّ.
و إن كان مع العلم بالشهر فلا يقع الصوم عن المنويّ إجماعا، لعدم وقوع صوم غيره فيه كما يأتي.
و هل يقع عن رمضان أو يبطل؟ فيه قولان:
الأول: للخلاف و المبسوط و جمل السيّد و الغنية و الوسيلة و المعتبر و الشرائع «4».
______________________________
(1) في «ق» زيادة: إذا لم يقصد في النذر التغاير أو لم تدل عليه قرينة، و كذا يتداخلان مع كل صوم آخر كذلك.
(2) كذا، و لعله تصحيف عن: الاستسقاء.
(3) في «ق» زيادة: إذا قصد القضاء و لا عكس.
(4) الخلاف 2: 164، المبسوط 1: 276، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 53، الغنية (الجوامع الفقهيّة): 571، الوسيلة: 140، المعتبر 2: 645، الشرائع 1: 187.
181
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الثانيةلو نوى في شهر رمضان صوما غيره ج 10 ص 181
و الثاني: للحلّي و الشهيد و المفاتيح «1»، و استجوده في المختلف أولا «2» و في المدارك مطلقا «3»، و نسب إلى ظاهر عليّ بن بابويه «4».
و ظاهر الفاضل في جملة من كتبه و صاحب الكفاية التردّد «5».
حجّة الأول: أنّ النيّة المشروط حاصلة، و هي نيّة القربة، إذ التعيين غير لازم، و ما زاد لغو لا عبرة به، فكان الصوم حاصلا بشرطه، و يجزئ عنه.
و ردّ: بأنّ نيّة القربة بلا تعيين إنّما تكفي لو لم ينو ما ينافي هذا الصوم «6».
و فيه: منع تأثير نيّة المنافي، مع عدم إمكان وقوعه.
نعم، يرد عليه: أنّ حصول القربة مطلقا ممنوع، لأنّ نيّة الغير مع العلم بالشهر إمّا تكون مع السهو عن وجوب صوم الشهر أو الجهل به، كأن يريد السفر بعد الزوال، أو دخل الوطن قبله و ظنّ عدم صحّة صومه للشهر، أو مع العلم به و تعمّد الخلاف مع اللّه سبحانه. و ظاهر أنّ قصد القربة غير متصوّر في الأخير.
و حجّة الثاني: التنافي بين نيّة صوم رمضان و نيّة غيره.
و بأنّه منهي عن نيّة غيره، و النهي مفسد.
______________________________
(1) الحلي في السرائر 1: 371، الشهيد في البيان: 358، المفاتيح 1: 246.
(2) المختلف: 214.
(3) المدارك 5: 32.
(4) حكاه عنه في المختلف: 214.
(5) الفاضل في التحرير 1: 76، و المنتهى 2: 558، الكفاية: 49.
(6) كما في المختلف: 214، المسالك 1: 70.
182
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الثانيةلو نوى في شهر رمضان صوما غيره ج 10 ص 181
و بوجوب مطابقة النيّة للمنوي.
و بأنّ لكلّ امرئ ما نوى، و الأعمال بالنيّات، و لم ينو رمضان، فليس له.
و يرد على الأول: أنّ التنافي مسلّم، و لكن لم لا يجوز أن تكفي في صحّة صيام رمضان نيّة الإمساك مع التقرّب، و لا تعتبر فيها نيّة خصوصيّة كونه صوم رمضان؟! بل الأمر كذلك كما مرّ.
و على الثاني: أوّلا: بأن النهي مخصوص بصورة تعمّد الخلاف لا غيره.
و ثانيا: بأنّ النهي متعلّق ببعض أجزاء النيّة الخارجة عن حقيقة العبادة و نيّة القربة معا، فلا يفسد شيء منهما.
و على الثالث: بمنع وجوب المطابقة الكليّة، و الجزئيّة حاصلة.
و على الرابع: بأنّ لازمه كون الصوم المتقرّب به له، و لوقوعه في شهر رمضان يكفي عنه، و أمّا الزائد فلعدم إمكانه لا يكون له.
و ممّا ذكرنا يظهر أنّ الحقّ في المسألة: التفصيل بالبطلان مع تعمّد الخلاف، و الصحّة في غيره.
أمّا الأول، فلانتفاء القربة المعتبرة قطعا.
و أمّا الثاني، فلوقوع الصوم في شهر رمضان.
أمّا وقوع الصوم، فلأنّه إمساك مخصوص بنيّة التقرّب، و قد حصل.
و أمّا كونه في شهر رمضان، فظاهر، و الأصل عدم اشتراط غيره حتى انتفاء نيّة الغير أيضا، و أيضا الزائد المنوي لا يتحقّق، لعدم صلاحيّة الوقت.
و أمّا عدم وقوع الصوم المتقرّب به، فلا وجه له، و بعد وقوعه و كونه في شهر رمضان يكون كافيا عنه.
183
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الثانيةلو نوى في شهر رمضان صوما غيره ج 10 ص 181
و إلى هذا التفصيل يلوح كلام ابن شهرآشوب في متشابه القرآن «1».
فإن قيل:- على ما هو التحقيق في باب النيّة- لا يتحقّق فرض المسألة إلّا مع الخلاف مع اللّه سبحانه، أو الغفلة عن الشهر أو وجوب صومه بالمرّة، و على التقديرين لا تتصوّر الصحّة.
أمّا على الأول، فظاهر.
و أمّا على الثاني، فلأنّ الصحّة ليست إلّا موافقة المأمور به، و هي هنا غير ممكنة، لأنّ صوم غير رمضان غير ممكن الوقوع حتى يوافقه الفعل، و أمّا رمضان فغير مأمور به، لامتناع تكليف الغافل.
قلنا: يمكن أن يدفع الإشكال بوجوه:
أحدها: أنّ ما لا يمكن وقوعه في شهر رمضان: الصوم المقيّد بكونه غير صوم رمضان لا الصوم المطلق، و الذي أوجب الذهول رفع التكليف عنه أيضا: هو الصوم المقيّد بكونه صوم رمضان لا المطلق، فيقع مطلقة الحاصل في ضمن نيّة الغير بعد عدم تحقّق الغير صحيحا، و لوقوعه في شهر رمضان يكون كافيا عنه.
فإن قيل: المطلق لا يتحقّق إلّا في ضمن أحد المقيّدين.
قلنا: ليس كذلك، لأنّ للصوم أفراد: المقيّد بهذا القيد و بذاك و الصوم المطلق، ألا ترى أنّه يمكن قصد الصوم قربة إلى اللّه، من غير التفات إلى أنّه من رمضان أو من غيره، و يكون صحيحا، لموافقته لمطلقات الأمر بالصوم.
نعم، مطلق الصوم- الذي هو الجنس- لا يكون إلّا مع أحد الثلاثة.
فإن قيل: تحقّق الصوم المطلق بحسب الوعاء الخارجي غير ممكن،
______________________________
(1) متشابه القرآن 2: 179.
184
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الثانيةلو نوى في شهر رمضان صوما غيره ج 10 ص 181
لأنّه إمّا في رمضان أو في غيره، و بحسب القصد موقوف على قصد الإطلاق، أو عدم قصد الغير، و هما منتفيان هنا.
قلنا: نمنع التوقّف، بل يتحقّق بإلغاء قصد الغير و عدم إمكان تحقّقه أيضا، فيقع الصوم صحيحا و قيده ملغيّا.
و ثانيها: أن يقال: إنّ المراد براءة ذمّة المكلّف، و هي حاصلة، أمّا عن صوم رمضان فللغفلة الموجبة لانتفاء التكليف، و أمّا عن قضائه فلأنّه بأمر جديد، و شمول أوامره لمثل ذلك الشخص غير معلوم.
و ثالثها: أنّا لا نسلّم عدم وقوع صوم غير رمضان فيه مطلقا، و إنّما هو مع العلم بالشهر و بوجوب صومه، أمّا مع الغفلة عنهما فلا، كما يأتي، فيكون المنوي صحيحا و كان مجزئا عن صوم رمضان، للعلّة المذكورة في رواية الزهري «1»، و لأنّ المطلوب من الإجزاء عدم العصيان و سقوط القضاء، و هما متحقّقان، إذ لا إثم مع الغفلة، و القضاء بأمر جديد.
فرع: لو نوى غير المنذور في النذر المعيّن
، فإن كان مع الشعور باليوم و النذر فيه، و كان قصد الغير مخالفة للّه أو لجهل بالمسألة غير موجب للعذر، فيبطل صومه، لانتفاء القربة.
و إن كان مع الذهول أو الجهل المعذّر، فالحقّ: صحّة الصوم الذي قصده، لعدم المانع، إذ ليس إلّا النذر، و هو- مع الغفلة المذكورة المانعة عن التكليف به- لا يصلح للمانعيّة، إذ يكون كيوم لا نذر فيه.
و دعوى الإجماع في الدروس- على عدم تأدّي المنوي «2»- غير
______________________________
(1) التهذيب 4: 164- 463، الاستبصار 2: 80- 243، الوسائل 10: 22 أبواب وجوب الصوم ب 5 ح 8.
(2) الدروس 1: 268.
185
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
فرع لو نوى غير المنذور في النذر المعين ج 10 ص 185
مسموعة، و لذا احتمل في المدارك التأدّي، بل احتمله في رمضان أيضا «1».
و هل يجب قضاء المنذور؟
الحقّ: لا، أمّا إن كان المنوي ما يتداخل مع المنذور- كالصوم المطلق أو الشكر أو أيّام البيض- فظاهر، و أمّا إن كان غيره- كالقضاء و النيابة- فلأنّ القضاء فرع أمر جديد، و ثبوت أمر بالقضاء- مع تحقّق الصوم الصحيح في هذا اليوم- غير معلوم، و يومئ اليه خبر الزهري المتقدّم.
و لو نوى غير الواجب في الواجب المعيّن غير النذر- كالإجارة المعيّنة و القضاء المضيّق- فيبطل مع الالتفات و العصيان، و يصحّ المنوي مع الغفلة عن الواجب، لما مرّ، و لا يصحّ عن الواجب، لاشتراط قصده المنفي هنا.
المسألة الثالثة: لو صام يوم الشكّ بنيّة آخر شعبان
أجزأ عن رمضان إذا انكشف أنّه منه، بلا خلاف مطلقا في الرسّيّات «2»، و يقال: بل بين المسلمين، كما عن ظاهر المعتبر و المختلف «3»، و بالإجماع كما في المسالك و المدارك «4» و غيرهما «5»، بل هو إجماع محقّق، و هو الدليل عليه.
مضافا- مع ما مرّ- إلى النصوص المستفيضة الدائرة بين ما يصرّح بالإجزاء مع الصوم من شعبان، كموثّقة سماعة و فيها: «إنّما يصام يوم الشكّ من شعبان و لا يصومه من شهر رمضان، لأنّه قد نهي أن ينفرد الإنسان بالصيام في يوم الشكّ، و إنّما ينوي من الليلة أنّه يصوم من شعبان، فإن كان
______________________________
(1) المدارك 6: 36.
(2) الرسّيات (رسائل السيد المرتضى 2): 352.
(3) المعتبر 2: 649، المختلف: 215.
(4) المسالك 1: 70، المدارك 6: 35.
(5) كالتنقيح الرائع 1: 354، المفاتيح 1: 354.
186
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الثالثةلو صام يوم الشك بنية آخر شعبان ج 10 ص 186
من شهر رمضان أجزأ عنه، بتفضّل اللّه تعالى، و بما قد وسّع على عباده» «1».
و رواية الزهري الطويلة الواردة في وجوه الصيام، و فيها: «و صوم يوم الشكّ أمرنا به و نهينا عنه، أمرنا به أن نصومه مع صيام شعبان، و نهينا عنه أن ينفرد [1] الرجل بصيامه في اليوم الذي يشكّ فيه الناس» فقلت له: جعلت فداك، فإن لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع؟ قال: «ينوي ليلة الشكّ أنّه صائم من شعبان، فإن كان من شهر رمضان أجزأه عنه، و إن كان من شعبان لم يضرّه» فقلت: و كيف يجزئ صوم تطوّع عن فريضة؟ فقال:
«لو أنّ رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوّعا و هو لا يعلم أنّه من شهر رمضان ثمَّ علم بعد ذلك لأجزأ عنه، لأنّ الغرض إنّما وقع على اليوم بعينه».
و بين ما هو مطلق يدلّ على المطلوب بالإطلاق، كصحيحة الأعرج، «2» و روايتي النبّال «3»، و محمّد بن حكيم «4»، و حسنة ابن وهب:
______________________________
[1] معنى الانفراد بصيامه: إمّا أن يصوم يوم الشكّ خاصة دون ما قبله من أيام شعبان، و السر في النهي حينئذ أنّه إن انفرد بصيامه على أنّه من رمضان خالف الشرع، و إن صامه بنية شعبان أو الترديد و ميزه من بين أيام شعبان بصيامه يظهر منه أنّه إنّما فعل ذلك لزعمه أن صيامه لا بدّ منه، فكأنّه صامه من رمضان و إن أخطر بباله أنه من شعبان، و ذلك يشبه إدخال يوم من رمضان، و هكذا ذكره في الوافي (ج 11: 107)، أو المعنى: انفرد بصيامه بنية رمضان من بين الناس و كون الناس يعدونه من شعبان، هكذا ذكره في الحدائق (ج 13: 36) حاشية منه رحمه اللّه من «ق».
______________________________
(1) الكافي 4: 82- 6، التهذيب 4: 182- 508، الاستبصار 2: 79- 240، الوسائل 10: 21 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 4.
(2) الكافي 4: 82- 4، التهذيب 4: 182- 506، الاستبصار 2: 78- 238، الوسائل 10: 20 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 2.
(3) الكافي 4: 82- 5، الفقيه 2: 79- 350، التهذيب 4: 181- 504، الاستبصار 2: 78- 236، الوسائل 10: 21 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 5 ح 3.
(4) الكافي 4: 83- 8، التهذيب 4: 181- 502، الاستبصار 2: 77- 234، الوسائل 10: 22 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 7.
187
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الثالثةلو صام يوم الشك بنية آخر شعبان ج 10 ص 186
الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان فيكون كذلك، فقال:
«هو شيء وفّق له» «1»، و قريبة منها موثّقة أخرى لسماعة على نسخة الكافي «2».
و الاستدلال بالأخيرتين إنّما هو مبنيّ على جعل قوله: من شهر رمضان، متعلّقا بقوله: يشكّ، للأخبار الدالّة على عدم جواز صومه من شهر رمضان.
و أمّا صحيحة محمّد: في الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان، فقال عليه السّلام: «عليه قضاؤه و إن كان كذلك» «3».
و صحيحة هشام بن سالم: في يوم الشك: «من صامه قضاه و ان كان كذلك» «4».
فلا تنافيان ما مرّ، لأنّ الأولى مخصوصة بالصوم بنيّة رمضان، و الثانية و إن كانت مطلقة إلّا أنّه يجب تخصيصها بذلك، لخصوصات الإجزاء مع قصد أنّه من شعبان.
فإن قيل: اختصاص الأولى إنّما هو إذا كان قوله: من رمضان، متعلقا ب: يصوم، و هو غير معلوم، لاحتمال التعلّق بقوله: يشكّ، بل هو أولى، لقربه.
قلنا:- مع أنّه مع الإجمال و الاحتمال المذكور لا تعلم المنافاة- أنّه
______________________________
(1) الكافي 4: 82- 3، الوسائل 10: 22 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 5.
(2) الكافي 4: 81- 2، الوسائل 10: 22 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 6.
(3) التهذيب 4: 182- 507، الاستبصار 2: 78- 239، الوسائل 10: 25 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 6 ح 1.
(4) التهذيب 4: 162- 457، الوسائل 10: 27 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 6 ح 5.
188
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
فروع ج 10 ص 189
على الثاني تصير كالرواية الثانية مطلقة لازمة التخصيص، كما خصّصها بعض الرواة، حيث إنّه ذكر بعد الرواية المذكورة: يعني من صامه على أنّه من شهر رمضان بغير رؤية قضاه و إن كان يوما من شهر رمضان، لأنّ السنّة جاءت في صيامه على أنّه من شعبان، و من خالفها فإنّ عليه القضاء «1».
فإن قيل: ما معنى الفرد الخفي هنا، مع أنّه لو لم يكن من رمضان لا قضاء أبدا؟! قلنا: لا يلزم أن يكون الفرد الآخر القضاء لو لم يكن من رمضان، بل المراد: خفاء هذا الحكم لو كان من رمضان بالنسبة إلى الحكم بعدم القضاء، حيث إنّه يوم صوم وقع فيه الصوم بنيّته، فكان الأظهر عدم القضاء، فقال عليه السّلام: «عليه قضاؤه و إن كان يوم رمضان»، و كان الأظهر مع وقوع الصوم فيه للّه بنيّته عدم القضاء.
و من هذا يظهر وجه الشرطيّة لو كان التشبيه للنيّة و كان معنى قوله:
«و إن كان كذلك»: و إن كانت النيّة أنّه من رمضان.
و على الصوم بنيّة رمضان تحمل الأخبار الناهية عن صوم يوم الشكّ بقول مطلق، لما ذكر، أو على التقيّة، حيث إنّ تحريمه مذهب العامّة كما يأتي.
فروع:
أ: ألحق الشهيدان بشهر رمضان كلّ واجب معيّن فعل بنيّة الندب
مع عدم العلم «2»، و نفى عنه البأس جملة ممّن تأخّر عنهما، كالمدارك
______________________________
(1) التهذيب 4: 162 بعد حديث 547.
(2) الشهيد في الدروس 1: 268، الشهيد الثاني في الروضة 2: 139.
189
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
أ ألحق الشهيدان بشهر رمضان كل واجب معين فعل بنية الندب ج 10 ص 189
و المفاتيح و الذخيرة «1».
و توقف فيه صاحب الحدائق، استنادا إلى أنّ إلحاقه بالمذكور نوع قياس «2».
و هو غير جيّد، إذ الإلحاق ليس للقياس، بل للعلّة المنصوصة في رواية الزهري، و لأنّ مع الجهل لا تكليف بالمعيّن، و القضاء بأمر جديد غير معلوم في مثل المورد الذي وقع فيه الصوم الصحيح.
و لكن هذا الكلام إنّما يتمّ في النذر المعيّن، أمّا مثل الإجارة المعيّنة و القضاء المضيّق فلا، إذ لا حاجة فيهما إلى أمر جديد، بل الأصل بقاء المؤجر له و القضاء في الذمّة.
نعم، مقتضى التعليل المنصوص الكفاية فيهما أيضا، و لكن مع ذلك الأحوط عدم الاكتفاء في المؤجر له و القضاء بذلك، بل هو الأظهر أيضا، لإمكان الخدش في دلالة الرواية، لأنّ المراد منها أن الفرض- الذي هو الصوم- قد وقع على اليوم و لا واجب غيره، و الفرض فيهما ليس هو الصوم بغير قيد، بل الصوم عن المندوب عنه و للقضاء، و لم يقع ذلك في اليوم بعينه.
و مثل الصوم بنيّة شعبان: الصوم بنيّة ندب آخر أو الندب مطلقا، كما صرّح به في الدروس و الروضة «3» و غيرهما «4»، لعدم القول بالفصل، و لصحّة صومه، و عدم تكليفه بصوم رمضان، و عدم وجوب القضاء لما ذكرنا مرارا.
ب: لو صام يوم الشكّ بنيّة رمضان لم يجزئ عنه و لا عن شعبان
______________________________
(1) المدارك 6: 36، المفاتيح 1: 246، الذخيرة: 516.
(2) الحدائق 13: 44.
(3) الدروس 1: 268، الروضة 2: 139.
(4) كمجمع الفائدة 5: 165.
190
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
ب لو صام يوم الشك بنية رمضان لم يجزئ عنه و لا عن شعبان ج 10 ص 190
على الأقوى، وفاقا للصدوقين و السيّد «1» و الشيخ في غير الخلاف «2» و الحلبي و الديلمي و القاضي و الحلّي و ابن حمزة «3»، بل للأشهر كما صرّح به جماعة «4»، و عزاه في المبسوط إلى الأصحاب «5»، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.
للنهي المفسد للعبادة و لو من جهة شرطها، كما في المستفيضة المتقدّمة بعضها، و منها رواية أخرى للزهري: «يوم الشكّ أمرنا بصيامه و نهينا عنه، أمرنا أن يصومه الإنسان على أنّه من شعبان، و نهينا أن يصومه على أنّه من شهر رمضان و هو لم ير الهلال» «6».
و رواية سهل بن سعد، و فيها: «و ليس منّا من صام قبل الرؤية للرؤية» «7».
و رواية الأعشى: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن صوم ستّة أيّام:
العيدين، و أيّام التشريق، و اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان» «8».
و رواية عبد الكريم: «لا تصم في السفر و لا العيدين و لا أيّام التشريق
______________________________
(1) الصدوق في الفقيه 2: 79، حكاه عن والده في المختلف: 214، السيّد في الناصريات (الجوامع الفقهية): 206، و الانتصار: 62.
(2) كالنهاية: 151.
(3) الحلبي في الكافي: 181، الديلمي في المراسم: 96، القاضي في جواهر الفقه: 33، الحلي في السرائر 1: 384، ابن حمزة في الوسيلة: 140.
(4) كما في كفاية الأحكام: 49، و الحدائق 13: 34، و الرياض 1: 303.
(5) المبسوط 1: 277.
(6) التهذيب 4: 164- 463، الاستبصار 2: 80- 243، الوسائل 10: 26 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 6 ح 4، بلفظ آخر.
(7) الفقيه 2: 80- 355، الوسائل 10: 28 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 6 ح 9.
(8) التهذيب 4: 183- 509، الاستبصار 2: 79- 241، الوسائل 10: 25 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 6 ح 2.
191
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
ب لو صام يوم الشك بنية رمضان لم يجزئ عنه و لا عن شعبان ج 10 ص 190
و لا اليوم الذي يشكّ فيه» «1».
و هو و إن كان في أكثرها مطلقا إلّا أنّه يجب تقييده بما إذا كان بنيّة رمضان، أو لم يكن بنيّة شعبان، بشهادة موثّقة سماعة «2»، و رواية الزهري المتقدّمة، المعتضدة بالشهرة العظيمة، بل الإجماع على جواز ما لم يكن بنيّة رمضان، و التعبير في الموثّقة و إن كان بالجملة الخبريّة إلّا أنّ ما بعد الجملة صريح في أنّها للنهي.
و بما ذكر يجمع بين مطلقات النهي و مطلقات الجواز، بحمل الاولى على ما كان بنيّة رمضان، و الثانية على غيره.
و لا يرد: أنّ النّهي المطلق مذهب العامّة، فمع التعارض مع أخبار الجواز المطلق يجب حمل أخباره على التقيّة.
لأنّه إنّما هو إذا لم يكن شاهد من كلام أهل العصمة و فتاوى عظماء الفرقة على جمع آخر، مع أنّ الموثّقة و رواية الزهري أخصّان مطلقا من كلّ من المطلقين، فيجب تقييدهما بهما، كما هي القاعدة المجمع عليها، و هي على الحمل على التقيّة مقدّمة.
و لا أنّ الروايتين ضعيفتان.
لأنّ ضعف السند- بعد اعتبار أصل الرواية- غير مضرّ، مع أنّ إحداهما موثّقة، و هي في نفسها كالصحيح حجّة، و كليهما معتضدتان مجبورتان بالشهرة العظيمة المحقّقة و المحكيّة.
______________________________
(1) الكافي 4: 141- 1 باختلاف في السند، الفقيه 2: 79- 351، التهذيب 4:
183- 510، الاستبصار 2: 79- 242، الوسائل 10: 26 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 6 ح 3.
(2) الكافي 4: 82- 6، التهذيب 4: 182- 508، الاستبصار 2: 79- 240، الوسائل 10: 21 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 4.
192
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
ب لو صام يوم الشك بنية رمضان لم يجزئ عنه و لا عن شعبان ج 10 ص 190
و تدلّ على المطلوب أيضا صحيحتا محمّد و هشام المتقدّمتان «1»، الدالّتان على وجوب القضاء مطلقا، الواجب تخصيصهما بما إذا كان بنيّة رمضان أو لم يكن بنيّة شعبان.
لا لأجل رجوع الجار في أولاهما إلى قوله: يصوم.
و لا لتصريح ذيل الثانية بذلك.
و لا لأنّهما إن ابقيتا على إطلاقهما حتى يشمل ما وقع بنيّة شعبان أيضا لكانتا متروك العمل بهما إجماعا، و حمل الحديث على ما يصحّ الاعتماد عليه أولى من إبطاله بالكليّة.
حتى يردّ الأول: باحتمال رجوعه إلى قوله: يشكّ.
و الثاني: باحتمال كون تفسير الذيل لبعض الرواة دون الإمام عليه السّلام، و لا حجّيّة فيه.
و الثالث: بعدم دليل على أنّ أولويّة حمل الحديث على معنى يصحّ الاعتماد عليه من إبطاله تصلح لجعل ذلك المعنى حجّة في المسألة، مع أنّ الحمل على التقيّة أيضا معنى يصلح للاعتماد.
بل لما ذكرناه غير مرّة، من تعارضهما مع الموثّقة و الروايتين، و كون الثانية أخصّ مطلقا منهما فيجب تخصيصهما بها، كما أنّه بها يجمع أيضا بين الصحيحتين و بين ما ظاهره نفي القضاء بقول مطلق، كصحيحة الأعرج و ما تعقبها من الأخبار المتقدّمة الإشارة إليها.
و قد حكي الخلاف في المسألة عن القديمين، فحكما بالإجزاء هنا أيضا «2»، و هو ظاهر الشيخ في الخلاف «3»، للمطلقات المذكورة.
______________________________
(1) في ص: 188.
(2) حكاه عنهما في المختلف: 214.
(3) الخلاف 2: 185.
193
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
ب لو صام يوم الشك بنية رمضان لم يجزئ عنه و لا عن شعبان ج 10 ص 190
بل خصوص حسنة ابن وهب، حيث إنّ فيها: الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان فيكون كذلك، فقال: «هو شيء وفّق له» «1».
و موثّقة سماعة الأخيرة، حيث إنّ فيها: فصامه من شهر رمضان، قال: «هو يوم وفّق له و لا قضاء عليه» «2».
و للإجماع المحكيّ في الخلاف.
و لأنّه في نفس الأمر من رمضان، و عدم معرفته لا يخرجه عن حقيقته، فيكون قد نوى الواقع، فوجب أن يجزئه.
و تردّ المطلقات: بوجوب التخصيص بما ذكر.
و الحسنة: باحتمال تعلّق قوله: من رمضان، بالفعل الثاني، بل في النسخ الصحيحة هكذا: يشكّ فيه أنّه من شهر رمضان، فيكون صريحا في ذلك، فيكون كالمطلقات.
و الموثّقة- مع معارضتها بمثلها المتقدّم و غيره، و مرجوحيّتها بالإضمار-:
باختلاف نسخ التهذيب و الكافي، فإنّها في الثاني هكذا: فصامه فكان من شهر رمضان، فتكون أيضا كالمطلقات، و أمّا نسخ التهذيب و إن كانت كما ذكر، و لكن الشيخ رواها عن الكليني. و على هذا، فلا يبقى اعتماد عليها، مع أنّها على نسخ التهذيب أيضا ليست نصّا على أنّه صامه بنيّة رمضان، لاحتمال كون الظرف حالا من المفعول، أي صامه حال كونه من رمضان.
و دعوى الإجماع: بعدم حجّيتها، سيما مع ظهور مخالفة الأكثر «3»، و اختلاف نسخ الخلاف، حيث إنّ بعضها- على ما حكي- غير مشتمل
______________________________
(1) تقدّمت في ص: 188.
(2) تقدم مصدرها في ص: 188.
(3) راجع أرقام 1 و 2 و 3 من الصفحة: 191، و المختلف: 214.
194
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
ب لو صام يوم الشك بنية رمضان لم يجزئ عنه و لا عن شعبان ج 10 ص 190
لتلك الدعوى و إن كان ما عندنا مشتملا عليها، إلّا أنّ الظاهر منه اختصاص دعواه بصورة حصول الظنّ بأنّه من رمضان، من قول عدل و نحوه لا مطلقا، بل يلوح من كلامه التوقّف في صورة عدم الظنّ كما نسبه إليه في التحرير صريحا «1»، و في المختلف احتمالا «2».
و الأخير: بإناطة التكاليف بالعلم دون نفس الأمر، مع أنّه اجتهاد في مقابلة النص.
ثمَّ إنّه لا فرق في عدم الإجزاء بين ما إذا لم تكن هناك أمارة موجبة للظنّ بالهلال، أو كانت أمارة غير ثابتة الحجّيّة، كعدل واحد أو حساب النجوم و نحوهما، للإطلاقات، و عدم حجّيّة هذا الظنّ.
ج: لو نوى يوم الشكّ واجبا آخر غير رمضان
- كالقضاء أو النذر أو الكفّارة أو الإجارة- فهو جائز كما صرّح به جماعة، منهم: الفاضل «3» و الشهيدان في الدروس و الروضة «4»، للأصل، و كونه زمانا ليس من رمضان شرعا، فيصلح لإيقاع صيام غيره فيه، و الأخبار الناهية عن صوم يوم الشكّ غير باقية على ظاهرها كما مرّ.
نعم، في رواية عبد الكريم: إنّي جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم، فقال: «لا تصم في السفر، و لا العيدين، و لا أيام التشريق، و لا اليوم الذي يشكّ فيه» «5»، و مقتضاها حرمة صوم النذر، و لا وجه لردّها،
______________________________
(1) التحرير 1: 76.
(2) المختلف: 214.
(3) في التحرير 1: 76.
(4) الدروس 1: 268، الروضة 2: 139.
(5) الكافي 4: 141- 4 باختلاف يسير، الفقيه 2: 79- 351، التهذيب 4: 183- 510، الاستبصار 2: 79- 242، الوسائل 10: 26 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 6 ح 3.
195
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
ج لو نوى يوم الشك واجبا آخر غير رمضان ج 10 ص 195
فعليه الفتوى، و التعدّي إلى غيره من الواجبات يحتاج إلى ثبوت الإجماع المركّب، و هو غير معلوم.
ثمَّ لو ظهر أنّه من رمضان أجزأ عنه، لا لما ذكره في الدروس من كونه أولى بالإجزاء من نيّة الندب «1»، لمنع الأولويّة.
بل للعلّة المذكورة في رواية الزهري «2»، و لما مرّ من عدم التكليف بصوم رمضان شرعا، و عدم ثبوت القضاء في مثل المورد.
و هل يجزئ عمّا نواه؟
مقتضى القاعدة: نعم. و قيل: لا، لأنّ في شهر رمضان لا يقع غير صومه «3». و هو حسن إن ثبتت الكلّيّة حتى في مقام لم يثبت الشهر حين الصوم، و الاحتياط في الإتيان بالمنوي ثانيا.
د: لو تردّد في نيّة يوم الشكّ
- بأن نوى أنّه إن كان من شهر رمضان كان صائما منه واجبا، و إن كان من شعبان كان صائما منه ندبا، و هو إنّما يتصوّر من الجاهل بالحكم أو الذاهل عنه، و أمّا العالم الشاعر فلا محالة ينوي كونه من شعبان و إن علم أنّه إن كان من رمضان يجزئه عنه- فالحقّ: صحّته و إجزاؤه عن رمضان، وفاقا للخلاف و المبسوط و ابن حمزة و العماني و المختلف و الروضة «4»، و حكي عن ظاهر الدروس و البيان «5»، و إليه ذهب المحقّق الأردبيلي «6»،
______________________________
(1) الدروس 1: 268.
(2) المتقدّمة ص: 187.
(3) الروضة 2: 109.
(4) الخلاف 2: 179، المبسوط 1: 277، ابن حمزة في الوسيلة: 140، حكاه عن العماني و اختاره في المختلف: 215، الروضة 2: 140.
(5) الدروس 1: 268، البيان: 359.
(6) مجمع الفائدة 5: 164.
196
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
د لو تردد في نية يوم الشك ج 10 ص 196
و المحدّث الكاشاني في الوافي «1»، و إن كان تردّد في المفاتيح «2».
أمّا الصحّة، فلوقوع الإمساك المخصوص مع نيّة القربة، لعدم منافاة الترديد لها، و عدم اشتراط نيّة الوجه، و أصالة عدم تأثير الترديد الزائد في البطلان، كما لا تؤثّر نيّة الوجه المخالف على الأقوى.
و القول: بأنّه لا يلزم من الاكتفاء في صوم رمضان بنيّة القربة الصحّة مع إيقاعه على خلاف الوجه المأمور به، بل على الوجه المنهي عنه.
مردود بأنّ البطلان- مع الإيقاع على خلاف الوجه- يحتاج إلى دليل، فإنّ نيّة خلاف الوجه كيف تؤثّر في البطلان على ما هو الحقّ من عدم كون قصد الوجه مأمورا به؟! و أمّا كونه منهيّا عنه، فممنوع جدّا، إذ المسلّم من المنهيّ عنه و الثابت من الأخبار هو كونه من رمضان على طريق الجزم، و أمّا على الترديد فلا دليل على المنع منه أصلا.
و القول: بأنّ نيّة التعيين تسقط فيما علم أنّه من رمضان لا فيما لم يعلم.
مردود بأنّ لزوم نيّة التعيين فيما لم يعلم موقوف على الدليل عليه، و ليس.
و تدلّ على المطلوب أيضا رواية النبّال: عن يوم الشكّ، فقال:
«صمه، فإن يك من شعبان كان تطوّعا، و إن يك من شهر رمضان فيوم وفّقت له» «3».
______________________________
(1) الوافي 11: 107.
(2) المفاتيح 1: 246.
(3) الكافي 4: 82- 5، الفقيه 2: 79- 350، التهذيب 4: 181- 504، الاستبصار 2: 78- 236، الوسائل 10: 21 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 3.
197
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
د لو تردد في نية يوم الشك ج 10 ص 196
وجه الدلالة: أنّ مع ذلك القول من الإمام لا يمكن الصوم إلّا بنيّة أنّه إن كان من شعبان كان تطوّعا، و إن كان من رمضان وفّق للواجب، فإنّ القصد غير اختياري.
و ما رواه المفيد في المقنعة، عن أبي الصلت، عن الرضا عليه السّلام، عن آبائه عليهم السّلام، قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من صام يوم الشكّ فرارا بدينه فكأنما صام ألف يوم من أيّام الآخرة» «1»، فإنّ صومه فرارا بدينه مشعر بترديده و تجويزه الوجوب.
و يدلّ عليه أيضا ما ورد من إطلاق الرخصة في مطلق الصيام و في صيام يوم الشكّ، خرج منه صيامه بنيّة رمضان بأخبار و بقي الباقي، و منه ما كان بنيّة الترديد.
و القول- بأنّه لم يرد إذن صريحا في نيّة الترديد أيضا- مردود بكفاية الإطلاق فيه.
و أمّا الإجزاء عن رمضان، فلما مرّ من العلّة المنصوصة، و عدم التكليف بصوم رمضان، و عدم دليل على القضاء. و قد يستدلّ بوجوه أخر غير تامّة لا فائدة في ذكرها.
خلافا لنهاية الشيخ «2»- بل باقي كتبه كما قيل «3»- و السرائر و المعتبر و الشرائع و النافع و القواعد و التذكرة و الإرشاد و التلخيص و المدارك «4»، بل
______________________________
(1) المقنعة: 298، الوسائل 10: 300 أبواب أحكام شهر رمضان ب 16 ح 6.
(2) النهاية: 151.
(3) في الذخيرة: 516.
(4) السرائر 1: 384، المعتبر 2: 652، الشرائع 1: 187، النافع: 65، القواعد 1: 63، التذكرة 1: 257، الإرشاد 1: 300، المدارك 6: 37.
198
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
د لو تردد في نية يوم الشك ج 10 ص 196
نسب إلى أكثر المتأخّرين «1».
لأنّ صوم هذا اليوم إنّما يقع على وجه الندب على ما يقتضيه الحصر الوارد في النصّ، فبفعله على خلاف ذلك لا يتحقّق الامتثال.
و لأنّ صومه على غير الندب تشريع محرّم، فيكون باطلا.
و لاشتراط الجزم في النيّة حيث يمكن، و هو هنا كذلك. و لعلّ إلى هذا الدليل أشار الصدوق في الفقيه بقوله: لأنّه لا يقبل شيء من الفرائض إلّا باليقين «2».
و يرد على الأول: منع شرعيّة وقوعه على وجه الندب خاصّة، بل يقع على الترديد أيضا، و الحصر الذي ادّعاه كأنّه إشارة الى ما في موثّقة سماعة من قوله: «إنّما يصام يوم الشكّ من شعبان، و لا يصومه من رمضان» و قوله فيها: «و إنّما ينوي من الليلة أنّه يصوم من شعبان» «3».
و إلى ما في رواية الزهري من قوله: «أمرنا أن يصومه الإنسان أنّه من شعبان».
و لا يخفى أنّ الأولين لا يدلّان إلّا على رجحان الصوم من شعبان دون الحصر، و إفادة «إنّما» للحصر في مثل المورد ممنوعة، كما بيّنا في الأصول، مع أنّه على فرض الإفادة لا يفيد إلّا حصر الأفضل في ذلك، لأنّ من الجملة الخبريّة لا يمكن إثبات الأزيد، يعني: إنّما ينحصر الراجح من الأفراد في صوم يوم الشكّ في ذلك.
______________________________
(1) كما في المدارك 6: 37، و الرياض 1: 304.
(2) الفقيه 2: 79.
(3) الكافي 4: 82- 6، التهذيب 4: 182- 508، الاستبصار 2: 79- 240، الوسائل 10: 21 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 4.
199
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
د لو تردد في نية يوم الشك ج 10 ص 196
و الثالث لا وجه للحصر فيه أصلا، و أمّا لفظ الأمر فيه فهو بمعنى المندوب إليه قطعا، ضرورة عدم وجوب الصوم من شعبان.
هذا إذا أريد من وقوعه على وجه الندب أنّه ينوي فيه الندب و ينحصر الصحيح منه فيه، و إن أريد أنّه ليس إلّا مندوبا فهو مسلّم، و لكن وجوب تعيين ذلك في القصد و تأثير الزائد في البطلان ممنوع.
و على الثاني: أنّ التشريع لو كان فإنّما هو في أمر خارج ليس شرط الفعل و لا شطره، و هو الزائد على قصد القربة، و أمّا نفس الفعل فليس تشريعا، مع أنّ في كون الزائد بعد استفادته من الروايتين المذكورتين «1» تشريعا أيضا نظر.
و على الثالث: أنّ التردّد ليس في النيّة المطلوبة، لأنّها هي القصد إلى الفعل مع القربة، و التردّد فيه إنّما يكون بالتردّد في الفعل و الترك و التقرّب و عدمه، و ظاهر أنّه ليس كذلك، و إنّما هو في الوجه، و هو ممّا لا دليل على اعتباره هنا، و على تقدير اعتباره غاية أو صفة أمر آخر خارج عن النيّة و المنوي، فلا يقدح التردّد فيه.
و الحاصل: أنّ اشتراط الجزم في مثل ذلك لا دليل عليه.
و أمّا قول الصدوق و كونه إشارة إلى ذلك ممنوع، و لذا لم يسند إليه هذا القول، و إن كان ظاهر كلامه مفهما له، فإنّه قال- بعد حكمه بإجزاء صوم يوم الشكّ إن صامه من شعبان-: و من صامه و هو شاكّ فيه فعليه قضاؤه و إن كان من شهر رمضان، لأنّه لا يقبل شيء من الفرائض إلّا باليقين.
______________________________
(1) في ص: 197، 198.
200
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
د لو تردد في نية يوم الشك ج 10 ص 196
قيل: المراد أنّه من صامه بنيّة رمضان- مع أنّه يشكّ فيه- فعليه القضاء، لأنّه فعل أمرا لا يقين له فيه، بخلاف من صامه بنيّة التردّد، لأنّه فيه على يقين من أمره، لعلمه بكونه كذلك واقعا، و إنّما هو شاكّ في اليوم «1».
فتأمّل.
ه: لو صامه بنيّة الندب أو واجب آخر غير رمضان
، ثمَّ ظهر قبل الغروب أنّه من رمضان، يعدل إلى أنّه من رمضان، بمعنى: أنّه يجب عليه إتمام الصيام و يعتقد أنّه من رمضان، و لم يتصوّر فساد الصوم أو كونه من شعبان بعد عدم ثبوت الهلال قبل النهار.
فما قيل- من أنّ هذه المسألة ممّا لا وجه لذكرها، إذ بعد العلم بالشهر في أثناء النهار للمكلّف تحصل هذه النيّة «2»- ليس بجيّد.
نعم، يحصل ذلك بعد العلم المذكور و العلم بهذه المسألة.
ثمَّ لو لم يعلم المسألة، فهل يكون آثما مع تقصيره في الأخذ، بمعنى: أنّ قصد هذا الوجه واجب أم لا؟
الظاهر: لا، لعدم دليل على وجوب تعيين الوجه، و لذا قلنا بحصّة الصوم من رمضان لو نوى الغير فيه أيضا مع العلم بالشهر كما مرّ.
و لو صامه بنيّة رمضان ثمَّ ظهر كونه منه في أثناء النهار يكون صومه فاسدا، لأنّ ما بعضه فاسد يفسد كلّه.
و: لو أصبح في يوم الشكّ بنيّة الإفطار ثمَّ ظهر كونه من رمضان
جدّد نيّة الوجوب ما لم تزل الشمس، و أجزأ إذا لم يكن أفسد صومه، لما يأتي في مسألة تجديد النيّة إلى الزوال و بقاء وقتها إليه.
______________________________
(1) الوافي 11: 108.
(2) الحدائق 13: 46.
201
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
و لو أصبح في يوم الشك بنية الإفطار ثم ظهر كونه من رمضان ج 10 ص 201
و لو كان بعد الزوال لم يكن له صوم، و قضاه، و أمسك بقيّة اليوم من المفطرات وجوبا، أمّا عدم كون الصوم له، فلفوات وقت نيّته كما يأتي.
و أمّا القضاء، فلفوات الصوم. و أمّا وجوب الإمساك، فلما يأتي أيضا من تحريم تناول المفطرات في الشهر بغير شيء من الأعذار المنصوصة. و كذا وجوب الإمساك عليه لو ظهر كونه من الشهر بعد أنّ تناول المفطر.
ز: قال في الحدائق ما خلاصته:
المراد بيوم الشكّ في هذه الأخبار ليس هو مطلق الثلاثين من شعبان، بل إنّما هو إذا حصل الشكّ في كونه من شعبان أو رمضان من جهة اختلاف في هلال شعبان أو رمضان أو مانع من الرؤية، و بالجملة ما أوجب الشكّ، و هذا هو الذي ورد أنّه إن ظهر من رمضان فيوم وفّق له.
و أمّا لو كان هلال شعبان معلوما يقينا و لم يدّع أحد الرؤية ليلة الثلاثين منه و لم يكن مانع من الرؤية، فاليوم من شعبان قطعا و ليس بيوم شكّ «1». انتهى.
أقول: الأمر و إن كان كذلك، لتعليق الحكم في الأخبار طرّا على يوم الشكّ، و هو لا يكون إلّا مع شبهة، و ورد في روايتي هارون بن خارجة «2» و الربيع بن ولّاد «3» الأمر بالصوم في يوم الثلاثين مع الغيم و النهي عنه مع الصحو، و مع ذلك صرّح به في رواية معمّر، و فيها: قلت: جاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الذي يشكّ فيه أنّه قال: «يوم وفّق له» قال عليه السّلام: «أ ليس
______________________________
(1) الحدائق 13: 41.
(2) الكافي 4: 77- 9، التهذيب 4: 159- 447، الاستبصار 2: 77- 233، الوسائل 10: 299 أبواب أحكام شهر رمضان ب 16 ح 4.
(3) التهذيب 4: 165- 469، الوسائل 10: 298 أبواب أحكام شهر رمضان ب 16 ح 2.
202
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
ز قال في الحدائق ما خلاصته ج 10 ص 202
تدرون إنّما ذلك إذا كان لا يعلم أ هو من شعبان أم من شهر رمضان فصامه الرجل فكان من شهر رمضان كان يوما وفّق له؟ فأمّا و ليس علّة و لا شبهة فلا» «1».
و لكن لا تترتّب على ذلك التحقيق فائدة، لأنّها إمّا في مرجوحيّة الصوم مع عدم المانع و عدمها معه، أو في الإجزاء عن رمضان لو صامه و بان أنّه من رمضان و عدمه، و لا يقول هو و لا أحد من الأصحاب فيما أعرف- إلّا ما حكي عن المفيد- بمرجوحيّة صومه «2»، و لا بعدم الإجزاء إن أمكن مع الصحو اتّفاق ثبوت الهلال في بلد آخر، و مع ذلك تدلّ على الإجزاء العلّة المنصوصة و الدليل العقلي المتقدّمان. و إن لم يمكن ذلك فعدم الفائدة أظهر.
المسألة الرابعة: الأصل في النيّة أن تكون مقارنة لأول جزء من العمل
بحيث لا تتأخّر عنه و لا تتقدّم، إذ لو تأخّرت عنه لكان يقع جزء منه بلا نيّة و لا قصد قربة، فلا يكون عبادة، و ما لا يكون جزؤه عبادة لا يكون كلّه كذلك.
و لا تقاس النيّة بالمميّزات الخارجيّة المعيّنة للفعل المشترك، التي اكتفينا بحصولها في أثناء الفعل، كما ذكرنا في بحث الوضوء و الصلاة، لأنّ المطلوب منها مجرّد رفع الاشتراك الحاصل بذلك عرفا، فإنّ عروض مميّزات صلاة الآيات بعد قراءة الحمد يرفع اشتراك العمل. بخلاف النيّة، فإنّ المقصود الأعظم منها- الذي هو التقرّب- لا يفيد لما تقدّم عليها،
______________________________
(1) التهذيب 4: 166- 473، الوسائل 10: 24 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 12.
(2) حكاه عنه في البيان: 362.
203
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الرابعةالأصل في النية أن تكون مقارنة لأول جزء من العمل ج 10 ص 203
و لا يجعله متقرّبا به إلى اللّه، فلا يجوز تأخيرها عنه.
و كذا التقديم الغير المستمرّ إلى الجزء الأول فعلا أو حكما، و أمّا المستمرّة حكما فهي كالمقارنة، كما بيّناها في بحث الوضوء.
فالحاصل: أنّه تجب مقارنة النيّة الفعليّة أو الحكميّة لأول جزء من العمل، و لا يجوز التأخير مطلقا، و لا التقديم بدون الاستمرار الحكمي، و لا يجب التقديم مطلقا، للأصل، فهذا هو الأصل في النيّة.
و قد تخلّف الأصل في الصيام في مواضع يأتي ذكرها في المسائل الآتية بالدليل، فقد يوجب التقديم و قد يجوّز التأخير، و ليس المعنى في صورة التأخير أنّ معه يكون مجموع اليوم متقرّبا فيه إلى اللّه، بل المعنى: أنّ مجموع اليوم- الذي بعضه يشتمل على نيّة القربة- قائم مقام الذي يشتمل جميعه عليها بالدليل الشرعي.
ثمَّ إنّ مقتضى الأصل المذكور- مضافا إلى النبويّين المشهورين، أحدهما: «لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل» «1» و الآخر: «من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له» «2»- أن يكون وقت نيّة الصيام الليل حتما، حيث إنّ مقتضاه وجوب العلم بمقارنتها لطلوع الفجر الذي هو أول اليوم، و هو لمّا لا يحصل عادة إلّا بإيقاعها قبل الطلوع، لأنّ الطلوع لا يعلم إلّا بعد وقوعه، فلا يحصل العلم بمقارنة النيّة له إلّا بتقديمها عليه، فيكون التقديم واجبا.
قيل: الأمر و إن كان كذلك لكن نفرض المسألة على تقدير وقوع
______________________________
(1) سنن الدار قطني 2: 171- 1.
(2) سنن أبي داود 2: 329- 2454، و سنن النسائي 4: 196، و مسند أحمد 6:
287 بتفاوت يسير.
204
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الرابعةالأصل في النية أن تكون مقارنة لأول جزء من العمل ج 10 ص 203
المقارنة الحقيقيّة بدون التقديم، فإنّ غاية ما لزم عدم تمكّن المكلّف من إيقاع المقارنة بالاختيار، و هو لا ينفي الاتّفاق، فنفرض المسألة على تقديره، فلا يكون التقديم واجبا.
و أيضا نمنع اشتراط المقارنة المذكورة في النيّة مطلقا، بل النيّة للفعل المستغرق للزمان تكون بعد تحقّقه لا قبله، كما صرّح به بعضهم في نيّة الوقوف بعرفة و جعلها مقارنة لما بعد الزوال.
و أيضا تشترط المقارنة لو لم تؤثّر النيّة المتأخّرة في الجزء المتقدّم، و هي مؤثّرة في الصوم، فإنّ من نسي النيّة فجدّدها في النهار صحّ صومه «1».
و نجيب عن الأول: بأنّ إمكان الوقوع و الاتّفاق غير مفيد، لوجوب أداء التكليف، مع أنّ المكلّف به هو تحصيل العلم، و هو غير ممكن عادة، و بناء التكاليف على الأحوال العاديّة المتعارفة، و لذا يحكمون بوجوب غسل جزء من الرأس في غسل الوجه للوضوء من باب المقدّمة مع إمكان اتّفاق البدأة بأعلى الوجه الحقيقي.
و عن الثاني: بأنّ انتفاء المقارنة المذكورة موجب لخلوّ أول الجزء من النيّة، فلا يكون من العبادة المطلوبة.
و أمّا ما كان كذلك فابتداء وقته حقيقة ما بعد الآن المشتمل على النيّة، و الزمان فيه هو الزمان العرفي لا الحقيقي، فوقت الوقوف من أول الزوال عرفا لا حقيقة، و ذلك لا يمكن في الصوم، للإجماع على أنّ وقته تمام اليوم حقيقة.
و عن الثالث: بأنّ تأثير النيّة في الجزء المتقدّم على خلاف الأصل كما عرفت، فلا بدّ من الاقتصار فيه على ما ثبت فيه من الناسي و ذوي الأعذار
______________________________
(1) انظر الروضة 2: 106.
205
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الرابعةالأصل في النية أن تكون مقارنة لأول جزء من العمل ج 10 ص 203
كما يأتي، و مرادنا هنا بيان الأصل في وقت النيّة.
و قد ظهر بذلك الجمع بين قول من ظاهره أو صريحه تحتّم إيقاعها ليلا- كالعماني و المفيد و النافع و المفاتيح «1»- و قول من قال بجواز التأخير إلى طلوع الفجر بحيث يتقارنان- كآخرين «2»- بحمل قول الأولين على الوجوب التبعي، و قول الآخرين على الأصلي.
و صرّح بذلك في المنتهى، قال- بعد تجويز المقارنة للطلوع، و الاستدلال للمخالف بالنبويّين-: و الجواب: أنّه لمّا تعذّر إيقاع العزم مع الطلوع- لعدم ضبطه- لم يكلّف الرسول به، و بعده لا يجوز، فوجبت القبليّة، لذلك، لا أنّها في الأصل واجبة قبل الفجر «3». و نحوه في التذكرة «4».
فائدة:
قد بيّنا أنّ النيّة المشروطة مقارنتها للعمل أعمّ من الفعليّة، التي هي عبارة عن حضور العزم على الفعل متقرّبا في البال ملتفتا إليه.
و من الحكميّة، التي هي عبارة عن حضور العزم المذكور في وقت و عدم قصد الترك و لا التردّد و لا نسيان العزم بعده، إلى أن يشتغل بالعمل، بحيث يكون العزم مودعا في خزينة الخيال و إن لم يكن ملتفتا إليه أصلا، و ذلك غير النسيان. ألا ترى أنّه لا يقال لكلّ أحد: أنّه نسي اسمه و اسم أبيه و ولده، مع أنّه غير ملتفت إليها في أكثر الأحوال.
نعم، يكون بحيث لو التفت إلى العمل لوجد العزم عليه باقيا في
______________________________
(1) حكاه عن العماني في المختلف: 211، المفيد في المقنعة: 302، النافع: 65، المفاتيح 1: 243.
(2) منهم الشهيد الثاني في الروضة 2: 106، السبزواري في الذخيرة: 513، صاحب الرياض 1: 301.
(3) المنتهى 2: 558.
(4) التذكرة 1: 256.
206
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
فائدة ج 10 ص 206
نفسه.
و قد ذكرنا فيما سبق: أنّه لا دليل على اشتراط مقارنة الأزيد من ذلك أصلا، و أنّ اعتبار الفعليّة في وقت من الأوقات لتوقّف حصول الحكميّة عليها، و أنّه لا يشترط في الحكميّة- التي هي الفعليّة المستمرة- عدم الإتيان بما ينافي العمل حين فعله و يبطله، فإنّ قاصد الصلاة عند الأذان و الإقامة يكتفي بالنيّة الحكميّة و لو تكلّم في أثناء الأذان و الإقامة أو انحرف عن القبلة.
نعم، يشترط فيها عدم العزم على الترك، و لا التردّد بعد العزم الفعلي الأولي.
و إذا عرفت ذلك تعلم أنّ المراد بتحتّم إيقاعها ليلا: أنّه يجب تحقّق إحدى النيّتين من الفعليّة و الحكميّة في الجزء الأخير من الليل، و لو لم تتحقّق إحداهما فيه يبطل الصوم، و أمّا الفعليّة بخصوصها فلا يشترط تحقّقها حينئذ.
نعم، لتوقّف حصول الحكميّة عليها يشترط تقدّمها على الطلوع، سواء كان في الجزء الأخير من الليل، أو الجزء الأول، أو النهار السابق، أو الأيّام السابقة، أو قبل رؤية الهلال، فإنّ بعد تحقّقها في وقت من الأوقات و البقاء على حكمها إلى وقت العمل تتحقّق النيّة المعتبرة.
و البقاء على حكمها [1] يتحقّق بعدم العزم على الترك و لا التردّد، و بقاء العزم في الخزينة الخياليّة بحيث لو التفت إليها لوجد العزم و إن لم يكن بالفعل ملتفتا.
و تعلم أيضا سقوط كثير من الفروع التي ذكرها جمع من الأصحاب،
______________________________
[1] في «ح» زيادة: إلى وقت العمل.
207
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
فائدة ج 10 ص 206
و أنّها مبنيّة على اشتراط مقارنة الفعليّة أو عدم تحقيق الحكميّة:
منها: ما تردّد فيه بعضهم من أنّه هل يشترط بعد النيّة الفعليّة الاستمرار على حكم الصوم بعدم الإتيان بمفطراته إلى الطلوع، أم لا «1»؟
فإنّه لا وجه لهذا الاشتراط أصلا، و لا تؤثّر هذه الأفعال في غير زمان الصوم في إبطال النيّة الحكميّة، بل و لا الفعليّة لو اعتبرناها، فإنّ حقيقتها حضور العزم على الإمساك غدا لا على الإمساك الآن.
و منها: أنّه هل تجب في كلّ ليلة من شهر رمضان نيّة يومها، أو تكفي فيه نيّة واحدة من أول الشهر؟
فإنّ المراد إن كان الفعليّة، فلا دليل على اشتراطها في كلّ ليلة أصلا، فإنّ النيّة الحكميّة لكلّ يوم تتحقّق بحصول الفعليّة للجميع في وقت واحد من غير طروّ المزيل لها، و كون كلّ يوم عبادة مستقلّة لا يقتضي تعدّد الفعليّة في ليلته، و لذا تكفي الفعليّة الواحدة لصلاة الظهر و العصر في الابتداء، مع أنّ قصد كلّ يوم في أول الأمر في حكم الفعليّة المتعدّدة.
و إن كان المراد: الحكميّة، فلا ريب في اشتراط تحقّقها لكلّ يوم في ليلته، و لا يقبل الخلاف فيه.
و منها: أنّه هل يجوز تقديم نيّة شهر رمضان على الهلال، أم لا؟ فإنّ تقديم الفعليّة جائز مع بقاء الحكميّة، و تقديم الحكميّة بحيث تنتفي بعد الهلال غير جائز قطعا.
إلى غير ذلك من الفروع، و كثير منها مبتن على إرادة الفعليّة من النيّة المعتبرة في كلّ عبادة قطعا و الغفلة عن الحكميّة، فرأوا اعتبار الاولى قطعا، و رأوا اعتبار المقارنة أيضا، فتوهّموا أنّها هي التي تعتبر مقارنتها.
______________________________
(1) انظر الحدائق 13: 26.
208
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
فائدة ج 10 ص 206
ثمَّ لمّا استشعر بعضهم بأنّ كثيرا من أصحاب الأئمّة و علماء الأمّة في بعض الموارد الشرعيّة- كصوم الشهر- لا يلتفت إلى فعليّة النيّة، مضافا إلى عدم الالتفات إليها في أفعالنا الحاصلة بالقصد و الاختيار، فرأى ذلك ثابتا بل مجمعا عليه، فشرع في إبداء الوجوه الضعيفة و التعليلات العليلة للكفاية، و من لم يستشعر بذلك ردّ تلك الوجوه، و من تحقّق ما ذكرناه في أمر النيّة يسهل عليه الخروج من هذه الخلافات.
المسألة الخامسة: لا يجوز تأخير النيّة عن الطلوع المستلزم تبعا
وجوب تقديمها عليه في صوم شهر رمضان و نحوه من الواجبات المعيّنة، عمدا مع العلم بالشهر أو المعيّن، و لو أخّر عمدا يفوت عنه الصوم، و نسبه في المدارك- في مسألة من نوى الإفطار ثمَّ جدّد في يوم من شهر رمضان- إلى المعروف من مذهب الأصحاب «1»، و في الحدائق: أنّ ظاهر كلام جملة منهم الاتّفاق عليه «2».
للأصل المذكور، و النبويّين المتقدّمين «3».
خلافا لظاهر الإسكافي على ما قيل «4»، و السيّد «5» و النافع «6»، فيجوز التأخير عنه إلى الزوال، و صرّح في الشرائع بانعقاد الصوم لو دخل النهار بنيّة الإفطار ثمَّ جدّد النيّة قبل الزوال «7».
و يمكن أن يستدلّ لهم بإطلاق صحيحة الحلبي أو عمومها الحاصل من ترك الاستفصال: قلت: فإنّ رجلا أراد أن يصوم ارتفاع النهار أ يصوم؟
______________________________
(1) المدارك 6: 39.
(2) الحدائق 13: 47.
(3) في ص: 204.
(4) في المختلف: 211.
(5) السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 53.
(6) النافع: 65.
(7) الشرائع 1: 188.
209
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الخامسةلا يجوز تأخير النية عن الطلوع المستلزم تبعا ج 10 ص 209
قال: «نعم» «1»، و كون السؤال في صدرها عن غير الواجب المعيّن لا يوجب تخصيص الذيل العام به أيضا.
و ابن سنان: «من أصبح و هو يريد الصيام ثمَّ بدا له أن يفطر فله أن يفطر ما بينه و بين نصف النهار ثمَّ يقضي ذلك اليوم، فإن بدا له أن يصوم بعد ما ارتفع النهار فليصم، فإنّه يحسب له من الساعة التي نوى فيها» «2».
و ابن سالم: الرجل يصبح و لا ينوي الصوم فإذا تعالى النهار حدث له رأي في الصوم، فقال: «إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه، و إن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى» «3».
إلّا أنّ الثانية مخصوصة بغير الواجب المعيّن، لأنّ قوله: «من أصبح و هو يريد الصيام» مخصوص به بقرينة تجويز الإفطار، و الضمير المجرور في قوله: «ثمَّ بدا له أن يصوم» راجع إلى ذلك الشخص أيضا.
بل هنا وجهان آخران موجبان لظهور الأخيرتين معا في غير الواجب المعيّن، لأنّه المتبادر من قوله: «فإن بدا له» و قوله: حدث له رأي، و لقوله:
«يحسب له» فإنّ الحساب من وقت النيّة يفيد أنّه ليس ما قبله صوما، و إنّما هو بعض صوم، أي له ثواب ذلك و إن لم يكن صوما شرعيّا.
و الحمل- على مجرّد نفي الثواب فيما تقدّمه و إن كان صوما صحيحا- باطل، إذ لا يخلو الصوم الصحيح من الثواب.
إلّا أن يقال: إنّ المعنى: أنّ ثواب مجموع صوم اليوم كثواب بعض
______________________________
(1) الكافي 4: 121- 1، الوسائل 10: 10 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 1.
(2) التهذيب 4: 187- 524، الوسائل 10: 17 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 7.
(3) التهذيب 4: 188- 528، الوسائل 10: 12 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 8.
210
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الخامسةلا يجوز تأخير النية عن الطلوع المستلزم تبعا ج 10 ص 209
اليوم من الذي نوى المجموع.
فلم تبق إلّا الاولى، و هي و إن كانت عامّة ظاهرا إلّا أنّ عمومها موهون جدّا باختصاص صدرها، و ظهور: أراد أن يصوم، فيمن تجوز له إرادة عدم الصوم، و مع ذلك معارض بعموم النبويّين المنجبرين ضعفهما في المقام بالشهرة العظيمة، بل قيل بالإجماع، بحمل كلام من ذكر على غير العامد بالتباين، فيرجع إلى الأصل المذكور.
المسألة السادسة: يمتدّ وقتها في صوم شهر رمضان و النذر المعيّن للناسي و الجاهل بالشهر و التعيين
بل مطلق المعذور إلى الزوال، فله النيّة ما لم يدخل الزوال، و إذا دخل فات الصوم، وفاقا للأكثر، بل عليه الإجماع عن صريح الغنية «1»، و ظاهر المعتبر و المنتهى و التذكرة «2».
بل هو إجماعي، لعدم ظهور مخالف، إلّا ما حكي عن العماني في البقاء إلى الزوال، و الإسكافي في الفوات بعده «3».
و مخالفتهما في الإجماع غير قادحة، مع أنّها- كما قيل أيضا- غير معلومة «4»، بل عدمها في الثاني من كلامه معلوم.
فهو الحجّة المخرجة عن الأصل المتقدّم في الأول «5»، المحتاج إلى المخرج.
مضافا إلى إطلاق صحيحة الحلبي المتقدّمة «6»، الخالي عن معارضة
______________________________
(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 570.
(2) المعتبر 2: 646، المنتهى 2: 558، التذكرة 1: 256.
(3) حكاه عنهما في المختلف: 212.
(4) الرياض 1: 302.
(5) أي امتداد الوقت إلى الزوال.
(6) في ص: 209.
211
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة السادسةيمتد وقتها في صوم شهر رمضان و النذر المعين للناسي و الجاهل بالشهر و التعيين ج 10 ص 211
النبويّين في المورد، لضعفهما الخالي عن الجابر فيه.
و إلى الاعتضاد بمؤيّدات عديدة، من فحوى ما سيأتي من أدلّة ثبوت الحكم في الصوم الغير المعيّن، ففيه أولى، و حديث: «رفع عن أمّتي» «1»، و ما روي عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنّ ليلة الشك أصبح الناس، فجاء أعرابي إليه فشهد برؤية الهلال فأمر مناديا ينادي: من لم يأكل فليصم، و من أكل فليمسك «2»، و فحوى ما دلّ على انعقاد الصوم من المسافر إذا زال عذره قبل الزوال «3».
بل يمكن جعل الأخير دليلا بضمّ عدم القول بالفصل، بل سابقة أيضا، لذلك، مع جبر ضعفه بالعمل.
و أمّا الأوليان فجعلهما دليلين- كما وقع لبعضهم «4»- غير سديد.
و أمّا الثاني [1]، فلا حاجة فيه إلى المخرج، لموافقته الأصل، و عدم شيء يصلح للمعارضة، مع أنّه أيضا- كما مرّ- إجماعي.
المسألة السابعة: يمتدّ وقتها في قضاء رمضان و النذر المطلق أيضا إلى الزوال،
من غير فرق في ذلك بين حالتي الاختيار و الاضطرار، فيجوز تجديدها إليه و إن تعمّد الإخلال بالنيّة ليلا فبدا له في الصوم قبل الزوال، و لا يجوز بعده.
أمّا الأول، فهو ممّا قطع به الأصحاب، بل من عباراتهم ما هي مشعرة بدعوى الإجماع عليه، و تدلّ [عليه] [2] الصحاح الثلاث المتقدّمة، و صحيحة
______________________________
[1] أي: إذا دخل الزوال فات الصوم.
[2] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.
______________________________
(1) الوسائل 8: 249 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 2.
(2) سنن أبي داود 2: 302، سنن النسائي 4: 131.
(3) الوسائل 10: 189 أبواب من يصح منه الصوم ب 6.
(4) انظر الرياض 1: 302.
212
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة السابعةيمتد وقتها في قضاء رمضان و النذر المطلق أيضا إلى الزوال ج 10 ص 212
البجلي: في الرجل يبدو له بعد ما يصبح و يرتفع النهار في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان، و لم يكن نوى ذلك من الليل، قال: «نعم، ليصمه، و يعتدّ به إذا لم يكن أحدث شيئا» «1».
و الأخرى: عن الرجل يصبح و لم يطعم و لم يشرب و لم ينو صوما، و كان عليه يوم من شهر رمضان، إله أن يصوم ذلك اليوم و قد ذهب عامّة النهار؟ فقال: «نعم، له أن يصوم، و يعتدّ به من شهر رمضان» «2».
و موثّقة الساباطي: عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان و يريد أن يقضيها، متى يريد أن ينوي الصيام؟ قال: «هو بالخيار إلى أن تزول الشمس، فإذا زالت الشمس فإن كان نوى الصوم فليصم، و إن كان نوى الإفطار فليفطر»، سئل: و إن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال: «لا» «3».
و رواية صالح: رجل جعل اللّه عليه صيام شهر، فيصبح و هو ينوي الصوم ثمَّ يبدو له فيفطر، و يصبح و هو لا ينوي الصوم فيبدو له فيصوم، فقال: «هذا كلّه جائز» «4».
و رواية عيسى: «و من أصبح و لم ينو الصوم من الليل فهو بالخيار إلى أن تزول الشمس، إن شاء صام، و إن شاء أفطر» «5».
______________________________
(1) الكافي 4: 122- 4، التهذيب 4: 186- 522، الوسائل 10: 10 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 2.
(2) التهذيب 4: 187- 526، الوسائل 10: 11 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 6.
(3) التهذيب 4: 280- 847، الاستبصار 2: 121- 394، الوسائل 10: 13 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 10.
(4) التهذيب 4: 187- 523، الوسائل 10: 11 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 4.
(5) التهذيب 4: 189- 533، الوسائل 10: 19 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 12.
213
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة السابعةيمتد وقتها في قضاء رمضان و النذر المطلق أيضا إلى الزوال ج 10 ص 212
و إطلاقها يدلّ على ما أشرنا إليه من استواء حالتي الاختيار و الاضطرار في ذلك الحكم، كما هو ظاهر عبارات الأصحاب، و صرّح به في السرائر و الروضة «1» و غيرهما «2».
و كثير منها و إن اختصّ بالقضاء و بعضها بالنذر المطلق، و لكن جملة منها يعمّهما و غيرهما من الواجبات، كالإجارة و الكفّارة و غيرهما.
و كذلك بعضها و إن لم يشتمل على الامتداد إلى الزوال و لكن تصريح جملة منها به كاف في إثباته، مضافا إلى الإجماع المركّب.
لا يقال: قوله في صحيحة ابن سنان: «فإنّه يحسب له من الساعة التي نوى فيها» «3» يدلّ على فساد الصوم، إذ الصوم لا يتبعّض في اليوم، فيكون الحساب من بعض اليوم كناية عن الفساد.
قلنا:- مع أنّ أصل الدلالة ممنوع- إنّه لو سلّم فهي أعمّ ممّا كان قبل الزوال أو بعده، فيجب تخصيصه بالأخير، لصحيحة ابن سالم، التي هي أخصّ مطلقا منها «4».
و أمّا الثاني، فهو الأظهر الأشهر، بل ظاهر الانتصار إجماعنا عليه «5»، لصحيحة ابن سالم، و موثّقة الساباطي، و رواية عيسى.
خلافا للمحكيّ عن الإسكافي «6» و الذخيرة «7»، و قوّاه بعض مشايخنا
______________________________
(1) السرائر 1: 373، الروضة 2: 107.
(2) انظر الرياض 1: 302.
(3) تقدّمت في ص: 210.
(4) راجع ص: 210.
(5) الانتصار: 60.
(6) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 212.
(7) الذخيرة: 514.
214
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة السابعةيمتد وقتها في قضاء رمضان و النذر المطلق أيضا إلى الزوال ج 10 ص 212
المعاصرين «1»، لإطلاق بعض الأخبار المذكورة، و ظاهر صحيحة البجلي الثانية.
و صريح مرسلة البزنطي: الرجل يكون عليه القضاء من شهر رمضان، و يصبح فلا يأكل إلى العصر، أ يجوز له أن يجعله قضاء من شهر رمضان؟
قال: «نعم» «2».
و يجاب عنها: بالضعف، لمخالفتها الشهرة القديمة و الجديدة، و لذا حكم في المنتهى للمرسلة بالشذوذ [1].
مضافا إلى وجوب تقييد المطلقات، و حمل لفظ: العامّة، في الصحيحة، على البعض- و لو مجازا- لذلك أيضا، بل يحتمل كونها مطلقة أيضا، حيث من الفجر إلى الزوال أكثر من الزوال إلى الغروب، و معارضة المرسلة بما ذكر، و وجوب الرجوع إلى الأصل المتقدّم.
المسألة الثامنة: يمتدّ وقت النافلة إلى أن يبقى من النهار جزء يمكن الإمساك فيه بعد النيّة
، فيجوز تجديدها ما بقي من النهار شيء بعد أن ينوي، وفاقا للصدوق في الفقيه و المقنع و السيّد و الشيخ و الإسكافي و الحلّي و ابني زهرة و حمزة «3» و المنتهى و الدروس «4»، و استحسنه في التحرير و الروضة «5»،
215
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الثامنةيمتد وقت النافلة إلى أن يبقى من النهار جزء يمكن الإمساك فيه بعد النية ج 10 ص 215
و مال إليه في المعتبر و المختلف و البيان «1»، و قوّاه غير واحد من مشايخنا «2»، و نسب إلى أكثر القدماء «3»، بل مطلقا كما عن المنتهى «4».
بل عن الانتصار و الغنية و السرائر الإجماع عليه «5»، و هو الحجّة فيه، لقاعدة التسامح في أدلّة السنن.
مع موثّقة أبي بصير: عن الصائم المتطوّع تعرض له الحاجة، قال:
«هو بالخيار ما بينه و بين العصر، و إن مكث حتى العصر ثمَّ بدا له أن يصوم و إن لم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء» «6».
و صحيحة محمّد بن قيس: «إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياما، ثمَّ ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاما أو يشرب شرابا و لم يفطر فهو بالخيار، إن شاء صامه و إن شاء أفطر» «7».
خلافا للمحكيّ عن العماني و ظاهر الخلاف «8» و لصريح النافع «9»، فجعلوه مثل الواجب الغير المعيّن، و نسبه جماعة إلى المشهور «10»، لإطلاق صحيحة هشام و رواية عيسى المتقدّمتين «11».
______________________________
(1) المعتبر 2: 647، المختلف: 212، البيان: 361.
(2) منهم صاحبي الحدائق 13: 26، و الرياض 1: 303.
(3) كما في الرياض 1: 302.
(4) المنتهى 2: 559.
(5) الانتصار: 60، الغنية (الجوامع الفقهية): 570، السرائر: 373.
(6) الكافي 4: 122- 2، التهذيب 4: 186- 521، الوسائل 10: 14 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 3 ح 1.
(7) التهذيب 4: 187- 525، الوسائل 10: 11 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 5.
(8) حكاه عنهما في المختلف: 212، و هو في الخلاف 2: 167.
(9) النافع: 60.
(10) كما في المسالك 1: 69، و الحدائق 13: 24.
(11) في ص: 210، 213.
216
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الثامنةيمتد وقت النافلة إلى أن يبقى من النهار جزء يمكن الإمساك فيه بعد النية ج 10 ص 215
بل قيل: و موثّقة الساباطي «1». و هو غير صحيح، لأنّ السؤال فيها عن مريد القضاء، و ترجع الضمائر كلّها إليه.
و الجواب- بعد تضعيف الأولى-: بأنّها لا تدلّ إلّا على الحساب من وقت النيّة، و هو غير صريح في فساد الصوم.
و الثانية: بأنّها غير مرويّة عن إمام، فلعلّ الحكم عن عيسى نفسه.
على أنّ على فرض الدلالة تكونان مطلقتين بالنسبة إلى الفرض و التطوع، و موثّقة أبي بصير خاصّة يجب حمل العامّ عليها.
المسألة التاسعة: لا شكّ أنّ جواز تجديد النيّة في النهار- بعد تأخيرها عن الليل نسيانا أو عمدا
في جميع ما ذكر- إنّما هو إذا لم يتناول من المفطرات الآتية شيئا، و أمّا معه فلا يجوز إجماعا.
و تدلّ عليه صحيحتا البجلي و محمّد بن قيس، و النبويّ المذكور في المسألة السادسة «2»، و ذيل رواية عيسى: «فإن زالت الشمس و لم يأكل فليتمّ الصوم إلى الليل» «3».
و هل تعتبر المبادرة إلى نيّة الصوم- بعد التذكّر أو إرادته- فورا، أو لا تشترط، بل تجوز النيّة و لو تردّد بعد التذكّر أو الإرادة أو نوى عدم الصوم؟
ظاهر الأصحاب- بل صريح الروضة «4» و غيره- عدم الاعتبار في غير الواجب.
و تدلّ عليه الإطلاقات المتقدمة مطلقا، و صحيحة هشام في الجملة، و هي: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يدخل إلى أهله فيقول: عندكم شيء، و إلّا
______________________________
(1) كما في الرياض 1: 302.
(2) راجع ص: 213، 216، 212.
(3) التهذيب 4: 189- 533، الوسائل 10: 19 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 12.
(4) الروضة 2: 107.
217
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة التاسعةلا شك أن جواز تجديد النية في النهار بعد تأخيرها عن الليل نسيانا أو عمدا ج 10 ص 217
صمت، فإن كان عندهم شيء أتوه به و إلّا صام» «1».
بل صريح الروضة كونه كذلك في الواجب الغير المعيّن أيضا.
و فيه نظر، لاختصاص الصحيحة بالمستحبّ، و عدم حجّية المطلقات في غير الصوم النافلة كما يأتي وجهه.
و أمّا الواجب المعيّن، فصرّح بعضهم بفوريّة المبادرة و فوات الصوم بتأخير النيّة عن وقت التذكّر «2»، بل لا يبعد كونه وفاقيّا، و هو الموافق للأصل المذكور، و يدلّ عليه ما يأتي في المسألة الآتية من بطلان الصوم و فواته بنيّة الإفطار أو التردّد في جزء من اليوم، خرجت النوافل بالإطلاقات المذكورة و صحيحة هشام فيبقى الباقي.
فإن قيل: المطلقات تشمل الواجب الغير المعيّن أيضا، بل صحيحة الحلبي «3» تشمل المعيّن أيضا.
قلنا: نعم، و لكن قوله في صحيحة البجلي: «إذا لم يكن أحدث شيئا» «4» يوجب تقييدها في الواجب الغير المعيّن صريحا و في المعيّن فحوى و إجماعا مركّبا، فإنّ نيّة الإفطار أو التردّد أيضا إحداث شيء.
فإن قيل: ليس المراد بالشيء الإطلاق حتى يقتصر في تقييده على القدر الثابت، لإيجابه خروج الأكثر، بل المراد شيء خاصّ.
قلنا: فيكون مجملا، و العامّ المخصّص بالمجمل ليس بحجّة في موضع الإجمال.
______________________________
(1) التهذيب 4: 188- 531، الوسائل 10: 12 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 7.
(2) انظر الروضة 2: 107، و المدارك 6: 21.
(3) الكافي 4: 121- 1، الوسائل 10: 10 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 1.
(4) الكافي 4: 122- 4، التهذيب 4: 186- 522، الوسائل 10: 10 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 2.
218
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة التاسعةلا شك أن جواز تجديد النية في النهار بعد تأخيرها عن الليل نسيانا أو عمدا ج 10 ص 217
فإن قيل: المراد الشيء المفسد للصوم.
قلنا: سيأتي أنّ ذلك أيضا مفسد له في موضع لا دليل على صحّته معه.
المسألة العاشرة: لو نوى الإفطار في النهار، فإمّا يكون قبل عقد نيّة الصوم، أو بعده.
و الأول مضى حكمه بأقسامه [1].
و الثاني ممّا لا شكّ في كونه حراما، لكونه عزما على الحرام، و اتّباعا للهوى.
و إنّما وقع الخلاف في إفساده للصوم و عدمه، فعن الحلبي و المختلف و الإرشاد و شرحه لفخر المحقّقين و الإيضاح و المسالك و حاشية القواعد للشهيد الثاني «1» و في الدروس و البيان و الحدائق: فساده به «2»، و هو مختار السيّد في مسائله القديمة، كما صرّح به في بعض رسائله «3».
و عن المبسوط و الخلاف و السيّد «4» و في الشرائع و جملة من كتب الفاضل: عدمه «5»، و نسب إلى المشهور بين الأصحاب «6».
و الحقّ: هو الأول، لأنّ كلّ ما دلّ على اشتراط قصد القربة في الصوم و بطلانه بدونه يدلّ عليه في كلّ جزء جزء منه أيضا، و لا شكّ أنّ آن نيّة القطع
______________________________
(1) و أقسامه: أنّه إمّا يكون سهوا أو عمدا و الثاني إمّا يكون في الواجب العيني أو غيره، و أيضا إمّا يكون قبل التذكر في المعين أو بعده. منه رحمه اللّه.
______________________________
(1) الحلبي في الكافي: 182، المختلف: 215، الإرشاد 1: 300، الإيضاح 1:
223، المسالك 1: 70.
(2) الدروس 1: 267، البيان: 362، الحدائق 13: 51.
(3) جوابات المسائل الرسية الاولى (رسائل الشريف المرتضى 2): 356.
(4) المبسوط 1: 278، الخلاف 2: 222، حكاه عن السيد في الحدائق 13: 49.
(5) الشرائع 1: 188، و من كتب العلّامة: المنتهى 2: 561، و القواعد 1: 63، إلّا أنّ فيه: صحّ صومه على إشكال.
(6) كما في المدارك: 316 و الحدائق 13: 49.
219
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة العاشرةلو نوى الإفطار في النهار فإما يكون قبل عقد نية الصوم أو بعده ج 10 ص 219
يكون خاليا عن قصد القربة في الإمساك، فيكون باطلا، و ببطلانه يبطل الصوم، إذ اليوم لا يتبعّض في الصوم.
و بعبارة أخرى: لا شكّ أنّ الصوم: الإمساك في تمام اليوم بقصد القربة، و ما لا قربة في بعضه لا قربة في تمامه، و لا معنى لتحقّق القربة مع قصد القطع.
احتجّ الآخرون بالاستصحاب.
و بأنّ النواقض محصورة، و ليست هذه النيّة منها «1».
و بأنّ الصوم إنّما يفسد بما ينافي الصوم، و لا منافاة بينه و بين عزيمة الأكل مثلا، غايته منافاته لنيّة الصوم، و هي غير مضرّة بعد عدم منافاتها لحكم النيّة، و نيّة الإفطار إنّما تنافي نيّة الصوم لا حكمها الثابت بالانعقاد، لأنّها لا تضادّ بينها و بين استمرار حكم النيّة، كيف؟! و لا ينافيه النوم و الغروب إجماعا.
و بأنّ النيّة لا يجب تجديدها في كلّ أزمنة الصوم إجماعا فلا تتحقّق المنافاة.
و بأنّ مرجع الخلاف في المسألة إلى أنّ استمرار النيّة في زمان الصوم هل هو شرط أم لا؟ و الحقّ: عدم اشتراطه، للأصل الخالي عن المعارض، و كون دليل الاستمرار مثل: «إنّما الأعمال بالنيّات» «2» و العمل هنا لم يقع إلّا بنيّة، و ليس في الخبر أزيد من أنّه يجب وقوعه عن قصد و نيّة، و هو كذلك، و أمّا أنّه يجب استمرار ذلك القصد فلا دلالة فيه عليه.
و بصحيحة محمّد: «ما يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال:
الطعام، و الشراب، و النساء، و الارتماس» «3».
______________________________
(1) انظر الخلاف 2: 223 و المدارك 6: 40.
(2) التهذيب 4: 186- 519، الوسائل 10: 13 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 12.
(3) الفقيه 2: 67- 276، التهذيب 4: 318- 971، الاستبصار 2: 80- 276، الوسائل 10: 31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1.
220
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة العاشرةلو نوى الإفطار في النهار فإما يكون قبل عقد نية الصوم أو بعده ج 10 ص 219
و الجواب عن الأول: أنّ الاستصحاب مدفوع بما مرّ، مع أنّ جريانه هنا محلّ نظر.
و عن الثاني: بمنع الحصر في ما لا يدخل فيه ذلك.
و عن الثالث: بمنع عدم منافاة نيّة الإفطار لحكم النيّة، فإنّ حكمها هو كون المنويّ مخزونا في خزينة الخيال بحيث لو التفت و تذكّر كان باقيا على قصده و اعتبار ذلك كان لصدق الامتثال معه عرفا، و لا شكّ في منافاة نيّة الإفطار لذلك، و عدم كونه ممتثلا في ذلك الآن.
و منه يظهر فساد القياس على النوم و الغروب، لأنّهما لا ينافيان بقاء المنويّ في خزينة الخيال، كما مرّ مفصّلا فيما سبق.
و عن الرابع: بأنّ عدم وجوب تجديد النيّة إنّما هو لاستمرار حكمها، و ذلك لا يوجب عدم منافاة نية الإفطار للنيّة أو حكمها.
و عن الخامس: بأنّ المراد باستمرار النيّة إن كان استمرار النيّة الفعليّة، فعدم اشتراطه مسلّم، و لكن رجوع الخلاف إليه ممنوع.
و إن كان استمرار الحكميّة، فرجوع الخلاف إليه مسلّم، و لكن عدم اشتراطه ممنوع.
و الأصل- بما ذكرناه دليلا على اشتراط الحكميّة في موضعه- مدفوع.
و المراد من الفعل الواقع مع النيّة إن كان الإمساك في البعض السابق، فهو مسلّم، و لكن لا يفيد.
و أمّا إن كان في البعض اللاحق أو تمام اليوم، فوقوعه بغير نيّة بديهي.
و عن السادس: بأنّه عامّ يجب تخصيصه بما مرّ، كما يخصّص بغيره أيضا.
المسألة الحادية عشرة:
قال بعض المتأخّرين في شرحه على الدروس: هل يجب على المكلّف أن يعرف جميع مفطرات الصوم و يقصد
221
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
المسألة الحادية عشرة ج 10 ص 221
تركها إجمالا أو تفصيلا حتى يصحّ منه الصوم، أو تكفيه معرفة البعض و اتّفاق عدم الإتيان بالثاني؟
إلى أن قال: و الظاهر أنّ المعتبر هو قصد العبادة المخصوصة المتلقّاة من الشارع بجملة شرائطها الشرعيّة، بعد معرفة معظم التروك المعتبرة فيها، مع عدم الإتيان بباقي المفسدات و لو على سبيل الاتّفاق «1». انتهى.
أقول: ظاهره- كما هو الظاهر أيضا- أنّه لا خلاف في عدم انعقاد صوم من لم يعرف شيئا من المفطرات، و ما يجب الإمساك عنه أصلا، و لم يقصد تركها و تركها اتّفاقا، لعدم ورود نيّة القربة على شيء منها، و ورودها على معنى لفظ الصوم- الذي لا يعرفه- غير مفيد.
و إنّما الخلاف في أنّه هل تجب معرفة الجميع و قصد تركه تفصيلا أو إجماعا، أو تكفي معرفة البعض؟ و استظهر هو كفاية معرفة المعظم.
و التحقيق: أنّ ما يجب الإمساك عنه في الصوم إن كان ممّا لا يبطل بالإتيان به الصوم- كالارتماس- فلا تجب معرفته و لا قصده عند النيّة بل يكفي اتّفاق تركه، لعدم معلوميّة كونه جزء حقيقة الصوم.
و أمّا غيره- ممّا يبطل الصوم بالإتيان به- فلا فرق فيه بين المعظم و غيره، بل تجب معرفة الجميع و قصد تركه عند النيّة إجمالا أو تفصيلا، لأنّ الصوم الذي يجب قصده و التقرّب به عبارة عن هذه التروك، فلو لم ينو بواحد منها القربة لم يتحقّق قصد القربة في الصوم.
و لا يفيد كون الألفاظ أسامي للأعمّ، لأنّ ذلك لا يخرج باقي الأجزاء عن كونها مأمورا بها.
______________________________
(1) مشارق الشموس: 340.
222
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الفصل الثاني في بيان الأشياء المخصوصة التي بانتفائها يتحقق الصوم أو لا يجوز ارتكابها ج 10 ص 223
الفصل الثاني في بيان الأشياء المخصوصة التي بانتفائها يتحقّق الصوم أو لا يجوز ارتكابها
و هي على أقسام خمسة:
القسم الأول ما يحرم ارتكابه، و يوجب القضاء و الكفّارة معا
، إذا وقع في صوم شهر رمضان و غيره ممّا في إفطاره قضاء و كفّارة،
و هي أمور سبعة:
الأمر الأول و الثاني: الأكل و الشرب للمعتاد و غيره.
أمّا حرمتهما فبالكتاب «1»، و السنّة المتواترة «2»، و الإجماع فيهما «3».
أمّا في الأول فظاهرة، و أمّا في الثاني فلعمومات الكتاب و السنّة في النهي عن الأكل و الشرب.
و الانصراف إلى المعتاد- لو سلّم- فإنّما هو في المطلق دون العامّ، مع أنّ انصراف المطلق إليه أيضا إنّما هو إذا كان الاعتياد و عدمه بحيث يكونان قرينتين على إرادة المعتاد، و هو في المورد غير معلوم.
بل هنا كلام آخر، و هو أنّه على فرض الانصراف فإنّما هو يفيد لو كان متعلّق الحكم المأكول و المشروب.
______________________________
(1) البقرة: 187.
(2) كما في الوسائل 10: 31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1.
(3) كما في الشرائع 1: 189، المدارك 6: 43، الذخيرة: 496.
223
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الأمر الأول و الثاني الأكل و الشرب للمعتاد و غيره ج 10 ص 223
أمّا الأكل و الشرب، فمقتضى الانصراف إلى المعتاد خروج غير المعتاد من الأكل مثلا، و هو ما كان من غير الفم، بل من نحو الأنف أو العين أو ثقبة في الصدر، لا من المأكول، فتأمّل.
فيكون الكتاب و السنّة شاملا لغير المعتاد أيضا.
و أمّا الإجماع، فلعدم قدح مخالفة الإسكافي و السيّد في شاذّ من كتبه «1» في الإجماع، و لذا صرّح بالإجماع في غير المعتاد أيضا جماعة، منهم:
الناصريات و الخلاف و الغنية و السرائر و المنتهى «2» و غيرها «3»، مع أنّ مخالفة السيّد أيضا غير معلومة، لأنّه إنّما حكم في بعض كتبه بعدم البطلان بابتلاع الحصاة و نحوها، فيمكن أن تكون مخالفته في الازدراد دون غير المعتاد، و لذا ترى الفاضل في المنتهى جعل البطلان بغير المعتاد مذهب جميع علمائنا، و لم ينسب الخلاف فيه إلّا إلى بعض العامّة، و نسب الخلاف في الازدراد إلى السيّد.
و ممّا يؤيّد البطلان بتناول غير المعتاد- المستلزم هنا للحرمة، لحرمة إبطال الصوم الموجب لحرمة سببه- بل يدلّ عليه: أنّ المراد بالمعتاد إن كان معتاد غالب الناس لزم عدم فساد صوم طائفة اعتادوا أكل بعض الأشياء الغير المعتادة للأكثر، كالحيّة، و الفأرة، و بعض النباتات، بل لحم البغل و الحمار، و فساد ذلك ظاهر، بل لا أظنّ أن يقول به المخالف.
و إن كان معتاد كلّ مكلّف بنفسه فيصير الفساد أظهر، فلا يبطل الصوم بأكل الخبز لقوم، بل يلزم اختلاف المبطل باختلاف العادات و البلاد، بل
______________________________
(1) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 216، السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 54.
(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 206، الخلاف 2: 212، الغنية (الجوامع الفقهية): 571، السرائر 1: 377، المنتهى 2: 563.
(3) كما في مشارق الشموس: 340.
224
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الأمر الأول و الثاني الأكل و الشرب للمعتاد و غيره ج 10 ص 223
مقتضى قاعدة الانصراف إلى المعتاد اعتبار معتاد زمان الشارع و بلده، و حينئذ تتّسع دائرة الأكل و الشرب في الصوم.
بل إخراج المني أيضا لو أجريت القاعدة فيه أيضا.
استدلّ للمخالف «1» بما مرّ، من انصراف المطلق إلى المعتاد.
و بنحو صحيحة محمّد: «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال: الطعام، و الشراب، و النساء، و الارتماس» «2».
و الأخرى: في الصائم يكتحل، فقال: «لا بأس به، إنّه ليس بطعام و لا شراب» «3».
و بعموم العلّة على عدم ضرر غير الطعام و الشراب، و غير المعتاد ليس منهما.
و رواية ابن أبي يعفور: عن الكحل للصائم؟ فقال: «لا بأس به، إنّه ليس بطعام يؤكل» «4».
و رواية مسعدة: عن الذباب يدخل في حلق الصائم؟ قال: «ليس عليه قضاء، إنّه ليس بطعام» «5».
و الجواب عن الأول: ما سبق.
______________________________
(1) انظر الحدائق 13: 57.
(2) الفقيه 2: 67- 276، التهذيب 4: 318- 971، الاستبصار 2: 80- 244 بتفاوت يسير، الوسائل 10: 31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 1.
(3) الكافي 4: 111- 1، التهذيب 4: 258- 765، الاستبصار 2: 89- 278، الوسائل 10: 74 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 1.
(4) التهذيب 4: 258- 766، الاستبصار 2: 89- 279، الوسائل 10: 75 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 6.
(5) الكافي 4: 115- 2، التهذيب 4: 323- 994، الوسائل 10: 109 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 39 ح 2.
225
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الأمر الأول و الثاني الأكل و الشرب للمعتاد و غيره ج 10 ص 223
و عن البواقي: بعدم الحجية بعمومها، لمخالفتها الشهرة العظيمة، بل الإجماع كما مرّ.
و عن الثاني: بأنّ غير المعتاد من المطعوم و المشروب أيضا طعام و شراب.
و هو الجواب عن الثالث و الرابع.
و عن الخامس: بأنّ الضمير المنصوب يمكن أن يكون راجعا إلى الدخول في الحلق، و الطعام مصدرا، كما ذكره في القاموس «1»، و غيره «2»، فيكون المعنى: أنّ دخول الذباب بغير الاختيار ليس أكلا، لأنّه ما كان بالقصد و الاختيار.
و أمّا وجوب القضاء و الكفّارة بهما، ففي المعتاد لإجماع العلماء محكيّا مستفيضا «3» و محقّقا.
و فيه و في غيره لحصول الفطر به عرفا، فيدخل في عموم ما دلّ على إيجابه لهما، كمرسلة الفقيه: «و من أفطر في شهر رمضان متعمّدا فعليه كفّارة واحدة، و قضاء يوم مكانه، و أنّى له مثله» «4».
و رواية الهروي، و فيها: «و إن كان نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفّارة واحدة و قضاء ذلك اليوم، و إن كان ناسيا فلا شيء عليه» «5».
و رواية المشرقي: عن الرجل أفطر من شهر رمضان أيّاما متعمّدا ما عليه من الكفّارة؟ فكتب عليه السلام: «من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا
______________________________
(1) القاموس المحيط 4: 145.
(2) كمجمع البحرين 6: 106.
(3) كما في المدارك 6: 75، الحدائق 13: 56، الرياض 1: 308.
(4) الفقيه 2: 73- 316، الوسائل 10: 251 أبواب أحكام شهر رمضان ب 2 ح 4، و فيه صدر الحديث.
(5) الفقيه 3: 238- 1128، العيون 1: 244- 88، الوسائل 10: 53 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 1.
226
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الأمر الأول و الثاني الأكل و الشرب للمعتاد و غيره ج 10 ص 223
فعليه عتق رقبة مؤمنة و يصوم يوما بدل يوم» «1»، إلى غير ذلك من الأخبار الآتية، المتضمّنة لتفاصيل الكفارات «2».
فروع:
أ: اختلفوا في حرمة إيصال الغبار إلى الحلق
و بطلان الصوم به- مطلقا، كما في كلام جماعة، منهم: الشرائع و النافع و التلخيص و التبصرة «3»، أو الغليظ منه، كما في كلام جمع آخر «4»، بل الأكثر كما قيل «5»- و جوازه.
فعن الشيخين و الحلّي و الحلبي و في الشرائع و النافع «6» و طائفة من أفاضل المتأخّرين «7»: الأول، و نسب إلى المشهور «8»، بل عن الانتصار و السرائر و الغنية و التذكرة و التنقيح و نهج الحقّ: الإجماع عليه «9».
و عن ظاهر الصدوق و السيّد و الديلمي و الشيخ في المصباح:
الثاني «10»، حيث لم يذكروا البطلان به، و إليه ذهب جمع من متأخّري
______________________________
(1) التهذيب 4: 207- 600، الاستبصار 2: 96- 311، الوسائل 10: 49 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 11.
(2) الوسائل 10: 44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 و 10.
(3) الشرائع 1: 189، النافع 1: 65، التبصرة: 53.
(4) منهم الشيخ في المبسوط 1: 271، و العلّامة في التذكرة 1: 257.
(5) انظر المدارك 6: 52، كفاية الأحكام: 46.
(6) المفيد في المقنعة: 356، الطوسي في المبسوط 1: 271، الحلي في السرائر 1: 377، الحلبي في الكافي: 179، الشرائع 1: 189، النافع: 65.
(7) كالشهيد في اللمعة (الروضة 2): 89، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 71.
(8) كما في المفاتيح 1: 248، الحدائق 13: 72.
(9) السرائر 1: 377، الغنية (الجوامع الفقهية): 571، التذكرة 1: 257، التنقيح 1: 357، نهج الحقّ: 461.
(10) الصدوق في المقنع: 60، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 54، و الديلمي في المراسم: 98، الشيخ في المصباح: 484.
227
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
أ اختلفوا في حرمة إيصال الغبار إلى الحلق ج 10 ص 227
المتأخّرين، منهم: المفاتيح و الحدائق «1».
و ظاهر المعتبر و المدارك: التردّد «2».
حجّة الأولين: رواية المروزي: «إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان، أو استنشق متعمّدا، أو شمّ رائحة غليظة، أو كنس بيتا فدخل في أنفه و حلقه غبار، فعليه صوم شهرين متتابعين، فإنّ ذلك مفطر مثل الأكل و الشرب و النكاح» «3».
و الأخبار الناهية عن الاحتقان، و جلوس المرأة في الماء، و الاكتحال، و السعوط، و الاستياك بالرطب، و نظائرها «4».
حجّة الآخرين: الأصل، و موثّقة عمر بن سعيد: عن الصائم يدخل الغبار في حلقه؟ قال: «لا بأس» «5».
و ما دلّ على حصر المبطل في أمور ليس ذلك منها.
و يجيبون عن دليل الأولين:
أمّا عن الرواية: فبالقطع الخالي عن الجابر- و هو كون السائل موثوقا به- أولا.
و بضعف السند ثانيا، و لا يفيد الانجبار بالشهرة و نحوها، لأنّها إنّما تجبر الرواية المسندة لا المقطوعة.
______________________________
(1) المفاتيح 1: 248، الحدائق 13: 72.
(2) المعتبر 2: 670، المدارك 6: 52.
(3) التهذيب 4: 214- 621، الاستبصار 2: 94- 305، الوسائل 10: 69 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 22 ح 1.
(4) انظر الوسائل 10: أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 و 7 و 25 و 28.
(5) التهذيب 4: 324- 1003، الوسائل 10: 70 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 22 ح 2.
228
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
أ اختلفوا في حرمة إيصال الغبار إلى الحلق ج 10 ص 227
و بالمعارضة مع الموثّقة- الموجبة للرجوع إلى الأصل- ثالثا.
و بالاشتمال على ما لا قائل به رابعا.
و أمّا عن الاخبار الأخيرة: فبعدم ثبوت مدلولاتها بأنفسها، لمعارضتها مع أقوى منها- كما يأتي- فكيف يقاس عليها غيرها؟! أقول: أمّا جوابهم عن الأخبار الأخيرة فتامّ.
و أمّا عن الرواية، فيمكن ردّ الأول بعدم انحصار الجابر للقطع في موثوقيّة السائل، بل ذكر صاحب الأصل لها في طي الروايات قرينة على أنّ المسئول عنه هو الإمام، و إنّما حصل القطع لتقطيع الروايات من أصل السائل.
و منه يظهر حصول الجبر- لضعف السند لو كان ضائرا- بالشهرة و الإجماعات المنقولة، فردّ به الثاني أيضا.
و الثالث: بأنّ التعارض بالعموم المطلق، لاختصاص الرواية بالمتعمد و أعمّية الموثّقة.
و الرابع: بأنّ خروج بعض الرواية عن الحجّية لا يوجب خروج الباقي، أو بأن ما لا قائل به هو إطلاق بعض الرواية، فيجب تقييده، و يصير كالعامّ المخصّص حجّة في الباقي، كذا قيل «1».
و فيه: أنّ المراد بالمطلق إن كان جميع أجزاء الرواية، و بالتقييد إخراج بعضه، فهذا ليس من باب الإطلاق و التقييد، بل طرح بعض الرواية.
و إن كان إطلاق بعض الأجزاء، فمنها ما لا قائل بمقيّدة أيضا، كشمّ الرائحة الغليظة، بل الاستنشاق و المضمضة، لأنّه لا قائل بإفطار فرد منهما.
و أمّا دخول الماء في الحلق فهو ليس من أفرادهما، بل هو أمر خارجي.
______________________________
(1) انظر الرياض 1: 305.
229
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
أ اختلفوا في حرمة إيصال الغبار إلى الحلق ج 10 ص 227
فلا يتمّ هذا الردّ، بل و كذا سابقة، لأنّ خروج جزء من الخبر عن الحجّية لا يضرّ الباقي إذا تعيّن خروجه و علم المراد من الباقي، و هنا ليس كذلك، إذ كما يجوز طرح الجزء أو تصرّف فيه بتجوّز أو تقييد يجوز أن يتصرّف في الحكم بقوله: فعليه صوم، و قوله: فإنّ ذلك مفطر، بالصرف عن الظاهر، فلا يتعيّن المراد من الرواية، فتخرج عن الحجّية بالمرّة.
و منه تظهر تماميّة الجواب الأخير، بل و كذا سابقة، لأنّ التعارض بالعموم المطلق إنّما كان لو كان قوله في الرواية: «متعمّدا» بعد قوله:
«غبار» و ليس كذلك، فالتعارض بالمساواة و الرجوع إلى الأصل.
فالحقّ: هو القول الأخير.
نعم، لو كان الغبار بحيث تحسّ منه أجزاء ترابيّة- مشاهدة حسّا، معلومة عيانا، موسومة بالتراب عرفا، ابتداء أو بعد الاجتماع في أصول الأسنان، و ابتلعها- يحكم بفساد الصوم و وجوب القضاء و الكفّارة، لصدق أكل التراب، لا لدخول الغبار.
ب: لا يفسد الصوم بدخول الدخان في الحلق
، للأصل، و صدر الموثّقة المتقدّمة «1»: عن الصائم يدخّن بعود أو بغير ذلك فيدخل الدخنة في حلقه؟ قال: «جائز لا بأس به».
و الأحوط: الاجتناب عن شرب التتن، لاستمرار طريقة الناس عليه، و إطلاق الشرب عند العرب عليه.
ج: لا يفسد الصوم بمصّ الخاتم
، و مضغ الطعام للصبي، و زقّ الطائر، و ذوق المرق، و نحو ذلك ممّا لا يتعدّى إلى الحلق، للأصل،
______________________________
(1) في ص: 228.
230
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
ج لا يفسد الصوم بمص الخاتم ج 10 ص 230
و الإجماع، و المعتبرة المستفيضة- التي منها الصحاح «1»- و الحصر المصرّح به في الصحيح المتقدّم «2».
و لا تنافيه صحيحة الأعرج: عن الصائم يذوق الشيء و لا يبلعه، فقال: «لا» «3»، فلا تفيد أزيد من الكراهة، مع أنّه يحتمل أن يكون معنى قوله: «لا» أي لا يبلعه كما قيل «4».
و عن الشيخ حملها على من لا تكون له ضرورة إلى ذلك، و حمل أخبار الرخصة على حال الضرورة «5». و لا شاهد له. مع أنّه على فرض المعارضة يكون الترجيح للأخبار المرخّصة، لوجوه عديدة.
و لو سبق في هذه الحالة شيء إلى حلقه بلا اختيار، لم يفسد به صومه، كما صرّح به جمع من الأصحاب «6»، للأصل، و عدم التعمّد.
و تومئ إليه صحيحة الحنّاط: إنّي اقبّل بنتا لي صغيرة و أنا صائم، فيدخل في جوفي من ريقها، فقال: «لا بأس، ليس عليك شيء» «7».
و فرّق في المنتهى بين ما كان المضغ و نحوه لغرض صحيح و ما لم يكن كذلك، فأوجب القضاء في الثاني «8». و لا دليل عليه.
______________________________
(1) كما في الوسائل 10: 105 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 37 و 38.
(2) في ص: 225.
(3) الكافي 4: 115- 4، التهذيب 4: 312- 943، الاستبصار 2: 95- 309، الوسائل 10: 106 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 37 ح 2.
(4) انظر الرياض 1: 307.
(5) كما في المبسوط 1: 272.
(6) انظر النافع: 66، و المختلف: 219، و الرياض 1: 307.
(7) التهذيب 4: 319- 976، الوسائل 10: 102 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 34 ح 1.
(8) المنتهى 2: 568.
231
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
د الحق جواز مضغ العلك مع الكراهة ج 10 ص 232
د: الحقّ جواز مضغ العلك مع الكراهة
، و إن تغيّر الريق بطعمه، ما لم تنفصل منه أجزاء محسوسة، وفاقا للأكثر كما عن المنتهى «1»، للأصل، و الحصر، و رواية أبي بصير: عن الصائم يمضغ العلك، قال: «نعم، إن شاء» «2».
و رواية محمّد: «إيّاك أن تمضغ علكا، فإنّي مضغت العلك يوما و أنّا صائم فوجدت في نفسي منه شيئا» «3»، فإنّ في مضغ الإمام تصريحا بالجواز، و في صدره دليل على الكراهة، إمّا مطلقا أو في الصوم خاصّة.
و تدلّ عليه أيضا صحيحة الحلبي: الصائم يمضغ العلك؟ قال: «لا» «4».
خلافا للمحكيّ عن الإسكافي و النهاية «5»، لصحيحة الحلبي.
و فيه: منع الدلالة على الحرمة، مع أنّه على فرضها يتعيّن الحمل على الكراهة، لما مرّ.
و لأنّ وجود الطعم في الريق دليل على تخلّل شيء من أجزاء ذي الطعم فيه، لامتناع انتقال العرض.
و فيه: أنّ سبب وجود الطعم لا ينحصر بتخلّل الأجزاء أو انتقال العرض، لجواز حصول التكيّف بسبب المجاورة، مع أنّه لو سلّم التخلّل فالمبطل إنّما هو الأجزاء المحسوسة لا أمثال ذلك.
______________________________
(1) المنتهى 2: 568.
(2) التهذيب 4: 324- 1002، الوسائل 10: 105 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 36 ح 3.
(3) الكافي 4: 114- 2، الوسائل 10: 104 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 36 ح 1.
(4) الكافي 4: 114- 1، الوسائل 10: 105 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 36 ح 2.
(5) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 222، النهاية: 157.
232
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
د الحق جواز مضغ العلك مع الكراهة ج 10 ص 232
هذا، مع أنّه ليس إلّا اجتهادا في مقابلة النصّ.
ه-: يفسد الصوم بابتلاع بقايا الغذاء المتخلّلة بين أسنانه في النهار عمدا
، سواء أخرجها من فمه أو لا، كما صرّح به في الخلاف و المبسوط و الشرائع «1» و غيرها «2»، و يوجب القضاء و الكفّارة، لصدق الأكل و تناول المفطر عمدا.
و مناقشة صاحب الحدائق فيه لعدم صدق الأكل «3»، و صحيحة ابن سنان: عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشيء أ يفطر ذلك؟ قال: «لا»، قلت: فإن ازدرده بعد أن صار على لسانه؟ قال: «لا يفطره ذلك» [1].
و الأول مدفوع بمنع عدم الصدق.
و الثاني بالفرق بين الخارج بالقلس و الداخل من الخارج في صدق الأكل و عدمه، سيّما مع أنّ الصيرورة على اللسان لا تستلزم الدخول في فضاء الفم، إذ لعلّ المراد طرف اللسان المجاور للحلق، مع أنّه لو صدق الأكل لو سلم الحكم في القلس فلا يجوز قياس غيره عليه.
هذا كلّه، مع أنّ الصحيحة ليست صريحة في عدم الإفطار، إذ يحتمل المعنى: لا يزدرده حينئذ فإنّه يفطره ذلك، فيكون قوله: «لا» جوابا للسؤال، و: «يفطره» حكما على حدة.
و لو دخل شيء منها في الحلق سهوا لم يفسد قطعا، سواء ترك
______________________________
[1] التهذيب 4: 265- 796، الوسائل 10: 88 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 9. و القلس: ما خرج من الحلق ملء الفم أو دونه و ليس بقيء، فإن عاد فهو القيء- الصحاح 3: 965.
______________________________
(1) الخلاف 2: 176، المبسوط 1: 272، الشرائع 1: 193.
(2) كالقواعد 1: 64.
(3) الحدائق 13: 79.
233
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
ه يفسد الصوم بابتلاع بقايا الغذاء المتخللة بين أسنانه في النهار عمدا ج 10 ص 233
الخلال عمدا أو سهوا أو لم يتركه. و التفرقة بين تركه و عدمه ضعيفة.
و لو وجد طعم الغذاء الباقي في الأسنان في الريق و ابتلعه لا يفسد صومه، كما يظهر وجهه ممّا ذكرناه في مضغ العلك.
و: لا يفسد الصوم بابتلاع الريق الذي في الفم
، بلا إشكال و لا خلاف فيه كما قيل «1»، للأصل، و عدم صدق الأكل و الشرب عرفا، و استمرار عمل الناس طرّا عليه.
و لو أخرجه من فمه ثمَّ أرجعه و ابتلعه فيفسد الصوم، بل ظاهر بعضهم أنّه إجماعي «2».
لا لأجل حرمة ابتلاعه بعد خروجه عن الفم، لمنعه.
بل لصدق الأكل حينئذ عرفا، فيقال: أكل الريق، فإنّ الظاهر صدق الأكل بابتلاع كلّ ما يدخل الفم من الخارج و لو خرج من الداخل، دون ما لم يدخل من الخارج أصلا.
و ظاهر صاحب الحدائق عدم البطلان به، و عدم التفرقة بين ما كان في الفم و ما خرج منه، حاكيا عن المحقق الأردبيلي الميل إليه أيضا «3». و هو غير جيّد، لما ذكرنا.
ز: في جواز ابتلاع النخامة-
و هي ما يخرج من الصدر أو يسترسل من الدماغ، كما يدلّ عليه بعض كلمات أهل اللغة «4»، دون الأول فقط، كما يعطيه كلام بعض الفقهاء «5»- و بطلان الصوم به، و عدمه قبل الانفصال من
______________________________
(1) الحدائق 13: 79.
(2) النظر غنائم الأيام: 396.
(3) الحدائق 13: 80.
(4) انظر القاموس المحيط 4: 181.
(5) انظر الشرائع 1: 193.
234
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
ز في جواز ابتلاع النخامة ج 10 ص 234
الفم، أقوال ثلاثة:
الأول: عدم البطلان مطلقا، ذهب إليه في المعتبر و المنتهى و التذكرة و المدارك «1» و بعض آخر «2»، للأصل، و رواية غياث: «لا بأس بأن يزدرد الصائم نخامته» «3»، و عدم تسميته أكلا و لا شربا، و مساواته للريق في عدم وصوله من الخارج، و عدم انفكاك الصائم عنه إلّا نادرا، و صحيحة ابن سنان المتقدّمة المتضمّنة لحكم القلس.
و الثاني: عدمه في الصدريّة و البطلان في الدماغيّة، إلّا أن يتعدّى إلى الحلق بعد الاسترسال و قبل الوصول إلى الفم، و هو ظاهر الشرائع و الإرشاد «4»، و لعلّه لصدق الأكل عليه، و عدم صدق النخامة المجوّز ابتلاعها في الرواية، لزعم اختصاصها بما يخرج من الصدر.
و الثالث: البطلان بابتلاعها بعد وصولها إلى الفم، حكى عن الشهيدين «5». و هو الأحوط، و إن كان الأول أظهر، لما مرّ من الأصل، و إطلاق الخبر، و عدم معلوميّة صدق الأكل ما لم ينفصل عن الفم.
ح: الحقّ جواز المضمضة للصائم مع كراهة
، وفاقا للأكثر «6»، أمّا الجواز فللأصل، و لرواية حمّاد: الصائم يتمضمض و يستنشق؟ قال: «نعم، لكن لا يبالغ» «7».
______________________________
(1) المعتبر 2: 653، المنتهى 2: 563، التذكرة 1: 256، المدارك 6: 105.
(2) كالحدائق 13: 86.
(3) الكافي 4: 115- 1، التهذيب 4: 323- 995، الوسائل 10: 108 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 39 ح 1.
(4) الشرائع 1: 193، الإرشاد 1: 298.
(5) الشهيد في الدروس 1: 278، الشهيد الثاني في المسالك 1: 73.
(6) منهم المحقق في الشرائع 1: 193، و صاحب الحدائق 13: 91.
(7) الكافي 4: 107- 3، الوسائل 10: 71 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 2.
235
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
ح الحق جواز المضمضة للصائم مع كراهة ج 10 ص 235
و رواية يونس: «و الأفضل للصائم أن لا يتمضمض» «1»، و هي دليل الكراهة أيضا.
خلافا للمحكي عن الاستبصار و المنتهى، فقالا بالتحريم في غير الوضوء «2»، و لعلّه لرواية المروزي المتقدّمة، المتضمّنة لوجوب الكفّارة بأمور منها: المضمضة «3».
و هي مردودة بما مرّ من عدم وجوبها ببعض ما فيها إجماعا، فلا بدّ من ارتكاب تجوّز، و بعد فتح بابه تتّسع دائرته فلا تفيد.
ثمَّ لو تمضمض و دخل الماء في حلقه فيأتي حكمه «4».
الثالث: الجماع
في قبل المرأة، أنزل أم لم ينزل.
و هو حرام علي الصائم إجماعا، كتابا و نصّا و فتوى، و موجب للقضاء و الكفّارة، بالإجماع، و السنّة المتواترة:
كصحيحة البجلي: عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمنى، قال: «عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع» «5».
و رواية المفضّل: في رجل أتى امرأته و هو صائم و هي صائمة، فقال: «إن كان استكرهها فعليه كفّارتان، و إن كانت طاوعته فعليه كفّارة و عليها كفّارة» «6».
______________________________
(1) الكافي 4: 107- 4، التهذيب 4: 205- 593، الاستبصار، 2: 94- 304، الوسائل 10: 71 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 3.
(2) الاستبصار 2: 94، المنتهى 2: 579.
(3) راجع ص: 228.
(4) في ص: 272.
(5) الكافي 4: 102- 4، التهذيب 4: 206- 597، الاستبصار 2: 81- 247، الوسائل 10: 29 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 1.
(6) الكافي 4: 103- 9، الفقيه 2: 73- 313، التهذيب 4: 215- 625، الوسائل 10: 56 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 12 ح 1.
236
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثالث الجماع ج 10 ص 236
و موثّقة سماعة: عن رجل أتى أهله في رمضان متعمّدا، فقال: «عليه عتق رقبة، و إطعام ستّين مسكينا، و صيام شهرين متتابعين، و قضاء ذلك اليوم» «1»، و رواية الهروي المتقدّمة «2»، إلى غير ذلك.
و تدل عليه عمومات القضاء و الكفّارة بالإفطار، فإنّ ذلك أيضا، إفطار كما صرّح به في الأخبار، كالخصالي: «خمسة أشياء تفطر الصائم: الأكل، و الشرب، و الجماع، و الارتماس في الماء، و الكذب على اللّه و رسوله و الأئمّة عليهم السلام» «3»، و قريب منه في الرضوي «4».
و كذا في دبرها على المشهور، بل على المعروف من مذهب الأصحاب كما في المدارك «5»، و على الظاهر من المذهب كما في المبسوط «6»، و على مقتضى المذهب كما في الخلاف «7»، و بلا خلاف فيه كما فيه أيضا، و بالإجماع كما عنه أيضا و عن الوسيلة «8».
للشهرة، و الإجماع المحكى.
و إطلاق النهي عن المباشرة في الآية الكريمة «9»، خرج منه ما عدا الوطء في القبل و الدبر فيبقى الباقي، و متى ثبت التحريم كان مفسدا
______________________________
(1) التهذيب 4: 208- 604، الاستبصار 2 97- 315، الوسائل 10: 49 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 13.
(2) في ص: 226.
(3) الخصال: 286- 39، الوسائل 10: 34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 6.
(4) فقه الرضا «ع»: 207، مستدرك الوسائل 7: 321 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1.
(5) المدارك 6: 45.
(6) المبسوط 1: 270.
(7) الخلاف 2: 191.
(8) الوسيلة: 142.
(9) البقرة: 187.
237
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثالث الجماع ج 10 ص 236
بالإجماع المركّب.
و لإطلاق البطلان بالجماع في طائفة من الأخبار.
و لإيجابه الجنابة المفسدة للصوم.
و يرد على الأولين: عدم الحجّية.
و على الثالث: بأنّ جعل الآية من باب التخصيص يوجب خروج الأكثر، و هو غير جائز، فيجب حملها على المجاز، و هو إمّا الوطء في القبل، أو مطلق الجماع، الغير المعلوم صدقه على وطء الدبر، أو غير المنصرف إليه، لعدم كونه من الأفراد الشائعة.
و منه يظهر ردّ الرابع أيضا.
و على الخامس: بمنع الملزوم أولا، و الملازمة ثانيا.
خلافا للمحكي عن المبسوط، حيث جعل البطلان أحوط «1»، و إن كان في كونه صريحا في الخلاف نظر، لاحتمال إرادة الوجوب من الاحتياط في كلمات القدماء.
نعم، هو الظاهر من المختلف «2»، لأن الاحتياط في كلامه ليس محمولا على الوجوب.
نعم، يحتمل إرادة المبسوط الاستحباب أيضا، فكلامه محتمل للخلاف و ليس صريحا في وفاق المشهور، ككلام من أطلق الجماع بل الوطء أيضا- كالمقنعة و النهاية و الناصريات و الديلمي «3»- أو مقيّدا بالفرج، كالجملين «4»
______________________________
(1) المبسوط 1: 270.
(2) المختلف: 216.
(3) المقنعة: 344، النهاية: 153، الناصريات (الجوامع الفقهية): 206، الديلمي في المراسم: 98.
(4) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 54، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 212.
238
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثالث الجماع ج 10 ص 236
و الاقتصاد و المصباح و مختصره «1».
و من ذلك يظهر تطرّق القدح في الإجماع المحقّق في المسألة، و معه فيجب الرجوع إلى سائر الأدلّة، و الأصل مع عدم البطلان، و تدلّ عليه مرسلة علىّ بن الحكم: «إذا أتي الرجل المرأة في الدبر و هي صائمة لم ينقض صومها، و ليس عليها غسل» «2».
و مرفوعة أحمد بن محمّد: في رجل أتى المرأة في دبرها و هي صائمة، قال: «لا ينقض صومها، و ليس عليها غسل» «3».
و لا فرق بين المفعول بها و الفاعل بالإجماع المركّب.
و أمّا دبر الغلام بدون الإنزال، فالمشهور فيه أيضا- كما قيل- الإفساد «4»، بل عن الخلاف: الإجماع عليه «5»، لذلك الإجماع المنقول، و إيجابه الجنابة، و فحوى ما دلّ على الفساد بوطء المرأة المحلّلة، و إطلاق الأخبار بوجوب القضاء أو الكفّارة على المجامع. و في الكلّ نظر ظاهر.
خلافا لمحتمل كلّ من ذكره.
و تردّد فيه في المعتبر و الشرائع و النافع «6»، و هو في موقعه، بل الظاهر عدم الفساد، للأصل، و لصحيحة محمّد الحاصرة للمفطرات فيما ليس ذلك منها «7».
______________________________
(1) الاقتصاد: 287، مصباح المتهجد: 484.
(2) التهذيب 7: 460- 1843، الوسائل 2: 200 أبواب الجنابة ب 12 ح 3.
(3) التهذيب 4: 319- 975، الوسائل 2: 200 أبواب الجنابة ب 12 ح 3.
(4) انظر الذخيرة: 496، و الرياض 1: 304.
(5) الخلاف 2: 190.
(6) المعتبر 2: 669، الشرائع 1: 189، النافع: 66.
(7) الفقيه 2: 67- 276، التهذيب 4: 318- 971، الاستبصار 2: 80- 244، الوسائل 10: 31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1.
239
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الثالث الجماع ج 10 ص 236
و منه يظهر قوّة عدم الفساد بوطء البهيمة مطلقا من دون إنزال، وفاقا لمحتمل بعض من ذكر، و صريح الحلّي و الشرائع و التذكرة و المنتهى و التحرير و التلخيص «1».
و أمر الاحتياط واضح، و هو مطلوب جدّا خصوصا في المقام.
الرابع: الاستمناء.
و هو طلب خروج المنى مع خروجه بغير الجماع، فلا يضرّ الطلب بدون الخروج، و لا الخروج بدون الطلب أو التسبّب إجماعا، كما أنّه يبطل الصوم بخروجه مع الطلب كذلك.
و على حرمته و فساد الصوم به الإجماع عن الانتصار و الغنية و المعتبر و المنتهى «2» و غيرها «3».
و كذا ادّعى جماعة الإجماع على إيجابه القضاء و الكفّارة «4»، و هو أيضا- كسابقه- إجماع قطعا، فهو الدليل على الأحكام الثلاثة، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة، كصحيحة البجلي المتقدّمة «5».
و مرسلة حفص بن سوقة: في الرجل يلاعب أهله أو جاريته في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل، قال: «عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع في شهر رمضان» «6».
______________________________
(1) الحلي في السرائر 1: 380، الشرائع 1: 189، التذكرة 1: 259، المنتهى 2:
564، التحرير 1: 77.
(2) الانتصار: 64، الغنية (الجوامع الفقهية): 571، المعتبر 2: 654، المنتهى 2: 564.
(3) كالتذكرة 1: 572.
(4) كما في الخلاف 2: 190، و انظر المدارك 6: 77.
(5) في ص: 236.
(6) الكافي 4: 103- 7، التهذيب 4: 321- 983، الوسائل 10: 39 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 2.
240
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الرابع الاستمناء ج 10 ص 240
و موثّقة سماعة: عن رجل لزق بأهله فأنزل، قال: «عليه إطعام ستّين مسكينا» «1».
و رواية أبي بصير: عن رجل وضع يده على شيء من جسد امرأته فأدفق، فقال: «كفّارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين مسكينا أو يعتق رقبة» «2».
و الرضوي: «و لو أنّ رجلا لصق بأهله في شهر رمضان فأدفق كان عليه عتق رقبة» «3».
و تؤيده- بل تدلّ [عليه] [1]- صحيحة محمّد و زرارة: هل يباشر الصائم أو يقبّل في شهر رمضان؟ فقال: «إنّي أخاف عليه فليتنزّه عن ذلك، إلّا أن يثق أن لا يسبقه مني» «4».
و صحيحة الحلبي: عن رجل يمسّ من المرأة شيئا أ يفسد ذلك صومه أو ينقضه؟ فقال: «إنّ ذلك يكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المني» «5».
و موثّقة سماعة: عن الرجل يلصق بأهله في شهر رمضان، قال: «ما لم يخف على نفسه فلا بأس» «6»، إلى غير ذلك.
______________________________
[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.
______________________________
(1) التهذيب 4: 320- 980، الوسائل 10: 40 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 4.
(2) التهذيب 4: 320- 981، الوسائل 10: 40 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 5.
(3) فقه الرضا «ع»: 212، مستدرك الوسائل 7: 324 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 3.
(4) التهذيب 4: 271
241
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الرابع الاستمناء ج 10 ص 240
و بوجوب الكفّارة في تلك الأخبار ثبت الفساد و القضاء بالإجماع المركّب.
و اختصاص الأكثر باستمناء خاصّ غير ضائر، لعدم القول بالفصل. و في حكم الطلب عمدا التسبّب بمسّ المرأة بالملاعبة أو الملامسة أو التقبيل لمن يعتاد الإنزال مع أحدها، أو يكرّر ذلك حتى ينزل مع اعتياده بالتكرّر، لصدق الإنزال عمدا، فيكون بطلان صومه و وجوب القضاء و الكفّارة مجمعا عليه «1».
و يدلّ على الحكم إطلاق طائفة من الأخبار المتقدّمة.
و كذا إن لم يكن معتادا به، و لكن كرّره قاصدا للإنزال حتى يتّفق، لما ذكر، و كذا في القضاء و الكفّارة، بل لو لم يكن معتادا و لم يقصده أيضا و اتّفق معه الإنزال، وفاقا للمشهور كما عن المختلف و المهذّب «2»، بل المجمع عليه كما عن المعتبر بل الخلاف «3»، للإطلاقات المذكورة.
خلافا لبعض المتأخّرين، فلم يوجب مع عدم التعمّد شيئا، لضعف غير الصحيحة الأولى سندا، و ضعفها دلالة، لاحتمال كون لفظة «حتى» تعليليّة «4».
و للمرسل المروي في المقنع: «لو أنّ رجلا لصق بأهله في شهر رمضان فأمنى لم يكن عليه شيء» «5».
و يجاب بانجبار الضعف- لو كان- بما مرّ من الشهرة المحكيّة
______________________________
(1) في «ح» زيادة: كما عن الكتب الثلاثة و غيرها.
(2) المختلف: 224، المهذب البارع 2: 43.
(3) المعتبر 2: 654، الخلاف 2: 190.
(4) انظر المدارك 6: 62.
(5) المقنع: 60، الوسائل 10: 98 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 5.
242
مستند الشيعة في أحكام الشريعة10
الرابع الاستمناء ج 10 ص 240
و الإجماع المنقول، مع أنّ منها الموثّق الذي هو في نفسه حجّة.
و بضعف المرسل أولا، و مرجوحيّته بالنسبة إلى معارضاته ثانيا، لأنّ القول بمضمونه مذهب فقهاء العامة، كما عن الانتصار «1».
نعم، الثابت حينئذ هو القضاء و الكفّارة، و أمّا حرمة العمل فلا، إذ لا وجه له مع عدم الاعتياد و لا القصد.
و في حصول الإمناء بالنظر أقوال:
عدم الإفساد مطلقا، حكي عن الشيخ في الخلاف و الحلّي «2».
و الإفساد إن كان إلى من لا يحلّ بشهوة، و عدمه إن كان إلى من يحلّ، نسب إلى المفيد و المبسوط و الديلمي و ابن حمزة و التحرير «3».
و الإفساد إن قصد به الإنزال، أو كرّر النظر حتى ينزل من غير قصده، و عدمه بدونهما، استقربه في المختلف «4».
و الإفساد إن اعتاد الإنزال عقيب النظر، و عدمه بدونه، اختاره بعضهم «5».