×
☰ فهرست و مشخصات
مستمسک العروة الوثقى6

الجزء السادس

الجزء السادس‌

[تتمة كتاب الصلاة]

[فصل واجبات الصلاة أحد عشر]

فصل واجبات الصلاة أحد عشر: النية (1)، و القيام، و تكبيرة الإحرام، و الركوع، و السجود، و القراءة، و الذكر و التشهد، و السلام، و الترتيب، و الموالاة.

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ‌

الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ*، و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين، و اللعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

فصل أما وجوب النية في الجملة: فمما لا خلاف فيه و لا إشكال، بل ينبغي عده من الضروريات، بل لا كلام ظاهر في بطلان الصلاة بتركها عمداً و سهواً، و في الجواهر: «إجماعاً منا محصلا و منقولا مستفيضاً أو متواتراً، بل من العلماء كافة في المحكي عن المنتهى و التذكرة، بل عن التنقيح:

لم يقل أحد بأنها ليست بركن» و قد أطالوا البحث في أنها جزء أو شرط و لهم في ذلك وجوه لا تخلو من إشكال أو منع.

هذا و لأجل أنه لا ريب في صحة قولنا: (أردت الصلاة فصليت) بلا عناية و لا تجوز، لا تكون جزءاً من المسمى و لا شرطاً له، إذ على الأول يلزم اتحاد العارض و المعروض، و على الثاني يلزم تقدم الشي‌ء على نفسه، لأن قيد المعروض كذاته مقدم على العارض. كما أنها ليست جزءاً من موضوع الأمر و لا شرطاً له، لأنها ليست اختيارية، و يمتنع تعلق‌

 

3
مستمسک العروة الوثقى6

فصل واجبات الصلاة أحد عشر ج‌6 ص 3

و الخمسة الأولى أركان (1)، بمعنى أن زيادتها و نقيصتها عمداً و سهواً موجبة للبطلان، لكن لا يتصور الزيادة في النية- بناء على الداعي (2) و بناء على الاخطار غير قادحة (3) الأمر بما لا يكون اختيارياً، سواء أ كان لعدم اختيارية جزئه أم لعدم اختيارية شرطه و قيده، فلو فرض قيام دليل على كونها جزءاً أو شرطاً لما ذكر وجب التصرف فيه و تأويله. نعم لا مانع من كونها شرطاً لموضوع المصلحة بأن تكون الصلاة بما هي هي مقتضياً للمصلحة، و بما هي مرادة علة تامة لها، فلا تكون النية حينئذ جزء المؤثر، بل هي شرط لتأثيره لا غير. فان كان مراد القائل بالشرطية ذلك فنعم الوفاق، و إلا ففيه ما عرفت. و لأجل أنه لا ثمرة مهمة في تحقيق كونها جزءاً أو شرطاً كان الاقتصار على هذا المقدار من البحث عن ذلك أولى. هذا و سيجي‌ء إن شاء اللّٰه تعالى التعرض لدليل وجوب كل واحد من الواجبات الأخر المذكورة في الفصل المعدّ له.

ثمَّ إن عد الواجبات أحد عشر لا يخلو من مناقشة، فإن من واجبات الصلاة الطمأنينة، و الاعتماد على المساجد السبعة في السجود، و غير ذلك.

إلا أن يكون المراد عد الواجبات العرضية لا الواجبات في الواجبات، لكن عليه لا ينبغي عد القيام من الواجبات في قبال التكبير و القراءة و الركوع لوجوبه حالها. اللهم إلا أن يكون المراد منه القيام بعد الركوع. فتأمل.

و الأمر سهل.

كما يأتي في محله، و يأتي أيضاً المراد من الركن، فقد اختلفت فيه كلماتهم، و خصه بعضهم بما تقدح نقيصته عمداً و سهواً.

لاعتبار استمراره المانع من صدق الزيادة.

إجماعا، بل لعلها راجحة لأنها نحو من كمال العبادة. فتأمل.

 

4
مستمسک العروة الوثقى6

فصل واجبات الصلاة أحد عشر ج‌6 ص 3

و البقية واجبات غير ركنية، فزيادتها و نقصها عمداً موجب للبطلان لا سهواً.

[فصل في النية]

فصل في النية و هي القصد إلى الفعل (1) بعنوان الامتثال (2) و القربة و يكفي فيها الداعي القلبي (3)، فصل في النية كما عن جماعة، و فسرت أيضاً بالعزم و بالإرادة، و المقصود من الجميع: الإشارة إلى المعنى المفهوم منها عرفا، و إلا فليست النية مرادفة للقصد و لا للعزم و لا للإرادة، لاختلافها في المتعلقات الملازم للاختلاف في المفهوم.

يعني: موافقة الأمر، و الظاهر أنه مأخوذ من قولهم: مَثُل بين يديه مثولا: إذا انتصب قائماً تعظيما له و إجلالا لشأنه، فهو كناية عن استشعار مشاعر العبودية و البروز بمظهر من مظاهرها، و أما القربة فهي من غايات ذلك الامتثال كما يأتي.

كما عن جماعة من محققي المتأخرين، منهم الأردبيلي و البهائي و الخوانساري و صدر الدين الشيرازي، بل استقر عليه المذهب في الأعصار الأخيرة، و مرادهم من الداعي: الإرادة الإجمالية المرتكزة في النفس، التي بها يكون الفعل اختيارياً عمدياً، و إن لم يكن موضوعها ملتفتاً اليه فعلا، و التعبير عنها بالداعي لا يخلو من مسامحة، إذ الداعي عبارة عن الجهة المرجحة لوجود الشي‌ء على عدمه التي تكون بوجودها العلمي علة‌

 

5
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في النية ج‌6 ص 5

و لا يعتبر فيها الاخطار (1) لتعلق الإرادة به.

يعني: إخطار صورة الفعل و إحضارها في الذهن تفصيلا بوجهه الأولي المأخوذ موضوعاً للأمر، كما يظهر من كلام غير واحد، أو و لو إجمالا بوجه من الوجوه الحاكية، و المشهور بين الأصحاب اعتبار ذلك، و اعتبار مقارنتها للفعل و لو باتصال آخر جزء منها بأول جزء منه كما في القواعد قال: «و يجب انتهاء النية مع ابتداء التكبير بحيث لا يتخللهما زمان و إن قل» أو أنها بين الألف و الراء من التكبير كما عن بعض، قال في الذكرى: «و من الأصحاب من جعل النية بأسرها بين الألف و الراء». أو أنها تقارن أول جزء من التكبير مستمرة إلى انتهائه كما في الذكرى قال: «فاعلم أنه يجب إحضار الذات و الصفات، و القصد إليها أن يجعل قصده مقارناً لأول التكبير و يبقى على استحضاره إلى انتهاء التكبير». أو أن ابتداءها مقارن لأول جزء من التكبير و انتهاءها بانتهائه- كما في التذكرة- قال فيها: «الواجب اقتران النية بالتكبير بأن يأتي بكمال النية قبله ثمَّ يبتدئ بالتكبير بلا فصل، و هذا تصح صلاته إجماعا و لو ابتدأ بالنية بالقلب حال ابتداء التكبير باللسان ثمَّ فرغ منهما دفعة فالوجه الصحة».

هذا، و لأجل أن حدوث الإرادة في النفس يتوقف على تصور المراد بماله من الفوائد تفصيلا أو إجمالا، فالنزاع بين المشهور و غيرهم لا يكون في اعتبار الاخطار في الجملة و عدمه، بل إنما يكون في اعتبار مقارنته لأول الفعل بأحد الوجوه المذكورة و غيرها و عدمه.

هذا، و لا دليل ظاهر على اعتبار مقارنة الاخطار لأول الفعل، إذ الثابت بالإجماع ليس إلا وجوب إيقاع الصلاة و نحوها من العبادات على‌

 

6
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في النية ج‌6 ص 5

بالبال و لا التلفظ (1)، فحال الصلاة و سائر العبادات حال سائر الأعمال و الأفعال الاختيارية كالأكل و الشرب و القيام و القعود و نحوها من: حيث النية. نعم تزيد عليها باعتبار القربة فيها (2)، وجه العبادة، و من الواضح أنه يكفي في تحقق العبادية صدور الفعل عن إرادة الفاعل بداعي أمر اللّٰه سبحانه، و لو كانت الإرادة ارتكازية غير ملتفت إلى موضوعها حال الفعل، و يشهد له عدم اعتبارهم استمرار النية بالمعنى المذكور الى آخر الفعل، و اكتفاؤهم بالاستمرار الحكمي- يعني بقاء الإرادة و لو بحسب الارتكاز- مع أن من المعلوم أن عنوان العبادة كما يكون لأول الفعل يكون لآخره، فاذا كان يكفي في عبادية آخره الإرادة الارتكازية المعبر عنها بالداعي فلم لا تكفي هي في عبادية أوله؟

و التفكيك بين الأول و الآخر في ذلك غير ظاهر، بل الظاهر من ارتكاز العقلاء خلافه.

في ظاهر التذكرة: الإجماع على عدم اعتباره، و قال في الذكرى:

«و محل النية القلب لأنها إرادة و لا يستحب الجمع عندنا بينه و بين القول للأصل، و لعدم ذكر السلف إياه و صار اليه بعض الأصحاب لأن اللفظ أشد عوناً على إخلاص القصد، و فيه منع ظاهر، و عن البيان: أن الأقرب كراهته لأنه إحداث شرع و كلام بعد الإقامة». و إن كان لا يخلو من نظر، لأنه إن كان إحداث شرع فهو حرام، و الكلام بعد الإقامة منصرف عن مثل ذلك، بل من المحتمل دخوله في الكلام المتعلق بالصلاة المستثنى من عموم المنع عن الكلام.

فإنه لا بد منه عندنا- كما في التذكرة و عن المنتهى- بل‌

 

7
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في النية ج‌6 ص 5

بأن يكون الداعي و المحرك هو الامتثال (1) و القربة. و لغايات الامتثال درجات:

أحدها- و هو أعلاها- (2): أن يقصد امتثال أمر اللّٰه لأنه تعالى أهل للعبادة و الطاعة، و هذا ما‌

أشار إليه أمير المؤمنين (ع) بقوله: «إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك، و لا طمعاً في جنتك بل وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك»‌

(3).

إجماعا- كما عن المدارك و الإيضاح و المنتهى- بل ظاهر الاعتذار عن ترك التعرض لها في الخلاف و المبسوط بأنه اعتماد على ضروريته أنه ضروري، و ما عن ابن الجنيد من استحبابه غير ثابت كما في الجواهر. نعم عن الانتصار صحة الصلاة المقصود بها الرياء و إن لم يكن عليها ثواب، و احتمل في الجواهر تنزيله على صورة ضم الرياء الى الأمر و هو بعيد، و كيف كان فلا ينبغي التأمل في اعتبارها و خلاف السيد إن ثبت فهو لشبهة.

يعني أن يكون الموجب لإرادة الفعل أمر اللّٰه سبحانه، و هو المعبر عنه بالامتثال كما عرفت، و عرفت أيضاً أن عطف القربة عليه لا يخلو من مساهلة.

لخلوه عن الجهات الراجعة الى العبد.

في حاشية الحر على وسائله: «أنه لا تحضره روايته من طرقنا و لكن رواه بعض المتأخرين، و كأنه من روايات العامة» [1]. نعم في‌

______________________________
[1] لم توجد هذه العبارة على هامش النسخ المطبوعة. و انما هو فيما صححه الشارح- دام ظله- من الوسائل على هامش باب: 9 من أبواب مقدمة العبادات.

هذا و قد روى صاحب الوافي هذا الحديث مرسلا عند شرح الحديث: 1 من الباب: 18 (نية العبادة) من أبواب جنود الايمان من الفصل الرابع من الجزء الثالث: ج: 1 ص: 326 الطبعة الحجرية.

و كذلك في مرءات العقول: ج: 2 صفحة: 101. و بحار الأنوار: كتاب الخلق صفحة: 82.

 

8
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في النية ج‌6 ص 5

الثاني: أن يقصد شكر نعمة التي لا تحصى.

الثالث: أن يقصد به تحصيل رضاه و الفرار من سخطه.

الرابع: أن يقصد به حصول القربة إليه (1).

نهج البلاغة: «إن قوماً عبدوا اللّٰه تعالى رغبة فتلك عبادة التجار، و إن قوما عبدوا اللّٰه تعالى رهبة فتلك عبادة العبيد، و ان قوما عبدوا اللّٰه تعالى شكراً فتلك عبادة الأحرار» «1».

و‌

في رواية هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّٰه (ع): «العبادة ثلاثة قوم عبدوا اللّٰه عز و جل خوفا فتلك عبادة العبيد، و قوم عبدوا اللّٰه تبارك و تعالى طلب الثواب فتلك عبادة الأجراء و قوم عبدوا اللّٰه عز و جل حباً له فتلك عبادة الأحرار و هي أفضل العبادة» «2»‌

و قريب منها ما في رواية يونس بن ظبيان، «3» و قد تقدم في نية الوضوء ما له نفع في المقام فراجع.

الظاهر أن المراد به في كلام الأصحاب و فيما ورد في الكتاب المجيد و السنة و الأدعية القرب المكاني الادعائي بملاحظة ما يترتب على القرب المكاني الحقيقي من الفيوضات الخيرية فهو نظير قوله تعالى «إِنَّ رَحْمَتَ اللّٰهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ»، «4» لا القرب المكاني الحقيقي كما هو ظاهر، و لا القرب الروحاني الناشئ من مزيد التناسب في الكمالات، فإنه خلاف الظاهر منه، و ان قيل إنه المراد. هذا و القرب المكاني الادعائي راجع الى بعض ما ذكر من الغايات، لا أنه في عرضها فلا يحسن عده في قبال كل واحد منها.

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 9 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 2.

(4) الأعراف: 56.

 

9
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في النية ج‌6 ص 5

الخامس: أن يقصد به الثواب و رفع العقاب (1)، بأن يكون الداعي إلى امتثال أمره رجاء ثوابه و تخليصه من النار، و أما إذا كان قصده ذلك على وجه المعاوضة (2) من دون أن يكون برجاء إثابته تعالى فيشكل صحته، و ما ورد من صلاة الاستسقاء و صلاة الحاجة إنما يصح إذا كان على الوجه الأول.

[ (مسألة 1): يجب تعيين العمل إذا كان ما عليه فعلا متعدداً]

(مسألة 1): يجب تعيين العمل (2) إذا كان ما عليه فعلا متعددا، المشهور بطلان العبادة المأتي بها بداعي ما ذكر، بل عن العلامة (رحمه اللّٰه) في جواب المسائل المهنائية اتفاق العدلية على عدم استحقاق الثواب بذلك، و عن تفسير الرازي اتفاق المتكلمين على البطلان، و فيه أنه مخالف لسيرة العقلاء و المتشرعة، و لما ورد في الكتاب و السنة من بيان مراتب الجزاء من ثواب و عقاب على الطاعات و المعاصي خصوصاً ما ورد في بعض العبادات كصلوات الحاجات و صومها، و لعل مرادهم الصورة الآتية.

بأن يقصد الامتثال مقيداً بالثواب و رفع العقاب فيكونان ملحوظين على وجه التقييد كما هو الحال في فعل الأجير الذي يفعل بقصد الأجرة لا على نحو الداعي كما ذكر أولا و الظاهر عدم صحة العبادة بذلك، فإنه ليس من مظاهر العبودية، و لا فرق في البطلان بين صورتي العلم بالترتب و عدمه، كما لا فرق بينهما في الصحة لو أخذ على نحو الداعي.

كما هو المشهور المعروف، و عن المنتهى نفي الخلاف فيه، و عن التذكرة و المدارك الإجماع عليه، إذ قد عرفت أن قوام العبادية صدور الفعل عن إرادة و اختيار بداعي الأمر المتعلق به، فاذا كان الواجب قد اعتبر فيه خصوصية فمع عدم قصدها لم يقع تمام الواجب عن اختيار، كما أنه يمتنع‌

 

10
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 1 يجب تعيين العمل إذا كان ما عليه فعلا متعددا ج‌6 ص 10

.....

صدوره عن أمره، لأن الأمر إنما يدعو الى ما تعلق به فلا يدعو الى غيره، فاذا كان على المكلف ظهر و عصر و فرض أن الظهر غير العصر بشهادة صحة إحداهما بعينها دون الأخرى، فإذا قصد إتيان إحدى الصلاتين لا بعينها بطلت، لفوات قصد الخصوصية الموجب لفوات حيثية الصدور عن الاختيار و عن داعي الأمر.

نعم يمكن أن يقال: إن اعتبار الاختيار في العبادات ليس في قبال اعتبار صدوره على وجه العبادة، إذ لا دليل على ذلك و إنما اعتباره لأجل دخله في ذلك لتوقف العبادية على صدور الفعل عن اختيار، و على هذا فالوجه في اعتبار التعيين هو توقف العبادية عليه، لأنه لا يمكن صدور الفعل عن داعي الأمر إلا مع التعيين كما ذكرنا، فلو فرض عدم التوقف عليه لأجل خطأ المكلف و اشتباهه كما سيأتي في المسألة الثالثة، فلا دليل على وجوبه، فقولهم: يجب التعيين. على إطلاقه لا يخلو من نظر، كما أن من ذلك ظهر أيضاً أنه لا يتوقف اعتباره في عبادية العبادة على تعدد المأمور به، فلو كان متحداً اعتبر تعيينه أيضاً و قصد تمام خصوصياته.

نعم تفترق صورة التعدد عن صورة الاتحاد بأنه يتأتى له قصد الخصوصية إجمالا في الثانية بمجرد قصد ما هو الواجب عليه فعلا، و لا يتأتى ذلك في الأول، لكنه فرق في مقام الفراغ لا في مقام الوجوب على ما يظهر من المتن و غيره، كما أن اعتبار التعيين فرع وجود التعين في المأمور به فاذا لم يكن له تعين كما لو وجب عليه صوم يومين لم يجب التعيين لعدم التعين و من هذا القبيل ما لو تعدد المأمور به لتعدد سببه سواء اتحد السبب بحسب الحقيقة كما لو نذر صوم يوم إن شفي ولده، و نذر صوم يوم آخر إن رزق مالا، فإنه إذا شفي ولده و رزق مالا و أراد الوفاء بالنذر لم يجب عليه التعيين، بأن بقصد الصوم الواجب لشفاء الولد أو لرزق المال، بل‌

11
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 1 يجب تعيين العمل إذا كان ما عليه فعلا متعددا ج‌6 ص 10

و لكن يكفي التعيين الإجمالي، كأن ينوي ما وجب عليه أولا من الصلاتين مثلا أو ينوي ما اشتغلت ذمته به أولا أو ثانياً، و لا يجب مع الاتحاد.

[ (مسألة 2): لا يجب قصد الأداء و القضاء]

(مسألة 2): لا يجب قصد الأداء و القضاء (1)، لا مجال لذلك التعيين، لأن المفروض أن المنذور مجرد صوم اليوم، و الخصوصية المذكورة ليست منذورة، و لا قيداً للمنذور، و مثله ما لو سها في الركعة الأولى ثمَّ في الثانية، فإنه لا مجال لتعيين السجود الواجب للسهو بالسهو الخاص، بأن يقصد سجدتي السهو عن السهو الواقع في الركعة الأولى مثلا. لأن تلك الخصوصية غير دخيلة في المأمور به فلا معنى لقصدها. أم اختلف السبب بحسب الحقيقة كما لو نذر أن يصوم يوماً، و حلف أن يصوم يوماً آخر، فإنه حينئذ يكون كما لو وجب عليه صوم يومين.

ثمَّ إن اعتبار الخصوصية في موضوع (تارة) يستفاد من ظاهر الدليل لأخذها قيداً في موضوع الأمر (و أخرى) يستفاد من اللوازم و الآثار مثل الظهر و العصر و نافلة الفجر و فريضته و صلاة الزيارة و نحوها، فإنها و ان تشاكلت بحسب الصورة لكنها مختلفة في الخصوصيات، بشهادة صحة واحدة بعينها إذا نواها بعينها و عدم صحة الأخرى، فإن ذلك يكشف عن انطباق ما صحت على المأتي و عدم انطباق الأخرى عليه، و ليس ذلك إلا لأجل الاختلاف في الخصوصيات التي تنطبق و لا تنطبق- كما هو ظاهر- هذا و كلماتهم في المقام لا تخلو من تشويش و اضطراب.

كما اختاره جماعة لعدم الدليل على اعتباره و عدم توقف العبادية عليه خلافاً للمشهور. بل ظاهر محكي التذكرة الإجماع عليه: من اعتبار ذلك. و علل بأن الفعل مشترك فلا يتخصص لأحدهما إلا بالنية. و فيه أن ذلك لو تمَّ لم يكن اعتباره زائداً على اعتبار التعيين، فلا مقتضى لجعله في‌

 

12
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 لا يجب قصد الأداء و القضاء ج‌6 ص 12

و لا القصر و التمام (1)، و لا الوجوب و الندب إلا مع توقف التعيين على قصد أحدهما، بل لو قصد أحد الأمرين في مقام الآخر صح إذا كان على وجه الاشتباه في التطبيق، كأن قصد قبال شرط التعيين- مع أن توقف التعيين عليه مطلقاً غير ظاهر. و كذا الحال في اعتبار قصد الوجوب و الندب دعوى و دليلا.

بلا خلاف أجده مع عدم التعدد في الذمة و لا التخيير، بل في المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب كما عن شرح النفلية الاتفاق عليه، كذا في الجواهر. و دليله غير ظاهر، فان القصر و التمام من القيود المأخوذة في موضوع الأمر، فقصدها لا بد منه، كقصد الجزء، لما عرفت من وجوب التعيين. و ما في الجواهر من أن القصرية و التمامية من الأحكام اللاحقة كما ترى، لوضوح دخلهما في الموضوع، فان القصر و التمام عبارة عن كون الصلاة ركعتين بشرط لا أو أربع ركعات، فكيف يكونان من الأحكام اللاحقة؟ و لو بني على كون صلاتي القصر و التمام حقيقتين مختلفتين كان الأمر أظهر.

نعم قد عرفت الإشارة إلى أنه لا يعتبر قصد المأمور به بخصوصياته تفصيلا، و أنه يكفي قصده إجمالا. فلو قصد القصر أو التمام إجمالا كما لو جهل أن حكمه القصر أو التمام فأتم بمن يعلم أنه يؤدي مثل ما وجب عليه، فقصد أن يفعل مثل فعل إمامه فقصر الإمام أو أتم و تابعه المأموم في تمام الصلاة صح لكونه قاصداً للقصر أو التمام إجمالا، و لعل مراد المشهور من القصر و التمام عنواني صلاة المسافر و الحاضر، إذ هما من العناوين الطارئة الزائدة على ذات المأمور به التي لا يجب قصدها، لا تفصيلا و لا إجمالا، لكنه خلاف ظاهر التعبير و إن كان ذلك يقتضيه حسن الظن بمقامهم قدس اللّٰه أرواحهم.

 

13
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 لا يجب قصد الأداء و القضاء ج‌6 ص 12

امتثال الأمر المتعلق به فعلا و تخيل أنه أمر أدائي فبان قضائياً أو بالعكس، أو تخيل أنه وجوبي فبان ندبياً أو بالعكس و كذا القصر و التمام (1)، و أما إذا كان على وجه التقييد فلا يكون صحيحاً، كما إذا قصد امتثال الأمر الأدائي ليس إلا، أو الأمر الوجوبي ليس إلا، فبان الخلاف فإنه باطل.

يعني إذا لحظ أحدهما تفصيلا عنواناً للمقصود خارجاً عنه بأن قصد إتيان ما هو الواجب عليه فعلا معتقداً أنه قصر أو تمام، فان القول بالصحة حينئذ في محله لأنه قد قصد المأمور به على ما هو عليه من الخصوصيات التي منها القصر أو التمام، فهما ملحوظان إجمالا قيداً للمأمور به، و ملاحظة خلاف ذلك تفصيلا غير قادحة. نظير ما لو قصد إتيان الفريضة الواجبة عليه فعلا معتقداً أنها عصر أو ظهر، فإنها تصح و إن انكشف أنها على خلاف ما اعتقد.

و مما ذكرنا يظهر أن البناء على الصحة في الفرض لا ينافي ما تقدم منا من وجوب قصد القصر أو التمام قيداً للمأمور به تفصيلا أو إجمالا، و ليست الصحة في الفرض من لوازم عدم اعتبار قصد القصر أو التمام قيداً للمأمور به، كما لا يخفى.

و من ذلك يظهر لك الاشكال على من بنى على البطلان في الفرض لبنائه على وجوب قصد أحدهما لأنهما من قيود المأمور به، كما يظهر أيضاً لك الاشكال على ما في المتن حيث بنى على عدم وجوب قصد القصر أو التمام مفرعا عليه الصحة في الفرض الذي لوحظ فيه أحدهما عنواناً خارجا عن المقصود من باب الخطأ في التطبيق، إذ قد عرفت أن الصحة ليست من متفرعات عدم اعتبار قصد أحدهما بل تكون حتى بناء على اعتباره كما عرفت منا.

 

14
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 إذا كان في أحد أماكن التخيير فنوى القصر ج‌6 ص 15

[ (مسألة 3): إذا كان في أحد أماكن التخيير فنوى القصر]

(مسألة 3): إذا كان في أحد أماكن التخيير فنوى القصر، يجوز له أن يعدل إلى التمام و بالعكس (1) ما لم يتجاوز محل العدول، بل لو نوى أحدهما و أتم على الآخر من غير التفات إلى العدول فالظاهر الصحة (2) لأجل أن الظاهر من أدلة القصر أن القصر و التمام حقيقة واحدة، و ليس الفرق بينهما إلا الفرق بين الشي‌ء بشرط شي‌ء و الشي‌ء بشرط لا، فالقصر ركعتان بلا زيادة و التمام أربع ركعات، فالتخيير بين القصر و التمام يكون من قبيل التخيير بين الركعتين بشرط لا، و الركعتين مع ركعتين أخريين لا مانع من الأخذ بإطلاق دليل التخيير الشامل للابتدائي و الاستمراري، فكما يكون المكلف مخيراً بين القصر و التمام قبل الدخول في الصلاة يكون مخيراً بعده.

نعم لو كان القصر و التمام حقيقتين مختلفتين نظير الظهر و العصر احتيج في جواز العدول من أحدهما إلى الآخر الى دليل، و الإطلاق لا يصلح لإثباته، إذ لا تعرض فيه لإثبات قدرة المكلف على قلب الصلاة من ماهية إلى أخرى، و لما كان الأصل عدم صحة العدول كان الحكم المنع عن العدول في الأثناء. نعم إطلاق التخيير الشامل للابتدائي و الاستمراري يقتضي جواز العدول في الأثناء إلى التمام باستئناف التمام.

قد عرفت في المسألة الأولى: أن التعيين إنما يجب إذا توقف صدور الفعل عن داعي الأمر عليه، و ليس وجوبه في عرض وجوبه، فإذا أمر المولى عبده أن يشرب الماء فاعتقد أنه أمره بشرب الخل فاعتقد أن مائعاً معيناً خل فشربه فكان ماء كان شرب الماء المذكور طاعة و عبادة للمولى و إن لم يكن مقصوداً له، و قوام العبادية الصدور بداعي أمر المولى لا غير، و عليه لا مانع من صحة العبادة في الفرض، إذ لم يفت منها إلا‌

 

15
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 إذا كان في أحد أماكن التخيير فنوى القصر ج‌6 ص 15

و لا يجب التعيين حين الشروع أيضاً (1). نعم لو نوى القصر قصد خصوصيتها- أعني القصرية أو التمامية- و ذلك غير قادح لحصول قوام عباديتها- أعني الصدور بداعي أمر المولى- و ليس قصد خصوصيتها مما له دخل في عباديتها.

نعم لو بني على دخله في العبادة في عرض قصد الامتثال كان البناء على البطلان في محله. لكن المبنى غير ظاهر، و مراجعة بناء العرف و العقلاء شاهد على خلافه، و لذا لا خلاف عندهم في حسن الانقياد و ترتب الثواب على الفعل المنقاد به و إن وقع الخلاف في قبح التجرؤ و ترتب العقاب على الفعل المتجرأ به.

و على هذا فلو التفت بعد الثالثة أو بعد الرابعة قبل السلام جاز له العمل على التمام، و لا تلزم زيادة الركعة أو الركعتين لأن الإتيان بالركعة أو الركعتين كان عن أمرها فتكون في محلها، و قد كان يختلج في البال:

التفصيل بين ما لو كان يتخيل الاشتباه في العدد لاعتقاده أنه لم يأت بالثانية فتبطل الصلاة، لأنه جاء بالركعة بعنوان كونها ثانية و ليست كذلك فلم يؤت بها عن أمرها، و بين ما لو كان الإتيان بالزائد على الركعتين لتخيل أنه حاضر و أنه عليه التمام فتصح الصلاة، لأن الإتيان بالركعة كان عن أمرها و لو للخطإ في كونه حاضراً، لكنه في غير محله، لأن عنوان الركعة الثانية ليس من العناوين التقييدية ليفوت القصد بفواتها، و لذا لو صلى الركعة الثانية باعتقاد أنها الأولى ثمَّ تبين بعد إكمالها أنها الثانية صحت الصلاة- كما أشرنا الى ذلك مفصلا في مباحث الوضوء- و سيأتي أيضاً في محله إن شاء اللّه تعالى، فالبناء على الصحة في الجميع لا ينبغي الإشكال فيه.

لأنه بعد ما عرفت من أن القصر و التمام حقيقة واحدة، و أن‌

16
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 إذا كان في أحد أماكن التخيير فنوى القصر ج‌6 ص 15

فشك بين الاثنين و الثلاث بعد إكمال السجدتين يشكل العدول إلى التمام و البناء على الثلاث (1) الاختلاف بينهما من قبيل الاختلاف في الخصوصيات الفردية، نظير الاختلاف بين الصلاتين، في كون المقروء في إحداهما سورة التوحيد، و في الأخرى سورة العصر، فالأمر المتعلق بالركعتين شخصي قائم بموضوع واحد، فيمكن أن ينبعث المكلف إليهما من قبل ذلك الأمر الشخصي بهما بلا حاجة الى التعيين، و لا توقف عليه، لما عرفت من أن الوجه في اعتبار التعيين دخله في عبادية العبادة، و في المقام يمكن التعبد بالركعتين من دون تعيين تلك الخصوصية.

نعم لو بني على وجوب التعيين في عرض وجوب قصد الامتثال وجب حين الشروع، بمناط وجوبه في سائر الموارد الأخرى، لعدم الفرق، فعدم وجوب التعيين في المقام ليس لعدم التعين، ضرورة ثبوت التعين بالخصوصيات المميزة بين القصر و التمام، بل لما ذكرنا من أن وجوبه لأجل تحصيل العبادية و في المقام لا يتوقف حصولها على حصوله.

الاشكال يحتمل أن يكون من جهة الشك في كونه في محل العدول لاحتمال بطلان الصلاة بزيادة ركعة، و فيه أن أصالة عدم زيادة الركعة محكمة، و البناء على عدم جريانها مع الشك في عدد الركعات لا ينافي جريانها هنا لإثبات الصحة و نفي البطلان- مع إمكان دعوى جريان أصالة الصحة في نفسها، مع قطع النظر عن أصالة عدم الزيادة، فإنها أصل برأسها.

و يحتمل أن يكون من جهة أن الشك المذكور بمجرد حدوثه في الثنائية مبطل لها فلا موضوع للعدول.

و فيه: أن الظاهر مما دل على عدم صحة الشك في الثنائية هو عدم جواز المضي على الشك فيها، لا أنه بنفسه مبطل كالحدث. و حينئذ بالعدول‌

17
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 إذا كان في أحد أماكن التخيير فنوى القصر ج‌6 ص 15

و إن كان لا يخلو من وجه (1) بل قد يقال بتعينه و الأحوط العدول و الإتمام مع صلاة الاحتياط و الإعادة.

[ (مسألة 4): لا يجب في ابتداء العمل حين النية تصور الصلاة تفصيلا]

(مسألة 4): لا يجب في ابتداء العمل حين النية تصور الصلاة تفصيلا بل يكفي الإجمالي (2). نعم يجب نية المجموع يرتفع موضوع الحكم المذكور.

كما حكي عن جماعة بل ظاهر العلامة الطباطبائي المفروغية عنه.

و التحقيق أن يقال: إن القصر و التمام إن كانا من حقيقة واحدة لم يجز له التسليم على الثنتين مع الشك المذكور، لأنه مضي على الشك في الثنائية، و له أن يختار التمام و يعمل عمل الشك بين الثنتين و الثلاث، و في وجوب ذلك- كما عليه العلامة الطباطبائي (رحمه اللّه)- فراراً عن لزوم الابطال المحرم و عدم وجوبه- كما عن غيره- وجهان مبنيان على عموم حرمة إبطال العمل لمثل المقام و عدمه أقواهما الثاني، و إن كانا حقيقتين مختلفتين بطلت الصلاة، لأن السلام على القصر مضي على الشك في الثنائية و العدول الى التمام لا دليل على جوازه- كما عرفت في صدر المسألة-، و لو فرض تمامية إطلاقات التخيير لإثباته أمكن الرجوع إليها في إثبات جواز التمام، و إن لم يجز له القصر، و يكون المقام نظير ما لو تعذر أحد فردي التخيير فان تعذره مانع من فعلية التخيير و إن لم يكن مانعاً من وجود مقتضية، فيتمسك بالإطلاق لإثباته.

لما عرفت من أن دليل اعتباره في العبادة- سواء أ كان في عرض قصد الامتثال أم في طوله- لا يقتضي أكثر من اعتباره في الجملة، و لا يقتضي اعتبار خصوص التصور التفصيلي كما سبق في تضعيف ما ذكره المشهور من اعتبار الاخطار.

 

18
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 4 لا يجب في ابتداء العمل حين النية تصور الصلاة تفصيلا ج‌6 ص 18

من الأفعال جملة أو الأجزاء على وجه يرجع إليها، و لا يجوز تفريق النية على الأجزاء على وجه لا يرجع إلى قصد الجملة (1) كأن يقصد كلا منها على وجه الاستقلال من غير لحاظ الجزئية.

[ (مسألة 5) لا ينافي نية الوجوب اشتمال الصلاة على الأجزاء المندوبة]

(مسألة 5) لا ينافي نية الوجوب اشتمال الصلاة على الأجزاء المندوبة (2).

لأن كل واحد من الأجزاء مستقلا ليس موضوعاً للأمر فنيته كذلك ليست نية للمأمور به، و كما أن وجوب كل منها في حال الانضمام كذلك تكون نية كل واحد منها فينويه في حال الانضمام لا غير.

لأن الاشتمال على الأجزاء المندوبة لا يوجب كون الفرد المشتمل عليها مستحباً محضاً ليكون ذلك مانعاً من نية الوجوب، بل المشتمل عليها يكون واجباً كغير المشتمل، غاية الأمر: أنه يكون أفضل الفردين الواجبين تخييراً فيكون واجباً وجوبا مؤكداً بناء على أن الأجزاء المستحبة و إن لم تكن أجزاء حقيقة لا من الماهية و لا من الفرد، و إنما هي أمور مستحبة في الصلاة و غيرها من العبادات يؤتي بها بداعي استحبابها لكنها توجب تأكيداً في مصلحة الصلاة فتوجب تأكداً في وجوبها كما هو الظاهر. أما بناء على عدم ذلك فلا تأكد في وجوب الصلاة بوجه. ثمَّ إن الظاهر أنه لا فرق في صحة الصلاة المشتملة على الأجزاء المندوبة بين أن ينوي بفعل الأجزاء الوجوب و أن ينوي الندب.

و دعوى البطلان في الأول من جهة التشريع. مندفعة: بأن البطلان في التشريع يختص بما لو كان التشريع ملازما للانبعاث من قبل الأمر التشريعي و مجرد تشريع الوجوب للأجزاء المندوبة لا يقتضي كون الانبعاث الى الأجزاء الصلاتية الأصلية من قبل الأمر التشريعي، لجواز الانبعاث إليها من قبل الأمر الوجوبي المتعلق بها، غاية الأمر أنه يشرع أمراً وجوبياً للأجزاء‌

 

19
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 5 لا ينافي نية الوجوب اشتمال الصلاة على الأجزاء المندوبة ج‌6 ص 19

و لا يجب ملاحظتها في ابتداء الصلاة (1) و لا تجديد النية على وجه الندب حين الإتيان بها.

[ (مسألة 6): الأحوط ترك التلفظ بالنية في الصلاة خصوصاً في صلاة الاحتياط للشكوك]

(مسألة 6): الأحوط ترك التلفظ بالنية في الصلاة (2) خصوصاً في صلاة الاحتياط للشكوك، و إن كان الأقوى الصحة معه (3).

[ (مسألة 7): من لا يعرف الصلاة يجب عليه أن يأخذ من يلقنه]

(مسألة 7): من لا يعرف الصلاة يجب عليه أن يأخذ من يلقنه (4) فيأتي بها جزءاً فجزءاً و يجب عليه أن ينويها أولا على الإجمال.

[ (مسألة 8): يشترط في نية الصلاة بل مطلق العبادات الخلوص عن الرياء]

(مسألة 8): يشترط في نية الصلاة بل مطلق العبادات الخلوص عن الرياء (5) فلو نوى بها الرياء بطلت، بل هو المندوبة أو أنه تشريع في توصيف الأمر الندبي بها بأنه وجوبي و ذلك لا يقتضي المحذور المتقدم.

كما تقدم في مسألة عدم وجوب تعيين القصر و التمام في أماكن التخيير، بل هنا أظهر لعدم كونها أجزاء حقيقة كما عرفت.

لم أقف على قائل بالتحريم. نعم تقدم عن البيان أن اللفظ إحداث شرع، لكن صرح (رحمه اللّه) بالكراهة، فراجع ما تقدم في أول مبحث النية.

قد توقف المصنف (رحمه اللّه) في مبحث صلاة الاحتياط في جواز فعل منافيات الصلاة بينها و بين صلاة الاحتياط، فالجزم منه بالصحة هنا لا بد أن يكون من جهة دعوى عدم عموم الكلام المنافي للتلفظ بالنية، لكنه غير ظاهر.

هذا الوجوب من باب وجوب المقدمة العلمية.

على المشهور المعروف شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، بل‌

 

20
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 8 يشترط في نية الصلاة بل مطلق العبادات الخلوص عن الرياء ج‌6 ص 20

من المعاصي الكبيرة لأنه شرك باللّه تعالى.

[ثمَّ إن دخول الرياء في العمل على وجوه]

ثمَّ إن دخول الرياء في العمل على وجوه:

[أحدها: أن يأتي بالعمل لمجرد إرادة الناس]

أحدها: أن يأتي بالعمل لمجرد إرادة الناس من دون عن غير واحد دعوى الاتفاق عليه إلا من المرتضى (رحمه اللّه) في الانتصار فذهب الى عدم بطلان العبادة بالرياء، بل هي مجزية مسقطة للأمر و ان لم يترتب عليها الثواب، و كأن مراده عدم منافات الرياء بنحو الضميمة و إلا فاعتبار القربة في الصلاة و غيرها من العبادات من الضروريات التي لا ريب فيها فضلا عن الفتوى بخلافها. و كيف كان فقد عقد في الوسائل باباً طويلا لبطلان العبادة بالرياء «1»، و آخر لتحريم قصد الرياء و السمعة بالعبادة «2» لكن أكثر الأخبار المذكورة فيهما غير خال عن المناقشة.

نعم ما يدل منها على حرمة الفعل المقصود به الرياء الملازمة للبطلان‌

صحيح زرارة و حمران عن أبي جعفر (ع): «لو أن عبداً عمل عملا يطلب به وجه اللّه تعالى و الدار الآخرة و أدخل فيه رضى أحد من الناس كان مشركا» «3»‌

و‌

صحيح علي بن جعفر (ع): «قال رسول اللّه (ص): يؤمر برجال الى النار‌

.. الى أن قال:

فيقول لهم خازن النار: يا أشقياء ما كان حالكم؟ قالوا: كنا نعمل لغير اللّه فقيل لنا: خذوا ثوابكم ممن عملتم له» «4».

و‌

رواية السكوني: «قال النبي (ص): إن الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجاً به فاذا صعد بحسناته يقول اللّه عز و جل: اجعلوها في (سجين) إنه ليس إياي أراد به» «5»‌

، و نحوها غيرها. و دلالة الجميع‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمة العبادات.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات.

(3) الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11.

(4) الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3.

 

21
مستمسک العروة الوثقى6

أحدها أن يأتي بالعمل لمجرد إرادة الناس ج‌6 ص 21

أن يقصد به امتثال أمر اللّه تعالى، و هذا باطل بلا إشكال (1) لأنه فاقد لقصد القربة أيضاً.

[الثاني: أن يكون داعيه و محركه على العمل القربة]

الثاني: أن يكون داعيه و محركه على العمل القربة و امتثال الأمر و الرياء معاً، و هذا أيضاً باطل سواء كانا مستقلين (2) أو كان أحدهما تبعاً و الآخر مستقلا أو كانا معاً و منضما محركا و داعياً.

[الثالث: أن يقصد ببعض الأجزاء الواجبة الرياء]

الثالث: أن يقصد ببعض الأجزاء الواجبة الرياء، على الحرمة غير قابلة للمناقشة، و عرفت مكرراً أن من لوازم الحرمة البطلان لامتناع التقرب بما هو حرام.

يعني حتى من السيد (رحمه اللّه) لما عرفت من أنه لا خلاف له في كون الصلاة عبادة و لا في اعتبار القربة في العبادة مطلقاً.

لأجل أن الظاهر أنه يكفي في كون الفعل عبادة صلاحية الأمر للاستقلال في الداعوية إلى الفعل المأمور به و ان كانت معه ضميمة مستقلة أو غير مستقلة لا بد في إثبات دعوى البطلان في هذه الصورة، و كذا في أحد قسمي الصورة الثانية- أعني ما لو كان الأمر صالحاً للاستقلال في الداعوية و الرياء لوحظ منضما الى الأمر مع كونه غير صالح للاستقلال- من الرجوع الى النصوص المشار إليها آنفاً، و دلالة صحيح حمران و زرارة على البطلان فيهما لا قصور فيها، و كذا دلالتها على البطلان في القسم الثاني من الصورة الثانية- أعني ما لو كان الرياء صالحاً للاستقلال في الداعوية و القربة غير صالحة لذلك- و كذا في الصورة الثالثة، و إن كان يكفي أيضاً في دعوى البطلان فيها القواعد الأولية لعدم حصول قصد الامتثال على النحو المعتبر في العبادة كما تقدم في الوضوء.

 

22
مستمسک العروة الوثقى6

الثالث أن يقصد ببعض الأجزاء الواجبة الرياء ج‌6 ص 22

و هذا أيضاً باطل و إن كان محل التدارك باقياً (1). نعم في مثل الأعمال التي لا يرتبط بعضها ببعض، أو لا ينافيها الزيادة في الأثناء كقراءة القرآن و الأذان و الإقامة إذا أتى ببعض الآيات أو الفصول من الأذان اختص البطلان به فلو تدارك بالإعادة صح.

[الرابع: أن يقصد ببعض الأجزاء المستحبة الرياء]

الرابع: أن يقصد ببعض الأجزاء المستحبة الرياء كالقنوت في الصلاة، و هذا أيضاً باطل على الأقوى (2).

[الخامس: أن يكون أصل العمل للّه لكن أتى به في مكان و قصد بإتيانه في ذلك المكان الرياء]

الخامس: أن يكون أصل العمل للّه لكن أتى به في مكان و قصد بإتيانه في ذلك المكان الرياء كما إذا أتى به في مقتضى ظاهر النصوص: حرمة نفس العمل الذي وقع الرياء فيه، فاذا كان الرياء في الجزء نفسه اختص بالبطلان، و لا وجه لسراية البطلان الى غيره من الأجزاء، اللهم إلا أن يدعى أنه يصدق على مجموع العمل أنه مما وقع فيه الرياء فيبطل. و فيه أن صدق ذلك مبني على المسامحة و إلا فموضوعه حقيقة نفس الجزء فيقدح فيه لا غير. نعم إذا بطل الجزء فان صدق أنه زيادة في المركب عمداً و كانت الزيادة فيه مبطلة له سرى البطلان إلى بقية الأجزاء، و لا يجدي التدارك، و إن لم تصدق الزيادة، أو كانت غير مبطلة لعدم الدليل على إبطالها إمكان التدارك بفعل الجزء ثانياً مع الإخلاص و صح المركب.

مقتضى ما سبق هو بطلان القنوت لا غير فيكون الحال كما لو صلى بلا قنوت فان صلاته صحيحة، فالبناء على بطلان الصلاة إنما هو من جهة أن القنوت المرائي فيه مأتي به بقصد الجزئية، فإذا بطل لزمت الزيادة العمدية التي لا يفرق في اقتضائها بطلان الصلاة بين أن تكون بالجزء الواجب و الجزء المستحب، لكن عرفت أن الأجزاء المستحبة ليست أجزاء للماهية‌

 

23
مستمسک العروة الوثقى6

الخامس أن يكون أصل العمل لله لكن أتى به في مكان و قصد بإتيانه في ذلك المكان الرياء ج‌6 ص 23

المسجد أو بعض المشاهد رياء، و هذا أيضاً باطل (1) على الأقوى، و كذا إذا كان وقوفه في الصف الأول من الجماعة أو في الطرف الأيمن رياء.

[السادس: أن يكون الرياء من حيث الزمان]

السادس: أن يكون الرياء من حيث الزمان (2) كالصلاة في أول الوقت رياء، و هذا أيضاً باطل على الأقوى.

[السابع: أن يكون الرياء من حيث أوصاف العمل]

السابع: أن يكون الرياء من حيث أوصاف العمل.

كالإتيان بالصلاة جماعة (3) أو القراءة بالتأني و لا أجزاء للفرد، و إنما هي أمور مستحبة ظرفها الفعل الواجب فلا يؤتى بها بقصد الجزئية كي تلزم الزيادة العمدية على تقدير بطلانها. نعم لو كان المستحب من الدعاء أو الذكر أمكن القول ببطلان الصلاة من جهة الكلام بناء على أن الدعاء و الذكر المحرمين من الكلام المبطل، و سيأتي إن شاء اللّه تعالى الكلام فيه. أما مثل جلسة الاستراحة فلا يأتي فيها مثل ذلك فلا موجب فيها للبطلان فلاحظ.

لأن موضوع الرياء: عنوان «الصلاة المقيدة بالمكان الخاص» المتحد مع ذات الصلاة في الخارج، فتحرم به و تفسد لأجله، و لا يتوهم:

أن موضوعه نفس الخصوصية، فلا يسري الى الصلاة، فلا تسري الحرمة إليها و لا الفساد، إذ فيه أن الخصوصية المكانية ليست من الأفعال الاختيارية لتكون موضوعاً للرياء تارة و الإخلاص أخرى، فيتعين أن تكون قيداً لموضوعه المتحد مع ذات الصلاة في الخارج، و كذا الحال فيما بعده فان الجميع من قبيل الخصوصية المكانية كما لا يخفى.

الخصوصية الزمانية كالخصوصية المكانية فيجري فيها الكلام المتقدم.

خصوصية الجماعة لما لم تكن من الأفعال المستقلة يجري عليها‌

 

24
مستمسک العروة الوثقى6

السابع أن يكون الرياء من حيث أوصاف العمل ج‌6 ص 24

أو بالخشوع أو نحو ذلك (1) و هذا أيضاً باطل على الأقوى.

[الثامن: أن يكون في مقدمات العمل]

الثامن: أن يكون في مقدمات العمل كما إذا كان الرياء في مشيه إلى المسجد لا في إتيانه في المسجد. و الظاهر عدم البطلان في هذه الصورة (2).

[التاسع: أن يكون في بعض الأعمال الخارجة عن الصلاة]

التاسع: أن يكون في بعض الأعمال الخارجة عن الصلاة كالتحنك حال الصلاة و هذا لا يكون مبطلا (3)، إلا إذا رجع إلى الرياء في الصلاة متحنكاً (4).

[العاشر: أن يكون العمل خالصاً للّه لكن كان بحيث]

العاشر: أن يكون العمل خالصاً للّه لكن كان بحيث يعجبه أن يراه الناس حكم خصوصية المكان و الزمان بعينها.

الخشوع و الخضوع و البكاء و نحوها لما كانت من الأفعال الاختيارية المقارنة للفعل أمكن أن تكون بنفسها موضوعاً للرياء كما يمكن أن تكون قيداً لموضوعه، فعلى الأول تحرم هي و تفسد و لا تسري الحرمة إلى الصلاة و لا الفساد، و على الثاني تحرم الصلاة و تفسد لاتحاد العنوان المحرم معها، و على هذا الفرض كان إطلاق البطلان في المتن، و على الأول يكون من قبيل التاسع في الحكم لأنها منه، و أما التأني فالظاهر أنه من قبيل وصف الجماعة يكون الرياء في الصلاة معه لا فيه نفسه.

لأن العمل خال عن الرياء فلا وجه للبطلان إلا دعوى عموم العمل في النصوص لما يكون الرياء في بعض مقدماته، لكنها ضعيفة.

لعدم سريانه الى العمل، و قد عرفت ضعف دعوى عموم العمل المرائي فيه لما يكون الرياء في مقدمته فضلا عما كان في مقارنة.

كما عرفت في الوجه السابع.

 

25
مستمسک العروة الوثقى6

العاشر أن يكون العمل خالصا لله لكن كان بحيث ج‌6 ص 25

يعجبه أن يراه الناس، و الظاهر عدم بطلانه أيضاً (1) كما أن الخطور القلبي لا يضر (2) خصوصاً إذا كان بحيث يتأذى بهذا الخطور، و كذا لا يضر الرياء بترك الأضداد (3).

[ (مسألة 9): الرياء المتأخر لا يوجب البطلان]

(مسألة 9): الرياء المتأخر لا يوجب البطلان (4) بأن كان حين العمل قاصداً للخلوص ثمَّ بعد تمامه بدا له في ذكره أو عمل عملا يدل على أنه فعل كذا‌

ففي مصحح زرارة عن أبي جعفر (ع) «عن الرجل يعمل الشي‌ء من الخير فيراه إنسان فيسره ذلك، قال (ع): لا بأس ما من أحد إلا و هو يجب أن يظهر له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك» «1»‌

لعدم منافاته للإخلاص: أعني كون صدور الفعل عن قصد الامتثال محضاً.

ترك الأضداد قد يكون بنفسه موضوعاً للرياء و قد يكون قيداً لموضوعه كأن يرائي في الصلاة المتروك فيها الضد، فعلى الأول يصح العمل و على الثاني يبطل نظير ما سبق في الخشوع و التحنك، فإطلاق الصحة ليس كما ينبغي و إن حكي عن الإيضاح الإجماع عليها، و لعل المراد الصورة الأولى.

لعدم الدليل عليه بعد كون العمل صادراً على وجه العبادة، و الإجماع و النصوص إنما يدلان على حرمة العمل الصادر على وجه الرياء لا غير. نعم‌

في مرسل علي بن أسباط عن أبي جعفر (ع): «الإبقاء على العمل أشد من العمل، قال: و ما الإبقاء على العمل؟ قال (ع): يصل الرجل بصلة و ينفق نفقة للّه وحده لا شريك له فكتبت له سراً ثمَّ يذكرها فتمحى فتكتب له علانية ثمَّ يذكرها فتمحى فتكتب له رياء» «2»‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 15 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 2.

 

26
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 9 الرياء المتأخر لا يوجب البطلان ج‌6 ص 26

.....

لكنه ضعيف مهجور لا مجال للاعتماد عليه في ذلك، فليحمل على نحو من الإحباط كما تقدم في الوضوء.

تنبيه فيه أمران الأول: أن الرياء- على ما ذكره غير واحد من علماء الأخلاق- طلب المنزلة في قلوب الناس بإراءتهم خصال الخير، و عليه فلو كان المقصود من العبادة دفع الذم عن نفسه أو ضرر غير ذلك لم يكن رياء.

و يشهد له‌

خبر سفيان بن عيينة عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث: «الإبقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل و العمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا اللّه عز و جل» «1»‌

و‌

خبر السكوني: «قال أمير المؤمنين (ع): ثلاث علامات للمرائي ينشط إذا رأى الناس و يكسل إذا كان وحده و يحب أن يحمد في جميع أموره» «2».

و‌

خبر جراح المدائني عن أبي عبد اللّه (ع) في قول اللّه عز و جل: « (فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صٰالِحاً وَ لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) قال (ع): الرجل يعمل شيئاً من الثواب لا يطلب به وجه اللّه إنما يطلب تزكية الناس يشتهي أن يسمع به الناس فهذا الذي أشرك بعبادة ربه» «3».

و‌

في رواية العلاء المروية عن تفسير العياشي في تفسير الآية الشريفة المذكورة قال (ع): «من صلى أو صام أو أعتق أو حج يريد محمدة الناس فقد أشرك في عمله» «4».

و يشير إليه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 13 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 6. و الآية آخر سورة الكهف.

(4) مستدرك الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3‌

 

27
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 9 الرياء المتأخر لا يوجب البطلان ج‌6 ص 26

.....

ما‌

في مصحح زرارة و حمران السابق: من قوله (ع): «و أدخل فيه رضا أحد من الناس» «1».

و ما تضمن أمر المرائي يوم القيامة أن يأخذ أجره ممن عمل له «2». و ما تضمن الأمر بحفظ الإنسان نفسه من أن يكون في معرض الذم و الاغتياب «3» و ظهور إطباق الفقهاء على أن الإسرار في الصدقة المستحبة أفضل، إلا مع التهمة فالاعلان أفضل.

و من ذلك يظهر ضعف ما عن الشهيد في القواعد: «من أن الرياء يتحقق بقصد مدح المرائي أو الانتفاع به أو دفع ضرره. فان قلت: فما تقول في العبادة المشوبة بالتقية. قلت: أصل العبادة واقع على وجه الإخلاص و ما فعل منها تقية فإن له اعتبارين بالنظر إلى أصله و هو قربة، و بالنظر إلى ما طرأ من استدفاع الضرر و هو لازم لذلك فلا يقدح في اعتباره، أما لو فرض إحداثه صلاة مثلا تقية فإنها من باب الرياء».

الثاني: الرياء- كما ذكره غير واحد- إنما يكون في خصال الخير القائمة بالبدن تارة، و بالزي أخرى، و بالعمل ثالثة، و بالقول رابعة، و بالاتباع و الأمور الخارجة عن المرائي خامسة، و المستفاد من النصوص المتضمنة لحرمته أن موضوع الحرمة هو العمل الذي يري الناس أنه متقرب به إلى اللّه تعالى، فتكون المنزلة في نفوسهم المقصودة له بتوسط اعتقادهم أنه ذو منزلة عند اللّه تعالى، و عليه فلو عمل عملا من أحد الأنحاء الخمسة السابقة بقصد أن يكون له منزلة في قلوبهم بالعمل نفسه لا بعنوان كونه عبادة للّه تعالى لم يكن محرما، فلو عاشر السلطان بقصد أن يكون له منزلة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11. و قد تقدم في أول المسألة: 8.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 16.

(3) الوسائل باب: 19 من أبواب أحكام العشرة. و باب: 38 من أبواب الأمر بالمعروف‌

28
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 العجب المتأخر لا يكون مبطلا ج‌6 ص 29

[ (مسألة 10): العجب المتأخر لا يكون مبطلا]

(مسألة 10): العجب المتأخر لا يكون مبطلا (1) بخلاف المقارن فإنه مبطل على الأحوط، و إن كان الأقوى خلافه.

في قلوب الرعية لم يكن رياء محرما، و لو عاشر الفقراء بقصد أن يري الناس أنه يتقرب إلى اللّه تعالى بمعاشرتهم فتكون له منزلة في قلوب من يراه من الناس كان رياء محرماً، و هكذا الحال في بقية أمثلة الأنواع.

كما لعله ظاهر الأصحاب حيث أهملوا ذكره في المبطلات، و هو الذي يقتضيه الأصل بعد عدم الدليل على البطلان به. و ما في جملة من النصوص: من أنه من المهلكات «1»، و أنه مانع من صعود العمل إلى اللّه تعالى و مانع من قبوله «2»، لا يقتضي البطلان فإنه أعم، و كذا ما يظهر من كثير منها: من أنه محرم، فإنه لا ينطبق على العمل ليوجب امتناع التقرب به كما لا يخفى. نعم‌

في خبر علي بن سويد عن أبي الحسن (ع): «سألته عن العجب الذي يفسد العمل، فقال (ع): العجب درجات:

منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسناً فيعجبه و بحسب أنه يحسن صنعاً، و منها أن يؤمن العبد بربه فيمن على اللّه عز و جل و للّه عليه فيه المن» «3».

لكن الظاهر أن المراد من الفساد فيه عدم القبول، إذ الأول مجرد ارتكاب السيئات، و الثاني محله مما لا يقبل الصحة و الفساد. مضافا إلى‌

خبر يونس ابن عمار عن أبي عبد اللّه (ع): «قيل له و أنا حاضر: الرجل يكون في صلاته خالياً فيدخله العجب، فقال (ع): إذا كان أول صلاته بنية يريد بها ربه فلا يضره ما دخله بعد ذلك، فليمض في صلاته و ليخسأ الشيطان» «4».

و من ذلك تعرف حكم العجب المقارن و أنه غير مبطل،

______________________________
(1) الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 12 و 21.

(2) الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 9.

(3) الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3.

 

29
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 11 غير الرياء من الضمائم إما حرام أو مباح أو راجح ج‌6 ص 30

[ (مسألة 11): غير الرياء من الضمائم إما حرام أو مباح أو راجح]

(مسألة 11): غير الرياء من الضمائم إما حرام أو مباح أو راجح، فان كان حراما و كان متحداً مع العمل أو مع جزء منه بطل كالرياء (1)، و إن كان خارجا عن العمل مقارنا له لم يكن مبطلا (2)، و إن كان مباحا أو راجحا فان كان تبعا و كان داعي القربة مستقلا فلا إشكال في الصحة (3) و الاحتياط المذكور في إبطاله من أجل ما في الجواهر عن بعض مشايخه:

من القول بإبطاله. فلاحظ.

لما تقدم من أن الحرمة تمنع من التقرب بالعبادة.

هذا أيضاً تأتي فيه الصورة الآنية من صلاحية كل منهما للاستقلال في الداعوية، و عدمها في كل منهما، و صلاحية أحدهما لذلك و تبعية الآخر فيجري فيه ما يأتي من الصحة و الفساد، فكأن إطلاق عدم البطلان راجع الى حيثية الحرمة لا غير. و مع ذلك أيضاً يشكل بأنه إذا لوحظ غاية للفعل أيضاً يكون مبطلا على كل حال، و إن لوحظ تبعاً لأن الفعل المأتي به بقصد الغاية المحرمة حرام عقلا أو شرعا و عقلا فلا يصلح أن يكون مقربا و عبادة.

لكن عن العلامة في بعض كتبه- تبعاً لجماعة-: إطلاق البطلان في الضميمة المباحة، و عن فخر الدين و الشهيدين في البيان و القواعد و الروض و المحقق الثاني و صاحب الموجز و غيرهم: متابعتهم، بناء منهم على منافاة ذلك للإخلاص المعتبر في العبادة. اللهم إلا أن يحمل كلامهم على صورة استقلال كل من الأمر و الضميمة. و كيف كان، فالظاهر: الصحة إذ لا دليل على اعتبار الإخلاص بنحو ينافيه وجود الضميمة و لو تبعاً، أما الإجماع على اعتباره فموهون بمصير الأكثر- كما قيل- إلى الصحة مع الضميمة، بل إطلاقهم الصحة يقتضي عدم الفرق بين استقلال الأمر‌

 

30
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 11 غير الرياء من الضمائم إما حرام أو مباح أو راجح ج‌6 ص 30

و إن كان مستقلا و كان داعي القربة تبعا بطل (1) و كذا إذا كانا معا منضمين (2) محركا و داعيا على العمل و إن كانا مستقلين فالأقوى الصحة (3) و إن كان الأحوط الإعادة.

و عدمه، و أما النصوص فالظاهر من الإخلاص فيها ما يقابل الرياء، فلاحظ رواية سفيان بن عيينة المتقدمة في ذيل المسألة التاسعة.

و دعوى منافاة ذلك للتعبد المعتبر ممنوعة، إذ الظاهر بل المقطوع به من طريقة العقلاء الاكتفاء في صدق العبادة و استشعار مشاعر العبيد بكون أمر المولى صالحا للاستقلال في الداعوية لا غير، و لا يعتبر فيه خلو العبد عن الجهات النفسانية المرجحة لفعل المأمور به على تركه، كما أشرنا الى ذلك في شرائط الوضوء من هذا الشرح، فراجع.

لأن المعلوم من طريقة العقلاء: اعتبار صلاحية الأمر للاستقلال بنظر العبد في الباعثية إلى المأمور به في صدق العبادة، و عدم الاكتفاء بمجرد الاستناد إليه في الجملة، و مما ذكرنا يظهر: أن المراد البطلان بالإضافة الى الأمر التابع، أما بالإضافة إلى الضميمة الراجحة فالفعل صحيح و يكون عبادة و طاعة بالنسبة إلى أمرها، كما يظهر بأقل تأمل.

لما عرفت، فيبطل حينئذ مطلقاً حتى بالإضافة إلى الضميمة الراجحة.

قد عرفت آنفاً الإشارة إلى وجهه، و قد تقدم ذلك في الوضوء فراجع. هذا كله حكم الضميمة المقصودة في عرض قصد الامتثال، أما إذا كانت مقصودة في طوله بأن كانت مترتبة على الإتيان بالصلاة بقصد الامتثال فلا ينبغي التأمل في عدم قادحيتها في عبادية العبادة، مثل أن يطوف طواف النساء لتحل له النساء، أو يغتسل للجنابة ليجوز له الدخول في المسجد و قراءة العزائم و مس خط المصحف، أو نحو ذلك، أو يتوضأ للطهارة قبل الوقت لتجوز له الصلاة أول الوقت، أو ليتمكن من الصلاة جماعة أو نحو ذلك‌

 

31
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 12 إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بقصد الصلاة و غيرها ج‌6 ص 32

 [ (مسألة 12): إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بقصد الصلاة و غيرها]

(مسألة 12): إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بقصد الصلاة و غيرها (1) من الغايات المترتبة على الإتيان بالفعل المأتي به على وجه العبادة. و البناء على عدم صحة العبادة عند ملاحظة الغايات المذكورة ضعيف، إذ لا منافاة بين العبادية و ملاحظة الغايات المذكورة. و الرجوع الى طريقة المتشرعة و العقلاء كاف في إثبات الصحة.

قال في محكي الإيضاح: «أجمع الكل على أنه إذا قصد ببعض أفعال الصلاة غير الصلاة بطلت و الفائدة في المأموم و عدم اعتبار الكثرة لأن إجماع المتكلمين على ان المتعلقين- بالكسر- إذا اتحد متعلقهما- بالفتح- و تعلق أحدهما على عكس الآخر تضادا، فلذلك أجمع الفقهاء على أنه إذا نوى ببعض أفعال الصلاة غيرها بطلت». و قال في الجواهر: «ينبغي أن تعرف أن هذه المسألة غير مسألة الضميمة، و لذا لم يشر أحد من معتبري الأصحاب إلى اتحاد البحث فيهما، بل من حكم هناك بالصحة مع الضم التبعي أو كان كل منهما علة مستقلة أطلق البطلان في المقام، كما أنهم لم يفرقوا هنا بين الضميمة الراجحة و غيرها. و الظاهر أن وجه الفرق بين المسألتين بالفرق بين موضوعيهما، فان موضوع الضميمة الفعل الواحد الذي له غايات و أراد المكلف ضمها بنية واحدة، فالتحقيق فيها البطلان مع منافاة الإخلاص و الصحة مع العدم، لتبعية الضم أو لرجحان الضميمة أو غير ذلك. و موضوع ما نحن فيه قصد المكلف كون الفعل الواحد المشخص مصداقا لكليين متغايرين لا يمكن اجتماعهما في مصداق واحد عقلا أو شرعا فلو نواه حينئذ لكل منهما لم يقع لشي‌ء منهما شرعا- كما في كل فعل كذلك- لأصالة عدم التداخل في الأفعال عقلا و شرعا فلو نوى بالركعتين الفرض و النفل لم يقع لأحدهما».

أقول: العبارة الذكورة و إن كانت ظاهرة فيما ذكره (قدس سره)

32
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 12 إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بقصد الصلاة و غيرها ج‌6 ص 32

- كأن قصد بركوعه تعظيم الغير و الركوع الصلاتي (1)، أو بسلامه سلام التحية و سلام الصلاة- بطل (2) إن كان من لكن تعليل البطلان في محكي كلام بعضهم بعدم تمحض القربة. و في كلام آخر بعدم استمرار النية أو بحصول نية الخروج، و تمثيله بالتكبير بقصد الافهام قرينة على اتحاد موضوع المسألتين عندهم، فلاحظ المعتبر و الذكرى و جامع المقاصد و المدارك و كشف اللثام و غيرها. و يشير إليه أيضاً عدم تعرضهم في المقام لنية الضميمة، فلو لم يكن المراد من نية غير الصلاة ما يشملها لم يكن لإهمال حكمها وجه. و الاكتفاء بذكرهم لها في الوضوء لا يناسب تكرار التعرض للرياء في المقام. و كيف كان، فغير الصلاة المنوي مع الصلاة إن كان من قبيل الغاية المترتبة على الفعل الصلاتي كافهام الغير و تعليمه المقصودين بالكلام و الفعل فحكمه حكم الضميمة، بل هو منها فتجري فيه أحكام الصور المذكورة في المسألة المتقدمة، و كذا إذا كان من قبيل العنوان المتحد مع نفس الأفعال الصلاتية إذا لم يكن بينه و بين نفس الصلاة تناف في الانطباق و التصادق على موضوع واحد، و إن كان بينهما تناف كذلك بطل الجزء لأن صيرورته للصلاة ترجح بلا مرجح، و صيرورته لهما ممتنع حسب الفرض، فتبطل الصلاة حينئذ للزيادة إن كانت عمدية و إلا تداركه و أتم الصلاة.

هذا المثال و ما بعده من باب العنوانين غير المتصادقين، و كأن الوجه في دعوى عدم تصادقهما- مضافا إلى أنه مقتضى ارتكاز المتشرعة- أصالة عدم التداخل. فتأمل.

هكذا فيما يحضرني من النسخ، و الظاهر أن الصواب (أبطل) بدل (بطل) و ذلك للزيادة القادحة في مثل الركوع مطلقاً عمداً و سهواً، أما لو كانت في غيره مما لا تقدح زيادته سهواً اختص البطلان بصورة العمد.
 

33
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 12 إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بقصد الصلاة و غيرها ج‌6 ص 32

الأجزاء الواجبة قليلا كان أم كثيراً أمكن تداركه أم لا، و كذا في الأجزاء المستحبة (1) غير القرآن و الذكر (2) على الأحوط، و أما إذا قصد غير الصلاة محضاً فلا يكون مبطلا (3) إلا إذا كان مما لا يجوز فعله في الصلاة (4) أو كان كثيراً (5).

[ (مسألة 13): إذا رفع صوته بالذكر أو القراءة لإعلام الغير]

(مسألة 13): إذا رفع صوته بالذكر أو القراءة لإعلام الغير (6) لم يبطل إلا إذا كان قصد الجزئية تبعاً (7) قد عرفت أن الأجزاء المستحبة لا يقصد بفعلها الصلاة كي تصدق الزيادة عمدية أو سهوية.

القرآن و الذكر المأتي بهما بقصد الجزئية حالهما حال سائر الأجزاء المأتي بها كذلك في أن زيادتها عمداً مبطلة، لعموم ما دل على قدح الزيادة.

نعم- بناء على ما عرفت من أن الأجزاء المستحبة ليست أجزاء و لا يؤتى بها بقصد الجزئية و إنما يؤتى بها بقصد امتثال أمرها لا غير- لا يكون فعلها عمداً في غير محلها زيادة و لا مبطلا للصلاة. نعم يكون تشريعاً و لكنه غير مبطل.

لعدم المقتضي للبطلان، و المفروض عدم قصد الجزئية لتصدق الزيادة.

كالسلام على قول يأتي إن شاء اللّه تعالى.

فيكون من الفعل الكثير الماحي لصورة الصلاة فيكون مبطلا كما يأتي في مبحث القواطع.

هذا من مسائل الضميمة فيجري عليه حكمها السابق.

و حينئذ يبطل الجزء بفقد قصد امتثال الأمر الصلاتي فتبطل الصلاة للزيادة، فالمراد من قصد الجزئية تبعاً قصد امتثال أمر الصلاة تبعاً الذي قد عرفت أنه غير كاف في صدق التعبد. هذا، و قد يقال: فوات قصد‌

 

34
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 13 إذا رفع صوته بالذكر أو القراءة لإعلام الغير ج‌6 ص 34

و كان من الأذكار الواجبة (1)، و لو قال «اللّه أكبر» مثلا بقصد الذكر المطلق لإعلام الغير لم يبطل مثل سائر الأذكار التي يؤتى بها لا بقصد الجزئية (2).

[ (مسألة 14): وقت النية ابتداء الصلاة]

(مسألة 14): وقت النية ابتداء الصلاة، و هو حال تكبيرة الإحرام و أمره سهل بناء على الداعي، و على الاخطار الامتثال في رفع الصوت لا يقتضي فواته في أصل الذكر، فيكون أصل الذكر وقع جزءاً على نحو العبادة و الرفع غير واقع على ذلك النحو فلا يكون عبادة بل الرفع لما لم يؤخذ جزءاً للصلاة يمتنع التعبد به، و حينئذ إذا قصد في أصل الذكر الصلاة لأمرها، و بالرفع قصد الافهام محضاً صح الذكر جزءاً فصحت الصلاة. فإن قلت: الرفع و الذكر واحد في الخارج فكيف يختلفان قصداً. قلت: هما و إن كانا وجوداً واحداً لكنه ذو مراتب، فيجوز اختلاف مراتبه في الحكم و القصد.

و كذا المستحبة إذا جاء بها بقصد الجزئية بناء على ما يظهر منه (قدس سره) في المسألة السابقة و غيرها: من كون الأجزاء المستحبة مقصوداً بها الجزئية. نعم بناء على ما ذكرناه يكون التقييد بالواجب في محله.

كما تضمنه جملة من النصوص‌

كصحيح الحلبي: «عن الرجل يريد الحاجة و هو في الصلاة قال (ع): يومئ برأسه و يشير بيده و يسبح» «1»‌

و نحوه روايات عمار «2» و ابن جعفر (ع) «3» و أبي جرير «4».

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 9 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 6.

(4) الوسائل باب: 9 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 7.

 

35
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 وقت النية ابتداء الصلاة ج‌6 ص 35

اللازم اتصال آخر النية المخطرة بأول (1) التكبير و هو أيضاً سهل.

[ (مسألة 15): يجب استدامة النية إلى آخر الصلاة]

(مسألة 15): يجب استدامة النية إلى آخر الصلاة.

بمعنى عدم حصول الغفلة بالمرة بحيث يزول الداعي على وجه لو قيل له ما تفعل يبقى متحيراً (2) و أما مع بقاء الداعي في خزانة الخيال فلا تضر الغفلة و لا يلزم الاستحضار الفعلي (3).

[ (مسألة 16): لو نوى في أثناء الصلاة قطعها]

(مسألة 16): لو نوى في أثناء الصلاة قطعها (4) فعلا أو بعد ذلك أو نوى هذا على ظاهر التعبير متعذر أو متعسر جداً، و كأن المراد غير ظاهر كما يظهر من ملاحظة كلماتهم، و ذلك أن النية التفصيلية لما كانت غالباً تدريجية الوجود فالمراد المقارنة بين تمام وجودها و بين أول التكبير، و لو قيل بدله: حضور النية بتمامها أول التكبير. لسلم من الإشكال.

فإن وجود الداعي في النفس من الأمور الوجدانية التي لا تقبل الشك و التحير، فوجود التحير أمارة على عدم وجود الداعي، فيكون الفعل من قبيل فعل الغافل فلا يصح. نعم إذا كان منشأ التحير وجود المانع من توجه النفس الى ما في الخزانة، لم يكن التحير حينئذ دليلا على عدم وجود الداعي.

إذ الواجب في العبادة صدورها عن الداعي، و لا يعتبر الالتفات الى ذلك الداعي، كما سبق في أول المبحث.

إذا نوى في أثناء الصلاة قطعها ثمَّ رجع الى نيته الأولى قبل أن يفعل شيئاً من أفعالها ففي الشرائع: أنها لا تبطل، و عن مجمع البرهان و المفاتيح و ظاهر البيان: موافقته، و المحكي عن جماعة كثيرة- منهم الشيخ «رحمه اللّه» و العلامة و الشهيدان و المحقق الثاني في جملة من كتبهم و غيرهم:

 

36
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 لو نوى في أثناء الصلاة قطعها ج‌6 ص 36

.....

البطلان، قال في القواعد: «و لو نوى الخروج في الحال أو تردد فيه كالشاك بطلت صلاته».

و استدل لهم: بأن النية الأولى إذا زالت فاذا رجع الى النية بعد ذلك لم يكتف بها لفوات المقارنة لأول العمل. و فيه: أن المقارنة حاصلة، و إنما الإشكال في أن زوال النية و عودها كاف في حصول النية أولا، و الظاهر الكفاية، إذ الثابت من الإجماع على اعتبار وقوع الصلاة على وجه العبادة هو لزوم الإتيان بكل جزء من أجزائها عن إرادة ضمنية تحليلية تنحل إليها إرادة الجملة، المنبعثة تلك الإرادة عن داعي امتثال أمر الشارع، و هذا المعنى حاصل في المقام بعد الرجوع الى النية الأولى.

و بأن زوال النية الأولى يوجب خروج الأجزاء السابقة عن قابلية انضمام الأجزاء اللاحقة إليها. و فيه: أنه غير ظاهر.

و بالإجماع على اعتبار استدامة النية المنتفية بنية الخروج. و فيه: أن المراد من الاستدامة المعتبرة إجماعا صدور كل واحد من الأجزاء عن داعي امتثال الأمر الضمني كما تقدم، لا بالمعنى المقابل للزوال و العود.

و بأن ظاهر‌

قوله (ص): «و لا عمل إلا بنية» «1»‌

اعتبار وجود النية في جميع آنات العمل، نظير‌

قوله (ع): «لا صلاة إلا بطهور» «2»‌

فكما يقدح الحدث في أثناء الصلاة يقدح زوال النية كذلك. و فيه: منع كون ذلك هو الظاهر، و البناء على قدح الحدث في الأثناء ليس مستنداً إلى‌

قوله (ع): «لا صلاة إلا بطهور ..»‌

، بل إلى النصوص الخاصة الدالة على قدح الحدث في الأثناء، و لذا عد من القواطع في مقابل الشروط مع أن المستند في اعتبار النية ليس هو الحديث المذكور كما تقدم في نية الوضوء.

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 2 و 9.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الوضوء حديث: 1.

 

37
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 لو نوى في أثناء الصلاة قطعها ج‌6 ص 36

و بأن البناء على البطلان مقتضى قاعدة الاشتغال، التي يجب البناء عليها في مثل المقام مما يحتمل وجوبه عقلا لاحتمال دخله في الغرض و علم بعدم وجوبه شرعا لامتناع دخله في موضوع الأمر. و فيه: أن المحقق في محله الرجوع الى البراءة في مثل ذلك أيضاً.

و بأن المعلوم من النص و الفتوى و ارتكاز المتشرعة أن للصلاة هيئة اتصالية ينافيها قصد الخروج عن الصلاة. و فيه: منع المنافاة، لعدم الدليل عليها، و لا يساعدها ارتكاز المتشرعة كما لعله ظاهر.

و بأنه إذا رجع الى النية الأولى و أتم الصلاة كان من توزيع النية. و فيه:

أن التوزيع الممنوع عنه هو نية كل جزء على وجه الاستقلال لأعلى وجه الانضمام كما تقدم، و ليس منه ما نحن فيه. فاذاً القول بعدم البطلان بمجرد نية الخروج في محله.

و مثله: ما لو نوى قطعها بعد ذلك كأن نوى و هو في الركعة الأولى قطعها عند ما يكون في الثانية، بل الصحة هنا أولى، و لذا اختار في القواعد الصحة هنا لو رجع الى النية قبل البلوغ إلى الثانية مع بنائه على البطلان فيما سبق، و أولى منهما بالصحة ما لو تردد في القطع فعلا أو بعد ذلك و عدمه، فإن أكثر الوجوه المتقدمة للبطلان و إن كان موضوعها زوال النية الأولى الحاصل بمجرد التردد، و لكن بعضها يختص بنية الخروج و لا يشمل صورة التردد.

و مثله: ما لو نوى فعل القاطع أو المنافي فعلا أو بعد ذلك، لإمكان أن يكون ذلك غفلة عن مانعيته أو قاطعيته، فلا يستلزم نية الخروج بوجه، فلا موجب للبطلان. نعم، مع الالتفات الى مانعيته أو قاطعيته تكون نيته ملازمة لنية عدم الصلاة، لأن تنافي الشيئين مع الالتفات الى تنافيهما يوجب تنافي إرادتهما معاً عرضاً، لأن العلم بعدم القدرة مانع عن الإرادة، و من‌

38
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 لو نوى في أثناء الصلاة قطعها ج‌6 ص 36

القاطع و المنافي فعلا أو بعد ذلك فإن أتم مع ذلك بطل (1).

و كذا لو أتى ببعض الأجزاء بعنوان الجزئية ثمَّ عاد إلى النية الأولى (2). و أما لو عاد إلى النية الأولى هنا قال في محكي كشف اللثام: «إذا قصد فعل المنافي للصلاة، فإن كان متذكراً للمنافاة لم ينفك عن قصد الخروج، و إن لم يكن متذكراً لها لم تبطل إلا معه على الأقوى». و عليه، فاللازم البناء على البطلان، بناء على كون قدح نية الخروج في الصحة من جهة زوال النية كما يقتضيه أكثر الوجوه المتقدمة، فإطلاق الصحة- كما عن الأكثر- غير ظاهر بناء على قدح نية الخروج، كما أن إطلاق البطلان- كما عن الفخر و الشهيدين و العليين و ابن فهد و غيرهم- غير ظاهر مع عدم الالتفات إلى المانعية، و إن بني على البطلان بنية الخروج لما عرفت من عدم الملازمة.

ظاهر عبارة المتن و لا سيما بقرينة ما يأتي أن المراد الإتمام بعنوان الصلاة، و لأجل ما عرفت من تنافي نية الصلاة و نية الخروج يتعين أن يكون الوجه في إتمام الصلاة الذهول عن نية الخروج، و عن المبادي المقتضية لها، فيكون الإتمام بالنية الأولى، فيتحد الفرض مع الفرض الآتي و هو عود النية الأولى قبل أن يفعل شيئاً الذي أفتى فيه بالصحة و عدم البطلان. و لو كان المراد الإتمام لا بعنوان الصلاة بل بعنوان آخر اتجه بطلان الصلاة من جهة فعل السلام فإنه من المبطلات كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى. و لو أراد الإتمام لا بعنوان الصلاة و لا بعنوان آخر بل ذهولا و غفلة فالبطلان حينئذ غير ظاهر لعدم مبطلية السلام حينئذ. اللهم إلا أن يكون الإتمام فعلا كثيراً ماحياً لصورة الصلاة، لكن عرفت أن الظاهر إرادة الأول الذي قد عرفت الإشكال في فرضه.

و قد عرفت إشكال الفرض. نعم لا مانع منه فيما لو نوى القطع‌

 

39
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 لو نوى في أثناء الصلاة قطعها ج‌6 ص 36

قبل أن يأتي بشي‌ء لم يبطل (1) و إن كان الأحوط الإتمام و الإعادة و لو نوى القطع أو القاطع و أتى ببعض الأجزاء لا بعنوان الجزئية ثمَّ عاد إلى النية الأولى فالبطلان موقوف على كونه فعلا كثيراً، فان كان قليلا لم يبطل (2) خصوصاً إذا كان ذكراً أو قرآناً (3). و إن كان الأحوط الإتمام و الإعادة أيضاً.

أو القاطع بعد ذلك كما لو كان في الركعة الأولى فنوى القطع أو القاطع آخر الركعة الثانية فإن ذلك لا ينفك عن قصد فعل أجزاء الركعة الثانية بعنوان الجزئية، و المصحح للجمع بين القصدين المذكورين، أما الغفلة عن كون ركعات الصلاة ارتباطية فيقصد فعل ركعتين لا أكثر منها أو يعتقد ذلك تشريعاً منه، و في هذا الفرض لا مانع من صحة الصلاة إذا عدل عن نية القطع أو القاطع، إذ لا موجب للبطلان من زيادة، أو فعل كثير، أو غير ذلك. نعم لو كان فعل الركعة الثانية عن أمر تشريعي غير أمر الصلاة الارتباطي الضمني، بأن شرع في الأمر لا في نفي الارتباط- كما ذكرنا أولا- كان البناء على البطلان في محله للزيادة العمدية، و من ذلك تعرف أن إطلاق البطلان في الفرض الظاهر رجوعه الى جميع صور المسألة غير ظاهر.

كما عرفت في أول المسألة.

ربما يقال بالبطلان من جهة صدق الزيادة، كما يشهد به ما ورد في النهي عن قراءة سور العزائم في الفريضة «1»، معللا بأن السجود زيادة في المكتوبة. لكن التحقيق عدم صدق الزيادة إلا بالقصد إلى الجزئية، و الرواية الشريفة محمولة على التجوز في التطبيق، كما سيأتي إن شاء اللّه التعرض لذلك في أوائل الفصل الآتي.

لما دل على جواز إيقاعهما عمداً في الصلاة، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.
 

 (1) الوسائل باب: 40 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

40
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 17 لو قام لصلاة و نواها في قلبه فسبق لسانه ج‌6 ص 41

[ (مسألة 17): لو قام لصلاة و نواها في قلبه فسبق لسانه]

(مسألة 17): لو قام لصلاة و نواها في قلبه فسبق لسانه (1) أو خياله خطوراً إلى غيرها صحت على ما قام إليها و لا يضر سبق اللسان و لا الخطور الخيالي.

[ (مسألة 18): لو دخل في فريضة فأتمها بزعم أنها نافلة غفلة أو بالعكس صحت على ما افتتحت عليه]

(مسألة 18): لو دخل في فريضة فأتمها بزعم أنها نافلة غفلة أو بالعكس صحت على ما افتتحت عليه (2).

قد عرفت أن التلفظ لا دخل له في النية بوجه، فسبقه غير قادح إلا بلحاظ حكايته عن الخطور، و لأجل ما عرفت من أن النية التي بها قوام العمل هي الإرادة النفسية الارتكازية، فالمدار يكون عليها، و لا أثر للخطورات الزائدة التي لا أثر لها في الفعل.

لأن الإتمام كان ببعث النية الأولى لا غير، فغاية الأمر أنه أخطأ في تعيين المنوي، و ذلك مما لا دخل له في الإتمام، و ليس وجوده مستنداً اليه، و يشهد بذلك‌

مصحح عبد اللّه بن المغيرة: قال: في كتاب «حريز» أنه قال: «اني نسيت أني في صلاة فريضة حتى ركعت و أنا أنويها تطوعا قال: فقال (ع): هي التي قمت فيها إذا كنت قمت و أنت تنوي فريضة ثمَّ دخلك الشك فأنت في الفريضة، و ان كنت دخلت في نافلة فنويتها فريضة فأنت في النافلة، و ان كنت دخلت في فريضة ثمَّ ذكرت نافلة كانت عليك مضيت في الفريضة «1».

و‌

خبر معاوية: قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل قام في الصلاة المكتوبة فسها فظن أنها نافلة، أو قام في النافلة فظن أنها مكتوبة، قال (ع): هي على ما افتتح الصلاة عليه» «2».

و‌

خبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه (ع): «عن رجل قام في صلاة فريضة فصلى ركعة و هو ينوي أنها نافلة، قال عليه السلام: هي التي قمت فيها‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب النية حديث: 1‌

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب النية حديث: 2.

 

41
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 19 لو شك فيما في يده أنه عينها ظهرا أو عصرا ج‌6 ص 42

[ (مسألة 19): لو شك فيما في يده أنه عينها ظهراً أو عصراً]

(مسألة 19): لو شك فيما في يده أنه عينها ظهراً أو عصراً مثلا، قيل: بنى على التي قام إليها (1)، و هو مشكل (2)

و لها، و قال: إذا قمت و أنت تنوي الفريضة فدخلك الشك فأنت في الفريضة على الذي قمت له، و ان كنت دخلت فيها و أنت تنوي نافلة ثمَّ إنك تنويها بعد فريضة فأنت في النافلة، و إنما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أول صلاته» «1».

و استظهر في الجواهر شمول الأول و الآخر لصورة العمد، فيما لو نوى ببعض الأجزاء غير ما نوى عليه الجملة من الوجه أو الأداء أو القضاء تخيلا منه صحة ذلك، أو عبثاً، أو جهلا منه بوجوب ذلك الجزء أو ندبه. لكنه غير ظاهر، فان ذكر النسيان في الأول و دخول الشك في الجواب فيهما مانع من الشمول للعمد.

حكي ذلك عن البيان، و المسالك، و جامع المقاصد، و ظاهر كشف اللثام، و المدارك و غيرها. و استدل له بأنه مقتضى الظاهر، و بأصالة عدم العدول، و لخبر ابن أبي يعفور المتقدم «2».

إذ لا دليل على حجية الظاهر المذكور، و أصالة عدم العدول من الأصل المثبت، فان العدول ليس موضوعاً لحكم شرعي، و خبر ابن أبي يعفور ظاهر في المسألة السابقة، فإن القيام في الفريضة ظاهر في الشروع فيها بعنوان الفريضة لا القيام إليها، و يشهد له أيضاً‌

قوله (ع) بعد ذلك: «و إن كنت دخلت فيها و أنت تنوي ..».

و قوله (ع) في آخره:

«و إنما يحسب للعبد ..»‌

، و لأجل ذلك جزم في الشرائع في مبحث الخلل بالاستئناف، و حكي ذلك عن المبسوط. نعم استوضح في الجواهر في أول كلامه بطلان إطلاق وجوب الاستئناف في الفرض مع الوقوع في الوقت‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب النية حديث: 3.

(2) تقدم ذكره في التعليقة السابقة.

 

42
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 19 لو شك فيما في يده أنه عينها ظهرا أو عصرا ج‌6 ص 42

فالأحوط الإتمام و الإعادة. نعم لو رأى نفسه في صلاة معينة و شك في أنه من الأول نواها أو نوى غيرها بنى على أنه نواها و إن لم يكن مما قام إليه لأنه يرجع إلى الشك بعد تجاوز المحل (1).

المشترك، إذ له العدول من العصر إلى الظهر ثمَّ قال: «و دعوى اختصاص ذلك في المعلوم أنه العصر لا المشكوك فيه يدفعها وضوح أولوية المقام منه».

و مثله كلام غير واحد، و عليه بنى المصنف (رحمه اللّه) في أول مسائل ختام الخلل. و بالجملة: ينبغي أن يقال: «إذا علم أنه صلى الظهر قبل أن يشتغل بهذه الصلاة فعليه الإعادة لا غير، و إذا لم يعلم ذلك أو علم بعدم الإتيان بالظهر فعليه العدول إليها و الإتمام ثمَّ إعادة العصر».

كما ذكر في الجواهر في ذيل تنبيهات قاعدة الشك بعد التجاوز.

و يشكل: بأن صدق عنوان الشك بعد التجاوز يتوقف على أن يكون للمشكوك فيه محل موظف له، بحيث يكون تركه فيه تركا لما ينبغي أن يفعل، و ذلك غير حاصل مع الشك في النية. فإن من شرع في عمل صلاتي بقصد تعليم الغير أو عبثاً أو غفلة، لا يكون تركه لنية الصلاة مقارنة لأول العمل تركا لما ينبغي أن يفعل في ذلك المحل، و كذا من نوى صلاة الظهر لا يكون تركه لنية نافلتها تركا لما ينبغي أن يفعل. فإذا رأى نفسه في أثناء عمل بانياً على أنه صلاة، و شك في أنه كان بانياً على ذلك أول العمل أو بانياً على الإتيان به للتعليم لا يكون الشك شكاً في وجود شي‌ء ينبغي أن يوجد، و كذا إذا رأى نفسه في أثناء نافلة الظهر و شك في أنه نواها من الأول نافلة أو نواها ظهراً، لا يكون عدم نية النافلة تركا لما ينبغي أن يفعل، و السر في ذلك أن كون الشي‌ء مما ينبغي أن يفعل أولا كذلك تابع لعنوان العمل الذي قد فرض فيه المحل و التجاوز عنه، و تحقق العنوان تابع للنية، فالنية تكون من مقدمات جريان القاعدة، فلا تصلح القاعدة لإثباتها،

 

43
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 20 لا يجوز العدول من صلاة إلى أخرى إلا في موارد خاصة ج‌6 ص 44

[ (مسألة 20): لا يجوز العدول من صلاة إلى أخرى إلا في موارد خاصة]

(مسألة 20): لا يجوز العدول من صلاة إلى أخرى (1) إلا في موارد خاصة:

[أحدها: في الصلاتين المرتبتين]

أحدها: في الصلاتين المرتبتين كالظهرين و العشاءين إذا دخل في الثانية قبل الأولى عدل إليها بعد التذكر في الأثناء إذا لم يتجاوز محل العدول (2)، و أما إذا تجاوز كما إذا دخل في ركوع الرابعة من العشاء فتذكر ترك المغرب فإنه لا يجوز العدول لعدم بقاء محله، فيتمها عشاء ثمَّ يصلي المغرب و يعيد و كذلك الحال في قاعدة الفراغ. و يأتي في نية صلاة الجماعة ما هو نظير المقام.

لما عرفت من أن قوام العبادية المعتبرة في العبادات كون الإتيان بالفعل بداعي أمره، فإذا فرض أن الصلاة المعدول عنها غير الصلاة المعدول إليها فالأمر المتعلق بإحداهما غير الأمر المتعلق بالأخرى، فالإتيان بإحداهما بقصد امتثال أمرها لا يكون امتثالا لأمر الأخرى و لا تعبداً به، كما أن الإتيان ببعض إحداهما امتثالا للأمر الضمني القائم به لا يكون امتثالا للأمر الضمني القائم بالبعض المماثل له من الأخرى، و مجرد بناء المكلف على ذلك غير كاف في تحققه. نعم ثبت ذلك في بعض الموارد بدليل خاص، فيستكشف منه حصول الغرض من المعدول اليه بمجرد بناء المكلف عليه، فيسقط لذلك أمره و لا يجوز التعدي إلى غيره من الموارد.

و توهم أنه يمكن أن يستكشف من الدليل كفاية مثل ذلك في حصول التعبد، و حينئذ يتعدى الى غير مورده. مندفع بأن ذلك خلاف الإجماع على اعتبار النية مقارنة لأول الفعل العبادي. و الخلاف هنا لا يقدح في الإجماع المذكور، لكونه عن شبهة.

قد تقدم تفصيل الكلام في ذلك في المسألة الثالثة من فصل‌

 

44
مستمسک العروة الوثقى6

أحدها في الصلاتين المرتبتين ج‌6 ص 44

العشاء أيضاً احتياطاً، و أما إذا دخل في قيام الرابعة و لم يركع بعد فالظاهر بقاء محل العدول، فيهدم القيام و يتمها بنية المغرب.

[الثاني: إذا كان عليه صلاتان أو أزيد قضاء]

الثاني: إذا كان عليه صلاتان أو أزيد قضاء فشرع في اللاحقة قبل السابقة يعدل إليها مع عدم تجاوز محل العدول (1) كما إذا دخل في الظهر أو العصر فتذكر ترك الصبح القضائي السابق على الظهر و العصر، و أما إذا تجاوز أتم ما بيده على الأحوط و يأتي بالسابقة و يعيد اللاحقة كما مر في الأدائيتين.

و كذا لو دخل في العصر فذكر ترك الظهر السابقة فإنه يعدل.

[الثالث: إذا دخل في الحاضرة فذكر أن عليه قضاء]

الثالث: إذا دخل في الحاضرة فذكر أن عليه قضاء.

فإنه يجوز له أن يعدل إلى القضاء إذا لم يتجاوز محل العدول (2).

و العدول في هذه الصورة على وجه الجواز، بل الاستحباب (3) أوقات اليومية و نوافلها. فراجع.

تقدم الكلام فيه في المسألة العاشرة من فصل أحكام الأوقات.

بلا إشكال و لا خلاف،

لصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) في حديث: «.. و ان كنت قد صليت من المغرب ركعتين، ثمَّ ذكرت العصر فانوها العصر، ثمَّ قم فأتمها ركعتين، ثمَّ تسلم. ثمَّ تصلي المغرب‌

.. الى أن قال (ع):

فان كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت الفجر فصل العشاء الآخرة، و إن كنت ذكرتها و أنت في الركعة الأولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثمَّ قم فصل الغداة» «1».

هذا بناء على مختاره من المواسعة و عدم الترتيب بين الفائتة و الحاضرة و إلا فلو بني على أحدهما كان العدول واجباً، كما أن الاستحباب مبني على‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 63 من أبواب المواقيت حديث: 1.

 

45
مستمسک العروة الوثقى6

الثالث إذا دخل في الحاضرة فذكر أن عليه قضاء ج‌6 ص 45

بخلاف الصورتين الأولتين فإنه على وجه الوجوب (1).

[الرابع: العدول من الفريضة إلى النافلة يوم الجمعة لمن نسي قراءة الجمعة]

الرابع: العدول من الفريضة إلى النافلة يوم الجمعة لمن نسي قراءة الجمعة (2)، و قرأ سورة أخرى- من التوحيد أو غيرها- و بلغ النصف أو تجاوز، و أما إذا لم يبلغ النصف فله أن يعدل عن تلك السورة و لو كانت هي التوحيد إلى سورة الجمعة فيقطعها و يستأنف سورة الجمعة.

[الخامس: العدول من الفريضة إلى النافلة لإدراك الجماعة]

الخامس: العدول من الفريضة إلى النافلة لإدراك الجماعة (3)، إذا دخل فيها و أقيمت الجماعة و خاف السبق، بشرط عدم تجاوز محل العدول بأن دخل في ركوع الركعة الثالثة.

استحباب تقديم الفائتة، و لو بني على استحباب تقديم الحاضرة كان المستحب ترك العدول و إتمام الحاضرة. و تمام الكلام في المسألة في مبحث القضاء إن شاء اللّه تعالى.

لتحصيل الترتيب الواجب.

لخبر صباح بن صبيح: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): رجل أراد أن يصلي الجمعة فقرأ ب‍ (قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ) قال (ع): يتمها ركعتين ثمَّ يستأنف» «1».

و تمام الكلام في المسألة يأتي في مبحث القراءة.

ففي صحيح سليمان بن خالد: «عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلي إذا أذن المؤذن و أقام الصلاة، قال (ع): فليصل ركعتين، ثمَّ ليستأنف مع الامام و لتكن الركعتان تطوعاً» «2».

و نحوه موثق سماعة «3».

______________________________
(1) الوسائل باب: 72 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 56 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 56 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.

 

46
مستمسک العروة الوثقى6

السادس العدول من الجماعة إلى الانفراد لعذر أو مطلقا ج‌6 ص 47

[السادس: العدول من الجماعة إلى الانفراد لعذر أو مطلقاً]

السادس: العدول من الجماعة إلى الانفراد (1) لعذر أو مطلقاً كما هو الأقوى.

[السابع: العدول من إمام إلى إمام إذا عرض للأول عارض]

السابع: العدول من إمام إلى إمام إذا عرض للأول عارض.

[الثامن: العدول من القصر إلى التمام إذا قصد في الأثناء إقامة عشرة أيام]

الثامن: العدول من القصر إلى التمام إذا قصد في الأثناء إقامة عشرة أيام.

[التاسع: العدول من التمام إلى القصر إذا بدا له في الإقامة بعد ما قصدها]

التاسع: العدول من التمام إلى القصر إذا بدا له في الإقامة بعد ما قصدها.

[العاشر: العدول من القصر إلى التمام أو بالعكس في مواطن التخيير]

العاشر: العدول من القصر إلى التمام أو بالعكس في مواطن التخيير.

[ (مسألة 21): لا يجوز العدول من الفائتة إلى الحاضرة]

(مسألة 21): لا يجوز العدول من الفائتة إلى الحاضرة فلو دخل في فائتة ثمَّ ذكر في أثنائها حاضرة ضاق وقتها أبطلها و استأنف، و لا يجوز العدول على الأقوى.

[ (مسألة 22): لا يجوز العدول من النفل إلى الفرض]

(مسألة 22): لا يجوز العدول من النفل إلى الفرض، و لا من النفل إلى النفل حتى فيما كان منه كالفرائض في التوقيت و السبق و اللحوق.

[ (مسألة 23): إذا عدل في موضع لا يجوز العدول بطلتا]

(مسألة 23): إذا عدل في موضع لا يجوز العدول بطلتا (2)، هذا ليس من موارد العدول من صلاة إلى أخرى كما هو موضوع الكلام في هذه المسألة، و يأتي الكلام فيه في الجماعة إن شاء اللّه تعالى. و كذا الكلام في السابع، و أما بقية الموارد فيأتي الكلام فيها في صلاة المسافر، كما أن الوجه في المسألتين الآتيتين أصالة عدم جواز العدول لعدم الدليل عليه بالخصوص.

أما بطلان المعدول عنها فللعدول عنها الموجب لفوات نيتها،

 

47
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 23 إذا عدل في موضع لا يجوز العدول بطلتا ج‌6 ص 47

كما لو نوى بالظهر العصر و أتمها على نية العصر.

[ (مسألة 24): لو دخل في الظهر بتخيل عدم إتيانها فبان في الأثناء أنه قد فعلها لم يصح له العدول الى العصر]

(مسألة 24): لو دخل في الظهر بتخيل عدم إتيانها فبان في الأثناء أنه قد فعلها لم يصح له العدول الى العصر (1).

[ (مسألة 25): لو عدل بزعم تحقق موضع العدول]

(مسألة 25): لو عدل بزعم تحقق موضع العدول فبان الخلاف بعد الفراغ أو في الأثناء لا يبعد صحتها على النية الأولى، كما إذا عدل بالعصر إلى الظهر ثمَّ بان أنه صلاها فإنها تصح عصراً (2)، لكن الأحوط الإعادة.

[ (مسألة 26): لا بأس بترامي العدول]

(مسألة 26): لا بأس بترامي العدول (3) كما لو عدل في الفوائت الى سابقة فذكر سابقة عليها فإنه يعدل منها إليها و هكذا.

و أما بطلان المعدول إليها فلأن المفروض عدم جواز العدول. لكن يمكن أن يقال بالصحة مع رجوعه إلى نية المعدول عنها، إذ ليس فيه إلا فعل بعض أجزاء المعدول إليها في الأثناء، و هو غير قادح إذا كان سهواً.

لما عرفت من عدم الدليل على جواز العدول من السابقة إلى اللاحقة، و الأصل عدمه.

هذا غير ظاهر، لما عرفت من أن العدول عن العصر مفوت لنيتها فكيف تصح بلا نية.

كما عن الشهيدين في البيان و الروضة. لكن عرفت في مباحث الأوقات أن النصوص غير متعرضة للعدول في الفوائت من لاحقة الى سابقة فضلا عن ترامي العدول فيها، و إنما تعرضت النصوص للعدول من الحاضرة إلى الحاضرة أو الى الفائتة لا غير، فإذا بني على التعدي من ذلك الى العدول عن الفائتة إلى فائتة سابقة عليها أمكن البناء على الترامي المذكور‌

 

48
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 27 لا يجوز العدول بعد الفراغ إلا في الظهرين ج‌6 ص 49

[ (مسألة 27): لا يجوز العدول بعد الفراغ إلا في الظهرين]

(مسألة 27): لا يجوز العدول بعد الفراغ (1) إلا في الظهرين إذا أتى بنية العصر بتخيل أنه صلى الظهر فبان أنه لم يصلها، حيث أن مقتضى رواية صحيحة أنه يجعلها ظهراً، و قد مر سابقاً (2).

[ (مسألة 28): يكفي في العدول مجرد النية]

(مسألة 28): يكفي في العدول مجرد النية (3) من غير حاجة الى ما ذكر في ابتداء النية.

[ (مسألة 29): إذا شرع في السفر و كان في السفينة أو العربة مثلا فشرع في الصلاة بنية التمام]

(مسألة 29): إذا شرع في السفر و كان في السفينة أو العربة مثلا فشرع في الصلاة بنية التمام قبل الوصول الى حد الترخص فوصل في الأثناء إلى حد الترخص (4)، فان لم يدخل أيضاً، لكن المبنى لا يخلو من تأمل. اللهم إلا أن يستفاد مما دل على تبعية القضاء للأداء في الاحكام.

لأنه خارج عن مورد النصوص، و قد عرفت أن العدول خلاف الأصل في العبادات.

مر الكلام فيه أيضاً في مبحث المواقيت.

كما صرح به في الجواهر، و وجهه- بناء على ما سبق من كفاية الوجود الارتكازي في القربة و الإخلاص و غيرهما مما يعتبر في النية- ظاهر، لحصول جميع ذلك حين العدول، أما بناء على اعتبار الاخطار فينحصر وجهه بإطلاق دليل العدول.

لا إشكال في أن التمام حكم الحاضر و القصر حكم المسافر، و إنما الإشكال في أن من كان حاضراً و شرع في الصلاة ثمَّ صار مسافراً قبل أن يتم صلاته هل يكون مكلفاً بإكمال صلاته قصراً أم لا؟ و وجه الاشكال:

أن الحضور المأخوذ شرطاً في وجوب التمام إن كان المراد منه صرف الوجود‌

49
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 29 إذا شرع في السفر و كان في السفينة أو العربة مثلا فشرع في الصلاة بنية التمام ج‌6 ص 49

في ركوع الثالثة فالظاهر أنه يعدل الى القصر، و إن دخل في ركوع الثالثة فالأحوط الإتمام و الإعادة قصراً (1). و إن كان في السفر و دخل في الصلاة بنية القصر فوصل الى حد الترخص يعدل الى التمام.

و لو آناً كان اللازم البناء على أنه مكلف بالتمام و لو بعد الخروج عن حد الترخص لتحقق الحضور كذلك. و إن كان المراد الوجود المستمر الى أن يتم الامتثال امتنع أن يكون مكلفاً بالتمام من حين الشروع، لكون المفروض عدم استمرار الحضور كذلك، فلا بد أن يكون مكلفاً بالقصر من حين الشروع بالصلاة، مع أنه حينئذ حاضر و من الضروري أن الحاضر تكليفه التمام لا القصر.

أقول: إذا كان الحضور الى زمان حصول الامتثال هو الذي يكون شرطا في وجوب التمام، فاذا فرض انتفاؤه في المقام لخروجه عن حد الترخص في أثناء الصلاة فلا بد أن يكون تكليفه القصر، و لا ينافيه أن الحاضر حكمه التمام بالضرورة، إذ المراد من الحاضر فيه الحاضر الى تمام الامتثال، و هو غير حاصل في الفرض. و على هذا فلا مانع من قصد القصر في الفرض من حين الشروع، لعلمه بأنه يخرج عن حد الترخص في أثناء الصلاة، فلو جهل فاعتقد أنه يتم صلاته قبل الوصول الى حد الترخص فنوى التمام ثمَّ تبين له الخطأ فخرج عن حد الترخص قبل إكمال صلاته، فان كان القصر و التمام حقيقتين مختلفتين بطلت صلاته، و لا يمكن العدول الى القصر لأنه خلاف الأصل كما عرفت، و إن كانا حقيقة واحدة أمكن العدول، إذ لا خلل في امتثال الأمر بوجه لأن المقدار المأتي به من الصلاة وقع بقصد أمره الضمني فله إكمال صلاته قصراً من دون مانع.

بل الأقوى البطلان و الاستئناف قصراً، لإطلاق ما دل على وجوب‌

50
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 30 إذا دخل في الصلاة بقصد ما في الذمة فعلا و تخيل أنها الظهر مثلا ج‌6 ص 51

[ (مسألة 30): إذا دخل في الصلاة بقصد ما في الذمة فعلا و تخيل أنها الظهر مثلا]

(مسألة 30): إذا دخل في الصلاة بقصد ما في الذمة فعلا و تخيل أنها الظهر مثلا ثمَّ تبين أن ما في ذمته هي العصر أو بالعكس فالظاهر الصحة، لأن الاشتباه إنما هو في التطبيق.

[ (مسألة 31): إذا تخيل أنه أتى بركعتين من نافلة الليل مثلا فقصد الركعتين الثانيتين أو نحو ذلك فبان أنه لم يصل الأولتين صحت]

(مسألة 31): إذا تخيل أنه أتى بركعتين من نافلة الليل مثلا فقصد الركعتين الثانيتين أو نحو ذلك فبان أنه لم يصل الأولتين صحت و حسبت له الأولتان، و كذا في نوافل الظهرين و كذا إذا تبين بطلان الأولتين، و ليس هذا من باب العدول بل من جهة أنه لا يعتبر قصد كونهما أولتين أو ثانيتين (1)، فتحسب على ما هو الواقع نظير ركعات الصلاة، حيث أنه لو تخيل أن ما بيده من الركعة ثانية مثلا فبان أنها الاولى، أو العكس، أو نحو ذلك لا يضر و يحسب على ما هو الواقع.

[فصل في تكبيرة الإحرام]

فصل في تكبيرة الإحرام و تسمى تكبيرة الافتتاح (2) القصر على المسافر، فاذا وجب عليه القصر لم يصح ما فعله، لعدم إمكان العدول به اليه من جهة الزيادة.

هذا لا يجدي في الصحة إذا قصد على نحو التقييد، فإنه مدار البطلان في جميع موارد الخطأ في القصد، و لعل المراد الإشارة إلى أنه لم يقصد على نحو التقييد، بل من باب الخطأ في التطبيق، و قد تقدم في مباحث نية الوضوء ما له نفع في المقام فراجع، و اللّه سبحانه أعلم.

فصل في تكبيرة الإحرام كما في غير واحد من النصوص، كما سيأتي.

51
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 51

و هي أول الأجزاء الواجبة للصلاة (1) بناء على كون النية شرطا، و بها يحرم على المصلي المنافيات (2)، و ما لم يتمها يجوز له قطعها. و تركها عمداً و سهواً مبطل (3)، كما تقتضيه النصوص المتضمنة أن افتتاحها التكبير «1». لكن قد يشكل ذلك بالنسبة إلى القيام- بناء على أنه جزء لا شرط- فإنه حينئذ يكون مقارناً للتكبيرة كالنية، بناء على أنها جزء للصلاة لا شرط. إلا أن يقال: بناء على أن القيام جزء للصلاة إنما يجب في حال التكبير، فيكون التكبير مقدما رتبة عليه، و بهذه العناية صار أول الأجزاء. و في القواعد و الإرشاد: جعل أول أفعال الصلاة القيام، و كأنه لوجوب القيام آناً ما قبل الشروع في التكبير من باب المقدمة. فتأمل.

كما يقتضيه ما تضمن أن تحريمها التكبير، و ما تضمن أنها مفتاح الصلاة، و أن بها افتتاحها «2».

إجماعا، كما في الذكرى و عن غيرها. و في الجواهر: «إجماعا محصلا و منقولا مستفيضاً». نعم في مجمع البرهان بعد ما حكى عن المنتهى نسبته الى العلماء إلا نادراً من العامة- قال: «فكأنه إجماعي عندنا». و قد يشعر أنه محل توقف عنده، و هو غير ظاهر. و يشهد له جملة من النصوص‌

كصحيح زرارة: «سألت أبا جعفر (ع) عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح، قال (ع): يعيد الصلاة» «3»‌

، و‌

موثق عمار: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل سها خلف الامام فلم يفتتح الصلاة، قال (ع): يعيد، و لا صلاة بغير افتتاح» «4»‌

و نحوهما غيرهما.

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام. و باب: 1 من أبواب التسليم.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام. و باب: 1 من أبواب التسليم.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 7.

 

52
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 51

.....

نعم يعارضها‌

صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «سألته عن رجل نسي أن يكبر حتى دخل في الصلاة، فقال (ع): أ ليس كان من نيته أن يكبر؟ قلت: نعم. قال (ع): فليمض في صلاته» «1»‌

، و‌

موثق أبي بصير: «سألت أبا عبد اللّه (ع): عن رجل قام في الصلاة فنسي أن يكبر، فبدأ بالقراءة، فقال (ع): إن ذكرها و هو قائم قبل أن يركع فليكبر، و إن ركع فليمض في صلاته» «2»‌

، و‌

صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): «قلت له: الرجل ينسى أول تكبيرة من الافتتاح، فقال (ع): إن ذكرها قبل الركوع كبر ثمَّ قرأ ثمَّ ركع، و إن ذكرها في الصلاة كبرها في قيامه في موضع التكبير قبل القراءة و بعد القراءة. قلت:

فان ذكرها بعد الصلاة. قال (ع): فليقضها و لا شي‌ء عليه» «3».

هذا و لا يخفى أنه لا مجال للاعتماد على هذه النصوص في صرف النصوص السابقة إلى الاستحباب، و إن كان هو مقتضى الجمع العرفي لمخالفتها للإجماع المحقق المسقط لها عن الحجية. مضافا الى إمكان المناقشة في دلالة بعضها، كالصحيح الأول: لاحتمال أن يراد من التكبير فيه التكبير في آخر الإقامة.

كموثق عبيد: «عن رجل أقام الصلاة فنسي أن يكبر حتى افتتح الصلاة قال (ع): يعيد» «4»‌

، و كالصحيح الأخير لاحتمال أن يراد منه أول تكبيرة من تكبيرات الافتتاح السبع كما في الوسائل «5»، فتأمل.

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 9.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 10.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 8.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 3.

(5) يذكر ذلك تعليقا على صحيحة زرارة عن ابي جعفر. بعد ما ينقل عن الشيخ كلاماً و حمله على قضاء الصلاة فراجع‌

 

53
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 51

كما أن زيادتها أيضاً كذلك (1)، فلو كبر بقصد الافتتاح، و أتى بها على الوجه كما هو المشهور. بل في الحدائق نفي الخلاف فيه، لكن دليله غير ظاهر. و في مجمع البرهان: «ما رأيت ما يدل عليه». و الإجماع على كونها ركناً لا يستلزمه، إلا إذا فسر الركن بما تقدح زيادته عمداً و سهواً كنقيصته، لكنه غير ثابت و ان نسب الى المشهور، كيف؟! و ظاهر ما في الشرائع و القواعد و غيرهما في مبحث القيام و النية و التكبيرة و غيرها من قولهم:

«ركن تبطل بالإخلال به عمداً و سهواً» مقتصرين عليه: أن ليس معنى الركن الا ما تبطل الصلاة بتركه عمداً و سهواً لا غير كما هو معناه لغة و عرفا.

بل قد لا تتصور الزيادة عمداً فيها- بناء على المشهور من بطلان الصلاة بنية الخروج- فان قصد الافتتاح بها مستلزم لنية الخروج عما مضى من الصلاة، فتبطل الصلاة في رتبة سابقة على فعلها. اللهم الا أن يبنى على عدم الاستلزام المذكور، أو على أن المبطل نية الخروج بالمرة لا في مثل ما نحن فيه. فتأمل.

و مثله في الاشكال الاستدلال له بعموم ما دل على قدح الزيادة في الصلاة «1»، و لعله اليه يرجع ما عن المبسوط من تعليل قدح الثانية بأنها غير مطابقة للصلاة، إذ فيه- مع أنه لا يختص ذلك بتكبيرة الافتتاح بل يجري في عامة الأقوال و الأفعال المزيدة-: أن العموم المذكور محكوم‌

بحديث: «لا تعاد الصلاة الا من خمسة» «2»‌

فان الظاهر عمومه للزيادة، فيختص العموم الأول بالزيادة العمدية لا غير.

و أشكل من ذلك ما في التذكرة و نهاية الأحكام من تعليل قدح الثانية‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 19 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

 

54
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 51

بأنها فعل منهي عنه فيكون باطلا و مبطلا للصلاة، فإنه ممنوع صغرى و كبرى و لعله راجع إلى ما قبله- كما احتمله في كشف اللثام- فيتوجه عليه حينئذ ما سبق. و أغرب من ذلك ما ذكره بعض مشايخنا (ره): من أن فعل التكبيرة الثانية بقصد الافتتاح و رفع اليد عن الأولى مانع من بقاء الهيئة الاتصالية المعتبرة في الصلاة بين التكبيرة الأولى و ما بعدها بنظر العرف- إذ فيه- مع وضوح منعه-: أنه لا يظن الالتزام به في سائر موارد تكرار الأجزاء الصلاتية من الأقوال و الأفعال، و لا سيما إذا صدر ذلك غفلة عن فعله أولا.

و كذا ما في الجواهر: من ابتناء ذلك على القول بإجمال العبادة، و أنها اسم للصحيح. إذ فيه: أنه يتم لو أريد الرجوع في الصحة إلى إطلاق الأمر بالصلاة لكن يكفي فيها أصل البراءة عن المانعية. مع أنه لو بني على قاعدة الاشتغال عند الشك في الشرطية و المانعية فلا مجال لذلك بعد ورود مثل‌حديث: «لا تعاد الصلاة»‌،

بناء على ما عرفت من عمومه للزيادة أيضاً.

و مثله أيضاً ما عن شيخنا الأعظم (ره) من تعليل القدح في العمد:

بأنها زيادة واقعة على جهة التشريع، فتبطل الصلاة بها مع العمد اتفاقا. إذ فيه: أن التشريع في نفسه غير قادح، و الاتفاق المدعى على قدحه مستنده عموم ما دل على قدح الزيادة في الصلاة، فيكون هو المعتمد لا غير. مع أن فعله بعنوان تبديل الامتثال- كما ورد في بعض الموارد- لا ينطبق عليه عنوان التشريع، الذي هو الفعل بقصد امتثال أمر تشريعي لا شرعي. فلم يبق دليل على الحكم المذكور على إطلاقه إلا دعوى ظهور الاتفاق عليه، الذي قد تأمل فيه غير واحد من محققي المتأخرين، و في الاعتماد عليه حينئذ إشكال. نعم لا مجال للتأمل فيه في العمد للزيادة المبطلة نصاً و فتوى.

55
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 51

الصحيح ثمَّ كبر بهذا القصد ثانياً (1) بطلت (2) و احتاج الى ثالثة، فإن أبطلها بزيادة رابعة احتاج الى خامسة. و هكذا تبطل بالشفع و تصح بالوتر. و لو كان في أثناء صلاة فنسي و كبر لصلاة أخرى، فالأحوط إتمام الأولى و إعادتها (3).

اعتبار نية الافتتاح بالثانية في حصول البطلان مبني على أن الوجه فيه زيادة الركن، لأن الركن من التكبير مختص بتكبير الافتتاح كما صرح بذلك في الجواهر. و لو كان الوجه في البطلان نفس الزيادة أو التشريع كفى في البطلان قصد الجزئية، أو حصول التشريع و ان لم يقصد به الافتتاح.لعدم مشروعيتها، بل مع العمد تكون منهياً عنها لحرمة الابطال.

نعم بناء على بطلان الصلاة بنية الخروج الملازمة لنية الافتتاح بالثانية تصح و يكتفى بها، كما أشار إلى ذلك في الجواهر.

وجه توقفه احتمال صدق الزيادة في المقام، فيدخل في معقد الإجماع على البطلان بزيادة الركن و لو سهواً. و قد يشير اليه ما في بعض النصوص النهاية عن قراءة العزيمة في الفريضة، معللا بأن السجود زيادة.

و فيه: أنه لا ينبغي التأمل في عدم صدق الزيادة مع عدم قصد الجزئية للصلاة التي هو فيها، فلا يدخل في معقد الإجماع السابق لو تمَّ وجوب العمل به، لا أقل من الشك في شموله لذلك، فيرجع فيه الى أصالة البراءة من المانعية و أما التعليل بأن السجود زيادة في المكتوبة، فبعد البناء على عدم صدق الزيادة حقيقة عليه، يدور الأمر بين حمل الزيادة في الكبرى المتصيدة منه على ما يشمل الزيادة الصورية فيكون التجوز في الكبرى، و بين التصرف في تطبيق الزيادة الحقيقية على الزيادة الصورية، فيكون التصرف في الصغرى، و إذ أن أصالة الحقيقة في التطبيق لا أصل لها للعلم بالمراد، فأصالة الحقيقة في الكبرى بلا معارض.

56
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 51

و صورتها: «اللّه أكبر» من غير تغيير و لا تبديل (1)، و نظير المقام أن يقال: احذر زيداً فإنه أسد، فإنه لا يصح أن يتصيد منه كبرى وجوب الحذر عن مطلق الشجاع و لو كان عمراً أو خالداً أو غيرهما من أفراد الشجاع، بل يحكم بأن الكبرى وجوب الحذر عن الحيوان المفترس، و يقتصر في التنزيل منزلته على زيد لا غيره. مع أنه لو بني على التصرف في الكبرى و استفادة قدح الزيادة الصورية فمقتضى‌

حديث: «لا تعاد الصلاة»‌

تخصيصه بالعمد- كما هو مورده- لأن سجود العزيمة عمدي، فلا يشمل السهو. و قد عرفت أن الإجماع على قدح زيادة التكبير و لو سهواً لو تمَّ لا يشمل الزيادة الصورية، فالبناء على صحة الصلاة في الفرض أقرب الى صناعة الاستدلال، فلاحظ.

هو قول علمائنا- كما في المعتبر- و عليه علماؤنا كما في المنتهى- لأنه المتعارف، و‌

لمرسل الفقيه: «كان رسول اللّه (ص) أتم الناس صلاة و أوجزهم، كان إذا دخل في صلاته قال: الله أكبر بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ» «1»‌

بضميمة‌

قوله (ص): «صلوا كما رأيتموني أصلي» «2»‌

، و ما‌

في خبر المجالس: «و أما قوله: و اللّه أكبر .. الى أن قال: لا تفتح الصلاة إلا بها» «3».

و الجميع كما ترى، إذ التعارف لا يصلح مقيداً للإطلاق لو كان، و لا دليلا على المنع من زيادة شي‌ء، مثل تعريف «أكبر»- كما عن الإسكافي- أو تقديمه على لفظ الجلالة- كما عن بعض الشافعية- أو الفصل بينهما بمثل «سبحانه» أو «عز و جل» أو نحو ذلك، أو تبديل إحدى الكلمتين أو كلتيهما‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 11.

(2) كنز العمال ج: 4 صفحة: 62 حديث: 1196.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 12.

 

57
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 51

و لا يجزئ مرادفها، و لا ترجمتها بالعجمية أو غيرها، و الأحوط عدم وصلها بما سبقها من الدعاء (1)، بمرادفهما من اللغة العربية. و كذلك الكلام في المرسل، بل لعله ظاهر في جواز ذلك، غاية الأمر أنه لا يكون من الموجز، و لأجل ذلك لا يصلح دليل التأسي للتقييد بالموجز لو صلح في نفسه للتقيد. مع أن الاشكال فيه مشهور ظاهر، لأن المشار إليه لا بد أن يكون فرداً خارجياً من الصلاة، و من المعلوم أن الخصوصيات المحددة له لا تكون كلها دخيلة في الصلاة، و إرادة بعض منها بعينه لا قرينة عليه من الكلام، فلا بد أن يكون مقروناً بما يدل على تعيين بعض تلك الحدود، و هو غير متحصل لدينا فيكون مجملا. و خبر المجالس قد اشتمل على ذكر حرف العطف، فهو على خلاف المدعى أدل.

فالعمدة حينئذ في ذلك الإجماع، الذي به يقيد الإطلاق لو كان، و يرفع اليد عن أصالة البراءة من الشرطية أو المانعية، و أصالة الاحتياط لو شك في جواز تبديل إحدى الكلمتين بمرادفها من اللغة العربية أو غيرها، بناء على المشهور من أن المرجع في الدوران بين التعيين و التخيير هو الاحتياط.

قال في الذكرى: «لو وصل همزة (اللّه) فالأقرب البطلان، لأن التكبير الوارد من صاحب الشرع إنما كان بقطع الهمزة، و لا يلزم من كونها همزة وصل سقوطها، إذ سقوط همزة الوصل من خواص الدرج بكلام متصل، و لا كلام قبل تكبيرة الإحرام، فلو تكلفه فقد تكلف ما لا يحتاج اليه، فلا يخرج اللفظ عن أصله المعهود شرعاً». و نحوه ما عن جامع المقاصد و كشف الالتباس و الروض و المقاصد العلية و غيرها. و فيه- كما في الجواهر-: «إذ دعوى أن النبي (ص) لم يأت بها إلا مقطوعة عن الكلام السابق لا شاهد لها». مضافاً إلى ما عن المدارك: من أن المقتضي للسقوط كونها في الدرج سواء كان ذلك الكلام معتبراً عند الشارع أم لا .. انتهى.

58
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 51

أو لفظ النية، و إن كان الأقوى جوازه، و يحذف الهمزة من «اللّه» حينئذ، كما أن الأقوى جواز وصلها بما بعدها (1) من الاستعاذة، أو البسملة، أو غيرهما، و يجب حينئذ إعراب راء «أكبر» (2)، لكن الأحوط عدم الوصل.

و يجب إخراج حروفها من مخارجها (3)، مع أنه لو سلم اختصاصه بالكلام المعتبر عند الشارع جاء الكلام في وصلها بتهليل الإقامة أو بعض الأدعية الواردة بالخصوص، و من هنا اختار المصنف (ره)- تبعاً لبعض- جواز الوصل بما قبلها لأصالة البراءة من قادحية الوصل، فيترتب عليه سقوط الهمزة جرياً على قانون اللغة العربية، بناء على ما هو الصحيح المشهور بين النحويين من كونها همزة وصل لا قطع كما عن جماعة منهم. اللهم إلا أن يقال: التردد في المقام بين التعيين و التخيير و المرجع فيه الاحتياط، و الإطلاق الرافع للشك المذكور غير ثابت. فتأمل.

لعدم الدليل على قادحيته، فلا ترفع اليد عن أصالة البراءة منها، أو أصالة الإطلاق لو كان، خلافاً لما في القواعد و عن غيرها من البطلان بذلك، اقتصاراً على المتيقن من فعله (ص)، أو دعوى انصراف الإطلاق عنه. إذ لا يخفى توجه الاشكال عليه. نعم عرفت أنه لم يتحصل لنا إطلاق يرجع اليه، و المقام من قبيل الدوران بين التعيين و التخيير، و المرجع فيه قاعدة الاحتياط. نعم بناء على جواز الوصل مع السكون يكون المقام من باب الأقل و الأكثر.

لعدم جواز الوصل مع السكون، و سيأتي الكلام فيه في مباحث القراءة.

كي لا يلزم التغيير الممنوع عنه إجماعاً.

59
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 51

و الموالاة بينها و بين الكلمتين (1).

[ (مسألة 1): لو قال: «اللّه تعالى أكبر» لم يصح]

(مسألة 1): لو قال: «اللّه تعالى أكبر» لم يصح (2) و لو قال: «اللّه أكبر من أن يوصف» أو «من كل شي‌ء» فالأحوط الإتمام و الإعادة، و إن كان الأقوى الصحة إذا لم يكن بقصد التشريع (3).

[ (مسألة 2): لو قال: «اللّه أكبار» بإشباع فتحة الباء حتى تولد الألف بطل]

(مسألة 2): لو قال: «اللّه أكبار» بإشباع فتحة الباء حتى تولد الألف بطل (4) كما أنه لو شدّد راء «أكبر» بطل أيضاً.

كما عن النهاية و التذكرة و الموجز و غيرها التصريح به، محافظة على الهيئة الكلامية التي يفوت الكلام بفواتها.

لما عرفت من الإجماع على أن صورتها «اللّه أكبر» المخالفة لصورة ما في المتن، و ليس كذلك إضافة «من أن يوصف» أو «من كل شي‌ء» فإنه لا ينافي صورة التكبير، و إنما هو محض زيادة عليها، فلا إجماع على بطلانه، و إن صرح به جماعة فان دليلهم عليه غير ظاهر. و لذلك قوى في المتن الصحة. لكن عليه يكون الأقوى وجوب الإتمام، و الأحوط الإعادة، لكن عبارة المتن لا تساعد عليه.

قد تقدم أن التشريع من حيث هو ليس من المبطلات للعبادة، صلاة كانت أم غيرها، ما لم يلزم منه خلل فيها، من زيادة ممنوع عنها، أو فوات قصد الامتثال، أو نحو ذلك. فالاستثناء ليس على إطلاقه.

كما عن المبسوط، و السرائر، و الجامع، و الشرائع، و الدروس، و تعليق النافع، و الروض، و المسالك، و المدارك، و غيرها. لأنه تغيير للصورة و خروج عن قانون اللغة. و في المعتبر، و المنتهى، و عن نهاية الأحكام‌

60
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 الأحوط تفخيم اللام من الله ج‌6 ص 61

[ (مسألة 3): الأحوط تفخيم اللام من «اللّه»]

(مسألة 3): الأحوط تفخيم اللام من «اللّه»، و الراء من «أكبر»، و لكن الأقوى الصحة مع تركه أيضاً (1).

[ (مسألة 4): يجب فيها القيام]

(مسألة 4): يجب فيها القيام (2) و التذكرة، و السرائر: تخصيص البطلان بصورة قصد الجمع أعني جمع «كبر» و هو الطبل، فلو قصد الافراد صح. و في القواعد: «و يستحب ترك المد في لفظ الجلالة و أكبر»، و نحوه عبارة الشرائع، و ما عن النافع، و المعتبر، و الإرشاد. و الظاهر بل المقطوع به إرادة صورة قصد الافراد.

و علل الجواز في المنتهى: بأنه قد ورد الإشباع في الحركات الى حيث ينتهي إلى الحروف في لغة العرب، و لم يخرج بذلك عن الوضع، و فسره في كشف اللثام- بعد نقله يعني ورد الإشباع كذلك- في الضرورات و نحوها من المسجعات، و ما يراعى فيه المناسبات، فلا يكون لحناً و إن كان في السعة.

و في الحدائق: «ان الإشباع بحيث يحصل به الحرف شائع في لغة العرب».

أقول: إن تمَّ ذلك- كما يشهد به سيرة المؤذنين- كان القول بالصحة في محله، و لو شك فالمرجع قاعدة الاحتياط للدوران بين التعيين و التخيير، لا لكون الشك في المحصل، لأنه إنما يقتضي الاحتياط مع وضوح المفهوم لا مع إجماله، و المقام من الثاني.

لأن الظاهر كونه من محسنات القراءة، لا من شرائط الصحة.

كما صرح به جماعة كثيرة. بل عن إرشاد الجعفرية، و المدارك:

الإجماع عليه. و يشهد له- مضافاً إلى ما دل على وجوب القيام في الصلاة الظاهر في وجوبه في التكبير كوجوبه في القراءة، لأنهما جميعاً من الصلاة‌

صحيح أبي حمزة عن أبي جعفر (ع): «الصحيح يصلي قائماً» «1»‌

، و‌

صحيح زرارة: قال أبو جعفر (ع)- في حديث-: «ثمَّ استقبل القبلة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 1.

 

61
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 4 يجب فيها القيام ج‌6 ص 61

و الاستقرار (1)، فلو ترك أحدهما بطل، عمداً كان أو سهواً.

[ (مسألة 5): يعتبر في صدق التلفظ بها]

(مسألة 5): يعتبر في صدق التلفظ بها بل و بغيرها‌

بوجهك، و لا تقلب وجهك عن القبلة‌

.. إلى أن قال:

و قم منتصباً، فان رسول اللّه (ص) قال: من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له» «1»‌

و‌

موثق عمار- في حديث-: قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل‌

.. الى أن قال (ع):

و كذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتى افتتح الصلاة و هو قاعد، فعليه أن يقطع صلاته، و يقوم فيفتتح الصلاة و هو قائم، و لا يعتد بافتتاحه و هو قاعد» «2»‌

و عن المبسوط و الخلاف:

«إذا كبّر المأموم تكبيرة واحدة للافتتاح و الركوع، و أتى ببعض التكبير منحنياً صحت صلاته»، مستدلا عليه: «بأن الأصحاب حكموا بصحة هذا التكبير، و انعقاد الصلاة به، و لم يفصلوا بين أن يكبر قائماً أو يأتي به منحنياً، فمن ادعى البطلان احتاج إلى دليل». و فيه- مضافا إلى ضعف دليله- مخالفته لما سبق، و‌

لصحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه (ع): «في الرجل إذا أدرك الامام و هو راكع، و كبر الرجل و هو مقيم صلبه، ثمَّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة» «3»‌

فتأمل.

للإجماع على اعتباره في القيام كما عن غير واحد، و في الجواهر:

«الإجماع متحقق على اعتباره فيه»، و يشهد له ما‌

في خبر سليمان بن صالح: «و ليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة، فإنه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة» «4»‌

بناء على أن المراد من التمكن الاستقرار و الطمأنينة كما هو الظاهر‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب القيام حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 45 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 13 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 12.

 

62
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 5 يعتبر في صدق التلفظ بها ج‌6 ص 62

من الأذكار و الأدعية و القرآن أن يكون بحيث يسمع نفسه (1) تحقيقاً أو تقديراً، فلو تكلم بدون ذلك لم يصح.

لكنه معارض بما دل على جواز الإقامة ماشياً «1»، و بعد حمله على الاستحباب لا مجال للبناء على الوجوب في الصلاة. و رواية السكوني فيمن يريد أن يتقدم الى و هو في الصلاة‌

قال (ع): «يكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدم الى الموضع الذي يريد ثمَّ يقرأ» «2»‌

و فيه: انه لا يشمل ما نحن فيه.

و ما قد يدعى من دخوله في مفهوم القيام الواجب نصاً و فتوى، و لذا لم يتعرض الأكثر لوجوبه في المقام مع ما عرفت من إجماعهم عليه. فيه:

أنه ممنوع، و عدم التعرض له أعم من ذلك. فالعمدة إذاً في دليله الإجماع، و القدر المتيقن منه صورة العمد. فدعوى ركنيته- كما عن الشهيد و تبعه عليه المصنف (ره) و جماعة، فتبطل الصلاة بتركه عمداً و سهواً- غير ظاهرة نعم لا بأس بدعوى ذلك في القيام، لما عرفت من موثق عمار فيخصص به‌

حديث: «لا تعاد الصلاة».

المعروف بين الأصحاب أن أقل الجهر أن يسمع القريب منه، تحقيقاً أو تقديراً، و حد الإخفات أن يسمع نفسه كذلك، قال في المعتبر:

«و أقل الجهر أن يسمع غيره القريب، و الإخفات أن يسمع نفسه أو بحيث يسمع لو كان سميعاً، و هو إجماع العلماء». و قال في المنتهى: «أقل الجهر الواجب أن يسمع غيره القريب، أو يكون بحيث يسمع لو كان سامعاً، بلا خلاف بين العلماء. و الإخفات أن يسمع نفسه، أو بحيث يسمع لو كان سامعاً و هو وفاق». و قال الشيخ (ره) في محكي تبيانه: «حد أصحابنا الجهر فيما يجب الجهر فيه بأن يسمع غيره، و المخافتة بأن يسمع نفسه». و علله‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 9.

(2) الوسائل باب: 34 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

 

63
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 5 يعتبر في صدق التلفظ بها ج‌6 ص 62

في المعتبر و المنتهى: بأن ما لا يسمع لا يعد كلاما و لا قراءة، و لا يخلو من تأمل.

نعم يشهد له‌

مصحح زرارة عن أبي جعفر (ع): «لا يكتب من القراءة و الدعاء إلا ما أسمع نفسه» «1»‌

، و‌

موثق سماعة: «سألته عن قول اللّه عز و جل (وَ لٰا تَجْهَرْ بِصَلٰاتِكَ وَ لٰا تُخٰافِتْ بِهٰا) «2» قال (ع):

المخافتة ما دون سمعك، و الجهر أن ترفع صوتك شديداً» «3»‌

، و نحوه ما عن تفسير القمي عن أبيه عن الصباح عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه (ع) «4»، و‌

صحيح الحلبي عنه (ع): «سألته هل يقرأ الرجل في صلاته و ثوبه على فيه؟ قال (ع): لا بأس بذلك إذا أسمع أذنيه الهمهمة» «5»‌

، بناء على أن الهمهمة الصوت الخفي كما عن القاموس.

لكن عن نهاية ابن الأثير: انها كلام خفي لا يفهم. و حينئذ ينافي ما سبق إلا من جهة أن مورده من كان ثوبه على فمه المانع من سماع صوته، أو المراد أنه لا يفهمه الغير.

و أما‌

صحيح ابن جعفر (ع): «عن الرجل هل يصلح له أن يقرأ في صلاته، و يحرك لسانه في لهواته من غير أن يسمع نفسه؟ قال (ع):

لا بأس أن لا يحرك لسانه يتوهم توهما» «6»‌

فلا مجال للعمل به، للإجماع بل الضرورة على اعتبار حركة اللسان التي هي قوام النطق، فلا بد من‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 33 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الإسراء: 110.

(3) الوسائل باب: 33 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 33 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.

(5) الوسائل باب: 33 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

(6) الوسائل باب: 33 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5‌

 

64
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 6 من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلم و لا يجوز له الدخول ج‌6 ص 65

[ (مسألة 6): من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلم و لا يجوز له الدخول]

(مسألة 6): من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلم (1) و لا يجوز له الدخول (2) طرحه، أو حمله على القراءة خلف من لا يقتدي به، كما في غير واحد من النصوص «1». هذا و قد يستشكل في عموم الحكم المذكور للمقام، لأن النصوص- عدا موثق سماعة- غير شامل للتكبير، و الموثق وارد في تفسير الآية المنصرفة إلى القراءة، فلم يبق حجة فيه إلا ما سبق عن المعتبر و المنتهى الذي قد عرفت أنه محل نظر. و فيه أنه لو سلم عدم إمكان التعدي من مورد النصوص إلى المقام كفى موثق سماعة. و دعوى انصراف الآية ممنوعة، فالعمل بما في المنن متعين. و يأتي إن شاء اللّه في مبحث الجهر بالقراءة ما له نفع في المقام.

إجماعا ظاهراً، و في الجواهر نفي الخلاف فيه. و المراد منه إن كان تمرين اللسان على النطق بها صحيحة- كما يظهر من ملاحظة كلماتهم- فوجوب التعليم غيري شرعي، لأنه مقدمة لذلك، و إن كان المراد تحصيل العلم بالكيفية الصحيحة فإن قلنا بوجوب الامتثال التفصيلي مع التمكن منه فالوجوب أيضاً غيري، لكنه عقلي، للمقدمية للامتثال التفصيلي الذي هو واجب عقلي، و إن لم نقل بذلك و اكتفينا بالامتثال الإجمالي مطلقاً فان لم يمكن الاحتياط بالتكرار فالوجوب عقلي من باب وجوب المقدمة العلمية، و إن أمكن الاحتياط بالتكرار لم يجب التعلم تعييناً، بل وجب تخييراً بينه و بين الاحتياط بالتكرار.

يعني مع إمكان التعلم و قدرته عليه. و المراد منه على المعنى الأول من معنى التعلم أنه لا تصح صلاته لخلوها عن التكبير الصحيح، و لا ينافيه القول بجواز البدار لذوي الأعذار، فإن ذلك إنما هو إذا كان للواجب‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 33 من أبواب القراءة في الصلاة.

 

65
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 6 من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلم و لا يجوز له الدخول ج‌6 ص 65

في الصلاة قبل التعلم إلا إذا ضاق الوقت فيأتي بها ملحونة (1)، بدل شرعي يمكن أن يدعى إطلاقه فيشمل أول الوقت، لا في المقام الذي ينحصر دليل لبدلية فيه بالإجماع و نحوه غير الشامل لأول الوقت قطعاً.

هذا و على المعنى الثاني فالمراد من عدم جواز الدخول عدم الاكتفاء بالفعل عند العقل، لعدم إحراز أداء المأمور به.

على قدر الإمكان إجماعاً، لفحوى ما ورد في الألثغ و الأليغ و الفأفاء و التمتام، و ما ورد في مثل بلال و من مائلة، و في الأخرس الذي لا يستطيع الكلام أبداً. كذا في الجواهر «1».

و أما‌

موثقة مسعدة بن صدقة: «سمعت جعفر بن محمد (ع) يقول: إنك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح، و كذلك الأخرس في القراءة في الصلاة و التشهد و ما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم، و المحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح» «2»‌

و ما‌

ورد من: «أنه كلما غلب اللّه تعالى عليه فهو أولى بالعذر» «3»‌

و ما‌

ورد من أنه: «ليس شي‌ء ما حرم اللّه تعالى إلا و قد أحله لمن اضطر إليه» «4»‌

فإنما تصلح لنفي وجوب التام لا إثبات وجوب الناقص. و أما حديث:

«لا تسقط الصلاة بحال» «5» فلا يدل على كيفية الواجب. و أما‌

حديث: «لا يترك الميسور بالمعسور» «6»‌

فغير ثابت الحجية في نفسه و لا باعتماد الأصحاب‌

______________________________
(1) الطبعة الحديثة ج 9 صفحة 311.

(2) الوسائل باب: 59 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب قضاء الصلوات.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 6- 7.

(5) حديث مستفاد مما ورد بشأن المستحاضة: «انها لا تدع الصلاة بحال». راجع الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5.

(6) غوالي اللئالي.

 

66
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 6 من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلم و لا يجوز له الدخول ج‌6 ص 65

و إن لم يقدر فترجمتها من غير العربية (1)، و لا يلزم أن يكون بلغته (2) و إن كان أحوط، و لا يجزي عن الترجمة غيرها من الأذكار و الأدعية و إن كانت بالعربية (3)، و إن أمكن له النطق بها بتلقين الغير حرفا فحرفا قدم على الملحون و الترجمة (4).

عليه. فالعمدة الإجماع المؤيد أو المعتضد بالفحوى.

و هو مذهب علمائنا- كما في المدارك- لإطلاق ما دل على أن مفتاح الصلاة التكبير، و أن تحريمها التكبير الشامل للترجمة، و لا ينافيه تقييده ب‍ «اللّه أكبر»، لأن العمدة في دليل التقييد الإجماع، و هو يختص بحال القدرة، فيبقى الإطلاق بحاله في العجز. اللهم إلا أن يكون الإطلاق منصرفا إلى ما كان باللغة العربية فلا يشمل الترجمة، أو أن هذه النصوص و نحوها ليست واردة في مقام التشريع، بل في مقام إثبات أثر للمشروع، من أنه مفتاح، و به تحرم المنافيات، فلا إطلاق لها. فالمرجع يكون أصل البراءة كما عن المدارك احتماله.

كما صرح به غير واحد، و هو في محله لو كان إطلاق يرجع إليه في بدلية الترجمة. لكن عرفت إشكاله، و أن العمدة الإجماع. و حينئذ يدور الأمر بين التخيير و التعيين. و المشهور فيه الاحتياط و العمل على التعيين.

و لعله لذلك قال في القواعد: «أحرم بلغته»، و نحوه ما عن المبسوط و غيره. و في المعتبر: «انه حسن لأن التكبير ذكر، فاذا تعذر صورة لفظه روعي معناه». لكن التعليل لا يقتضي التقييد بلغته.

لعدم الدليل على البدلية، و الأصل عدمه. و في كشف اللثام:

«لا يعدل إلى سائر الأذكار- يعني ما لا يؤدي معناه- و إلا فالعربي منها أقدم نحو: اللّه أجل و أعظم». لكن في كون معنى ذلك التكبير إشكال ظاهر.

لأنه الواجب الاختياري، فلا ينتقل الى بدله مع إمكانه.

 

67
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 7 الأخرس يأتي بها على قدر الإمكان ج‌6 ص 68

[ (مسألة 7): الأخرس يأتي بها على قدر الإمكان]

(مسألة 7): الأخرس يأتي بها على قدر الإمكان (1) و إن عجز عن النطق أصلا أخطرها بقلبه و أشار إليها مع تحريك لسانه (2) إن أمكنه.

لما سبق فيمن لا يقدر على التعلم و قد ضاق الوقت.

كما عن الروض، و عن البيان و غيره ذلك، مع تقييد الإشارة بالإصبع. و عن المبسوط و غيره الاقتصار على الإشارة بالإصبع. و عن الإرشاد و المدارك ذلك مع الأول. و عن التذكرة و الذكرى ذلك مع الأخير. و عن نهاية الأحكام: «يحرك لسانه و يشير بأصابعه أو شفته و لهاته مع الإشارة و تحريك اللسان» و في غيرها غير ذلك.

و العمدة فيه‌

خبر السكوني عن أبي عبد اللّه (ع): «تلبية الأخرس و تشهده و قراءته للقرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه» «1»‌

بناء على فهم عدم الخصوصية للموارد الثلاثة المذكورة فيه- كما هو غير بعيد- فيكون المراد: أن الأخرس يؤدي عباداته القولية بما يؤدي به مراداته و مقاصده من تحريك اللسان و الإشارة بالإصبع، و إهماله ذكر عقد القلب من أجل أنه ليس في مقام بيان تمام ما يجب عليه، بل في مقام بيان ما هو بدل عن اللفظ المتعذر عليه. بل لما كان اللفظ في الناطق إنما يكون بعنوان كونه مرآة للمعنى فلازم بدلية تحريك اللسان و الإشارة بالإصبع عنه أنهما مستعملان مرآة للمعنى أيضاً، فالمعنى لا بد من لحاظه للأخرس كما لا بد من لحاظه للناطق بنحو واحد، و لعل ما ذكر هو الوجه في إهمال ذكره في المبسوط و التذكرة و الذكرى و النهاية- كما حكي- لابناءهم على عدم لزومه، و أما عدم تقييد الإشارة بالإصبع في المتن تبعاً لغيره فلعل الوجه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 59 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

 

68
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 8 حكم التكبيرات المندوبة فيما ذكر حكم تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 69

[ (مسألة 8): حكم التكبيرات المندوبة فيما ذكر حكم تكبيرة الإحرام]

(مسألة 8): حكم التكبيرات المندوبة فيما ذكر حكم تكبيرة الإحرام (1) حتى في إشارة الأخرس.

[ (مسألة 9): إذا ترك التعلم في سعة الوقت حتى ضاق أثم و صحت صلاته]

(مسألة 9): إذا ترك التعلم في سعة الوقت حتى ضاق أثم و صحت صلاته (2) على الأقوى، و الأحوط القضاء بعد التعلم.

فيه ما في كشف اللثام: من أن الإصبع لا يشار بها الى التكبير غالباً، و إنما يشار بها الى التوحيد. و فيه منع ظاهر كما يشير اليه خبر السكوني، و دعوى أن ما في الخبر راجع الى التشهد خاصة ممنوعة. فالأخذ بظاهره متعين.

لاشتراكهما في الوجوه المتقدمة.

أما الإثم فلأن الظاهر من أدلة الابدال الاضطرارية ثبوت البدلية في ظرف سقوط التكليف بالمبدل منه الاختياري، للعجز المسقط عقلا للتكاليف، لا تقييد الحكم الاختياري بالقدرة بنحو تكون القدرة شرطاً للوجوب شرعا، ليكون منوطاً بها إناطة الوجوب المشروط بشي‌ء بوجود ذلك الشي‌ء، كي لا يجب حفظها عقلا، كما لا يجب حفظ شرائط الوجوب على ما تقرر في محله من الأصول من أن الوجوب المشروط لا يقتضي حفظ شرطه لأن ذلك خلاف الظاهر منها عرفا، فيكون الوجوب الثابت للمبدل منه مطلقاً غير مشروط، فتفويت مقدمته معصية له عقلا موجبة لاستحقاق العقاب، كما أشرنا الى ذلك في التيمم و وضوء الجبائر و غيرهما من المباحث.

و أما الصحة فلإطلاق البدلية المستفاد من الأدلة المتقدمة. نعم- بناء على ما عرفت من الإشكال في أدلتها و أن العمدة فيها الإجماع- يشكل القول بالصحة. اللهم الا أن يقال: صحة الصلاة في الجملة مما تستفاد من حديث: «لا تسقط الصلاة بحال» «1»، فالإشكال إنما يكون في وجوب‌

______________________________
(1) مر الكلام فيه في أواخر المسألة السادسة من هذا الفصل‌

 

69
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 70

[ (مسألة 10): يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافاً إلى تكبيرة الإحرام]

(مسألة 10): يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافاً إلى تكبيرة الإحرام (1)، فيكون المجموع سبعة و تسمى بالتكبيرات الافتتاحية (2).

بدل التكبير مع التقصير في التعلم، لا في أصل الصحة، فما عن نهاية الأحكام و كشف الالتباس من التصريح بعدم صحة الصلاة ضعيف. لكن الإشكال في ثبوت الحديث المذكور، إذ لم أعثر عليه في كتب الحديث لا مسنداً و لا مرسلا، و إنما هو مذكور في كلام بعض المتأخرين من الفقهاء، منهم صاحب الجواهر في موارد كثيرة: منها مسألة فاقد الطهورين. و لعله يأتي في بعض المباحث التعرض له إن شاء اللّه تعالى.

إجماعاً كما عن الانتصار و المختلف، و في المنتهى: «لا خلاف بين علمائنا في استحباب التوجه بسبع تكبيرات». و نحوه ما عن جامع المقاصد و الحدائق. و النصوص الدالة عليه كثيرة،

كصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) قال (ع): «أدني ما يجزي من التكبير في التوجه إلى الصلاة تكبيرة واحدة، و ثلاث، و خمس، و سبع أفضل» «1»‌

، و‌

صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إن رسول اللّه (ص) كان في الصلاة، و إلى جانبه الحسين ابن علي (ع) فكبر رسول اللّه (ص) فلم يحر الحسين (ع) بالتكبير، ثمَّ كبر رسول اللّه (ص) فلم يحر الحسين (ع) بالتكبير، فلم يزل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يكبر و يعالج الحسين (ع) التكبير فلم يحر حتى أكمل سبع تكبيرات فأحار الحسين (ع) التكبير في السابعة، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: فصارت سنة» «2».

و نحوهما غيرهما مما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

كما تضمنته النصوص.

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 9.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 1.

 

70
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 70

و يجوز الاقتصار على الخمس، و على الثلاث (1)، و لا يبعد التخيير في تعيين تكبيرة الإحرام (2) كما تقدم في صحيح زرارة. و‌

في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا افتتحت الصلاة فكبر إن شئت واحدة، و ان شئت ثلاثاً، و ان شئت خمساً، و ان شئت سبعاً، فكل ذلك مجز عنك، غير انك إذا كنت إماماً لم تجهر إلا بتكبيرة» «1».

كما صرح به غير واحد، و ظاهر المنتهى و الذكرى: نسبته إلى أصحابنا، و عن المفاتيح و البحار: انه لا خلاف فيه، و في كشف اللثام:

«قد يظهر من المراسم و الغنية و الكافي أنه يتعين كونها الأخيرة، و ربما نسب الى المبسوط أيضاً» و عن البهائي في حواشي الاثنى عشرية، و الجزائري و الكاشاني في الوافي، و المفاتيح، و البحراني في الحدائق: الظاهر أنها الأولى.

و استدل له في الحدائق‌

بصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك، ثمَّ ابسطهما بسطاً، ثمَّ كبر ثلاث تكبيرات» «2»‌

بتقريب أن الافتتاح إنما يصدق بتكبيرة الإحرام و الواقع قبلها من التكبيرات- بناء على ما زعموه- ليس من الافتتاح في شي‌ء.

و فيه: أن ظاهر الصحيحة- بقرينة جعل الجزاء رفع الكفين، و بسطهما، و التكبيرات الثلاث، و الأدعية، و بقية التكبيرات السبع- أن المراد: إذا أردت الافتتاح، و حينئذ يكون ما ذكر بعده بياناً لما به الافتتاح فتكون ظاهرة في وقوع الافتتاح بتمام التكبيرات السبع، فإن أمكن الأخذ به تعين ما حكي عن والد المجلسي (ره): من كون الجميع تكبيرات الافتتاح، و إلا كانت الرواية خالية عن التعرض لتعيين تكبيرة الإحرام، و أنها الاولى‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 1.

 

71
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 70

أو الأخيرة أو غيرها.

و استدل أيضاً‌

بصحيحة زرارة: «قال أبو جعفر (ع): الذي يخاف اللصوص و السبع يصلي صلاة المواقفة إيماء‌

.. الى أن قال:

و لا يدور إلى القبلة و لكن أينما دارت به دابته، غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه» «1».

و فيه أن الاستدلال إن كان من جهة الأمر بالاستقبال بأول تكبيرة فهو أعم من كون الأولى تكبيرة الإحرام، لجواز كون غيرها تكبيرة الإحرام و مع ذلك اكتفي بالاستقبال حالها لكونها من الأجزاء المستحبة المتعلقة بالصلاة، مع أنه لا ينفي ما ذهب اليه والد المجلسي (ره)، و كذا لو كان الاستدلال من جهة قوله (ع):

«حين يتوجه»‌

، مع أنه يتوقف على كونه بدلا من الأول لا قيداً للتكبيرة المضاف إليها كما لا يخفى بالتأمل، و‌

بصحيحة زرارة الأخرى عن أبي جعفر (ع) الواردة بتعليل استحباب السبع بإبطاء الحسين (ع) عن الكلام حيث قال (ع) فيه: «فافتتح رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله الصلاة فكبر الحسين (ع)، فلما سمع رسول اللّه (ص) تكبيره عاد فكبر (ص) فكبر الحسين (ع)، حتى كبر رسول اللّه (ص) سبع تكبيرات و كبر الحسين (ع)، فجرت السنة بذلك» «2»‌

بتقريب أن التكبير الأول الذي كبره النبي (ص) هو تكبيرة الإحرام التي وقع الدخول بها في الصلاة، لإطلاق الافتتاح عليها، و العود الى التكبير ثانياً و ثالثاً إنما وقع لتمرين الحسين (ع) على النطق. و فيه أن ذلك كان قبل تشريع السبع فلا يدل على ذلك بعد تشريعه، مع أن الفعل لإجماله لا يدل على تعين ذلك كلية، و الحكاية من المعصوم لم تكن لبيان هذه الجهة كي ترفع إجماله.

نعم قوله (ع):

«فجرت بذلك السنة»‌

يدل على التعيين لو كان راجعا‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة الخوف حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 4.

 

72
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 70

.....

الى هذه الجهة. لكن الظاهر رجوعه إلى أصل تشريع السبع، لا أقل من احتمال ذلك، المانع من صحة الاستدلال به. و‌

بصحيحة زرارة الثالثة عن أبي جعفر (ع): «قلت: الرجل ينسى أول تكبيرة من الافتتاح ..» «1»‌

إلى آخر الرواية المتقدمة في نسيان تكبيرة الإحرام.

و فيه- مع أنها ظاهرة فيما ذهب اليه والد المجلسي (ره)- أن الجواب بصحة الصلاة يقتضي حملها على كون المنسية ليست تكبيرة الإحرام، فإن نسيانها موجب للبطلان كما تقدم، فتكون دليلا على بطلان القول المذكور.

و أما القول بأنه الأخيرة فقد استظهره في الجواهر من النصوص المتضمنة لاخفات الامام بست و الجهر بواحدة، بضميمة ما دل على إسماع الإمام المأمومين كلما يقوله في الصلاة، فإنه لو كان الافتتاح بغير الأخيرة يلزم تخصيص الدليل المذكور، بخلاف ما لو بني على كونها الأخيرة فإن عدم الاسماع يكون فيما قبل الصلاة. و فيه ما عرفت من أن أصالة عدم التخصيص ليست حجة في تشخيص الموضوع. و‌

من المرسل: «كان رسول اللّه (ص) أتم الناس صلاة، و أوجزهم، كان إذا دخل في صلاته قال (ص): اللّه أكبر بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ» «2».

و فيه أن ظاهره اتحاد التكبير، كما يقتضيه أيضاً أنه في مقام بيان الإيجاز، و لو حمل على إرادة بيان ما يجهر به (ص)- كما يشير اليه خبر الحسن بن راشد الآتي في إجهار الامام بالتكبيرة- فلا يدل على موقع الست التي يخفت بها، و لو سلم أنه يدل على أنها كانت قبل التكبير الذي يجهر به فهو حكاية لفعل مجمل، و كونها حكاية من المعصوم في مقام البيان غير ظاهرة من المرسل. و أما ما‌

في الرضوي: «و اعلم أن‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 12.

 

73
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 70

في أيتها شاء، بل نية الإحرام بالجميع (1) أيضاً،

السابعة هي الفريضة، و هي تكبيرة الافتتاح، و بها تحريم الصلاة» «1»‌

فلا يصلح للحجية عليه. و كأنه لذلك قال في كشف اللثام: «لا أعرف لتعينه- يعني لتعين الأخير أو فضله- علة ..». و أما القول بالتخيير، فاستدل له في الجواهر بإطلاق الأدلة، و لم أقف على هذا الإطلاق. نعم مقتضى أصالة البراءة عدم قدح تقديم التكبير المستحب عليها، و لا تأخيره عنها، و لا تقديم بعضه و تأخير آخر. لكن في ثبوت التخيير بذلك تأمل.

كما عن المجلسي الأول، و هو الذي تشهد له النصوص التي منها- مضافاً الى ما تقدم‌

صحيح زيد الشحام: «قلت لأبي عبد اللّه (ع):

الافتتاح؟ فقال: تكبيرة تجزئك. قلت: فالسبع؟ قال (ع): ذلك الفضل» «2»‌

و‌

صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع): «التكبيرة الواحدة في افتتاح الصلاة تجزئ، و الثلاث أفضل، و السبع أفضل كله» «3»‌

، و‌

صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (ع): «الامام تجزئه تكبيرة واحدة، و تجزئك ثلاث مترسلا إذا كنت وحدك» «4»‌

، و‌

خبر هشام بن الحكم عن أبي الحسن موسى (ع): «قلت له: لأي علة صار التكبير في الافتتاح سبع تكبيرات‌

.. الى أن قال (ع):

فتلك العلة يكبر للافتتاح في الصلاة سبع تكبيرات» «5»‌

، الى غير ذلك.

و بالجملة نصوص الباب ما بين ما هو ظاهر في ذلك و صريح فيه، و ما هو‌

______________________________
(1) فقه الرضا صفحة: 8.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 7 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 7.

 

74
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 70

.....غير آب له فيتعين البناء عليه. و ما في الجواهر: من أنه يجب الخروج عن ذلك لإجماع الأصحاب على اتحاد التكبير غير ظاهر، لإمكان دعوى تواتر النصوص تواتراً إجمالياً أو معنوياً، و القطع بإرادة خلافها غير متحقق، و الاعراض عنها بنحو يوجب سقوطها عن الحجية غير حاصل، لإمكان أن يكون لشبهة، و التخيير بين الأقل و الأكثر لا مانع منه عقلا، فيما لو كان للأكثر هيئة اتصالية عرفية توجب صحة انطباق الطبيعة على الأكثر بنحو انطباقها على الأقل، كالخط الطويل و القصير، و المشي الكثير و القليل، و الكلام الكثير و القليل. مع أنه لو بني على امتناع الوجوب التخييري بين الأقل و الأكثر مطلقاً، تعين البناء على كون الأولى واجبة و الباقية مستحبة، مع كون الجميع للافتتاح، لا أن واحدة منها للافتتاح و الزائد عليها لغيره، كما هو المشهور.

اللهم إلا أن يكون مرجع المنع من التخيير بين الأقل و الأكثر هنا الى المنع من تحقق الافتتاح بكل من القليل و الكثير، فالافتتاح لا بد أن يكون بواحدة و الزائد عليها ليس للافتتاح. و حينئذ فإن كانت تكبيرة الافتتاح ليس لها عنوان مخصوص بل مجرد التكبيرة كانت هي الأولى لا غير، و ما بعدها ليس للافتتاح، كما اختاره في الحدائق و غيرها. و إن كان لها عنوان مخصوص تمتاز به عما عداها تخير المكلف في جعلها الأولى و جعلها غيرها، كما هو المشهور. لكن المبنى المذكور- أعني امتناع الوجوب التخييري بين الأقل و الأكثر ضعيف.

فان قلت: إمكان ذلك مسلم، إلا أن الدليل إذا دل على أن الأكثر أفضل كان ظاهراً في أن صرف طبيعة المصلحة يترتب على الأقل، و أن الأكثر موضوع لزيادة المصلحة، لأن أفضلية شي‌ء من شي‌ء معناها كون الأفضل أكثر مصلحة من المفضول. فالأقل إذا كان فيه مصلحة و الأكثر أكثر مصلحة منه كان تزايد المصلحة ناشئاً من تزايد الوجود، فصرف وجود‌

75
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 70

.....التكبير فيه مصلحة، و الوجود الكثير منه أكثر مصلحة فيكون كل مرتبة من وجود التكبير موضوع لمرتبة من وجود المصلحة. فموضوع الوجود صرف طبيعة التكبير، و موضوع الاستحباب الوجود الزائد على صرف الطبيعة الذي هو موضوع المصلحة الزائدة غير الملزمة. و على هذا يكون ما في النصوص: من أن السبع أفضل قرينة على صرف ما ظاهره التخيير الى أن الأولى واجبة لا غير، و الزائد عليها مستحب لا غير، لا أن الأكثر يكون كله واجباً، و يكون أفضل الفردين، كما هو معنى التخيير بين الأقل و الأكثر الذي مال إليه المجلسي (ره).

قلت: هذا قد يسلم في مثل قوله: «سبح في الركوع واحدة أو ثلاثاً، و الثلاث أفضل» لا في مثل المقام من قولهم (ع): «افتتح الصلاة بتكبيرة واحدة، أو ثلاث، أو خمس، أو سبع و هي أفضل» «1». فإن ظهوره في كون الافتتاح يكون بالأقل و الأكثر لا معدل عنه، و مجرد كون السبع أفضل لا يصلح قرينة على أن الافتتاح يكون بالأولى من السبع لا غير، لأن هذا اللسان يتضمن الوضع زائداً على التكليف، و اللسان الأول لا يتضمن إلا التكليف، فلا مجال للمقايسة بينهما. فلا موجب لرفع اليد عن ظاهر النصوص، فلاحظ.

ثمَّ إن المصنف (ره)- مع أنه لم يستبعد القول المشهور- جوَّز العمل على ما هو مذهب المجلسي (ره)، مع أن مبنى القولين مختلف.

فإن الأول مبني على أن تكبيرة الإحرام مخالفة للتكبيرات الست بحسب الخصوصية اختلاف الظهر و العصر، و إن كانت مشتركة بحسب الصورة.و مبنى الثاني أنها جميعاً متحدة الحقيقة. كما أن لازم الأول- كما سبق- أنه لو نوى الإحرام بأكثر من واحدة بطلت الصلاة لزيادة الركن، و ليس.
 

(1) مضمون صحيحة زرارة المتقدمة في أول المسألة‌

76
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 70

لكن الأحوط اختيار الأخيرة، و لا يكفي قصد الافتتاح بأحدها المبهم من غير تعيين (1) و الظاهر عدم اختصاص استحبابها في اليومية، بل تستحب في جميع الصلوات الواجبة و المندوبة (2). و ربما يقال بالاختصاص بسبعة مواضع (3) كذلك على الثاني، كما هو ظاهر. و من ذلك تعرف الإشكال في قوله (ره):

«لكن الأحوط اختيار الأخيرة» فإنه إنما يناسب الفتوى بمذهب المشهور.

إذ هو لا خارجية له و لا مصداق، فلا يتحقق الافتتاح به.

كما عن صريح جماعة و ظاهر آخرين، حيث جعلوه من مسنونات الصلاة كالمحقق و غيره في الشرائع و غيرها. و في الجواهر: «لعله المشهور بين المتأخرين»، و حكي عن المفيد و الحلي، لإطلاق جملة من النصوص المتقدمة. و دعوى الانصراف الى الفريضة أو خصوص اليومية- كما عن الحدائق- ممنوعة بنحو يعتد بها في رفع اليد عن الإطلاق، و لو سلم، فقد عرفت مكرراً أن مقتضى الإطلاق المقامي إلحاق النوافل بالفرائض فيما يجب و ما يستحب، فما عن السيد (ره) في (محمدياته): من التخصيص بالفرائض. غير واضح.

حكي ذلك عن الشيخين، و القاضي، و التحرير، و التذكرة، و نهاية الاحكام، و كذا عن سلار، مع إبدال صلاة الإحرام بالشفع.

و عن رسالة ابن بابويه: الاقتصار على الستة الأولى بإخراج الوتيرة، بل ربما نسب الى المشهور، و عن الشيخ (ره): الاعتراف بعدم وقوفه على خبر مسند يشهد به، و كذا حكي عن الفاضل، مع أنهما ممن نسب اليه القول بالعموم للسبع، و ما‌

عن «فلاح السائل» عن أبي جعفر (ع): «افتتح في ثلاثة مواطن بالتوجه و التكبير: في أول الزوال، و صلاة الليل، و المفردة من الوتر، و قد يجزيك فيما سوى ذلك من التطوع أن‌

 

77
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 70

 و هي: كل صلاة واجبة، و أول ركعة من صلاة الليل، و مفردة الوتر، و أول ركعة من نافلة الظهر، و أول ركعة من نافلة المغرب، و أول ركعة من صلاة الإحرام، و الوتيرة.

و لعل القائل أراد تأكدها في هذه المواضع (1).

[ (مسألة 11): لما كان في مسألة تعيين تكبيرة الإحرام إذا أتى بالسبع أو الخمس أو الثلاث احتمالات]

(مسألة 11): لما كان في مسألة تعيين تكبيرة الإحرام إذا أتى بالسبع أو الخمس أو الثلاث احتمالات، بل أقوال:

تعيين الأول، و تعيين الأخير، و التخيير، و الجميع، فالأولى لمن أراد إحراز جميع الاحتمالات و مراعاة الاحتياط من جميع الجهات أن يأتي بها بقصد أنه إن كان الحكم هو التخيير فالافتتاح هو كذا، و يعين في قلبه ما شاء، و إلا فهو ما عند‌

تكبر تكبيرتين لكل ركعة» «1»‌

لا ظهور فيه في الاختصاص، و كذا ما‌

عن الفقه الرضوي: «ثمَّ افتتح بالصلاة و توجه بعد التكبير، فإنه من السنة الموجبة في ست صلوات و هي: أول ركعة من صلاة الليل، و المفردة من الوتر، و أول ركعة من نوافل المغرب، و أول ركعة من ركعتي الزوال، و أول ركعة من ركعتي الإحرام، و أول ركعة من ركعات الفرائض» «2»‌

مع أنه لا يخلو من إجمال، و الأول مورده الثلاثة، و الثاني غير متعرض للوتيرة.

كما هو ظاهر عبارة المقنعة، فإنه بعد ما ذكر استحبابها لسبع قال: «ثمَّ هو فيما بعد هذه الصلاة يستحب، و ليس تأكيده كتأكيده فيما عددناه».

______________________________
(1) مستدرك الوسائل باب: 5 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 1‌

(2) فقه الرضا صفحة: 13.

 

78
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 11 لما كان في مسألة تعيين تكبيرة الإحرام إذا أتى بالسبع أو الخمس أو الثلاث احتمالات ج‌6 ص 78

اللّه من الأول أو الأخير أو الجميع (1).

[ (مسألة 12): يجوز الإتيان بالسبع ولاء من غير فصل بالدعاء]

(مسألة 12): يجوز الإتيان بالسبع ولاء من غير فصل بالدعاء (2) لكن الأفضل (3) أن يأتي بالثلاث، ثمَّ يقول:

(اللهم أنت الملك الحق، لا إله إلا أنت، سبحانك إني ظَلَمْتُ نَفْسِي، فَاغْفِرْ لِي ذنبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)

ثمَّ يأتي باثنتين و يقول:

(لبيك و سعديك، و الخير في يديك و الشر ليس إليك، و المهدي من هديت، لا ملجأ منك إلا إليك، سبحانك و حنانيك، تباركت و تعاليت، سبحانك رب البيت)

ثمَّ يأتي باثنتين و يقول: (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ،- عٰالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهٰادَةِ،- حَنِيفاً مُسْلِماً،- وَ مٰا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ- إِنَّ صَلٰاتِي، وَ نُسُكِي، وَ مَحْيٰايَ، وَ مَمٰاتِي لِلّٰهِ و لا ينافيه كون قصده تقديريا، للاكتفاء به في العبادة، و لا سيما مع عدم إمكان العلم الحقيقي بالتقدير.

كما يقتضيه إطلاق بعض النصوص. و‌

في موثق زرارة: «رأيت أبا جعفر (ع)، أو قال: سمعته استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاء» «1».

كما‌

في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك، ثمَّ ابسطهما بسطاً، ثمَّ كبر ثلاث تكبيرات، ثمَّ قل: اللهم أنت ..

إلى آخر الدعاء الأول كما في المتن، ثمَّ كبر تكبيرتين، ثمَّ قل: لبيك و سعديك .. الى آخر الدعاء الثاني كما في المتن، ثمَّ تكبر تكبيرتين، ثمَّ تقول وَجَّهْتُ وَجْهِيَ .. إلى آخر الدعاء الثالث كما في المتن، ثمَّ تعوذ من الشيطان الرجيم، ثمَّ اقرأ فاتحة الكتاب» «2».

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 1.

 

79
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 12 يجوز الإتيان بالسبع ولاء من غير فصل بالدعاء ج‌6 ص 79

رَبِّ الْعٰالَمِينَ، لٰا شَرِيكَ لَهُ، وَ بِذٰلِكَ أُمِرْتُ و أنا من المسلمين) ثمَّ يشرع في الاستعاذة و سورة الحمد.

و يستحب أيضاً أن يقول قبل التكبيرات (1):

(اللهم إليك توجهت، و مرضاتك ابتغيت، و بك آمنت، و عليك توكلت صل على محمد و آل محمد، و افتح قلبي لذكرك، و ثبتني على دينك، و لا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، و هب لي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّٰابُ)

. و يستحب أيضاً أن يقول بعد الإقامة قبل تكبيرة الإحرام (2):

(اللهم رب هذه الدعوة التامة، و الصلاة القائمة، بلغ محمداً صلى اللّه عليه و آله الدرجة و الوسيلة، و الفضل و الفضيلة، باللّه استفتح، و باللّه أستنجح، و بمحمد رسول اللّه صلى اللّه عليه و عليهم أتوجه، اللهم صل على محمد و آل محمد، و اجعلني بهم عندك وَجِيهاً فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ‌

، لم أجده فيما يحضرني من الوسائل، و المستدرك، و الحدائق، و الجواهر. نعم قال‌

في مفتاح الفلاح: «تقول بعد الإقامة» و ذكر الدعاء، لكنه قال: «و مرضاتك طلبت، و ثوابك ابتغيت، و عليك توكلت، اللهم صل ..».

كما‌

عن ابن طاوس في فلاح السائل بسنده عن ابن أبي نجران عن الرضا (ع) قال (ع): «تقول بعد الإقامة قبل الاستفتاح في كل صلاة:

اللهم ..» «1»‌

الى آخر ما في المتن.

______________________________
(1) مستدرك الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 1.

 

80
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 12 يجوز الإتيان بالسبع ولاء من غير فصل بالدعاء ج‌6 ص 79

وَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ‌

، و أن يقول بعد تكبيرة الإحرام (1):

(يا محسن قد أتاك المسي‌ء، و قد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسي‌ء، أنت المحسن و أنا المسي‌ء، بحق محمد و آل محمد، صل على محمد و آل محمد، و تجاوز عن قبيح ما تعلم مني)

. [ (مسألة 13): يستحب للإمام أن يجهر بتكبيرة الإحرام على وجه يسمع من خلفه، دون الست]

(مسألة 13): يستحب للإمام أن يجهر بتكبيرة الإحرام على وجه يسمع من خلفه (2)، دون الست، فإنه يستحب الإخفات بها (3).

المحكي‌

عن فلاح السائل بسنده عن ابن أبي عمير عن الأزدي عن الصادق (ع)- في حديث-: «.. كان أمير المؤمنين (ع) يقول لأصحابه: من أقام الصلاة و قال قبل أن يحرم و يكبر: يا محسن‌

.. إلى آخر ما في المتن‌

يقول اللّه تعالى: يا ملائكتي اشهدوا أني قد عفوت عنه، و أرضيت عنه أهل تبعاته» «1»‌

، و عن الشهيد في الذكرى: أنه قد ورد هذا الدعاء عقيب السادسة، إلا أنه لم يذكر فيه:

«بحق محمد و آل محمد»‌

و إنما فيه:

«و أنا المسي‌ء فصل على محمد و آل محمد ..»‌

الى آخر الدعاء، و كلاهما لا يوافق المتن.

كما لعله الظاهر من الأمر بالجهر، و يقتضيه عموم ما دل على استحباب إسماع الإمام من خلفه كل ما يقول.

بلا خلاف ظاهر لخبر أبي بصير المتقدم في أوائل المسألة العاشرة، و لما‌

في صحيح الحلبي: «و إن كنت إماماً فإنه يجزئك أن تكبر واحدة تجهر فيها، و تسر ستاً» «2»‌

، و‌

خبر الحسن بن راشد: «سألت أبا الحسن‌

______________________________
(1) مستدرك الوسائل باب: 9 من أبواب القيام حديث: 2 لكن فيه: «و أنت المحسن» و «فبحق محمد و آل محمد».

(2) الوسائل باب: 12 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 1‌

 

81
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 يستحب رفع اليدين بالتكبير ج‌6 ص 82

[ (مسألة 14): يستحب رفع اليدين بالتكبير]

(مسألة 14): يستحب رفع اليدين بالتكبير (1)

الرضا (ع) عن تكبيرة الافتتاح، فقال (ع): سبع، قلت: روي عن النبي (ص) أنه كان يكبر واحدة، فقال (ع): إن النبي (ص) كان يكبر واحدة يجهر بها و يسر ستاً» «1».

على المشهور شهرة عظيمة، بل بغير خلاف بين العلماء- كما في المعتبر- أو بين أهل العلم- كما في المنتهى- أو علماء أهل الإسلام- كما عن جامع المقاصد- و عن الانتصار: وجوبه في جميع تكبيرات الصلاة، مدعياً عليه إجماع الطائفة. و ربما يستشهد له- مضافاً الى الإجماع الذي ادعاه- بظاهر النصوص، كصحيح الحلبي المتقدم «2»، و‌

صحيح زرارة: «إذا قمت إلى الصلاة فكبرت، فارفع يديك، و لا تجاوز بكفيك أذنيك أي حيال خديك» «3»‌

، و‌

صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (ع) في قول اللّه عز و جل «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ» قال (ع): «هو رفع يديك حذاء وجهك» «4»‌

، و نحوه خبرا عمر بن يزيد «5» و جميل «6» المرويان عن مجمع البيان، و‌

خبر الأصبغ عن علي (ع): «لما نزلت على النبي (ص):

(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ) قال (ص): يا جبرئيل ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي؟ قال (ع): يا محمد أنها ليست نحيرة، و لكنها رفع الأيدي في الصلاة» «7».

و‌

رواه في مجمع البيان كذلك، الا أنه قال:

______________________________
(1) الوسائل باب: 12 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 2.

(2) تقدم في أول المسألة الثانية عشرة.

(3) الوسائل باب: 10 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 4.

(5) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 16.

(6) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 17.

(7) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 13.

 

82
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 12 يجوز الإتيان بالسبع ولاء من غير فصل بالدعاء ج‌6 ص 79

.....

«ليست بنحيرة، و لكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يدك إذا كبرت و إذا ركعت، و إذا رفعت رأسك من الركوع، و إذا سجدت، فإنه صلاتنا و صلاة الملائكة في السماوات السبع، و إن لكل شي‌ء زينة و إن زينة الصلاة رفع الأيدي عند كل تكبيرة»‌

، و‌

صحيح معاوية في وصية النبي (ص) لعلي (ع): «و عليك برفع يديك في صلاتك و تقليبهما» «1».

هذا، و لكن الإجماع غير ظاهر، بل قد عرفت دعواه على الاستحباب و صحيح الحلبي وارد في مقام بيان الافتتاح الكامل لا أصل الافتتاح، بقرينة ذكر بسط الكفين، و تكرار التكبير و ذكر الأدعية. و صحيح ابن سنان و ما بعده مما ورد في تفسير الآية إنما يجدي في عموم الحكم بضميمة قاعدة الاشتراك، و هي غير ظاهرة، فتأمل، فلم يبق إلا صحيح زرارة، و صحيح معاوية. و يمكن رفع اليد عن ظاهرهما بقرينة ما في النصوص من التعليل:

بأنه زينة «2»، و بأنه‌

«ضرب من الابتهال و التبتل و التضرع، فأحب اللّه عز و جل أن يكون العبد في وقت ذكره له متبتلا متضرعاً مبتهلا» «3»‌

و بأن في رفع اليدين إحضار النية و إقبال القلب، مما هو ظاهر في الاستحباب مضافا الى‌

صحيح ابن جعفر (ع): «على الامام أن يرفع يده في الصلاة، ليس على غيره أن يرفع يده في الصلاة» «4».

فإن النفي عن غير الإمام يقتضي النفي عنه بضميمة عدم القول بالفصل، و لا يعارض بأن الأمر للإمام بالرفع يقتضي الأمر لغيره بقرينة عدم القول بالفصل أيضاً،

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 8.

(2) تقدم في أول الصفحة.

(3) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 11.

(4) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 7.

 

83
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 يستحب رفع اليدين بالتكبير ج‌6 ص 82

إلى الأذنين (1)، أو إلى حيال الوجه (2)، لأن ذلك يؤدي الى طرح النفي بالمرة، بخلاف الأول فإنه يؤدي الى حمل الأمر على الاستحباب، و هو أولى عرفا من الطرح، و احتمال حمل الرفع في الصحيح على رفع اليدين بالقنوت خلاف الظاهر منه، و لو بقرينة مناسبة الحكم و الموضوع، فإنها تقتضي كون رفع الإمام للاعلام بالافتتاح، لا أقل من أن يكون خلاف إطلاقه الشامل للقنوت و التكبير، فلاحظ.

كما عن بعض، و في الشرائع، و عن غيرها: «الى حذاء أذنيه»، و في القواعد، و عن غيرها: «إلى شحمتي الاذن» و ظاهر المعتبر، و المنتهى: اختياره، و عن الخلاف: الإجماع عليه، و لعل مراد الجميع واحد. و ليس في النصوص ما يشهد له. نعم في المعتبر- بعد ما حكى عن المبسوط المحاذاة لشحمتي الاذن- قال: «و هي‌

رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع): إذا افتتحت الصلاة فكبرت فلا تجاوز أذنيك» «1»‌

و نحوه ما في المنتهى. لكن دلالة الرواية قاصرة. نعم‌

في الرضوي: «و ارفع يديك بحذاء أذنيك» «2».

كما عن النافع، و ربما نسب إلى الأشهر، و لعل المراد الأشهر رواية، فقد تقدم ذلك في روايات زرارة، و ابن سنان، و يزيد، و جميل «3» و‌

في صحيح ابن سنان الآخر: «رأيت أبا عبد اللّه (ع) يصلي، يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح» «4»‌

و نحوه روى منصور بن حازم «5»‌


 (1) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 5.

(2) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 7.

(3) تقدمت في أول المسألة.

(4) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 6.

84
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 يستحب رفع اليدين بالتكبير ج‌6 ص 82

أو إلى النحر (1)، مبتدئاً بابتدائه، و منتهياً بانتهائه (2)، فإذا انتهى التكبير و الرفع أرسلهما. و لا فرق بين الواجب منه و المستحب في ذلك (3)، و‌

في صحيح زرارة الآخر: «ترفع يديك في افتتاح الصلاة قبالة وجهك» «1»‌

و‌

في صحيح صفوان: «رأيت أبا عبد اللّه (ع) إذا كبر في الصلاة يرفع يديه حتى يكاد يبلغ أذنيه» «2».

كما عن الصدوق، و يشهد له المرسل‌

عن مجمع البيان: «و عن علي (ع) في قوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ): أن معناه رفع يدك الى النحر في الصلاة» «3»‌

و يشير اليه ما‌

في صحيح معاوية بن عمار: «رأيت أبا عبد اللّه (ع) حين افتتح الصلاة يرفع يديه أسفل من وجهه قليلا» «4».

كما يقتضيه ظاهر التعبير في كلماتهم، حيث يقولون برفعهما بالتكبير، كأنه لوحظ التكبير آلة للرفع، و إنما يكون آلة حال وجوده لا بعد انتهائه، فلا بد أن ينتهي بانتهائه. لكن في استظهار ذلك من النصوص إشكال، بل مقتضى اقتران الرفع بالتكبير أن يكون بعد انتهاء الرفع. و أما ما قيل من أن المستحب التكبير حال الإرسال فغير ظاهر الوجه و استظهاره من صحيح الحلبي المتقدم «5» في أدعية التكبير تكلف بلا داع إليه.

لإطلاق جملة من النصوص.

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 15.

(4) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 2.

(5) تقدم في أول المسألة الثانية عشرة.

 

85
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 يستحب رفع اليدين بالتكبير ج‌6 ص 82

و الأولى أن لا يتجاوز بهما الأذنين (1). نعم ينبغي ضم أصابعهما (2) حتى الإبهام و الخنصر (3)، و الاستقبال بباطنهما القبلة (4)، للنهي عنه في صحيح زرارة المتقدم «1» في أدلة وجوب الرفع و نحوه خبر أبي بصير «2».

قد يظهر من الذكرى الاتفاق على استحباب ضم ما عدا الإبهام قال (ره): «و لتكن الأصابع مضمومة، و في الإبهام قولان، و فرقه أولى، و اختاره ابن إدريس تبعاً للمفيد و ابن البراج، و كل ذلك منصوص» و قال في المعتبر: «و يستحب ضم الأصابع .. الى أن قال: و قال علم الهدى و ابن الجنيد: يجمع بين الأربع و يفرق بين الإبهام»، و نحوه ما في المنتهى، و دليله غير ظاهر إلا المرسل المشار إليه في كلامه. و اشتمال صحيح حماد «3» على ضم الأصابع في القيام و السجود و التشهد لا يفيد في المقام فالاستدلال به عليه- كما في المعتبر و المنتهى- غير ظاهر.

قد يستشهد على ضم الأول بما‌

عن أصل زيد النرسي: أنه رأى أبا الحسن الأول (ع): «إذا كبر في الصلاة ألزق أصابع يديه الإبهام و السبابة و الوسطى و التي تليها و فرج بينها و بين الخنصر» «4».

و على ضم الثاني بما تقدم عن الذكرى، و لا يعارض بذيل ما عن النرسي لشذوذه. فتأمل.

نص عليه غير واحد، منهم المعتبر، و المنتهى، من غير نقل خلاف،

لرواية منصور: «رأيت أبا عبد اللّه (ع) افتتح الصلاة، فرفع‌

______________________________
(1) تقدم في أول المسألة.

(2) تقدم في صفحة: 84.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.

(4) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3.

 

86
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 يستحب رفع اليدين بالتكبير ج‌6 ص 82

و يجوز التكبير من غير رفع اليدين (1)، بل لا يبعد جواز العكس (2).

[ (مسألة 15): ما ذكر من الكيفية في رفع اليدين إنما هو على الأفضلية]

(مسألة 15): ما ذكر من الكيفية في رفع اليدين إنما هو على الأفضلية و إلا فيكفي مطلق الرفع (3) بل لا يبعد جواز رفع إحدى اليدين دون الأخرى.

[ (مسألة 16): إذا شك في تكبيرة الإحرام]

(مسألة 16): إذا شك في تكبيرة الإحرام، فإن كان قبل الدخول فيما بعدها بنى على العدم (4)، و إن كان بعد الدخول فيما بعدها من دعاء التوجه أو الاستعاذة أو‌

يديه حيال وجهه، و استقبل القبلة ببطن كفيه» «1»‌

و‌

خبر جميل: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن قوله عز و جل (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ) فقال (ع) بيده: هكذا» «2»‌

يعني استقبل بيديه حذو وجهه القبلة في افتتاح الصلاة.

كما عرفت، و عرفت خلاف السيد (ره) فيه.

للتعليل في بعض النصوص «3»: بأن رفع اليدين ضرب من الابتهال و التبتل و التضرع.

تقدم في مبحث الأذان الكلام في حمل المطلق على المقيد في المستحبات و يمكن أن يستفاد استحباب مطلق الرفع هنا من التعليل المشار اليه آنفاً، و منه يستفاد حكم ما بعده، و ان استشكل فيه في الجواهر: لاحتمال اعتبار الهيئة، لكنه ضعيف، و لعله للإشارة الى ذلك أمر بالتأمل.

لقاعدة الشك في المحل التي تقتضيها أصالة العدم، أو قاعدة الاحتياط أو المفهوم المستفاد من الشرطية التي تضمنها بعض نصوص قاعدة التجاوز «4».

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 17.

(3) تقدمت في صفحة: 83.

(4) الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 1.

 

87
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 إذا شك في تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 87

القراءة بنى على الإتيان (1). و إن شك بعد إتمامها أنه أتى بها صحيحة أولا بنى على العدم (2)، لكن الأحوط إبطالها بأحد المنافيات (3)، ثمَّ استئنافها. و إن شك في الصحة بعد الدخول فيما بعدها بنى على الصحة (4).

لقاعدة التجاوز، بل صرح في صحيح زرارة «1» الوارد في بيان القاعدة المذكورة بعدم الاعتناء بالشك في التكبير و قد قرأ.

لقاعدة الشك في المحل التي يقتضيها ما عرفت، لكن لا يبعد جريان أصالة الصحة المعول عليها عند العقلاء في كل ما يشك في صحته و فساده، من عقد، أو إيقاع، أو عبادة، سواء أ كان فعلا له أم لغيره، و ربما يشير إليها‌

موثق محمد بن مسلم: «كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو» «2».

لاحتمال صحة التكبير، فيكون التكبير الثاني مبطلا له على ما سبق فاذا أبطله بأحد المنافيات فقد أحرز صحة التكبير الثاني.

هذا يتم لو كان منشأ الشك في الصحة الشك في وجود شرط أو جزء، إذ يمكن أن يقال بعموم دليل قاعدة التجاوز للجزء و الشرط المشكوكين لصدق الشك في الشي‌ء بعد التجاوز عنه. أما إذا كان منشأ الشك في الصحة الشك في وجود مانع فغير ظاهر، إذ لا عموم في دليل القاعدة يشمل العدم، بل يختص بالوجود الذي له محل معين، و قد تجاوز عنه. و ملاحظة وصف الصحة مجرى لها غير صحيحة، لأنه وصف اعتباري فالعمدة في البناء على الصحة قاعدة الصحة، التي لا يفرق في جريانها بين الدخول في الغير و عدمه كما في الفرض السابق. و هذا من وجوه الفرق بين‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 3.

 

88
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 إذا شك في تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 87

و إذا كبر ثمَّ شك في كونه تكبيرة الإحرام، أو تكبير الركوع بنى على أنه للإحرام (1).

[فصل في القيام]

فصل في القيام و هو أقسام: إما ركن و هو القيام حال تكبيرة الإحرام و القيام المتصل بالركوع (2)، بمعنى أن يكون الركوع عن قيام، فلو كبر للإحرام جالساً، القاعدتين، فان القيود العدمية تجري فيها قاعدة الصحة، و لا تجري فيها قاعدة التجاوز.

لأن الشك المذكور راجع الى الشك في القراءة و هو في المحل، فعليه فعلها لقاعدة الشك في المحل.

فصل في القيام قد أطلق في كلام الأصحاب أن القيام ركن. قال في المعتبر:

«و هو واجب، و ركن مع القدرة، و عليه إجماع العلماء». و في المنتهى:

«القيام واجب، و ركن مع القدرة عليه، ذهب اليه كل علماء الإسلام» و في كشف اللثام- بعد قول مصنفه: «إنه ركن في الصلاة الواجبة، لو أخل به عمداً أو سهواً مع القدرة بطلت صلاته»- قال: «بالنصوص و الإجماع». و نحو ذلك ما عن جامع المقاصد، و إرشاد الجعفرية، و الروض و غيرها. و عن العلامة (ره): التصريح بأنه ركن كيف اتفق.

و استدل له- مضافاً الى الإجماع- بإطلاق ما دل على وجوبه،

89
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القيام ج‌6 ص 89

.....

مثل‌

مصحح ابن حمزة عن أبي جعفر (ع) في قول اللّه عز و جل:

«الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ» «1» قال (ع):

«الصحيح يصلي قائماً، و المريض يصلي جالساً» «2»‌

، و ما‌

في صحيح زرارة: «قال أبو جعفر (ع): و قم منتصباً، فان رسول اللّه (ص) قال: من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له» «3»‌

، و‌

خبر الهروي:

«قال رسول اللّه (ص): إذا لم يستطع الرجل أن يصلي قائماً فليصل جالساً» «4»‌

، و نحوها. و استشكل فيه غير واحد من المتأخرين: بأن ناسي القراءة صلاته صحيحة، مع فوات بعض القيام المستلزم لفوات المجموع.

أقول: الأولى النقض بترك القيام بعد الركوع ناسياً، أما النقض بنسيان القراءة فيمكن الجواب عنه: بأن القيام يجب حال القراءة، فإذا سقط وجوب القراءة بالنسيان لا يجب القيام كي يكون ركناً أو غير ركن، فتأمل.

و كيف كان، فلأجل ذلك عدلوا عن إطلاق الركنية إلى أنه تابع لما وقع فيه، فالقيام إلى النية شرط، و القيام في النية مردد بين الركن و الشرط كحال النية، و القيام في التكبير ركن كالتكبير، و القيام في القراءة واجب غير ركن، و القيام المتصل بالركوع- و هو الذي يركع عنه- ركن قطعاً، و القيام من الركوع واجب غير ركن، و القيام في القنوت مستحب كالقنوت، حكي ذلك عن الشهيد في ببعض فوائده، و تبعه جماعة ممن تأخر عنه، منهم ابن فهد في المهذب البارع، و الشهيد الثاني في غاية المرام، و الروض، قال في الثاني:

______________________________
(1) آل عمران: 191.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب القيام حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 18.

90
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 إذا شك في تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 87

.....

«و اعلم أن إطلاق القول بركنية القيام بحيث تبطل الصلاة بزيادته و نقصانه سهواً لا يتم، لأن القيام في موضع القعود و عكسه سهواً غير مبطل اتفاقاً، بل التحقيق أن القيام ليس بجميع أقسامه ركناً، بل هو على أنحاء» ثمَّ ذكر ما ذكرناه. و عن الوحيد في حاشية المدارك: «أنه مراد الفقهاء».

و في الجواهر: جعل الركن مجموع القيام الواجب في الركعة، نظير ركنية السجود، فنقصه إنما يكون بفقد الركعة للقيام أصلا، و زيادته إنما تكون بزيادة تمام القيام حتى المتصل بالركوع وحده أو مع التكبير المستلزم لزيادتهما. و فيه مع أن عليه يكون موضوع الركنية الذي تضاف إليه الزيادة تارة و النقيصة أخرى لا يخلو من إشكال و إجمال كما سيأتي في السجود-:

أن لازمه أن لو كبر جالساً ساهياً ثمَّ قام و قرأ ثمَّ جلس و ركع و هو جالس ساهياً لم تفسد صلاته، لعدم فقد القيام أصلا، و هو كما ترى. و لأجل ذلك جرى في المتن على ما ذكره الشهيد، فجعل الركن من القيام القيام حال تكبيرة الإحرام، و القيام المتصل بالركوع.

و الدليل على الأول- مضافاً الى الإجماع المدعى في كلام جماعة- ما‌

في موثق عمار عن الصادق (ع): «و كذلك إذا وجب عليه الصلاة من قيام فنسي حتى افتتح الصلاة و هو قاعد، فعليه أن يقطع صلاته، و يقوم فيفتتح الصلاة و هو قائم، و لا يعتد بافتتاحه و هو قاعد» «1»‌

، لكنه إنما يدل على وجوب الاستئناف لعدم القيام في التكبير، و كما يمكن أن يكون ذلك لركنية القيام يمكن أن يكون لأجل أنه شرط في التكبير، فيكون فواته موجباً لفواته. بل لعل ظاهر الموثق الثاني، كما هو مقتضى أخذ القيام و القعود أحوالا للصلاة و الافتتاح، فلا يصلح للحجية على ركنية القيام في عرض التكبيرة.

______________________________
(1) الوسائل باب: 13 من أبواب القيام حديث: 1.

 

91
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القيام ج‌6 ص 89

أو في حال النهوض بطل (1) و لو كان سهواً، و كذا لو ركع لا عن قيام، بأن قرأ جالساً ثمَّ ركع، أو جلس بعد القراءة أو في أثنائها و ركع (2)، و إن نهض متقوساً إلى هيئة الركوع القيامي، و كذا لو جلس، ثمَّ قام متقوساً (3) من غير أن و أما الثاني: فدليله منحصر بالإجماع المدعى صريحاً و ظاهراً في كلام جماعة. و ما في المستند و عن غيره من أن القيام المتصل داخل في مفهوم الركوع، لأنه الانحناء عن قيام. فيه: أن الركوع من الجالس ركوع قطعاً عرفاً. نعم يحتمل أن يكون الهوي بعنوان التعظيم داخلا في مفهوم الركوع المجعول جزءاً من الصلاة، لكنه غير ما نحن فيه كما هو ظاهر. مع أنه لو تمَّ ذلك كانت ركنية القيام عرضية بلحاظ كونه مقوماً للركن، فلا يحسن عده ركناً في قبال الركوع.

و المتحصل من ذلك كله: أن دعوى كون القيام ركناً في قبال ركنية التكبير و الركوع ليس مستندها إلا الإجماع، مع أن من المحتمل إرادة المجمعين الركنية العرضية الغيرية، كما يومئ اليه الاستناد إلى الموثق، و إلى دعوى دخل القيام في الركوع فلاحظ.

قد تقدم خلاف الشيخ (ره) في ذلك، و دليله و ضعفه فراجع.

يظهر منهم المفروغية عن البطلان في الفرض، و الخلل فيه من وجهين: أحدهما: عدم القيام المتصل بالركوع. و ثانيهما: كونه واقعاً في حال الجلوس لا في حال انتصاب الفخذين و الساقين. و المتعين في وجه البطلان الثاني، إذ مانعية الأول محل إشكال- كما يأتي في الفرض الثاني- و كأن العمدة في مانعية الثاني هو الإجماع، إذ دعوى عدم صدق الركوع في حال الجلوس كما ترى، ضرورة صدقه حقيقة.

يعني: كان تقوسه غير بالغ حد الركوع ثمَّ انحنى زائداً حتى بلغ‌

 

92
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القيام ج‌6 ص 89

ينتصب، ثمَّ يركع و لو كان ذلك كله سهواً. و واجب غير ركن، و هو القيام حال القراءة (1) و بعد الركوع. و مستحب و هو القيام حال القنوت (2)، و حال تكبير الركوع.

حد الركوع. و في الجواهر استشكل في بطلان الصلاة في الفرض: بأن أقصى ما يستفاد من الأدلة بطلان الصلاة بفقد أصل القيام في الركعة، لا جزء منه، و أنه يكفي حال السهو تعقب الركوع للقيام و لو مع تخلل العدم.

و فيه: أن إطلاق الأدلة نفسه أيضاً لا يقتضي تعقب الركوع للقيام و لو في الجملة لما عرفت من‌

حديث: «لا تعاد الصلاة» «1»‌

، و البناء على البطلان في الفرض لا بد أن يكون ناشئاً من الإجماع على اعتبار اتصال الهوي إلى الركوع بالقيام، و لا فرق بين الفرض و بين ما لو كبر قائماً ثمَّ نسي و جلس و ركع و سجد.

و بالجملة إن بني على الاعتماد على الإجماع المدعى في لسان الجماعة فمقتضاه ركنية القيام المقارن للهوي للركوع، و بطلان الصلاة بفواته، و إن بني على عدم الاعتناء بالإجماعات و الرجوع إلى الإطلاقات فمقتضاها عدم ركنية القيام أصلا، عدا القيام حال التكبير للنص المتقدم. و التفكيك بين الإجماعات المدعاة بالثبوت و عدمه غير ظاهر.

أما وجوبه فلإطلاق ما دل على وجوب القيام في الصلاة الشامل للقراءة كغيرها، و أما كونه غير ركن فلما عرفت من أنه مقتضى‌

حديث: «لا تعاد الصلاة»‌

الدال على صحة الصلاة مع فقد كل ما يعتبر فيها من جزء أو شرط عدا ما استثني، و كذا الحال في القيام بعد الركوع. أما وجوبه فسيأتي دليله في مبحث الركوع.

عن المحقق الثاني الاستشكال فيه: بأنه قيام متصل بقيام القراءة فهما قيام واحد، و لا يكون الواحد واجباً و مندوباً. و أجيب عنه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4‌

 

93
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القيام ج‌6 ص 89

.....في الروض و عن المدارك: «بأنه ممتد يقبل الانقسام إلى الواجب و الندب، و اتصاله بالواجب مع وجود خواص الندب فيه لا يدل على الوجوب».

و استشكل فيه في الجواهر: بأن جواز ترك القيام المقارن للقنوت بترك القنوت معه لا يقتضي الندب، بعد أن كان الترك إلى بدل و هو الفرد الآخر من القيام الذي هو أقصر من هذا الفرد، كما هو شأن سائر الواجبات التخييرية. بل يمكن أن يقال لا جزء مندوب في الصلاة أصلا، و مرجع الجميع إلى أفضل أفراد الواجب التخييري، لأنه لا تجوز مخالفة حكم الأجزاء للجملة، فالأمر إذا تعلق بكل ذي أجزاء جزء إلى أجزائه قطعاً.

و فيه- أولا-: أن لازم ما ذكر لزوم الإتيان بالقنوت و نحوه من الأجزاء المندوبة بنية الوجوب لا الندب، و هو- مع أنه خلاف الإجماع ظاهراً- مخالف لمرتكزات المتشرعة.

و ثانياً: أن ذلك خلاف المستفاد من أدلة مشروعيتها، إذ هي ما بين ظاهر في الاستحباب مثل: أحب أن تفعل كذا. و ينبغي أن تفعل كذا و نحوهما و ما بين ما هو محمول عليه كالأمر بشي‌ء منها المعارض بما يدل على جواز تركه. و بين مثل الأمر بالصلاة معه و الأمر بالصلاة بدونه، الذي قد عرفت في مبحث تكبيرات الافتتاح أن الجمع العرفي بينهما يقتضي أن يكون للزائد مصلحة غير ملزمة زائدة على مصلحة الصلاة الملزمة التي يحصلها مجموع الأجزاء، فالأمر به يكون نفسياً استحبابياً، لا غيرياً، و لا إرشادياً إلى دخله في المصلحة، و لا نفسياً ضمنياً فلاحظ ما سبق في مبحث تكبيرات الافتتاح.

و العجب من شيخنا (ره) في الجواهر كيف رد ظهور نصوص الافتتاح في الوجوب التخييري بين الواحدة و الأكثر بمخالفته للإجماع، و لم يوافق المجلسي (ره) على الأخذ به، و مع ذلك التزم في المقام بأن الأجزاء المندوبة واجبية بالوجوب التخييري من غير فرق بين القنوت و تكبيرات الافتتاح الست‌

94
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القيام ج‌6 ص 89

و قد يكون مباحا و هو القيام بعد القراءة، أو التسبيح، أو القنوت، أو في أثنائها مقداراً من غير أن يشتغل بشي‌ء (1).

و ذلك في غير المتصل بالركوع، و غير الطويل الماحي للصورة (2)

[ (مسألة 1): يجب القيام حال تكبيرة الإحرام من أولها إلى آخرها]

(مسألة 1): يجب القيام حال تكبيرة الإحرام من أولها إلى آخرها، بل يجب من باب المقدمة قبلها و بعدها (3)، و أدعيتها و غيرها. نعم ما ذكره من امتناع المخالفة بين الجزء و الكل في الحكم مسلم لا غبار عليه، و قد أشرنا إليه مراراً، لكن المتعين حينئذ رفع اليد عن كونها أجزاء، و الالتزام بأنها أمور مستحبة في الكل، لا الالتزام بوجوبها التخييري الذي عرفت الاشكال عليه.

نعم ما ذكره: من أن جواز ترك القيام المقارن للقنوت بترك القنوت معه لا يقتضي الندب في محله، لأن المندوب ما يجوز تركه مع وجود شرط ندبه، لا ما يجوز تركه في حال ترك شرط ندبه، فان جميع الواجبات المشروطة بشرط يجوز تركها بترك شرط وجوبها، و لا يصح أن يقال: هي مندوبة فإذا كان شرط وجوب القيام الواجب حال القنوت هو القنوت فجواز تركه بترك القنوت لا يقتضي ندبه، فإطلاق المندوب على القيام في حال القنوت مسامحة ظاهرة.

إذ لا أمر بالقيام في الموارد المذكورة و نحوها، لا وجوباً، و لا استحباباً. لعدم الدليل عليه، فلا يجوز الإتيان به بقصد المشروعية.

فإن الأول ركن كما سبق، و الثاني مبطل، فيكون حراماً لو كانت الصلاة فريضة.

تقدم الإشكال في وجوب ذلك من باب المقدمة العلمية لاختصاصه بالفرد المشتبه بالواجب، و كذا من باب المقدمة الوجودية لاختصاصه بما يتوقف عليه الوجود، و تقدم أن الوجوب في المقام عرضي، للتلازم خارجاً‌

 

95
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 1 يجب القيام حال تكبيرة الإحرام من أولها إلى آخرها ج‌6 ص 95

فلو كان جالساً و قام للدخول في الصلاة، و كان حرف واحد من تكبيرة الإحرام حال النهوض قبل تحقق القيام بطل، كما أنه لو كبر المأموم و كان الراء من أكبر حال الهوي للركوع كان باطلا، بل يجب أن يستقر قائماً (1)، ثمَّ يكبر، و يكون مستقراً بعد التكبير، ثمَّ يركع.

[ (مسألة 2): هل القيام حال القراءة و حال التسبيحات الأربع شرط فيهما أو واجب حالهما؟]

(مسألة 2): هل القيام حال القراءة و حال التسبيحات الأربع شرط فيهما أو واجب حالهما؟ وجهان (2)، الأحوط الأول، و الأظهر الثاني، فلو قرأ جالساً نسياناً، ثمَّ تذكر بعدها، أو في أثنائها صحت قراءته و فات محل القيام، و لا بين القيام قبلها أو بعدها آناً ما، و بين القيام حالها، و الوجه في بقية المسألة ظاهر.

لما تقدم من وجوب الاستقرار في التكبير.

ينشآن من ظهور كلمات الأصحاب في الجزئية في عرض سائر الأجزاء، و كذا بعض النصوص مثل‌

صحيح زرارة المتقدم في صدر المبحث: «و قم منتصباً»‌

. و من ظهور أكثر نصوص الباب في الشرطية للأجزاء.

و قد تقدم بعضها في صدر المبحث. و البناء عليهما- أخذاً بظاهر كلا الدليلين- بعيد جداً، و العمل على ظاهر الثاني و صرف ظاهر الأول إليه لعله أقرب. فإن صحيح زرارة ظاهر في إرادة الإلزام بالانتصاب، لا تشريع وجوب القيام في الصلاة، فليس له ظهور قوي في وجوب القيام مستقلا.

اللهم إلا أن يكون بملاحظة الارتكاز العرفي، فإن القيام في نفسه من مظاهر العبودية، فوجوبه يكون لنفسه لا شرطاً لغيره. لكن في كفاية هذا المقدار في رفع اليد عن ظاهر الأدلة تأمل ظاهر.

 

96
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 هل القيام حال القراءة و حال التسبيحات الأربع شرط فيهما أو واجب حالهما ج‌6 ص 96

يجب استئناف القراءة (1)، لكن الأحوط الاستئناف قائماً (2).

[ (مسألة 3): المراد من كون القيام مستحباً حال القنوت أنه يجوز تركه بتركه]

(مسألة 3): المراد من كون القيام مستحباً حال القنوت أنه يجوز تركه بتركه (3) لا أنه يجوز الإتيان بالقنوت جالساً عمداً.

إذ وجوب استئنافها إنما يكون لعدم صحتها و وقوعها زيادة في غير محلها، و لأجل أنه لا قصور في القراءة في نفسها، فلا بد أن يكون ذلك لعدم الإتيان بالقيام مقارناً لها، و هو لو اقتضى إعادتها اقتضى إعادة سائر الأجزاء المأتي بها، لعدم الفرق بينها في مطابقتها لموضوع الأمر بها و عدم انضمام القيام إليها. و حينئذ يتعين الاستئناف من رأس، و حيث أنه منفي‌

بحديث: «لا تعاد الصلاة»‌

يجب البناء على سقوط أمر القيام، و عدم لزوم انضمامه إلى غيره من الأجزاء في هذا الحال. نعم لو بني على كون القيام شرطاً في القراءة تعين استئنافها لعدم الإتيان بها مطابقة لموضوع أمرها الضمني لفقد شرطها، و لا وجه لا عادة بقية الأجزاء، و سيأتي إن شاء اللّه في مبحث الخلل ما له نفع في المقام.

فيأتي بها بقصد القربة المطلقة لاحتمال كونها شرطا، بل عرفت أنه أقرب بالنظر إلى النصوص.

كما تقدم في عبارة الجواهر، و عن غيرها بنحو يظهر منه المفروغية عنه. و هو مما لا ينبغي الإشكال فيه، لما عرفت من أنه إذا كان واجباً في حال خاص كانت تلك الحال بمنزلة شرط وجوبه، فلا يجب مع عدمه و عرفت أن إطلاق المستحب على مثل ذلك مسامحة. نعم الإشكال في اختصاص جواز تركه بترك القنوت بحيث لا يجوز تركه مع فعل القنوت، و كأن دليله‌

موثق عمار عن أبي عبد اللّه (ع): «عن الرجل ينسى القنوت في الوتر أو غير الوتر. قال (ع): ليس عليه شي‌ء، و قال (ع): إن‌

 

97
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 المراد من كون القيام مستحبا حال القنوت أنه يجوز تركه بتركه ج‌6 ص 97

لكن نُقل عن بعض العلماء (1) جواز إتيانه جالساً، و أن القيام مستحب فيه لا شرط. و على ما ذكرنا فلو أتى به جالساً عمداً لم يأت بوظيفة القنوت، بل تبطل صلاته للزيادة (2).

ذكره و قد أهوى إلى الركوع قبل أن يضع يديه على الركبتين فليرجع قائما و ليقنت، ثمَّ ليركع» «1».

و يمكن الاستدلال له بما دل على أن الصحيح يصلي قائما «2». بناء على ما سبق من أن القنوت صلاة، و إن لم يكن جزءاً من المفهوم الواجب أو فرده. اللهم إلا أن يقال: الظاهر من القيام في الموثق ما يقابل الانحناء لا ما يقابل الجلوس كما هو محل الكلام، فتأمل. و أنه لو سلم كون القنوت و نحوه من الصلاة فالمنصرف اليه دليل اعتبار القيام خصوص الصلاة الأصلية، فتأمل.

لم أعثر على هذا القائل. و كأن مستنده ما سبق من المناقشة في دليل وجوبه في القنوت، فيرجع إلى إطلاق دليل مشروعيته لنفي الشرطية أو أصالة البراءة من وجوبه في القنوت بناء على وجوبه مستقلا فيه.

قد تقدم الاشكال فيه، و أن القنوت و غيره من المندوبات لو أتي بها في غير المحل على النحو الذي شرعت عليه في المحل لم تكن زيادة، لعدم مشروعيتها على نحو الجزئية، بل مشروعة على نحو الضميمة للمأمور به. فالإتيان بها كذلك يكون نظير إدخال صلاة في صلاة فراجع.

نعم إذا كان القيام واجبا صلاتيا في حال القنوت، فاذا قنت جالسا فقد ترك الواجب عمداً فتبطل صلاته لذلك لا للزيادة. هذا و مقتضى تعليل المصنف (ره) البطلان في المقام بالزيادة أن القيام شرط في القنوت عنده‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 15 من أبواب القنوت حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب القيام حديث: 1 و قد تقدم في أول الفصل.

 

98
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 4 لو نسي القيام حال القراءة و تذكر بعد الوصول إلى حد الركوع صحت صلاته ج‌6 ص 99

[ (مسألة 4): لو نسي القيام حال القراءة و تذكر بعد الوصول إلى حد الركوع صحت صلاته]

(مسألة 4): لو نسي القيام حال القراءة و تذكر بعد الوصول إلى حد الركوع صحت صلاته (1)، و لو تذكر قبله فالأحوط الاستئناف على ما مر (2).

[ (مسألة 5): لو نسي القراءة أو بعضها و تذكر بعد الركوع صحت صلاته إن ركع عن قيام]

(مسألة 5): لو نسي القراءة أو بعضها و تذكر بعد الركوع صحت صلاته إن ركع عن قيام، فليس المراد من كون القيام المتصل بالركوع ركناً أن يكون بعد تمام القراءة.

[ (مسألة 6): إذا زاد القيام كما لو قام في محل القعود- سهواً لا تبطل صلاته]

(مسألة 6): إذا زاد القيام كما لو قام في محل القعود- سهواً (3) لا تبطل صلاته، و كذا إذا زاد القيام حال القراءة بأن زاد القراءة سهواً. و أما زيادة القيام الركني فغير متصورة من دون زيادة ركن آخر، فان القيام حال تكبيرة كما يأتي تصريحه بذلك في مبحث القنوت- و هو خلاف ما اختاره في القيام حال القراءة، و الفرق بين المقامين غير ظاهر. و موثق عمار المتقدم لا يدل على اعتباره بنحو الشرطية.

لأنه يدور الأمر بين بقاء الأمر بالقراءة فيلزم زيادة الركوع الذي فعله لفوات الترتيب فتبطل الصلاة، و بين سقوط الأمر بها فيصح الركوع و تصح الصلاة. و إذ أن الأول يستلزم وجوب الإعادة، ينتفي‌

بحديث: «لا تعاد الصلاة»‌

، فيتعين البناء على الثاني. و سيأتي التعرض لذلك في مباحث الخلل. ثمَّ إن هذا إذا قام بعد القراءة جالساً فركع عن قيام، أما إذا ركع عن جلوس فصلاته باطلة، لفوات القيام المتصل بالركوع الذي هو الركن كما سبق.

يعني في المسألة الثانية، و قد تقدم أن الأقوى عدمه.

قد عرفت الإشكال في كون القيام للقراءة و التسبيح جزءاً أو‌

 

99
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 6 إذا زاد القيام كما لو قام في محل القعود سهوا لا تبطل صلاته ج‌6 ص 99

الإحرام لا يزاد إلا بزيادتها، و كذا القيام المتصل بالركوع لا يزاد إلا بزيادته. و إلا فلو نسي القراءة أو بعضها، فهوى للركوع، و تذكر قبل أن يصل إلى حد الركوع، رجع و أتى بما نسي، ثمَّ ركع و صحت صلاته، و لا يكون القيام السابق على الهوي الأول متصلا بالركوع حتى يلزم زيادته إذا لم يتحقق الركوع بعده فلم يكن متصلا به. و كذا إذا انحنى للركوع فتذكر قبل أن يصل إلى حده أنه أتى به، فإنه يجلس للسجدة، و لا يكون قيامه قبل الانحناء متصلا بالركوع شرطا لهما، فعلى تقدير الشرطية لا يتصور زيادته سهواً، لأن الساهي إنما يأتي به سهواً في غير المحل على وجه مشروعيته في المحل، فاذا كان تشريعه في محله على وجه الشرطية لا الجزئية فالإتيان به سهواً لا بد أن يكون أيضاً على وجه الشرطية لا الجزئية، و قد عرفت أن الزيادة متقومة بقصد الجزئية و على تقدير الجزئية فهو إنما يكون جزءاً في حال الأفعال الصلاتية لا غير فالإتيان به سهواً من دون اقترانه بقراءة أو تسبيح ليس زيادة سهوية، لما عرفت من أن الساهي إنما يأتي بالفعل في غير المحل على نحو مشروعيته في المحل، فاذا كان القيام قبل القراءة أو التسبيح ليس جزءاً فالإتيان به سهواً ليس زيادة في الصلاة.

نعم تتصور زيادة القيام بعد الركوع بأن ينتصب بعد الركوع و يهوي للسجود فيسجد ثمَّ يتخيل أنه لم ينتصب بعد ركوعه فيقوم ثانياً بقصد الانتصاب بعد الركوع فهذا القيام زيادة سهوية. أما لو نسي السجود أو التشهد فقام ثمَّ ذكر فرجع إلى المنسي فليس ذلك القيام زيادة، لأنه لم يشرع جزءاً مع الالتفات، فكذا في حال السهو كما عرفت.

 

100
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 6 إذا زاد القيام كما لو قام في محل القعود سهوا لا تبطل صلاته ج‌6 ص 99

ليلزم الزيادة.

[ (مسألة 7): إذا شك في القيام حال التكبير، بعد الدخول فيما بعده]

(مسألة 7): إذا شك في القيام حال التكبير، بعد الدخول فيما بعده، أو في القيام المتصل بالركوع بعد الوصول إلى حده، أو في القيام بعد الركوع بعد الهوي إلى السجود، و لو قبل الدخول فيه لم يعتن به، و بنى على الإتيان (1).

[ (مسألة 8): يعتبر في القيام الانتصاب]

(مسألة 8): يعتبر في القيام الانتصاب (2)، كل ذلك لقاعدة التجاوز، بناء على شمولها لمطلق الفعل المرتب على المشكوك. و لو قيل باختصاصها بالأفعال المعهودة المفردة بالتبويب، أو بالإفعال الأصلية، فلا تشمل مقدمات الأفعال امتنع جريانها في الشك في القيام بعد الركوع بعد الهوي إلى السجود قبل الدخول فيه، بناء على أن الهوي من المقدمات للسجود. لكن القولين المذكورين ضعيفان مخالفان لإطلاق الأدلة- كما أشرنا إلى ذلك في بعض مباحث الأذان. و يأتي إن شاء اللّه في مبحث الخلل- و‌

في صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أ ركع أم لم يركع قال (ع): قد ركع» «1»‌

، و التفكيك بين الركوع و القيام بعده غير ظاهر.

كما صرح به جمهور الأصحاب كما في مفتاح الكرامة، و يشهد له‌

صحيح زرارة: «و قم منتصباً فان رسول اللّه (ص) قال: من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له» «2»‌

، و‌

صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع):

قال أمير المؤمنين (ع): من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له» «3»‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الركوع حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب القيام حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب القيام حديث: 2.

 

101
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 8 يعتبر في القيام الانتصاب ج‌6 ص 101

و الاستقرار (1)، بل في الجواهر، و عن نهاية الأحكام، و التذكرة، و الذكرى: اعتباره في مفهوم القيام عرفاً. قال في نهاية الأحكام: «لو انحنى و لم يبلغ حد الراكعين فالأقرب عدم الجواز لعدم صدق القيام» و حينئذ يدل عليه كل ما دل على اعتبار القيام في الصلاة من الإجماع و النصوص. لكنه لا يخلو من تأمل. و إن كان يساعده بعض موارد الاشتقاق مثل: قام الأمر: اعتدل و استقام كذلك، و قوّم الأمر: عدله، و القوام: العدل، فان ذلك كله بحسب أصل اللغة لا العرف، إذ الظاهر صدق القائم عرفاً على المنحني ببعض مراتب الانحناء، و عدم صدق المنتصب عليه كما يشير اليه الصحيح الأول.

و دعوى أن ذلك مساهلة من أهل العرف غير مسموعة. فالعمدة فيه النصوص المتعرضة لوجوبه بالخصوص.

نسب إلى غير واحد دعوى الإجماع عليه، و في الجواهر: «الإجماع متحقق على اعتباره فيه كغيره من أفعال الصلاة». و استدل له بالإجماع، و بدخوله في مفهوم القيام، و‌

بخبر سليمان بن صالح عن أبي عبد اللّه (ع): «و ليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة» «1»‌

، و‌

بخبر السكوني- فيمن يريد أن يتقدم و هو في الصلاة- حيث قال (ع): «يكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدم إلى الموضع الذي يريد، ثمَّ يقرأ» «2».

و قد تقدم في تكبيرة الإحرام منع الثاني، و عدم تمامية الثالث، و عدم صلاحية الرابع لإثبات الكلية.

و استدل له أيضاً‌

بخبر هارون بن حمزة الغنوي: «أنه سأل أبا عبد اللّه (ع) عن الصلاة في السفينة، فقال (ع): إن كانت محملة ثقيلة إذا قمت فيها‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الأذان حديث: 12.

(2) الوسائل باب: 34 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

 

102
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 8 يعتبر في القيام الانتصاب ج‌6 ص 101

و الاستقلال (1) حال الاختيار، فلو انحنى قليلا، أو مال إلى أحد الجانبين بطل،

لم تتحرك فصلّ قائماً، و إن كانت خفيفة تكفأ فصل قاعداً» «1»‌

بناء على ظهوره في تقديم الاستقرار جالساً على القيام متحركاً، فلو لا وجوبه لم يكن لترجيحه على الواجب وجه. و فيه: أن الظاهر من قوله (ع):

«لم تتحرك»‌

- بقرينة الشرطية الثانية- أنها لا تكفأ، فتدل على ترجيح الجلوس بلا انكفاء على القيام مع الانكفاء، فتكون أجنبية عما نحن فيه.

و دعوى: أن الظاهر من قوله (ع):

«تكفأ»‌

هو التحرك، إذ من الواضح عدم انقلاب السفينة بقيام واحد فيها. من دفعة: بأن المراد من‌

«تكفأ»‌

أنها تكفأ من قام فيها، لا أنها هي تنكفئ. و الوجه في انكفاء القائم هو حركتها بنحو لا يقوى على القيام، كما يظهر ذلك لمن قام على ظهر الدابة و كأن هذا نشأ من توهم أن معنى‌

«تكفأ»‌

تنكفئ. فاذاً العمدة في دليله الإجماع كما سبق.

و ليعلم أن اعتبار الاستقرار في القيام في تكبيرة الإحرام و القراءة مساوق لاعتباره فيهما، فذكر اعتباره فيهما كاف عن ذكر اعتباره فيه. و هذا بخلاف القيام بعد الركوع، فإنه واجب فيه لنفسه كما هو ظاهر.

على المشهور، بل عن المختلف: دعوى الإجماع عليه، لدخوله في مفهوم القيام- كما قد يظهر من القواعد و الذكرى و نسب إلى ظاهر المحقق الكركي و فخر المحققين- أو لانصراف نصوص اعتبار القيام اليه أو لأنه المعهود من النبي (ص) فيدخل تحت‌

قوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي» «2»‌

، أو‌

لصحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (ع): «لا تمسك‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 14 من أبواب القيام حديث: 2.

(2) كنز العمال ج: 4 صفحة: 62 حديث: 1196.

 

103
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 8 يعتبر في القيام الانتصاب ج‌6 ص 101

بخمرك و أنت تصلي، و لا تستند إلى جدار و أنت تصلي، إلا أن تكون مريضاً» «1»‌

، و‌

خبر ابن بكير المروي عن قرب الاسناد، قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الصلاة قاعداً أو متوكئاً على عصا أو حائط، قال عليه السلام: لا، ما شأن أبيك و شأن هذا، ما بلغ أبوك هذا بعد» «2»‌

أو مفهوم‌

الخبر المروي عن دعوات الراوندي: «فان لم يتمكن من القيام بنفسه اعتمد على حائط أو عكازة» «3».

لكن الجميع لا يخلو عن إشكال، لمنع الأولين، و عدم تمامية الثالث و معارضة الصحيح و غيره‌

بصحيح ابن جعفر (ع): سأل أخاه موسى بن جعفر (ع): «عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد و هو يصلي، أو يضع يده على الحائط و هو قائم من غير مرض و لا علة؟

فقال (ع): لا بأس. و عن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأولتين، هل يصلح له أن يتناول جانب المسجد فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف و لا علة؟ فقال (ع): لا بأس به» «4»‌

، و‌

موثق ابن بكير عن أبي عبد اللّه: «عن الرجل يصلي متوكئاً على عصا أو على حائط، فقال (ع): لا بأس بالتوكؤ على عصا و الاتكاء على الحائط» «5»‌

و نحوهما غيرهما.

و حمل الأخيرة على صورة عدم الاعتماد، و الأولى على صورة الاعتماد‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب القيام، حديث: 2. و الخمر- بالفتح و التحريك-:

ما وراءك من شجر و غيره.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 20.

(3) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 7.

(4) الوسائل باب: 10 من أبواب القيام حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 10 من أبواب القيام حديث: 4.

 

104
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 8 يعتبر في القيام الانتصاب ج‌6 ص 101

و كذا إذا لم يكن مستقراً أو كان مستنداً على شي‌ء من إنسان أو جدار، أو خشبة، أو نحوها. نعم لا بأس بشي‌ء منها حال الاضطرار (1). و كذا يعتبر فيه عدم التفريج بين الرجلين فاحشاً بحيث يخرج عن صدق القيام (2)، و أما إذا كان بغير الفاحش فلا بأس (3).

لا شاهد عليه، فلا يكون جمعاً عرفياً. بل الجمع العرفي حمل الأول على الكراهة، و الأخذ بظاهر الثانية من الجواز، و لو فرض التعارض فالترجيح للثانية، لأنها أكثر و أشهر. و كأنه لذلك اختار أبو الصلاح الجواز على كراهة، و عن المدارك، و الكفاية، و البحار، و التنقيح، و في الحدائق، و المستند: تقويته. و الطعن في النصوص الأخيرة بموافقة العامة، غير قادح في الحجية، و لا موجب للمرجوحية إلا بعد فقد الترجيح بالأشهرية. نعم العمدة: وهنها بالشذوذ، و إعراض الأصحاب عنها المسقط لها عن الحجية. فتأمل.

إجماعاً كما في المستند، و في الجواهر: «لا تأمل لأحد من الأصحاب في اعتبار الاختيار في شرطية الاقلال، أما لو اضطر اليه جاز بل وجب و قدم على القعود، بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل عن ظاهر المنتهى الإجماع عليه». و يشهد له ذيل صحيح ابن سنان، و صريح خبر الدعوات، و يشير اليه ذيل خبر ابن بكير.

كما عن جماعة التصريح به، لأن ذلك مخالفة لما دل على وجوب القيام.

في الذكرى، و جامع المقاصد، و عن الألفية، و الدروس، و الروض، و غيرها: أن التباعد بين الرجلين إذا كان فاحشاً يخل بالقيام‌

 

105
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 8 يعتبر في القيام الانتصاب ج‌6 ص 101

و الأحوط الوقوف على القدمين دون الأصابع و أصل القدمين (1) و عن البحار: «أنه المشهور» و هو غير بعيد. و عن المقنعة، و المقنع:

التحديد بالشبر، و كأنه‌

لصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): «إذا قمت في الصلاة فلا تلصق قدمك بالأخرى، دع بينهما فصلا، إصبعاً أقل ذلك إلى شبر أكثره» «1»‌

، و احتمله في الحدائق لأنه المفهوم من النصوص.

و فيه: أن النصوص المتعرضة لذلك ظاهرة في كونها في مقام الآداب و السنن لا الأجزاء و الشرائط، فلا يعول عليها في دعوى الوجوب، و لا سيما مع ظهور اتفاق الأصحاب على الاستحباب.

فقد أوجبه في الجواهر للأصل و التأسي، و لأنه المتبادر المعهود و لعدم الاستقرار بالوقوف على الأصابع لا القدمين، و‌

لخبر أبي بصير عن أبي جعفر (ع): «كان رسول اللّه (ص) يقوم على أطراف أصابع رجليه فأنزل اللّه سبحانه (طه مٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقىٰ) «2»» «3»‌

و قريب منه خبره الآخر «4» المحكي عن تفسير القمي. و فيه: أنه لا مجال للأصل مع إطلاق دليل اعتبار القيام، مع أن الأصل البراءة، و دليل التأسي قد عرفت إشكاله، و التبادر بدوي لا يعول عليه في رفع اليد عن الإطلاق، و عدم الاستقرار ممنوع كلية، و خبر أبي بصير إنما يجدي لو دل على نفي المشروعية لا نفي الإلزام، و لعل الظاهر منه الثاني، نظير قوله تعالى:

(مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) «5» و‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 17 من أبواب القيام حديث: 2.

(2) طه: 1.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب القيام حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 3 من أبواب القيام حديث: 3.

(5) المائدة: 6.

 

106
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 8 يعتبر في القيام الانتصاب ج‌6 ص 101

و إن كان الأقوى كفايتهما أيضاً، بل لا يبعد إجزاء الوقوف على الواحدة (1).

[ (مسألة 9): الأحوط انتصاب العنق أيضاً]

(مسألة 9): الأحوط انتصاب العنق أيضاً (2)، و إن كان الأقوى جواز الاطراق.

(يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) «1».

للإطلاق الموافق لأصل البراءة، و في الذكرى: «الأقرب وجوب الاعتماد على الرجلين معاً في القيام، و لا تجزئ الواحدة مع القدرة» و نحوه في الدروس، و اختاره في كشف اللثام، و استظهره في الجواهر، و جزم به في كشف الغطاء، بل في مفتاح الكرامة: «لا إشكال في البطلان لو اقتصر على وضع واحدة منهما». لما تقدم من أن الأصل و التأسي، و لأنه المتبادر، و لعدم الاستقرار، و للمروي‌

عن قرب الاسناد عن ابن بكير عن أبي عبد اللّه (ع): «أن رسول اللّه (ص) بعد ما عظم أو بعد ما ثقل كان يصلي و هو قائم، و رفع إحدى رجليه حتى أنزل اللّه تعالى (طه مٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقىٰ) فوضعها» «2»‌

و في الجميع ما عرفت. فرفع اليد عن الإطلاق غير ظاهر.

لما عن الصدوق (ره) من القول بوجوبه، و لم يعرف ذلك لغيره. و المصرح به في كلامهم العدم، و يشهد للصدوق‌

مرسل حريز عن رجل عن أبي جعفر (ع): قلت له: « (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ) «3» قال (ع): النحر: الاعتدال في القيام، أن يقيم صلبه و نحره» «4»‌

______________________________
(1) البقرة: 185.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب القيام حديث: 4.

(3) الكوثر: 2.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب القيام حديث: 3.

 

107
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 إذا ترك الانتصاب ج‌6 ص 108

[ (مسألة 10): إذا ترك الانتصاب]

(مسألة 10): إذا ترك الانتصاب، أو الاستقرار، أو الاستقلال ناسياً صحت صلاته و إن كان ذلك في القيام الركني (1)، لكن الأحوط فيه الإعادة.

لكن لإعراض المشهور عنه و ضعفه في نفسه لا مجال للاعتماد عليه. بل عن الحلبي: استحباب إرسال الذقن إلى الصدر، و إن كان وجهه غير ظاهر.

لحديث: «لا تعاد الصلاة» «1»‌

الدال بإطلاقه على صحة الصلاة مع الإخلال بجزء منها، أو شرط لها، أو لجزئها عدا الخمسة المذكورة، الحاكم على ما دل على الجزئية أو الشرطية، الشامل بإطلاقه للعمد و السهو، و منه المقام. نعم لو تمَّ القول بدخول الانتصاب أو الاستقرار أو الاستقلال في مفهوم القيام عرفا كان انتفاؤه موجباً لانتفاء القيام فاذا كان القيام ركناً- كالقيام في التكبير أو المتصل بالركوع- بطلت الصلاة لفوات الركن، لكن عرفت أن القول المذكور ضعيف، و لا سيما بالنسبة إلى الأخيرين.

فإن قلت: إذا لم يكن واحد من الأمور المذكورة داخلا في مفهوم القيام، فقد تقدم أن كل واحد منها شرط فيه، فاذا انتفى انتفى القيام لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه، فاذا كان القيام ركنا بطلت الصلاة لفواته.

قلت: يتم هذا لو كان موضوع الركنية هو القيام المشروط، لكنه غير ثابت، فان دليل ركنية القيام في التكبير موثق عمار المتقدم «2»، و الموضوع فيه ذات القيام. و دليل ركنية المتصل بالركوع الإجماع، و المتيقن منه ذلك أيضاً.

هذا كله لو كانت شرطية الأمور المذكورة مستفادة من دليل لفظي مطلقاً، أما لو كانت مستفادة من الإجماع- كما في الاستقرار على ما عرفت-

______________________________
(1) تقدم مراراً. راجع أول فصل تكبيرة الإحرام.

(2) تقدم ذكره في أول فصل القيام‌

 

108
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 11 لا يجب تسوية الرجلين في الاعتماد ج‌6 ص 109

[ (مسألة 11): لا يجب تسوية الرجلين في الاعتماد]

(مسألة 11): لا يجب تسوية الرجلين في الاعتماد (1) فيجوز أن يكون الاعتماد على إحداهما، و لو على القول بوجوب الوقوف عليهما.

فلا يحتاج في تصحيح الصلاة إلى‌

حديث: «لا تعاد»‌

، بل إجمال دليله و عدم إطلاقه الشامل لحال السهو كاف في الرجوع إلى أصالة البراءة من شرطيته في حال السهو، كما هو ظاهر، و أشرنا إليه في مسألة وجوب الاستقرار في تكبيرة الإحرام، فإن ذلك من صغريات المقام- أعني ترك الاستقرار سهواً في القيام الركني- لما عرفت في هذه المسألة. من أن وجوب الاستقرار في القيام المقارن للتكبير و القراءة مساوق لوجوب الاستقرار في حالي التكبير و القراءة.

و من هنا يظهر التنافي بين فتوى المصنف (ره) بوجوب الاستقرار حال التكبير على نحو الركنية فتبطل الصلاة بفواته سهواً، و بين فتواه هنا بصحة الصلاة بفوات الاستقرار سهواً حال القيام الركني، مع أن الدليل في المقامين واحد، فاما أن يكون له إطلاق يشمل السهو أولا، أو يكون الإطلاق على تقدير وجوده محكوماً‌

بحديث: «لا تعاد الصلاة»‌

أولا، فتأمل جيداً.

تسوية الرجلين في الاعتماد. تارة: يراد منها التسوية في مرتبة الاعتماد، بأن يكون الاعتماد على إحداهما بمقدار الاعتماد على الأخرى. و أخرى:

يراد منها التسوية في أصل الاعتماد، بأن يكون الاعتماد على كل منهما لا على إحداهما مع مجرد مماسة الأخرى للموقف. إما التسوية بالمعنى الأول فالظاهر أنه لا إشكال في عدم وجوبها، كما يقتضيه إطلاق أدلة وجوب القيام. و أما التسوية بالمعنى الثاني فنسب القول بوجوبها إلى الذكرى، و جامع المقاصد، و الجعفرية، و شرحها و الروض، و المدارك، و كشف اللثام، لما فيها من أن الأقرب وجوب الاعتماد على الرجلين معاً، مستدلين على ذلك بالتأسي، و أنه المتبادر، و بعدم‌

 

109
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 12 لا فرق في حال الاضطرار بين الاعتماد على الحائط أو الإنسان أو الخشبة ج‌6 ص 110

[ (مسألة 12): لا فرق في حال الاضطرار بين الاعتماد على الحائط، أو الإنسان، أو الخشبة]

(مسألة 12): لا فرق في حال الاضطرار بين الاعتماد على الحائط، أو الإنسان، أو الخشبة (1). و لا يعتبر في سناد الأقطع أن يكون خشبته المعدة لمشيه، بل يجوز له الاعتماد على غيرها من المذكورات.

[ (مسألة 13): يجب شراء ما يعتمد عليه عند الاضطرار أو استئجاره مع التوقف عليهما]

(مسألة 13): يجب شراء ما يعتمد عليه عند الاضطرار أو استئجاره مع التوقف عليهما (2).

الاستقرار، و‌

بقوله (ص): «صلوا كما رأيتموني أصلي» «1».

و استشكل في جميع ذلك في الجواهر- تبعاً لما في مفتاح الكرامة- و هو في محله كما عرفت. و لأجله احتمل فيها أن يكون مرادهم منها ما يقابل رفع إحدى الرجلين بالكلية، فإنها واجبة حينئذ. و لذا فرع في الذكرى، و جامع المقاصد على ذلك بقوله: «و لا تجزئ الواحدة مع القدرة»، و قد عرفت أن المسألتين من باب واحد، و الأدلة المذكورة إن تمت في الثانية تمت في الأولى، فالتفكيك بينهما في ذلك غير ظاهر.

كما صرح بذلك كله في الجواهر. و العمدة فيه ظهور الإجماع على عدم الفرق، و إلا فلو احتمل تعين واحد من ذلك كانت المسألة من موارد الشك في التعيين و التخيير، التي يكون المرجع فيها أصالة الاحتياط، المقتضية للتعيين كما هو المشهور. و ليس في صحيح ابن سنان أو غيره- مما سبق- «2» إطلاق ينفيه.

لأجل أن الاعتماد على الشي‌ء في الصلاة ليس تصرفاً صلاتياً، فاذا كان الاعتماد محرماً لكونه اعتماداً على المغصوب لا تفسد الصلاة، فالشراء و الاستئجار الراجعان الى ملك العين أو المنفعة مما لا تتوقف عليهما الصلاة،

______________________________
(1) كنز العمال ج: 4 صفحة: 62 حديث: 1196.

(2) تقدم ذكرها في المسألة: 8 من هذا الفصل.

 

110
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 القيام الاضطراري بأقسامه ج‌6 ص 111

[ (مسألة 14): القيام الاضطراري بأقسامه]

(مسألة 14): القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء، أو الميل إلى أحد الجانبين، أو مع الاعتماد، أو مع عدم الاستقرار، أو مع التفريج الفاحش بين الرجلين (1) مقدم على الجلوس (2).

فلا يجبان بالوجوب الغيري، و إنما يجبان عقلا فراراً عن الوقوع في الحرام، فالمقام نظير شراء الدابة أو استعارتها أو نحو ذلك، من أسباب استباحة التصرف في ركوبها في سفر الحج عند عدم القدرة على سلوك طريقه إلا بركوبها، و ليس وجوب الشراء أو نحوه من الوجوب الغيري، بل هو عقلي بملاك وجوب الجمع بين غرضي الشارع. و قد أشرنا إلى ذلك في مسألة وجوب التيمم على الجنب للوصول الى الماء الكائن في المسجد لا غير، بقصد الاغتسال منه. فراجع.

ستأتي دعوى الجواهر: عدم معرفة الخلاف في تقديمه على الجلوس، و الاعتماد عليها في الخروج عن إطلاق ما دل على وجوب الجلوس على من لم يستطع القيام لا يخلو من إشكال. و استفادة ذلك من صحيح ابن يقطين الآتي- كما ادعاه في الجواهر- غير ظاهرة، للفرق بين الحالتين و دعوى أنه ميسور القيام فيقدم على القعود لا تجدي إلا بعد ثبوت هذه الكلية بحيث يعارض بها إطلاق بدلية الجلوس عن القيام. و دليله غير ظاهر.

بلا إشكال ظاهر إلا في بعض صوره كما ستأتي الإشارة اليه.

و يمكن أن يستفاد تقديم القسم الأول من القيام- أعني الفاقد للانتصاب- من‌

صحيح علي بن يقطين عن أبي الحسن (ع): «سألته عن السفينة لم يقدر صاحبها على القيام، يصلي فيها و هو جالس يومئ أو يسجد، قال (ع):

يقوم و إن حنى ظهره» «1».

______________________________
(1) الوسائل باب: 14 من أبواب القيام حديث: 5.

 

111
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 القيام الاضطراري بأقسامه ج‌6 ص 111

.....

كما يمكن أيضاً أن يستفاد تقديم القسم الثاني- أعني الفاقد للاستقلال- من صحيح ابن سنان المتقدم «1» في وجوب الاستقلال، بضميمة الإجماع على أنه إذا جاز وجب. و يقتضيه ظاهر المروي عن دعوات الراوندي «2» و إطلاق ما دل على وجوب القيام، و ما دل على اختصاص مشروعية الجلوس بمن لا يتمكن من القيام.

و أما تقديم القسم الثالث من القيام- أعني الفاقد للاستقرار- فالوجه فيه أظهر، إذ قد عرفت أن العمدة في دليل وجوبه الإجماع، و المتيقن منه في غير حال الاضطرار، فالمرجع فيه إطلاق ما دل على وجوب القيام.

فوجوب الصلاة قائماً حينئذ ليس من باب قاعدة الميسور، و جعل البدل الاضطراري، كي يحتاج الى دليل- كما في الفرضين السابقين و غيرهما من موارد جعل البدل الاضطراري- بل هو من باب الوجوب الأولي في عرض الوجوب حال الاختيار. و لو سلم إطلاق دليل وجوبه فإطلاق ما دل على اختصاص مشروعية الجلوس بمن لا يقدر على القيام يقتضي تعين القيام و لو بلا استقرار.

و من ذلك يظهر ضعف ما ذكره الشهيد (ره) في الذكرى: من ترجيح القعود الواجد للاستقرار على القيام الفاقد له. قال: «و من عجز عن القيام مستقراً، و قدر على القيام ماشياً أو مضطرباً من غير معاون، ففي جواز ترجيحه على القيام ساكناً بمعاون، أو على القعود لو تعذر المعاون نظر، أقربه ترجيحهما عليه، لأن الاستقرار ركن في القيام، إذ هو المعهود من صاحب الشرع». و تبعه عليه العلامة الطباطبائي (قده) حيث قال:

«و من قرار في القيام عدما فللجلوس بالقيام قدما»

______________________________
(1) في المسألة: 8 من أحكام القيام. و مرت الإشارة إليه في المسألة: 12 من هذا الفصل.

(2) المتقدم في مسألة: 8 من احكام القيام.

 

112
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 القيام الاضطراري بأقسامه ج‌6 ص 111

و يمكن أن يستشهد له‌

برواية الغنوي عن الصلاة في السفينة «فقال (ع): إن كانت محملة ثقيلة قمت إذا فيها لم تتحرك فصل قائماً، و إن كانت خفيفة تكفأ فصل قاعداً» «1».

و فيه: انك عرفت في مبحث الاستقرار في القيام عدم صلاحية الرواية لإثبات اعتباره، فلا تدل على ترجيح القعود على القيام الفاقد له.

و وجهه في الجواهر: بأن الاستقرار مأخوذ في مفهوم القيام، فالعجز عنه عجز عن القيام الذي هو موضوع بدلية الجلوس. و لكن استشكل فيه أيضاً: بمنع ذلك، و أن الاستقرار واجب آخر زائد على القيام فيكون المقام من تعارض وجوب القيام و وجوب الاستقرار كما في الفرضين الآخرين و وجوب القيام مقدم على وجوب الاستقرار كتقديمه على وجوب الانتصاب و الاستقلال، خصوصاً بعد ما ورد في بعض نصوص السفينة «2» من تقديم القيام فيها مع انحناء الظهر و لو بما يخرجه عن صدق القيام. بل لم يعرف خلاف بين الأصحاب في تقديم كل ما يقرب الى القيام من التفخج الفاحش و نحوه على القعود. هذا و لكن الاحتياج الى ذلك كله إنما يكون بعد فرض إطلاق دليل وجوب الاستقرار، و إلا فالمرجع إطلاق وجوب القيام كما عرفت.

و المتحصل من ذلك كله: أنه يقدم القيام الفاقد للاستقرار على القعود الواجد له. و وجهه: إما عدم الدليل على وجوب الاستقرار في حال الاضطرار فلا يكون القيام حينئذ بدلا اضطرارياً. أو لأن الدليل على وجوبه زائداً على وجوب القيام و إن كان شاملا لحال الاضطرار، لكنه لا مجال لتشريع الجلوس، لاختصاص دليل مشروعيته بالعجز عن القيام، و هو غير حاصل. أو لأنه داخل في مفهوم القيام، إلا أنه يستفاد مما ورد‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 14 من أبواب القيام حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب القيام حديث: 5. و تقدمت في أول التعليقة.

 

113
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 القيام الاضطراري بأقسامه ج‌6 ص 111

و لو دار الأمر بين التفريج الفاحش و الاعتماد، أو بينه و بين ترك الاستقرار قدما عليه (1)، أو بينه و بين الانحناء، أو الميل إلى أحد الجانبين قدم ما هو أقرب إلى القيام (2). و لو دار في السفينة و من الإجماع أن القيام الناقص مقدم على القعود.

ثمَّ إن الدوران بين الأحوال المذكورة في هذا المقام ليس من باب التزاحم الذي يكون الحكم عقلا فيه الترجيح، إذا علمت الأهمية في واحد بعينه، أو احتملت كذلك، و التخيير، إذا احتملت الأهمية في كل من الطرفين، أو علمت المساواة بينهما، لاختصاص ذلك بصورة تعدد المقتضيات و تزاحمها في مقام الامتثال لعدم قدرة المكلف على ذلك. و ليس المقام كذلك، إذ مصلحة الصلاة واحدة، و إنما التردد فيما يكون محصلا تلك المصلحة، و الحكم فيه عقلا وجوب الاحتياط بالتكرار إلا أن يقوم دليل بالخصوص على الاجتزاء بأحد الطرفين، من إجماع أو غيره، أو يكون هو مقتضى الجمع بين الأدلة، فإذا لم يكن الأمر كذلك تعين الاحتياط بالجمع و التكرار. و على هذا يجب الجري في المسائل المذكورة في هذا المقام.

لما سبق في تقديمهما على الجلوس.

قد عرفت أن الانحناء في الجملة. و كذا الميل الى أحد الجانبين لا يمنع من صدق القيام. و حينئذ لا مجال للتأمل في تقديمهما على التفريج الفاحش، إذ غاية ما يقتضي الاضطرار سقوط اعتبار الانتصاب، و لا وجه لرفع اليد عن القيام، فإطلاق دليل وجوبه محكم. نعم إذا كان الانحناء و الميل يمنعان عن صدق القيام فقد يشكل الترجيح، لاحتمال التعيين في كل من الطرفين كما يحتمل التخيير و اللازم في مثل ذلك الاحتياط بالتكرار.

و ترجيح ما هو أقرب الى القيام بقاعدة الميسور يتوقف على وضوح الأقربية على وجه يصدق الميسور عليه عرفا لا غيره، و لكنه غير ظاهر.

 

114
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 القيام الاضطراري بأقسامه ج‌6 ص 111

الأمر بين ترك الانتصاب و ترك الاستقلال قدم ترك الاستقلال (1) فيقوم منتصباً معتمداً، و كذا لو دار بين ترك الانتصاب و ترك الاستقرار قدما ترك الاستقرار (2) و لو دار بين ترك الاستقلال و ترك الاستقرار قدم الأول، فمراعاة الانتصاب أولى من مراعاة الاستقلال و الاستقرار، و مراعاة الاستقرار أولى من مراعاة الاستقلال.

هذا ظاهر لو كان الانتصاب داخلا في مفهوم القيام، لأنه حينئذ يدور الأمر بين ترك القيام و ترك الاستقلال. و مشكل لو بني على وجوبه في القيام، إذ حينئذ يكون كالاستقلال، و ترجيح أحدهما على الآخر من غير مرجح ظاهر. اللهم إلا أن يحتمل تعينه و لا يحتمل تعين الاستقلال، فيدور الأمر بين التعيين و التخيير، أو يدعى أن المفهوم من صحيح ابن سنان «1» المسوغ للاعتماد للمريض مشروعية الاعتماد للمضطر و لو بلحاظ فوات الانتصاب. لكن لو سلم يرد مثله في صحيح ابن يقطين «2» المشرع للانحناء مع الاضطرار.

لما عرفت من إجمال الدليل الدال على وجوبه، و عدم إطلاقه الشامل لهذا الحال، بخلاف دليل الانتصاب. لكن عليه يشكل الوجه في تقديم الاستقرار على الاستقلال الذي ذكره بعد ذلك، بل يتعين تقديم الاستقلال عليه، و كأن ما في المتن مبني على إطلاق أدلة الوجوب في الجميع، و أن الموارد المذكورة من قبيل الدوران بين التعيين و التخيير. أو لأن تقديم ما ذكره فيها لأنه أقرب إلى أداء المأمور به، بناء على ثبوت الكلية المذكورة و لو بالإجماع، لكنه غير ظاهر ما لم يصدق الميسور عرفا.

______________________________
(1) تقدم في مواضع منها: في المسألة: 8 من احكام القيام.

(2) تقدم في أول المسألة.

 

115
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 15 إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا ج‌6 ص 116

[ (مسألة 15): إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضاً مطلقاً]

(مسألة 15): إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضاً مطلقاً (1) حتى ما كان منه بصورة الركوع (2) صلى من جلوس (3) و كان الانتصاب جالساً قد عرفت الإشكال في تقديم مثل التفخج الفاحش على الجلوس.

كما يفهم من صحيح ابن يقطين المتقدم في المسألة السابقة.

و يظهر من حكاية الخلاف في ذلك عن الشافعي في أحد قوليه: أنه لا مخالف فيه منا.

هو مذهب علمائنا كما في المعتبر، و عليه إجماع العلماء كما في المنتهى، و بالنصوص و الإجماع كما في كشف اللثام، و يشهد له جملة من النصوص،

كالنبوي المروي عن الفقيه: «المريض يصلي قائماً، فان لم يستطع صلى جالساً، فان لم يستطع صلى على جنبه الأيمن، فان لم يستطع صلى على جنبه الأيسر، فان لم يستطع استلقى و أومأ إيماء و جعل وجهه نحو القبلة و جعل سجوده أخفض من ركوعه» «1»‌

، و‌

الصادقي المروي عنه أيضاً: «يصلي المريض قائماً، فان لم يقدر على ذلك صلى جالساً» «2»‌

و‌

صحيح جميل: «سألت أبا عبد اللّه (ع): ما حد المرض الذي يصلي صاحبه قاعداً؟ فقال (ع): إن الرجل ليوعك و يحرج و لكنه أعلم بنفسه، إذا قوي فليقم» «3»‌

و‌

موثق زرارة: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن حد المرض الذي يفطر فيه الصائم، و يدع الصلاة من قيام، فقال (ع):

بَلِ الْإِنْسٰانُ عَلىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، هو أعلم بما يطيقه» «4»‌

، لظهورهما في أن‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 15.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 13.

(3) الوسائل باب: 6 من أبواب القيام حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 6 من أبواب القيام حديث: 2.

 

116
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 15 إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا ج‌6 ص 116

بدلا عن القيام فيجري فيه حينئذ جميع ما ذكر فيه حتى الاعتماد و غيره (1)، موضوع الجلوس أن لا يقوى على القيام و لا يطيقه. و نحوها مصحح ابن أذينة عن أبي عبد اللّه (ع) «1»، و‌

في صحيح الحلبي- في حديث- أنه سأل أبا عبد اللّه (ع): «عن الصلاة في السفينة فقال (ع): إن أمكنه القيام فليصل قائماً، و إلا فليقعد ثمَّ يصلي» «2»‌

و‌

في خبر سليمان بن خالد: «سألته عن الصلاة في السفينة، فقال (ع): يصلي قائماً، فان لم يستطع القيام فليجلس و يصلي» «3»‌

، و‌

في صحيح حماد بن عيسى: «سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: كان أهل العراق يسألون أبي عن الصلاة في السفينة فيقول: إن استطعتم أن تخرجوا الى الجدد فافعلوا، فان لم تقدروا فصلوا قياماً، فان لم تقدروا فصلوا قعوداً» «4»‌

، و نحوها غيرها مما يتضمن الانتقال الى الجلوس عند عدم التمكن من القيام.

كما استظهره في الجواهر: كما يومئ اليه المرسل الآتي، و لأنه بدله، و بعض قيام. ثمَّ قال (ره): «و إن كان لا يخلو من بحث، لاختصاصه بالدليل دونه». و الظاهر أن مراده بالمرسل النبوي المتقدم في صدر المسألة، و كأن وجه إيمائه ظهوره في بدلية الجلوس عن القيام.

أقول: أما البدلية فلا ريب فيها، لكنها إنما تنفع في وجوب الشرائط المذكورة لو كانت مجعولة بلحاظ جميع الأحكام، و هو غير ظاهر. بل الظاهر البدلية عن القيام في وفائه بمصلحته في الجملة، بحيث يثبت له‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 6 من أبواب القيام حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب القيام حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 14 من أبواب القيام حديث: 10.

(4) الوسائل باب: 14 من أبواب القيام حديث: 12.

 

117
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 15 إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا ج‌6 ص 116

و مع تعذره صلى مضطجعاً (1) وجوبه لا غير. و أولى منه بالإشكال التعليل بأنه بعض قيام، و مثله ما ذكره أخيراً من اختصاص أدلة اعتبارها بغيره، مع أن ما دل على وجوب الانتصاب- مثل: «لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الصلاة» «1» و ما دل على وجوب الاستقلال من صحيح ابن سنان المتقدم «2»- مطلق شامل للجلوس. و دعوى انصرافه الى القيام غير ظاهرة. و كذا ما دل على وجوب الاستقرار من إطلاق معاقد الإجماعات على وجوبه في أفعال الصلاة: من التكبير، و القراءة، و التسبيح، و الذكر، و رفع الرأس من الركوع، و غيرها لا فرق فيه بين حالي القيام و الجلوس فلاحظ.

بلا خلاف فيه بين الأصحاب كما عن المدارك، و البحار، و الحدائق و في المعتبر: «هو مذهب علمائنا»، و نحوه في المنتهى، و بالنصوص و الإجماع كما في كشف اللثام.

و يشهد له النصوص الكثيرة‌

كمصحح أبي حمزة عن أبي جعفر (ع) في تفسير قوله تعالى (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ.) «3» قال (ع): «وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ:

الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلي جالساً» «4»‌

، و‌

موثق سماعة: «سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس. قال (ع): فليصل و هو مضطجع و ليضع على جبهته شيئاً إذا سجد» «5»‌

، و‌

خبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى بن جعفر (ع): «سألته عن المريض الذي لا يستطيع القعود‌

______________________________
(1) مضمون صحيح زرارة. الوسائل باب: 2 من أبواب القيام حديث: 1 و تقدم في أول المسألة الثامنة.

(2) تقدم في المسألة: 8 من هذا الفصل. الوسائل باب: 10 من أبواب القيام حديث: 2‌

(3) آل عمران: 191.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 5.

 

118
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 15 إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا ج‌6 ص 116

على الجانب الأيمن (1) كهيئة المدفون،

و لا الإيماء كيف يصلي و هو مضطجع؟ قال (ع): يرفع مروحة إلى وجهه» «1»‌

و النبوي المتقدم في صدر هذه المسألة و غيرها. و كلها متفقة على وجوب الصلاة مضطجعاً.

و في بعض النصوص: أنه يصلي مستلقياً،

كخبر عبد السلام الهروي عن الرضا (ع) عن آبائه: «قال: قال رسول اللّه (ص): إذا لم يستطع الرجل أن يصلي قائماً فليصل جالسا، فان لم يستطع جالساً فليصل مستلقياً ناصباً رجليه بحيال القبلة يومئ إيماء» «2»‌

، و نحوه مرسل محمد بن إبراهيم عمن حدثه عن أبي عبد اللّه (ع) «3»، و مرسل الفقيه عن الصادق (ع) «4»، و غيرهما. و الجميع يتعين تقييده بما سبق إن أمكن، أو بالحمل على التقية.

كما عن جماعة كثيرة. بل عن البحار: أنه المشهور، و في كشف اللثام: «عليه المعظم»، بل هو مذكور في معقد إجماع المعتبر و المنتهى، حملا منهم للمطلق على المقيد كالنبوي المروي عن الفقيه المتقدم في صدر المسألة، و‌

موثق عمار عن أبي عبد اللّه (ع): «المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعداً كيف قدر صلى إما أن يوجه فيومئ إيماء، و قال (ع): يوجه كما يوجه الرجل في لحده، و ينام على جنبه الأيمن، ثمَّ يومئ بالصلاة إيماء، فان لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه له جائز، و ليستقبل بوجهه جانب القبلة، ثمَّ يومئ بالصلاة إيماء» «5».

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 21.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 18.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام ملحق حديث: 13.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 13.

(5) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 10.

 

119
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 15 إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا ج‌6 ص 116

.....

و ظاهر الشرائع. التخيير بين الجانبين، و حكي عن المقنعة، و جمل السيد، و الوسيلة، و النافع، و غيرها. و كأنهم اعتمدوا في ذلك على المطلقات الآمرة بالاضطجاع لضعف المقيد سنداً كالنبوي أو دلالة كموثق عمار.

نعم في المعتبر «1»: أنه استدل بما‌

رواه أصحابنا عن حماد عن أبي عبد اللّه (ع): «المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعداً يوجه كما يوجه الرجل في لحده، و ينام على جانبه الأيمن، ثمَّ يومئ بالصلاة، فان لم يقدر على جانبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه جائز، و يستقبل بوجهه القبلة، ثمَّ يومئ بالصلاة إيماء»‌

و في الذكرى «2»، و عن الروض: موافقته في ذلك، بل حكي عن بعض نسخ التهذيب، و دلالتها خالية عن القصور.

لكن استظهر في الجواهر أنها رواية عمار عبر فيها ب‍ «حماد» سهواً من القلم، فان تمَّ ذلك لم يجد في تمامية الدلالة للاضطراب، و إلا فهي رواية مرسلة عن حماد. اللهم إلا أن ينجبر ضعفها بما عن المعتبر: من أنها أشهر و أظهر بين الأصحاب، و ما في الذكرى: من أن عليها عمل الأصحاب لكن الظاهر أن مرادهما من الرواية التي هي أشهر و أظهر و عليها العمل سنخ الرواية الدالة على الترتيب بين الأيمن و الأيسر لا خصوص رواية حماد.

هذا و لكن الإنصاف أن إرسال الفقيه بمثل: «قال رسول اللّه (ص)» يدل على غاية الاعتبار عنده و كفى به سبباً للوثوق. و متن رواية عمار و إن كان لا يخلو من تشويش و قصور إلا أن قوله (ع):

«يوجه ..»‌

و قوله (ع) بعد ذلك:

«فان لم يقدر ..»‌

ظاهر ان في تعين الاضطجاع على الأيمن، فيمكن لذلك رفع اليد عن إطلاق المطلق من تلك النصوص، و العمدة موثق سماعة «3» لظهور عدم ورود غيره في مقام البيان من هذه الجهة فلاحظها‌

______________________________
(1) في المسألة الثالثة من احكام القيام. صفحة: 170.

(2) في المسألة التاسعة من احكام القيام.

(3) تقدم في صدر التعليقة السابقة.

 

120
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 15 إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا ج‌6 ص 116

فإن تعذر فعلى الأيسر (1) عكس الأول. فإن تعذر صلى مستلقياً (2) كالمحتضر. و يجب الانحناء للركوع و السجود (3) بما أمكن، و مع عدم إمكانه يومئ برأسه (4) فإذاً العمل على المشهور أقوى، مع أنه أحوط.

كما نسب إلى المشهور، و يشهد له النبوي المرسل في الفقيه، و به يقيد إطلاق ما في موثق عمار من‌

قوله (ع): «كيفما قدر»‌

، مع إمكان المناقشة في إطلاقه: بقرينة وقوع مثله في صدره، فكأن المراد أنه لا يكلف بغير المقدور بل على حسب القدرة، و ليس المراد أنه يصلي كيف شاء ليكون مخيراً بين الكيفيات المقدورة. و من ذلك يظهر ضعف ما قيل: من أنه إذا عجز عن الاضطجاع على الأيمن صلى مستلقياً، إذ الظاهر أن مستنده الموثق الذي لو تمَّ إطلاقه فهو مقيد بالمرسل.

بلا خلاف فيه ظاهر. و يشهد له النبوي و غيره مما دل على وجوب الصلاة مستلقياً عند تعذر الجلوس، بناء على حمله على صورة تعذر الاضطجاع.

إذا أمكن له الركوع و السجود فلا ينبغي التأمل في وجوب فعلهما، لإطلاق أدلة وجوبهما. و ما في النص و الفتوى من الإيماء يراد به صورة عدم إمكانهما كما هو الغالب في موردهما، و لو أمكن له ميسور الركوع و السجود لأنفسهما قيل: وجب بلا شبهة، و هو كذلك لو كان بحيث يصدق الركوع و السجود و لو الفاقدان لشرطهما. و في المنتهى: «لو عجز عن السجود رفع ما يسجد عليه و لم يجز الإيماء إلا مع عدمها أو عدم التمكن، خلافاً للشافعي ..» و ظاهره الإجماع عليه، و نحوه كلام غيره.

و يشهد به خبر إبراهيم الكرخي الآتي. نعم قد ينافيه صحيحا الحلبي و زرارة الآتيان في وضع الجبهة على شي‌ء فلاحظ. و سيأتي الكلام فيه.

بلا خلاف، و يشهد له النصوص المتقدمة و غيرها كمرسل الفقيه:

 

121
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 15 إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا ج‌6 ص 116

و مع تعذره فبالعينين بتغميضهما (1)

«قال أمير المؤمنين (ع): دخل رسول اللّه (ص) على رجل من الأنصار، و قد شبكته الريح فقال: يا رسول كيف أصلي؟ فقال (ص): إن استطعتم أن تجلسوه فأجلسوه، و إلا فوجهوه إلى القبلة و مروه فليومئ إيماء، و يجعل السجود أخفض من الركوع» «1»‌

، و‌

خبر إبراهيم الكرخي: «رجل شيخ لا يستطيع القيام الى الخلاء لضعفه، و لا يمكنه الركوع و السجود، فقال (ع):

ليومئ برأسه إيماء، و إن كان له من يرفع الخمرة فليسجد، فان لم يمكنه ذلك فليومئ برأسه» «2»‌

، الى غير ذلك.

كما نسب إلى المشهور، و يشهد له‌

مرسل الفقيه عن الصادق (ع): «يصلي المريض قائماً، فان لم يقدر على ذلك صلى جالساً، فان لم يقدر أن يصلي جالساً صلى مستلقياً: يكبّر ثمَّ يقرأ، فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثمَّ سبح، فاذا سبح فتح عينيه، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع، فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثمَّ سبح فاذا سبح فتح عينيه، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود، ثمَّ يتشهد و ينصرف» «3»‌

، و نحوه في ذلك خبر محمد بن إبراهيم عمن حدثه عن أبي عبد اللّه (ع) «4». و مورد الخبرين خصوص المستلقي، كما أنه لم يذكر فيهما الإيماء بالرأس. و مثلهما خبر عبد السلام «5» الوارد فيمن تدركه الصلاة و هو فوق الكعبة.

و مقتضى الجمود على ذلك انحصار بدل الركوع و السجود في المستلقي‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 16.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 11.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 13.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام ملحق حديث: 13.

(5) الوسائل باب: 19 من أبواب القبلة حديث: 2.

 

122
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 15 إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا ج‌6 ص 116

.....

بالتغميض لا غير، كما هو ظاهر القواعد، و عن النهاية و المبسوط، و الوسيلة و المراسم، و الغنية، و السرائر، و جامع الشرائع، و الموجز، حيث لم يذكر فيها أن الإيماء بالرأس مقدم على تغميض العينين، بل اقتصر على ذكر تغميض العينين بدلا عن الركوع و السجود، و مال إليه في الحدائق، بل و الى انحصار البدل في المضطجع بالإيماء بالرأس لا غير عكس المستلقي قال فيها- بعد ما ذكر: «إن التغميض مستفاد من مرسلة محمد بن إبراهيم، إلا أن موردها الاستلقاء، و مورد الإيماء بالرأس في الروايات المتقدمة الاضطجاع على أحد الجانبين، و الأصحاب قد رتبوا بينهما في كل من الموضعين، و الوقوف على ظاهر الأخبار أولى».

أقول: الإيماء كما ورد في المضطجع ورد في المستلقي أيضاً، كما صرح به في الجواهر و غيرها فلاحظ النبوي المروي عن الفقيه، و خبر عبد السلام المتقدمين «1»، و‌

في موثق سماعة المروي عن الفقيه: «عن الرجل يكون في عينيه الماء، فينزع الماء منها، فيستلقي على ظهره الأيام الكثيرة أربعين يوماً، أقل أو أكثر، فيمتنع من الصلاة إلا إيماء و هو على حاله، فقال (ع):

لا بأس بذلك» «2».

بل يمكن أن يستفاد أيضاً من موثق عمار، و مرسل الفقيه عن أمير المؤمنين (ع) المتقدمين «3» و غيرهما.

و من ذلك يظهر الإشكال فيما ذكره غير واحد: من أن الاقتصار على ذكر التغميض في المستلقي لأنه لمزيد الضعف فيه لا يمكنه الإيماء بالرأس غالباً. هذا و الجمع العرفي بين هذه النصوص يقتضي الحمل على التخيير لا الترتيب، كما هو المشهور.

______________________________
(1) الأول في صفحة: 116. و الثاني في صفحة: 119.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام ملحق حديث: 6.

(3) الأول في صفحة: 119. و الثاني في صفحة: 122.

 

123
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 15 إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا ج‌6 ص 116

و ليجعل إيماء سجوده أخفض منه لركوعه (1)، و يزيد في غمض العين للسجود على غمضها للركوع (2)، و دعوى: اختصاص نصوص الإيماء في المستلقي بصورة إمكانه، فتكون أخص مطلقاً من خبري التغميض لشمولهما لصورتي إمكان الإيماء و عدمه، فيتعين الجمع بحمل خبري التغميض على صورة عدم إمكان الإيماء، و يثبت الترتيب المذكور في المضطجع بعدم القول بالفصل. معارضة:

باختصاص خبري التغميض أيضاً بصورة إمكانه، فتكون من هذه الجهة أخص من نصوص الإيماء، فيكون التعارض بالعموم من وجه، و لا وجه لترجيح تخصيص أحدهما على تخصيص الآخر. مع أن دعوى عدم الفصل بين المستلقي و المضطجع عهدتها على مدعيها.

عن الذكرى: نسبته إلى الأصحاب، و يشهد له النبوي «1» المرسل في الفقيه الذي ذكر فيه الإيماء في المستلقي، و العلوي «2» الشامل له و للمضطجع المتقدمان، و كفى بهما حجة، و لا سيما بعد اعتماد الأصحاب عليهما، و تأييدهما بغيرهما مما تضمن الأمر بذلك لمن يصلي ماشياً أو على راحلته: من روايات سماعة، و يعقوب بن شعيب المذكورة في الوسائل في باب جواز الفريضة ماشياً و جواز النافلة في المحمل «3».

كما عن ابن حمزة، و سلار، و ابن سعيد، و المحقق و الشهيد الثانيين و غيرهم، للفرق، و لايماء الأمر به في الإيماء اليه. و هو كما ترى. إذ الفرق غير ظاهر الوجوب، و لو سلم فلا ينحصر بذلك. و إيماء الأمر ليس بحجة بنحو يقيد إطلاق النص، مع أن الغمض لا يقبل الزيادة إلا في المدة، و هي‌

______________________________
(1) تقدم في صفحة: 116.

(2) تقدم في صفحة: 122.

(3) الوسائل باب: 15 من أبواب القبلة حديث: 14 و 15.

 

124
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 15 إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا ج‌6 ص 116

و الأحوط وضع ما يصح السجود عليه على الجبهة (1)، غير مرادة لهم ظاهراً و ان حكيت عن الموجز الحاوي، فتأمل جيداً. و لذا نفى في كشف اللثام الدليل على هذا الحكم.

لما عن جماعة، منهم الشهيدان، و الكركي، و المقداد، و الصيمري:

من وجوب تقريب جبهته الى ما يصح السجود عليه، أو تقريبه إليها، لأن ملاقاة الجبهة له واجبة، فلا تسقط بتعذر غيرها. و يشهد لهم‌

موثق سماعة: «عن المريض لا يستطيع الجلوس، قال (ع): فليصل و هو مضطجع، و ليضع على جبهته شيئاً إذا سجد، فإنه يجزئ عنه، و لن يكلف اللّه ما لا طاقة له به» «1»‌

و‌

مرسل الفقيه: «سئل عن المريض لا يستطيع الجلوس، أ يصلي و هو مضطجع و يضع على جبهته شيئاً؟ قال (ع): نعم، لم يكلفه اللّه إلا طاقته» «2»‌

فيقيد بهما إطلاق الإيماء لو كان.

و ربما يجمع بينهما بالتخيير بين الإيماء المجرد و الوضع كذلك، لظهور الخبرين المذكورين في بدلية الوضع المجرد عن الإيماء تعييناً، و ظهور نصوص الإيماء في بدليته تعييناً مجرداً عن الوضع، فترفع اليد عن ظهورهما في التعيين، بشهادة‌

صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): قال «سألته عن المريض، قال (ع): يسجد على الأرض، أو على مروحة، أو على مسواك يرفعه، و هو أفضل من الإيماء» «3»‌

، و‌

مصحح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «عن المريض إذا لم يستطع القيام و السجود. قال (ع): يومئ برأسه إيماء، و إن يضع جبهته على الأرض أحب الي» «4».

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 14.

(3) الوسائل باب: 15 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 2.

 

125
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 15 إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا ج‌6 ص 116

.....

و قيل: بأن الوضع بدل عند تعذر الإيماء، حملا لنصوص الوضع على ذلك، بشهادة‌

خبر ابن جعفر (ع): «عن المريض الذي لا يستطيع القعود و لا الإيماء، كيف يصلي و هو مضطجع؟ قال (ع): يرفع مروحة إلى وجهه، و يضع على جبينيه، و يكبر» «1».

و ربما حكي القول بوجوب الوضع فقط للمضطجع و المستلقي، و عدم وجوب الإيماء عليه، عملا بالموثق و المرسل، و طرحا لنصوص الإيماء.

أقول: أما القول الأخير ففي غاية الضعف، إذ الطرح و الترجيح فرع التعارض و عدم إمكان الجمع، لكنه ممكن كما سيأتي. و لو سلم فنصوص الإيماء أرجح، لأنها أصح سنداً و أشهر رواية، بل لعلها متواترة إجمالا، و لا سيما مع تأيدها بنصوص الإيماء في الموارد الكثيرة، مثل ما ورد في الراكب و الماشي «2»، و العاري «3»، و من يخاف الرعاف «4»، و من يخاف على عينه «5»، و غير ذلك. فكيف يرجح الموثق و المرسل عليها؟! و أما القول الذي قبله ففيه: أن خبر ابن جعفر (ع)- مع أنه لا يخلو من إشكال، لظهوره في أن وضع المروحة على الجبين إنما هو حال التكبير فلا يكون مما نحن فيه- لا يصلح شاهداً للجمع، لعدم منافاته لكل من الطائفتين، فكيف يصلح للجمع بينهما؟! مع أن الموثق ظاهر في أن الوضع على الجبهة حال الإيماء المراد من قوله (ع):

«إذا سجد»‌

فكيف يحمل على حال العجز عن الإيماء؟!. و أما المرسل فغير ظاهر في وجوب الوضع،

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 21.

(2) الوسائل باب: 16 من أبواب القبلة حديث: 14 و 15.

(3) الوسائل باب: 50 من أبواب لباس المصلي حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 8 من أبواب القيام حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 7 من أبواب القيام حديث: 2.

 

126
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 15 إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا ج‌6 ص 116

.....

لأن الظاهر من السؤال- بقرينة قوله (ع) في الجواب:

«نعم لم يكلفه ..»‌

-

هو السؤال عن جواز الاجتزاء بذلك، فلا يصح الاستدلال به على الوجوب، لا جمعاً مع الإيماء، و لا تخييراً بينهما، و لا تعييناً، و لا ترتيباً، كما لا يخفى.

و أما القول الذي قبله ففيه: أن ظهور كل من الدليلين في البدلية على الاستقلال- لو سلم- فهو ضعيف جداً، لا يقوى على مدافعة ظهور كل من الطائفتين في الوجوب التعييني، بل الثاني أقوى فيقدم عليه، و لازمه وجوب الجمع. و أما الصحيح و المصحح فلا يصلحان للشهادة على التخيير، لأن السجود على الأرض و وضع الجبهة عليها إنما يكونان بالإيماء، فكيف يصح أن يدعى دلالته على الاكتفاء بمجرد الوضع؟!. نعم لو كانت العبارة هكذا: «و أن يضع على جبهته شيئاً أحب إلي أو أفضل من الإيماء» كان للتوهم المذكور مجال، لكنه ممنوع جداً في المصحح، لظهوره في أن الوضع مع الإيماء أحب إليه من الإيماء وحده، لا أن الوضع المجرد أحب إليه من الإيماء المجرد. نعم لا يبعد ذلك في الصحيح، و إن كان لا يخلو من تأمل، و لو تمَّ فإنما هو في العبارة الفرضية لا الفعلية، إذ قد عرفت أن الظاهر من قوله:

«يسجد على الأرض»‌

أنه يومئ الى أن تصل جبهته إلى الأرض.

و أما القول الأول فقد عرفت أن المرسل لا يصلح حجة له لعدم ظهوره في وجوب الوضع. و أما الموثق فهو- و إن دل على وجوبه- معارض بصحيح زرارة و مصحح الحلبي لظهورهما في استحباب الوضع زائداً على الإيماء، كما عرفت، و حملهما على مثل قوله تعالى: (قُلْ مٰا عِنْدَ اللّٰهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ ..) و قولهم: «السيف أمضى من العصا» لا داعي اليه.

و مخالفتهما للإجماع المحكي عن المنتهى و ظاهر غيره ممنوعة، لاختصاص الإجماع بصورة الانحناء الكثير الذي لا يبلغ المقدار الواجب، و لا يشمل صورة الإيماء بالرأس على نحو يلاقي المروحة و نحوها. و الخبران إن لم يكونا ظاهرين فيه،

 

127
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 15 إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا ج‌6 ص 116

و الإيماء بالمساجد الأخر أيضا (1) و ليس بعد المراتب المزبورة حد موظف (2)، فيصلي كيف ما قدر، و ليتحر الأقرب إلى صلاة المختار (3)، و إلا فالأقرب إلى صلاة المضطر على الأحوط.

فلا أقل من إمكان حملهما عليه، فيرتفع التنافي. و دعوى: أن ظاهر معقد الإجماع الشمول للصورة الثانية. مندفعة: بوضوح الخلاف فيها، فاذاً الاكتفاء بالإيماء المجرد أقوى.

كما في حاشية النجاة لشيخنا الأعظم، و لم أقف عليه لغيره.

و كأن وجهه: احتمال كون موضوع الإيماء جميع المساجد لا خصوص الجبهة و فيه: أنه خلاف المصرف من الإيماء المذكور في النصوص، و لا سيما بعد اشتمال بعض النصوص على التقييد بالرأس، فلا محل للتوقف فيه.

ثمَّ إنه لا ينبغي التأمل في اختصاص ذلك على تقدير القول به بصورة إمكانه، كما في المضطجع أما الجالس فلا يتأتى ذلك منه بالنسبة إلى الركبتين و إبهامي الرجلين، و كذا المستلقي فإنه قد لا يستطيع الإيماء بها الى القبلة.

لخلو النصوص عن التعرض لغير ما سبق.

إن كان الوجه فيه قاعدة الميسور فقد عرفت الإشكال في الدليل عليها، و الإجماع عليها في المقام بنحو يقتضي وجوب بدل آخر قريب من بدله غير ثابت، فان الظاهر منها الميسور للأصل لا لبدله. و منه يظهر ضعف ما عن كشف الغطاء: من أنه لو تعذر الإيماء بالرأس و العين انتقل إلى الإيماء بباقي الأعضاء. انتهى، و إن قال في الجواهر: «و هو لا يخلو من وجه و إن كان ظاهر الأصحاب خلافه». و إن كان الوجه فيه أصالة التعيين لكون المورد من قبيل ما يتردد فيه بين التعيين و التخيير ففي محله، فاذا شك في وجوب الإيماء بباقي الأعضاء فالمرجع أصل البراءة، و إذا لم يتمكن من الجلوس و لا الاضطجاع و لا الاستلقاء، و يتمكن من أن يكون‌

128
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 إذا تمكن من القيام لكن لم يتمكن من الركوع قائما جلس و ركع جالسا ج‌6 ص 129

[ (مسألة 16): إذا تمكن من القيام لكن لم يتمكن من الركوع قائماً جلس و ركع جالساً]

(مسألة 16): إذا تمكن من القيام لكن لم يتمكن من الركوع قائماً جلس و ركع جالساً (1)، و إن لم يتمكن من الركوع و السجود صلى قائماً و أومأ للركوع و السجود (2) و انحنى لهما بقدر الإمكان (3)، و إن تمكن من الجلوس جلس لايماء السجود (4)، مكبوبا على وجهه، و تردد في وجوب أن يكون مكبوبا على أحد الجانبين بحيث يصير قريباً من المضطجع، و عدمه فيتخير، كان اللازم الأول، عملا بأصالة الاحتياط المقتضية للتعيين عند الدوران بينه و بين التخيير، فليست الفروض كلها على نسق واحد.

لأنه الميسور له، هذا إذا لم يتمكن من الانحناء أصلا، أما إذا تمكن منه في الجملة- و إن لم يكن على الوجه المعتبر- فسيأتي في مبحث الركوع أنه يجتزئ بالانحناء اليسير الممكن، و يأتي وجهه إن شاء اللّه.

لما سبق من بدلية الإيماء عنهما.

قد تقدم في المسألة السابقة اختصاص ذلك بصورة صدق الركوع الناقص، لا السجود كذلك و لو بدفع ما يسجد عليه، فاذا لم يصدق ذلك أجزأ الإيماء، لعموم بدليته، و لا تجب زيادة الانحناء، للأصل.

كما هو أحد القولين في المسألة، و اختاره العلامة الطباطبائي في منظومته، قال (قدس سره):

و كل إيماء عن السجود من غير قيام ما خلا العاري الأمن.

و كأنه لقاعدة الميسور. و فيه: أن الجلوس لا يعتبر في السجود لا شرطاً و لا ظرفاً، إذ السجود الواجب وضع المساجد على الأرض، فإذا فرض تعذر ذلك و بدلية الإيماء لم يكن وجه لوجوب الجلوس إلا كونه أقرب الى حال الساجد، و قد عرفت أن هذا المقدار لا تصلح قاعدة‌

 

129
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 إذا تمكن من القيام لكن لم يتمكن من الركوع قائما جلس و ركع جالسا ج‌6 ص 129

و الأحوط وضع ما يصح السجود عليه على جبهته (1) إن أمكن.

[ (مسألة 17): لو دار أمره بين الصلاة قائماً مومياً أو جالساً مع الركوع و السجود فالأحوط تكرار الصلاة]

(مسألة 17): لو دار أمره بين الصلاة قائماً مومياً أو جالساً مع الركوع و السجود فالأحوط تكرار الصلاة (2)، و في الضيق يتخير بين الأمرين.

الميسور لإثباته. نعم يشكل الحال في الجلوس الواجب بين السجدتين، فان مقتضى القاعدة المذكورة وجوبه حال تعذر السجود و بدلية الإيماء. و سقوط السجود بالتعذر لا يقتضي سقوطه، لكن لم أقف على من تعرض له و لعل نظر القائل بوجوب الجلوس اليه لا الى الجلوس حال السجود. فتأمل.

تقدم الكلام فيه.

اختار في الجواهر في أول كلامه تعين الأول، حاكياً عن بعض التصريح به، مستظهراً من آخر انه المشهور بل المتفق عليه، حاكياً عن الرياض عن جماعة دعوى الاتفاق عليه، لاشتراط الجلوس بتعذر القيام في النصوص، و لأن الخطاب بأجزاء الصلاة مرتب، فيراعي كل جزء حال الخطاب به بالنسبة اليه و بدله، ثمَّ الجزء الثاني، و هكذا الى تمام الصلاة.

و لما كان القيام أول أفعالها وجب الإتيان به مع القدرة عليه، فاذا جاء وقت الركوع و السجود خوطب بهما، فان استطاع، و إلا فبدلهما، ثمَّ قال:

«و يحتمل- كما مال إليه في كشف اللثام- تقديم الجلوس و الإتيان بالركوع و السجود» بل قال: «و كذا إذا تعارض القيام و السجود وحده، و لعله لأنهما أهم من القيام، خصوصاً بعد أن ورد: «أن الصلاة ثلث طهور و ثلث ركوع و ثلث سجود» «1»، «و أن أول الصلاة الركوع» «2» و نحو ذلك. و لأن أجزاء الصلاة و إن كانت مترتبة في الوقوع إلا أن الخطاب‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب الركوع، حديث: 1 و الحديث منقول- هنا- بالمعنى‌

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب الركوع حديث: 6.

 

130
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 17 لو دار أمره بين الصلاة قائما موميا أو جالسا مع الركوع و السجود فالأحوط تكرار الصلاة ج‌6 ص 130

.....

بالجميع واحد حاصل من الأمر بالصلاة، فمع فرض تعذر الإتيان بها كما هي اختياراً وجب الانتقال الى بدلها الاضطراري، و لما كان متعدداً- ضرورة كونه إما القيام وحده، أو الجلوس مع استيفاء باقي الأفعال- وجب الترجيح بمرجح شرعي، و لعل الأهمية و نحوها منه، و أنها أولى بالمراعاة من السبق لما عرفت، و مع فرض عدم المرجح أو عدم ظهور ما يدل على الاعتداد به يتجه التخيير، كما احتمله في كشف اللثام هنا تبعاً للمحكي عن المحقق الثاني». ثمَّ حكى عبارة جامع المقاصد الظاهرة في تردده في التخيير و ترجيح الجلوس. ثمَّ قال: «و المسألة لا تخلو من إشكال و إن كان احتمال تقديم الجلوس قوياً».

أقول: لا ينبغي التأمل في أنه لو استفيد من نصوص الباب- مثل‌

صحيح أبي حمزة: «الصحيح يصلي قائماً» «1»‌

، و‌

صحيح جميل: «إذا قوي فليقم» «2»‌

، و نحوهما-: أن القدرة شرط شرعي لوجوب القيام و الركوع و السجود و غيرها من الأجزاء الاختيارية، وجب تقديم السابق على اللاحق و إن كان اللاحق أهم، لحصول القدرة على السابق في حاله، فيثبت وجوبه، و لا يزاحم بوجوب اللاحق، لعدم وجوب إبقاء القدرة عليه الى زمان فعله، لأن الوجوب المشروط لا يقتضي حفظ شرطه، فاذا لم يجب شرعاً و لا عقلا إبقاء القدرة إلى زمان فعل الثاني لم يكن للمكلف عذر في ترك الأول و الانتقال الى بدله لحصول شرط وجوبه، فتركه معصية له جزماً. و إن لم يستفد من النصوص المذكورة شرطية القدرة للوجوب شرعاً لعدم دخلها في ملاكه بل كانت شرطاً عقلياً لتنجز التكليف بالجزء لا غير جاء الإشكال، لأن التكليف بالجزء الأول يقتضي صرف قدرة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب القيام حديث: 3.

 

131
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 17 لو دار أمره بين الصلاة قائما موميا أو جالسا مع الركوع و السجود فالأحوط تكرار الصلاة ج‌6 ص 130

.....

المكلف فيه، و التكليف بالجزء الثاني يقتضي أيضاً حفظ القدرة لتصرف فيه، فان كان مرجح لأحد الاقتضائين لأهمية الملاك قدم و إن كان متأخراً زماناً، و إلا يتخير، و التقدم الزماني لا أثر له في الترجيح في نظر العقل.

نعم لو قيل بعدم وجوب حفظ القدرة إلى زمان الفعل وجب القول بتعين فعل الأول، لعدم المزاحم له حال فعله. لكنه خلاف التحقيق، إذ لا فرق في نظر العقل في حرمة تفويت الواجب بتفويت مقدمته بين ما قبل وقته و ما بعده، و الرجوع الى العقلاء شاهد بذلك. اللهم الا أن يقال:

التكليف بالثاني لا يوجب سلب القدرة الخارجية على الأول قطعاً، كما أنه إنما يوجب سلب القدرة التشريعية عليه لو كان الثاني أهم، أما لو كان مساوياً للأول في الاهتمام فلأجل مزاحمته بالأول لا يصلح لسلب القدرة عليه تشريعاً، و مع وجود القدرة الخارجية و التشريعية للمكلف على الأول لا عذر له في تركه فكيف يسوغ له تركه؟!.

فان قلت: ما الفرق بين المتزاحمين العرضيين و التدريجيين، مع أنه لا ريب في التخيير بين الأولين. قلت: الفرق بينهما أن القدرة الخارجية في العرضيين ليست عرضية حاصلة بالإضافة الى كل منهما في عرض الآخر بل بدلية حاصلة بالإضافة الى كل في ظرف عدم الآخر، و منتفية عن كل في ظرف وجود الآخر، فاذا فعل المكلف أحدهما و ترك الآخر صح له الاعتذار عن تركه بعدم القدرة الخارجية عليه، و ليس الحال كذلك في التدريجيين، فإن الأول منهما مقدور بالقدرة الخارجية بلا شرط، و الثاني مقدور بشرط عدم فعل الأول، فإذا ترك الأول لم يصح الاعتذار عن تركه بعدم القدرة عليه، و إذا فعله و ترك الثاني صح له الاعتذار عن تركه بعدم القدرة عليه، و قد عرفت أنه لا نقص في القدرة التشريعية أيضاً إذا لم يكن الثاني أهم، فإذا كان الأمر بالثاني لا يوجب نقصاً في القدرة‌

132
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 17 لو دار أمره بين الصلاة قائما موميا أو جالسا مع الركوع و السجود فالأحوط تكرار الصلاة ج‌6 ص 130

.....

الخارجية و لا التشريعية على الأول لعدم الأهمية لم يكن للمكلف عذر في تركه.

هذا غاية ما يقال في تقريب وجوب تقديم الأول. و فيه: أنك عرفت أن التكليف بالثاني إذا كان يقتضي حفظ القدرة عليه- كما هو مقتضى البناء على حرمة تفويت المقدمات قبل الوقت- فالمكلف في زمان الأول ليس له قدرة عرضية خارجية على فعله و على حفظ قدرته للثاني، بل القدرة الخارجية عليهما بدلية كالعرضيين، و حينئذ يتخير بين فعل الأول جريا على مقتضى التكليف به و بين حفظ قدرته للثاني جريا على مقتضى التكليف به، و لا وجه لترجيح الأول على الثاني، كما لا وجه لترجيح الثاني على الأول.

فالعمدة في وجوب ترجيح الأول دعوى كون القدرة شرطاً في الوجوب كما يقتضيه الجمود على عبارة النصوص المشار إليها آنفاً، لكن فيها: أنها خلاف المرتكزات العرفية، فالأخذ بإطلاق ما دل على وجوب القيام و الركوع و السجود و غيرها، و حمل النصوص المذكورة على أنها في مقام بيان موضوع التكليف الفعلي إرشاداً الى ما عند العقل أولى من تقييد تلك الإطلاقات كما هو ظاهر، و عليه العمل في أكثر المقامات. نعم لو لم يكن في المقام ذلك الإطلاق كان البناء على شرطية القدرة للوجوب في محله، لكنه خلاف الواقع و عليه يتعين القول بالتخيير إلا إذا كان الثاني أهم فيتعين الأخذ به.

هذا و أما فرض المسألة، فالدوران فيه بين الجلوس فيفوته ركنان:

القيام حال التكبير، و القيام المتصل بالركوع، و واجب غير ركن: و هو القيام حال القراءة، و بين القيام فيفوته ركنان: الركوع و السجود. و لا تبعد دعوى أهمية الركوع و السجود كما يقتضيه ما تضمن: «أن الصلاة ثلث ركوع و ثلث سجود»، «و أن أول الصلاة الركوع» «1»، «و أنه لا تعاد‌

______________________________
(1) تقدما في صدر التعليقة.

 

133
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 18 لو دار أمره بين الصلاة قائما ماشيا أو جالسا فالأحوط التكرار أيضا ج‌6 ص 134

[ (مسألة 18): لو دار أمره بين الصلاة قائماً ماشياً أو جالساً، فالأحوط التكرار أيضاً]

(مسألة 18): لو دار أمره بين الصلاة قائماً ماشياً أو جالساً، فالأحوط التكرار أيضاً (1).

الصلاة إلا من الوقت و القبلة و الطهور و الركوع و السجود» «1»، كما أشار الى ذلك في محكي كشف اللثام، و يساعده ارتكاز المتشرعة، و المقام و ان لم يكن من باب التزاحم كي يحكم العقل بوجوب ترجيح الأهم أو محتمل الأهمية- كما أشرنا إليه آنفاً-، بل من باب الدوران في تعيين البدل الاضطراري، للتردد في تطبيق قاعدة الميسور الدالة على وجوب الميسور و بدليته عن التام، فالتردد في أن كلام من الأمرين ميسور أو أحدهما بعينه هو الميسور دون الآخر، و الوجوه المذكورة تستدعي كون الميسور هو الثاني فيتعين، لا الأول فلا يجتزأ به في البدلية. و لا ينافي ما ذكرنا ما دل على اشتراط بدلية الجلوس بتعذر القيام، لاختصاص ذلك بغير المقام.

هذا و ظاهر كلمات الجماعة: أن المقام من باب التزاحم، فإن الأخذ بالأهم أو الأسبق إنما يكون في المتزاحمات، لكنه ليس كذلك، و لعل مرادهم ما ذكرنا و إن بعد. نعم يبقى الإشكال في إطلاق قاعدة الميسور، لأجل أن دليلها الإجماع الذي لا مجال له مع وجود الخلاف. و يدفع: بأن الخلاف ليس في القاعدة، و إنما الخلاف في مورد تطبيقها، فالعمل بها مع العلم بالانطباق لازم.

المحكي عن جماعة منهم المفيد، و الفاضل، و الشهيد (قدس سرهم):

ترجيح الصلاة ماشياً على الصلاة قاعداً، و ربما يستشهد لهم‌

برواية سليمان ابن حفص المروزي: «قال الفقيه (ع): المريض إنما يصلي قاعداً إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها على أن يمشي مقدار صلاته .. الى أن يفرغ‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع، حديث: 5 و تقدم نقله مراراً.

 

134
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 17 لو دار أمره بين الصلاة قائما موميا أو جالسا مع الركوع و السجود فالأحوط تكرار الصلاة ج‌6 ص 130

.....

قائماً» «1»‌

- مضافا الى أن الماشي إنما فقد الاستقرار و هو كفقد الاستقلال مقدم على القعود الرافع لأصل القيام.

و أورد عليه بضعف الرواية سنداً بعدم توثيق سليمان، و دلالة باحتمال أن يكون المراد تحديد العجز المسوغ للجلوس تعبداً، بأن لا يتمكن من المشي بقدر صلاته كما حكي عن المفيد و محتمل النهاية، أو الكناية عن العجز عن القيام، لغلبة تلازم القدرتين، أو أنه إذا لم يقدر على المشي قدر الصلاة جاز له الجلوس و إن قدر على القيام بمشقة، فالمقصود تحديد المشقة التي تكون في القيام بالعجز عن المشي مقدار الصلاة، و بأن القيام الحاصل في المشي غير القيام المعتبر في الصلاة، إذ المراد منه الوقوف الذي تنافيه الحركة فضلا عن المشي.

و فيه: أن الذي صرح به في المختلف في مبحث مفطرية الغبار وثاقة سليمان، و المعنى الأول مخالف للأخبار الصحيحة المتضمنة نفي تحديد العجز، و إيكال معرفته الى نفس المصلي، و غلبة تلازم القدرتين ممنوع جداً. كيف و المشي مقدار الصلاة فيه من المشقة ما يزيد كثيراً على القيام مقدار الصلاة؟

مع أن القدرة على المشي مقدار الصلاة أخفى من القدرة على القيام ذلك المقدار، فكيف يجعل الأخفى طريقاً لمعرفة الأجلى؟ و أما المعنى الثالث فبعيد جداً، و لا قرينة عليه، فكيف تحمل عليه الرواية؟ و كون المراد من القيام ما تنافيه الحركة فضلا عن المشي ممنوع جداً، بل المستفاد من النصوص و الفتاوى أن المشي إنما ينافي الاستقرار المعتبر في أفعال الصلاة لا أصل القيام و لذا استدل على وجوب الاستقرار برواية السكوني الواردة في من يريد أن يتقدم و هو في الصلاة‌

قال (ع): «فليكف عن القراءة» «2»‌

و لم يستدل‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 6 من أبواب القيام حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 34 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

 

135
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 19 لو كان وظيفته الصلاة جالسا و أمكنه القيام حال الركوع وجب ذلك ج‌6 ص 136

[ (مسألة 19): لو كان وظيفته الصلاة جالساً و أمكنه القيام حال الركوع وجب ذلك]

(مسألة 19): لو كان وظيفته الصلاة جالساً و أمكنه القيام حال الركوع وجب ذلك (1).

[ (مسألة 20): إذا قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع وجب أن يقوم إلى أن يتجدد العجز]

(مسألة 20): إذا قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع وجب أن يقوم إلى أن يتجدد العجز (2)، و كذا بها على وجوب القيام في القراءة. هذا و الانصاف أن الرواية من حيث السند لا قصور فيها بعد اعتماد جماعة من الأعيان عليها، و رواية الأجلاء لها، و ظاهرها و إن كان تحديد العجز المسوغ للجلوس تعبداً، لكن بقرينة معارضتها تحمل على إرادة عدم جواز الصلاة جالساً إن أمكن فعلها قائماً فإنه أقرب المعاني بعد المعنى الأول و لا سيما بعد مساعدة القاعدة المشار إليها في ذيل الاستدلال، فالبناء على وجوب الصلاة ماشياً في فرض المسألة قوي جداً.

تحصيلا للقيام المتصل بالركوع الذي عرفت أنه ركن، و للقيام ما دام الركوع الذي هو واجب، فان ذلك مقتضى قاعدة الميسور المعول عليها في مثل المقام. نعم يشكل ذلك فيما لو تجددت القدرة على القيام بنحو يمكن استئناف الصلاة قائماً، إذ يمكن أن يقال حينئذ إن ذلك يكشف عن فساد الصلاة من أول الأمر، فيجب الاستئناف و لا يجزئ القيام للركوع فقط، و هذا يتم لو لم يكن إطلاق لأدلة البدلية يقتضي ثبوت البدلية في جميع آنات العجز و إن لم يستمر- كما هو مبنى القول بجواز البدار لذوي الأعذار- و لو فرض ثبوت الإطلاق المذكور كان القول بالاستئناف مخالفاً لقاعدة الاجزاء، هذا و قد عرفت غير مرة من هذا الشرح الإشكال في ثبوت الإطلاق المذكور لأدلة البدلية، فإطلاق وجوب المبدل منه المقتضي لوجوب الاستئناف محكم.

قد عرفت في المسألة السابعة عشرة أن المرجع: قاعدة الميسور‌

 

136
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 20 إذا قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع وجب أن يقوم إلى أن يتجدد العجز ج‌6 ص 136

إذا تمكن منه في بعض الركعة لا في تمامها. نعم لو علم من حاله أنه لو قام أول الصلاة لم يدرك من الصلاة قائماً إلا ركعة، أو بعضها، و إذا جلس أو لا يقدر على الركعتين قائماً أو أزيد مثلا، لا يبعد وجوب تقديم الجلوس، لكن لا يترك الاحتياط حينئذ بتكرار الصلاة، كما أن الأحوط في صورة دوران الأمر بين إدراك أول الركعة قائما و العجز حال الركوع أو العكس أيضا تكرار الصلاة (1).

[ (مسألة 21): إذا عجز عن القيام و دار أمره بين الصلاة ماشياً أو راكبا، قدم المشي على الركوب]

(مسألة 21): إذا عجز عن القيام و دار أمره بين الصلاة ماشياً أو راكبا، قدم المشي على الركوب (2).

و الظاهر أن الميسور يحصل بالقيام ثمَّ الجلوس، و بالجلوس أولا ثمَّ القيام، و لا ترجيح لأحد الفردين على الآخر بالنظر الى نفس الميسور، و لكن الظاهر من العقلاء ترجيح التطبيق الأول على الثاني، و مع الشك يكون المقام من موارد الدوران بين التعيين و التخيير و المرجع فيه الاحتياط.

اختار في الجواهر- فيما لو قدر على القيام زماناً لا يسع القراءة و الركوع- تقديم القراءة و الجلوس للركوع، حاكياً التصريح به عن بعض و حكايته عن آخرين، و عن المبسوط و النهاية و السرائر و المهذب و الوسيلة و الجامع أنهم قدموا الركوع على القراءة، و عن المبسوط نسبته إلى رواية أصحابنا، لكن الرواية لم تثبت، و القاعدة التي أشرنا إليها تقتضي ما ذكر في الجواهر، و لعل الرواية التي أشار إليها في المبسوط: ما ورد من أن الجالس إذا قام في آخر السورة فركع عن قيام يحسب له صلاة القائم، لكنها في غير ما نحن فيه.

هذا لا إشكال فيه بناء على تقديم المشي على الجلوس، و كذا‌

 

137
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 22 إذا ظن التمكن من القيام في آخر الوقت وجب التأخير ج‌6 ص 138

[ (مسألة 22): إذا ظن التمكن من القيام في آخر الوقت وجب التأخير]

(مسألة 22): إذا ظن التمكن من القيام في آخر الوقت وجب التأخير، بل و كذا مع الاحتمال (1).

بناء على تقديم الجلوس عليه، من أجل أهمية الاستقرار الجلوسي من القيام بلا استقرار، لفوات الاستقرار حال الركوب، فيتعين المحافظة على القيام أما بناء على أن تقديم الجلوس عليه لأن المشي غير القيام، كما تقدم احتماله أو القول به فيرجع الى عموم: «من لا يستطيع الصلاة قائماً يصلي جالساً» «1» يتعين في الفرض تقديم الركوب على المشي، لأن الركوب جلوس بلا استقرار، لكن عرفت ضعف الأخير، فما في المتن قوي.

لا ريب في أن مقتضى إطلاق دليل الواجب الاختياري أنه لو تعذر فعله في جزء من الوقت يتعين عليه في الجزء الآخر، فان تعذر في الأول تعين التأخير، و إن تعذر في الآخر تعين البدار، و أما أدلة الابدال الاضطرارية فإن كان لها إطلاق يقتضي ثبوت البدلية بمجرد تحقق الاضطرار في جزء من الوقت و إن لم يستمر الى آخر الوقت، جاز الانتقال الى البدل لو تحقق الاضطرار في أول الوقت، و ان علم بارتفاعه في آخر الوقت، و إن لم يكن لها هذا الإطلاق لم يحكم بثبوت البدلية بمجرد ذلك و حينئذ يتعين الرجوع الى إطلاق أدلة الواجب الاختياري الذي قد عرفت أن مقتضاه وجوب التأخير. هذا و قد عرفت قريباً الإشارة الى عدم ثبوت هذا الإطلاق لأدلة الابدال الاضطرارية، فيتعين التأخير مع العلم بالزوال.

نعم مع احتماله لا بأس بالمبادرة إلى فعل البدل الاضطراري، لاحتمال استمرار العذر، فان انكشف الاستمرار انكشفت الصحة، و إن انكشف زوال العذر انكشف البطلان، بل لو قطع باستمرار العذر فبادر الى فعل البدل الاضطراري ثمَّ انكشف زوال العذر انكشف البطلان أيضاً. و على‌

______________________________
(1) هذا مستفاد من عدة أحاديث. راجع الوسائل باب: 1 و 14 و غيرهما من أبواب القيام.

 

138
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 23 إذا تمكن من القيام لكن خاف حدوث مرض أو بطء برئه جاز له الجلوس ج‌6 ص 139

[ (مسألة 23): إذا تمكن من القيام، لكن خاف حدوث مرض أو بطء برئه جاز له الجلوس]

(مسألة 23): إذا تمكن من القيام، لكن خاف حدوث مرض أو بطء برئه جاز له الجلوس (1)، و كذا إذا خاف من الجلوس جاز له الاضطجاع، و كذا إذا خاف من لص أو عدو أو سبع أو نحو ذلك.

[ (مسألة 24): إذا دار الأمر بين مراعاة الاستقبال أو القيام فالظاهر وجوب مراعاة الأول]

(مسألة 24): إذا دار الأمر بين مراعاة الاستقبال أو القيام فالظاهر وجوب مراعاة الأول (2).

هذا فوجوب التأخير مع الاحتمال يراد منه عدم الحكم بالاجتزاء لو بادر الى البدل، لا الحكم بعدم الاجتزاء واقعاً.

بلا خلاف ظاهر و لا إشكال، و يشير اليه‌

صحيح ابن مسلم: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل و المرأة يذهب بصره فيأتيه الأطباء فيقولون: نداويك شهراً أو أربعين ليلة مستلقياً كذلك يصلي؟ فرخص في ذلك و قال (ع): فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بٰاغٍ وَ لٰا عٰادٍ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ» «1»‌

و نحوه غيره. بل لمستفاد من النص و الفتوى أن الإبدال الاضطرارية أبدال عند سقوط الواجب الاختياري سواء أ كان المسقط الاضطرار أم الحرج، فلو كان القيام مقدوراً لكنه حرجي انتقل الى الجلوس أيضاً، و هكذا في بقية المراتب.

ففي خبر عبد اللّه بن جعفر (ع): «عن رجل نزع الماء من عينيه أو يشتكي عينيه و يشق عليه السجود هل يجزئه أن يومئ و هو قاعد؟ أو يصلي و هو مضطجع؟ قال (ع): يومئ و هو قاعد» «2».

لأهمية الاستقبال من القيام كما يشير اليه‌

صحيح: «لا تعاد الصلاة» «3»‌

حيث استثني فيه فقد الاستقبال و لم يستثن منه فقد القيام.

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب القيام حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب القيام حديث: 2.

(3) تقدم في آخر مسألة: 17.

 

139
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 25 لو تجدد العجز في أثناء الصلاة عن القيام انتقل إلى الجلوس ج‌6 ص 140

[ (مسألة 25): لو تجدد العجز في أثناء الصلاة عن القيام انتقل إلى الجلوس]

(مسألة 25): لو تجدد العجز في أثناء الصلاة عن القيام انتقل إلى الجلوس (1) و لو عجز عنه انتقل إلى الاضطجاع و لو عجز عنه انتقل إلى الاستلقاء و يترك القراءة أو الذكر في حال الانتقال إلى أن يستقر (2).

لكنه معارض بما دل على ركنية القيام، بل ما دل على صحة الصلاة مع الانحراف الى ما بين اليمين و اليسار، يدل على عدم ركنية الاستقبال مطلقاً و حينئذ فلو دار الأمر بين القيام مع الانحراف الى ما بين اليمين و اليسار و بين ترك القيام و استقبال نقطة القبلة يتعين الأول، لعدم فوات الركن فيه بخلاف الثاني، و لو دار الأمر بين القيام مع الاستدبار و بين الاستقبال و ترك القيام، لم يكن مرجّح لأحدهما على الآخر، لكن عرفت سابقاً أن المدار في الترجيح تطبيق قاعدة الميسور، و لا يبعد أن يكون تطبيقها على واجد تمام الأجزاء فاقد الشرط، أولى من تطبيقها على فاقد الجزء واجد الشرط و مقتضى ذلك ترجيح القيام على الاستقبال مطلقاً. بل لو قيل بأن القيام شرط فترجيح مثله مما كان له وجود خارجي عيني على ما لم يكن كذلك بل كان إضافة خارجية كالاستقبال غير بعيد.

و لا يجب عليه الاستئناف، بلا خلاف ظاهر، كما يظهر من ملاحظة كلماتهم في المقام. نعم عن بعض العامة القول بالاستئناف و عدم الاجتزاء بصلاة ملفقة من الأحوال. و فيه: أنه خلاف إطلاق أدلة البدلية الشامل للعجز الطارئ في الأثناء شموله للعجز الطارئ قبل الدخول في العمل. بل لا يجوز الاستيناف لأنه تفويت للجزء الاختياري المأتي به قبل طروء العجز.

كما عن جماعة منهم الكركي و الأردبيلي و سيد المدارك، لأن الاستقرار شرط مع القدرة، و لم يحصل في الهوى، لكن عن الأكثر أنه‌

 

140
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 26 لو تجددت القدرة على القيام في الأثناء انتقل اليه ج‌6 ص 141

[ (مسألة 26): لو تجددت القدرة على القيام في الأثناء انتقل اليه]

(مسألة 26): لو تجددت القدرة على القيام في الأثناء انتقل اليه (1)، و كذا لو تجدد للمضطجع القدرة على الجلوس يقرأ في حال الانتقال. بل عن الذكرى نسبته إلى الأصحاب، و استدل لهم بأن الهوي أقرب الى القيام فتجب المبادرة حاله الى الإتيان بما أمكن من القراءة و الذكر، و فوات الاستقرار لا يقدح، لأنه شرط مع الاختيار لا مطلقاً، و مع الدوران بينه و بين ما هو أقرب الى القيام يتعين الأخذ بالثاني، لأن فوات الوصف أولى من فوات الموصوف. و فيه: أنه إنما يتم لو كان الهوي من القيام، إذ يكون الفرض من قبيل ما لو دار الأمر بين القيام مضطرباً و الجلوس الذي لا إشكال في وجوب تقديم الأول، لكن من الواضح أن الهوي ليس من القيام في شي‌ء. نعم هو أقرب الى القيام من الجلوس، لكن مجرد ذلك غير كاف في رفع اليد عن إطلاق ما دل على وجوب الجلوس لمن لا يتمكن من القيام، و قاعدة الميسور بنحو تقتضي ذلك غير ثابتة، و لذا لو دار الأمر مع تعذر القيام بين الصلاة في حال النهوض أو الهوي، و بينها في حال الجلوس يتعين الثاني، أخذاً بدليل بدلية الجلوس من غير معارض.

بلا خلاف فيه منا ظاهر. نعم عن بعض العامة لزوم الاستئناف كما في المسألة السابقة، لما سبق مما عرفت ضعفه. نعم يتوجه بناء على عدم جواز البدار لذوي الأعذار، فإن تجدد القدرة مع اتساع الوقت للاستئناف كاشف عن عدم مشروعية الفعل من أوله، كما أنه لو بني على جواز البدار كان البناء على عدم وجوب الاستئناف في محله، و كذا لو كان الوقت يضيق عن الاستئناف، لأن الفعل حينئذ مشروع من أول وقوعه فلا موجب لاستئنافه. هذا و مما ذكرنا يظهر أن إطلاق المصنف (ره) الحكم بالانتقال في هذه المسألة لا يناسب ما سبق في المسألة الثانية و العشرين.

 

141
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 26 لو تجددت القدرة على القيام في الأثناء انتقل اليه ج‌6 ص 141

أو للمستلقي القدرة على الاضطجاع و يترك القراءة أو الذكر في حال الانتقال (1).

[ (مسألة 27): إذا تجددت القدرة بعد القراءة قبل الركوع قام للركوع، و ليس عليه إعادة القراءة]

(مسألة 27): إذا تجددت القدرة بعد القراءة قبل الركوع قام للركوع، و ليس عليه إعادة القراءة (2)، و كذا لو تجددت في أثناء القراءة لا يجب استئنافها و لو تجددت بعد الركوع فان كان بعد تمام الذكر انتصب للارتفاع منه (3)، و إن كان قبل تمامه ارتفع منحنياً إلى حد الركوع القيامي (4)، و لا يجوز له الانتصاب ثمَّ الركوع (5)، و لو تجددت بعد رفع الرأس من الركوع لا يجب عليه القيام للسجود لكون انتصابه الجلوسي بدلا عن الانتصاب القيامي (6)، و يجزئ عنه لكن الأحوط القيام للسجود عنه.

الظاهر أنه لا إشكال هنا فيما ذكره، لعدم تأتي ما في المسألة السابقة لإمكان الإتيان بالواجب الأصلي الاختياري كما هو ظاهر.

عدم لزوم إعادة القراءة، بل عدم لزوم استئناف الصلاة مبني على ما في المسألة السابقة إطلاقا و تقييداً كما هو ظاهر.

تحصيلا للقيام بعد الركوع.

تحصيلا للذكر حال الركوع القيامي.

لئلا تلزم زيادة الركوع.

فاذا وقع منه بقصد امتثال الأمر الاضطراري أجزأ عن المبدل منه الاختياري، و الفرق بينه و بين القيام قبل الركوع- الذي تقدم وجوب فعله لو تجددت القدرة بعد القراءة- أن ذلك القيام لا يتشخص بدلا إلا باتصاله بالركوع، فما لم يتحقق الركوع لم يتحقق، فيجب فعله لو تمكن‌

 

142
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 28 لو ركع قائما ثم عجز عن القيام ج‌6 ص 143

[ (مسألة 28): لو ركع قائماً ثمَّ عجز عن القيام]

(مسألة 28): لو ركع قائماً ثمَّ عجز عن القيام فان كان بعد تمام الذكر جلس منتصبا ثمَّ سجد، و إن كان قبل الذكر هوى متقوسا إلى حد الركوع الجلوسي ثمَّ أتى بالذكر.

[ (مسألة 29): يجب الاستقرار حال القراءة و التسبيحات و حال ذكر الركوع و السجود]

(مسألة 29): يجب الاستقرار حال القراءة و التسبيحات و حال ذكر الركوع و السجود (1)، بل في جميع أفعال الصلاة و أذكارها، بل في حال القنوت و الأذكار المستحبة (2)، منه قبل الركوع و ليس القيام بعد الركوع كذلك، بل هو مجرد قيام فاذا تحقق بدله و هو مجرد الانتصاب أجزأ عنه. نعم لو كان القيام بعد الركوع هو القيام المتصل بالهوي الى السجود كان الواجب تداركه عند تجدد القدرة ما لم يسجد، كما في القيام المتصل بالركوع.

و بالجملة: إن كان القيام بعد الركوع من توابع الركوع فقد حصل بدله، و إن كان من توابع السجود لم يحصل، و وجب فعله مع الإمكان، و سيأتي الكلام في ذلك في مباحث الركوع و السجود.

قد تقدم في تكبيرة الإحرام و القيام الإشارة إلى وجهه و أن العمدة فيه الإجماع.

إجماعا كما في الجواهر ذكره في مبحث القيام مستشهداً بما ذكره العلامة الطباطبائي (ره) في منظومته حيث قال:

«لا تصلح الصلاة في اختيار إلا من الثابت ذي القرار

و ذاك في القيام و القعود فرض و في الركوع و السجود

يعم حال فرض تلك الأربعة الندب بالإجماع في فرض السعة

و هي بمعنى الشرط في المندوب فلا ينافي عدم الوجوب»

لكن الاعتماد على مثل هذا الإجماع و إن عظم ناقلاه لا يخلو من إشكال‌

 

143
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 29 يجب الاستقرار حال القراءة و التسبيحات و حال ذكر الركوع و السجود ج‌6 ص 143

كتكبيرة الركوع و السجود. نعم لو كبّر بقصد الذكر المطلق في حال عدم الاستقرار لا بأس به، و كذا لو سبح، أو هلل، فلو كبّر بقصد تكبير الركوع في حال الهوي له أو للسجود كذلك (1) أو في حال النهوض يشكل صحته فالأولى لمن يكبر كذلك أن يقصد الذكر المطلق. نعم محل قوله: بحول اللّه و قوته، حال النهوض للقيام.

[ (مسألة 30): من لا يقدر على السجود يرفع موضع سجوده إن أمكنه]

(مسألة 30): من لا يقدر على السجود يرفع موضع سجوده إن أمكنه و إلا وضع ما يصح السجود عليه على جبهته كما مر (2).

إذ لم أقف على من تعرض لذلك في مباحث القنوت و الأذكار المستحبة، بل المنسوب الى المشهور عدم اعتبار الاستقرار في جلسة الاستراحة، فكيف يحصل الوثوق بنقله؟ و لا سيما و أن الطمأنينة ليست شرطاً عندهم في جميع ما تجب فيه، فكيف تكون شرطاً في القنوت و الأذكار المستحبة و غيرها من المستحبات في الصلاة؟ و لا بد من المراجعة و التأمل.

الخلل في التكبير في حال الهوي ليس من أجل فقد الاستقرار، بل من جهة فقد المحل، فان محل التكبير للركوع و السجود حال الانتصاب لا حال الهوي، فالإتيان به في حال الهوي إتيان به في غير محله، و حينئذ يقع الكلام في صدق الزيادة القادحة بمجرد ذلك و عدمه، و قد تقدم منه في المسألة الثالثة الجزم ببطلان الصلاة للزيادة لو قنت جالساً، و قد تقدم في أوائل هذا الفصل الاشكال فيه فراجع.

الذي مر منه: التوقف في وجوب الوضع، و قد مر الكلام فيه في المسألة الخامسة عشرة.

144
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 31 من يصلي جالسا يتخير بين أنحاء الجلوس ج‌6 ص 145

[ (مسألة 31): من يصلي جالساً يتخير بين أنحاء الجلوس]

(مسألة 31): من يصلي جالساً يتخير بين أنحاء الجلوس (1). نعم يستحب له أن يجلس جلوس القرفصاء (2)، و هو أن يرفع فخذيه و ساقيه، و إذ أراد أن يركع ثنى رجليه (3)، و أما بين السجدتين و حال التشهد فيستحب أن يتورك (4).

لإطلاق الأمر بالجلوس له- مضافا الى‌

صحيح عبد اللّه ابن المغيرة و صفوان و ابن أبي عمير عن أصحابهم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الصلاة في المحمل «صل متربعاً و ممدود الرجلين و كيف أمكنك «1».

المصرح به في القواعد و غيرها استحباب أن يتربع حال القراءة، و عن المعتبر نسبته الى مذهبنا، و عن المدارك إلى علمائنا، بل عن الخلاف انه إجماعي،

لحسن حمران عن أحدهما (ع): «كان أبي إذا صلى جالساً تربع فاذا ركع ثنى رجليه» «2»‌

و المذكور في كلام جماعة، بل نسب الى المشهور تفسيره بنصب الساقين و الفخذين و هو القرفصاء، و كأن الوجه في حملهم له على هذا المعنى- مع أنه أحد معانيه- كونه أقرب الى القيام و أنسب بمقام العبادة.

استحبابه حال الركوع من حيث الفتوى كسابقه، و يشهد له حسن حمران السابق، و عن عدة من الأصحاب التصريح بأنه افتراش الرجلين تحته بحيث إذا قعد يقعد على صدرهما بغير إقعاء.

عن كشف الرموز حكاية استحبابه في التشهد عن الشيخ (ره) في المبسوط و أتباعه، و عن غيره نسبته أيضاً الى سائر المتأخرين. نعم في الشرائع نسبته الى القبل، و عن جامع ابن عمه التصريح باستحباب التربع،

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب القيام حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب القيام حديث: 4.

 

145
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 32 يستحب في حال القيام أمور ج‌6 ص 146

[ (مسألة 32): يستحب في حال القيام أمور]

(مسألة 32): يستحب في حال القيام أمور: (أحدها):

إسدال المنكبين (1). (الثاني): إرسال اليدين. (الثالث):

وضع الكفين على الفخذين قبال الركبتين اليمنى على الأيمن و اليسرى على الأيسر. (الرابع): ضم جميع أصابع الكفين.

(الخامس): أن يكون نظره إلى موضع سجوده. (السادس):

أن ينصب فقار ظهره و نحره (2).

و كأنه لإطلاق حسن حمران السابق، لكنه قيل إنه لا يصلح لمعارضة ما دل على استحباب التورك في مطلق التشهد كصحيح زرارة الآتي إن شاء اللّه في محله، و العمدة أن ظاهر الحسن استحباب التربع فيما قبل الركوع لا مطلقاً، فتأمل. و أما استحبابه بين السجدتين فاستظهره في الجواهر، و يشهد له صحيح حماد الوارد في بيان كيفية الصلاة، و قد عرفت الإشكال في حسن حمران.

ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): «إذا قمت في الصلاة فلا تلصق قدمك بالأخرى دع بينهما فصلا إصبعاً أقل ذلك الى شبر أكثره و أسدل منكبيك و أرسل يديك و لا تشبك أصابعك و ليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك و ليكن نظرك الى موضع سجودك» «1»‌

و منه و من صحيح حماد يستفاد أكثر ما ذكر من المستحبات قال في الثاني:

«فقام أبو عبد اللّه (ع) مستقبل القبلة منتصباً فأرسل يديه جميعاً على فخذيه قد ضم أصابعه و قرب بين قدميه حتى كان بينهما ثلاث أصابع مفرجات و استقبل بأصابع رجليه جميعاً القبلة لم يحرفهما عن القبلة بخشوع و استكانة ..» «2».

لما تقدم من مرسل حريز في تفسير قوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.

 

146
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 31 من يصلي جالسا يتخير بين أنحاء الجلوس ج‌6 ص 145

(السابع): أن يصف قدميه (1) مستقبلا بهما متحاذيتين بحيث لا تزيد إحداهما على الأخرى و لا تنقص عنها. (الثامن):

التفرقة بينهما بثلاث أصابع مفرجات، أو أزيد إلى الشبر.

(التاسع): التسوية بينهما في الاعتماد. (العاشر): أن يكون من الخضوع و الخشوع، كقيام العبد الذليل بين يدي المولى الجليل.

[فصل في القراءة]

فصل في القراءة يجب في صلاة الصبح و الركعتين الأولتين من سائر الفرائض قراءة سورة الحمد (2)، وَ انْحَرْ) قال (ع): «النحر الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه و نحوه» «1».

في محكي الرضوي: «فصف قدميك .. إلى أن قال: و لا تتكئ مرة على رجلك و مرة على الأخرى» «2» و منه يظهر وجه المستحب التاسع.

فصل في القراءة إجماعاً كما عن الخلاف و الوسيلة و الغنية و المنتهى و التذكرة و الذكرى و الروض و المدارك و البحار و الحدائق و غيرها، و في الجواهر: «يمكن دعوى تواتر الإجماع عليه». و استفادته من النصوص المتفرقة في أبواب القراءة قطعية‌

كصحيح محمد بن مسلم: «عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته.

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب القيام حديث: 3.

(2) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 7.

 

147
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القراءة ج‌6 ص 147

و سورة كاملة غيرها (1) بعدها‌

قال (ع): لا صلاة له إلا أن يقرأ بها في جهر أو إخفات» «1»‌

و‌

موثق سماعة: «عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب. قال (ع):

فليقل أستعيذ باللّه من الشيطان الرجيم إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. ثمَّ ليقرأها ما دام لم يركع فإنه لا صلاة له حتى يقرأ بها في جهر أو إخفات» «2»‌

و نحوهما غيرهما. نعم ليس فيها تعرض ظاهر لوجوبها في كل ركعة من الأولتين، لكن وضوح الحكم يمنع من التوقف فيه لذلك.

كما هو الظاهر من المذهب، أو مذهب الأصحاب، أو الأظهر من مذهبهم، أو إجماعي، أو نحو ذلك من العبارات المحكية عنهم في مقام نقل فتوى الأصحاب، و عن جماعة نسبته الى المشهور.

و استدل له بجملة من النصوص. منها:

صحيح منصور: «قال أبو عبد اللّه (ع): لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة و لا بأكثر» «3».

و فيه: أنه ظاهر في النهي عن تبعيض السورة و القران بين السورتين، و لا تدل على وجوب السورة التامة.

و منها:

مصحح عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه (ع): «يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها؟ و يجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوع بالليل و النهار» «4».

و فيه: أن مفهوم الوصف ليس بحجة، إذ يجوز أن يكون النكتة في التعرض للمريض بخصوصه عدم تأكد الاستحباب في حقه، كما يشير اليه تخصيص قضاء صلاة النافلة بذلك‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 28 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.

 

148
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القراءة ج‌6 ص 147

.....

مع أن أداءها لا تجب فيه السورة أيضاً.

و منها:

صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأوليين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوف شيئاً» «1».

و فيه: أن هذا اللسان من البيان يناسب الاستحباب جداً، و قد ورد نظيره في ترك الأذان‌

ففي خبر أبي بصير: «إن صليت جماعة لم يجزئ إلا أذان و إقامة و إن كنت وحدك تبادر أمراً تخاف أن يفوتك يجزئك الإقامة إلا الفجر و المغرب» «2»‌

و‌

في صحيح أبي عبيدة: «رأيت أبا جعفر (ع) يكبر واحدة واحدة في الأذان.

فقلت له: لم تكبر واحدة واحدة؟. فقال (ع): لا بأس به إذا كنت مستعجلا» «3».

و منها:

صحيح معاوية بن عمار: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): أقرأ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ في فاتحة الكتاب؟ قال (ع): نعم. قلت: فإذا قرأت الفاتحة أقرأ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* مع السورة؟ قال (ع):

نعم» «4».

و فيه: أنه وارد في مقام بيان جزئية البسملة لكل سورة، و لذا لم يتعرض فيه للصلاة فضلا عن خصوص الفريضة.

و منها:

صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) الوارد في المأموم المسبوق: «قرأ في كل ركعة مما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب و سورة فان لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب» «5».

و فيه: أنه ليس وارداً‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 21 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 11 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.

(5) الوسائل باب: 47 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.

 

149
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القراءة ج‌6 ص 147

.....

في مقام تشريع وجوب السورة، و إنما هو وارد في مقام إبقاء مشروعيتها على ما هي عليه من الوجوب و الاستحباب، لدفع توهم سقوط القراءة عن المأموم مطلقاً حتى المسبوق.

و منها:

صحيح محمد عن أحدهما (ع): «عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة؟ فقال (ع): لا لكل ركعة سورة» «1».

و فيه: أنه ظاهر في كون الموظف و المشروع لكل ركعة سورة في قبال توظيف السورتين للركعة، لا أنه يجب لكل ركعة سورة.

و منها:

صحيح معاوية بن عمار: «من غلط في سورة فليقرأ: (قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ) ثمَّ ليركع» «2»‌

، و فيه: أن تخصيص (قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ) بالذكر شاهد بأن المراد أنها تجزئ عن السورة التي غلط فيها، و‌

صحيح محمد بن إسماعيل قال: «سألته (ع) قلت: أكون في طريق مكة فننزل للصلاة في مواضع فيها الأعراب أ يصلي المكتوبة على الأرض فيقرأ أم الكتاب وحدها أم يصلي على الراحلة فيقرأ فاتحة الكتاب و السورة؟ قال (ع):

إذا خفت فصل على الراحلة المكتوبة و غيرها و إذا قرأت الحمد و سورة أحب إلي و لا أرى بالذي فعلت بأساً» «3».

قال في الوسائل حاكياً ذلك عن بعض المحققين: «لو لا وجوب السورة لما جاز لأجله ترك الواجب من القيام». و فيه: أن ظاهر الجواب أن تعين الصلاة على الراحلة إنما هو من جهة الخوف في النزول- كما هو ظاهر السؤال- لا من جهة ترجيح السورة على القيام، و إلا فلا ريب في ترجيح القيام و الاستقبال و الاستقرار على السورة، فلو فرض ظهور الرواية في خلاف ذلك وجب طرحه- مع‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 43 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

 

150
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القراءة ج‌6 ص 147

.....

أن‌

قوله (ع): «و إذا قرأت الحمد و سورة أحب إلي»‌

، ظاهر في استحباب السورة. و منه أيضاً يظهر سقوط الاستدلال به بتقريب أن ظاهر السؤال اعتقاد السائل وجوب السورة، فلو لم تكن كذلك لوجب ردعه فان قوله (ع):

أحب إلي‌

صالح للردع.

و منها:

خبر الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) أنه قال: «إنما أمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلا يكون القرآن مهجوراً مضيعاً و ليكون محفوظاً مدروساً فلا يضمحل و لا يُجهل و إنما بدأ بالحمد دون سائر السور ..» «1»‌

و فيه: أنه ليس في مقام التشريع، بل في مقام حكمة التشريع على إجماله من الوجوب و الندب، مع احتمال أن يكون المراد البدأة بالإضافة إلى الركوع.

و منها:

خبر يحيى بن عمران الهمداني: «كتبت الى أبي جعفر (ع):

جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ ب‍ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ في صلاته وحده في أم الكتاب فلما صار الى غير أم الكتاب من السورة تركها، فقال العباسي (العياشي خ ل): ليس بذلك بأس. فكتب بخطه: يعيدها مرتين على رغم أنفه» «2»‌

(يعني العباسي). و فيه: أن من المحتمل قريباً أن يكون المراد من الإعادة إعادة السورة من جهة ترك جزئها و هي البسملة، فالمراد أن السورة بلا بسملة لا تجزئ عن السورة المأمور بها سواء أ كان للوجوب أم الاستحباب- مع أنها لو كانت ظاهرة في إعادة الصلاة أمكن أن يكون ذلك للتبعيض لا لجزئية السورة.

و استدل أيضاً بمداومة النبي (ص) على فعلها. و فيه: أنها أعم من‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.

 

151
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القراءة ج‌6 ص 147

.....

الوجوب، و تتميمه‌

بقوله (ص): «صلوا كما رأيتموني أصلي «1»»‌

قد تقدم الاشكال فيه بأن الكلام الشريف مجمل الدلالة في نفسه على الوجوب و الاستحباب و غيرهما، ضرورة اشتمال صلاته على بعض المندوبات و المباحات و التمييز محتاج إلى قرينة كانت موجودة في وقت الخطاب غير ظاهرة لدينا.

و بالأخبار الدالة على تحريم العدول من سورة التوحيد و الجحد الى ما عدا سورة الجمعة و المنافقين يوم الجمعة‌

كصحيح الحلبي: «إذا افتتحت صلاتك ب‍ قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ و أنت تريد أن تقرأ بغيرها فامض فيها و لا ترجع إلا أن تكون في يوم الجمعة» «2».

و فيه: أن حرمة العدول لا تنافي الاستحباب و لا تلازم الوجوب.

هذا و لو سلم دلالة ما ذكر على الوجوب فهي معارضة بما دل على جواز الاقتصار على الفاتحة،

كصحيح علي بن رئاب عن أبي عبد اللّه (ع): «سمعته يقول بأن فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة» «3»‌

و الجمع العرفي بينها حملها على الاستحباب، أما الحمل على حال المرض أو الاستعجال أو الخوف- كما عن الشيخ (ره)- فهو بعيد، و لا سيما الأول، و ليس بناؤهم على ارتكابه في أمثال المقام، و لذا قال في المعتبر: «و اعلم أن ما ذكره الشيخ (ره) تحكم في التأويل و الظاهر أن فيه روايتين و حمل إحداهما على الجواز و الأخرى على الفضيلة أقرب» و نحوه ما في المنتهى في آخر الفرع الرابع في مسألة جواز التبعيض.

و أما الحمل على التقية فهو و إن كان قريباً في نفسه لكنه خلاف القواعد المقررة في باب التعارض من أن ارتكابه مشروط بتعذر الجمع العرفي الموجبة‌

______________________________
(1) كنز العمال ج: 4 صفحة: 62 حديث: 1196 و تقدم في فصل تكبيرة الإحرام.

(2) الوسائل باب: 69 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

 

152
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القراءة ج‌6 ص 147

.....

في المقام العمل على نصوص النفي، و لا سيما مع اعتضادها بنصوص التبعيض، مثل‌

صحيح أبان بن عثمان عمن أخبره عن أحدهما (ع) قال: «سألته هل تقسم السورة في ركعتين؟ قال (ع): نعم اقسمها كيف شئت» «1»‌

و‌

صحيح سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (ع) قال: «سألته عن رجل قرأ في ركعة الحمد و نصف سورة هل يجزئه في الثانية أن لا يقرأ الحمد و يقرأ ما بقي من السورة؟ قال (ع): يقرأ الحمد ثمَّ يقرأ ما بقي من السورة» «2».

و‌

صحيح زرارة: «قلت لأبي جعفر (ع): رجل قرأ سورة في ركعة فغلط أ يدع المكان الذي غلط فيه و يمضي في قراءته أو يدع تلك السورة و يتحول عنها الى غيرها؟ فقال (ع): كل ذلك لا بأس به و إن قرأ آية واحدة فشاء أن يركع بها ركع» «3»‌

، و نحوها صحاح عمر بن يزيد «4»، و علي بن يقطين «5»، و إسماعيل بن الفضل «6» و غيرها، فإن رواية هؤلاء الأجلاء لذلك تأبى وروده مورد التقية، كيف و هم أعيان حملة الحديث و أمناء اللّه تعالى على حلاله و حرامه؟ و كأنه لذلك مال الى القول بعدم الوجوب جماعة كالاسكافي و ابن أبي عقيل و الديلمي و المحقق و العلامة في المعتبر و المنتهى، و قواه في التنقيح، و هو خيرة المدارك و الذخيرة و الكفاية و المفاتيح على ما حكي عن بعضها.

لكن مع ذلك كله فالنفس لا تطمئن بعدم الوجوب، للشهرة العظيمة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 7.

(4) الوسائل باب: 6 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.

(6) الوسائل باب: 5 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

 

153
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القراءة ج‌6 ص 147

إلا في المرض (1) و الاستعجال (2)، فيجوز الاقتصار على الحمد، و إلا في ضيق الوقت (3).

على الوجوب، بل الإجماع ممن يعتد بفتواهم من القدماء عليه، فالمسألة لا تخلو من إشكال و لا سيما مع ضعف بعض المناقشات السابقة، فالتوقف فيها متعين و الاحتياط طريق النجاة.

عليه الوفاق كما في المعتبر، و لا خلاف بين أهل العلم كما في المنتهى و إجماعا كما في كشف اللثام، و عن البحار، لمصحح عبد اللّه بن سنان المتقدم «1»، و إطلاقه يقتضي عدم الفرق بين ما يشق لأجله القراءة و غيره لكن لا يبعد انصرافه بمناسبة الحكم و الموضوع الى خصوص الأول، و في المعتبر و المنتهى و عن البحار عده من موارد الضرورة.

إجماعا كما عن التذكرة و في كشف اللثام، و ظاهر المعتبر و المنتهى عده وفاقياً، لصحيح الحلبي المتقدم «2»، و‌

خبر الحسن الصيقل: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): أ يجزئ عني أن أقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها إذا كنت مستعجلا أو اجلني شي‌ء؟ فقال (ع): لا بأس» «3».

و‌

خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال: «سألته عن الرجل يكون مستعجلا يجزئه أن يقرأ في الفريضة بفاتحة الكتاب وحدها؟ قال (ع):

لا بأس» «4»‌

و لا يبعد انصرافها أيضاً الى صورة حصول المشقة بفواتها.

بلا كلام كما عن التنقيح، و بلا خلاف كما عن المدارك، و إجماعا كما عن البحار، و يقتضيه مضافا- الى الأصل لعدم ظهور إطلاق فيما هو‌

______________________________
(1) راجع أول الفصل.

(2) راجع أول الفصل.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.

 

154
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القراءة ج‌6 ص 147

.....

مظنة الحجية على وجوب السورة ليرجع اليه عند الشك- ما ورد في المستعجل و في المأموم المسبوق إذا لم يمهله الامام «1». اللهم إلا أن يستشكل فيه لو كان الضيق عن إدراك الركعة مع السورة بأن وجوب فعل الصلاة و كونها حاجة موقوف على سقوط جزئية السورة، إذ لو كانت جزءاً في هذه الحال لا يتحقق الإدراك للركعة، فلا وجوب و لا ملاك للأمر، و لا حاجة الى فعل الصلاة، فلا مجال لاستفادة السقوط من النصوص و لو بتوسط الأولوية، و كذا الحال لو كان الوجه في السقوط الضرورة التي انعقد الإجماع على سقوط السورة معها إذ لا ضرورة مع ثبوت الجزئية، لسقوط الأمر حينئذ. نعم يتم ذلك لو كان الضيق عن إدراك تمام الصلاة، فإن ملاك الأمر بإتيان تمام أجزائها في الوقت حاصل، فيمكن حينئذ دعوى صدق الحاجة و الضرورة، فهذا الفرض أولى بالسقوط مما قبله لا العكس كما ذكر في الجواهر، و إن كان الظاهر تأتي نظير الإشكال في الفرض السابق كما عن الكركي، لأن المراد من الحاجة و الضرورة في كلام الأصحاب ما كان كذلك مع قطع النظر عن ثبوت السورة و سقوطها، و ليس كذلك في المقام، إذ على تقدير ثبوت السورة يكون تركها موجباً لبطلان الصلاة، فتفوت الحاجة و الضرورة المقصودتان من الترك. نعم دعوى الاستفادة مما ورد في المسبوق في محلها، لاتحاد الجهة في المقامين فتمكن حينئذ دعوى القطع بالأولوية، و لا سيما بناء على ما هو الظاهر من أن المتابعة شرط في الائتمام المستحب، إذ المقصود من ترك السورة حصول الائتمام بالركوع و هو مستحب. هذا و العمدة الأصل بعد دعوى عدم الإطلاق في أدلة الوجوب، أو دعوى الإجماع على السقوط.

______________________________
(1) تقدم ذلك كله في أول الفصل.

 

155
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القراءة ج‌6 ص 147

أو الخوف (1) و نحوهما من أفراد الضرورة، فيجب الاقتصار عليها (2) و ترك السورة، و لا يجوز تقديمها عليها (3)، فلو قدمها عمداً بطلت الصلاة للزيادة العمدية (4) إن قرأها ثانياً (5) كما تقدم في صحيح الحلبي «1».

فراراً عن الوقوع في الحرام. نعم لو لم تكن الضرورة محرمة لم يجب.

إجماعاً بل ضرورة كما قيل، و استدل له في المستند بصحيح محمد ابن مسلم و موثق سماعة المتقدمين في مسألة وجوب الفاتحة «2» راوياً لهما‌

«يبدأ»‌

بدل‌

«يقرأ»‌

، و الموجود في النسخة المصححة من الوسائل التي تحضرني‌

«يقرأ»‌

بدل‌

«يبدأ»‌

كما سبق.

كما عرفت من وجود العموم الدال على البطلان بها، فراجع.

الظاهر صدق الزيادة بمجرد فعل ما لا يكون جزءاً بقصد الجزئية، و لا يتوقف صدقها على فعله ثانياً، بل لو عرضه في أثناء الفاتحة ما يوجب سقوط السورة من مرض و نحوه فصلاته باطلة للزيادة و إن لم يقرأها بعد ذلك لسقوطها عنه.

ثمَّ إن صدق الزيادة موقوف على القول بوجوب السورة، إذ على القول باستحبابها يكون حال السورة المقدمة حال المستحبات المأتي بها في غير محلها التي عرفت عدم صدق الزيادة في الصلاة عليها فلا تبطل الصلاة.

نعم يكون فعلها حينئذ تشريعاً محرماً، لكن عرفت أن ذلك لا يقتضي البطلان. اللهم إلا من جهة عدم شمول ما دل على نفي البأس عن قراءة القرآن له. لكن لو سلم لا يهم لعدم شمول الكلام الممنوع في الصلاة له‌

______________________________
(1) راجع أول الفصل.

(2) راجع أول الفصل.

 

156
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القراءة ج‌6 ص 147

و عكس الترتيب الواجب إن لم يقرأها، و لو قدمها سهواً و تذكر قبل الركوع أعادها بعد الحمد (1)، أو أعاد غيرها، و لا يجب عليه إعادة الحمد إذا كان قد قرأها (2).

أيضاً فيكون المرجع في مانعيته أصل البراءة. و قد يعلل البطلان بلزوم القران بين السورتين، و فيه أنه لو بني على مبطلية القران فشموله لمثل ذلك- و لا سيما لو أعاد السورة نفسها- محل إشكال.

لصحة الصلاة حينئذ، لعدم قدح الزيادة السهوية كما يقتضيه عموم:

«لا تعاد الصلاة» «1».

و يشهد له‌

خبر علي بن جعفر (ع): «عن رجل افتتح الصلاة فقرأ سورة قبل فاتحة الكتاب ثمَّ ذكر بعد ما فرغ من السورة قال (ع): يمضي في صلاته و يقرأ فاتحة الكتاب في ما يستقبل» «2»‌

و حينئذ يجب امتثال الأمر بالسورة بعد الفاتحة فيعيدها أو يقرأ غيرها، لإطلاق دليلها.

خلافاً لجماعة- كما قيل- و ربما يستظهر من كل من عبر باستئناف القراءة، كما عن المنتهى و التذكرة و التحرير و نهاية الأحكام و الألفية و غيرها، و وجهه أن مخالفة الترتيب الموجبة لبطلان الجزء كما تكون بتقديم المتأخر، كذلك تكون بتأخير المتقدم، و كما تبطل السورة بتقديمها تبطل الفاتحة بتأخيرها فلا بد من إعادتهما معاً، و فيه: أن الظاهر من دليل اعتبار الترتيب في المقام:

أنه يعتبر في الفاتحة أن تكون بعدها سورة، و في السورة أن تكون قبلها فاتحة، فإذا قرأ السورة ثمَّ قرأ الفاتحة كانت السورة مخالفة للترتيب، إذ لم تكن قبلها فاتحة، و ليست كذلك الفاتحة، لإمكان أن تكون بعدها سورة، فإذا قرأ السورة بعدها وقعتا معاً على وفق الترتيب. نعم لو كان‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 28 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

 

157
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 1 القراءة ليست ركنا ج‌6 ص 158

[ (مسألة 1): القراءة ليست ركناً]

(مسألة 1): القراءة ليست ركناً، فلو تركها و تذكر بعد الدخول في الركوع صحت الصلاة (1)، مفاد دليل الترتيب: أنه يعتبر في الفاتحة أن لا تتقدم عليها سورة، و في السورة أن لا تتأخر عنها فاتحة، كانتا معا باطلتين، و لازمه لو ذكر بعد الفراغ من السورة قبل الفاتحة عدم تمكنه من قراءة الفاتحة مرتبة، لأنه إذا قرأها قرأها بعد سورة فلا تكون مرتبة‌

فبحديث: «لا تعاد الصلاة».

يسقط اعتبار الترتيب، فيقرؤها فاقدة للترتيب ثمَّ يقرأ السورة بعدها، أما لو ذكر بعد تمام الفاتحة، فلأجل أنه لا يلزم من اعتبار الترتيب بطلان الصلاة و لزوم إعادتها، و إنما يلزم بطلان السورة و الفاتحة فقط، لا مجال لتطبيق‌

حديث: «لا تعاد الصلاة»‌

. فالترتيب باق على اعتباره و تبطلان معا، و عليه إعادة الفاتحة ثمَّ السورة. لكن هذا المعنى غير مراد من أدلة الترتيب قطعاً، بل المراد منها المعنى الأول الذي عرفت أن مقتضاه إعادة السورة وحدها.

ثمَّ إنه قد يستفاد من خبر علي بن جعفر (ع) المتقدم «1» عدم لزوم إعادة السورة، لكنه غير ظاهر في ذلك، بل المحتمل أو الظاهر إرادة أنه يمضي في صلاته فيقرأ فاتحة الكتاب ثمَّ يأتي بما بعدها من سورة و غيرها، و لا وجه لحمل‌

قوله (ع): «في ما يستقبل»‌

على الركعات اللاحقة، ليكون ظاهراً في عدم وجوب قراءة الفاتحة بعد السورة المنسية، ليكون مخالفاً للإجماع.

بلا خلاف ظاهر. و يقتضيه- مضافاً الى الإجماع على عدم ركنيتها- جملة من النصوص‌

كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال: «إن اللّه عز و جل فرض الركوع و السجود و جعل القراءة سنة فمن ترك القراءة متعمداً أعاد الصلاة و من نسي القراءة فقد تمت صلاته و لا شي‌ء عليه» «2»‌

______________________________
(1) تقدم في التعليقة السابقة.

(2) الوسائل باب: 27 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

 

158
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القراءة ج‌6 ص 147

و سجد سجدتي السهو (1) مرتين: مرة للحمد، و مرة للسورة (2)، و كذا إن ترك إحداهما و تذكر بعد الدخول في الركوع صحت الصلاة، و سجد سجدتي السهو، و لو تركهما أو إحداهما و تذكر في القنوت أو بعده قبل الوصول الى حد الركوع رجع و تدارك (3)، و كذا لو ترك الحمد و تذكر بعد الدخول في و‌

موثق منصور بن حازم قال: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): إني صليت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلها فقال (ع): أ ليس قد أتممت الركوع و السجود؟ قلت: بلى. قال (ع): تمت صلاتك إذا كان نسياناً» «1»‌

و نحوهما غيرهما.

هذا بناء على وجوب سجود السهو لكل زيادة و نقيصة،

لمرسل سفيان: «تسجد سجدتي السهو لكل زيادة تدخل عليك أو نقصان» «2»‌

و سيأتي إن شاء اللّه في محله الاشكال فيه. مع أن يعارضه في المقام‌

قوله (ع) في ذيل الصحيح: «و لا شي‌ء عليه»‌

، و لما كان التعارض بالعموم من وجه كان الواجب في مورد المعارضة الرجوع الى أصالة البراءة من وجوب السجود، و حمل الثاني على نفي الإعادة أو الاستئناف ليس أولى من تخصيص المرسل بغير المقام، بل لعل الثاني أقرب لئلا يلزم التأكيد.

هذا مبني على صدق تعدد الزيادة في المقام بزيادة الفاتحة و زيادة السورة. لكن يأتي في محله إن شاء اللّه: أن المعيار في وحدة الزيادة و تعددها وحدة السهو و تعدده، فترك السورة و الفاتحة إن كان عن سهو واحد فالسجود واحد، و إن كان عن أكثر فأكثر.

لأن فعل القنوت لا يوجب فوات المحل، لعدم الدليل عليه، بل‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 29 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 32 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 3.

 

159
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 1 القراءة ليست ركنا ج‌6 ص 158

السورة رجع و أتى بها، ثمَّ بالسورة.

[ (مسألة 2) لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال]

(مسألة 2) لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال (1)، يكون فعله نفسه في غير محله لفوات الترتيب، فيلغى و يجب امتثال الأمر بالفاتحة و السورة.

بلا خلاف أجده، كما في الجواهر، و عن الحدائق نسبته إلى الأصحاب، و استدل له‌

بخبر سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه (ع): «لا تقرأ في الفجر شيئاً من آل حم» «1»‌

و ظاهره إما المانعية في خصوص الفجر مطلقاً و إن لم يفت الوقت، أو الإرشاد إلى عدم الاجتزاء بها عن السورة، و كلاهما أجنبي عن المدعى.

نعم قد تتم دلالته بخبره الآخر‌

عن عامر بن عبد اللّه: «سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: من قرأ شيئاً من آل حم في صلاة الفجر فاته الوقت» «2».

لكنه لا يخلو من إجمال، إلا أن يستظهر منه وقت الفضيلة و حينئذ لا يكون مما نحن فيه. اللهم إلا أن يستفاد من الجمع بينهما أن النهي في الأول للكراهة، لأجل فوات وقت الفضيلة، فيستفاد منه النهي التحريمي لفوات وقت الاجزاء، للقطع بعدم الفرق. و فيه: أنه لو تمَّ ذلك كان الظاهر من النهي النهي العرضي، نظير النهي عن أحد الضدين لوجوب الآخر، على التحقيق من عدم اقتضائه النهي و أنه من باب النهي عن أحد المتلازمين لحرمة الآخر، كما هو كذلك في المورد، فلا يكون تحريمياً حقيقياً، كما هو ظاهر المدعى.

اللهم إلا أن يبنى على اقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده، لكنه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 44 من أبواب القراءة في الصلاة: حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 44 من أبواب القراءة في الصلاة: حديث: 1.

 

160
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 پ لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال ج‌6 ص 160

فإن قرأه عامداً بطلت صلاته (1) و إن لم يتمه إذا كان من خلاف التحقيق، أو يكون مراد القائلين بالحرمة ذلك، و هو غير بعيد عن ظاهر تعليل الحكم في المعتبر و المنتهى بأنه يلزم منه الإخلال بالصلاة أو بعضها حتى يخرج الوقت عمداً. و هو غير جائز.

كما نسب الى المشهور بل إلى الأصحاب، أما للتحريم المستفاد من الخبر الموجب للبطلان، أو لأنه مكلف بالسورة القصيرة، فإن اقتصر على الطويلة لزم نقص الجزء عمداً، و ان قرأ القصيرة لزم القران المبطل، أو لعدم كون السورة المقروءة جزءاً، لامتناع التكليف بالفعل في وقت لا يسعه، فالإتيان بها بقصد الجزئية كما هو المفروض زيادة عمدية مبطلة.

لكن عرفت الإشكال في استفادة التحريم من النص، و اختصاص التكليف بالسورة القصيرة ممنوع، و عدم اتساع الوقت للطويلة إنما يرفع فعلية التكليف بها لأملاكه، و إلا فهي و القصيرة سواء في وجود الملاك، فاذا اقتصر على الطويلة لم تلزم النقيصة، و لو قرأ القصيرة معها فبطلان الصلاة بالقران محل إشكال كما يأتي إن شاء اللّه. و من ذلك يظهر ما في دعوى عدم كون السورة الطويلة جزءاً لامتناع التكليف بالفعل في وقت لا يسعه، فان ذلك إنما يرفع فعلية التكليف بها لأملاكه.

و لأجل ذلك اختار في الجواهر عدم الصحة لو كان قد أدرك ركعة و كان تشاغله بها مفوتاً للوقت بحيث لا يحصل له مقدار ركعة معللا له بأنها لا تصلح أداء، لعدم إدراك ركعة منها في الوقت، و لا قضاء، لعدم مساعدة أدلته، لظهورها في المفتتحة عليه، أو التي كانت في الواقع كذلك، و ان لم يعلم المكلف كما لو صلى بزعم سعة الوقت ركعة ثمَّ بان قصوره قبل إحرازها، فإن الصحة حينئذ بناء على عدم وجوب التعرض للأداء و القضاء في النية متجهة، بخلاف المقام الذي فرض فيه سعة الوقت في نفس‌

 

161
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 پ لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال ج‌6 ص 160

نيته الإتمام حين الشروع، و أما إذا كان ساهياً فان تذكر بعد الفراغ (1) أتم الصلاة و صحت و إن لم يكن قد أدرك ركعة من الوقت أيضاً (2) و لا يحتاج إلى إعادة سورة أخرى، الأمر لكنه فات بتقصير المكلف.

و إن أمكن أن يخدش أيضاً بظهور ابتنائه على أن ملاك وجوب القضاء غير ملاك وجوب الأداء، ففي فرض السعة في نفس الأمر لا يمكن أن تصح قضاء لانتفاء ملاكه. لكن المبنى المذكور خلاف ظاهر أدلة القضاء، إذ الظاهر منها وحدة ملاك الأداء و القضاء، غاية الأمر تجب خصوصية الوقت بملاك آخر، و عليه لا فرق بين الفرض المذكور و فرض الضيق في نفس الأمر إن نوى امتثال الأمر الأدائي بطلت، و ان نوى الجامع بينه و بين القضائي صحت.

و مما ذكرنا يظهر لزوم تقييد البطلان في عبارة المتن بصورة قصد الأمر الأدائي و عدم إدراك الركعة.

ثمَّ إن كان المصلي قصد قراءة السورة الطويلة من حين شروعه في الصلاة فالصلاة باطلة من حين الشروع في السورة المذكورة، و إن قصد قراءتها بعد فراغه من الفاتحة تبطل من حين شروعه في السورة، و لا مجال للعدول من جهة الزيادة العمدية.

يعني: من السورة.

لأجل ما عرفت من أن الوجه في البطلان في صورة قصد الأمر الأدائي هو الخلل من جهة قصد الامتثال، لم يكن وجه للفرق بين العمد و السهو في البطلان و عدمه، لأن قصد الامتثال شرط مطلقاً تبطل العبادة بفقده و لو سهواً.

 

162
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 پ لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال ج‌6 ص 160

و إن تذكر في الأثناء عدل إلى غيرها (1) إن كان في سعة الوقت و إلا تركها (2) و ركع و صحت الصلاة (3).

[ (مسألة 3): لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة]

(مسألة 3): لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة (4)، فلو قرأها عمداً استأنف الصلاة، و إن لم يكن قرأ إلا البعض و لو البسملة أو شيئاً منها إذا كان من نيته حين الشروع الإتمام، أو القراءة إلى ما بعد آية السجدة، و أما لو محافظة على إيقاع الصلاة الواجبة أداء التي نواها.

يعني: إذا كان الوقت حال التذكر لا يسع سورة، ترك السورة الطويلة، و يركع من دون عدول إلى سورة أخرى، بناء على ما تقدم من سقوط السورة لضيق الوقت.

إذ لا خلل في النية و لا في المنوي إلا من جهة قراءة بعض السورة الطويلة سهواً، و زيادة القراءة سهواً غير قادحة.

على المشهور، بل في كشف اللثام نسبة المنع الى فتوى علمائنا أجمع إلى الانتصار، و الخلاف، و الغنية، و شرح القاضي لجمل السيد، و التذكرة و نهاية الأحكام، و لم يعرف فيه خلاف إلا عن الإسكافي، مع أن محكي كلامه غير صريح في ذلك.

و استدل للمشهور‌

بخبر زرارة عن أحدهما (ع) قال: «لا تقرأ في المكتوبة بشي‌ء من العزائم فإن السجود زيادة في المكتوبة» «1»‌

و‌

موثق سماعة قال: «من قرأ: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) فاذا ختمها فليسجد‌

.. الى أن قال:

و لا تقرأ في الفريضة، (اقْرَأْ) في التطوع» «2»‌

و‌

خبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه (ع) قال: «سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 40 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 40 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

163
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج‌6 ص 163

.....

النجم أ يركع بها أو يسجد ثمَّ يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال (ع): يسجد ثمَّ يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب و يركع و ذلك زيادة في الفريضة و لا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة» «1».

هذا، و ظاهر صدر الخبر الأخير: المفروغية عن جواز القراءة و إنما كان السؤال عما يلزمه على تقدير القراءة. و حمله على صورة وجود العذر من سهو أو غيره- مع أنه خلاف ظاهره، لعدم تعرض السائل لذلك- مناف لقوله (ع) في ذيله:

«و لا يعود ..»‌

، كما أن قوله (ع):

«يسجد ..»‌

صريح في صحة الصلاة، فقوله (ع):

«فذلك زيادة في الفريضة»‌

لا بد أن يحمل- بقرينة توقف صدق الزيادة على قصد الجزئية المنتفي في المقام- على إرادة أنه شبه الزيادة، لا أنه زيادة حقيقة، و لا أنه بحكم الزيادة. أعني البطلان- لمنافاته لحكمه (ع) بصحة الصلاة، فحينئذ لا يبعد حمل:

«و لا يعود»‌

على الكراهة.

و دعوى: أن قوله (ع):

«و لا يعود»‌

ظاهر في الحرمة فيكون رادعا لما في ذهن السائل- أعني الجواز- كما هو ظاهر الصدر. مندفعة:

بأن قوله (ع):

«و ذلك زيادة ..»‌

قرينة على أن النهي من جهة صدق الزيادة لا للحرمة تعبداً، و النهي من جهة الزيادة راجع الى قادحية الزيادة، و قد عرفت أن الرواية صريحة في الصحة و عدم قدح الزيادة، فيتعين التصرف في قوله (ع):

«و لا يعود»‌

بالحمل على الكراهة، فإنه أولى كما هو ظاهر بأقل تأمل، فيحمل النهي في غيره من النصوص على الكراهة أيضاً، لما في ذلك من الزيادة الصورية.

و قريب من خبر ابن جعفر (ع)

خبره الآخر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال: «سألته عن إمام يقرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 40 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

 

164
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج‌6 ص 163

.....

كيف يصنع؟ قال (ع): يقدم غيره فيسجد و يسجدون و ينصرف هو و قد تمت صلاتهم» [1].

اللهم إلا أن لا يكون الخبران جامعين لشرائط الحجية، و لا سيما بعد إعراض الأصحاب عنهما، و حكاية الإجماع على خلافهما فيتعين العمل بظاهر النهي في غيرهما. و عليه: نقول: النهي المذكور إما أن يحمل على الحرمة التكليفية أو الإرشاد إلى المانعية أو الى عدم الجزئية، و الثاني أظهر كما هو الحال في كلية النواهي الواردة في أمثال المقام، و على كل حال لو قرأها عمداً بقصد الجزئية كانت زيادة عمدية مبطلة.

هذا مع قطع النظر عن التعليل بأن السجود زيادة في المكتوبة، أما بالنظر اليه فيحتمل فيه أمران: الأول: أن يكون إرشاديا إلى طريق الاحتفاظ على الصلاة من طروء مبطل و هو سجود العزيمة. و الثاني: أن يكون إرشاديا إلى حكم العقل بالحرمة، لأن في قراءة سورة العزيمة إلقاء النفس في موضوعية التكاليف المتزاحمة، لعدم القدرة على امتثالها أعني حرمة قطع الصلاة الثابت أولا و وجوب السجود للعزيمة الحادث بقراءة السورة الذي لا يمكن موافقتهما معاً، و الثاني إن لم يكن أظهر الاحتمالين في النهي يجب البناء عليه عقلا، إذ لا فرق في حرمة تفويت غرض المولى بين تفويته اختياراً و بين تعجيز النفس عنه بعد ثبوته، و بين إيجاد سبب ثبوته في ظرف العجز عن تحصيله كما في المقام، و مثله أن يتزوج في ظرف عجزه عن الإنفاق على زوجته كما سيشير اليه المصنف (ره) في المسألة التاسعة و العشرين من فصل قواطع السفر، لا أقل من أن يكون هذا الحكم العقلي قرينة على حمل النهي عليه.

______________________________
[1] الوسائل باب: 40 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5. و المصدر خال من لفظة «هو» غير أنها موجودة في التهذيب و في الوسائل باب 42 من أبواب قراءة القرآن. و كذلك يوجد اختلاف في لفظ الحديث بين ما ينقله صاحب الوسائل في باب 40 و ما ينقله في باب 42. فإنه في الأخير «فيتشهد و ينصرف هو و قد تمت صلاتهم».

165
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج‌6 ص 163

.....

نعم لو لم يتم ذلك بأن بني على عدم التزاحم و أن وجوب السجود رافع لموضوع حرمة قطع الفريضة، لا تبعد دعوى ظهور النص في الأول.

و عليه فان قرأ السورة و لم يسجد في أثناء الصلاة عصى في ترك السجود و صحت صلاته.

و دعوى: أنه بمجرد قراءة آية السجدة يتوجه إليه الأمر بالسجود فتفسد صلاته، نظير ما لو أمر بالقي‌ء أو الجنابة في نهار الصوم لأكله للمغصوب، أو لمضي أربعة أشهر من وطء الزوجة، فكما أن الأمر المذكور يبطل الصوم و إن لم يحصل منه القي‌ء أو الجنابة كذلك في المقام الأمر بالسجود المبطل يبطل الصلاة و إن لم يحصل منه السجود.

و هذه الدعوى قد استوضحها في الجواهر، لكنها مندفعة: بأن مسألة القي‌ء و الجنابة في الصوم ليست من باب التزاحم بين الملاكين في الوجودين. بل من باب التزاحم بين الجهات في الشي‌ء الواحد بلحاظ الوجود و العدم، لأن الصوم عبارة عن ترك الجنابة و القي‌ء، فإذا كان فيهما مصلحة غالبة خرج الصوم عن كونه راجحاً، و انتفى ملاكه فامتنع التقرب به، و لأجل ذلك لا يصح التقرب بشرب الخمر بلحاظ أن فيه مصلحة في الجملة، كما يستفاد من قوله سبحانه (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمٰا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنٰافِعُ لِلنّٰاسِ وَ إِثْمُهُمٰا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمٰا) «1» لما فيه من المفسدة الغالبة المانعة من تحقق الميل اليه، و تحقق ملاك الأمر به، و إذ لا ميل و لا ملاك لا مجال للتقرب. أما مسألة الصلاة و السجود فهي من باب التزاحم بين الملاكين، لأن الصلاة ليست ترك السجود، بل هي الأفعال الخاصة المشروطة بترك السجود، فهو خارج عنها غير مقوّم لملاكها، فيجوز أن يكون في الصلاة ملاك الأمر الموجب لرجحانها، و إن كان ترك السجود‌

______________________________
(1) البقرة: 219‌

 

166
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج‌6 ص 163

قرأها ساهياً فان تذكر قبل بلوغ آية السجدة وجب عليه العدول إلى سورة أخرى (1).

حراما، فيجوز التقرب بالصلاة و ان عصى بترك السجود.

و بالجملة: تزاحم الجهات في الوجود الواحد راجع الى التدافع في ترجيح الوجود و العدم، فاذا كان إحداها أقوى كان لها التأثير دون الأخرى، و مع التساوي لا رجحان في كل منهما، و تزاحم الجهات في الوجودين راجع الى التدافع في فعلية الأمر مع وجود الرجحان و الملاك في كل منهما، فيجوز التقرب بكل منهما و إن عصى بترك الآخر، نظير باب التضاد بين المهم و الأهم، فإنه يجوز التقرب بالمهم كما يجوز التقرب بالأهم.

هذا كله بناء على عدم حكم العقل بحرمة التفويت، أما بناء على حكمه بذلك فتحرم السورة، و يكون الإتيان بها بقصد الجزئية زيادة مبطلة.

نعم موضوع التحريم في الحقيقة هو قراءة آية السجدة لأنها الموجبة للتفويت، فنسبة الحرمة الى جميع السورة مجاز بلحاظ بعضها كما هو ظاهر، و حينئذ حكم قراءة ما عداها من آيات السورة حكم قراءة أبعاض سائر السور فان كانت قراءة بعض غيرها من السورة بقصد الجزئية مبطلة، كانت قراءة ما قبل آية السجدة كذلك و ان لم ينو حين الشروع قراءة آية السجدة، و ان لم تكن مبطلة- كما هو الظاهر و يشير اليه نصوص العدول من سورة إلى أخرى «1» و بعض نصوص القران «2»- لم تكن هي مبطلة و إن نوى قراءة آية السجدة، إلا إذا كانت نية ذلك موجبة لخلل في قصد الامتثال على ما تقدم في نية فعل القاطع بعد ذلك. فراجع.

أما على ما ذكرنا من أن المحرم قراءة آية السجدة لا غير، فلأن‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 35، 36، 69 من أبواب القراءة في الصلاة.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

 

167
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج‌6 ص 163

و إن كان قد تجاوز النصف (1)، و إن تذكر بعد قراءة آية السجدة أو بعد الإتمام، فإن كان قبل الركوع فالأحوط إتمامها (2) إن كان في أثنائها، حرمة قراءتها مانع من الاكتفاء بإتمام السورة، فإطلاق وجوب قراءة سورة يقتضي العدول الى غيرها، من دون لزوم محذور، و لزوم القران الممنوع عنه- لو سلم موضوعا و حكما- فلا بأس به في المقام، لما دل على جواز العدول من سورة إلى أخرى، و لأنه من السهو غير القادح لعموم:

«لا تعاد الصلاة»‌

. و منه يظهر الحكم على القول بحرمة قراءة جميع آيات السورة، فإن عموم عدم قادحية السهو يشمله ايضاً، فما في التذكرة من الإشكال في العدول في الفرض غير ظاهر، و لذا قطع في الجواهر بوجوب العدول إذا ذكر قبل أن يتجاوز النصف و محل العدول.

كما قواه في الجواهر، لأن ما دل على المنع عن العدول بعد تجاوز النصف لو سلم مختص بصورة الاجتزاء بالإتمام، فلا يشمل ما نحن فيه.

المحكي عن البيان الجزم بالعدول مع التذكر قبل الركوع، و إن كان قد أتمهما، و كذا عن المحقق الثاني و قواه في الجواهر، لإطلاق ما دل على النهي عن العزيمة المقتضي لعدم الاجتزاء بها، المستلزم تقييد إطلاق وجوب السورة بغيرها من السور، فيجب الإتيان بسورة أخرى و إن ذكر بعد الفراغ.

لكن عرفت أن مقتضى تعليل النهي بأن السجود زيادة في المكتوبة أن المنع إرشادي و أن سورة العزيمة كغيرها من السور واجدة لملاك الجزئية، فمع عدم تنجز الحرمة لأجل السهو لا مانع من التقرب بالسورة، فتكون جزءاً من الصلاة، و لا حاجة الى سورة أخرى، و كأن هذا هو مراد من علل تعين الإتمام بأنه قد وقع فيما يخشى منه.

هذا بناء على أن حكمه السجود فوراً و استئناف الصلاة، و الثمرة الفارقة‌

 

168
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج‌6 ص 163

و قراءة سورة غيرها (1) بنية القربة المطلقة بعد الإيماء إلى السجدة (2)، بينه و بين ما اختاره في البيان أنه لو عصى في ترك السجود صحت صلاته على هذا القول، و بطلت على ما اختاره في البيان، إلا أن يأتي بسورة أخرى أما بناء على أن حكمه الإيماء أو السجود بعد الفراغ، فقصور شمول النهي عن العزيمة عن فرض السهو أظهر، لعدم انطباق التعليل عليه، فالجمع بين القول بوجوب الإيماء و القول بعدم الاجتزاء بالعزيمة لو قرأها سهواً غير ظاهر و كأن وجه كون الأحوط إتمامها: أن التذكر في الأثناء بعد تجاوز السجدة ملازم للتذكر بعد تجاوز النصف، لأن آية السجدة في (حم) السجدة و (الم) السجدة بعد النصف الأول، و في سورتي (النجم) (و القلم) في آخر السورة، فإطلاق ما دل على عدم جواز العدول بعد تجاوز النصف يقتضي وجوب الإتمام، فرفع اليد عنها مخالفة لذلك، و لا مجال لدعوى انصراف الإطلاق عن المورد كما في الفرض السابق، لكون المفروض هنا قراءة الآية و الوقوع في المحذور بخلاف الفرض السابق.

عملا باحتمال ما جزم به في البيان و غيره كما سبق.

قد اعترف غير واحد بظهور الاتفاق على صحة الصلاة بقراءة سورة العزيمة سهواً. و إنما الخلاف في أنه يسجد في الأثناء بعد قراءة آية السجدة- كما في كشف الغطاء- أو يؤخر السجود الى ما بعد الفراغ- كما هو المعروف على ما يظهر من الجواهر- أو يومئ بدل السجود- كما اختاره غير واحد- أو يجمع بين الإيماء في الأثناء و السجدة بعد الفراغ- كما حكي عن بعض- أقوال، و كأن الأول لعدم قصد الجزئية بسجود العزيمة فلا يكون زيادة، و لما تقدم من النصوص الدالة على جواز قراءة العزيمة و السجود لها في الأثناء. و فيه: أن الكلام في المقام بعد البناء على‌

 

169
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج‌6 ص 163

.....

عدم جواز السجود للعزيمة في الفريضة، و أنه مبطل لها عملا بالنصوص المتقدمة، و رفعاً لليد عن معارضها كما عرفت.

و وجه الثاني: ترجيح ما دل على حرمة الإبطال على ما دل على فورية السجود. و فيه: أن ذلك مما تأباه نصوص المنع عن قراءة العزيمة.

و وجه الثالث: جملة من النصوص‌

كخبر ابن جعفر (ع): «عن الرجل يكون في صلاة في جماعة فيقرأ إنسان السجدة كيف يصنع؟ قال (ع):

يومئ برأسه. قال: و سألته عن الرجل يكون في صلاة فيقرأ آخر السجدة فقال (ع): يسجد إذا سمع شيئاً من العزائم الأربع ثمَّ يقوم فيتم صلاته إلا أن يكون في فريضة فيومئ برأسه إيماء» «1».

و‌

خبر أبي بصير: «إن صليت مع قوم فقرأ الامام: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) أو شيئاً من العزائم و فرغ من قراءته و لم يسجد فأومئ إيماء» «2».

و‌

خبر سماعة: «و إذا ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزئك الإيماء و الركوع» «3».

و فيه:

- مع أن الأخيرين موردهما الخوف من السجود للتقية- أنها مختصة بالسماع، فالتعدي إلى القراءة محتاج إلى إلغاء خصوصية المورد، و ذلك غير ظاهر بنحو ترفع به اليد عن إطلاق نصوص الأمر بالسجود عند قراءة العزائم الشامل للسهو.

و وجه الرابع: أنه مقتضى قاعدة الاشتغال، للعلم الإجمالي بوجوب أحد الأمرين، كما يقتضيه النظر إلى دليلي القول الثاني و الثالث. و فيه:

أن الرجوع الى قاعدة الاشتغال يختص بصورة عدم البيان، و لكن البيان حاصل، فان نصوص الإيماء- إن تمَّ الاستدلال بها- تعين القول الثالث‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 43 من أبواب قراءة القران حديث: 3، 4.

(2) الوسائل باب: 38 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 37 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

 

170
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج‌6 ص 163

أو الإتيان بها، و هو في الفريضة، ثمَّ إتمامها و إعادتها من رأس، و إن كان بعد الدخول في الركوع و لم يكن سجد للتلاوة فكذلك أومأ إليها، أو سجد و هو في الصلاة، ثمَّ أتمها و أعادها و إن كان سجد لها نسياناً أيضاً، فالظاهر صحة صلاته (1)، و لا شي‌ء عليه، و كذا لو تذكر قبل الركوع مع فرض الإتيان بسجود التلاوة أيضاً نسيانا، فإنه ليس عليه إعادة الصلاة حينئذ.

[ (مسألة 4): لو لم يقرأ سورة العزيمة لكن قرأ آيتها في أثناء الصلاة عمداً بطلت صلاته]

(مسألة 4): لو لم يقرأ سورة العزيمة لكن قرأ آيتها في أثناء الصلاة عمداً بطلت صلاته (2)، و لو قرأها نسيانا أو استمعها من غيره أو سمعها فالحكم كما مر (3) من أن و إلا تعين العمل بإطلاق نصوص الأمر بالسجود عند قراءة العزيمة الشامل للسهو و العمد فيسجد فوراً و يستأنف الصلاة، و تأخير السجود الى ما بعد الفراغ مخالفة لهذه النصوص.

هذا و قد عرفت مما ذكرنا أن القول بوجوب السجود فوراً فتبطل صلاته به هو الأقرب، لكن لم أقف على قائل به.

ثمَّ إن كون الأحوط ما في المنن يراد كونه الأحوط في الجملة، و إلا فالأقوال متباينة لا يمكن الجمع بينها عملا إلا بالتكرار.

إذ لا تعاد الصلاة من زيادة سجدة نسياناً، و كذا الحال في الفرض الآتي.

لظهور النصوص في كون النهي عن قراءة العزيمة بلحاظ آية السجدة فيجري على قراءة آية السجدة ما يجري على قراءة السورة، و قد عرفت ما هو الأقوى هناك فيجري هنا أيضاً.

قد عرفت أن السماع حكمه الإيماء و إتمام الصلاة لا غير، و يلحقه‌

 

171
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 4 لو لم يقرأ سورة العزيمة لكن قرأ آيتها في أثناء الصلاة عمدا بطلت صلاته ج‌6 ص 171

الأحوط الإيماء إلى السجدة أو السجدة و هو في الصلاة، و إتمامها و إعادتها.

[ (مسألة 5): لا يجب في النوافل قراءة السورة]

(مسألة 5): لا يجب في النوافل قراءة السورة (1).

و إن وجبت بالنذر (2) أو نحوه فيجوز الاقتصار على الحمد الاستماع، بل هو منه فيدخل تحت إطلاق دليله، و أما قراءتها نسياناً فحكمها كما سبق من أن الأقرب أنه يسجد و يستأنف الصلاة و لو عصى فترك السجود صحت صلاته.

لا أجد فيه خلافاً نصاً و فتوى، كذا في الجواهر، و في التحرير و المنتهى نفي الخلاف فيه، و في المستند دعوى الإجماع عليه، و يشهد له- مضافا الى ذلك و الى حديث: «رفع ما لا يعلمون» «1»، بناء على جريانه في المستحبات عند الشك في الجزئية، إذ لا إطلاق في دليل الجزئية يشمل النافلة-

مصحح ابن سنان: «يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها و يجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوع بالليل و النهار» «2».

بناء على أن المراد من قضاء صلاة التطوع فعلها، أو تتمم دلالته على المدعى بعدم القول بالفصل‌

كصحيح ابن يقطين: «سألت الرضا (ع) عن تبعيض السورة فقال (ع): أكره و لا بأس به في النافلة» «3»‌

لأن الظاهر من الفريضة و النافلة المأخوذين موضوعاً للثبوت و السقوط: ما يكون فريضة أو نافلة بعنوان كونه صلاة لا بعنوان آخر، و الوجوب بالنذر أو الإجارة أو أمر الوالد أو السيد أو نحو ذلك لا بعنوان الصلاة فلا يخرجها عن موضوع حكم النافلة، و كذا الحال في جواز قراءة العزيمة.

______________________________
(1) الوسائل باب: 56 من أبواب جهاد النفس حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

 

172
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 5 لا يجب في النوافل قراءة السورة ج‌6 ص 172

أو مع قراءة بعض السورة. نعم النوافل التي تستحب بالسور المعينة يعتبر في كونها تلك النافلة قراءة تلك السورة (1) لكن في الغالب يكون تعيين السور من باب المستحب في المستحب على وجه تعدد المطلوب (2) لا التقييد.

[ (مسألة 6): يجوز قراءة العزائم في النوافل]

(مسألة 6): يجوز قراءة العزائم في النوافل (3) و إن وجبت بالعارض (4) فيسجد بعد قراءة آيتها (5) و هو في الصلاة، ثمَّ يتمها.

[ (مسألة 7): سور العزائم أربع]

(مسألة 7): سور العزائم أربع: كما يقتضيه دليل تشريعها.

هذا- مع أنه يتوقف على ورود أمر بالمطلق مثل الأمر بصلاة ركعتين للحاجة، و إلا فلو لم يكن إلا الأمر بالمشتملة على السورة لا وجه لفهم تعدد المطلوب- مبني على عدم وجوب حمل المطلق على المقيد في المستحبات، و قد تقدم الكلام فيه في بعض مباحث الأذان و الإقامة.

الظاهر أنه لا خلاف فيه- كما في الحدائق- و عن الخلاف الإجماع عليه، و يشهد له- مضافاً الى ما قد يستفاد من تخصيص المنع في أدلته بالفريضة، و الى إطلاق بعض نصوص الجواز المحمول على النافلة- خصوص‌

موثق سماعة المتقدم «1»: «و لا تقرأ في الفريضة اقرأ في التطوع».

كما تقدم في المسألة السابقة.

بلا إشكال ظاهر، و يقتضيه- مضافاً الى إطلاق ما دل على فورية السجود بضميمة مثل حديث الرفع بناء على جريانه في المقام لرفع‌

______________________________
(1) راجع المسألة: 3.

 

173
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 7 سور العزائم أربع ج‌6 ص 173

(الم السجدة) و (حم السجدة) و (النجم) و (اقرأ باسم) (1).

[ (مسألة 8): البسملة جزء من كل سورة]

(مسألة 8): البسملة جزء من كل سورة (2)، قادحية السجود- ظاهر موثق سماعة فراجعه.

بالإجماع المحقق و المحكي مستفيضاً- كما في المستند و يشهد له‌

صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إذا قرأت شيئاً من العزائم التي يسجد فيها فلا تكبر قبل سجودك و لكن تكبر حين ترفع رأسك، و العزائم أربع: حم السجدة، و تنزيل، و النجم، و اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ» «1»‌

و‌

صحيح داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إن العزائم أربع: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، و النجم، و تنزيل السجدة، و حم السجدة» «2»‌

و‌

خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «قال: إذا قرئ بشي‌ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد و إن كنت على غير وضوء ..» «3».

إجماعا كما عن الخلاف، و مجمع البيان، و نهاية الاحكام، و الذكرى و جامع المقاصد، و ظاهر السرائر و غيرها، و في المعتبر نسبته إلى علمائنا، و يشهد له جملة من النصوص‌

كصحيح ابن مسلم: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن السبع المثاني و القرآن العظيم أ هي الفاتحة؟ قال (ع): نعم. قلت:

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ من السبع؟ قال (ع): نعم هي أفضلهن» «4».

و‌

خبر يحيى بن عمران الهمداني: «كتبت إلى أبي جعفر (ع): جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ ب‍ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ في صلاته وحده بأم الكتاب فلما صار إلى غير أم الكتاب من السورة تركها فقال العباسي: ليس‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 42 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 42 من أبواب قراءة القرآن حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 42 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 11 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

 

174
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 8 البسملة جزء من كل سورة ج‌6 ص 174

فيجب قراءتها عدا سورة براءة (1).

[ (مسألة 9): الأقوى اتحاد سورة (الفيل) و (لإيلاف)]

(مسألة 9): الأقوى اتحاد سورة (الفيل) و (لإيلاف) و كذا (و الضحى) و (ألم نشرح) (2)

بذلك بأس؟ فكتب (ع) بخطه: يعيدها مرتين على رغم أنفه» «1».

- يعني العباسي.

نعم في بعض النصوص: جواز تركها من السورة «2»، و في بعضها:

جواز تركها إلا في افتتاح القراءة من الركعة الأولى «3»، و في بعضها:

جواز تركها من الفاتحة في الأولى «4»، و الجميع لا مجال للعمل به بعد حكاية الإجماعات القطعية على خلافه، فليحمل على التقية.

للإجماع.

عن الانتصار نسبته الى آل محمد (ص)، و عن الأمالي نسبة الإقرار به الى دين الإمامية، و عن السرائر و التحرير و نهاية الأحكام و التذكرة و المهذب البارع و غيرها أنه قول علمائنا، و يشهد له المرسل في الشرائع: «‌

روى أصحابنا أن (الضحى) و (أ لم نشرح) سورة واحدة، و كذا (الفيل) و (لايلاف)» «5»‌

و نحوه المرسل المحكي عن الهداية «6»، و الفقه الرضوي «7»، و مجمع البيان «8»، و‌

المسند «9»، عن أبي العباس- على‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 12 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 12 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3- 4.

(4) الوسائل باب: 12 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.

(5) الوسائل باب: 10 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 9.

(6) الهداية باب القراءة صفحة: 7.

(7) مستدرك الوسائل باب: 7 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

(8) الوسائل باب: 1 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

(9) مستدرك الوسائل باب: 7 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

 

175
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 9 الأقوى اتحاد سورةالفيل ولإيلاف ج‌6 ص 175

.....

ما عن السياري-: « (الضحى) و (ألم نشرح) سورة واحدة».

و‌

المسند عن شجرة أخي بشر النبال- على ما عن البرقي-: «أ لم تر كيف و لايلاف سورة واحدة» «1».

و نحوه مسنده عن أبي جميلة «2»، و ضعف سندها منجبر باعتماد الأصحاب عليها، و يؤيدها‌

صحيح زيد الشحام: «صلى بنا أبو عبد اللّه (ع) الفجر فقرأ (الضحى)، و (أ لم نشرح) في ركعة» «3»‌

و‌

خبر المفضل بن صالح عن أبي عبد اللّه (ع): قال: «سمعته يقول: لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلا (الضحى) و (أ لم نشرح)، و (أ لم تر كيف) و (لايلاف قريش) «4».

بحمل السورة فيه على المعنى الدارج عند الناس.

و من ذلك يظهر ضعف ما في المعتبر من قوله: «لقائل أن يقول:

لا نسلم أنهما سورة واحدة بل لم لا يكونا سورتين و إن لزم قراءتهما في الركعة الواحدة على ما ادعوه فنطالب بالدلالة على كونهما سورة واحدة و ليس في قراءتهما في الركعة الواحدة دلالة على ذلك، و قد تضمنت رواية المفضل تسميتهما سورتين». و تبعه عليه جماعة، بل نسب الى المشهور بين من تأخر عنه، و إن كان يشهد له خبر المفضل- بناء على حمل السورة فيه على السورة الحقيقية الواقعية و على كون الاستثناء متصلا كما هو الظاهر- إلا أنه يتعين حمله على إرادة السورة بالنظر الدارج- كما سبق- جمعاً بينه و بين تلك المراسيل المعتمد عليها، و احتمال أن المراد بالمراسيل المسانيد المتضمنة للجمع بين السورتين، مثل صحيح الشحام، و خبر المفضل، بعيد جداً.

______________________________
(1) مستدرك الوسائل باب: 7 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(2) مستدرك الوسائل باب: 7 من أبواب القراءة في الصلاة ملحق حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 10 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 10 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.

 

176
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 9 الأقوى اتحاد سورةالفيل ولإيلاف ج‌6 ص 175

فلا يجزئ في الصلاة إلا جمعهما مرتبتين مع البسملة بينهما (1).

و أما‌

صحيح الشحام الآخر: «صلى بنا أبو عبد اللّه (ع) فقرأ في الأولى (الضحى) و في الثانية (أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ«1»‌

فإجمال الفعل فيه مانع عن صلاحيته للمعارضة لغيره، و مثله‌

صحيحه الثالث: «صلى بنا أبو عبد اللّه (ع) فقرأ بنا (الضحى) (و أَ لَمْ نَشْرَحْ«2».

مضافاً الى إجماله من حيث كون القراءة في ركعتين أو ركعة، و أما خبر داود الرقي المنقول‌

عن الخرائج و الجرائح عن داود الرقي عن أبي عبد اللّه (ع)- في حديث- قال: «فلما طلع الفجر قام فأذن و أقام و أقامني عن يمينه و قرأ في أول ركعة (الحمد) و (الضحى) و في الثانية بالحمد و (قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ) ثمَّ قنت» «3».

فضعف سنده و إجمال الفعل فيه مانع عن العمل به، مع إمكان حمله على إرادة السورتين معاً من (الضحى).

هذا و لكن الإنصاف أن حصول الوثوق بصدور هذه المراسيل ممنوع إذ ليست هذه المراسيل الا كمرسل الشرائع- مع أنه ناقش في المعتبر بما ذكر.

كما عن جماعة، بل عن المقتصر نسبته إلى الأكثر، لثبوتها في المصاحف المعروفة عند المسلمين من صدر الإسلام، و لقاعدة الاحتياط، للشك في قراءة سورة بتركها. و فيه: أن ثبوتها في المصاحف أعم من الجزئية، فإن بناء أكثر أصحاب المصاحف على عدم جزئية البسملة من كل سورة، و مع ذلك يثبونها في مصاحفهم، فإثباتها في المصاحف ناشئ من اعتقاد أن سورة الإيلاف سورة مستقلة، فاثبتوا البسملة في صدرها كما أثبتوها في صدر كل سورة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 10 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 10 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 10.

 

177
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 الأقوى جواز قراءة سورتين ج‌6 ص 178

[ (مسألة 10): الأقوى جواز قراءة سورتين]

(مسألة 10): الأقوى جواز قراءة سورتين (1).

باعتقاد أنها جزء- مع أن المحكي عن مصحف أبي سقوطها «1»، و أما كون المرجع عند الشك في المقام قاعدة الاحتياط فغير ظاهر، بل المرجع أصل البراءة، للشك في وجوب قراءتها، لإجمال مفهوم السورة، و ليست من قبيل المفهوم المبين كي لا يكون التكليف مشكوكا بوجه و يكون الشك في المحصل. و كأنه لذلك اختار كثير العدم، بل عن البحار: نسبته إلى الأكثر، و عن التهذيب: أنه قال: «عندنا لا يفصل بينهما بالبسملة».

و عن التبيان و مجمع البيان: أن الأصحاب لا يفصلون بينهما بها.

كما عن جماعة كثيرة، و حكاه في كشف اللثام عن الاستبصار، و السرائر، و الشرائع، و المعتبر، و الجامع، و كتب الشهيد، و جعله الأقوى، بل عن البحار و الحدائق نسبته الى جمهور المتأخرين و متأخريهم. و يقتضيه الجمع بين ما دل على النهي عنه‌

كصحيح محمد عن أحدهما (ع): «سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة. فقال (ع): لا لكل سورة ركعة» «2»‌

و‌

خبر منصور ابن حازم قال أبو عبد اللّه (ع): «لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة و لا بأكثر» «3».

و غيرهما، و بين ما دل على الجواز‌

كصحيح علي بن يقطين: «سألت أبا الحسن (ع) عن القران بين السورتين في المكتوبة و النافلة. قال (ع): لا بأس» «4».

فيحمل الأول على الكراهة كما يشير اليه‌

خبر ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع): «عن رجل قرأ سورتين في ركعة. قال (ع): إن كانت نافلة فلا بأس و أما‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 8 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 9.

178
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 الأقوى جواز قراءة سورتين ج‌6 ص 178

أو أزيد في ركعة مع الكراهة في الفريضة (1)، و الأحوط‌

الفريضة فلا يصلح» «1».

و‌

موثق زرارة قال أبو جعفر (ع): «إنما يكره أن تجمع بين السورتين في الفريضة فأما النافلة فليس به بأس» «2»‌

و ما‌

عن مستطرفات السرائر عن كتاب حريز عن زرارة عن أبي جعفر (ع): «لا تقرننّ بين السورتين في الفريضة فإنه أفضل» «3».

و‌

موثق زرارة: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل يقرن بين السورتين في الركعة فقال:

إن لكل سورة حقاً فأعطها حقها من الركوع و السجود» «4».

و من ذلك يظهر ضعف ما نسب الى المشهور بين القدماء من عدم الجواز، بل عن الصدوق أنه من دين الإمامية، و عن السيد أنه من متفرداتهم و دعوى أن ذلك يوجب سقوط أخبار الجواز عن الحجية من جهة الإعراض غير ظاهر، لجواز أن يكون ذلك ترجيحاً لنصوص المنع، بل من الجائز أن يكون المراد من النهي عنه في كلام بعض و عدم الجواز في كلام آخر الكراهة، و التعبير بذلك كان تبعاً للنصوص، بل عن ظاهر المبسوط الكراهة و عن التذكرة حكاية ذلك عن المرتضى (ره)، و كيف كان فالقول بالجواز متعين.

الكراهة هنا على حد الكراهة في العبادات ليست هي لرجحان الترك على الفعل، لامتناع التعبد بالمرجوح، بل هي إما لملازمة الترك لعنوان أرجح من الفعل كما يشير اليه موثق زرارة الأخير، أو لانطباق عنوان على الترك يكون أرجح من الفعل، كما يشير اليه صحيح زرارة المروي‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 13.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 8 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 11.

(4) الوسائل باب: 8 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

 

179
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 الأقوى جواز قراءة سورتين ج‌6 ص 178

تركه و أما في النافلة فلا كراهة (1).

[ (مسألة 11): الأقوى عدم وجوب تعيين السورة قبل الشروع فيها]

(مسألة 11): الأقوى عدم وجوب تعيين السورة قبل الشروع فيها (2) عن المستطرفات.

لكن الإشكال في كيفية انطباق العنوان ذي المصلحة على الترك، لأنه إن كان عدمياً كيف يكون ذا مصلحة؟ و إن كان وجوديا كيف يتحد مع الترك العدمي مع وضوح تباين الوجود و العدم؟ و في أنه على تقدير الانطباق يكون الترك أرجح من الفعل، فكيف يمكن التعبد بالفعل المرجوح؟ و ليس هو من باب تزاحم الملاكات في الوجودين، بل من تزاحم الجهات في الوجود الواحد الذي أشرنا إليه في مسألة قراءة العزيمة في الفريضة، و في مسألة اجتماع الأمر و النهي من تعليقة الكفاية. و يعين حمل الصحيح على الموثق فتكون الكراهة من جهة تفويت حق السورة لا غير.

بلا خلاف و لا إشكال، كما تضمنته النصوص السابقة و غيرها، بل النصوص المتضمنة لتشريعه في نوافل مخصوصة لا تحصى كثرة، كما يظهر من مراجعة كتب الأعمال و العبادات.

يعني: لا يجب تعيين البسملة للسورة، فله أن يقرأ البسملة من دون تعيين أنها لسورة خاصة، ثمَّ يقرأ سورة بعدها.

و محصل الكلام: أنه لا ينبغي التأمل في أن معنى قول القائل: قرأت القرآن أو الخطبة أو القصيدة أو نحوها. هو أداؤها بمثل ألفاظها، و مثله قرأت الكتاب. فان مفاده أداء الكتابة بالألفاظ المطابقة لها، فلا بد فيها من اللحاظ الاستعمالي للمقروء كلحاظ المعنى عند استعمال اللفظ فيه، و لا يكفي مجرد التلفظ بالألفاظ المطابقة للمقروء مع عدم لحاظه و قصده، فان ذلك ليس قراءة له، بل قول مطابق له، و فرق ظاهر بين معنى: «قلت قول‌

 

180
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 11 الأقوى عدم وجوب تعيين السورة قبل الشروع فيها ج‌6 ص 180

.....

زيد» و معنى: «قلت مثل قول زيد» فإن الأول إنما يصدق مع اللحاظ الاستعمالي، بخلاف الثاني فإنه يصدق بدونه. و السر في ذلك: أن جعل قول زيد مقروءاً لك، و مقولا لك، مع أنه ليس كذلك قطعاً، لأن قوله شخص من اللفظ معدوم و مقولك شخص آخر غيره، هو لأجل أن الحكاية بينهما اقتضت نحواً من الاتحاد بينهما كما هو مذكور في مبحث الاستعمال، و لولاه لم يصح أن تقول: قلت: قوله. و لا: قرأت قصيدته. بل تقول: قلت مثل قوله. و قرأت مثل قصيدته. و على هذا ما يجري على لسان السكران و النائم و المجنون من التلفظ ببعض آيات القرآن، ليس قراءة للقرآن، لانتفاء قصد الحكاية، و انتفاء اللحاظ الاستعمالي، الذي عرفت اعتباره فيها. اللهم إلا أن يقال: اللحاظ موجود لهم في بعض القوى و إن لم يكونوا كغيرهم، كما هو غير بعيد.

إذا عرفت هذا نقول: لما كانت سور القرآن المجيد أشخاصاً من اللفظ نزل به الروح الأمين (ع) على النبي (ص) و كان مع كل سورة شخص من البسملة، فوجوب قراءة كل سورة تامة حتى بسملتها راجع الى وجوب التلفظ بألفاظ السورة بقصد حكايتها بتمامها، حتى بسملتها، فاذا بسمل لا بقصد حكاية بسملة خاصة من بسملات السور لا يصدق أنه قرأ بسملة من تلك البسملات، فإذا قرأ سورة خاصة بعدها كسورة التوحيد لم يكن قارئاً لسورة التوحيد بتمامها حتى بسملتها، بل يكون قارئاً لما عدا البسملة منها فلا تجزئ.

و من ذلك كله يظهر لك: الاشكال فيما ذكره في الجواهر في المسألة الثامنة من الاستدلال على عدم وجوب التعيين بمنع تأثير النية في التشخيص، قياساً على المركبات الخارجية، أو بمنع توقف التشخيص عليها، بل قد يحصل بغيرها و هو الاتباع بسورة للصدق العرفي، و قد أطال (ره) في‌

 

181
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 11 الأقوى عدم وجوب تعيين السورة قبل الشروع فيها ج‌6 ص 180

.....

تقريب ذلك و تأييده بما لا يخفى الاشكال فيه بعد التأمل فيما ذكرنا. فراجع و تأمل.

فإن قلت: الواجب في الصلاة كلي السورة الجامع بين أفراده، فإذا كانت البسملة مشتركة بين جميع السور كان الواجب من البسملة الكلي الجامع بين أفرادها، فإذا قرأ البسملة و لم يقصد منها بسملة معينة لكن قصد حكاية الكلي الجامع بين البسملات، فقد امتثل الأمر بالبسملة و بقي عليه امتثال الأمر بكلي السورة عدا البسملة، فإذا جاء بعدها بفرد من السورة فقد خرج عن عهدة التكليف بالسورة تامة.

قلت: ما هو جزء كل سورة شخص و حصة من كلي البسملة، فقراءة السورة عبارة عن حكاية سورة مع الشخص الخاص من البسملة، و حكاية الجامع ليست حكاية لذلك الشخص، فتكون بسملة السورة التي يقرؤها غير مقروءة و لا محكية، فكيف يخرج بذلك عن عهدة الأمر بقراءة السورة التامة؟.

فإن قلت: إذا قصد حكاية كلي البسملة صدق على ذلك الكلي أنه مقروء، و لضرورة صدق الكلي على كل واحد من أفراده يصدق على كل من بسملات السور أنها مقروءة، فإذا قرأ بعد ذلك سورة فقد قرأها مع بسملتها.

قلت: سراية حكاية الكلي إلى الفرد ممنوعة، كما يظهر من قياسها بحكاية اللفظ الموضوع للمعنى الكلي، فإن حكايته عنه ليست حكاية عن الفرد، و لا استعمال اللفظ فيه استعمالا له في الفرد، فاذا حكى كل البسملة لم تكن حكايته حكاية لأفرادها، فإذا أمر بقراءة سورة مع بسملتها- أعني الحصة الخاصة المصدرة بها السورة في زمان نزولها- لم يخرج عن عهدة التكليف المذكور بحكاية الكلي الصادق عليها و على غيرها من حصص البسملة و من ذلك يظهر الإشكال في صدق قراءة القرآن على حكاية الجامع‌

 

182
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 11 الأقوى عدم وجوب تعيين السورة قبل الشروع فيها ج‌6 ص 180

و إن كان هو الأحوط. نعم لو عين البسملة لسورة لم تكلف لغيرها (1)، فلو عدل عنها وجب إعادة البسملة.

بين الآيات المشتركة مثل (فَبِأَيِّ آلٰاءِ رَبِّكُمٰا تُكَذِّبٰانِ)* «1»، (فَذُوقُوا عَذٰابِي وَ نُذُرِ)* «2»، (الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ)* «3»، (الم)* «4» الى غير ذلك، لأن قراءة القرآن المأخوذة موضوعاً للاحكام يراد بها حكاية تلك الحصص الخاصة من الكلام المنزل، و حكاية الجامع بينها ليست حكاية لها، فلو حرم على الجنب قراءة آيات العزيمة لم يحرم عليه قراءة الجامع بين بسملات سورها، و كذا الحال في كتابة القرآن، فلو كتب الجامع بين الآيات المشتركة لم يحرم مسه على المحدث، و يكون الحال كما لو كتبها لإنشاء معانيها لا غير، بل الظاهر عدم صدق القرآن على الجامع بين الآيات المشتركة، إذ القرآن هو نفس الحصص الخاصة، و الجامع اعتبار ينتزعه العقل منها. و مجرد صحة انتزاعه منها غير كاف في كونه قرآناً. نعم لو كان المحكي نفس الأفراد جميعها كان المحكي قرآناً، و كانت الحكاية قراءة للقرآن، فلو ضم إليها أي سورة شاء أجزأه- على إشكال- لاحتمال الانصراف إلى الحكاية الاستقلالية.

لأنها غير بسملتها الملحوظة جزءاً لها فلا وجه لكفايتها عنها، و إن تردد فيه كاشف اللثام، بل عن ظاهر محكي البحار: الجزم بعدم صيرورتها جزءاً بذلك، بحيث لا تصلح لصيرورتها جزءاً من غيرها، محتجاً‌

______________________________
(1) مكررة في سورة «الرحمن» في احدى و ثلاثين آية.

(2) مكررة في سورة «القمر» في آيتين: 37، 39.

(3) مكررة في القرآن. في سورة الفاتحة. و في سورة الانعام: 45 و في سورة يونس: 10 و في سورة الصافات: 182 و في سورة الزمر: 75 و في سورة غافر: 65.

(4) أول سورة البقرة. و آل عمران. و العنكبوت. و الروم. و لقمان. و السجدة.

183
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 12 إذا عين البسملة لسورة ثم نسيها ج‌6 ص 184

[ (مسألة 12): إذا عين البسملة لسورة ثمَّ نسيها]

(مسألة 12):إذا عين البسملة لسورة ثمَّ نسيها فلم يدر ما عين وجب إعادة البسملة لأي سورة أراد (1)، و لو علم أنه عينها لإحدى السورتين من الجحد و التوحيد و لم يدر أنه لأيتهما أعاد البسملة و قرأ إحداهما و لا تجوز قراءة غيرهما (2) بالكتابة، و بخبر قرب الاسناد الآتي في مسألة العدول، و بأنه يلزم اعتبارهم النية في باقي الألفاظ المشتركة غيرها كقول: الحمد للّه.

لكن فيه منع ذلك في الكتابة فإنها كالقراءة حكاية متقومة بالقصد، و خبر قرب الاسناد لا ينافي اعتبار القصد كما سيأتي، و الالتزام بذلك في جميع الألفاظ المشتركة لا محذور فيه، و كونهم لا يقولون بذلك ممنوع.

و إن احتمل تعيين البسملة للسورة التي أرادها، للشك في تحقق قراءة بسملتها فيرجع الى قاعدة الاشتغال.

لشروعه في إحداهما بقراءة بسملتها و لا يجوز العدول عنهما الى غيرهما كما سيأتي إن شاء اللّه. ثمَّ إن الاكتفاء بقراءة إحداهما ينبغي أن يبتني على جواز العدول من الجحد و التوحيد إلى الأخرى، و إلا فلو بني على عدمه- كما سيأتي- يجب عليه الجمع بين السورتين بلا إعادة البسملة، للعلم الإجمالي بوجوب قراءة ما عينها المرددة بينهما. فيأتي بإحداهما المعينة بقصد الجزئية، و الأخرى بقصد القربة المطلقة.

نعم لو بني على حرمة القران و شموله للقراءة و لو بعنوان القربة أشكل الحال في صحة الصلاة، للدوران بين المحذورين، و كذا لو بني على اعتبار الموالاة بين البسملة و السورة بنحو ينافيها قراءة سورة بينهما، لعدم إمكان الموافقة القطعية حينئذ، كما أنه لو بني على أن ذلك عذر في جواز العدول جازت قراءة غيرهما فتأمل جيداً.

184
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 13 إذا بسمل من غير تعيين سورة ج‌6 ص 185

[ (مسألة 13): إذا بسمل من غير تعيين سورة]

(مسألة 13): إذا بسمل من غير تعيين سورة فله أن يقرأ ما شاء (1)، و لو شك في أنه عينها لسورة معينة أولا فكذلك (2) لكن الأحوط في هذه الصورة إعادتها بل الأحوط إعادتها مطلقاً لما مر من الاحتياط في التعيين.

[ (مسألة 14): لو كان بانياً من أول الصلاة أو أول الركعة أن يقرأ سورة معينة فنسي و قرأ غيرها كفى]

(مسألة 14): لو كان بانياً من أول الصلاة أو أول الركعة أن يقرأ سورة معينة فنسي و قرأ غيرها كفى (3)، و لم يجب إعادة السورة، و كذا لو كانت عادته سورة معينة فقرأ غيرها.

[ (مسألة 15): إذا شك في أثناء سورة أنه هل عين البسملة لها أو لغيرها]

(مسألة 15): إذا شك في أثناء سورة أنه هل عين البسملة لها أو لغيرها و قرأها نسياناً بنى على أنه لم يعين غيرها (4).

قد عرفت في المسألة الحادية عشرة إشكاله.

كأنه لأصالة عدم تعيينها لسورة معينة، لكن تعيين السورة لم يجعل موضوعا لحكم شرعي، و إنما موضوع الحكم- بناء على مذهب المصنف (ره)- هو قراءة البسملة المطلقة، و أصالة عدم تعيين السورة لا يصلح لإثباته إلا على القول بالأصل المثبت- مع أنها معارضة بأصالة عدم قصد البسملة المطلقة.

إذ لا قصور في قراءتها من حيث كونها عن قصد و إرادة، غاية الأمر أن تأثير الداعي في الإرادة كان ناشئاً عن نسيان الداعي الأول، الذي كان يدعو الى قراءة السورة، التي بنى على قرائتها أول الصلاة، لكن هذا المقدار لا يوجب خللا و لا نقصاً في المأمور به.

قد عرفت أن التعيين للغير لا أثر له شرعي، فالعمدة جريان قاعدة التجاوز لإثبات البسملة التي هي جزء، لعدم الفرق في موضوع‌

 

185
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج‌6 ص 186

[ (مسألة 16): يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختياراً ما لم يبلغ النصف]

(مسألة 16): يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختياراً (1) ما لم يبلغ النصف (2).

قاعدة التجاوز بين الجزء و جزء الجزء كما سيأتي إن شاء اللّه، لصدق التجاوز بالنسبة إلى الجميع.

بلا خلاف ظاهر في الجملة، و النصوص به مستفيضة أو متواترة‌

كصحيح عمرو بن أبي نصر السكوني: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): الرجل يقوم في الصلاة فيريد أن يقرأ سورة فيقرأ: قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ. و: قُلْ يٰا أَيُّهَا الْكٰافِرُونَ. فقال (ع): يرجع من كل سورة إلا من: قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ. و: قُلْ يٰا أَيُّهَا الْكٰافِرُونَ» «1».

و‌

صحيح الحلبي: «قلت لأبي عبد اللّه (ع):

رجل قرأ في الغداة سورة قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ. قال (ع): لا بأس و من افتتح سورة ثمَّ بدا له أن يرجع في سورة غيرها فلا بأس إلا قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ و لا يرجع منها الى غيرها، و كذلك قُلْ يٰا أَيُّهَا الْكٰافِرُونَ» «2».

و نحوهما غيرهما، و لا فرق بين أن تكون المعدول إليها قد أراد قراءتها أولا فقرأ غيرها أو بدا له ذلك في الأثناء، إذ الأول مضمون الأول و الثاني مضمون الثاني.

المعروف عدم جواز العدول مع تجاوز النصف، بل ظاهر مجمع البرهان و عن ظاهر المفاتيح الإجماع عليه، و في مفتاح الكرامة: كاد أن يكون معلوما. و في الجواهر: الظاهر تحقق الإجماع عليه. و يومئ اليه خبر الذكرى الآتي، لكن‌

في موثق عبيد عن أبي عبد اللّه (ع): «في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ غيرها. فقال (ع): له أن يرجع ما بينه و بين أن يقرأ ثلثيها» «3»‌

و في كشف الغطاء العمل به و جعل الأحوط‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 35 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 35 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 36 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

 

186
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج‌6 ص 186

.....

مراعاة النصف، لكنه غير ظاهر بعد مخالفته لما ذكر.

و إنما الخلاف في جوازه مع بلوغ النصف، كما حكاه في مفتاح الكرامة عن المقنعة و النهاية و المبسوط و الشرائع و المعتبر و المنتهى و التذكرة و التحرير و الإرشاد و البيان و الألفية و كشف اللثام و غيرها. بل قيل إنه المشهور، و عدمه كما حكاه في مفتاح الكرامة عن السرائر و جامع الشرائع و الدروس و الموجز و جامع المقاصد و الروض و المقاصد العلية و غيرها. بل قيل إنه الأشهر، و في الذكرى أنه مذهب الأكثر. قولان، و ليس في النصوص ما يشهد للثاني كما شهد بذلك في الذكرى.

نعم‌

في الفقه الرضوي: «فإن ذكرتها من قبل أن تقرأ نصف سورة فارجع الى سورة الجمعة و إن لم تذكرها إلا بعد ما قرأت نصف سورة فامض في صلاتك» «1».

و هو مع ضعفه في نفسه معارض بغيره مما دل على جواز العدول مع بلوغ النصف،

كخبر قرب الاسناد عن علي بن جعفر (ع) عن أخيه.

(عليه السلام): «عن الرجل أراد سورة فقرأ غيرها هل يصلح له أن يقرأ نصفها ثمَّ يرجع الى السورة التي أراد؟ قال (ع): نعم ما لم تكن قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ و قُلْ يٰا أَيُّهَا الْكٰافِرُونَ» «2».

و خبر البزنطي عن أبي العباس المروي في الذكرى «3» مقطوعا- كما عن نسختين منها- بل في الحدائق حكاية ذلك عن جميع النسخ التي وقف عليها، و عن جامع المقاصد و الروض روايته مقطوعا أيضاً أو مضمراً عنه (ع): كما في نسخة الفاضل الهندي من الذكرى أو مسنداً الى الصادق (ع) (الرضا (ع) خ ل) كما في‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 53 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 35 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 36 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

187
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج‌6 ص 186

.....

نسخة المجلسي‌

منها: «في رجل يريد أن يقرأ سورة فيقرأ في أخرى. قال (ع):

يرجع الى التي يريد و إن بلغ النصف».

و‌

صحيح الكناني و البزنطي و أبي بصير كلهم عن أبي عبد اللّه (ع): «في الرجل يقرأ في المكتوبة بنصف سورة ثمَّ ينسى فيأخذ في أخرى حتى يفرغ منها ثمَّ يذكر قبل أن يركع قال (ع): يركع و لا يضره» «1».

نعم مورد الأخير الناسي كما أن مورد الأولين خصوص صورة إرادة السورة المعدول إليها.

و لأجل ذلك كان ظاهر الذكرى و جامع المقاصد المنع من العدول عند بلوغ النصف إذا لم يكن أراد غيرها، أما إذا قرأ غير ما أراد جاز له العدول، بل قال في الذكرى- بعد رواية أبي العباس: «قلت هذا حسن و يحمل كلام الأصحاب و الروايات على من لم يكن مريداً غير هذه السورة لأنه إذا قرأ غير ما أراده لم يعتد به و لهذا قال يرجع فظاهره تعين الرجوع».

و يشكل بأنه إذا قرأ غير ما أراد فهذه القراءة ناشئة عن إرادة أخرى غفلة عن الداعي إلى الإرادة الأولى فلا وجه لعدم الاعتداد به. و لو سلم فالأصحاب قد عرفت اختلافهم في ذلك و اختلاف ظاهر كلماتهم، و أما الروايات فقد تقدم منه (ره) الاعتراف «2» بأنه لم يقف على رواية تدل على الاعتبار بالنصف، كي تحمل على غير من أراد، و أيضاً فإن النصوص المذكورة و إن كانت قاصرة عن إثبات الجواز عند بلوغ النصف، لكن في الإطلاقات الدالة على جواز العدول من سورة إلى أخرى كفاية في إثباته، إذ المتيقن في الخروج عنها صورة التجاوز عن النصف لا غير فيرجع في صورة بلوغ النصف إليها.

______________________________
(1) الوسائل باب: 36 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

(2) راجع الصفحة السابقة.

 

188
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج‌6 ص 186

إلا من الجحد و التوحيد (1). فلا يجوز العدول منهما إلى غيرهما، بل من إحداهما إلى الأخرى (2) بمجرد الشروع فيهما و لو بالبسملة (3)، نعم يجوز العدول منهما إلى الجمعة و المنافقين (4) على المشهور كما عن جماعة، بل عن مجمع البرهان الإجماع عليه، و يشهد له صحيحا السكوني و الحلبي و خبر علي بن جعفر (ع) المتقدمة «1»، و ما عن المنتهى و البحار و الذخيرة من التوقف فيه ضعيف، و مثله ما في المعتبر من أن الوجه الكراهة لقوله تعالى (فَاقْرَؤُا مٰا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) «2» و لا تبلغ الرواية- يعني رواية السكوني- قوة في تخصيص الآية. انتهى، فان الصحيح المذكور المعتضد بغيره يخصص الكتاب، و عليه العمل في غير المقام من مباحث القراءة و غيرها- مع أن إطلاق الآية ليس فيما نحن فيه لئلا يلزم التقييد المستهجن. نعم يمكن أن يكون وجه المنع ما سيأتي مما دل على جواز العدول منهما إلى الجمعة و المنافقين يوم الجمعة مع استحباب قراءتهما فيه، بدعوى أنه لو وجب الإتمام لما جاز العدول لفعل المستحب. و فيه:

انه لا ملازمة كما يظهر من جواز قطع الفريضة لغير الواجب مع عدم جوازه في نفسه.

لإطلاق نصوص المنع.

كما يقتضيه ظاهر الاستثناء في النصوص و لا سيما خبر ابن جعفر (ع) و الظاهر أنه لا إشكال فيه.

كما هو المشهور، و يشهد له جملة من النصوص‌

كصحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع): «في الرجل يريد أن يقرأ سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ‌

______________________________
(1) تقدم الأولان في أول المسألة. و الأخير في التعليقة السابقة.

(2) المزمل: 20.

 

189
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج‌6 ص 186

في خصوص يوم الجمعة (1) حيث انه يستحب في الظهر أو‌

قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ. قال (ع): يرجع الى سورة الجمعة» «1».

و‌

صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا افتتحت صلاتك ب‍ قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ و أنت تريد أن تقرأ بغيرها فامض فيها و لا ترجع إلا أن تكون في يوم الجمعة فإنك ترجع إلى الجمعة و المنافقين منها» «2».

و نحوهما غيرهما، و بها يقيد إطلاق المنع عن العدول عنهما. فما عن ظاهر الانتصار و السرائر و غيرهما من عموم المنع ضعيف.

نعم مورد الجميع سورة التوحيد، فالتعدي عنها إلى سورة الجحد إما بعدم القول بالفصل، أو بمعارضة إطلاق المنع عن العدول عنهما بإطلاق‌

خبر ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع): «عن القراءة في الجمعة بما يقرأ.

قال (ع): سورة الجمعة: و إِذٰا جٰاءَكَ الْمُنٰافِقُونَ و إن أخذت في غيرها و إن كان قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ فاقطعها من أولها و ارجع إليها» «3»‌

و لأجل أن بين الإطلاقين عموما من وجه يرجع في مورد المعارضة إلى استصحاب التخيير، أو عموم جواز العدول ما لم يتجاوز النصف- مضافا الى إمكان دعوى كون إطلاق خبر ابن جعفر (ع) أقوى، بقرينة‌

قوله (ع): «و إن كان قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ».

الظاهر في كون سورة التوحيد أولى بالإتمام من غيرها، فاذا جاز العدول عنها جاز عن غيرها بطريق أولى.

المحكي عن الفقيه و النهاية و المبسوط و السرائر: أن ذلك في ظهر الجمعة. و عن صريح الشهيدين و المحقق الثاني أن ذلك في الجمعة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 69 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 69 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 69 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

 

190
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج‌6 ص 186

الجمعة منه أن يقرأ في الركعة الأولى الجمعة و في الثانية المنافقين، فاذا نسي و قرأ (1) غيرهما حتى الجحد و التوحيد يجوز العدول إليهما و ظهرها. بل عن البحار: الظاهر أنه لا خلاف في عدم الفرق بينهما و كأنه حمل كلام الأولين على ما يعم الجمعة، بأن يراد من الظهر الصلاة أعم من أن تكون رباعية و ثنائية، و عن الحدائق: أن ذلك في صلاة الجمعة لا ظهرها. و عن التذكرة و جامع المقاصد و ظاهر الموجز و الروض أو صريحهما:

أن ذلك في الجمعة و الظهر و العصر. و هو الذي يقتضيه إطلاق ما‌

في صحيح الحلبي من قوله (ع): «في يوم الجمعة» «1».

و لا مجال للأخذ به بالإضافة إلى الصبح، لعدم توظيف الجمعة و المنافقين فيها و توظيفهما في خصوص الظهرين و الجمعة، الموجب ذلك للانصراف إليها لا غير، و ذكر الجمعة في غيره من النصوص الظاهر في خصوص صلاة الجمعة لا يقتضي تقييده، لعدم التنافي بينهما، و من ذلك يظهر ضعف الأقوال الأخر، و أضعف منها ما عن الجعفي (ره) من الاقتصار على ذكر الجمعة و صبحها و العشاء ليلتها.

عن المحقق و الشهيد الثانيين تخصيص الحكم بصورة النسيان، و عن ظاهر المختلف نسبته إلى الأكثر، و كأنه لاختصاص مثل صحيحي ابن مسلم و الحلبي به، «2»، لكنه لا يصلح لتقييد خبر ابن جعفر (ع) «3» الشامل له و للعامد، فالبناء على العموم أظهر كما عن البحار و نسب إلى إطلاق الفتاوى.

______________________________
(1) المتقدم في الصفحة السابقة.

(2) المتقدمان في الصفحة: 189، 190.

(3) المتقدم في الصفحة السابقة.

 

191
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج‌6 ص 186

ما لم يبلغ النصف (1) و أما إذا شرع في الجحد أو ما لم يتجاوز النصف- على الخلاف السابق- و التحديد بذلك محكي عن السرائر و الدروس و جامع المقاصد و الروض و غيرها. بل عن المسالك و الحدائق: أنه المشهور. و عن البحار نسبته إلى الأكثر، و كأنه للجمع بين هذه النصوص و بين ما تقدم «1» من عموم المنع إذا بلغ النصف و تجاوزه كما في كشف اللثام، و عن المحقق و الشهيد الثانيين الاستدلال له بأنه مقتضى الجمع بين ما تقدم من النصوص المطلقة في جواز العدول، و بين‌

رواية صباح بن صبيح عن الصادق (ع): «عن رجل أراد أن يصلي الجمعة فقرأ قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ. قال (ع): يتمها ركعتين ثمَّ يستأنف» «2».

بحمل الأول على صورة عدم التجاوز و الثانية على صورة التجاوز، و فيه أنه جمع تبرعي لا شاهد عليه، بل ظاهر رواية الصباح صورة الالتفات بعد الفراغ من سورة التوحيد، فلا تنافي تلك النصوص بوجه.

و منه يظهر الاشكال فيما عن ظاهر الكليني و تبعه عليه جماعة من الجمع بالتخيير، فإنه إنما يكون جمعاً عرفياً لو كان ظاهر رواية الصباح الالتفات في الأثناء كما لا يخفى، فاذاً لا مانع من الأخذ بإطلاق نصوص جواز العدول الشامل لصورة التجاوز عن النصف، و لا يعارضه عموم المنع، إذ قد عرفت أنه لا دليل على المنع إلا الإجماع المتقدم على عدم جوازه حينئذ، و هو غير ثابت في المقام، لما عن المبسوط و النهاية و التحرير و الإرشاد و التذكرة و المنتهى و غيرها: من إطلاق جواز العدول. و عن صريح بعض متأخري المتأخرين ذلك أيضاً.

نعم يمكن أن يعارض إطلاق نصوص المقام بإطلاق رواية الذكرى‌

______________________________
(1) في صفحة: 187.

(2) الوسائل باب: 72 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

 

192
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج‌6 ص 186

أو التوحيد عمداً، فلا يجوز العدول إليهما (1) أيضاً على الأحوط.

[ (مسألة 17): الأحوط عدم العدول من الجمعة و المنافقين إلى غيرهما في يوم الجمعة]

(مسألة 17): الأحوط عدم العدول من الجمعة و المنافقين إلى غيرهما في يوم الجمعة و إن لم يبلغ النصف (2).

المتقدمة «1»، و لأجل أن بينهما عموماً من وجه يرجع الى عموم المنع عن العدول عن سورتي الجحد و التوحيد، لكنه موقوف على حجية الرواية سنداً و عدم أظهرية نصوص المقام منها، و قد تقدم وجه الإشكال في الأول، و لا تبعد دعوى أظهرية نصوص المقام منها كما لا يخفى بأقل تأمل.

نعم إن ثبت الإجماع على عدم جواز العدول من غير الجحد و التوحيد بعد تجاوز النصف إلى الجمعة و المنافقين، أمكن تقييد الإجماع. اللهم إلا أن يدعى كون الأولوية ظنية لا يعول عليها، إذ يمكن التشكيك في الإجماع، فيلتزم بالتعدي عن الجحد و التوحيد إلى سائر السور فيحكم بجواز العدول عنها بعد تجاوز النصف إلى الجمعة و المنافقين.

تقدم بيان وجه ضعفه.

لأن تجويز العدول من الجحد و التوحيد إليهما محافظة على قراءتهما- مع كونه ممنوعاً في نفسه- يدل على أهميتهما من العدول الممنوع عنه، و العدول عنهما الى غيرهما مخالفة لذلك الاهتمام. و يؤيده ما‌

عن كتاب الدعائم: «و كذلك سورة الجمعة أو سورة المنافقين في الجمعة لا يقطعهما الى غيرهما، و إن بدأ ب‍ قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ قطعها و رجع الى سورة الجمعة أو سورة المنافقين» «2»‌

لكن لا يخفى: أنه لو تمَّ لاقتضى وجوب قراءة السورتين و ليس كذلك كما سيأتي- مضافاً الى أن جواز العدول يمكن أن يكون لقصور مقتضي‌

______________________________
(1) في صفحة: 187.

(2) مستدرك الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

 

193
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 18 يجوز العدول من سورة إلى أخرى في النوافل مطلقا ج‌6 ص 194

[ (مسألة 18): يجوز العدول من سورة إلى أخرى في النوافل مطلقاً]

(مسألة 18): يجوز العدول من سورة إلى أخرى في النوافل مطلقاً و إن بلغ النصف (1) المنع، لا لأجل الأهمية كما لا يخفى، و خبر الدعائم ضعيف لا يعول عليه.

كما عن ظاهر الشيخ (ره) في النهاية أو صريحه، و كذا ظاهر الذكرى حيث قيد المنع من العدول بعد تجاوز النصف بالفريضة، بعد ذكر جواز العدول قبل ذلك في الفريضة و النافلة، بل قيل: إنه نسب الى ظاهر الأصحاب من جهة إيرادهم الحكم في طي أحكام الفرائض.

و فيه: أن تقييد مثل حرمة القران و قراءة العزيمة بالفريضة في كلماتهم و عدم التقييد بها هنا في كلام كثير منهم، شاهد بعموم الحكم للنافلة، و يقتضيه إطلاق نصوص المنع المتقدمة.

و في المستند اختار المنع على القول بحرمة قطع النوافل، لعموم الأخبار و الجواز على القول بجوازه، لأن دلالة أخبار المنع بعد التجاوز عن النصف و في الجحد و التوحيد إنما هو من حيث الأمر بالمضي في الصلاة، أو إثبات البأس في الرجوع، و نحوهما مما يتوقف ثبوته في النوافل على عدم جواز قطعها.

و فيه: أن ظاهر أخبار المنع تعين السورة التي شرع فيها لأداء الوظيفة المقصودة منها، و عدم صلاحية المعدول إليها لذلك، و لا يرتبط بمسألة حرمة القطع و جوازه، و لذا نقول بحرمة العدول في الفريضة حتى في مورد كان يجوز فيه قطعها، كما لا يرتبط بمسألة وجوب السورة و عدمه، و لذا نقول بحرمة العدول في الفريضة أيضاً، إذا كان لا تجب فيها السورة كما في المريض و المستعجل.

نعم قد يشكل التعدي إلى النافلة في عدم جواز العدول بعد تجاوز النصف لأن العمدة في المستند فيه الإجماع، و هو غير حاصل في النافلة كما تقدم‌

 

194
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 19 يجوز مع الضرورة العدول بعد بلوغ النصف ج‌6 ص 195

[ (مسألة 19): يجوز مع الضرورة العدول بعد بلوغ النصف]

(مسألة 19): يجوز مع الضرورة العدول بعد بلوغ النصف (1) حتى في الجحد و التوحيد كما إذا نسي بعض السورة، أو خاف فوت الوقت بإتمامها، أو كان هناك مانع آخر، و من ذلك ما لو نذر أن يقرأ سورة معينة في صلاته فنسي و قرأ غيرها فان الظاهر جواز العدول و إن كان بعد بلوغ النصف، أو كان ما شرع فيه الجحد أو التوحيد (2).

في كلام الذكرى، و لعله يقتصر في منع إلحاق النافلة في الفريضة عليه، و حينئذ يكون ما ذكره في محله فتأمل.

كما صرح به في الجواهر، و غيرها لانسباق غير ذلك من نصوص المنع، و اختصاصه بصورة إمكان الإتمام، فيبقى العدول في غيرها على أصالة الجواز.

إذا نذر قراءة سورة معينة في صلاته فمرجع نذره الى أحد أمرين:

الأول: نذر أن لا يقرأ سورة إلا ما عينها، فإذا قرأ غيرها كانت قراءتها مخالفة للنذر فتبطل، فإذا قرأها نسياناً و التفت في الأثناء لم يقدر على إتمامها للنهي عنها من أجل مخالفة النذر، فيتعين عليه العدول. الثاني: نذر أن يقرأها على تقدير اشتغال ذمته بسورة، فإذا قرأ غيرها لم يكن ذلك مخالفة للنذر، لأن النذر المشروط بشرط لا يقتضي حفظ شرطه، فلا مانع من تفويت شرطه بإفراغ ذمته عن السورة الواجبة في الصلاة بقراءة سورة غير المنذورة. فلو قرأ غيرها نسياناً فان كانت مما يجوز العدول عنها جاز له الإتمام و العدول، و إن كان مما لا يجوز العدول عنها وجب عليه إتمامها، و لا مسوغ للعدول، لما عرفت من أنه ليس في إتمامها مخالفة للنذر بوجه، فعموم المنع عن العدول عنها بلا مزاحم. و لأجل أن الظاهر من نذر قراءة‌

 

195
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 19 يجوز مع الضرورة العدول بعد بلوغ النصف ج‌6 ص 195

.....

سورة معينة هو الأول أطلق المصنف (ره) جواز العدول، بل عرفت أنه واجب.

هذا و لكن بنى غير واحد من الأعيان على بطلان النذر في المقام، لاعتبار رجحان متعلقه في وقته و هو مفقود، لكون المفروض حرمة العدول بعد تجاوز النصف، و من السورتين مطلقاً. فاذا كان حراما في وقته امتنع نذره و كان باطلا، و كذا الحال في كل مورد يطرأ على المنذور ما يوجب مرجوحيته: كأمر الوالد أو السيد، أو التماس المؤمن، أو غيرها، فان طروء واحد من الأمور المذكورة لما كان موجباً لمرجوحية المنذور يكشف عن فساد النذر من أول الأمر.

و فيه: أنه إذا فرض أن حرمة العدول مشروطة بإمكان الإتمام فالنذر على تقدير صحته رافع لذلك الإمكان، لرفعه مشروعية الإتمام فالبناء على بطلان النذر تخصيص لدليل نفوذه من دون وجه ظاهر. و إن شئت قلت:

يعتبر في صحة النذر رجحان المنذور في وقته، و يعتبر في حرمة العدول مشروعية السورة التي شرع فيها، فاذا نذر أن لا يقرأ يوم الاثنين إلا سورة الدهر مثلا، فشرع في غيرها نسياناً حتى تجاوز نصفها، امتنع حينئذ الجمع بين صحة النذر و حرمة العدول إلى سورة الدهر، لأنه إن صح النذر كان إتمام السورة التي شرع فيها غير مشروع لأنه مخالفة للنذر، و إذا كان الإتمام غير مشروع لم يحرم العدول إلى سورة الدهر، كما أنه إذا حرم العدول إليها كانت قراءتها مرجوحة، و إذا كانت قراءتها مرجوحة بطل نذرها، و حينئذ فاما أن يبنى على بطلان النذر بدعوى: أن حرمة العدول ترفع موضوعه و هو رجحان المنذور، و لا يصلح هو لرفعها، لأن إمكان الإتمام المعتبر في حرمة العدول يراد منه الإمكان لا بالنظر الى أمر سابق تصلح الحرمة لرفعه، أو يبنى على عدم حرمة العدول بدعوى: ان صحة النذر ترفع‌

 

196
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 19 يجوز مع الضرورة العدول بعد بلوغ النصف ج‌6 ص 195

.....

موضوع الحرمة- أعني مشروعية الإتمام و إمكانه- فيجوز لذلك العدول، و لا تصلح الحرمة لرفعه لأن الرجحان المعتبر في موضوع النذر يراد منه الرجحان لا بالنظر الى أمر لاحق يصلح النذر لرفعه، و إما أن يبنى على بطلان النذر و عدم حرمة العدول تخصيصاً لدليلهما.

و هذه الاحتمالات الثلاثة هي الاحتمالات الجائزة التي يتردد بينها و يحتاج في تعيين واحد منها الى معين. و هناك احتمالات أخرى غير جائزة: منها:

البناء على بطلان النذر و عدم حرمة العدول على نحو التخصص لا التخصيص- كما فيما سبق- بأن يكون كل من النذر و حرمة العدول رافعاً لموضوع الآخر فلا مجال له للزوم الدور. و منها: البناء على ثبوتهما معاً، فمع أنه يلزم منه التكليف بغير المقدور. أنه تخصيص لما دل على اعتبار الرجحان في النذر، و لما دل على اعتبار إمكان الإتمام في حرمة العدول بلا وجه.

ثمَّ إنه إذا لم يكن ما يوجب ترجح أحد الاحتمالين الأولين على الآخر يتعين البناء على الثالث للتعارض الموجب للتساقط. لكن لا ينبغي التأمل في ترجيح الاحتمال الثاني على الأول عرفاً. فإنهما و إن كانا مشتركين في تقييد دليل شرطية السبب، إذ في الأول: تقييد دليل اعتبار إمكان الإتمام فيراد منه الإمكان لا بالنظر الى أمر سابق تصلح الحرمة لرفعه، و في الثاني: تقييد دليل شرطية الرجحان في النذر فيراد منه الرجحان لا بالنظر الى أمر لاحق يصلح النذر لرفعه، لكن التقييد الثاني أقرب عرفاً تنزيلا للسببين المذكورين بمنزلة السببين الحقيقيين المتنافيين اللذين يكون السابق منهما شاغلا للمحل و مانعاً من تأثير اللاحق، فلو فرض تأخر النذر عن حرمة العدول كان هو المتعين للبطلان، و كذا الحال في جميع الموارد التي يتعارض فيها دليل وجوب الوفاء بالنذر و دليل وجوب شي‌ء أو حرمته المشروط بشرط بنحو يصلح أن يكون كل من الدليلين على تقدير صحة تطبيقه رافعاً لموضوع الآخر، فان‌

 

197
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 20 يجب على الرجال الجهر بالقراءة ج‌6 ص 198

[ (مسألة 20): يجب على الرجال الجهر بالقراءة]

(مسألة 20): يجب على الرجال الجهر بالقراءة (1) كان أحدهما سابقاً و الآخر لاحقاً صح تطبيق الدليل السابق و سقط بالإضافة إلى اللاحق، مثل ما لو نذر زيارة الحسين (ع) في كل عرفة ثمَّ ملك الزاد و الراحلة- بناء على أن الاستطاعة المأخوذة شرطاً لوجوب الحج يراد بها ما يعم الاستطاعة الشرعية- فإنه لا يجب عليه الحج، و مثل ما لو نذرت المرأة أن تصوم كل جمعة ثمَّ تزوجت فمنعها زوجها من الصوم فإنه لا تجوز إطاعته في مخالفة النذر. نعم لو اقترن السببان سقطا معاً لعدم المرجح، فلاحظ.

و اللّه سبحانه أعلم.

كما هو المشهور كما عن جماعة كثيرة. بل عن الخلاف:

الإجماع عليه. و يشهد له‌

صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): «في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه، و أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه. فقال (ع):

أي ذلك فعل متعمداً فقد نقض صلاته و عليه الإعادة، فإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شي‌ء عليه و قد تمت صلاته» «1»‌

، و مفهوم‌

صحيحه الآخر عنه (ع): «قلت له: رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي الجهر فيه، أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، و ترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه، و قرأ فيما لا ينبغي القراءة فيه، فقال (ع): أي ذلك فعل ناسياً أو ساهياً فلا شي‌ء عليه» «2».

و المناقشة فيهما بظهور التعبير ب‍ «ينبغي» في السؤال في مطلق الرجحان، و في الأول باحتمال كون «نقص» بالمهملة لا بالمعجمة و هو يصدق بترك المستحب- كما ترى. لوضوح اضطرار السائل إلى التعبير بما هو ظاهر في القدر المشترك بين الوجوب و الاستحباب بعد فرض كونه جاهلا بالوجوب‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 26 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 26 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

 

198
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 20 يجب على الرجال الجهر بالقراءة ج‌6 ص 198

.....

كما يقتضيه ظاهر الجواب عن صورة العمد، إذ لو كان السائل عالماً بالوجوب لم يحتج إلى الجواب عن صورة العمد بالبطلان لوضوح ذلك، و اما إطلاق النقص فهو ظاهر في البطلان، و لا سيما في مقابل إطلاق التمام المقتضي للصحة.

و هذان الصحيحان هما العمدة في إثبات الوجوب. أما مداومة النبي (ص) على الجهر فلا تصلح لإثباته لأنها أعم. و‌

قوله (ص): «صلوا كما رأيتموني أصلي» «1»‌

فقد عرفت الاشكال عليه، و الاستدلال بهما عليه- كما في المعتبر و غيره- ضعيف. و مثلهما ما‌

في خبر الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) في ذكر العلة التي من أجلها جعل الجهر في بعض الصلوات دون بعض: «إن الصلوات التي يجهر فيها إنما هي في أوقات مظلمة فوجب أن يجهر فيها ليعلم المار ان هناك جماعة» «2»‌

، و ما‌

في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن القراءة خلف الامام فقال (ع): «و أما الصلاة التي يجهر فيها فإنما أمر بالجهر لينصت من خلفه» «3»‌

، و ما‌

في خبر محمد بن حمران (عمران خ ل) عن أبي عبد اللّه (ع): من تعليل ذلك بأنه: «لما أسري بالنبي (ص) كان أول صلاة فرض اللّه تعالى عليه الظهر يوم الجمعة فأضاف اللّه عز و جل إليه الملائكة تصلي خلفه فأمر نبيه (ص) أن يجهر بالقراءة ليبين لهم فضله ..» «4»‌

، فان الوجوب و الأمر غير ظاهرين في الوجوب الاصطلاحي إلا بالإطلاق، و هو مفقود لعدم سوق الكلام للتشريع، و لو سلم فالعلة في الأولين استحبابية لا تصلح لإثبات الوجوب، مع أنهما غير شاملين لغير الامام. و أضعف من ذلك الاستدلال بما تضمن: أن الصلاة منها جهرية‌

______________________________
(1) كنزل العمال ج: 4 صفحة: 62 حديث: 1196.

(2) الوسائل باب: 25 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 25 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

 

199
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 20 يجب على الرجال الجهر بالقراءة ج‌6 ص 198

.....

و منها إخفاتية كما صنع في الوسائل فلاحظ.

هذا و عن الإسكافي و المرتضى في المصباح: عدم الوجوب، و عن المدارك:

الميل اليه، و في الكفاية: أنه غير بعيد، و في البحار: انه لا يخلو من قوة،

لصحيح ابن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع) قال: «سألته عن الرجل يصلي من الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة، هل عليه أن لا يجهر؟ قال (ع):

إن شاء جهر و إن شاء لم يفعل» «1»‌

، و به ترفع اليد عن ظاهر الصحيحين الأولين فيحملان على الاستحباب.

و فيه- مع أن حمل الصحيحين على الاستحباب بعيد جداً، و لا سيما في أولهما الدال على الوجوب من وجوه، المتأكد الدلالة عليه، و لا سيما بملاحظة كون السؤال عنه لا عن أصل الرجحان كما هو ظاهر-: أنه لا مجال للعمل به بعد إعراض الأصحاب عنه، و دعوى الإجماع على خلافه. مع أن السؤال فيه لا يخلو عن تشويش، لأنه إذا فرض فيه أن الفريضة. مما يجهر فيه بالقراءة كيف يصح السؤال عن أنه عليه أن لا يجهر؟! فالسؤال كذلك لا بد أن يكون عن لزوم الإخفات في غير القراءة من الأذكار أو فيها في بعض الأحوال، و ذلك مما يوجب الاجمال المسقط عن الحجية. نعم في المعتبر «2» روايته هكذا:

«هل له أن لا يجهر»‌

، و في كشف اللثام، و مفتاح الكرامة، و‌

عن قرب الاسناد «3» روايته هكذا: «هل عليه أن يجهر»‌

لكنه لا يدفع الاضطراب. نعم مقتضى قاعدة الخط أن تكون:

«إن» مكسورة شرطية لا مفتوحة مصدرية. لأن نونها لا تظهر إذا كانت عاملة كما في المقام، و يكون تقدير الكلام: هل عليه شي‌ء إن لم يجهر.


 (1) الوسائل باب: 25 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.

(2) في المسألة: 8 من القراءة صفحة: 175.

(3) صفحة: 94. و هو موافق لما في التهذيب.

200
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 20 يجب على الرجال الجهر بالقراءة ج‌6 ص 198

في الصبح، و الركعتين الأولتين من المغرب و العشاء (1)، لكنه أيضاً بعيد. و كيف كان فالعمدة في طرح الصحيح ما عرفت.

و أضعف من ذلك الاستدلال بقوله تعالى (وَ لٰا تَجْهَرْ بِصَلٰاتِكَ وَ لٰا تُخٰافِتْ بِهٰا وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلًا «1» إذ لو ثبت أن المراد من الجهر ما يتجاوز الحد في العلو و من الإخفات أن لا يسمع نفسه- كما تضمنه بعض الأخبار المفسرة فتدل على وجوب ما بين ذلك- أمكن تقييد إطلاقها بما ذكر. مع أن الآية الشريفة قد اختلفت النصوص و كلمات المفسرين في تفسيرها، و إن كان الأظهر ما ذكرنا.

أما ثبوت الجهر في قراءتها فلا إشكال فيه و لا خلاف، و يقتضيه جملة من النصوص المتقدم بعضها، و أما عدم ثبوته في غيرها فالظاهر أنه كذلك. و يشهد له- مضافاً إلى ما في خبر محمد بن حمران المتقدم «2» المتضمن لتخصيص الجهر و الإخفات بالقراءة، و ما‌

في خبر يحيى بن أكثم «أنه سأل أبا الحسن (ع) عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة و هي من صلاة النهار و إنما يجهر في صلاة الليل؟ فقال (ع): لأن النبي (ص) كان يغلس بها ..» «3»‌

، و مثلهما جملة من النصوص الواردة في صلاة الجماعة و صلاة الجمعة، و صلاة يوم الجمعة فإنها اشتملت على تخصيص الإخفات و الجهر بالقراءة على نحو يفهم أنه شي‌ء مفروغ عنه، و أنها موضوع الجهر و الإخفات اللازمين في الصلاة-

صحيح ابن يقطين عن أبي الحسن موسى (ع): «سألته عن التشهد، و القول في الركوع و السجود و القنوت للرجل أن يجهر به؟ قال (ع): إن شاء جهر به و إن شاء لم يجهر» «4»‌

، و نحوه صحيح‌

______________________________
(1) الاسراء: 110.

(2) راجع التعليقة السابقة.

(3) الوسائل باب: 25 من أبواب القراءة في الصلاة، حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 20 من أبواب القنوت حديث: 1.

 

201
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 20 يجب على الرجال الجهر بالقراءة ج‌6 ص 198

و يجب الإخفات في الظهر و العصر في غير يوم الجمعة، و أما فيه فيستحب الجهر في صلاة الجمعة (1)، علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) «1»، فان الجمع بينهما و بين إطلاق ما دل على أن صلاة الليل جهرية و صلاة النهار إخفاتية «2»:

بحمله على خصوص القراءة أولى من البناء على عمومه و الاقتصار في الاستثناء منه على خصوص ما ذكر في الصحيح، و مما ذكرنا يظهر الوجه في وجوب الإخفات في خصوص القراءة في الظهر و العصر.

إجماعاً كما في القواعد، و عن التذكرة، و نهاية الأحكام، و الذكرى و البيان، و قواعد الشهيد، و جامع المقاصد، و غيرها، و في المعتبر: «لا يختلف فيه أهل العلم»، و عن التنقيح: «أجمع العلماء عليه». و يقتضيه- مضافاً الى ما في خبر محمد بن حمران المتقدم «3»-

صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) في حديث: «.. و القراءة فيها بالجهر» «4»‌

و‌

صحيح العزرمي عن أبي عبد اللّه (ع): «قال (ع): إذا أدركت الإمام يوم الجمعة و قد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أخرى و اجهر فيها» «5»‌

و ما‌

في صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث قال (ع): «.. و ليقعد قعدة بين الخطبتين، و يجهر بالقراءة» «6»‌

، و قريب منها غيرها المحمولة على‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 20 من أبواب القنوت حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 22 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2. و باب: 25 من نفس الأبواب، حديث: 1 و 3.

(3) في صفحة: 199.

(4) الوسائل باب: 73 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 26 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 5.

(6) الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 5.

 

202
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 20 يجب على الرجال الجهر بالقراءة ج‌6 ص 198

بل في الظهر أيضاً على الأقوى (1).

الاستحباب بقرينة الإجماع المدعى في كلام الجماعة.

نعم استشكل في الجواهر بعد نقله الإجماع المذكور بقوله: «لكن ظني أن المراد منه مطلق الرجحان مقابل وجوب الإخفات في الظهر في غير يوم الجمعة، لعدم التصريح بالندب قبل المصنف (ره) على وجه يكون به إجماعاً.

نعم حكي عن مصباح الشيخ، و إشارة السبق، و السرائر، و الإصباح، بل عن المنتهى: أنه أجمع كل من يحفظ عنه العلم على أنه يجهر بالقراءة في صلاة الجمعة، و لم أقف على قول للأصحاب في الوجوب و عدمه. بل في كشف اللثام: أكثر الأصحاب ذكروا الجهر فيهما على وجه يحتمل الوجوب».

و حينئذ يشكل رفع اليد عن ظاهر النصوص، و كون الأمر به في مقام توهم الحضر فلا يدل على الوجوب- لو تمَّ- لا يطرد في الجميع. فتأمل جيداً.

للنصوص الآمرة به‌

كصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه (ع): «قال (ع) لنا: صلوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة، و أجهروا بالقراءة، فقلت إنه ينكر علينا الجهر بها في السفر، فقال (ع):

اجهروا بها» «1»‌

، و‌

خبر محمد بن مروان قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن صلاة ظهر يوم الجمعة كيف نصليها في السفر؟ فقال (ع): تصليها في السفر ركعتين، و القراءة فيها جهراً» «2»‌

، و لعله ظاهر‌

صحيح عمران الحلبي قال: «سئل أبو عبد اللّه (ع): عن الرجل يصلي الجمعة أربع ركعات أ يجهر فيها بالقراءة؟ قال (ع): نعم» «3»‌

و نحوه‌

مصحح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن القراءة في الجمعة إذا صليت وحدي‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 73 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 73 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 73 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

 

203
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 21 يستحب الجهر بالبسملة في الظهرين ج‌6 ص 204

 [ (مسألة 21): يستحب الجهر بالبسملة في الظهرين]

(مسألة 21): يستحب الجهر بالبسملة (1) في الظهرين للحمد و السورة.

أربعاً أجهر بالقراءة؟ فقال (ع): نعم» «1»‌

المحمولة على الاستحباب بقرينة‌

صحيح جميل: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الجماعة يوم الجمعة في السفر، فقال (ع): يصنعون كما يصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر، و لا يجهر الامام فيها بالقراءة، إنما يجهر إذا كانت خطبة» «2»‌

، و نحوه صحيح ابن مسلم «3» فيحمل النهي على نفي الوجوب بناء على وجوبه في صلاة الجمعة، أو نفي تأكد الاستحباب بناء على استحبابه.

لكن قد يشكل ذلك بعدم ظهور كونه جمعاً عرفياً، و لأجله يتعين الأخذ بظاهر النصوص الأول المعول عليها عند الأصحاب و حمل النهي في الصحيحين على التقية كما عن الشيخ (ره)، و يشير اليه ما في صحيح ابن مسلم الأول. و حينئذ فالقول بالوجوب مطلقاً أحوط إن لم يكن أقوى، إذ ما عن ابن إدريس (ره) من المنع مطلقاً ترجيحاً لنصوص المنع لاعتضادها بإطلاقات الإخفات في صلاة النهار في غير محله، بعد ما عرفت من النصوص الكثيرة المعول عليها المحكي عن الخلاف الإجماع على صحة مضمونها، و كذا ما عن المرتضى (ره) من التفصيل بين الامام فيجهر، و غيره فلا‌

لخبر ابن جعفر (ع): «عن رجل صلى العيدين وحده و الجمعة هل يجهر فيهما؟ قال (ع): لا يجهر إلا الإمام» «4»‌

لمعارضته بمصحح الحلبي المتقدم المعول عليه دونه، مع ضعفه في نفسه.

في المعتبر: جعله من منفردات الأصحاب، و في التذكرة: نسبته‌


 (1) الوسائل باب: 73 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 73 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 73 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 9.

(4) الوسائل باب: 73 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 10.

204
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 21 يستحب الجهر بالبسملة في الظهرين ج‌6 ص 204

.....

إلى علمائنا، و عن الخلاف: دعوى الإجماع عليه. و يشهد له‌

صحيح صفوان: «صليت خلف أبي عبد اللّه (ع) أياما، فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر ب‍ (بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ)* و كان يجهر في السورتين جميعاً» «1»‌

و‌

خبر أبي حفص الصائغ: «صليت خلف جعفر (ع) بن محمد (ع) فجهر ب‍ (بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ)*» «2»‌

و المرسل‌

عن أبي حمزة: «قال علي بن الحسين (ع): يا ثمالي إن الصلاة إذا أقيمت جاء الشيطان الى قرين الامام فيقول: هل ذكر ربه؟ فان قال: نعم، ذهب، و إن قال:

لا، ركب على كتفيه فكان إمام القوم حتى ينصرفوا، فقال: جعلت فداك أ ليس يقرأون القرآن؟ قال (ع): بلى ليس حيث تذهب يا ثمالي إنما هو الجهر ب‍ (بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ)*» «3»‌

، و‌

خبر الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) في كتابه إلى المأمون قال (ع): «و الإجهار ب‍ «بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ)* في جميع الصلوات سنة» «4»‌

، و ما في جملة من النصوص من عده من علامات المؤمن «5» و عن أبي الصلاح:

وجوبه في ابتداء الحمد و السورة في الأولتين، و ربما يحكى عن القاضي في المهذب و الصدوق وجوبه مطلقاً حتى في الأخيرتين، و كأنه‌

لخبر الأعمش عن جعفر (ع): «و الإجهار ب‍ (بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ)* في الصلاة واجب» «6»‌

، و‌

خبر سليم بن قيس عن أمير المؤمنين‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 21 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 21 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 21 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 21 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.

(5) راجع الوسائل باب: 56 من أبواب المزار و مستدرك الوسائل باب: 17 من أبواب القراءة في الصلاة. و باب: 30 من أبواب الملابس. فهناك أحاديث: تدل على ذلك.

(6) الوسائل باب: 21 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.

 

205
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 21 يستحب الجهر بالبسملة في الظهرين ج‌6 ص 204

.....

عليه السلام في خطبة طويلة: «.. و ألزمت الناس بالجهر ب‍ (بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ)*» «1».

و فيه: أن ضعف الخبرين في نفسهما، و إعراض الأصحاب عنهما مانع من الاعتماد عليهما في ذلك، مضافاً الى عدم تعرض ثانيهما للصلاة. فتأمل، و أما‌

صحيح الحلبيين عن أبي عبد اللّه (ع): أنهما سألاه عمن يقرأ ب‍ (بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ)* حين يريد أن يقرأ فاتحة الكتاب قال (ع): نعم، إن شاء سراً و إن شاء جهراً، قلت:

أ فيقرؤها مع السورة الأخرى؟ فقال (ع): لا» «2»‌

، فما في ذيله من الترخيص في ترك البسملة في السورة يقرب وروده مورد التقية فلا يصلح لنفي الوجوب. اللهم إلا أن يفكك بين صدره و ذيله. فتأمل.

و عن ابن الجنيد: تخصيص الاستحباب بالإمام، و كأنه للنصوص الواردة فيه. لكنها لا تصلح لتقييد المطلق الشامل للمنفرد و لا سيما مع إبائه عن ذلك، و عن الحلي: تخصيص الحكم بالأولتين لاختصاص الأدلة بالصلاة الإخفاتية التي يتعين فيها القراءة و لا تتعين القراءة إلا في الأولتين، مضافا الى قاعدة الاحتياط، إذ لا خلاف في صحة صلاة من لا يجهر بالبسملة و في صحة صلاة من جهر فيها خلاف.

و فيه: أن جملة من نصوص الباب خالية عن التقييد بالأولتين، فالعمل على إطلاقها متعين، و بها ترفع اليد عن قاعدة الاحتياط، مع أنها مبنية على عدم جواز الجهر في الأخيرتين، و على كون المرجع في الشك في الشرطية و الجزئية قاعدة الاحتياط، و الثاني ممنوع، و الأول محل إشكال كما يأتي، و لذا قال في المعتبر: «قال بعض المتأخرين: ما لا يتعين فيه القراءة لا يجهر فيه لو قرئ، و هو تخصيص لما نص عليه الأصحاب و دلت عليه الروايات ..».

______________________________
(1) روضة الكافي ج: 8 صفحة: 61 الطبعة الحديثة.

(2) الوسائل باب: 12 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

 

206
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 22 إذا جهر في موضع الإخفات أو أخفت في موضع الجهر عمدا بطلت الصلاة ج‌6 ص 207

[ (مسألة 22): إذا جهر في موضع الإخفات، أو أخفت في موضع الجهر عمداً بطلت الصلاة]

(مسألة 22): إذا جهر في موضع الإخفات، أو أخفت في موضع الجهر عمداً بطلت الصلاة (1)، و إن كان ناسياً أو جاهلا و لو بالحكم صحت، سواء كان الجاهل بالحكم متنبهاً للسؤال و لم يسأل أم لا (2)، لكن الشرط حصول قصد القربة منه، و إن كان الأحوط في هذه الصورة الإعادة.

[ (مسألة 23): إذا تذكر الناسي أو الجاهل قبل الركوع لا يجب عليه إعادة القراءة]

(مسألة 23): إذا تذكر الناسي أو الجاهل قبل الركوع لا يجب عليه إعادة القراءة (3)، بل و كذا لو تذكر في أثناء القراءة حتى لو قرأ آية لا يجب إعادتها، لكن الأحوط الإعادة (4) خصوصاً إذا كان في الأثناء.

كما عرفت.

للإطلاق الشامل للصورتين جميعاً، و استظهر في الجواهر من منظومة الطباطبائي (ره) وجوب الإعادة في المتنبه، بل حكى التصريح به عن غير واحد لدعوى انصراف الصحيح، لكنه (ره) قوى خلافه، و هو في محله، و من هنا يظهر أن المراد من الصورة في قوله في المتن:

الأحوط في هذه الصورة، الصورة الأولى لا الثانية كما يقتضيه ظاهر العبارة.

كما عن غير واحد التصريح به، لإطلاق النص، و لإطلاق‌

حديث: «لا تعاد الصلاة» «1».

في صورة النسيان و كذا في صورة الجهل بناء على ما هو الظاهر من عمومه لها، كما سيأتي إن شاء اللّه في محله. و من ذلك يظهر نفي الإعادة أيضاً لو تذكر في أثناء القراءة.

كأن وجهه احتمال اختصاص الصحيحين بصورة الالتفات بعد الفراغ، فيكون المرجع ما دل على وجوب التدارك قبل تجاوز المحل. و فيه‌

______________________________
(1) تقدم مراراً. راجع مسألة: 18 من فصل القيام.

207
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 24 لا فرق في معذورية الجاهل بالحكم في الجهر و الإخفات بين أن يكون جاهلا بوجوبهما أو جاهلا بمحلهما ج‌6 ص 208

[ (مسألة 24) لا فرق في معذورية الجاهل بالحكم في الجهر و الإخفات بين أن يكون جاهلا بوجوبهما، أو جاهلا بمحلهما]

(مسألة 24) لا فرق في معذورية الجاهل بالحكم في الجهر و الإخفات بين أن يكون جاهلا بوجوبهما، أو جاهلا بمحلهما (1)- بأن علم إجمالا أنه يجب في بعض الصلوات الجهر و في بعضها الإخفات إلا أنه اشتبه عليه أن الصبح مثلا جهرية و الظهر إخفاتية، بل تخيل العكس- أو كان جاهلا ما عرفت من إطلاق الصحيحين، و لو سلم فوجوب التدارك يتوقف على دعوى كون الجهر و الإخفات من شرائط القراءة، فإذا فاتا بطلت، و وجب التدارك إذا كان الالتفات قبل الدخول في الركن. لكن الدعوى المذكورة خلاف ظاهر النصوص، إذ ظاهرها وجوب الجهر أو الإخفات في القراءة لا أنهما شرط فيها، و حينئذ لا يمكن تداركهما إلا بإعادة الصلاة من رأس، و هو خلاف‌

حديث: «لا تعاد الصلاة».

كما تقدم نظيره في مسألة القراءة جالساً، و يأتي توضيحه في مبحث الخلل.

ثمَّ إنه ربما يتوهم اختصاص الصحيحين بالتذكر بعد الفراغ بقرينة‌

قوله (ع) في أحدهما: «و قد تمت صلاته»‌

. و فيه: أن المراد منه تمامية المقدار الواقع منها، و لا سيما بملاحظة عدم صدق العمد، و المدار في الإعادة عليه كما تقتضيه الشرطية الأولى فيه، و الشرطية الثانية من قبيل التصريح بمفهومها. مع أن في الصحيح الآخر كفاية بالإضافة إلى خصوص الناسي.

كما صرح بذلك في جامع المقاصد، لكن في الجواهر: «إن شمول الدليل لمثل ذلك محل نظر أو منع، فيبقى تحت القاعدة». و فيه:

أنه لا يظهر الوجه في النظر أو المنع، لصدق «لا يدري» في المقامين، إذ الظاهر منه أنه لا يدري أن الجهر أو الإخفات الذي فعله مما لا ينبغي، و هو حاصل في الصورتين و لعدم صدق العمد معه.

 

208
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 24 لا فرق في معذورية الجاهل بالحكم في الجهر و الإخفات بين أن يكون جاهلا بوجوبهما أو جاهلا بمحلهما ج‌6 ص 208

بمعنى الجهر و الإخفات (1) فالأقوى معذوريته في الصورتين كما أن الأقوى معذوريته إذا كان جاهلا بأن المأموم يجب عليه الإخفات عند وجوب القراءة عليه و إن كانت الصلاة جهرية فجهر (2)، لكن الأحوط فيه و في الصورتين الأولتين الإعادة.

[ (مسألة 25): لا يجب الجهر على النساء]

(مسألة 25): لا يجب الجهر على النساء (3) في الصلاة الجهرية، كما في جامع المقاصد. و استغربه في الجواهر، لضرورة عدم سوق الدليل لبيان حكم ذلك. و فيه أن الضرورة المدعاة غير ظاهرة، فإنها خلاف إطلاق النص المؤيد بمناسبة الحكم و الموضوع كما لا يخفى، و لا يصدق أنه فعل ذلك عمداً الذي هو المدار في وجوب الإعادة كما يستفاد من الشرطية الأولى.

كما صرح به بعض لإطلاق النص، و دعوى الانصراف عنه، ممنوعة. نعم لو كان وجوب الجهر أو الإخفات بعنوان غير الصلاة من خوف أو نحوه لم تبعد دعوى انصراف النص عنه.

إجماعا كما في جامع المقاصد، بل نقل الإجماع عليه مستفيض أو متواتر. و يشهد له‌

خبر ابن جعفر (ع): «أنه سأل أخاه عن النساء هل عليهن الجهر بالقراءة في الفريضة؟ قال (ع): لا، إلا أن تكون امرأة تؤم النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها» «1»‌

، و ضعفه بعبد اللّه بن الحسن العلوي منجبر بما عرفت، و ما في ذيله محمول على الندب لعدم القائل به كما في الجواهر، و في كشف اللثام: «لم أظفر بفتوى توافقه»، و نحوه ما في غيره، و لا سيما بملاحظة عدم وجوب ذلك على الرجل المقتضي لعدم وجوبه على المرأة بقاعدة الاشتراك أو بالأولوية.

______________________________
(1) الوسائل باب: 31 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

 

209
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 24 لا فرق في معذورية الجاهل بالحكم في الجهر و الإخفات بين أن يكون جاهلا بوجوبهما أو جاهلا بمحلهما ج‌6 ص 208

.....

و عن جماعة من الأساطين: الاستدلال على الحكم في المقام: بأن صوتها عورة يحرم إسماعه للأجنبي، بل في كشف اللثام: «قلت: لاتفاق كلمة الأصحاب على أن صوتها عورة يجب عليها إخفاؤه عن الأجانب». و فيه:

منع ذلك لعدم الدليل عليه، و السيرة القطعية و النصوص على خلافه. مع أنه إنما يفيد مع سماع الأجنبي لا مطلقاً كما هو المدعى. اللهم إلا أن يكون المراد من كونه عورة أنه يجب إخفاؤه في الصلاة كجسدها. كما يقتضيه ظاهر الاستدلال به على عموم نفي الجهر على المرأة و لو لم يسمعها الأجانب لكنه كما ترى- مع أنه يقتضي حرمة الجهر لا مجرد عدم وجوبه، و هو خلاف ظاهر قولهم: «ليس على النساء جهر»، بل في الجواهر: «أنه خلاف مذهب المستدل به فإنه يذهب الى التخيير بينه و بين الإخفات»- أنه مخالف لما دل على جواز رفع صوتها بالقراءة إذا أمت النساء،

كصحيح ابن جعفر (ع): «عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة أو التكبير قال (ع): قدر ما تسمع» «1»‌

، و نحوه صحيح ابن يقطين «2»، فان الظاهر من «تسمع» كونه مبنياً للمفعول أو للفاعل على أن يكون من باب الافعال، يعني بقدر ما يسمعها الغير، كما يقتضيه- مضافا الى كونه وارداً في مقام تقدير رفع صوتها- ما ورد من أنه ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كل ما يقول. فان مساق الجميع واحد.

و من ذلك يظهر لك الاشكال فيما قيل: من أن المراد منه بقدر ما تسمع نفسها فلا يدل على جواز الجهر. و بالجملة: الاستدلال بأن صوتها عورة إن كان المراد منه: أنه يحرم إسماعه للأجنبي فلا وجه لعموم الدعوى، و إن كان المراد: وجوب إخفائه فلا وجه لجواز الجهر منها.

______________________________
(1) الوسائل باب: 31 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 31 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

 

210
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 25 لا يجب الجهر على النساء ج‌6 ص 209

بل يتخيرن بينه و بين الإخفات (1) مع عدم سماع الأجنبي، و أما معه فالأحوط إخفاتهن (2)، و أما في الإخفاتية فيجب عليهن الإخفات (3).

ثمَّ إنه قال في الذكرى: «و لو جهرت و سمعها الأجنبي فالأقرب الفساد مع علمها، لتحقق النهي في العبادة» و تبعه عليه غير واحد، منهم كاشف اللثام. لكن حكى في الجواهر عن الحدائق و حاشية الوحيد: الاشكال عليه: بأنه لا وجه للفساد، لكون النهي عن أمر خارج، قال في الجواهر:

«و فيه أن ليس الجهر إلا الحروف المقروءة، ضرورة كونها أصواتاً مقطعة، عالياً كان الصوت أو خفياً، فليس هو أمراً زائداً على ما حصل به طبيعة الحرف مفارقا له كي يتوجه عليه البطلان كما هو واضح».

و قد يشكل: بأن الجهر زيادة في الصوت فتكون مرتبة من مراتب الوجود تختص بالنهي، و لا يسري الى غيرها من صرف الوجود، لكن في كون الفرق بين الجهر و الإخفات من قبيل الفرق بين الشديد و الضعيف و الأكثر و الأقل تأمل و نظر، إذ الجهر- كما سيأتي- منتزع من ظهور جوهر الصوت، و يقابله الإخفات، و ظهور جوهر الصوت يحصل غالباً من زيادته.

كما يقتضيه رفع الجهر و عدم الدليل على وجوب الإخفات.

قد عرفت وجهه و ضعفه.

كما هو الأشهر، بل قيل إنه المشهور، و يقتضيه تعرضهم لنفي الجهر من دون تعرض لنفي الإخفات، فإن ذلك ظاهر في ثبوته عليهن، و عن جماعة: التخيير بينه و بين الجهر، لعدم الدليل على وجوب الإخفات عليهن، لاختصاص الصحيح الدال على لزومه بالرجل، و فيه: أن مقتضى قاعدة الاشتراك التعدي إلى المرأة، كما في غيره من الموارد.

211
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 25 لا يجب الجهر على النساء ج‌6 ص 209

كالرجال، و يعذرن فيما يعذرون فيه (1).

[ (مسألة 26): مناط الجهر و الإخفات ظهور جوهر الصوت و عدمه]

(مسألة 26): مناط الجهر و الإخفات ظهور جوهر الصوت و عدمه (2)، فيتحقق الإخفات بعدم ظهور جوهره و إن سمعه من يجانبه قريباً أو بعيداً.

كما استظهره في جامع المقاصد لقاعدة الاشتراك.

قد اختلفت عباراتهم في مقام الفرق بين الجهر و الإخفات، ففي الشرائع: «إن أقل الجهر أن يسمع القريب الصحيح السمع إذا استمع، و الإخفات أن يسمع نفسه إن كان يسمع»، و مقتضاها- لو قدر الإخفات معطوفا على الجهر- أن يكون أقل الإخفات أن يسمع نفسه، فيكون أكثر الإخفات أن لا يسمع نفسه، فحينئذ لا يكون تصادق بين الجهر و الإخفات مورداً. و أما ما ذكره غير واحد: من أن لازمه أن يكون الأكثر أن يسمع غيره فيكون بينهما تصادق، فغير ظاهر، لأن أكثر الإخفات أشد مراتبه خفاء، و إسماع الغير ليس أشد خفاء من إسماع النفس.

و من ذلك يظهر اندفاع الاشكال على عبارة النافع: «و أدنى الإخفات أن يسمع نفسه». بأنها كالنص في أن للاخفات فرداً آخر يتحقق بإسماع الغير، مع أنه يصدق عليه أيضاً حد الجهر، فيلزم تصادق الجهر و الإخفات مع أنهما من المتضادين، فان ذلك حمل للعبارة على خلاف ظاهرها.

نعم اتفاقهم ظاهراً على عدم صحة القراءة إذا لم يسمع نفسه و لو تقديراً مانع أيضاً من حمل الكلام على ما ذكرناه. و عليه فالإشكال على عبارة النافع متوجه على كل حال، أما عبارة الشرائع فيدفع الاشكال عنها جعل العطف فيها من قبيل عطف الجملة على الجملة، فيكون مفادها مفاد عبارة القواعد: «أقل الجهر إسماع القريب تحقيقاً أو تقديراً، و حد الإخفات إسماع نفسه»، و نحوها عبارتا الذكرى و الدروس على ما حكي بناء على‌

 

212
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 26 مناط الجهر و الإخفات ظهور جوهر الصوت و عدمه ج‌6 ص 212

.....

أن المراد منها التحديد في الإخفات من طرفي الأقل و الأكثر- كما هو مقتضى إطلاقها- فيكون التحديد بالنسبة إلى الجهر بالإضافة إلى الأقل، و بالنسبة إلى الإخفات بالإضافة الى كل من الأقل و الأكثر، و عن الموجز: «إن أعلى الإخفات أدنى الجهر»، و إشكال التصادق وارد عليها كاشكال المساهلة في التعبير، إذ العبارة التي يؤدي بها التصادق بلا مساهلة هي: «إن أدنى الجهر أدنى الإخفات» لا أعلى الإخفات، لما عرفت من أن أعلى الإخفات أشد إخفاتاً.

و كيف كان فظاهر الجميع: أن المائز بين الجهر و الإخفات إسماع الغير و عدمه، غاية الأمر أن مقتضى بعض العبارات أنه يعتبر في الإخفات عدم إسماع البعيد، فيكون بينهما العموم من وجه، لا عدم الاسماع أصلا- كما يقتضيه البعض الآخر منها- ليكون بينهما التباين.

و الذي ذكره المحقق الثاني و من تأخر عنه أن المائز بينهما إظهار الصوت على النحو المعهود و عدمه، فالجهر إظهار الصوت و يلزمه إسماع الغير، و إخفاؤه و همه إخفات و إن سمعه القريب، و قد يظهر من عبارته أن ذلك مراد الأصحاب قال (ره): «الجهر و الإخفات حقيقتان متضادتان كما صرح به المصنف (ره) في النهاية، عرفيتان يمتنع تصادقهما في شي‌ء من الافراد الى أن قال: و ربما وقع في عبارات الفقهاء التنبيه على مدلولهما من غير التزام لكون ذلك التنبيه ضابطاً، فتوهم من زعم أن مرادهم من ذلك الضابط أن بينهما تصادقا في بعض الافراد، و بطلانه معلوم».

هذا و لأجل أنه لم يرد من قبل الشارع الأقدس تحديد لهما فمقتضى الإطلاق المقامي الرجوع فيهما الى العرف كسائر المفاهيم المأخوذة موضوعا للأحكام في الكتاب و السنة، و ما ذكره المحقق (ره) هو الموافق للعرف فيتعين الركون اليه. و دعوى الإجماع على خلافه ممنوعة، و لو سلمت فالإجماع‌

 

213
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 27 المناط في صدق القراءة قرآنا كان أو ذكرا أو دعاء ج‌6 ص 214

[ (مسألة 27): المناط في صدق القراءة قرآناً كان أو ذكراً أو دعاء]

(مسألة 27): المناط في صدق القراءة قرآناً كان أو ذكراً أو دعاء ما مر في تكبيرة الإحرام من أن يكون بحيث يسمعه نفسه (1) تحقيقاً أو تقديراً بأن كان أصم أو كان هناك الذي لا يأبه به هو و أتباعه من الأساطين لا يؤبه به، و لا سيما بعد احتمال أن يكون ذلك مرادهم من تلك العبارات كما ذكره، و ان كان احتمال ذلك في بعض عباراتهم بعيداً، فإنها آبية له جداً. قال في المنتهى: «أقل الجهر الواجب أن يسمع غيره القريب أو يكون بحيث يسمع لو كان سامعاً، بلا خلاف بين العلماء، و الإخفات أن يسمع نفسه أو بحيث يسمع لو كان سامعاً، و هو وفاق، لأن الجهر هو الإعلان و الإظهار و هو يتحقق بسماع الغير القريب فيكتفى به، و الإخفات السر، و إنما حددناه بما قلنا لأن ما دونه لا يسمى كلاما و لا قرآناً، و ما زاد عليه يسمى جهراً»، فان استدلاله على ما ذكره: من أن الجهر الإعلان و الإظهار و أن الإخفات السر، كالصريح في غير ما ذكره المحقق (ره)، فالعمدة في عدم الركون الى الإجماع المذكور عدم ثبوته بنحو يوجب الاعتماد عليه.

نعم في الجواهر استشكل فيما يستعمله كثير من المتفقهة من الإخفات بصورة المبحوح، بل لو أعطي التأمل حقه أمكن دعوى تسمية أهل العرف مثله جهراً، كما أنه يسلبون عنه اسم الإخفات، لا أقل من أن يكون ذلك مشكوكا فيه أو واسطة لا يندرج في اسم كل منهما. انتهى، و قريب منه كلام غيره، لكن لا يبعد كونه من الإخفات عرفا، و مع الشك في ذلك فلأجل أن الشبهة مفهومية فمرجع الشك الى الشك في التكليف كان المرجع فيه أصل البراءة، و وجوب الاحتياط في الشك في المحصل إنما يكون إذا كان المورد من قبيل الشبهة المصداقية لا المفهومية، كما فيما نحن فيه.

قد مر فيه بعض الكلام.

 

214
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 27 المناط في صدق القراءة قرآنا كان أو ذكرا أو دعاء ج‌6 ص 214

مانع من سماعه، و لا يكفي سماع الغير (1) الذي هو أقرب إليه من سمعه.

[ (مسألة 28): لا يجوز من الجهر ما كان مفرطاً خارجا عن المعتاد]

(مسألة 28): لا يجوز من الجهر ما كان مفرطاً خارجا عن المعتاد (2) كالصياح فان فعل فالظاهر البطلان.

لإطلاق ما دل على اعتبار سماع النفس من النص «1» و الفتوى و دعوى كون سماعه ملحوظاً طريقاً الى العلم بوجوده، فاذا تحقق وجوده بسماع الغير كفى فيها- مع أنها خلاف ظاهر النص و الفتوى-: أن لازمها عدم الحاجة الى السماع لو علم وجوده، و لا يظن إمكان الالتزام به.

كما صرح به في الجواهر حاكياً له عن العلامة الطباطبائي (ره) و غيره، و عن الفاضل الجواد في آيات أحكامه: نسبته الى الفقهاء الظاهر في الإجماع عليه. و يقتضيه قوله تعالى (وَ لٰا تَجْهَرْ بِصَلٰاتِكَ) «2» بعد تفسيره برفع الصوت شديداً كما في موثق سماعة «3»، و‌

في صحيح ابن سنان «على الامام أن يسمع من خلفه و إن كثر؟ قال (ع): ليقرأ قراءة وسطاً يقول اللّه تبارك و تعالى وَ لٰا تَجْهَرْ بِصَلٰاتِكَ وَ لٰا تُخٰافِتْ بِهٰا» «4»‌

، فان المراد من الوسط- و لو بقرينة الموثق المتقدم- ما يقابل رفع الصوت شديداً، و لأجل أن الظاهر من النهي في المقام الإرشاد إلى المانعية يتجه البطلان على تقدير المخالفة. نعم لو كان النهي مولويا فاقتضاؤه للبطلان يتوقف على سرايته للقراءة كما أشرنا إليه آنفاً.

______________________________
(1) الوسائل باب: 33 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1 و 4 و 6.

(2) الاسرى: 110.

(3) الوسائل باب: 33 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 33 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

 

215
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 29 من لا يكون حافظا للحمد و السورة يجوز أن يقرأ في المصحف ج‌6 ص 216

[ (مسألة 29) من لا يكون حافظاً للحمد و السورة يجوز أن يقرأ في المصحف]

(مسألة 29) من لا يكون حافظاً للحمد و السورة يجوز أن يقرأ في المصحف (1)، بل يجوز ذلك للقادر الحافظ أيضاً على الأقوى (2).

و إن تمكن من الائتمام، إجماعاً كما عن الخلاف، و في المنتهى:

«إنه قول أكثر أهل العلم»، لإطلاق الأدلة من دون مقيد، و للنص الآتي مع أنه مقتضى أصالة البراءة.

كما عن التذكرة و نهاية الاحكام و غيرهما، و نسب الى ظاهر الشرائع و غيرها. و يقتضيه- مضافاً الى الأصل و الإطلاق لصدق القراءة معه-

مصحح أبان عن الحسن بن زياد الصيقل: «سأل الصادق (ع) ما تقول في الرجل يصلي و هو ينظر في المصحف يقرأ فيه يضع السراج قريباً منه؟

قال (ع): لا بأس بذلك» «1»‌

، نعم‌

في خبر ابن جعفر (ع): «عن الرجل و المرأة يضع المصحف أمامه ينظر فيه و يقرأ و يصلي؟ قال (ع):

لا يعتد بتلك الصلاة» «2»‌

، لكن الجمع يقتضي الحمل على الكراهة.

و من ذلك يظهر ضعف ما عن جماعة من الأعاظم منهم الشهيدان، و المحقق الثاني، و العلامة الطباطبائي (قدس سرهم): من المنع عنه اختياراً للانصراف عنه، و لأنه المعهود، و لأن القراءة في المصحف مكروهة إجماعاً و لا شي‌ء من المكروه بواجب، و لأن الصلاة معها في معرض البطلان بذهاب المصحف أو عروض ما يمنعه أو نحوهما، و لخبر ابن جعفر المتقدم بعد حمل المصحح على النافلة، و الجميع كما ترى!! إذ الأولان: ممنوعان، و الكراهة في العبادة لا تنافي الوجوب، و الرابع: ممنوع في بعض الأحوال، و لو اتفق لا يقدح في صحة العبادة، و الجمع بين الخبرين بما ذكر لا شاهد له، و أما‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 41 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 41 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

 

216
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 29 من لا يكون حافظا للحمد و السورة يجوز أن يقرأ في المصحف ج‌6 ص 216

كما يجوز له اتباع من يلقنه آية فآية (1)، لكن الأحوط اعتبار عدم القدرة على الحفظ و على الائتمام.

[ (مسألة 30): إذا كان في لسانه آفة لا يمكنه التلفظ يقرأ في نفسه]

(مسألة 30): إذا كان في لسانه آفة لا يمكنه التلفظ يقرأ في نفسه، و لو توهماً (2) و الأحوط تحريك لسانه بما يتوهمه‌

خبر عبد اللّه بن أبي أوفى: «إن رجلا سأل النبي (ص) فقال: إني لا أستطيع أن أحفظ شيئاً من القرآن فما ذا أصنع؟ فقال (ص) له: قل سبحان اللّه و الحمد للّه» [1]

حيث لم يأمره بالقراءة في المصحف فلا مجال للاستدلال به في المقام، لأن مورده صورة الاضطرار التي تجوز فيها القراءة في المصحف إجماعا كما عرفت.

الكلام فيه قولا و قائلا و دليلا في الجملة كما سبق.

و يكتفي بذلك عن القراءة كما مال إليه في الجواهر، مستدلا عليه بما ورد فيمن منعه عن القراءة خوف، و نحوه‌

كصحيح علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال: «سألته عن الرجل هل يصلح له أن يقرأ في صلاته و يحرك لسانه بالقراءة في لهواته من غير أن يسمع نفسه؟

قال (ع): لا بأس أن لا يحرك لسانه يتوهم توهما» «1».

و نحوه خبره الآخر المروي عن قرب الاسناد «2»، و‌

مرسل محمد بن أبي حمزة: «يجزيك من القراءة معهم مثل حديث النفس» «3».

______________________________
[1] ذكر البيهقي هذا الحديث في سننه الكبرى ج: 2 صفحة: 381 بألفاظ مخلفة.

ففي بعضها: «إني لا أحسن القرآن فعلمني شيئاً يجزيني من القرآن». و في بعضها: «لا أحسن شيئا من القرآن ..»، و في ثالثة: «لا استطيع ان آخذ من القرآن شيئاً فعلمني ..».

غير ان المفاد واحد.

______________________________
(1) الوسائل باب: 52 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 52 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 52 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

 

217
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 31 الأخرس يحرك لسانه ج‌6 ص 218

[ (مسألة 31) الأخرس يحرك لسانه]

(مسألة 31) الأخرس يحرك لسانه (1).

و فيه: أن الأخذ بظاهر الأولين غير ممكن، و حملهما على ما نحن فيه لا قرينة عليه، و الثالث وارد في غير ما نحن فيه، و العمل به في المقام غير ظاهر، و المتعين الأخذ بإطلاق‌

خبر السكوني عن الصادق (ع): «تلبية الأخرس و تشهد و قراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه» «1»‌

إذ موضوع المسألة إما أحد أفراد الأخرس أو أنه أحد أفراد المراد منه، فحمل الخبر على غيره غير ظاهر، و كأنه لذلك جعل المصنف (ره) الأحوط تحريك اللسان، و إن كان الأولى له الاحتياط بذكر الإشارة أيضاً، و أولى منه ما ذكرنا من إجراء حكم الأخرس في المقام.

بلا خلاف أجده في الأول كما في الجواهر. نعم عن نهاية الشيخ:

الاكتفاء بالإيماء باليد مع الاعتقاد بالقلب، و لعله- كما في مفتاح الكرامة- أراد بالاعتقاد تحريك اللسان معه، و إن كان ذلك بعيداً، و عن جماعة منهم الفاضلان، و المحقق، و الشهيد الثانيان: عدم ذكر الإشارة بالإصبع هنا، و كأنه لأجل أن إضافة الإشارة إلى الضمير تقتضي إرادة الإشارة المعهودة له، و هي في خصوص ما يعتاد الإشارة إليه بالإصبع لا مطلقاً، و ثبوت ذلك بالنسبة إلى الألفاظ المقروءة لا يخلو من إشكال أو منع، نعم تعارف الإشارة إلى معاني الألفاظ قطعي لكنها لا يعتبر قصدها كما عرفت، و في كشف اللثام:

«عسى أن يراد تحريك اللسان إن أمكن، و الإشارة بالإصبع إن لم يمكن، و يعضده الأصل». و هو كما ترى خلاف الظاهر. و مثله احتمال رجوع الإشارة بالإصبع في الخبر الى التشهد خاصة.

ثمَّ إن المذكور في كتب المحقق و العلامة و غيرهما وجوب عقد القلب بها أيضاً، و قرّب في الجواهر أن يكون المراد عقد القلب بمعنى اللفظ،

______________________________
(1) الوسائل باب: 59 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

 

218
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 31 الأخرس يحرك لسانه ج‌6 ص 218

و يشير بيده (1) و حكاه أيضاً عن الدروس، و الذكرى، و حكي عن جامع المقاصد منع ذلك لعدم الدليل عليه في الأخرس و لا في غيره، و لو وجب ذلك لعمت البلوى أكثر الخلائق ثمَّ قال: «و الذي يظهر لي أن مراد القائلين بوجوب عقد قلب الأخرس بمعنى القراءة وجوب القصد بحركة اللسان الى كونها حركة للقراءة، إذ الحركة صالحة لحركة القراءة و غيرها فلا يتخصص إلا بالنية ..».

أقول: قد عرفت سابقاً أن القراءة حكاية للألفاظ المقولة، فالمعنى المستعمل فيه لفظ القارئ نفس الألفاظ الخاصة، أما معانيها فأجنبية عنها، فكيف يمكن أن يدعي وجوب قصدها تفصيلا أو إجمالا؟! كيف؟! و تصدق القراءة في حال كون اللفظ المقروء مهملا لا معنى له أصلا، و عليه فلا بد أن يكون المراد عقد القلب بنفس الألفاظ المحكية بالقراءة، و هو ظاهر الخبر أيضاً تنزيلا لأقواله الصلاتية منزلة أقواله العادية في بدلية تحريك اللسان و الإشارة عنها، على اختلاف المحكي من حيث كونه لفظاً تارة كباب الحكاية و القراءة، و غيره أخرى كما في بقية موارد الافهام و الاعلام، و عدم إمكان ذلك في بعض أفراد الأخرس مثل الأصم الذي لم يعقل الألفاظ و لا سمعها و لم يعرف أن في الوجود لفظاً ممنوع إن أريد القصد الإجمالي، لأن قصده الى فعل ما يفعله الناطق على الوجه الذي يفعله قصد للفظ إجمالا، و هو في غاية السهولة، و لعل ذلك هو مراد جامع المقاصد. فتأمل جيداً.

المذكور في النص الإصبع «1»، إلا أن الظاهر منه الجنس الشامل للواحد و الكثير، و هو المراد من اليد إذ الإشارة بها إنما تكون بأطرافها أعني الأصابع. فتأمل.

______________________________
(1) تقدم في أول المسألة السابقة.

 

219
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 31 الأخرس يحرك لسانه ج‌6 ص 218

إلى ألفاظ القراءة بقدرها (1).

[ (مسألة 32) من لا يحسن القراءة يجب عليه التعلم]

(مسألة 32) من لا يحسن القراءة يجب عليه التعلم و إن كان متمكناً من الائتمام (2) إشارة الى ما تقدم من عقد القلب بالألفاظ المحكية و لو إجمالا فلو تركه و ائتم أثم و صحت صلاته، كما نسب الى ظاهر الأصحاب.

و وجهه غير ظاهر و إن قلنا بوجوب القراءة تعييناً، و أن قراءة الإمام مسقطة له، لأن المسقط عدمه شرط للوجوب، فاذا كان وجوب القراءة مشروطاً بعدم المسقط كان وجوب التعلم كذلك، سواء أ كان غيرياً أم إرشادياً، فضلا عما لو قيل بوجوب القراءة تخييراً بينها و بين الائتمام، ضرورة عدم الإثم بترك أحد فردي الواجب التخييري مع فعل الآخر.

نعم يتم ذلك لو كان وجوب التعلم نفسياً، إلا أنه لا دليل عليه.

و ما في المعتبر، و المنتهى: من الإجماع على وجوبه لا يمكن الاعتماد عليه في إثباته، لقرب إرادة وجوبه غيرياً أو إرشادياً مع غض النظر عن إمكان الائتمام أو متابعة الغير أو نحو ذلك مما لا يكون غالباً. قال في المعتبر: «أما وجوب التعلم فعليه اتفاق علماء الإسلام ممن أوجب القراءة و لأن وجوب القراءة يستدعي وجوب التعلم تحصيلا للواجب». و هذا- كما ترى- ظاهر في الوجوب الغيري، و أما المنتهى فلم أجد فيما يحضرني من نسخته نقل الإجماع على الوجوب، و على تقديره فالظاهر منه ما ذكره في المعتبر و نحوه ذكر الشهيد في الذكرى، و كأنه لأجل ما ذكرنا قال العلامة الطباطبائي (ره) في محكي مصابيحه: «إن ثبت الإجماع كما في المعتبر و المنتهى (يعني على وجوب التعلم) و إلا اتجه القول بنفي الوجوب». نعم لو احتمل عدم التمكن من الإتمام أمكن القول بالوجوب.

ثمَّ إن المراد بالتعلم إن كان تمرين اللسان على النطق الصحيح فوجوبه‌

 

220
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 32 من لا يحسن القراءة يجب عليه التعلم ج‌6 ص 220

و كذا يجب تعلم سائر أجزاء الصلاة (1)، فإن ضاق الوقت مع كونه قادراً على التعلم فالأحوط الائتمام (2) إن تمكن منه.

حيث يكون غيري، و إن كان معرفة النطق الصحيح و تمييزه من الغلط فوجوبه إرشادي الى ما يترتب على تركه من خطر المعصية. هذا إذا لم يمكن الاحتياط و إلا وجب أحد الأمرين منه و من الاحتياط بناء على عدم اعتبار الجزم بالنية في العبادة.

يظهر الكلام فيه مما سبق.

لعدم الدليل على صحة الصلاة الاضطرارية، إذ الأخبار الآتية من خبر مسعدة و نحوه موردها غير ما نحن فيه، و قاعدة الميسور مما لم ينعقد الإجماع على العمل بها مع التقصير في التعلم، لما عن الموجز و شرحه: من إيجاب القضاء فيه، و قولهم (ع): «الصلاة لا تسقط بحال» «1» قد عرفت الإشكال في سنده، و لو سلم فلا يدل على صحة الصلاة الاضطرارية مع التمكن من الائتمام كما لعله ظاهر.

اللهم إلا أن يقال: مع التمكن من الائتمام يعلم بوجوب الصلاة عليه و صحتها منه، و يشك في وجوب الائتمام، و الأصل البراءة. نعم لو كان الائتمام أحد فردي الواجب التخييري تعيين مع تعذر القراءة، لكن الظاهر من الأدلة أنه مسقط، و لا دليل على وجوب فعل المسقط، و لا سيما مع العلم بالسقوط للتعذر. نعم لو لم يتمكن من الائتمام لا يعلم بوجوب الصلاة أداء عليه، و إنما يعلم إجمالا بوجوب الأداء أو القضاء، فيجب الجمع بينهما من باب الاحتياط. فافهم.

و مما ذكرنا يظهر الاشكال على المصنف (ره)، حيث جزم بوجوب الائتمام في مبحث الجماعة، و توقف فيه هنا، إذ مقتضى ما ذكرنا الجزم بعدم‌

______________________________
(1) تقدم في المسألة: 9 من مسائل تكبيرة الإحرام.

 

221
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 33 من لا يقدر إلا على الملحون أو تبديل بعض الحروف ج‌6 ص 222

[ (مسألة 33): من لا يقدر إلا على الملحون أو تبديل بعض الحروف]

(مسألة 33): من لا يقدر إلا على الملحون أو تبديل بعض الحروف و لا يستطيع أن يتعلم أجزأه ذلك (1) و لا يجب عليه الائتمام و إن كان أحوط (2)، و كذا الأخرس لا يجب عليه الائتمام (3).

وجوب الائتمام، مع أن التشكيك في عموم نصوص البدلية للمقام غير ظاهر، لعموم مثل صحيح ابن سنان الآتي، و خصوصية المورد- و هو من دخل في الإسلام- ملغاة بقرينة صدر الحديث، فإنه ظاهر في وروده مورد القاعدة و على هذا فلا ينبغي التأمل في الاجتزاء بالبدل، و عدم لزوم الائتمام.

كما عن غير واحد التصريح به. بل قيل: «لا خلاف فيه على الظاهر و لا إشكال»، و يقتضيه‌

خبر مسعدة: «سمعت جعفر بن محمد (ع) يقول: إنك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح، و كذلك الأخرس في القراءة في الصلاة و التشهد، و ما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم. و المحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح» «1»‌

، و‌

خبر السكوني عن الصادق (ع) عن النبي (ص): «إن الرجل الأعجمي في أمتي ليقرأ القرآن بعجمته فترفعه الملائكة على عربيته» «2»‌

، و‌

النبوي: «سين بلال شين عند اللّه تعالى» «3»‌

، و من إطلاقها يظهر الاجتزاء بها و لو مع إمكان الائتمام، و لا يتوقف على القول بكون قراءة الإمام مسقطة. بل لو قيل بأن الصلاة جماعة أحد فردي الواجب التخييري أجزأت.

قد عرفت من بعض أن الظاهر عدم الخلاف في عدم وجوبه، لإطلاق دليل الاجتزاء بحركة لسانه و إشارته بإصبعه.

______________________________
(1) الوسائل باب: 59 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 30 من أبواب قراءة القرآن حديث: 4.

(3) مستدرك الوسائل باب: 23 من أبواب قراءة القرآن حديث: 3.

 

222
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 34 القادر على التعلم إذا ضاق وقته ج‌6 ص 223

[ (مسألة 34): القادر على التعلم إذا ضاق وقته]

(مسألة 34): القادر على التعلم إذا ضاق وقته قرأ من الفاتحة ما تعلم (1) و قرأ من سائر القرآن عوض البقية (2) بلا خلاف و لا إشكال. بل عن المعتبر، و الذكرى، و الروض، و إرشاد الجعفرية، و المدارك، و المفاتيح: الإجماع عليه. و عن المنتهى:

نفي الخلاف فيه لقاعدة الميسور، كما اختاره جماعة منهم الشهيد في الذكرى، و الدروس، و ابن سعيد في الجامع، و جعله في جامع المقاصد أقرب القولين. بل نسب إلى الأشهر بل المشهور.

و قيل: «يجوز الاقتصار على تعلمه» كما في المعتبر، و المنتهى، و عن التحرير، و مجمع البرهان، و المدارك، لأصالة البراءة من وجوب العوض بعد عدم الدليل عليه، إذ هو إن كان عموم (فَاقْرَؤُا مٰا تَيَسَّرَ مِنْهُ) «1»- كما استدل به في جامع المقاصد- فغير ظاهر في الصلاة، و حمله عليها بقرينة ظهور الأمر في الوجوب ليس بأولى من حمل الأمر على الاستحباب، بقرينة عدم وجوب الميسور في الصلاة و لا في غيرها. و إن كان عموم:

«لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» «2»‌

الدال على بطلان الصلاة بفقد الفاتحة المقتصر في الخروج عنه على صورة الإتيان بالبدل، ففيه: أنه- بعد قيام الإجماع على وجوب الصلاة في المقام- لا بد أن يحمل العموم المذكور على كون الواجب الأولي هو المشتمل على الفاتحة، و الخالي عنها ليس بواجب أولي، و لا واجد لمصلحته، سواء أ كان مشتملا على البدل أم خالياً عنه، فيسقط بمجرد تعذر الفاتحة و لو بعضها، و الكلام هنا في وجوب واجب آخر لمصلحة أخرى، و لأجل أنه قام الإجماع على الوجوب فاذا تردد موضوعه‌

______________________________
(1) المزمل: 20.

(2) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5 و 7.

 

223
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 34 القادر على التعلم إذا ضاق وقته ج‌6 ص 223

و الأحوط مع ذلك تكرار ما يعلمه بقدر البقية، و إذا لم يعلم منها شيئاً قرأ من سائر القرآن (1).

بين الأقل و الأكثر كان المرجع أصل البراءة، و لا مجال للتمسك بالعام المذكور لإثبات وجوب المشتمل على البدل. و إن كان خبر الفضل بن شاذان المتقدم في إثبات وجوب السورة الظاهر في كون قراءة القرآن في نفسها ذات مصلحة و قراءة خصوص الفاتحة ذات مصلحة أخرى فغاية مدلوله كون صرف طبيعة القراءة ذات مصلحة، و هو حاصل بقراءة البعض.

ثمَّ إنه لو بني على وجوب التعويض، فهل يجب التعويض بغير ما تعلم من سائر القرآن- كما ذكره المصنف (ره)، و عن الروض: نسبته الى المشهور، و يقتضيه الاعتماد في وجوب التعويض على عموم (فَاقْرَؤُا مٰا تَيَسَّرَ)، و على خبر الفضل- أو يجب التعويض بما تعلم بتكريره- كما عن بعض لأنه أقرب الى الفائت-؟؟ وجهان: أقربهما الأول. و من ذلك تعرف الوجه في الاحتياط المذكور في المتن.

كما هو المشهور، و يشهد له:- مضافاً الى خبر الفضل المتقدم في مبحث وجوب السورة «1»-

صحيح عبد اللّه بن سنان: «قال أبو عبد اللّه (ع): إن اللّه فرض من الصلاة الركوع و السجود، ألا ترى لو أن رجلا دخل في الإسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبر و يسبح و يصلي؟» «2»‌

، و‌

النبوي: «إذا قمت إلى الصلاة فإن كان معك قرآن فاقرأ به، و إلا فاحمد اللّه تعالى و هلله و كبره» «3»‌

فان ظاهر الجميع اعتبار‌

______________________________
(1) راجع أول فصل القراءة.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(3) سنن البيهقي ج: 2 صفحة: 380. و كنز العمال ج. 4 صفحة: 93 حديث: 1946 بتغيير يسير.

 

224
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 34 القادر على التعلم إذا ضاق وقته ج‌6 ص 223

بعدد آيات الفاتحة بمقدار حروفها (1) القراءة في الجملة، و أن الانتقال الى الذكر إنما هو بعد تعذرها. و منه يظهر ضعف ما يظهر من الشرائع: من التخيير عند تعذر قراءة الفاتحة بين القراءة من غيرها و الذكر.

كما عن نهاية الأحكام، و في جامع المقاصد، و عن الجعفرية و شرحيها: «إن أمكن بغير عسر، فان عسر اكتفى بالمساواة في الحروف و ان لم يكن بعدد الآيات»، و عن المشهور: اعتبار المساواة في الحروف فقط مطلقاً، و في المعتبر: «قرأ من غيرها ما تيسير»، و نحوه في المنتهى، و هو ظاهر محكي الخلاف، و النهاية، و النافع و غيرها. و كأن المراد بما تيسر مطلق القراءة، فإنه مقتضى أصالة البراءة بعد عدم دليل على اعتبار التقدير و لا على لزوم تمام الميسور، إذ غاية ما يستفاد من صحيح ابن سنان، و خبر الفضل، و النبوي أن في نفس القراءة مصلحة ملزمة، و مقتضاه وجوب ما يسمى قراءة عرفاً، فيرجع في وجوب مقدار بعينه الى الأصل النافي. بل ظاهر ما في خبر الفضل: من أن العلة في وجوب قراءة الفاتحة أنه جمع فيها من جوامع الخبر و الكلم ما لم يجمع في غيرها- عدم لزوم التقدير المذكور لفوات العلة المذكورة. نعم لو كان المستند في وجوب قراءة غيرها قاعدة الميسور كان اعتبار التقدير في محله، لكنه لا يخلو من إشكال صغرى و كبرى.

ثمَّ إنه لو بني على اعتبار القاعدة فمقتضاه التقدير بلحاظ عدد الحروف، لا الآيات، و لا الكلمات، و لا سائر الخصوصيات مثل: الحركة، و السكون و المعاني، و النسب التامة، و الناقصة، و غير ذلك فان ذلك كله خارج عن منصرف الميسور عرفاً، فلا يفهم وجوبه من القاعدة. و مجرد الاشتراك و المشابهة غير كاف في تطبيقها، و إلا كان اللازم المساواة في جميع ما ذكر، و لم يعرف احتماله من أحد.

225
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 34 القادر على التعلم إذا ضاق وقته ج‌6 ص 223

و إن لم يعلم شيئاً من القرآن سبح و كبر و ذكر (1) بقدرها (2) المحكي عن جماعة: أنه يكبر اللّه و يسبحه و يهلله، و عن الحدائق:

نسبته الى المشهور، و عن نهاية الأحكام: زيادة التحميد، و عن الخلاف:

الاقتصار عليه، و عن اللمعة: الاقتصار على الذكر، و عن الكاتب، و الجعفي:

تعين التسبيح الواجب في الأخيرتين، و عن جماعة من متأخري المتأخرين:

متابعتهما، و المذكور‌

في صحيح ابن سنان المتقدم: «أنه يكبر و يسبح و يصلي» «1»‌

و عن الأردبيلي: احتمال أن يكون المراد من التكبير فيه تكبيرة الإحرام، فيكون التسبيح وحده كافياً، و في النبوي المتقدم: «التحميد و التهليل و التكبير» «2»، و‌

في النبوي المروي في المنتهى «3» و التذكرة: «قل:

سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم»‌

و رواه في الذكرى «4» الى قوله:

«إلا باللّه»‌

. لكن الاعتماد على غير الصحيح لا يخلو من إشكال، لضعف السند، و عدم ثبوت الانجبار بالعمل، على أن النبوي الأخير غير ظاهر في الصلاة على رواية الذكرى و المنتهى. فالقول بالاكتفاء بالتكبير و التسبيح وحده قوي جداً.

كما هو المشهور بين المتأخرين كما عن الحدائق، و في المعتبر:

استحباب المساواة، و تبعه عليه جماعة، و هو ظاهر محكي المبسوط لعدم الدليل عليها، و الأصل و الإطلاق ينفيانها. اللهم إلا أن يدعى انصراف الإطلاق إلى المقدار المساوي فيكون حاكما على أصل البراءة، لكنه غير ظاهر.

______________________________
(1) راجع صفحة: 224.

(2) راجع صفحة: 224.

(3) ج: 1 صفحة: 274.

(4) في المسألة: 6 من واجبات القراءة. و ذكره البيهقي في سننه الكبرى ج: 2 صفحة: 381.

226
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 34 القادر على التعلم إذا ضاق وقته ج‌6 ص 223

و الأحوط الإتيان بالتسبيحات الأربع بقدرها و يجب تعلم السورة أيضاً (1)، و لكن الظاهر عدم وجوب البدل لها (2) في ضيق الوقت و إن كان أحوط.

[ (مسألة 35): لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم الحمد و السورة]

(مسألة 35): لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم الحمد و السورة (3)، الكلام فيه هو الكلام في تعلم الفاتحة.

لقصور دليل البدلية عن شمول السورة، أما الإجماع فظاهر، بل عن غير واحد دعوى الإجماع على عدم وجوبه مع الجهل بها، و أما النصوص فموردها جاهل القراءة كلية، فلا تشمل صورة معرفة الفاتحة و الجهل بالسورة.

نعم مع الجهل بالفاتحة أيضاً ظاهر النصوص بدلية التسبيح عنها و عن الفاتحة، و لا حاجة إلى تكريره بدلا عن كل منهما و إن كان هو الأحوط.

المشهور شهرة عظيمة عدم جواز أخذ الأجرة على العمل الواجب، و في جامع المقاصد في كتاب الإجارة: نسبة المنع عنه الى صريح الأصحاب من غير فرق بين الواجب العيني، و الكفائي، و العبادي، و التوصلي، و في الرياض: نفى الخلاف فيه، و أن عليه الإجماع في كلام جماعة، و استدل له تارة: بالإجماع المتقدم، و أخرى: بأنه أكل للمال بالباطل لعدم وصول فائدة عوض الأجرة للمستأجر، و ثالثة: بمنافاة ذلك للإخلاص، و رابعة:

بأن الوجوب يوجب كون العمل الواجب مستحقاً للّه تعالى فلا سلطنة للمكلف على تمليكه لغيره، و خامسة: بأن الوجوب يوجب إلغاء مالية الواجب و إسقاط احترامه، و لذا يجوز أن يقهر عليه مع امتناعه عن فعله و عدم طيب نفسه به.

و هذه الوجوه لا تخلو من إشكال أو منع، فان نقل الإجماع معارض بحكاية الخلاف من جماعة، و نقل الأقوال الكثيرة في المسألة، و الاستدلال‌

 

227
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 35 لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم الحمد و السورة ج‌6 ص 227

.....

لها بالوجوه المختلفة. و أما أنه أكل للمال بالباطل فممنوع إذا كان العمل موضوعاً لغرض صحيح للباذل الذي دعاه الى البذل. و أما المنافاة للإخلاص فلا تطرد في التوصليات، و تقتضي المنع أيضاً في المستحبات مع بنائهم على الجواز فيها، مضافاً الى أنها ممنوعة عند جماعة كثيرة إذا كانت الأجرة ملحوظة بنحو داعي الداعي. و كون الوجوب مقتضياً لكون الفعل مستحقاً للّه سبحانه أول الكلام، بل ممنوع، إذ لا يساعده عقل و لا عرف، و مثله إلغاء الوجوب لمالية الواجب بحيث يكون أخذ المال بإزائه أخذاً للمال بالباطل، و مجرد جواز القهر عليه من باب الأمر بالمعروف عند اجتماع شرائطه لا يقتضي ذلك، كما أن عدم ضمان القاهر أعم منه.

و قد يتوهم أن الوجوب يوجب نفي سلطنة المكلف على الواجب فتكون الإجارة صادرة من غير السلطان فتبطل. و فيه: أن الوجوب إنما ينفي السلطنة التكليفية، و لا ينفي السلطنة الوضعية، و هي المعتبرة في صحة الإجارة لا التكليفية.

و في مفتاح الكرامة: استدل على عدم صحة الإجارة على الواجب المطلق: بعدم إمكان ترتب أحكام الإجارة عليه، لعدم إمكان الإبراء، و الإقالة، و التأجيل و عدم قدرة الأجير على التسليم، و لا تسلط على الأجير في إيجاد و لا عدم. انتهى، و انتفاء الأولين غير ظاهر، مع أنه أعم، كما في الإجارة من الولي حيث لا مصلحة في الإبراء و الإقالة، و كذا انتفاء الثالث، بل هكذا انتفاء الرابع إلا إذا كان بمعنى عدم جواز الفعل، و عدم تسلط الأجير في الإيجاد مصادرة، لأنه إذا صحت الإجارة تسلط المستأجر على الأجير فيه، و عدم التسلط على الأجير في العدم ثابت لكنه لا يدل على البطلان، فإن الإجارة على الفعل المباح لا تقتضي التسلط على الأجير في العدم مع أنها صحيحة.

و لأجل ما ذكرنا استشكل جماعة في الحكم المذكور، إلا إذا علم من‌

 

228
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 35 لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم الحمد و السورة ج‌6 ص 227

بل و كذا على تعليم سائر الأجزاء الواجبة من الصلاة، و الظاهر جواز أخذها على تعليم المستحبات (1).

الدليل وجوب فعله مجاناً كما ادعاه المصنف (رحمه اللّه) في حاشية المكاسب بالنسبة إلى تعليم الجاهل، أو فهم منه كونه حقاً من حقوق غيره على نحو يستحقه على العامل مجاناً كما قد يدعى بالنسبة إلى تجهيز الميت و تعليم الجاهل.

لكن قال شيخنا الأعظم (رحمه اللّه) في مكاسبه: «تعيين هذا يحتاج الى لطف قريحة»، و كذا تعيين الأول. نعم الظاهر انعقاد الإجماع على وجوب تعليم الأحكام مجاناً فيما كان محل الابتلاء، و هذا هو العمدة فيه.

ثمَّ إن المفهوم من كلام المتقدمين حيث قيدوا المنع بالواجب جواز أخذ الأجرة على فعل المستحب، و عن مجمع البرهان، و الكفاية: أنه المشهور لعموم ما دل على صحة الإجارة و نفوذها من دون مانع، و إن كان بعض أدلة المنع في الواجبات جار في المستحبات أيضاً.

و التحقيق: أن العبادات واجبات كانت أم مستحبات، إذا كانت يفعلها الإنسان لنفسه لا يجوز له أخذ الأجرة عليها، لمنافاة ذلك للإخلاص المعتبر فيها، و يكفي في إثبات هذه المنافاة ارتكاز المتشرعة، بل بناء العقلاء عليها، و أما غير العبادات فلا بأس به إذا كان للمستأجر غرض مصحح لبذل الأجرة، و أما العبادات التي يفعلها عن غيره فلا بأس بأخذ الأجرة عليها إذا كانت مما تقبل النيابة، و كذا غير العبادات، لعدم المانع كما يأتي إن شاء اللّه في مبحث قضاء الصلوات، و لا فرق بين الواجبات و المستحبات.

لم يتضح الفرق بين تعليم المستحبات و الواجبات، فإن أدلة لزوم التعليم شاملة للمقامين، فان كان المانع من أخذ الأجرة الوجوب فهو مشترك و إن كان ظهور الدليل في المجانية فهو كذلك. فتأمل جيداً.

 

229
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 36 يجب الترتيب بين آيات الحمد و السورة ج‌6 ص 230

[ (مسألة 36): يجب الترتيب بين آيات الحمد و السورة]

(مسألة 36): يجب الترتيب بين آيات الحمد و السورة (1)، و بين كلماتها و حروفها، و كذا الموالاة (2)، بلا خلاف ظاهر فيه، و قد صرح به جماعة كثيرة من دون تعرض لخلاف أو إشكال، لدخوله في مفهوم الحمد و السورة الموجب لفواتهما بفواته.

كما عن الشيخ، و الفاضلين، و الشهيدين، و المحقق الثاني، و غيرهم:

التصريح به، بل في الجواهر: «لا أجد فيه خلافا بين أساطين المتأخرين».

و استدل له بالتأسي، و توقيفية العبادة، و انصراف إطلاق القراءة إلى خصوص صورة الموالاة. و الجميع لا يخلو من إشكال أشرنا إليه سابقاً.

نعم لو كان السكوت الطويل أو ذكر اللفظ الأجنبي مما يخل بالهيئة الكلامية المعتبرة في صحة كونه كلاما كان اعتبار عدمها في محله، لظهور الأدلة في وجوب قراءة القرآن على النهج الصحيح العربي، و المفروض كون الموالاة بين أجزاء الجملة دخيلة فيه كحركات الاعراب و البناء و السكنات و غيرها مما يجب في الكلام الصحيح العربي، فكما أن المتكلم لو أراد أخبار صاحبه بأن زيداً قائم، فقال: زيد، ثمَّ سكت سكوتاً طويلا ثمَّ قال:

قائم، كان ذلك غلطاً و لم يكن الكلام عربياً، كذلك لو أراد قراءة زيد قائم و كذلك الكلام في الفصل بالأجنبي الذي لا يجوز الفصل به.

لكن هذا المقدار لا يسوغ إطلاق اعتبار الموالاة في القراءة- كما في المتن و غيره- الظاهر في لزومها بين الجمل نفسها و فيما بين أجزائها، فإن ذلك مما لم يقم عليه دليل ظاهر، بل اللازم منها خصوص ما يعتبر في صحة الكلام العربي لو كان خبراً أو إنشاء من عدم السكوت الطويل، أو الفصل بالأجنبي بين المبتدأ و الخبر، و الفعل و متعلقاته، و الموصوف و صفته، و الشرط و جزائه، و المضاف و المضاف اليه، و نحوها مما يخرج الكلام عن كونه عربياً صحيحاً، و يكون معدوداً في علم العربية غلطاً، دون ما عداه، لعدم الدليل‌

 

230
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 36 يجب الترتيب بين آيات الحمد و السورة ج‌6 ص 230

فلو أخل بشي‌ء من ذلك عمداً بطلت صلاته (1).

على اعتباره، و ينبغي تنزيل ما ذكره الأصحاب و أرسلوه إرسال المسلمات من إطلاق اعتبار الموالاة على خصوص ما ذكر. و أما ما ورد من الأمر بالدعاء و سؤال الرحمة، و الاستعاذة من النقمة عند آيتيهما «1»، و رد السلام «2»، و الحمد عند العطسة، و تسميت العاطس «3»، و غير ذلك فلا ينافيه، لعدم تعرضه لهذه الجهة، و لا إطلاق له يشمل صورة فوات الموالاة، كما لعله ظاهر.

كما عن نهاية الأحكام، و الذكرى، و البيان، و الألفية، و جامع المقاصد، و الروض، و غيرها للزيادة العمدية، و منه يظهر ضعف ما عن المبسوط، و التذكرة، و الدروس، و المدارك، و غيرها من وجوب استئناف القراءة لا الصلاة. و كأن وجهه: ظهور الزيادة العمدية في خصوص ما وجد في الخارج زائداً، و القراءة قبل فعل ما يوجب فوات الموالاة ليست كذلك و إنما صارت زائدة بفعله، فالمقام نظير ما لو قرأ بعض السورة ثمَّ عدل إلى سورة أخرى حتى أتمها.

نعم لو كان ما يوجب فوات الموالاة مبطلا في نفسه- كما لو تكلم بكلام الآدميين- كان البناء على بطلان الصلاة في محله، و لذا قال في مجمع البرهان: «إنه- يعني بطلان الصلاة في العمد- غير واضح. نعم لو ثبت بطلان الصلاة بالتكلم بمثل ما قرأ في خلالها، بدليل أنه كلام أجنبي و إن‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 18 و 20 من أبواب القراءة في الصلاة. و المستدرك باب: 14 و 16 من أبواب القراءة في الصلاة.

(2) الوسائل باب: 16 من أبواب قواطع الصلاة. و المستدرك باب: 15 من أبواب قواطع الصلاة.

(3) الوسائل باب: 18 من أبواب قواطع الصلاة. و المستدرك باب 52 من أبواب أحكام العشرة.

 

231
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 37 لو أخل بشي‌ء من الكلمات أو الحروف أو بدل حرفا بحرف حتى الضاد بالظاء أو العكس بطلت ج‌6 ص 232

[ (مسألة 37): لو أخل بشي‌ء من الكلمات أو الحروف أو بدل حرفا بحرف حتى الضاد بالظاء أو العكس بطلت]

(مسألة 37): لو أخل بشي‌ء من الكلمات أو الحروف أو بدل حرفا بحرف حتى الضاد بالظاء أو العكس بطلت (1)، و كذا لو أخل بحركة بناء، أو إعراب (2)، أو مد واجب، أو تشديد، أو سكون لازم، و كذا لو أخرج حرفا من غير مخرجه بحيث يخرج عن صدق ذلك الحرف في عرف العرب.

كان قرآناً، أو ذكراً غير مجوز لتحريمه، فيلحق بكلام الآدميين، فتبطل بتعمده الصلاة لو صح مذهب الجماعة، و لكن فيه تأمل إذ قد يمنع ذلك».

و فيه: أن العموم الدال على بطلان الصلاة بالزيادة العمدية إنما هو عموم:

«من زاد في صلاته فعليه الإعادة» «1»‌

، و الخارج منه‌

بحديث: «لا تعاد الصلاة» «2»‌

، أو نحوه لا يشمل ما نحن فيه، فعموم البطلان فيه محكم، كما أن مقتضاه البطلان في العدول من سورة إلى أخرى لو لا النصوص المرخصة فيه، و مما ذكرنا يظهر أنه لو فاتت الموالاة سهواً استأنف القراءة لا غير- كما عن المشهور- لفواتها بفوات شرطها، و لا موجب لاستئناف الصلاة. نعم بناء على ما تقدم من معنى الموالاة الواجبة إنما يستأنف خصوص الجملة التي فاتت بفوات موالاتها، كما عن الشيخ و جماعة.

يعني: القراءة بلا خلاف، و يقتضيه اعتبار ذلك فيها الموجب لفواتها بفواته، و كذا الحال فيما لو أخل بحركة أو سكون أو نحوهما مما سيذكره.

إجماعا كما عن المعتبر، و بلا خلاف كما عن المنتهى، و لا نعرف فيه خلافا كما عن فوائد الشرائع، إذ لا فرق بين المادة و الصورة في الاعتبار و خروج اللفظ بفقدان أيتهما كانت عن القرآن. كذا في كشف اللثام، و عن السيد (رحمه اللّه): جواز تغيير الإعراب الذي لا يتغير به المعنى و أنه مكروه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 19 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

 

232
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 38 يجب حذف همزة الوصل في الدرج ج‌6 ص 233

[ (مسألة 38): يجب حذف همزة الوصل في الدرج]

(مسألة 38): يجب حذف همزة الوصل في الدرج (1) مثل همزة (اللّه) و (الرحمن) و (الرحيم) و (اهدنا) و نحو ذلك، فلو أثبتها بطلت (2)، و كذا يجب إثبات همزة القطع كهمزة (أنعمت) فلو حذفها حين الوصل بطلت.

[ (مسألة 39): الأحوط ترك الوقف بالحركة]

(مسألة 39): الأحوط ترك الوقف بالحركة (3) و في كشف اللثام: «ضعفه ظاهر». لما عرفت.

كما نص عليه أهل العربية، كابن الحاجب، و ابن مالك، و شراح كلامهما، من دون تعرض لخلاف فيه. قال الأول: «و إثباتها وصلا لحن و شذ في الضرورة»، و قال الثاني:

«للوصل همز سابق لا يثبت إلا إذا ابتدئ به كاستثبتوا»

و استشهد الشيخ الرضي (ره) لثبوتها في ضرورة الشعر بقوله:

«إذا جاوز الاثنين سر فإنه يبث و تكثير الوشاة قمين»

يعني: القراءة، فلا بد من استئنافها و لو باستئناف الصلاة من رأس إذا كان ذلك عمداً، و كذا الحال فيما بعده.

قال ابن الحاجب: «الوقف قطع الكلمة عما بعدها، و فيه وجوه مختلفة في الحسن و المحل، فالاسكان المجرد في المتحرك، و الروم في المتحرك و هو أن تأتي بالحركة خفيفة و هو في المفتوح قليل، و الإشمام في المضموم و هو أن تضم الشفتين بعد الإسكان ..»، و لعل ظاهر قوله: «مختلفة في الحسن و المحل» عدم وجوب هذه الأحكام. كما أن ما في شرح الرضي من قوله (رحمه اللّه): «إن ترك مراعاة هذه الأحكام خطأ» يحتمل أن يكون المراد به مخالفة المشهور المعروف لا اللحن. نعم عن المجلسي (رحمه اللّه) اتفاق القراء و أهل العربية على عدم جواز الوقف بالحركة. انتهى.

لكن عدم الجواز عند القراء لا يقتضي الخروج عن قانون اللغة. نعم‌

 

233
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 39 الأحوط ترك الوقف بالحركة ج‌6 ص 233

و الوصل بالسكون (1).

[ (مسألة 40): يجب أن يعلم حركة آخر الكلمة]

(مسألة 40): يجب أن يعلم حركة آخر الكلمة (2) إذا أراد أن يقرأها بالوصل بما بعدها، مثلا إذا أراد أن لا يقف على (الْعٰالَمِينَ) و يصلها بقوله (الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ) يجب أن يعلم أن النون مفتوح، و هكذا. نعم إذا كان يقف على كل آية لا يجب عليه أن يعلم حركة آخر الكلمة.

عدم الجواز عند أهل العربية يراد به ذلك، إلا أن استفادته من كلامهم لا تخلو من إشكال، و الأصل في المقام- لكون الشبهة مفهومية- يقتضي البراءة من مانعية التسكين. فتأمل جيداً. نعم الذي صرح به في المستند عدم الدليل على وجوب قراءة القرآن على النهج العربي، و لكنه في موضع من الغرابة، فإن الهيئة مقومة للقرآن كالمادة، مع أنه يلزم منه عدم لزوم المحافظة على حركات البنية أيضاً. فلاحظ.

مقتضى إطلاق كلام أهل العربية في الحركات الاعرابية و البنائية و اقتصارهم في الاستثناء على خصوص حال الوقف: هو وجوب التحريك في الوصل، و حمل كلامهم على عدم جواز إبدالها بحركات أخرى بعيد جداً.

لكن في مبحث الأذان و الإقامة يظهر من غير واحد بل هو صريح الشهيد الثاني (رحمه اللّه) في الروضة و الروض و كاشف الغطاء جواز الوصل بالسكون و أنه ليس لحناً و لا مخالفة لقانون اللغة، و قد يستشهد له بقول الصياد حين يرى الغزال: غزال غزال، يكرر ذلك على عجلة مع تسكين اللام، و عد ذلك غلطاً بعيد، و عليه يكون جواز الوصل بالسكون في محله، كما أنه كذلك لو تمَّ ما تقدم عن المستند.

الكلام فيه هو الكلام في وجوب التعلم كلية.

 

234
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 41 لا يجب أن يعرف مخارج الحروف على طبق ما ذكره علماء التجويد ج‌6 ص 235

[ (مسألة 41): لا يجب أن يعرف مخارج الحروف على طبق ما ذكره علماء التجويد]

(مسألة 41): لا يجب أن يعرف مخارج الحروف على طبق ما ذكره علماء التجويد (1)، بل يكفي إخراجها منها، و إن لم يلتفت إليها، بل لا يلزم إخراج الحرف من تلك المخارج، بل المدار صدق التلفظ بذلك الحرف و إن خرج من غير المخرج الذي عينوه (2)، مثلا إذا نطق بالضاد بل ذكره غيرهم. قال ابن الحاجب في الشافية: «و مخارج الحروف ستة عشر تقريباً، و إلا فلكل مخرج، فللهمزة و الهاء و الألف أقصى الحلق، و للعين و الحاء وسطه، و للغين و الخاء أدناه، و للقاف أقصى اللسان و ما فوقه من الحنك، و للكاف منهما ما يليهما، و للجيم و الشين و الياء وسط اللسان و ما فوقه من الحنك، و للضاد أول إحدى حافتيه و ما يليها من الأضراس، و للام ما دون طرف اللسان الى منتهاه و ما فوق ذلك، و للراء منهما ما يليها و للنون منهما ما يليهما و للطاء و الدال و التاء طرف اللسان و أصول الثنايا، و للصاد و الزاي و السين طرف اللسان و الثنايا، و للظاء و الذال و الثاء طرف اللسان و طرف الثنايا، و للفاء باطن الشفة السفلى و طرف الثنايا العليا، و للباء و الميم و الواو ما بين الشفتين».

ثمَّ إن عد المخارج ستة عشر- كما هو المحكي عن سيبويه- مبني على كون مخرج الهمزة و الألف واحداً، و من فرق بينهما جعلها سبعة عشر كما عن الخليل و أتباعه من المحققين، و عن الفراء و أتباعه أنها أربعة عشر بجعل مخرج النون و اللام و الراء واحداً. قال الشيخ الرضي (رحمه اللّه): «و أحسن الأقوال ما ذكره سيبويه، و عليه العلماء بعده».

الذي يظهر من كل من تعرض لذلك: امتناع خروج الحرف من غير المخرج الذي ذكر له، فيكون ما في المتن من قبيل الفرض الذي لا واقع له، و إن كان لا يمتنع من قبوله علماء التجويد و لا غيرهم. لكن الإنصاف‌

 

235
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 41 لا يجب أن يعرف مخارج الحروف على طبق ما ذكره علماء التجويد ج‌6 ص 235

أو الظاء على القاعدة، لكن لا بما ذكروه من وجوب جعل طرف اللسان من الجانب الأيمن (1)، أو الأيسر على الأضراس العليا (2) صح، فالمناط الصدق في عرف العرب، و هكذا في سائر الحروف، فما ذكره علماء التجويد مبني على الغالب.

[ (مسألة 42): المد الواجب هو فيما إذا كان بعد أحد حروف المد]

(مسألة 42): المد الواجب هو فيما إذا كان بعد أحد حروف المد (3)، و هي: الواو المضموم ما قبلها، و الياء يقتضي البناء على إمكان إخراج جملة من الحروف من غير مخارجها، فان طرف اللسان و ما دونه إذا لصق بأي موضع من اللثة أو الحنك الأعلى أمكن النطق بالنون و اللام، و كذا الكلام في غيرهما. فاختبر.

فان الاختبار يساعد على أن وصل الحافة بما فوق الأضراس كاف في إخراج الضاد، و كذا لو لصق بالحنك الأعلى. فاختبر.

الأسنان على ما ذكروا أربعة أقسام، منها أربعة تسمى ثنايا:

ثنيتان من فوق، و ثنيتان من تحت من مقدمها، ثمَّ أربعة تليها من كل جانب واحد تسمى رباعيات، ثمَّ أربعة تليها كذلك تسمى أنيابا، ثمَّ الباقي تسمى أضراساً منها أربعة تسمى ضواحك، ثمَّ اثنى عشر طواحن، ثمَّ أربعة نواجذ تسمى ضرس الحلم و العقل، و قد لا توجد في بعض أفراد الإنسان.

اجتماع حرف المد و الهمزة الساكنة إن كان في كلمة واحدة يسمى المد بالمتصل، و إن كان في كلمتين يسمى بالمنفصل، و الأول واجب عند القراء. و عن أبي شامة: أنه حكى عن الهذلي جواز القصر في مورده.

لكن عن الجزري: إنكار ذلك، و أنه تتبع فلم يجده في قراءة صحيحة و لا شاذة، بل رأى النص بالمد‌

عن ابن مسعود يرفعه عن النبي (ص): «إن ابن مسعود كان يقرئ رجلا فقرأ الرجل: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ‌

236
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 42 المد الواجب هو فيما إذا كان بعد أحد حروف المد ج‌6 ص 236

المسكور ما قبلها، و الألف المفتوح ما قبلها همزة، مثل:

«جاء» و «سوء» و «جي‌ء»، أو كان بعد أحدها سكون لازم (1) خصوصاً إذا كان مدغماً في حرف آخر مثل (الضّٰالِّينَ).

وَ الْمَسٰاكِينِ» «1» مرسلة. فقال ابن مسعود: ما هكذا أقرأنيها رسول اللّه (ص) فقال: كيف أقرأها يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: أقرأنيها «إنما الصدقات للفقراء و المساكين» فمدها.

ثمَّ قال الجزري: هذا حديث جليل حجة و نص في هذا الباب، و رجال إسناده ثقات، رواه الطبراني في معجمة الكبير» و قال بعض شراح مقدمته: «لو قرأ بالقصر يكون لحناً جليا، و خطأ فاحشاً مخالفاً لما ثبت عن النبي (ص) بالطرق المتواترة».

هذا و لا يخفى أن المد المذكور لم يتعرض له في علمي الصرف و النحو، و ظاهر الاقتصار في الاستدلال عليه على مرفوع ابن مسعود المتقدم و التواتر عن النبي (ص) الاعتراف بعدم شاهد عليه في اللغة، و حينئذ لا وجه للحكم بوجوبه، إذ التواتر ممنوع جداً، و المرفوع إن صح الاستدلال به فهو قضية في واقعة لا يمكن استفادة الكلية منه، بل مقتضى قراءة الأعرابي بالقصر و احتجاج ابن مسعود بفعل النبي (ص) عدم لزومه في اللغة كما هو ظاهر، و أما المد المنفصل فهو المسمى عندهم بالجائز لاختلاف القراء فيه كما قيل، فان ابن كثير و السوسي يقصرانه بلا خلاف، و قالون و الدوري يقصرانه و يمدانه، و الباقون يمدونه بلا خلاف، و على هذا فموضوع كلام المصنف (ره) هو الأول المتصل الذي مثل له بالأمثلة المذكورة في المتن لا ما يشمل المنفصل.

يعني: لا يختلف حاله باختلاف حالي الوقف و الوصل، و يسمى المذكور المد اللازم، و هو على قسمين لأن الحرف الساكن إما مدغم- كما في مثال المتن- و يسمى لازماً مشدداً، و إما غير مدغم- كما في فواتح السور‌

______________________________
(1) التوبة: 60.

 

237
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 42 المد الواجب هو فيما إذا كان بعد أحد حروف المد ج‌6 ص 236

.....من (ص) و (ق) و نحوهما- و يسمى لازماً مخففاً. ثمَّ إنهم اختلفوا في أن أيهما أشبع تمكيناً من الآخر، فعن كثير منهم: أن الأول أشبع تمكيناً من الثاني، و قيل بالعكس، و قيل بالتساوي لأن الموجب له و هو التقاء الساكنين موجود في كل منهما.

هذا و تقييد السكون باللازم لأجل أن السكون إذا لم يكن لازماً كما لو كان عارضاً من جهة الوقف كما لو وقف على آخر الآية مثل (الْعٰالَمِينَ) و (الرَّحِيمِ) و (الدِّينِ) و (نَسْتَعِينُ)- فالمد جائز عندهم بلا خلاف كما قيل، و كذا لو كان السكون عارضاً من جهة الوصل لاجتماع حرفين متماثلين فسكن أولهما نحو: (الرحيم)، (ملك)، (فيه هدى) على قراءة أبي عمرو برواية السوسي.

ثمَّ إن وجه المد اللازم على ما ذكروا هو أنه لا يجمع في الوصل بين الساكنين، فإذا أدى الكلام اليه حرك أو حذف أو زيد في المد ليقدر محركا و هذا موضع الزيادة، و هذه العلة لا يفرق فيها بين حرف اللين و حرف المد، مع أن الأول لا يجب فيه المد عند المحققين- كما قيل- بل يجوز فيه القصر، و لأجل ذلك يشكل المراد من قول الرضي (رحمه اللّه) في شرح الشافية:

«وجب المد التام في أول مثل هذيه الساكنين، و ثقل المد في حرف اللين إذا كانت حركتها من غير جنسها» إلا أن يحمل على إرادة المد الطبيعي المقوم للحرف، لا الزائد عليه الواجب أو الجائز، أو على إرادة الوجوب في خصوص حرف المد، لكن لم أقف على مصرح بوجوبه من علماء العربية.

اللهم إلا أن يكون أغناهم عن ذلك توقف النطق بالحرف الساكن عليه، لكنه ممنوع جداً، و ربما يشير اليه‌

خبر محمد بن جعفر المروي في الوسائل في باب كراهة قتل الخطاف. قال (ع): «و تدرون ما تقول الصنينة (هكذا) إذا هي مرت و ترنمت تقول: بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ‌

238
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 43 إذا مد في مقام وجوبه أو في غيره أزيد من المتعارف لا يبطل ج‌6 ص 239

[ (مسألة 43): إذا مد في مقام وجوبه أو في غيره أزيد من المتعارف لا يبطل]

(مسألة 43): إذا مد في مقام وجوبه أو في غيره أزيد من المتعارف لا يبطل، إلا إذا خرجت الكلمة عن كونها تلك الكلمة.

[ (مسألة 44): يكفي في المد مقدار ألفين]

(مسألة 44): يكفي في المد مقدار ألفين (1) و أكمله إلى أربع ألفات، و لا يضر الزائد ما لم يخرج الكلمة عن الصدق.

[ (مسألة 45): إذا حصل فصل بين حروف كلمة]

(مسألة 45): إذا حصل فصل بين حروف كلمة‌

رَبِّ الْعٰالَمِينَ، و قرأ أم الكتاب فاذا كان في آخر ترنمها قالت: وَ لَا الضّٰالِّينَ، مدها رسول اللّه (ص) وَ لَا الضّٰالِّينَ» «1»‌

فوجوب المد اللازم لا يخلو من إشكال و نظر.

قال بعض شراح الجزرية: «اعلم أن القراء اختلفوا في مقدار هذه المراتب عند من يقول بها، فقيل: أول المراتب ألف و ربع. قال زكريا: هذا عند أبي عمرو و قالون و ابن كثير، ثمَّ ألف و نصف، ثمَّ ألف و ثلاثة أرباع، ثمَّ ألفان، و قيل: أولها ألف و نصف، ثمَّ ألفان، ثمَّ ألفان و نصف، ثمَّ ثلاث ألفات، و هذا هو الذي اختاره الجعبري، و قيل: أولها ألف، ثمَّ ألفان، ثمَّ ثلاث، ثمَّ أربع. قال الرومي: و هذا مذهب الجمهور.

انتهى. و لا يخفى عليك أن المراد بالألف- يعني في القول الأخير- ما عدا الألف الذي هو المد الأصلي، للإجماع على ذلك، و أما معرفة مقدار المدات المقدرة بالألفات فان تقول مرة أو مرتين أو زيادة و تمد صوتك بقدر قولك:

ألف ألف، أو كتابتها، أو بقدر عقد أصابعك في امتداد صوتها، و هذا كله تقريب لا تحديد»، انتهى كلام الشارح. و منه يظهر: أن منتهى المد أربع ألفات زائداً على الألف التي هي المد الأصلي الذي هو قوام الحرف،

______________________________
(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الصيد حديث: 3.

 

239
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 45 إذا حصل فصل بين حروف كلمة ج‌6 ص 239

واحدة اختياراً أو اضطراراً بحيث خرجت عن الصدق بطلت (1)، و مع العمد أبطلت (2).

[ (مسألة 46): إذا أعرب آخر الكلمة بقصد الوصل بما بعده فانقطع نفسه]

(مسألة 46): إذا أعرب آخر الكلمة بقصد الوصل بما بعده فانقطع نفسه، فحصل الوقف بالحركة فالأحوط إعادتها (3) و إن لم يكن الفصل كثيراً اكتفى بها.

[ (مسألة 47): إذا انقطع نفسه في مثل (الصراط المستقيم)]

(مسألة 47): إذا انقطع نفسه في مثل (الصِّرٰاطَ الْمُسْتَقِيمَ) بعد الوصل بالألف و اللام، و حذف الألف، هل يجب إعادة الألف و اللام بأن يقول: (الْمُسْتَقِيمَ). أو يكفي قوله:

(مستقيم)؟ الأحوط الأول (4)، و أحوط منه إعادة الصراط أيضاً، و كذا إذا صار مدخول الألف و اللام غلطاً كأن صار مستقيم غلطاً، فإذا أراد أن يعيده فيكون منتهى المد خمس ألفات لا كما يظهر من العبارة، و ما عن الجعبري من أن حده أربع ألفات يراد منه الزائد على المد الأصلي كما قيل.

لما عرفت من أن الهيئة من مقومات الكلمة.

الكلام فيه هو الكلام في ترك الموالاة عمداً، و قد تقدم.

مبني على ما تقدم من الاحتياط.

لاحتمال كون الفصل بمقدار النفس مضراً بهيئة الكلمة المعرفة باللام فتبطل، و مثله وصل اللام بما قبلها مع هذا الفصل بينها و بين مدخولها، و لأجله كان الأحوط إعادة (الصِّرٰاطَ) أيضاً، لكن الظاهر قدح ذلك عرفاً في المقامين غالباً، فيتعين إعادتهما معاً، و لا يحتاج إلى إعادة (اهْدِنَا) و إن جرى عليه أحكام الدرج من حذف الألف، لأن أحكام الدرج لا يتوقف إجراؤها على الدرج بالقرآن كما لا يخفى.

 

240
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 47 إذا انقطع نفسه في مثلالصراط المستقيم ج‌6 ص 240

فالأحوط أن يعيد الألف و اللام أيضاً (1)، بأن يقول:

(الْمُسْتَقِيمَ). و لا يكتفي بقوله: (مستقيم). و كذا إذا لم يصح المضاف إليه فالأحوط إعادة المضاف، فاذا لم يصح لفظ الْمَغْضُوبِ فالأحوط أن يعيد لفظ غير أيضاً.

[ (مسألة 48): الإدغام في مثل مدّ و ردّ مما اجتمع في كلمة واحدة مثلان واجب]

(مسألة 48): الإدغام في مثل مدّ و ردّ مما اجتمع في كلمة واحدة مثلان واجب (2)، سواء كانا متحركين- كالمذكورين- أو ساكنين- كمصدرهما.

[ (مسألة 49): الأحوط الإدغام]

(مسألة 49): الأحوط الإدغام (3) إذا كان بعد النون الساكنة أو التنوين لما سبق، و كذا عليه أن يعيد (الصِّرٰاطَ) لا لما سبق، إذ الوصل بالمفرد الغلط لا يوجب فوات هيئة الموصول، بل لأنه لو اقتصر على (الْمُسْتَقِيمَ) لزم الفصل بالأجنبي بين الموصوف و صفته، إلا أن يبنى على جوازه في ضرورة الغلط كما هو الظاهر، و مع الشك في ذلك فالأصل البراءة من وجوب الإعادة، و كذا الحال في المضاف و المضاف إليه، فإنه لا حاجة الى إعادة المضاف إذا جاء بالمضاف اليه غلطاً، إذ الفصل به لا يقدح لغة في الهيئة المعتبرة بينهما.

إذا كان الأول ساكناً و الثاني متحركا وجب الإدغام، سواء أ كان في كلمة واحدة، أم كلمتين، إذا لم يكن الأول حرف مد أصلي أو ما هو بمنزلته و إن كانا معاً متحركين، و كانا في آخر الكلمة، و لم يكن الأول منهما مدغماً فيه، و لا كان التضعيف للإلحاق، وجب الإدغام أيضاً في الفعل، أو في الاسم المشابه للفعل غالباً، و تفصيل ذلك موكول الى محله.

الذي صرح به ابن الحاجب و الرضي (رحمه اللّه) هو الوجوب،

 

241
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 49 الأحوط الإدغام ج‌6 ص 241

أحد حروف يرملون مع الغنة، فيما عدا اللام و الراء (1)، و لا معها فيهما، لكن الأقوى عدم وجوبه (2).

[ (مسألة 50): الأحوط القراءة بإحدى القراءات السبع]

(مسألة 50): الأحوط القراءة بإحدى القراءات السبع (3) و إن كان الأقوى عدم وجوبها، بل يكفي القراءة على النهج العربي و إن كانت مخالفة لهم في حركة بنية أو إعراب.

أما في كلمتين فمطلقاً، و أما في كلمة واحدة، فإذا لم يكن لبس كانمحى أدغم، و إن كان لبس لم يجز الإدغام.

حكى الرضي (ره) عن سيبويه و سائر النحاة أن الإدغام مع الغنة، و قال هو: «إن كان المدغم فيه اللام و الراء فالأولى ترك الغنة و بعض العرب يدغمها فيهما مع الغنة، و إن كان المدغم فيه الواو و الياء فالأولى الغنة و كذا مع الميم لأن في الميم غنة».

هذا غير ظاهر مع حكاية الوجوب ممن تقدم، و لا سيما بملاحظة كون المقام من باب الدوران بين التعيين و التخيير.

القراء السبعة هم: نافع بن أبي نعيم المدني، و عبد اللّه بن كثير المكي، و أبو عمرو بن العلاء البصري، و عبد اللّه بن عامر الدمشقي، و عاصم ابن أبي النجود، و حمزة بن حبيب الزيات، و علي بن حمزة النحوي، الكوفيون فإذا أضيف إلى قراءة هؤلاء قراءة أبي جعفر يزيد بن القعقاع، و يعقوب ابن إسحاق الحضرمي، و خلف ابن هشام البزاز، كانت القراءات العشر.

هذا و المنسوب الى أكثر علمائنا وجوب القراءة بإحدى السبع، و استدل له: بأن اليقين بالفراغ موقوف عليها، لاتفاق المسلمين على جواز الأخذ بها إلا ما علم رفضه و شذوذه، و غيرها مختلف فيه، و‌

بخبر سالم أبي سلمة: «قرأ رجل على أبي عبد اللّه (ع) و أنا أستمع حروفا من القرآن ليس على‌

 

242
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 50 الأحوط القراءة بإحدى القراءات السبع ج‌6 ص 242

.....

ما يقرؤها الناس، فقال (ع): كف عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم قرأ كتاب اللّه تعالى على حده و أخرج المصحف الذي كتبه علي (ع)» «1»‌

و‌

مرسل محمد بن سليمان عن بعض أصحابه عن أبي الحسن (ع): «جعلت فداك إنا نسمع الآيات من القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها، و لا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم؟

فقال (ع): لا، اقرءوا كما تعلمتم فسيجي‌ء من يعلمكم» «2».

و فيه: أن اليقين بالبراءة إن كان من جهة تواترها عن النبي (ص) دون غيرها- كما عن جملة من كتب أصحابنا، بل عن جماعة دعوى الإجماع عليه، بل في مفتاح الكرامة: «و العادة تقضي بالتواتر في تفاصيل القرآن من أجزائه و ألفاظه و حركاته و سكناته و وضعه في محله لتوفر الدواعي على نقله من المقر، لكونه أصلا لجميع الأحكام، و المنكر لا بطال كونه معجزاً فلا يعبأ بخلاف من خالف أو شك في المقام» ففيه: أن الدعوى المذكورة قد أنكرها جماعة من الأساطين، فعن الشيخ في التبيان: «إن المعروف من مذهب الإمامية و التطلع في أخبارهم و رواياتهم أن القرآن نزل بحرف واحد على نبي واحد، غير أنهم أجمعوا على جواز القراءة بما يتداوله القراء و أن الإنسان مخير بأي قراءة شاء قرأ». و نحوه ما عن الطبرسي في مجمع البيان، و مثلهما في إنكار ذلك جماعة من الخاصة و العامة كابن طاوس، و نجم الأئمة في شرح الكافية في مسألة العطف على الضمير المجرور، و المحدث الكاشاني، و السيد الجزائري، و الوحيد البهبهاني، و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، و عن الزمخشري: أن القراءة الصحيحة التي قرأ بها رسول اللّه (ص) إنما هي في صفتها، و إنما هي واحدة، و المصلي لا تبرأ ذمته من الصلاة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 74 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 74 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

 

243
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 50 الأحوط القراءة بإحدى القراءات السبع ج‌6 ص 242

.....

إلا إذا قرأ بما وقع فيه الاختلاف على كل الوجوه، ك‍ ملك و مٰالِكِ، و صِرٰاطَ و سراط. انتهى.

و‌

في مصحح الفضيل: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): إن الناس يقولون إن القرآن نزل على سبعة أحرف. فقال (ع): كذبوا أعداء اللّه و لكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد» «1».

و عليه لا بد من حمل بعض النصوص المتضمن لكون القرآن نزل على سبعة أحرف على بعض الوجوه غير المنافية لذلك.

و إن كان من جهة اختصاصها بحكم التواتر عملا، ففيه: أنه خلاف المقطوع به من سيرة المسلمين في الصدر الأول، لتأخر أزمنة القراء السبعة كما يظهر من تراجمهم و تاريخ وفاتهم، فقيل: إن نافع مات في سنة تسع و ستين و مائة، و ابن كثير في عشرين و مائة، و ابن العلاء في أربع أو خمس و خمسين و مائة، و ابن عامر في ثماني عشرة و مائة، و عاصم في سبع أو ثمان أو تسع و عشرين و مائة، و حمزة في ثمان أو أربع و خمسين و مائة، و الكسائي في تسع و ثمانين و مائة، و من المعلوم أن الناس كانوا يعولون قبل اشتهار هؤلاء على غيرهم من القراء، و في مفتاح الكرامة: «قد كان الناس بمكة على رأس المائتين على قراءة ابن كثير، و بالمدينة على قراءة نافع، و بالكوفة على قراءة حمزة و عاصم، و بالبصرة على قراءة أبي عمرو و يعقوب، و بالشام على قراءة ابن عامر، و في رأس الثلاث مائة أثبت ابن مجاهد اسم الكسائي و حذف يعقوب، و لم يتركوا بالكلية ما كان عليه غير هؤلاء كيعقوب و أبي جعفر و خلف ..».

و من هذا كله يظهر لك الإشكال في حمل النصوص المذكورة و غيرها على خصوص قراءة السبعة، أو أنها القدر المتيقن منها، لصدورها عن‌

______________________________
(1) الوافي باب: 18 من أبواب القرآن و فضائله: حديث: 2.

 

244
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 50 الأحوط القراءة بإحدى القراءات السبع ج‌6 ص 242

.....

الصادق (ع) و الكاظم (ع) قبل حدوث بعض هذه القراءات أو قبل اشتهاره و لا سيما قراءة الكسائي فكيف يحتمل أن تكون مرادة بهذه النصوص؟ بل مقتضى النصوص اختصاص الجواز بما كان يقرؤه الناس في ذلك العصر لا غير، فيشكل الشمول لبعض القراءات السبع إذا لم يعلم أنها كانت متداولة وقتئذ.

هذا و لكن الظاهر من النصوص المنع من قراءة الزيادات التي يرويها أصحابهم (ع) عنهم (ع) و لا نظر فيها التي ترجيح قراءة دون أخرى فتكون أجنبية عما نحن فيه. و الذي تقتضيه القاعدة أن ما كان راجعاً الى الاختلاف في الأداء من الفصل و الوصل، و المد و القصر، و نحو ذلك لا تجب فيه الموافقة لاحدى القراءات فضلا عن القراءات السبع، و ما كان راجعاً الى الاختلاف في المؤدى يرجع فيه الى القواعد المعول عليها في المتباينين، أو الأقل و الأكثر، أو التعيين و التخيير، على اختلاف مواردها، لكن يجب الخروج عن ذلك بالإجماع المتقدم عن التبيان و مجمع البيان، المعتضد بالسيرة القطعية في عصر المعصومين (ع) على القراءة بالقراءات المعروفة المتداولة في الصلاة و غيرها من دون تعرض منهم (ع) للإنكار، و لا لبيان ما تجب قراءته بالخصوص الموجب للقطع برضاهم (ع) بذلك كما هو ظاهر.

نعم‌

في صحيح داود بن فرقد و المعلى بن خنيس قالا: «كنا عند أبي عبد اللّه (ع) فقال: إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال ثمَّ قال (ع): أما نحن فنقرأ على قراءة أبي» «1»‌

إلا أنه لا يصلح للخروج به عما ذكر، و لو كان المتعين قراءة أبي أو أبيه (ع)- على الاحتمالين في كلمة «أبي»- لما كان بهذا الخفاء، و لما ادعي الإجماع على جواز القراءة بما يتداوله القراءة، فلا بد أن يحمل على بعض المحامل، و لعل المراد هو أن‌

______________________________
(1) الوافي باب: 18 من أبواب القرآن و فضائله: حديث: 3.

 

245
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 51 يجب إدغام اللام مع الألف و اللام في أربعة عشر حرفا ج‌6 ص 246

[ (مسألة 51): يجب إدغام اللام مع الألف و اللام في أربعة عشر حرفا]

(مسألة 51): يجب إدغام اللام مع الألف و اللام (1) في أربعة عشر حرفا و هي: التاء، و الثاء، و الدال، و الذال، و الراء، و الزاي، و السين، و الشين، و الصاد، و الضاد، و الطاء و الظاء، و اللام، و النون، و إظهارها في بقية الحروف، فتقول في: «اللّٰهِ»، و «الرَّحْمٰنِ»، و «الرَّحِيمِ»، و «الصِّرٰاطَ» و «الضّٰالِّينَ»، مثلا بالإدغام. و في «الْحَمْدُ»، و «الْعٰالَمِينَ»، و «الْمُسْتَقِيمَ»، و نحوها بالإظهار.

[ (مسألة 52): الأحوط الإدغام]

(مسألة 52): الأحوط الإدغام في مثل «اذْهَبْ بِكِتٰابِي»، و «يُدْرِكْكُمُ»، مما اجتمع المثلان في كلمتين مع كون الأول ساكناً، لكن الأقوى عدم وجوبه (2)،

[ (مسألة 53): لا يجب ما ذكره علماء التجويد من المحسنات]

(مسألة 53): لا يجب ما ذكره علماء التجويد من المحسنات كالامالة، و الإشباع، و التفخيم، و الترقيق، و نحو ذلك، بل و الإدغام غير ما ذكرنا و إن كان متابعتهم أحسن.

[ (مسألة 54): ينبغي مراعاة ما ذكروه من إظهار التنوين]

(مسألة 54): ينبغي مراعاة ما ذكروه من إظهار التنوين قراءة ابن مسعود تقتضي في بعض الجمل انقلاب المعنى بنحو لا يجوز الاعتقاد به. و اللّه سبحانه أعلم.

يعني لام التعريف. قال ابن الحاجب: «و اللام المعرفة تدغم وجوبا في مثلها و ثلاثة عشر حرفا». و قال الرضي (رحمه اللّه) «: المراد بالثلاثة عشر النون ..» كما ذكره في المتن.

المصرح به في الشافية و في شرحها للرضي (رحمه اللّه) هو الوجوب و لا يستثنيان من ذلك إلا الهمزة على لغة التخفيف، و إلا الواو و الياء إذا كانت الأولى منهما مدة أصلية أو بمنزلتها.

 

246
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 54 ينبغي مراعاة ما ذكروه من إظهار التنوين ج‌6 ص 246

و النون الساكنة إذا كان بعدهما أحد حروف الحلق و قلبهما فيما إذا كان بعدهما حرف الباء (1)، و إدغامهما إذا كان بعدهما أحد حروف يرملون، و إخفاؤهما إذا كان بعدهما بقية الحروف (2). لكن لا يجب شي‌ء من ذلك (3) حتى الإدغام في يرملون كما مر (4).

[ (مسألة 55): ينبغي أن يميز بين الكلمات]

(مسألة 55): ينبغي أن يميز بين الكلمات، و لا يقرأ بحيث يتولد بين الكلمتين كلمة مهملة (5) كما إذا قرأ الْحَمْدُ لِلّٰهِ بحيث يتولد لفظ «دلل» أو تولد من لِلّٰهِ رَبِّ لفظ «هرب» و هكذا في مٰالِكِ يَوْمِ الدِّينِ تولد «كيو» و هكذا في بقية الكلمات. و هذا ما يقولون أن في الحمد سبع كلمات مهملات قال الشيخ الرضي (رحمه اللّه) في أحكام النون الساكنة: «إن تنافرت هي و الحروف التي تجي‌ء بعدها و هي الباء فقط كما يجي‌ء في عنبر قلبت تلك النون الخفيفة إلى حرف متوسط بين النون و ذلك الحرف و هي الميم».

قال الشيخ الرضي (رحمه اللّه): «و ذلك بأن يقتصر على أحد مخرجيه و لا يمكن أن يكون ذلك إلا الخيشوم، و ذلك لأن الاعتماد فيها على مخرجها من الفم يستلزم الاعتماد على الخيشوم بخلاف العكس فيقتصر على مخرج الخيشوم فيحصل النون الخفية».

إذ لا وجه له مع كون ذكر تلك من باب الأفضل الأفصح كما هو ظاهر.

و مر الاشكال فيه.

قد عرفت الإشارة سابقاً الى أن للكلمة هيئة خاصة، ناشئة من‌

 

247
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 55 ينبغي أن يميز بين الكلمات ج‌6 ص 247

و هي «دلل» و «هرب» و «كيو» و «كنع» و «كنس» و «تع» و «بع».

[ (مسألة 56): إذا لم يقف على أحد في قل هو اللّه أحد]

(مسألة 56): إذا لم يقف على أَحَدٌ في قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ و وصله ب‍ اللّٰهُ الصَّمَدُ يجوز أن يقول أَحَدٌ اللّٰهُ الصَّمَدُ بحذف التنوين من أَحَدٌ (1)، و أن يقول أحدن اللّه الصمد بأن يكسر نون التنوين، و عليه ينبغي أن يرقق اللام من «اللّٰهُ» (2) و أما على الأول فينبغي تفخيمه كما هو القاعدة الكلية من تفخيمه إذا كان قبله مفتوحاً أو مضموماً و ترقيقه إذا كان مكسوراً.

توالي حروفها على نحو خاص، عند أهل اللسان، فاذا فاتت تلك الهيئة بطلت الكلمة، و عليه فلو فصل بين الحروف و أوصل آخر الكلمة بأول ما بعدها بنحو معتد به، بحيث تفوت تلك الهيئة المقومة للكلمة عرفاً لم يجتزأ بها. نعم إذا لم يكن الفصل معتداً به لقلته لا يقدح، و عليه يحمل ما في المتن، و إلا فهو غير ظاهر كما لا يخفى بالتأمل.

كما قرئ ذلك حكاه الزمخشري و الشيخ الرضي، و الطبرسي نسبه الى أبي عمرو، و مثله في الشعر: «و حاتم الطائي وهاب المائي» و قوله:

«فألفيته غير مستعتب و لا ذاكر اللّه إلا قليلا»

و المعروف عند أهل العربية أنه لا يحذف التنوين في الاسم المتمكن المنصرف إلا في المضاف الى «ابن» الواقعة بين علمين مثل: جاء زيد ابن عمرو. و لا يبعد أن تكون القراءة المذكورة كافية في مشروعيته، فإنها لو لم تكن حجة على ثبوت المقروء فهي حجة على صحة الأداء و الحكاية كذلك و أنها من النهج العربي، و لذا قال الزمخشري: و الجيد هو التنوين.

ذكر ابن الحاجب: أن الحروف الهجائية الأصلية ثمانية و عشرون‌

 

248
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 57 يجوز قراءة مالك و ملك يوم الدين ج‌6 ص 249

[ (مسألة 57): يجوز قراءة مالك و ملك يوم الدين]

(مسألة 57): يجوز قراءة مٰالِكِ و ملك يَوْمِ الدِّينِ (1) حرفا، و المتفرع عليها الفصيح ثمانية: همزة بين بين ثلاثة، و النون الخفية، و ألف الإمالة، و لام التفخيم، و الصاد كالزاي، و الشين كالجيم. و المستهجن خمسة: الصاد كالسين، و الطاء كالتاء، و الفاء كالباء، و الضاد الضعيفة، و الكاف كالجيم، فلا التفخيم متفرعة على اللام الأصلية الرقيقة، و تفخيمها يكون إذا كانت تلي الصاد، أو الطاء، إذا كانت هذه الحروف مفتوحة أو ساكنة، و كذا لام اللّه إذا كان قبلها ضمة أو فتحه، و هذا التفخيم ليس بواجب عند أهل العربية.

فإن الأول: قراءة عاصم و الكسائي من السبعة، و خلف و يعقوب من غيرهم، و الثاني: قراءة بقية القراء من السبعة و غيرهم. و الذي يظهر من سراج القارئ في شرح الشاطبية: أن المصاحف كذلك مرسومة بحذف الألف، و اختاره الزمخشري و غيره، لأنه قراءة أهل الحرمين، و لقوله تعالى (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) «1» و لقوله تعالى (مَلِكِ النّٰاسِ) «2» و لأن الملك يعم و المالك يخص، و زاد الفارسي قوله تعالى (فَتَعٰالَى اللّٰهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) «3» و (الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ)* «4»، و استشهد للأول بقوله تعالى:

(وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّٰهِ) «5» و قوله تعالى (يَوْمَ لٰا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً) «6» انتهى. لكن لو تمَّ الاستشهاد للأول بما ذكر فلا يصلح لمعارضة ما سبق‌

______________________________
(1) غافر: 16.

(2) الناس: 2.

(3) طه: 114.

(4) الحشر: 23.

(5) الانفطار: 19.

(6) الانفطار: 19.

249
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 57 يجوز قراءة مالك و ملك يوم الدين ج‌6 ص 249

و يجوز في الصراط بالصاد و السين (1) بأن يقول: (السراط المستقيم)، و (سراط الذين).

للثاني، و لا سيما الوجه الأول- مضافاً إلى كثرة العدد، و كونه المرسوم في المصاحف على ما سبق عن شرح الشاطبية، فالبناء على رجحانه متعين، و عن أبي حنيفة أنه قرأ (ملك يوم الدين) بلفظ الفعل و نصب اليوم، و عن أبي هريرة أنه قرأ (مالكَ) بالنصب، و غيره (ملكَ) بالنصب أيضاً، و غيرهما (مالكُ) بالرفع، و مقتضى ما سبق جواز القراءة بالجميع، لأنه اختلاف في في الأداء، و الكل حكاية على النهج العربي عدا الأول، فجواز العمل به- لو ثبت- لا يخلو من إشكال، لعدم ثبوت تداوله.

فان المحكي عن قنبل- أحد الراويين عن ابن كثير-: أنه قرأ الصراط بالسين في جميع القرآن. و في مجمع البيان حكايته عن يعقوب من طريق رويس، و عن خلف القراءة بإشمام الصاد بالزاي في جميع القرآن، و في مجمع البيان حكايته عن حمزة عن جميع الروايات إلا عبد اللّه بن صالح العجلي و برواية خلاد بن خالد و محمد بن سعدان النحوي عن حمزة: أن الإشمام المذكور في الأول من الفاتحة، و في غيره من جميع القرآن قراءته بالصاد الخالصة، و عن الكسائي من طريق الى حمدون إشمام الصاد بالسين. هذا و لا بأس بالقراءة بكل من الصاد و السين لما سبق، و لا سيما و ان الذي ذكره الزمخشري و الطبرسي و الفيروزآبادي و الطريحي: أن الأصل السين، و أن الصاد فرع عليها، و أن كلا منهما لغة، و أن الأفصح الصاد [1].

______________________________
[1] قال الطريحي في مجمعه في «ص د غ»: و ربما قيل «سدغ» بالسين لما حكاه الجوهري عن قطرب محمد بن جرير المستنير أن قوماً من بني تميم يقلبون السين صاداً عند أربعة أحرف عند الطاء و القاف و الغين و الخاء يقولون سراط و صراط و بسطه و بصطه و سيقل و صيقل و مسغبة و مصغبة و سخر لكم و صخر. (منه مد ظله)

 

250
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 58 يجوز في كفوا أحد أربعة وجوه ج‌6 ص 251

[ (مسألة 58): يجوز في كفواً أحد أربعة وجوه]

(مسألة 58): يجوز في كُفُواً أَحَدٌ أربعة وجوه: (كفُؤاً) بضم الفاء و بالهمزة (1)، و (كفْ‌ءاً) بسكون الفاء و بالهمزة و كُفُواً بضم الفاء و بالواو، و (كُفْواً) بسكون الفاء و بالواو، و إن كان الأحوط ترك الأخيرة.

[ (مسألة 59): إذا لم يدر إعراب كلمة أو بناءها أو بعض حروفها]

(مسألة 59): إذا لم يدر إعراب كلمة أو بناءها أو بعض حروفها أنه الصاد مثلا أو السين أو نحو ذلك يجب عليه أن يتعلم، و لا يجوز له أن يكررها بالوجهين (2) لأن الغلط من الوجهين (3) ملحق بكلام الآدميين (4).

هذا هو المشهور بين القراء، و في مجمع البيان: «قرأ إسماعيل عن نافع و حمزة و خلف و رويس (كفْ‌ءاً) ساكنة الفاء مهموزة، و قرأ حفص مضمومة الفاء مفتوحة الواو غير مهموزة، و الباقون قرءوا بالهمزة و ضم الفاء»، و لم يذكر الوجه الأخير. نعم في كتاب غيث النفع للصفاقسي:

«قرأ حفص بإبدال الهمزة واواً وصلا و وقفاً، و الباقون بالهمزة، و قرأ حمزة بإسكان الفاء و الباقون بالضم لغتان». و هو أيضاً ساكت عن الوجه الأخير.

نعم مقتضى أن الإسكان لغة جوازه مع إبدال الهمزة واواً و عدمه، و لعله لذلك كان الأحوط ترك الأخيرة.

تقدم أنه يصح على أحد الوجهين مع الاقتصار عليه إذا كان مطابقاً للواقع، لكنه لا يجتزأ به عقلا حتى تثبت المطابقة للواقع.

يعني الغلط المعلوم المردد بين الوجهين.

ربما يحتمل أن يكون حكمه حكم الدعاء و الذكر الملحونين، لأنه قراءة ملحونة، و فيه أن اللحن لا يقدح في صدق الذكر و الدعاء، و يقدح في صدق قراءة القرآن، لتقوم القراءة بالهيئة و المادة، فالقراءة الملحونة.

 

251
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 60 إذا اعتقد كون الكلمة على الوجه الكذائي ج‌6 ص 252

[ (مسألة 60): إذا اعتقد كون الكلمة على الوجه الكذائي]

(مسألة 60): إذا اعتقد كون الكلمة على الوجه الكذائي من حيث الأعراب أو البناء أو مخرج الحرف فصلى مدة على تلك الكيفية ثمَّ تبين له كونه غلطاً فالأحوط الإعادة أو القضاء و إن كان الأقوى عدم الوجوب (1).

[فصل في الركعات الأخيرة]

فصل في الركعات الأخيرة في الركعة الثالثة من المغرب، و الأخيرتين من الظهرين و العشاء، يتخير بين قراءة الحمد أو التسبيحات الأربع (2) ليست قراءة للقرآن.

لحديث: «لا تعاد الصلاة» «1». بناء على عمومه للجاهل بالحكم، إذا كان حين العمل يرى أنه في مقام أداء المأمور به، و الخروج عن عهدته، كما هو غير بعيد. نعم لا يشمل العامد و لا الجاهل الذي لا يرى أنه تبرأ ذمته بفعله، لانصراف الحديث الى العامل في مقام الامتثال، و سيأتي إن شاء اللّه تعالى في مبحث الخلل ما له نفع في المقام. فلاحظ و اللّه سبحانه أعلم.

فصل في الركعات الأخيرة بلا خلاف كما عن جماعة، بل عن الخلاف، و المختلف، و الذكرى و المهذب، و جامع المقاصد، و الروض، و المدارك، و المفاتيح، و غيرها الاتفاق عليه في الجملة. و يشهد له جملة من النصوص التي هي ما بين صريح في التخيير و محمول عليه،

كموثق ابن حنظلة عن أبي عبد اللّه (ع): «عن‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

 

252
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في الركعات الأخيرة ج‌6 ص 252

.....

الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ فقال (ع): إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب و إن شئت فاذكر اللّه تعالى فهو سواء. قال قلت: فأي ذلك أفضل؟

فقال (ع): هما و اللّه سواء إن شئت سبحت و إن شئت قرأت» «1».

و نحوه غيره مما يأتي التعرض لبعضه.

و أما ما في التوقيع الذي‌

رواه الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان (ع): «أنه كتب إليه يسأله عن الركعتين الأخيرتين قد كثرت فيهما الروايات فبعض يرى أن قراءة الحمد وحدها أفضل، و بعض يرى أن التسبيح فيهما أفضل، فالفضل لأيهما لنستعمله؟

فأجاب (ع): قد نسخت قراءة أم الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح، و الذي نسخ التسبيح قول العالم (ع): كل صلاة لا قراءة فيها فهي خداج إلا للعليل، و من يكثر عليه السهو فيتخوف بطلان الصلاة عليه» «2»‌

فلا بد أن يحمل على ما لا ينافي ما سبق إما الأفضلية أو غيرها، و لا سيما مع ما عليه من وجوه الاشكال، فما عن ظاهر الصدوقين في الرسالة و المقنع و الهداية، و ابن أبي عقيل: من تعين التسبيح محمول على الفضل، و النهي عن القراءة في بعض النصوص الآتية مع الأمر بالتسبيح يراد منه الرخصة، أو النهي العرضي لأفضلية التسبيح.

نعم المشهور كما عن جماعة كثيرة عدم الفرق في ثبوت التخيير المذكور بين ناسي القراءة في الأولتين و غيره، لإطلاق نصوص التخيير، و عن الخلاف تعين القراءة على الناسي. لكن محكي عبارته هكذا: إن القراءة إذا نسيها أحوط. و ربما نسب ذلك الى المفيد (رحمه اللّه) و كأنه‌

لصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): «قلت له: الرجل نسي القراءة في الأولتين و ذكرها في‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 14.

 

253
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في الركعات الأخيرة ج‌6 ص 252

.....

الأخيرتين فقال (ع): يقضي القراءة و التكبير و التسبيح الذي فاته في الأولتين و لا شي‌ء عليه» «1».

و‌

خبر الحسين بن حماد عن أبي عبد اللّه (ع): «قلت له: أسهو عن القراءة في الركعة الأولى قال (ع): اقرأ في الثانية قلت: أسهو في الثانية قال (ع): اقرأ في الثالثة. قلت: أسهو في صلاتي كلها. قال (ع): إذا حفظت الركوع و السجود فقد تمت صلاتك» «2».

و فيه: أنه لا يظهر من الصحيح أن القضاء في الأخيرتين إلا على ما في الحدائق و غيرها من روايته بزيادة‌

«في الأخيرتين»‌

بعد قوله:

«في الأولتين»‌

، لكن الموجود في الوسائل المصححة و في نسختي من الفقيه خال عن الزيادة المذكورة، و لو سلمت فلا يدل على تعين القراءة للناسي، و إنما يدل على وجوب القضاء عليه في الأخيرتين زائداً على ما هو وظيفتهما من أحد الأمرين من القراءة و التسبيح، مع أنه معارض‌

بصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام. قال: «قلت: الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأولتين فيذكر في الركعتين الأخيرتين أنه لم يقرأ. قال (ع): أتم الركوع و السجود؟

قلت: نعم. قال (ع): إني أكره أن أجعل آخر صلاتي أولها» «3»‌

فإن ذيله ظاهر- بقرينة غيره- في كراهة القراءة في الأخيرتين لا أقل من دلالته على عدم لزوم القراءة عليه، و بما دل على الاجتزاء عن القراءة المنسية في الأولتين بتسبيح الركوع و السجود فيهما،

كموثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن نسي أن يقرأ في الأولى و الثانية أجزأه تسبيح الركوع و السجود» «4».

مع أن إعراض الأصحاب عنه كاف في وهنه و سقوطه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 30 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 30 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 8.

(4) الوسائل باب: 29 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

 

254
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في الركعات الأخيرة ج‌6 ص 252

و هي:

«سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر»‌

(1) و الأقوى إجزاء المرة (2) عن الحجية، و من ذلك يظهر الإشكال في خبر الحسين- مضافا الى ضعفه في نفسه.

ففي صحيح زرارة: «قلت لأبي جعفر (ع): ما يجزئ من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال (ع): أن تقول: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر. و تكبر و تركع» «1».

و‌

في خبري محمد بن عمران و محمد بن حمزة عن أبي عبد اللّه (ع): «لأي علة صار التسبيح في الركعتين الأخيرتين أفضل من القراءة؟ قال (ع): إنما صار التسبيح أفضل من القراءة في الأخيرتين لأن النبي (ص) لما كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة اللّه عز و جل فدهش فقال: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر ..» «2»‌

، و نحوهما غيرهما، و سيأتي ما له نفع بالمقام.

كما عن جملة من كتب الشيخين، و الفاضلين، و الشهيدين، و المحقق الثاني، و الأردبيلي، و جملة من تلامذته و غيرهم، و نسب إلى الأشهر تارة و الى مذهب الأكثر أخرى، و عن المصابيح استظهار الإجماع عليه في بعض الطبقات. و في الجواهر: أنه قد صرح به فيما يقرب من خمسين كتابا على ما حكي عن جملة منها. انتهى.

و العمدة فيه: صحيح زرارة المتقدم، فان دلالته على الاكتفاء بالمرة ظاهرة، لأن تعرض الامام (ع) لبيان التكبير للركوع مع أنه غير مسؤول عنه و الأمر بالركوع بعده الظاهر في عدم وجوب شي‌ء زائد عليه، ظاهر‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3. و ملحقة‌

 

255
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في الركعات الأخيرة ج‌6 ص 252

.....

ظهوراً تاماً في عدم وجوب التكرار، و إلا لتعرض لبيانه، فإنه أولى من بيان التكبير المستحب كما لا يخفى. و أما خبرا ابني عمران و حمزة فلا إطلاق لهما، لعدم ورودهما لبيان هذه الجهة، و عن صريح النهاية و الاقتصار و مختصر المصباح و التلخيص و البيان و ربما حكي عن غيرهم: وجوب تكرارها ثلاثاً و عن المدارك: عدم الوقوف على مستند له.

نعم استدل له بما‌

رواه في أول السرائر نقلا عن كتاب حريز عن زرارة عن أبي جعفر (ع) أنه قال (ع): «لا تقرأن في الركعتين الأخيرتين من الأربع ركعات المفروضات شيئاً إماماً كنت أو غير إمام. قلت: فما أقول فيهما؟ قال (ع): إن كنت إماماً فقل: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر. ثلاث مرات، ثمَّ تكبر و تركع ..» «1»‌

لكن‌

رواه في الفقيه عن زرارة عن أبي جعفر (ع): «إذا كنت إماماً أو وحدك فقل: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه. ثلاث مرات تكمله تسع تسبيحات ثمَّ تكبر و تركع» «2».

و رواه في آخر السرائر عن كتاب حريز عن زرارة مثله «3» إلا انه أسقط قوله (ع):

«تكمله تسع تسبيحات»‌

، و قوله (ع):

«أو وحدك»‌

. و في مفتاح الكرامة: «أن في نسخة صحيحة عتيقة من خط علي بن محمد بن الفضل الآبي في سنة سبع و ستين و ستمائة ترك التكبير في الموضعين»- يعني من السرائر- لكن في البحار: «روى ابن إدريس هذا الخبر من كتاب حريز في باب كيفية الصلاة و زاد فيه بعد:

«لا إله إلا اللّه»‌

: «و اللّه أكبر»‌

و رواه في آخر الكتاب في جملة ما استطرفه من كتاب حريز و لم يذكر فيه التكبير، و النسخ المتعددة التي رأيناها متفقة على ما ذكرناه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة ملحق حديث: 1.

 

256
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في الركعات الأخيرة ج‌6 ص 252

.....

- أي على الإثبات- في كتاب الصلاة، و الإسقاط في المستطرفات، و كأنه لذلك لم يستبعد في الوسائل أن يكون زرارة سمع الحديث مرتين: مرة تسع تسبيحات، و مرة اثنتي عشرة تسبيحة، و أورده حريز أيضاً في كتابه مرتين».

و فيه- مع أن المستبعد جداً تكرار السؤال من زرارة في واقعة واحدة-:

أنه لو كان الأمر كذلك لرواه في السرائر كذلك، و كذا في الفقيه، مع أن المحكي في المعتبر، و التذكرة، و المنتهى: نسبة القول بالتسع الى حريز، و ذكر هذه الرواية شاهداً له، فان ذلك شاهد على سقوط التكبير من أصل، حريز، و فيما رواه.

و كيف كان فالمتعين: العمل على السقوط، إما للوثوق بروايته فتكون حجة، و عدم الوثوق برواية الثبوت فلا تكون حجة، فلا يكون المقام من قبيل اشتباه الحجة باللاحجة، و إما لترجيح رواية السقوط، بناء على أن تعارض النسخ من قبيل تعارض الحجتين فيرجع فيه الى قواعد التعارض كما هو الظاهر و لذا قال في البحار: «الظاهر زيادة التكبير من قلمه أو من النساخ، لأن سائر المحدثين رووا هذه الرواية بدون التكبير».

و ربما استدل له‌

بخبر رجاء بن أبي الضحاك المروي في الوسائل عن العيون: «أنه صحب الرضا (ع) من المدينة إلى «مرو» فكان يسبح في الأخريين يقول: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر ثلاث مرات ثمَّ يكبر و يركع» «1».

و فيه- مع أنه عمل مجمل، و أن المذكور في البحار: أن النسخ القديمة المصححة بدون التكبير. انتهى-: أنه ضعيف السند، غير مجبور بالاعتماد فلا مجال للركون اليه. هذا، و عن حريز و الصدوقين و ابن أبي عقيل و أبي الصلاح: وجوب تسع تسبيحات بتكرير التسبيحات الأول ثلاث مرات، و يشهد له في الجملة صحيح زرارة المتقدم روايته عن الفقيه، و هو في محله‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 8.

 

257
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في الركعات الأخيرة ج‌6 ص 252

.....

لو لا معارضة الصحيح و غيره مما عرفت و تعرف. و عن مبسوط الشيخ، و جمله، و جمل السيد و مصباحيهما، و الغنية، و هداية الصدوق، و غيرها:

وجوب عشر تسبيحات، بإسقاط التكبير في الأوليين، و إثباته في الأخيرة و كأنه أيضاً لصحيح زرارة المروي في الفقيه بناء على أن المراد من قوله (ع):

«و تكبر»‌

غير تكبير الركوع، و إلا فقد ذكر المحقق الخوانساري في حاشية الروضة: أنه لم يوجد في الكتب المتداولة نص عليه فضلا عن الصحيح، و أنه قد اعترف صاحب المدارك، و المحقق الأردبيلي، و غيرهما بعدم الوقوف على مستند لهذا القول. انتهى. و كيف كان فحمل التكبير على غير تكبير الركوع خلاف الظاهر جداً.

و عن ابن الجنيد و أبي الصلاح تعين ثلاث تسبيحات، بإسقاط التكبير أو التهليل، و يشهد له على الثاني‌

صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما فقل: الحمد للّه و سبحان اللّه و اللّه أكبر» «1».

و عن ابن سعيد الاجتزاء ب‍ «سبحان اللّه» ثلاثاً. و يشهد له‌

خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع): «أدنى ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين ثلاث تسبيحات أن تقول: سبحان اللّه سبحان اللّه سبحان اللّه» «2».

لكن في صحة سنده إشكالا، لاشتراك رجال السند بين الضعيف و الثقة.

و عن جمال الدين بن طاوس الاجتزاء بمطلق الذكر، و اختاره المجلسي في البحار مدعياً أنه المستفاد من مجموع الأخبار، و أن الأفضل التسع لموثق ابن حنظلة المتقدم، و‌

لصحيح عبيد: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الركعتين الأخيرتين من الظهر قال (ع): تسبح و تحمد اللّه و تستغفر لذنبك فإن شئت‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 7.

 

258
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في الركعات الأخيرة ج‌6 ص 252

.....

فاتحة الكتاب فإنها تحميد و دعاء» «1»‌

فان ظاهر التعليل كون موضوع الحكم مطلق التحميد و الدعاء بلا اعتبار ألفاظ خاصة. فتأمل، و‌

صحيح زرارة في المأموم المسبوق: «و في الأخيرتين لا يقرأ فيهما، إنما هو تسبيح و تكبير و تهليل و دعاء ليس فيهما قراءة» «2».

و فيه: أنه لا إطلاق للذكر في الموثق بعد ذكر التسبيح في ذيله، الظاهر أو المحتمل كون المراد منه التسبيحة الكبرى. مع أن نسبته الى مثل صحيحي زرارة المتقدمين و صحيح الحلبي نسبة المطلق الى المقيد، فيجب حمله عليها، و أما صحيح عبيد، فمع أنه قاصر الدلالة على المدعى أن التعليل فيه لا يخلو عن إجمال، لما عرفت من أنه لا يعتبر في القراءة قصد المعنى، و أنها ليست خبراً و لا إنشاء، فليست الفاتحة حقيقة حمداً و لا دعاء، فلا بد أن يكون المراد معنى غير الظاهر ليصح تعليل تشريع بدليتها عن التسبيح به، و لا مجال للأخذ بظاهره، و أما صحيح زرارة فليس فيه إطلاق الذكر، و جعل «الواو» بمعنى «أو» لا داعي اليه، و لا يجدي في إثبات المدعى. و ربما نسب إلى الحلبي القول بثلاث تسبيحات صورتها: «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه»، و لم يتضح له مستند.

و هناك أقوال: مثل التخيير بين جميع ما ورد في الروايات، و التخيير بين ما ورد في خصوص الصحاح، و التخيير بين ما في صحيحي زرارة، و التخيير بين الأربع و النسع و العشر و الاثنتي عشرة، و التخيير بين العشر و الاثنتي عشرة. و كأن المنشأ في جميع ذلك أنه مقتضى الجمع بين الأخبار على اختلاف في وجهه.

هذا و لأن العمدة في النصوص صحيحا زرارة الدال على الأربع و الدال‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 47 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

 

259
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في الركعات الأخيرة ج‌6 ص 252

و الأحوط الثلاث (1)، و الأولى إضافة الاستغفار إليها (2) و لو بأن يقول: اللهم اغفر لي، و من لا يستطيع يأتي بالممكن منها (3)، و إلا أتى بالذكر المطلق و إن كان قادراً على قراءة الحمد تعينت حينئذ (4).

[ (مسألة 1): إذا نسي الحمد في الركعتين الأوليين]

(مسألة 1): إذا نسي الحمد في الركعتين الأوليين فالأحوط اختيار قراءته في الأخيرتين (5)، لكن الأقوى على التسع، و صحيح الحلبي الدال على الثلاث. و صحيح زرارة الوارد في المسبوق، و الأخيران لم يظهر عامل بهما معتد به فالاعتماد عليهما لا يخلو من إشكال، فالأحوط الاقتصار على الأولين و الجمع العرفي يقتضي التخيير بين مضمونيهما و اللّه سبحانه أعلم.

تقدم وجهه.

لما سبق في صحيح عبيد من الأمر به، بل قد يحتمل كونه المراد من الدعاء في صحيح زرارة الوارد في المسبوق كما يشير الى ذلك ذيل صحيح عبيد، و ربما يستظهر من قوله في المنتهى: «الأقرب عدم وجوب الاستغفار ..»‌

احتمال وجوبه. و فيه: أن الدعاء في ذيل صحيح عبيد يمتنع حمله على الاستغفار لأن الدعاء الذي تتضمنه الفاتحة طلب الهداية، فلا بد من حمل الاستغفار على الدعاء لا العكس، و كأنه لذلك حكي عن البهائي و صاحب المعالم و ولده وجوب الدعاء، اعتماداً منهم على ظاهر النصوص، و فيه: أنه لا مجال له، مع خلو مثل صحيحي زرارة و غيرهما عنه لظهورهما في نفي وجوبه.

بلا إشكال ظاهر فيه و فيما بعده لما سبق في القراءة.

عقلا، كما هو القاعدة في الواجب التخييري عند تعذر ما عدا واحد.

تقدم وجهه كما تقدم ضعفه.

 

260
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 1 إذا نسي الحمد في الركعتين الأوليين ج‌6 ص 260

بقاء التخيير بينه و بين التسبيحات.

[ (مسألة 2): الأقوى كون التسبيحات أفضل من قراءة الحمد في الأخيرتين]

(مسألة 2): الأقوى كون التسبيحات أفضل من قراءة الحمد في الأخيرتين (1) سواء كان منفردا أو إماما أو مأموما كما نسب الى ظاهر الصدوقين و الحسن و الحلي و جماعة من محققي متأخري المتأخرين، و يشهد له خبرا محمد بن عمران و محمد بن حمزة «1»، و خبر رجاء بن أبي الضحاك «2»، و صحيح زرارة المتضمن للتسع تسبيحات «3» و الآخر الوارد في المسبوق «4»، و صحيح الحلبي «5» المتقدم جميعها في المسألة السابقة و مثلها جملة أخرى وافرة.

نعم يعارضها خبر علي بن حنظلة المتقدم «6»، الصريح في المساواة بينهما، و المتضمن لحلفه (ع) بأنهما سواء، كما يعارضها أيضاً ما دل على أفضلية القراءة مثل‌

التوقيع المروي عن الحميري عن صاحب الزمان (ع): «كتب اليه (ع) يسأله عن الركعتين الأخيرتين قد كثرت فيهما الروايات، فبعض يرى أن قراءة الحمد وحدها أفضل، و بعض يرى أن التسبيح فيهما أفضل، فالفضل لأيهما لنستعمله؟ فأجاب (ع): قد نسخت قراءة أم الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح، و الذي نسخ التسبيح قول العالم (ع):

كل صلاة لا قراءة فيها فهي خداج، إلا العليل، و من يكثر عليه السهو فيتخوف بطلان الصلاة عليه» «7»‌

، و‌

خبر محمد بن حكيم: «سألت‌

______________________________
(1) تقدم في صفحة: 255.

(2) تقدم في صفحة: 257.

(3) تقدم في صفحة: 256.

(4) تقدم في صفحة: 259.

(5) تقدم في صفحة: 258.

(6) راجع أول الفصل.

(7) الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 14.

261
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 الأقوى كون التسبيحات أفضل من قراءة الحمد في الأخيرتين ج‌6 ص 261

.....

أبا الحسن (ع) أيما أفضل، القراءة في الركعتين الأخيرتين أو التسبيح؟

فقال (ع): القراءة أفضل» «1»‌

، و ما‌

في صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (ع): «يجزيك التسبيح في الأخيرتين، قلت: أي شي‌ء تقول أنت؟ قال (ع): أقرأ فاتحة الكتاب» «2».

نعم في الشرائع، و عن القواعد، و جامع القاصد، و غيرها، و عن الفوائد الملية: أنه المشهور استحباب القراءة للإمام، و كأنه كان حملا لنصوص أفضلية القراءة على حال الإمامة، بشهادة‌

صحيح معاوية: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين؟ فقال (ع): الإمام يقرأ فاتحة الكتاب، و من خلفه يسبح، فاذا كنت وحدك فاقرأ فيهما، و ان شئت فسبح» «3»‌

، و منه يظهر أيضاً حمل نصوص أفضلية التسبيح على المأموم، و موثق ابن حنظلة الصريح في المساواة بينهما على المنفرد، للصحيح المذكور في ذلك فيحمل عليه إطلاق غيره.

و يشير الى الجمع المذكور أيضاً‌

صحيح منصور عنه (ع): «إذا كنت إماماً فاقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب، و إن كنت وحدك فيسعك فعلت، أو لم تفعل» «4»‌

، و‌

صحيح زرارة: «و إن كنت خلف إمام فلا تقرأن شيئاً في الأولتين، و أنصت لقراءته، و لا تقرأن شيئاً في الأخيرتين، فإن اللّه عز و جل يقول للمؤمنين: (وَ إِذٰا قُرِئَ الْقُرْآنُ- يعني في الفريضة خلف الامام- فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) فالأخيرتان تبع للأولتين» «5»‌

، و‌

صحيح جميل عنه (ع): «عما يقرأ الإمام في الركعتين في‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 10.

(2) الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 12.

(3) الوسائل باب: 41 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 11.

(5) الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.

 

262
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 يجوز أن يقرأ في إحدى الأخيرتين الحمد و في الأخرى التسبيحات ج‌6 ص 263

[ (مسألة 3): يجوز أن يقرأ في إحدى الأخيرتين الحمد و في الأخرى التسبيحات]

(مسألة 3): يجوز أن يقرأ في إحدى الأخيرتين الحمد و في الأخرى التسبيحات فلا يلزم اتحادهما في ذلك (1).

آخر الصلاة، فقال (ع): بفاتحة الكتاب، و لا يقرأ الذين خلفه، و يقرأ الرجل فيهما إذا صلى وحده بفاتحة الكتاب» «1».

بناء على أن المراد من‌

«و يقرأ»‌

في آخره الرخصة في القراءة في قبال النهي عنها للمأموم.

لكن يشكل ذلك بظهور بعض النصوص المستدل بها على أفضلية التسبيح مطلقاً في خصوص الامام، كخبر رجاء، و خبري محمد بن حمزة و محمد بن عمران، بل بعضها صريح فيه كصحيح زرارة المستدل به على كفاية التسع تسبيحات. اللهم إلا أن يحمل الصحيح على نفي وجوب القراءة الثابت في الأوليين أو نفي توظيفها ابتداء، كما لعله الظاهر منه و من جملة من النصوص المتقدمة الناهية عن القراءة في الأخيرتين، أو المتضمنة أنه لم يجعل القراءة فيها، مثل الصحيح المتقدم الوارد في المسبوق، و أما خبر رجاء و نحوه فلا يصلح لمعارضة ما هو صريح في أفضلية القراءة للإمام من الصحاح السابقة، لأنها أصح سنداً و أقوى دلالة، و منه يظهر الإشكال‌

في موثق محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع): «كان أمير المؤمنين (ع) إذا صلى يقرأ في الأولتين من صلاته الظهر سراً، و يسبح في الأخيرتين من صلاته الظهر على نحو من صلاته العشاء، و كان يقرأ في الأولتين من صلاته العصر سراً، و يسبح في الأخيرتين على نحو من صلاته العشاء» «2»‌

و إن كان رفع اليد عن الظاهر في جميع ذلك لأجل الصحاح لا يخلو من تأمل، لكنه الأقرب.

كما في الجواهر و غيرها لإطلاق نصوص التخيير، و دعوى: أن‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 9.

 

263
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 4 يجب فيهما الإخفات ج‌6 ص 264

 [ (مسألة 4): يجب فيهما الإخفات]
 (مسألة 4): يجب فيهما الإخفات سواء قرأ الحمد (1) أو التسبيحات (2).
موضوع التخيير مجموع الركعتين لأكل واحدة منهما خلاف الظاهر.
كما هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، بل عن الخلاف، و الغنية: الإجماع عليه، و في الجواهر: «المعلوم من مذهب الإمامية بطلان الجهر بالقراءة في الأخيرتين». لكن دليله غير ظاهر إلا دعوى مواظبة النبي (ص) و المسلمين عليه، الكاشف ذلك عن كونه مما ينبغي، فيدخل في صحيح زرارة «1» الدال على أن الجهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه عمداً مبطل للصلاة.
كما هو المشهور المعروف، بل في الحدائق: «ربما ادعى بعضهم الإجماع عليه»، و في موضع آخر جعله ظاهر الأصحاب، و في الرياض:
 «ظاهرهم الاتفاق عليه»، و في الجواهر: «عساه يظهر من الأستاذ الأكبر أيضاً»، و استشهد له- مضافا الى احتمال دخوله في معقد الإجماع-: بظهور دخوله في التسوية المتقدمة في خبر ابن حنظلة «2» فإذا ثبت وجوب الإخفات في القراءة ثبت وجوبه فيه أيضاً، و بما ورد: من أن صلاة النهار إخفاتية «3»، فإن إطلاقه يقتضي كون تسبيحها كذلك، فيلحق به تسبيح غيرها، لعدم القول بالفصل، و‌
بصحيح ابن يقطين: «عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الامام، أ يقرأ فيهما بالحمد و هو إمام يقتدى به؟ فقال (ع): إن قرأ فلا بأس، و إن سكت فلا بأس» «4»‌
، بناء‌
______________________________
 (1) الوسائل باب: 26 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
 (2) تقدم في صفحة: 252.
 (3) الوسائل باب: 22 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2 و باب: 25 حديث:
1 و 3.
 (4) الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 13.

264
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 4 يجب فيهما الإخفات ج‌6 ص 264

.....

على إرادة الإخفات من الصمت و الأخيرتين من الركعتين. و بدعوى استمرار سيرة النبي (ص) و الأئمة (ع) عليه و لكونه أقرب الى الاحتياط، إذ احتمال وجوب الجهر ضعيف جداً قائلا و دليلا.

و الجميع كما ترى!! إذ احتمال الدخول في معقد الإجماع لا يصلح للاعتماد عليه، و ظهور التسوية في خبر ابن حنظلة فيما نحن فيه ممنوع جداً و ما دل على كون صلاة النهار إخفاتية لو كان له إطلاق يشمل التسبيح لعارضه ما دل على كون صلاة الليل جهرية، بضميمة عدم القول بالفصل، و الظاهر من الركعتين في الصحيح الأولتين من الإخفاتية، بقرينة تخيير المأموم بين القراءة و تركها، و السيرة لا تدل على الوجوب، و كذا الأقربية إلى الاحتياط.

نعم يمكن الاستدلال عليه بمثل ما سبق في القراءة: من التمسك بصحيح زرارة «1» لإثبات شرطية الإخفات في كل مورد ينبغي فعله فيه، لأن المقام منه، و لا ينافيه ما في صحيحة الآخر «2»: من تخصيص ذلك بالقراءة، فإن ذلك في كلام السائل الموجب لعدم التنافي بينهما، فلا موجب لحمل مطلقهما على مقيدهما. لكن عرفت فيما سبق أن حمل صحيح زرارة على خصوص القراءة- بقرينة صحيح ابن يقطين المتقدم- أولى من البناء على عمومه و استثناء التشهد و ذكر الركوع و السجود و القنوت، و كأنه لذلك توقف فيه جماعة، و عن السرائر، و في التذكرة، و ظاهر نهاية الأحكام، و التحرير، و الموجز، و المدارك و البحار، و غيرها: اختيار التخيير، بل عن بعض استحباب الجهر. و كأنه لما يظهر من خبر رجاء بن أبي الضحاك، و قد يشير اليه ما في موثق محمد بن قيس المتقدم الحاكي لصلاة علي (ع)، حيث اقتصر على ذكر السر في القراءة في الظهر و العصر دون التسبيح. فلاحظ.

______________________________
(1) الوسائل باب: 26 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 26 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

 

265
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 4 يجب فيهما الإخفات ج‌6 ص 264

نعم إذا قرأ الحمد يستحب الجهر بالبسملة على الأقوى (1) و إن كان الإخفات فيها أيضاً أحوط.

[ (مسألة 5): إذا جهر عمداً بطلت صلاته]

(مسألة 5): إذا جهر عمداً بطلت صلاته، و أما إذا جهر جهلا أو نسياناً صحت (2) و لا يجب الإعادة و إن تذكر قبل الركوع.

[ (مسألة 6): إذا كان عازماً من أول الصلاة على قراءة الحمد يجوز له أن يعدل عنه]

(مسألة 6): إذا كان عازماً من أول الصلاة على قراءة الحمد يجوز له أن يعدل عنه إلى التسبيحات، و كذا العكس (3)، بل يجوز العدول في أثناء أحدهما إلى الآخر، و إن كان الأحوط عدمه (4).

[ (مسألة 7): لو قصد الحمد فسبق لسانه إلى التسبيحات]

(مسألة 7): لو قصد الحمد فسبق لسانه إلى التسبيحات كما تقدم في المسألة الحادية و العشرين من الفصل السابق، و تقدم خلاف الحلي، و دليله، و ضعفه.

تقدم الكلام في ذلك في المسألة الثانية و العشرين من الفصل السابق.

لإطلاق دليل التخيير من دون مقيد.

لما عن الذكرى: من أن الأقرب العدم، لأنه إبطال للعمل، و فيه: أنه لا دليل على حرمة الإبطال مطلقاً، و الآية الشريفة «1» يمتنع البناء على إطلاقها، للزوم تخصيص الأكثر، فيتعين البناء على إجمالها، أو حملها على الابطال بالكفر، أو نحوه مما يرجع الى عدم ترتب الثواب عليه، كما يشير اليه بعض النصوص «2».

______________________________
(1) قال تعالى «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ لٰا تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ» محمد (ص): 33.

(2) راجع الجزء: 4 من المستمسك المسألة: 19 من صلاة الميت.

 

266
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 7 لو قصد الحمد فسبق لسانه إلى التسبيحات ج‌6 ص 266

فالأحوط عدم الاجتزاء به (1)، و كذا العكس. نعم لو فعل ذلك غافلا من غير قصد إلى أحدهما (2) فالأقوى الاجتزاء به و إن كان من عادته خلافه.

[ (مسألة 8): إذا قرأ الحمد بتخيل أنه في إحدى الأولتين]

(مسألة 8): إذا قرأ الحمد بتخيل أنه في إحدى الأولتين، فذكر أنه في إحدى الأخيرتين فالظاهر الاجتزاء به (3)، و لا يلزم الإعادة أو قراءة التسبيحات و إن كان قبل نعم ربما يستدل بلزوم الزيادة غير المغتفرة لعموم:

«من زاد في صلاته فعليه الإعادة» «1»‌

، و لأجله لا مجال للتمسك بإطلاق التخيير، إذ لو تمَّ فلا نظر له الى نفي مانعية المانع، و لا لاستصحاب التخيير، لأنه محكوم بالعموم المذكور كما لا يخفى، و دعوى انصراف الزيادة إلى خصوص ما كان حين وقوعه زائداً لا مثل ما نحن فيه مما كان صالحاً في نفسه للجزئية بالإتمام.

ممنوعة. نعم قد يستفاد حكمه مما دل على جواز العدول من سورة إلى أخرى، لكنه غير ظاهر.

بل هو الأقوى- كما في الجواهر- لانتفاء قصد الصلاة به.

يعني: من غير قصد سابق إلى أحدهما، و أما ما وقع منه من التسبيح فلا بد من أن يكون مقصوداً به الصلاة، و إلا فلا يجزئ، إذ مع عدم القصد لا تقرّب و لا عبادة، فإذا كان التسبيح عن قصد كان مجزياً لتحقق الامتثال، كما أنه كذلك لو قصد القراءة مثلا ثمَّ غفل عن مبادي قصده فسبح، لحصول المأمور به بقصد أمره، فلا قصور في المأتي به لا في ذاته و لا في عباديته.

المدار في الصحة على كون عنوان إحدى الأولتين ملحوظاً داعياً‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 19 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 2.

267
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 8 إذا قرأ الحمد بتخيل أنه في إحدى الأولتين ج‌6 ص 267

الركوع، كما أن الظاهر أن العكس كذلك، فإذا قرأ الحمد بتخيل أنه في إحدى الأخيرتين، ثمَّ تبين أنه في إحدى الأوليين لا يجب عليه الإعادة. نعم لو قرأ التسبيحات ثمَّ تذكر قبل الركوع أنه في إحدى الأوليين يجب عليه قراءة الحمد و سجود السهو بعد الصلاة لزيادة التسبيحات (1).

[ (مسألة 9): لو نسي القراءة و التسبيحات و تذكر بعد الوصول إلى حد الركوع صحت صلاته]

(مسألة 9): لو نسي القراءة و التسبيحات و تذكر بعد الوصول إلى حد الركوع صحت صلاته (2)، و عليه بأن كان قاصداً الإتيان بالفاتحة عن أمرها الواقعي الذي يعتقد أنه الأمر الضمني التعييني بالقراءة، إذ حينئذ لا قصور في المأتي به من حيث كونه مصداقاً للمأمور به، لا في ذاته، و لا في عباديته. و تخلف الداعي بوجوده الواقعي لا يقدح، لأن الداعي في الحقيقة وجوده العلمي، و هو غير متخلف. و إن كان العنوان ملحوظاً قيداً للمأتي به لم يجتزأ به لفوات القصد، لفوات موضوعه- أعني المقيد- لفوات قيده.

و هكذا الحال في أمثال المقام: مثل فعل الركوع، أو السجود، أو غيرهما بقصد ركعة فينكشف أنه في غيرها. و العمدة: أن خصوصية الأولية و الثانوية و نحوهما ليست دخيلة في موضوع الأمر، فقصدها غير معتبر في الامتثال، و تصح عبادة ما لم يكن خلل في عباديته، و قد تقدم في نية الوضوء ما له نفع في المقام فراجع.

بناء على لزوم السجود لكل زيادة سهوية.

بلا إشكال، و يقتضيه- مضافاً الى‌

حديث: «لا تعاد الصلاة» «1»‌

- جملة من النصوص،

كموثق منصور: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): إني‌

.

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4‌

 

268
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 9 لو نسي القراءة و التسبيحات و تذكر بعد الوصول إلى حد الركوع صحت صلاته ج‌6 ص 268

سجدتا السهو للنقيصة (1)، و لو تذكر قبل ذلك وجب الرجوع (2).

[ (مسألة 10): لو شك في قراءتهما بعد الهوي للركوع لم يعتن]

(مسألة 10): لو شك في قراءتهما بعد الهوي للركوع لم يعتن، و إن كان قبل الوصول إلى حده (3)، و كذا لو دخل في الاستغفار (4).

صليت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلها، فقال (ع) أ ليس قد أتممت الركوع و السجود؟ قلت: بلى، قال (ع): قد تمت صلاتك إذا كان نسياناً» «1»‌

و‌

صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): «من ترك القراءة متعمداً أعاد الصلاة، و من نسي فلا شي‌ء عليه» «2»‌

، و نحوهما و غيرهما.

بناء على سجود السهو للنقيصة السهوية.

بلا إشكال، و يقتضيه جملة من النصوص‌

كخبر أبي بصير، قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل نسي أم القرآن، قال (ع) إن كان لم يركع فليعد أم القرآن» «3»‌

، و‌

في موثق سماعة: «ثمَّ ليقرأها ما دام لم يركع» «4»‌

، و نحوهما غيرهما.

بناء على عموم قاعدة التجاوز لمثل ذلك مما كان الغير من المقدمات لا من الأجزاء الأصلية، كما هو الظاهر و سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

لم يظهر من النصوص ترتب الاستغفار على التسبيح بحيث يكون الدخول فيه تجاوزاً عن التسبيح، اللهم إلا أن يكون من عادته التأخير، و قلنا بأنه يكفي في صدق التجاوز الترتب العادي، لكن المبنى ضعيف، كما.

______________________________
(1) الوسائل باب: 29 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 29 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 28 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 28 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2‌

 

269
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 11 لا بأس بزيادة التسبيحات على الثلاث إذا لم يكن بقصد الورود ج‌6 ص 270

[ (مسألة 11): لا بأس بزيادة التسبيحات على الثلاث إذا لم يكن بقصد الورود]

(مسألة 11): لا بأس بزيادة التسبيحات على الثلاث إذا لم يكن بقصد الورود، بل كان بقصد الذكر المطلق (1).

[ (مسألة 12): إذا أتى بالتسبيحات ثلاث مرات فالأحوط أن يقصد القربة]

(مسألة 12): إذا أتى بالتسبيحات ثلاث مرات فالأحوط أن يقصد القربة و لا يقصد الوجوب و الندب حيث أنه يحتمل أن يكون الأولى واجبة و الأخيرتين على وجه الاستحباب، و يحتمل أن يكون المجموع من حيث المجموع واجباً (2) فيكون من باب التخيير بين الإتيان بالواحدة و الثلاث، و يحتمل أن يكون الواجب أياً منها شاء مخيراً بين الثلاث (3)، فحيث أن الوجوه متعددة فالأحوط الاقتصار على قصد القربة. نعم لو اقتصر على المرة له أن يقصد الوجوب.

يأتي إن شاء اللّه تعالى.

لما سيأتي- إن شاء اللّه- من جواز الذكر، و الدعاء، و القرآن في الصلاة إذا لم يؤت بها بقصد الجزئية.

قد عرفت أن هذا الاحتمال لا مستند له.

هذا مترتب على أن الواجب تسبيحة واحدة، و أنها ذاتاً غير التسبيحة المستحبة، نظير نافلة الصبح و فريضته، فإنه حينئذ له قصد الوجوب بواحدة أيها شاء، و يقصد بغيرها الاستحباب، و لا يتعين عليه جعلها الأولى بالخصوص إذ لا موجب له، أما لو كان المستحب عين الواجب ذاتاً، و إن كان غيره حصة، كما لو أمر بصوم يومين أحدهما واجب و الآخر مستحب، تعين كون الأول هو الواجب و الزائد عليه مستحباً، لأنه لا بد أن يكون موضوع الوجوب صرف الطبيعة، إذ لو كان موضوعه الوجود المقرون بالوجود لاحقاً أو سابقاً وجب التكرار،

 

270
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات القراءة ج‌6 ص 271

[فصل في مستحبات القراءة]

فصل في مستحبات القراءة و هي أمور:

الأول: الاستعاذة قبل الشروع في القراءة (1) و هو خلف، و إذا كان موضوع الوجوب صرف الطبيعة كان منطبقاً على الوجود الأول، و حينئذ لا بد أن يكون موضوع الاستحباب الوجود بعد الوجود، لئلا يتحد موضوع الحكمين، و على هذا يبتني الاحتمال الأول.

ثمَّ إنه لما لم يتحصل لنا دليل التثليث لينظر في مقدار دلالته، و أن المجموع واجب تعييني، أو تخييري، أو الزائد على الواحدة مستحب، و أن التغاير ذاتي أو غير ذاتي، فتعيين أحد الاحتمالات المذكورة غير ظاهر، فتأمل. و على هذا فالاحتياط يكون بالإتيان بالثلاث بقصد القربة المطلقة، المردد أمرها بين وجوب الجميع، و وجوب الاولى، و استحباب الباقي، مع ضم قصد واحدة منها بعينها على تقدير كونه مخيراً بينها، فالاحتياط المطلق لا يكون إلا بضميمة هذا القصد التعليقي، نظير ما تقدم من الاحتياط في تكبيرة الافتتاح.

فصل في مستحبات القراءة و على المشهور، بل عن مجمع البيان: نفي الخلاف فيه. و في الذكرى: الاتفاق عليه، و عن الخلاف، و في كشف اللثام: الإجماع عليه.

و يشهد له جملة من النصوص‌

كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «قال عليه السلام- بعد ذكر دعاء التوجه بعد تكبيرة الإحرام-: ثمَّ تعوذ‌

 

271
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات القراءة ج‌6 ص 271

في الركعة الأولى (1) بأن يقول: «أعوذ باللّٰه من الشيطان الرجيم» (2)، أو يقول: «أعوذ باللّٰه السميع العليم من الشيطان الرجيم» (3)،

باللّٰه من الشيطان الرجيم، ثمَّ اقرأ فاتحة الكتاب» «1»‌

المحمول على الاستحباب بقرينة ما سبق. مضافا الى‌

خبر فرات بن أحنف عن أبي جعفر عليه السلام: «فإذا قرأت بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ فلا تبالي أن لا تستعيذ» «2»‌

و‌

مرسل الفقيه: «كان رسول اللّه (ص) أتم الناس صلاة و أوجزهم، كان إذا دخل في صلاته قال: اللّه أكبر بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ» «3»‌

، فما عن ولد الطوسي من القول بالوجوب ضعيف، و في الذكرى: أنه غريب، لأن الأمر هنا للندب بالاتفاق، و قد نقل والده في الخلاف الإجماع منا.

كما هو صريح جماعة و ظاهر آخرين، بل قيل: يستظهر من كلماتهم الإجماع عليه لاختصاص الدليل بها.

عن المشهور، بل عن الشهيد الثاني: «هذه الصيغة موضع وفاق»، و تضمنها النبوي «4» المحكي عن الذكرى.

كما في صحيح معاوية بن عمار «5» المروي عن الذكرى، و في الرضوي «6»، و خبر الدعائم «7»، و خبر حنان بن سدير بإضافة:.

______________________________
(1) الوسائل باب: 57 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 58 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 58 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 57 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.

(5) الوسائل باب: 57 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 7.

(6) مستدرك الوسائل باب: 43 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(7) مستدرك الوسائل باب: 43 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2‌

 

272
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات القراءة ج‌6 ص 271

و ينبغي أن يكون بالإخفات (1).

الثاني: الجهر بالبسملة في الإخفاتية (2)، و كذا في الركعتين الأخيرتين إن قرأ الحمد، بل و كذا في القراءة خلف الامام حتى في الجهرية، و أما في الجهرية فيجب الإجهار بها على الامام و المنفرد.

الثالث: الترتيل (3)

«و أعوذ باللّٰه أن يحضرون» «1»‌

، و‌

في موثق سماعة: «أستعيذ باللّٰه من الشيطان الرجيم إن اللّه هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» «2».

كما عن الأكثر، و عن الخلاف: الإجماع عليه، و عن التذكرة و غيرها: أن عليه عمل الأئمة (ع)، لكن‌

في خبر حنان: «صليت خلف أبي عبد اللّه (ع) المغرب، فتعوذ بإجهار: أعوذ ..» «3».

تقدم الكلام فيه.

إجماعا من العلماء كما عن المدارك و غيرها، و يشهد له- مضافا الى قوله تعالى (وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا) «4»، بناء على حمله على الاستحباب بقرينة الإجماع-

مرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه (ع): «ينبغي للعبد إذا صلى أن يرتل في قراءته، فاذا مر بآية فيها ذكر الجنة و ذكر النار سأل اللّه الجنة و تعوذ باللّٰه من النار» «5»‌

، و‌

في المرسل عن علي بن أبي حمزة: «إن القرآن لا يقرأ هذرمة و لكن يرتل ترتيلا» «6»‌

، و‌

في خبر‌

.

______________________________
(1) الوسائل باب: 57 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 57 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 57 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

(4) المزمل: 4.

(5) الوسائل باب: 18 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(6) الوسائل باب: 27 من أبواب قراءة القرآن حديث: 4‌

 

273
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات القراءة ج‌6 ص 271

أي التأني في القراءة (1) و تبيين الحروف على وجه يتمكن السامع من عدها.

عبد اللّه بن سليمان: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن قول اللّه عز و جل (وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا) قال (ع): قال أمير المؤمنين (ع): بيّنه تبييناً، و لا تهذّه هذّ الشعر، و لا تنثره نثر الرمل، و لكن اقرعوا به قلوبكم القاسية» «1».

كذا في مجمع البحرين قال: «و هو مأخوذ من قولهم: ثغر مرتل و رتل بكسر التاء و رتل بالتحريك إذا كان مفلجاً لا يركب بعضه على بعض، و حاصله التمهل بالقراءة من غير عجلة». و يشير اليه خبر عبد اللّه ابن سليمان المتقدم لأن الهذّ سرعة القطع، و أستعير لسرعة القراءة كما يشير اليه المرسل المتقدم، و كذا‌

خبر أبي بصير المروي عن مجمع البيان: «هو أن تتمكث فيه، و تحسن به صوتك» «2»‌

، و كأنه هو مراد من فسره بالترسل و التبيين لغير بغي، أو بالترسل و التوأدة: بتبيين الحروف و إشباع الحركات، أو التأني و التمهل و تبيين الحروف و الحركات، أو بأن لا يعجل في إرسال الحروف، بل يثبت فيها، و يبينها تبييناً، و يوفيها حقها من الإشباع أو التنسيق أو حسن التأليف. نعم عن الذكرى و غيرها: تفسيره بحفظ الوقوف. و أداء الحروف، و عن الكاشاني «3»، و في مجمع البحرين «4»: نسبته إلى أمير المؤمنين (ع)، و عن بعض: نسبته إلى النبي (ص)، لكن حفظ الوقوف يمكن إرجاعه إلى ما سبق، و أداء الحروف واجب لا مستحب كما هو ظاهر، إلا أن يكون المراد به بيانها.

______________________________
(1) الوسائل باب: 21 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 21 من أبواب قراءة القرآن حديث: 4.

(3) الوافي باب: 12 من أبواب القرآن و فضائله، ذيل حديث: 1.

(4) مادة (رتل).

 

274
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات القراءة ج‌6 ص 271

الرابع: تحسين الصوت (1) بلا غناء (2).

الخامس: الوقف على فواصل الآيات (3).

السادس: ملاحظة معاني ما يقرأ و الاتعاظ بها (4).

كما يشهد به جملة من النصوص منها ما سبق في خبر أبي بصير و‌

خبر النوفلي عن أبي الحسن (ع): «ذكر الصوت عنده، فقال: إن علي بن الحسين (ع) كان يقرأ فربما مر به المار فصعق من حسن صوته» «1»‌

و‌

خبر ابن سنان عن أبي عبد اللّه (ع): «قال النبي (ص): لكل شي‌ء حلية و حلية القرآن الصوت الحسن» «2».

ففي رواية ابن سنان: «سيجي‌ء من بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانية، لا يجوز تراقيهم، قلوبهم مقلوبة و قلوب من يعجبه شأنهم» «3».

لما‌

عن مجمع البيان مرسلا عن أم سلمة قالت: «كان النبي (ص) يقطّع قراءته آية آية» «4»‌

، و يشير إليه في الجملة ما تقدم في تفسير الترتيل بأنه حفظ الوقوف و أداء الحروف، بناء على إرادة الفصل بالسكوت من الوقف لا مجرد التأني، لكنه لا يخلو حينئذ من إجمال، إلا أن يكون ترك البيان ظاهراً في إرادة الفصل الذي يستحسنه الذوق، بلحاظ معنى الكلام و إيكال ذلك الى نظر القارئ فتأمل جيداً.

ففي خبر الثمالي: «لا خير في قراءة ليس فيها تدبر» «5»‌

.

______________________________
(1) الوسائل باب: 24 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 24 من أبواب قراءة القرآن حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 24 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 21 من أبواب قراءة القرآن حديث: 5.

(5) الوسائل باب: 3 من أبواب قراءة القرآن حديث: 7‌

 

275
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات القراءة ج‌6 ص 271

السابع: أن يسأل اللّٰه عند آية النعمة أو النقمة ما يناسب كلا منهما (1).

الثامن: السكتة بين الحمد و السورة (2)، و كذا بعد الفراغ منها بينها و بين القنوات أو تكبير الركوع.

التاسع: أن يقول بعد قراءة سورة التوحيد (3): و‌

في خبر عبد الرحمن بن كثير عن أمير المؤمنين (ع) في وصف المتقين، قال (ع): «أما الليل فصافون أقدامهم نالين لأجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا‌

.. الى أن قال:

و إذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم و أبصارهم، فاقشعرت منها جلودهم، و وجلت قلوبهم، فظنوا أن صهيل جهنم و زفيرها و شهيقها في أصول آذانهم، و إذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً، و تطلعت أنفسهم إليها شوقاً، و ظنوا أنها نصب أعينهم» «1».

كما تقدم في الترتيل «2» في مرسل محمد بن أبي عمير، و نحوه غيره مما هو كثير.

كما‌

في خبر إسحاق بن عمار عن جعفر (ع) عن أبيه: «أن رجلين من أصحاب رسول اللّٰه (ص) اختلفا في صلاة رسول اللّٰه (ص) فكتبا الى أبي بن كعب: كم كانت لرسول اللّٰه (ص) من سكتة؟ قال:

كانت له سكتتان إذا فرغ من أم القرآن، و إذا فرغ من السورة» «3»‌

في صحيح ابن الحجاج عن أبي عبد اللّٰه (ع): «أن أبا جعفر (ع) كان يقرأ: قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ، فاذا فرغ منها قال: كذلك‌

.

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب قراءة القرآن حديث: 6.

(2) راجع المورد الثالث من مستحبات القراءة.

(3) الوسائل باب: 46 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2‌

 

276
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات القراءة ج‌6 ص 271

«كذلك اللّٰه ربي» مرة أو مرتين أو ثلاثاً، أو «كذلك اللّٰه ربنا»، ثلاثاً. و أن يقول بعد فراغ الامام من قراءة الحمد إذا كان مأموما: «الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ» (1)، بل و كذا بعد فراغ نفسه إن كان منفرداً.

اللّٰه، أو كذلك اللّٰه ربي» «1»‌

، و‌

في خبر عبد العزيز بن المهتدي: و سألت الرضا (ع) عن التوحيد فقال (ع): كل من قرأ قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ و آمن بها فقد عرف التوحيد، قلت: كيف يقرؤها؟ قال: كما يقرأ الناس و زاد فيها: كذلك اللّٰه ربي، كذلك اللّٰه ربي» «2»‌

و‌

في خبر رجاء بن أبي الضحاك: «فاذا فرغ- يعني الرضا (ع)- منها- يعني سورة التوحيد قال: كذلك اللّٰه ربنا، ثلاثا» «3»‌

و‌

في خبر السياري «4» زيادة: «و رب آبائنا الأولين»‌

بعد الثالثة، و‌

في خبر الفضيل المروي عن مجمع البيان: «أمرني أبو جعفر (ع) أن أقرأ قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ، و أقول إذا فرغت منها: كذلك اللّٰه ربي، ثلاثاً» «5».

في مصحح جميل عن أبي عبد اللّٰه (ع): «إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد و فرغ من قراءتها فقل أنت: الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ» «6»‌

، و‌

في مصحح زرارة عن أبي جعفر (ع): «و لا تقولن إذا فرغت من قراءتك: آمين، فإن شئت قلت: الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ» «7»‌

، و في.

______________________________
(1) الوسائل باب: 20 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 20 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 20 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 8.

(4) مستدرك الوسائل باب: 16 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 20 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 9.

(6) الوسائل باب: 17 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(7) الوسائل باب: 17 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4‌

 

277
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات القراءة ج‌6 ص 271

العاشر: قراءة بعض السور المخصوصة في بعض الصلوات (1) كقراءة عَمَّ يَتَسٰاءَلُونَ، و هَلْ أَتىٰ، و هَلْ أَتٰاكَ، و لٰا أُقْسِمُ، و أشباهها في صلاة الصبح، و قراءة سَبِّحِ اسْمَ، و وَ الشَّمْسِ، و نحوهما في الظهر و العشاء، و قراءة إِذٰا جٰاءَ نَصْرُ اللّٰهِ، و أَلْهٰاكُمُ التَّكٰاثُرُ في العصر و المغرب، و قراءة سورة الجمعة‌

خبر الفضيل المروي عن مجمع البيان عن أبي عبد اللّٰه (ع): «إذا قرأت الفاتحة ففرغت من قراءتها و أنت في الصلاة فقل: الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ» «1»‌

و إطلاقهما يقتضي عدم الفرق بين الامام و المنفرد. نعم قد يستفاد من مصحح جميل الاختصاص بالمأموم دون الامام. لكنه غير ظاهر.

كما‌

روى ابن مسلم في الصحيح قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): «أي السور تقرأ في الصلوات قال: أما الظهر و العشاء الآخرة تقرأ فيهما سواء، و العصر و المغرب سواء، و أما الغداة فأطول، و أما الظهر و العشاء الآخرة ف‍ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ، و الشَّمْسِ وَ ضُحٰاهٰا، و نحوها، و أما العصر و المغرب ف‍ إِذٰا جٰاءَ نَصْرُ اللّٰهِ و أَلْهٰاكُمُ التَّكٰاثُرُ، و نحوها، و أما الغداة ف‍ عَمَّ يَتَسٰاءَلُونَ، و هَلْ أَتٰاكَ حَدِيثُ الْغٰاشِيَةِ، و لٰا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيٰامَةِ، و هَلْ أَتىٰ عَلَى الْإِنْسٰانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ» «2»‌

، و‌

روى عيسى بن عبد اللّٰه القمي في الحسن أو الصحيح عن أبي عبد اللّٰه (ع): «كان رسول اللّٰه (ص) يصلي الغداة ب‍ عَمَّ يَتَسٰاءَلُونَ و هَلْ أَتىٰ عَلَى الْإِنْسٰانِ، و هَلْ أَتٰاكَ حَدِيثُ الْغٰاشِيَةِ، و لٰا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيٰامَةِ، و شبهها، و كان يصلي الظهر ب‍ سَبِّحِ اسْمَ، و الشَّمْسِ وَ ضُحٰاهٰا و هَلْ أَتٰاكَ حَدِيثُ الْغٰاشِيَةِ، و شبهها، و كان يصلي المغرب ب‍ قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ، و إِذٰا‌

.

______________________________
(1) الوسائل باب: 17 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 48 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2‌

 

278
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات القراءة ج‌6 ص 271

في الركعة الأولى، و المنافقين في الثانية في الظهر و العصر من يوم الجمعة (1)،

جٰاءَ نَصْرُ اللّٰهِ وَ الْفَتْحُ، و إِذٰا زُلْزِلَتِ، و كان يصلي العشاء الآخرة بنحو ما يصلي في الظهر، و العصر بنحو من المغرب» «1».

و ما ذكر هو المحكي عن المعتبر، و الذكرى، و الدروس، و البيان، و جامع المقاصد، و الروض. و عن جملة من كتب الشيخ و العلامة و غيرهما استحباب القصار في الظهرين معاً و المغرب، بل هو المنسوب الى المشهور، و اختاره في الشرائع و القواعد. و الأول لمطابقته للنص متعين.

كما هو المشهور بل عن الانتصار الإجماع عليه، و يشهد له‌

صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع)- في حديث طويل-: «اقرأ بسورة الجمعة و المنافقين، فان قراءتهما سنة يوم الجمعة في الغداة و الظهر و العصر» «2»‌

و‌

مرفوع حريز و ربعي عن أبي جعفر (ع): «إذا كان ليلة الجمعة يستحب أن يقرأ في العتمة سورة الجمعة، و إِذٰا جٰاءَكَ الْمُنٰافِقُونَ، و في صلاة الصبح مثل ذلك، و في صلاة الجمعة مثل ذلك و في صلاة العصر مثل ذلك» «3»‌

، و‌

في خبر رجاء بن أبي الضحاك عن الرضا (ع): «أنه كانت قراءته في جميع المفروضات في الأولى الحمد و إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ، و في الثانية الحمد و قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ، إلا في صلاة الغداة و الظهر و العصر يوم الجمعة فإنه كان يقرأ بالحمد و سورة الجمعة و المنافقين» «4».

و في الشرائع نسبة القول بوجوبهما في الظهرين من الجمعة الى بعض،.

______________________________
(1) الوسائل باب: 48 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 49 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 49 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 70 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 10‌

 

279
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات القراءة ج‌6 ص 271

.....

و لم يعرف القائل بذلك في العصر- كما قيل- كما لم يعرف دليله. نعم ظاهر الأمر بالإعادة في كلام الصدوق لو نسيهما أو إحداهما في الظهر هو الوجوب، و كأنه لما في النصوص من الأمر بقراءتهما فيها. مثل‌

مصحح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن القراءة في الجمعة إذا صليت وحدي أربعاً أجهر بالقراءة؟ فقال: نعم، و قال اقرأ سورة الجمعة و المنافقين في يوم الجمعة» «1».

و الأمر بالإعادة لو صلى بغيرهما في‌

مصحح عمر بن يزيد: «قال أبو عبد اللّٰه (ع): من صلى الجمعة بغير الجمعة و المنافقين أعاد الصلاة في سفر أو حضر» «2»‌

، فإن الجمعة في السفر الظهر.

لكن لا مجال للاعتماد على مثل ذلك في قبال ما يدل على نفي الوجوب،

كخبر ابن يقطين قال: «سألت أبا الحسن (ع) عن الجمعة في السفر ما أقرأ فيهما؟ قال: اقرأ فيهما ب‍ قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ» «3».

مضافا الى ما دل على عدم وجوب ذلك في صلاة الجمعة «4»، الذي يستفاد منه حكم الظهر بقرينة‌

صحيح منصور: «ليس في القراءة شي‌ء موقت إلا الجمعة يقرأ بالجمعة و المنافقين» «5»‌

، و نحوه صحيح محمد بن مسلم «6»، بل بقرينة كثرة التأكيد في قراءتهما في الجمعة على اختلاف ألسنته، فتارة: بالأمر.

______________________________
(1) الوسائل باب: 73 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 72 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 71 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 71 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1 و 4 و 5.

(5) الوسائل باب: 70 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(6) الوسائل باب: 70 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5‌

 

280
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات القراءة ج‌6 ص 271

و كذا في صبح يوم الجمعة (1)، أو يقرأ فيها في الأولى الجمعة و التوحيد في الثانية (2)، و كذا في العشاء في ليلة الجمعة يقرأ في الأولى الجمعة و في الثانية المنافقين (3)، بقراءتهما «1»، و أخرى: بالأمر بالإعادة «2»، و ثالثة: بالأمر بإتمامها ركعتين ثمَّ يستأنف «3»، و رابعة: بأنه لا صلاة له «4»، فاذا كان ذلك كله للاستحباب هان أمر الحمل عليه في تلك النصوص. مع قرب أن يراد بالجمعة ما يعم الظهر في الطائفتين، بل هو صريح بعضها فتأمل جيداً.

كما تقدم في صحيح زرارة، و مرفوع حريز و ربعي، و خبر رجاء «5».

كما في كثير من النصوص،

كخبر أبي بصير: «قال أبو عبد اللّٰه (ع): اقرأ في ليلة الجمعة الجمعة، و سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، و في الفجر سورة الجمعة، و قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ» «6»‌

و نحوه خبر البزنطي «7» و أبي الصباح «8» و غيرهما.

كما في مرفوع حريز و ربعي المتقدم «9». لكن المشهور أنه.

______________________________
(1) الوسائل باب: 70 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 72 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 72 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 70 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

(5) تقدم جميع ذلك في التعليقة السابقة.

(6) الوسائل باب: 49 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(7) الوسائل باب: 70 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 11.

(8) الوسائل باب: 49 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

(9) راجع صفحة: 279‌

 

281
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات القراءة ج‌6 ص 271

و في مغربها الجمعة في الأولى و التوحيد في الثانية (1)، و يستحب في كل صلاة قراءة إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ في الأولى و التوحيد في الثانية (2) يقرأ في ثانية العشاء سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ، كخبر أبي بصير المتقدم. و نحوه خبر منصور بن حازم و البزنطي «1»، و‌

في خبر رجاء: «و كان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة في الأولى الحمد و سورة الجمعة، و في الثانية الحمد و سبح» «2»‌

و نحوه مرسل الفقيه عمن صحب الرضا (ع) «3»، و‌

في خبر أبي الصباح: «و إذا كان في العشاء الآخرة فاقرأ سورة الجمعة، و سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى» «4».

في خبر أبي الصباح الكناني: «قال أبو عبد اللّٰه (ع): إذا كان ليلة الجمعة فاقرأ في المغرب سورة الجمعة و قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ» «5»‌

، و‌

خبر ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع): «رأيت أبي يصلي ليلة الجمعة بسورة الجمعة و قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ» «6».

لكن في جملة من النصوص أنه يقرأ في الثانية: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ، كأخبار أبي بصير، و منصور بن حازم، و البزنطي «7».

كما‌

في خبر أبي علي بن راشد: «قلت لأبي الحسن (ع):

جعلت فداك إنك كتبت الى محمد بن الفرج تعلمه: أن أفضل ما يقرأ في‌

.

______________________________
(1) الوسائل باب: 49 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 70 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 10.

(3) الوسائل باب: 49 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 49 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

(5) الوسائل باب: 49 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

(6) الوسائل باب: 49 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 9.

(7) تقدمت في أول الصفحة و في صفحة: 281‌

 

282
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات القراءة ج‌6 ص 271

بل لو عدل عن غيرهما إليهما لما فيهما من الفضل أعطي أجر السورة التي عدل عنها مضافاً الى أجرهما (1) بل ورد أنه‌

الفرائض إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ، و قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ، و إن صدري، ليضيق بقراءتهما في الفجر فقال (ع): لا يضيقن صدرك بهما فان الفضل و اللّٰه فيهما» «1»‌

و قريب منه غيره، و في المرسل عمن صحب الرضا (ع): «القدر في الاولى و التوحيد في الثانية» «2» و نحوه خبر رجاء «3». لكن في حديث المعراج «4» العكس.

لما‌

عن الاحتجاج عن صاحب الزمان (ع): كتب الى محمد ابن عبد اللّٰه بن جعفر الحميري في جواب مسائله حيث سأله عما روي في ثواب القرآن في الفرائض و غيرها: «إن العالم (ع) قال: عجباً لمن لم يقرأ في صلاته إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ كيف تقبل صلاته؟! و روي ما زكت صلاة لم يقرأ فيها قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ، و روي أن من قرأ في فرائضه الهمزة أعطي من الثواب قدر الدنيا، فهل يجوز أن يقرأ الهمزة و يدع هذه السور التي ذكرناها مع ما قد روي أنه لا تقبل صلاته و لا تزكو إلا بهما؟

«التوقيع» الثواب في السور على ما قد روي، و الا ترك سورة مما فيها الثواب و قرأ قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ و إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ لفضلهما أعطي ثواب ما قرأ و ثواب السورة التي ترك، و يجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين و تكون صلاته تامة، و لكنه يكون قد ترك الأفضل» «5».

.

______________________________
(1) الوسائل باب: 23 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الحديث منقول بالمعنى، راجع المصدر السابق: حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 23 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 23 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 23 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6‌

 

283
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات القراءة ج‌6 ص 271

لا تزكو صلاة إلا بهما. و يستحب في صلاة الصبح من الاثنين و الخميس سورة هَلْ أَتىٰ في الأولى و هَلْ أَتٰاكَ في الثانية (1).

[ (مسألة 1): يكره ترك سورة التوحيد في جميع الفرائض الخمس]

(مسألة 1): يكره ترك سورة التوحيد في جميع الفرائض الخمس (2).

[ (مسألة 2): يكره قراءة التوحيد بنفس واحد]

(مسألة 2): يكره قراءة التوحيد بنفس واحد (3)، و كذا قراءة الحمد و السورة بنفس واحد.

لمرسل الفقيه حكى من صحب الرضا (ع) الى خراسان: «أنه كان يقرأ في صلاة الغداة يوم الاثنين و يوم الخميس في الركعة الأولى الحمد و هَلْ أَتىٰ عَلَى الْإِنْسٰانِ، و في الثانية الحمد و هَلْ أَتٰاكَ حَدِيثُ الْغٰاشِيَةِ، فإن من قرأهما في صلاة الغداة يوم الاثنين و يوم الخميس وقاه اللّٰه شر اليومين» «1»‌

و نحوه خبر رجاء «2»، و لعلهما واحد.

لخبر منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه (ع): «من مضى به يوم واحد فصلى فيه بخمس صلوات و لم يقرأ فيها ب‍ قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ قيل له:

يا عبد اللّٰه لست من المصلين» «3».

لما‌

رواه محمد بن يحيى بإسناد له عن أبي عبد اللّٰه (ع): «يكره أن يقرأ قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ في نفس واحد» «4»‌

و نحوه خبر محمد بن الفضيل «5» و منهما يستفاد كراهة قراءة الحمد و السورة بنفس واحد، و إلا فلم أعثر عاجلا على ما يدل عليه. نعم‌

في صحيح ابن جعفر عن أخيه (ع): «عن الرجل‌

.

______________________________
(1) الوسائل باب: 50 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 50 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 24 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 19 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 19 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1‌

 

284
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 يكره أن يقرأ سورة واحدة في الركعتين ج‌6 ص 285

[ (مسألة 3): يكره أن يقرأ سورة واحدة في الركعتين]

(مسألة 3): يكره أن يقرأ سورة واحدة في الركعتين (1) إلا سورة التوحيد (2).

[ (مسألة 4): يجوز تكرار الآية في الفريضة و غيرها، و البكاء]

(مسألة 4): يجوز تكرار الآية في الفريضة و غيرها، و البكاء،

ففي الخبر: كان علي بن الحسين «ع» إذا قرأ:

مٰالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، يكررها حتى يكاد أن يموت (3)

، و‌

في آخر: عن موسى بن جعفر (ع): عن الرجل يصلي له أن‌

يقرأ في الفريضة بفاتحة الكتاب و سورة أخرى في النفس الواحد، قال (ع):

إن شاء قرأ في النفس و إن شاء غيره» «1»‌

و‌

في خبره المروي عن قرب الاسناد زيادة: «و لا بأس» «2».

لخبر ابن جعفر (ع): «عن الرجل يقرأ سورة واحدة في الركعتين من الفريضة و هو يحسن غيرها فان فعل فما عليه؟ قال (ع):

إذا أحسن غيرها فلا يفعل و ان لم يحسن غيرها فلا بأس» «3».

لخبر صفوان: «سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: صلاة الأوابين الخمسون كلها ب‍ قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ» «4»‌

و‌

في صحيحه عنه (ع): «قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ تجزئ في خمسين صلاة» «5»‌

و نحوهما غيرهما.

رواه الكليني بسنده إلى الزهري «6».

______________________________
(1) الوسائل باب: 46 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 46 من أبواب القراءة في الصلاة ملحق حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 6 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 7 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 7 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(6) الوسائل باب: 68 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

 

285
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 4 يجوز تكرار الآية في الفريضة و غيرها و البكاء ج‌6 ص 285

يقرأ في الفريضة فتمر الآية فيها التخويف فيبكي و يردد الآية قال (ع): يردد القرآن ما شاء و إن جاءه البكاء فلا بأس (1).

[ (مسألة 5): يستحب إعادة الجمعة أو الظهر في يوم الجمعة]

(مسألة 5): يستحب إعادة الجمعة أو الظهر في يوم الجمعة إذا صلاهما فقرأ غير الجمعة و المنافقين (2) أو نقل النية إلى النفل إذا كان في الأثناء و إتمام ركعتين ثمَّ استئناف الفرض بالسورتين (3).

[ (مسألة 6): يجوز قراءة المعوذتين في الصلاة]

(مسألة 6): يجوز قراءة المعوذتين في الصلاة (4) و هما من القرآن.

رواه في الوسائل عن كتاب علي بن جعفر (ع) «1»، و عن الحميري في قرب الاسناد عنه «2».

لما تقدم في مصحح عمر بن يزيد «3» المحمول على الاستحباب بقرينة مثل‌

صحيح ابن يقطين: «عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمداً؟ قال (ع): لا بأس بذلك» «4»‌

و نحوه غيره مما هو صريح في الاجزاء.

للصحيح عن صباح بن صبيح: «قلت لأبي عبد اللّه (ع):

رجل أراد أن يصلي الجمعة فقرأ ب‍ قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ، قال (ع): يتمها ركعتين ثمَّ يستأنف» «5».

بلا خلاف فيه بيننا كما قيل، و يشهد له‌

صحيح صفوان: «صلى‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 68 من أبواب القراءة في الصلاة: ملحق حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 68 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

(3) راجع صفحة: 280.

(4) الوسائل باب: 71 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 72 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

 

286
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 7 الحمد سبع آيات ج‌6 ص 287

[ (مسألة 7): الحمد سبع آيات]

(مسألة 7): الحمد سبع آيات (1)،

بنا أبو عبد اللّه (ع) المغرب فقرأ بالمعوذتين في الركعتين» «1»‌

و‌

خبر صابر مولى بسام: «أمنا أبو عبد اللّه (ع) في صلاة المغرب فقرأ المعوذتين، ثمَّ قال هما من القرآن» «2»‌

و‌

في خبر الحسين بن بسطام عنه (ع): «سئل عن المعوذتين أ هما من القرآن؟ فقال الصادق (ع): هما من القرآن، فقال الرجل: إنهما ليستا من القرآن في قراءة ابن مسعود و لا في مصحفه، فقال (ع):

أخطأ ابن مسعود أو قال: كذب ابن مسعود، و هما من القرآن، فقال الرجل: فأقرأ بهما في المكتوبة؟ فقال: نعم» «3»‌

.. الى غير ذلك.

بلا خلاف، فمن لا يرى جزئية البسملة ف‍ صِرٰاطَ الى عَلَيْهِمْ آية عنده، و من يرى جزئيتها ف‍ صِرٰاطَ الى الضّٰالِّينَ آية. كذا في مجمع البيان، و نحوه ما في غياث النفع في القراءات السبع للصفاقشي، و‌

في مصحح ابن مسلم: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن السبع المثاني و القرآن العظيم أ هي الفاتحة؟

قال (ع): نعم، قلت: بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* من السبع؟ قال (ع):

نعم هي أفضلهن» «4»‌

، و‌

في خبر محمد بن زياد و محمد بن سيار عن الحسن ابن علي العسكري (ع) عن آبائه عن أمير المؤمنين (ع): «بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ آية من فاتحة الكتاب، و هي سبع آيات تمامها بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ» «5»‌

و‌

في خبر أبي هارون المكفوف المروي في الوسائل في باب ما يقرأ في نوافل الزوال: «يا أبا هارون إن الحمد سبع آيات، و قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ ثلاث‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 47 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 47 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 47 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 11 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 11 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 9.

 

287
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 7 الحمد سبع آيات ج‌6 ص 287

و التوحيد أربع آيات (1).

[ (مسألة 8): الأقوى جواز قصد إنشاء الخطاب]

(مسألة 8): الأقوى جواز قصد إنشاء الخطاب (2)

آيات فهذه عشر آيات» «1».

هذا عند من جعل (لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ- الى- أَحَدٌ) آية، و هو غير المكي و الشامي، و عندهما أن لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ آية فيكون خمس آيات. كذا في مجمع البيان، و غياث النفع، لكن تقدم في خبر أبي هارون المكفوف أنها ثلاث آيات.

كما في الذكرى، و حكى فيها عن الشيخ (ره) المنع من ذلك، للزوم استعمال المشترك في معنيين، و ذلك لما عرفت في مسألة وجوب تعيين البسملة: أن قراءة القرآن لا بد فيها من قصد الحكاية، الراجع الى استعمال اللفظ في اللفظ الخاص الذي نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ على النبي (ص)، فاذا قصد به الخطاب أو الدعاء أو الخبر فقد استعمل اللفظ في المعنى المخبر به أو المدعو به أو نحو ذلك، و الجمع بين الاستعمالين ممتنع.

و فيه أن قصد الدعاء أو الخبر لا يلازم استعمال اللفظ في المعنى و لا يتوقف عليه، كما في باب الكناية، فإن المعنى المكنى عنه مقصود للمتكلم الاخبار عنه و لم يستعمل اللفظ فيه، بل إنما استعمله في المكنى به الذي لم يقصد الاخبار عنه، فتقول: «زيد كثير الرماد» و أنت تستعمل اللفظ في معناه- أعني كثرة الرماد من دون أن تقصد الاخبار عنه، بل تقصد الاخبار عن لازمه و هو أنه كريم، و لم تستعمل اللفظ فيه، و كذا الألفاظ المستعملة في المفاهيم غير الملحوظة باللحاظ الاستقلالي بل ملحوظة عبرة إلى معنى آخر، فتقول: «أكرم من شتمك بالأمس» غير قاصد الحكم على الذات المعنونة بالشتم أمس بل قاصداً الحكم على نفس الذات‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 13 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

 

288
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 8 الأقوى جواز قصد إنشاء الخطاب ج‌6 ص 288

بقوله (إِيّٰاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ) إذا قصد القرآنية أيضاً بأن يكون قاصداً للخطاب بالقرآن، بل و كذا في سائر الآيات فيجوز إنشاء الحمد بقوله (الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ)، و إنشاء المدح في (الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ)، و إنشاء طلب الهداية في (اهْدِنَا الصِّرٰاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، و لا ينافي قصد القرآنية مع ذلك.

[ (مسألة 9): قد مر أنه يجب كون القراءة و سائر الأذكار حال الاستقرار]

(مسألة 9): قد مر أنه يجب كون القراءة و سائر الأذكار حال الاستقرار (1)، فلو أراد حال القراءة التقدم أو التأخير قليلا، أو الحركة إلى أحد الجانبين، أو أن ينحني لأخذ شي‌ء من الأرض، أو نحو ذلك يجب أن يسكت حال الحركة، و بعد الاستقرار يشرع في قراءته، لكن مثل تحريك اليد أو أصابع الرجلين لا يضر (2) و إن كان الأولى بل الأحوط تركه أيضاً.

من حيث هي، و كذا الحكم الوارد على المفهوم العام الملحوظ عبرة للافراد، فان المقصود الحكم على تلك الحصص المتكثرة و اللفظ غير مستعمل فيها، بل مستعمل في معناه- أعني ذات الماهية المهملة. و الظاهر أن المقام من هذا القبيل، فالقارئ يتلفظ مستعملا لفظه في اللفظ الجزئي الخاص حاكياً عنه حكاية استعمالية جاعلا إياه عبرة إلى معناه قاصداً الاخبار عنه أو إنشاءه.

مر الاستدلال بالإجماع، و رواية السكوني و غيرها «1». فراجع.

لأن العمدة في عموم وجوب الاستقرار هو الإجماع، و لم ينعقد في المقام.

______________________________
(1) راجع المسألة الرابعة من فصل تكبيرة الإحرام.

 

289
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 إذا سمع اسم النبيص في أثناء القراءة ج‌6 ص 290

[ (مسألة 10): إذا سمع اسم النبي (ص) في أثناء القراءة]

(مسألة 10): إذا سمع اسم النبي (ص) في أثناء القراءة يجوز بل يستحب أن يصلي عليه (1)، و لا ينافي الموالاة (2) كما في سائر مواضع الصلاة، كما أنه إذا سلم عليه من يجب رد سلامه يجب و لا ينافي.

[ (مسألة 11): إذا تحرك حال القراءة قهراً]

(مسألة 11): إذا تحرك حال القراءة قهراً بحيث خرج عن الاستقرار فالأحوط إعادة ما قرأه في تلك الحالة (3) لعموم‌

صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): «و صل على النبي (ص) كلما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره» «1».

يعني المعتبرة بين أفعال الصلاة، أما الموالاة المعتبرة في القراءة فربما تنافيها كما سبق، و كذا جواب السلام.

لاحتمال كون الاستقرار شرطاً في القراءة فتفوت بفواته. لكنه خلاف إطلاق دليل جزئية القراءة. نعم لو ثبت إطلاق يقتضي جزئية الاستقرار أو شرطيته للصلاة تعارض الإطلاقان لأنه بعد العلم باعتباره في الجملة يعلم بكذب أحد الإطلاقين فيتعارضان. لكن في ثبوته إشكالا، و لو سلم فالمرجع أصل البراءة لأنه إن كان شرطاً للصلاة لم يجب في هذه الحال لعموم‌

حديث: «لا تعاد» «2»‌

، و إن كان شرطاً للقراءة يجب فتجب إعادتها. و لا يتوهم أن المرجع في المقام قاعدة الاشتغال للشك في امتثال أمر القراءة، إذ يدفعه أنه لا قصور في امتثال أمر القراءة من جهة نفس القراءة و إنما كان لأجل فوات شرطها، و في مثله يرجع الى أصالة البراءة، كما حرر في مسألة الأقل و الأكثر. هذا كله إذا كان غافلا عن ورود المحرك له فقرأ، أما لو كان ملتفتاً اليه و لم يعتن به فقرأ متحركا، فلا ينبغي التأمل في فساد الصلاة،

______________________________
(1) الوسائل باب: 42 من أبواب الأذان حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

 

290
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 12 إذا شك في صحة قراءة آية أو كلمة يجب إعادتها إذا لم يتجاوز ج‌6 ص 291

[ (مسألة 12): إذا شك في صحة قراءة آية أو كلمة يجب إعادتها إذا لم يتجاوز]

(مسألة 12): إذا شك في صحة قراءة آية أو كلمة يجب إعادتها إذا لم يتجاوز (1)، و يجوز بقصد الاحتياط مع التجاوز، و لا بأس بتكرارها مع تكرر الشك ما لم يكن عن وسوسة، و معه يشكل الصحة إذا أعاد (2).

[ (مسألة 13): في ضيق الوقت يجب الاقتصار على المرة في التسبيحات الأربع]

(مسألة 13): في ضيق الوقت يجب الاقتصار على المرة في التسبيحات الأربع (3).

[ (مسألة 14): يجوز في إِيّٰاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ القراءة بإشباع كسر الهمزة و بلا إشباعه]

(مسألة 14): يجوز في (إِيّٰاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ) القراءة بإشباع كسر الهمزة و بلا إشباعه (4).

[ (مسألة 15): إذا شك في حركة كلمة أو مخرج حروفها لا يجوز أن يقرأ بالوجهين]

(مسألة 15): إذا شك في حركة كلمة أو مخرج حروفها لا يجوز أن يقرأ بالوجهين مع فرض العلم ببطلان أحدهما، بل مع الشك أيضاً (5)، كما مر، لكن لو اختار أحد الوجهين مع البناء على إعادة الصلاة لو كان باطلا، لا بأس به (6).

لفواته عمداً، الموجب لزيادة القراءة عمداً.

نعم لو بني على جريان قاعدة الفراغ في الأجزاء- كما هو الظاهر، لعموم دليلها- اقتضت البناء على الصحة و لو لم يتجاوز.

للنهي عن العمل على مقتضى الوسواس الموجب للحرمة، فلو بني على قدح القراءة المحرمة تعين القول بالبطلان.

لئلا يفوت الوقت فيفوت معه الواجب.

يعني: بالتخفيف، فإنه قرئ كذلك، كما في الكشاف، لكن لم يتحقق أنها قراءة يصح التعويل عليها أولا.

لأن شكه من قبيل الشك في الشبهة الحكمية التي لا يجوز الاقدام فيها.

بل حتى مع عدم البناء على ذلك، لإمكان التقرب بالمحتمل إذا‌

 

291
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 الأحوط فيما يجب قراءته جهرا أن يحافظ على الإجهار في جميع الكلمات ج‌6 ص 292

[ (مسألة 16): الأحوط فيما يجب قراءته جهراً أن يحافظ على الإجهار في جميع الكلمات]

(مسألة 16): الأحوط فيما يجب قراءته جهراً أن يحافظ على الإجهار في جميع الكلمات، حتى أواخر الآيات، بل جميع حروفها، و إن كان لا يبعد اغتفار الإخفات في الكلمة الأخيرة من الآية (1)، فضلا عن حرف آخرها.

[فصل في الركوع]

فصل في الركوع يجب في كل ركعة من الفرائض و النوافل ركوع (2) كان مطابقاً للواقع و ان لم يعزم على الاحتياط، و ما ذكره شيخنا الأعظم (قدس سره) في مبحث الشبهة الوجوبية من رسائله من عدم صحة التقرب بالمحتمل إذا لم يعزم المكلف على الاحتياط، غير ظاهر.

هذا غير ظاهر و مناف لإطلاق أدلة وجوب الجهر في القراءة الجهرية و صدق الجهر في القراءة عند العرف مع الإخفات في الكلمة من الآية أو الحرف. مبني على المساهلة، فلا يعول عليه. مع أنه لو تمَّ لم يفرق بين الكلمة الأخيرة من الآية و غيرها من كلماتها، و كذا الحرف، فتخصيص الجواز بالأخيرة أيضاً، غير ظاهر، كتخصيص الحكم بالجهر، إذ لازم التعليل المذكور جواز الجهر في بعض الكلمات إذا كانت الصلاة إخفاتية.

و اللّه سبحانه أعلم.

فصل في الركوع بالضرورة من الدين، كما صرح به غير واحد، لتوقف صدق الركعة عليه، بل لأجله سميت الركعة ركعة.

 

292
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في الركوع ج‌6 ص 292

واحد (1)، إلا في صلاة الآيات، ففي كل ركعة من ركعتيها خمس ركوعات، كما سيأتي (2). و هو ركن تبطل الصلاة بتركه عمداً كان أو سهواً، و كذا بزيادته في الفريضة، إلا في صلاة الجماعة فلا تضر بقصد المتابعة‌

[و واجباته أمور]

و واجباته أمور:

[أحدها: الانحناء على الوجه المتعارف]

أحدها: الانحناء على الوجه المتعارف (3) بمقدار تصل يداه إلى ركبتيه (4) وصولا لو أراد وضع شي‌ء منهما عليهما لوضعه، و يكفي وصول مجموع أطراف الأصابع التي منها إجماعاً، و لحصول الامتثال به.

يأتي إن شاء اللّه التعرض لوجهه في محله، و كذا التعرض لبطلان الصلاة بزيادته و نقيصته عمداً و سهواً في مبحث الخلل، و لعدم قدح زيادته للمتابعة في الجماعة إن شاء اللّه.

لضرورة اعتباره في مفهومه عرفا. مضافا الى اتفاق النص و الفتوى عليه.

بلا خلاف فيه في الجملة، بل نقل الإجماع عليه كثير جداً و إن اختلفت عباراتهم في تعيين ذلك المقدار على وجه يظهر منها اختلافهم فيه، ففي بعضها: وضع يديه على ركبتيه، و في آخر: وضع راحتيه على ركبتيه، و في ثالث: وصول يديه أو بلوغ يديه الى ركبتيه، و في رابع: وصول راحتيه أو بلوغ راحتيه الى ركبتيه، و في خامس: وضع كفيه على ركبتيه، و في سادس: وصول كفيه الى ركبتيه.

و العمدة الاختلاف في التعبير بالراحة تارة، و باليد أو الكف أخرى، كالاختلاف في التعبير بالوصول تارة، و بالوضع أخرى. لكن عن الروض و الديوان أن الراحة الكف، و يشير اليه ما ذكره العلامة (رحمه اللّه) فإنه‌

 

293
مستمسک العروة الوثقى6

أحدها الانحناء على الوجه المتعارف ج‌6 ص 293

.....

قال في المنتهى: «و يجب فيه الانحناء بلا خلاف، و قدره أن تكون بحيث تبلغ يداه الى ركبتيه، و هو قول أهل العلم كافة، إلا أبا حنيفة» و قال في التذكرة: «و يجب فيه الانحناء الى أن تبلغ راحتاه إلى ركبتيه، إجماعا إلا من أبي حنيفة». فلو لم يكن المراد من الراحة الكف كان منه تناقضاً.

اللهم إلا أن يكون المقصود نقل الإجماع على اعتبار مرتبة خاصة من الانحناء في قبال أبي حنيفة المجتزي بمسمى الانحناء. لكنه خلاف الظاهر.

و كيف كان فالاختلاف في اعتبار التمكن من الوضع أو التمكن من الوصول مستحكم لا رافع له، و لا يهم التعرض لبعض الأمور الصالحة للظن بانتفاء هذا الاختلاف بعد ما لم تكن موجبة للقطع بالإجماع بنحو يصح الاعتماد عليه في إثبات الحكم.

فاللازم إذاً الرجوع الى الأدلة الأخر، فنقول: استدل على وجوب الانحناء بمقدار ما يمكن وضع اليد أو الراحة على الركبة، تارة: بقاعدة الاشتغال. و أخرى:

بالنبوي: «إذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك» «1»‌

و ثالثة:

بصحيح حماد الحاكي لصلاة الصادق (ع) تعليما له: «ثمَّ ركع و ملأ كفيه من ركبتيه» «2».

و رابعة:

بصحيح زرارة: «و تمكن راحتيك من ركبتيك» «3»‌

، و نحوه ما في صحيحه الآخر «4».

و في الجميع ما لا يخفى، إذ المرجع في مثل المقام أصل البراءة، و النصوص المذكورة لا مجال للاعتماد عليها في دعوى الوجوب، لورودها في مقام بيان الآداب و المستحبات، و إلا فقد ادعي الإجماع على عدم وجوب‌

______________________________
(1) المعتبر، فصل الركوع، المسألة: 1 صفحة: 179. و فيه: «على ركبتك».

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب الركوع حديث: 1.

 

294
مستمسک العروة الوثقى6

أحدها الانحناء على الوجه المتعارف ج‌6 ص 293

.....

الوضع الفعلي فيتعين الحمل على الاستحباب. و معه كيف يمكن استظهار وجوب الانحناء بهذا المقدار منها، كما هو ظاهر. مضافا الى ما‌

في أحد صحيحي زرارة من قول أبي جعفر (ع): «فان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك الى ركبتيك أجزأك ذلك، و أحب إلي أن تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة و تفرج بينها» «1»‌

، و الى خبر معاوية و ابن مسلم و الحلبي «2»، المروي في المعتبر و المنتهى- و في الثاني وصفه بالصحيح-

قالوا: «و بلغ أطراف أصابعك عين الركبة، فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك الى ركبتيك أجزأك ذلك، و أحب إلي أن تمكن كفيك من ركبتيك»‌

، فإنهما صريحان في الاجتزاء بمجرد وصول أطراف الأصابع إلى الركبة.

و الأصابع و إن كان جمعاً محلى باللام، ظاهراً في العموم الأفرادي الشامل حتى للإبهام و الخنصر، المستلزم وصول طرفهما إلى الركبة وضع تمام بقية الأصابع تقريباً عليها. إلا أن التعبير بالأطراف لما لم يناسب ذلك جداً تعين حمله على العموم المجموعي، و وصول المجموع من حيث المجموع يكفي في حصوله وصول الواحد. و عليه يكفي وصول طرف الوسطى إلى الركبة و إن لم يصل طرف غيرها إليها. و ما في جامع المقاصد من احتمال حمل أطراف الأصابع على الأطراف التي تلي الكف. فيه: أنه لو أريد ذلك بالإضافة الى غير الإبهام كان تفكيكا مستبشعاً، و لو أريد حتى بالإضافة إلى الإبهام كان أعظم منه استبشاعا.

و الطعن في الخبرين بمخالفتهما لفتوى الفرقة كما عن الذخيرة، أو المعروف بين الأصحاب، كما في جامع المقاصد، حيث قال فيه: «لم أقف في كلام‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 28 من أبواب الركوع حديث: 2. لكن صاحب الوسائل ذكر صدر الحديث فقط و لم يذكر قوله: «فان وصلت ..».

 

295
مستمسک العروة الوثقى6

أحدها الانحناء على الوجه المتعارف ج‌6 ص 293

.....

لأحد يعتد به على الاجتزاء ببلوغ رؤوس الأصابع في حصول الركوع».

غير ظاهر، كيف و قد تقدم ما في المنتهى من قوله: «بحيث تبلغ يداه الى ركبتيه و هو قول أهل العلم كافة إلا أبا حنيفة»، و قال في المعتبر:

«و الواجب فيه الانحناء قدراً تصل كفاه ركبتيه»، و في المسالك: «و الظاهر الاكتفاء ببلوغ الأصابع»، و‌

في حديث زرارة المعتبر: «فان وصلت ..»‌

و نحوه ما عن غيرهم.

و مثله في الاشكال معارضتهما‌

بموثق عمار عن أبي عبد اللّه (ع) فيمن ينسى القنوت قال (ع): «و إن ذكره و قد أهوى إلى الركوع قبل أن يضع يديه على الركبتين فليرجع قائما و ليقنت ثمَّ ليركع، و إن وضع يديه على الركبتين فليمض في صلاته» «1».

إذ فيه- مع أنه ظاهر في اعتبار الوضع على نحو الموضوعية-: أنه ليس في مقام تحديد الانحناء الركوعي، فيكون التصرف فيه أهون، فلا يصلح لمعارضة ما سبق مما دل على الاجتزاء بالأقل.

فالعمل على ما سبق متعين، و لا سيما مع موافقته لمقطوع زرارة المنسوب- كما عن الذكرى و جامع المقاصد- إلى عمل الأصحاب، و‌

في الوسائل رواه عن أبي جعفر (ع): «إن المرأة إذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلا تطأطأ كثيراً فترتفع عجيزتها» «2»‌

، و حينئذ لا حاجة إلى تكلف الجمع بينه و بين القول باعتبار وضع اليد أو الراحة، إما باختلاف معنى الركوع لغة أو شرعا في الرجل و المرأة، و إما بدعوى أن وضع اليدين على الفخذين لا ينافي وجوب الانحناء الزائد على ذلك، أو غير ذلك مما هو خلاف ظاهر الخبر، أو مما يصعب الالتزام به. فلاحظ.

______________________________
(1) الوسائل باب: 15 من أبواب القنوت حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 4. و باب: 18 من أبواب الركوع حديث: 2.

 

296
مستمسک العروة الوثقى6

أحدها الانحناء على الوجه المتعارف ج‌6 ص 293

الإبهام على الوجه المذكور، و الأحوط الانحناء بمقدار إمكان وصول الراحة إليها (1)، فلا يكفي مسمى الانحناء، و لا الانحناء على غير الوجه المتعارف، بأن ينحني على أحد جانبيه أو يخفض كفليه و يرفع ركبتيه، و نحو ذلك. و غير المستوي الخلقة كطويل اليدين أو قصيرهما يرجع إلى المستوي (2) عملا بظاهر بعض العبارات، كما تقدم.

كما هو المشهور، و عن جمهور المتأخرين التصريح به، و في الجواهر: «لا خلاف أجده فيه سوى ما في مجمع البرهان من أنه لا دليل واضح على انحناء قصير اليدين أو طويلهما كالمستوي، و لا يبعد القول بالانحناء حتى يصل الى الركبتين مطلقاً، لظاهر الخبر، مع عدم المنافي، و عدم التعذر. نعم لو وصل بغير الانحناء يمكن اعتبار ذلك، مع إمكان الاكتفاء بما يصدق الانحناء عليه. و هو من الغرائب ..».

أقول: إن بني على أن الوصول إلى الركبة في الصحيح ملحوظ طريقاً الى تعيين المرتبة الخاصة من الانحناء و تحديدها، فلا ينبغي التأمل فيما هو المشهور من الرجوع الى المتعارف في طويل اليدين و قصيرهما، و طويل الفخذين و قصيرهما، لامتناع التقدير بالجامع بين المراتب المختلفة، فلا بد أن يكون إما بالأقل أو بالأكثر أو بالمتوسط، و إذ لا قرينة على أحد الأولين و كان الأخير مما يمكن الاعتماد على الغلبة في بيان التقدير به، يتعين الحمل عليه عند الإطلاق، كما أشرنا الى ذلك في الوضوء و غيره.

و إن بني على أن الوصول ملحوظ موضوعاً- كما يقتضيه الجمود على ظاهر النص- فما ذكره الأردبيلي (رحمه اللّه) في محله. لكن المبنى المذكور في غاية الوهن، لدعوى غير واحد الإجماع على عدم وجوب الوضع و عن جماعة نفي الخلاف فيه، فيتعين حمل الصحيح على تقدير مرتبة الانحناء‌

 

297
مستمسک العروة الوثقى6

أحدها الانحناء على الوجه المتعارف ج‌6 ص 293

و لا بأس باختلاف أفراد المستوين خلقة، فلكل حكم نفسه بالنسبة إلى يديه و ركبتيه.

[الثاني: الذكر]

الثاني: الذكر (1) اللازم في الركوع فيتعين البناء على المشهور من رجوع الخارج عن المتعارف في طرفي الإفراط و التفريط اليه.

هذا و لأجل أن المتعارف متفاوت أيضاً بالزيادة و النقيصة فهل يرجع الى الأكثر انحناء- للاحتياط- أو الأقل- لأصالة البراءة- أو المتوسط،- لأنه المنصرف أيضاً في مقام التحديد- وجوه: خيرها أوسطها، لعدم لزوم الاحتياط في أمثال المقام، و عدم الغلبة الموجبة للانصراف. مع أن معرفة الوسط الحقيقي إن لم تكن متعذرة ففي غاية الصعوبة، فيمتنع التحديد به كما لا يخفى.

و من ذلك تعرف الاشكال فيما ذكره المصنف (ره) تبعاً لما في الجواهر بقوله (رحمه اللّه): «فلكل حكم نفسه». و ما في الجواهر من تعليله بأنه المنساق الى الذهن، و الموافق لغرض التحديد، و لكاف الخطاب غير واضح لمنع الانسياق و ظهور الكلام في التحديد يقتضي إرادة الإشارة إلى مرتبة خاصة في جميع المكلفين و إلا لم يكن ما ذكره الأردبيلي غريباً، و كاف الخطاب لا مجال للأخذ بها على كل حال. مع أن ما ذكره يقتضي الإشكال في طرفي الإفراط و التفريط الخارجين عن المتعارف من حيث رجوعهما إلى أقل المتعارف أو الأكثر أو المتوسط، إذ كل ذلك على هذا القول غير ظاهر، بخلاف القول بالرجوع إلى الأقل، فإنه أيضا يرجع الى الأقل، لأصل البراءة. فلاحظ و تأمل.

إجماعا، كما عن الخلاف، و المعتبر، و المنتهى، و الذكرى، و جامع المقاصد، و المدارك، و المفاتيح، و غيرها. و يشهد به النصوص الآتي بعضها إن شاء اللّه تعالى.

 

298
مستمسک العروة الوثقى6

الثاني الذكر ج‌6 ص 298

و الأحوط اختيار التسبيح من أفراده (1) مخيراً بين الثلاث فقد نسب إلى الأكثر أو المشهور تعينه، بل عن الانتصار، و الخلاف، و الغنية، و الوسيلة، الإجماع عليه. لظاهر جملة من النصوص،

كصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: «قلت له: ما يجزي من القول في الركوع و السجود فقال (ع): ثلاث تسبيحات في ترسل و واحدة تامة تجزئ» «1»‌

، و ما‌

في موثق سماعة: «أما ما يجزيك من الركوع فثلاث تسبيحات، تقول: سبحان اللّه، سبحان اللّه، ثلاثاً» «2»‌

و‌

خبر الحضرمي: «قال أبو جعفر (ع): تدري حد الركوع و السجود؟

قلت: لا. قال (ع): سبح في الركوع ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم و بحمده، و في السجود: سبحان ربي الأعلى و بحمده، ثلاث مرات» «3»‌

، و نحوها غيرها.

لكن عن المبسوط و كثير من كتب العلامة (ره) و غيره من المتأخرين الاكتفاء بمطلق الذكر. بل عن السرائر نفي الخلاف فيه، لجملة أخرى من النصوص‌

كصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «قلت له: يجزي أن أقول مكان التسبيح في الركوع و السجود: لا إله إلا اللّه و الحمد للّٰه و اللّه أكبر؟ فقال: نعم كل هذا ذكر اللّه تعالى» «4»‌

، و نحوه‌

صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه (ع): «و قال: سألته يجزئ عني أن أقول مكان التسبيح في الركوع و السجود: لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر قال (ع): نعم» «5»‌

، و‌

حسن مسمع أبي سيار عن أبي عبد اللّه (ع):

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب الركوع حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب الركوع حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب الركوع حديث: 7.

(4) الوسائل باب: 7 من أبواب الركوع حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 7 من أبواب الركوع حديث: 2.

 

299
مستمسک العروة الوثقى6

الثاني الذكر ج‌6 ص 298

من الصغرى و هي: «سبحان اللّه» (1) و بين التسبيحة الكبرى و هي: «سبحان ربي العظيم و بحمده» (2)

«يجزيك من القول في الركوع و السجود ثلاث تسبيحات أو قدرهن مترسلا» «1»‌

فان مقتضى الجمع بينها و بين الأول حمل الأول على بيان أحد الأفراد أو على الأفضل، كما هو محمل خبر الحضرمي.

هذا و على تقدير تعين التسبيح فهل يجزئ مطلقه؟- كما عن الانتصار و الغنية- أو يتعين التسبيحة الكبرى- كما عن نهاية الشيخ- أو يتخير بينها و بين التسبيحات الثلاث الصغريات- كما عن ابني بابويه و غيرهما- أو يتعين ثلاث كبريات- كما في التذكرة نسبته الى بعض علمائنا- أقوال: منشؤها اختلاف النصوص. لكن الجمع بينها يقتضي البناء على الثالث.

لما‌

رواه معاوية بن عمار في الصحيح: «قلت لأبي عبد اللّه (ع):

أخف ما يكون من التسبيح في الصلاة قال (ع): ثلاث تسبيحات مترسلا تقول: سبحان اللّه سبحان اللّه سبحان اللّه» «2»‌

، و قد تقدم في موثق سماعة «3».

كما تقدم في خبر الحضرمي «4». و‌

في صحيح هشام: «تقول في الركوع: سبحان ربي العظيم، و في السجود: سبحان ربي الأعلى» «5»‌

لكن ترك فيه‌

«و بحمده»‌

. بل عن الشهيدين، و المحقق الثاني، و البحار، خلوّ أكثر الأخبار منه، و لذا حكي عن جماعة أنها مستحبة، و عن التنقيح‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب الركوع حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب الركوع حديث: 2.

(3) راجع التعليقة السابقة.

(4) راجع صفحة: 299.

(5) الوسائل باب: 4 من أبواب الركوع حديث: 1.

 

300
مستمسک العروة الوثقى6

الثاني الذكر ج‌6 ص 298

.....

نسبته إلى الأكثر، بل عن المعتبر و كنز العرفان أنها مستحبة عندنا.

لكن عن حاشية المدارك للبهبهاني (رحمه اللّه): أنها مذكورة في تسعة أخبار: صحيحة زرارة «1»، و صحيحة حماد «2»، المشهورتين، و صحيحة عمر بن أذينة «3» المروية في علل الأذان- و الصدوق رواها في العلل بطرق متعددة-، و رواية إسحاق بن عمار «4» و رواية هشام ابن الحكم عن الصادق (ع) «5»، و رواية هشام عن الكاظم (ع) «6»، و رواية أبي بكر الحضرمي «7»، و صحيحة زرارة أو حسنته عن الباقر عليه السلام «8»، و رواية حمزة بن حمران و الحسن بن زياد «9». انتهى، و زاد في مفتاح الكرامة ثلاث روايات، رواية إبراهيم بن محمد الثقفي في كتاب الغارات «10»، و رواية كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم «11»، و ما في الفقه الرضوي «12». فيكون المجموع اثنتي عشرة، فاذا أضيف‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3. لكنها خالية عن ذكر الركوع و السجود.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 10.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 11.

(5) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 12.

(6) الوسائل باب: 21 من أبواب الركوع حديث: 2.

(7) الوسائل باب: 4 من أبواب الركوع حديث: 5 و 7.

(8) الوسائل باب: 1 من أبواب الركوع حديث: 1.

(9) الوسائل باب: 6 من أبواب الركوع حديث: 2.

(10) مستدرك الوسائل باب: 16 من أبواب الركوع حديث: 1.

(11) مستدرك الوسائل باب: 20 من أبواب الركوع حديث: 6.

(12) مستدرك الوسائل باب: 20 من أبواب الركوع حديث: 2.

 

301
مستمسک العروة الوثقى6

الثاني الذكر ج‌6 ص 298

و إن كان الأقوى كفاية مطلق الذكر من التسبيح، أو التحميد، أو التهليل، أو التكبير، بل و غيرها بشرط أن يكون بقدر الثلاث الصغريات (1)، فيجزي أن يقول: «الحمد للّٰه»، ثلاثاً أو «اللّه أكبر»، كذلك أو نحو ذلك.

إليها ما في دعائم الإسلام «1»، و المرسل المحكي عن هداية الصدوق «2»، يكون المجموع أربع عشرة رواية.

و الجمع العرفي بينها و بين ما ترك فيها ذكره- كرواية هشام بن سالم «3»، و مصححة الحلبي [1] الواردة في دعاء السجود، و يومئ اليه خبر عقبة بن عامر الجهني «4»- هو حمل ما ترك فيه على إرادة الاكتفاء في بيان الكل ببيان البعض، فإنه أقرب عرفا من الحمل على الاستحباب.

كما اختاره في الجواهر، حاكياً له عن صريح الرياض، و ظاهر أمالي الصدوق. لحسن مسمع المتقدم «5»، و‌

حسنه الآخر عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا يجزئ الرجل في صلاته أقل من ثلاث تسبيحات أو قدرهن» «6».

و عليه يحمل إطلاق غيره، كما يحمل ما في صحيح هشام‌

______________________________
[1] الوسائل باب: 2 من أبواب السجود حديث: 1. لكن لفظة «و بحمده» موجودة في نسخة الوسائل المطبوعة حديثاً. و في الطبعة القديمة وضعت عليها علامة (خ ل). نعم في الوافي ينقل الحديث عن الكافي و التهذيب خالياً عن لفظة «و بحمده». راجعه في أول باب السجدتين.

______________________________
(1) مستدرك الوسائل باب: 20 من أبواب الركوع حديث: 1.

(2) مستدرك الوسائل باب: 4 من أبواب الركوع حديث: 4.

(3) تقدمت في صفحة: 299.

(4) الوسائل باب: 21 من أبواب الركوع حديث: 1.

(5) راجع صفحة: 299.

(6) الوسائل باب: 5 من أبواب الركوع حديث: 4.

 

302
مستمسک العروة الوثقى6

الثالث الطمأنينة فيه بمقدار الذكر الواجب ج‌6 ص 303

[الثالث: الطمأنينة فيه بمقدار الذكر الواجب]

الثالث: الطمأنينة فيه (1) بمقدار الذكر الواجب، بل ابن سالم المتقدم «1» على إرادة الاجتزاء بالتهليل و التكبير عن التسبيح من غير جهة العدد.

إجماعا، كما عن الناصريات، و الغنية، و في المعتبر: «أنها واجبة باتفاق علمائنا»، و في المنتهى: «و هو قول علمائنا أجمع»، و في جامع المقاصد: «هي واجبة بإجماع علمائنا»، بل عن الخلاف الإجماع على ركنيتها و استدل له‌

بمصحح زرارة عن أبي جعفر (ع): «بينا رسول اللّه (ص) جالس في المسجد إذ دخل رجل، فقام يصلي فلم يتم ركوعه و لا سجوده، فقال (ص): نقر كنقر الغراب، لئن مات هذا و هذه صلاته ليموتن على غير ديني» «2».

لكنه إنما يدل على وجوب الاستمرار راكعاً بمقدار الذكر و لو كان بحيث يتمايل عن أحد الجانبين الى الآخر، في قبال الاستعجال برفع الرأس الذي به يكون ركوعه كنقر الغراب، و لا يرتبط بما نحن فيه.

و مثله في الاشكال الاستدلال‌

بخبر عبد اللّه بن ميمون عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أبصر علي بن أبي طالب (ع) رجلا ينقر صلاته فقال (ع):

منذ كم صليت بهذه الصلاة؟ قال له الرجل: منذ كذا و كذا، فقال (ع):

مثلك عند اللّه كمثل الغراب إذا ما نقر، لو مت مت على غير ملة أبي القاسم محمد (ص)، ثمَّ قال: أسرق الناس من سرق من صلاته» «3».

و أشكل من ذلك الاستدلال‌

بالنبوي المحكي عن الذكرى: «لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع و السجود» «4».

فان الظاهر‌

______________________________
(1) راجع صفحة: 299.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب الركوع حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 9 من أبواب أعداد الفرائض حديث: 2.

(4) الذكرى: المسألة الرابعة من مسائل الركوع. و راجع ايضاً كنز العمال ج: 4 صفحة: 97.

 

303
مستمسک العروة الوثقى6

الثالث الطمأنينة فيه بمقدار الذكر الواجب ج‌6 ص 303

الأحوط ذلك في الذكر المندوب أيضاً (1) إذا جاء به بقصد الخصوصية. فلو تركها عمداً بطلت صلاته بخلاف السهو على الأصح (2)، و إن كان الأحوط الاستئناف إذا تركها فيه أصلا، و لو سهواً، بل و كذلك إذا تركها في الذكر الواجب.

من إقامة الظهر اعتداله مقابل تقوسه، لا بمعنى الطمأنينة. نعم‌

خبر بكر ابن محمد الأزدي: «إذا ركع فليتمكن» «1»‌

، و‌

مرسل الذكرى عن النبي (ص): «ثمَّ اركع حتى تطمئن راكعاً» «2».

يدلان على وجوب الطمأنينة في الركوع في الجملة، لا على وجوبها بمقدار الذكر الواجب، كما هو المدعى. فالعمدة في دليله: الإجماع.

بناء على ما عرفت من دعوى الإجماع على وجوب الطمأنينة في جميع الأفعال الصلاتية، حتى المستحب منها، كما تقدم في المسألة التاسعة و العشرين من فصل القيام، و تقدم من المصنف (رحمه اللّه) الجزم بذلك.

إذ القدر المتيقن من معقد الإجماع خصوص العمد. و ما تقدم عن الخلاف من الإجماع على ركنيتها، موهون بمصير الأكثر إلى الصحة بفواتها سهواً. و دعوى: أن الطمأنينة مقومة للركوع عرفا. ممنوعة. فضلا عن الطمأنينة بمقدار الذكر الواجب.

نعم لو أمكن الاعتماد على النبوي المتقدم عن الذكرى، الظاهر في شرطية الطمأنينة للركوع أمكن البناء على البطلان بفواتها، لاقتضائه فوات الركوع. لكنه ضعيف السند، و لا يقتضي البطلان بفوات الطمأنينة حال الذكر. فالمرجع في وجوبها حال الذكر في السهو أصل البراءة. و كذا‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب أعداد الفرائض حديث: 14.

(2) الذكرى: المسألة الاولى من مسائل الركوع. و راجع أيضاً كنز العمال ج: 4 صفحة:

 

304
مستمسک العروة الوثقى6

الرابع رفع الرأس منه حتى ينتصب قائما ج‌6 ص 305

[الرابع: رفع الرأس منه حتى ينتصب قائماً]

الرابع: رفع الرأس منه حتى ينتصب قائماً (1) فلو سجد قبل ذلك عامداً بطلت الصلاة.

[الخامس: الطمأنينة حال القيام بعد الرفع]

الخامس: الطمأنينة حال القيام بعد الرفع (2)، فتركها عمداً مبطل للصلاة.

لو شك في دخولها في مفهوم الركوع عرفا، إذ مع إجمال المفهوم أيضاً يرجع الى أصل البراءة. و لأجل هذا الأصل يحكم بصحة الصلاة بفواتها.

لا‌

لحديث: «لا تعاد الصلاة» «1».

إذ هو لا يجدي في إثبات الصحة بعد احتمال كونها قيداً للركوع، الموجب لكون فواتها موجباً لفوات الركوع، الموجب للبطلان، من دون فرق بين أن تكون قيداً له عرفاً و شرعا.

فلاحظ. و مما سبق تعرف وجه الاحتياط الذي ذكره في المتن.

هو مذهب علمائنا- كما في المعتبر- و ذهب إليه علماؤنا أجمع- كما في المنتهى- و إجماعا منا- كما في جامع المقاصد- و نحوه ما عن غيرهم.

و ربما يشير اليه‌

خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك، فإنه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه» «2».

و ما‌

في صحيح حماد: «ثمَّ استوى قائماً فلما استمكن من القيام قال: سمع اللّه لمن حمده» «3»‌

، و ما‌

في النبوي: «ثمَّ ارفع رأسك حتى تعتدل قائماً» «4».

إجماعا صرح به جماعة، و حكي عن آخرين. و هو العمدة. و أما الأمر بإقامة الصلب و الاعتدال في خبر أبي بصير المتقدم و غيره. فلا يصلح‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 16 من أبواب الركوع حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.

(4) الذكرى: المسألة الاولى من مسائل الركوع.

 

305
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 1 لا يجب وضع اليدين على الركبتين حال الركوع ج‌6 ص 306

[ (مسألة 1): لا يجب وضع اليدين على الركبتين حال الركوع]

(مسألة 1): لا يجب وضع اليدين على الركبتين حال الركوع (1)، بل يكتفي الانحناء بمقدار إمكان الوضع، كما مر.

[ (مسألة 2): إذا لم يتمكن من الانحناء على الوجه المذكور]

(مسألة 2): إذا لم يتمكن من الانحناء على الوجه المذكور و لو بالاعتماد على شي‌ء أتى بالقدر الممكن (2)، لا ثبات وجوبها، لأن الطمأنينة أمر زائد على الاعتدال.

إجماعا، كما عن غير واحد. قال في الحدائق: «لا خلاف بين الأصحاب فيما أعلم أنه لا يجب وضع اليدين على الركبتين، و قد نقلوا الإجماع على ذلك»، و قال بعد ذلك: «لا يخفى أن ظاهر أخبار المسألة هو الوضع، لا مجرد الانحناء بحيث لو أراد لوضع. و أن الوضع مستحب، كما هو المشهور في كلامهم، و الدائر على رؤوس أقلامهم، فإن هذه الأخبار و نحوها ظاهرة في خلافه، و لا مخصص لهذه الأخبار إلا ما يدعونه من الإجماع على عدم وجوب الوضع». أقول: أما أخبار الوضع على الركبتين فهي محمولة على الاستحباب، بقرينة ما في الصحيحين المتقدمين «1» من‌

قوله (ع): «فان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك الى ركبتيك أجزأك ذلك».

و أما ما في الصحيحين فلا يدل على رجحان الوضع فضلا عن وجوبه، إذ الوصول غير الوضع.

و دعوى: أن المراد أنه يضع يديه على فخذيه بنحو تصل الى ركبتيه. غير ظاهرة، بل من المحتمل أن يكون إهمال ذكر الوضع لعدم وجوبه و أن ذكر الوصول لأجل تحديد الانحناء، إذ هو موضوع الاجزاء لا نفس الوصول كما لا يخفى. على أن الإجماع المتسالم عليه في جميع الطبقات يقوى على صرف الكلام الى غير الظاهر.

بلا خلاف، كما في الجواهر و غيرها، بل في المعتبر: «انه قول العلماء كافة». و هذا هو العمدة في العمل بقاعدة الميسور. و إلا فقد‌

______________________________
(1) راجع المورد الأول من واجبات الركوع.

 

306
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 إذا لم يتمكن من الانحناء على الوجه المذكور ج‌6 ص 306

.....

عرفت الإشكال في ثبوتها في نفسها مع قطع النظر عن الإجماع، إذ النصوص المستدل بها عليها ضعيفة غير مجبورة.

و أما ما في الجواهر من الاشكال عليها بأن الهوي إلى الركوع مقدمة له كالهوي إلى السجود، لحصر واجبات الصلاة نصاً و فتوى في غيرهما، و لانسباق ذلك الى الذهن لو فرض الأمر بالركوع و السجود، فالأصل براءة الذمة من وجوبهما لنفسيهما، و من وجوب القصد بهما للركوع و السجود فليس هما إلا مقدمة خارجية. و عليه لو هوى غافلا لا بقصد ركوع أو غيره أو بقصد غيره من قتل حية أو عقرب ثمَّ بدا له الركوع أو السجود صح.

ففيه: أن الركوع عبارة عن المرتبة الخاصة من الانحناء، التي لا ريب في أنها من التأكد في الكيف الذي يدخل فيه الأقل تحت الأكثر، نظير السواد الشديد و الضعيف. وجوب الأكثر عين وجوب الأقل، بل لو كان الركوع عبارة عن الحركة من الانتصاب الى حد الركوع فالحال كذلك، فان كل حركة بين الحدين جزء المجموع. و احتمال كون الركوع غير الانحناء و غير الحركة المذكورة بنحو يكون الهوي مقدمة له لا جزءاً منه في غاية البعد. و عدم عده واجباً زائداً على الواجبات الصلاتية المعروفة. ليس لكونه مقدمة لها، بل لكونه جزءاً من أحدها فيغني عدها عن عده، و من ذلك يظهر أنه لا يكون جزءاً صلاتياً إلا بفعله بقصد الصلاة، فإن كان إطلاق يقتضي الاكتفاء بالركوع و لو بقاء جاز له أن يبقى راكعاً بقصد الصلاة، و كذا لو هوى لا بقصد الصلاة و مقارناً للركوع قصد الصلاة.

و إن بني على انصراف الإطلاق إلى خصوص الحدوثي، أو تقييده بذلك، لدعوى الإجماع عليه، فلا بد من تداركه بلا حاجة الى استئناف الصلاة، لعدم الزيادة الموجبة للبطلان، لتقومها بقصد الجزئية، و هو غير حاصل.

و كذا الحال لو بني على الرجوع الى الاحتياط، بناء على أصالة التعيين عند‌

 

307
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 إذا لم يتمكن من الانحناء على الوجه المذكور ج‌6 ص 306

و لا ينتقل إلى الجلوس (1)، و إن تمكن من الركوع منه (2) و إن لم يتمكن من الانحناء أصلا، و تمكن منه جالساً (3)، أتى به جالساً (4).

التردد بينه و بين التخيير.

لأن أدلة بدليته موضوعها تعذر القيام، و هو غير حاصل.

يعني من الركوع التام في حال الجلوس، كما عن صريح العلامة الطباطبائي (ره)، و استظهره في الجواهر من الشرائع و غيرها، لأنه أقرب من الواجب و لتحصيل القيام المتصل بالركوع. و هو في محله.

يعني تمكن من الركوع التام.

كما مال إليه العلامة الطباطبائي (ره) في منظومته بقوله:

«و في انحناء من جلوس مطلقا دار مع الإيماء وجه ذو ارتقاء»

قال في الجواهر: «و لعله لأولوية إبدال القيام بالجلوس من الركوع بالإيماء»، و قال في مبحث القيام- فيما لو دار الأمر بين الصلاة مومياً قائماً، و بين الصلاة جالساً راكعاً و ساجداً-: «و أعجب من ذلك دعوى اتفاق الأصحاب على تقديم القيام و الإيماء و إن تمكن من الركوع جالساً، و أن ذلك هو ظاهر معقد إجماع المنتهى. و ظني أنه لم يقل به أحد من الأصحاب»، و عليه ففي الفرض يكون الحكم بوجوب الجلوس أولى للاقتصار في الجلوس على حال الركوع لا غير.

و العمدة فيه: دعوى كونه الميسور عرفا، و أنه أقرب الى الصلاة التامة من الإيماء قائماً. و ما دل على بدلية الإيماء عن الركوع. قاصر عن شمول الفرض، للقدرة على الركوع جالسا. و مع ذلك لا تخلو المسألة من إشكال لاحتمال رجحان القيام الركني على الركوع. بل تقدم عن بعض التصريح بتقديم القيام مع الإيماء على الركوع مع الجلوس، بل ربما نسب‌

 

308
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 إذا لم يتمكن من الانحناء على الوجه المذكور ج‌6 ص 306

و الأحوط صلاة أخرى بالإيماء قائماً. و إن لم يتمكن منه جالساً أيضاً أومأ له و هو قائم برأسه (1) إن أمكن، و إلا فبالعينين تغميضاً له و فتحاً للرفع منه. و إن لم يتمكن من ذلك أيضاً نواه بقلبه (2)، و أتى بالذكر الواجب.

[ (مسألة 3): إذا دار الأمر بين الركوع جالساً مع الانحناء في الجملة]

(مسألة 3): إذا دار الأمر بين الركوع جالساً مع الانحناء في الجملة، و قائماً مومياً، لا يبعد تقديم الثاني (3).

و الأحوط تكرار الصلاة.

الى جماعة دعوى الإجماع عليه. و لذا توقف فيه المصنف (ره) هنا و في مبحث القيام فجعل الأحوط ضم صلاة أخرى. و قد تقدم بعض الكلام فيه في مبحث القيام فراجع.

كما هو المعروف بينهم. بل في المنتهى: «لو أمكنه القيام و عجز عن الركوع قائماً أو السجود لم يسقط عنه فرض القيام، بل يصلي قائماً و يومئ للركوع ثمَّ يجلس و يومئ للسجود. و عليه علماؤنا». و قد تقدم الكلام فيه و فيما بعده في مبحث القيام. فراجع.

وجوبه غير ظاهر إلا من جهة توقف امتثال أمر الذكر عليه فتأمل.

لإطلاق ما دل على بدلية الإيماء عن الركوع عند تعذره، و لا إجماع على وجوب المقدار الممكن من الانحناء، ليخرج به عن الإطلاق المذكور، كما كان في الفرض السابق. و لا ينافي ذلك ما سبق من أن الانحناء دون الركوع ميسور الركوع، فيجب، للإجماع على قاعدة الميسور في أمثال المقام، فلا بد من الإتيان به و لو حال الجلوس. وجه عدم المنافاة:

أن الإجماع المذكورة لا يطرد في صورة المزاحمة مع القيام قبل الركوع و حاله، كما هو المفروض، لعدم ثبوت كون الصلاة كذلك أقرب الى الصلاة‌

 

309
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 4 لو أتى بالركوع جالسا و رفع رأسه منه ج‌6 ص 310

[ (مسألة 4): لو أتى بالركوع جالساً و رفع رأسه منه]

(مسألة 4): لو أتى بالركوع جالساً و رفع رأسه منه ثمَّ حصل له التمكن من القيام، لا يجب (1) بل لا يجوز له إعادته قائماً (2)، بل لا يجب عليه القيام للسجود (3)، خصوصاً إذا كان بعد السمعلة (4) و إن كان أحوط (5).

و كذا لا يجب إعادته بعد إتمامه بالانحناء غير التام (6). و أما لو حصل له التمكن في أثناء الركوع جالساً، فان كان بعد الاختيارية من الصلاة قائماً مومياً، و حينئذ فلا موجب لرفع اليد عن إطلاق بدلية الإيماء. بل لا تبعد دعوى كون القيام مومياً أقرب الى الصلاة الاختيارية من الجلوس منحنياً الى ما دون الركوع.

هذا بناء على جواز البدار لذوي الأعذار. و إلا وجب استئناف الواجب الاختياري، كما تقدم في مبحث القيام و تقدم فيه التعرض لجملة من هذه الفروع.

للزوم الزيادة.

لكون انتصابه الجلوسي بدلا عن انتصابه القيامي، فيسقط به أمره كما سبق.

هذه الخصوصية غير ظاهرة، لأن الواجب مسمى الانتصاب بعد الركوع و قد حصل بدله. نعم لو كان قبل السمعلة يشرع له القيام حالها لتشريعها حال القيام.

و حينئذ يأتي بالقيام رجاء المطلوبية، لئلا تلزم الزيادة العمدية.

يعني لو عجز عن الركوع التام فركع دون التام ثمَّ تجددت القدرة على التام بعد تمام الناقص، لا تجب الإعادة بالركوع التام، إذ الوجوب خلاف مقتضى البدلية.

 

310
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 4 لو أتى بالركوع جالسا و رفع رأسه منه ج‌6 ص 310

تمام الذكر الواجب يجتزئ به (1)، لكن يجب عليه الانتصاب للقيام بعد الرفع (2). و إن حصل قبل الشروع فيه أو قبل تمام الذكر، يجب عليه أن يقوم منحنيا إلى حد الركوع القيامي ثمَّ إتمام الذكر و القيام بعده. و الأحوط مع ذلك إعادة الصلاة (3) و إن حصل في أثناء الركوع بالانحناء غير التام، أو في أثناء الركوع الايمائي، فالأحوط الانحناء إلى حد الركوع، و إعادة الصلاة (4).

لحصول البدل.

للقدرة عليه مع عدم سقوط أمره لعدم حصول بدله. و كذا الحال فيما بعده.

لاحتمال كون الانحناء حال القيام غير الانحناء حال الجلوس، فيلزم زيادة الركن المبطلة. لكنه ضعيف إذ الاختلاف بالجلوس و القيام لا يوجب تعدد الركوع، لا عرفا، و لا حقيقة.

لاحتمال لزوم الزيادة. لكن ذلك بالنسبة إلى الركوع الايمائي في محله، لأن الإيماء غير الركوع ففعله مع الركوع زيادة في الصلاة.

أما بالنسبة إلى الانحناء غير التام فمبني على خروج الهوي عن الركوع و كونه مقدمة خارجية، كما سبق من الجواهر و غيرها، أما بناء على ما ذكرنا من كونه داخلا في وجود الركوع دخول الأقل في الأكثر، فالانتقال منه الى الركوع التام لا يستلزم الزيادة. نظير الانتقال من أول مراتب الركوع التام إلى آخر مراتبه.

و كيف كان فلو بني على لزوم الزيادة بالانتقال الى الفرد الاختياري يدور الأمر- بعد فرض مشروعية البدل- بين إكماله بلا انتقال الى المبدل‌

 

311
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 5 زيادة الركوع الجلوسي و الايمائي مبطلة ج‌6 ص 312

[ (مسألة 5): زيادة الركوع الجلوسي و الايمائي مبطلة]

(مسألة 5): زيادة الركوع الجلوسي و الايمائي مبطلة، و لو سهواً، كنقيصته (1).

[ (مسألة 6): إذا كان كالراكع خلقة أو لعارض]

(مسألة 6): إذا كان كالراكع خلقة أو لعارض، فان تمكن من الانتصاب و لو بالاعتماد على شي‌ء، وجب عليه ذلك، لتحصيل القيام الواجب حال القراءة، و للركوع (2)، منه، و بين الانتقال اليه و لو لزمت الزيادة، و لأجل أن رفع اليد عن مبطلية الزيادة صعب جداً يتعين الإكمال لا غير. و يستكشف جوازه من دليل مشروعية حدوثه. اللهم إلا أن يدعى عدم مشروعيته، لقصور دليل البدلية عن شمول مثله و إن قلنا بجواز البدار لذوي الأعذار، لاختصاص ذلك بصورة استمرار العجز الى تمام البدل. و على تقدير عدم ثبوت مشروعيته ينتقل الى المبدل منه بلا حاجة الى الاستئناف، لعدم الدليل على البطلان به بعد عدم التعمد لزيادته، و عدم ثبوت كونه بمنزلة الركوع في البطلان بزيادته سهواً، لاختصاص الدليل عليه بما لو كان وظيفة له. فتأمل جيداً.

لظهور أدلة وجوبه في كونه بمنزلة المبدل منه. و الظاهر أنه مما لا إشكال فيه.

يعني الواجب لأجل الركوع، بناء على أن الركوع الموضوع للجزئية هو الركوع الحدوثي، يعني الوجود بعد العدم. و لو بني على عمومه للحدوث و البقاء فلا حاجة فيه الى هذا القيام. نعم كان الأولى التعرض للقيام المتصل بالركوع، الذي هو أحد الأركان، كما سبق. و لعله المراد، لما عرفت في بحث القيام من استدلال غير واحد على وجوبه بتوقف الركوع الواجب عليه. كما أن الأولى التعرض أيضاً للقيام حال التكبير فإنه ركن أيضاً. و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في وجوب الانتصاب المذكور عند‌

 

312
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 6 إذا كان كالراكع خلقة أو لعارض ج‌6 ص 312

و إلا فللركوع فقط، فيقوم و ينحني. و إن لم يتمكن من ذلك لكن تمكن من الانتصاب في الجملة (1)، فكذلك. و إن لم يتمكن أصلا، فإن تمكن من الانحناء أزيد من المقدار الحاصل بحيث لا يخرج عن حد الركوع وجب (2)، و إن لم يتمكن التمكن منه لما ذكر.

يعني بنحو يكون قياما ناقصا و وجوبه حينئذ بقاعدة الميسور.

كما في قواعد العلامة، و عن الشهيدين، و العليين، و غيرهم.

للفرق بينه و بين القيام، كما يشير اليه ما دل على كون الإيماء للسجود أخفض منه للركوع. و فيه: أن الفرق لا دليل على وجوبه في المختار فضلا عن المضطر. و مجرد وجوب القيام حال القراءة، غير كاف في وجوبه. و التعدي من الإيماء إلى المقام غير ظاهر.

و استدل له بعض الأكابر من المتأخرين بأن الانحناء الحاصل لمن هو بهيئة الراكع ليس ركوعاً له، بل هو قيام، و ركوعه إنما يكون بانحنائه زائداً على ذلك الانحناء، و ما تقدم من تحديد الركوع، إنما هو بالنسبة الى الأفراد الشائعة، دون من كان منحني الظهر الى حد الركوع، فإنه خارج عن التحديد المذكور، كما يظهر بملاحظة حال العرف و الأشخاص الذين جرت عادتهم بالركوع تواضعاً للجبابرة و الملوك. و فيه: منع ذلك جداً، و لمخالفته لظاهر كلمات اللغويين و الفقهاء، و لذا لم يدعه القائلون بوجوب الانحناء يسيراً، و تمسكوا بما عرفت ضعفه. و كأنه لأجل ذلك ذهب جماعة من الأعاظم الى عدم وجوبه، منهم الشيخ في المبسوط، و المحقق في المعتبر، فإنه- بعد ما حكى عن المبسوط قوله: «من هو في صورة الراكع لزمن أو كبر يقوم على حسب حاله ثمَّ ينحني للركوع قليلا، ليكون فرق ما بين القيام و الركوع، و إن لم يفعل لم يلزمه»‌

 

313
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 6 إذا كان كالراكع خلقة أو لعارض ج‌6 ص 312

من الزيادة، أو كان على أقصى مراتب الركوع بحيث لو انحنى أزيد خرج عن حده (1) فالأحوط له الإيماء بالرأس (2)، و إن لم يتمكن فبالعينين له تغميضا و للرفع منه فتحا، و إلا فينوي به قلبا، و يأتي بالذكر.

- قال (رحمه اللّه): «و هو حسن، لأن ذلك حد الركوع، و لا تلزم الزيادة عليه»، و نحوه ما في المنتهى، غير أنه قال: «و هو جيد»، بدل قوله: «و هو حسن»، و تبعهما السيد في المدارك، و العلامة الطباطبائي على ما حكي، و اختاره في الجواهر.

و ربما يدعي وجوبه، بناء على أن الواجب من الركوع الحدوث، إذ بالانحناء اليسير يحدث فرد خاص من الركوع. و فيه: ما عرفت من أن الانحناء اليسير اشتداد في الركوع الباقي، لا حدوث فرد آخر، فالأمر بالركوع الحدوثي أمر بالممتنع.

في جامع المقاصد تردد في لزوم تحصيل الفرق بين الركوع و القيام في الفرض، بعد ما أوجبه في الفرض الأول. و مقتضى ما سبق من أن من كان على هيئة الراكع خلقة أو لعارض، قائم لا راكع، تعين الانحناء اليسير مع إمكانه لأنه ركوع لمثله. و خروجه عن حد الركوع بالنسبة إلى المتعارف، غير قادح. بل لازم ذلك عدم الاكتفاء بتغيير هيئة حال الركوع برفع ظهره ثمَّ الرجوع الى حاله الأولى، لأن الركوع الانحناء عن القيام، فاذا فرض أن قيام مثله بالانحناء الخاص، فركوعه انحناؤه زائداً على ذلك الانحناء.

كما أن لازمه أيضاً أنه لو خلق منحنياً زائداً على حد الركوع الأعلى، كان ركوعه انحناءه زائداً على ذلك. و التفكيك بين الموارد غير ظاهر.

كما عن كشف الغطاء. لاحتمال دخوله فيمن لا يمكنه الركوع، الذي جعل له الإيماء بدلا عن الركوع. لكنه ضعيف باختصاص دليل‌

 

314
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 7 يعتبر في الانحناء أن يكون بقصد الركوع ج‌6 ص 315

[ (مسألة 7): يعتبر في الانحناء أن يكون بقصد الركوع]

(مسألة 7): يعتبر في الانحناء أن يكون بقصد الركوع، و لو إجمالا بالبقاء على نيته في أول الصلاة، بأن لا ينوي الخلاف، فلو انحنى بقصد وضع شي‌ء على الأرض، أو رفعه، أو قتل عقرب، أو حية، أو نحو ذلك لا يكفي في جعله ركوعا، بل لا بد من القيام ثمَّ الانحناء للركوع (1) بدلية الإيماء بمن لا يمكنه الركوع أصلا، فلا يعم الفرض. و مقتضى أصالة البراءة عدم وجوبه، كما اقتضى في الفرض السابق عدم وجوب الانحناء اليسير.

هذا يتم بناء على أن منصرف أدلة وجوب الركوع خصوص الركوع الحدوثي، الذي قد عرفت أنه خلاف الإطلاق. أو بناء على أن القيام المتصل بالركوع الذي عدوّه في الأركان يراد منه المتصل بالركوع الصلاتي، إذ في الفرض لا يكون القيام كذلك، للفصل بينهما بالانحناء غير الصلاتي، فلا بد من استئناف القيام ليقع الركوع الصلاتي بجميع مراتبه متصلا به. و هذا المبنى أيضاً غير ظاهر. و لذا لم يستبعد في الجواهر الاجتزاء بالاستدامة بعد تجدد القصد، كالقيام في الصلاة، لصدق الامتثال، فان محط كلامه و إن كان حيثية اعتبار الحدوث و عدمه، إلا أن حكمه بالاجتزاء يقتضي عدم اعتبار اتصال القيام بالركوع الصلاتي، بل يكفي عدم الفصل بينهما بغير الركوع و إن تحقق الفصل بالركوع غير الصلاتي. كما أن تعليل عدم الاجتزاء- المحكي عن التذكرة، و النهاية، و الذكرى، و الدروس، و البيان، و الموجز الحاوي، و كشف الالتباس، و الجعفرية، و شرحيها- بأن الركوع الانحناء، و لم يقصده، و إنما يتميز الانحناء للركوع منه و من غيره بالنية، و‌

لقوله (ص): «إنما الأعمال بالنيات» «1»، و «لكل‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 10.

 

315
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 7 يعتبر في الانحناء أن يكون بقصد الركوع ج‌6 ص 315

.....

امرئ ما نوى» «1»‌

، ظاهر في انحصار الوجه في عدم الاجتزاء بفوات الركوع الحدوثي، لا بفوات القيام المتصل بالركوع. قال في التذكرة:

«يجب أن لا يقصد بهويه غير الركوع، فلو قرأ آية سجدة فهوى ليسجد ثمَّ لما بلغ حد الراكع أراد أن يجعله ركوعا لم يجز، بل يعود الى القيام ثمَّ يركع، لأن الركوع الانحناء، و لم يقصده».

هذا، و لكن الإنصاف أن المستفاد- بعد التأمل في مجموع كلماتهم- أن الركوع الذي هو أحد الأركان هو خصوص الحادث عن قيام، و أن ركنية القيام المتصل بالركوع عرضية، لملازمة القيام المذكور للركوع الركني، فالإجماع على ركنية القيام المذكور راجع الى الإجماع على كون موضوع الركنية من الركوع خصوص الحادث المتصل بالقيام، و القول بصحة الصلاة لو هوى لغير الركوع ثمَّ نواه ليس خلافا منهم فيما ذكر، و إنما كان من أجل بنائهم على مقدمية الهوي للركوع، و خروجه عنه، كما صرح بذلك العلامة الطباطبائي و صاحب الجواهر (قدهما) فيما تقدم من كلامهما، إذ على هذا المبنى يكون المراد من كون الركوع متصلا بالقيام: أنه متصل بالهوي المتصل بالقيام، و هذا المعنى حاصل في المقام، و إن لم يكن الهوي بقصد الركوع و لذا فزّع في الجواهر الصحة في الفرض على ذلك في كلامه المتقدم في المسألة الثانية، فإذا ثبت كون الهوي جزءاً من الركوع تعين القول بالبطلان في الفرض لانتفاء الركوع الحدوثي المتصل بالقيام. و إنكار اعتبار الحدوث في موضوع الوجوب لا مجال له. إذ لا يظن من صاحب الجواهر أو غيره الالتزام بصحة من ركع ليستريح، و بعد مدة من ركوعه نوى الركوع الصلاتي في البقاء راكعاً و جاء بالذكر حينئذ.

و المتحصل: أن المستفاد من النصوص و الفتاوى أن الركوع الواجب‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 10.

 

316
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 7 يعتبر في الانحناء أن يكون بقصد الركوع ج‌6 ص 315

و لا يلزم منه زيادة الركن (1).

[ (مسألة 8): إذا نسي الركوع فهوى إلى السجود]

(مسألة 8): إذا نسي الركوع فهوى إلى السجود و تذكر قبل وضع جبهته على الأرض رجع إلى القيام ثمَّ ركع (2) و لا يكفي أن يقوم منحنيا إلى حد الركوع من دون أن ينتصب و كذا لو تذكر بعد الدخول في السجود أو بعد رفع الرأس من السجدة الأولى قبل الدخول في الثانية على الأقوى (3)، و إن كان الأحوط في هذه الصورة إعادة الصلاة أيضاً بعد إتمامها، و إتيان سجدتي السهو لزيادة السجدة.

هو الركوع الحدوثي عن قيام، و هو منتف في الفرض، فيتعين الاستئناف.

لعدم قصد الجزئية كما أشرنا إليه آنفاً.

أما صحة صلاته فلا خلاف و لا إشكال فيها، و أما الرجوع الى القيام و الركوع عنه فهو لما في المسألة السابقة.

كما مال إليه في الحدائق، و عن المدارك، و جماعة، و المشهور:

البطلان.

لخبر أبي بصير: «سألت أبا جعفر (ع): عن رجل نسي أن يركع، قال (ع): عليه الإعادة» «1»‌

، و‌

موثق إسحاق بن عمار: «سألت أبا إبراهيم (ع): عن الرجل ينسى أن يركع، قال (ع):

يستقبل حتى يضع كل شي‌ء من ذلك موضعه» «2»‌

، و أما‌

صحيح رفاعة: «عن رجل ينسى أن يركع حتى يسجد و يقوم، قال (ع): يستقبل» «3»‌

، و‌

صحيح أبي بصير: «إذا أيقن الرجل أنه ترك ركعة من الصلاة و قد سجد‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 1.

 

317
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 9 لو انحنى بقصد الركوع فنسي في الأثناء و هوى إلى السجود ج‌6 ص 318

[ (مسألة 9): لو انحنى بقصد الركوع فنسي في الأثناء و هوى إلى السجود]

(مسألة 9): لو انحنى بقصد الركوع فنسي في الأثناء و هوى إلى السجود، فان كان النسيان قبل الوصول إلى حد الركوع انتصب قائما ثمَّ ركع، و لا يكفي الانتصاب إلى الحد الذي عرض له النسيان ثمَّ الركوع (1)، و إن كان بعد الوصول‌

سجدتين و ترك الركوع استأنف الصلاة» «1»‌

فموردهما الالتفات بعد السجدتين الذي لا كلام في البطلان معه، و لا يدلان على ما نحن فيه.

هذا، و تمكن المناقشة في الاستدلال بالموثق: بأن التعليل في ذيله ظاهر في دوران البطلان مدار عدم إمكان وضع كل شي‌ء في موضعه، فإذا بني على عدم قدح زيادة سجدة أمكن وضع الركوع في موضعه بتداركه بلا حاجة الى الإعادة و منه تظهر المناقشة في خبر أبي بصير، فان التعليل المذكور صالح لتقييده، و لا سيما مع ضعف إطلاقه، لقرب دعوى انصراف نسيان الركوع الى خصوص صورة فوات محله، و لذا لم يتأمل أحد في صحة الصلاة لو نسي الركوع و ذكره قبل أن يسجد، و يأتي إن شاء اللّه تعالى في الخلل ما له نفع في المقام، فانتظر.

لما عرفت في المسألة السابقة من وجوب الركوع الحدوثي المتصل بالقيام، و مع الانتصاب الى الحد الذي عرض له فيه النسيان لا يحصل ذلك، للفصل بين القيام و الركوع الصلاتي بالانحناء غير المقصود به الركوع. نعم لو بني على كون الركوع الواجب هو الأعم من الحدوثي و البقائي تعين الاكتفاء بالانتصاب الى الحد الذي عرض فيه النسيان، لعدم فوات القيام المذكور، لكنه خلاف ما يقتضيه التدبر في مجموع كلماتهم كما عرفت. هذا و لا فرق في ذلك بين أن يتجاوز في هويه عن حد الركوع النهائي و أن لا يتجاوز، لاشتراكهما في جميع ما ذكر.

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 3.

 

318
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 9 لو انحنى بقصد الركوع فنسي في الأثناء و هوى إلى السجود ج‌6 ص 318

إلى حده، فان لم يخرج عن حده وجب عليه البقاء مطمئنا و الإتيان بالذكر (1)، و إن خرج عن حده فالأحوط إعادة الصلاة بعد إتمامها بأحد الوجهين: من العود إلى القيام ثمَّ الهوي للركوع، أو القيام بقصد الرفع منه ثمَّ الهوي للسجود، و ذلك لاحتمال كون الفرض من باب نسيان الركوع (2) فيتعين لتحصيل الذكر الواجب للركوع، و لا ينافي ذلك الفصل بينه و بين مسمى الركوع الحاصل قبل طروء النسيان، إذ لا دليل على قدح مثله، و الأصل البراءة من قادحيته. كما أنه لا مجال لاحتمال سقوط الذكر، فلا يجب عليه البقاء- كما يحتمل في الصورة الآتية- إذ لا وجه للسقوط مع إمكان الامتثال بلا لزوم محذور الزيادة، فإن الفصل بالهوي غير الصلاتي لا يوجب كون الركوع الصلاتي الثاني ركوعاً آخر، ليكون زيادة قادحة.

هذا الاحتمال يبتني على كون الركوع الانحناء المنتهي بين الحدين، فمع فرض توالي الهوي و عدم انتهاء الانحناء لم يتحقق الركوع، فلا بد من تداركه بالانتصاب ثمَّ الانحناء عنه إلى أن ينتهي بين الحدين. و لو بني على عدم اعتبار الانتهاء فيه تعين الوجه الآخر، لتحقق الركوع. و فوات الذكر و الطمأنينة فيه سهواً لا يقدح في الصحة، و لا يلزم تداركهما بالرجوع الى حد الركوع، للزوم الزيادة، فإنه ركوع آخر غير الركوع الأول، لتخلل العدم بينهما، و ما ذكره بعض الأعيان: من «أن الظاهر عدم صدق زيادة الركوع إذا كان عوده على ما كان بقيامه بهيئة الراكع» غير ظاهر.

هذا و الذي يقتضيه التأمل في مفهوم الركوع- لغة و عرفا-: هو اعتبار الانتهاء فيه، فالهاوي الى السجود ليس براكع، و الجالس إذا سجد لا يكون راكعاً أولا ثمَّ ساجداً، و لذا لا يجب في كل ركعة إلا ركوع‌

319
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 9 لو انحنى بقصد الركوع فنسي في الأثناء و هوى إلى السجود ج‌6 ص 318

الأول، و يحتمل كونه من باب نسيان الذكر و الطمأنينة في الركوع بعد تحققه و عليه فيتعين الثاني، فالأحوط أن يتمها بأحد الوجهين ثمَّ يعيدها.

[ (مسألة 10): ذكر بعض العلماء: أنه يكفي في ركوع المرأة الانحناء بمقدار يمكن معه إيصال يديها إلى فخذيها]

(مسألة 10): ذكر بعض العلماء: أنه يكفي في ركوع المرأة الانحناء بمقدار يمكن معه إيصال يديها إلى فخذيها فوق ركبتيها (1)، واحد، إذ لو لم يعتبر الانتهاء فيه لزم وجوب ركوعين: أحدهما بالأصالة و الآخر مقدمة للسجود، بل ركوع ثالث، و هو ما يحصل في الهوي إلى السجدة الثانية، و هو كما ترى خلاف المرتكزات الشرعية و العرفية. نعم لو لم يثبت ذلك تعين البناء على عدم اعتبار الانتهاء في الركوع، فإنه مقتضى الأصل، لإجمال المفهوم الموجب للرجوع إلى أصل البراءة من شرطية الانتهاء كما لا يخفى.

ثمَّ إن ما في المتن: من أنه على التقدير الثاني يتعين عليه القيام لقصد الرفع مبني على أن الواجب هو القيام بعد الركوع- كما عن غير واحد من الأصحاب- لا القيام عن الركوع، إذ عليه يتعذر حصوله لفوات محله- كما عن الذكرى حاكياً له عن المبسوط- فلو قام حينئذ كان القيام غير الواجب، و كان زيادة مبطلة، و هذا هو الذي يقتضيه ظاهر التعبير عنه في النص و الفتوى برفع الرأس من الركوع، لا أقل من الشك في وجوب القيام حينئذ، و الأصل البراءة عنه، فتأمل جيداً.

المحكي عن المقنعة، و النهاية، و الوسيلة، و السرائر، و أكثر كتب المتأخرين: أن المرأة إذا ركعت وضعت يديها فوق فخذيها لئلا تطأطئ كثيراً فترتفع عجزيتها، و عن النفلية: أن ذلك مستحب لها، لخبر‌

 

320
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 ذكر بعض العلماء أنه يكفي في ركوع المرأة الانحناء بمقدار يمكن معه إيصال يديها إلى فخذيها ج‌6 ص 320

بل قيل باستحباب ذلك، و الأحوط كونها كالرجل (1) في المقدار الواجب من الانحناء. نعم الأولى لها عدم الزيادة في الانحناء لئلا ترتفع عجيزتها.

[ (مسألة 11): يكفي في ذكر الركوع التسبيحة الكبرى مرة واحدة]

(مسألة 11): يكفي في ذكر الركوع التسبيحة الكبرى مرة واحدة (2) كما مر، و أما الصغرى إذا اختارها فالأقوى وجوب تكرارها ثلاثاً، بل الأحوط و الأفضل في الكبرى أيضاً التكرار ثلاثاً، كما أن الأحوط في مطلق الذكر غير التسبيحة أيضاً الثلاث و إن كان كل واحد منه بقدر الثلاث من الصغرى و يجوز الزيادة على الثلاث (3)

زرارة عن أبي جعفر (ع): «المرأة إذا قامت في الصلاة‌

.. الى أن قال (ع):

فاذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها، لئلا تطأطئ كثيراً فترتفع عجيزتها» «1».

قد سبق- في تحديد الركوع-: أن الخبر المذكور لا ينافي الأخبار المتعرضة للتحديد، بناء على ما استظهرناه من الاكتفاء بوصول رأس واحدة من الأصابع إلى الركبة، و إنما ينافيها على مذهب المشهور من اعتبار وضع شي‌ء منها عليها، و حينئذ لا يبعد جواز العمل بالخبر بعد إمكان إدخاله في قسم الصحيح، و اعتماد الأصحاب عليه كما عن الذكرى، و جامع المقاصد.

تقدم الكلام في هذه المسألة في الواجب الثاني من واجبات الركوع.

كما صرحت بذلك النصوص الدالة قولا و فعلا على رجحان إطالة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الركوع حديث: 4. و باب: 18 من أبواب الركوع حديث: 2.

 

321
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 11 يكفي في ذكر الركوع التسبيحة الكبرى مرة واحدة ج‌6 ص 321

و لو بقصد الخصوصية و الجزئية (1)، و الأولى أن يختم على وتر (2) كالثلاث و الخمس و السبع .. و هكذا، و قد سمع من الصادق صلوات اللّه عليه ستون تسبيحة في ركوعه و سجوده (3).

الركوع و السجود، و إكثار الذكر فيهما،

كموثق سماعة: «و من كان يقوى على أن يطول الركوع و السجود فليطول ما استطاع، يكون ذلك في تسبيح اللّه، و تحميده، و تمجيده، و الدعاء، و التضرع فإن أقرب ما يكون العبد الى ربه و هو ساجد» «1»‌

، و نحوه غيره.

يتم هذا بناء على أن المقام من قبيل التخيير بين الأقل و الأكثر، و لو بني على كون الأقل هو الواجب و الزائد عليه مستحب يشكل قصد الجزئية، لما أشرنا إليه في مبحث القيام: من امتناع كون المستحب جزءاً من الواجب.

قال في محكي الذكرى: «الظاهر استحباب الوتر لظاهر الأحاديث و عد الستين لا ينافي الزيادة عليه». و كأنه يريد من الأحاديث نصوص الباب. مثل‌

خبر هشام بن سالم: «الفريضة من ذلك تسبيحة، و السنة ثلاث، و الفضل في سبع» «2»‌

، أو ما تضمن رجحان الإيتار في كل شي‌ء: مثل:

«إن اللّه سبحانه وتر يحب الوتر» «3».

كما‌

في صحيح أبان بن تغلب «.. دخلت على أبي عبد اللّه (ع) و هو يصلي فعددت له في الركوع و السجود ستين تسبيحة» «4»‌

، و قد تقدم من الذكرى ما يمنع من منافاة الصحيح المذكور لاستحباب الإيتار.

______________________________
(1) الوسائل باب: 6 من أبواب الركوع حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب الركوع حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 31 من أبواب الوضوء حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 6 من أبواب الركوع حديث: 1.

 

322
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 12 إذا أتى بالذكر أزيد من مرة لا يجب تعيين الواجب منه ج‌6 ص 323

[ (مسألة 12): إذا أتى بالذكر أزيد من مرة لا يجب تعيين الواجب منه]

(مسألة 12): إذا أتى بالذكر أزيد من مرة لا يجب تعيين الواجب منه، بل الأحوط عدمه، خصوصاً إذا عينه في غير الأول، لاحتمال كون الواجب هو الأول مطلقاً (1)، بل احتمال كون الواجب هو المجموع فيكون من باب التخيير بين المرة و الثلاث و الخمس مثلا.

مضافا الى أن استحبابه إنما هو من حيث العدد لا من حيث المعدود، و حينئذ فلا مانع من البناء على كون الستين أفضل من التسع و الخمسين، و ترك الواحدة فوق الستين غير معلوم الوجه، لإجمال العمل فلا يصلح لنفي رجحان الإيتار كما لا يخفى.

المحتملات في المقام ثلاثة:

الأول: الوجوب التخييري بين الأقل و الأكثر. و عليه يتعين نية الوجوب في الأكثر كالاقل.

الثاني: أن يكون الواجب واحدة، و الزائد عليها مستحباً، مع تباين الواجب و المستحب ذاتا كتباين نافلة الصبح و فريضته. و عليه فله أن ينوي الوجوب بواحدة من الأكثر أيها شاء، الأولى و غيرها، و كذا نية الاستحباب في الباقي.

الثالث: هو الثاني مع كون التباين غير ذاتي، بل من قبيل تباين الحصص و الافراد. و عليه يتعين أن ينوي الوجوب بالأولى بعينها، و الاستحباب بما عداها، كما أشرنا الى ذلك في المسألة الثانية عشرة من فصل بيان ما يقال في الركعات الأخيرة.

هذا و الذي يظهر من نصوص المقام- و لا سيما ما تضمن منها:

«أنه إذا نقص واحدة من الثلاث نقص ثلث صلاته، و إذا نقص اثنتين‌

 

323
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 13 يجوز في حال الضرورة و ضيق الوقت الاقتصار على الصغرى مرة واحدة ج‌6 ص 324

[ (مسألة 13): يجوز في حال الضرورة و ضيق الوقت الاقتصار على الصغرى مرة واحدة]

(مسألة 13): يجوز في حال الضرورة و ضيق الوقت الاقتصار على الصغرى مرة واحدة (1) فيجزي «سبحان اللّه» مرة.

نقص ثلثي صلاته، و إذا لم يسبّح فلا صلاة له» «1»، و ما ورد في علة جعل التسبيح في الركوع «2» و في استحباب إطالته «3»- هو الاحتمال الأخير الذي ذكر في المتن أولا، و هو الذي يقتضيه الارتكاز العرفي. و أما ما عن الذكرى: من أن الواجب هو الأولى و لكن لو نوى وجوب غيرها جاز فغير ظاهر، إلا أن يكون مراده صورة الاشتباه في التطبيق.

على المشهور، بل استدل عليه في المعتبر: بأن عليه فتوى الأصحاب، و نسبه في المنتهى الى اتفاق من أوجب التسبيح، و في آخر كلامه قال:

«الاجتزاء بواحدة صغرى في حال الضرورة مستفاد من الإجماع». و دليله غير ظاهر إلا‌

صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (ع): «قلت له. أدنى ما يجزي المريض من التسبيح، قال (ع): تسبيحة واحدة» «4»‌

، و‌

مرسل الهداية: «فإن قلت: سبحان اللّه سبحان اللّه سبحان اللّه أجزأك، و تسبيحة واحدة تجزي للمعتل و المريض و المستعجل» «5»‌

، و مورد الأول المريض و لم يعرف القول به، و حينئذ يشكل التعدي إلى مطلق الضرورة، مع أن حمل التسبيحة على الصغرى غير ظاهر إلا من جهة الإطلاق، و يمكن تقييده بما دل على وجوب التسبيحة الكبرى. اللهم إلا أن يكون تقييد ذلك‌

______________________________
(1) راجع روايتا الحضرمي اللتان تقدمتا في المورد الثاني من واجبات الركوع.

(2) كما في خبر عقبة الذي تقدم في المورد الثاني من واجبات الركوع.

(3) راجع الوسائل باب: 6 من أبواب الركوع.

(4) الوسائل باب: 4 من أبواب الركوع حديث: 8.

(5) مستدرك الوسائل باب: 4 من أبواب الركوع حديث: 4.

 

324
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 لا يجوز الشروع في الذكر قبل الوصول إلى حد الركوع ج‌6 ص 325

[ (مسألة 14): لا يجوز الشروع في الذكر قبل الوصول إلى حد الركوع]

(مسألة 14): لا يجوز الشروع في الذكر قبل الوصول إلى حد الركوع، و كذا بعد الوصول و قبل الاطمئنان و الاستقرار و لا النهوض قبل تمامه و الإتمام حال الحركة للنهوض، فلو أتى به كذلك بطل (1) و إن كان بحرف واحد منه، و يجب إعادته إن كان سهواً (2) و لم يخرج عن حد الركوع، و بطلت بالمختار أولى من تقييد الصحيح بالكبرى كما هو غير بعيد. و أما المرسل فضعفه و عدم ثبوت الاعتماد عليه الجابر لضعفه مانع من جواز الاعتماد عليه و من ذلك يشكل التعدي إلى ضيق الوقت. نعم لو تمَّ سند المرسل أمكن دخوله في المستعجل، فلاحظ.

أما في الأول فللزوم الزيادة العمدية لعدم مشروعية الذكر حال الهوي، و أما في الثاني فكذلك لعدم مشروعيته في غير حال الطمأنينة، و أما في الثالث فلفوات الذكر حال الركوع. نعم لو كان الإتمام في الأخير قبل الخروج عن حد الركوع و الشروع في الأول بعد الوصول الى حده فالبطلان في الجميع للزيادة، لعدم مشروعية الذكر بلا طمأنينة.

هذا يتم لو كانت الطمأنينة مجعولة شرطاً للذكر، إذ فواتها حينئذ موجب لفوات الذكر لفوات المشروط بفوات شرطه، فيجب تداركه، أما لو كانت واجباً صلاتياً في حال الذكر فلا مجال لتداركها لفوات المحل، كما أشار الى ذلك المصنف (ره) في مبحث الخلل.

هذا و لأجل أن العمدة في دليل وجوبها هو الإجماع و لم يتضح انعقاده على النحو الأول فالمرجع الأصل العملي، و مقتضى أصالة البراءة عدم وجوب الذكر ثانياً للشك في وجوبه. «و توهم»: أن الشك في المقام في سقوط أمر الذكر فيجب الاحتياط، «مندفع»: بأن الشك في السقوط إنما يجب فيه الاحتياط إذا كان ناشئاً عن الشك في وجود موضوع الأمر، لا ما لو‌

 

325
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 لا يجوز الشروع في الذكر قبل الوصول إلى حد الركوع ج‌6 ص 325

الصلاة مع العمد و إن أتى به ثانياً مع الاستقرار، إلا إذا لم يكن ما أتى به حال عدم الاستقرار بقصد الجزئية، بل بقصد الذكر المطلق (1).

[ (مسألة 15): لو لم يتمكن من الطمأنينة لمرض أو غيره سقطت]

(مسألة 15): لو لم يتمكن من الطمأنينة لمرض أو غيره سقطت (2)، كان ناشئاً من الشك في تقييد موضوعه مع العلم بعدم وجود القيد كما في المقام.

لا يقال: لا مجال للرجوع إلى أصالة البراءة، للعلم الإجمالي إما بوجوب الذكر ثانياً لاحتمال كون الطمأنينة شرطاً للذكر، و إما بحرمته لكونه زيادة في الصلاة، لاحتمال كونها واجباً صلاتياً فات بفوات محله فيجب الإتمام و الاستئناف، لأنا نقول: هذا الاشكال لو تمَّ اقتضى وجوب الاحتياط في كل ما يحتمل جزئيته للصلاة لعين التقرير المذكور. و يمكن حله بأن الزيادة المبطلة عبارة عن الإتيان بقصد الجزئية بما ليس بواجب، فالأصل النافي لوجوب محتمل الجزئية يثبت موضوع الزيادة، فيحرم الإتيان به قصد الجزئية، و ينحل العلم الإجمالي.

هذا كله بناء على قيام الدليل على وجوبها مطلقاً حتى في حال السهو أما لو لم يثبت ذلك و كان المرجع في وجوبها حال السهو أصل البراءة فلا فرق في عدم وجوب تدارك الذكر في السهو بين كونها شرطاً له في العمد و كونها واجباً صلاتياً مقارناً له، كما هو ظاهر.

و حينئذ لا تصدق الزيادة المبطلة.

كما قطع به كل من تعرض له، كذا في مفتاح الكرامة. و يقتضيه الأصل بعد قصور دليل وجوبها عن شمول صورة العجز، مضافا الى قاعدة الميسور المعوّل عليها في أمثال المقام.

 

326
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 15 لو لم يتمكن من الطمأنينة لمرض أو غيره سقطت ج‌6 ص 326

لكن يجب عليه إكمال الذكر الواجب قبل الخروج عن مسمى الركوع (1)، و إذا لم يتمكن من البقاء في حد الركوع إلى تمام الذكر يجوز له الشروع قبل الوصول أو الإتمام حال النهوض (2).

[ (مسألة 16): لو ترك الطمأنينة في الركوع أصلا]

(مسألة 16): لو ترك الطمأنينة في الركوع أصلا بأن لم يبق في حده بل رفع رأسه بمجرد الوصول سهواً فالأحوط إعادة الصلاة، لاحتمال توقف صدق الركوع على الطمأنينة في الجملة، لكن الأقوى الصحة (3).

[ (مسألة 17): يجوز الجمع بين التسبيحة الكبرى و الصغرى]

(مسألة 17): يجوز الجمع بين التسبيحة الكبرى و الصغرى (4)، و كذا بينهما و بين غيرهما من الأذكار.

ليقع الذكر حال الركوع الذي هو واجب زائداً على وجوب الطمأنينة حال الذكر.

لعدم المرجح.

لعدم اعتبارها في مفهوم الركوع لغة و لا عرفا، و لو شك فالأصل البراءة من وجوبها لإجمال المفهوم، و كذا لو شك في وجوبها شرطاً للركوع في حال السهو، إذ لا إطلاق لدليل وجوبها يشمله، و هذا الأصل هو العمدة في دعوى صحة الصلاة لا‌

حديث: «لا تعاد الصلاة» «1»‌

، لأن احتمال كونها شرطاً في مفهوم الركوع عرفا أو شرعا يوجب الشك في دخول الفرض في المستثنى، و دخولها في المستثنى منه، كما أشرنا الى ذلك في مبحث وجوبها في الركوع. فراجع.

لكون الجميع ذكراً، فيدخل في عموم ما دل على مشروعية‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

 

327
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 18 إذا شرع في التسبيح بقصد الصغرى يجوز له أن يعدل في الأثناء إلى الكبرى ج‌6 ص 328

[ (مسألة 18): إذا شرع في التسبيح بقصد الصغرى يجوز له أن يعدل في الأثناء إلى الكبرى]

(مسألة 18): إذا شرع في التسبيح بقصد الصغرى يجوز له أن يعدل في الأثناء إلى الكبرى (1)، مثلا إذا قال:

«سبحان» بقصد أن يقول: «سبحان اللّه» فعدل و ذكر بعده ربي العظيم جاز، و كذا العكس، و كذا إذا قال: «سبحان اللّه» بقصد الصغرى ثمَّ ضم اليه «و الحمد للّٰه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر»، و بالعكس.

[ (مسألة 19): يشترط في ذكر الركوع العربية، و الموالاة]

(مسألة 19): يشترط في ذكر الركوع العربية، و الموالاة، و أداء الحروف من مخارجها الطبيعية، و عدم المخالفة في الحركات الاعرابية و البنائية (2).

[ (مسألة 20): يجوز في لفظة: «ربي العظيم» أن يقرأ بإشباع كسر الباء من «ربي»]

(مسألة 20): يجوز في لفظة: «ربي العظيم» أن يقرأ بإشباع كسر الباء من «ربي» (3)، و عدم إشباعه.

[ (مسألة 21): إذا تحرك في حال الذكر الواجب بسبب قهري]

(مسألة 21): إذا تحرك في حال الذكر الواجب بسبب قهري (4) بحيث خرج عن الاستقرار وجب إعادته، الذكر فيه و في غيره من أفعال الصلاة.

إذ لا خلل حينئذ في المأمور به، و لا في امتثال أمره.

لانصراف الدليل الى الذكر على النهج العربي، و كل ذلك شرط فيه.

يعني: بإظهار ياء المتكلم، مثل قوله تعالى (إِذْ قٰالَ إِبْرٰاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ) «1»، و بحذفها، مثل قوله تعالى (قٰالَ يٰا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) «2»، فان ياء المتكلم يجوز فيها الوجهان.

إذا تحرك المصلي بسبب قهري وجب عليه السكوت عند عروض‌

______________________________
(1) البقرة: 258.

(2) يس: 20.

 

328
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 21 إذا تحرك في حال الذكر الواجب بسبب قهري ج‌6 ص 328

بخلاف الذكر المندوب.

[ (مسألة 22): لا بأس بالحركة اليسيرة التي لا تنافي صدق الاستقرار]

(مسألة 22): لا بأس بالحركة اليسيرة التي لا تنافي صدق الاستقرار، و كذا بحركة أصابع اليد أو الرجل بعد كون البدن مستقراً (1).

[ (مسألة 23): إذا وصل في الانحناء إلى أول حد الركوع]

(مسألة 23): إذا وصل في الانحناء إلى أول حد الركوع، فاستقر و أتى بالذكر أو لم يأت به، ثمَّ انحنى أزيد بحيث وصل إلى آخر الحد لا بأس به، و كذا العكس، و لا السبب، و حينئذ فإن ذكر فاما أن يكون عامداً، أو ساهياً، أو يكون عاجزاً عن حبس لسانه بمجرد حصول الحركة القهرية فيسبق لسانه إلى إكماله. فإن كان عامداً بطلت صلاته للزيادة، و إن كان ساهياً جرى فيه الكلام المتقدم: فيمن ذكر هاوياً الى الركوع أو ناهضاً عنه سهواً، و أن الأقرب عدم وجوب التدارك، و إن كان عاجزاً عن حبس لسانه ففي صحة صلاته إشكال، لأن الذكر على هذا الوجه ليس فرداً من المأمور به لعدم الاطمئنان حاله، و زيادته لا دليل على عدم قدحها‌

إلا حديث: «لا تعاد» «1»‌

، و لكن شموله للمضطر لا يخلو من إشكال و نظر، فعموم قدح الزيادة محكم. إلا أن يستشكل في عموم دليل الشرطية لمثل ذلك. نعم إذا كان غير قاصد الى الذكر بل مجرد سبق اللسان لزمه فعله ثانياً مطمئناً لعدم امتثال أمره.

لأن الظاهر من الطمأنينة في النص و الفتوى استقرار البدن، و يشهد به ما دل على كراهة العبث في الصلاة من دون قادحية، لا أقل من الشك الموجب للرجوع إلى أصالة عدم القادحية.

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

 

329
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 23 إذا وصل في الانحناء إلى أول حد الركوع ج‌6 ص 329

يعد من زيادة الركوع (1)، بخلاف ما إذا وصل إلى أقصى الحد، ثمَّ نزل أزيد، ثمَّ رجع، فإنه يوجب زيادته، فما دام في حده يعد ركوعا واحداً و إن تبدلت الدرجات منه.

[ (مسألة 24): إذا شك في لفظ «العظيم»]

(مسألة 24): إذا شك في لفظ «العظيم» مثلا أنه بالضاد أو بالظاء، يجب عليه ترك الكبرى (2) و الإتيان بالصغرى ثلاثاً أو غيرها من الأذكار، و لا يجوز له أن يقرأ بالوجهين، و إذا شك في أن «العظيم» بالكسر أو بالفتح يتعين عليه أن يقف عليه، و لا يبعد عليه جواز قراءته وصلا بالوجهين لإمكان (3) أن يجعل «العظيم» مفعولا لأعني مقدراً (4).

كما تقدمت الإشارة الى ذلك في المسألة التاسعة.

لعدم إحراز الإتيان بالمأمور به لو اقتصر على أحد الوجهين، و للعلم بالزيادة العمدية لو فعلهما معاً. نعم لو اقتصر على أحد الوجهين رجاء كونه صحيحاً، و بعد الفراغ تبين له ذلك صح، لعدم اعتبار الجزم بالنية.

كما أنه لو جاء بالوجهين من باب الاحتياط- بأن لم يقصد الجزئية بغير الصحيح الواقعي فلا تلزم الزيادة- فلا مانع من صحة الصلاة حينئذ. اللهم إلا أن يكون المانع وقوع الغلط، لكن يأتي منه جواز الذكر في الصلاة و إن لم يكن بالعربية، و قد أشرنا إلى مثله في القراءة.

هذا التعليل يقتضي جواز الاقتصار على أحد الوجهين، و تصح معه الصلاة.

الظاهر أنه لا بد للمتكلم بالصفة المقطوعة من ملاحظة قطعها عن موصوفها، و من ملاحظة الفعل أو نحوه مما يقدر وجوده في القطع، فلو‌

 

330
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 25 يشترط في تحقق الركوع الجلوسي أن ينحني بحيث يساوي وجهه ركبتيه ج‌6 ص 331

[ (مسألة 25): يشترط في تحقق الركوع الجلوسي أن ينحني بحيث يساوي وجهه ركبتيه]

(مسألة 25): يشترط في تحقق الركوع الجلوسي أن ينحني بحيث يساوي وجهه ركبتيه (1) لم يلاحظ ذلك و قطعها في اللفظ كان غلطاً.

حكى في مفتاح الكرامة عن الذكرى، و كشف الالتباس، و الروض و جامع المقاصد، و المدارك، و غيرها: أن لكيفية ركوع الجالس وجهين: أحدهما: أن ينحني بحيث يصير بالنسبة إلى القاعد المنتصب كالراكع بالنسبة إلى الانتصاب، فيعرف تلك النسبة و يراعيها. ثانيهما:

أن ينحني بحيث يكون نسبة ركوعه الى سجوده كنسبة ركوع القائم إلى سجوده باعتبار أكمل الركوع و أدناه، فإن أكمل ركوع القائم انحناؤه الى أن يستوي ظهره مع مد عنقه، فتحاذي جبهته موضع سجوده، و أدناه انحناؤه الى أن تصل كفاه الى ركبتيه، فيحاذي وجهه أو بعضه ما قدام ركبتيه من الأرض و لا يبلغ محاذاة موضع سجوده، فاذا روعيت هذه النسبة في حال الجلوس كان أكمل ركوع القاعد أن ينحني بحيث تحاذي جبهته مسجده، و أدناه محاذاة ما قدام ركبتيه. انتهى، و عن جامع المقاصد و الروض: أن الوجهين متقاربان و تبعهما في الجواهر.

أقول: لا يظهر الفرق بين الوجهين إلا في تعرض الوجه الثاني لبيان أعلى الركوع و أدناه، و بيان ما يحاذيه الوجه في النوعين، و أنه في أحدهما موضع السجود و في الآخر دونه، و عدم تعرض الأول لذلك تفصيلا، بل أشير إليه ببيان مرتبة الانحناء. ثمَّ إن ما ذكر من محاذاة الوجه لموضع السجود في الأكمل من الركوع للقائم ينفيه الاختبار، إذ مع الانحناء المستوي يندفع عجز المنحني إلى الخلف لئلا يقع على وجهه، فيحاذي وجهه ما يحاذيه مع الركوع الأدنى، و هو الركبتان حال الجلوس أو ما يقرب منهما من الأرض، أما موضع المحاذاة حال الركوع الأعلى و الأدنى للجالس‌

 

331
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 25 يشترط في تحقق الركوع الجلوسي أن ينحني بحيث يساوي وجهه ركبتيه ج‌6 ص 331

و الأفضل الزيادة على ذلك بحيث يساوي مسجده (1)، و لا يجب فيه على الأصح الانتصابُ على الركبتين شبه القائم، ثمَّ الانحناء (2)، و إن كان هو الأحوط.

فيتفاوت بمقدار تفاوت ما بين الركبة و أصل الفخذ، و ما بين أصل الفخذ و الوجه المساوي لشبر تقريباً، ففي الأدنى يحاذي الوجه الركبتين، و في الأعلى يحاذي من الأرض ما يبعد عنهما بمقدار شبر، و على كل حال لا يحاذي موضع السجود أصلا.

و كيف كان، لما كان ظاهر الأدلة أن الجالس يركع الركوع الواجب على القائم بجميع الخصوصيات المحفوظة فيه، و كان ركوع القائم يلزم فيه الانحناء الخاص فلا بد في ركوع الجالس من حصول ذلك المقدار من الانحناء و لا مجال للرجوع فيه الى العرف، كما عن الأردبيلي و تبعه في الجواهر.

قد عرفت وجه الأفضلية و ضعفه، و الظاهر أنه لا يتيسر ذلك إلا بالاعتماد على اليدين و رفع الفخذين.

حكي عن جماعة- منهم الشهيدان، و المحقق الثاني-: وجوب رفع الفخذين، لأنه كان واجباً حال القيام، و الأصل بقاؤه، و لا دليل على اختصاص وجوبه به، و زاد في جامع المقاصد: بأن أصل الانحناء في الركوع لا بد منه، و لما لم يمكن تقديره ببلوغ الكفين الركبتين لبلوغهما من دون الانحناء تعين الرجوع الى أمر آخر، به تحقق مشابهة الركوع جالساً إياه قائماً، فيرفع فخذيه عن الأرض- كما صرح به شيخنا في بعض كتبه- لتحقق المشابهة المذكورة، انتهى. و فيه: أنه خلاف إطلاق ما دل على أن العاجز عن الركوع قائماً يركع جالساً، فان ذلك يحصل برفع الفخذين و عدمه، و الأصل- لو تمَّ- لا يصلح لمعارضة الإطلاق.

332
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 26 مستحبات الركوع أمور ج‌6 ص 333

[ (مسألة 26): مستحبات الركوع أمور]

(مسألة 26): مستحبات الركوع أمور:

أحدها: التكبير له و هو قائم منتصب (1)، كما هو المشهور، لما‌

في صحيح زرارة: «إذا أردت أن تركع فقل و أنت منتصب: اللّه أكبر، ثمَّ ركع» «1»‌

، و قد يستفاد من‌

صحيحه الآخر: «فارفع يديك و كبّر ثمَّ اركع» «2»‌

، و‌

في صحيح حماد: «وضع يديه حيال وجهه و قال: اللّه أكبر، و هو قائم ثمَّ ركع» «3»‌

و عن الشيخ: أنه يجوز أن يهوي بالتكبير، و تبعه عليه في الذكرى و غيرها على ما حكي، و كأنه عمل ببعض المطلقات المشرعة للتكبير، و عدم حمله على المقيد لكونه من المندوبات، و عن جامع المقاصد: أنه لو كبّر هاويا و قصد استحبابه أثم و بطلت صلاته. انتهى.

و كأن البناء على الإثم من جهة التشريع، لكنه يتوقف على عدم ثبوت الإطلاق، أو وجوب حمله على المقيد، لكن الإطلاق ثابت و هو صحيح زرارة «4» المتضمن للتسبيح في الأخيرتين، و وجوب الحمل غير ثابت. و أما البطلان فإشكاله أظهر، لما عرفت من عدم كون المستحبات يقصد بها الجزئية القادحة. هذا و الذي وجدته في جامع المقاصد في هذا المقام هكذا: «قال الشيخ في الخلاف: يجوز أن يهوي بالتكبير، فإن أراد المساواة في الفضل فليس كذلك، و إن أراد الأجزاء فهو حق، لأن ذلك مستحب». و ظاهره موافقة الشيخ.

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الركوع حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب الركوع حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5. و باب: 51 حديث: 1‌

 

333
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 26 مستحبات الركوع أمور ج‌6 ص 333

و الأحوط عدم تركه (1)، كما أن الأحوط عدم قصد الخصوصية إذا كبر في حال الهوي، أو مع عدم الاستقرار.

الثاني: رفع اليدين حال التكبير (2)، على نحو ما مر في تكبيرة الإحرام.

الثالث: وضع الكفين على الركبتين، مفرجات الأصابع ممكناً لهما من عينيهما، واضعاً اليمنى على اليمنى و اليسرى على اليسرى (3).

لما عن المعاني، و الديلمي، و ظاهر المرتضى- قدس سرهم-:

من القول بالوجوب اعتماداً منهم على ظاهر الأمر به من النصوص، و فيه:

أنه يتعين حمله على الاستحباب بقرينة ما ظاهره نفي الوجوب،

كخبر أبي بصير: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن أدنى ما يجزئ من التكبير في الصلاة قال (ع): تكبيرة واحدة» «1»‌

، و‌

خبر الفضل عن الرضا (ع) المعلل رفع اليدين في جميع التكبير قال (ع): «فلما أن كان في الاستفتاح الذي هو الفرض رفع اليدين أحب اللّه تعالى أن يؤدوا السنة على جهة ما يؤدى الفرض» «2»‌

، فتأمل.

كما تضمنته النصوص المتقدمة و غيرها، فراجع ما سبق في تكبيرة الإحرام «3».

ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): «ثمَّ اركع و قل:

اللهم لك ركعت، و لك أسلمت، و عليك توكلت، و أنت ربي، خشع لك قلبي، و سمعي، و بصري، و شعري، و بشري، و لحمي، و دمي،

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 11.

(3) المسألة: 14 من مسائل تكبيرة الإحرام.

 

334
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 26 مستحبات الركوع أمور ج‌6 ص 333

الرابع: رد الركبتين إلى الخلف.

الخامس: تسوية الظهر بحيث لو صب عليه قطرة من الماء استقر في مكانه لم يزل.

السادس: مد العنق موازياً للظهر.

و مخي، و عصي، و عظامي، و ما أقلته قدماي، غير مستنكف، و لا مستكبر و لا مستحسر، سبحان ربي العظيم و بحمده، ثلاث مرات في ترسّل، و تصف في ركوعك بين قدميك، تجعل بينهما قدر شبر، و تمكن راحتيك من ركبتيك، و تضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى، و بلّغ بأطراف أصابعك عين الركبة، و فرج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك و أقم صلبك، و مد عنقك، و ليكن نظرك بين قدميك، ثمَّ قل: سمع اللّه لمن حمده- و أنت منتصب قائم- الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ*، أهل الجبروت و الكبرياء و العظمة، الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ*، تجهر بها صوتك، ثمَّ ترفع يديك بالتكبير و تخر ساجداً» «1».

و‌

في صحيح حماد عن أبي عبد اللّه (ع): «ثمَّ ركع، و ملأ كفيه من ركبتيه مفرجات، ورد ركبتيه الى خلفه حتى استوى ظهره حتى لو صب عليه قطرة ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره- و رد ركبتيه الى خلفه، و مد عنقه، و غمض عينيه، ثمَّ سبح ثلاثاً بترتيل، و قال: سبحان ربي العظيم و بحمده، ثمَّ استوى قائماً، فلما استمكن من القيام قال: سمع اللّه لمن حمده، ثمَّ كبر و هو قائم، و رفع يديه حيال وجهه، و سجد» «2»‌

و هذان الصحيحان وافيان بأكثر المستحبات المذكورة في المتن.

______________________________
(1) الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5 و باب: 51 حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 2.

 

335
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 26 مستحبات الركوع أمور ج‌6 ص 333

السابع: أن يكون نظره بين قدميه (1).

الثامن: التجنيح بالمرفقين (2).

التاسع: وضع اليد اليمنى على الركبة قبل اليسرى.

كما في صحيح زرارة «1»، و لكن‌

في صحيح حماد: «أنه (ع) غمض عينيه» «2».

و عن النهاية: استحباب التغميض فان لم يفعل نظر الى ما بين رجليه. و كأنه لأن صحيح زرارة غير ظاهر في الأمر بالنظر، و إنما هو متعرض لصرف النظر الى ما بين القدمين، فيجمع بينهما بذلك.

و لعله الاولى مما في الجواهر: من أن حماداً ظن أنه (ع) قد غمض عينيه من جهة توجيهه نظره الى ما بين قدميه، و لا ينافيه‌

خبر مسمع عن أبي عبد اللّه (ع): «أن النبي (ص) نهى أن يغمض الرجل عينيه في الصلاة» «3»‌

لأن الصحيح أخص منه.

لما في جامع المقاصد: من الإجماع على استحباب التجافي فيه، و عن المنتهى: «لا خلاف فيه»، و‌

في خبر ابن بزيع: «رأيت أبا الحسن (ع) يركع ركوعا أخفض من ركوع كل من رأيته يركع، و كان إذا ركع جنح بيديه» «4»‌

، و استدل له في جامع المقاصد- بعد الإجماع- بما رواه حماد عن أبي عبد اللّه (ع) لما علمه الصلاة: من أنه لم يضع شيئاً من بدنه على شي‌ء منه في ركوع و لا سجود، و كان متجنحاً «5».

______________________________
(1) تقدم في التعليقة السابقة.

(2) تقدم في التعليقة السابقة.

(3) الوسائل باب: 6 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 18 من أبواب الركوع حديث: 1.

(5) تقدم في الصفحة السابقة.

 

336
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 26 مستحبات الركوع أمور ج‌6 ص 333

العاشر: أن تضع المرأة يديها على فخذيها فوق الركبتين (1).

الحادي عشر: تكرار التسبيح ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً (2) بل أزيد (3).

الثاني عشر: أن يختم الذكر على وتر (4).

الثالث عشر: أن يقول قبل قوله: «سبحان ربي العظيم و بحمده»،

«اللهم لك ركعت، و لك أسلمت، و بك آمنت و عليك توكلت، و أنت ربي، خشع لك سمعي، و بصري، و شعري، و بشري، و لحمي، و دمي، و مخي، و عصبي، و عظامي، و ما أقلت قدماي، غير مستنكف، و لا مستكبر،

لما سبق في المسألة العاشرة.

أما الثلاث فلما في الصحيحين المتقدمين «1». و أما الخمس ففي الجواهر و غيرها: عدم الوقوف فيه على نص غير الرضوي حيث كان‌

فيه: «ثلاث مرات، و إن شئت خمس مرات، و ان شئت سبع مرات، و ان شئت التسع، فهو أفضل» «2».

و أما السبع فقد تضمنها‌

صحيح هشام بن سالم قال (ع) فيه: «و الفضل في سبع» «3».

كما يستفاد من جملة من النصوص التي تقدم بعضها في المسألة الحادية عشرة، و لا ينافيه ما في صحيح هشام المتقدم، لأنه محمول على أنه أفضل مما قبله.

كما تقدم أيضاً في المسألة الحادية عشرة.

______________________________
(1) راجع صفحة: 335.

(2) مستدرك الوسائل باب: 4 من أبواب الركوع حديث: 2.

(3) مستدرك الوسائل باب: 4 من أبواب الركوع حديث: 1.

 

337
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 26 مستحبات الركوع أمور ج‌6 ص 333

و لا مستحسر»‌

(1).

الرابع عشر: أن يقول بعد الانتصاب: «سمع اللّه لمن حمده» (2)، بل يستحب أن يضم اليه قوله: «الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ*، أهل الجبروت و الكبرياء و العظمة، الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ*» (3)، إماماً كان أو مأموماً أو منفرداً (4).

الخامس عشر: رفع اليدين للانتصاب منه (5)، و هذا غير رفع اليدين حال التكبير للسجود.

ما في المتن مطابق لصحيح زرارة على ما في نسخة الجواهر، لكنه يخالفه يسيراً ما في نسخة الوسائل التي تحضرني، كما سبق «1».

كما في صحيح حماد «2».

كما في صحيح زرارة «3».

للإطلاق. هذا، و مقتضى الصحيح المتقدم «4» استحباب الجهر بها.

كما عن ابني بابويه، و صاحب الفاخر، و الذكرى، و جماعة من متأخري المتأخرين، لما‌

في صحيح معاوية بن عمار: «رأيت أبا عبد اللّه (ع) يرفع يديه إذا ركع، و إذا رفع رأسه من الركوع، و إذا سجد، و إذا رفع رأسه من السجود» «5»‌

، و‌

صحيح ابن مسكان عنه (ع): «في الرجل يرفع يده كلما أهوى للركوع و السجود، و كلما رفع رأسه من ركوع‌

______________________________
(1) راجع المورد الثالث من مستحبات الركوع.

(2) تقدم في مورد الثالث من مستحبات الركوع.

(3) تقدم في مورد الثالث من مستحبات الركوع.

(4) راجع المورد الثالث من مستحبات الركوع.

(5) الوسائل باب: 2 من أبواب الركوع حديث: 2.

 

338
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 26 مستحبات الركوع أمور ج‌6 ص 333

.....

أو سجود، قال (ع): هي العبودية» «1».

نعم عن المشهور: العدم، بل في المعتبر: أنه مذهب علمائنا. و يظهر منه أنه كان اعتماداً على خلو الصحيحين المتقدمين عنه. و فيه: أن ذلك لا يعارض صريح الصحيحين المذكورين كما لا يخفى، و احتمال سقوطهما عن الحجية بالأعراض غير ثابت، بل يمكن أن يكون للترجيح، لفهم التعارض فتأمل هذا و هل يستحب التكبير حال هذا الرفع- كما عن تحفة الجزائري و غيرها، و يشهد به‌

خبر الأصبغ عن أمير المؤمنين (ع) المروي في مجمع البيان في تفسير قوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ)، قال النبي (ص):

«ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي؟ قال: ليست بنحيرة و لكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت، و إذا ركعت، و إذا رفعت رأسك من الركوع، و إذا سجدت، فإنه صلاتنا و صلاة الملائكة في السماوات السبع، فان لكل شي‌ء زينة و إن زينة الصلاة رفع الأيدي عند كل تكبيرة» «2»‌

فإن ظاهر الذيل أن الرفع حال الاعتدال من الركوع معه تكبيرة، و مثله عموم ما ورد من أنه إذا انتقل من حالة الى حالة فعليه التكبير. و ظهور الخبرين في استحباب التكبير أقوى من ظهور الصحيحين المتقدمين في عدمه، و لا سيما مع قرب دعوى كون الرفع كناية عن التكبير حاله، كما أنه لا ينافي ذلك ما دل على حصر التكبير في الرباعية بإحدى و عشرين، و في المغرب بست عشرة، و في الفجر بإحدى عشرة «3»، لإمكان حمله على تأكد الاستحباب- أولا؟ لأن الخبرين المذكورين ضعيفان، فالاعتماد عليهما يتوقف على تمامية قاعدة التسامح، و هي غير ثابتة.

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب الركوع حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 14.

(3) الوسائل باب: 5 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 2.

 

339
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 26 مستحبات الركوع أمور ج‌6 ص 333

السادس عشر: أن يصلي على النبي و آله (1) بعد الذكر أو قبله.

[ (مسألة 27): يكره في الركوع أمور]

(مسألة 27): يكره في الركوع أمور:

أحدها: أن يطأطئ رأسه بحيث لا يساوي ظهره (2)

ففي صحيح ابن سنان: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل يذكر النبي (ص) و هو في الصلاة المكتوبة إما راكعاً و إما ساجداً، فيصلي عليه و هو على تلك الحال؟ فقال (ع): نعم إن الصلاة على نبي اللّه (ص) كهيئة التكبير و التسبيح، و هي عشر حسنات يبتدرها ثمانية عشر ملكا أيهم يبلغها إياه» «1»‌

، و‌

في خبر أبي حمزة: «قال أبو جعفر (ع): من قال في ركوعه و سجوده و قيامه: صلى اللّه على محمد و آل محمد كتب اللّه تعالى له بمثل الركوع و السجود و القيام» «2»‌

و نحوهما غيرهما.

للمرفوع المروي‌

عن معاني الاخبار عن النبي (ص): «نهى أن يدبح الرجل في الصلاة» «3».

قال: و معناه أن يطأطئ الرجل رأسه في الركوع حتى يكون أخفض من ظهره، و‌

خبر إسحاق: «كان- يعني علياً- (ع) يكره أن يحدر رأسه و منكبيه في الركوع» «4»‌

، و‌

خبر علي بن عقبة: «رآني أبو الحسن (ع) بالمدينة و أنا أصلي و أنكس برأسي و أتمدد في ركوعي، فأرسل إلي: لا تفعل» «5».

______________________________
(1) الوسائل باب: 20 من أبواب الركوع حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 20 من أبواب الركوع حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 18 من أبواب الركوع حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 19 من أبواب الركوع حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 19 من أبواب الركوع حديث: 1.

 

340
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 27 يكره في الركوع أمور ج‌6 ص 340

أو يرفعه إلى فوق كذلك (1).

الثاني: أن يضم يديه إلى جنبيه (2).

الثالث: أن يضع إحدى الكفين على الأخرى، و يدخلهما بين ركبتيه (3)، بل الأحوط اجتنابه.

الرابع: قراءة القرآن فيه (4).

لخبر المعاني: «و كان (ع) إذا ركع لم يضرب رأسه و لم يقنعه» «1»‌

قال: و معناه أنه لم يكن يرفعه حتى يكون أعلى من جسده و لكن بين ذلك. و الإقناع رفع الرأس و إشخاصه. قال اللّه تعالى:

(مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ) «2».

لم أقف على نص يدل عليه، و كأنه مستفاد مما دل على استحباب التجنيح «3».

فعن أبي الصلاح، و الشهيد، و المختلف: كراهته، و ليس له دليل ظاهر كالمحكي عن ابن الجنيد، و الفاضلين، و غيرهما: من تحريمه و لذلك كان الأحوط اجتنابه.

كما نسب إلى المتأخرين. و في الجواهر: نسبته الى الشيخ لجملة من النصوص:

كخبر أبي البختري عن علي (ع): «لا قراءة في ركوع و لا سجود، إنما فيهما المدحة للّٰه عز و جل ثمَّ المسألة، فابتدؤا قبل المسألة بالمدحة للّٰه عز و جل ثمَّ اسألوا بعد» «4».

و‌

خبر السكوني عنه (ع): «سبعة لا يقرؤن القرآن: الراكع، و الساجد، و في الكنيف، و في الحمام‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 18 من أبواب الركوع حديث: 4.

(2) إبراهيم: 43.

(3) راجع المورد الثامن من مستحبات الركوع.

(4) الوسائل باب: 8 من أبواب الركوع حديث: 4.

 

341
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 27 يكره في الركوع أمور ج‌6 ص 340

الخامس: أن يجعل يديه تحت ثيابه ملاصقاً لجسده (1).

[ (مسألة 28): لا فرق بين الفريضة و النافلة في واجبات الركوع و مستحباته و مكروهاته]

(مسألة 28): لا فرق بين الفريضة و النافلة في واجبات الركوع و مستحباته و مكروهاته (2)،

و الجنب، و النفساء، و الحائض» «1».

و نحوهما غيرهما، و الظاهر أن الكراهة في المقام على حد الكراهة في سائر العبادات المتصور فيها أحد وجوه محررة في محلها.

كما عن جماعة، بل عن المسالك، و غيرها: نسبته إلى الأصحاب لما‌

رواه عمار عن أبي عبد اللّه (ع) «سألته عن الرجل يصلي فيدخل يده في ثوبه، قال (ع): إن كان عليه ثوب آخر إزار أو سراويل فلا بأس، و إن لم يكن فلا يجوز له ذلك، فإن أدخل يداً واحدة و لم يخل الأخرى فلا بأس» «2»‌

و يتعين حمله على الكراهة بشهادة الإجماع، و‌

مرسل ابن فضال عن رجل: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): إن الناس يقولون:

إن الرجل إذا صلى و أزراره محلولة، و يداه داخلة في القميص إنما يصلي عريانا، قال (ع): لا بأس» «3»‌

فإنه ظاهر في الجواز في مورد الخبر، و أما‌

صحيح ابن مسلم: «عن الرجل يصلي و لا يخرج يديه من ثوبه قال (ع): إن أخرج يديه فحسن، و إن لم يخرج فلا بأس» «4»‌

فلا يصلح لصرف الخبر إلى الكراهة لإمكان الجمع بينهما بالتقييد. هذا و الظاهر من الخبر عدم اختصاص الحكم بالركوع فتخصيص الكراهة به غير ظاهر.

لإطلاق الأدلة في أكثرها، و لقاعدة الإلحاق المشار إليها في غير‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 47 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 40 من أبواب لباس المصلي حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 40 من أبواب لباس المصلي حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 40 من أبواب لباس المصلي حديث: 1.

 

342
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 28 لا فرق بين الفريضة و النافلة في واجبات الركوع و مستحباته و مكروهاته ج‌6 ص 342

و كون نقصانه موجباً للبطلان. نعم الأقوى عدم بطلان النافلة بزيادته سهواً (1).

مورد من هذا الشرح.

كما عن صريح الموجز، و ظاهر الدروس، لعدم الدليل على قدحها و الإجماع عليه في الفريضة غير ثابت هنا. مضافا الى‌

خبر الصيقل عن أبي عبد اللّه (ع): «قلت له: الرجل يصلي الركعتين من الوتر ثمَّ يقوم فينسى التشهد حتى يركع و يذكر و هو راكع، قال (ع): يجلس من ركوعه يتشهد ثمَّ يقوم فيتم، قال: قلت: أ ليس قلت في الفريضة: إذا ذكره بعد ما ركع مضى في صلاته، ثمَّ سجد سجدتي السهو بعد ما ينصرف يتشهد فيهما؟ قال (ع): ليس النافلة مثل الفريضة» «1»‌

و‌

حسن الحلبي: «عن الرجل سها في الركعتين من النافلة فلم يجلس بينهما حتى قام فركع في الثالثة، فقال (ع): يدع ركعة و يجلس و يتشهد و يسلم ثمَّ يستأنف الصلاة بعد» «2».

اللهم إلا أن يستشكل في الأخير بظهوره في كون الثالثة مقصوداً بها صلاة أخرى فلا تكون زيادة في الأولى كي يدل على عدم قدح الزيادة الركنية سهواً، و في الأول بوجوب حمله على ذلك بناء على لزوم فصل الشفع عن الوتر بالتسليم، لكن يأباه جداً قوله (ع): «ليس النافلة كالفريضة»، إذ لو حمل على كون الركعة الثالثة صلاة أخرى لم يكن فرق بين النافلة و الفريضة في صحة الصلاة و لزوم التدارك للفائت، لعدم تحقق الزيادة، و مما يبعد الحمل على الركعة المنفصلة عدم ذكر التسليم مع‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب التشهد حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 18 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 4.

 

343
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في السجود ج‌6 ص 344

[فصل في السجود]

فصل في السجود و حقيقته وضع الجبهة على الأرض بقصد التعظيم (1).

التشهد، كما ذكر في حسن الحلبي، اللهم إلا أن يكون حمله على الركعة المتصلة موجباً لطرحه، لمعارضته لما دل على لزوم فصل الشفع عن الوتر و حينئذ لا يجوز الاستدلال به على المقام، فتأمل.

و يمكن أن يستشكل فيه أيضاً: بأن الظاهر من قوله (ع):

«فيتم»‌

أنه يبني على ما مضى و يصح ركوعه، لا أنه ملغى كي يلزم الزيادة هذا و قد يستدل على المقام‌

بصحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع): «عن السهو في النافلة، فقال (ع): ليس عليك شي‌ء» «1»‌

فان إطلاق السهو يشمل ما نحن فيه، و يشكل بعدم ثبوت عموم السهو لما نحن فيه كما سيأتي- إن شاء اللّه- في مبحث الخلل، و على هذا فالخروج عن حكم الفريضة غير ظاهر، إذ الدليل ليس منحصراً بالإجماع، بل يدل عليه ما تضمن أن الصلاة لا تعاد من سجدة و تعاد من ركعة، فإن مورده زيادة السجدة، و مقتضى مقابلة الركعة بالسجدة أن المراد منها الركوع الواحد، فتأمل جيداً، و سيأتي- إن شاء اللّٰه- في مبحث الخلل بعض ما له نفع في المقام.

فصل في السجود قال في مجمع البحرين: «قد تكرر في الحديث ذكر السجود‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 18 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 1.

 

344
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في السجود ج‌6 ص 344

و هو أقسام: السجود للصلاة، و منه قضاء السجدة المنسية، و للسهو، و للتلاوة، و للشكر، و للتذلل و التعظيم. أما سجود الصلاة فيجب في كل ركعة من الفريضة و النافلة سجدتان (1) و هما معاً من الأركان، فتبطل بالإخلال بهما معاً (2)، و كذا و هو في اللغة الميل، و الخضوع، و التطامن، و الإذلال، و كل شي‌ء ذل فقد سجد، و منه سجد البعير إذا خفض رأسه عند ركوعه، و سجد الرجل وضع جبهته على الأرض»، و الظاهر أن استعماله في غير الأخير مبني على نحو من العناية. نعم في اعتبار وضع خصوص الجبهة إشكال، لصدقه عرفا بوضع جزء من الوجه و لو كان غيرها، و مثله اعتبار كون الموضوع عليه الأرض لا غير، بل المنع فيه أظهر.

إجماعا، بل ضرورة- كما قيل- و النصوص فيه متجاوزة حد التواتر، و يأتي بعضها إن شاء اللّٰه تعالى.

بلا خلاف و لا إشكال كما يأتي- إن شاء اللّٰه تعالى-في مبحث الخلل.

نعم هنا إشكال مشهور، و هو: أن موضوع الركنية هو موضوع الزيادة و النقيصة المبطلة، و هنا ليس كذلك، فان موضوع الركنية إن كان مجموع السجدتين صح كونه موضوعا للزيادة المبطلة، لأن زيادة سجدتين مبطلة إجماعا، و لا يصح كونه موضوعا للنقيصة المبطلة، لأن نقص المجموع يكون بنقص واحدة، مع أن نقص الواحدة سهواً لا يبطل كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى، و إن كان موضوع الركنية صرف ماهية السجود صح كونه موضوعا للنقيصة المبطلة، لأن نقص الماهية إنما يكون بعدم كل فرد منها، إلا أنه لا يصح كونه موضوعا للزيادة المبطلة لأن زيادة صرف‌

345
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في السجود ج‌6 ص 344

بزيادتهما معاً في الفريضة عمداً كان، أو سهواً، أو جهلا. كما أنها تبطل بالإخلال بإحداهما عمداً (1)، و كذا بزيادتها. و لا تبطل على الأقوى بنقصان واحدة، و لا بزيادتها سهواً.

[و واجباته أمور]

و واجباته أمور:

[أحدها: وضع المساجد السبعة على الأرض]

أحدها: وضع المساجد السبعة على الأرض، و هي:

الجبهة، و الكفان، و الركبتان، و الإبهامان من الرجلين (2)، الماهية تكون بزيادة واحدة و هي سهواً غير مبطلة. و بالجملة ليس هنا شي‌ء واحد نقصه و زيادته سهواً مبطلان ليكون ركناً.

و قد ذكر في دفع هذا الاشكال وجوه لا تخلو من تصرف في ظاهر قولهم: الركن ما تبطل الصلاة بزيادته و نقيصته عمداً و سهواً، لا يهم ذكرها بعد كون الاشكال مما لا يترتب عليه ثمرة عملية. من أراد الوقوف عليها فليراجع الجواهر و غيرها.

يأتي- إن شاء اللّٰه تعالى- في مبحث الخلل بيانه، و كذا ما بعده إجماعا حكاه جماعة من الأساطين، و يشهد له‌

صحيح زرارة:

«قال أبو جعفر (ع): قال رسول اللّٰه (ص): السجود على سبعة أعظم: الجبهة، و اليدين، و الركبتين، و الإبهامين من الرجلين، و ترغم بأنفك إرغاما، أما الفرض فهذه السبعة، و أما الإرغام بالأنف فسنة من النبي (ص)» «1»‌

، و‌

صحيح حماد عن أبي عبد اللّٰه (ع) الوارد في تعليم الصلاة: «و سجد (ع) على ثمانية أعظم: الجبهة، و الكفين، و عيني الركبتين، و أنامل إبهامي الرجلين، و الأنف فهذه السبعة فرض، و وضع الأنف على الأرض سنة، و هو الإرغام» «2»‌

، و‌

خبر عبد اللّٰه بن‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب السجود حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.

 

346
مستمسک العروة الوثقى6

أحدها وضع المساجد السبعة على الأرض ج‌6 ص 346

و الركنية تدور مدار وضع الجبهة (1)، فتحصل الزيادة‌

ميمون القداح عن جعفر بن محمد (ع) «قال (ع): يسجد ابن آدم على سبعة أعظم: يديه، و رجليه، و ركبتيه و جبهته» «1»‌

و نحوها غيرها.

و عن السيد و الحلي (رحمه اللّٰه): تعين السجود على مفصل الزندين من الكفين. و وجهه غير ظاهر- كما اعترف به غير واحد- و مثله ظاهر ما عن كثير من القدماء و بعض المتأخرين من التعبير بأصابع الرجلين أو أطرافها، فإنه مخالف للصحيحين المتقدمين و غيرهما بلا وجه ظاهر، سوى التعبير في بعض النصوص بالرجلين المتعين تقييده على كلا القولين، أو بأطراف الأصابع الشامل للابهامين و غيرهما، المتعين رفع اليد عن ظاهره بالصحيحين الدالين على الاكتفاء بالإبهامين.

و المشهور التعبير بالكف كما تضمنه صحيح حماد «2»، خصوصاً بملاحظة‌

الزيادة المروية في الكافي قال (ع): «سبعة منها فرض يسجد عليها و هي التي ذكرها اللّٰه تعالى في كتابه، فقال تعالى (وَ أَنَّ الْمَسٰاجِدَ لِلّٰهِ فَلٰا تَدْعُوا مَعَ اللّٰهِ أَحَداً) «3» و هي: الجبهة، و الكفان، و الركبتان، و الإبهامان» «4»‌

، و في عبارة جماعة من القدماء و المتأخرين ذكر اليد كما تضمنه كثير من النصوص «5»، لكن يتعين حملها على الكف جمعاً بين المطلق و المقيد، و لأجل ذلك يتعين إرادة الكف من التعبير باليد أيضاً.

يعني: ركنية السجود للصلاة، و في الجواهر: «لا ريب في‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب السجود حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.

(3) الجن: 18.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 2.

(5) تقدم بعضها في الصفحة السابقة.

 

347
مستمسک العروة الوثقى6

أحدها وضع المساجد السبعة على الأرض ج‌6 ص 346

و النقيصة به دون سائر المساجد، فلو وضع الجبهة دون سائرها تحصل الزيادة، كما أنه لو وضع سائرها و لم يضعها يصدق تركه.

[الثاني: الذكر]

الثاني: الذكر، و الأقوى كفاية مطلقه (1). و إن كان الأحوط اختيار التسبيح على نحو ما مر في الركوع، إلا أن عدم اعتبار وضع ما عدا الجبهة فيه، كما اعترف به المحقق الثاني، و الشهيد الثاني». و في منظومة الطباطبائي (قدس سره):

«و واجب السجود وضع الجبهة و إنه الركن بغير شبهة

و وضعه للستة الأطراف فإنه فرض بلا خلاف»

و كأنه لدوران صدق السجود عرفا و عدمه مدار ذلك- كما عرفت- الموجب لتنزيل أحكام السجود عليه.

و لا ينافيه‌

قوله (ص): «السجود على سبعة أعظم»‌

إذ المراد منه أنه يجب السجود على السبعة، لا أن مفهومه السجود على السبعة بحيث يكون السجود على كل واحد منها جزءاً من مفهومه ينتفي بانتفائه انتفاء المركب بانتفاء جزئه، فان حمله على هذا المعنى يقتضي أن يجعل الظرف لغواً متعلقاً بالسجود، و يكون الخبر مقدراً مفاد قولنا: السجود على سبعة أعظم معنى لفظ السجود، أو المراد منه، أو نحو ذلك، و هو خلاف الظاهر. إذ الظاهر أنه ظرف مستقر يعني: السجود يكون على سبعة أعظم و كونه عليها بمعنى وجوب السجود عليها كما عرفت. و يشير الى ما ذكرنا‌

قوله (ع): «فهذه السبعة فرض» «1»‌

كما لا يخفى. و المتحصل أنه ليس في النصوص ما ينافي الحمل على المعنى العرفي، فيجب البناء عليه.

الكلام فيه قولا و قائلا و دليلا هو الكلام في الركوع فراجع.

______________________________
(1) تقدم في التعليقة السابقة.

 

348
مستمسک العروة الوثقى6

الثاني الذكر ج‌6 ص 348

في التسبيحة الكبرى يبدل العظيم بالأعلى (1).

[الثالث: الطمأنينة فيه بمقدار الذكر الواجب]

الثالث: الطمأنينة فيه بمقدار الذكر الواجب (2)، بل المستحب أيضاً (3) إذا أتى به بقصد الخصوصية، فلو شرع في الذكر قبل الوضع أو الاستقرار عمداً بطل و أبطل (4) كما صرح بذلك في النصوص و قد تقدم بعضها.

إجماعا كما عن الغنية و المدارك و المفاتيح، و بلا خلاف كما عن مجمع البرهان، و في المعتبر: نسبته إلى علمائنا. و استشهد له بما‌

في صحيح علي بن يقطين: «عن الركوع و السجود كم يجزئ فيه من التسبيح؟

فقال (ع): ثلاث، و تجزؤك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض» «1»‌

و ما‌

في صحيح علي بن جعفر (ع) عن أخيه (ع): «عن الرجل يسجد على الحصى فلا يمكن جبهته من الأرض، قال (ع): يحرك جبهته حتى يتمكن، فينحي الحصى عن جبهته و لا يرفع رأسه» «2»‌

، و‌

صحيح الهذلي المروي عن أربعين الشهيد: «فاذا سجدت فمكن جبهتك من الأرض، و لا تنقر كنقرة الديك» «3».

لكن يقرب احتمال كون المراد من تمكين الجبهة من الأرض الاعتماد عليها لا الاطمئنان بوضعها، و لو سلم فلا تدل على لزوم اطمئنان المصلي مع أن الأخيرين غير ظاهرين في الاطمئنان بمقدار الذكر، فالعمدة الإجماع.

قد عرفت في الركوع الإشكال في دليله، و لذا توقف المصنف فيه هناك، و الفرق بين المقامين غير ظاهر.

تقدم الكلام في نظيره في المسألة الرابعة عشرة من فصل الركوع.

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب الركوع حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب السجود حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 18.

 

349
مستمسک العروة الوثقى6

الثالث الطمأنينة فيه بمقدار الذكر الواجب ج‌6 ص 349

و إن كان سهواً وجب التدارك إن تذكر قبل رفع الرأس (1) و كذا لو أتى به حال الرفع أو بعده و لو كان بحرف واحد منه فإنه مبطل إن كان عمداً، و لا يمكن التدارك إن كان سهواً إلا إذا ترك الاستقرار و تذكر قبل رفع الرأس.

[الرابع: رفع الرأس منه]

الرابع: رفع الرأس منه.

[الخامس: الجلوس بعده]

الخامس: الجلوس بعده (2) مطمئناً (3) ثمَّ الانحناء للسجدة الثانية.

[السادس: كون المساجد السبعة في محالها]

السادس: كون المساجد السبعة في محالها (4) إلى تمام الذكر فلو رفع بعضها بطل (5) و أبطل إن كان عمداً و يجب تداركه إن كان سهواً (6).

إجماعا كما عن الوسيلة، و الغنية، و المنتهى، و الذكرى، و جامع المقاصد، و المدارك، و المفاتيح، و ظاهر المعتبر، و كشف اللثام. لتوقف صدق السجدة الثانية عليه، و قد يشير اليه خبر أبي بصير الآتي.

إجماعا حكاه جماعة كثيرة أيضاً، و‌

في خبر أبي بصير: «و إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك حتى ترجع مفاصلك، و إذا سجدت فاقعد مثل ذلك» «1».

العمدة فيه الإجماع المحكي نقله عن جماعة كثيرة، و أما رجوع المفاصل في خبر أبي بصير: فليس راجعاً للطمأنينة و لا لازماً لها كما لا يخفى.

بلا إشكال، و يمكن استفادته من النصوص.

يعني الذكر لوقوعه على غير وجهه، فيبطل الصلاة للزيادة العمدية.

هذا يتم إذا كان محل الذكر هو حال الوضع لمجموع المساجد،

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 9.

 

350
مستمسک العروة الوثقى6

السادس كون المساجد السبعة في محالها ج‌6 ص 350

نعم لا مانع من رفع ما عدا الجبهة (1) في غير حال الذكر ثمَّ وضعه عمداً كان أو سهواً من غير فرق بين كونه لغرض كحك الجسد و نحوه أو بدونه.

[السابع: مساواة موضع الجبهة للموقف]

السابع: مساواة موضع الجبهة للموقف (2) بمعنى عدم علوّه أما إذا كان محله وضع الجبهة لا غير و وضع بقية المساجد واجب آخر في عرضه حاله، فالذكر بلا وضع بقية المساجد يكون في المحل، و يكون الوضع قد فات محله، فلا مجال لتداركه، فيسقط، لكن المظنون الأول، فتأمل.

كما صرح به في الجواهر و غيرها، لأصالة البراءة من مانعيته، و ليس مأتياً به بقصد الجزئية كي يكون زيادة. و أما الوضع بعد الرفع فهو واجب لوجوب الذكر حاله، فأولى أن لا يكون قادحا في الصلاة. و‌

في خبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه (ع): «عن الرجل يكون راكعاً أو ساجداً فيحكه بعض جسده، هل يصلح له أن يرفع يده من ركوعه أو سجوده فيحكه مما حكه؟ قال (ع): لا بأس إذا شق عليه أن يحكه و الصبر الى أن يفرغ أفضل» «1»‌

، و من ذلك يظهر ضعف ما في الجواهر عن بعض المشايخ: من التوقف في ذلك، أو الجزم بالبطلان. و قد أطال العلامة الطباطبائي في هذا المقام، و مما قال (قدس سره):

«و رفعه حال السجود لليد أو غيرها كالرجل غير مفسد

فإنه فعل قليل مغتفر و الوضع بعد الرفع عن أمر صدر»

.. الى أن قال- بعد التعرض لأمثال المقام، و خبر ابن جعفر (ع) المتقدم-:

«و ترك هذا كله من الأدب و ليس مفروضاً و لكن يستحب»

على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل في المعتبر‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 23 من أبواب الركوع حديث: 1.

 

351
مستمسک العروة الوثقى6

السابع مساواة موضع الجبهة للموقف ج‌6 ص 351

.....

و عن المنتهى، و التذكرة، و جامع المقاصد: نسبته إلى علمائنا، أو جميعهم و إن اختلفت عباراتهم في التقدير باللبنة أو بالمقدار المعتد به. قال في جامع المقاصد: «لا بد أن يكون موضع جبهته مساويا لموقفه، أو زائداً عليه بمقدار لبنة موضوعة على أكبر سطوحها لا أزيد عند جميع أصحابنا»، و قال في المعتبر: «لا يجوز أن يكون موضع السجود أعلى من موقف المصلي بما يعتد به مع الاختيار، و عليه علماؤنا» و نحوه ذكر في التذكرة.

و العمدة فيه‌

خبر عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (ع): «سألته عن السجود على الأرض المرتفعة، فقال (ع): إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس» «1».

لكن استشكل فيه تارة: بأن في طريقة النهدي المشترك بين الثقة و من لم يثبت توثيقه، و أخرى: بأن في بعض النسخ «يديك» باليائين المثناتين من تحت، بل هو كذلك فيما يحضرني من نسخة معتبرة من التهذيب و إن كتب في الهامش «بدنك» بالباء الموحدة و النون مع وضع علامة (خ ل) و كذا في النسخة المصححة من الوسائل، و ثالثة: من جهة أن مفهومه ثبوت البأس بالزائد على اللبنة و هو أعم من المنع.

و يمكن دفع الأول: بأن الظاهر من إطلاق النهدي أنه الهيثم بن مسروق لأنه الأغلب، كما عن تعليقة الوحيد، و لرواية محمد بن علي بن محبوب، و قد صحح العلامة طريقة في جملة موارد، مع أن اعتماد الأصحاب جابر للضعف.

و الثاني: بأن استدلال الأصحاب به دليل على ضبطهم له بالباء و النون و لا سيما و فيهم من هو في غاية الضبط و الإتقان و التثبت، لا أقل من ترجيح ذلك على النسخة الأخرى، بناء على ما هو الظاهر من إجراء قواعد التعارض‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب السجود حديث: 1.

 

352
مستمسک العروة الوثقى6

السابع مساواة موضع الجبهة للموقف ج‌6 ص 351

.....

عند اختلاف النسخ، و لا سيما و‌

في الكافي قال: «و في حديث آخر في السجود على الأرض المرتفعة قال (ع): إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن رجليك قدر لبنة فلا بأس» «1»‌

و المظنون قوياً أنه عين المسند المذكور.

و الثالث: بأن إطلاق البأس يقتضي المنع، إذ هو النقص المعتد به كما يظهر من ملاحظة المشتقات مثل: البائس، و البأساء، و البؤس، و البئيس، و بئس، و غيرها، و لا سيما بملاحظة وقوعه جوابا عن السؤال عن الجواز حسب ما هو المنسبق الى الذهن.

و في الجواهر: «يتعين حمله على المنع بقرينة فهم الأصحاب، إذ من شك منهم شك في جواز هذا العلو لا الأزيد، و‌

لصحيح عبد اللّٰه بن سنان: «أنه سأل أبا عبد اللّٰه (ع) عن موضع جبهة الساجد أ يكون أرفع من مقامه؟ قال (ع): لا، و لكن ليكن مستويا» «2»‌

، و‌

خبر الحسين ابن حماد عن أبي عبد اللّٰه (ع) قال: «قلت له: أضع وجهي للسجود فيقع وجهي على حجر أو على شي‌ء مرتفع، أحوّل وجهي إلى مكان مستوي؟ فقال (ع): نعم، جرّ وجهك على الأرض من غير أن ترفعه» «3»‌

، و‌

خبره الآخر: «أسجد فتقع جبهتي على الموضع المرتفع فقال (ع): ارفع رأسك ثمَّ ضعه» «4»‌

، و‌

صحيح معاوية بن عمار: «قال أبو عبد اللّٰه (ع) إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها، و لكن جرها على الأرض» «5».

فإن هذه النصوص دالة على المنع عن مطلق‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب السجود حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 10 من أبواب السجود حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 8 من أبواب السجود حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 8 من أبواب السجود حديث: 4.

(5) الوسائل باب: 8 من أبواب السجود حديث: 1.

 

353
مستمسک العروة الوثقى6

السابع مساواة موضع الجبهة للموقف ج‌6 ص 351

أو انخفاضه أزيد من مقدار لبنة (1) الرفع، فتقيد بالزائد على اللبنة جمعاً بينها و بين الخبر الأول الصريح في الجواز بمقدارها.

و فيما ذكره (رحمه اللّه) نظر، إذ الإجماع في المقام لو تمَّ فهو معلوم المستند، و أما صحيح ابن سنان فلأجل ظهوره في تعين المساواة يتعين حمله على الاستحباب، و لا يكون مع الخبر الأول من قبيل المطلق و المقيد، و جعل قوله (ع) في الجواب:

«لا»‌

للمنع، و‌

قوله (ع): «ليكن مستوياً»‌

للاستحباب تفكيك لا يساعده التركيب. و أما خبر الحسين الأول فالظاهر منه الرخصة في مقابل المنع الذي توهمه السائل. و أما خبره الآخر فمحمول على الارتفاع المانع من صدق السجود، كما يقتضيه- مضافا الى الرخصة بالرفع- الجمع بينه و بين ما قبله و ما بعده، فتأمل. و أما صحيح معاوية فظاهر في عدم جواز الرفع في ظرف بناء الساجد على تحويل جبهته عن النبكة المجهول وجهه، و أنه للارتفاع، أو لعدم إمكان الاعتماد، أو لغير ذلك.

فالاعتماد في المنع عما زاد على اللبنة على النصوص المذكورة غير ظاهر بل العمدة فيه الخبر الأول. و منه يظهر الاشكال فيما عن المدارك، و غيرها:

من المنع عن السجود على مطلق المرتفع، أخذاً بالإطلاق صحيح ابن سنان و طرحاً للخبر المذكور، كما يظهر أيضاً حمل‌

صحيح أبي بصير: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل يرفع موضع جبهته في المسجد فقال (ع):

إني أحب أن أضع وجهي في موضع قدمي و كرهه» «1»‌

على الارتفاع دون اللبنة.

كما عن الشهيدين، و المحقق الثاني، و غيرهم.

لموثق عمار عن‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب السجود حديث: 2.

 

354
مستمسک العروة الوثقى6

السابع مساواة موضع الجبهة للموقف ج‌6 ص 351

موضوعة على أكبر سطوحها (1)، أو أربع أصابع مضمومات (2) و لا بأس بالمقدار المذكور، و لا فرق في ذلك بين الانحدار و التسنيم (3).

أبي عبد اللّه (ع): «سألته عن المريض أ يحل له أن يقوم على فراشه و يسجد على الأرض؟ فقال (ع): إذا كان الفراش غليظاً قدر آجرة أو أقل استقام له أن يقوم عليه و يسجد على الأرض، و إن كان أكثر من ذلك فلا» «1»‌

و به يقيد إطلاق‌

خبر محمد بن عبد اللّه عن الرضا (ع): «أنه سأله عمن يصلي وحده فيكون موضع سجوده أسفل من مقامه، فقال (ع): إذا كان وحده فلا بأس» «2».

و المحكي عن الأردبيلي و بعض من تأخر عنه الجواز، بل نسب إلى الأكثر، بل الى ظاهر من تقدم على الشهيد، لاقتصارهم على التعرض للارتفاع بل في التذكرة: «لو كان مساويا أو أخفض جاز إجماعا» و كأنه لعدم ظهور نفي الاستقامة في المنع، لا أقل من عدم صلاحيته لتقييد خبر محمد بن عبد اللّه. و التقييد فيه بالوحدة لعله للفرار عن كون مسجد المأموم أخفض من مسجد الامام.

بلا إشكال، لانصراف التقدير باللبنة إلى التقدير بالعمق.

في الحدائق نسبه الى الأصحاب، ثمَّ قال: «و يؤيده أن اللبن الموجود الآن في أبنية بني العباس من (سر من رأى) فان الآجر الذي في أبنيتها بهذا المقدار تقريباً».

كما يقتضيه إطلاق النص و الفتوى. و دعوى الانصراف الى الثاني غير ظاهرة. و منه يظهر الاشكال فيما عن كشف الغطاء: من الجواز في‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب السجود حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 10 من أبواب السجود حديث: 4.

 

355
مستمسک العروة الوثقى6

السابع مساواة موضع الجبهة للموقف ج‌6 ص 351

نعم الانحدار اليسير لا اعتبار به فلا يضر معه الزيادة على المقدار المذكور (1)، الأول ما لم يتفاحش فتفوت به هيئة السجود.

هذا غير ظاهر لأن التقدير باللبنة و ما زاد عليها- بعد البناء على عمومه لصورة الانحدار- راجع الى ملاحظة الانحدار اليسير بكلا قسميه، فكيف يدعى عدم شمول النص له؟!. نعم لو حكم على الانحدار بحكم أمكن أن يدعى انصرافه عن اليسير، لكن بعد تعرض الدليل للتقدير باللبنة و ما زاد لا مجال لاحتماله، كما يظهر بالتأمل. اللهم إلا أن يكون المراد بالانحدار اليسير الذي ابتداؤه من الموقف تقريباً، و الكثير الذي يكون حول الجبهة ظاهراً للحس، فالأول خارج عن نص التقدير و لو زاد على اللبنة، و الثاني داخل كذلك، و يشير الى ذلك الموثق «1» الوارد في صحة الجماعة في الأرض المنحدرة، فراجع.

تنبيه المذكور في المتن تبعاً للأصحاب أن موضوع المساواة موضع الجبهة و الموقف، و عبر بعضهم بدل الموقف بموضع القيام، و المحكي عن كشف الغطاء أن المراد من الموقف موضع القيام للصلاة، فلو قام للصلاة في موضع و في حال السجود صعد على دكة مستوية فسجد عليها بطلت صلاته لكون مسجد الجبهة أعلى من موضع وقوفه.

و الذي اختاره في الجواهر: أن المراد منه الموضع الذي لو أراد الوقوف عن ذلك السجود بلا انتقال وقف عليه، سواء أ كان هو موضع‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 63 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

 

356
مستمسک العروة الوثقى6

السابع مساواة موضع الجبهة للموقف ج‌6 ص 351

و الأقوى عدم اعتبار ذلك في باقي المساجد (1)، لا بعضها مع بعض، و لا بالنسبة إلى الجبهة، فلا يقدح ارتفاع مكانها أو انخفاضه ما لم يخرج به السجود عن مسماه.

الإبهامين كما هو الغالب أم لا، كما لو أدخل مشط قدميه في مكان منخفض بأزيد من لبنة، و استظهر بعض كون المراد منه موضع الإبهامين لا غير فتبطل الصلاة في الفرض المذكور.

أقول: أما المعنى الأول: فهو خلاف ظاهر النص جداً، بل خلاف المقطوع به من الفتوى، كما يظهر من تعليلهم الحكم بالخروج عن هيئة الساجد مع الزيادة على التقدير، و أما الثاني: فحمل الموقف عليه لا يخلو من إشكال، لقرب احتمال كون التعبير به بملاحظة كون الغالب أنه موضع الإبهامين، فيكون كناية عنه، و هو المعنى الثالث، و إن كان الأظهر أن يكون بملاحظة كونه موضع الوقوف من ذلك السجود كما ذكر في الجواهر.

و أما خبر ابن سنان فيحتمل أن يراد من موضع البدن فيه مجموع المساجد الستة، فليحظ البدن حال السجود، و يحتمل موضع الجلوس، و يحتمل موضع القيام، و الأول تأباه مقابلته بموضع الجبهة لأنه من موضع البدن حال السجود، و ظاهر المقابلة المباينة، فيتعين أحد الأخيرين، و لا قرينة ظاهرة على تعيين أحدهما. اللهم إلا أن يكون غلبة حال القيام على حال الجلوس حتى صارت منشأ لصدق كون الصلاة من قيام في قبال الصلاة من جلوس قرينة على تعيين الثاني، كما أنه لو ثبت اعتبار المرسل تعين حمل البدن على ذلك، فإنه أقرب الى الجمع العرفي من حمل الرجلين على ما يعم الركبتين، أو خصوص موضع الإبهامين، و لا يبعد أن يكون هو الوجه في تعبير الفقهاء بذلك، فيكون منجبراً بعملهم.

كما صرح به غير واحد، بل ربما نسب الى المعظم، أو المشهور‌

 

357
مستمسک العروة الوثقى6

الثامن وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه ج‌6 ص 358

[الثامن: وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه]

الثامن: وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه من الأرض و ما نبت منها غير المأكول و الملبوس على ما مر في بحث المكان (1).

[التاسع: طهارة محل وضع الجبهة]

التاسع: طهارة محل وضع الجبهة (2).

أو الأصحاب. و كأنه لعدم تعرضهم لذلك مع تعرضهم لما سبق. و الوجه فيه عدم الدليل عليه، و الأصل ينفيه.

و دعوى: أن موضع البدن في خبر ابن سنان المتقدم المساجد الستة التي يعتمد عليها البدن- لو سلمت- فإنما تقتضي لزوم المساواة لمجموعها في ظرف تساويها فيما بينها، أما مع الاختلاف فلا تعرض فيه لاعتبارها.

نعم لو كان المراد مساواة موضع الجبهة لكل واحد من الستة كان ذلك في محله، لكنه خلاف ظاهر التعبير بموضع البدن الذي هو عبارة عن مجموع المساجد، بل لو سلم ذلك. أعني ملاحظة المساجد بنحو العموم الأفرادي و بني على عدم قدح الانخفاض كما عرفت- لم يدل على عدم جواز ارتفاع ما عدا موضع الجبهة بعضه عن بعض، كما هو ظاهر.

قد مر الاستدلال له أيضاً.

إجماعاً كما عن الغنية، و المعتبر، و المختلف، و المنتهى، و الذكرى و التنقيح، و جامع المقاصد، و إرشاد الجعفرية، و مجمع البرهان، و شرح الشيخ نجيب الدين. و يشير اليه ما‌

في صحيح زرارة: «سألت أبا جعفر (ع) عن البول يكون على السطح، أو في المكان الذي يصلى فيه، فقال (ع):

إذا جففته الشمس فصلّ عليه فهو طاهر» «1»‌

، و‌

صحيح ابن محبوب قال: «سألت أبا الحسن (ع): عن الجص يوقد عليه بالعذرة، و عظام الموتى ثمَّ يجصص به المسجد أ يسجد عليه؟ فكتب (ع) إلي بخطه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 29 من أبواب النجاسات حديث: 1.

 

358
مستمسک العروة الوثقى6

التاسع طهارة محل وضع الجبهة ج‌6 ص 358

.....

إن الماء و النار قد طهراه» «1»‌

، و في محكي المفاتيح: «في هذا الإجماع نظر، لأنه بانفراده لا يعتمد عليه»، و في البحار قال: «و المشهور بين الأصحاب عدم اشتراط طهارة غير موضع الجبهة، كما يدل عليه أكثر الأخبار بل يظهر من بعضها عدم اشتراط طهارة موضع الجبهة أيضاً.

لكن نقل كثير من الأصحاب كالمحقق، و العلامة، و الشهيد ، و ابن زهرة عليه الإجماع، لكن المحقق نقل عن الراوندي، و صاحب الوسيلة أنهما ذهبا الى أن الأرض و البواري و الحصر إذا أصابها البول و جففتها الشمس لا تطهر بذلك، لكن يجوز السجود عليها، و استجوده المحقق.

فلعل دعواهم الإجماع فيما عدا هذا الموضع، و بالجملة: لو ثبت الإجماع لكان هو الحجة و إلا فيمكن المناقشة فيه أيضاً».

أقول: الاعتماد على الإجماع المنقول في كلام الأساطين المعتمدين المتلقى عند غيرهم بالقبول قد حرر في محله جوازه، فإنه يوجب العلم العادي بالحكم، و منه الإجماع المتقدم. و خلاف الوسيلة غير ثابت لاختلاف نسخها فالنسخة المحكية في مفتاح الكرامة ظاهرة في موافقة الجماعة، و كذا نسخة الذخيرة المحكية فيه أيضاً، و أما المحقق في المعتبر فبعد أن نقل عن الشيخين القول بجواز الصلاة على ما تجففه الشمس و طهره قال: «و قيل لا يطهر و تجوز الصلاة عليها، و به قال الراوندي منا، و صاحب الوسيلة، و هو جيد».

و الذي يظهر بالتأمل في أطراف كلامه أن ما نقله و استجوده هو جواز الصلاة عليه لا جواز السجود، فإنه بعد أن نقل استدلال الشيخ (ره) على الطهارة بالروايات قال: «و في استدلال الشيخ إشكال، لأن غايتها الدلالة على جواز الصلاة عليها، و نحن لا نشترط طهارة موضع الصلاة، بل نكتفي باشتراط طهارة موضع الجبهة، و يمكن أن يقال الاذن في الصلاة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 81 من أبواب النجاسات حديث: 1.

359
مستمسک العروة الوثقى6

التاسع طهارة محل وضع الجبهة ج‌6 ص 358

.....

عليها مطلقاً دليل جواز السجود عليها، و السجود يشترط فيه طهارة محله» فان كلامه صريح في اعتبار طهارة مسجد الجبهة، و أن ما نقله و استجوده أولا هو جواز الصلاة على الموضع في الجملة لا جواز السجود، و لأجل أنه خلاف إطلاق النصوص بنى أخيراً على جواز السجود و الطهارة، و يعضد ذلك دعواه اتفاق العلماء على اعتبار طهارة موضع السجود في أحكام النجاسات.

نعم عبارة الوسيلة في النسخة المطبوعة ظاهرة في النجاسة و جواز السجود، لكن لو صحت فليس ذلك خلافا في الكلية المجمع عليها، بل لكون الجفاف بالشمس من قبيل التيمم بدل الطهارة المعتبرة في المسجد، فتأمل جيداً.

و أما ما أشار إليه في البحار: من ظهور بعض النصوص في عدم اشتراط طهارة موضع الجبهة فهو جملة من الصحاح و غيرها تضمنت جواز الصلاة على الموضع النجس إذا جف:

كصحيح ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع): «عن البيت و الدار لا يصيبهما الشمس، و يصيبهما البول، و يغتسل فيهما من الجنابة، أ يصلى فيهما إذا جفّا؟ قال (ع): نعم» «1»‌

و نحوه غيره المعارضة بغيرها مما ظاهره المنع: كصحيح زرارة السابق «2» و‌

موثق ابن بكير عن أبي عبد اللّه (ع): «عن (الشاذكونة) يصيبها الاحتلام أ يصلى عليها؟ قال (ع): لا» «3»‌

المتعين الجمع بينهما بحمل الثانية على السجود و الأولى على غيره، بقرينة الإجماع، و صحيح ابن محبوب.

و المتحصل من هذا الجمع: وجوب طهارة المسجد، و عدم وجوب‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 30 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(2) تقدم في أول التعليقة.

(3) الوسائل باب: 30 من أبواب النجاسات حديث: 6.

 

360
مستمسک العروة الوثقى6

العاشر المحافظة على العربية ج‌6 ص 361

[العاشر: المحافظة على العربية]

العاشر: المحافظة على العربية و الترتيب و الموالاة في الذكر (1).

[مسائل]

[ (مسألة 1): الجبهة: ما بين قصاص شعر الرأس و طرف الأنف الأعلى و الحاجبين طولا]

(مسألة 1): الجبهة: ما بين قصاص شعر الرأس و طرف الأنف الأعلى و الحاجبين طولا، و ما بين الجبينين عرضاً (2) طهارة المكان الذي يصلى فيه. و من ذلك يظهر ضعف ما عن السيد (رحمه اللّه) من وجوب طهارة ما يلاقيه بدن المصلي. هذا و المحكي عن أبي الصلاح وجوب طهارة مواضع المساجد السبعة، و كأنه لإطلاق معاقد الإجماع على وجوب طهارة المسجد، و لإطلاق النص المانع من الصلاة و السجود على الموضع النجس المشار اليه آنفاً. و فيه: أن الإجماع ممن عداه على العدم، و النص- بعد كون المراد منه موضع السجود- لا إطلاق له يقتضي المنع بالنسبة الى كل مسجد، و المتيقن خصوص مسجد الجبهة.

و‌

النبوي: «جنبوا مساجدكم النجاسة» «1»‌

ضعيف سنداً و دلالة، فيتعين الرجوع الى أصالة البراءة من الشرطية.

كما سبق في الركوع.

التحديد المذكور منسوب الى غير واحد منهم الشهيد الثاني في المقاصد العلية، و في المسالك: «حد الجبهة قصاص الشعر من مستوي الخلقة و الحاجب»، و ليس فيه تعرض للتحديد العرضي إلا بنحو الإشارة و في كشف الغطاء: «أنها السطح المحاط من الجانبين بالجبينين، و من الأعلى بقصاص الشعر من المنبت المعتاد، و من الأسفل بطرف الأنف الأعلى و الحاجبين، و لا استقامة للخطوط فيما عدا الجانبين»، و عن المصباح:

«الجبين ناحية الجبهة من محاذاة النزعة الى الصدغ، و هما جبينان عن يمين الجبهة و شمالها»، و في مجمع البحرين: «و الجبين فوق الصدغ، و هما‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 24 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.

 

361
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 1 الجبهة ما بين قصاص شعر الرأس و طرف الأنف الأعلى و الحاجبين طولا ج‌6 ص 361

و لا يجب فيها الاستيعاب (1) بل يكفي صدق السجود على جبينان عن يمين الجبهة و شمالها يتصاعدان من طرفي الحاجبين الى قصاص الشعر، فتكون الجبهة بين جبينين»، و في القاموس: «الجبينان حرفان مكتنفا الجبهة من جانبيها، فيما بين الحاجبين مصعداً الى قصاص الشعر، أو حروف الجبهة ما بين الصدغين متصلا عند الناصية كلها جبين». و عن الخليل: أن الجبهة مستوى ما بين الحاجبين. هذا و لكن النصوص خالية عن التحديد العرضي، بل تضمنت التحديد الطولي، مثل‌

مصحح زرارة عن أبي جعفر (ع): «الجبهة كلها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود، فأيما سقط ذلك الى الأرض أجزأك مقدار الدرهم أو مقدار طرف الأنملة» «1»‌

و نحوه غيره.

على المشهور كما عن جماعة، و عن الروض، و المقاصد العلية:

نفي الخلاف فيه، و عن الحدائق و غيره: الاتفاق عليه. و يشهد له جملة من النصوص:

كخبر بريد عن أبي جعفر (ع): «الجبهة إلى الأنف أيّ ذلك أصبت به الأرض في السجود أجزأك، و السجود عليه كله أفضل» «2»‌

، و‌

موثق عمار: «ما بين قصاص الشعر الى طرف الأنف مسجد، أي ذلك أصبت به الأرض أجزأك» «3»‌

، و نحوهما غيرهما.

و منها يظهر ضعف ما عن ظاهر الكاتب و الحلي من وجوب الاستيعاب، و إن كان هو يظهر من‌

صحيح ابن جعفر عن أخيه موسى (ع): «عن المرأة تطول قصتها فاذا سجدت وقع بعض جبهتها على الأرض، و بعض يغطيها الشعر، قال (ع): لا، حتى تضع جبهتها على الأرض» «4»‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب السجود حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب السجود حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 9 من أبواب السجود حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 14 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 5.

 

362
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 1 الجبهة ما بين قصاص شعر الرأس و طرف الأنف الأعلى و الحاجبين طولا ج‌6 ص 361

مسماها و يتحقق المسمى بمقدار الدرهم قطعاً، و الأحوط عدم الأنقص (1) و لا يعتبر كون المقدار المذكور مجتمعاً بل يكفي و إن كان متفرقا مع الصدق (2) فيجوز السجود على السبحة غير المطبوخة إذا كان مجموع ما وقعت عليه الجبهة بقدر الدرهم.

[ (مسألة 2): يشترط مباشرة الجبهة لما يصح السجود عليه]

(مسألة 2): يشترط مباشرة الجبهة لما يصح السجود عليه (3) لكنه محمول على الفضل بقرينة ما سبق. و في الذكرى: «و الأقرب أن لا ينقص في الجبهة عن درهم، لتصريح الخبر و كثير من الأصحاب به، فيحمل المطلق من الاخبار و كلام الأصحاب على المقيد»، و نحوه ما عن الدروس، قيل: لعله إشارة إلى مصحح زرارة المتقدم في تحديد الجبهة، و فيه- كما عن المدارك-: أنه بالدلالة على خلافه أشبه، لتصريحه بالاكتفاء بقدر الأنملة، و هو دون الدرهم كما يقتضيه ظاهر العطف، بل في المستند: أنه دون الدرهم بكثير قطعاً، نعم‌

في خبر الدعائم: «أقل ما يجزئ أن يصيب الأرض من جبهتك قدر الدرهم» «1»‌

لكنه لا يصلح لمعارضة المصحح لو تمَّ سنده.

هذا الاحتياط ضعيف بملاحظة الاكتفاء بقدر الأنملة في المصحح كما عرفت، و في صحيح زرارة «2» الأمر بالسجود على السواك و على العود.

للإطلاق، و عن شرح نجيب الدين: فيه إشكال، و كأنه للانصراف لكنه ممنوع في مثل السبحة و نحوها، و يشهد له ما تضمن السجود على الحصى «3». نعم مع تباعد الأجزاء لا تبعد دعوى الانصراف.

على ما سبق في مبحث المكان، قال في الشرائع هنا: «فلو‌

______________________________
(1) مستدرك الوسائل باب: 8 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 15 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 2.

(3) راجع الوسائل باب: 2، 13، 14 من أبواب ما يسجد عليه.

 

363
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 يشترط مباشرة الجبهة لما يصح السجود عليه ج‌6 ص 363

فلو كان هناك مانع أو حائل عليه أو عليها وجب رفعه حتى مثل الوسخ الذي على التربة إذا كان مستوعباً لها بحيث لم يبق مقدار الدرهم منها و لو متفرقا خالياً عنه، و كذا بالنسبة إلى شعر المرأة الواقع على جبهتها (1) فيجب رفعه بالمقدار الواجب بل الأحوط إزالة الطين اللاصق بالجبهة (2) في السجدة الأولى سجد على كور العمامة لم يجز». و عن جماعة حكاية الإجماع عليه، و‌

في مصحح عبد الرحمن البصري: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل يسجد و عليه العمامة لا يصيب وجهه الأرض، قال (ع): لا يجزيه ذلك حتى تصل جبهته إلى الأرض» «1»‌

و‌

صحيح زرارة عن أحدهما (ع) «قلت له: الرجل يسجد و عليه قلنسوة أو عمامة، فقال (ع): إذا مس شي‌ء من جبهته الأرض فيما بين حاجبيه و قصاص شعره فقد أجزأ عنه» «2»‌

و نحوهما غيرهما.

كما في صحيح ابن جعفر (ع) المتقدم «3» في وجوب الاستيعاب.

قال في كشف الغطاء: «يلزم انفصال محل مباشرة الجبهة عما يسجد عليه، فلو استمر متصلا الى وقت السجود مع الاختيار لم يصح».

و قد يوجه تارة: بعدم صدق وضع الجبهة على الأرض، إذ الموضوع في فرض تلوث الجبهة بالطين هو الطين الموضوع عليها. و أخرى: بعدم تعدد وضع الجبهة المتقوم به صدق تعدد السجود.

و يضعف الثاني: أن التعدد يحصل بتخلل العدم، فاذا سلم صدق الوضع على الأرض بالاعتماد على الجبهة فقد تحقق السجود، و برفع الرأس ينعدم‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 14 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 2.

(3) تقدم في صفحة: 362.

 

364
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 يشترط مباشرة الجبهة لما يصح السجود عليه ج‌6 ص 363

و كذا إذا لصقت التربة بالجبهة فان الأحوط رفعها بل الأقوى وجوب رفعها إذا توقف صدق السجود على الأرض أو نحوها عليه، و أما إذا لصق بها تراب يسير لا ينافي الصدق فلا بأس به (1)، و أما سائر المساجد فلا يشترط فيها المباشرة للأرض (2).

الوضع و السجود، فاذا اعتمد ثانياً على الجبهة فقد تحقق الوضع ثانياً كما تحقق أولا. فيتعدد الوضع و السجود. اللهم إلا أن يراد أن تاويث الجبهة بالطين يصدق معه كون الطين موضوعا و الجبهة موضوعا عليها، فاذا اعتمد على الجبهة الملوثة تبقى النسبة على حالها و لا تنقلب، بحيث يصدق على الجبهة أنها موضوعة و الطين أنه موضوع عليه، فلا يصدق وضع الجبهة على الأرض فضلا عن تعدد الوضع، و من ذلك يظهر صحة التوجيه.

و أما الأول: فإن الوضع المفسر به السجود المأمور به هو وصل الجبهة بالأرض الحادث بالتقوس و الانحناء الخاص، و هو غير حاصل في فرض تلوث الجبهة بالطين و نحوه، و إن شئت قلت: إن صدق السجود على الأرض في الفرض إن كان بلحاظ الوصل الحاصل بين الجبهة و الطين. ففيه:

أنه لا وضع للجبهة فيه على الأرض فضلا عن تعدد الوضع و إن كان بلحاظ الوصل الحاصل بين الجبهة التي عليها الطين و الأرض. ففيه: أنه لا وصل بينهما لكون الطين حاجباً عن ذلك.

إما لعدم عده حائلا عرفا لكونه بمنزلة العرض، أو لأنه لا يحجب تمام الجبهة بل يبقى منها مقدار خالياً عنه.

إجماعا و نصوصاً مستفيضة أو متواترة، بل ضرورة من المذهب أو الدين. كذا في الجواهر، و يشهد له‌

صحيح حمران عن أحدهما (ع): «كان أبي (ع) يصلي على الخمرة يجعلها على الطنفسة و يسجد عليها،

 

365
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 يشترط في الكفين وضع باطنهما مع الاختيار ج‌6 ص 366

[ (مسألة 3): يشترط في الكفين وضع باطنهما مع الاختيار]

(مسألة 3): يشترط في الكفين وضع باطنهما (1) مع الاختيار و مع الضرورة يجزي الظاهر (2) كما أنه مع عدم‌

فاذا لم يكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد» «1»‌

، و‌

رواية أبي حمزة قال أبو جعفر (ع): «لا بأس أن تسجد و بين كفيك و بين الأرض ثوبك» «2»‌

، و ما‌

في صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): «و إن كان تحتهما- أي اليدين: ثوب فلا يضرك، و إن أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل» «3».

كما نسب في الذكرى الى أكثر الأصحاب، و عن نهاية الأحكام:

نسبته الى ظاهر علمائنا، و في التذكرة قال: «و هل يجب أن يلقى الأرض ببطون راحتيه أو يجزيه إلقاء زنده؟ ظاهر كلام الأصحاب الأول، و كلام المرتضى الثاني، و لو ضم أصابعه إلى كفه و سجد عليها ففي الإجزاء إشكال أقربه المنع، لأنه (ع) جعل يديه مبسوطتين حالة السجود، و لو قلب يديه و سجد على ظهر راحتيه لم يجز، و به قال الشافعي لأنه مناف لفعله عليه السلام». و في المنتهى: «لو جعل ظهر كفيه إلى الأرض و سجد عليهما ففي الإجزاء نظر». و استدل له بالتأسي، و أنه المتبادر من الأمر بالسجود على اليد، و الأول لا يدل على الوجوب، و الثاني غير بعيد، لا أقل من الشك في الإطلاق الموجب للرجوع إلى أصالة التعيين، و بناء على الرجوع إليها عند الشك في التعيين و التخيير، فان المقام منه، و من ذلك يظهر الاشكال فيما عن المرتضى، و ابن الجنيد (رحمه اللّه): من الاجتزاء بالسجود على مفصل الكفين عملا بالإطلاق.

بل قيل: إنه متعين، و لا يخلو من وجه- بناء على تعين الباطن‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 5 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 1.

 

366
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 يشترط في الكفين وضع باطنهما مع الاختيار ج‌6 ص 366

إمكانه لكونه مقطوع الكف أو لغير ذلك ينتقل إلى الأقرب من الكف فالأقرب من الذراع و العضد.

[ (مسألة 4): لا يجب استيعاب باطن الكفين أو ظاهرهما]

(مسألة 4): لا يجب استيعاب باطن الكفين أو ظاهرهما (1) بل يكفي المسمى و لو بالأصابع فقط (2) أو حال الاختيار- لكونه أقرب الى باطن الكف، فيتعين بقاعدة الميسور، و مع الشك فالأصل يقتضي التعيين بناء على الرجوع اليه عند التردد بينه و بين التخيير.

بلا خلاف كما عن الفوائد الملية، و المقاصد العلية، و عن مجمع البرهان و الذخيرة، و المدارك، و الحدائق: «لم ينقل فيه خلاف».

لكن في المنتهى: «عندي فيه تردد، و الحمل على الجبهة يحتاج الى دليل لورود النص في خصوصية الجبهة، فالتعدي بالاجتزاء بالبعض يحتاج الى دليل». و فيه: أن الاجتزاء بالبعض مقتضى إطلاق الأدلة، و الاستيعاب محتاج الى دليل، و هو مفقود.

و قد يستدل له بما في‌

خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا سجدت فابسط كفيك على الأرض» «1»‌

، لكن تقييده بالأرض يقتضي حمله على الاستحباب مع أن ضعفه و إعراض الأصحاب عنه مانع عن العمل به.

كما في صريح التذكرة، و الذكرى، و عن غيرهما لأنها جزء من الكف- كما عن بعض- و يساعده العرف، لكن قد ينافيه ما‌

في خبر العياشي من قول الجواد (ع): «إن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكف» «2»‌

، لكنه ضعيف السند.

______________________________
(1) الوسائل باب: 19 من أبواب السجود حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب حد السرقة حديث: 5.

 

367
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 4 لا يجب استيعاب باطن الكفين أو ظاهرهما ج‌6 ص 367

بعضها، نعم لا يجزي وضع رؤوس الأصابع مع الاختيار (1) كما لا يجزي لو ضم أصابعه و سجد عليها (2) مع الاختيار.

[ (مسألة 5): في الركبتين أيضاً يجزي وضع المسمى منهما]

(مسألة 5): في الركبتين أيضاً يجزي وضع المسمى منهما و لا يجب الاستيعاب (3) و يعتبر ظاهرهما دون الباطن (4) و الركبة: مجمع عظمي الساق و الفخذ (5) فهي بمنزلة المرفق من اليد.

كما عن المسالك، لأنها حد الباطن.

كما لم يستبعده في الجواهر حاكياً له عن التذكرة، و الموجز، و شرحه، و قد تقدمت عبارة التذكرة لعدم صدق السجود على باطن الكف. نعم لو كان الضم لا يمنع من السجود على بعض باطن الكف أجزأ.

بلا خلاف للإطلاق، بل الاستيعاب متعذر غالباً.

هذا غير ممكن غالباً، و لا سيما مع السجود على الإبهام.

قال في مجمع البحرين: «الركبة بالضم موصل ما بين أطراف الفخذ و الساق» و في القاموس: «الركبة بالضم أصل الصليانة إذا قطعت و موصل ما بين أسافل أطراف الفخذ و أعالي الساق»، و في الجواهر:

«الظاهر أنهما بالنسبة إلى الرجلين كالمرفقين لليدين، فينبغي حال السجود وضع عينيهما و لو بالتمدد في الجملة في السجود- كما فعله الصادق (ع) في تعليم حماد- كي يعلم حصول الامتثال».

أقول: ذكر‌

في صحيح حماد في رواية الفقيه: «أنه (ع) سجد على ثمانية أعظم: الجبهة، و الكفين، و عيني الركبتين» «1»‌

، لكن في‌

______________________________
(1) الفقيه ج 1 صفحة: 196، حديث: 916. الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.

 

368
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 6 الأحوط في الإبهامين وضع الطرف من كل منهما ج‌6 ص 369

[ (مسألة 6): الأحوط في الإبهامين وضع الطرف من كل منهما]

(مسألة 6): الأحوط في الإبهامين وضع الطرف من كل منهما (1) نسخة التهذيب «1» المعتبرة سقط لفظ «عيني»، و الظاهر أنه كذلك، لأن عيني الركبة النقرتان، فلكل ركبة عينان، و السجود عليهما معاً متعذر أو متعسر كالسجود على إحداهما، و إنما يمكن السجود على ما بينهما، أو على العظم المستدير فوقهما، فان لم يرفع المصلي عجزه أصلا كان السجود على ما دونهما، و إن رفعه قليلا بالتمدد مقدار أصابع كان السجود على ما بينهما، فان تمدد قليلا أكثر من ذلك كان السجود على ما فوقهما، و الظاهر من النصوص أن السجود على الركبة يحصل في الصور الثلاث، و أن الجالس إذا ثني رجله وقع جزء من ركبته على الأرض.

ففي صحيح زرارة الطويل: «.. و إذا قعدت في تشهدك فألصق ركبتيك بالأرض» «2»‌

، و‌

في مقطوعة أو مسنده الوارد في آداب المرأة: «و إذا سجدت بدأت بالقعود و بالركبتين قبل اليدين، ثمَّ تسجد لاطئة بالأرض. فإذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها و رفعت ركبتيها من الأرض» «3».

اللهم إلا أن يقال: الصحيح و نحوه ليس فيه إلا استعمال الركبة في المعنى الواسع، و هو أعم، و المقطوع لا إطلاق له من هذه الجهة، فإذا ثبت أن السجود على الركبة يحتاج الى رفع العجز يسيراً يكون المراد من المقطوع النهي عن رفع المرأة له أكثر من ذلك.

حكاه في كشف اللثام عن كتاب أحكام النساء للمفيد، و جملة‌

______________________________
(1) التهذيب ج 2 صفحة: 81 حديث: 301. الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة. ملحق حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 4.

 

369
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 6 الأحوط في الإبهامين وضع الطرف من كل منهما ج‌6 ص 369

دون الظاهر أو الباطن منهما، و من قطع إبهامه يضع ما بقي منه (1) و إن لم يبق منه شي‌ء أو كان قصيراً يضع سائر أصابعه و لو قطع جميعها يسجد على ما بقي من قدميه و الأولى و الأحوط ملاحظة محل الإبهام.

[ (مسألة 7): الأحوط الاعتماد على الأعضاء السبعة]

(مسألة 7): الأحوط الاعتماد على الأعضاء السبعة بمعنى إلقاء ثقل البدن عليها. و إن كان الأقوى عدم وجوب من كتب الشيخ، و الكافي، و الغنية، لما في صحيح حماد: من أنه (ع) سجد على أنامل إبهامي الرجلين «1». بناء على أن الأنملة طرف الإصبع و نسب هذا القول الى كل من عبر بالأنامل كالتذكرة حيث عبر بأنامل الإبهامين. لكن الظاهر من الأنملة عرفا و لغة أنها العقدة، فلا مجال لتوهم استفادة ذلك من الصحيح. نعم يمكن الاستدلال له بأنه المنصرف من الأمر بالسجود على الإبهام، لكن الانصراف ممنوع، و الصحيح لا يصلح لتقييد إطلاق غيره مما دل على وجوب السجود على الإبهامين، لما في ذيله في رواية الكافي من ذكر الإبهامين «2» بدل أناملهما، فلاحظه. و لأجل ذلك كان المحكي عن المحقق، و الشهيد الثانيين، و سيد المدارك، و غيرهم الاجتزاء بكل من طرف الإبهام، و ظاهره و باطنه. و في كشف اللثام:

«الأقرب- كما في المنتهى- تساوي ظاهرهما و باطنهما». و أما ما عن الموجز: من اعتبار وضع ظاهر الأصابع فغير ظاهر.

للإطلاق، أو لأنه أقرب الى الواجب فتتناوله قاعدة الميسور التي هي الوجه في الفرضين الأخيرين أيضاً، و قد استصعب في الجواهر ثبوتها هنا، مع أنه لم يتضح الفرق بين المقام و غيره.

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 2.

 

370
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 7 الأحوط الاعتماد على الأعضاء السبعة ج‌6 ص 370

أزيد من المقدار الذي يتحقق معه صدق السجود (1) و لا يجب مساواتها في إلقاء الثقل (2) و لا عدم مشاركة غيرها معها (3) من سائر الأعضاء كالذراع و باقي أصابع الرجلين.

[ (مسألة 8): الأحوط كون السجود على الهيئة المعهودة]

(مسألة 8): الأحوط كون السجود على الهيئة المعهودة و إن كان الأقوى كفاية وضع المساجد السبعة بأي هيئة كان ما دام يصدق السجود (4) كما إذا ألصق صدره و بطنه بالأرض بل و مد رجله أيضاً، بل و لو انكب على وجهه لاصقاً بالأرض مع وضع المساجد بشرط الصدق المذكور. لكن قد يقال بعدم الصدق و أنه من النوم على وجهه (5).

[ (مسألة 9): لو وضع جبهته على موضع مرتفع أزيد من المقدار المغتفر كأربع أصابع مضمومات]

(مسألة 9): لو وضع جبهته على موضع مرتفع أزيد من المقدار المغتفر كأربع أصابع مضمومات فان كان الارتفاع لكن الظاهر أن السجود على عضو يتوقف على الاعتماد عليه، فلا يتحقق السجود على الأعضاء السبعة إلا مع الاعتماد على كل واحد منها فلو اعتمد على غيرها مع مجرد المماسة لكل واحد منها و اعتمد على بعضها مع المماسة للآخر لم يجز. نعم لا يجب مزيد الاعتماد، للأصل، و الإطلاق.

للأصل و الإطلاق.

لصدق السجود عليها بمجرد الاعتماد عليها. و توقف في الجواهر لذلك، و لدعوى ظهور النصوص في كونه حال السجود واضعاً ثقله على هذه السبعة، و فيه: منع ذلك.

كما يقتضيه الأصل و الإطلاق.

كما صرح به في الحدائق و غيرها، و الظاهر أنه كذلك، فان السجود عرفا تقوّس على نحو خاص لا يصدق على ما ذكر.

 

371
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 9 لو وضع جبهته على موضع مرتفع أزيد من المقدار المغتفر كأربع أصابع مضمومات ج‌6 ص 371

بمقدار لا يصدق معه السجود عرفا جاز رفعها و وضعها ثانياً (1) كما يجوز جرها و إن كان بمقدار يصدق معه السجدة إذ ما يحتمل أن يكون مانعاً من الرفع هو لزوم الزيادة العمدية لكن القادحة منها خصوص زيادة الجزء، و هو غير حاصل، لكون المفروض أن المأتي به ليس سجوداً عرفا كي يكون رفع الرأس منه مستلزما لزيادة السجود.

و يشكل بأن تخصيص الزيادة القادحة بزيادة الجزء خلاف إطلاق:

«من زاد في صلاته فعليه الإعادة» «1»‌

، فحكم هذه الصورة حكم الصورة الآتية من هذه الجهة في لزوم الزيادة بالرفع. إلا أن يقال: إذا فرض أن المأتي به ليس سجوداً فاذا جر رأسه كان تبديل موضوع بآخر فيكون ما وقع زيادة على كل حال، لكنها غير عمدية، بخلاف الصورة الثانية، فإن الجر ليس فيه تبديل موضوع بموضوع، بل تبديل حال بحال في موضوع واحد. نعم في الصورة الأولى إذا كان الوضع الخاص عمديا كان زيادة تبطل بها الصلاة، و لا يجدي الجر الى غيره فضلا عن الرفع، بخلاف الصورة الثانية، فإنه لا يقدح و إن كان عمديا إلا إذا رفع و وضع ثانياً.

ثمَّ إنه إذا كان المنصرف الى الذهن من السجود المأمور به خصوص الوضع الحدوثي المتصل بالهوي كان الواجب الرفع ثمَّ الوضع على الموضع غير المرتفع، لأن الجر اليه لا يحصل الوضع المتصل بالهوي، فلا يجزي، و هذا بخلاف الصورة الثانية لتحقق السجود الحدوثي فيها بلا حاجة الى الرفع.

اللهم إلا أن يدعى اعتبار الحدوث في السجود على المساوي، فلا بد من الرفع في تحققه كالصورة الأولى، لكنها ضعيفة لا دليل عليها. فتأمل و المتحصل مما ذكرنا: أن الوضع الأول في الصورة الأولى إن كان عمديا بطلت الصلاة معه، و إن كان سهويا لم تبطل، و وجب الرفع عنه و الوضع‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 19 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 2.

 

372
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 9 لو وضع جبهته على موضع مرتفع أزيد من المقدار المغتفر كأربع أصابع مضمومات ج‌6 ص 371

.....

ثانياً، و في الصورة الثانية لا يبطل و إن كان عمديا، و لا يجوز الرفع عنه فراراً من لزوم محذور الزيادة العمدية، لإطلاق دليل قادحيتها. و احتمال اختصاصها بصورة وقوع الفعل من أول الأمر زائداً فلا تشمل ما نحن فيه- نظير العدول من سورة إلى سورة- قد عرفت أنه خلاف الإطلاق و خلاف ظاهرهم هنا.

و لعله لذلك‌

قال أبو عبد اللّه (ع) في صحيح معاوية بن عمار: «إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها، و لكن جرها على الأرض» «1»‌

و‌

في صحيح ابن مسكان عن الحسين بن حماد قال له (ع): «أضع وجهي للسجود فيقع وجهي على حجر أو على موضع مرتفع، أحوّل وجهي إلى مكان مستو؟ فقال (ع): نعم، جر وجهك على الأرض من غير أن ترفعه» «2»‌

، و إن كان يحتمل في الأول: أن يكون لعدم إمكان الاعتماد على الجبهة لا لعلو المسجد، و في الثاني: أن يكون لطلب الاستواء الذي هو الأفضل، فلا يكونان مما نحن فيه. و أما‌

خبر الحسين بن حماد:

«قلت لأبي عبد اللّه (ع): أسجد فتقع جبهتي على الموضع المرتفع، فقال (ع): ارفع رأسك ثمَّ ضعه» «3»‌

فضعيف، مع أنه يمكن حمله على صورة عدم صدق السجود بالوضع، كما صنعه في المعتبر، أو على صورة تعذر الجر، كما عن الشيخ، فإنه أولى من تخصيص القاعدة المتقدمة.

هذا، و في الجواهر استظهر كون المساواة شرطاً في مفهوم السجود عرفا، زاعماً أنه مما يومئ اليه كلمات الأصحاب كالفاضلين، و المحقق الثاني، و غيرهم فيجري على الصورة الثانية حكم الصورة الأولى من جواز‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب السجود حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب السجود حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 8 من أبواب السجود حديث: 4.

 

373
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 9 لو وضع جبهته على موضع مرتفع أزيد من المقدار المغتفر كأربع أصابع مضمومات ج‌6 ص 371

عرفا فالأحوط الجر لصدق زيادة السجدة مع الرفع و لو لم يمكن الجر فالأحوط الإتمام و الإعادة (1).

[ (مسألة 10): لو وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه يجب عليه الجر]

(مسألة 10): لو وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه يجب عليه الجر (2) الرفع. قال (رحمه اللّه): «فحينئذ لا ينبغي التأمل في جواز الرفع مع فرض السجود على الزائد، كما أفتي به الأصحاب من غير خلاف يعرف بينهم». و ذكر قبل ذلك: أنه لا نعرف أحداً قال بوجوب الجر فيه و عدم جواز الرفع منه إلا سيد المدارك و الخراساني، كما اعترف به بعضهم و أنه لا مستند لهم إلا تقديم صحيح معاوية المتقدم على خبر الحسين بن حماد لضعف سنده. انتهى.

و فيه: ما ذكره غير واحد ممن تأخر: من عدم إمكان تنزيل دليل اعتبار المساواة على ذلك، ضرورة صدق السجود عرفا على الموضع المرتفع بأزيد من لبنة، بل يدور الأمر في دليل الاعتبار بين حمله على كونها شرطاً شرعياً و كونها من واجبات السجود، و الأول أظهر لكونها ملحوظة حالا و صفة في المسجد، لا فعلا للمصلي في قبال نفس السجود، واجباً بوجوب ضمني في قبال وجوبه، فراجع مصحح ابن سنان المتقدم «1» دليلا عليها و تأمل.

منشأ التردد الإشكال في كون المساواة شرطاً، فيجب فعل السجود ثانياً لعدم حصول المأمور به منه، و كونها واجباً فيكون قد فات محلها، فيكون مكلفاً بالإتمام و تصح صلاته. لكن عرفت أن الأول أظهر فعليه تدارك السجود ثانياً، و يتم صلاته إذا كان ذلك سهواً.

كما نص عليه في الجواهر، معللا له بما في المتن: من أن الرفع‌

______________________________
(1) تقدم في المورد السابع من واجبات السجود.

 

374
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 لو وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه يجب عليه الجر ج‌6 ص 374

و لا يجوز رفعها لاستلزامه زيادة السجدة و لا يلزم من الجر ذلك و من هنا يجوز له ذلك مع الوضع على ما يصح أيضاً لطلب الأفضل أو الأسهل و نحو ذلك.

و إذا لم يمكن إلا الرفع (1) فان كان الالتفات اليه قبل تمام الذكر فالأحوط الإتمام ثمَّ الإعادة، و إن كان بعد تمامه يستلزم زيادة سجدة فلا يجوز، و نسب التصريح بذلك الى من صرح في المسألة السابقة بجواز الرفع، و هو في محله، بناء على ما عرفت في المسألة السابقة.

مما سبق تعرف أن جواز الرفع و عدمه مبنيان على أن كون المسجد مما يصح السجود عليه شرط للسجود و واجب فيه، فعلى الأول: يجب تداركه بفعل السجود ثانياً لكون المأتي به ليس مطابقاً لموضوع الأمر فلا يسقط به أمره، كما لو لم يسجد بعد، و السجود المأتي به لا يقدح في صحة الصلاة إذا كان عن سهو لما دل: على أن الصلاة لا تعاد من سجدة «1» و على الثاني: لا مجال لتداركه لفوات محله، إذ محله السجود الذي هو جزء صلاتي، و المأتي به كذلك، و المفروض عدم إمكان فعله فيه، و السجود ثانياً بعد رفع الرأس ليس سجوداً صلاتياً، لأن السجود المأمور به جزء ينطبق على الأول لا غير، فلو سجد ثانياً و تدارك فيه الواجب المذكور لم يكن آتياً به في محله، بل في غيره، فلا يجدي السجود ثانياً لتداركه.

فان قلت: السجود المأتي به أولا باطل، لعدم انضمامه الى هذا الواجب، فيجب الإتيان به ثانياً منضما اليه، و يكون تداركه حينئذ في محله.

قلت: يأتي إن شاء اللّه في مبحث الخلل أن‌

حديث: «لا تعاد الصلاة» «2»‌

ينفي وجوب تدارك الجزء لو كان الخلل من جهة فوات‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 14 من أبواب السجود، و باب 23- 26 من أبواب الخلل في الصلاة.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

375
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 لو وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه يجب عليه الجر ج‌6 ص 374

.....

الانضمام، لأن الخلل لا يختص بجزء بل يطرد في جميع الاجزاء، فلو اقتضى فوات الانضمام تدارك الجزء اقتضى تدارك الصلاة من رأس.

نعم يشكل ذلك فيما لو التفت قبل تمام الذكر، فحديث:

«لا تعاد»‌

لا يصلح لتشريع الذكر في حال فقد الواجب، لأنه إنما يرفع الخلل الماضي لا اللاحق. و كيف كان فلأجل أن الظاهر من دليل اعتبار ما يصح السجود عليه كونه شرطاً في المسجد الذي هو قوام السجود كان اللازم الرفع لتدارك السجود المشروط كما هو المعروف، بل في الجواهر: «لا أجد فيه خلافا»، و استشهد له‌

بالتوقيع المروي عن كتاب الغيبة و احتجاج الطبرسي: «كتب محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري إلى الناحية المقدسة، يسأل عن المصلي يكون في صلاة الليل في ظلمة، فإذا سجد يغلط بالسجادة و يضع جبهته على مسح أو نطع، فاذا رفع رأسه وجد السجادة، هل يعتد بهذه السجدة أم لا يعتد بها؟ فوقّع (ع): ما لم يستو جالساً فلا شي‌ء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة» «1».

لكنه (رحمه اللّه) قوّى سقوط الشرطية لعدم اندراج السجود في السجدة السهوية، لحصول القصد، و إنما سها عما يجب حالها أو يشترط في صحتها، و إلا لوجب التدارك مع السهو عن الطمأنينة و وضع المساجد و نحوهما مما يعتبر في صحة السجود، و فرق بين المقام و فوات الترتيب في القراءة و الجلوس للتشهد بالإجماع على الإبطال بالسجدة العمدية بخلاف ما عداها، و ناقش في التوقيع بوروده في النافلة، و عدم مطابقة الجواب للسؤال، و عدم ظهور وجه التقييد فيه بالاستواء جالساً. و فيه مواقع للنظر تظهر بالتأمل.

و مثله ما عن شيخنا الأعظم (رحمه اللّه): من التأمل في جواز الرفع، لعدم الدليل على وجوب تدارك الشرط مع لزوم زيادة سجدة،

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب السجود حديث: 6.

 

376
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 لو وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه يجب عليه الجر ج‌6 ص 374

فالاكتفاء به قوي كما لو التفت بعد رفع الرأس و إن كان الأحوط الإعادة أيضاً.

[ (مسألة 11): من كان بجبهته دمل أو غيره]

(مسألة 11): من كان بجبهته دمل أو غيره فان لم يستوعبها و أمكن سجوده على الموضع السليم سجد عليه و إلا حفر حفيرة ليقع السليم منها على الأرض (1) و لو فرض كونه شرطاً مطلقاً فاللازم الحكم بإبطال الصلاة لأنه أخل بشرط مطلق هو كالركن، و يلزم من تداركه زيادة سجدة، فهو كناسي الركوع الى أن يسجد.

إذ فيه: أن السجود الأول- بعد ما لم يكن جزءاً لعدم مطابقته للأمر- زيادة في الصلاة، سواء أسجد ثانياً أم لا، فلا مجال لما ذكره بعد ذلك. كما أن مما ذكرنا يظهر لك الاشكال فيما في المتن من الفرق بين الالتفات بعد الذكر و قبله، فجزم في الأول بالاكتفاء به، و توقف في الثاني، مع أن اللازم التدارك في الصورتين معاً. اللهم إلا أن يكون الالتفات بعد تمام الذكر ملحقاً بالالتفات بعد الرفع الذي لا إشكال عندهم في عدم لزوم التدارك معه، على ما يأتي إن شاء اللّه في مبحث الخلل، و الإجماع المذكور هو العمدة في الخروج عن تطبيق قاعدة فوات المشروط بفوات شرط في المقام، فيستفاد منه تخصيص الشرطية بصورة الالتفات قبل الرفع، أو يكون نظره الى ما تقدم من الإشكال في صلاحية حديث:

«لا تعاد»‌

لتشريع الذكر، مع بنائه على كون الفائت من قبيل الواجب في السجود. فتأمل جيداً.

بلا خلاف كما عن المدارك، و نسب الى فتوى العلماء، و في الجواهر: «يمكن تحصيل الإجماع عليه»، و يقتضيه- مضافا الى إطلاق‌

 

377
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 11 من كان بجبهته دمل أو غيره ج‌6 ص 377

و إن استوعبها أو لم يمكن يحفر الحفيرة أيضا سجد على أحد الجبينين (1) من غير ترتيب، وجوب السجود على الجبهة و لو بحفر الحفيرة-

خبر مصادف: «خرج بي دمّل فكنت أسجد على جانب، فرأى أبو عبد اللّه (ع) أثره فقال عليه السلام: ما هذا؟ فقلت: لا أستطيع أن أسجد من أجل الدمل فإنما أسجد منحرفا. فقال (ع) لي: لا تفعل ذلك، و لكن احفر حفيرة و اجعل الدمل في الحفيرة حتى تقع جبهتك على الأرض» «1».

بلا خلاف كما عن جماعة، و عن حاشية المدارك: الإجماع عليه صريحاً، و هو العمدة فيه، و به يقيد‌

مرسل علي بن محمد بإسناد له، قال: «سئل أبو عبد اللّه (ع) عمن بجبهته علة لا يقدر على السجود عليها، قال (ع): يضع ذقنه على الأرض، إن اللّه تعالى يقول (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقٰانِ سُجَّداً) «2»» «3».

و قد يستدل له بما دل على أن السجود على الجبهة بناء على شمولها للجبينين، و أن التقييد بما عداهما في حال الاختيار. و فيه: ما عرفت من أن الجبينين خارجان عن الجبهة، و لذا لا يجوز السجود عليهما اختياراً.

و مثله الاستدلال بما دل من النصوص «4» على الاجتزاء في السجود بما بين قصاص الشعر الى الحاجبين. إذ هو أيضاً مقيد بالجبهة، مع إمكان وروده في مقام التحديد الطولي، فلا إطلاق له يشمل التحديد العرضي.

و مثلهما الاستدلال بظهور خبر مصادف في تقرير الامام (ع) له على‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 12 من أبواب السجود حديث: 1.

(2) الإسراء: 107.

(3) الوسائل باب: 12 من أبواب السجود حديث: 2.

(4) راجع الوسائل باب: 9 من أبواب السجود.

 

378
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 11 من كان بجبهته دمل أو غيره ج‌6 ص 377

و إن كان الاولى و الأحوط تقديم الأيمن على الأيسر (1)، اعتقاده جواز السجود على الجانبين. إذ فيه: أن ذلك إذ لو تمَّ فإنما يدل على الجواز لا الوجوب، مع أنه لا يصلح لمعارضة ظهور المرسل المتقدم لأنه أقوى. اللهم إلا أن يحمل أيضاً على الجواز، بقرينة الاستشهاد بالآية الشريفة، فيكون مقتضى الجمع التخيير، أو لأن المرسل ضعيف سنداً و مهجور عند الأصحاب فلا مجال للاعتماد عليه. و خبر مصادف و إن كان دالا على الجواز لكن مع الشك يرجع الى أصالة التعيين، بناء على أنها المرجع عند الدوران بين التعيين و التخيير، و مع ذلك فالعمدة في تعين السجود على أحد الجبينين الإجماعات المدعاة صريحاً و ظاهراً في كلام جماعة، و ما عن المبسوط، و النهاية، و الوسيلة، و الجامع: من ظهور الخلاف غير ثابت، بل لعل الظاهر الوفاق كما حققه في الجواهر، و إن كان لا يخلو من تأمل و إشكال.

أما‌

مصحح إسحاق بن عمار المروي عن تفسير القمي (ره) عن أبي عبد اللّه (ع): «قلت له: رجل بين عينيه قرحة لا يستطيع أن يسجد. قال (ع): يسجد ما بين طرف شعره، فان لم يقدر سجد على حاجبه الأيمن، فان لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر، فان لم يقدر فعلى ذقنه. قلت: على ذقنه؟ قال (ع): نعم. أما تقرأ كتاب اللّه عز و جل:

(يَخِرُّونَ لِلْأَذْقٰانِ سُجَّداً)» «1»‌

فلم يعرف القول به، فيتعين تأويله أو طرحه.

كما عن الصدوقين من غير مستند ظاهر، و إن كان يشهد لهما المحكي عن الرضوي «2»، لكنه غير ثابت الحجية. نعم إن كان خلافهما‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 12 من أبواب السجود حديث: 3.

(2) مستدرك الوسائل باب: 10 من أبواب السجود حديث: 1.

 

379
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 11 من كان بجبهته دمل أو غيره ج‌6 ص 377

و إن تعذر سجد على ذقنه (1) فان تعذر اقتصر على الانحناء الممكن (2).

[ (مسألة 12): إذا عجز عن الانحناء للسجود انحنى بالقدر الممكن مع رفع المسجد]

(مسألة 12): إذا عجز عن الانحناء للسجود انحنى بالقدر الممكن مع رفع المسجد (3) مانعاً عن انعقاد الإجماع على التخيير تكون المسألة من موارد الدوران بين التعيين و التخيير فأصالة التعيين فيها تقتضي تقديم الأيمن.

إجماعا صريحاً و ظاهراً كما عن الخلاف و غيره، لمصحح إسحاق و المرسل. لكن ظاهرهما تعلق (لِلْأَذْقٰانِ) بقوله تعالى (سُجَّداً) لا بقوله تعالى (يَخِرُّونَ) مع أن الظاهر الثاني، و أن سجودهم لم يكن اضطراريا. اللهم إلا أن يحمل على الاستدلال الإقناعي، أو على أنه تفسير باطني. و كيف كان فلا يصلح ذلك موهناً لهما و مسقطاً عن الحجية، إذ لا قصور في دلالة صدرهما. ثمَّ إن المحكي عن الصدوقين في الرسالة و المقنع تقديم السجود على ظهر الكف على السجود على الذقن، و لا يظهر له معنى محصل كما عن جامع المقاصد و غيره.

قد يشكل أولا: بأن مقتضى قاعدة الميسور السجود على ما أمكنه من أجزاء الوجه لصدق الميسور عليه، و لا سيما السجود على الأنف فلا وجه لرفع اليد عنه، و ثانياً: بأن الانحناء الممكن ليس من أجزاء السجود كي يصدق عليه الميسور فيجب، و إنما هو مقدمة له خارج عنه فلا وجه لوجوبه، و إطلاق ما دل على بدلية الإيماء عند تعذر السجود ينفيه. و بالجملة: مقتضى بناء الأصحاب على قاعدة الميسور أنه يجب السجود على أي جزء من الوجه، فان تعذر أومأ و هو جالس.

بلا إشكال فيه ظاهر. قال في المعتبر: «و لو عجز عن السجود جاز أن يرفع اليه ما يسجد عليه، و لم يجز الإيماء خلافا للشافعي و أبي‌

 

380
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 12 إذا عجز عن الانحناء للسجود انحنى بالقدر الممكن مع رفع المسجد ج‌6 ص 380

إلى جبهته (1) و وضع سائر المساجد في محالها (2) و إن لم يتمكن من الانحناء أصلا أومأ برأسه (3) و إن لم يتمكن فبالعينين و الأحوط له رفع المسجد مع ذلك إذا تمكن من وضع الجبهة عليه، و كذا الأحوط وضع ما يتمكن من سائر المساجد في محالها (4) و إن لم يتمكن من الجلوس أومأ برأسه و إلا فبالعينين و إن لم يتمكن من جميع ذلك ينوي بقلبه (5) جالساً أو قائماً إن لم حنيفة ..» و في التذكرة: نسبته إلى علمائنا، و في المنتهى: نسبته إلى علمائنا أجمع، و يشهد به‌

خبر الكرخي عن أبي عبد اللّه (ع): «رجل شيخ كبير لا يستطيع القيام إلى الصلاة لضعفه و لا يمكنه الركوع و السجود.

فقال (ع): ليومئ برأسه إيماء، و إن كان له من يرفع الخمرة فليسجد فان لم يمكنه ذلك فليومئ برأسه» «1».

فيسجد عليه معتمداً بلا إشكال، لما سبق.

لإطلاق دليل وجوبه كغيره من الواجبات بلا موجب لسقوطه.

بلا إشكال و لا خلاف، كما تقدم في مبحث القيام.

فإنه مقتضى إطلاق دليل وجوبه، كما لو تعذر وضع أحد المساجد غير الجبهة فإنه لا إشكال في وجوب وضع الباقي، لكن الظاهر من دليل وجوبه هو وجوبه حال السجود على الهيئة الخاصة فلا يشمل حال الإيماء الذي هو البدل، و البدلية لا تقتضي ذلك.

اقتضاء قاعدة الميسور لوجوب النية لا يخلو من إشكال. نعم لا بد منها لأجل تعيين الذكر، فان الظاهر أنه لا إشكال في وجوبه لصدق الميسور عليه.

______________________________
(1) الوسائل باب: 20 من أبواب السجود حديث: 1.

 

381
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 12 إذا عجز عن الانحناء للسجود انحنى بالقدر الممكن مع رفع المسجد ج‌6 ص 380

يتمكن من الجلوس و الأحوط الإشارة باليد و نحوها (1) مع ذلك.

[ (مسألة 13): إذا حرك إبهامه في حال الذكر عمداً أعاد الصلاة احتياطاً]

(مسألة 13): إذا حرك إبهامه في حال الذكر عمداً أعاد الصلاة احتياطاً (2) و إن كان سهواً أعاد الذكر (3) إن لم يرفع رأسه، و كذا لو حرك سائر المساجد. و أما لو حرك أصابع يده مع وضع الكف بتمامها فالظاهر عدم البأس به لكفاية اطمئنان بقية الكف. نعم لو سجد على خصوص الأصابع كان تحريكها كتحريك إبهام الرجل.

[ (مسألة 14): إذا ارتفعت الجبهة قهراً من الأرض قبل الإتيان بالذكر]

(مسألة 14): إذا ارتفعت الجبهة قهراً من الأرض قبل الإتيان بالذكر فإن أمكن حفظها عن الوقوع ثانياً حسبت سجدة (4) فيجلس و يأتي بالأخرى إن كانت الأولى، و يكتفي فقد قال في كشف الغطاء: «فان لم يكن جفنان و لا عينان فبأعضائه الأخر، و ان تعذر فبقلبه» و تقدم ما له نفع تام في هذه المسألة فراجع.

لأن الذكر المأتي به في غير حال الطمأنينة ليس جزءاً، فالإتيان به بقصد الجزئية زيادة عمدية قادحة. و كأن وجه التوقف في الوجوب احتمال عدم منافاة حركة الإبهام للطمأنينة اللازمة، كعدم منافاتها لها في سائر الأحوال، إذ هي في الجميع بمعنى واحد. اللهم إلا أن يستفاد مما ورد في تمكين الجبهة.

يتم هذا بناء على أن الطمأنينة شرط في الذكر، إذ لو كانت واجبة حاله فقد فات محلها فتسقط، و كذا لو اختصت شرطيتها بحال العمد، كما تقدم في المسألة الرابعة عشرة من الركوع.

للإطلاق، لكن الإشكال في فوات الذكر، فان كان شرطاً في السجود فالسجدة الواقعة منه باطلة، و إن كان واجباً حاله كان فواته عن‌

 

382
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 إذا ارتفعت الجبهة قهرا من الأرض قبل الإتيان بالذكر ج‌6 ص 382

بها إن كانت الثانية، و إن عادت إلى الأرض قهراً فالمجموع سجدة واحدة (1) فيأتي بالذكر. و إن كان بعد الإتيان به اكتفى به.

[ (مسألة 15): لا بأس بالسجود على غير الأرض]

(مسألة 15): لا بأس بالسجود على غير الأرض و نحوها مثل الفراش في حال التقية و لا يجب التفصي عنها بالذهاب إلى مكان آخر (2). نعم لو كان في ذلك المكان مندوحة بأن يصلي على البارية أو نحوها مما يصح السجود عليه وجب اختيارها.

اضطرار فان قلنا بعموم‌

حديث: «لا تعاد الصلاة» «1».

للفوات الاضطراري اجتزأ بما وقع و عليه السجود ثانيا، و ان قلنا باختصاصه بالسهو وجب استئناف الصلاة من رأس، لعدم إمكان التدارك إلا بذلك.

فيه إشكال، لأن تخلل العدم يوجب التعدد، و عليه يكون الذكر للأولى قد فات محله اضطراراً، فيأتي فيه الكلام المتقدم، أما السجدة الثانية فلا بد من استئنافها لعدم وقوعها بعد الجلوس الواجب بين السجدتين مضافا الى عدم وقوعها عن قصد، و الظاهر منهم (رضوان اللّه عليهم) اعتبار ذلك في السجود كالركوع، فنية البقاء فيهما غير كافية، و على هذا لا يجب عليه الذكر في هذه السجدة، بل يجب عليه الجلوس ثمَّ السجود ثانيا. نعم لا تبعد دعوى صدق السجدة الواحدة عرفا على مجموع السجدتين و عد الثانية بقاء للأولى، فعليه الذكر فيها و استئناف الثانية بعد الجلوس و ان كانت لا تخلو من تأمل.

لعمومات التقية الشاملة لصورة وجود المندوحة، و قد تقدم‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

 

383
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 إذا نسي السجدتين أو إحداهما ج‌6 ص 384

[ (مسألة 16): إذا نسي السجدتين أو إحداهما]

(مسألة 16): إذا نسي السجدتين (1) أو إحداهما و تذكر قبل الدخول في الركوع وجب العود إليها، و إن كان بعد الركوع مضى إن كان المنسي واحدة و قضاها بعد السلام و تبطل الصلاة إن كان اثنتين، و إن كان في الركعة الأخيرة يرجع ما لم يسلم. و إن تذكر بعد السلام بطلت الصلاة إن كان المنسي اثنتين و إن كان واحدة قضاها.

[ (مسألة 17): لا يجوز الصلاة على ما لا تستقر المساجد عليه]

(مسألة 17): لا يجوز الصلاة على ما لا تستقر المساجد عليه (2) كالقطن المندوف و المخدة من الريش و الكومة من التراب الناعم أو كدائس الحنطة و نحوها.

[ (مسألة 18): إذا دار أمر العاجز عن الانحناء التام للسجدة بين وضع اليدين على الأرض و بين رفع ما يصح السجود عليه]

(مسألة 18): إذا دار أمر العاجز عن الانحناء التام للسجدة بين وضع اليدين على الأرض و بين رفع ما يصح السجود عليه و وضعه على الجبهة فالظاهر تقديم الثاني (3) فيرفع يديه أو إحداهما عن الأرض ليضع ما يصح السجود عليه على جبهته و يحتمل التخيير.

الكلام في ذلك في الوضوء، كما تقدم أيضا الوجه فيما ذكره بعد.

الكلام في هذه المسألة موكول الى محله من مبحث الخلل.

لكن إذا وضع جبهته عليه حتى إذا ركدت جاء بالذكر صح.

لأنه مقوم للسجود الذي هو ركن للصلاة، و أحد أثلاثها، فيصدق معه الميسور دون الأول، لكن الظاهر من قوله (ره): «و وضعه على الجبهة» أن المراد مجرد الانحناء و وضع شي‌ء على الجبهة مما يصح السجود عليه، فيكون الدوران بين الاعتماد على اليدين و استعمال إحداهما في وضع شي‌ء على الجبهة، و حينئذ فالأمران معاً غير واجبين، للأصل،

 

384
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات السجود ج‌6 ص 385

[فصل في مستحبات السجود]

فصل في مستحبات السجود و هي أمور:

الأول: التكبير حال الانتصاب من الركوع (1) قائماً أو قاعداً.

و إن كان وضع ما يصح السجود عليه على الجبهة أحوط.

فصل في مستحبات السجود تقدم في الركوع ذكر الخلاف في وجوب التكبير و رفع اليد حاله، و ذلك آت هنا أيضاً كدليله ورده. فراجع. و أما كونه حال الانتصاب فهو المشهور المحكي عليه ظاهر الإجماع في كلام غير واحد، و يشهد له‌

صحيح حماد: «ثمَّ كبر (ع) و هو قائم، و رفع يديه حيال وجهه، ثمَّ سجد» «1».

نعم يعارضه‌

خبر المعلى عن أبي عبد اللّه (ع):

«سمعته يقول: كان علي بن الحسين إذا هوى ساجداً انكب و هو يكبر» «2»‌

، و حمله على غير سجود الصلاة أو صدوره في بعض الأحيان لبيان الجواز خلاف الظاهر، و الجمع بينهما بالتخيير غير بعيد كما عن الحدائق و استضعفه في الجواهر لمخالفته للمعروف بين الأصحاب، و في غيرها بأنه خلاف ظاهر المداومة، لكن إعراض الأصحاب عن الأخذ به لعله لترجيح الصحيح عليه، لاعتقادهم عدم الجمع العرفي بينهما، لكونه خلاف ظاهر‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 24 من أبواب السجود حديث: 2.

 

385
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات السجود ج‌6 ص 385

الثاني: رفع اليدين حال التكبير (1).

الثالث: السبق باليدين إلى الأرض (2) عند الهوي إلى السجود.

المداومة. نعم لا يبعد جواز الإتيان به حال الهوي اعتماداً على بعض المطلقات الذي لا يصلح صحيح حماد لتقييده، و لا سيما و كون المورد من المستحبات، و إن كان الأحوط العمل على المشهور.

هذا و‌

في مصحح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا سجدت فكبر و قل: اللهم لك ..» «1»‌

و لعل التكبير فيه غير التكبير الذي نحن فيه، بل هو جزء من الدعاء، و إلا فيعارضه كثير من الصحاح و غيرها‌

كصحيح زرارة: «ثمَّ ترفع يديك بالتكبير و تخر ساجداً» «2»‌

، و نحوه صحيحه الآخر «3»، و‌

في مصححه: «إذا أردت أن تركع و تسجد فارفع يديك و كبر، ثمَّ اركع و اسجد» «4».

تقدم ذكر القول بوجوبه، و دليله، و ضعفه، و يشهد لرجحانه صحاح زرارة السابقة.

كما يشهد به كثير من النصوص. منها: ما‌

في صحيح زرارة الطويل: «فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير، و خرّ ساجداً، و ابدأ بيديك فضعهما على الأرض قبل ركبتيك تضعهما معاً، و لا تفترش ذراعيك افتراش السبع ذراعيه، و لا تضعن ذراعيك على ركبتيك و فخذيك، و لكن تجنح بمرفقيك، و لا تلزق كفيك بركبتيك، و لا تدنهما من وجهك بين ذلك حيال‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 24 من أبواب السجود حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الركوع حديث: 1.

(3) يأتي في المورد الثالث من مستحبات السجود.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب الركوع حديث: 1.

 

386
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات السجود ج‌6 ص 385

الرابع: استيعاب الجبهة على ما يصح السجود عليه (1) بل استيعاب جميع المساجد (2).

الخامس: الإرغام بالأنف (3)

منكبيك، و لا تجعلهما بين يدي ركبتيك، و لكن تحرفهما عن ذلك شيئاً، و ابسطهما على الأرض بسطاً، و اقبضهما إليك قبضاً و إن كان تحتهما ثوب فلا يضرك، و إن أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل، و لا تفرجن بين أصابعك في سجود، و لكن ضمهن جميعاً» «1»‌

، و نحوه في الدلالة على المقام غيره، المحمول جميعها على الاستحباب إجماعا، و يقتضيه الجمع بينها و بين‌

صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «سألته عن الرجل إذا ركع ثمَّ رفع رأسه فيضع يديه على الأرض أم ركبتيه؟ قال (ع): لا يضره بأيهما بدأ هو مقبول منه» «2»‌

، و‌

موثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع): «قال: لا بأس إذا صلى الرجل أن يضع ركبتيه على الأرض قبل يديه» «3».

لموثق بريد عن أبي جعفر (ع) قال: «الجبهة إلى الأنف أي ذلك أصبت به الأرض في السجود أجزأك، و السجود عليه كله أفضل» «4».

كما يقتضيه الأمر ببسط الكفين في صحيحة زرارة الطويلة و غيرها و أما الركبتان و الإبهامان فالظاهر- كما تقدم- عدم إمكان الاستيعاب فيها غالباً، فضلا عن أن يقوم دليل عليه. فتأمل.

كما هو المعروف المحكي عن غير واحد دعوى الإجماع عليه، و في‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب السجود حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب السجود حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 9 من أبواب السجود حديث: 3.

 

387
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات السجود ج‌6 ص 385

.....

المنتهى: «ذهب الى استحبابه علماؤنا أجمع»، و يشهد له جملة من النصوص:

كصحيح حماد المشهور: «قال (ع): و وضع الأنف على الأرض سنة» «1»‌

و‌

صحيح زرارة: «قال أبو جعفر (ع): قال رسول اللّه (ص): السجود على سبعة أعظم: الجبهة، و اليدين، و الركبتين، و الإبهامين من الرجلين، و ترغم بأنفك إرغاما، أما الفرض فهذه السبعة، و أما الإرغام بالأنف فسنة من النبي (ص)» «2»‌

، و‌

موثق عمار عن جعفر (ع) عن أبيه (ع) قال: «قال علي (ع): لا تجزي صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين» «3»‌

، و نحوه مصحح عبد اللّه بن المغيرة عمن سمع أبا عبد اللّه (ع) «4».

نعم ظاهر الأخيرين الوجوب، لكن قيل يتعين صرفهما الى الاستحباب بقرينة‌

خبر محمد بن مصادف: «إنما السجود على الجبهة و ليس على الأنف سجود» «5»‌

، أو ما دل على أنه سنة الظاهر في الندب «6»، أو ما دل على أن السجود على سبعة أعظم «7»، أو ما دل على أن ما بين قصاص الشعر الى طرف الأنف مسجد فما أصاب الأرض منه فقد أجزأ «8» و فيه: أنه يمكن حمل الخبر على إرادة نفي كون الإرغام ركنا في السجود فيكون كسائر المساجد، و التعرض له بالخصوص لكونه مظنة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب السجود حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب السجود حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 4 من أبواب السجود حديث: 7.

(5) الوسائل باب: 4 من أبواب السجود حديث: 1.

(6) الوسائل باب: 4 من أبواب السجود.

(7) الوسائل باب: 4 من أبواب السجود.

(8) الوسائل باب: 9 من أبواب السجود.

 

388
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات السجود ج‌6 ص 385

على ما يصح السجود عليه (1).

الركنية كالجبهة. كما يمكن أيضاً حمل السنة على ما يقابل الفرض الذي هو أحد معنييها، و حمل تخصيص السجود بالسبعة على ما كان فرضاً في الكتاب فتأمل، و حمل الأخير على تحديد الجبهة بذلك التي هي العضو الركني.

فالعمدة في رفع اليد عن ظاهر الموثق: الإجماع المحكي صريحاً و ظاهراً عن الخلاف، و الغنية، و المعتبر، و المنتهى، و التذكرة، و جامع المقاصد، و غيرها إذ يبعد جداً خفاء الوجوب مع عموم الابتلاء به، و أما ما في الهداية من قوله (رحمه اللّه): «و السجود على سبعة أعظم: الجبهة، و الكفين، و الركبتين، و الإبهامين، و الإرغام بالأنف سنة من تركها لم يكن له صلاة» فالظاهر أنه تعبير بمضمون النص لا فتوى بالبطلان، كما يشهد به أنه في باب آداب الصلاة. قال (رحمه اللّه): «و ترغم بأنفك فان الإرغام سنة، من لم يرغم بأنفه و سجوده فلا صلاة له»، فان عده في باب الآداب من جملة الآداب ظاهر في إرادته الاستحباب.

المذكور في النصوص عناوين ثلاثة: الإرغام «1»، و السجود على الأنف «2»، و أصابة الأنف ما يصيب الجبين «3»، و بين الأولين عموم من وجه، لاختصاص الإرغام بالرغام و هو التراب، و اختصاص السجود بالاعتماد. كما أن بين الأخيرين عموما من وجه، لاختصاص أولهما:

بالاعتماد، و ثانيهما: بما يصح السجود عليه، و اجتماع الثلاثة في صحيح حماد كالصريح في اتحاد المراد منها، و لا يبعد إلغاء خصوصية الرغام و الأرض‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1. و باب: 4 من أبواب السجود حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1- 2.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب السجود حديث: 4- 7.

 

389
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات السجود ج‌6 ص 385

السادس: بسط اليدين مضمومتي الأصابع (1) أخذاً بإطلاق موثق عمار، كما يشهد به النصوص المتضمنة لكون السجود على الخمرة سنة، و مواظبتهم (ع) على استعمالها، و الخمرة سجادة صغيرة معمولة من سعف النخل. كما لا يبعد عدم الاكتفاء بمجرد المماسة و إن كان يقتضيه التعبير بالإصابة في الموثق، إلا أن وحدة السياق مع الإصابة في الجبين تقتضي إرادة الاعتماد معه، كما يقتضيه ظاهر التعبير بالسجود، بل التعبير بالوضع «1» أيضا. هذا و إطلاق الأنف يقتضي عدم الفرق بين أجزائه، و عن السيد و الحلي التخصيص بطرف الأنف الذي يلي الحاجب.

و مستنده غير ظاهر. و قرض الكاظم (ع) اللحم من عرنين أنفه «2»، أعم من ذلك. و عن ابن الجنيد التخصيص بالطرف الأسفل. و كأنه للانصراف. لكنه غير ظاهر بنحو يعتد به. فلاحظ.

في صحيح حماد الطويل: «ثمَّ سجد و بسط كفيه مضمومتي الأصابع بين ركبتيه حيال وجهه» «3»‌

، و مثله في صحيحة زرارة الطويلة المتقدمة «4»، و‌

في خبر أبي بصير: «إذا سجدت فابسط كفيك» «5»‌

و‌

في رواية سماعة المروية عن كتاب زيد النرسي أنه رأى أبا الحسن (ع) يصلي ..

الى أن قال:

«فليبسطهما على الأرض بسطاً، و يفرّج بين الأصابع كلها‌

.. الى أن قال:

و لا يفرج بين الأصابع إلا في الركوع و السجود، و كذا إذا بسطهما على الأرض» «6»‌

و لعله لا ينافي ما سبق.

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1- 2.

(2) الوسائل باب: 21 من أبواب السجود حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 19 من أبواب السجود حديث: 2.

(6) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة، حديث: 3. و باب: 20 من أبواب السجود، حديث: 3.

 

390
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات السجود ج‌6 ص 385

حتى الإبهام حذاء الأذنين (1)، متوجهاً بهما إلى القبلة.

السابع: شغل النظر إلى طرف الأنف حال السجود (2).

الثامن: الدعاء قبل الشروع في الذكر (3)، بأن يقول:

«اللهم لك سجدت، و بك آمنت، و لك أسلمت، و عليك توكلت، و أنت ربي، سجد وجهي للذي خلقه و شق سمعه و بصره، وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ*، تبارك اللّٰهُ أَحْسَنُ الْخٰالِقِينَ».

التاسع: تكرار الذكر (4).

العاشر: الختم على الوتر.

الحادي عشر: اختيار التسبيح من الذكر، و الكبرى من التسبيح، و تثليثها، أو تخميسها أو تسبيعها.

كما في الشرائع و غيرها. و الذي تقدم في الصحيح حيال الوجه.

كما في الذكرى نسبته إلى جماعة من الأصحاب. قال في الحدائق:

«و هو يؤذن بعدم وقوفه على مستنده، و بذلك صرح غيره أيضاً. و مستنده الذي وقفت عليه كتاب الفقه الرضوي حيث‌

قال: و يكون بصرك وقت السجود الى أنفك و بين السجدتين في حجرك و كذلك في وقت التشهد» «1»‌

و في المنتهى علله بقوله: «لئلا يشتغل قلبه عن عبادة اللّه تعالى».

ففي مصحح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إذا سجدت فكبر و قل: اللهم لك ..» «2»‌

الى آخر ما في المتن. لكن في نسخة الوسائل و الحدائق و غيرهما «الحمد» بلا واو «3».

الكلام فيه و في العاشر و الحادي عشر تقدم في الركوع.

______________________________
(1) الحدائق الناضرة ج: 8 صفحة: 301 طبع النجف الحديث.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب السجود حديث: 1.

(3) لكنها في نسخة التهذيب موجودة. راجع الجزء الثاني: صفحة: 79 حديث: 295.

 

391
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات السجود ج‌6 ص 385

الثاني عشر: أن يسجد على الأرض (1)، بل التراب (2) دون مثل الحجر و الخشب.

الثالث عشر: مساواة موضع الجبهة مع الموقف (3) بل مساواة جميع المساجد (4).

الرابع عشر: الدعاء في السجود (5)، أو الأخير بما تقدم الكلام فيه في مسجد الجبهة.

في صحيح معاوية: «أسبغ الوضوء، و املأ يديك من ركبتيك و عفر جبينيك في التراب و صل صلاة مودّع» «1».

كما عن جماعة كثيرة.

لصحيح ابن سنان المتقدم عن موضع جبهة الساجد: «أ يكون أرفع من مقامه؟ فقال (ع): لا، و لكن ليكن مستويا» «2»‌

، و في الشرائع و عن غيرها أن المستحب المساواة، أو كون المسجد أخفض. و علل بأنه أدخل في الخضوع. و هو كما ترى.

كما عن بعض، و في الجواهر: «لعله لأنه أقوم للسجود، و لاحتمال عود الضمير في قوله (ع):

«و ليكن»‌

في صحيح ابن سنان الى مكان السجود جميعه، لا خصوص المسجد، و لغير ذلك مما يمكن استفادته مما ذكرناه في الواجب الثالث».

في خبر عبد اللّه بن هلال قال: «شكوت الى أبي عبد اللّه (ع) تفرق أموالنا و ما دخل علينا فقال (ع): عليك بالدعاء و أنت ساجد، فإن أقرب ما يكون العبد الى اللّه تعالى و هو ساجد. قلت: فأدعو في الفريضة و أسمي حاجتي؟ فقال (ع): نعم، قد فعل ذلك رسول اللّه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 10 من أبواب السجود حديث: 1. و تقدم في المورد السابع من واجبات السجود.

 

392
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات السجود ج‌6 ص 385

يريد من حاجات الدنيا و الآخرة، و خصوص طلب الرزق الحلال بأن يقول:

«يا خير المسؤولين، و يا خير المعطين، ارزقني و ارزق عيالي من فضلك، فإنك ذو الفضل العظيم»‌

(1).

الخامس عشر: التورك في الجلوس بين السجدتين، و بعدهما (2).

صلى اللّه عليه و آله ..» «1»‌

و غير ذلك. و الذي عثرت عليه من النصوص خال عن ذكر السجود الأخير. نعم في السجود الأخير من صلوات مخصوصة بعض النصوص. لكنه غير ما نحن فيه. و‌

في صحيحة الحذاء: «سمعت أبا جعفر (ع) يقول و هو ساجد: أسألك بحق حبيبك محمد (ص) إلا بدلت سيئاتي حسنات و حاسبتني حسابا يسيراً. ثمَّ قال في الثانية: أسألك بحق حبيبك محمد (ص) إلا كفيتني مئونة الدنيا و كل هول دون الجنة. و قال في الثالثة: أسألك بحق حبيبك محمد (ص) لما غفرت لي الكثير من الذنوب و القليل و قبلت من عملي اليسير. ثمَّ قال في الرابعة:

أسألك بحق حبيبك محمد (ص) لما أدخلتني الجنة و جعلتني من سكانها و لما نجيتني من سفعات النار برحمتك. و صلى اللّه على محمد و آله» «2».

في خبر زيد الشحام عن أبي جعفر (ع): «ادع في طلب الرزق في المكتوبة و أنت ساجد: يا خير المسؤولين ..» «3»‌

الى آخر ما في المتن.

إجماعا، كما عن التذكرة.

______________________________
(1) الوسائل باب: 17 من أبواب السجود حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب السجود حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 17 من أبواب السجود حديث: 4.

 

393
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات السجود ج‌6 ص 385

و هو أن يجلس على فخذه الأيسر، جاعلا ظهر القدم اليمنى في بطن اليسرى (1).

السادس عشر: أن يقول في الجلوس بين السجدتين:

«أستغفر اللّه ربي و أتوب إليه»‌

(2).

السابع عشر: التكبير بعد الرفع من السجدة الأولى بعد الجلوس مطمئناً (3)، و التكبير للسجدة الثانية و هو قاعد.

حكي تفسيره بذلك عن الشيخ، و من تأخر عنه و يشهد به ما‌

في صحيح حماد: «ثمَّ قعد (ع) على جانبه الأيسر و وضع ظاهر قدمه الأيمن على باطن قدمه الأيسر، و قال: استغفر اللّه ربي و أتوب اليه» «1»‌

و يشير اليه ما‌

في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا جلست في الصلاة فلا تجلس على يمينك، و اجلس على يسارك» «2»‌

، و ربما فسر بغير ذلك. لكن لما لم يكن لعنوان التورك تعرض في النصوص يتعين العمل بما فيها، و إن لم يكن بمعنى التورك. فتأمل جيداً.

كما في صحيح حماد المتقدم «3».

في صحيح حماد: «ثمَّ رفع رأسه من السجود فلما استوى جالساً قال: اللّه أكبر .. الى أن قال: ثمَّ كبر و هو جالس و سجد الثانية» «4»‌

و‌

في صحيح زرارة: «إذا أردت أن تركع و تسجد فارفع يديك و كبر ثمَّ اركع و اسجد» «5»‌

، و هو شامل للسجدة الثانية كالأولى. و إطلاقه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب السجود حديث: 4.

(3) راجع التعليقة السابقة.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 2 من أبواب الركوع حديث: 1.

 

394
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات السجود ج‌6 ص 385

الثامن عشر: التكبير بعد الرفع من الثانية كذلك (1).

التاسع عشر: رفع اليدين حال التكبيرات (2).

العشرون: وضع اليدين على الفخذين حال الجلوس (3) اليمنى على اليمنى، و اليسرى على اليسرى.

يقتضي عدم اختصاص محل التكبير للسجود بالجلوس بل يجوز في حال الهوي بل المرسل المحكي عن مصباح السيد (رحمه اللّه): «إذا كبر للدخول في فعل من الصلاة ابتدأ بالتكبير حال ابتدائه، و للخروج عنه بعد الانفصال عنه» يقتضي كون محله حال السجود لا الجلوس. لكن الاعتماد على المرسل المهجور كما ترى. و صحيح زرارة تمكن المناقشة في إطلاقه و وروده مورد البيان من هذه الجهة فالاعتماد على ظاهر صحيح حماد بقرينة فهمه أولى. فتأمل.

لفتوى الأصحاب، و لما في التوقيع المروي في الاحتجاج و الغيبة للشيخ‌

قال (ع) فيه: «فإنه روي: إذا رفع رأسه من السجدة الثانية و كبر ثمَّ جلس ثمَّ قام ..» «1».

لكنه غير دال على الكلية، و ظاهر في كون محله حال الرفع قبل الجلوس.

لأنه زينة، كما تقدم «2».

قال في التذكرة: «و يستحب وضعهما حالة الجلوس للتشهد و غيره على فخذيه مبسوطتين مضمومتي الأصابع بحذاء عيني ركبتيه، عند علمائنا، لأن رسول اللّه (ص) كان إذا قعد يدعو يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى و يده اليسرى على فخذه اليسرى، و يشير بإصبعه، و نحوه من طريق الخاصة».

______________________________
(1) الوسائل باب: 13 من أبواب السجود حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 14. و قد تقدم في المسألة: 14 من تكبيرة الإحرام.

 

395
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات السجود ج‌6 ص 385

الحادي و العشرون: التجافي حال السجود (1)، بمعنى رفع البطن عن الأرض.

الثاني و العشرون: التجنح، بمعنى تجافي الأعضاء حال السجود (2)، بأن يرفع مرفقيه عن الأرض، مفرجا بين عضديه و جنبيه، و مبعداً يديه عن بدنه جاعلا يديه كالجناحين.

كما نسب إلى الأصحاب. و لعله التخوّي المذكور‌

في خبر حفص الأعور عن أبي عبد اللّه (ع): «كان علي (ع) إذا سجد يتخوّى كما يتخوّى البعير الضامر- يعني بروكه-» «1»‌

، و‌

في مرسل الصحاح عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): «إذا صلت المرأة فلتحتفز‌

- أي تتضام-

إذا جلست و إذا سجدت، و لا تتخوّى كما يتخوّى الرجل» «2».

قال ابن الأثير في محكي النهاية: «في الحديث: انه كان إذا سجد خوّى‌

: أي جافى بطنه عن الأرض و رفعها و جافى عضديه عن جنبيه حتى يخوّي ما بين ذلك» و في القاموس: «خوّى في سجوده تخوية: تجافى و فرج ما بين عضديه و جنبيه».

كما يستفاد مما سبق في التجافي، و من صحيحة زرارة الطويلة المتقدمة «3»، و‌

في صحيح حماد: «و كان مجنحاً و لم يضع ذراعيه على الأرض» «4»‌

، و‌

في المروي عن جامع البزنطي: «إذا سجدت فلا تبسط ذراعيك كما يبسط السبع ذراعيه، و لكن جنّح بهما، فان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كان يجنح بهما حتى يسوي بياض إبطيه» «5».

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب السجود حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب السجود حديث: 5.

(3) راجع المورد الثالث من مستحبات السجود.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 2.

(5) مستدرك الوسائل باب: 3 من أبواب السجود حديث: 2.

 

396
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات السجود ج‌6 ص 385

الثالث و العشرون: أن يصلي على النبي و آله في السجدتين (1).

الرابع و العشرون: أن يقوم سابقاً برفع ركبتيه قبل يديه (2).

الخامس و العشرون: أن يقول بين السجدتين (3):

«اللهم اغفر لي، و ارحمني، و أجرني، و ادفع عني، ف‍ إِنِّي لِمٰا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ، ... تَبٰارَكَ اللّٰهُ رَبُّ الْعٰالَمِينَ».

السادس و العشرون: أن يقول عند النهوض للقيام: كما تقدم في الركوع.

إجماعا، حكاه جماعة كثيرة. و يشهد له‌

صحيح ابن مسلم قال: «رأيت أبا عبد اللّه (ع) يضع يديه قبل ركبتيه إذا سجد و إذا أراد أن يقوم رفع ركبتيه قبل يديه» «1»‌

، و‌

خبر زيد النرسي عن أبي الحسن موسى (ع): «كان إذا رفع رأسه في صلاته من السجدة الأخيرة جلس جلسة، ثمَّ نهض للقيام و بادر بركبتيه من الأرض قبل يديه، و إذا سجد بادر بهما إلى الأرض قبل ركبتيه» «2»‌

، و‌

خبر الدعائم: «إذا أردت القيام من السجود فلا تعجن بيديك‌

- يعني تعتمد عليهما و هي مقبوضة-

و لكن ابسطهما بسطاً و اعتمد عليهما» «3».

في مصحح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «فاذا رفعت رأسك، فقل بين السجدتين: اللهم ..» «4»‌

الى آخر المتن. لكن في نسخة الوسائل و غيرها:

«إني لما ..»‌

، بدون الفاء.

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب السجود حديث: 1.

(2) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب السجود حديث: 2.

(3) مستدرك الوسائل باب: 16 من أبواب السجود حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب السجود حديث: 1.

397
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات السجود ج‌6 ص 385

«بحول اللّه و قوته أقوم و أقعد» (1) أو يقول: «اللهم بحولك و قوتك أقوم و أقعد» (2).

السابع و العشرون: أن لا يعجن بيديه عند إرادة النهوض (3) يشير اليه‌

خبر سعد الجلاب: «كان أمير المؤمنين (ع) يبرأ من القدرية في كل ركعة، و يقول: بحول اللّه و قوته أقوم و أقعد» «1»‌

و نحوه خبر الحضرمي «2». لكن رواهما في الوسائل خاليين عن‌

«و قوته»‌

و كذا صحيح ابن مسلم «3» لكن‌

في صحيح ابن مسلم الوارد في القيام بعد التشهد: «بحول اللّه و قوته أقوم و أقعد» «4»‌

، و في بعض النسخ سقط‌

«و قوته»‌

و‌

في خبر أبي بصير الوارد في جملة من الآداب: «فاذا نهضت فقل: بحول اللّه و قوته أقوم و أقعد، فإن علياً (ع) هكذا كان يفعل» «5».

كما‌

في صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (ع) بزيادة: «و أركع و أسجد» «6»‌

، و‌

في صحيحه الآخر عنه (ع): «اللهم ربي بحولك و قوتك أقوم و أقعد، و إن شئت قلت: و أركع و أسجد» «7»‌

، و‌

في صحيح رفاعة: «بحولك و قوتك أقوم و أقعد» «8».

كما تقدم في خبر الدعائم «9»، و‌

في مصحح الحلبي عن‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 13 من أبواب السجود حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب السجود حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 13 من أبواب السجود حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 13 من أبواب السجود حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 9.

(6) الوسائل باب: 13 من أبواب السجود حديث: 6.

(7) الوسائل باب: 13 من أبواب السجود حديث: 1.

(8) الوسائل باب: 13 من أبواب السجود حديث: 4.

(9) تقدم في المستحب الرابع و العشرين.

 

398
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات السجود ج‌6 ص 385

أي لا يقبضهما، بل يبسطهما على الأرض، معتمداً عليهما للنهوض.

الثامن و العشرون: وضع الركبتين قبل اليدين للمرأة (1) عكس الرجل عند الهوي للسجود. و كذا يستحب عدم تجافيها حاله، بل تفترش ذراعيها، و تلصق بطنها بالأرض، و تضم أعضاءها. و كذا عدم رفع عجيزتها حال النهوض للقيام، بل تنهض و تنتصب عدلا.

التاسع و العشرون: إطالة السجود (2) و الإكثار فيه‌

أبي عبد اللّه (ع) قال: «إذا سجد الرجل ثمَّ أراد أن ينهض فلا يعجن بيديه في الأرض، و لكن يبسط كفيه من غير أن يضع مقعدته على الأرض» «1».

ففي خبر زرارة عن أبي جعفر (ع)- في المرأة-: «فإذا جلست فعلى إليتيها ليس كما يجلس الرجل، و إذا سقطت للسجود بدأت بالقعود و بالركبتين قبل اليدين ثمَّ تسجد لاطئة بالأرض، فإذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها و رفعت ركبتيها من الأرض، و إذا نهضت انسلت انسلالا و لا ترفع عجيزتها أولا» «2»‌

، و‌

في صحيح ابن أبي يعفور: «إذا سجدت المرأة بسطت ذراعيها» «3»‌

، و‌

في مرسل ابن بكير: «المرأة إذا سجدت تضممت، و الرجل إذا سجد تفتّح» «4».

لاستفاضة النصوص بذلك أو تواترها.

ففي خبر زياد القندي ان أبا الحسن (ع) كتب إليه: «إذا صليت فأطل السجود»‌

، و قد‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 19 من أبواب السجود حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب السجود حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 3 من أبواب السجود حديث: 3.

 

399
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في مستحبات السجود ج‌6 ص 385

من التسبيح و الذكر.

الثلاثون: مباشرة الأرض بالكفين (1).

الواحد و الثلاثون: زيادة تمكين الجبهة و سائر المساجد في السجود (2).

[ (مسألة 1): يكره الإقعاء في الجلوس]

(مسألة 1): يكره الإقعاء في الجلوس (3) عقد لذلك بابا في الوسائل «1».

لما تقدم‌

في صحيح زرارة: «و إن أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل» «2».

ففي خبر السكوني، قال علي (ع): «إني لأكره للرجل أن أرى جبهته جلحاء ليس فيها أثر السجود» «3»‌

، و‌

في خبر جابر عن أبي جعفر (ع): «إن أبي علي بن الحسين (ع) كان أثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمي السجاد لذلك» «4»‌

الى غير ذلك.

كما عن الأكثر أو المشهور.

لموثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع) قال (ع): «لا تقع بين السجدتين» «5»‌

، و فيما يحضرني من نسخة التهذيب‌

عن معاوية بن عمار و ابن مسلم و الحلبي قال (ع): «لا تقع في الصلاة بين السجدتين كإقعاء الكلب» «6».

لكن في نسخة الوسائل عن التهذيب: قالوا:

«لا تقع في ..»‌

«7»

______________________________
(1) الوسائل باب: 23 من أبواب السجود و الحديث المذكور: 4.

(2) تقدم في آخر المسألة الثانية من مسائل السجود.

(3) الوسائل باب: 21 من أبواب السجود حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 21 من أبواب السجود حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 6 من أبواب السجود حديث: 1.

(6) التهذيب ج 2 صفحة: 83 حديث: 306 الطبعة الحديثة.

(7) الوسائل باب: 6 من أبواب السجود حديث: 2.

 

400
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 1 يكره الإقعاء في الجلوس ج‌6 ص 400

.....

و ظاهره عدم كونها رواية عن المعصوم، و‌

عن الخلاف عن معاوية بن عمار و ابن مسلم و الحلبي عنه (ع) أنه قال: «لا تقع بين السجدتين كإقعاء الكلب» «1»‌

، و‌

في مرسل حريز عن رجل عن أبي جعفر (ع)- في حديث- قال: «لا تلثم، و لا تحتفز، و لا تقع على قدميك، و لا تفترش ذراعيك» «2»‌

، و نحوه صحيح زرارة عنه (ع) «3» و لعلهما واحد.

و النهي في الجميع محمول على الكراهة جمعاً بينه و بين‌

مصحح ابن أبي عمير عن عمرو بن جميع، قال أبو عبد اللّه (ع): «لا بأس بالإقعاء في الصلاة بين السجدتين، و بين الركعة الأولى و الثانية، و بين الركعة الثالثة و الرابعة، و إذا أجلسك الإمام في موضع يجب أن تقوم فيه تتجافى، و لا يجوز الإقعاء في موضع التشهدين إلا من علة لأن المقعي ليس بجالس إنما جلس بعضه على بعض. و الإقعاء: أن يضع الرجل ألييه على عقبيه، فأما الأكل مقعياً فلا بأس به لأن رسول اللّه (ص) قد أكل مقعيا» «4»‌

و المروي‌

في آخر السرائر عن كتاب حريز عن زرارة عن أبي جعفر (ع) «لا بأس بالإقعاء فيما بين السجدتين، و لا ينبغي الإقعاء في التشهدين، إنما التشهد: في الجلوس و ليس المقعي بجالس» «5»‌

، و‌

صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «لا بأس بالإقعاء في الصلاة فيما بين السجدتين» «6».

______________________________
(1) الخلاف المسألة: 118 من كيفية الصلاة ج 1 صفحة: 46 من الطبعة الاولى.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب السجود حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 6 من أبواب السجود حديث: 6.

(5) الوسائل باب: 6 من أبواب السجود حديث: 7.

(6) الوسائل باب: 6 من أبواب السجود حديث: 3.

 

401
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 1 يكره الإقعاء في الجلوس ج‌6 ص 400

.....

و من الأولين يظهر عموم الكراهة للتشهد. و إن كان ظاهر من اقتصر على ذكر السجدتين عدمها. فإنه ضعيف.

و مثله ما عن الصدوق، و الشيخ في الفقيه و النهاية، من المنع عنه في التشهد. إذ الظاهر أنه كان اعتماداً على الخبرين المذكورين. و عمرو بن جميع و إن كان ضعيفاً بتريا، إلا أن في رواية ابن أبي عمير عنه، الذي هو من أصحاب الإجماع، و ممن لا يروي إلا عن ثقة، كفاية في حصول الوثوق، الذي هو شرط الحجية.

و وجه الضعف: أن ذلك لو سلم فالتعليل ظاهر في الكراهة، كالتعليل‌

في صحيح زرارة: «و إياك و القعود على قدميك فتتأذى بذلك، و لا تكن قاعداً على الأرض فيكون إنما قعد بعضك على بعض، فلا تصبر للتشهد و الدعاء» «1».

نعم لو حمل النهي فيهما على الكراهة في التشهد أيضاً، يشكل وجه الفرق بين ما بين السجدتين و التشهد، بنفي البأس في الأول، و النهي في الثاني، لاشتراكهما في الكراهة، مع أن التفصيل قاطع للشركة.

لكنه يندفع بالحمل على شدة الكراهة و خفتها.

و ذلك أولى مما قيل من حمل الإقعاء المنفي عنه البأس بين السجدتين، على المعنى المنهي عنه في التشهد، و هو المذكور في ذيل رواية ابن جميع، المنسوب الى الفقهاء. و المنهي عنه فيما بينهما على المعنى الآخر، المنسوب الى اللغويين كما سيأتي. بقرينة ما في بعض النصوص من تشبيهه بإقعاء الكلب. و حينئذ لا معارض للنهي في الموضعين فيتعين العمل بظاهره.

و مقتضاه المنع من الإقعاء بالمعنى المذكور في رواية ابن جميع في التشهد، دون ما بين السجدتين، لنفي البأس عنه فيما بينهما.

اللهم إلا أن يحمل على التقية، لكونه مسنونا عند بعضهم فيما بينهما.

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3.

 

402
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 1 يكره الإقعاء في الجلوس ج‌6 ص 400

بين السجدتين بل بعدهما أيضاً (1) و هو أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض و يجلس على عقبيه (2) و المنع من الإقعاء بالمعنى الآخر فيما بين السجدتين، دون التشهد، إذ يبعد هذا الوجه مخالفته لظاهر النصوص المفسرة للإقعاء، و نقل اتفاق الفقهاء على أنه الجلوس على العقبين لا غير. و أما تشبيهه بإقعاء الكلب فالظاهر منه أنه بقصد التنفير، الذي لا يناسبه التخصيص بمورد دون مورد. و سيجي‌ء الكلام في وجه التشبيه.

لعموم التعليل، و إطلاق‌

صحيح زرارة و مرسل حريز: «لا تقع على قدميك»‌

، بناء على أنه من الإقعاء، كما هو الظاهر، المحمول على الكراهة، بقرينة السياق، و لما سبق، لا من الوقوع الذي لا يتحصل له معنى ظاهر.

كما في المعتبر، و المنتهى، و التذكرة، و عن كشف الالتباس، و حاشية المدارك، ناسبين ذلك الى الفقهاء. و في لسان العرب: «نهي أن يقعي الرجل في الصلاة. و هو أن يضع ألييه على عقبيه بين السجدتين.

و هذا تفسير الفقهاء»، و في تاج العروس: «و فسره الفقهاء بأن يضع ألييه على عقبيه بين السجدتين»، و مثله ما عن الصحاح و المغرب. قال في محكي البحار: «الظاهر من كلام العامة أن الإقعاء الجلوس على العقبين مطلقاً- يعني: و إن لم يعتمد على صدور قدميه-» ثمَّ قال: «و لعل مرادهم المعنى الذي اتفق عليه أصحابنا، لأن الجلوس على عقبين حقيقة لا يتحقق إلا بهذا الوجه، فإنه إذا جعل ظهر قدميه على الأرض يقع الجلوس على بطن القدمين، لا على العقبين».

و من هذا تعرف تعين البناء على كراهته بهذا المعنى. أولا: لما ذكر من حكاية اتفاق الفقهاء عليه المستفيضة في لسان جماعة من الفقهاء و اللغويين‌

 

403
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 1 يكره الإقعاء في الجلوس ج‌6 ص 400

كما فسره به الفقهاء. بل بالمعنى الآخر، المنسوب إلى اللغويين أيضاً، و هو أن يجلس على إليتيه، و ينصب ساقيه، و يتساند إلى ظهره، كإقعاء الكلب (1).

من الخاصة و العامة. و ثانياً: لرواية ابن جميع و صحيح زرارة المتقدمين، الظاهرين في هذا المعنى، المعتضدين بصحيح زرارة المتقدم- المتضمن للتحذير عن القعود على القدمين، و أنه يتأذى بذلك و لا يكون قاعداً على الأرض بل بعضه على بعض، فلا يصبر للدعاء و التشهد- و‌

بصحيح زرارة و مرسل حريز: «لا تقع على قدميك».

فإن الإقعاء على القدمين يناسب المعنى المذكور جداً، و لا يناسب المعنى الآتي. كما لا يخفى.

هذا و المظنون قويا أن هذه النصوص و ردت رداً على العامة، الذين يرون أن الإقعاء بهذا المعنى سنة، و أنه كان يفعله العبادلة أبناء العباس و عمر و الزبير و مسعود و غيرهم من الصحابة و السلف، و عن الشافعي النص على استحبابه، و كذا عن غيره من محققيهم. كما أن الذي يظهر من كلام بعض المخالفين أن الوجه في حمل الإقعاء المنهي عنه على المعنى اللغوي مع بناء الفقهاء على تفسيره بالمعنى الآخر: عمل بعض الصحابة و السلف له، و ما روي عن ابن عباس أنه من السنة أن تمس عقبيك أليتيك، و لو لا ذلك لتعين حمله على ما عند الفقهاء. فراجع.

قال في محكي الصحاح: «و أما أهل اللغة فالإقعاء عندهم أن يلصق الرجل ألييه بالأرض و ينصب ساقيه و يتساند الى ظهره». و في تاج العروس: «أقعى الرجل في جلوسه: ألصق ألييه بالأرض و نصب ساقيه و تساند الى ما وراءه. هذا قول أهل اللغة»، و في القاموس: «أقعى في جلوسه تساند الى ما وراءه».

لكن في كلام غير واحد من أهل اللغة اعتبار وضع اليدين على الأرض‌

 

404
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 1 يكره الإقعاء في الجلوس ج‌6 ص 400

.....

فيه زائداً على ذلك. قال الأزهري في محكي النهاية: «الإقعاء أن يلصق الرجل ألييه الأرض و ينصب ساقيه و فخذيه و يضع يديه على الأرض»، و نحوه ما عن المغرب و المصباح المنير، و عن بعض شراح صحيح ابن مسلم:

«ان الإقعاء نوعان: أحدهما: أن يلصق إليتيه بالأرض و ينصب ساقيه و يضع يديه على الأرض، كإقعاء الكلب. هكذا فسره أبو عبيدة معمر ابن المثنى، و صاحبه أبو عبيدة القاسم بن سلام، و آخرون من أهل اللغة» و في لسان العرب: «و أما أهل اللغة فالإقعاء عندهم أن يلصق الرجل أليتيه بالأرض و ينصب ساقيه و فخذيه و يضع يديه على الأرض، كما يقعي الكلب و هذا هو الصحيح، و هو أشبه بكلام العرب»، و في كشف اللثام: «الإقعاء من القعو، و هو- كما حكاه الأزهري عن ابن الأعرابي- أصل الفخذ، فهو الجلوس على القعوين، إما بوضعهما على الأرض و نصب الساقين و الفخذين قريباً من إقعاء الكلب، و الفرق أنه يفترش الساقين و الفخذين، أو بوضعهما على العقبين. و هو المعروف عند الفقهاء».

أقول: إن تمَّ أنه الجلوس على القعوين تعين المعنى اللغوي، إذ الجلوس على العقبين ليس جلوساً على القعوين، بل على أصل الظهر. بخلاف المعنى اللغوي، لأنه بنصب الساقين يكون معتمداً عليه. لكنه غير مناسب لاقعاء الكلب.

و كيف كان فالحكم بكراهة الإقعاء بهذا المعنى اختاره في المستند.

مستدلا عليه بما تضمن تشبيهه بإقعاء الكلب، الظاهر في المعنى اللغوي، فيكون قرينة على غيره الخالي عن ذلك. مع أنه مقتضى أصالة حمل اللفظ على المعنى اللغوي حتى يثبت النقل أو التجوز. و فيه: أن وضع اليدين على الأرض إذا لم يكن معتبراً في هذا المعنى فالمعنى المنسوب الى الفقهاء أشبه بإقعاء الكلب من المعنى المذكور. إذ الكلب يفترش ساقيه و فخذيه‌

 

405
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 يكره نفخ موضع السجود ج‌6 ص 406

[ (مسألة 2): يكره نفخ موضع السجود]

(مسألة 2): يكره نفخ موضع السجود (1) إذا لم ضرورة- كما في الجواهر و تقدم عن كشف اللثام و يعتمد على يديه، و الإقعاء بهذا المعنى خال عنهما معاً.

نعم إذا اعتبر فيه الاعتماد على اليدين كان مشابهاً له من هذه الجهة مخالفاً له من الأخرى، عكس المعنى السابق. بل في السابق جهة شبه أخرى، و هي أن الكلب إذا أقعى رفع نفسه و اعتلى، و المقعي على عقبيه كذلك. و لعل الوجه في التشبيه ذلك، فلا يصلح قرينة على صرف اللفظ عن المعنى المتفق عليه النص و الفتوى الى هذا المعنى. و لا سيما و هناك معان أخرى، مثل ما عن ابن عمر أنه كان يقعي، و قالوا معناه أنه كان يضع يديه بالأرض بين السجدتين فلا يفارقان الأرض حتى يعيد السجود، و عن الراوندي أن ذلك هو معنى الإقعاء. و عن بعض علمائنا أنه عبارة عن أن يعتمد على عقبيه و يجعل يديه على الأرض. و من الجائز أن يكون المراد أحد هذين المعنيين فكيف يحكم بإرادة المعنى اللغوي بمجرد تشبيهه بإقعاء الكلب؟! و لا سيما و أنه- كما في الجواهر- جلسة القرفصاء، التي هي إحدى جلسات النبي (ص) و أفضل الجلوس في النافلة و غيرها مما يصلى من جلوس، و أفضل جلوس المرأة. و أما أصالة الحمل على المعنى اللغوي فلا مجال لها بعد ما عرفت من الاتفاق و النصوص. و اللّه سبحانه أعلم.

كما عن جماعة التصريح به. و في المنتهى: «ذهب إليه علماؤنا»‌

لصحيح ابن مسلم عن أبي عبد اللّه (ع): «قلت له: الرجل ينفخ في الصلاة موضع جبهته؟ فقال (ع): لا» «1»‌

، و‌

في حديث الأربعمائة عن علي (ع): «لا ينفخ الرجل في موضع سجوده» «2»‌

، و في خبر‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب السجود حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب السجود حديث: 9.

 

406
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 يكره نفخ موضع السجود ج‌6 ص 406

يتولد حرفان. و إلا فلا يجوز، بل مبطل للصلاة (1). و كذا يكره عدم رفع اليدين من الأرض بين السجدتين (2).

[ (مسألة 3): يكره قراءة القرآن في السجود]

(مسألة 3): يكره قراءة القرآن في السجود (3)، كما كان يكره في الركوع.

الحسين بن مصعب قال أبو عبد اللّه (ع): «يكره النفخ في الرقى و الطعام و موضع السجود ..» «1»‌

الى غير ذلك. لكن‌

في صحيح ليث: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): الرجل يصلي فينفخ في موضع جبهته؟

فقال (ع): ليس به بأس، إنما يكره ذلك أن يؤذي من الى جانبه» «2»‌

و قريب منه خبر أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه (ع) «3»، و ظاهرهما عدم الكراهة من جهة الصلاة، فيكونان معارضين لظاهر ما سبق. و لعل الجمع يقتضي الحمل على شدة الكراهة بذلك.

لما يأتي إن شاء اللّه تعالى في مبطلية الكلام.

للمروي عن مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي صاحب الرضا (ع): «سألته عن الرجل يسجد ثمَّ لا يرفع يديه من الأرض، بل يسجد الثانية، هل يصلح له ذلك؟ قال (ع): ذلك نقص في الصلاة» «4».

و ظاهر السؤال و الجواب مرجوحيته لنفسه، فيحمل على الكراهة، للإجماع. و لو حمل على عدم تمامية الجلوس المعتبر في الصلاة، كان مانعاً لذلك.

ففي خبر القاسم بن سلام عن النبي (ص): «إني قد نهيت‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب السجود حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب السجود حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 7 من أبواب السجود حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 25 من أبواب السجود: حديث: 1.

 

407
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 4 الأحوط عدم ترك جلسة الاستراحة ج‌6 ص 408

[ (مسألة 4): الأحوط عدم ترك جلسة الاستراحة]

(مسألة 4): الأحوط عدم ترك جلسة الاستراحة، و هي الجلوس بعد السجدة الثانية في الركعة الأولى و الثالثة مما لا تشهد فيه، بل وجوبها لا يخلو عن قوة (1).

عن القراءة في الركوع و السجود، فاما الركوع فعظموا اللّه تعالى فيه، و أما السجود فأكثروا فيه الدعاء» «1»‌

، و‌

في خبر أبي البختري: «إن عليا (ع) كان يقول: لا قراءة في ركوع و لا سجود» «2»‌

، و‌

في خبر السكوني: «سبعة لا يقرؤن القرآن: الراكع، و الساجد، و في الكنيف، و في الحمام، و الجنب، و النفساء و الحائض» «3».

لكن في جملة من النصوص التفصيل بينه و بين الركوع،

كخبر على بن جعفر: «عن الرجل قرأ في ركوعه من سورة غير السورة التي كان يقرؤها، قال (ع): إن كان فرغ فلا بأس في السجود و أما في الركوع فلا يصلح» «4»‌

، و نحوه غيره. و الجمع يقتضي الحمل على خفة الكراهة.

كما في الانتصار، و عن الناصريات، و قد يستظهر أو يستشعر من عبارات المقنعة، و رسالة ابن بابويه، و المراسم، و ابن أبي عقيل، و ابن الجنيد، و السرائر، و مال إليه في كشف اللثام، و الحدائق. للإجماع الذي احتج به السيد. و‌

لموثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا رفعت رأسك في السجدة الثانية من الركعة الأولى حين تريد أن تقوم، فاستو جالساً ثمَّ قم» «5»‌

، و المروي‌

عن كتاب زيد النرسي عن أبي الحسن‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب الركوع حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب الركوع حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 47 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 8 من أبواب الركوع حديث: 6.

(5) الوسائل باب: 5 من أبواب السجود حديث: 3.

 

408
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 4 الأحوط عدم ترك جلسة الاستراحة ج‌6 ص 408

.....

عليه السلام: «إذا رفعت رأسك من آخر سجدتك في الصلاة قبل أن تقوم فاجلس جلسة، ثمَّ بادر بركبتيك إلى الأرض قبل يديك، و ابسط يديك بسطاً، و اتّك عليهما، ثمَّ قم، فان ذلك وقار المؤمن الخاشع لربه، و لا تطش من سجودك مبادراً الى القيام، كما يطيش هؤلاء الأقشاب» «1»‌

و‌

في صحيح عبد الحميد بن عواض: «انه رأى أبا عبد اللّه (ع) إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولى جلس حتى يطمئن ثمَّ يقوم» «2»‌

و‌

المروي عن الخصال عن أبي بصير و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه (ع) عن آبائه عن أمير المؤمنين (ع): «اجلسوا في الركعتين حتى تسكن جوارحكم، ثمَّ قوموا، فان ذلك من فعلنا» «3»‌

، و‌

في مصحح أبي بصير: «و إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك حتى ترجع مفاصلك، و إذا سجدت فاقعد مثل ذلك، و إذا كان في الركعة الاولى و الثالثة فرفعت رأسك من السجود فاستتم جالساً حتى ترجع مفاصلك. فاذا نهضت فقل: بحول اللّه و قوته أقوم و أقعد، فإن علياً (ع) هكذا كان يفعل» «4»‌

، و‌

خبر الأصبغ: «كان أمير المؤمنين (ع) إذا رفع رأسه من السجود قعد حتى يطمئن، ثمَّ يقوم، فقيل له: يا أمير المؤمنين (ع) كان من قبلك أبو بكر و عمر إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نهضوا على صدور أقدامهم كما تنهض الإبل، فقال أمير المؤمنين (ع): إنما يفعل ذلك أهل الجفاء من الناس، إن هذا من توقير الصلاة» «5».

______________________________
(1) مستدرك الوسائل باب: 5 من أبواب السجود حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب السجود حديث: 1.

(3) مستدرك الوسائل باب: 5 من أبواب السجود حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 9.

(5) الوسائل باب: 5 من أبواب السجود حديث: 5.

 

409
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 5 لو نسيها رجع إليها ج‌6 ص 410

[ (مسألة 5): لو نسيها رجع إليها]

(مسألة 5): لو نسيها رجع إليها، ما لم يدخل في الركوع (1).

هذا و قد يعارض ذلك كله‌

بموثق زرارة: «رأيت أبا جعفر (ع) و أبا عبد اللّه (ع) إذا رفعا رؤوسهما من السجدة الثانية نهضا و لم يجلسا» «1»‌

و فيه: أنه لا ريب في رجحان الجلوس، فمواظبتهما (ع) على الترك لا بد أن تكون لعذر وراء الواقع، فلا يدل على عدم الوجوب. مع أنه معارض بصحيح عبد الحميد السابق. و مثله في الاشكال الاستدلال‌

بخبر رحيم: «قلت لأبي الحسن الرضا (ع): جعلت فداك أراك إذا صليت رفعت رأسك من السجود في الركعة الاولى و الثالثة و تستوي جالساً ثمَّ تقوم، فنصنع كما تصنع؟ قال (ع): لا تنظروا إلى ما أصنع أنا، اصنعوا ما تؤمرون» «2»‌

، إذ بعد رجحان الجلوس جزماً لا بد أن يكون الأمر بالترك لعذر كما سبق.

نعم تمكن المناقشة في أدلة الوجوب بمنع الإجماع. و بأن الأمر بالاستواء جالسا في الموثق وارد مورد توهم عدم المشروعية، كما يظهر من ملاحظة النصوص و غيرها. أو هو محمول على الاستحباب، بقرينة ما بعده مما تضمن أنه وقار المؤمن الخاشع «3»، أو أنه من توقير الصلاة «4»، أو أن ذلك من فعلهم (ع) «5»، أو من فعل علي (ع) «6» مما هو ظاهر في الاستحباب. و كأنه لذلك كان هو مذهب الأكثر، أو المشهور بل عن كشف الحق، و تلخيص الخلاف الإجماع عليه.

كما هو الحال في الأجزاء المنسية إذا ذكرت قبل الدخول في‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب السجود حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب السجود حديث: 6.

(3) كما في الحديث المروي من كتاب زيد النرسي المتقدم في الصفحة السابقة.

(4) كما في خبر الأصبغ المتقدم في الصفحة السابقة.

(5) كما في خبر الخصال المتقدم في صدر هذه التعليقة.

(6) كما في مصحح ابي بصير المتقدم في صدر هذه التعليقة.

 

410
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في سائر أقسام السجود ج‌6 ص 411

[فصل في سائر أقسام السجود]

فصل في سائر أقسام السجود‌

[ (مسألة 1): يجب السجود للسهو]

(مسألة 1): يجب السجود للسهو، كما سيأتي مفصلا في أحكام الخلل.

[ (مسألة 2): يجب السجود على من قرأ إحدى آياته]

(مسألة 2): يجب السجود على من قرأ إحدى آياته (1) الركن و اللّه سبحانه أعلم.

فصل في سائر أقسام السجود إجماعا. كما عن الشيخ، و العلامة، و الشهيد، و المحقق الثاني، و السيد في المدارك، و الفاضل الأصبهاني، و المحدث البحراني، و غيرهم.

قال في الذكرى: «يجب منها- يعني من السجدات- أربع و هي: الم تنزيل، و فصلت، و النجم، و اقرأ. لوجوه خمسة: أحدها: إجماع العترة المرضية، و إجماعهم حجة». و يشهد له جملة من النصوص،

كصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع): «عن الرجل يعلّم السورة من العزائم فتعاد عليه مراراً في المقعد الواحد، قال (ع): عليه أن يسجد كلما سمعها، و على الذي يعلّمه أيضاً أن يسجد» «1»‌

و‌

صحيح الحلبي المروي عن المستطرفات: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): يقرأ الرجل السجدة و هو على غير وضوء، قال (ع): يسجد إذا كانت من العزائم» «2»‌

و‌

في صحيح داود بن سرحان المروي عن الخصال عن أبي عبد اللّه (ع): «إن‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 45 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة القرآن حديث: 6.

 

411
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 يجب السجود على من قرأ إحدى آياته ج‌6 ص 411

الأربع في السور الأربع، و هي الم تنزيل، عند قوله (وَ هُمْ لٰا يَسْتَكْبِرُونَ)، و حم فصلت، عند قوله (تَعْبُدُونَ)، و النجم، و العلق- و هي سورة اقرأ باسم-، عند ختمهما (1)

العزائم الأربع: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، و النجم، و تنزيل السجدة، و حم السجدة» «1»‌

، و نحوها غيرها.

كما عن جماعة التصريح به، مرسلين له إرسال المسلمات، و في الحدائق: «ظاهرهم الاتفاق عليه»، و في مفتاح الكرامة: «صرح جمهور علمائنا بأن مواضع السجود في الأربع آخر الآية»، و في المعتبر عن الخلاف «موضع السجود في حم السجدة عند قوله تعالى (وَ اسْجُدُوا لِلّٰهِ الَّذِي) و قال في المبسوط عند قوله تعالى (إِنْ كُنْتُمْ إِيّٰاهُ تَعْبُدُونَ) و الأول أولى».

لكن رده في الذكرى بأن ظاهر الخلاف أنه عند آخر الآية، لأنه ذكر في أول المسألة أن موضوعه عند قوله تعالى (وَ اسْجُدُوا لِلّٰهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيّٰاهُ تَعْبُدُونَ) ثمَّ قال: «و أيضاً قوله (وَ اسْجُدُوا لِلّٰهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ) أمر، و الأمر يقتضي الفور عندنا، و ذلك يقتضي السجود عقيب الآية، و من المعلوم أن آخر الآية (تَعْبُدُونَ)»، ثمَّ ذكر: أنه لا خلاف بين المسلمين في ذلك، و أن ما ذكره لا قائل به. و إن احتج بالفور، قلنا: هذا القدر لا يخل بالفور، و إلا لزم وجوب السجود في باقي آي العزائم عند صيغة الأمر، و حذف ما بعده من اللفظ. و لم يقل به أحد. انتهى، و في الحدائق: «لا يخفى أن ظواهر الأخبار التي قدمنا هو السجود عند ذكر السجدة. لتعلق السجود في جملة منها على سماع السجدة، أو قراءتها، أو استماعها. و المتبادر منها هو لفظ السجدة، و الحمل على تمام الآية يحتاج الى تقدير .. الى أن قال: إلا أن الخروج‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 42 من أبواب قراءة القرآن حديث: 7.

 

412
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 يجب السجود على من قرأ إحدى آياته ج‌6 ص 411

و كذا يجب على المستمع لها (1). بل السامع، على الأظهر (2) عما ظاهرهم الاتفاق عليه مشكل».

أقول: حمل السجدة على لفظ السجدة- حتى لا يلزم التقدير من جعلها موضوعا للقراءة و الاستماع- مما لا يمكن لعدم وجود هذه اللفظة في آيات السجود، و إنما الموجود فيها أحد المشتقات من مادة السجود.

مضافا الى أنه خلاف ظاهر جملة منها، مثل‌

مصحح الحلبي: «عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة. قال (ع): يسجد ..» «1»‌

و‌

في خبر وهب: «إذا كان آخر السورة السجدة أجزأك أن تركع بها» «2»‌

و نحوهما غيرهما مما يعين كون المراد من السجدة الآية التي يجب السجود بقراءتها. و مثله في الاشكال الاستدلال المتقدم بأن الأمر بالسجود للفور.

إذ المراد به الأمر الذي تضمنته الآية، و هو إن اقتضى وجوب السجود فوراً، لم يتوقف على القراءة، و لا يكون مما نحن فيه، فان الأمر بالسجود فيما نحن فيه هو ما تضمنته النصوص عند قراءة الآية. كما لا يخفى. و كيف كان فالعمدة فيما ذكر في المتن- مضافا الى دعوى الاتفاق، و الى‌

موثق سماعة: «من قرأ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، فاذا ختمها فليسجد» «3»‌

- أصالة البراءة من وجوب السجود قبل انتهاء الآية.

لكن قد يشكل بأنه لو عزم على إتمامها يعلم إجمالا بأنه إما يجب السجود عليه فعلا، أو بعد الإتمام. فيجب الاحتياط. و يدفعه أن الشك ليس في تعيين الواجب، بل في وجوب السجود بقراءة بعض الآية.

إجماعا. كما في القارئ و النصوص به وافية. و سيأتي بعضها.

كما عن السرائر، و جامع المقاصد، و المسالك، و غيرها. بل في‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 37 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 37 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 37 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

 

413
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 يجب السجود على من قرأ إحدى آياته ج‌6 ص 411

.....

الحدائق: «عليه الأكثر»، و عن السرائر الإجماع على إطلاق القول بالوجوب على القارئ و السامع.

و استدل له بإطلاق جملة من النصوص المتضمنة للأمر بالسجود بالسماع‌

كخبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا قرئ بشي‌ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد و ان كنت على غير وضوء ..» «1»‌

، و‌

خبر ابن جعفر عن أخيه (ع): «عن الرجل يكون في صلاة جماعة فيقرأ إنسان السجدة كيف يصنع؟ قال (ع): يومئ برأسه إيماء» «2»‌

، و نحوهما غيرهما. و عن الشيخ و جماعة- منهم المحقق و العلامة في جملة من كتبه- العدم. و استدل له‌

بصحيح عبد اللّه بن سنان قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل سمع السجدة تقرأ قال (ع): لا يسجد، إلا أن يكون منصتاً لقراءته مستمعاً لها، أو يصلي بصلاته. فأما أن يكون يصلي في ناحية و أنت تصلي في ناحية أخرى فلا تسجد لما سمعت» «3».

فيقيد به إطلاق ما سبق. و نوقش فيه بضعف السند، لأن فيه محمد بن عيسى عن يونس، و قد استثناه القميون من كتاب نوادر الحكمة. و بما في متنه حيث تضمن قراءة الإمام للعزيمة، الممنوع عنه. و بالتفصيل فيه بين المأموم السامع و غيره، و لم يقل به أحد. و عمومه للعزيمة و غيرها، فيعارض بما سبق- مما دل بإطلاقه على وجوبه على السامع في العزيمة- بالعموم من وجه. و الترجيح للأخير، و للشهرة، و موافقته لإجماع السرائر.

و يمكن دفعه بأن استثناء القميين قد أنكره جماعة من القدماء و المتأخرين كما يظهر من ملاحظة كتب الرجال. و اشتمال الخبر على ما ذكر مما لا نقول‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 42 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 43 من أبواب قراءة القرآن حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 43 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.

 

414
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 يجب السجود على من قرأ إحدى آياته ج‌6 ص 411

و يستحب في أحد عشر موضعاً: (1) في الأعراف عند قوله:

(وَ لَهُ يَسْجُدُونَ) و في الرعد عند قوله (وَ ظِلٰالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصٰالِ)، و في النحل عند قوله (وَ يَفْعَلُونَ مٰا يُؤْمَرُونَ) به، غير قادح في حجيته في غيره. و المعارضة و إن كانت بالعموم من وجه، إلا أن المرجع في مورد المعارضة أصالة البراءة، لا المرجحات، كما حرر في محله. و إجماع السرائر موهون في نفسه، معارض بالإجماع المحكي عن الخلاف، و بما في التذكرة، قال فيها: «أما السامع غير القاصد للسماع فيستحب في حقه في الجميع، عندنا، للأصل .. الى أن قال:

و قال أبو حنيفة: يجب على السامع ..». و أما حمل الخبر على التقية. فهو- مع أنه إنما يكون بعد تعذر الجمع العرفي- غير ظاهر، لحكاية القول بالوجوب عن جماعة من العامة، منهم أبو حنيفة.

نعم قد يشكل إطلاق الصحيح بنحو يشمل غير المصلي، لما في ذيله من‌

قوله (ع): «فأما أن يكون ..»‌

، فإنه إما ظاهر في كونه بياناً من المستثنى منه بعد الاستثناء فيختص بالمصلي، أو صالح للقرينية على ذلك فلا يبقى للصدر إطلاق يشمل غيره، و حينئذ لا مجال لرفع اليد عن إطلاق ما دل على وجوب السجود للسامع بالإضافة الى غير المصلي، و لم يثبت عدم الفصل بين المصلي و غيره كي يتعدى من أحدهما إلى الآخر، كما قد يشكل البناء على الاستحباب- بناء على التقييد- لعدم الدليل عليه بعد حمل النصوص على المستمع. اللهم إلا أن يستفاد من الاتفاق على رجحانه كما في ظاهر الذكرى، قال: «و لا شك عندنا في استحبابه على تقدير عدم الوجوب»، أو يحمل النهي على نفي الوجوب لا غير فتأمل.

أما عدم الوجوب فيدل عليه- مضافا الى الإجماع المتقدم،

 

415
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 يجب السجود على من قرأ إحدى آياته ج‌6 ص 411

 

و في بني إسرائيل عند قوله (وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً)، و في مريم عند قوله (خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا)، و في سورة الحج في موضعين عند قوله (إِنَّ اللّٰهَ يَفْعَلُ مٰا يَشٰاءُ)، و عند قوله (افْعَلُوا الْخَيْرَ) و في الفرقان عند قوله (وَ زٰادَهُمْ نُفُوراً)، و في النمل عند قوله (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)، و في ص عند قوله (وَ خَرَّ رٰاكِعاً وَ أَنٰابَ)، و في الإنشقاق عند قوله (وَ إِذٰا قُرِئَ).

بل الأولى السجود عند كل آية فيها أمر بالسجود (1).

و الى مفهوم الشرط في بعض النصوص المتقدمة و غيرها- ما‌

في خبر أبي بصير السابق: «و سائر القرآن أنت بالخيار، إن شئت سجدت، و إن شئت لم تسجد» «1»‌

، و‌

خبر عبد اللّه بن سنان المروي عن مجمع البيان عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «العزائم الم تنزيل، و حم السجدة، و النجم و اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، و ما عداها في جميع القرآن مسنون و ليس بمفروض» «2»‌

و أما المشروعية فيدل عليها- مضافا الى ذلك كله-

النبوي الذي رواه جماعة من أصحابنا، منهم العلامة في التذكرة و الشهيد في الذكرى عن عبد اللّه ابن عمرو بن العاص: «أقرأني رسول اللّه (ص) خمس عشرة سجدة:

منها ثلاث في المفصل، و سجدتان في الحج» «3»‌

، هذا و ما في المتن من بيان مواقعها من السور حكى عليه الإجماع صريحاً و ظاهراً جماعة، كما أن ما فيه من بيان مواقعها من الآيات ذكره غير واحد من الأصحاب، منهم العلامة في التذكرة، مرسلين له إرسال المسلمات، و الظاهر أنه كذلك.

كما عن الصدوقين، و بعض المتأخرين. و يشهد له ما في صحيح‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 42 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 43 من أبواب قراءة القرآن حديث: 9.

(3) الذكرى: المسألة الاولى من مسائل سجدة التلاوة من كتاب الصلاة.

 

416
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 يختص الوجوب و الاستحباب بالقارئ و المستمع ج‌6 ص 417

[ (مسألة 3): يختص الوجوب و الاستحباب بالقارئ و المستمع]

(مسألة 3): يختص الوجوب و الاستحباب بالقارئ و المستمع، و السامع للآيات (1)، فلا يجب على من كتبها، أو تصورها، أو شاهدها مكتوبة، أو أخطرها بالبال (2).

[ (مسألة 4): السبب مجموع الآية]

(مسألة 4): السبب مجموع الآية فلا يجب بقراءة بعضها (3) و لو لفظ السجدة منها.

[ (مسألة 5): وجوب السجدة فوري]

(مسألة 5): وجوب السجدة فوري (4)، فلا يجوز‌

ابن مسلم: «كان علي بن الحسين (ع) يعجبه أن يسجد في كل سورة فيها سجدة» «1»‌

و‌

خبر العلل: «إن أبي علي بن الحسين (ع) ما ذكر نعمة للّه عليه إلا سجد، و لا قرأ آية من كتاب اللّه تعالى عز و جل فيها سجدة إلا سجد» «2»‌

، و لعل ما ذكره الأصحاب من انحصار مواضع السجود بما ذكر من المواضع يراد به مواضع الاستحباب بالخصوص، فلا ينافي عموم الاستحباب لغيرها.

أما ثبوت الاستحباب للقارئ فهو المتيقن من النص و الفتوى، و أما للمستمع و السامع فيقتضيه- مضافا الى الإجماع- ما في خبر أبي بصير «3» فان مورده السماع.

بلا خلاف ظاهر و لا إشكال، للأصل.

للأصل و غيره، كما عرفت في أول المبحث.

عند أصحابنا كما عن جامع المقاصد، و عليه الإجماع كما عن المدارك و في الحدائق: «لا خلاف في فوريتها، و نقلوا الإجماع على ذلك» و يشهد‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 44 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 44 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 42 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.

 

417
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 5 وجوب السجدة فوري ج‌6 ص 417

التأخير. نعم لو نسيها أتى بها إذا تذكر (1)، بل و كذلك لو تركها عصياناً.

[ (مسألة 6): لو قرأ بعض الآية و سمع بعضها الآخر]

(مسألة 6): لو قرأ بعض الآية و سمع بعضها الآخر فالأحوط الإتيان بالسجدة (2).

له النصوص المانعة عن قراءة العزائم في الفريضة «1»، معللا في بعضها بأن السجود زيادة في المكتوبة «2»، و في بعضها الأمر بالإيماء لو سمعها «3» نعم‌

في موثق عمار عن أبي عبد اللّه (ع): «في الرجل يسمع السجدة في الساعة التي لا يستقيم الصلاة فيها، قبل غروب الشمس، و بعد صلاة الفجر. فقال (ع): لا يسجد» «4»‌

لكن لا مجال للعمل به بعد مخالفته للإجماعات، فيتعين حمله على غير العزيمة لما سبق، مع أن في ثبوت الإطلاق له إشكالا.

إجماعا، و يقتضيه‌

صحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع): «عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتى يركع و يسجد، قال (ع): يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم» «5»‌

، مضافا الى استصحاب الوجوب و الفورية، و احتمال أنه من الموقت لا يقدح في جريان الاستصحاب كما حررناه في محله، و كذا الحال في العصيان.

لاحتمال استفادة كون موضوع الحكم الجامع بين القراءة و السماع اللهم إلا أن يكون المستفاد الجامع بالنسبة إلى تمام الآية لا بالنسبة الى كل‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 40 من أبواب القراءة في الصلاة.

(2) الوسائل باب: 40 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 43 من أبواب قراءة القرآن حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 40 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 39 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

 

418
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 7 إذا قرأها غلطا أو سمعها ممن قرأها غلطا فالأحوط السجدة أيضا ج‌6 ص 419

[ (مسألة 7): إذا قرأها غلطاً، أو سمعها ممن قرأها غلطاً فالأحوط السجدة أيضاً]

(مسألة 7): إذا قرأها غلطاً، أو سمعها ممن قرأها غلطاً فالأحوط السجدة أيضاً (1).

[ (مسألة 8): يتكرر السجود مع تكرر القراءة]

(مسألة 8): يتكرر السجود مع تكرر القراءة أو السماع أو الاختلاف (2)، بل و إن كان في زمان واحد بأن قرأها جماعة أو قرأها شخص حين قراءته على الأحوط (3).

[ (مسألة 9): لا فرق في وجوبها بين السماع من المكلف أو غيره كالصغير و المجنون]

(مسألة 9): لا فرق في وجوبها بين السماع من المكلف أو غيره كالصغير و المجنون (4) إذا كان قصدهما قراءة القرآن.

[ (مسألة 10): لو سمعها في أثناء الصلاة أو قرأها أومأ للسجود و سجد بعد الصلاة و أعادها]

(مسألة 10): لو سمعها في أثناء الصلاة أو قرأها أومأ للسجود و سجد بعد الصلاة و أعادها (5).

جزء من أجزاءها، فالمرجع الأصل.

لاحتمال شمول النصوص لذلك، لكن الأظهر اختصاصها بالقراءة على النهج العربي فلا يشمل مثل ذلك.

كما صرح به غير واحد منهم الشهيد في الذكرى، و يقتضيه- مضافا الى أصالة عدم التداخل- صحيح ابن مسلم المتقدم في أول الفصل لكن في ظهوره في التكرار و لو مع عدم تخلل السجود إشكال.

لاحتمال أن يكون سماع كل قراءة سبباً و إن اتحد السماع، أو أن كل مرتبة من السماع سبب و إن اجتمعت في وجود واحد، لكنه ضعيف و لا سيما الاحتمال الأخير. هذا في الفرض الأول، و أما في الفرض الثاني فالأظهر التكرار لتعدد السبب خارجا الموجب لتعدد المسبب، كما هو مبنى أصالة عدم التداخل.

للإطلاق.

كما تقدم في مبحث قراءة العزائم، و تقدم منا أن حكمه الإيماء‌

 

419
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 11 إذا سمعها أو قرأها في حال السجود يجب رفع الرأس منه ج‌6 ص 420

[ (مسألة 11): إذا سمعها أو قرأها في حال السجود يجب رفع الرأس منه]

(مسألة 11): إذا سمعها أو قرأها في حال السجود يجب رفع الرأس منه ثمَّ الوضع (1)، و لا يكفي البقاء بقصده بل و لا الجر إلى مكان آخر.

[ (مسألة 12): الظاهر عدم وجوب نيته حال الجلوس]

(مسألة 12): الظاهر عدم وجوب نيته حال الجلوس أو القيام ليكون الهوي إليه بنيته، بل يكفي نيته قبل وضع الجبهة بل مقارناً له (2).

[ (مسألة 13): الظاهر أنه يعتبر في وجوب السجدة كون القراءة بقصد القرآنية]

(مسألة 13): الظاهر أنه يعتبر في وجوب السجدة كون القراءة بقصد القرآنية (3)، فلو تكلم شخص بالآية لا بقصد القرآنية لا يجب السجود بسماعه، و كذا لو سمعها ممن قرأها حال النوم (4)، أو سمعها من صبي غير مميز بل و كذا لو سمعها من صندوق حبس الصوت و إن كان الأحوط السجود في الجميع.

و إتمام الصلاة لا غير، للنصوص المتضمنة لذلك.

لما عرفت الإشارة إليه من أن المنصرف من أدلة وجوب السجود الحدوثي كما في الركوع و السجود الصلاتي.

لتحقق السجود الحدوثي بذلك، و الهوى مقدمة.

لتوقف قراءة القرآن على ذلك كما سبق في تعيين البسملة و غيره.

يمكن دعوى كون النائم و المجنون قاصدين، غاية الأمر أنه لا يعول على قصدهما في الثواب و العقاب و بعض الأعمال، و كون المقام منها أول الكلام، و أما صندوق الحبس فيحتمل الوجوب فيه أيضاً إذا كان المسموع فيه عين الصوت لا مثاله.

 

420
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 يعتبر في السماع تمييز الحروف و الكلمات ج‌6 ص 421

[ (مسألة 14): يعتبر في السماع تمييز الحروف و الكلمات]

(مسألة 14): يعتبر في السماع تمييز الحروف و الكلمات (1) فمع سماع الهمهمة لا يجب السجود و إن كان أحوط.

[ (مسألة 15): لا يجب السجود لقراءة ترجمتها أو سماعها]

(مسألة 15): لا يجب السجود لقراءة ترجمتها (2) أو سماعها، و إن كان المقصود ترجمة الآية.

[ (مسألة 16): يعتبر في هذا السجود بعد تحقق مسماه مضافا إلى النية إباحة المكان]

(مسألة 16): يعتبر في هذا السجود بعد تحقق مسماه مضافا إلى النية (3)- إباحة المكان (4) و عدم علو المسجد بما يزيد على أربعة أصابع (5)، و الأحوط وضع سائر المساجد و وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه (6) و لا يعتبر فيه ليكون سماعا للآية، إذ لو لا ذلك يكون سامعاً لبعضها لا غير.

لخروجها عن موضوع السببية.

لكون السجود الواجب عبادة قطعاً، فيعتبر فيه ما يعتبر في العبادة من النية، على ما سبق في الصلاة و غيرها.

على ما تقدم في الصلاة.

لإطلاق الصحيح «1» الدال عليه الشامل للمقام. و دعوى انصرافه الى خصوص سجود الصلاة ممنوعة، مضافا الى ما قيل من انصراف إطلاق الأدلة في المقام إلى خصوصية الكيفية المعتبرة في سجود الصلاة، و إن كان هو ضعيفاً.

لأن ما تضمن أن السجود على سبعة أعظم «2»، و أن السجود لا يجوز إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض «3» و إن كان عاما لسجود‌

______________________________
(1) المتقدم في المورد السابع من واجبات السجود.

(2) تقدم في المورد الأول من واجبات السجود.

(3) تقدم في الجزء الخامس من المستمسك صفحة: 487.

 

421
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 يعتبر في هذا السجود بعد تحقق مسماه مضافا إلى النية إباحة المكان ج‌6 ص 421

الطهارة من الحدث و لا من الخبث (1)، فتسجد الحائض وجوبا عند سببه، و ندبا عند سبب الندب، و كذا الجنب، التلاوة لكنه محتمل الانصراف الى خصوص الصلاة. فتأمل.

هذا و لا يظهر الفرق بين هذين و ما سبقهما بحيث يستتبع الجزم به و التوقف فيهما، لاتحاد ألسنة الأدلة من حيث شمولها للمقام و انصرافها الى خصوص السجود الصلاتي، من حيث إطلاق دليلها، أو انصرافه الى خصوص المشتمل على تلك الكيفية المعتبرة في سجود الصلاة، و لذا عدّها غير واحد منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد في سلك واحد فتوقف في اعتبارها، و هو في محله.

نعم قد يستفاد من صحيح الحلبي الآتي في الاستقبال عدم اعتبار وضع المساجد، كما أنه قد يستفاد من دليله كونه من الواجبات في عرض وضع الجبهة، فيكون من الواجبات الصلاتية، و لا سيما بملاحظة ما ورد في الإرغام من‌

قولهم (ع): «لا تجزي صلاة ..» «1»‌

بخلاف الأخيرين فإن الظاهر من دليلهما كونهما من قيود السجود، و لعله بذلك يفترق هو عنهما فيما نحن فيه. و أما الإجماع على عدم تدارك السجود لو فقد واحداً منها و ذكر بعد رفع الرأس فلا يدل على شي‌ء في المقام، لجواز كون اعتبارها قيداً للسجود في حال الالتفات لا غير.

في المنتهى: «عليه فتوى علمائنا». و يشهد له- مضافا الى الأصل- جملة من النصوص‌

كخبر أبي بصير المتقدم: «إذا قرئ بشي‌ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد و ان كنت على غير وضوء، و إن كنت جنباً، و ان كانت المرأة لا تصلي» «2»‌

، و‌

صحيح الحذاء: «عن الطامث‌

______________________________
(1) تقدم في المورد الخامس من مستحبات السجود.

(2) الوسائل باب: 42 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.

 

422
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 يعتبر في هذا السجود بعد تحقق مسماه مضافا إلى النية إباحة المكان ج‌6 ص 421

و كذا لا يعتبر فيه الاستقبال (1)،

تسمع السجدة. قال (ع): إن كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها» «1»‌

و‌

صحيح الحلبي: «يقرأ الرجل السجدة و هو على غير وضوء، قال (ع):

يسجد إذا كانت من العزائم» «2»‌

، و نحوها غيرها، و من نصوص الحائض قد يستفاد حكم الخبث لملازمتها غالباً له.

نعم‌

في صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه (ع): «سألته عن الحائض هل تقرأ القرآن و تسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟

قال (ع): تقرأ و لا تسجد» «3»‌

، و‌

عن الاستبصار روايته: «لا تقرأ و لا تسجد» «4»‌

، و‌

في خبر غياث: «و لا تسجد إذا سمعت السجدة» «5»‌

، و عن المنتقى حملهما على غير العزائم لعمومهما و اختصاص ما سبق بالعزائم، و عن الشيخ حملهما على الرخصة في الترك فيحمل ما سبق على الاستحباب، و في الوسائل احتمال حملهما على الإنكار أو على التقية، و الأول أوفق بالجمع العرفي، و عليه يمكن حمل النهي على الكراهة العبادية لصراحة خبر أبي بصير بجواز فعل المندوبة للحائض. و أما ما في النهاية:

من أن الحائض إذا سمعت سجدة القرآن لا يجوز لها أن تسجد، و ما في المقنعة: من أنه لا يجوز السجود إلا لطاهر من النجاسات، و ما عن كتاب أحكام النساء: «من سمع موضع السجود فان لم يكن طاهراً فليومئ بالسجود إلى القبلة إيماء» فدليله غير ظاهر في قبال ما عرفت.

عندنا كما في كشف اللثام، و ظاهر التذكرة، و في المنتهى نسبة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 36 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 42 من أبواب قراءة القرآن حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 36 من أبواب الحيض حديث: 4.

(4) الاستبصار ج 1 صفحة: 320 حديث: 1193.

(5) الوسائل باب: 36 من أبواب الحيض حديث: 5.

 

423
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 يعتبر في هذا السجود بعد تحقق مسماه مضافا إلى النية إباحة المكان ج‌6 ص 421

و لا طهارة موضع الجبهة، و لا ستر العورة (1) فضلا عن صفات الساتر من الطهارة و عدم كونه حريراً أو ذهباً أو جلد ميتة. نعم يعتبر أن لا يكون لباسه مغصوبا إذا كان السجود يعد تصرفا فيه (2).

 

[ (مسألة 17): ليس في هذا السجود تشهد و لا تسليم]

(مسألة 17): ليس في هذا السجود تشهد و لا تسليم (3) الخلاف الى الجمهور الظاهر في عدم مخالف فيه منا، و يقتضيه الأصل.

نعم‌

في صحيح الحلبي المروي عن العلل عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «سألته عن الرجل يقرأ السجدة و هو على ظهر دابته. قال (ع): يسجد حيث توجهت به، فان رسول اللّه (ص) كان يصلي على ناقته و هو مستقبل المدينة، يقول اللّه عز و جل فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّٰهِ» «1».

فقد يشعر بقرينة التعليل باعتبار الاستقبال فيه كالصلاة، لكن التأمل يقتضي بأنه يكفي في صحة التعليل رجحان الاستقبال فيه و إن لم يكن شرطاً، فالخروج به عن مقتضى الأصل و ظهور الإجماع غير ظاهر.

للأصل في الجميع، و التعدي من الصلاة الى المقام غير ظاهر كما عرفت.

تقدم في مسألة الوضوء من الإناء المغصوب و غيرها الإشكال في ذلك، و أن التصرف في الشي‌ء إنما ينطبق على الفعل الخارجي المتعلق به، مثل مسه، و تحريكه، و كسره، و نحو ذلك، و ليس السجود على الأرض تصرفا في الثوب الملبوس، و إنما يكون التصرف بوضع المسجد عليه لا غير.

نعم الهوي إلى السجود قد يؤدي الى التصرف في الثوب لكنه خارج عن العبادة.

عند علمائنا أجمع كما في التذكرة، و كشف اللثام، و نحوه ما عن‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 49 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.

 

424
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 17 ليس في هذا السجود تشهد و لا تسليم ج‌6 ص 424

و لا تكبيرة الافتتاح (1). نعم يستحب التكبير للرفع منه (2)، بل الأحوط عدم تركه.

[ (مسألة 18): يكفي فيه مجرد السجود]

(مسألة 18): يكفي فيه مجرد السجود فلا يجب فيه الذكر (3) جامع المقاصد و غيره للأصل و الإطلاق، و عن بعض العامة وجوبهما معاً، و عن آخر وجوب التسليم.

إجماعا عندنا كما في التذكرة و كشف اللثام كما سبق، و يشهد له‌

صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا قرأت شيئاً من العزائم التي يسجد فيها فلا تكبر قبل سجودك، و لكن تكبر حين ترفع رأسك» «1»‌

و‌

موثق سماعة: «إذا قرأت السجدة فاسجد و لا تكبر حتى ترفع رأسك» «2»‌

و نحوهما غيرهما.

للأمر به في النصوص المذكورة و غيرها المحمول على الاستحباب بقرينة‌

موثق عمار أنه: «سئل أبو عبد اللّه (ع) عن الرجل إذا قرأ العزائم كيف يصنع؟ قال (ع): ليس فيها تكبير إذا سجدت و لا إذا قمت، و لكن إذا سجدت قلت ما تقول في السجود» «3»‌

، و منه يظهر ضعف ما عن محتمل مجالس الصدوق، و المبسوط، و الخلاف، و جامع الشرائع، و الذكرى، و البيان، و غيرها: من الوجوب، بل قيل قد يظهر من بعضها قال في الذكرى: «لا يجب فيها ذكر و لا تكبير فيها إلا بالرفع»، و ظاهره الوجوب.

إجماعا كما في المستند، و يعضده التصريح باستحبابه في كلام جماعة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 42 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 42 من أبواب قراءة القرآن حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 46 من أبواب قراءة القرآن حديث: 3.

 

425
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 يعتبر في هذا السجود بعد تحقق مسماه مضافا إلى النية إباحة المكان ج‌6 ص 421

.....

مرسلين له إرسال المسلمات، و عدم نقل القول بوجوبه من أحد. نعم قد يظهر من الأمر به في كلام غير واحد البناء على وجوبه، لكن لا يبعد الحمل على الاستحباب للأصل و عدم الدليل على الوجوب. نعم‌

في صحيح أبي عبيدة الحذاء عن أبي عبد اللّه (ع): «قال: إذا قرأ أحدكم السجدة من العزائم فليقل في سجوده. سجدت لك تعبداً و رقا، لا مستكبراً عن عبادتك، و لا مستنكفاً، و لا مستعظما، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير» «1»‌

و‌

عن الفقيه: «روي أنه يقول في سجدة العزائم: لا إله إلا اللّه حقاً حقا، لا إله إلا اللّه إيماناً و تصديقا، لا إله إلا اللّه عبودية و رقا، سجدت لك يا رب تعبداً و رقا، لا مستنكفاً، و لا مستكبراً، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير» «2»‌

، و‌

في موثق عمار: «سئل أبو عبد اللّه (ع) عن الرجل إذا قرأ العزائم .. الى أن قال (ع): و لكن إذا سجدت قلت ما تقول في السجود» «3»‌

، و‌

عن الفقيه: «و من قرأ شيئاً من العزائم الأربع فليسجد و ليقل: إلهي آمنا بما كفروا، و عرفنا منك ما أنكروا و أجبناك الى ما دعوا، إلهي فالعفو العفو» «4»‌

، و نحوه كلام غيره، و‌

في الذكرى: «روي أنه يقول في سجدة اقرأ: إلهي آمنا ..» «5»‌

الى آخر الدعاء المذكور، و ظاهر جميعها أو أكثرها و إن كان هو الوجوب لكن اختلافها مما يأبى ذلك، إذ يدور الأمر بين الحمل على وجوب الجميع المقطوع بعدمه، و الحمل على الوجوب التخييري البعيد جداً عن سياق كل واحد، فيتعين الحمل على الاستحباب.

______________________________
(1) الوسائل باب: 46 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 46 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.

(3) تقدم في التعليقة السابقة.

(4) الفقيه ج: 1 صفحة: 200 ملحق حديث: 922 طبع النجف الحديث.

(5) الذكرى: المسألة السادسة من مسائل سجدة التلاوة.

 

426
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 18 يكفي فيه مجرد السجود ج‌6 ص 425

و إن كان يستحب، و يكفي في وظيفة الاستحباب كلما كان (1) و لكن الأولى أن يقول:

«سجدت لك يا رب تعبداً و رقا، لا مستكبراً عن عبادتك و لا مستنكفاً و لا مستعظما بل أنا عبد ذليل خائف مستجير»‌

، أو يقول:

«لا إله إلا اللّه حقاً حقا لا إله إلا اللّه إيماناً و تصديقا، لا إله إلا اللّه عبودية و رقا، سجدت لك يا رب تعبداً و رقا، لا مستنكفاً و لا مستكبرا، بل أنا عبد ذليل ضعيف خائف مستجير»‌

، أو يقول:

«إلهي آمنا بما كفروا، و عرفنا منك ما أنكروا، و أجبناك إلى ما دعوا إلهي فالعفو العفو»‌

، أو يقول ما قاله النبي «ص» في سجود سورة العلق (2) و هو:

«أعوذ برضاك من سخطك، و بمعافاتك من عقوبتك، و أعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك»‌

. [ (مسألة 19): إذا سمع القراءة مكرراً]

(مسألة 19): إذا سمع القراءة مكرراً و شك بين كما يستفاد من موثق عمار بضميمة‌

خبر الدعائم: «و يدعو في سجوده بما تيسر من الدعاء» «1».

كما‌

حكي عن غوالي اللئالي أنه قال: «روي في الحديث أنه لما نزل قوله تعالى (وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ)، سجد النبي (ص) و قال في سجوده: أعوذ برضاك من سخطك ..» «2»‌

، الى آخر ما في المتن.

هذا و لا يخفى أن ظاهر الرواية أن سجوده (ص) كان سجوداً غير سجود التلاوة فلا يكون مما نحن فيه.

______________________________
(1) الوسائل باب: 35 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 39 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.

 

427
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 19 إذا سمع القراءة مكررا ج‌6 ص 427

الأقل و الأكثر يجوز له الاكتفاء في التكرار بالأقل (1). نعم لو علم العدد و شك في الإتيان بين الأقل و الأكثر وجب الاحتياط بالبناء على الأقل أيضاً (2).

[ (مسألة 20): في صورة وجوب التكرار يكفي في صدق التعدد رفع الجبهة عن الأرض ثمَّ الوضع للسجدة الأخرى]

(مسألة 20): في صورة وجوب التكرار يكفي في صدق التعدد رفع الجبهة عن الأرض ثمَّ الوضع للسجدة الأخرى و لا يعتبر الجلوس ثمَّ الوضع (3)، بل و لا يعتبر رفع سائر المساجد (4) و إن كان أحوط.

[ (مسألة 21): يستحب السجود للشكر لتجدد نعمة]

(مسألة 21): يستحب السجود للشكر لتجدد نعمة، أو دفع نقمة، أو تذكرهما مما كان سابقاً، أو للتوفيق لأداء فريضة أو نافلة أو فعل خير و لو مثل الصلح بين اثنين.

فقد روي عن بعض الأئمة «ع»: أنه كان إذا صالح بين اثنين أتى بسجدة الشكر «1»‌

، و يكفي في هذا السجود مجرد وضع الجبهة مع النية.

نعم يعتبر فيه إباحة المكان و لا يشترط فيه الذكر، و إن لأصالة البراءة من وجوب الزائد المشكوك.

لقاعدة الاشتغال.

لأنه يكفي في تعدد السجود تخلل العدم الحاصل بمجرد الرفع عن الأرض و لو كان قليلا.

لأن قوام السجود وضع الجبهة، فيحصل التعدد بمجرد وضعها بعد رفعها، و قد تقدم عدم وجوب ذلك في سجود الصلاة فضلا عن المقام و اللّه سبحانه أعلم.

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب سجدتي الشكر حديث: 8.

 

428
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 21 يستحب السجود للشكر لتجدد نعمة ج‌6 ص 428

كان يستحب أن يقول: «شكراً للّه»، أو «شكراً شكراً» و «عفواً عفواً» مائة مرة، أو ثلاث مرات، و يكفي مرة واحدة أيضاً و يجوز الاقتصار على سجدة واحدة، و يستحب مرتان، و يتحقق التعدد بالفصل بينهما بتعفير الخدين أو الجبينين، أو الجميع مقدما للأيمن منهما على الأيسر ثمَّ وضع الجبهة ثانياً، و يستحب فيه افتراش الذراعين و إلصاق الجؤجؤ و الصدر و البطن بالأرض و يستحب أيضاً أن يمسح موضع سجوده بيده ثمَّ إمرارها على وجهه و مقاديم بدنه.

و يستحب أن يقرأ في سجوده ما ورد‌

في حسنة عبد اللّه ابن جندب عن موسى بن جعفر (ع): «ما أقول في سجدة الشكر فقد اختلف أصحابنا فيه، فقال (ع): قل و أنت ساجد: اللهم إني أشهدك و أشهد ملائكتك و أنبياءك و رسلك و جميع خلقك أنك أنت اللّه ربي، و الإسلام ديني، و محمد نبي، و علي و الحسن و الحسين .. إلى آخرهم .. أئمتي (ع)، بهم أتولى و من أعدائهم أتبرأ، اللهم إني أنشدك دم المظلوم «ثلاثاً» اللهم إني أنشدك بإيوائك على نفسك لأعدائك لتهلكنهم بأيدينا و أيدي المؤمنين، اللهم إني أنشدك بإيوائك على نفسك لأوليائك لتظفرنهم بعدوك و عدوهم أن تصلي على محمد و على المستحفظين من آل محمد «ثلاثاً» اللهم إني أسألك اليسر بعد العسر «ثلاثاً» ثمَّ تضع خدك الأيمن على الأرض و تقول: يا كهفي حين تعييني المذاهب، و تضيق علي الأرض‌

429
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 21 يستحب السجود للشكر لتجدد نعمة ج‌6 ص 428

بما رحبت، يا بارئ خلقي رحمة بي و قد كنت عن خلقي غنياً، صل على محمد و على المستحفظين من آل محمد، ثمَّ تضع خدك الأيسر و تقول: يا مذل كلّ جبار، و يا معز كل ذليل، قد و عزتك بلغ مجهودي «ثلاثاً» ثمَّ تقول: يا حنان يا منان يا كاشف الكرب العظام، ثمَّ تعود للسجود فتقول مائة مرة: «شكراً شكراً، ثمَّ تسأل حاجتك إن شاء اللّه» «1».

و الأحوط وضع الجبهة في هذه السجدة أيضاً على ما يصح السجود عليه، و وضع سائر المساجد على الأرض، و لا بأس بالتكبير قبلها و بعدها لا بقصد الخصوصية و الورود.

[ (مسألة 22): إذا وجد سبب سجود الشكر و كان له مانع من السجود على الأرض فليومئ برأسه]

(مسألة 22): إذا وجد سبب سجود الشكر و كان له مانع من السجود على الأرض فليومئ برأسه و يضع خده على كفه،

فعن الصادق عليه السلام: «إذا ذكر أحدكم نعمة اللّه عز و جل فليضع خده على التراب شكراً للّه، و إن كان راكباً فلينزل فليضع خده على التراب، و إن لم يكن يقدر على النزول للشهرة فليضع خده على قربوسه، فان لم يقدر فليضع خده على كفه ثمَّ ليحمد اللّه على ما أنعم عليه» «2»‌

، و يظهر من هذا الخبر تحقق السجود بوضع الخد فقط من دون الجبهة.

[ (مسألة 23): يستحب السجود بقصد التذلل أو التعظيم للّه تعالى]

(مسألة 23): يستحب السجود بقصد التذلل أو التعظيم للّه تعالى «3»، بل من حيث هو راجح و عبادة، بل‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 6 من أبواب سجدتي الشكر حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب سجدتي الشكر حديث: 3.

(3) راجع الوسائل باب: 23 من أبواب سجدتي الشكر فإنها مشتملة على جميع الأحاديث التي تشير الى الخصوصيات التي ذكرها المصنف رحمه اللّه هنا.

 

430
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 23 يستحب السجود بقصد التذلل أو التعظيم لله تعالى ج‌6 ص 430

من أعظم العبادات و آكدها، بل ما عبد اللّه بمثله. و ما من عمل أشد على إبليس من أن يرى ابن آدم ساجداً، لأنه أمر بالسجود فعصى، و هذا أمر به فأطاع و نجى «1»، و أقرب ما يكون العبد إلى اللّه و هو ساجد «2»، و أنه سنة الأوّابين «3».

و يستحب إطالته، فقد سجد آدم ثلاثة أيام بلياليها «4» و‌

سجد علي بن الحسين «ع» على حجارة خشنة حتى أحصي عليه ألف مرة: «لا إله إلا اللّه حقاً حقا لا إله إلا اللّه تعبداً و رقا لا إله إلا اللّه إيماناً و تصديقاً» «5»‌

، و كان الصادق «ع» يسجد السجدة حتى يقال إنه راقد «6»، و كان موسى بن جعفر (ع) يسجد كل يوم بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال «7».

[ (مسألة 24): يحرم السجود لغير اللّه تعالى]

(مسألة 24): يحرم السجود لغير اللّه تعالى «8» فإنه غاية الخضوع فيختص بمن هو في غاية الكبرياء و العظمة، و سجدة الملائكة لم تكن لآدم بل كان قبلة لهم كما إن سجدة يعقوب و ولده لم تكن ليوسف بل للّه تعالى شكراً حيث رأوا ما أعطاه اللّه من الملك. فما يفعله سواد الشيعة من صورة‌

______________________________
(1) كما في الحديث: 11 باب: 33 من أبواب سجدتي الشكر من الوسائل.

(2) كما في الحديث: 9 باب: 23 من أبواب سجدتي الشكر من الوسائل.

(3) كما في الحديث: 12 باب: 23 من أبواب سجدتي الشكر من الوسائل.

(4) كما في الحديث: 16 باب: 23 من أبواب سجدتي الشكر من الوسائل.

(5) كما في الحديث: 15 باب: 23 من أبواب سجدتي الشكر من الوسائل.

(6) كما في الحديث: 14 باب: 23 من أبواب سجدتي الشكر من الوسائل.

(7) كما في الحديث: 4 باب: 2 من أبواب سجدتي الشكر من الوسائل.

(8) عقد صاحب الوسائل باب: 27 من أبواب السجود لذلك. مشتملا على الخصوصيات المذكورة هنا.

 

431
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 24 يحرم السجود لغير الله تعالى ج‌6 ص 431

السجدة عند قبر أمير المؤمنين و غيره من الأئمة (ع) مشكل إلا أن يقصدوا به سجدة الشكر لتوفيق اللّه تعالى لهم لإدراك الزيارة. نعم لا يبعد جواز تقبيل العتبة الشريفة.

[فصل في التشهد]

فصل في التشهد و هو واجب (1) في الثنائية مرة بعد رفع الرأس من فصل في التشهد إجماعا كما عن الخلاف، و الغنية، و المعتبر، و التذكرة، و جامع المقاصد، و مجمع البرهان، و المدارك، و المفاتيح، و كشف اللثام، و غيرها.

و عن المنتهى: أنه مذهب أهل البيت (ع). و عن الأمالي: أنه من دين الإمامية. و في المستند: «هو واجب عندنا بل الضرورة من مذهبنا».

و في الذكرى: «هو واجب في الثنائية مرة و فيما عداها مرتين بإجماع علمائنا» و النصوص الواردة فيه غير وافية بوجوبه- كما في غيره- لعدم ورودها في مقام التشريع بل في مورد آخر من نسيان أو تقية أو شك في عدد الركعات أو غير ذلك مما يوهن دلالتها على الوجوب، و إن كانت لا تخلو من إيماء إليه.

نعم قد يكون ظاهر جملة منها خروجه عن الصلاة.

كصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): «في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه في السجدة الأخيرة و قبل أن يتشهد، قال (ع): ينصرف و يتوضأ، فإن شاء رجع الى المساجد، و إن شاء ففي بيته، و إن شاء حيث شاء قعد فيتشهد ثمَّ يسلم‌

432
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في التشهد ج‌6 ص 432

السجدة الأخيرة من الركعة الثانية و في الثلاثية و الرباعية مرتين الأولى كما ذكر، و الثانية بعد رفع الرأس من السجدة الثانية في الركعة الأخيرة و هو واجب غير ركن فلو تركه عمداً بطلت الصلاة و سهواً أتى به ما لم يركع (1) و قضاه بعد الصلاة إن تذكر بعد الدخول في الركوع مع سجدتي السهو‌

[ «و واجباته سبعة»:]

«و واجباته سبعة»:

و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته» «1»‌

، و‌

موثق عبيد: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير، فقال (ع): تمت صلاته، و إنما التشهد سنة في الصلاة فيتوضأ و يجلس مكانه أو مكاناً نظيفاً فيتشهد» «2»‌

، و نحوه غيره، و بمضمونها المحكي عن الصدوق (رحمه اللّه) «3» لكنها إن دلت على خروج التشهد فقد دلت على الخروج بغير التسليم فيعارضها ما دل على تعين الخروج به.

لكنها ليست دالة إلا على عدم قدح الحدث في الفرض بقرينة الأمر فيها بالتشهد فتعاضد ما دل على وجوبه. و التعليل بأنه سنة لا ينافي الوجوب، كما يشير اليه تطبيق السنة عليه و على القراءة‌

في حديث: «لا تعاد الصلاة» «4»‌

و غيره. فالنصوص المذكورة مخالفة لما دل على قدح الحدث في أثناء الصلاة و سيأتي إن شاء اللّه في المبطلات التعرض لها. فانتظر.

بلا خلاف، بل حكي عليه الإجماع في كلام جماعة، و يشهد له النصوص‌

كمصحح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا قمت في الركعتين من الظهر و من غيرهما و لم تتشهد فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 13 من أبواب التشهد حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب التشهد حديث: 2.

(3) من لا يحضره الفقيه ج 1 صفحة: 233 ملحق حديث: 1030.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

 

433
مستمسک العروة الوثقى6

الأول الشهادتان ج‌6 ص 434

[الأول: الشهادتان]

الأول: الشهادتان (1).

تركع فاجلس و تشهد و قم فأتم صلاتك، و إن لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك حتى تفرغ، فاذا فرغت فاسجد سجدتي السهو ..» «1»‌

و نحوه غيره. و سيأتي الكلام في ذلك في مبحث الخلل إن شاء اللّه تعالى.

بلا خلاف بين أصحابنا كما عن المبسوط، و جامع المقاصد، و إجماعا كما عن الغنية، و التذكرة، و مجمع البرهان. و قال في الذكرى: «ظاهر الأصحاب و خلاصة الأخبار الاجتزاء بالشهادتين مطلقاً»، و في كشف اللثام:

«و الواجب فيه الشهادتان كل مرة كما عليه المعظم بل الإجماع على ما في الغنية و التذكرة». و يشهد له‌

خبر سورة بن كليب: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن أدنى ما يجزي من التشهد. فقال (ع): الشهادتان» «2»‌

و‌

صحيح محمد: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): التشهد في الصلوات. قال عليه السلام مرتين. قال: قلت: كيف مرتين؟ قال (ع): إذا استويت جالساً فقل: أشهد أن لا إله إلا اللّه، وحده لا شريك له، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله، ثمَّ تنصرف» «3».

نعم‌

في صحيح زرارة.

«قلت لأبي جعفر (ع): ما يجزي من القول في التشهد في الركعتين الأولتين؟ قال (ع): أن تقول أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، قلت: فما يجزئ من تشهد الركعتين الأخيرتين؟ فقال (ع):

الشهادتان» «4»‌

، فقد يظهر منه الاجتزاء في الأول بالشهادة الأولى، و كأنه عليه عوّل الجعفي في الفاخر- على ما حكي عنه في الاجتزاء بشهادة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب التشهد حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب التشهد حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب التشهد حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 4 من أبواب التشهد حديث: 1.

 

434
مستمسک العروة الوثقى6

الأول الشهادتان ج‌6 ص 434

.....

واحدة- لكنه- مع عدم ظهوره في دعواه- لا مجال للاعتماد عليه في قبال الإجماع و النصوص، و مثله ما عن المقنع: «أدنى ما يجزي في التشهد أن تقول الشهادتين أو تقول: بسم اللّه و باللّه ثمَّ تسلم» إذ لا وجه له ظاهر.

نعم‌

في صحيح الفضلاء المروي في الوسائل في باب كيفية الصلاة عن العلل و غيره عن أبي عبد اللّٰه (ع)- في حديث طويل- «.. بسم اللّه و باللّه لا إله إلا اللّه و الأسماء الحسنى كلها للّه» «1»‌

، و‌

في موثق عمار عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إن نسي الرجل التشهد في الصلاة فذكر أنه قال بسم اللّه فقط فقد جازت صلاته، و ان لم يذكر شيئاً أعاد الصلاة» «2»‌

، و‌

في خبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام: «و إن ذكر أنه قال أشهد أن لا إله إلا اللّه، أو بسم اللّه أجزأه في صلاته، و إن لم يتكلم بقليل و لا كثير أعاد الصلاة» «3»‌

لكنها- مع عدم مطابقتها للدعوى- لا مجال للاعتماد عليها في قبال ما سبق:

كخبر حبيب الخثعمي عن أبي جعفر (ع): «إذا جلس الرجل للتشهد فحمد اللّه تعالى أجزأه» «4»‌

، مع احتمال الاجتزاء بالتحميد عما يقترن بالشهادتين من الذكر كما يظهر من‌

خبر بكر بن حبيب قال: «سألت أبا جعفر (ع) عن التشهد. فقال (ع): لو كان كما يقولون واجباً على الناس هلكوا، إنما كان القوم يقولون أيسر ما يعلمون إذا حمدت اللّه تعالى أجزأ عنك» «5».

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 10.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب التشهد حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 7 من أبواب التشهد حديث: 8.

(4) الوسائل باب: 5 من أبواب التشهد حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 5 من أبواب التشهد حديث: 3.

 

435
مستمسک العروة الوثقى6

الثاني الصلاة على محمد و آل محمد ج‌6 ص 436

[الثاني: الصلاة على محمد و آل محمد]

الثاني: الصلاة على محمد و آل محمد (1) فيقول:

«أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده و رسوله اللهم صل على محمد و آل محمد»‌

إجماعا كما عن جماعة، و استدل له‌

بصحيح أبي بصير و زرارة عن أبي عبد اللّه (ع) أنه قال: «من تمام الصوم إعطاء الزكاة، كما أن الصلاة على النبي (ص) من تمام الصلاة، و من صام و لم يؤدها فلا صوم له إذا تركها متعمداً، و من صلى و لم يصل على النبي (ص) و ترك ذلك متعمداً فلا صلاة له، إن اللّه تعالى بدأ بها قبل الصلاة فقال تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّٰى)» «1»‌

، و نحوه صحيح أبي بصير عن زرارة عن أبي عبد اللّه (ع) «2».

و بما‌

في الوسائل عن الفقيه بإسناده عن حماد بن عيسى عن حريز عن أبي بصير و زرارة قالا- في حديث «.. قال أبو عبد اللّه (ع): إن الصلاة على النبي (ص) من تمام الصلاة إذا تركها متعمداً فلا صلاة له، إذا ترك الصلاة على النبي (ص)» «3».

و‌

بموثق الأحول عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «التشهد في الركعتين الأولتين: الحمد للّه، أشهد أن لا إله إلا اللّه، وحده لا شريك له، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله، اللهم صل على محمد و آل محمد، و تقبل شفاعته، و ارفع درجته» «4».

لكن الأولين لاشتمالهما على التشبيه يشكل الاستدلال بهما على ما نحن فيه لأن التفكيك بين المشبه و المشبه به بالحمل على متمم الذات و متمم الكمال‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب التشهد حديث: 2. و الآية في سورة الأعلى: 14- 15.

(2) الوسائل باب: 10 من أبواب التشهد ملحق حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 10 من أبواب التشهد حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 3 من أبواب التشهد حديث: 1.

 

436
مستمسک العروة الوثقى6

الثاني الصلاة على محمد و آل محمد ج‌6 ص 436

.....

مستبشع جداً، فالقرينة على إرادة الثاني في المشبه تقتضي حمله على ذلك في المشبه به، و الثالث- مع أنه لم يوقف عليه في الفقيه، نعم في الحدائق:

«ظني إني وقفت عليه حين قراءة بعض الاخوان علي كتاب المذكور و لكن لا يحضرني موضعه الآن»- أنه لم يعلم بقية الحديث، فلعلها قرينة على صرفه عن ظاهره.

نعم احتمال أنه الصحيح الأول بعيد، إذ لو كان كذلك لنقله في الوسائل ناسباً له الى الفقيه و الشيخ و لم يكن وجه لنقله مختصراً عن الفقيه و روايته تاماً عن الشيخ فإنه خلاف ما جرى عليه في كتابه، و إن كان يقربه أنه لم ينسب الصحيح الأول إلى الفقيه مع أنه مذكور فيه في زكاة الفطرة «1» و رواه عنه في ذلك الباب من الوسائل «2».

هذا كله مضافا إلى أن هذه الصحاح كلها إنما تدل على اعتبار الصلاة على النبي (ص) في صحة الصلاة في الجملة لا على أنها من واجبات كل من التشهدين، و أما الأخير فمع أنه في التشهد الأول أنه بقرينة ما فيه من التحميد و الدعاء الأخير لا بد أن يكون في مقام بيان التشهد الكامل الفاضل، فلا يدل على الوجوب، و لنحو ذلك يشكل الاستدلال بموثقة أبي بصير الطويلة «3» فإنها- و ان ذكر فيها الصلاة على النبي (ص) في كل من التشهدين- قد اشتملت على أمور كثيرة غير واجبة توهن ظهور الأمر في الوجوب.

و أما‌

خبر محمد بن هارون: «إذا صلى أحدكم و لم يذكر النبي (ص) في صلاته يسلك بصلاته غير سبيل الجنة» «4»‌

فغير ظاهر فيما نحن فيه، بل‌

______________________________
(1) الفقيه ج: 2 صفحة: 119.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب التشهد حديث: 2.

(4) الوسائل: باب: 10 من أبواب التشهد حديث: 3.

 

437
مستمسک العروة الوثقى6

الثاني الصلاة على محمد و آل محمد ج‌6 ص 436

.....

من الجائز ارادة الشهادة بالرسالة له (ص).

و أما ما تضمن الصلاة على النبي (ص) عند ذكره «1» فالاستدلال به على الوجوب لا يتم بناء على استحبابه كما هو المشهور المدعى عليه الإجماع في كلام جماعة، مع أنه لا يثبت الجزئية للصلاة. فاذا العمدة في المقام الإجماع المحكي عن الغنية، و في المعتبر، و التذكرة، و المنتهى، و عن كنز العرفان، و الحبل المتين، و غيرها المعتضد بنفي الخلاف المحكي عن المبسوط و غيره.

نعم في كشف اللثام: «لم يذكر الصدوق في شي‌ء من كتبه شيئاً من الصلاتين في شي‌ء من التشهدين كأبيه في الأول». و في الذكرى:

«حكي عن الصدوق في المقنع أنه اقتصر في التشهد على الشهادتين و لم يذكر الصلاة على النبي و آله، ثمَّ حكى عن والده في الرسالة أنه لم يذكر ذلك في التشهد الأول. ثمَّ قال: و القولان شاذان لا يعدان، و يعارضهما إجماع الإمامية على الوجوب». و عن ابن الجنيد: الاجتزاء بها في أحدهما، و يوافقه جميع النصوص عدا موثقة أبي بصير الطويلة «2»، كما أنه يوافق الأول ما تقدم من خبر سورة و مصحح زرارة «3»، و ما ورد في الحدث بعد التشهد، لكنها موهونة الظاهر بعد ما عرفت. و في الجواهر استضعف نسبة الخلاف الى الصدوق و الى والده بما حكي عنه في الأمالي: من أن من دين الإمامية الإقرار بأنه يجزي في التشهد الشهادتان و الصلاة على النبي و آله لكن ذلك غير ظاهر في الوجوب، إذ هو في قبال نفي الزائد على ذلك كما يراه غير الإمامية، مع أن المحكي عنها في مفتاح الكرامة الاقتصار على الشهادتين، و يوافقه ما سبق في كشف اللثام.

______________________________
(1) الوسائل باب: 42 من أبواب الذكر.

(2) تقدمت في هذه التعليقة.

(3) تقدما في المورد الأول من واجبات التشهد.

 

438
مستمسک العروة الوثقى6

الثاني الصلاة على محمد و آل محمد ج‌6 ص 436

و يجزي على الأقوى أن يقول: «أشهد أن لا إله إلا اللّه و أشهد أن محمداً رسول اللّه اللهم صل على محمد و آل محمد» (1) كما نسب إلى الأكثر أو المشهور لخبر سورة المتقدم المتضمن للاجتزاء بالشهادتين. لكن الظاهر منه أنه في مقام نفي الزائد على الشهادتين فلا إطلاق له في كيفية أدائهما فضلا عن أن لا يصلح لتقييده مثل صحيح محمد المتقدم «1»، و هذا هو العمدة في إثبات وجوب الكيفية الاولى. أما موثق الأحول «2» فقد عرفت أنه في مقام بيان الفرد الكامل. و أما‌

موثق سماعة:

فيمن دخل في الصلاة فحضر الإمام في أثناء صلاته. «قال (ع): يجلس قدر ما يقول: أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده و رسوله» «3»‌

فغير ظاهر في وجوب ذلك. و أما صحيح زرارة السابق «4» فحاله كخبر سورة ليس في مقام تعيين العبارة بل في مقام نفي الزائد كما يومئ اليه التعبير بالشهادتين في ذيله.

نعم يعارض الصحيح المذكور‌

خبر الحسن بن الجهم عن أبي الحسن (ع): «عن رجل صلى الظهر و العصر فأحدث حين جلس في الرابعة. قال (ع):

إن كان قال: أشهد أن لا إله إلا اللّه و أشهد أن محمداً رسول اللّه (ص) فلا يعد، و إن كان لم يتشهد قبل أن يحدث فليعد» «5»‌

، و ما‌

في خبر إسحاق بن عمار الحاكي لصلاة النبي (ص) في المعراج: «ثمَّ قال تعالى له (ص):

يا محمد ارفع رأسك ثبتك اللّه و اشهد أن لا إله إلا اللّه و أن محمداً رسول اللّه‌

______________________________
(1) راجع المورد الأول من واجبات التشهد.

(2) تقدم في المورد الثاني من واجبات التشهد.

(3) الوسائل باب: 56 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.

(4) تقدم في المورد الأول من واجبات التشهد.

(5) الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 6.

 

439
مستمسک العروة الوثقى6

الثاني الصلاة على محمد و آل محمد ج‌6 ص 436

.....

صلى اللّه عليه و آله وَ أَنَّ السّٰاعَةَ ..» «1»‌

، لكن الثاني ضعيف السند و الأول- مع أن المحكي عن بعض نسخه سقوط كلمة (أشهد) الثانية مشتمل على ما لا نقول به من صحة الصلاة مع الحدث بعد الشهادتين، فيشكل لأجله رفع اليد عن ظاهر الصحيح و إن كان غير بعيد، و ما في بعض النسخ من سقوط كلمة الشهادة الثانية- يوافقه ما في موثق أبي بصير «2» في التشهد الأول، فلا يبعد أيضاً جواز تركها.

ثمَّ إن المنسوب إلى الأكثر أو الأشهر أو المشهور وجوب الصلاة بالصيغة المذكورة في المتن، و يشهد به‌

النبوي: «إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل: اللهم صل على محمد و آل محمد» «3»‌

لكن انجباره بالعمل غير ثابت، و مثله ما في خبر إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (ع) في المعراج «4»، مضافاً الى وروده في مقام حكاية الواجب و المستحب فلا يدل على أحدهما، و مثله موثقة أبي بصير الطويلة «5»، مع أن في بعض النسخ:

«و على آل محمد»‌

و أن الموجود في حديث الفضلاء‌

في المعراج المروي عن العلل و غيره: «صلى اللّه عليّ و على أهل بيتي» «6»‌

لكن لم يذكر قبلها التشهد و إنما ذكر‌

«بسم اللّه و باللّه لا إله إلا اللّه و الأسماء الحسنى كلها للّه»‌

و كيف كان، فالخروج عن إطلاق وجوب الصلاة على النبي (ص) بمثل ذلك غير ظاهر، اللهم إلا أن يمنع إطلاقه فيرجع الى الأصول المقتضية للتعيين‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 11.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب التشهد حديث: 2.

(3) مستدرك الصحيحين ج: 1 صفحة: 269. و سنن البيهقي ج: 2 صفحة: 279.

و في المصدر تكرار لفظة «على».

(4) تقدم في الصفحة السابقة.

(5) الوسائل باب: 3 من أبواب التشهد حديث: 2.

(6) راجع المورد الأول من واجبات التشهد.

 

440
مستمسک العروة الوثقى6

الثالث الجلوس بمقدار الذكر ج‌6 ص 441

[الثالث: الجلوس بمقدار الذكر]

الثالث: الجلوس بمقدار الذكر المذكور (1).

للتردد بينه و بين التخيير، لكن منع الإطلاق غير ظاهر، و كأنه لذلك كان ظاهر كثير و صريح بعض الاجتزاء بمثل: صلى اللّه عليه و آله، أو: صلى اللّه على محمد و إله، أو: صلى اللّه على رسوله و آله.

تنبيه الظاهر: التسالم على وجوب ضم الصلاة على الآل (ع) الى الصلاة عليه (ص)، و في التذكرة الإجماع عليه كما تقتضيه النصوص الكثيرة المروية من طرق الخاصة و العامة‌

كصحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (ع):

«قال رسول اللّه (ص) .. الى أن قال: و إذا صلي علي و لم يتبع بالصلاة على أهل بيتي كان بينها و بين السموات سبعون حجابا، و يقول اللّه تبارك و تعالى: لا لبيك و لا سعديك يا ملائكتي لا تصعدوا دعاءه إن لم يلحق بالنبي عترته فلا يزال محجوبا حتى يلحق بي أهل بيتي» «1»‌

و‌

عن صواعق ابن حجر: «روي عن النبي (ص): لا تصلوا علي الصلاة البتراء فقالوا: و ما الصلاة البتراء؟ فقال: تقولون اللهم صل على محمد و تمسكون بل قولوا: اللهم صل على محمد و آل محمد» «2»‌

و نحوهما غيرهما و كأن من هذه النصوص يفهم أن الصلاة على النبي (ص) مهما كانت موضوعا لحكم فالمراد بها الصلاة عليه و على آله عليه و عليهم أفضل الصلاة و السلام. فتأمل.

بلا خلاف- كما عن المبسوط- و إجماعا كما عن الغنية، و المنتهى‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 42 من أبواب الذكر حديث: 10.

(2) الصواعق المحرقة لابن حجر طبعة القاهرة سنة 1375 ه‍ صفحة: 144.

 

441
مستمسک العروة الوثقى6

الرابع الطمأنينة ج‌6 ص 442

[الرابع: الطمأنينة]

الرابع: الطمأنينة فيه (1).

[الخامس: الترتيب]

الخامس: الترتيب بتقديم الشهادة الأولى على الثانية (2)، و هما على الصلاة على محمد و آل محمد (3) كما ذكر.

و المدارك، و كشف اللثام. و يشهد له ما‌

ورد في الناسي مما تضمن: «أنه إذا ذكر قبل أن يركع جلس و تشهد» «1»‌

، و ما‌

في موثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا جلست في الركعة الثانية فقل: بسم اللّه ..

فاذا جلست في الرابعة قلت: بسم اللّه ..» «2»‌

و قد تقدم‌

في صحيح ابن مسلم: «إذا استويت جالساً فقل ..» «3»‌

، و‌

في صحيح زرارة «إنما التشهد في الجلوس و ليس المقعي بجالس ..» «4»‌

الى غير ذلك مما هو كثير.

بلا خلاف كما عن مجمع البرهان، بل إجماعاً كما عن جامع المقاصد، و المفاتيح، و ظاهر كشف الحق و غيرها، و هو العمدة فيه كما سبق في نظيره.

كما عن التذكرة و غيرها، و في الجواهر: «لعله ظاهر الجميع، ضرورة عدم إرادة مطلق الجمع من الواو المذكورة في خلال ذكر الكيفية في كلامهم»، و هو- مع أنه الموافق للاحتياط مقتضى الأمر بالكيفية المترتبة في النصوص مع عدم ثبوت خلافها، خصوصاً مع موافقة هذا النظم للاعتبار أيضاً، و لما هو المعلوم من طريقة الشرع فتأمل جيداً.

لما سبق، لكن عن المفيد (رحمه اللّه) الاجتزاء بقول: «أشهد‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب التشهد.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب التشهد حديث: 2.

(3) تقدم في المورد الأول من واجبات التشهد.

(4) الوسائل باب: 6 من أبواب السجود حديث: 7.

 

442
مستمسک العروة الوثقى6

السادس الموالاة ج‌6 ص 443

[السادس: الموالاة]

السادس: الموالاة بين الفقرات و الكلمات و الحروف (1) بحيث لا يخرج عن الصدق.

[السابع: المحافظة على تأديتها]

السابع: المحافظة على تأديتها على الوجه الصحيح العربي في الحركات و السكنات و أداء الحروف و الكلمات.

[ (مسألة 1): لا بد من ذكر الشهادتين و الصلاة بألفاظها المتعارفة]

(مسألة 1): لا بد من ذكر الشهادتين و الصلاة بألفاظها المتعارفة (2)، فلا يجزي غيرها و إن أفاد معناها، مثل ما إذا قال بدل «أشهد» «أعلم» أو «أقر» أو «أعترف» و هكذا في غيره.

[ (مسألة 2): يجزي الجلوس فيه بأي كيفية كان]

(مسألة 2): يجزي الجلوس فيه بأي كيفية كان و لو إقعاء (3)، و إن كان الأحوط تركه.

أن لا إله إلا اللّه، و أن محمداً صلى اللّه عليه و آله عبده و رسوله»، و في الجواهر: «لا ريب في ضعفه».

أقول: هو مقتضى إطلاق النصوص السابقة غير المتعرضة لموضع الصلاة، التي قد عرفت انحصار المخرج عنها بالإجماع، فإن تمَّ كان هو المعتمد، و إلا تعين العمل على الإطلاق الموافق لمقتضى أصالة البراءة من اعتبار الترتيب الخاص.

لما سبق في القراءة من ظهور الأدلة في الإتيان به على النهج العربي للكلام المتصل الواحد، و من ذلك يظهر الوجه في الواجب السابع.

بلا خلاف ظاهر، و يقتضيه ظاهر النصوص، بل و أصالة الاحتياط الجارية مع الدوران بين التعيين و التخيير.

قد تقدم الكلام فيه في السجود، و ذكرنا هناك الخلاف في جوازه في خصوص التشهد فراجع.

 

443
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 من لا يعلم الذكر يجب عليه التعلم ج‌6 ص 444

[ (مسألة 3): من لا يعلم الذكر يجب عليه التعلم]

(مسألة 3): من لا يعلم الذكر يجب عليه التعلم (1)، و قبله يتبع غيره فيلقنه، و لو عجز و لم يكن من يلقنه أو كان الوقت ضيقاً متى بما يقدر و يترجم الباقي (2)، و إن لم يعلم شيئاً يأتي بترجمة الكل، و إن لم يعلم يأتي بسائر الأذكار بقدره، و الأولى التحميد إن كان يحسنه، و إلا فالأحوط الجلوس قدره مع الاخطار بالبال إن أمكن.

كما سبق في القراءة و غيرها.

أقول: العجز تارة: يكون عن الإتيان به على النهج العربي مع قدرته على الملحون، و أخرى: عن نفس الألفاظ الخاصة مع قدرته على الترجمة، و ثالثة: عن الترجمة مع قدرته على الذكر، و رابعة: عن ذلك أيضاً.

أما الأول: فيجب عليه الإتيان بما يقدر عليه من الملحون كما يقتضيه- مضافا الى قاعدة الميسور المعول عليها في أمثال المقام كما عرفت-

خبر مسعدة ابن صدقة: «سمعت جعفر (ع) يقول: إنك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح، و كذلك الأخرس في القراءة في الصلاة و التشهد و ما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم و المحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح ..» «1».

و ما في بعض العبارات من أن جاهل العربية كالجاهل مما يوهم السقوط رأساً ليس على ظاهره أو ضعيف.

و أما الثاني: فإن جهله أجمع جاء بالترجمة كذلك، و إن جهل بعضه و علم الباقي جاء بما علم و ترجم ما جهل، لصدق الميسور على الترجمة لأنها‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 67 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

 

444
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 من لا يعلم الذكر يجب عليه التعلم ج‌6 ص 444

.....

فرد من الشهادة بالتوحيد و الرسالة و الصلاة، و إن لم تكن بالألفاظ الخاصة فيجب لقاعدة الميسور.

و ربما يستدل له بإطلاق ما دل على وجوب الشهادتين و الصلاة للاقتصار في تقييده بالألفاظ الخاصة على حال القدرة. و فيه: أن إطلاق دليل التقييد يقتضي الشمول لحال العجز، و امتناع التكليف مع العجز لا يقتضي امتناع الوضع كما هو ظاهر، مع أن الإطلاق في أمثال المقام منصرف الى الكلام العربي كما تأتي الإشارة إليه في القنوت.

نعم قد يظهر من قول المحقق في الشرائع: «و من لم يحسن التشهد وجب عليه الإتيان بما يحسن منه مع ضيق الوقت»، و نحوه عبارة القواعد و غيرها عدم وجوب الترجمة عما لا يحسن، فان كان ذلك اشكالا منهم في حجية القاعدة في المقام لعدم انعقاد الإجماع عليها كان في محله، و ان كان لبنائهم على عدم كونه مورداً لها فغير ظاهر، إذ كما يصدق الميسور على البعض الذي يحسنه المتفق على وجوبه يصدق على الترجمة عما لا يحسنه، و لذا حكي عن جماعة التصريح بوجوب الإتيان بالترجمة مع العجز. نعم يختلفان وضوحا و خفاء.

و أما الثالث: فالمحكي عن جماعة وجوب التحميد بقدره، منهم الشهيد (رحمه اللّه) في الذكرى و الدروس، قال في الأول: «نعم تجزي الترجمة لو ضاق الوقت عن التعلم، و الأقرب وجوب التحميد عند تعذر الترجمة للروايتين السابقتين»، و يريد بالروايتين روايتي بكر و الخثعمي «1»، و قال في الثاني: «و يجب الإتيان بلفظه و معناه، و مع التعذر يجزي الترجمة و يجب التعلم، و مع ضيق الوقت يجزي الحمد للّه بقدره لفحوى رواية بكر بن حبيب عن الباقر (ع)».

______________________________
(1) تقدما في المورد الثاني من واجبات التشهد.

 

445
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 4 يستحب في التشهد أمور ج‌6 ص 446

[ (مسألة 4): يستحب في التشهد أمور]

(مسألة 4): يستحب في التشهد أمور:

[الأول: أن يجلس الرجل متوركا]

الأول: أن يجلس الرجل متوركا (1) على نحو ما مر في الجلوس بين السجدتين.

و فيه ما سبق في وجوب الشهادتين: من أن ظاهر رواية بكر بن حبيب الاجتزاء بالتحميد عما يقترن بالتشهد من الذكر، و منها يظهر المراد من خبر الخثعمي، و لو كان المراد منهما البدلية المطلقة كانتا دالتين على حكم المقام بالمنطوق لا بالفحوى كما ذكره. و كأنه لذلك احتمل في محكي المدارك كلا من الاجتزاء بالذكر و من السقوط. هذا و يمكن أن يستفاد حكم المقام من‌

صحيح عبد اللّه بن سنان: «قال أبو عبد اللّه (ع): إن اللّه فرض من الصلاة الركوع و السجود، ألا ترى لو أن رجلا دخل في الإسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبر و يسبح و يصلي؟» «1»‌

إما بدعوى ظهوره في التمثيل، أو الأولوية، إذ يجب هنا إنشاء المعنى، بخلاف القراءة فإنها حكاية محضة، لكنها لا تخلو من إشكال، فالخروج عن أصالة البراءة المقتضية للسقوط- كما هو ظاهر المشهور- غير ظاهر.

و أما الرابع: ففي كشف اللثام، و محكي المقاصد العلية، و الروض، و الموجز الحاوي وجوب الجلوس بقدره، و احتمله في محكي فوائد الشرائع و علله في محكي الثاني بأن الجلوس أحد الواجبين و إن كان مقيداً مع الاختيار بالذكر. و فيه: أن من المحتمل أن يكون قيداً للذكر فيسقط بسقوطه و لا تشمله قاعدة الميسور، و استبعاد أن تكون صلاة العاجز عن النطق الخاص أخف من صلاة العاجز رأساً كالأخرس كما ترى لا يصلح للحكومة على القواعد.

إجماعا كما عن جماعة، و يشهد له‌

صحيح زرارة: «و إذا قعدت في تشهدك فألصق ركبتيك بالأرض، و فرج بينهما شيئاً، و ليكن ظاهر‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

 

446
مستمسک العروة الوثقى6

الثاني أن يقول قبل الشروع في الذكرالحمد لله ج‌6 ص 447

[الثاني: أن يقول قبل الشروع في الذكر: «الحمد للّه»]

الثاني: أن يقول قبل الشروع في الذكر: «الحمد للّه» أو يقول (1): «بسم اللّه و باللّه و الحمد للّه و خير الأسماء للّه أو الأسماء الحسنى كلها للّه».

قدمك اليسرى على الأرض، و ظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى و أليتاك على الأرض، و أطراف إبهامك اليمنى على الأرض» «1»‌

، و يشير اليه ما‌

في خبر أبي بصير: «إذا جلست فلا تجلس على يمينك و اجلس على يسارك» «2»‌

، و أما ما‌

في مصحح أبي بصير: «و لا تورّك فان قوماً قد عذبوا بنقض الأصابع و التورك في الصلاة» «3»‌

فمطروح، أو محمول على وضع اليدين على الوركين حال القيام الذي هو أحد معنيي التورك كما في مجمع البحرين.

إذ الأول مذكور في موثق الأحول «4»، و يشير اليه خبر الخثعمي و بكر بن حبيب المتقدمان «5»، و الثاني مذكور في موثق أبي بصير الآتي «6» و الثالث مذكور في المحكي عن الفقه الرضوي «7»، و في الذكرى، و عن الفوائد الملية، و البحار نسبته إلى الأكثر، و‌

في صحيح العلل الوارد في كيفية صلاة النبي (ص) في المعراج: «بسم اللّه و باللّه و لا إله إلا اللّه و الأسماء الحسنى كلها للّه» «8»‌

، لكن الظاهر منه الاكتفاء به عن التشهد.

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب التشهد حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 9.

(4) تقدم في المورد الثاني من واجبات التشهد.

(5) تقدما في المورد الأول.

(6) في المورد السابع من مستحبات التشهد.

(7) مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب التشهد حديث: 3.

(8) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 10.

 

447
مستمسک العروة الوثقى6

الثالث أن يجعل يديه على فخذيه منضمة الأصابع ج‌6 ص 448

[الثالث: أن يجعل يديه على فخذيه منضمة الأصابع]

الثالث: أن يجعل يديه على فخذيه منضمة الأصابع (1).

[الرابع: أن يكون نظره إلى حجره]

الرابع: أن يكون نظره إلى حجره (2).

[الخامس: أن يقول بعد قوله: «و أشهد أن محمداً عبده و رسوله»: «أرسله بالحق بشيراً و نذيراً]

الخامس: أن يقول بعد قوله:

«و أشهد أن محمداً عبده و رسوله»‌

: «أرسله بِالْحَقِّ بَشِيراً وَ نَذِيراً* بين يدي الساعة، و أشهد أن ربي نعم الرب، و أن محمداً نعم الرسول»‌

، ثمَّ يقول:

«اللهم صل ..»‌

(3).

[السادس: أن يقول بعد الصلاة: «و تقبل شفاعته و ارفع درجته»]

السادس: أن يقول بعد الصلاة:

«و تقبل شفاعته و ارفع درجته»‌

، في التشهد الأول (4)، بل في الثاني أيضاً (5)، و إن كان الأولى عدم قصد الخصوصية في الثاني.

كما عن غير واحد، و قد تقدم في السجود «1» محكي التذكرة المتضمن للاستدلال له.

كما عن غير واحد، و ليس له مستند ظاهر عدا الرضوي، و قد تقدم في السجود «2»، و علله في المنتهى بقوله: «لئلا يشتغل قلبه عن عبادة اللّه تعالى».

لم أجد هذا الدعاء موصولا بالصلاة على النبي (ص) فيما يحضرني من الروايات في الوسائل و المستدرك. نعم وجد في كثير منها بعض الإضافات و كأنه في المتن أخذه من مجموع النصوص.

كما في موثق الأحول و موثقة أبي بصير «3».

كما عن الشيخ (رحمه اللّه) في النهاية‌

لخبر إسحاق الحاكي لصلاة النبي (ص) ركعتين في المعراج حيث تضمن الدعاء المذكور هكذا: «اللهم‌

______________________________
(1) راجع المورد العشرين من مستحبات السجود.

(2) راجع المورد السابع من مستحبات السجود.

(3) تقدما في المورد الثاني من واجبات التشهد.

 

448
مستمسک العروة الوثقى6

السابع أن يقول في التشهد الأول و الثاني ما في موثقة أبي بصير ج‌6 ص 449

[السابع: أن يقول في التشهد الأول و الثاني ما في موثقة أبي بصير]

السابع: أن يقول في التشهد الأول و الثاني ما‌

في موثقة أبي بصير (1) و هي قوله (ع): «إذا جلست في الركعة الثانية فقل: بسم اللّه و باللّه، و الحمد للّه و خير الأسماء للّه، أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و أن محمداً عبده و رسوله، أرسله بِالْحَقِّ بَشِيراً وَ نَذِيراً* بين يدي الساعة، أشهد أنك نعم الرب، و أن محمداً نعم الرسول، اللهم صل على محمد و آل محمد، و تقبل شفاعته في أمته و ارفع درجته، ثمَّ تحمد اللّه مرتين أو ثلاثاً، ثمَّ تقوم، فاذا جلست في الرابعة قلت: بسم اللّه و بالله، و الحمد لله، و خير الأسماء لله، أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله، أرسله بِالْحَقِّ بَشِيراً وَ نَذِيراً بين يدي الساعة، أشهد أنك نعم الرب، و أن محمداً نعم الرسول، التحيات للّه و الصلوات الطاهرات الطيبات الزاكيات الغاديات الرائحات السابغات الناعمات ما طاب و زكى و طهر و خلص و صفى، فلله‌

تقبل شفاعته (في أمته. خ) و ارفع درجته» «1»‌

، و لا يضر كونه في الثنائية لعدم ظهور الفرق بينها و بين الثلاثية و الرباعية. نعم ضعف الخبر مانع عن الاعتماد عليه إلا بناء على قاعدة التسامح.

رواها الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن النضر عن زرعة عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع) «2»، و إنما كانت من الموثق لأن زرعة واقفي ثقة.

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 11.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب التشهد حديث: 2.

 

449
مستمسک العروة الوثقى6

السابع أن يقول في التشهد الأول و الثاني ما في موثقة أبي بصير ج‌6 ص 449

أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله، أرسله بِالْحَقِّ بَشِيراً وَ نَذِيراً* بين يدي الساعة، أشهد أن ربي نعم الرب، و أن محمداً نعم الرسول، و أشهد أَنَّ السّٰاعَةَ آتِيَةٌ لٰا رَيْبَ فِيهٰا، وَ أَنَّ اللّٰهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، ... الْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي هَدٰانٰا لِهٰذٰا وَ مٰا كُنّٰا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لٰا أَنْ هَدٰانَا اللّٰهُ، ... الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ*، اللهم صل على محمد و آل محمد، و بارك على محمد و آل محمد، و سلم على محمد و آل محمد، و ترحم على محمد و آل محمد، كما صليت و باركت و ترحمت على إبراهيم و آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم صل على محمد و آل محمد و اغْفِرْ لَنٰا وَ لِإِخْوٰانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونٰا بِالْإِيمٰانِ، وَ لٰا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنٰا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنٰا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ، اللهم صل على محمد و آل محمد، و امنن عليّ بالجنة، و عافني من النار، اللهم صل على محمد و آل محمد، و اغفر لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنٰاتِ وَ لٰا تَزِدِ الظّٰالِمِينَ إِلّٰا تَبٰاراً، ثمَّ قل: السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته، السلام على أنبياء الله و رسله، السلام على جبريل و ميكائيل و الملائكة المقربين، السلام على محمد بن عبد الله خاتم النبيين لا نبي بعده، و السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، ثمَّ تسلم».

[الثامن: أن يسبح سبعاً بعد التشهد الأول]

الثامن: أن يسبح سبعاً بعد التشهد الأول (1) بأن يقول:

ففي خبر عمر بن حريث قال لي أبو عبد اللّه (ع): «قل في الركعتين الأولتين بعد التشهد قبل أن تنهض: سبحان اللّه سبحان اللّه‌

 

450
مستمسک العروة الوثقى6

السابع أن يقول في التشهد الأول و الثاني ما في موثقة أبي بصير ج‌6 ص 449

«سبحان الله سبحان الله»- سبعاً- ثمَّ يقوم.

[التاسع: أن يقول: «بحول الله و قوته ..»]

التاسع: أن يقول: «بحول الله و قوته ..» حين القيام عن التشهد الأول (1).

[العاشر: أن تضم المرأة فخذيها حال الجلوس للتشهد]

العاشر: أن تضم المرأة فخذيها حال الجلوس للتشهد (2).

[ (مسألة 5): يكره الإقعاء حال التشهد]

(مسألة 5): يكره الإقعاء حال التشهد على نحو ما مر في الجلوس بين السجدتين (3)، بل الأحوط تركه كما عرفت.

[فصل في التسليم]

فصل في التسليم و هو واجب على الأقوى، و جزء من الصلاة (4)،

سبع مرات» «1».

ففي صحيح محمد بن مسلم: «إذا جلست في الركعتين الأولتين فتشهدت ثمَّ قمت فقل: بحول اللّه و قوته أقوم و أقعد» «2»‌

، لكن عن بعض النسخ سقوط‌

«و قوته»‌

. لما سبق‌

في صحيح زرارة في المرأة: «فإذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها، و رفعت ركبتيها من الأرض» «3».

مر الكلام فيه.

فصل في التسليم كما عن جماعة كثيرة من القدماء و المتأخرين، بل عن الروض:

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب التشهد حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب السجود حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 4 و قد تقدم في المورد الثامن و العشرين من مستحبات السجود.

 

451
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في التسليم ج‌6 ص 451

.....

أنه مذهب أكثر المتأخرين‌

لخبر القداح المروي في الكافي عن أبي عبد اللّه (ع):

«قال رسول اللّه (ص): افتتاح الصلاة الوضوء، و تحريمها التكبير، و تحليلها التسليم» «1»‌

، و أرسله فيما عن الفقيه «2» و التهذيب «3» عن أمير المؤمنين عليه السلام، و‌

عن الهداية: «قال الصادق (ع): تحريم الصلاة التكبير، و تحليلها التسليم» «4»‌

، و‌

خبر الفضل المروي عن العيون و العلل عن الرضا عليه السلام: «إنما جعل التسليم تحليل الصلاة و لم يجعل بدلها تكبيراً أو تسبيحاً أو ضربا آخر لأنه لما كان الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين و التوجه الى الخالق كان تحليلها كلام المخلوقين ..» «5»‌

، و‌

خبره الآخر المروي عن العيون في كتاب الرضا (ع) الى المأمون: «قال (ع): تحليل الصلاة التسليم» «6»‌

، و‌

خبر المفضل المروي عن العلل: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن العلة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة. قال عليه السلام: لأنه تحليل الصلاة» «7»‌

، و‌

خبر الأعمش عن الصادق (ع): «و لا يقال في التشهد الأول: السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين لأن تحليل الصلاة هو التسليم» «8»‌

، و‌

خبر عبد اللّه بن الفضل الهاشمي: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن معنى التسليم في الصلاة. فقال (ع):

التسليم علامة الأمن و تحليل الصلاة» «9»‌

، و‌

خبر أبي حازم المروي عن‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم: ملحق حديث: 8.

(4) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 10.

(6) الوسائل باب: 12 من أبواب التشهد حديث: 3.

(7) الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 11.

(8) الوسائل باب: 29 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

(9) الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 13.

 

452
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في التسليم ج‌6 ص 451

.....

مناقب ابن شهر اشوب: «سئل علي بن الحسين (ع): ما افتتاح الصلاة؟

قال (ع): التكبير. قال: ما تحريمها؟ قال: التكبير. قال: ما تحليلها؟ قال (ع): التسليم» «1»‌

، و عن جماعة كثيرة من القدماء و المتأخرين إرسال خبر: تحريم الصلاة التكبير و تحليلها التسليم عن النبي (ص) و في المنتهى: ان هذا الخبر تلقته الأمة بالقبول، و نقله الخاص و العام، و مثل هذا الحديث البالغ في الشهرة قد يجبر روايته الاعتماد. انتهى، و عن المختلف، و جامع المقاصد: أنه من المشاهير، و عن الروض: أنه مشهور.

و بعد ذلك كله لا مجال للمناقشة في سنده كما عن المدارك تبعاً لشيخه (قدس سرهما) و لا سيما بملاحظة اعتماد الأصحاب عليه، و استدلالهم به، و فيهم من لا يعمل إلا بالقطعيات كالسيدين (قدس سرهما).

كما لا مجال للمناقشة في دلالته على حصر المحلل فيه: بأن المراد بالأخبار الإسناد في الجملة لا دائماً، فيجوز الإخبار بالأعم من وجه كزيد قائم و بالأخص مطلقاً كحيوان يتحرك كاتب. و بمنع كون إضافة المصدر للعموم لجواز كونها للعهد و الجنس، و بأن التحليل قد يكون بالمنافيات و ان لم يكن الإتيان بها جائزاً، و حينئذ فلا بد من تأويل التحليل بالذي قدره الشارع، و حينئذ كما يمكن إرادة التحليل الذي قدره على سبيل الوجوب يمكن إرادة الذي قدره على سبيل الاستحباب. و بأن الخبر غير مراد الظاهر لأن التحليل ليس نفس التسليم فلا بد من إضمار و لا دليل على ما يقتضي الوجوب. لظهور ضعف ما ذكر، إذ قد يكون المراد من الاخبار حصر الخبر بالمبتدإ، و يتعين حمل الكلام عليه إذا كان ظاهراً فيه كما في المقام، و كون الإضافة للعهد لا قرينة عليه كما لا قرينة على كونه للعموم فيتعين بمقدمات الحكمة ارادة الطبيعة المطلقة- كما في سائر موارد الحكم بالإطلاق-

______________________________
(1) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 1.

 

453
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في التسليم ج‌6 ص 451

.....

فيكون مفاده مفاد العموم في الدلالة على الحصر.

هذا و الظاهر من التحريم و التحليل في الخبر الوضعيان، بمعنى قدح المنافيات في الصلاة و عدمه، و لذا يعم الفريضة و النافلة، فالتكبير يوجب قدح وقوعها في صحة الصلاة، و التسليم يوجب عدم قدحه فيها فتصح الصلاة إذا وقعت بعد التسليم. و عليه فلا مجال للنقض بتحقق التحليل بالمنافيات قبله، فان المنافيات إذا اقتضت بطلان الصلاة لم يكن مورد لحصر المحلل بالتسليم و لا يكون ذلك نقضاً عليه، بل البناء على قدح المنافيات قبل التسليم التزام بحصر المحلل به كما لا يخفى. و يصح حمل التحليل على التسليم بنحو من العناية كما في زيد عدل، و لا حاجة الى التقدير كي يدعى الإجماع.

و بالجملة: ظهور الخبر في الحصر- و لا سيما بملاحظة بعض النصوص المتقدمة- أوضح من أن يهتم لدفع المناقشات المذكورة فيه. نعم لا دلالة فيه على جزئية التسليم، لأن انحصار المحلل به أعم من كونه جزءاً و شرطاً و أجنبياً.

نعم يدل على جزئيته‌

موثق أبي بصير: «سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول في رجل صلى الصبح فلما جلس في الركعتين قبل أن يتشهد رعف.

قال (ع): فليخرج فليغسل أنفه ثمَّ ليرجع فليتم صلاته، فان آخر الصلاة التسليم» «1»‌

، و‌

موثقه الآخر: «إذا نسي الرجل أن يسلم فإذا ولى وجهه عن القبلة و قال: السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين فقد فرغ من صلاته» «2»‌

، و‌

خبره: «و تقول: السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين فاذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة» «3»‌

فتأمل. و يشير اليه صحيح زرارة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب التسليم حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 8.

 

454
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في التسليم ج‌6 ص 451

.....

في صلاة الخوف: «فصار للأولين التكبير و افتتاح الصلاة، و للآخرين التسليم» «1»‌

، و‌

في مصحح علي بن أسباط عنهم (ع) فيما وعظ اللّه سبحانه عيسى (ع) في وصف النبي (ص): «و يفتتح بالتكبير و يختتم بالتسليم» «2»‌

، و نحوهما غيرهما مما يشعر أو يظهر في جزئيته للصلاة على نحو جزئية غيره من أجزائها. مضافا الى الأمر به في النصوص الكثيرة الواردة في الأبواب المتفرقة المدعى تواترها. لظهورها في اعتباره في الصلاة اعتبار غيره من أجزائها، و ان كان لا يخلو من تأمل لورود أكثر تلك النصوص في مورد بيان حكم آخر فلا حظ.

هذا، و حكي القول باستحباب التسليم عن المقنعة، و النهاية، و السرائر و كثير من كتب المتأخرين، و عن الخلاف: أنه الأظهر من مذهب أصحابنا و عن جامع المقاصد: «ذهب إليه أجلاء الأصحاب»، و في الذكرى:

«هو مذهب أكثر القدماء» و عن المدارك و أكثر المتأخرين، و عن البهائي أنه مذهب مشايخنا المتأخرين عن عصر الشهيد.

و استدل لهم- مضافا الى أصالة البراءة المحكومة لما سبق-

بصحيح ابن مسلم المتقدم في التشهد: «إذا استويت جالساً فقل: أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله، ثمَّ تنصرف» «3»‌

و‌

صحيح ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع): «عن الرجل يكون خلف الامام فيطول الامام بالتشهد فيأخذ الرجل البول، أو يتخوف على شي‌ء يفوت أو يعرض له وجع كيف يصنع؟ قال (ع): يتشهد هو و ينصرف و يدع الإمام» «4».

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الخوف حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 2.

(3) تقدم في المورد الأول من واجبات التشهد.

(4) الوسائل باب: 64 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.

 

455
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في التسليم ج‌6 ص 451

.....

و فيه- مع أن الصحيحين المذكورين خاليان عن ذكر الصلاة على النبي (ص)، و أن المحكي عن الفقيه و موضع من التهذيب رواية ثانيهما:

«يسلم و ينصرف» «1»‌

-: أن المراد بالانصراف التسليم، بقرينة مثل‌

صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «و ان قلت: السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين فقد انصرفت» «2»‌

، و‌

خبر أبي كهمس عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سألته عن الركعتين الأولتين إذا جلست فيهما للتشهد فقلت و أنا جالس: السلام عليك أيها النبي انصراف هو؟ فقال (ع): لا، و لكن إذا قلت: السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين فهو الانصراف» «3»‌

و‌

صحيح محمد بن مسلم: «إذا انصرفت من الصلاة فانصرف عن يمينك» «4»‌

و نحوه موثق سماعة «5».

و استدل له أيضاً‌

بصحيح الفضلاء: محمد، و زرارة، و الفضيل عن أبي جعفر (ع): «إذا فرغ الرجل من الشهادتين فقد مضت صلاته، فان كان مستعجلا في أمر يخاف أن يفوته فسلم و انصرف أجزأه» «6».

و فيه- مع أنه خال عن ذكر الصلاة على النبي كسابقيه-: أن ما في ذيله من الأمر بالتسليم في مورد السؤال- أعني الاستعجال- دليل على‌

______________________________
(1) راجع: الفقيه ج: 1 صفحة: 261 و التهذيب ج: 2 صفحة: 283.

لكن في صفحة: 349 من ج 2 من التهذيب تجد الحديث خالياً عن ذلك كما في نسخة الوسائل و قرب الاسناد المطبوع في إيران صفحة: 95.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب التسليم حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب التسليم حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 13.

(5) الوسائل باب: 12 من أبواب التشهد حديث: 1.

(6) الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 5.

 

456
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في التسليم ج‌6 ص 451

.....

وجوبه، فيتعين حمل قوله (ع) في الصدر:

«مضت صلاته»‌

على مضي معظمها. أو ما كان من سنخ العبادة، أو نحو ذلك مما لا ينافي وجوب التسليم.

و‌

بصحيح معاوية بن عمار: «إذا فرغت من طوافك، فأت مقام إبراهيم (ع)، فصل ركعتين، و اجعله أمامك و اقرأ في الأولى منهما قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ، و في الثانية قُلْ يٰا أَيُّهَا الْكٰافِرُونَ، ثمَّ تشهد و احمد اللّه تعالى و أثن عليه و صل على النبي (ص) و اسأله أن يتقبل منك» «1».

و فيه- مع أن الوجه في ترك ذكر التسليم عدم كونه في مقام بيانه كالركوع و السجود و غيرهما من الواجبات-: أنه بقرينة ما سبق يتعين حمل التشهد فيه على ما يعم التسليم، فيكون الحمد و الثناء بعد التسليم. و مثله‌

صحيح زرارة الوارد في الشك بين الثنتين و الأربع، قال (ع): «يركع ركعتين و أربع سجدات و هو قائم بفاتحة الكتاب، و يتشهد و لا شي‌ء عليه» «2».

و‌

بموثق يونس بن يعقوب قال: «قلت لأبي الحسن (ع): صليت بقوم فقعدت للتشهد، ثمَّ قمت فنسيت أن أسلم عليهم. فقالوا: ما سلمت علينا. فقال (ع): أ لم تسلم و أنت جالس؟ قلت: بلى. قال (ع):

فلا بأس عليك» «3»‌

و فيه: أن تعليق نفي البأس على تسليمه و هو جالس ظاهر في وجوب التسليم، و الظاهر أن المراد من التسليم عليهم الذي نسيه هو صيغة: «السلام عليكم»، و من تسليمه و هو جالس صيغة: «السلام علينا ..»، و فيه دلالة على أن استعمال التشهد فيما يعم التسليم متداول مألوف، كما حملنا عليه الروايات السابقة.

و بأنه لو وجب التسليم لبطلت الصلاة بتخلل المنافي بينه و بين التشهد‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 71 من أبواب الطواف حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب التسليم حديث: 5.

 

457
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في التسليم ج‌6 ص 451

.....

و اللازم باطل فالملزوم مثله. أما الملازمة فإجماعية، و أما بطلان اللازم‌

فلصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): «سأله عن الرجل يصلي ثمَّ يجلس فيحدث قبل أن يسلم، قال (ع): تمت صلاته، و ان كان مع امام فوجد في بطنه أذى فسلم في نفسه و قام فقد تمت صلاته» «1»‌

، و‌

مصحح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا، و ان كنت قد تشهدت فلا تعد» «2»‌

و‌

موثق غالب بن عثمان عنه (ع): «عن الرجل يصلي المكتوبة فيقضي صلاته و يتشهد ثمَّ ينام قبل أن يسلم، قال (ع): تمت صلاته، و إن كان رعافا فاغسله ثمَّ ارجع فسلم» «3»‌

، و نحوها صحيح زرارة المتقدم في وجوب التشهد «4»، و خبر الحسن بن الجهم المتقدم في كيفية الشهادتين «5».

و أورد عليه بمنع الإجماع على الملازمة المدعاة لتحقق القول بالوجوب و عدم الجزئية الملازم للقول بعدم البطلان بتخلل المنافي بينه و بين الصلاة و إن وجب. و فيه: أن عمدة الأدلة المتقدمة على الوجوب نصوص التحليل «6» و أنه آخر الصلاة «7»، و به تنقطع «8»، و به يفرغ منها «9»، و نحو ذلك مما لا يمكن حمله على الوجوب مع البناء على الصحة بتخلل المنافي. نعم‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب التسليم حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب التسليم حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب التسليم حديث: 6.

(4) راجع صفحة 432.

(5) راجع صفحة: 439.

(6) راجع أول الفصل:.

(7) راجع صفحة: 454.

(8) راجع صفحة: 454.

(9) راجع صفحة: 454.

 

458
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في التسليم ج‌6 ص 451

.....

البناء المذكور لا ينافي الأخذ بظاهر الأمر به في بعض النصوص أعني الوجوب.

لكن عرفت أن الاستناد في دعوى وجوبه الى ظاهر الأمر محل إشكال.

و مثله في الاشكال دعوى كون المراد من التسليم في النصوص المذكورة التسليم الأخير، لشيوع استعماله فيه كما عن جماعة، و يشير إليه موثقة أبي بصير الطويلة «1»، و حديث ميسر «2»، و خبر الفضل بن شاذان «3»، و خبر عبد اللّه بن الفضل الهاشمي «4»، إذ لو تمت اقتضت حمل نصوص التحليل عليه، فيتعين حملها على الاستحباب لعدم وجوبه، و كذا غيرها مما أطلق فيه التسليم: كموثق أبي بصير الأول «5»، و النصوص المتضمنة للأمر به إذ الفرق بين الطائفتين غير ظاهر. مع أن هذه الدعوى لا تتأتى في صحيح زرارة، و لا في خبر الحسن بن الجهم لعدم ذكر التسليم فيهما ليحمل على هذا المعنى. اللهم إلا أن يكون الوجه في سقوطهما عن الحجية في المقام ظهورهما في الحدث قبل الصلاة المجمع على قاطعيته.

و كيف كان فالأولى أن يقال: إن النصوص المذكورة معارضة بما دل على انحصار المحلل بالتسليم، و الجمع بينهما- بحمل الثانية على الاستحباب- ليس عرفياً، لأن نصوص التحليل ظاهرة في أن التحريم الثابت بالتكبير، سواء أ كان وضعياً كما هو الظاهر أم تكليفياً ينحصر رافعه بالتسليم، و حملها على أن التحريم يرتفع قبل التسليم و يثبت تحريم تنزيهي يرتفع بالتسليم مما تأباه تلك النصوص جداً على اختلاف ألسنتها، فيتعين الرجوع الى الترجيح، و هو مع نصوص التحليل كما سبق، لمخالفتها للعامة، و اتحاد لسان الأولى‌

______________________________
(1) تقدمت في المورد السابع من مستحبات التشهد.

(2) الوسائل باب: 12 من أبواب التشهد حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 12 من أبواب التشهد حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 4.

 

459
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في التسليم ج‌6 ص 451

.....

مع لسان مثل صحيح زرارة «1» و خبر ابن الجهم «2» المجمع على خلاف ظاهرهما. مضافا الى الاضطراب في صحيح زرارة الأول «3» لظهور صدره في تمامية الصلاة بدون التسليم، و ظهور ذيله في توقفها عليه. بل لا تبعد دعوى ذلك في مصحح الحلبي «4»، و موثق عثمان «5»، فان مرجع ذيل أولهما الى عدم قدح الالتفات الفاحش من غير فراغ المنافي لصدره و مرجع ذيل ثانيهما الى وجوب التسليم المنافي لصدره، فلأجل ذلك كله لا تصلح لمقاومة تلك النصوص. نعم لو أمكنت دعوى اختصاصها بغير صورة العمد أمكن تقييد نصوص التحليل بها فتحمل على صورة العمد، لكن- مع أنه لا قرينة عليه- يصعب الالتزام به مع بناء الأصحاب على عدم الفصل.

ثمَّ إنك عرفت وجود القول بالوجوب و عدم الجزئية فيجوز وقوعه حال وجود موانع الصلاة و فقد شرائطها اختياراً، و حكي عن ظاهر الجعفي و صريح ابن جمهور، و الحبل المتين، و المفاتيح، و جماعة أخرى جمعاً بين الأمر به في النصوص و بين ما تضمن الفراغ من الصلاة قبل التسليم،

كصحيح عبد اللّه بن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه (ع) فيمن نسي التشهد الأول: «فقال (ع): يتم صلاته ثمَّ يسلم» «6»‌

، و‌

صحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه (ع): «و إن لم يذكر حتى يركع فليتم صلاته، حتى إذا فرغ‌

______________________________
(1) تقدم في أول فصل التشهد صفحة: 432.

(2) تقدم في المورد الثاني من واجبات التشهد.

(3) تقدم في صفحة: 457.

(4) تقدم في صفحة: 458.

(5) تقدم في صفحة: 458.

(6) الوسائل باب: 7 من أبواب التشهد حديث: 4.

 

460
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في التسليم ج‌6 ص 451

فيجب فيه جميع ما يشترط فيها: من الاستقبال، و ستر العورة، و الطهارة، و غيرها، و مخرج منها، و محلل للمنافيات المحرمة بتكبيرة الإحرام، و ليس ركناً، فتركه عمداً مبطل لا سهواً، فلو سها عنه و تذكر بعد إتيان شي‌ء من المنافيات عمداً و سهواً أو بعد فوات الموالاة لا يجب تداركه (1)،

فليسلم» «1»‌

، و ما‌

في صحيح زرارة المتقدم: «و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته» «2»‌

، و ما‌

في صحيحه الآخر: «فيمن يجلس فيحدث قبل أن يسلم. قال (ع): تمت صلاته» «3»‌

، و النصوص المتضمنة صحة الصلاة مع تخلل المنافي المتقدمة.

لكن عرفت الإشكال في جميع ذلك، و أنه لا يصلح لمعارضة نصوص التحليل المعتضدة بما دل على أنه آخر الصلاة، و به يفرغ منها، و به تنقطع و نحو ذلك المستفاد من مجموعة الجزئية، و عدم جواز إيقاع المنافيات قبله.

و أن الاعتماد على ظاهر الأمر محل إشكال لعدم كونه في مقام التشريع ليدل على الوجوب، فلاحظ و تأمل.

كما اختاره غير واحد من شراح الشرائع، لعموم‌

حديث: «لا تعاد الصلاة» «4»‌

الموجب لسقوطه عن الجزئية في حال السهو كغيره من الأجزاء التي يلزم من ثبوت جزئيتها في حال السهو الإعادة. اللهم إلا أن يقال: مجرد السقوط عن الجزئية غير كاف في تحقق المحلل للمنافيات فما لم يثبت وقوع المحلل بدليل فالمنافيات على حالها في اقتضاء البطلان.

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب التشهد حديث: 3.

(2) راجع أول فصل التشهد.

(3) تقدم في هذه التعليقة.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب‌

 

461
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في التسليم ج‌6 ص 451

.....

نعم لو كان مفاد‌

حديث: «تحليلها التسليم» «1»‌

أن محلليته بلحاظ كونه الجزء الأخير، فإذا فرض سقوطه عن الجزئية كان الأخير هو ما قبله، فالمنافي يكون بعد الفراغ فلا يكون قادحا، لكن الظاهر من الخبر انحصار المحلل بالتسليم مع قطع النظر عن كونه آخر الاجزاء، فمع فقده لا يتحلل من الصلاة و إن كان قد فرغ منها.

و بالجملة: لو قصرنا النظر على أدلة المنافيات كان مقتضاها البطلان لو وقعت في أثناء الصلاة، و لم تقتضه لو كانت قبلها أو بعدها. و بلحاظ هذا الحديث يكون المدار في البطلان وقوعها قبل التسليم، فيكون الحديث تأسيساً لحكم لا تفيده تلك الأدلة. فإن قلت: إذا كان‌

حديث: «لا تعاد الصلاة»‌

شاملا للتسليم المنسي أمكن أن يستفاد من الحكم بعدم إعادة الصلاة لتركه الحكم بمحللية التشهد للملازمة فتكون محللية التشهد مدلولا التزامياً له.

قلت: الحديث المذكور لأنظر فيه إلا الى صحة الصلاة من جهة نقص التسليم، و صحتها من هذه الجهة لا تلازم صحتها من وجود المحلل، و إنما تكون الملازمة بين صحة الصلاة من جميع الجهات في حال نسيان التسليم و بين ثبوت المحلل، لكن صحتها كذلك ليس منظوراً إليها في الحديث.

اللهم إلا أن يقال: لازم البناء على كون تحليلها التسليم تأسيساً البناء على كون تحريمها التكبير كذلك، و مقتضى ذلك عدم حرمة إيقاع المنافيات قبل تمام التكبير، و هو مناف لإطلاق ما دل على عدم جواز إيقاعها في أثناء الصلاة، بل لا يظن الالتزام من أحد بجواز وقوعها في حال التكبير قبل تمامه، فاذا وجب صرف «تحريمها التكبير» الى كونه أول الأجزاء فلا يكون تأسيساً وجب بقرينة المقابلة صرف «تحليلها التسليم» الى كونه آخر الأجزاء لا غير، لا أقل من الاجمال الموجب للرجوع إلى أصالة البراءة من إبطال‌

______________________________
(1) راجع صفحة: 452.

 

462
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في التسليم ج‌6 ص 451

نعم عليه سجدتا السهو للنقصان بتركه (1)، و إن تذكر قبل ذلك أتى به (2) و لا شي‌ء عليه إلا أن يتكلم فيجب عليه سجدتا السهو (3)، و يجب فيه الجلوس (4)، و كونه مطمئناً و له صيغتان هما: «السلام علينا و على عباد الله الصالحين» المنافي. و فيه: أن المنافاة المذكورة إنما تقتضي كون المحرم الشروع في التكبير بأن يكون المراد منه الطبيعة السارية في الأجزاء لإتمامها، فالبناء على ظهور كل من‌

قوله (ع): «تحريمها التكبير»‌

، و‌

قوله (ع): «تحليلها التسليم»‌

متعين. و أما النصوص الواردة في نسيان التسليم كموثق أبي بصير الآتي في التحليل بالصيغة الأولى و غيره فلا إطلاق لها يشمل صورة وقوع المحلل، بل مقتضى الأمر بالتسليم فيها الاختصاص بصورة عدمه و بقائه على الجزئية لا سقوطه عنها.

و أما الاستدلال على المقام بالنصوص المتقدمة في الحدث قبل التسليم فغير ظاهر الوجه بعد عدم ظهورها في نسيان التسليم، بل ظهورها في عدمه و امتناع الأخذ بظاهرها لا يصحح حملها على خلاف الظاهر و الاستدلال به و كأنه لذلك اختار في الشرائع و غيرها البطلان.

بناء على وجوبهما لكل زيادة و نقيصة.

لعدم الموجب لسقوط وجوبه.

لما يأتي إن شاء اللّه من وجوبهما للكلام ساهياً.

بلا خلاف ظاهر، و عن جماعة التصريح به، و في المستند: أنه الأظهر، كما يستفاد من عمل الناس في جميع الأعصار بل من مطاوي الأخبار. انتهى. و كأنه يريد بالأخبار مثل موثقة أبي بصير الطويلة مما تضمن أنه كالتشهد.

 

463
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في التسليم ج‌6 ص 451

و «السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته»، و الواجب إحداهما (1) على التخيير، فيتحلل بكل منهما كما عن جماعة، بل عن بعض نسبته الى المشهور، و آخر نسبته إلى المتأخرين، و في المنتهى: «لا نعرف خلافا في أنه لا يجب عليه الإتيان بهما»، و في الذكرى: «لم يقل به أحد فيما علمته»، و يدل على التحليل بالأول جملة من النصوص المتقدم بعضها‌

كصحيح الحلبي قال أبو عبد اللّه (ع): «كلما ذكرت اللّه عز و جل به و النبي (ص) فهو من الصلاة، و إن قلت: السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين فقد انصرفت» «1»‌

و‌

خبر أبي كهمس عن أبي عبد اللّه (ع): «سألته عن الركعتين الأولتين إذا جلست فيهما للتشهد فقلت و أنا جالس:

السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته، انصراف هو؟ قال (ع):

لا، و لكن إذا قلت السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين فهو الانصراف» «2»‌

و‌

خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا كنت إماماً فإنما التسليم أن تسلم على النبي (ص) و تقول: السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، فاذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة، ثمَّ تؤذن القوم فتقول و أنت مستقبل القبلة:

السلام عليكم، و كذلك إذا كنت وحدك تقول: السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» «3»‌

، و‌

موثقه: «إذا نسي الرجل أن يسلم فإذا ولى وجهه عن القبلة و قال: السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين فقد فرغ من صلاته ..» «4»‌

الى غير ذلك.

و على التحليل بالثاني إطلاقات التسليم التي قد عرفت احتمال اختصاصها‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب التسليم حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب التسليم حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 8.

(4) الوسائل باب: 3 من أبواب التسليم حديث: 1.

 

464
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في التسليم ج‌6 ص 451

.....

به فضلا عن شمولها له، بل بعض ما ورد في الأول ظاهر في أن الاكتفاء به لأنه من بعض أفراد التسليم، مثل ما‌

عن كتاب الرضا (ع) الى المأمون: «و لا يجوز أن تقول في التشهد الأول: السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين لأن تحليل الصلاة التسليم، فاذا قلت هذا فقد سلمت» «1»‌

، و نحوه خبر الأعمش «2».

و كأنه في الجواهر يشير الى هذه الإطلاقات في استدلاله على الخروج بالثاني بالإجماع بقسميه، بل الضرورة و النصوص المتواترة، و إلا فلم نقف في النصوص على ما يتعرض له بالخصوص غير صحيح ابن أذينة و غيره في صلاة النبي (ص) في المعراج «3»، و‌

خبر أبي بكر: «إني أصلي بقوم فقال (ع): تسلم واحدة و لا تلتفت، قل: السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته، السلام عليكم» «4»‌

، و ما‌

عن جامع البزنطي عن عبد اللّه بن أبي يعفور: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن تسليم الامام و هو مستقبل القبلة. قال (ع): يقول السلام عليكم» «5».

نعم ورد في جملة من النصوص التعرض له، لكن لم يظهر منها أنه محلل،

ففي مرسل الفقيه: «قال رجل لأمير المؤمنين (ع): ما معنى قول الامام السلام عليكم؟ فقال (ع): ..» «6»‌

، و‌

في خبر المفضل: «لم لا يقال: السلام عليك و الملك على اليمين واحد، و لكن يقال:

السلام عليكم؟ قال (ع): ..» «7»‌

، و‌

في موثق يونس بن يعقوب:

______________________________
(1) الوسائل باب: 12 من أبواب التشهد حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 29 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

(3) تقدم في صفحة: 435.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 9.

(5) الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 11.

(6) الوسائل باب: 4 من أبواب التسليم حديث: 4.

(7) الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 15.

 

465
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في التسليم ج‌6 ص 451

.....

«قلت لأبي الحسن: صليت بقوم صلاة، فقعدت للتشهد، ثمَّ قمت و نسيت أن أسلم عليهم، فقالوا ما سلمت علينا. فقال (ع): أ لم تسلم و أنت جالس؟ قلت: بلى. قال (ع): فلا بأس عليك، و لو نسيت حتى قالوا لك ذلك استقبلتهم بوجهك و قلت: السلام عليكم» «1»‌

، و نحوها غيرها. بل لعل مثلها خبر ابن أبي يعفور المتقدم «2».

و كيف كان فمما ذكرنا في وجه محللية الأول يظهر ضعف ما نسب إلى الأكثر أو المشهور من تعين الثاني لها. كما أن مما ذكرنا في وجه محللية الثاني يظهر ضعف ما عن جامع ابن سعيد من تعين الأول لها. كما أن من كل منهما يضعف جداً ما قيل أو يقال من وجوب الجمع بينهما.

هذا و عن فاخر الجعفي وجوب التسليم على النبي (ص) منضما الى أحد التسليمين، و كأنه استند الى ما في رواية أبي بكر، و خبر أبي بصير المتقدمين «3» و فيه- مع حكاية الإجماع على خلافه، و عن البيان:

أنه مسبوق بالإجماع و ملحوق به-: أنه مخالف لصحيح الحلبي، و خبر أبي كهمس المتقدمين «4» أيضاً، و كذا حديث ميسر «5» و مرسل الفقيه «6»، بل لا يبعد ذلك في خبر أبي بصير فيكون حجة عليه لا له.

اللهم إلا أن يكون مراده وجوب السلام على النبي (ص) في قبال التسليم‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب التسليم حديث: 5.

(2) راجع الصفحة السابقة.

(3) تقدم الأول في صفحة: 465 و الثاني في صفحة: 464.

(4) راجع صفحة: 464.

(5) راجع صفحة: 459.

(6) راجع صفحة: 465.

 

466
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في التسليم ج‌6 ص 451

فإن قدم الصيغة الأولى كانت الثانية مستحبة (1) الذي به الانصراف كالصلاة عليه (ص)، فلا تصلح النصوص المذكورة لنفي وجوبه.

فالعمدة حينئذ في دفعه الإجماع و ما يستفاد من سبر جملة من النصوص من عدم وجوب شي‌ء من التسليم إلا ما يكون به انصراف. فلاحظ صحيحة الفضلاء «1» و غيرها، أما الأمر بالتسليم في الآية الشريفة «2» فغير ظاهر فيما نحن فيه، و الإجماع على عدم وجوبه في غير الصلاة لا يكفي في وجوبه فيها لا مكان حمله على الاستحباب، و لا سيما مع كون عدم الوجوب مظنة الإجماع.

كما هو المشهور، و حكي في الذكرى عن ابن طاوس (رحمه اللّه) في البشرى احتمال أنها واجبة، و ان كان الخروج ب‍ «السلام علينا»، قال في الذكرى: «للحديث الذي رواه ابن أذينة عن الصادق (ع) في وصف صلاة النبي (ص) في السماء: أنه لما صلى، أمر اللّه أن يقول للملائكة السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته. إلا أن يقال: هذا في الإمام دون غيره» ثمَّ قال: «و مما يؤكد وجوبه رواية زرارة و محمد بن مسلم- و أورد التي ذكرناها آنفاً يعني‌

روايتهما عن الباقر (ع)-: إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته، و إن كان مستعجلا في أمر يخاف أن يفوته فسلم و انصرف أجزأه».

أقول: أما صحيح المعراج «3» فالذي يظهر من ملاحظة ما فيه أنه في مقام بيان المستحب و الواجب فلا يصلح للدلالة على أحدهما كما لا يصلح‌

______________________________
(1) تقدمت في صفحة: 456.

(2) و هي قوله تعالى «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً». الأحزاب: 56.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 10.

 

467
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في التسليم ج‌6 ص 451

بمعنى كونها جزءاً مستحباً (1) لا خارجا، و إن قدم الثانية اقتصر عليها (2)، للدلالة على الوجوب التعييني، مضافا الى أنه لم يذكر فيه الصيغة الاولى، فلا يصلح حجة للدلالة على وجوب الثانية عند سبقها بها. و أما الصحيح الآخر «1» فلا يظهر وجه تأكيده للوجوب إلا إذا كان المراد من التسليم فيه الصيغة الاولى، و من الانصراف «السلام عليكم» لكنه خلاف الظاهر و قد يستدل له بما تضمن الأمر بالتسليم الظاهر في الصيغة الثانية، فإن إطلاقه شامل لصورة الإتيان بالأولى، فتجب و إن أتى بها، و لا ينافيه الخروج بها عن الصلاة كما تضمنته النصوص. و فيه: أن الذي يظهر من ملاحظة النصوص أن التسليم مأمور به بما هو محلل، فاذا ثبت التحلل بالصيغة الأولى كانت أحد فردي الواجب المسقط لأمره و فرغ به من الصلاة. و حينئذ فالأمر به بعدها يكون استحبابياً- كما في نظائره- لا أنه يحمل على الوجوب النفسي لأجل عدم منافاته مع الخروج، إذ عدم المنافاة عقلا غير مسوغ لارتكاب خلاف الظاهر عرفا.

قد تقدم في نية الوضوء الإشكال في كون الشي‌ء جزءاً للواجب مستحباً، و سيأتي إن شاء اللّه في أوائل مباحث الخلل، فالاجزاء المستحبة أمور مستحبة، محلها الواجب لا أنها أجزاء منه. نعم تفترق عن المستحبات الأجنبية أن مصلحتها من سنخ مصلحة الواجب، و من مراتبه بخلاف المستحبات الأجنبية.

لعدم الدليل على استحباب إيقاع الثانية بعدها، كما اعترف به غير واحد، منهم الشهيد على ما حكي. نعم هو ظاهر المحقق و جماعة، فان أمكن الاعتماد على قاعدة التسامح لفتواهم أمكن البناء على الاستحباب.

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 5.

 

468
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في التسليم ج‌6 ص 451

و أما «السلام عليك أيها النبي» فليس من صيغ السلام بل هو من توابع التشهد (1)، و ليس واجباً بل هو مستحب و إن كان الأحوط عدم تركه لوجود القائل بوجوبه (2)، و يكفي في الصيغة الثانية: «السلام عليكم» بحذف قوله: «و رحمة اللّه و بركاته» (3) و إن كان الأحوط ذكره، كما يشير اليه خبر أبي كهمس المتقدم «1»، و ان كان الذي يظهر من خبري أبي بكر، و أبي بصير المتقدمين «2»، و موثقة أبي بصير الطويلة «3» أنه من توابع التسليم، كما تقتضيه مناسبة الحكم و الموضوع.

قد عرفت حكايته عن الجعفي في الفاخر، و عن كنز العرفان:

أنه الذي يقوى في ظني. و قد عرفت وجهه و ضعفه.

كما نسب إلى الأكثر، و يقتضيه الاقتصار عليه في جملة من النصوص:

كروايات الحضرمي «4»، و ابن أبي يعفور «5»، و أبي بصير «6»، و يونس بن يعقوب «7» نعم‌

في صحيح ابن جعفر (ع): «رأيت إخوتي موسى (ع) و إسحاق و محمداً بني جعفر (ع) يسلمون في الصلاة عن اليمين و الشمال: السلام عليكم و رحمة اللّه، السلام عليكم و رحمة اللّه» «8»‌

، و قد‌

______________________________
(1) راجع في صفحة: 464.

(2) تقدم في صفحة: 465 و الثاني في صفحة: 464.

(3) راجع صفحة: 449.

(4) راجع صفحة: 465.

(5) راجع صفحة: 465.

(6) راجع صفحة: 464.

(7) تقدم صدرها و مصدرها في صفحة: 457.

(8) الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 1.

 

469
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في التسليم ج‌6 ص 451

بل الأحوط الجمع بين الصيغتين بالترتيب المذكور، و يجب فيه المحافظة على أداء الحروف و الكلمات على النهج الصحيح (1) تقدم‌

في صحيح المعراج: أنه (ص) قال: «السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته» «1»‌

و كأنه لذلك اختلفت فتاواهم المحكية في المقام، فعن ابن زهرة، و الألفية، و فوائد الشرائع، و ظاهر البيان، و التنقيح، و تعليق النافع، و المسالك وجوب الأخير و عن الحلبي وجوب الثاني، و نسب أيضاً الى السيد (رحمه اللّه)، و عن الأردبيلي الميل اليه، و عن الأكثر الأول، و هو الأقوى لما عرفت، الذي لا يصلح غيره لمعارضته لأنه عمل مجمل، و لا سيما و في المنتهى و عن المفاتيح: أنه لا خلاف في استحباب «و بركاته» و أن صحيح ابن جعفر مشتمل على التكرار الذي لم يقل بوجوبه أحد.

و دعوى: أن ما في النصوص الأول محمول على الاكتفاء عن ذكر الكل بذكر البعض، غير ظاهرة، و لا سيما و أن المتعارف في التسليم على الجماعة الاقتصار على «السلام عليكم». و مثلها دعوى أن ما عدا خبر أبي بكر غير ظاهر في التحلل بها كما سبق، إذ الظاهر بل المقطوع به أن ذلك هو التسليم المحلل لو لم يسبقه تسليم آخر، لا أنه تسليم آخر. مع أن في خبر أبي بكر كفاية، و لا سيما مع مطابقته لمقتضى أصالة البراءة.

اللهم إلا أن يقال: أصل البراءة إنما ينفي الجزئية أو الشرطية، و لا يثبت المحللية، فالمرجع استصحاب بقاء التحريم حتى يثبت المحلل. ثمَّ إن ظاهر النص و الفتوى اعتبار الصيغة الأولى بتمامها، لكن في نجاة العباد:

أن الأصح الاجتزاء ب‍ «السلام علينا»، و كأنه لصدق التسليم عليه، لكنه غير ظاهر في قبال ما عرفت.

لما سبق من ظهور الدليل في ذلك.

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 10.

470
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في التسليم ج‌6 ص 451

مع العربية و الموالاة. و الأقوى عدم كفاية قوله: «سلام عليكم» بحذف الألف و اللام (1).

[ (مسألة 1): لو أحدث أو أتى ببعض المنافيات الأخر قبل السلام بطلت الصلاة.]

(مسألة 1): لو أحدث أو أتى ببعض المنافيات الأخر قبل السلام بطلت الصلاة. نعم لو كان ذلك بعد نسيانه بأن اعتقد خروجه من الصلاة لم تبطل، و الفرق أن مع الأول يصدق الحدث في الأثناء، و مع الثاني لا يصدق (2) لأن المفروض أنه ترك نسياناً جزءاً غير ركني فيكون الحدث خارج الصلاة.

لكونه غير المأمور به في النصوص، و لا دليل على الاكتفاء به، و منه يظهر ضعف ما في المعتبر: من أنه لو قال «سلام عليكم» ناويا به الخروج فالأشبه أنه يجزي انتهى، و نحوه ما في التذكرة: من أن الأقرب الاجزاء.

و ان استدل عليه الأول بوقوع اسم التسليم عليه، و بوروده في القرآن «1» فإن الإطلاق مقيد بما سبق، و الورود في القرآن لا يصلح حجة في المقام، و مثله ما عن التذكرة: من أنه الأقرب، لأن علياً (ع) كان يقول ذلك عن يمينه و شماله، و لأن التنوين يقوم مقام اللام. إذ الأول غير ثابت، بل في المعتبر «2» حكاية التعريف عنه (ع) في خبر سعد، و الثاني ممنوع بنحو يشمل المقام.

قد عرفت الاشكال فيه، و أن المعيار في البطلان و عدمه وقوع المنافي قبل المحلل و عدمه، لا وقوعه في الأثناء و عدمه كما ذكر. و أما النقض‌

______________________________
(1) راجع سورة الانعام: 54 و الأعراف: 46 و الرعد: 24 و النحل: 32 و القصص:

55 و الزمر: 73.

(2) راجع آخر مسألة وجوب التسليم صفحة: 191.

 

471
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 لا يشترط فيه نية الخروج من الصلاة ج‌6 ص 472

[ (مسألة 2): لا يشترط فيه نية الخروج من الصلاة]

(مسألة 2): لا يشترط فيه نية الخروج من الصلاة (1) عليه بما ذكره سابقاً من وجوب السجود للكلام لو سها عن التسليم و تخيل الفراغ فتكلم. ففيه: أن وقوع الكلام لا يلازم إلغاء جزئية التسليم فيكون في الأثناء، بخلاف الحدث فإنه يوجب إلغاءها فيكون بعد الفراغ، فلا تنافي بين الحكم بالصحة مع الحدث و بالسجود للسهو في الكلام ناسيا. فلاحظ.

قال في المنتهى: «و هل يجب عليه أن ينوي بالتسليم الخروج من الصلاة؟ لم أجد لأصحابنا فيه نصا، و الأقرب أنه لا تجب». لإطلاق الأدلة، بل مقتضى ما تقدم من كتاب الرضا (ع) الى المأمون، و خبر الأعمش «1» الخروج به و إن قصد عدم الخروج، و مثلهما‌

حسن ميسرة: «شيئان يفسد على الناس بهما صلاتهم: قول الرجل: تبارك اسمك و تعالى جدك و لا إله غيرك، و إنما هو شي‌ء قالته الجن بجهالة فحكى اللّه تعالى عنهم. و قول الرجل: السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» «2»‌

، و قريب منه مرسل الفقيه «3». و من المعلوم أن فعل الناس إنما كان بقصد عدم الخروج لأنه في التشهد الأول. نعم لو كان قصد عدم الخروج راجعاً الى عدم قصد الأمر بطل لفوات التقرب، و في الذكرى: «حكي عن المبسوط أنه قال: ينبغي أن ينوي به ذلك، ثمَّ قال: و ليس بصريح في الوجوب، و وجه الوجوب أن نظم السلام يناقض الصلاة في وضعه من حيث هو خطاب للآدميين، و من ثمَّ تبطل بفعله في أثنائها عمداً و إذ لم تقترن به نية تصرفه الى التحليل كان مناقضاً للصلاة و مبطلا لها». و هو كما ترى.

______________________________
(1) راجع صفحة: 452.

(2) الوسائل باب: 12 من أبواب التشهد حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 12 من أبواب التشهد حديث: 2.

 

472
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 لا يشترط فيه نية الخروج من الصلاة ج‌6 ص 472

بل هو مخرج قهراً و إن قصد عدم الخروج لكن الأحوط عدم قصد عدم الخروج، بل لو قصد ذلك فالأحوط إعادة الصلاة.

[ (مسألة 3): يجب تعلم السلام على نحو ما مر في التشهد]

(مسألة 3): يجب تعلم السلام على نحو ما مر في التشهد (1)، و قبله يجب متابعة الملقن إن كان، و إلا اكتفى بالترجمة و إن عجز فبالقلب ينويه مع الإشارة باليد على الأحوط و الأخرس يخطر ألفاظه بالبال و يشير إليها باليد أو غيرها.

[ (مسألة 4): يستحب التورك في الجلوس حاله]

(مسألة 4): يستحب التورك في الجلوس حاله على نحو ما مر (2)، و وضع اليدين على الفخذين، و يكره الإقعاء.

[ (مسألة 5): الأحوط أن لا يقصد بالتسليم التحية حقيقة]

(مسألة 5): الأحوط أن لا يقصد بالتسليم التحية حقيقة (3) و مر هناك الوجه المشترك بينه و بين المقام.

كأنه لتبعيته للتشهد في ذلك.

بل جزم في نجاة العباد بعدم جوازه للمنفرد و لا للإمام و لا للمأموم، فلو فعل أحدهم بطلت الصلاة. و في الجواهر لم يستبعد البطلان للنهي عن ابتداء التحية في الصلاة، لأصالة عدم التداخل، و لأنه من كلام الآدميين، و لغير ذلك، بعد أن احتمل عدم الخلاف في عدم وجوب نوع هذا القصد فضلا عن خصوصيات المقصود، للأصل، و إطلاق الأدلة، و عموم بعضها، و السيرة المستمرة في سائر الأعصار و الأمصار من العلماء و العوام التي تشرف الفقيه على القطع بالعدم، خصوصاً في مثل هذا الحكم الذي تعم به البلوى و البلية، و لا طريق للمكلفين الى معرفته إلا بالألفاظ.

أقول: أما أصل القصد في الجملة و لو إجمالا و ارتكازاً في الواجبات القولية غير القراءة و منها التسليم فالظاهر وجوبه، لظهور ما دل على وجوب التكبير، و الذكر في الركوع، و السجود، و الركعتين الأخيرتين، و الشهادتين‌

 

473
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 5 الأحوط أن لا يقصد بالتسليم التحية حقيقة ج‌6 ص 473

.....

و الصلاة على النبي (ص)، و التسليم في وجوب تلك المفاهيم الإنشائية أو الخبرية المؤداة بالألفاظ الحاكية لها كما في سائر المعاني الخبرية و الإنشائية، و وجوب أدائها بالألفاظ الخاصة لا يقتضي كون الواجب هو الألفاظ الخاصة غير الملحوظ معانيها: لا معاني مفرداتها، و لا معاني هيئاتها، إذ لا وجه لذلك، بل هو مقطوع بخلافه، ضرورة وضوح كون التكليف بها ليس من قبيل التكليف بالألفاظ المهملة، أو بالمفردات غير المرتبط بعضها ببعض مثل: «زيد عمرو بكر» لا يراد منه إلا أداء نفس الأصوات الخاصة.

و أما حضور القصد المذكور عند أداء الكلام فالظاهر عدم وجوبه، للسيرة القطعية على عدمه، بل لا يتفق ذلك إلا للأوحدي من الناس.

يعرف ذلك كل إنسان عند مراجعة نفسه وقت الصلاة، و أنه إن لم يتعذر ذلك منه إلا بعد رياضة كاملة فلا أقل من أنه متعسر.

و أما الالتفات إلى خصوصية المعنى فعدم وجوبه أوضح، إذ يقتضيه- مضافا الى ذلك- الجهل بالخصوصيات بالنسبة إلى غالب المكلفين، و لا سيما الأجانب عن اللغة العربية.

و أما جواز القصد التفصيلي إلى المعنى بخصوصياته فلا ينبغي أن يكون محلا للإشكال، إذ معه يكون الامتثال بأوضح الأفراد و أجلاها. نعم يتوقف على العلم بالخصوصيات الملحوظة للشارع الأقدس عند الأمر به، فاذا جهلها كان القصد التفصيلي موجباً للشك في الامتثال لاحتمال عدم الإتيان بالمأمور به، إلا أن يكون قصد الخصوصية من باب الخطأ في التطبيق. مثلا إذا تردد في المراد بكاف الخطاب في «السلام عليكم» أنه الملائكة الموكلون بكتابة الحسنات أو السيئات، أو هما معاً، كان القصد الى صنف بعينه موجباً للشك في إتيان المأمور به، و كذا لو تردد في أن الباء من «و بحمده» زائدة أو للاستعانة، فإذا قصد واحداً منهما بعينه شك في إتيان المأمور به، فلا يجزي‌

 

474
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 5 الأحوط أن لا يقصد بالتسليم التحية حقيقة ج‌6 ص 473

.....

عقلا إلا إذا كان القصد إلى الخصوصية من باب القصد الطولي المجامع لقصد المعنى الواقعي للكلام. و كذا لو قامت الحجة على خصوصية المعنى، إذ ذلك إنما يقتضي العذر في قصده لا الصحة الواقعية على تقدير المخالفة، فالأحوط في السلام قصد المعنى الواقعي بلا ملاحظة خصوصية التحية و الدعاء و لا خصوصية الموضوع من كونه الملكين أو غيرهما، و أحوط منه قصد المعنى على تقدير اعتباره لا مطلقاً.

هذا و مما ذكرنا يظهر لك النظر فيما ذكره في الجواهر: من عدم جواز قصد التحية، كما يظهر لك النظر في وجهه، فان ما دل على وجوب التسليم بعنوان التحية مقيد للنهي عن ابتداء التحية في الصلاة، و للنهي عن كلام الآدميين فيها و رافع لموضوع أصالة عدم التداخل. اللهم إلا أن يمنع كون التسليم الواجب معنوناً بعنوان التحية فقصدها موجب للشك في الامتثال لكنه خلاف ظاهر النصوص و لا سيما ما يأتي.

و أشكل منه ما ذكره أولا من عدم وجوب القصد أصلا، و أن الواجب صورة اللفظ لا غير- كما صرح به في آخر كلامه- فان ذلك خروج عما هو ظاهر الأدلة كما عرفت، و إن قال (رحمه اللّه): أنه اجتهاد منشؤه الغرور بالنفس، و أنه قد يظهر لها ما يخفى على غيرها، و إلا فمن لاحظ النصوص و الفتاوى مع التأمل جزم بعدم اعتبار ذلك خصوصاً في المنفرد ..

فإنه لم يظهر بعد التأمل ما يوجب عدم اعتبار القصد أصلا و لو إجمالا، و أن الواجب مجرد التلفظ باللفظ الخاص، و كون التسليم إذناً- كما في موثق عمار «1»، و يستفاد من خبر أبي بصير السابق «2»، و أنه يترجم به الامام عن اللّه عز و جل بالأمان من عند اللّه كما في مرسل الفقيه «3»‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 7.

(2) راجع صفحة: 464.

(3) راجع صفحة: 465.

 

475
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 5 الأحوط أن لا يقصد بالتسليم التحية حقيقة ج‌6 ص 473

بأن يقصد السلام على الإمام أو المأمومين أو الملكين. نعم لا بأس بأخطار ذلك بالبال، فالمنفرد يخطر بباله الملكين الكاتبين حين السلام الثاني (1)، و غيره- لا يدل على ذلك لو لم يدل على خلافه، و كذلك الإطلاق و السيرة اللذان استدل بهما فإنهما على ما قلناه أدل كما عرفت.

نعم إطلاق:

«إذا قلت السلام علينا ..»‌

أو‌

«قل: السلام عليكم»‌

، و إن كان يقتضي ما ذكر من أن الواجب مجرد التلفظ إلا أنه لا يجوز التعويل عليه، لأنه تقييد لدليل وجوب التسليم بالمعنى الإنشائي فالمعول عليه إطلاق ذلك الدليل، و قد عرفت أنه يقتضي ملاحظة المعنى.

كيف لا؟! و موثقة أبي بصير الطويلة «1» كافية في إثبات ما ذكرنا، إذ احتمال كون التكليف بنفس الألفاظ المشتملة عليها بما هي لقلقة لسان كاحتمال التفكيك بين الواجب و المستحب، أو بين التسليم الواجب و المستحب مما لا يقبله الذوق، و المظنون وقوع الخلط بين حضور القصد حال الكلام و بين القصد الإجمالي، و اللّه سبحانه أعلم.

ثمَّ إن الظاهر عدم جريان أحكام التحية على مثل السلام المذكور لانصرافها إلى التحية في الخطابات المتعارفة، و للسيرة القطعية على خلافها، فما عن الذكرى: من أن المأموم يقصد بأول التسليمتين الرد على الامام فيحتمل أن يكون على سبيل الوجوب، لعموم قوله تعالى (وَ إِذٰا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهٰا أَوْ رُدُّوهٰا) «2» ضعيف، بل في الجواهر:

«إنه غريب من مثل الشهيد».

كما في خبري عبد اللّه بن الفضل الهاشمي، و المفضل بن عمر «3».

______________________________
(1) تقدمت في صفحة: 449.

(2) النساء: 86.

(3) تقدما في صفحة: 452.

 

476
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 5 الأحوط أن لا يقصد بالتسليم التحية حقيقة ج‌6 ص 473

و الامام يخطرهما مع المأمومين (1) و المأموم يخطرهم مع الامام (2) و في «السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» يخطر بباله الأنبياء و الأئمة و الحفظة (ع) (3).

[ (مسألة 6): يستحب للمنفرد و الامام الإيماء بالتسليم الأخير إلى يمينه]

(مسألة 6): يستحب للمنفرد و الامام الإيماء بالتسليم الأخير (4) إلى يمينه. بمؤخر عينه أو بأنفه أو غيرهما على كما في خبر المفضل.

كما قد يستفاد من خبر المفضل.

هذا كأنه مأخوذ من نفس الجملة.

قال في الذكرى: «فالمنفرد يسلم تسليمة واحدة بصيغة (السلام عليكم)، و هو مستقبل القبلة، و يومئ بمؤخر عينيه عن يمينه». و نسب ذلك الى الشيخين، و الفاضلين، و الشهيدين، و غيرهم. و كأن وجهه- على ما أشار إليه في الذكرى- الجمع بين‌

صحيح عبد الحميد بن عواض عن أبي عبد اللّه (ع): «إن كنت تؤم قوماً أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك و إن كنت مع إمام فتسليمتين، و إن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة» «1»‌

و‌

خبر أبي بصير: «قال أبو عبد اللّه (ع): إذا كنت وحدك فسلم تسليمة واحدة عن يمينك» «2»‌

، بحمل الثاني على الإيماء بالعين الذي لا ينافي الاستقبال بالوجه، الظاهر فيه الصحيح بقرينة المقابلة بالتسليم عن اليمين في الإمام.

لكن الجمع المذكور بعيد لا شاهد له، و مثله الجمع بالتخيير بين الأمرين، فإن التفصيل في الحديثين قاطع للشركة. نعم‌

في رواية المفضل: «لأي علة يسلم على اليمين و لا يسلم على اليسار؟ قال (ع): لأن الملك‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 12.

 

477
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 6 يستحب للمنفرد و الامام الإيماء بالتسليم الأخير إلى يمينه ج‌6 ص 477

.....

الموكل يكتب الحسنات على اليمين، و الذي يكتب السيئات على اليسار، و الصلاة حسنات ليس فيها سيئات، فلهذا يسلم على اليمين دون اليسار.

قلت فلم لا يقال: السلام عليك و الملك على اليمين واحد، و لكن يقال:

السلام عليكم؟ قال (ع): ليكون قد سلم عليه و على من على اليسار و فضل صاحب اليمين بالإيماء إليه. قلت: فلم لا يكون الإيماء في التسليم بالوجه كله و لكن كان بالأنف لمن يصلي وحده، و بالعين لمن يصلي بقوم؟

قال (ع): لأن مقعد الملكين من ابن آدم الشدقين، و صاحب اليمين على الشدق الأيمن، و تسليم المصلي عليه ليثبت له صلاته في صحيفته. قلت:

فلم يسلم المأموم ثلاثا؟ قال (ع): تكون واحدة رداً على الامام و تكون عليه و على ملكيه، و تكون الثانية على يمينه و الملكين الموكلين به. و تكون الثالثة على من على يساره و ملكيه الموكلين به، و من لم يكن على يساره أحد لم يسلم على يساره إلا أن تكون يمينه على حائط و يساره الى من صلى معه خلف الامام فيسلم على يساره. قلت: فتسليم الامام على من يقع؟

قال (ع): على ملكيه و المأمومين، يقول لملكيه: اكتبا سلامة صلاتي مما يفسدها، و يقول لمن خلفه سلمتم و أمنتم من عذاب اللّه تعالى» «1»‌

، و مقتضاها أن المنفرد يومئ بأنفه إلى اليمين، و الامام يومئ بعينه. لكنها مع ضعف سندها و إعراض المشهور عن ظاهرها و مخالفتها للصحيح السابق يشكل الاعتماد عليها، و إن كان هو ظاهر الصدوق (رحمه اللّه) في محكي الفقيه و المقنع.

و أما الامام فالمذكور في كلام جماعة- منهم الشهيد في الذكرى بل نسب الى المشهور- أنه يومئ بصفحة وجهه عن يمينه. و يشهد له- كما في الذكرى- ما تقدم في صحيح عبد الحميد، لكنه يعارضه جملة أخرى‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 15.

 

478
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 6 يستحب للمنفرد و الامام الإيماء بالتسليم الأخير إلى يمينه ج‌6 ص 477

.....

كصحيح أبي بصير قال أبو عبد اللّه (ع): «إذا كنت في صف فسلم تسليمة عن يمينك، و تسليمة عن يسارك، لأن عن يسارك من يسلم عليك.

و إن كنت إماماً فسلم تسليمة و أنت مستقبل القبلة» «1»‌

، و ما‌

في خبره المتقدم: «ثمَّ تؤذن القوم فتقول و أنت مستقبل القبلة: السلام عليكم» «2»‌

و‌

خبر ابن أبي يعفور: «عن تسليم الامام و هو مستقبل القبلة قال (ع):

يقول: السلام عليكم» «3»‌

، و‌

خبر الحضرمي: «إني أصلي بقوم، فقال (ع):

سلم واحدة و لا تلتفت قل ..» «4»‌

، و‌

خبر الكاهلي: «صلى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام‌

.. الى أن قال:

و سلم واحدة مما يلي القبلة» «5».

و الجمع بينها بما ذكر و إن كان قريباً إلا أنه لا شاهد له و مخالف للتفصيل فيها القاطع للشركة، و مثله ما في المتن تبعاً للجواهر و غيرها من المساواة بين الامام و المنفرد في أنهما يسلمان إلى القبلة لنصوص الاستقبال فيهما، و يومئان بنحو لا ينافي الاستقبال من غير تخصيص بمؤخر العين، أو بالعين، أو بصفحة الوجه، أو بالوجه قليلا، أو بالأنف، أو بطرفه، أو بغير ذلك أخذاً بإطلاق نصوص الإيماء فيهما أيضاً، فإنه و إن سلم من إشكال التخصيص بما به الإيماء لكنه غير سالم من إشكال المخالفة للتفصيل بين الامام و المأموم في النصوص من حيث الاستقبال و الإيماء إلى اليمين القاطع للشركة، و من هنا كان المحكي عن الجمل، و العقود، و المبسوط: من أن الامام و المنفرد يسلمان تجاه القبلة و كأنه طرح لنصوص الإيماء لمعارضتها في المقامين بما هو أرجح منها.

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 8 و تقدم في صفحة: 464.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 11.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 9.

(5) الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 17.

 

479
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 6 يستحب للمنفرد و الامام الإيماء بالتسليم الأخير إلى يمينه ج‌6 ص 477

وجه لا ينافي الاستقبال. و أما المأموم فان لم يكن على يساره أحد فكذلك (1)، و إن كان على يساره بعض المأمومين بلا إشكال، لاتفاق النصوص على تسليمه الى اليمين و الى الشمال إذا كان هناك أحد.

ففي صحيح أبي بصير. «إذا كنت في صف فسلم تسليمة عن يمينك و تسليمة عن يسارك، لأن عن يسارك من يسلم عليك» «1»‌

و‌

في خبره: «فاذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت و سلم على من على يمينك و شمالك، فاذا لم يكن على شمالك أحد فسلم على الذي على يمينك، و لا تدع التسليم على يمينك إن لم يكن على شمالك أحد» «2»‌

، و‌

في صحيح منصور: «الامام يسلم واحدة، و من وراءه يسلم اثنتين، فان لم يكن عن شماله أحد يسلم واحدة» «3»‌

، و نحوها غيرها.

ثمَّ إنه قد يستظهر من هذه النصوص كون الإيماء على النحو المتعارف بأن يلتفت بوجهه، و يكون حينئذ منافياً لما دل على وجوب الاستقبال في التسليم، فاما أن يكون مقيداً له، أو يحمل على الإيماء بنحو لا ينافي الاستقبال لكن الإطلاق الشامل لذلك غير ظاهر، فضلا عن الظهور. هذا و‌

في صحيح زرارة، و محمد، و معمر بن يحيى، و إسماعيل عن أبي جعفر (ع) قال: «يسلم تسليمة واحدة إماماً كان أو غيره» «4»‌

، و‌

في خبر ابن جعفر (ع): «عن تسليم الرجل خلف الإمام في الصلاة كيف؟ قال (ع): تسليمة واحدة عن يمينك إذا كان على يمينك أحد أو لم يكن» «5».

و لعلهما محمولان على نفي وجوب الزائد، أو نفي تأكده. و عن الشيخ حمل الأول على ما إذا‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 5.

(5) الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 16.

 

480
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 6 يستحب للمنفرد و الامام الإيماء بالتسليم الأخير إلى يمينه ج‌6 ص 477

فيأتي بتسليمة أخرى مومياً إلى يساره، و يحتمل استحباب تسليم آخر للمأموم بقصد الامام (1)، فيكون ثلاث مرات.

[ (مسألة 7): قد مر سابقاً في الأوقات أنه إذا شرع في الصلاة قبل الوقت و دخل عليه و هو في الصلاة صحت صلاته]

(مسألة 7): قد مر سابقاً في الأوقات أنه إذا شرع في الصلاة قبل الوقت و دخل عليه و هو في الصلاة صحت صلاته، و إن كان قبل السلام أو في أثنائه، فاذا أتى بالسلام الأول، و دخل عليه الوقت في أثنائه تصح صلاته. و أما إذا دخل بعده قبل السلام الثاني أو في أثنائه ففيه إشكال. و إن كان يمكن القول بالصحة، لأنه و إن كان يكفي الأول في الخروج عن الصلاة، لكن على فرض الإتيان بالصيغتين يكون الثاني أيضاً جزءاً، فيصدق دخول الوقت في الأثناء (2)، فالأحوط إعادة الصلاة مع ذلك.

لم يكن على يساره أحد.

كما أفتى به في محكي الفقيه، قال: «و إن كنت خلف إمام تأتم به فسلم تجاه القبلة واحدة رداً على الامام و تسليمة عن يمينك واحدة و على يسارك واحدة إلا أن لا يكون على يسارك إنسان فلا تسلم على يسارك إلا أن تكون بجنب حائط» «1». و يقتضيه خبر المفضل «2». لكن المشهور العدم، كما يقتضيه ظاهر النصوص.

قد عرفت في أوائل مبحث القيام أن الأجزاء المندوبة ليست أجزاء للماهية و لا للفرد المأمور به، و إنما هي أمور مستحبة في الواجب مصلحتها‌

______________________________
(1) من لا يحضره الفقيه ج: 1 صفحة: 210 طبع النجف الحديث.

(2) تقدم في أول المسألة.

 

481
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في الترتيب ج‌6 ص 482

[فصل في الترتيب]

فصل في الترتيب يجب الإتيان بأفعال الصلاة على حسب ما عرفت من الترتيب (1)، بأن يقدم تكبيرة الإحرام على القراءة، و القراءة على الركوع، و هكذا. فلو خالفه عمداً بطل ما أتى به مقدماً، و أبطل من جهة لزوم الزيادة، سواء كان ذلك في الأفعال أو الأقوال، و في الأركان أو غيرها. و إن كان سهواً من سنخ المصلحة الصلاتية و من مراتبها، و حينئذ ظاهر‌

قوله (ع) في خبر ابن رباح: «فدخل الوقت و أنت في الصلاة» «1»‌

، إن كان مطلق الطبيعة الصلاتية تمَّ ما في المتن، أما لو كان خصوص الصلاة المأمور بها التي اختتامها و تحليلها التسليم، تعين البناء على وجوب الإعادة. و هذا إن لم يكن أظهر- كما هو كذلك- فلا أقل من الاجمال، الموجب للرجوع إلى أصالة البطلان بفوات الوقت. و هكذا الحال لو شك في صحة الصلاة و هو في التسليم المستحب، فإنه يبني على الصحة لقاعدة الفراغ. مع أنه يكفي في الصحة قاعدة التجاوز. و اللّه سبحانه أعلم.

فصل في الترتيب بلا إشكال في ذلك ظاهر، و إن قل من تعرض له بعنوان مستقل.

نعم يستفاد من كلماتهم في تعداد أفعال الصلاة، و في مبحث الخلل حينما يتعرضون لنسيان الجزء و ذكره بعد الدخول فيما بعده، و في قاعدة التجاوز،

______________________________
(1) الوسائل باب: 25 من أبواب المواقيت حديث: 1.

 

482
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في الترتيب ج‌6 ص 482

فان كان في الأركان بأن قدم ركناً على ركن، كما إذا قدم السجدتين على الركوع فكذلك، و إن قدم ركناً على غير الركن كما إذا قدم الركوع على القراءة، أو قدم غير الركن على الركن كما إذا قدم التشهد على السجدتين أو قدم غير الأركان بعضها على بعض، كما إذا قدم السورة- مثلا- على الحمد فلا تبطل الصلاة إذا كان ذلك سهواً. و حينئذ فإن أمكن التدارك بالعود بأن لم يستلزم زيادة ركن وجب. و إلا فلا. نعم يجب عليه سجدتان لكل زيادة أو نقيصة تلزم من ذلك (1).

[ (مسألة 1): إذا خالف الترتيب في الركعات سهواً]

(مسألة 1): إذا خالف الترتيب في الركعات سهواً، كأن أتى بالركعة الثالثة في محل الثانية، بأن تخيل بعد الركعة الأولى أن ما قام إليه ثالثة فأتى بالتسبيحات الأربع و ركع و سجد، و قام إلى الثالثة و تخيل أنها ثانية فأتى بالقراءة و القنوت لم تبطل صلاته، بل يكون ما قصده ثالثة ثانية، و ما قصده ثانية ثالثة قهراً، و كذا لو سجد الأولى بقصد الثانية، و الثانية بقصد الأولى (2).

و يستفاد من النصوص الواردة في جزئية الأجزاء و محالها، و الواردة في الشك في الجزء بعد الدخول فيما بعده، و الواردة في نسيان تكبيرة الافتتاح، و القراءة، و الركوع، و السجود، و التشهد، و غيرها، و ما تضمن أن تحريمها التكبير و تحليلها التسليم، و غير ذلك، و يأتي إن شاء اللّه تعالى في مبحث الخلل التعرض للأحكام المذكورة في المتن.

يأتي إن شاء اللّه التعرض لوجوب السجود لمطلق الزيادة و النقيصة.

تقدم في فصل الركعات الأخيرة التنبيه على أن الصحة في المقام‌

 

483
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في الموالاة ج‌6 ص 484

[فصل في الموالاة]

فصل في الموالاة قد عرفت سابقاً وجوب الموالاة (1) في كل من القراءة و التكبير، و التسبيح، و الأذكار، بالنسبة إلى الآيات، و الكلمات، و الحروف، و أنه لو تركها عمداً على وجه يوجب محو الاسم بطلت الصلاة. بخلاف ما إذا كان سهواً فإنه لا تبطل الصلاة و إن بطلت تلك الآية أو الكلمة فيجب إعادتها. نعم إذا أوجب فوات الموالاة فيها محو اسم الصلاة بطلت. و كذا إذا كان ذلك في تكبيرة الإحرام، فإن فوات الموالاة فيها سهواً بمنزلة نسيانها (2). و كذا في السلام، فإنه بمنزلة عدم الإتيان به، فاذا تذكر ذلك و مع ذلك أتى بالمنافي (3) بطلت صلاته.

بخلاف ما إذا أتى به قبل التذكر، فإنه كالإتيان به بعد نسيانه.

و نحوه من أجل كون عنوان الثانية أو الثالثة ملحوظاً داعياً الى العمل، لا قيداً في موضوع الامتثال، فلو اتفق ملاحظته قيداً وجبت الإعادة، لفوات الامتثال.

فصل في الموالاة تقدم ذلك في المسألة السادسة و الثلاثين من مسائل فصل القراءة.

لأن فوات الموالاة بين أجزائها توجب بطلانها، فيكون بمنزلة ما لو تركها نسيانا، و يجب عليه استئنافها.

يعني: أتى بالمنافي بعد ما تذكر أنه قد ترك الموالاة في السلام‌

 

484
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في الموالاة ج‌6 ص 484

و كما تجب الموالاة في المذكورات تجب في أفعال الصلاة، بمعنى عدم الفصل بينها على وجه يوجب محو صورة الصلاة (1)، سواء كان عمداً، أو سهواً مع حصول المحو المذكور. بخلاف ما إذا لم يحصل المحو المذكور فإنه لا يوجب البطلان.

لأنه إذا تذكر ذلك كان مكلفاً بإتيان السلام، فاذا أتى بالمنافي كان واقعا في أثناء الصلاة، فتبطل به. و لا مجال‌

لحديث: «لا تعاد الصلاة» «1»‌

لإسقاط جزئية السلام، إذ ليس بقاؤه على الجزئية موجباً للإعادة، لأن المفروض أنه تذكر قبل إتيان المنافي، لأن بقاءه على الجزئية إنما يوجب تداركه نفسه لا غير. بخلاف الصورة الثانية التي أشار إليها بقوله: «بخلاف ما إذا أتى»، فإن بقاء الجزء على الجزئية حال النسيان يستوجب الإعادة فتنتفي جزئيته‌

بحديث: «لا تعاد الصلاة».

لكن عرفت أن الأظهر فيه البطلان أيضاً. فراجع.

مرجع اعتبار الموالاة بهذا المعنى، الى اعتبار وصل الاجزاء بعضها ببعض، على نحو يحصل لها هيئة خاصة مقومة لمفهوم الصلاة، بنحو يفوت بفواتها و لا يصدق بفقدها. و اشتراط الموالاة بهذا المعنى، مما لا ينبغي أن يكون محلا للإشكال. ضرورة اعتبار صدق المفهوم في الجملة في تحقق الامتثال و سقوط الأمر، من غير فرق بين العمد و السهو.

نعم الإشكال في تعيين الصغرى، و أن المرجع فيه العرف، أو ارتكاز المتشرعة، أو الأدلة الخاصة، من إجماع، أو غيره. لكن لا ينبغي التأمل في عدم صلاحية الأول للمرجعية في ذلك، لعدم كون الصلاة و نحوها من العبادات المخترعة مما يرجع في تحديدها الى العرف، لعدم تحصلها لديهم.

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب التشهد حديث: 1.

 

485
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 1 تطويل الركوع أو السجود ج‌6 ص 486

[ (مسألة 1): تطويل الركوع، أو السجود]

(مسألة 1): تطويل الركوع، أو السجود، أو إكثار الأذكار، أو قراءة السور الطوال، لا تعد من المحو (1) فلا إشكال فيها.

[ (مسألة 2): الأحوط مراعاة الموالاة العرفية]

(مسألة 2): الأحوط مراعاة الموالاة العرفية بمعنى متابعة الأفعال بلا فصل (2)، و إن لم يمح معه صورة الصلاة و إن كان الأقوى عدم وجوبها. و كذا في القراءة و الأذكار.

[ (مسألة 3): لو نذر الموالاة بالمعنى المذكور]

(مسألة 3): لو نذر الموالاة بالمعنى المذكور فالظاهر انعقاد نذره لرجحانها و لو من باب الاحتياط، فلو خالف كما لا ينبغي التوقف في صلاحية ارتكاز المتشرعة للمرجعية، لكونه مأخوذاً يداً بيد الى زمان الشارع، بحيث يقطع بأنه لو لا صحته لردعهم عنه. بل ثبوت الارتكاز المذكور لا بد أن يكون بطريق التلقي منه، فوجوده يدل على وجوده، كما لعله ظاهر. ثمَّ إن أكثر الأصحاب لم يتعرضوا لشرطية الموالاة بالمعنى المذكور، و إنما تعرضوا لقاطعية السكوت الطويل. ذكروا ذلك في مبحث القواطع و منها الفعل الكثير، و إبطال الجميع للصلاة بمناط محو الاسم. و في كون ذلك مبطلا حال السهو إشكال يأتي في مبحث القواطع التعرض له إن شاء اللّه تعالى.

لأنه إنما يكون بالأجنبي، و ليس المفروض منه.

لأجل أن العمدة في الاستدلال على اعتبار الموالاة بالمعنى المذكور النصوص البيانية الفعلية، التي يشكل الاستدلال بها لإجمال الفعل. و دعوى:

انصراف إطلاق التكليف بها الى خصوص صورة حصول الموالاة. يمكن منعها، كما تقدم في التيمم و غيره. و الإجماع على وجوبها غير متحقق.

كان المرجع في وجوبها الأصل، و هو يقتضي البراءة. نعم الأحوط فعلها خروجا عن شبهة الخلاف.

 

486
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 لو نذر الموالاة بالمعنى المذكور ج‌6 ص 486

عمداً عصى. لكن الأظهر عدم بطلان صلاته (1).

[فصل في القنوت]

فصل في القنوت و هو مستحب (2) في جميع الفرائض اليومية، و نوافلها قد تقدم في مسألة نذر سورة معينة الإشكال في ذلك، و أن الصلاة بدون الموالاة تصرف في موضوع النذر و إعدام له، فيكون مخالفة للنذر، لأنه يقتضي حفظ موضوعه، فيكون فعلها حراماً، فتبطل. نظير ما لو نذر أن يتصدق بشاة معينة على زيد، فتصدق بها على عمرو. و يأتي في مبحث نذر الصلاة جماعة التعرض لذلك أيضاً.

فصل في القنوت قال في القاموس: «القنوت الطاعة، و السكون، و الدعاء، و القيام في الصلاة، و الإمساك عن الكلام». و على الأول: حمل قوله تعالى (وَ كٰانَتْ مِنَ الْقٰانِتِينَ) «1». و على الثاني: قوله تعالى (وَ قُومُوا لِلّٰهِ قٰانِتِينَ) «2» كما عن زيد بن أرقم. و على الرابع: قوله تعالى (أَمَّنْ هُوَ قٰانِتٌ آنٰاءَ اللَّيْلِ) «3». و على الثالث: حمل ما ورد من الأمر به في الصلاة، فقد نسب الى المشهور و المتشرعة أنه بمعنى الدعاء. لكن يتعين حمل الدعاء حينئذ على ما يشمل الذكر، على ما سيأتي من الاكتفاء به في أداء وظيفته. و الذي يظهر من كلمات أهل اللغة و ملاحظة موارد الاستعمال أنه في اللغة نحو من العبادة و التذلل و استشعار لبعض مظاهرهما سواء أ كان بنحو الدعاء، أم السكوت، أم الخشوع، أم غير ذلك. و لا يهم تحقيق ذلك بعد كون المراد منه في لسان الشارع و المتشرعة مفهوم آخر كسائر الماهيات المخترعة. و سيأتي في رفع اليدين بعض الكلام فيه.

إجماعاً. كما عن المعتبر، و المنتهى، و التذكرة، و غيرها. لكن‌

______________________________
(1) التحريم: 12.

(2) البقرة: 238.

(3) الزمر: 9.

 

487
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القنوت ج‌6 ص 487

.....

في صحة نسبة الإجماع إلى الأولين إشكال أو منع، فإنهما بعد ما حكيا اتفاق أصحابنا- كما في الأول- أو علمائنا- كما في الثاني- نقلا القول بالوجوب عن ابن بابويه، فان ذلك يدل على أن المراد حكاية الاتفاق على مجرد المشروعية. نعم في التذكرة بعد ما حكى الاتفاق المذكور قال: «و قد يجري في بعض عبارات علمائنا الوجوب. و القصد شدة الاستحباب». و كيف كان فنسب القول بالوجوب الى الصدوق. و يقتضيه ظاهر محكي الفقيه:

«القنوت سنة واجبة، و من تركها متعمداً في كل صلاة فلا صلاة له.

قال اللّه عز و جل وَ قُومُوا لِلّٰهِ قٰانِتِينَ»، و عن المقنع و الهداية: «من تركه متعمداً فلا صلاة له»، و نحوه المحكي عن ابن أبي عقيل، و في الذكرى نسب اليه القول بالوجوب في خصوص الجهرية. و عن الحبل المتين أن ما قال به ذلك الشيخان الجليلان غير بعيد عن جادة الصواب.

هذا و العمدة فيما يستدل به على الوجوب إطلاق الأمر به في جملة من النصوص «1»، و‌

موثق عمار عن أبي عبد اللّه (ع): «إن نسي الرجل القنوت في شي‌ء من الصلاة حتى يركع فقد جازت صلاته و ليس عليه شي‌ء و ليس له أن يدعه متعمداً» «2»‌

، و‌

خبر الفضل بن شاذان في كتاب الرضا (ع) الى المأمون: «و القنوت سنة واجبة في الغداة و الظهر و العصر و المغرب و العشاء» «3»‌

و‌

خبر الأعمش: «و القنوت في جميع الصلوات سنة واجبة في الركعة الثانية قبل الركوع و بعد القراءة» «4».

لكن يدفع ذلك كله‌

صحيح البزنطي عن الرضا (ع) قال: «قال‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب القنوت حديث: 7 و 9.

(2) الوسائل باب: 15 من أبواب القنوت حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب القنوت حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب القنوت حديث: 6.

 

488
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القنوت ج‌6 ص 487

أبو جعفر (ع) في القنوت: إن شئت فاقنت و ان شئت فلا تقنت. قال أبو الحسن (ع): و إذا كانت التقية فلا تقنت و أنا أتقلد هذا» «1».

فإنه كالصريح في جواز تركه لا لتقية. و لا يضر ما عن موضع من التهذيب «2» و الاستبصار «3» من روايته‌

«في الفجر»‌

بدل قوله:

«في القنوت»‌

، و‌

روايته بطريق آخر: «القنوت في الفجر ..» «4».

لعدم احتمال التفصيل بين الفجر و غيرها، و لا سيما مع احتمال تعدد المتن. فتأمل.

و حينئذ يتعين حمل ما سبق على تأكد الاستحباب، و لا سيما مع تأيده بمثل‌

صحيح وهب عن أبي عبد اللّه (ع): «القنوت في الجمعة و المغرب و العتمة و الوتر و الغداة، فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له» «5».

فان تخصيص الحكم بالرغبة عنه لا يخلو عن ظهور في جواز تركه لا لذلك.

بل ما في صدره من تخصيص الثبوت بالصلوات المذكورات دلالة على نفي إطلاق الوجوب. و أصرح منه في التخصيص‌

صحيح سعد عن أبي الحسن الرضا (ع): «سألته عن القنوت، هل يقنت في الصلوات كلها أم فيما يجهر فيه بالقراءة؟ فقال (ع): ليس القنوت إلا في الغداة و الجمعة و الوتر و المغرب» «6»‌

و‌

موثق سماعة: «سألته عن القنوت في أي صلاة هو؟ فقال (ع): كل شي‌ء يجهر فيه بالقراءة فيه قنوت» «7».

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب القنوت حديث: 1.

(2) التهذيب ج: 2 صفحة: 161 طبع النجف الحديث.

(3) الاستبصار ج: 1 صفحة: 345 طبع النجف الحديث.

(4) الوسائل باب 4: من أبواب القنوت ملحق حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 2 من أبواب القنوت حديث: 2.

(6) الوسائل باب: 2 من أبواب القنوت حديث: 6.

(7) الوسائل باب: 2 من أبواب القنوت حديث: 1.

 

489
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القنوت ج‌6 ص 487

بل جميع النوافل (1)، حتى صلاة الشفع على الأقوى (2) و يتأكد في الجهرية من الفرائض (3) هذا و لا تصلح هذه النصوص لإثبات وجوبه في الجهرية- كما نسب أيضاً الى ابن أبي عقيل- لعدم ظهورها في الوجوب، لورودها في مقام بيان ما يقنت فيه من الصلوات، لا في مقام تشريع حكمه. اللهم إلا أن يكون ذلك مقتضى الجمع بينها و بين مطلقات الأمر به. لكنه أيضاً مدفوع بما سبق من صحيح البزنطي.

إجماعا. كما عن غير واحد. قال في التذكرة: «و هو مستحب في كل صلاة مرة واحدة، فرضاً كانت، أو نفلا، أداء، أو قضاء، عند علمائنا أجمع». و نحوه عبارات المعتبر، و المنتهى. و يشهد له جملة من النصوص،

كصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «سألته عن القنوت، فقال (ع): في كل صلاة فريضة و نافلة» «1»‌

و‌

صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع): «القنوت في كل صلاة في الفريضة و التطوع» «2»‌

، و نحوهما غيرهما.

تقدم الكلام في ذلك في المسألة الأولى من فصل أعداد الفرائض و نوافلها.

كما عن السيد، و الشيخ، و الحلي، و العلامة، و الشهيدين، و المحقق الثاني، و غيرهم. للنصوص المتقدمة المخصصة له بها بعد حملها على التأكد جمعاً بينها و بين غيرها. لكن‌

في موثق أبي بصير: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن القنوت، فقال (ع): فيما يجهر فيه بالقراءة. فقلت له:

إني سألت أباك (ع) عن ذلك فقال (ع) لي: في الخمس كلها،

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب القنوت حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب القنوت حديث: 12.

 

490
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القنوت ج‌6 ص 487

خصوصاً في الصبح، و الوتر، و الجمعة (1) بل الأحوط عدم تركه في الجهرية، بل في مطلق الفرائض. و القول بوجوبه في الفرائض، أو في خصوص الجهرية منها، ضعيف. و هو‌

فقال (ع): رحم اللّه أبي (ع) إن أصحاب أبي أتوه فسألوه فأخبرهم بالحق، ثمَّ أتوني شكاكا فأفتيتهم بالتقية» «1»‌

و قد يظهر منه أن تخصيصه بالجهرية كان لأجل التقية و أنه في الواقع لا فرق بين الجهرية و غيرها.

و يشير اليه‌

موثق ابن مسلم: «سألت أبا جعفر (ع)، عن القنوت في الصلوات الخمس فقال (ع) أقنت فيهن جميعاً، قال: و سألت أبا عبد اللّه عليه السلام بعد ذلك عن القنوت فقال (ع) لي: أما ما جهرت به فلا شك» «2»‌

و‌

موثق زرارة عن أبي جعفر (ع): «القنوت في كل الصلوات قال محمد بن مسلم فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه (ع) فقال (ع):

أما ما لا يشك فيه فما جهر فيه بالقراءة» «3».

اللهم إلا أن يكون الوجه في الشك في غير الجهرية قلة ما ورد فيه من الأمر، بالإضافة الى ما ورد في الجهرية من التأكيد الكاشف عن مزيد الاهتمام، و يكون اتقاؤه عليه السلام في الاقتصار على ذكر الجهرية ملاحظته لغير الواقع من العناوين المصححة للاقتصار على ذكر الأفضل لا غير. فتأمل جيداً.

المحكي عن جماعة أن الخصوصية من بين الصلوات الجهرية للصبح و المغرب. و استدل لهم بصحيح سعد المتقدم «4». لكن ينبغي ذكر الوتر و الجمعة معهما لذكرهما في الصحيح. و لأجله يشكل وجه ما في المتن من ترك المغرب.

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب القنوت حديث: 10.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب القنوت حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب القنوت حديث: 4 و 5.

(4) راجع صفحة: 489.

 

491
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القنوت ج‌6 ص 487

في كل صلاة مرة، قبل الركوع من الركعة الثانية (1)، و قبل الركوع في صلاة الوتر (2).

بعد القراءة إجماعاً. كما عن الخلاف، و الغنية، و التذكرة، و الذكرى، و المفاتيح، و غيرها. لكن في المعتبر: «يمكن أن يقال بالتخيير و إن كان تقديمه على الركوع أفضل. و يدل على ذلك ما‌

رواه معمر بن يحيى عن أبي جعفر عليه السلام قال: «القنوت قبل الركوع و إن شئت بعده» «1»‌

، و قال في مقام آخر: «و محله الأفضل قبل الركوع و هو مذهب علمائنا». و يشهد للأول‌

صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): «القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع» «2»‌

، و‌

في صحيح يعقوب بن يقطين: «سألت عبداً صالحاً (ع)

.. الى أن قال:

قبل الركوع حين تفرغ من قراءتك» «3»‌

، و‌

في موثق سماعة: «قبل الركوع و بعد القراءة» «4»‌

، و نحوها غيرها. و الانصاف أن الجميع لا يصلح لمعارضة خبر معمر، لإمكان حملها على الأفضلية كما ذكر المحقق.

و حمل الشيخ للخبر على حال القضاء، أو حال التقية، ليس من الجمع العرفي جزماً. نعم‌

في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (ع): «ما أعرف قنوتاً إلا قبل الركوع» «5».

و الجمع بالحمل على الأفضلية بعيد جداً، و لا سيما بملاحظة النصوص الواردة فيمن نسيه حتى ركع.

فالبناء على المشهور متعين.

بلا خلاف ظاهر و يشهد له النصوص الكثيرة،

كصحيح معاوية‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب القنوت حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب القنوت حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب القنوت حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 3 من أبواب القنوت حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 3 من أبواب القنوت حديث: 6.

 

492
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القنوت ج‌6 ص 487

إلا في صلاة العيدين (1)، ففيها في الركعة الأولى خمس مرات و في الثانية أربع مرات. و إلا في صلاة الآيات، ففيها مرتان، مرة قبل الركوع الخامس، و مرة قبل الركوع العاشر، بل لا يبعد استحباب خمسة قنوتات فيها في كل زوج من الركوعات‌

ابن عمار: «أنه سأل أبا عبد اللّه (ع) عن القنوت في الوتر، قال (ع):

قبل الركوع» «1»‌

، و نحوه غيره. ثمَّ إن المحقق في المعتبر ذكر أن في الوتر قنوتين، كالجمعة، و تبعه عليه في التذكرة، و الدروس، و الروضة- على ما حكي- لما‌

روي عن أبي الحسن موسى (ع): «أنه كان إذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر قال: هذا مقام من حسناته نعمة منك و شكره ضعيف، و ذنبه عظيم، و ليس لذلك إلا رفقك و رحمتك، فإنك قلت في كتابك المنزل على نبيك المرسل صلى اللّه عليه و آله (كٰانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مٰا يَهْجَعُونَ وَ بِالْأَسْحٰارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) طال و اللّه هجوعي، و قل قيامي، و هذا السحر و أنا أستغفرك لذنوبي استغفار من لا يملك لنفسه ضراً و لا نفعاً، و لا موتا و لا حياة و لا نشوراً. ثمَّ يخر ساجداً» «2»‌

، و‌

في خبر أحمد الرازي قال (ع): «اللهم إنك قلت ..» «3»‌

و استشكل فيه غير واحد بأن استحباب الدعاء المذكور لا يقتضي استحباب قنوت آخر، إذ ليس كل دعاء قنوتاً، و إلا لزم استحباب القنوت في الركوع و السجود و فيما بين السجدتين، الى غير ذلك من الموارد، و هو خلاف النص و الفتوى.

يأتي الكلام في ذلك في محله. و كذا صلاة الآيات.

______________________________
(1) الوسائل باب: 18 من أبواب القنوت حديث: 5.

(2) مستدرك الوسائل باب: 16- النوادر- من أبواب القنوت حديث: 2.

(3) مستدرك الوسائل باب: 16- النوادر- من أبواب القنوت حديث: 1.

 

493
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القنوت ج‌6 ص 487

و إلا في الجمعة، ففيها قنوتان في الركعة الأولى قبل الركوع، و في الثانية بعده (1).

كما نسب الى المشهور و يشهد له‌

صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سأله بعض أصحابنا و أنا عنده عن القنوت في الجمعة، فقال (ع) له: في الركعة الثانية، فقال له: حدثنا به بعض أصحابنا أنك قلت له: في الركعة الأولى، فقال (ع): في الأخيرة، و كان عنده ناس كثير، فلما رأى غفلة منهم قال (ع): يا أبا محمد في الأول و الأخيرة، فقال له أبو بصير بعد ذلك: أقبل الركوع أو بعده؟ فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: كل قنوت قبل الركوع، إلا الجمعة، فإن الركعة الأولى القنوت فيها قبل الركوع، و الأخيرة بعد الركوع» «1»‌

، و‌

صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) في حديث: «على الامام فيها- أي في الجمعة- قنوتان: قنوت في الركعة الأولى قبل الركوع، و في الركعة الثانية بعد الركوع و من صلاها وحده فعليه قنوت واحد في الركعة الأولى قبل الركوع» «2»‌

، و نحوه موثق سماعة «3». و الظاهر- كما يشهد به بعض النصوص- أن التخصيص بالإمام في قبال المنفرد، لا المأموم، لا أقل من وجوب حمله على ذلك بقرينة إطلاق ما سبق. و من هذا يظهر ضعف ما عن صريح جماعة و ظاهر آخرين من التخصيص بالإمام. و لا سيما و من البعيد جداً أن يقنت الامام و يسكت المأموم.

هذا و عن الفقيه أنه قال: «الذي أستعمله و أفتي به و مضى عليه مشايخي رحمهم اللّه تعالى هو أن القنوت في جميع الصلوات في الجمعة و غيرها‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب القنوت حديث: 12.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب القنوت حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 5 من أبواب القنوت حديث: 8.

 

494
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القنوت ج‌6 ص 487

و لا يشترط فيه رفع اليدين (1). و لا ذكر مخصوص في الركعة الثانية بعد القراءة قبل الركوع». و فيه: أنه طرح للنصوص المذكورة و غيرها مما يأتي الإشارة إليه من غير وجه ظاهر. و عن السرائر: «و الذي يقوى عندي أن الصلاة لا يكون فيها إلا قنوت واحد، أية صلاة كانت.

هذا الذي يقتضيه مذهبنا، و إجماعنا، فلا يرجع عن ذلك بأخبار الآحاد، التي لا تثمر علماً و لا عملا». فإن أراد ما عن الفقيه، ففيه ما عرفت.

و إن أراد ما عن المقنعة و المختلف من أن فيها قنوتاً واحداً في الأولى، فهو و ان كان قد يقتضيه جملة وافرة من النصوص،

كصحيح ابن حنظلة: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): القنوت يوم الجمعة، فقال: أنت رسولي إليهم في هذا، إذا صليتم في جماعة ففي الركعة الأولى، و إذا صليتم وحداناً ففي الركعة الثانية» «1»‌

، و‌

خبر أبي بصير: «القنوت يوم الجمعة في الركعة الأولى بعد القراءة» «2»‌

، و نحوه صحيح سليمان ابن خالد «3»، و صحيح معاوية في الإمام «4». إلا أن الجمع بينها و بين ما سبق يقتضي الحمل على بيان الأفضل، أو نحو ذلك، مما لا ينافي التعدد، المصرح به فيما سبق.

كما عن جماعة التصريح به، و أنه مستحب فيه لا غير. لكن في الجواهر و غيرها- تبعاً لكشف اللثام- الميل الى دخوله في مفهومه.

لإرادته من القنوت المنهي عنه لدى التقية في صحيح البزنطي المتقدم «5» دليلا لنفي الوجوب، و‌

لخبر علي بن محمد بن سليمان: «كتبت الى الفقيه (ع)

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب القنوت حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب القنوت حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 5 من أبواب القنوت حديث: 6.

(4) الوسائل باب: 5 من أبواب القنوت حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 4 من أبواب القنوت حديث: 1 و قد تقدم في أول الفصل.

 

495
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القنوت ج‌6 ص 487

بل يجوز ما يجري على لسانه (1) من الذكر، و الدعاء،

أسأله عن القنوت، فقال (ع): إذا كانت ضرورة شديدة فلا ترفع اليدين و قل ثلاث مرات: بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ*» «1»‌

، و‌

موثق عمار: «أخاف أن أقنت و خلفي مخالفون، فقال (ع): رفعك يديك يجزي- يعني رفعهما كأنك تركع-» «2».

فان تعليق السقوط في الأول على الضرورة الشديدة إنما يناسب كونه مقوماً للقنوت، كالاجتزاء به عند التقية فإن الظاهر أن ذلك لأنه الميسور الذي لا ينطبق على ما هو خارج. هذا مضافا الى ما يظهر من النصوص المتضمنة أنه تقول في القنوت، و ما يقال في القنوت، و نحو ذلك من جعله ظرفا للقول، الدال على المغايرة بينهما.

و الى أن رفع اليدين لو لم يكن داخلا في مفهومه كان كل دعاء و ذكر قنوتاً، و لا يظهر وجه للاختصاص. فلاحظ.

ففي صحيح إسماعيل بن الفضل: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن القنوت و ما يقال فيه قال (ع): ما قضى اللّه على لسانك، و لا أعلم فيه شيئاً موقتاً» «3»‌

، و‌

في مصحح الحلبي: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن القنوت في الوتر، هل فيه شي‌ء موقت يتبع و يقال؟ فقال (ع):

لا، أثن على اللّه عز و جل، و صل على النبي (ص)، و استغفر لذنبك العظيم، ثمَّ قال (ع): كل ذنب عظيم» «4»‌

، و‌

في مرفوع إسماعيل ابن بزيع عن أبي جعفر (ع): «سبعة مواطن ليس فيها دعاء موقت:

الصلاة على الجنائز و القنوت ..» «5».

______________________________
(1) الوسائل باب: 12 من أبواب القنوت حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 12 من أبواب القنوت حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 9 من أبواب القنوت حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 9 من أبواب القنوت حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 9 من أبواب القنوت حديث: 5.

496
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القنوت ج‌6 ص 487

و المناجاة، و طلب الحاجات. و أقله «سبحان اللّه»، خمس مرات (1) أو ثلاث مرات (2)، أو «بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ»*، ثلاث مرات (3)، أو «الحمد للّه»، ثلاث مرات (4). بل يجزي «سبحان اللّه»، أو سائر ما ذكر، مرة واحدة (5). كما يجزي الاقتصار على الصلاة على النبي و آله «ص»، و مثل قوله:

«اللهم اغفر لي»، و نحو ذلك. و الاولى أن يكون جامعاً للثناء على اللّه تعالى، و الصلاة على محمد و آله، و طلب المغفرة له و للمؤمنين و المؤمنات (6).

كما‌

في خبر أبي بصير: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن أدنى القنوت، فقال (ع): خمس تسبيحات» «1»‌

، و‌

في مرسل حريز: «يجزيك عن القنوت خمس تسبيحات في ترسل» «2».

كما‌

في خبر أبي بكر بن أبي سماك عن أبي عبد اللّه (ع): «و يجزي من القنوت ثلاث تسبيحات» «3».

كما تقدم في خبر علي بن محمد بن سليمان «4».

لم أقف على نص فيه.

كما يقتضيه إطلاق نفي التوقيت فيه.

لما سبق في صحيح الحلبي «5».

______________________________
(1) الوسائل باب: 6 من أبواب القنوت حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب القنوت حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 6 من أبواب القنوت حديث: 3.

(4) راجع صفحة: 495.

(5) راجع صفحة السابقة.

497
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 1 يجوز قراءة القرآن في القنوت ج‌6 ص 498

[ (مسألة 1): يجوز قراءة القرآن في القنوت]

(مسألة 1): يجوز قراءة القرآن في القنوت (1)، خصوصاً الآيات المشتملة على الدعاء (2) كقوله تعالى (رَبَّنٰا لٰا تُزِغْ قُلُوبَنٰا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنٰا وَ هَبْ لَنٰا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّٰابُ) و نحو ذلك.

[ (مسألة 2): يجوز قراءة الأشعار المشتملة على الدعاء و المناجاة]

(مسألة 2): يجوز قراءة الأشعار المشتملة على الدعاء و المناجاة (3)، مثل قوله:

«إلهي عبدك العاصي أتاكا مقراً بالذنوب و قد دعاكا»

و نحوه.

[ (مسألة 3): يجوز الدعاء فيه بالفارسية و نحوها]

(مسألة 3): يجوز الدعاء فيه بالفارسية و نحوها من اللغات غير العربية (4)، و إن كان لا يتحقق وظيفة القنوت إلا بالعربي، و كذا في سائر أحوال الصلاة و أذكارها. نعم الأذكار المخصوصة لا يجوز إتيانها بغير العربي.

كما يشهد له خبر علي بن محمد بن سليمان المتقدم «1».

كما يشهد به المروي «2» من قنوتاتهم (ع)، فقد اشتملت على كثير من أدعية القرآن، و في منظومة الطباطبائي:

«و الفضل في القنوت بالمأثور فهو بلاغ و شفا الصدور

و فوقه أدعية القرآن و ليس في ذلك من قران»

للإطلاق السابق.

المحكي عن الصدوق في الفقيه و كثير من القدماء جواز القنوت بالفارسية، بل نسب الى المشهور، بل في محكي جامع المقاصد «أنه لا يعلم‌

______________________________
(1) راجع صفحة 495.

(2) مستدرك الوسائل باب: 6 و 8 و 16 من أبواب القنوت.

 

498
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 يجوز الدعاء فيه بالفارسية و نحوها ج‌6 ص 498

.....

قائلا بالمنع، سوى سعد بن عبد اللّه». و عن الفقيه «1» الاستدلال له بما‌

أرسله عن أبي جعفر (ع): «لا بأس أن يتكلم الرجل في صلاة الفريضة بكل شي‌ء يناجي به ربه عز و جل» «2»‌

ثمَّ قال بعد هذا الخبر: (لو لم يرد هذا الخبر لكنت أخبره بالخبر الذي‌

روي عن الصادق (ع) أنه قال: «كل شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهي» «3».

و النهي عن الدعاء بالفارسية في الصلاة غير موجود، و الحمد للّه).

أقول: النصوص المذكورة و غيرها مثل‌

صحيح ابن مهزيار: «سألت أبا جعفر (ع) عن الرجل يتكلم في صلاة الفريضة بكل شي‌ء يناجي به ربه؟

قال (ع): نعم» «4»‌

، و‌

صحيح الحلبي: «كلما ذكرت اللّه عز و جل به و النبي (ص) فهو من الصلاة» «5»‌

إطلاقها من حيث اللغة غير ظاهر.

بل دعوى انصرافها الى خصوص اللغة العربية، بمناسبة كون الأقوال الصلاتية عربية، قريبة جداً. و لذا استقرب في الحدائق، و عن شرح المفاتيح للوحيد المنع. و لو سلم إطلاقها، فلا تصلح لإثبات مشروعية القنوت بغير العربي لعدم الملازمة. و لذا استدل بعضهم على ذلك بما سبق من نفي التوقيت فيه.

لكن الظاهر من نفي التوقيت التعميم من حيث المضمون، لا من حيث اللغة. بل لا تبعد دعوى الانصراف فيه الى أنه كسائر الموظفات الصلاتية لا بد أن يكون باللغة العربية. و لذا قال في الجواهر: «قد يقوى في النظر عدم الاجتزاء به عن وظيفة القنوت، و ان قلنا بعدم بطلان الصلاة مع الدعاء‌

______________________________
(1) من لا يحضره الفقيه ج: 1 صفحة: 208 طبع النجف الحديث.

(2) الوسائل باب: 19 من أبواب القنوت حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 19 من أبواب القنوت حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 19 من أبواب القنوت حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 4 من أبواب التسليم حديث: 1.

 

499
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 4 الأولى أن يقرأ الأدعية الواردة عن الأئمة صلوات الله عليهم ج‌6 ص 500

[ (مسألة 4): الأولى أن يقرأ الأدعية الواردة عن الأئمة صلوات اللّه عليهم]

(مسألة 4): الأولى أن يقرأ الأدعية الواردة عن الأئمة صلوات اللّه عليهم (1) و الأفضل كلمات الفرج (2) به. للأصل فيهما. و إمكان دعوى حصول القطع من ممارسة أحوال الشرع في العبادات، واجبها و مندوبها، و المعاملات، و الإيقاعات، و غيرها، بعدم اعتبار غير اللغة العربية، فارسية، و غيرها، و كل ما أمر فيه بلفظ و قول و كلام و نحوها لا ينساق الى الذهن منه إلا العربي الموافق للعربية ..»‌

و الاشكال في بعض ما ذكره لا يهم فيما هو المقصود من دعوى الانصراف في المقام الى خصوص اللغة العربية على نهجها الصحيح.

نعم يمكن الرجوع الى أصالة البراءة من المانعية في جواز الدعاء بالفارسية بعد عدم شمول ما دل على قادحية الكلام عمداً لذلك، كما أشار إليه في الجواهر. و من هنا يتجه التفصيل في المتن بين الدعاء بالفارسية فيجوز، و القنوت به فلا يصح و لا تؤدى به وظيفته. و اللّه سبحانه أعلم.

المذكور في كلام غير واحد استحباب ذلك. و كأنه للتأسي بهم.

و لكنه كما ترى، إذ اختيار فرد لا يدل على خصوصية فيه. و كأنه لذلك قال في المتن: «الأولى». اللهم إلا أن يكون الاستحباب لقاعدة التسامح بناءً على الاجتزاء بالفتوى في تطبيقها.

كما صرح به جماعة، بل في الذكرى، و عن البحار نسبته إلى الأصحاب. و لم يظهر له دليل سوى ما رواه في الفقيه «1» من الأمر بها في الوتر و الجمعة، و خبر أبي بصير «2» الوارد في قنوت الجمعة، و المرسل عن السيد، و الحلي: «روي أنها- أي كلمات الفرج- أفضله». و هو‌

______________________________
(1) من لا يحضره الفقيه ج: 1 صفحة: 310. لكن في قنوت الوتر فقط. اما في قنوت الجمعة فلم نعثر عليه.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب القنوت حديث: 4.

 

500
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 4 الأولى أن يقرأ الأدعية الواردة عن الأئمة صلوات الله عليهم ج‌6 ص 500

و هي:

«لا إله إلا اللّه الحليم الكريم، لا إله إلا اللّه العلي العظيم سبحان اللّه رب السموات السبع، و رب الأرضين السبع، و ما فيهن، و ما بينهن، و رب العرش العظيم، وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ»*

(1)، و يجوز أن يزيد بعد قوله: «و ما بينهن» «و ما فوقهنّ و ما تحتهنّ» (2).

كاف، بناءً على قاعدة التسامح. و‌

عن الرضوي: «قل في قنوتك بعد فراغك من القراءة قبل الركوع: اللهم أنت اللّه لا إله إلا أنت الحليم الكريم، لا إله إلا أنت العلي العظيم، سبحانك رب السماوات السبع، و رب الأرضين السبع، و ما فيهن، و ما بينهن، و رب العرش العظيم، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‌ءٌ، صل على محمد و آل محمد، و اغْفِرْ لِي، وَ لِوٰالِدَيَّ*، و لجميع المؤمنين و المؤمنات، إِنَّكَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ*. ثمَّ اركع» «1».

كما في مصحح زرارة «2» الوارد في تلقين المحتضر، و نحوه مصحح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) «3»، إلا أنه قدم فيه‌

«العلي العظيم»‌

على‌

«الحليم الكريم»‌

. و الجمع يقتضي التخيير. لكن الأولى الأول، لاعتضاده برواية عبد اللّه بن ميمون القداح الواردة في التلقين عن أبي عبد اللّه (ع) «4» و خبر أبي بصير الوارد في قنوت الجمعة. كما أن فيه إبدال‌

«سبحان اللّه رب السماوات السبع»‌

ب‍‌

«لا إله إلا اللّه رب السماوات السبع»‌

. و الأولى الأول، لصحة السند، و الاعتضاد.

أما زيادة «و ما فوقهن»، فلم أقف على مأخذ لها. و أما زيادة‌

______________________________
(1) مستدرك الوسائل باب: 6 من أبواب القنوت حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 38 من أبواب الاحتضار حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 38 من أبواب الاحتضار حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 38 من أبواب الاحتضار حديث: 3.

 

501
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 4 الأولى أن يقرأ الأدعية الواردة عن الأئمة صلوات الله عليهم ج‌6 ص 500

كما يجوز أن يزيد بعد قوله:

«العرش العظيم»‌

«وَ سَلٰامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ»‌

(1). و الأحسن أن يقول بعد كلمات الفرج:

«اللهم اغفر لنا، و ارحمنا، و عافنا، و اعف عنا، إِنَّكَ عَلىٰ كُلِّ*

«و ما تحتهن»‌

، فهي- على ما حكي- مذكورة في مصحح الحلبي «1» على رواية التهذيب، و في مرسل الفقيه المطابق له.

قال في الذكرى: «يجوز أن يقول فيها هنا (وَ سَلٰامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) ذكر ذلك جماعة من الأصحاب، منهم المفيد، و ابن البراج، و ابن زهرة، و سئل عنه الشيخ نجم الدين في الفتاوى، فجوزه، لأنه بلفظ القرآن، مع ورود النقل». و النقل الذي أشار إليه، غير ظاهر. نعم ذكرت في الرضوي «2» الوارد في التلقين، و محكية في كشف اللثام، عن الفقيه «3». و على هذا فالأولى الإتيان بهذه الزيادات رجاء الخصوصية.

نعم‌

عن المصباح أنه روى سليمان ابن حفص المروزي عن أبي الحسن الثالث (ع): «لا تقل في صلاة الجمعة في القنوت وَ سَلٰامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ» «4»‌

لكنه لضعف سنده لا يصلح للاعتماد عليه في المنع في مورده، فضلا عن غيره، و لذلك قال في محكي المدارك: «لا ريب في الجواز». و أما احتمال أن يكون من التسليم المحلل، فضعيف، إذ‌

قوله (ع): «تحليلها التسليم»‌

ناظر إلى إثبات المحللية للتسليم، لا الى كيفيته، فلا إطلاق له من حيث الكيفية مع أنك عرفت اتفاق الأصحاب على انحصار المحلل بغيره.

______________________________
(1) كما في الوسائل باب: 38 من أبواب الاحتضار حديث: 2. يرويه هكذا عن الكافي مسنداً و عن الفقيه مرسلا. اما التهذيب فلم يوجد فيه ذلك و لم نجد من يرويه عنه.

(2) مستدرك الوسائل باب: 28 من أبواب الاحتضار حديث: 2.

(3) و هي مصححة الحلي التي يرويها الصدوق مرسلة في الفقيه ج: 1 صفحة: 77.

(4) الوسائل باب: 7 من أبواب القنوت حديث: 6.

 

502
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 4 الأولى أن يقرأ الأدعية الواردة عن الأئمة صلوات الله عليهم ج‌6 ص 500

شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ»* (1).

[ (مسألة 5): الأولى ختم القنوت بالصلاة على محمد و آله]

(مسألة 5): الأولى ختم القنوت بالصلاة على محمد و آله (2)، بل الابتداء بها أيضاً (3)، أو الابتداء في طلب المغفرة، أو قضاء الحوائج بها، فقد روي (4): «ان اللّه قد ورد هذا الدعاء في جملة من النصوص،

ففي صحيح سعد بن أبي خلف عن أبي عبد اللّه (ع): «يجزيك في القنوت اللهم ..» «1»‌

، و‌

في خبر أبي بكر بن أبي سماك عن أبي عبد اللّه (ع): «قل في قنوت الوتر: اللهم ..» «2»‌

، و في خبره الآخر: «إن أبا عبد اللّه (ع) قنت به في الفجر» «3» و لم أقف على ما تضمن الإتيان به بعد كلمات الفرج. و كأن المصنف أخذه مما ورد في استحباب كون الدعاء بعد التمجيد و الثناء.

ففي صحيح صفوان الجمال عن أبي عبد اللّه (ع): «كل دعاء يدعى اللّه عز و جل به محجوب عن السماء حتى يصلي على محمد و آله» «4»‌

و نحوه غيره.

ففي صحيح أبان عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا دعا أحدكم فليبدأ بالصلاة على النبي (ص)، فإن الصلاة على النبي (ص) مقبولة و لم يكن اللّه ليقبل بعض الدعاء و يرد بعضاً» «5»‌

، و نحوه غيره مما هو كثير.

في مرسل أبي جمهور عن أبيه عن رجاله: «قال أبو عبد اللّه (ع):

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب القنوت حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب القنوت حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 21 من أبواب القنوت حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 36 من أبواب الدعاء حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 36 من أبواب الدعاء حديث: 14.

 

503
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 5 الأولى ختم القنوت بالصلاة على محمد و آله ج‌6 ص 503

سبحانه و تعالى يستجيب الدعاء للنبي «ص» بالصلاة، و بعيد من رحمته أن يستجيب الأول و الآخر و لا يستجيب الوسط» فينبغي أن يكون طالب المغفرة و الحاجات بين الدعاءين للصلاة على النبي «ص».

[ (مسألة 6): من القنوت الجامع الموجب لقضاء الحوائج]

(مسألة 6): من القنوت الجامع الموجب لقضاء الحوائج على ما ذكره بعض العلماء- أن يقول: «سبحان من دانت له السموات و الأرض بالعبودية، سبحان من تفرد بالوحدانية، اللهم صل على محمد و آل محمد، و عجل فرجهم اللهم اغفر لي و لجميع المؤمنين و المؤمنات، و اقض حوائجي و حوائجهم، بحق حبيبك محمد و آله الطاهرين صلى اللّه عليه و آله أجمعين».

من كانت له الى اللّه عز و جل حاجة فليبدأ بالصلاة على محمد و آله، ثمَّ يسأل حاجته، ثمَّ يختم بالصلاة على محمد و آل محمد. فان اللّه عز و جل أكرم من أن يقبل الطرفين و يدع الوسط إذا كانت الصلاة على محمد و آل محمد لا تحجب عنه» «1»‌

و‌

في خبر ابن القداح عن أبي عبد اللّه (ع): «قال رسول اللّه (ص): لا تجعلوني كقدح الراكب‌

.. الى أن قال (ص):

اجعلوني في أول الدعاء و في وسطه و في آخره» «2».

و هذه النصوص و إن وردت في الدعاء، فلا تشمل مطلق القنوت، إلا أنه يمكن أن يستفاد منها حكم القنوت، بل مطلق الذكر، من جهة بعد التفكيك في القبول بينه و بين الصلاة أيضاً. و كأنه لذلك قال في المتن: «الأولى ..»‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 36 من أبواب الدعاء حديث: 11.

(2) الوسائل باب: 36 من أبواب الدعاء حديث: 7.

 

504
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 7 يجوز في القنوت الدعاء الملحون ج‌6 ص 505

[ (مسألة 7): يجوز في القنوت الدعاء الملحون]

(مسألة 7): يجوز في القنوت الدعاء الملحون (1) مادة، أو إعرابا، إذا لم يكن لحنه فاحشاً، و لا مغيراً للمعنى لكن الأحوط الترك.

[ (مسألة 8): يجوز في القنوت الدعاء على العدو بغير ظلم و تسميته]

(مسألة 8): يجوز في القنوت الدعاء على العدو بغير ظلم، و تسميته (2)، لكن اللازم التعرض للجزم باستحباب الابتداء بها في طلب المغفرة، كما أن المناسب التعرض للختم بها، و لذكرها في الوسط، كما عرفت.

لما سبق في الدعاء بالفارسية. و على ما سبق أيضاً يتعين البناء على عدم أداء وظيفة القنوت به، إذ العربي الملحون غير عربي، و إن كان الآتي به يتخيل أنه عربي. و لا فرق في الأول و الثاني بين مغير المعنى و عدمه، إذ المدار في صدق الدعاء على قصد المتكلم.

ففي صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (ع): «تدعوا في الوتر على العدو، و إن شئت سميتهم» «1»‌

، و‌

في خبر عبد اللّه بن هلال عن أبي عبد اللّه (ع): في حديث «.. إن رسول اللّه (ص) قد قنت و دعا على قوم بأسمائهم و أسماء آبائهم و عشائرهم» «2»‌

، و‌

في مكاتبة إبراهيم بن عقبة الى أبي الحسن (ع): «جعلت فداك قد عرفت بعض هؤلاء الممطورة فأقنت عليهم في صلاتي؟ قال (ع): نعم، أقنت عليهم في صلاتك» «3»‌

ثمَّ إنه يظهر من‌

صحيح هشام بن سالم: «أن العبد ليكون مظلوماً فلا يزال يدعو حتى يكون ظالماً» «4»‌

حرمة الدعاء‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 13 من أبواب القنوت حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب القنوت حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 13 من أبواب القنوت حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 53 من أبواب الدعاء حديث: 1.

 

505
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 8 يجوز في القنوت الدعاء على العدو بغير ظلم و تسميته ج‌6 ص 505

كما يجوز الدعاء لشخص خاص مع ذكر اسمه (1).

[ (مسألة 9): لا يجوز الدعاء لطلب الحرام]

(مسألة 9): لا يجوز الدعاء لطلب الحرام (2).

[ (مسألة 10): يستحب إطالة القنوت خصوصاً في صلاة الوتر]

(مسألة 10): يستحب إطالة القنوت خصوصاً في صلاة الوتر،

فعن رسول اللّه «ص» (3): «أطولكم قنوتاً في دار الدنيا أطولكم راحة يوم القيامة في الموقف»‌

و‌

في بعض الروايات قال (ص): «أطولكم قنوتاً في الوتر في دار الدنيا ..» (4)

، و يظهر من بعض الأخبار أن إطالة الدعاء على المؤمن بظلم.

ففي الذكرى: «أنه (ص) قال في قنوته: اللهم انج الوليد ابن الوليد، و سلمة بن هشام، و العباس بن ربيعة، و المستضعفين من المؤمنين» «1»‌

و يقتضيه عموم نفي التوقيت.

كما ذكر غير واحد مرسلين له إرسال المسلمات، و في المنتهى الإجماع عليه، و اعترف غير واحد بعدم العثور على مستنده، نعم هو نوع من التجري فيحرم لو قيل بحرمته، و في اقتضائه بطلان الصلاة إشكال لعدم شمول ما دل على جواز الدعاء في الصلاة له، و من أنه يكفي في عدم البطلان به أصل البراءة، و شمول ما دل على قدح الكلام لمثله غير ظاهر.

نعم عن التذكرة، و في كشف اللثام الإجماع على البطلان به عمداً مع الاعتراف بعدم تعرض الأكثر له، فان تمَّ إجماع، و إلا فالمرجع ما عرفت.

رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه (ع) عن آبائه (ع) عن أبي ذر (رحمه اللّه) «2».

رواه في الوسائل «3» عن الفقيه، لكن في المصححة ضرب‌

______________________________
(1) الذكرى المبحث: 11.

(2) الوسائل باب: 22 من أبواب القنوت حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 22 من أبواب القنوت حديث: 1.

 

506
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 يستحب إطالة القنوت خصوصا في صلاة الوتر ج‌6 ص 506

في الصلاة أفضل من إطالة القراءة.

[ (مسألة 11): يستحب التكبير قبل القنوت، و رفع اليدين حال التكبير]

(مسألة 11): يستحب التكبير قبل القنوت (1)، و رفع اليدين حال التكبير (2) و وضعهما ثمَّ رفعهما حيال الوجه (3) و بسطهما جاعلا باطنهما نحو السماء (4) على «في الوتر» كما أن نسخة الفقيه «1» خالية عنه، و إن كان الضرب لا يناسب عنوان الباب فراجع. و‌

في صحيح معاوية بن عمار: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): رجلين افتتحا الصلاة في ساعة واحدة فتلا هذا القرآن فكانت تلاوته أكثر من دعائه، و دعا هذا أكثر فكان دعاؤه أكثر من تلاوته ثمَّ انصرفا في ساعة واحدة أيهما أفضل؟

.. الى أن قال (ع):

الدعاء أفضل ..» «2».

كما في صحيح معاوية بن عمار «3» و غيره، و عن المفيد أنه لا تكبير للقنوت، و عن الشيخ (رحمه اللّه) أنه قال: «لست أعرف بهذا حديثاً أصلا».

كما سبق في تكبيرة الإحرام.

أما أصل الرفع فقد عرفت ما يظهر منه اعتباره في القنوت، و أما كونه حيال الوجه فنسب إلى الأصحاب في محكي المعتبر، و الذكرى، و استدل له‌

بصحيح ابن سنان: «ترفع يديك في الوتر حيال وجهك» «4»‌

و في الذكرى عن المفيد أنه يرفع يديه حيال صدره، و وجهه غير ظاهر.

كما نسب إلى الأصحاب في المعتبر «5» و الذكرى «6»، و وجهه‌

______________________________
(1) من لا يحضره الفقيه ج: 1 صفحة: 308.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب التعقيب حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 5 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 12 من أبواب القنوت حديث: 1.

(5) المعتبر: المندوب الرابع من مندوبات الصلاة صفحة: 193.

(6) الذكرى: المبحث الثامن من القنوت.

 

507
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 11 يستحب التكبير قبل القنوت و رفع اليدين حال التكبير ج‌6 ص 507

و ظاهرهما نحو الأرض، و أن يكونا منضمتين (1) مضمومتي الأصابع إلا الإبهامين (2)، غير ظاهر، نعم في الثاني «1» الاستدلال عليه‌

بصحيح ابن سنان السابق بزيادة «و تتلقى بباطنهما السماء»‌

، لكنها غير موجودة فيما عن التهذيب «2» و الفقيه «3» من رواية ابن سنان، بل قيل أنه اشتباه نشأ من عبارة المعتبر «4».

و مثله الاستدلال عليه‌

بخبر أبي حمزة: «كان علي بن الحسين (ع) يقول في آخر وتره و هو قائم: رب‌

.. الى آخر الدعاء‌

ثمَّ يبسط يديه قدام وجهه و يقول ..» «5»‌

لكنه غير ظاهر في أن ذلك كان في آخر القنوت. و مثله في الاشكال ما حكاه في المعتبر من القول بجعل ظاهرهما الى السماء. نعم ورد في جملة من النصوص «6» أن في دعاء الرغبة يجعل باطن كفيه الى السماء، و في دعاء الرهبة يجعل ظاهرهما إليها، إلا أن الأخذ بها في المقام مع بناء الأصحاب على خلافها غير ظاهر.

لم أقف على وجهه فيما حضرني عاجلا.

كما عن ظاهر الدروس و صريح غيره، و في الذكرى في مقام تعداد المستحبات في القنوت قال: «و تفريق الإبهام على الأصابع قاله ابن إدريس»‌

______________________________
(1) و مثله في المعتبر. كما يظهر عند المراجعة.

(2) التهذيب ج: 2 صفحة: 131 طبع النجف الحديث.

(3) من لا يحضره الفقيه ج: 1 صفحة: 309.

(4) راجع المعتبر صفحة: 193.

(5) مستدرك الوسائل باب: 16 من أبواب القنوت حديث: 6. و باب: 9 من نفس الأبواب حديث: 1. و الثاني أصرح.

(6) الوسائل باب: 13 من أبواب الدعاء.

 

508
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 11 يستحب التكبير قبل القنوت و رفع اليدين حال التكبير ج‌6 ص 507

و أن يكون نظره إلى كفيه (1)، و يكره أن يجاوز بهما الرأس (2) و كذا يكره أن يمر بهما على وجهه و صدره عند الوضع (3).

و في الجواهر الاعتراف بعدم الوقوف عليه في شي‌ء من النصوص، و كذا ظاهر المستند.

كما هو المشهور، بل المنسوب إلى الأصحاب. قيل: للجمع بين ما تضمن رفعهما حيال الوجه، و ما تضمن النهي عن النظر الى السماء «1» و ما تضمن النهي عن التغميض في الصلاة «2» لكنه غير ظاهر.

ففي موثق أبي بصير: «لا ترفع يديك بالدعاء بالمكتوبة تجاوز بهما رأسك» «3».

المحكي عن الجعفي استحباب أن يمسح وجهه بيديه عند ردهما و يمرهما على لحيته و صدره، و الظاهر من غير واحد عدم العثور على مستنده في خصوص القنوت. نعم ورد ذلك في مطلق الدعاء «4»، لكن‌

في مكاتبة الحميري الى صاحب الزمان عجل اللّه تعالى فرجه يسأله: «عن القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه أن يرد يديه على وجهه و صدره للحديث الذي روي أن اللّه جل جلاله أجل من أن يرد يدي عبد صفراً بل يملأهما من رحمته أم لا يجوز؟ فان بعض أصحابنا ذكر أنه عمل في الصلاة فأجاب (ع):

رد اليدين من القنوت على الرأس و الوجه غير جائز في الفرائض، و الذي عليه العمل فيه إذا رجع يده في قنوت الفريضة و فرغ من الدعاء أن يرد بطن راحتيه على (مع. خ ل) صدره تلقاء ركبتيه على تمهل، و يكبر،

______________________________
(1) الوسائل باب: 16 من أبواب القيام.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب القواطع.

(3) الوسائل باب: 12 من أبواب القنوت حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 14 من أبواب الدعاء.

 

509
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 12 يستحب الجهر بالقنوت ج‌6 ص 510

[ (مسألة 12): يستحب الجهر بالقنوت]

(مسألة 12): يستحب الجهر بالقنوت (1) سواء كانت الصلاة جهرية أو إخفاتية (2)، و سواء كان إماماً أو منفرداً بل أو مأموماً إذا لم يسمع الامام صوته (3).

و يركع و الخبر صحيح و هو في نوافل النهار و الليل دون الفرائض. و العمل به فيها أفضل» «1»‌

، و منه يظهر أنه كان المتعين تخصيص الكراهة في المتن بالفرائض.

على المشهور شهرة عظيمة‌

لصحيح زرارة: «قال أبو جعفر (ع) القنوت كله جهار» «2».

و عن الجعفي و السيد و الحلي أنه تابع للفريضة، و اختاره في القواعد لما ورد من أن صلاة النهار عجماء «3». و فيه- مع إمكان دعوى انصرافه الى خصوص القراءة-: أنه لا يصلح لمعارضة الصحيح، لأن حمله على خصوص الجهرية بعيد جداً، فيتعين حمل الأول إما على القراءة أو على ما عدا القنوت، و إن كان الأول أظهر.

فإن المحكي عن جماعة بل نسب الى المشهور- استحباب الإخفات له، لما تضمن: «أنه ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلما يقول، و لا ينبغي لمن خلف الامام أن يسمعه شيئاً مما يقول» «4». و فيه: أن ذلك أعم فلو بني على الأخذ به كان اللازم تقييد استحباب الجهر للمأموم بصورة عدم الاسماع، مع قرب دعوى كون المقام من التزاحم بين الاستحباب و الكراهة و إن كان الثاني محتمل الأهمية.

______________________________
(1) الوسائل باب: 23 من أبواب القنوت حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 21 من أبواب القنوت حديث: 1.

(3) مستدرك الوسائل باب: 21 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 52 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.

 

510
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 13 إذا نذر القنوت في كل صلاة أو صلاة خاصة وجب ج‌6 ص 511

(مسألة 13): إذا نذر القنوت في كل صلاة أو صلاة خاصة وجب]

(مسألة 13): إذا نذر القنوت في كل صلاة أو صلاة خاصة وجب، لكن لا تبطل الصلاة بتركه (1) سهواً بل و لا بتركه عمداً أيضاً على الأقوى.

[ (مسألة 14): لو نسي القنوت فان تذكر قبل الوصول إلى حد الركوع قام و أتى به]

(مسألة 14): لو نسي القنوت فان تذكر قبل الوصول إلى حد الركوع قام و أتى به (2)، و إن تذكر بعد الدخول في الركوع قضاه بعد الرفع منه (3)،

(1) إذ النذر لا يوجب تقييد موضوع الأمر و لا تضييق ملاكه، فاذا جاء بالصلاة بلا قنوت فقد جاء بالمأمور به بلا خلل فيه و لا في عباديته.

نعم في العمد الى الترك يجي‌ء الكلام المتقدم في نذر الموالاة بعينه فراجع.

(2) بلا إشكال ظاهر، لبقاء المحل، و‌

لموثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرجل ينسى القنوت في الوتر أو غير الوتر، قال (ع):

ليس عليه شي‌ء، و قال (ع): إن ذكره و قد أهوى إلى الركوع قبل أن يضع يديه على الركبتين فليرجع قائماً، و ليقنت، ثمَّ ليركع، و إن وضع يديه على الركبتين فليمض في صلاته و ليس عليه شي‌ء» «1».

(3) بلا خلاف فيه ظاهر، و يشهد له جملة من النصوص،

ففي صحيح محمد بن مسلم و زرارة بن أعين: «سألنا أبا جعفر (ع) عن الرجل ينسى القنوت حتى يركع، قال (ع): يقنت بعد الركوع، فان لم يذكر فلا شي‌ء عليه» «2»‌

، و نحوه غيره. و‌

في موثق عبيد عن أبي عبد اللّه (ع): «يقنت إذا رفع رأسه» «3»‌

، لكن‌

في صحيح معاوية بن عمار قال: «سألته‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 15 من أبواب القنوت حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 18 من أبواب القنوت حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 18 من أبواب القنوت حديث: 3.

511
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 لو نسي القنوت فان تذكر قبل الوصول إلى حد الركوع قام و أتى به ج‌6 ص 511

و كذا لو تذكر بعد الهوي للسجود قبل وضع الجبهة (1) و إن كان الأحوط ترك العود اليه، و إن تذكر بعد الدخول في السجود أو بعد الصلاة قضاه بعد الصلاة و إن طالت المدة، و الأولى الإتيان به إذا كان بعد الصلاة جالساً مستقبلا (2

عن الرجل ينسى القنوت حتى يركع أ يقنت؟ قال (ع): لا» «1»‌

، إلا أنه لا بد من حمله على ما لا ينافي ما سبق إن أمكن، و إلا طرح لعدم صلاحيته لمعارضته.

(1) لعدم فوات محل القضاء، لأن الهوي ليس واجباً صلاتياً كي يكون الذكر بعده ذكراً بعد تجاوز المحل. اللهم إلا أن يكون المستفاد من موثق عبيد أن محل القضاء الانتصاب الواجب بعد الركوع، فإذا هوى فات المحل. و كأن الاحتياط في المتن ناشئ من ذلك، أو من احتمال كونه واجباً صلاتياً. نعم لو كان المراد من‌

قولهم (ع): «بعد ما يركع»‌

مطلق البعدية و لو مع الفصل كان القضاء في محله عند ما يذكر و لو بعد الهوي أو بعد السجود لكنه خلاف الظاهر، و لأجل ذلك تختص النصوص بصورة الذكر قبل التجاوز عن الركوع بحيث لا يلزم منه إلغاء جزء، كما أنه لذلك لا يصلح لمعارضتها ما تضمن القضاء بعد الانصراف، مثل‌

صحيح أبي بصير: «سمعته يذكر عند أبي عبد اللّه (ع) في الرجل إذا سها في القنوت: قنت بعد ما ينصرف و هو جالس» «2»‌

فإنه و إن كان شاملا لصورة الذكر قبل تجاوز الركوع لكنه يتعين حمله على صورة الذكر بعد التجاوز، جمعاً بينه و بين ما سبق بحمل المطلق على المقيد.

(2) أما الأول: فلصحيح أبي بصير السابق‌

، و أما الثاني: فلصحيح‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 18 من أبواب القنوت حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 16 من أبواب القنوت حديث: 2.

512
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 لو نسي القنوت فان تذكر قبل الوصول إلى حد الركوع قام و أتى به ج‌6 ص 511

و إن تركه عمداً في محله أو بعد الركوع فلا قضاء.

[ (مسألة 15): الأقوى اشتراط القيام في القنوت مع التمكن منه]

(مسألة 15): الأقوى اشتراط القيام في القنوت (1) مع التمكن منه إلا إذا كانت الصلاة من جلوس، أو كانت نافلة حيث يجوز الجلوس في أثنائها كما يجوز في ابتدائها اختياراً.

[ (مسألة 16): صلاة المرأة كالرجل في الواجبات و المستحبات]

(مسألة 16): صلاة المرأة كالرجل في الواجبات و المستحبات إلا في أمور قد مر كثير منها في تضاعيف ما قدمنا من المسائل و جملتها: أنه يستحب لها الزينة حال الصلاة بالحلي و الخضاب (2)، و الإخفات في الأقوال (3)، و الجمع‌

زرارة: «قلت لأبي جعفر (ع): رجل نسي القنوت فذكر و هو في بعض الطريق، فقال (ع): ليستقبل القبلة ثمَّ ليقله» «1».

(1) تقدم الكلام في ذلك في المسألة الثالثة من فصل القيام.

(2)

ففي خبر غياث عن جعفر (ع) عن أبيه (ع) عن علي (ع): «لا تصلي المرأة عطلاء» «2»‌

و‌

في مرسل الدعائم عن النبي (ص): «كره للمرأة أن تصلي بلا حلي» «3»‌

و‌

عنه (ص): «و لا تصلي إلا و هي مختضبة، فان لم تكن مختضبة فلتمسح مواضع الحناء بخلوق» «4»‌

و نحوها غيرها.

(3) لا يحضرني عاجلا من النصوص ما يدل عليه، و إن كان هو أنسب بالستر المطلوب منها.

______________________________
(1) الوسائل باب: 16 من أبواب القنوت حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 58 من أبواب لباس المصلي حديث: 1.

(3) مستدرك الوسائل باب: 40 من أبواب لباس المصلي حديث: 1.

(4) مستدرك الوسائل باب: 40 من أبواب لباس المصلي حديث: 2.

513
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 صلاة المرأة كالرجل في الواجبات و المستحبات ج‌6 ص 513

بين قدميها حال القيام (1)، و ضم ثدييها إلى صدرها بيديها حاله أيضاً، و وضع يديها على فخذيها حال الركوع، و أن لا ترد ركبتيها حاله إلى وراء، و أن تبدأ بالقعود للسجود، و أن تجلس معتدلة ثمَّ تسجد، و أن تجتمع و تضم أعضاءها حال السجود، و أن تلتصق بالأرض بلا تجاف، و تفترش ذراعيها، و أن تنسل انسلالا إذا أرادت القيام أي تنهض بتأن و تدريج عدلا لئلا تبدو عجيزتها، و أن تجلس على إليتيها إذا جلست رافعة ركبتيها ضامة لهما.

[ (مسألة 17): صلاة الصبي كالرجل و الصبية كالمرأة]

(مسألة 17): صلاة الصبي كالرجل و الصبية كالمرأة (2).

[ (مسألة 18): قد مر في المسائل المتقدمة متفرقة حكم النظر و اليدين]

(مسألة 18): قد مر في المسائل المتقدمة متفرقة حكم النظر و اليدين‌

(1) هذا و ما بعده قد تضمنه مضمر زرارة المذكور في باب كيفية الصلاة من الوسائل «1»، و رواه عن العلل مسنداً الى أبي جعفر (ع)، و قد اشتمل على جملة من أحكام المرأة.

قال (ع): «إذا قامت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها، و لا تفرج بينهما. و تضم يديها الى صدرها لمكان ثدييها، فاذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذها لئلا تتطأطأ كثيراً فترتفع عجيزتها، فاذا جلست فعلى إليتها ليس كما يجلس الرجل، و إذا سقطت للسجود بدأت بالقعود و بالركبتين قبل اليدين، ثمَّ تسجد لاطئة بالأرض، فإذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها و رفعت ركبتيها من الأرض، و إذا نهضت انسلت انسلالا لا ترفع عجيزتها أولا «2».

(2) هذا تقتضيه قاعدة الإلحاق.

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة ملحق حديث: 4.

514
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 18 قد مر في المسائل المتقدمة متفرقة حكم النظر و اليدين ج‌6 ص 514

حال الصلاة «1» و لا بأس بإعادته جملة، فشغل النظر حال القيام أن يكون على موضع السجود، و حال الركوع بين القدمين، و حال السجود إلى طرف الأنف، و حال الجلوس إلى حجره، و أما اليدان فيرسلهما حال القيام و يضعهما على الفخذين و حال الركوع على الركبتين مفرجة الأصابع، و حال السجود على الأرض مبسوطتين مستقبلا بأصابعهما منضمة حذاء الأذنين، و حال الجلوس على الفخذين و حال القنوت تلقاء وجهه.

[فصل في التعقيب]

فصل في التعقيب و هو الاشتغال عقيب الصلاة بالدعاء أو الذكر أو التلاوة أو غيرها من الأفعال الحسنة، مثل التفكر في عظمة اللّه و نحوه مثل البكاء لخشية اللّه أو للرغبة اليه و غير ذلك.

و هو من السنن الأكيدة، و منافعه في الدين و الدنيا كثيرة، و‌

في رواية: «من عقب في صلاته فهو في الصلاة»‌

و‌

في الخبر: «التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد»‌

و الظاهر استحبابه بعد النوافل أيضاً و ان كان بعد الفرائض آكد. و يعتبر أن يكون متصلا بالفراغ منها، غير مشتغل بفعل آخر ينافي صدقه الذي يختلف بحسب المقامات من السفر و الحضر‌

______________________________
(1) قد تقدم وجه ما ذكره من حكم النظر و وضع اليدين في مواضعه و اللّه سبحانه أعلم.

515
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في التعقيب ج‌6 ص 515

و الاضطرار و الاختيار، ففي السفر يمكن صدقه حال الركوب أو المشي أيضاً كحال الاضطرار، و المدار على بقاء الصدق و الهيئة في نظر المتشرعة، و القدر المتيقن في الحضر الجلوس مشتغلا بما ذكر من الدعاء و نحوه، و الظاهر عدم صدقه على الجلوس بلا دعاء أو الدعاء بلا جلوس إلا في مثل ما مر.

و الأولى فيه الاستقبال و الطهارة و الكون في المصلي. و لا يعتبر فيه كون الأذكار و الدعاء بالعربية و ان كان هو الأفضل، كما أن الأفضل الأذكار و الأدعية المأثورة المذكورة في كتب العلماء و نذكر جملة منها تيمناً.

أحدها: أن يكبر ثلاثا بعد التسليم رافعا يديه على هيئة غيره من التكبيرات.

الثاني: تسبيح الزهراء صلوات اللّه عليها و هو أفضلها على ما ذكره جملة من العلماء.

ففي الخبر: «ما عبد اللّه بشي‌ء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة، و لو كان شي‌ء أفضل منه لنحله رسول اللّه (ص) فاطمة»‌

و‌

في رواية: «تسبيح فاطمة الزهراء (ع) الذكر الكثير الذي قال اللّه تعالى (اذْكُرُوا اللّٰهَ ذِكْراً كَثِيراً)»‌

، و‌

في أخرى عن الصادق (ع): «تسبيح فاطمة كل يوم في دبر كل صلاة أحب الي من صلاة ألف ركعة في كل يوم»‌

، و الظاهر استحبابه في غير التعقيب أيضاً بل في نفسه. نعم هو مؤكد فيه و عند إرادة النوم لدفع الرؤيا السيئة، كما أن الظاهر عدم اختصاصه بالفرائض بل هو مستحب‌

516
مستمسک العروة الوثقى6

الجزء السادس

عقيب كل صلاة. و كيفيته: «اللّه أكبر» أربع و ثلاثون مرة، ثمَّ «الحمد للّه» ثلاث و ثلاثون، ثمَّ «سبحان اللّه» كذلك فمجموعها مائة، و يجوز تقديم التسبيح على التحميد، و ان كان الأولى الأول.

[ (مسألة 19): يستحب أن يكون السبحة بطين قبر الحسين صلوات اللّه عليه]

(مسألة 19): يستحب أن يكون السبحة بطين قبر الحسين صلوات اللّه عليه و في الخبر: أنها تسبح إذا كانت بيد الرجل من غير أن يسبح و يكتب له ذلك التسبيح و ان كان غافلا‌

[ (مسألة 20): إذا شك في عدد التكبيرات أو التسبيحات أو التحميدات بنى على الأقل إن لم يتجاوز المحل]

(مسألة 20): إذا شك في عدد التكبيرات أو التسبيحات أو التحميدات بنى على الأقل إن لم يتجاوز المحل و الا بنى على الإتيان به، و إن زاد على الأعداد بنى عليها و رفع اليد عن الزائد.

الثالث:

«لا إله إلا اللّه، وحده وحده، أنجز وعده و نصر عبده و أعز جنده و غلب الأحزاب وحده ف‍لَهُ الْمُلْكُ وَ لَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَ يُمِيتُ و هو حي لا يموت بيده الخير و عَلىٰ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ*».

الرابع:

«اللهم اهدني من عندك و أفض على من فضلك و انشر على من رحمتك و أنزل على من بركاتك».

الخامس:

«سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا الله و الله أكبر»‌

مائة مرة أو أربعين أو ثلاثين».

السادس:

«اللهم صل على محمد و آل محمد و أجرني من النار و ارزقني الجنة و زوجني من الحور العين»‌

517
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 20 إذا شك في عدد التكبيرات أو التسبيحات أو التحميدات بنى على الأقل إن لم يتجاوز المحل ج‌6 ص 517

 السابع:

«أعوذ بوجهك الكريم و عزتك التي لا ترام و قدرتك التي لا يمتنع منها شي‌ء من شر الدنيا و الآخرة و من شر الأوجاع كلها، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم».

الثامن:

قراءة الحمد، و آية الكرسي، و آية: (شَهِدَ اللّٰهُ أَنَّهُ لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ ..) و آية الملك.

التاسع:

«اللهم إني أسألك من كل خير أحاط به علمك و أعوذ بك من كل شر أحاط به علمك، اللهم إني أسألك عافيتك في أموري كلها، و أعوذ بك من خزي الدنيا و عذاب الآخرة».

العاشر:

«أعيذ نفسي و ما رزقني ربي باللّه الواحد الأحد الصمد الذي لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، و أعيذ نفسي و ما رزقني ربي: بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مٰا خَلَقَ‌

..(الى آخر السورة)

و أعيذ نفسي و ما رزقني ربي: بِرَبِّ النّٰاسِ مَلِكِ النّٰاسِ ..»‌

الى آخر السورة.

الحادي عشر: أن يقرأ: (قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ) اثني عشرة مرة ثمَّ يبسط يديه و يرفعهما الى السماء، و يقول:

«اللهم إني أسألك باسمك المكنون المخزون الطهر الطاهر المبارك، و أسألك باسمك العظيم و سلطانك القديم أن تصلي على محمد و آل محمد، يا واهب العطايا يا مطلق الأسارى يا فكاك الرقاب من النار أسألك أن تصلي على محمد و آل محمد و أن تعتق رقبتي من النار و تخرجني من الدنيا آمنا و تدخلني الجنة سالما و أن‌

518
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 20 إذا شك في عدد التكبيرات أو التسبيحات أو التحميدات بنى على الأقل إن لم يتجاوز المحل ج‌6 ص 517

تجعل دعائي أوله فلاحا و أوسطه نجاحا و آخره صلاحا إِنَّكَ أَنْتَ عَلّٰامُ الْغُيُوبِ*».

الثاني عشر: الشهادتان و الإقرار بالأئمة (ع).

الثالث عشر: قبل أن يثني رجليه يقول ثلاث مرات:

«استغفر اللّه الذي لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ذُو الْجَلٰالِ وَ الْإِكْرٰامِ و أتوب إليه».

الرابع عشر: دعاء الحفظ من النسيان و هو:

«سبحان من لا يعتدي على أهل مملكته، سبحان من لا يأخذ أهل الأرض بألوان العذاب، سبحان الرؤف الرحيم، اللهم اجعل لي في قلبي نورا و بصرا و فهما و علما إِنَّكَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ*».

[ (مسألة 21): يستحب في صلاة الصبح أن يجلس بعدها في مصلاه الى طلوع الشمس مشتغلا بذكر اللّه]

(مسألة 21): يستحب في صلاة الصبح أن يجلس بعدها في مصلاه الى طلوع الشمس مشتغلا بذكر اللّه.

[ (مسألة 22): الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا]

(مسألة 22): الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا، و كذا الدعاء بعد الفريضة أفضل من الدعاء بعد النافلة.

[ (مسألة 23): يستحب سجود الشكر بعد كل صلاة فريضة كانت أو نافلة]

(مسألة 23): يستحب سجود الشكر بعد كل صلاة فريضة كانت أو نافلة و قد مر كيفيته سابقا.

519
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في الصلاة على النبيص ج‌6 ص 520

[فصل في الصلاة على النبي (ص)]

فصل في الصلاة على النبي (ص) يستحب الصلاة على النبي (ص) حيث ما ذكر (1) فصل في الصلاة على النبي (ص)

(1) على المشهور شهرة عظيمة، بل في المعتبر- بعد حكاية القول بوجوبها في العمر مرة عن الكرخي و كلما ذكر عن الطحاوي- قال: «قلنا الإجماع سبق الكرخي و الطحاوي فلا عبرة بتخريجهما». و نحوه ما عن المنتهى، و في مفتاح الكرامة عن الناصرية، و الخلاف و التذكرة: الإجماع على عدم الوجوب في غير الصلاة.

لكن في مفتاح الفلاح نسب القول بالوجوب كلما ذكر (ص) الى الصدوق و المقداد في كنز العرفان، ثمَّ قال: «و هو الأصح»، و اختاره في الحدائق، و نسبه الى المحدث الكاشاني في الوافي، و المحقق المدقق المازندراني في شرح أصول الكافي، و الشيخ عبد اللّه بن صالح البحراني، و عن المدارك:

أنه غير بعيد، و استدل له- مضافا الى قوله تعالى (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً) «1»، و قوله تعالى (لٰا تَجْعَلُوا دُعٰاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعٰاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) «2»-

بصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): «و صل على النبي (ص) كلما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره» «3»‌

و‌

خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع): «قال رسول اللّه (ص): من ذكرت عنده فنسي أن يصلي علي خطا اللّه تعالى به طريق الجنة» «4»‌

و نحوه ما‌

في خبر محمد بن هارون مع زيادة: «من ذكرت عنده و لم يصل‌

______________________________
(1) الأحزاب: 56.

(2) النور: 63.

(3) الوسائل باب: 42 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 42 من أبواب الذكر حديث: 1.

520
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في الصلاة على النبيص ج‌6 ص 520

علي فدخل النار فأبعده اللّه تعالى» «1»‌

، و‌

بخبر أبي بصير الآخر: «إذا ذكر النبي (ص) فأكثروا من الصلاة عليه، فإنه من صلى على النبي (ص) صلاة واحدة صلى اللّه تعالى عليه ألف صلاة في ألف صف من الملائكة و لم يبق شي‌ء مما خلق اللّه تعالى إلا صلى على ذلك العبد لصلاة اللّه تعالى عليه و صلاة ملائكته فمن لم يرغب في هذا فهو جاهل مغرور قد برئ اللّه تعالى منه و رسوله و أهل بيته» «2».

و فيه: أن الآية الأولى إنما تدل بإطلاقها على وجوبها و لو مرة في العمر، و يكفي في امتثال الأمر فيها الإتيان بها في بعض التشهدات الصلاتية و الآية الثانية غير ظاهرة فيما نحن فيه، و أما النصوص عدا الصحيح فقاصرة الدلالة أو على الخلاف أدل. إذ الأول ظاهر في أن الصلاة طريق الجنة، و الثاني ظاهر في الدعاء عليه بإبعاد اللّه تعالى، إذا دخل النار، و مثله‌

المرسل «و من ذكرت عنده فلم يصل علي فلم يغفر اللّه له فأبعده اللّه تعالى» «3»‌

و الأخير تضمن الأمر بالإكثار من الصلاة عليه عند ذكره الذي هو مستحب ضرورة، و أما الصحيح فدلالته ليست بتلك المتانة، لقرب احتمال وروده مورد الأدب بقرينة سياقه مساق الأمر بإفصاح الألف و الهاء، فالأخذ به في مقابل الإجماعات، و ظهور عدم الأمر بها، و لا حكايتها في أخبار الأذان و ظهور عدم وجودها في كثير من الأدعية و الخطب و غيرها المحكية عن الأئمة الطاهرين مع ذكر النبي (ص) فيها، و ظهور جملة من النصوص في الاستحباب حيث تضمنت أن تركها جفاء‌

«4» أو بخل‌

«5»، مما لا مجال له.

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب التشهد حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 34 من أبواب الذكر حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 42 من أبواب الذكر حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 42 من أبواب الذكر حديث: 18.

(5) الوسائل باب: 42 من أبواب الذكر حديث: 9 و 14.

e

521
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في الصلاة على النبيص ج‌6 ص 520

أو ذكر عنده (1) و لو كان في الصلاة، و في أثناء القراءة (2) بل الأحوط عدم تركها لفتوى جماعة من العلماء بوجوبها، و لا فرق بين أن يكون ذكره باسمه العلمي كمحمد و أحمد، أو بالكنية و اللقب (3) كأبي القاسم و المصطفى و الرسول و النبي، أو بالضمير، و‌

في الخبر الصحيح: «و صل على النبي كلما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في آذان أو غيره» «1»‌

، و‌

في رواية: «من ذكرت عنده و نسي أن يصلي علي خطا اللّه به طريق الجنة» «2».

[ (مسألة 1): إذا ذكر اسمه «ص» مكرراً يستحب تكرارها]

(مسألة 1): إذا ذكر اسمه «ص» مكرراً يستحب تكرارها، و على القول بالوجوب يجب (3). نعم ذكر بعض‌

(1) كما صرح به في النص.

(2) لإطلاق النص.

(3) كما صرح به في مفتاح الفلاح ثمَّ قال: «و يمكن أن يكون ذكره (ص) بالضمير الراجع اليه كذلك»، و عن الكاشاني في خلاصة الأذكار: «لا فرق بين الاسم و اللقب و الكنية، بل الضمير على الأظهر» و في الحدائق جزم بالاسم العلمي، و فصل في الألقاب و الكنى بين المشتهر تسميته بها و غيره، فاختار العدم في الثاني، و استظهر كون الضمير من قبيل الثاني، و لا يخفي ما فيه، فإنه خلاف الإطلاق.

(4) لإطلاق أدلة السببية المقتضي لسببية كل فرد مستقلا، كما هو مبنى القول بأصالة عدم التداخل. نعم لو كان المراد من الذكر النفساني مقابل الغفلة- كما سيأتي- فالمدار في التكرار تعدد الذكر الحاصل بتخلل‌

______________________________
(1) تقدم في أول الفصل في الشرح.

(2) تقدم في أول الفصل في الشرح.

522
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 1 إذا ذكر اسمه ص مكررا يستحب تكرارها ج‌6 ص 522

القائلين بالوجوب يكفي مرة إلا إذا ذكر بعدها فيجب إعادتها و بعضهم على أنه يجب في كل مجلس مرة.

[ (مسألة 2): إذا كان في أثناء التشهد فسمع اسمه لا يكتفي بالصلاة التي تجب للتشهد]

(مسألة 2): إذا كان في أثناء التشهد فسمع اسمه لا يكتفي بالصلاة التي تجب للتشهد (1). نعم ذكره في ضمن قوله: «اللهم صل على محمد و آل محمد» لا يوجب تكرارها و إلا لزم التسلسل (2).

[ (مسألة 3): الأحوط عدم الفصل الطويل بين ذكره و الصلاة عليه]

(مسألة 3): الأحوط عدم الفصل الطويل بين ذكره و الصلاة عليه (3) بناء على الوجوب، و كذا بناء على الاستحباب في إدراك فضلها و امتثال الأمر الندبي، فلو ذكره أو

سمعه في أثناء القراءة في الصلاة لا يؤخر إلى آخرها إلا إذا كان في أواخرها.

[ (مسألة 4): لا يعتبر كيفية خاصة في الصلاة]

(مسألة 4): لا يعتبر كيفية خاصة في الصلاة (4).

بل يكفي في الصلاة عليه كل ما يدل عليها مثل «صلى الله‌

الغفلة، فما دام يغفل عنه (ص) لا يجب إلا مرة واحدة و إن تكرر ذكر الاسم.

(1) لأصالة عدم التداخل.

(2) نعم لو ذكره الغير بذلك كان مقتضى الإطلاق استحباب الصلاة.

(3) بل هو الأظهر، لظهور النص في الفورية، و لا سيما بملاحظة‌

قوله (ع) في بعض النصوص: «نسي» «1»‌

الظاهر في أن له محلا معيناً، و قوله:

«و لم يصل» «2»‌

الشامل للترك في الآن الأول.

(4) للإطلاق.

______________________________
(1) راجع أول الفصل.

(2) راجع أول الفصل.

523
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 4 لا يعتبر كيفية خاصة في الصلاة ج‌6 ص 523

عليه» و «اللهم صل عليه» و الأولى ضم الآل إليه (1).

[ (مسألة 5): إذا كتب اسمه «ص» يستحب أن يكتب الصلاة عليه]

(مسألة 5): إذا كتب اسمه «ص» يستحب أن يكتب الصلاة عليه (2).

[ (مسألة 6): إذا تذكره بقلبه فالأولى أن يصلي عليه]

(مسألة 6): إذا تذكره بقلبه فالأولى أن يصلي عليه لاحتمال شمول‌

قوله «ع»: «كلما ذكرته ..»‌

لكن الظاهر إرادة الذكر اللساني دون القلبي.

[ (مسألة 7): يستحب عند ذكر سائر الأنبياء و الأئمة أيضاً ذلك]

(مسألة 7): يستحب عند ذكر سائر الأنبياء و الأئمة أيضاً ذلك (3). نعم إذا أراد أن يصلي على الأنبياء، أولًا يصلي على النبي و آله (ص) ثمَّ عليهم إلا في ذكر إبراهيم (ع) (4)

(1) قد سبق في التشهد ما يقتضي تعين ذلك، فتأمل جيداً.

(2) كأنه إلحاق للذكر الكتبي باللفظي، و يحتمل أن يكون‌

للمرسل في الأنوار النعمانية: «ورد عنه (ص): من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب» «1»‌

فتأمل.

(3) استفادته من الخبر المذكور في المتن لا يخلو من إشكال، من جهة أن مقامهم أعلى من مقام سائر الأنبياء على ما تضمنته الأخبار الكثيرة المروية عنهم (ع)، و قد عقد لها في البحار باباً واسعاً، و تشعر به الرواية المذكورة، فإن الصلاة عليهم (ع) مقرونة بالصلاة على النبي (ص) المقدمة على الصلاة على سائر الأنبياء. و من ذلك يظهر من وجه آخر للإشكال لأنه يلزم أن يكون ذكر أحد الأئمة موجباً للصلاة على النبي (ص) و الأئمة مقدمة على الصلاة عليه، فتأمل.

(4) لا يحضرني ما يقتضي هذا الاستثناء إلا ما ذكره في مجمع البحرين‌

______________________________
(1) نور أحوال العالم و المتعلم، ج: 3 الفائدة الحادية عشرة في الكتابة صفحة: 373 الطبعة الحديثة.

524
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 7 يستحب عند ذكر سائر الأنبياء و الأئمة أيضا ذلك ج‌6 ص 524

ففي الخبر عن معاوية بن عمار قال: «ذكرت عند أبي عبد اللّه الصادق (ع) بعض الأنبياء فصليت عليه فقال (ع) إذا ذكر أحد من الأنبياء فابدأ بالصلاة على محمد و آله ثمَّ عليه» «1»‌

[فصل في مبطلات الصلاة]

فصل في مبطلات الصلاة و هي أمور:

[أحدها: فقد بعض الشرائط في أثناء الصلاة]

أحدها: فقد بعض الشرائط في أثناء الصلاة كالستر، و إباحة المكان، و اللباس، و نحو ذلك مما مر في المسائل المتقدمة (1).

[الثاني: الحدث الأكبر أو الأصغر]

الثاني: الحدث الأكبر أو الأصغر فإنه مبطل أينما وقع فيها و لو قبل الآخر بحرف، من غير فرق بين أن يكون عمداً (2)

في مادة «شيع»: «‌روي أن النبي (ص) جلس ليلا يحدث أصحابه في المسجد فقال: يا قوم إذا ذكرتم الأنبياء الأولين فصلوا علي ثمَّ صلوا عليهم، و إذا ذكرتم أبي إبراهيم فصلوا عليه ثمَّ صلوا علي ..».

فصل في مبطلات الصلاة‌

(1) مر الكلام فيه فراجع.

(2) إجماعا كما عن المعتبر، و التذكرة، و الروض، و مجمع البرهان، و كشف اللثام، و عن المدارك إجماع العلماء كافة، و عن المنتهى، و جامع المقاصد، و الذخيرة: نفي الخلاف فيه، و عن شرح المفاتيح: «لعله من‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 43 من أبواب الذكر حديث: 1.

 

525
مستمسک العروة الوثقى6

الثاني الحدث الأكبر أو الأصغر ج‌6 ص 525

ضروريات الدين أو المذهب». نعم عبارة الفقيه تحتمل القول بالصحة مع العمد، قال: «و إن رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة الرابعة و أحدثت فإن كنت قد قلت الشهادتين فقد مضت صلاتك، و إن لم تكن قلت ذلك فقد مضت صلاتك، فتوضأ ثمَّ عد الى مجلسك فتشهد» «1» كما أنه ربما يكون ظاهر بعض النصوص،

كصحيح الفضيل: «قلت لأبي جعفر (ع): أكون في الصلاة فأجد غمزاً في بطني، أو أذى، أو ضربانا. فقال (ع): انصرف ثمَّ توضأ و ابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمداً ..» «2»‌

بناءً على أن المراد الانصراف لقضاء حاجته ثمَّ يتوضأ، و أظهر منه في ذلك‌

خبر القماط: «سمعت رجلا يسأل أبا عبد اللّه (ع) عن رجل وجد غمزاً في بطنه، أو أذى، أو عصراً من البول و هو في صلاة المكتوبة في الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة. فقال (ع) إذا أصاب شيئاً من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك فيتوضأ ثمَّ ينصرف الى مصلاه الذي كان يصلي فيه فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته، ما لم ينقض الصلاة بالكلام. قلت: و ان التفت يميناً أو شمالا أو ولى عن القبلة؟ قال (ع):

نعم كل ذلك واسع، إنما هو بمنزلة رجل سها فانصرف في ركعة أو ركعتين أو ثلاث من المكتوبة فإنما عليه أن يبني على صلاته، ثمَّ ذكر سهو النبي (ص)» «3».

لكن لا مجال للاعتماد عليهما في قبال الإجماعات السالفة و النصوص الآتية، فيتعين طرحهما أو حملهما على التقية.

______________________________
(1) من لا يحضره الفقيه ج: 1 صفحة: 233 طبع النجف الحديث.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 9.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 11.

526
مستمسک العروة الوثقى6

الثاني الحدث الأكبر أو الأصغر ج‌6 ص 525

أو سهواً (1) أو اضطراراً (2) عدا ما مر في حكم المسلوس‌
 (1) إجماعا كما عن الناصرية، و في التذكرة، و عن نهاية الأحكام، و نهج الحق، و كشف الالتباس، و الروض، و مجمع البرهان، و إرشاد الجعفرية بناء منهم على أن الخلاف إنما هو فيمن سبقه الحدث دون السهو و إن كان ظاهر الشرائع، و محكي السرائر، و غيرهما أن الخلاف في السهو أيضاً. لكن لا يبعد- كما اعترف به غير واحد- أن المراد من السهو في كلامهم غير الاختيار، فيختص بمن سبقه الحدث، لظهور العبارات التي نسب إليها الخلاف في ذلك. و كيف كان فلا يظهر من النصوص ما يدل على الصحة فيه بالخصوص.

(2) على المشهور شهرة عظيمة و عن الخلاف و المبسوط و مصباح السيد: أنه يتطهر و يبني، و في النسبة المذكورة إشكال، ففي محكي الخلاف و المصباح: «من سبقه الحدث من بول أو ريح أو غير ذلك لأصحابنا فيه روايتان: إحداهما- و هو الأحوط أنه يبطل الصلاة، و قريب منه محكي المبسوط، و ظاهره التوقف أو الميل الى العدم، بل عن الخلاف أنه قال بعد ذلك: و الذي أعمل عليه و أفتي به الرواية الاولى». و كأنه يشير بالرواية الثانية الى ما سبق من صحيح الفضيل‌

و خبر القماط‌

الظاهرين في العمد اللذين قد عرفت الإجماع على خلافهما.

و عن المقنعة: التفصيل بين المتيمم الذي يسبقه الحدث و يجد الماء فيتوضأ و يبني و غيره، متيمماً كان و لا يجد الماء أم متوضئاً فيستأنف. و تبعه عليه في محكي النهاية، و عن التهذيب، و الاستبصار احتماله، و نسب أيضاً الى الحسن و ابن حمزة‌

لصحيح زرارة و محمد عن أحدهما (ع): «رجل دخل في الصلاة و هو متيمم فصلى ركعة ثمَّ أحدث فأصاب ماء، قال (ع):

527
مستمسک العروة الوثقى6

الثاني الحدث الأكبر أو الأصغر ج‌6 ص 525

يخرج و يتوضأ ثمَّ يبني على ما مضى من صلاته التي صلى بالتيمم» «1».

قال في المعتبر: «و هذه الرواية متكررة في الكتب بأسانيد مختلفة، و أصلها محمد بن مسلم، و فيها إشكال من حيث أن الحدث يبطل الطهارة، و تبطل ببطلانها الصلاة، و اضطر الشيخان بعد تسليمها الى تنزيلها على المحدث سهواً و الذي قالاه حسن، لأن الإجماع على أن الحدث يبطل الصلاة فيخرج من إطلاق الرواية، و لا بأس بالعمل بها على الوجه الذي ذكره الشيخان فإنها رواية مشهورة ..». و في الذكرى الميل اليه، و عن الأردبيلي: الجزم به، و عن المدارك: أنه قوي، و لا يعارضها النصوص الدالة على قاطعية الحدث،

كصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «ليس يرخص في النوم في شي‌ء من الصلاة» «2»‌

، و‌

موثق عمار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سئل عن الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حب القرع كيف يصنع؟ قال (ع): إن كان خرج نظيفاً من العذرة فليس عليه شي‌ء و لم ينقض وضوءه، و إن خرج متلطخاً بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء، و إن كان في صلاته قطع صلاته و أعاد الوضوء و الصلاة» «3»‌

و‌

خبر الحسن بن الجهم قال: «سألته- يعني أبا الحسن (ع)- عن رجل صلى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة، قال (ع): إن كان قال: أشهد أن لا إله إلا اللّه و أن محمداً رسول اللّه فلا يعد، و إن كان لم يتشهد قبل أن يحدث فليعد» «4»‌

، و‌

خبر الكناني: «عن الرجل يخفق و هو في الصلاة، فقال (ع): إن كان لا يحفظ حدثاً منه إن كان فعليه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة ملحق حديث: 10.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 5 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 6.

528
مستمسک العروة الوثقى6

الثاني الحدث الأكبر أو الأصغر ج‌6 ص 525

الوضوء و إعادة الصلاة» «1»‌

، و‌

خبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى ابن جعفر (ع) قال: «عن الرجل يكون في الصلاة فيعلم أن ريحاً قد خرجت فلا يجد ريحها و لا يسمع صوتها، قال (ع): يعيد الوضوء و الصلاة و لا يعتد بشي‌ء مما صلى إذا علم ذلك يقيناً ..» «2»‌

الى غير ذلك. إذ هي إما ظاهرة في غير المسألة المذكورة أو شاملة لها بنحو يمكن تقييدها بغيرها.

و المناقشة في دلالتها بأن المراد من الركعة الصلاة التامة، أو المراد من أحدث أمطر، أو المراد مما مضى من صلاته الصلاة السابقة التي صلاها بالتيمم لا الركعة لبطلانها بالحدث فلا تكون مما صلاه .. بعيدة جداً، لا يجوز ارتكابها إلا بعد البناء على سقوطها عن الحجية.

و مثل هذه النصوص للسابقة في الاشكال‌

صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه في السجدة الأخيرة و قبل أن يتشهد، قال (ع): ينصرف فيتوضأ، فإن شاء رجع الى المسجد و إن شاء ففي بيته، و إن شاء حيث شاء قعد فيتشهد ثمَّ يسلم، و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته» «3»‌

، و نحوه صحيحه الآخر‌

«4» و موثق عبيد ابنه‌

«5»، و خبر ابن مسكان المروي عن المحاسن‌

«6». و ظاهر ما سبق عن الفقيه الاعتماد عليها، و في كشف اللثام نفي البأس عن العمل بها. و أما حملها على أن مقصود الراوي الحكاية عن رجل من العامة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 13 من أبواب التشهد حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 3 من أبواب التسليم حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 13 من أبواب التشهد حديث: 2.

(6) الوسائل باب: 13 من أبواب التشهد حديث: 3.

529
مستمسک العروة الوثقى6

الثاني الحدث الأكبر أو الأصغر ج‌6 ص 525

و المبطون و المستحاضة. نعم لو نسي السلام ثمَّ أحدث فالأقوى عدم البطلان (1) و إن كان الأحوط الإعادة أيضاً.

[الثالث: التكفير]

الثالث: التكفير (2)
كان يعمل ذلك لا السؤال عن حكم المسألة و مقصود الامام (ع) تتميم القصة لا الجواب، فيبعد أيضاً كما سبق.

و الجمع العرفي بينها و بين إطلاق النصوص الدالة على البطلان بالتقييد قريب، و خبر الحسن بن الجهم‌

-لو تمَّ سنده- يمكن حمله على الاستحباب كما في نظائره. فالعمدة في وهن النصوص في المقامين إعراض المشهور عنها و بناؤهم على طرحها مع ما هي عليه من صحة السند و قوة الدلالة حتى التجأوا الى ارتكاب التأويلات البعيدة التي لم يكن بناؤهم عليها في غيرها، و لا سيما بملاحظة اشتمالها على الخروج و الرجوع الى مكان الصلاة من مسجد أو غيره مما هو غالباً من الفعل الكثير الماجي المستلزم لاستدبار القبلة اللذين هما من القواطع عندهم كالحدث، فان ذلك كله يوجب الوثوق بورودها لغير بيان الحكم الواقعي، فحالها حال صحيح الفضيل، و خبر القماط لا مجال للاعتماد عليها في رفع اليد عن قاطعية الحدث للصلاة مطلقاً. و المظنون قويا أن أكثر الجماعة الذين يظهر منهم العمل بها إنما كان ذلك منهم في مقام الاستدلال لا في مقام الفتوى، و اللّه سبحانه أعلم.

(1) قد عرفت في مبحث التسليم أن البطلان أقوى.

(2) على المشهور، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه، و العمدة فيه من النصوص‌صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قلت: «الرجل يضع يده في الصلاة و حكى اليمنى على اليسرى فقال (ع): ذلك التكفير لا تفعل» «1»‌


 (1) الوسائل باب: 15 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.

530
مستمسک العروة الوثقى6

الثالث التكفير ج‌6 ص 530

و‌

في صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): «و لا تكفر فإنما يصنع ذلك المجوس» «1»‌

و نحوه صحيح حريز عن رجل عنه (ع)

«2»، و‌

في خبر ابن جعفر (ع):

«قال أخي (ع): قال علي بن الحسين (ع): وضع الرجل إحدى يديه على الأخرى في الصلاة عمل و ليس في الصلاة عمل» «3»‌

، و نحوه‌

المروي عن كتابه، و زاد: «و سألته عن الرجل يكون في صلاته أ يضع إحدى يديه على الأخرى بكفه أو ذراعه؟ قال (ع): لا يصلح ذلك، فان فعل فلا يعود له» «4»‌

، و‌

في حديث الأربعمائة عن علي (ع): «لا يجمع المسلم يديه في الصلاة و هو قائم بين يدي اللّه عز و جل يتشبه بأهل الكفر، يعني المجوس» «5»‌

و قد يستدل عليه تارة: بالإجماع، و أخرى: بأنه فعل كثير، و ثالثة: بأنه مقتضى قاعدة الاحتياط و كون العبادات توفيقية.

هذا و الجميع لا يخلو من نظر، إذ النهي في أمثال المقام و إن كان ظاهراً في المانعية إلا أنه بقرينة ارتكاز كون موضوعه من مظاهر العبودية و التذلل و الخضوع، و ما روي من أن السبب في مشروعيته عند العامة استحسان عمر له حين رأى الفرس يفعلون تعظيما لملوكهم كما تشير اليه النصوص، و ما ورد‌

في خبر ابن جعفر (ع): «أنه عمل و ليس في الصلاة عمل»‌

يكون ظاهراً في المنع التشريعي كالنهي عن سائر العبادات غير المشروعة كظهور السؤال عنه في جوازه كذلك.

و أما الإجماع- فلو سلم بنحو يصح الاعتماد عليه، و لم يعتد بخلاف من ذهب الى الكراهة كالمحقق في المعتبر تبعاً لأبي الصلاح، و تبعهما عليه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 15 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 15 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 15 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 15 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 5.

(5) الوسائل باب: 15 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 7.

531
مستمسک العروة الوثقى6

الثالث التكفير ج‌6 ص 530

بمعنى وضع إحدى اليدين على الأخرى على النحو الذي يصنعه غيرنا (1).

جماعة- فلم يظهر انعقاده على المانعية كما يظهر من تمسك غير واحد بأن العبادات توقيفية، فإن ذلك إنما يقتضي المنع التشريعي أيضاً لا غير، و أما أنه من الفعل الكثير ففي نهاية المنع، إذ ليس هو إلا كوضعها على الفخذين في القيام و الجلوس، أو على الركبتين في الركوع مما لا مجال لتوهم ذلك فيه، و كأن المستدل به أخذه مما ورد فيه من أنه عمل، لكن فيه ما أشرنا إليه من أن المراد منه أنه عمل غير عبادي فلا يكون مأموراً به في الصلاة التي هي عبادة، و غاية ما يقتضي ذلك عدم جواز الإتيان به بقصد الأمر، لأنه تشريع، لا أنه فعل كثير ماح لصورة الصلاة.

و أما أنه مقتضى قاعدة الاحتياط فهو ممنوع، إذ التحقيق الرجوع عند الشك في المانعية إلى قاعدة البراءة، و من ذلك تعرف ضعف القول بالبطلان به- كما في المتن تبعاً للمشهور- لعدم وفاء الأدلة بأكثر من الحرمة التشريعية و هي لا تقتضي بطلان الصلاة إلا بالفعل بقصد الجزئية، أو بلزوم خلل في الامتثال لتقييد الامتثال به، و إلا لم يكن وجه للبطلان، و يشير اليه ما‌

في الخبر المروي عن كتاب ابن جعفر (ع): «فان فعل فلا يعود له»‌

كما تعرف ضعف القول بأنه حرام غير مبطل، كما عن المدارك، و رسالة صاحب المعالم حملا للنهي على الذاتي النفسي الذي قد عرفت أنه خلاف ظاهر النصوص، و قوله (ع):

«فان فعل فلا يعود له»‌

أعم من الحرمة النفسية و التشريعية.

نعم لا يبعد البناء على الكراهة الذاتية لظاهر تعليل النهي في بعض النصوص بأن فيه تشبهاً بالمجوس فلاحظ.

(1) كما عن الشيخ، و بني حمزة، و إدريس، و سعيد، و الشهيدين، و غيرهم، و هو الذي يقتضيه إطلاق النصوص عدا صحيح ابن مسلم‌

، فإن‌

532
مستمسک العروة الوثقى6

الثالث التكفير ج‌6 ص 530

إن كان عمداً لغير ضرورة. فلا بأس به سهواً (1) و إن كان الأحوط الإعادة معه أيضاً، و كذا لا بأس به مع الضرورة (2) بل لو تركه حالها أشكلت الصحة (3)
ظاهر اسم الإشارة فيه اختصاصه بوضع اليمنى على اليسرى كما هو ظاهر المحكي عن الفقيه، و المقنعة، و الانتصار، و الغنية، و النافع، و الشرائع، و غيرها. اللهم إلا أن يكون المراد باسم الإشارة فيه نفس وضع اليد على الأخرى لا خصوص وضع اليمنى على اليسرى، و لعله أولى من حمله على الخصوص و تقييد المطلقات به لأن الظاهر تحقق التكفير لغة بكل منهما و ليس للشارع تصرف فيه. و يشهد له خبر الدعائم حيث صرح فيه بأنه وضع كل من اليدين على الأخرى، و ما في كلام اللغويين من أنه الخضوع للغير، أو الإيماء له بالسجود، أو نحو ذلك.

(1) بلا خلاف أجده فيه، بل ظاهر إرساله إرسال المسلمات من جماعة كونه من القطعيات. كذا في الجواهر، و يقتضيه عموم:

«لا تعاد الصلاة» «1»‌

بناء على عمومه للشرائط و الموانع كالأجزاء، و من ذلك يظهر الاشكال فيما في الجواهر من الاستشكال في وجه خروج صورة السهو، خصوصاً على القول بإجمال العبادة، و كأنه لأجل ذلك احتاط بالإعادة في المتن، و أما حديث رفع الخطأ و النسيان‌

«2» فإثبات الصحة به لا يخلو من إشكال لأنها تتوقف على وجوب الباقي و هو لا يصلح لذلك.

(2) إجماعاً ظاهراً كما في الجواهر لعموم أدلة التقية.

(3) قال في جامع المقاصد: «لو وجب فعله تقية فخالف ففي إبطال‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 37 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2. و باب: 30 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 2 و باب: 56 من أبواب جهاد النفس حديث: 1 و 2 و 3.

533
مستمسک العروة الوثقى6

الثالث التكفير ج‌6 ص 530

و إن كانت أقوى (1) و الأحوط عدم وضع إحدى اليدين على الأخرى بأي وجه كان (2)،
الصلاة تردد، نظراً الى وجوب التقية، و الإتيان بالواجب أصالة».

(1) فإن أدلة وجوب التقية إنما اقتضت وجود المصلحة فيها لا تقييد مصلحة الصلاة بها في ذلك، فاذا كانت مصلحة الصلاة على إطلاقها كان الإتيان بها بلا تكفير موافقة للأمر بها فتصح. اللهم إلا أن يقال: مقتضى ما تضمن من النصوص:

«أن التقية ديني و دين آبائي»«1»‌

هو تقييد المصلحة الصلاتية. اللهم إلا أن يكون مذهب المخالفين الوجوب النفسي لا الغيري، لكن لو سلم ذلك فالإتيان بالصلاة بلا تكفير مخالف للتقية فيحرم فلا يصح التقرب به و ليست مخالفة التقية مجرد ترك التكفير كي لا يكون تحريمه موجباً لفساد الصلاة، بل مخالفتها بفعل الصلاة خالية عن التكفير.

(2) فعن غير واحد التصريح بعدم الفرق بين الوضع فوق السرة و تحتها و في جامع المقاصد: «لا فرق في التحريم و الابطال بين وضع اليدين فوق السرة أو تحتها بحائل و بدونه لعموم الأدلة، و كذا لا فرق بين وضع الكف على الكف و وضعه على الذراع لتناول اسم التكفير له». و في الجواهر:

«لا أجد فيه خلافا لإطلاق الأدلة». و لأجله يبني على عدم الفرق بين وجود الحائل و عدمه، و بين وضع الكف على الكف و الذراع و الساعد، لكن عن التذكرة التأمل لاحتمال انصراف الأدلة إلى غيره و الأصل الإباحة.

هذا و لا ينبغي التأمل في عدم الفرق بين الأنواع كلها بناء على الحرمة التشريعية، أما بناء على الحرمة الذاتية أو المانعية فيتوقف على كونه تكفيراً يعمله المجوس، فاذا علم عدمه أو شك فيه فالرجوع إلى أصل البراءة متعين و كذلك الحال في الكراهة الذاتية بناء عليها، لكن الظاهر الصدق في الجميع.


 (1) الوسائل باب: 24 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 23.

534
مستمسک العروة الوثقى6

الثالث التكفير ج‌6 ص 530

في أي حالة من حالات الصلاة و إن لم يكن متعارفا بينهم، لكن بشرط أن يكون بعنوان الخضوع و التأدب، و أما إذا كان لغرض آخر كالحك و نحوه فلا بأس به مطلقاً (1) حتى على الوضع المتعارف.

[الرابع: تعمد الالتفات بتمام البدن إلى الخلف]

الرابع: تعمد الالتفات (2) بتمام البدن إلى الخلف،

و يشير الى التعميم الأخير في الجملة خبر ابن جعفر المتقدم‌

«1». و أما احتمال الانصراف المتقدم عن التذكرة فلا يعول عليه، إذ الظاهر أن منشأه الغلبة التي لا يعتد بها في سقوط الإطلاق، و كأنه للتأمل في ذلك توقف في الحكم في المتن فجعله أحوط.

(1) كما صرح به بعض، و في جامع المقاصد: «لو دعته حاجة الى الوضع كدفع أذى و وضع يده لدفعه أمكن عدم التحريم للحاجة، و يحتمل أنه لا يعد تكفيراً لكن ظاهر الرواية يتناوله». أقول: إطلاق الوضع في بعض النصوص منزل على التكفير كما يظهر من صحيح ابن مسلم المتقدم‌

«2» و التكفير لا بد فيه من قصد الخضوع، فينتفي بانتفائه. نعم لا يبعد ثبوت الكراهة للمشابهة- و لو مع عدم قصد الخضوع و التشبه- في حديث الأربعمائة عن علي (ع)

«3» يراد منه مجرد المشابهة كما قد يظهر من غيره فتأمل.

(2) بلا إشكال فيه و لا خلاف في الجملة، و عن غير واحد دعوى الإجماع عليه، و إنما الخلاف في اعتبار كونه بتمام البدن و عدمه، و كونه الى الخلف و عدمه، و النصوص فيه مختلفة، فمنها: ما دل على قدحه مطلقاً‌

كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع): «سألته عن الرجل يلتفت في‌

______________________________
(1) راجع صفحة: 531.

(2) راجع صفحة: 530.

(3) راجع صفحة: 531.

535
مستمسک العروة الوثقى6

الرابع تعمد الالتفات بتمام البدن إلى الخلف ج‌6 ص 535

صلاته؟ قال (ع): لا، و لا ينقض أصابعه» «1».

و‌

موثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع): «إن تكلمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة» «2».

و منها: ما دل على عدم قدحه مطلقاً،

كخبر عبد الملك: «سألت أبا عبد اللّه (ع): عن الالتفات في الصلاة أ يقطع الصلاة؟ فقال (ع):

لا، و ما أحب أن يفعل» «3».

و منها: ما يدل على قدحه إذا كان فاحشاً،

كمصحح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشاً» «4»‌

، و‌

في حديث الأربعمائة عن علي عليه السلام: «الالتفات الفاحش يقطع الصلاة» «5».

و منها: ما يدل على قدحه إذا كان بكله،

كصحيح زرارة: «أنه سمع أبا جعفر (ع) يقول: الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله» «6».

و منها: ما يدل على قدحه إذا كان الى خلفه كالمروي‌

في محكي السرائر عن جامع البزنطي صاحب الرضا (ع): «عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟ قال (ع): إذا كانت الفريضة و التفت الى خلفه فقد قطع صلاته فيعيد ما صلى و لا يعتد به، و إن كانت نافلة لا يقطع ذلك صلاته و لكن لا يعود» «7»‌

، و نحوه خبر ابن جعفر (ع)

«8»، و‌

في صحيحه:

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 3 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 3 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 7.

(6) الوسائل باب: 3 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 3.

(7) الوسائل باب: 3 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 8.

(8) الوسائل باب: 3 من أبواب قواطع الصلاة ملحق حديث: 8.

536
مستمسک العروة الوثقى6

الرابع تعمد الالتفات بتمام البدن إلى الخلف ج‌6 ص 535

أو إلى اليمين، أو اليسار، بل و إلى ما بينهما على وجه يخرج عن الاستقبال (1)

«عن الرجل يكون في صلاته فيظن أن ثوبه قد انخرق أو أصابه شي‌ء هل يصلح له أن ينظر فيه أو يمسه؟ قال (ع): إن كان في مقدم ثوبه أو جانبه فلا بأس، و إن كان في مؤخره فلا يلتفت فإنه لا يصلح» «1».

هذا، و لا ينبغي التأمل في وجوب حمل المطلقات نفياً و إثباتاً على المقيدات، و لأجل أن المقيد الأول أعم مطلقاً من كل من الأخيرين يتعين حمله عليهما، و لأجل أن بين الأخيرين عموماً من وجه يتعين الأخذ بإطلاق كل منهما على ما هو المقرر في الجمع العرفي بين القضايا الشرطية التي يتحد جزاؤها و يتعدد شرطها: من أنه إذا كان بين الشرطين عموم مطلق يحمل العام على الخاص، مثل: إن كان زيد عالماً فأكرمه و إن كان زيد عالماً عادلا فأكرمه، و إن كان بينهما عموم من وجه يؤخذ بإطلاق كل منهما مثل إن كان زيد عالماً فأكرمه و إن كان زيد عادلا فأكرمه.

و المتحصل من ذلك قادحية الالتفات بالكل مطلقاً و لو كان الى اليمين أو اليسار، و قادحية الالتفات الى الخلف مطلقاً و لو كان بوجهه لا بكله، و عدم قدح الالتفات بالوجه إذا لم يكن بكله و لم يكن الى خلفه و إن كان فاحشاً كما هو الظاهر من صحيح ابن جعفر (ع)

. و من ذلك كله تعرف صحة ما في المتن، كما تعرف الإشكال في ظاهر جملة من عبارات الأصحاب في مقام تحديد موضوع الإبطال في المقام، ففي بعضها: أنه الالتفات الى ما وراءه، و في آخر: أنه الالتفات بحيث يرى من خلفه، و في آخر: أنه الالتفات بكله، و في آخر: غير ذلك.

(1) ليتحقق مفهوم من الالتفات الظاهر في الالتفات عن القبلة.

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

537
مستمسک العروة الوثقى6

الرابع تعمد الالتفات بتمام البدن إلى الخلف ج‌6 ص 535

و إن لم يصل إلى أحدهما، و إن لم يكن الالتفات حال القراءة أو الذكر (1)، بل الأقوى ذلك في الالتفات بالوجه إلى الخلف (2) مع فرض إمكانه، و لو بميل البدن على وجه لا يخرج عن الاستقبال (3).

و أما الالتفات بالوجه يميناً و يساراً مع بقاء البدن مستقبلا فالأقوى كراهته (4) مع عدم‌

(1) لإطلاق دليل البطلان به. نعم يحتمل اختصاص أدلة اعتبار الاستقبال في الصلاة بحال الذكر و القراءة و غيرهما من أفعالها، لأن الصلاة عين أجزائها، فدليل اعتبار شي‌ء فيها راجع الى اعتباره في أجزائها لا غير و لأجل ذلك كان دليل قادحية الالتفات تأسيساً لا تأكيداً لدليل اعتبار الاستقبال في الصلاة.

(2) كما عرفت أنه مقتضى إطلاق صحيح البزنطي و غيره.

(3) يعني بالبدن، و إلا فالالتفات بالوجه وحده أيضاً مناف للاستقبال المعتبر في الصلاة كما تقدم في فصل ما يستقبل له.

(4) عدم البطلان به هو المشهور كما عن المقاصد العلية، و مجمع البرهان، و الذخيرة، و الحدائق. و عن المعتبر و التذكرة نسبة الخلاف الى بعض الحنفية و عن جماعة نسبته الى فخر المحققين، و عن الحدائق و غيرها أن الأصحاب متفقون على رده. و يقتضيه ما عرفت من الجمع بين النصوص، و لأجل ذلك يضعف القول بالبطلان كما نسب الى الفخر و الألفية، و عن المفاتيح و المدارك و غيرهما: الميل اليه، و عن كشف اللثام: أنه الأقوى.

و استدل له بإطلاق ما دل على اعتبار الاستقبال، و لاحتمال كونه من الالتفات الفاحش الممنوع في مصحح الحلبي و غيره، و لإطلاق ما دل على قادحية الالتفات، و قلب الوجه عن القبلة، و صرفه عنها، و نحو ذلك.

538
مستمسک العروة الوثقى6

الرابع تعمد الالتفات بتمام البدن إلى الخلف ج‌6 ص 535

فاحشاً، و إن كان الأحوط اجتنابه أيضاً خصوصاً إذا كان طويلا (1)، و سيما إذا كان مقارناً لبعض أفعال الصلاة‌
و فيه: أن الإطلاق الدال على اعتبار الاستقبال في الصلاة قد عرفت اختصاصه بأفعالها، فلا يشمل الأكوان المتخللة بينها كما هو محل الكلام. و احتمال كونه من الفاحش- مع أنه ممنوع في بعض صوره و ان كان مقطوعا به في البعض الآخر- أنه لا يهم بعد ما عرفت من أن إطلاق الفاحش مقيد بالكل أو بالخلف الذي هو مقتضى الجمع العرفي، و منه يظهر الإشكال في التمسك بإطلاق قدح الالتفات الذي لا ريب في لزوم تقييده بما عرفت.

(1) فقد احتمل في الذخيرة الإبطال به، كما احتمل أيضاً- تبعاً للأردبيلي- الإبطال في الثاني، ثمَّ قال في محكي كلامه: «و يحتمل الفرق بين ما لا يمكن تداركه كالأركان، و غيره كالقراءة».

أقول: كأن وجه الأول: انصراف نصوص جواز الالتفات الى غير الطويل فيرجع فيه الى القواعد المقتضية للمنع، بناء على أن إطلاق أدلة اعتبار الاستقبال في الصلاة تقتضي اعتباره في جميع أكوانها. و وجه الثاني: ما تقدم احتماله من أن النصوص المتعرضة للالتفات- نافية أو مثبتة- إنما تتعرض له من حيث هو لا من حيث فوات الاستقبال المعتبر في الصلاة، لأن ذلك إنما هو في أفعالها لا غير، فلا إطلاق لنصوص جواز الالتفات يقتضي جوازه في حال الافعال بحيث يقيد به دليل الشرطية، و وجه الثالث: أنه مع إمكان التدارك يتدارك الجزء فلا فوات بخلاف ما لا يمكن تداركه.

و في الأول ما عرفت، و لأجله يتعين البناء على الثاني، و أما الثالث ففيه: أن التدارك إنما يصح مع السهو، إذ الجزء المأتي به مع الالتفات عمداً إن لم يكن صحيحاً يكون زيادة مبطلة.

 

539
مستمسک العروة الوثقى6

الرابع تعمد الالتفات بتمام البدن إلى الخلف ج‌6 ص 535

خصوصاً الأركان سيما تكبيرة الإحرام (1)، و أما إذا كان فاحشاً ففيه إشكال (2)

(1) كأن وجه التخصيص بها انصراف أدلة جواز الالتفات بالوجه الى اليمين و اليسار عن الالتفات حال التكبير، لأن موضوعها الالتفات في الصلاة الظاهر في الالتفات بعد انعقادها الذي يكون بتكبيرة الإحرام فيرجع في الالتفات فيها الى عموم المنع. و فيه: أنه مبني على شمول نصوص الالتفات للالتفات حال الجزء، و قد عرفت إشكاله، فلا فرق بين الالتفات في التكبيرة و الالتفات في غيرها من الافعال في اقتضاء المنع.

(2) ينشأ من احتمال كونه موضوعاً ثالثاً للمانعية. لكن عرفت أنه أخص مطلقاً من غيره فيحمل عليه، و لو شك في عمومه مطلقاً بالإضافة إلى الالتفات بالكل فلا شك في عمومه كذلك بالإضافة إلى الالتفات الى الخلف و هو كاف في سقوطه عن الحجية و لزوم حمله عليه.

فان قلت: من المحتمل قويا أنه مع تعدد الشرط تسقط أداة الشرط عن الدلالة على المفهوم، و يكون مفادها ثبوت الحكم للشرط لا غير، و حينئذ لا تنافي بين العام و الخاص كي يحمل أحدهما على الآخر.

قلت: هذا لو سلم ففي غير العام و الخاص، أما فيهما فالجمع يكون بالتقييد، و لا ينافي ذلك ابتلاء الخاص بخاص آخر معارض له موجب لسقوط مفهومه، فان سقوط مفهومه بالإضافة إلى المفاهيم المباينة له لا يلازم سقوطه بلحاظ ما هو أعم، فإن العرف في مثله يساعد على كون القيد وارداً في مقام تحديد الموضوع فيقيد به المطلق، و ملاحظة النظائر و الأمثال كافية في إثبات ذلك. هذا مضافا الى صحيح ابن جعفر (ع) المتقدم‌

«1» المتضمن لجواز النظر الى جانب ثوبه الذي هو من الالتفات الفاحش، فلاحظ.

______________________________
(1) راجع صفحة: 537.

540
مستمسک العروة الوثقى6

الرابع تعمد الالتفات بتمام البدن إلى الخلف ج‌6 ص 535

فلا يترك الاحتياط حينئذ، و كذا تبطل مع الالتفات سهواً (1)


(1) كما هو المحكي عن جماعة من القدماء، و في كشف اللثام: أنه الأقوى لإطلاق أدلة القاطعية، و أما‌

حديث: «لا تعاد الصلاة» «1»‌

فلاشتماله على استثناء القبلة فيه يكون معاضداً له لا حاكما عليه، و مثله في المعاضدة ما ورد في من سلم على نقص: من «أنه يتم ما لم يحول وجهه عن القبلة»‌

«2» بعد حمله على الالتفات القادح إما بكله أو الى خلفه، و ما في بعض النصوص من «أنه يتم»‌

«3» محمول عليه. نعم في بعضها: «أنه يتم و إن بلغ الصين»‌

«4»، أو «انتقل من مثل الكوفة إلى مكة»، أو «المدينة»، أو «البصرة»، أو «بلدة من البلدان»، أو نحو ذلك‌

«5». و هو مطروح قطعاً، و من ذلك يظهر ضعف المحكي عن أكثر الأصحاب من القول بالصحة، و نسب الى المبسوط، و الجمل، و النهاية، و المراسم، و السرائر، و النافع، و الشرائع، و القواعد، و المنتهى، و غيرها من كتب القدماء و المتأخرين للأصل، و حديث الرفع‌

«6»، و لإطلاق بعض ما ورد فيمن سلم على نقص من أنه يتم، الذي قد عرفت وجوب حمله على صورة عدم حدوث المبطل جمعاً. أما الأصل فلا مجال له مع الدليل، و أما حديث الرفع فلا يصلح لإثبات صحة المأتي به كما أشرنا إليه في المسألة السابقة، و لذا قال في كشف اللثام: «و أما العدم سهواً فللأصل، و رفع النسيان، و ضعفهما ظاهر».

______________________________
(1) تقدم في المورد الثالث من مبطلات الصلاة.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 6 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 3 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 20.

(5) الوسائل باب: 3 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 19.

(6) تقدم في المورد الثالث من مبطلات الصلاة.

541
مستمسک العروة الوثقى6

الرابع تعمد الالتفات بتمام البدن إلى الخلف ج‌6 ص 535

فيما كان عمده مبطلا، إلا إذا لم يصل إلى حد اليمين و اليسار، بل كان فيما بينهما فإنه غير مبطل إذا كان سهواً و إن كان بكل البدن (1).

[الخامس: تعمد الكلام بحرفين]

الخامس: تعمد الكلام بحرفين (2) و لو مهملين غير‌

(1) لما دل على صحة صلاة الناسي إذا كان منحرفا عن القبلة بالمقدار المذكور «1»، كما تقدم في مبحث الاستقبال، فيلحق به المقام للأولوية.

و بالجملة: كل ما دل على صحة الصلاة الى غير القبلة ناسياً جاز في المقام للأولوية حتى بالنسبة إلى الصحة في خارج الوقت فقط.

(2) إجماعا حكاه جماعة كثيرة كالشيخ، و ابن زهرة، و الفاضلين، و الشهيدين، و المحقق الأردبيلي، و السيد في المدارك، و المحدث الكاشاني، و الفاضل الهندي، و غيرهم، و يشهد له جملة من النصوص،

كموثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إن تكلمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة» «2»‌

، و‌

في صحيح ابن مسلم عن أبي عبد اللّه (ع) فيمن يأخذه الرعاف: «و إن تكلم فليعد صلاته» «3»‌

و‌

في مصحح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «في الرجل يصيبه الرعاف قال: إن لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته» «4»‌

، و‌

في صحيح الفضيل عن أبي جعفر (ع): «و ابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمداً، و إن تكلمت ناسياً فلا شي‌ء عليك» «5»‌

.. الى غير ذلك.

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب القبلة.

(2) الوسائل باب: 25 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 25 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 7 و باب: 2 حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 25 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 6 و باب: 2 حديث: 6.

(5) الوسائل باب: 25 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 5.

542
مستمسک العروة الوثقى6

الخامس تعمد الكلام بحرفين ج‌6 ص 542

مفهمين للمعنى (1) أو بحرف واحد بشرط كونه مفهما للمعنى (2)
 (1) بلا خلاف كما عن الذخيرة، و عن شرح المفاتيح نسبته الى الفقهاء بل عن الحدائق الإجماع عليه. و يقتضيه إطلاق النصوص لعموم الكلام للموضوع و المهمل كما عن شمس العلوم، و شرح الكافية لنجم الأئمة، و جماعة من النحويين. بل لا ينبغي التأمل في صدقه عرفا بذلك، و ما عن الروضة من قوله: «و في اشتراط كون الحرفين موضوعين لمعنى وجهان» الظاهر في توقفه في ذلك غير ظاهر.

(2) كما عن الشهيد و جماعة ممن تأخر عنه، و عن المنتهى أنه الوجه، و في الحدائق: «ظاهر الأصحاب دعوى صدق الكلام عليه لغة و عرفا، بل هو كلام عند أهل العربية فضلا عن اللغة لتضمنه الاسناد المفيد فيدخل في عموم الأخبار المتقدمة».

أقول: صدق الكلام لغة عليه غير ظاهر، و إن قيل أنه في أصل اللغة يطلق على كل حرف من حروف المعجم كان أو من حروف المعنى أو على أكثر، لكنه اشتهر في المركب من حرفين فصاعداً كما صرح به نجم الأئمة (رحمه اللّه)، و كذا الحال في العرف. و قولهم: تكلم زيد بحرف، أو ما تكلم بحرف مبني على المساهلة، و لذا لا يقال لمن قال: (ب) أنه تكلم كما أشار الى ذلك في محكي المدارك، و أما أنه كلام عند أهل العربية فهو مسلم لكنه لا يصحح حمل الكلام الصادر من الشارع في مقام البيان عليه نظير إطلاق الكلمة على حرف المعنى مع أنها ليست كذلك عرفا، و لأجل ذلك يشكل الجزم بالبطلان به و لذا تردد فيه في القواعد، و عن التذكرة، و النهاية، و الدروس، و غيرها. لكن علل في بعضها بأنه لا يعد كلاماً لكنه أشبه الكلام، و للاعراض به عن الصلاة، و فيه ما لا يخفى.

543
مستمسک العروة الوثقى6

الخامس تعمد الكلام بحرفين ج‌6 ص 542

نحو: «ق» فعل أمر من «وقى» بشرط أن يكون عالماً بمعناه (1) و قاصداً له (2) بل أو غير قاصد أيضاً مع التفاته إلى معناه على الأحوط (3).

[ (مسألة 1): لو تكلم بحرفين حصل ثانيهما من إشباع حركة الأول بطلت]

(مسألة 1): لو تكلم بحرفين حصل ثانيهما من إشباع حركة الأول بطلت (4) بخلاف ما لو لم يصل الإشباع (5) إلى حد حصول حرف آخر.

[ (مسألة 2): إذا تكلم بحرفين من غير تركيب]

(مسألة 2): إذا تكلم بحرفين من غير تركيب (6)

و دعوى كون الكلام اسماً لما تركب من حرفين، أو كان مفهما و لو كان حرفا واحداً، عهدتها على مدعيها.

(1) إذ الظاهر من المفهم ما يكون مفهما لمراد المتكلم، و لو لا ذلك كان من غير المفهم، و لم يكن فرق بينه و بين (ق) من (قيام).

(2) يعني: قصداً جديا بأن قصد به الأمر بالوقاية.

(3) لاحتمال كون المراد من المفهم ما أفهم معناه بأن يقصد استعماله في معناه و إن لم يقصد منه الاخبار أو الإنشاء.

(4) كما استظهره في الجواهر، إذ لا ينقص عن الكلمة المركبة وضعاً منهما، من غير فرق بين ما كان بمده أشبه الكلمة الموضوعة ك‍ (با) و (تا) و (ثا) علما للحروف، و بين ما لا يكون كذلك ك‍ (عا) و (كا)، لما تقدم من عدم الفرق بين الموضوع و المهمل، و عن الروض اعتبار ذلك، و قد تقدم نظيره عن الروضة و عرفت إشكاله.

(5) فإنه غير مبطل إجماعا كما عن المنتهى، و الذكرى، و الروض، و المقاصد العلية، و ظاهر المدارك، و الكفاية.

(6) الظاهر أن مراده عدم قصد التركيب. لكن الظاهر تحقق التركيب‌

544
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 إذا تكلم بحرفين من غير تركيب ج‌6 ص 544

كأن يقول: «ب ب»- مثلا- ففي كونه مبطلا أو لا وجهان و الأحوط الأول.

[ (مسألة 3): إذا تكلم بحرف واحد غير مفهم للمعنى]

(مسألة 3): إذا تكلم بحرف واحد غير مفهم للمعنى لكن وصله بإحدى كلمات القراءة أو الأذكار أبطل من حيث إفساد (1) تلك الكلمة إذا خرجت تلك الكلمة عن حقيقتها.

[ (مسألة 4): لا تبطل بمد حرف المد و اللين]

(مسألة 4): لا تبطل بمد حرف المد و اللين و إن زاد فيه بمقدار حرف آخر، فإنه محسوب حرفا واحداً (2).

[ (مسألة 5): الظاهر عدم البطلان بحروف المعاني]

(مسألة 5): الظاهر عدم البطلان بحروف المعاني (3) مثل «ل» حيث أنه لمعنى التعليل أو التمليك أو نحوهما، و كذا مثل‌

بوصل أحد الحرفين بالآخر على نحو يكون كلاماً واحداً، سواء أقصد المتكلم التركيب أم لم يقصد، و حينئذ فالأقوى البطلان. نعم في مفروض المتن- أعني صورة عدم التركيب- الأقوى الصحة لعدم البطلان بالحرف الواحد.

(1) فاذا فسدت أبطلت إذا كانت عمداً لحصول الزيادة العمدية، و للكلام عمداً.

(2) لأن المد- كما قيل- ليس بحرف و لا حركة، و إنما هو زيادة في مد الحرف و النفس.

(3) كما جزم في الجواهر، لعدم الفهم منها وضعاً. و فيه: أنها موضوعة كالأسماء لمعانيها غاية الأمر أن معانيها غير مستقلة فلا تفيدها إلا في ظرف الانضمام الى أجزاء الجملة، فالمراد من الحرف المفهم إن كان خصوص المفهم مستقلا لم تكن الحروف المذكورة منه، و إن أريد ما له معنى يفيده و لو في حال الانضمام الى أجزاء الجملة كانت منه. و العمدة ملاحظة الأصل الجاري في المقام، فان كان خروج غير المفهم للإجماع‌

545
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 5 الظاهر عدم البطلان بحروف المعاني ج‌6 ص 545

«و» حيث يفيد معنى العطف أو القسم، و مثل «ب» فإنه حرف جر و له معان، و إن كان الأحوط البطلان مع قصد هذه المعاني، و فرق واضح بينها (1) و بين حروف المباني.

[ (مسألة 6): لا تبطل بصوت التنحنح]

(مسألة 6): لا تبطل بصوت التنحنح (2)، و لا بصوت النفخ (3)

- كما اختاره في الجواهر- فغير ظاهر الشمول لهذه الحروف فيتعين البناء على البطلان.

(1) لوضع هذه الحروف لمعنى، و لذا كانت من أنواع الكلمة المنقسمة إلى اسم و فعل و حرف، بخلاف حروف المباني.

(2) كما عن التذكرة، و الذكرى، و الروض، و مجمع البرهان، و المدارك و الكفاية و المفاتيح، و شرحه، و غيرها، لأنه ليس من جنس الكلام. بل لا تبعد دعوى السيرة القطعية على جوازه. و يشهد له‌

موثق عمار: «سأل أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل يسمع صوتاً بالباب و هو في الصلاة فيتنحنح لتسمع جاريته و أهله، لتأتيه، فيشير إليها بيده ليعلمها من بالباب لتنظر من هو، قال (ع): لا بأس» «1»‌

، و السؤال و إن لم يكن لاحتمال مبطلية التنحنح فقط، بل لاحتمال مبطلية الأفعال المذكورة جميعها لكن بنفي البأس عنها يدل على المطلوب، و أما ما عن المنتهى و غيره من أنه لو تنحنح بحرفين و سمي كلاماً بطلت، فليس تفصيلا منه، بل مجرد فرض.

(3) الكلام فيه كما في سابقة، و يشهد لعدم البطلان‌

خبر إسحاق عن رجل: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن المكان يكون فيه الغبار فأنفخه إذا‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

546
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 6 لا تبطل بصوت التنحنح ج‌6 ص 546

و الأنين (1) و التأوه (2) و نحوها. نعم تبطل بحكاية أسماء‌

أردت السجود، فقال (ع): لا بأس» «1»‌

، و لا يبعد أن يكون السؤال فيه لاحتمال كون النفخ فعلا قادحاً لا كلاماً.

(1) أما إذا كان بحرف واحد فلا إشكال في عدم البطلان به و إن نص جماعة على كراهته. أما إذا كان بحرفين، فعن الخلاف، و الوسيلة، و التذكرة، و الدروس، و الذكرى، و غيرها: أنه لا يجوز، لأنه يصدق عليه الكلام. و فيه: أن الأذنين ليس من سنخ الكلام كي يكون تارة:

بالحرف، و أخرى: بالحرفين إذ لا تقطيع للصوت فيه. نعم قد يكون مشابهاً تارة: للحرف الواحد، و أخرى: للحرفين، لكن ذلك المقدار غير كاف في إجراء حكم التلفظ بالحرفين عليه. و أما‌

خبر طلحة ابن زيد عن جعفر (ع) عن أبيه (ع) عن علي (ع): «من أنّ في صلاته فقد تكلم» «2»‌

، و مثله المرسل المروي في الفقيه‌

«3» فمع عدم وضوح سنده و هجره عند الأصحاب لا مجال للاعتماد عليه، و إن جعله الأجود في الحدائق فيكون الأنين من جملة القواطع زائداً على الكلام، و يكون المراد من الخبر التنزيل منزلة الكلام.

(2) الكلام فيه هو الكلام في الأنين من أنه لا إشكال في عدم البطلان به إذا كان بحرف واحد. نعم صرح جماعة بكراهته. أما إذا كان بحرفين فقد صرح في غير واحد من الكتب منها التحرير و البيان بالبطلان به، و المراد به هنا الصوت الخاص الذي هو من قبيل الأنين، و لذا فرق بعضهم بينهما باختصاص الأنين بالمرض، و عموم التأوه لمطلق الشكاية فالحكم‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب السجود حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 25 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 25 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

547
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 6 لا تبطل بصوت التنحنح ج‌6 ص 546

هذه الأصوات مثل: «أح» و «يف» و «أوه».

[ (مسألة 7): إذا قال: «آه من ذنوبي»]

(مسألة 7): إذا قال: «آه من ذنوبي» أو: «آه من نار جهنم» لا تبطل الصلاة قطعاً إذا كان في ضمن دعاء أو مناجاة (1)، و أما إذا قال: «آه» من غير ذكر المتعلق فان قدره فكذلك (2)، و إلا فالأحوط اجتنابه و إن كان الأقوى عدم البطلان إذا كان في مقام الخوف من اللّه.
فيه هو الحكم فيه لأنه ليس من سنخ الكلام. لكن قال في القاموس:

« (أوه) كجير، و حيث، و أين و (آه) و (أوّه) بكسر الهاء و الواو المشددة، و (أوّ) بحذف الهاء و (أوّه) بفتح الواو المشددة ..» الى أن قال بعد تعداد كلمات التأوه: « (آه أوهاً)، (و أوّه تأويهاً) و (تأوه) قالها» و قريب منه ما عن الصحاح، و في المجمع، لكن الظاهر أنه ليس محلا للكلام هنا، فإنه لا ريب في كونه كلاماً مبطلا، و مثله ما ذكره في المتن في ذيل المسألة.

(1) لكونه من جملة أجزائه.

(2) هذا إذا كانت في ضمن الدعاء أو المناجاة ظاهر لأنها أيضاً معدودة من جملة أجزائهما، أما إذا كانت منفردة فالتقدير لا يجدي في إدخالها في الدعاء أو المناجاة و ليست هي ذكراً. فاذاً مقتضى عموم قادحية الكلام البطلان بها، و لذلك استشكل غير واحد على المحقق في المعتبر حيث حكى عن أبي حنيفة أن التأوه للخوف من اللّه تعالى عند ذكر المخوفات لا يبطل الصلاة و ان كان بحرفين، و يبطلها إن كان لغير ذلك كألم يجده. ثمَّ قال: «و تفصيل أبي حنيفة حسن، و نقل عن كثير من الصلحاء التأوه في الصلاة، و وصف إبراهيم (ع) بذلك يؤذن بجوازه».

548
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 8 لا فرق في البطلان بالتكلم بين أن يكون هناك مخاطب أم لا ج‌6 ص 549

[ (مسألة 8): لا فرق في البطلان بالتكلم بين أن يكون هناك مخاطب أم لا]

(مسألة 8): لا فرق في البطلان بالتكلم (1) بين أن يكون هناك مخاطب أم لا. و كذا لا فرق بين أن يكون مضطراً في التكلم أو مختاراً. نعم التكلم سهواً ليس مبطلا (2)

و التحقيق: أنه لا فرق بين ذكرها في ضمن دعاء أو مناجاة و عدمه و بين كون المتعلق بها مثل: «من ذنوبي» أو «من ألمي» و غير ذلك من أمور الدنيا و الآخرة، و بين التصريح بالمتعلق و تقديره و عدمهما، و الحكم في الجميع أنه إن صدرت في مقام الشكاية الى اللّه تعالى لم تبطل و إن كانت من أمر دنيوي، و إن لم تكن كذلك أبطلت و إن كانت في ضمن دعاء أو مناجاة. نعم كونها في ضمن أحدهما قرينة على صدورها في مقام الشكاية إليه تعالى، و المدار في الصحة عليه لا على القرينة.

(1) للإطلاق فيه و فيما بعده، و احتمال التمسك بحديث رفع الاضطرار‌

«1» لرفع قاطعيته لو كان عن اضطرار- كما احتمله في الذكرى فيما لو تكلم مكرهاً- قد عرفت الاشكال فيه، و أن الحديث لا يصلح لإثبات صحة الصلاة معه، و في المنتهى قرّب البطلان في المكره حملا لحديث الرفع على رفع المؤاخذة.

(2) بلا خلاف ظاهر، و في المنتهى: «عليه علماؤنا»، و يشهد له النصوص‌

كصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): «في الرجل يسهو في الركعتين و يتكلم فقال (ع): يتم ما بقي من صلاته تكلم أو لم يتكلم و لا شي‌ء عليه» «2»‌

، و‌

صحيح ابن الحجاج: «عن الرجل يتكلم ناسياً في الصلاة يقول: أقيموا صفوفكم قال (ع): يتم صلاته ثمَّ يسجد سجدتين ..» «3»‌

______________________________
(1) تقدم في الموارد الثالث من مبطلات الصلاة.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 1.

549
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 8 لا فرق في البطلان بالتكلم بين أن يكون هناك مخاطب أم لا ج‌6 ص 549

و لو بتخيل الفراغ من الصلاة (1).

[ (مسألة 9): لا بأس بالذكر و الدعاء في جميع أحوال الصلاة]

(مسألة 9): لا بأس بالذكر و الدعاء في جميع أحوال الصلاة (2) بغير المحرم و كذا بقراءة القرآن (3)

و نحوهما غيرهما.

(1) على المشهور، و يشهد له النصوص الكثيرة منها صحيح زرارة المتقدم‌

، و عن الشيخ و جماعة البطلان حينئذ، و سيأتي الكلام فيه في مبحث الخلل.

(2) بلا خلاف و لا إشكال، و يشهد به- مضافاً الى الأصل بعد عدم دخولهما في الكلام المنهي عنه- النصوص مثل‌

موثق عمار: «عن الرجل و المرأة يكونان في الصلاة فيريدان شيئاً أ يجوز لهما أن يقولا سبحان اللّه؟ قال (ع): نعم، و يوميان الى ما يريدان» «1»‌

و‌

صحيح ابن مهزيار: «سألت أبا جعفر (ع) عن الرجل يتكلم في صلاة الفريضة بكل شي‌ء يناجي به ربه قال (ع): نعم» «2»‌

و‌

صحيح الحلبي: «قال أبو عبد اللّه (ع): كلما ذكرت اللّه عز و جل و النبي (ص) فهو من الصلاة» «3»‌

، و نحوها غيرها.

(3) بلا خلاف و لا إشكال ظاهر، بل في المستند: «الظاهر الإجماع عليه»، و قد يشهد له- مضافاً الى الأصل المتقدم- صحيح معاوية بن وهب‌

«4» المتضمن لقراءة أمير المؤمنين (ع) في الركعة الثانية من الصبح قوله تعالى (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ وَ لٰا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لٰا يُوقِنُونَ) «5»‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 13 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 34 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.

(5) الروم: 60.

550
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 9 لا بأس بالذكر و الدعاء في جميع أحوال الصلاة ج‌6 ص 550

غير ما يوجب السجود (1) و أما الدعاء بالمحرم كالدعاء على مؤمن ظلماً فلا يجوز (2) بل هو مبطل للصلاة و إن كان جاهلا (3) بحرمته. نعم لا يبطل مع الجهل بالموضوع كما إذا اعتقده كافراً فدعا عليه فبان أنه مسلم.

[ (مسألة 10): لا بأس بالذكر و الدعاء بغير العربي أيضا]

(مسألة 10): لا بأس بالذكر و الدعاء بغير العربي (4) أيضا و ان كان الأحوط العربية.

[ (مسألة 11): يعتبر في القرآن قصد القرآنية]

(مسألة 11): يعتبر في القرآن قصد القرآنية (5) فلو قرأ ما هو مشترك بين القرآن و غيره لا بقصد القرآنية و لم يكن‌

في جواب ابن الكوا حين قرأ (وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخٰاسِرِينَ) «1»، و قد يستفاد مما ورد في النهي عن القراءة في الركوع أو فيه و في السجود‌

«2». (1) على ما سبق في قراءة العزائم في الفريضة.

(2) تقدم في القنوت الإشكال في تحريم الدعاء بالمحرم كالإشكال في البطلان به، كما تقدم وجه تحريم الدعاء على المؤمن ظلما. فراجع.

(3) كما في الجواهر حاكياً له عن المسالك، إذ بالجهل بحرمة المدعو به لا يخرج الدعاء عن كونه دعاء بالمحرم فيشمله الدليل المتقدم. نعم إذا كان الجهل عن قصور كما إذا أدى اجتهاده الى حليته فحكمه كالجهل بالموضوع في المعذورية الموجبة لدخوله في عموم عدم قاذحية الدعاء، فتأمل.

(4) كما تقدم في القنوت. فراجع.

(5) تقدم في القراءة اعتبار القصد في صدق قراءة القرآن من دون‌

______________________________
(1) الزمر: 65.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب الركوع.

551
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 11 يعتبر في القرآن قصد القرآنية ج‌6 ص 551

دعاء أيضاً أبطل، بل الآية المختصة بالقرآن أيضا إذا قصد بها غير القرآن أبطلت، و كذا لو لم يعلم أنها قرآن.

[ (مسألة 12): إذا أتى بالذكر بقصد تنبيه الغير]

(مسألة 12): إذا أتى بالذكر بقصد تنبيه الغير و الدلالة على أمر من الأمور فإن قصد به الذكر و قصد التنبيه برفع الصوت مثلا فلا إشكال بالصحة (1) و إن قصد به التنبيه من

دون قصد الذكر أصلا بأن استعمله في التنبيه و الدلالة فلا إشكال في كونه مبطلا (2) و كذا إن قصد الأمرين معاً على أن يكون له مدلولان و استعمله فيهما (3) و أما إذا قصد

به الذكر و كان داعيه على الإتيان بالذكر تنبيه الغير فالأقوى الصحة (4).

[ (مسألة 13): لا بأس بالدعاء مع مخاطبة الغير]

(مسألة 13): لا بأس بالدعاء مع مخاطبة الغير (5) بأن يقول: «غفر اللّه لك» فهو مثل قوله: «اللهم اغفر لي أو لفلان».
فرق بين المختص و المشترك، فلا تصدق قراءة القرآن مع عدم قصد القرآنية فضلا عن قصد غيرها.

(1) لكونه المتيقن من النصوص.

(2) لدخوله في الكلام و عدم شمول استثناء الذكر له.

(3) لا يبعد القول بعدم البطلان به لصدق الذكر عليه، لا أقل من الشك في شمول إطلاق مانعية الكلام لمثله.

(4) الظاهر أن هذه الصورة كالصورة الأولى في وضوح دخولها في نصوص استثناء الذكر.

(5) موضوع نصوص الاستثناء خصوص صورة الكلام معه سبحانه‌

552
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 لا بأس بتكرار الذكر أو القراءة عمدا ج‌6 ص 553

[ (مسألة 14): لا بأس بتكرار الذكر أو القراءة عمداً]

(مسألة 14): لا بأس بتكرار الذكر أو القراءة عمداً (1) أو من باب الاحتياط. نعم إذا كان التكرار من باب الوسوسة فلا يجوز، بل لا يبعد بطلان الصلاة به (2).

[ (مسألة 15): لا يجوز ابتداء السلام للمصلي]

(مسألة 15): لا يجوز ابتداء السلام (3) للمصلي، و كذا سائر التحيات مثل: «صبحك اللّه بالخير» أو «مساك اللّه بالخير» أو «في أمان اللّه» أو «ادْخُلُوهٰا بِسَلٰامٍ»* إذا قصد مجرد التحية و أما إذا قصد الدعاء بالسلامة أو الإصباح و الإمساء بالخير و نحو ذلك فلا بأس به (4) و كذا إذا قصد القرآنية من نحو قوله: «سَلٰامٌ عَلَيْكُمْ» أو: «ادْخُلُوهٰا بِسَلٰامٍ»* و إن كان الغرض منه السلام أو بيان المطلب بأن يكون من باب الداعي على الدعاء (5) أو قراءة القرآن.

و مناجاته فلا يشمل مثل ذلك.

(1) لكن يشكل جواز الإتيان به بقصد الجزئية، و ما في النصوص من أن الذكر من الصلاة فالظاهر منه ما هو أعم من ذلك.

(2) قد عرفت الاشكال فيه في الدعاء المحرم.

(3) بلا إشكال ظاهر لأن التحية عرفا ليست من الدعاء و إن كان أصل معناها الدعاء، لكنه غير مقصود للمحيي فتكون من كلام الآدميين المبطل للصلاة لو وقع عمداً. مع أنك عرفت الإشكال في الدعاء إذا لم يكن المخاطب به اللّه سبحانه.

(4) لكن عرفت أنه إذا قصد به مخاطبة الغير يشكل دخوله في المستثنى من الدعاء.

(5) فعليه تكون التحية و بيان المطلب بالفعل لا بالقول، لكن تقدم‌

553
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 يجوز رد سلام التحية في أثناء الصلاة بل يجب ج‌6 ص 554

[ (مسألة 16): يجوز رد سلام التحية في أثناء الصلاة بل يجب]

(مسألة 16): يجوز رد سلام التحية (1) في أثناء الصلاة بل يجب (2) و إن لم يكن السلام أو الجواب بالصيغة‌

في المسألة الثامنة من فصل مستحبات القراءة إمكان الجمع بين قراءة القرآن و إنشاء التحية بمثل «سَلٰامٌ عَلَيْكُمْ»* و «ادْخُلُوهٰا»* بأن يكون اللفظ مستعملا في نفس ألفاظ القرآن

و إن كان المنشأ بها الدعاء، أو التحية، أو الاذن بالدخول، أو غير ذلك.

(1) بلا خلاف كما عن غير واحد، بل إجماعا كما عن آخرين، و في الجواهر: «الإجماع بقسميه عليه، و النصوص مستفيضة فيه إن لم تكن متواترة». و سيأتي جملة منها. نعم

في خبر مسعدة‌

«1» النهي عن السلام على المصلي معللا بأنه لا يستطيع أن يرد السلام، لكن لا مجال للعمل به في مقابل ما عرفت.

(2) كما هو المذكور في معقد الإجماعات الصريحة أو الظاهرة في كلمات المتأخرين. نعم كلمات القدماء و كثير من غيرهم خالية عنه، و في كشف اللثام: «لم يتعرض غيره- يعني غير المصنف- للوجوب»، و عن التذكرة:

«ظاهر الأصحاب مجرد الجواز». و عن التنقيح: «الأكثر على أنه- أي الرد- جائز و ليس في عباراتهم ما يشعر بالوجوب». و لكن الظاهر- كما في الذكرى، و عن النفلية، و الفوائد الملية- أنهم أرادوا شرعيته في مقابل من أنكرها من العامة، و يبقى الوجوب معلوما من القواعد، و عن المسالك: أن كل من قال بالجواز قال بالوجوب، و عن مجمع البرهان:

«كأنه على تقدير الجواز يجب كما يفهم من عباراتهم و أدلتهم كالآية و نحوها» نعم في المعتبر- بعد ذكر الروايات المتضمنة لرد السلام في الصلاة- قال:

«و هذه الروايات محمولة على الجواز لعدم الرجحان». و ظاهره أن عدم‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 17 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.

554
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 يجوز رد سلام التحية في أثناء الصلاة بل يجب ج‌6 ص 554

القرآنية. و لو عصى و لم يرد الجواب و اشتغل بالصلاة قبل فوات وقت الرد (1) لم تبطل على الأقوى (2).

[ (مسألة 17): يجب أن يكون الرد في أثناء الصلاة بمثل ما سلم]

(مسألة 17): يجب أن يكون الرد في أثناء الصلاة بمثل ما سلم (3) فلو قال: «سلام عليكم» يجب أن يقول في‌

الرجحان مفروغ عنه فضلا عن عدم الوجوب، و لكنه غير ظاهر، فإنه خلاف إطلاق ما دل على وجوب رد السلام الشامل للصلاة كما ذكره هو (قده) في صدر كلامه.

(1) يعني: اشتغل الى أن فات الرد.

(2) كما صرح به جماعة منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد، و عن المختلف و غيره: «لو اشتغل بالقراءة عقيب التسليم عليه بطلت صلاته، لأنه فعل منهي عنه». لكن النهى للمضادة، و التحقيق عدم اقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده. قال في الذكرى: «و بالغ بعض الأصحاب في ذلك، فقال تبطل الصلاة لو اشتغل بالأذكار، و لما يرد السلام. و هو من مشرب اجتماع الأمر و النهي في الصلاة كما سبق، و الأصح عدم الابطال بترك رده».

(3) كما لعله المشهور، بل لعله ظاهر معقد إجماع محكي الانتصار و الخلاف و غيرها، و يشهد له‌

مصحح ابن مسلم: «دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) و هو في الصلاة فقلت: السلام عليك. فقال (ع):

السلام عليك. فقلت: كيف أصبحت؟ فسكت، فلما انصرف قلت:

أ يرد السلام و هو في الصلاة؟ قال (ع): نعم مثل ما قيل له» «1»‌

و‌

صحيح منصور عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا سلم عليك الرجل و أنت تصلي، قال‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 16 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.

555
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 يجوز رد سلام التحية في أثناء الصلاة بل يجب ج‌6 ص 554

عليه السلام: ترد عليه خفياً كما قال» «1».

نعم يعارضها‌

موثق سماعة عن أبي عبد اللّه (ع): «سألته عن الرجل يسلم عليه و هو في الصلاة، قال (ع): يرد سلام عليكم و لا يقول: و عليكم السلام فان رسول اللّه (ص) كان قائماً يصلي فمر به عمار بن ياسر فسلم عليه عمار فرد عليه النبي (ص) هكذا» «2»‌

، و‌

صحيح ابن مسلم الآخر عن أبي جعفر (ع): «إذا سلم عليك مسلم و أنت في الصلاة فسلم عليه تقول: السلام عليك و أشر بإصبعك» «3»‌

و نحوه خبر ابن جعفر (ع) المروي عن قرب الاسناد‌

«4». فإن ظاهر الأول تعين الجواب مطلقاً ب‍ «سلام عليكم» كما أن ظاهر الأخيرين تعينه ب‍ «السلام عليك» لكن الجمع العرفي بينها بتقييد كل منهما بصورة المماثلة كما هو الغالب، إذ بذلك يرتفع التنافي فيما بينها نفسها، و فيما بينها و بين الصحيحين الأولين لا بحملهما على التخيير. ثمَّ حمل المماثل على إحدى الصيغتين لأنهما الغالب. فإنه خلاف الظاهر جداً، و لا سيما و أن فيه تصرفا في كل من الطوائف الثلاث، و عليه فمقتضى إطلاق المماثلة التامة في الافراد و الجمع، و التعريف، و التنكير.

نعم قد يوهن هذا الإطلاق ما‌

في الذكرى قال: «روى البزنطي في سياق أحاديث الباقر (ع): إذا دخلت المسجد و الناس يصلون فسلم عليهم، و إذا سلم عليك فاردد فإني أفعله، و إن عمار بن ياسر (رحمه اللّه) مر على رسول اللّه (ص) و هو يصلي فقال: السلام عليك يا رسول اللّه و رحمة اللّه و بركاته فرد (ص) عليه السلام» «5»‌

فان المستفاد منها- بعد‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 16 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 16 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 16 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 16 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 7.

(5) الوسائل باب: 17 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 3.

556
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 17 يجب أن يكون الرد في أثناء الصلاة بمثل ما سلم ج‌6 ص 555

الجواب: «سلام عليكم»- مثلا- بل الأحوط المماثلة في التعريف و التنكير و الافراد و الجمع فلا يقول: «سلام عليكم» في جواب «السلام عليكم» أو في جواب «سلام عليك»- مثلا- و بالعكس و إن كان لا يخلو من منع. نعم لو قصد القرآنية في الجواب فلا بأس بعدم المماثلة (1).

[ (مسألة 18): لو قال المسلم: «عليكم السلام»]

(مسألة 18): لو قال المسلم: «عليكم السلام» فالأحوط في الجواب (2) أن يقول: «سلام عليكم»، بقصد القرآنية أو بقصد الدعاء.

ضمها الى موثق سماعة المتقدم‌

مع البناء على كون القضية المحكية فيهما واحدة كما قد يقتضيه ظاهرهما-: أن سلام عمار كان بما في رواية البزنطي‌

، و جواب النبي (ص) كان بما في موثق سماعة‌

، و عليه فالمراد من المماثلة المماثلة في تقديم السلام على الخبر فيكون السلام عليك، و سلام عليك، و السلام عليكم، و سلام عليكم كلها متماثلة، و يومئ اليه ما في الموثق من الاقتصار في المنع على عليكم السلام دون الصيغ الثلاث. اللهم إلا أن يمنع ظهور الروايتين في وحدة الواقعة و الإيماء في الموثق ليس بنحو يصلح قرينة لرفع اليد عن إطلاق المماثلة، و لا سيما مع عدم تعرض الموثق للمنع عن بقية الصيغ التي قدم فيها الخبر أيضاً، و لعل الوجه في الاقتصار على الصيغة المذكورة فيه كونها الفرد الشائع المتعارف، و لأجل ذلك يشكل رفع اليد عن إطلاق المماثلة، و مما ذكرنا تعرف الوجه فيما ذكره المصنف (رحمه اللّه) من الاحتياط و من وجه المنع.

(1) لانصراف أدلة اعتبار المماثلة الى غير ذلك.

(2) قال في محكي التذكرة: «لو قال: عليك السلام، لم يكن‌

557
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 19 لو سلم بالملحون وجب الجواب صحيحا ج‌6 ص 558

[ (مسألة 19): لو سلم بالملحون وجب الجواب صحيحاً]

(مسألة 19): لو سلم بالملحون وجب الجواب صحيحاً (1)

مسلماً إنما هي صيغة جواب»، و عن الحدائق: عدم وجوب الرد إذا كان بغير الصيغ الأربع، و قريب منهما كلام غيرهما، للأصل بعد تنزيل أدلة الوجوب على المتعارف، و‌

في النبوي العامي: أنه (ص) قال لمن قال له:

عليك السلام يا رسول اللّه (ص): «لا تقل عليك السلام تحية الموتى، إذا سلمت فقل: سلام عليك يقول الراد: عليك السلام» «1».

و فيه: أن التعارف لا يسقط المطلق عن الحجية فلا مجال للأصل، و لا سيما و‌

في خبر عمار: «عن النساء كيف يسلمن إذا دخلن على القوم؟

قال (ع): المرأة تقول: عليكم السلام، و الرجل يقول السلام عليكم» «2»‌

و النبوي ضعيف السند و الدلالة، و عليه يتعين الجواب ب‍ «عليكم السلام» لأنه المماثل، و النهي عنه في موثق سماعة المتقدم‌

«3» لا ينافيه لما عرفت من أن مورده صورة الابتداء ب‍ «سلام عليكم» كما هو الغالب فلا يشمل الصورة المذكورة. و مما ذكرنا تعرف أن ما في المتن من كون الأحوط أن يقول: «سلام عليكم» بقصد القرآنية أو الدعاء إنما هو بلحاظ صحة الصلاة، أما بلحاظ وجوب الرد فغير ظاهر، لكونه أدنى، و ظاهر الآية تعين المثل أو الأحسن. هذا مضافا الى الإشكال في جواز الدعاء إذا كان المخاطب غيره سبحانه كما سبق. نعم بناء على جواز حكاية مفردات القرآن في أثناء الصلاة- كما هو الظاهر- يمكن تأليف «عليكم السلام» بقصد حكاية مفردين من سورتين بقصد التحية فيكون الاحتياط من الجهتين.

(1) أما وجوب الجواب فلعموم وجوب الرد، و انصرافه عن الملحون‌

______________________________
(1) راجع الجواهر ج: 11 صفحة: 104 طبع النجف الحديث، و الحدائق ج: 9 صفحة: 72.

(2) الوسائل باب: 39 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3.

(3) راجع صفحة: 556.

558
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 19 لو سلم بالملحون وجب الجواب صحيحا ج‌6 ص 558

و الأحوط قصد (1) الدعاء أو القرآن.

[ (مسألة 20): لو كان المسلم صبياً مميزاً أو نحوه]

(مسألة 20): لو كان المسلم صبياً مميزاً أو نحوه أو امرأة أجنبية أو رجلا أجنبياً على امرأة تصلي فلا يبعد بل الأقوى جواز الرد (2) بعنوان رد التحية، لكن الأحوط قصد القرآن أو الدعاء.

ليس بنحو يعتد به في رفع اليد عن الإطلاق، و التشكيك في صدق التحية عليه- كما في المستند- في غير محله، و أما كونه صحيحاً فغير ظاهر و إن جزم به في الجواهر، إذ هو خلاف إطلاق الرد، و ليس هو من الموظف في الصلاة ليدعى انصرافه الى خصوص الصحيح كما تقدم في القنوت.

(1) كما عن شرح المفاتيح مشعراً بالتردد في أصل الوجوب، و كأنه لما عرفت.

(2) أما في الصبي فهو المعروف، و في الجواهر: «لم أجد مخالفاً هنا في وجوب الرد إلا ما يحكى عن فوائد الشرائع». لصدق التحية فيشملها الإطلاق، من دون فرق بين القول بشرعية عباداته و كونها تمرينية إذ لا يختص وجوب الرد بالتحية العبادية. و دعوى الانصراف الى خصوص ما كان مشروعا غير ظاهرة. فتأمل. و أما في المرأة فلا ينبغي التأمل فيه بناء على جواز سماع صوتها. نعم بناء على ما نسب الى المشهور من حرمة ذلك لا يبعد انصراف الأدلة عنها، لأن المحرم لا يستأهل الجواب. و إن أمكن الإشكال عليه- بناء على عدم دخول الإسماع في مفهوم التحية- بأن المحرم الاسماع لا نفس التحية، و الرد إنما يكون لها لا له. نعم لو سلم رياء لم يرد الاشكال المذكور، و تعين القول بعدم وجوب رده، خلافا للجواهر. و أما في الرجل الأجنبي فمقتضى العموم وجوب ردها عليه و حرمة إسماعه صوتها.

 

559
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 21 لو سلم على جماعة منهم المصلي فرد الجواب غيره لم يجز له الرد ج‌6 ص 560

[ (مسألة 21): لو سلم على جماعة منهم المصلي، فرد الجواب غيره، لم يجز له الرد]

(مسألة 21): لو سلم على جماعة منهم المصلي، فرد الجواب غيره، لم يجز له الرد (1). نعم لو رده صبي مميز، ففي كفايته إشكال (2). و الأحوط رد المصلي بقصد القرآن أو الدعاء.

[ (مسألة 22): إذا قال: «سلام»، بدون «عليكم»]

(مسألة 22): إذا قال: «سلام»، بدون «عليكم» وجب الجواب في الصلاة (3) إما بمثله، و يقدر «عليكم»، و إما بقوله: «سلام عليكم» (4). و الأحوط الجواب كذلك بقصد القرآن أو الدعاء.

[ (مسألة 23): إذا سلم مرات عديدة]

(مسألة 23): إذا سلم مرات عديدة يكفي في الجواب‌

مع إمكان دعوى تخصيص تحريم الاسماع على تقدير تماميته بغير المورد، كما يقتضيه الأصل بعد كون التعارض بالعموم من وجه.

(1) كما مال إليه في الجواهر لظهور الأدلة في وجوب الرد، المقتضي لكون مفروضها غير ما نحن فيه. و فيه: منع، لورود الأدلة مورد توهم الحظر، فلا مانع من شمولها لما نحن فيه. فالأولى دعوى انصراف دليل الجواز الى الرد الواجب، فيكون المرجع في غيره عموم دليل القادحية.

(2) كأنه للإشكال في الاكتفاء برد الصبي في غير الصلاة. و لكنه ضعيف، لأنه خلاف الإطلاق.

(3) لصدق التحية. و منه يعلم ضعف ما عن جماعة من إنكار الوجوب و عن آخرين من التردد فيه، لعدم ثبوت كونه تحية.

(4) هذا بناء على الاكتفاء بالمماثلة بغير تقدير الخبر و ذكره. لكنه خلاف الإطلاق. و قد تقدم الإشكال أيضاً في الدعاء مع مخاطبة الغير.

560
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 23 إذا سلم مرات عديدة ج‌6 ص 560

مرة (1). نعم لو أجاب، ثمَّ سلم يجب جواب الثاني أيضاً، و هكذا، إلا إذا خرج عن المتعارف، فلا يجب الجواب حينئذ (2).

[ (مسألة 24): إذا كان المصلي بين جماعة فسلم واحد عليهم]

(مسألة 24): إذا كان المصلي بين جماعة فسلم واحد عليهم، و شك المصلي في أن المسلم قصده أيضاً أم لا، لا يجوز له الجواب (3). نعم لا بأس به بقصد القرآن أو الدعاء.

[ (مسألة 25): يجب جواب السلام فوراً]

(مسألة 25): يجب جواب السلام فوراً (4)، فلو أخر عصياناً، أو نسياناً، بحيث خرج عن صدق الجواب،

(1) إما لكون الجميع تحية واحدة. أو لما يستفاد مما ورد في دخول النبي (ص) على علي (ع) و فاطمة (ع) و هما في لحافهما فسلم (ص) عليهما (ع) فاستحييا، فلم يجيبا، ثمَّ سلم ثانيا، فسكتا، ثمَّ سلم ثالثاً، فخافا إن لم يجيبا انصرف، فاجابا مرة‌

، و نحوه غيره. و قد عقد في الوسائل بابا لذلك في آداب العشرة «1». و لأجل ذلك يخرج عن أصالة عدم التداخل. و إلا فإشكاله ظاهر. فتأمل جيداً.

(2) فان صدق التحية حينئذ محل تأمل أو منع. و الأصل البراءة.

(3) لأصالة عدم قصده، الموجبة لنفي السلام عليه.

(4) على المشهور. بل عن مصابيح الظلام: «الظاهر اتفاق الأصحاب عليه»، و في المستند: «الظاهر أنه إجماعي». و هو الذي يقتضيه ظاهر الأدلة، المنزلة على المرتكزات العرفية، فإن جواب التحية عندهم له وقت معين، يكون التعدي عنه تعديا عن الموظف. و لأجل ذلك يعلم أن الفورية الواجبة يراد منها ما يصدق معها التحية. كما أنه لأجله أيضاً يشكل الوجوب بعد خروج الوقت، و إن حكي عن الأردبيلي. و لعله استند الى الاستصحاب‌

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 40 من أبواب أحكام العشرة. و الحديث المذكور هو أول أحاديث الباب.

561
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 25 يجب جواب السلام فورا ج‌6 ص 561

لم يجب، و إن كان في الصلاة لم يجز. و إن شك في الخروج عن الصدق، وجب، و إن كان في الصلاة (1). لكن الأحوط حينئذ قصد القرآن أو الدعاء.

[ (مسألة 26): يجب إسماع الرد]

(مسألة 26): يجب إسماع الرد، سواء كان في الصلاة أولا (2)،

إلا أن يقال: الواجب هو الجواب بعنوان التحية، و هو غير ممكن في خارج الوقت.

(1) كأنه للاستصحاب. و يشكل بأن الشك في بقاء الموضوع كاف في المنع عن الاستصحاب، كالعلم بارتفاعه. اللهم إلا أن يكون المرجع هنا استصحاب بقاء الوقت. لكنه إذا كان الشك للشبهة المفهومية كان من قبيل الاستصحاب في المفهوم المردد، و قد حرر في محله عدم جوازه. نعم إذا كان الشك بنحو الشبهة الموضوعية جرى بلا مانع. إلا أن الظاهر أنه غير محل الفرض. فتأمل جيداً.

(2) أما في غير الصلاة فهو المعروف. و عن الذخيرة: «لم أجد أحداً صرح بخلافه». و قد يقتضيه- مضافا الى ظهور الإجماع، و الى انصراف الأدلة-

خبر ابن القداح عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا سلم أحدكم فليجهر بسلامه، و لا يقول: سلمت فلم يردوا علي، و لعله يكون قد سلم و لم يسمعهم فاذا رد أحدكم فليجهر برده و لا يقول المسلم: سلمت فلم يردوا على» «1»‌

و يشير اليه خبر عبد اللّه بن الفضل الهاشمي‌

«2»، المتضمن التعليل بكون التسليم أماناً من المسلم، إذ لا يحصل الأمن إلا بالعلم به. لكن من جهة ظهور التعليل في كونه من الآداب، فهما قاصران عن إثبات الوجوب،

______________________________
(1) الوسائل باب: 38 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 13.

562
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 26 يجب إسماع الرد ج‌6 ص 562

فضلا عن إثبات وجوب الإسماع، إذ التعليل إنما يقتضي الاعلام، و لو بالإشارة بالإصبع أو غيرها. و أشكل من ذلك دعوى دخوله في مفهوم الرد و التحية لمنافاتها للاكتفاء بالإسماع التقديري.

و أما في الصلاة فمقتضى إطلاق النصوص كون الرد فيها كالرد في غيرها. لكن في صحيح منصور المتقدم‌

«1»: انه يرد خفياً، و‌

في موثق عمار: «إذا سلم عليك رجل من المسلمين و أنت في الصلاة، فرد عليه فيما بينك و بين نفسك، و لا ترفع صوتك» «2»‌

، و ظاهرهما وجوب الإخفات. و يعضدهما صحيح ابن مسلم المتقدم‌

«3»، حيث تضمن الإشارة بالإصبع، الظاهر في كون المقصود منه الاعلام، و نحوه خبر ابن جعفر (عليه السلام)

«4». و في الجواهر بعد ذكر الأولين قال: «و لم أجد من عمل بهما من أصحابنا إلا المصنف في المعتبر، حيث حملهما على الجواز»، و فيه- مع أنه ليس عملا بهما-: أنه مخالف للمنساق من غيرهما من النصوص و الفتاوى.

و الأولى حملهما على الجهر المنهي عنه- و هو المبالغة في رفع الصوت- أو على التقية، لأن المشهور بين العامة عدم الرد نطقاً، بل بالإشارة ..

و يمكن أن يقال: إن الأمر و النهي فيهما في مقام توهم الحظر و وجوب الاسماع، فلا يدلان على أكثر من الرخصة في الإخفات، فيرجع في جواز الاسماع الى غيرهما من النصوص. و حينئذ لا ينافيان صحيح ابن مسلم الآخر المتقدم‌

«5» المتضمن إسماع الباقر (ع) جوابه له. و لا موجب لحملهما‌

______________________________
(1) راجع المسألة: 17 من هذا الفصل.

(2) الوسائل باب: 16 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

(3) راجع المسألة: 17 من هذا الفصل.

(4) راجع المسألة: 17 من هذا الفصل.

(5) راجع المسألة: 17 من هذا الفصل.

563
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 26 يجب إسماع الرد ج‌6 ص 562

إلا إذا سلم، و مشى سريعاً، أو كان المسلّم أصم، فيكفي الجواب على المتعارف (1) بحيث لو لم يبعد، أو لم يكن أصم كان يسمع.

[ (مسألة 27): لو كانت التحية بغير لفظ السلام]

(مسألة 27): لو كانت التحية بغير لفظ السلام كقوله: «صبحك اللّه بالخير» أو: «مساك اللّه بالخير» لم يجب الرد (2). و إن كان هو الأحوط. و لو كان في الصلاة فالأحوط الرد بقصد الدعاء.
على التقية- كما جزم به في جامع المقاصد- و لا سيما بملاحظة اشتمالهما على الرد، الذي لا يقول به أكثرهم كما قيل. لكن ما ذكره في الجواهر أولا أقرب في وجه الجمع. و لا ينافيه التعبير بالخفاء في صحيح منصور‌،

لإمكان حمله على عدم رفع الصوت، كما في الموثق، جمعاً بينهما في نفسهما، و بينهما و بين ما دل على وجوب الاسماع. و لعله لذلك لم يعرف القول بوجوب الإخفات.

(1) كأنه لقصور ما تقدم من ظهور الإجماع، و الانصراف، و التعليل، عن اقتضاء الإسماع في مثل ذلك. أما دعوى دخول الإسماع في مفهوم الرد، فقد عرفت أنه لا يفرق فيها بين المستثنى و المستثنى منه.

(2) كما هو المشهور، للأصل. و يشير اليه صحيح محمد بن مسلم السابق‌

«1»، فان قوله:

«كيف أصبحت»‌

نوع من التحية. و أما عموم الآية «2»، فغير ثابت إما لأن المراد من التحية السلام: قال في محكي المدارك: «التحية لغة: السلام، على ما نص عليه اللغة، و دل عليه العرف»، و في القاموس: «و التحية السلام»، و عن المصباح:
 

(1) راجع المسألة: 17 من هذا الفصل.

(2) و هو قوله تعالى (وَ إِذٰا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهٰا أَوْ رُدُّوهٰا) النساء: 86.

564
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 28 لو شك المصلي في أن المسلم سلم بأي صيغة ج‌6 ص 565

[ (مسألة 28): لو شك المصلي في أن المسلّم سلم بأي صيغة]

(مسألة 28): لو شك المصلي في أن المسلّم سلم بأي صيغة، فالأحوط أن يرد بقوله «سَلٰامٌ عَلَيْكُمْ» (1) بقصد القرآن أو الدعاء.

«حياه تحية، أصله الدعاء بالبقاء، و منه التحية للّه تعالى، أي البقاء، و قيل: الملك، ثمَّ كثر حتى استعمل في مطلق الدعاء، ثمَّ استعمله الشرع في دعاء مخصوص، و هو سلام عليكم». و إما لأن المراد منها في الآية ذلك، كما نسب الى أكثر المفسرين، و عن البيضاوي نسبته الى الجمهور.

و لعله لقيام السيرة القطعية على عدم وجوب الرد لغير السلام من أنواع التحيات، فيدور الأمر بين حمل الأمر على الاستحباب، و بين حمل التحية على خصوص السلام، و الثاني أقرب. و من ذلك يشكل ما عن ظاهر التحرير، و المنتهى، من جواز رد التحية غير السلام في الصلاة، اعتماداً على ظاهر الآية، و عن البيان احتماله. مضافا الى أنه لو سلم العموم فليس مقتضاه إلا وجوب الرد. أما صحة الصلاة معه بحيث لا يكون قاطعاً و يخرج به عن عموم مانعية الكلام. فليس بظاهر الوجه.

(1) لأنه إن كان الابتداء بالصيغ التي قدم فيها المبتدأ، فهذه الصيغة جواب له، لعدم اعتبار المماثلة بأكثر من تقديم المبتدأ. و إن كان بالصيغة التي قدم فيها الظرف، فقد عرفت سابقاً الاكتفاء بذلك جوابا عنه، فيجوز له الجواب به لا بقصد القرآن، و لا بقصد الدعاء. نعم بناء على اعتبار المماثلة في جميع الخصوصيات، و وجوب الجواب عن الصيغة التي يتقدم فيها الخبر يتعين عليه التكرار بقصد الدعاء فيهما، أو بقصد الدعاء في أحدهما و القرآن في الآخر، حتى لا يلزم قطع الفريضة بالكلام العمدي المنطبق على غير الجواب.

565
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 29 يكره السلام على المصلي ج‌6 ص 566

[ (مسألة 29): يكره السلام على المصلي]

(مسألة 29): يكره السلام على المصلي (1).

[ (مسألة 30): رد السلام واجب كفائي]

(مسألة 30): رد السلام واجب كفائي (2)، فلو كان المسلم عليهم جماعة، يكفي رد أحدهم. و لكن الظاهر عدم سقوط الاستحباب بالنسبة إلى الباقين (3)

(1) للنهي عنه في خبر مسعدة المتقدم في صدر المبحث «1»، و نحوه غيره. و في جامع المقاصد: «لا يكره السلام على المصلي. للأصل، و لعموم (فَإِذٰا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ) «2»، و‌

لقول الباقر (عليه السلام): «إذا دخلت المسجد و الناس يصلون فسلم عليهم» «3»‌

لكن الأخير مختص بمورده. مع أنه معارض‌

بخبر الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد (ع): «كنت أسمع أبي يقول: إذا دخلت المسجد و القوم يصلون فلا تسلم عليهم ..» «4»‌

، و الجمع العرفي حمل الأمر في الأول على المشروعية. نعم إن لم يمكن الجمع المذكور فالترجيح للأول، لقوة السند. هذا و الأولان لا يصلحان لمعارضة النص.

(2) بلا خلاف، كما في كلام غير واحد، بل عن التذكرة الإجماع عليه. و يشهد له‌

خبر غياث عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا سلم من القوم واحد أجزأ عنهم، و إذا رد واحد أجزأ عنهم» «5»‌

، و نحوه مرسل ابن بكير‌

«6». (3) كما احتمله في الجواهر، و جزم به في غيرها. لانصراف التعبير‌

______________________________
(1) راجع المسألة: 16 من هذا الفصل.

(2) النور: 61.

(3) الوسائل باب: 17 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 17 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 46 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2.

(6) الوسائل باب: 46 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3.

566
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 30 رد السلام واجب كفائي ج‌6 ص 566

بل الأحوط رد كل من قصد به (1)، و لا يسقط برد من لم يكن داخلا في تلك الجماعة (2)، أو لم يكن مقصوداً.

و الظاهر عدم كفاية رد الصبي المميز أيضاً (3) و المشهور على أن الابتداء بالسلام أيضاً من المستحبات الكفائية، فلو كان الداخلون جماعة يكفي سلام أحدهم (4).

بالأجزاء إلى الاكتفاء به في سقوط الوجوب، فلا ينافي بقاء المشروعية المستفادة من إطلاق الأمر بالرد، و ان كان إطلاقه يقتضي السقوط بالمرة.

(1) كأن منشأ الاحتياط استضعاف النص. و إلا فلم أقف على قول بالوجوب العيني.

(2) لعدم دخوله في النصوص، فيبقى عموم وجوب الرد محكما.

و كذا في الفرض الثاني.

(3) كما في الجواهر، و عن المدارك. لعدم ظهور «القوم» المذكور في النص في شموله، فالمرجع عموم وجوب الرد. و عن جماعة بناء ذلك على تمرينية عباداته، لكونها كأفعال البهائم، بخلاف البناء على شرعيتها، لأن تحيته حينئذ كتحية غيره لا قصور فيها. و فيه: ما أشرنا إليه من أن صدق التحية لا يختلف فيه البناء ان، فان كان هو المدار فلا فرق بينهما في السقوط، و ليس السقوط تابعاً للشرعية، فإنه لا إشكال في السقوط إذا رد البالغ و ان لم يكن بعنوان العبادة. نعم لو كان المنشأ في قصور عموم النص للصبي‌

قوله (ع): «أجزأ عنهم».

الظاهر في ثبوت الرد عليهم جميعاً، كان البناء على عدم سقوط برده بناء على التمرينية في محله، لعدم ثبوته في حقه. فتأمل. هذا و عن الأردبيلي القول بالسقوط مطلقاً. و كأنه مبني على إطلاق النص بنحو يشمله.

(4) كما صرح به في الجواهر، و غيرها. لخبر غياث المتقدم‌

، و نحوه‌

567
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 30 رد السلام واجب كفائي ج‌6 ص 566

و لا يبعد بقاء الاستحباب بالنسبة إلى الباقين أيضاً (1)، و إن لم يكن مؤكداً.

[ (مسألة 31): يجوز سلام الأجنبي على الأجنبية، و بالعكس، على الأقوى]

(مسألة 31): يجوز سلام الأجنبي على الأجنبية، و بالعكس، على الأقوى إذا لم يكن هناك ريبة (2)، أو خوف فتنة، حيث أن صوت المرأة من حيث هو ليس عورة (3).

[ (مسألة 32): مقتضى بعض الأخبار عدم جواز الابتداء بالسلام على الكافر]

(مسألة 32): مقتضى بعض الأخبار عدم جواز الابتداء بالسلام على الكافر (4)،

مرسل ابن بكير‌

. (1) لجريان نظير ما تقدم هنا أيضاً.

(2)

ففي مصحح ربعي عن أبي عبد اللّه (ع): «كان رسول اللّه (ص) يسلم على النساء، و يردون عليه السلام، و كان أمير المؤمنين (ع) يسلم على النساء، و كان يكره أن يسلم على الشابّة منهن، و يقول: أتخوف أن يعجبني صوتها، فيدخل علي أكثر مما أطلب من الأجر» «1».

و لأجل ذلك يتعين حمل‌

خبر غياث: «لا تسلم على المرأة» «2»‌

، و‌

المرسل: «لا تبدؤا النساء بالسلام» «3»‌

، على الصورة المذكورة.

(3) كما تقدم في مبحث القراءة.

(4) كما صرح به غير واحد‌

لخبر غياث: «قال أمير المؤمنين (ع): لا تبدؤوا أهل الكتاب بالتسليم، و إذا سلموا عليكم فقولوا: و عليكم» «4»‌

و نحوه خبر أبي البختري‌

«5»، و‌

في خبر الأصبغ: «ستة لا ينبغي أن‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 48 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 131 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 131 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 1. لكنه حديث مسند.

(4) الوسائل باب: 49 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 49 من أبواب أحكام العشرة حديث: 9.

568
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 32 مقتضى بعض الأخبار عدم جواز الابتداء بالسلام على الكافر ج‌6 ص 568

إلا لضرورة. لكن يمكن الحمل على إرادة الكراهة (1).

و إن سلم الذمي على مسلم فالأحوط الرد بقوله: «عليك» (2)

يسلم عليهم اليهود و النصارى ..» «1»‌

(1) كأنه‌

لمصحح ابن الحجاج: «قلت لأبي الحسن (ع) أ رأيت إن احتجت الى الطبيب و هو نصراني أسلم عليه و أدعو له؟ قال (ع):

نعم إنه لا ينفعه دعاؤك» «2».

فإن الحاجة الى الطبيب- لو سلم ظهورها في الضرورة- فليس لها ظهور في الحاجة الى السلام، بل ظاهر الكلام عدمها، و‌

في خبر أبي بصير: «عن الرجل تكون له الحاجة الى المجوسي أو إلى اليهودي، أو الى النصراني، فيكتب له في الحاجة العظيمة أ يبدأ بالعلج و يسلم عليه في كتابه، و إنما يصنع ذلك لكي تقضى حاجته؟ فقال عليه السلام: أما أن تبدأ به فلا، و لكن تسلم عليه في كتابك، فان رسول اللّه (ص) كان يكتب الى كسرى و قيصر» «3».

فإنه ظاهر جداً في عدم الضرورة، بقرينة النهي عن الابتداء باسمه. نعم مورده الكتابة.

(2)

ففي مصحح زرارة: «إذا سلم عليكم مسلم فقولوا: سلام عليكم فاذا سلم عليكم كافر فقولوا: عليك» «4»‌

، و‌

في موثق معاوية: «إذا سلم عليك اليهودي و النصراني و المشرك فقل: عليك» «5»‌

، و نحوهما غيرهما، و قد تقدم في خبر غياث الجواب ب‍ «عليكم»‌

و نحوه خبر أبي البختري‌

«6».

______________________________
(1) الوسائل باب: 49 من أبواب أحكام العشرة حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 53 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 54 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 49 من أبواب أحكام العشرة حديث: 4.

(5) الوسائل باب: 49 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3.

(6) راجع المسألة: 32 من هذا الفصل.

569
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 32 مقتضى بعض الأخبار عدم جواز الابتداء بالسلام على الكافر ج‌6 ص 568

أو بقوله: «سلام» (1) دون «عليك».

[ (مسألة 33): المستفاد من بعض الأخبار: أنه يستحب أن يسلم الراكب على الماشي]

(مسألة 33): المستفاد من بعض الأخبار: أنه يستحب أن يسلم الراكب على الماشي، و أصحاب الخيل على أصحاب البغال، و هم على أصحاب الحمير، و القائم على الجالس، و الجماعة القليلة على الكثيرة، و الصغير على الكبير (2).

(1) كما‌

في خبر زرارة عن أبي عبد اللّه (ع): «تقول في الرد على اليهودي و النصراني: سلام» «1».

ثمَّ إن الوجه في توقف المصنف (رحمه اللّه) عن الجزم بالوجوب: وجود القولين في الوجوب و عدمه، و اختلاف الوجهين. و الذي اختاره في الجواهر العدم. و هو ضعيف، فان النصوص الواردة في الكافر بالخصوص، و إن كانت لا تدل على الوجوب، لورودها مورد توهم الحظر، لكن عموم الآية الشريفة «2» كاف في إثباته.

(2)

روى عنبسة بن مصعب عن أبي عبد اللّه (ع): «قال (ع): القليل يبدءون الكثير بالسلام، و الراكب يبدأ الماشي، و أصحاب البغال يبدءون أصحاب الحمير، و أصحاب الخيل يبدءون أصحاب البغال» «3»‌

و‌

في خبر ابن القداح عنه (ع): «يسلم الراكب على الماشي، و القائم على القاعد» «4»‌

، و‌

في خبر جراح عنه (ع): «ليسلم الصغير على الكبير، و المار على القاعد، و القليل على الكثير» «5»‌

، و‌

في مرسل ابن بكير:

______________________________
(1) الوسائل باب: 49 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2.

(2) و هو قوله تعالى «وَ إِذٰا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ ..» النساء: 86.

(3) الوسائل باب: 45 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 45 من أبواب أحكام العشرة حديث: 5.

(5) الوسائل باب: 45 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.

570
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 33 المستفاد من بعض الأخبار أنه يستحب أن يسلم الراكب على الماشي ج‌6 ص 570

و من المعلوم أن هذا مستحب في مستحب (1)، و إلا فلو وقع العكس لم يخرج عن الاستحباب أيضاً.

[ (مسألة 34): إذا سلم سخرية أو مزاحا، فالظاهر عدم وجوب رده]

(مسألة 34): إذا سلم سخرية أو مزاحا، فالظاهر عدم وجوب رده (2).

[ (مسألة 35): إذا سلم على أحد شخصين و لم يعلم أنه أيهما أراد، لا يجب الرد على واحد منهما]

(مسألة 35): إذا سلم على أحد شخصين و لم يعلم أنه أيهما أراد، لا يجب الرد على واحد منهما (3) و إن كان الأحوط في غير حال الصلاة الرد من كل منهما (4).

[ (مسألة 36): إذا تقارن سلام شخصين]

(مسألة 36): إذا تقارن سلام شخصين، كل على الآخر، وجب على كل منهما الجواب (5)، و لا يكفي سلامه الأول، لأنه لم يقصد الرد، بل الابتداء بالسلام.

[ (مسألة 37): يجب جواب سلام قارئ التعزية]

(مسألة 37): يجب جواب سلام قارئ التعزية،

«و إذا لقيت جماعة جماعة، سلم الأقل على الأكثر، و إذا لقي واحد جماعة، يسلم الواحد على الجماعة» «1».

(1) لعدم موجب للجمع بالتقييد، فيحمل الأمر على الأفضل.

(2) لانصراف الدليل عنه.

(3) لأصالة البراءة، و العلم الإجمالي لا أثر له، كما في واجدي المني في الثوب المشترك.

(4) أما فيها فلا يجوز. لعموم المنع من الكلام، الذي يكون مرجعاً في المورد، بعد جريان أصالة عدم السلام عليه، النافي لكون المورد من أفراد الخاص المستثنى.

(5) لعموم وجوب الرد.

______________________________
(1) الوسائل باب: 45 من أبواب أحكام العشرة حديث: 4.

571
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 37 يجب جواب سلام قارئ التعزية ج‌6 ص 571

و الواعظ، و نحوهما من أهل المنبر. و يكفي رد أحد المستمعين (1)

[ (مسألة 38): يستحب الرد بالأحسن في غير حال الصلاة]

(مسألة 38): يستحب الرد بالأحسن في غير حال الصلاة بأن يقول في جواب: «سلام عليكم»: «سلام عليكم، و رحمة اللّه و بركاته»، بل يحتمل ذلك فيها أيضاً (2). و إن كان الأحوط الرد بالمثل.

[ (مسألة 39): يستحب للعاطس و لمن سمع عطسة الغير و إن كان في الصلاة، أن يقول: «الحمد للّه»]

(مسألة 39): يستحب للعاطس و لمن سمع عطسة الغير و إن كان في الصلاة، أن يقول: «الحمد للّه» أو يقول:

«الحمد للّه و صلى اللّه على محمد و آله» (3) بعد أن يضع إصبعه‌

(1) على ما سبق من الاكتفاء برد واحد من الجماعة.

(2) على ما تقدم منه (رحمه اللّه) من كون المراد من المثل في النصوص تأخير الظرف في مقابل تقديمه، و تقدم إشكاله.

(3) إجماعاً، على الظاهر. و التعبير بالجواز في محكي كلام غير واحد يراد منه معناه الأعم، لا مقابل الاستحباب. كما يشهد به- مضافاً الى ما دل على استحباب الذكر و الصلاة على النبي (ص)-

صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا عطس الرجل في صلاته فليحمد اللّه تعالى» «1»‌

و‌

خبر أبي بصير: «أسمع العطسة فأحمد اللّه تعالى و أصلي على النبي (ص) و أنا في الصلاة؟ قال (ع): نعم، و إذا عطس أخوك و أنت في الصلاة فقل: الحمد للّه و صلى اللّه على النبي (ص) و آله و إن كان بينك و بين صاحبك اليم» «2».

______________________________
(1) الوسائل باب: 18 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 18 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

572
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 39 يستحب للعاطس و لمن سمع عطسة الغير و إن كان في الصلاة أن يقول الحمد لله ج‌6 ص 572

على أنفه (1). و كذا يستحب (2) تسميت (3) العاطس، بأن يقول له: «يرحمك اللّه»، أو «يرحمكم اللّه» (4)، و إن‌

(1) المذكور‌

في خبر الحسن بن راشد عن أبي عبد اللّه (ع): «من عطس، ثمَّ وضع يده على قصبة أنفه، ثمَّ قال: الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ* حمداً كثيراً كما هو أهله، و صلى اللّه على محمد النبي و آله و سلم، خرج من منخره الأيسر طائر أصغر من الجراد، و أكبر من الذباب، حتى يصير تحت العرش يستغفر اللّه تعالى له الى يوم القيامة» «1»‌

، و‌

في خبر مسمع: «عطس أبو عبد اللّه (ع) فقال: الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ*، ثمَّ جعل إصبعه على أنفه، فقال: رغم أنفي للّه رغماً داخراً» «2».

(2) بلا إشكال. و النصوص به شاهدة، و في بعضها: انه من حق المؤمن على المؤمن. و هو لا ينافي استحبابه حتى للكافر. كما يقتضيه إطلاق الأمر به. مضافاً الى ما ورد في تسميت النصراني‌

«3». (3) بالسين، و الشين، كما في كلام جماعة من اللغويين، و عن تغلب: الاختيار بالسين المهملة، و عن أبي عبيدة: الشين أعلى في كلامهم و أكثر.

(4) كما ذكره جماعة من الفقهاء و اللغويين. و يشهد له‌

خبر ابن مسلم: «إذا سمت الرجل فليقل: يرحمك اللّه، و إذا رد فليقل: يغفر اللّه لك و لنا، فان رسول اللّه (ص) سئل عن آية أو شي‌ء فيه ذكر اللّه، فقال (ص):

كلما ذكر اللّه عز و جل فيه فهو حسن» «4»‌

، و‌

في خبر الخصال: «إذا‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 63 من أبواب أحكام العشرة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 62 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 65 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 58 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2.

573
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 39 يستحب للعاطس و لمن سمع عطسة الغير و إن كان في الصلاة أن يقول الحمد لله ج‌6 ص 572

كان في الصلاة (1)، و إن كان الأحوط الترك حينئذ. و يستحب‌

عطس أحدكم فسمتوه، قولوا: يرحمكم اللّه، و هو يقول: يغفر اللّه تعالى لكم و يرحمكم. قال اللّه عز و جل (وَ إِذٰا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهٰا أَوْ رُدُّوهٰا» «1»‌

لكن الذي صرح به في كلام آخرين عدم اختصاصه بذلك، بل يكون بكل دعاء له. و يشير اليه ذيل خبر ابن مسلم، و ما ورد في تسميت النصراني حيث قال له الجماعة: هداك اللّه تعالى، و قال أبو عبد اللّه (ع) له: يرحمك اللّه، من دون أن ينكر عليهم مشروعية قولهم‌

. (1) كما هو المعروف، من دون نقل خلاف فيه. و استدل له في الجواهر بالأصل. و لأن التسميت الدعاء للعاطس، و هو غير ممنوع في الصلاة فيبقى إطلاق الأمر به على حاله. و فيه- مضافاً الى الإشكال في كون التحية من الدعاء، كما تقدم في السلام- ما عرفت من أن المتيقن مما دل على عدم قدح الدعاء ما كان مناجاة للّه تعالى و مكالمة معه، فغيره باق تحت إطلاقات المنع عنه في الصلاة، المانعة عن جريان الأصل. إلا أن يقال:

إطلاقات المنع معارضة بالعموم من وجه بإطلاق دليل الاستحباب، فيرجع في مورد المعارضة إلى أصالة البراءة. و فيه: أن التعارض المذكور إنما يكون بعد تحكيم ما دل على المنع من قطع الفريضة، و إلا فلا مانع عن العمل بالاطلاقين معاً، و الحكم ببطلان الصلاة، فيكون التعارض في الحقيقة بين الأدلة الثلاثة.

لكن التعارض الأول من أصله ممنوع جداً. إذ لا نظر لأدلة الاستحباب الى نفي القاطعية أصلا، كما لا نظر فيها الى جواز قطع الفريضة، و لو بعد الجمع بينها و بين أدلة المنع عنه بل العرف في مثله يجمع بين الدليلين‌

______________________________
(1) النساء: 86.

574
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 39 يستحب للعاطس و لمن سمع عطسة الغير و إن كان في الصلاة أن يقول الحمد لله ج‌6 ص 572

للعاطس كذلك أن يرد التسميت (1) بقوله: «يغفر اللّه لكم» (2).

[السادس: تعمد القهقهة]

السادس: تعمد القهقهة (3)

بجعل المورد من التزاحم، الذي يقدم فيه المنع على الاستحباب. و حينئذ فالبناء على جوازه في الصلاة محل تأمل أو منع. اللهم إلا أن يكون إجماع.

لكنه غير ثابت، و لا سيما بملاحظة استدلال كثير منهم على الحكم، بأن الدعاء غير مبطل للصلاة، مما يوجب كون الإجماع معلوم المستند، فيسقط عن الحجية. و لا سيما بملاحظة‌

خبر غياث عن جعفر (ع): «في رجل عطس في الصلاة فسمته رجل فقال (ع): فسدت صلاة ذلك الرجل» «1».

(1) كما هو المعروف، و عن الحدائق: الوجوب، و عن الروض، و الذخيرة:

التردد فيه لعموم وجوب رد التحية، و خصوص خبر الخصال المتقدم‌

«2» لكن العموم قد عرفت إشكاله. و لأجله يحمل خبر الخصال‌

على نحو من العناية في التطبيق، كتطبيقه في الهدية.

(2) تقدم في خبر الخصال‌

«3» زيادة:

«و يرحمكم»‌

و نحوه خبر ابن أبي خلف‌

«4». (3) بلا خلاف أجده فيه، نصاً و فتوى، بل في المعتبر، و المنتهى و التذكرة، و الذكرى، و عن غيرها: الإجماع عليه. كذا في الجواهر.

و يشهد له‌

مصحح زرارة عن أبي عبد اللّه (ع): «القهقهة لا تنقض الوضوء، و تنقض الصلاة» «5»‌

و‌

موثق سماعة: «سألته عن الضحك،

______________________________
(1) الوسائل باب: 18 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 5.

(2) راجع الصفحة السابقة.

(3) راجع الصفحة السابقة.

(4) الوسائل باب: 58 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 7 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.

575
مستمسک العروة الوثقى6

السادس تعمد القهقهة ج‌6 ص 575

و لو اضطراراً (1)، و هي الضحك المشتمل على الصوت و المد و الترجيع (2)

هل يقطع الصلاة؟ قال (ع): أما التبسم فلا يقطع الصلاة، و أما القهقهة فهي تقطع الصلاة» «1»‌

، و‌

في صحيح ابن أبي عمير عن رهط سمعوه يقول: «إن التبسم في الصلاة لا ينقض الصلاة و لا ينقض الوضوء، إنما يقطع الضحك الذي فيه القهقهة» «2».

(1) لعموم النصوص، و معاقد الإجماع، و عدم شمول‌

حديث: «لا تعاد» «3»‌

له. و عن الأردبيلي نفي البعد عن إلحاقه بالسهو، لحديث رفع الاضطرار «4». و لكنه غير ظاهر، لما عرفت من الإشكال في صلاحية حديث الرفع لإثبات الصحة، و لا سيما و أن الغالب صورة الاضطرار، فحمل النصوص على غيرها مستهجن. فتأمل.

(2) المحكي عن العين: أنه قال: «قهقه الضاحك، إذا مد و رجع» و كذا عن تهذيب اللغة، عن ابن المظفر. لكن عن الصحاح: «القهقهة في الضحك معروفة، و هي أن يقول: قه قه»، و مثله ما عن الديوان، و الأساس، و القاموس، و مجمع البحرين. و ظاهرها اعتبار الترجيع فقط.

اللهم إلا أن يكون الترجيع ب‍ (قه) يلازم المد. و عن الجمل، و المقاييس:

أنها الإغراق في الضحك. و عن شمس العلوم: أنها المبالغة فيه. و لا يخلو عن إجمال.

و كيف كان فالمستفاد من مجموع كلماتهم أن القهقهة ليست مطلق‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 3.

(3) تقدم في المورد الثالث من مبطلات الصلاة.

(4) تقدم في المورد الثالث من مبطلات الصلاة.

576
مستمسک العروة الوثقى6

السادس تعمد القهقهة ج‌6 ص 575

بل مطلق الصوت، على الأحوط. و لا بأس بالتبسم (1)، و لا بالقهقهة سهواً (2). نعم الضحك المشتمل على الصوت تقديراً،

الضحك المشتمل على الصوت- كما عن جماعة من الفقهاء-، و لا مطلق الضحك- كما عن آخرين منهم. إلا أن يكون المراد بها هنا ذلك، لوقوعها في النص في قبال التبسم الذي هو أقل الضحك- كما في القاموس- أو أنه ليس من الضحك- كما عن الجوهري. و ذلك لأن الظاهر من موثق سماعة- بقرينة السؤال-: كونه في مقام بيان حكم تمام أفراد الضحك. و حينئذ فاما أن يكون المراد بها ما يقابل التبسم، سواء اشتمل على المد و الترجيع، أم لا. أو المراد به ما يقابلها. و المتعين الأول. إما لأن أول الكلام أولى بالقرينية على آخره من العكس. و إما لأن استعمالها فيما عدا التبسم أقرب الى الحقيقة، لما عن المفصل للزوزني، و المصادر للبيهقي: انها الضحك بصوت، بخلاف استعمال التبسم فيما عداها. هذا و لكن في اقتضاء ذلك ظهوراً للكلام معتدا به، بحيث لا يجوز الرجوع فيه الى الأصل، إشكال، أو منع.

(1) إجماعا، فتوى، و نصا. كما عرفت.

(2) إجماعا. كما عن التذكرة، و نهاية الاحكام، و الذكرى، و الغرية، و جامع المقاصد، و إرشاد الجعفرية، و الروض، و المقاصد العلية، و النجيبية، و المفاتيح. و في الجواهر: «لعله لأن المراد من النصوص الإهمال، لا الإطلاق فيبقى حينئذ على الأصل. أو لأنها إنما تنصرف الى الفرد الشائع، دون الفرد النادر، و هو ناسي الحكم، أو أنه في الصلاة». و في الأمرين معاً تأمل واضح. نعم الصحة مقتضى‌

حديث: «لا تعاد الصلاة»‌

، كما يقتضيه إطلاقه، الشامل للاجزاء، و الشرائط، و الموانع. و يقتضيه في الجملة استثناء القبلة، و الطهور، و الوقت.

 

577
مستمسک العروة الوثقى6

السادس تعمد القهقهة ج‌6 ص 575

كما لو امتلأ جوفه ضحكا، و احمر وجهه، لكن منع نفسه من إظهار الصوت حكمه حكم القهقهة (1).

[السابع: تعمد البكاء المشتمل على الصوت]

السابع: تعمد البكاء (2) المشتمل على الصوت، بل و غير المشتمل عليه (3)

(1) كما استظهره في الجواهر. للقطع بخروجه عن التبسم، فيدخل في القهقهة- على ما سبق. لكنه يتم بناء على عموم الحكم لما ليس بتبسم أما بناء على الاشكال فيه- كما في المتن- فيكون أيضاً محلا للإشكال.

هذا إذا صدق عليك الضحك. و إلا- كما هو الظاهر- تعين الرجوع فيه الى أصل البراءة.

(2) على المشهور. كما عن جماعة. و من شرح نجيب الدين نفي الخلاف فيه. و عن المدارك: «ظاهرهم الإجماع عليه». و يشهد له‌

خبر النعمان بن عبد السلام، عن أبي حنيفة: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن البكاء في الصلاة أ يقطع الصلاة؟ فقال (ع): إن بكى لذكر جنة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة، و إن كان ذكر ميتاً له فصلاته فاسدة» «1»‌

و ربما استدل له بأنه فعل خارج عن الصلاة، فيكون قاطعاً لها، كالكلام.

و عن الأردبيلي و غيره الاشكال فيه. لضعف سند الخبر. و ما ذكر أخيراً أشبه بالقياس، فلا يصلح لإثباته. و هو في محله لو لا انجبار ضعف الخبر باعتماد الأصحاب.

(3) المحكي عن الصحاح: أن البكاء يمد و يقصر، فاذا مددت أردت الصوت الذي يكون مع البكاء، و إذا قصرت أردت الدموع، و نحوه حكي عن الخليل، و الراغب، و ابن فارس في المجمل، و عن المقاييس نسبته الى النحويين. هذا و لأجل أن المسؤول عنه في صدر الرواية هو الممدود،

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

578
مستمسک العروة الوثقى6

السابع تعمد البكاء المشتمل على الصوت ج‌6 ص 578

فقوله (ع): «و إن كان ذكر ميتاً»‌

منزل عليه، فلا إطلاق له يشمل البكا المقصور، و المرجع فيه أصل البراءة. و دعوى: أنه لم يثبت كون المذكور في السؤال ممدوداً. أو لم يثبت الفرق بين الممدود و المقصور. أو أنه لو ثبت، فهو في اللغة، لا في العرف، و هو مقدم على اللغة. أو سلمنا الفرق في العرف أيضاً، لكن قوله (ع): «بكى»- في الجواب- مطلق، لأنه مشتق من الجامع بين الممدود و المقصور. على ما هو التحقيق من كون الأفعال مشتقة مما تشتق منه المصادر، لا أنها مشتقة منها، ليكون الفعل مشتركا لفظياً بين معنى الممدود و معنى المقصور. و حينئذ يتعين الأخذ بإطلاقه، و لا يعول على السؤال. أو سلمنا إجمال النص، لكن المرجع قاعدة الاحتياط، لكون الشغل يقينياً. مندفعة: بأن النسخ المضبوطة بالمدّ.

مع أن الاحتمال كاف في المنع عن الإطلاق، لأن الكلام حينئذ يكون من قبيل المقرون بما يصلح للقرينية. و بأن نقل الثقات الإثبات من أهل اللغة كاف في الإثبات، و لا سيما مع الاستشهاد عليه بقول الشريف الرضي (رحمه اللّه) في رثاء جده سيد الشهداء الحسين (ع):

                       «يا جد لا زالت كتائب حسرة                 تغشى الفؤاد بكرها و طرادها                    

                          أبداً عليك و أدمع مسفوحة                   إن لم يراوحها البكاء يغادها»

و بأن العرف المقدم على اللغة هو العرف العام في عصر صدور الكلام و ظاهر النقل هو الفرق عنده، لا في أصل اللغة. و الإطلاق في الفعل ممنوع بعد اقترانه بالبكاء المذكور في السؤال الذي هو بمعنى الصوت. و المرجع في الشك في المانعية أصل البراءة، كما هو محقق في محله. هذا و الانصاف:

أن الاعتماد في الفرق على نقل أولئك الجماعة، الذين عمدتهم الجوهري، الظاهر خطوة في استشهاده ببيت حسان:

                       «بكت عيني و حق لها بكاها               و ما يجدي البكاء و لا العويل»

579
مستمسک العروة الوثقى6

السابع تعمد البكاء المشتمل على الصوت ج‌6 ص 578

على الأحوط، لأمور الدنيا (1). و أما البكاء للخوف من اللّه و لأمور الآخرة، فلا بأس به، بل هو من أفضل الأعمال.

و الظاهر أن البكاء اضطراراً أيضاً مبطل (2). نعم لا بأس به إذا كان سهواً (3). بل الأقوى عدم البأس به إذا كان لطلب أمر دنيوي من اللّه (4) فيبكي تذللا له تعالى ليقضى حاجته.

كما اعترف به غير واحد، و ظهور كلام غيرهم من اللغويين في عدمه.

لا يخلو من إشكال. نعم ظاهر ابن قتيبة في أدب الكاتب: أن المقصور و الممدود كلاهما مختص بالصوت. و لعل ذلك هو الوجه فيما تقدم من الرضي (رحمه اللّه) و إن كان بعيداً جداً. فالتوقف عن حكم غير المشتمل.

على الصوت- كما في المتن- في محله.

(1) كما ذكره الأصحاب: لفهمهم من قوله (ع): «و إن كان ذكر ميتاً ..»، بقرينة المقابلة بينه و بين ذكر الجنة و النار، كما هو الظاهر، فيكون ذكر الميت مثالا لكل ما كان من الأمور الدنيوية، سواء أ كان من قبيل فوات المحبوب، أم حصول المكروه.

(2) كما هو المشهور، بل قيل: «لم يعرف مخالف فيه». لإطلاق النص، من دون مقيد و حديث رفع الاضطرار، قد عرفت إشكاله. و دعوى اختصاصه بالاختيار. غير مسموعة.

(3) لا خلاف أجده فيه صريحاً، و إن أطلق جماعة. كذا في الجواهر و يقتضيه‌

حديث: «لا تعاد الصلاة»‌

، كما تقدم في القهقهة.

(4) لعدم دخول مثل ذلك في النص و الفتوى. إذ الظاهر من البكاء لأمور الدنيا، هو البكاء لفواتها أو عدم حصولها- كما عرفت-، فلا يشمل‌

580
مستمسک العروة الوثقى6

الثامن كل فعل ماح لصورة الصلاة قليلا كان أو كثيرا ج‌6 ص 581

[الثامن: كل فعل ماح لصورة الصلاة قليلًا كان أو كثيراً]

الثامن: كل فعل ماح لصورة الصلاة قليلًا كان أو كثيراً (1)،

البكاء تذللا للّه تعالى و استعطافا له في حصول المحبوب أو دفع المكروه.

و لا سيما بملاحظة النصوص الواردة في الحث على ذلك،

كخبر أبي بصير:

«قال أبو عبد اللّه (ع): إذا خفت أمراً يكون أو حاجة تريدها، فابدأ باللّه تعالى، فمجده و أثن عليه، كما هو أهله، و صل على النبي (ص)، و اسأل حاجتك، و تباك، و لو مثل رأس الذباب» «1».

(1) المذكور في كلام الأصحاب: أن الفعل الكثير مبطل للصلاة.

و الظاهر أنه لا خلاف فيه و لا إشكال في الجملة. و في المعتبر: «عليه العلماء»، و في المنتهى: «هو قول أهل العلم كافة»، و في جامع المقاصد: نفي الخلاف فيه بين علماء الإسلام، و نحوها في دعوى الإجماع عليه غيرها.

و قد اعترف غير واحد بعدم الوقوف على نص يدل عليه، قال في محكي المدارك: «لم أقف على رواية تدل بمنطوقها على بطلان الصلاة بالفعل الكثير» و قال في محكي الذخيرة: «لم أطلع على نص يتضمن أن الفعل الكثير مبطل، و لا ذكر نص في هذا الباب في شي‌ء من كتب الاستدلال» و نحوهما غيرهما. بل هو ظاهر تعليله في كلام غير واحد بالخروج عن كونه مصلياً، قال في المعتبر- بعد نسبة البطلان به الى العلماء-: «لأنه يخرج عن كونه مصلياً»، و نحوه ما في المنتهى و غيره. و يشير اليه تفسير غير واحد للفعل الكثير بما يخرج فاعله عن كونه مصلياً، كالحلي في السرائر، و الشهيد في الذكرى، و المحقق الثاني في جامع المقاصد، و الشهيد الثاني في الروض، و المسالك، و غيرهم في غيرها.

و أما ما عن شرح المفاتيح من الاستدلال عليه بالنصوص الظاهرة في‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 29 من أبواب الدعاء حديث: 4.

581
مستمسک العروة الوثقى6

الثامن كل فعل ماح لصورة الصلاة قليلا كان أو كثيرا ج‌6 ص 581

المنع عن بعض الأفعال في الصلاة، مثل‌

موثق عمار بن موسى قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل يكون في الصلاة، فيقرأ، فيرى حية بحياله، يجوز له أن يتناولها فيقتلها؟ فقال (ع): إن كان بينه و بينها خطوة واحدة فليخط و ليقتلها، و إلا فلا» «1».

أو في قاطعية بعض الافعال، مثل‌

صحيح حريز عن أبي عبد اللّه (ع): «قال: إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق، أو غريماً لك عليه مال، أو حية تخافها على نفسك فاقطع الصلاة و اتبع غلامك، أو غريمك، و اقتل الحية» «2».

ففيه: أنه لو تمت دلالة مثل ذلك و جاز العمل به، فإنما هو في أفعال خاصة لا تمكن استفادة الكلية المذكورة منها.

و عليه ينحصر مستندها في الإجماع. و إن كان يشكل الاعتماد عليه، بعد ما تقدم من تفسيره بما يخرج به عن كونه مصلياً. لإشكال المراد به، إذ هو إن كان الخروج شرعا لزم أخذ الحكم في موضوعه. مع أنه لا يرفع إجمال الموضوع، و ذلك خلف. و إن كان الخروج عرفا، فمع أنه لا حاكمية للعرف في الموضوعات الشرعية، المخترعة للشارع، و لا اعتبار بحكمه في ذلك أنه لا يطرد في الأفعال الكثيرة، المقارنة لأفعال الصلاة، مثل الخياطة، و الحياكة، و نحوهما، فان الاشتغال بها مقارنا للاشتغال بأفعال الصلاة، لا يعد خروجا عنها. و ان كان الخروج من عرف المتشرعة، بحسب مرتكزاتهم، المتلقاة من الشارع، فهو و إن كان صحيحاً في نفسه، لحجية ارتكازهم، المعبر عنه بالسيرة الارتكازية، التي هي في عداد الحجج، كالسيرة العملية، المعبر عنها بالإجماع العملي، و كالإجماع القولي. إلا أن ذلك ليس من وظيفة الفقيه، إذ وظيفته الفتوى في كل مورد من موارد‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 19 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 21 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.

582
مستمسک العروة الوثقى6

الثامن كل فعل ماح لصورة الصلاة قليلا كان أو كثيرا ج‌6 ص 581

الارتكاز المذكور، اعتماداً عليه، مثل أن يقول: تجب نية القربة في الوضوء أو الغسل، أو التيمم للسيرة المذكورة، أو أنه يقطع الصلاة الرقص، أو الوثبة الفاحشة، أو رفع الصوت شديداً، اعتماداً على السيرة المذكورة. و ليس وظيفته أن يقول: يقطع الصلاة كل ما كان قاطعا لها في نظر المتشرعة، و بحسب ارتكازهم. إذ تشخيص ذلك مما لا يقوى عليه العامي، و لا بد من الرجوع فيه الى الفقيه، و لو اتفق حصوله للعامي لم يحتج إلى مراجعة الفقيه في الفتوى، بل كان ذلك الارتكاز بنفسه حجة عليه في عمله، كما أنه حجة للمجتهد في فتواه.

هذا كله مضافا الى عدم ثبوت هذا الارتكاز في مورد من الموارد.

و ثبوته في مثل الرقص و نحوه، غير معلوم، إذ ليس هو إلا كثبوته في النظر إلى الأجنبية بشهوة، الذي اشتهر أنه لا يبطل الصلاة، و كثبوته في ضم الجارية إليه في الصلاة: الذي ورد في الصحيح عن مسمع عن أبي الحسن (ع): «أنه لا بأس به»‌

«1». فيبعد جداً أن يكون المراد من الفعل الكثير ذلك، و لا سيما مع عدم القرينة عليه، بل و عدم المناسبة المصححة للاستعمال و احتمال أن التعبير عنه بذلك تبعاً للعامة، و إن اختلف المراد، لا شاهد عليه.

لكن الإنصاف: أن الإشكالات المذكورة إنما تتوجه لو كان المعتمد في قاطعية الفعل الكثير هو ارتكاز المتشرعة. أما لو كان الإجماع، أو الدليل الذي عول عليه المجمعون، و الارتكاز إنما جعل معياراً و ضابطاً للموضوع الذي جعل قاطعاً، فلا مجال لتوجهها. إذ ارتكاز منافاة بعض الأفعال للصلاة عند المتشرعة، مما لا مجال لإنكاره، فإن جملة من الافعال، إما لكثرتها و طول أمدها، كالخياطة، و الكتابة، و النساجة، و نحوها، إذا كانت كثيرة‌
 

(1) الوسائل باب: 22 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.

583
مستمسک العروة الوثقى6

الثامن كل فعل ماح لصورة الصلاة قليلا كان أو كثيرا ج‌6 ص 581

أو لذاتها، مثل الصفق، و الرقص الواقعين على نحو التلهي و اللعب، مما لا يتأمل واحد من المتشرعة في منافاتها للصلاة، سواء أوقعت في خلال الافعال، أم مقارنة لبعضها، و يعد فاعلها مشغولا بغير الصلاة، و ليس في مقام امتثال أمر الصلاة، بل هو في مقام فعل آخر.

و حينئذ لا مانع من أن يجعل الفقيه مثل ذلك ضابطاً للقاطع، فيفتي بأن الفعل المنافي للصلاة عند المتشرعة و بحسب ارتكازهم مبطل لها. من دون أن يعتبر في الارتكاز أن يكون حجة، كي يتوجه إشكال صعوبة تشخيص ما هو حجة، و ما ليس بحجة، و أن ذلك من وظيفة المجتهد لا العامي. بل يجعل مطلق ارتكاز المنافاة، و لو بنحو يمكن ردع المجتهد عنه موضوعاً للإبطال. فلا إشكال حينئذ في الكلية من هذه الجهة، و لا من جهة الدليل عليها، لما عرفت من استفاضة حكاية الإجماع عليها.

نعم قد يوهم التعليل بأنه يخرج به عن كونه مصلياً إرادة الاحتجاج بارتكاز المتشرعة. و حينئذ يتوجه الاشكال على من فسره بذلك. لكن الظاهر من التعليل ما ذكرنا، أعني: التعليل بارتكاز المتشرعة في الجملة و لو لم يحرز أنه حجة و لذا قال في محكي المدارك: «المراد من الفعل الكثير ما تنمحي به صورة الصلاة بالكلية»، ثمَّ نسبه الى ظاهر المعتبر.

و على هذا فالمراد من تفسيره بما يخرج به عن كونه مصلياً، هو ذلك المعنى كما لعله المراد أيضاً من تفسيره بما يكون كثيراً في العادة، كما نسب الى المشهور- يعني: ما يكون كثيراً في عادة المتشرعة، لكونه زائداً على المقدار السائغ عندهم، فيكون ممنوعا عنه عندهم. فترجع التفاسير الثلاثة إلى أمر واحد، و هو ذهاب الصورة، بحيث يمتنع التئام الأجزاء و تألفها، بنحو يكون مصداقا للصلاة و موضوعا للمأمور به. لكن يأبى هذا الحمل في التفسير الأخير تفصيل غير واحد في السهو بين الماحي و غيره.

584
مستمسک العروة الوثقى6

الثامن كل فعل ماح لصورة الصلاة قليلا كان أو كثيرا ج‌6 ص 581

كالوثبة، و الرقص، و التصفيق، و نحو ذلك مما هو مناف للصلاة. و لا فرق بين العمد و السهو (1). و كذا السكوت الطويل الماحي. و أما الفعل القليل غير الماحي، بل الكثير غير‌

و كيف كان، فالمتيقن من القاعدة المذكورة هو خصوص الماحي.

كما في المتن، تبعاً للمدارك، و غيرها. فلا يعم غيره، و لو كان كثيراً.

كما أن الظاهر عدم الفرق في الماحي بين القليل، كالعفطة، و غيره، فان الجميع داخل في معقد الإجماع.

(1) المنسوب الى المشهور في كلام غير واحد، منهم الدروس: عدم البطلان بالفعل الكثير مع السهو، بل في الذكرى و عن الكفاية: نسبته الى قول الأصحاب، و في جامع المقاصد، و عن الروض، و غيرهما: نسبته الى ظاهر الأصحاب، و عن التذكرة: أنه مذهب علمائنا. و عن البيان، و الدروس و فوائد الشرائع، و تعليق النافع، و غيرها: أن الأصح الإبطال عمداً و سهواً و عن الميسية، و المسالك، و المدارك، و غيرها: البطلان بشرط المحو. و عن الروض أنه حينئذ يشكل بقاء الصحة. و في جامع المقاصد، و عن الغرية:

أنه بعيد.

أقول: بل هو الأقرب. إذ العمدة في دليل البطلان: الإجماع.

و هو غير ثابت في السهو. بل عدم البطلان مظنة الإجماع، كما عرفت من العبارات المتقدمة. و لا سيما مع إمكان دعوى دلالة بعض النصوص عليه،

كصحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع): «عن رجل دخل مع الإمام في صلاته، و قد سبقه الإمام بركعة، فلما فرغ الامام خرج مع الناس، ثمَّ ذكر أنه قد فاتته ركعة. قال (ع): يعيدها ركعة واحدة، يجوز له ذلك إذا لم يحول وجهه عن القبلة» «1»‌

و نحوه غيره.

______________________________
(1) الوسائل باب: 6 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 2.

585
مستمسک العروة الوثقى6

الثامن كل فعل ماح لصورة الصلاة قليلا كان أو كثيرا ج‌6 ص 581

الماحي، فلا بأس به مثل الإشارة باليد لبيان مطلب، و قتل الحية، و العقرب، و حمل الطفل، و ضمه، و إرضاعه عند بكائه، و عدّ الركعات بالحصى، وعد الاستغفار في الوتر بالسبحة، أو نحوها مما هو مذكور في النصوص. و أما الفعل الكثير، أو السكوت الطويل، المفوت للموالاة، بمعنى المتابعة العرفية، إذا لم يكن ماحياً للصورة، فسهوه لا يضر. و الأحوط الاجتناب عنه عمداً (1).

[التاسع: الأكل و الشرب الماحيان للصورة. فتبطل الصلاة بهما]

التاسع: الأكل و الشرب الماحيان للصورة. فتبطل الصلاة بهما، عمداً كانا (2)،

(1) تقدم الكلام فيه في فصل الموالاة.

(2) إجماعا كما عن الخلاف، و جامع المقاصد، و الروض، و غيرها.

و ظاهر ذكرهما في قبال الفعل الكثير: الابطال بهما مطلقاً، و لو مع القلة، بل عن بعض الابطال بالمسمى، و هو ما يبطل الصوم. لكن المصرح به في كلام غير واحد: التقييد بالتطاول- كما في المعتبر و المنتهى-، أو بالكثرة- كما في غيرهما. و منه يشكل الاعتماد على الإجماع في إبطالهما مطلقاً، و لا سيما و في مفتاح الكرامة: «الذي وجدته بعد التتبع: أن من أطلقهما و عطفهما على الفعل الكثير صرح في ذلك، أو في غيره، بأن المبطل منهما الكثير، أو ما آذن بالانمحاء، أو نافى الخشوع».

نعم في محكي التذكرة و نهاية الأحكام: تعليل الحكم، بأنهما فعل كثير لأن تناول المأكول، و مضغه، و ابتلاعه، أفعال متعددة، و كذا المشروب.

لكن تنظر فيه في جامع المقاصد، ثمَّ قال: «و اختار شيخنا الشهيد في بعض كتبه: الإبطال بالأكل و الشرب المؤذنين بالإعراض عن الصلاة،

586
مستمسک العروة الوثقى6

التاسع الأكل و الشرب الماحيان للصورة. فتبطل الصلاة بهما ج‌6 ص 586

أو سهواً (1). و الأحوط الاجتناب عما كان منهما مفوتاً للموالاة العرفية عمداً (2). نعم لا بأس بابتلاع بقايا الطعام الباقية في الفم، أو بين الأسنان (3).
و هو حسن، إلا أنه لا يكاد يخرج عن التقييد بالكثرة». و لأجل ذلك يشكل الاعتماد على إطلاق معقد الإجماع.

نعم تمكن دعوى منافاة الأكل و الشرب للصلاة في مرتكزات المتشرعة فيجري عليها حكم الفعل الكثير. و حينئذ يكون المدار على ما به تكون المنافاة الارتكازية و إن لم يعدا أكلا كثيراً و شربا كذلك، على نحو ما سبق في الفعل الكثير. و أما دعوى: مانعيته في مرتكزات المتشرعة مطلقاً، لا من جهة ذهاب الصورة، فيعول على هذا الارتكاز في الحكم بها مطلقاً. فغير ظاهرة بعد ما عرفت من كلمات الأصحاب. و أضعف منها دعوى كونها من الضروريات المستغنية بضروريتها عن إقامة الدليل عليها. كيف و قد استظهر من المنتهى دعوى الإجماع على أنه لو كان في فيه لقمة و لم يبلعها إلا في الصلاة، لم تبطل، لأنه فعل قليل.

(1) قد حكي الإجماع على عدم البطلان في كلام جماعة، منهم العلامة في المنتهى، قال فيه: «لو أكل أو شرب في الفريضة ناسياً لم تبطل صلاته عندنا، قولا واحداً». لكن قيده جماعة بعدم المحو. و الكلام فيه هو الكلام في الفعل الماحي بعينه. فراجع.

(2) تقدم الكلام فيه في فصل الموالاة.

(3) كما عن جماعة كثيرة التصريح به، بل عن المنتهى، و في جامع المقاصد: أن الصلاة لا تفسد بذلك قولا واحداً.

587
مستمسک العروة الوثقى6

التاسع الأكل و الشرب الماحيان للصورة. فتبطل الصلاة بهما ج‌6 ص 586

و كذا بابتلاع قليل من السكر، الذي يذوب و ينزل شيئاً فشيئاً (1). و يستثنى أيضاً ما ورد في النص (2) بالخصوص من جواز شرب الماء لمن كان مشغولا بالدعاء، في صلاة الوتر، و كان عازما على الصوم في ذلك اليوم، و يخشى مفاجاة الفجر، و هو عطشان، و الماء أمامه، و محتاج إلى خطوتين.

أو ثلاثة: فإنه يجوز له التخطي و الشرب حتى يروى، و إن‌

(1) كما عن جماعة كثيرة، و عن المنتهى: «لم تفسد صلاته عندنا، و عند الجمهور تفسد»، و عن جامع المقاصد: «أغرب بعض المتأخرين، فحكم بإبطال مطلق الأكل، حتى لو ابتلغ ذوب سكرة. و هو بعيد».

(2) هو ما‌

رواه الشيخ (رحمه اللّه)، بإسناده عن أحمد بن محمد، عن الهيثم ابن أبي مسروق النهدي، عن محمد بن الهيثم، عن سعيد الأعرج، قال: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): إني أبيت و أريد الصوم، فأكون في الوتر، فأعطش، فأكره أن أقطع الدعاء و أشرب، و أكره أن أصبح و أنا عطشان، و أمامي قلة بيني و بينها خطوتان أو ثلاث، قال (ع): تسعى إليها و تشرب منها حاجتك، و تعود في الدعاء» «1»‌

، و‌

رواه الفقيه، بإسناده عن سعيد الأعرج، أنه قال: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): جعلت فداك إني أكون في الوتر، و أكون نويت الصوم، فأكون في الدعاء، و أخاف الفجر، فأكره أن أقطع على نفسي الدعاء و أشرب الماء، و تكون القلة أمامي، قال: فقال (ع) لي: فاخط إليها الخطوة، و الخطوتين، و الثلاث، و اشرب و ارجع الى مكانك، و لا تقطع على نفسك الدعاء» «2».

______________________________
(1) الوسائل باب: 23 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 23 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

588
مستمسک العروة الوثقى6

التاسع الأكل و الشرب الماحيان للصورة. فتبطل الصلاة بهما ج‌6 ص 586

طال زمانه (1) إذا لم يفعل غير ذلك من منافيات الصلاة (2) حتى إذا أراد العود إلى مكانه رجع القهقرى، لئلا يستدبر القبلة. و الأحوط الاقتصار على الوتر المندوب (3). و كذا على خصوص شرب الماء. فلا يلحق به الأكل و غيره. نعم الأقوى عدم الاقتصار على الوتر، و لا على حال الدعاء. فيلحق به مطلق النافلة، و غير حال الدعاء. و إن كان الأحوط الاقتصار.

[العاشر: تعمد قول: «آمين»]

العاشر: تعمد قول: «آمين» (4)

(1) لإطلاق النص.

(2) كما صرح به جماعة، إذ لا إطلاق في النص يقتضي جوازه، فيرجع فيه الى أصالة المنع.

(3) كما هو المشهور. عملا بأصالة المنع، و اقتصاراً فيما خالفها على مورد النص، و هو ما ذكر. لكن عن ظاهر الخلاف، و المبسوط: التعدي إلى مطلق النافلة. و في الشرائع، و عن غيره: التعدي الى غير الدعاء من أحوال الوتر. و وجه الأول- كما عن الخلاف-: اختصاص دليل المنع بالفريضة، فلا يعم النافلة. و وجه الثاني: ما عن التنقيح من الإجماع على استثناء الوتر مطلقاً. مضافا الى ما يظهر من قول السائل: «فأكره أن أقطع الدعاء» من أنه يعتقد أنه لا يقطع الصلاة، و إنما يقطع الدعاء لا غير فالاقتصار في ردعه على الثاني دليل على صحة الأول. و أما ما عن الخلاف من وجه الأول، فمقتضاه جواز الأكل في النافلة، بل كل فعل كثير ماح للصلاة، و عن مجمع البرهان الميل اليه. و لكن في الجواهر: «هو في غاية الضعف». و كأنه لإطلاق معاقد الإجماع على قاطعيته، كغيره من القواطع. الذي لا يقدح فيه ما في الخلاف، لأنه لشبهة، من جهة الرواية.

(4) على المشهور. و عن الانتصار، و الخلاف، و نهاية الأحكام،

589
مستمسک العروة الوثقى6

العاشر تعمد قول آمين ج‌6 ص 589

و التحرير: حكاية الإجماع على البطلان، و في المنتهى، و عن كشف الالتباس:

نسبته إلى علمائنا، و عن جماعة: نسبة حكاية الإجماع على البطلان الى المفيد أيضاً، و في المنتهى: «قال علماؤنا: يحرم قول: «آمين»، و تبطل به الصلاة، و قال الشيخ: سواء كان ذلك سراً، أو جهراً، في آخر الحمد أو قبلها، للإمام و المأموم، و على كل حال، و ادعى الشيخان و السيد المرتضى إجماع الإمامية عليه».

و استدل له بجملة من النصوص،

كمصحح جميل عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا كنت خلف إمام، فقرأ الحمد، و فرغ من قراءتها، فقل أنت:

الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ*، و لا تقل: آمين» «1».

و نحوه في النهي كذلك مصحح زرارة‌

«2»، و خبر الحلبي‌

«3». و قد يشير اليه‌

صحيح معاوية ابن وهب: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): أقول: آمين، إذا قال الامام:

غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضّٰالِّينَ) قال (ع): هم اليهود و النصارى» «4»‌

فان ترك الجواب عن السؤال، و التعرض لأمر آخر، غير مسؤول عنه، ظاهر في الخوف في الجواب، و لا خوف في الجواب بالرخصة، لأنها مذهب العامة. فتأمل.

نعم قد يعارضها‌

صحيح جميل: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب: آمين. قال (ع):

ما أحسنها، و اخفض الصوت بها» «5».

لكنه يتوقف على قراءة:

______________________________
(1) الوسائل باب: 17 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 17 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 17 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 17 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 17 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 5.

590
مستمسک العروة الوثقى6

العاشر تعمد قول آمين ج‌6 ص 589

«ما أحسنها»‌

بصيغة التعجب، لا بصيغة النفي، و لا بصيغة الاستفهام.

و إن كان قد ينفي الأخيرين الأمر في الذيل بخفض الصوت بها. و احتمال كونه من كلام الراوي- يعني: أنه (ع) حين قال: «ما أحسنها».

خفض صوته- بعيد، لأن خفض الصوت ثلاثي، و ما في النسخة رباعي لكن يتعين حمله على التقية، لموافقته للعامة. و لا مجال للجمع بينه و بين ما سبق بالحمل على الكراهة. لكونه ظاهراً في الرجحان. كما لا مجال للجمع بحمل ما سبق على غير الجماعة. لصراحة المصحح الأول فيها أيضاً.

نعم يمكن أن يستشكل في الاستدلال بالنصوص بظهور النهي فيها في نفي المشروعية. كما سبق في التكتف فإن المنهي عنه إذا كان من سنخ العبادة يكون النهي عنه ظاهراً في نفي المشروعية. و لا سيما ما كان مسبوقا بالسؤال. و لا سيما و كونه كذلك عند العامة لا السؤال عن مانعيته، ليكون ظاهر النهي الإرشاد إليها. و كأن ذلك هو المراد مما عن المدارك من أن الأجود التحريم، دون البطلان. لا التحريم التكليفي. و إلا كان ضعيفاً جداً إذ النهي في أمثال المقام إما ظاهر في نفي المشروعية، إن تمَّ ما ذكرنا.

أو في الإرشاد إلى المانعية، كما يظهر من ملاحظة النظائر، و عليه ديدن الفقهاء (رضوان اللّه عليهم). فإذاً العمدة في الحكم بالبطلان الإجماعات المدعاة. اللهم إلا أن يناقش في صحة الاعتماد عليها، لعدم اقتضائها العلم بالمطابقة لرأي المعصوم.

هذا و قد استدل غير واحد على البطلان بأنه من كلام الآدميين، كما عن الخلاف، و عن حاشية المدارك نسبته إلى فقهائنا. و عن الانتصار:

«لا خلاف في أنها ليست قرآناً، و لا دعاء مستقلا»، و عن التنقيح:

«اتفق الكل على أنها ليست قرآناً، و لا دعاء، و إنما هي اسم للدعاء، و الاسم غير المسمى، و نحوه ما في غيره. لكن في كشف اللثام: «إن ذلك‌

591
مستمسک العروة الوثقى6

العاشر تعمد قول آمين ج‌6 ص 589

بعد تمام الفاتحة (1)، لغير ضرورة، من غير فرق بين الإجهار به، و الاسرار (2) للإمام، و المأموم، و المنفرد (3)
مبني على أن أسماء الأفعال أسماء لألفاظها. و التحقيق خلافه.أقول: لو سلم ذلك لم تخرج عن كونها دعاء. لأن أسماء الأفعال حاكية عن نفس الافعال بما هي حاكية عن معانيها، لوضوح الفرق بين قولنا: «اسكت فعل أمر» و قولنا: «صه»، فإن الأول حاك عن اللفظ محضاً، على أنه بنفسه موضوع الحكم، و الثاني حاك عن معنى «اسكت» حكاية لفظ: «اسكت» عنه. غاية الأمر أن حكايته عن معنى: «اسكت» بتوسط حكايته عن لفظ «اسكت». نظير ما سبق في القرآن المقصود به الدعاء. فآمين إذا كان اسماً ك‍ «استجب» كان دعاء مثله، و لا يكون بذلك من كلام الآدميين. نعم كونه من الدعاء الجدي موقوفاً على فرض دعاء، ليطلب استجابته. و إلا كان لقلقة لسان، و يخرج بذلك عن كونه مناجاة للّه تعالى، و مكالمة له سبحانه. فلاحظ.

(1) كما قيده بذلك غير واحد. و يقتضيه الاعتماد على النصوص، لاختصاصها بذلك. نعم لو كان المعتمد كونه من كلام الآدميين لم يفرق في البطلان به بين آناء الصلاة. و كذا لو كان المعتمد بعض معاقد الإجماعات كما تقدم في عبارة المنتهى. و في محكي التحرير: «قول آمين حرام تبطل به الصلاة سواء جهر بها، أو أسر، في آخر الحمد، أو قبلها، إماماً كان، أو مأموماً، و على كل حال. و إجماع الإمامية عليه. للنقل عن أهل البيت (ع)» و نحوه ما عن الخلاف و المبسوط.

(2) كما صرح به في جملة من معاقد الإجماعات، التي منها ما تقدم عن المنتهى، و التحرير. و يقتضيه إطلاق النصوص.

(3) كما نص عليه في جملة من معاقد الإجماعات. كما تقدم. و يشهد‌

592
مستمسک العروة الوثقى6

العاشر تعمد قول آمين ج‌6 ص 589

و لا بأس به في غير المقام المزبور بقصد الدعاء، كما لا بأس به مع السهو (1). و في حال الضرورة (2). بل قد يجب معها، و لو تركها أثم. لكن تصح صلاته، على الأقوى (3).

[الحادي عشر: الشك في ركعات الثنائية و الثلاثية و الأوليين من الرباعية]

الحادي عشر: الشك في ركعات الثنائية و الثلاثية و الأوليين من الرباعية. على ما سيأتي (4).

للثاني: مصحح جميل‌

«1». و للأول و الأخير: إطلاق خبر الحلبي‌

«2». و ما في المعتبر من الميل الى تخصيص المنع بالمنفرد ضعيف. كما عرفت.

(1) لعموم‌

حديث: «لا تعاد الصلاة» «3»‌

، الشامل للمقام، كالأجزاء، و الشرائط. هذا بناءً على المانعية. و إلا فلا إشكال.

(2) بلا إشكال ظاهر، بل قيل: «الظاهر الإجماع عليه». لعموم أدلة التقية، الدالة على صحة العمل الموافق لها.

(3) كما نص عليه في الجواهر و غيرها. لعدم كون ذلك من الكيفية اللازمة في صحة الصلاة عندهم. و تخيل الجهلاء منهم اعتبارها فيها، لا يترتب عليه الحكم. لكن يتم ذلك لو كانت التقية من العلماء. أما لو كانت من الجهلاء، فاللازم الحكم بالبطلان. فإن أدلة التقية لا يفرق في جريانها بين مذهب العلماء و الجهلاء. نعم لو تمت دعوى: عدم ظهور أدلة التقية في اعتبار ذلك في الصلاة، و أنها ظاهرة في وجوبه فقط، كان ما ذكر في محله. لكنها خلاف الظاهر. كما تقدم في مباحث الوضوء «4».

(4) يأتي الكلام فيه و فيما بعده في مبحث الخلل.

______________________________
(1) راجع صفحة: 590.

(2) راجع صفحة: 590.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

(4) راجع الجزء الثاني من المستمسك المسألة: 35 من فصل أفعال الوضوء.

593
مستمسک العروة الوثقى6

الثاني عشر زيادة جزء أو نقصانه عمدا ج‌6 ص 594

[الثاني عشر: زيادة جزء أو نقصانه عمداً]

الثاني عشر: زيادة جزء أو نقصانه عمداً، إن لم يكن ركناً. و مطلقاً إن كان ركناً.

[ (مسألة 40): لو شك بعد السلام في أنه هل أحدث في أثناء الصلاة أم لا]

(مسألة 40): لو شك بعد السلام في أنه هل أحدث في أثناء الصلاة أم لا بنى على العدم و الصحة (1).

[ (مسألة 41): لو علم بأنه نام اختياراً، و شك في أنه هل أتم الصلاة ثمَّ نام، أو نام في أثنائها]

(مسألة 41): لو علم بأنه نام اختياراً، و شك في أنه هل أتم الصلاة ثمَّ نام، أو نام في أثنائها بنى على أنه أتم ثمَّ نام (2). و أما إذا علم بأنه غلبه النوم قهراً، و شك في أنه كان في أثناء الصلاة، أو بعدها، وجب عليه الإعادة (3).

و كذا إذا رأى نفسه نائماً في السجدة، و شك في أنها السجدة الأخيرة من الصلاة، أو سجدة الشكر بعد إتمام الصلاة، و لا يجري قاعدة الفراغ في المقام.
 
(1) لاستصحاب العدم، أو لقاعدة الفراغ، التي لا يفرق في جريانها بين الشك في وجود الجزء، و الشرط، و المانع، و القاطع.

(2) هذا ظاهر إذا كان قد أحرز الفراغ البنائي. لجريان قاعدة الفراغ حينئذ. و يشكل مع عدم إحراز ذلك. كما هو ظاهر المتن. و مجرد النوم اختياراً، لا يكفي في إحرازه. و أما إجراء قاعدة التجاوز فقد عرفت فيما سبق الاشكال فيه، و أنه لا يكفي في التجاوز عن الشي‌ء الدخول فيما ينافيه و كأن وجه ما في المتن: قاعدة الصحة، التي يقتضيها ظاهر حال المسلم.

لكن في صلاحيتها لإثبات صحة الفعل، و تماميته إشكال. بل في جريانها في نفسها مع اتحاد الفاعل و الحامل- كما في المقام- منع. فتأمل جيداً. (3) أما عدم جريان قاعدتي الفراغ، و التجاوز، فلما سبق. و أما عدم جريان أصالة الصحة، فلعدم الظهور هنا.

594
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 42 إذا كان في أثناء الصلاة في المسجد فرأى نجاسة فيه ج‌6 ص 595

[ (مسألة 42): إذا كان في أثناء الصلاة في المسجد فرأى نجاسة فيه]

(مسألة 42): إذا كان في أثناء الصلاة في المسجد فرأى نجاسة فيه، فان كانت الإزالة موقوفة على قطع الصلاة.

أتمها ثمَّ أزال النجاسة (1). و إن أمكنت بدونه، بأن لم يستلزم الاستدبار، و لم يكن فعلا كثيراً موجباً لمحو الصورة، وجبت الإزالة ثمَّ البناء على صلاته.

[ (مسألة 43): ربما يقال بجواز البكاء على سيد الشهداء أرواحنا فداه في حال الصلاة]

(مسألة 43): ربما يقال بجواز البكاء على سيد الشهداء أرواحنا فداه في حال الصلاة و هو مشكل (2).

[ (مسألة 44): إذا أتى بفعل كثير، أو بسكوت طويل و شك في بقاء صورة الصلاة و محوها معه، فلا يبعد البناء على البقاء]

(مسألة 44): إذا أتى بفعل كثير، أو بسكوت طويل و شك في بقاء صورة الصلاة و محوها معه، فلا يبعد البناء على البقاء (3). لكن الأحوط الإعادة، بعد الإتمام.

(1) تقدم في أحكام النجاسات تقريب وجوب القطع و الإزالة. لجواز قطع الفريضة للحاجة. لا أقل من استفادة أهمية وجوب الإزالة من حرمة القطع. و سيأتي في الفصل الثاني بعض الكلام في المقام فانتظر.

(2) هذا إذا كان البكاء لعظم المصيبة، بحيث لو فرض وقوعها على غيره (ع) من الناس لاقتضت البكاء. لإمكان دعوى شمول‌

قوله (ع): «و إن ذكر ميتاً له» «1»‌

لمثل ذلك، أما لو كان لأجل ما يترتب على مصيبته (ع) من فوات الخيرات، المترتبة على وجوده الشريف، أو وقوع المضرات الأخروية، فلا ينبغي الإشكال في عدم شمول النص له.

(3) إما لاستصحاب بقاء الصورة. و فيه: أنه إن كان المنشأ للشك إجمال المفهوم امتنع الاستصحاب. كما حرر في محله، و تكرر في غير موضع من هذا الشرح. مضافا الى أن الصورة، التي يحكم المتشرعة بمحوها بالفعل‌

______________________________
(1) راجع المورد السابع من مبطلات الصلاة.

595
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 44 إذا أتى بفعل كثير أو بسكوت طويل و شك في بقاء صورة الصلاة و محوها معه فلا يبعد البناء على البقاء ج‌6 ص 595

الكثير، عبارة عن صلاحية الأجزاء الواقعة لانضمام الأجزاء، اللاحقة إليها، بحيث تكون معها صلاة واحدة لو لم يتحقق الماحي. و هذا المعنى مما لم يطرأ عليه الشك، و إنما كان الشك في وجود الماحي و عدمه لا غير.

و إما لاستصحاب عدم الماحي. و فيه: أن الشك لم يكن في وجوده و عدمه و إنما كان في المحو و عدمه. و قد عرفت الإشكال في استصحاب عدم المحو.

و إما لاستصحاب الهيئة الاتصالية. المستفاد وجودها للصلاة من التعبير في النص و الفتوى بالقاطع، فان القطع إنما يصح اعتباره للمتصل. و بذلك افترق القاطع عن المانع، فان المانع ما يمنع من تأثير المقتضي في المحل، و القاطع ما يقطع الوجود المتصل. فاذا شك في وجود القاطع فقد شك في بقاء الأمر المتصل فيستصحب بقاؤه. و فيه: أن الهيئة الاتصالية إن كانت قائمة بالمصلي، فهو خلاف ظاهر التعبير بقطع الصلاة. و إن كانت قائمة بالصلاة، فبالنظر الى أن أجزاء الصلاة مما يتخلل بينها العدم يمتنع أن تكون تلك الهيئة مستمرة الوجود، لامتناع بقائها بلا موضوع. و حينئذ فالتعبير بالقاطع لا بد أن يكون على نحو من العناية و الادعاء. و الظاهر أو المحتمل أن يكون ذلك لمنعه عن انضمام الأجزاء اللاحقة إلى السابقة. بحيث يتألف منها المركّب، و تترتب عليه المصلحة الواحدة، المقصودة منه. فليس هناك شي‌ء مستمر حقيقة أو عرفا بنحو يصح استصحابه.

أما الإشكال عليه بأنه لا دليل على أخذه موضوعا للطلب، كسائر الأجزاء. أو بأنه لو سلم فلا إشكال في تعلق الطلب بعدم وقوع القواطع لثبوت النهي عنها. و حينئذ فإذا شك في وجود القاطع من جهة الشبهة الحكمية، أو الموضوعية، لا يجدي استصحاب بقاء الهيئة في رفع الشك المذكور. لأن الشك في بقاء الهيئة مسبب عن الشك في قاطعية الموجود،

596
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في المكروهات في الصلاة ج‌6 ص 597

[فصل في المكروهات في الصلاة]

فصل في المكروهات في الصلاة و هي أمور:

الأول: الالتفات بالوجه قليلا (1)، بل و بالعين‌

و الأصل الجاري في الشك المسبب لا يرفع الشك في السبب. و لو سلم عدم السببية فلا أقل من كونهما من قبيل المتلازمين، و من المعلوم أن الأصل الجاري لإثبات أحد المتلازمين لا يصلح لإثبات الآخر، إلا على القول بالأصل المثبت. ففيه: أن التعبير بالقطع الدال باللزوم العرفي على ثبوت المقطوع، لا يحسن لو لم يكن المقطوع موضوعا للأمر. و يدفع الثاني عدم الحاجة الى رفع الشك في وجود القاطع، بعد لزوم البناء على بقاء الهيئة و استمرار وجودها، فان ذلك كاف في سقوط الأمر، و خروج المكلف عن عهدته، لوجود موضوعه. و النهي عن القاطع غيري، بلحاظ نفس الهيئة الواجبة، فلا يؤبه به. و على هذا فالمتعين في وجه الصحة في الفرض أصالة البراءة من قاطعية الموجود.

فصل في المكروهات في الصلاة‌

(1)

لخبر عبد الملك: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الالتفات في الصلاة، أ يقطع الصلاة؟ فقال (ع): لا، و ما أحب أن يفعل» «1»‌

، بعد حمله على الالتفات بالوجه الى الحد الذي لا يقدح في الصلاة، جمعا بينه و بين ما تقدم في قاطعية الالتفات. قيل: و إطلاقه يشمل الالتفات بالوجه و العين.

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 5.

597
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في المكروهات في الصلاة ج‌6 ص 597

و بالقلب (1).

الثاني: العبث باللحية أو بغيرها، كاليد، و نحوها (2).

الثالث: القران بين السورتين (3) على الأقوى. و إن كان الأحوط الترك.

(1) كأنه‌

لرواية الخضر بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا قام العبد إلى الصلاة أقبل اللّه تعالى عليه بوجهه، فلا يزال مقبلا عليه حتى يلتفت ثلاث مرات، فاذا التفت ثلاث مرات أعرض عنه» «1»‌

، و نحوها غيرها، بناء على ظهورها في الالتفات بالقلب، و إن أنكره غير واحد.

و قد يستفاد من‌

قول أبي جعفر (ع) في صحيح زرارة: «و لا تحدث نفسك» «2».

(2) لما‌

في حديث الأربعمائة عن علي (ع): «و لا يعبث الرجل في صلاته بلحيته» «3»‌

، و‌

في مرفوع أحمد بن محمد بن عيسى: «إذا قمت في الصلاة فلا تعبث بلحيتك» «4»‌

، و‌

في صحيح زرارة: «و لا تعبث فيها بيدك و لا برأسك و لا بلحيتك» «5»‌

، و‌

في صحيح حماد: «و لا تعبث بيديك و أصابعك» «6»‌

، و‌

في مرسل الفقيه: «قال رسول اللّه (ص):

إن اللّه تعالى كره العبث في الصلاة» «7»‌

الى غير ذلك، مما هو عام و خاص.

(3) على ما تقدم في مبحث القراءة.

______________________________
(1) الوسائل باب: 32 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 12 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 6.

(4) الوسائل باب: 12 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 7.

(5) الوسائل باب: 12 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 8.

(6) الوسائل باب: 12 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.

(7) الوسائل باب: 12 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

598
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في المكروهات في الصلاة ج‌6 ص 597

الرابع: عقص الرجل شعره (1). و هو جمعه و جعله في مشط الرأس و شده (2) أولية و إدخال أطرافه في أصوله (3)

(1) كما هو المشهور بين المتأخرين، و حكي عن سلار و الحلبي و ابن إدريس.

لخبر مصادف عن أبي عبد اللّه (ع): «في الرجل صلى بصلاة الفريضة و هو معقص الشعر. قال (ع): يعيد صلاته» «1».

بناء على حمله على الكراهة، لضعف سنده، المانع من صحة الاعتماد عليه في الحكم بالمنع لكن عن الخلاف: «لا يجوز للرجل أن يصلي معقوص الشعر، إلا أن يحله. و لم يعتبر أحد من الفقهاء ذلك. دليلنا إجماع الفرقة، و روى ابن محبوب عن مصادف.»، و ظاهر الحر في وسائله موافقته، و كذا ظاهر الذكرى أيضاً. اعتماداً على الإجماع المنقول في كلام الشيخ (رحمه اللّه)، لما تقرر في الأصول من حجية الإجماع المنقول بخبر الواحد. انتهى. و قد ينسب الى ظاهر المفيد لكن نقل الإجماع موهون بعدم ظهور الموافق. و الإجماع المنقول ليس بحجة. و لأجل ذلك يشكل انجبار ضعف سند الخبر به. نعم في السند الحسن بن محبوب، الذي هو من أصحاب الإجماع، و ممن قيل بأنه لا يروي إلا عن ثقة. لكن في كفاية ذلك في الجبر، مع إعراض الأصحاب، تأمل، أو منع، و لا سيما بملاحظة عموم الابتلاء بالموضوع، بنحو يبعد جداً كونه ممنوعا عنه، و ينفرد مصادف بنقله.

(2) كما عن المعتبر، و التذكرة، و الذكرى، و جامع المقاصد، و المسالك و غيرها. و في مجمع البحرين: «جمعه و جعله في وسط الرأس و شده»، و قريب منه ما عن الفارابي، و المطرزي.

(3) كما عن ابن فارس في المقاييس.

______________________________
(1) الوسائل باب: 36 من أبواب لباس المصلي حديث: 1.

599
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في المكروهات في الصلاة ج‌6 ص 597

أو ظفره وليه على الرأس (1). أو ظفره و جعله كالكبة في مقدم الرأس على الجبهة (2). و الأحوط ترك الكل. بل يجب ترك الأخير في ظفر الشعر حال السجدة (3).

الخامس: نفخ موضع السجود (4).

السادس: البصاق (5).

(1) كما عن الصحاح.

(2) قال في محكي المنتهى: «و قد قيل: أن المراد بذلك ظفر الشعر و جعله كالكبة في مقدم الرأس على الجبهة. فعلى هذا يكون ما جعله الشيخ (ره) حقاً، لأنه يمنع من السجود». لكن من البعيد أن يكون منعه لذلك، و لا سيما بملاحظة الاستدلال عليه بالإجماع و الخبر، و نسبة الخلاف في ذلك الى جميع الفقهاء، و تخصيص الحكم بالرجل.

(3) كما عرفته في محكي المنتهى. لكن في إطلاقه المنع عن السجود نظر ظاهر.

(4) كما تقدم في مكروهات السجود.

(5)

ففي خبر أبي بصير: «قال أبو عبد اللّه (ع): إذا قمت في الصلاة فاعلم أنك بين يدي اللّه تعالى، فان كنت لا تراه فاعلم أنه يراك، فأقبل قبل صلاتك، و لا تمتخط، و لا تبزق، و لا تنقض أصابعك، و لا تورك فان قوماً عذبوا بنقض الأصابع و التورك في الصلاة» «1»‌

، و‌

في صحيح حماد: «و لا تبزق عن يمينك، و لا عن يسارك، و لا بين يديك» «2».

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 9.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.

600
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في المكروهات في الصلاة ج‌6 ص 597

السابع: فرقعة الأصابع (1) أي نقضها.

الثامن: التمطي (2).

التاسع: التثاؤب (3).

العاشر: الأنين (4).

(1) كما تقدم في خبر أبي بصير‌

«1»، و نحوه ما في صحيحي زرارة‌

«2» و محمد بن مسلم‌

«3»، و يستفاد من غيرهما.

(2)

ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): «و لا تتثاءب، و لا تتمط» «4»‌

و‌

في مصحح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع)- في حديث- قال: «سألته عن الرجل يتثاءب في الصلاة و يتمطى، قال (ع): هو من الشيطان و لن يملكه» «5».

قال في كشف اللثام: «يعني: لا يغلب الشيطان المصلي عليهما»، و نحوه خبر الفضيل‌

«6». (3) كما تقدم في التمطي.

(4) لفتوى جماعة، و لاحتمال دخوله في العبث، و لقربه من الكلام و‌

للخبر: «من أنّ في صلاته فقد تكلم» «7»‌

، بناء على أنه ليس من الكلام، كما سبق، فيتعين حمل الخبر على التنزيل الموجب للمنع. لكن لإعراض الأصحاب عنه مع ضعفه، يحمل على الكراهة. فتأمل.

______________________________
(1) راجع التعليقة السابقة.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 14 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 11 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 11 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

(6) الوسائل باب: 11 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 3.

(7) الوسائل باب: 25 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

601
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في المكروهات في الصلاة ج‌6 ص 597

الحادي عشر: التأوه (1).

الثاني عشر: مدافعة البول و الغائط (2)، بل و الريح (3).

الثالث عشر: مدافعة النوم.

ففي الصحيح (4) «لا تقم‌

(1) الكلام فيه كما في الأنين.

(2) كما يشهد به جملة من النصوص،

ففي مصحح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه (ع): «لا صلاة لحاقن، و لا لحاقنة، و هو بمنزلة من هو في ثوبه» «1»‌

، و‌

في خبر الحضرمي عنه (ع): «إن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال: لا تصل و أنت تجد شيئا من الأخبثين» «2»‌

و‌

في خبر محمد عن أبيه عنه في وصية النبي (ص) لعلي (ع): «ثمانية لا تقبل منهم الصلاة ..» «3»‌

و عدّ منهم الزبين، و هو الذي يدافع البول و الغائط، و نحوهما غيرهما، المحمولة على الكراهة، إجماعا ظاهرا، كما قد يشير إليه جعله مانعا من القبول في الخبر الأخير و غيره. و‌

لصحيح ابن الحجاج: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه و هو يستطيع أن يصبر عليه، أ يصلي على تلك الحال أو لا يصلي؟ فقال عليه السلام: إن احتمل الصبر و لم يخف إعجالا عن الصلاة فليصل و ليصبر» «4».

فتأمل.

(3) كما ذكره غير واحد، منهم المحقق في الشرائع. و كأنه لمنافاته للإقبال، و لاقتضائه الإعجال المرجوح. و يشهد له صحيح ابن الحجاج‌

. (4) يعني:

صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): «إذا قمت إلى‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 8 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 8 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.

602
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في المكروهات في الصلاة ج‌6 ص 597

إلى الصلاة متكاسلا، و لا متناعساً و لا متثاقلا».

الرابع عشر: الامتخاط (1).

الخامس عشر: الصفد في القيام (2) أي: الأقران بين القدمين معاً كأنهما في قيد.

السادس عشر: وضع اليد على الخاصرة (3).

الصلاة فعليك بالإقبال على صلاتك، فإنما لك منها ما أقبلت عليه، و لا تعبث فيها بيدك، و لا برأسك، و لا بلحيتك، و لا تحدث نفسك، و لا تتثاءب، و لا تتمط، و لا تكفّر، فإنما يفعل ذلك المجوس، و لا تلثم، و لا تحتقن، و لا تتفرج كما يتفرج البعير، و لا تقع على قدميك، و لا تفترش ذراعيك، و لا تفرقع أصابعك، فإن ذلك كله نقصان من الصلاة. و لا تقم إلى الصلاة متكاسلا، و لا متناعسا، و لا متثاقلا، فإنها من خلال النفاق» «1».

(1) كما تقدم في خبر أبي بصير‌

«2». (2) كما في الجواهر، عن كتب الأصحاب. و عن البيان أن المكروه جمع القدمين، و شد اليدين. قال في الجواهر: «و حينئذ حمل الصفد عليه أولى، و منه (مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفٰادِ) «3». و كيف كان فيدل على كراهيته بالمعنى المذكور في المتن ما‌

في صحيح زرارة: «إذا قمت في الصلاة فلا تلصق قدمك بالأخرى، دع بينهما فصلا إصبعا أقل ذلك إلى شبر أكثره» «4»‌

(3) فإنه جعل تارة معنى للصلب، المحكي كراهته، و للتخصر كذلك‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 5.

(2) راجع المورد السادس من مكروهات الصلاة.

(3) إبراهيم: 49.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3.

603
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في المكروهات في الصلاة ج‌6 ص 597

السابع عشر: تشبيك الأصابع (1).

الثامن عشر: تغميض البصر (2).

التاسع عشر: لبس الخف، أو الجورب الضيق الذي يضغطه (3) العشرون: حديث النفس (4).

الحادي و العشرون: قص الظفر و الأخذ من الشعر.

و العض عليه (5).

أخرى و ليس في أخبارنا ما يدل على كراهته. نعم عن مختصر النهاية:

«و منه الاختصار راحة أهل النار، أي: أنه فعل اليهود في صلاتهم، و هم أهل النار».

(1)

ففي صحيح زرارة: «و لا تشبك أصابعك» «1».

(2)

ففي المرسل عن مسمع، عن أبي عبد اللّه (ع) عن أمير المؤمنين عليه السلام: «أن النبي (ص) نهى أن يغمض الرجل عينه في الصلاة» «2»‌

و في خبر ابن جعفر (ع): «أنه لا بأس به»‌

«3». المحمول على الجواز.

(3) كما عن غير واحد.

ففي خبر إسحاق بن عمار. قال: «سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: لا صلاة لحاقن، و لا لحاقب، و لا لحاذق ..

و الحاذق الذي قد ضغطه الخف» «4».

و عن المدارك أن في لبسه سلبا للخشوع و منعا للتمكن من السجود.

(4) كما تقدم في صحيح زرارة «5».

(5) كما في كشف الغطاء و غيره.

لخبر علي بن جعفر (ع) المروي‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 6 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 8 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 5.

(5) راجع أول الفصل.

604
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في المكروهات في الصلاة ج‌6 ص 597

الثاني و العشرون: النظر الى نقش الخاتم، و المصحف، و الكتاب، و قراءته (1).

الثالث و العشرون: التورك بمعنى: وضع اليد على الورك معتمداً عليه حال القيام (2).

في قرب الاسناد عن أخيه: «سألته عن الرجل يقرض أظافيره أو لحيته و هو في صلاته، و ما عليه إن فعل ذلك متعمدا؟ قال (ع): إن كان ناسيا فلا بأس، و إن كان متعمدا فلا يصلح له» «1»‌

و‌

روايته الأخرى قال: «و سألته عن الرجل يقرض لحيته و يعض عليها و هو في الصلاة ما عليه؟

قال (ع): ذلك الولع، فلا يفعل، و إن فعل فلا شي‌ء عليه، و لا يتعوده» «2».

(1) لما‌

في خبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى بن جعفر (ع): «سألته عن الرجل هل يصلح له أن ينظر نقش خاتمه و هو في الصلاة كأنه يريد قراءته، أو في المصحف، أو في كتاب في القبلة؟ قال (ع):

ذلك نقص في الصلاة، و ليس يقطعها» «3».

(2) للنهي عنه في خبر أبي بصير المتقدم‌

«4»، و عن الفقيه: «و لا تتورك، فان اللّه عز و جل قد عذب قوما على التورك، كان أحدهم يضع يديه على وركيه من ملالة الصلاة» «5»، و نحوه ما عن الأزهري «6».

______________________________
(1) الوسائل باب: 34 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 34 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 34 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 3.

(4) راجع المورد السادس من مكروهات الصلاة.

(5) من لا يحضره الفقيه: ج 1 صفحة: 198 طبع النجف الحديث.

(6) راجع: الجواهر ج: 11 صفحة: 91 طبع النجف الحديث.

605
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في المكروهات في الصلاة ج‌6 ص 597

الرابع و العشرون: الإنصات في أثناء القراءة أو الذكر ليسمع ما يقوله القائل (1).

الخامس و العشرون: كل ما ينافي الخشوع المطلوب في الصلاة (2).

[ (مسألة 1): لا بد للمصلي من اجتناب موانع قبول الصلاة]

(مسألة 1): لا بد للمصلي من اجتناب موانع قبول الصلاة، كالعجب، و الدلال (3) و منع الزكاة، و النشوز، و الإباق (4) و الحسد، و الكبر، و الغيبة، و أكل الحرام، و شرب المسكر، بل جميع المعاصي. لقوله تعالى (إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (5).

(1) لا يحضرني ما يدل عليه. نعم قد يستفاد مما ورد في حديث النفس‌

«1» و لأنه مما ينافي الإقبال المستحب. فتأمل.

(2) الإشكال فيه كما تقدم في سابقة.

(3) فقد استفاض في النصوص منع ذلك من القبول و قد عقد في الوسائل بابا لتحريم الإعجاب بالنفس و العمل، و الإدلال به في مقدمات العبادات. فراجعه‌

«2». (4)

ففي مرفوع أحمد بن محمد قال رسول اللّه (ص): «ثمانية لا يقبل اللّه تعالى لهم صلاة: العبد الآبق حتى يرجع إلى سيده، و الناشز عن زوجها و هو عليها ساخط، و مانع الزكاة .. إلى أن قال و السكران» «3»‌

، و نحوه غيره.

(5) كما نص على ذلك كله في الجواهر. و لا يتسع الوقت لمراجعة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 3.

(2) راجع باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات.

(3) الوسائل باب: 8 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 6.

606
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 قد نطقت الأخبار بجواز جملة من الافعال في الصلاة ج‌6 ص 607

[ (مسألة 2): قد نطقت الأخبار بجواز جملة من الافعال في الصلاة]

(مسألة 2): قد نطقت الأخبار بجواز جملة من الافعال في الصلاة، و أنها لا تبطل بها (1). لكن من المعلوم أن الاولى الاقتصار على صورة الحاجة و الضرورة، و لو العرفية، و هي: عد الصلاة بالخاتم، و الحصى، بأخذها بيده‌

«1». و تسوية الحصى في موضع السجود. و مسح التراب عن الجبهة‌

«2» و نفخ موضع السجود‌

. إذا لم يظهر منه حرفان «3». و ضرب الحائط، أو الفخذ، باليد لإعلام الغير، أو إيقاظ النائم.

و صفق اليدين لإعلام الغير. و الإيماء لذلك‌

«4». و رمي الكلب و غيره بالحجر‌

«5». و مناولة العصي للغير‌

«6» و حمل‌

الأبواب المعدة لذكر النصوص الدالة على ذلك بالخصوص. و عموم الآية الشريفة «7» كاف.

(1) الأخبار المذكورة مسطورة في الجواهر «8»، و الحدائق «9»، في مسألة البطلان بالفعل الكثير، و في الوسائل في أبواب متفرقة في مبحث القواطع. فراجع.

______________________________
(1) الوسائل باب: 28 من أبواب الخلل في الصلاة.

(2) الوسائل باب: 18 من أبواب السجود.

(3) الوسائل باب: 7 من أبواب السجود.

(4) الوسائل باب: 9 من أبواب قواطع الصلاة.

(5) الوسائل باب: 10 من أبواب قواطع الصلاة.

(6) الوسائل باب: 12 من أبواب القيام.

(7) المائدة: 27.

(8) راجع الجواهر ج: 11 صفحة: 55 طبع النجف الحديث.

(9) راجع الحدائق ج: 9 صفحة: 39 طبع النجف الحديث.

607
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 قد نطقت الأخبار بجواز جملة من الافعال في الصلاة ج‌6 ص 607

الصبي. و إرضاعه‌

«1» و حك الجسد‌

«2» و التقدم بخطوة، أو خطوتين‌

«3». و قتل الحية، و العقرب‌

«4»، و البرغوث و البقة، و القملة. و دفنها في الحصى‌

«5». و حك خرء الطير من الثوب. و قطع الثواليل‌

«6». و مسح الدماميل‌

«7». و مس الفرج‌

«8» و نزع السن المتحرك‌

«9». و رفع القلنسوة.

و وضعها «10» و رفع اليدين من الركوع، أو السجود، لحك الجسد‌

«11» و إدارة السبحة‌

«12» و رفع الطرف الى السماء‌

«13». و حك النخامة من المسجد‌

«14». و غسل الثوب‌

«15»، أو البدن من القي‌ء، و الرعاف‌

«16».

______________________________
(1) الوسائل باب: 24 من أبواب قواطع الصلاة.

(2) الوسائل باب: 28 من أبواب قواطع الصلاة.

(3) الوسائل باب: 30 من أبواب قواطع الصلاة.

(4) الوسائل باب: 19 من أبواب قواطع الصلاة.

(5) الوسائل باب: 20 من أبواب قواطع الصلاة.

(6) الوسائل باب: 27 من أبواب قواطع الصلاة.

(7) الوسائل باب: 22 من أبواب النجاسات حديث: 8.

(8) الوسائل باب: 26 من أبواب قواطع الصلاة.

(9) الوسائل باب: 27 من أبواب قواطع الصلاة.

(10) غوالي اللئالي أواخر المسلك الأول من الباب الأول.

(11) الوسائل باب: 28 من أبواب قواطع الصلاة.

(12) مستدرك الوسائل باب: 25 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 1.

(13) الوسائل باب: 27 من أبواب قواطع الصلاة.

(14) الوسائل باب: 36 من أبواب قواطع الصلاة.

(15) الوسائل باب: 44 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(16) الوسائل باب: 2 من أبواب قواطع الصلاة.

608
مستمسک العروة الوثقى6

فصل لا يجوز قطع صلاة الفريضة اختيارا ج‌6 ص 609

[فصل لا يجوز قطع صلاة الفريضة اختياراً]

فصل لا يجوز قطع صلاة الفريضة اختياراً (1)، و الأحوط عدم قطع النافلة أيضاً، و إن كان الأقوى جوازه. و يجوز قطع الفريضة فصل‌

(1) قال في جامع المقاصد: «لا ريب في تحريم قطع الصلاة الواجبة اختيارا»، و عن المدارك و غيرها: «بلا خلاف يعرف»، و في كشف اللثام: «الظاهر الاتفاق عليه»، و عن مجمع البرهان: «كأنه إجماعي» و عن الذخيرة و غيرها: أنه محل وفاق، بل عن شرح المفاتيح: أنه من بديهيات الدين.

و استدل له غير واحد بقوله تعالى (وَ لٰا تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ) «1».

و استشكل فيه تارة: بأن ظاهر سياقه الابطال. للأعمال التامة بالكفر و الارتداد و أخرى: بأن حمله على ذلك يستلزم التخصيص المستهجن، فيتعين الحكم بإجماله. و أما الإشكال عليه- كما في كشف اللثام- بأنه إنما ينهى عن إبطال جميع الاعمال فضعيف.

و استدل له أيضا بنصوص التحريم و التحليل‌

«2» كما عن الحدائق و غيرها. و فيه: أن شمولها لما يجوز قطعه، كالنافلة و غيرها، مانع من حمل التحريم و التحليل على التكليفين، فيتعين إما حملهما على الوضعيين أو تخصيص‌

______________________________
(1) محمد (ص): 33.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام. و باب: 1 من أبواب التسليم. و غيرهما من الأبواب.

609
مستمسک العروة الوثقى6

فصل لا يجوز قطع صلاة الفريضة اختيارا ج‌6 ص 609

.....
تلك النصوص بخصوص الفريضة التي لا يجوز قطعها، و الأول أولى.
و بما ورد في كثير الشك من‌
قوله (ع): «لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه» «1»‌
، كما عن شرح المفاتيح. و فيه:
أن النهي فيه عن الإطاعة للشيطان، لا عن القطع و لذا يعم النافلة، و الوضوء و غيرهما مما يجوز قطعه.
و‌
بصحيح معاوية بن وهب: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرعاف أ ينقض الوضوء؟ قال (ع): لو أن رجلا رعف في صلاته و كان عنده ماء أو من يشير اليه بماء، فتناوله فقال «فمال (ظ)» برأسه فغسله، فليبن على صلاته و لا يقطعها» «2»‌
، و نحوه غيره مما تضمن الأمر بالإتمام و النهي عن القطع. و فيه: أنها ظاهرة في الإرشاد إلى صحة الصلاة، و عدم لزوم استئنافها، لا في وجوب إتمامها تعبدا.
و بما ورد في المنع عن فعل المنافيات في أثناء الصلاة «3». و فيه:
أن المنع المذكور إرشادي إلى المانعية، لا تكليفي مولوي.
و‌
بصحيح حريز عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا كنت في صلاة فريضة فرأيت غلاما لك قد أبق، أو غريما لك عليه مال، أو حية تتخوفها على نفسك، فاقطع الصلاة فاتبع غلامك أو غريمك و اقتل الحية» «4».
فإن الأمر بالقطع ليس للوجوب قطعا، فلا بد أن يكون للرخصة. و تعليق الرخصة على السبب، يقتضي انتفاءها بانتفائه. و فيه: أن من الجائز أن يكون الترخيص في الموارد المذكورة، في قبال الحزازة الحاصلة من رفع اليد عن الصلاة، التي هي معراج المؤمن، لأجل بعض المصالح الدنيوية. و ليس‌
______________________________
 (1) الوسائل باب: 16 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
 (2) الوسائل باب: 2 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 11.
 (3) الوسائل باب: 3 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1 و 4. و باب: 15 حديث: 1 و 3.
 (4) الوسائل باب: 21 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.

610
مستمسک العروة الوثقى6

فصل لا يجوز قطع صلاة الفريضة اختيارا ج‌6 ص 609

لحفظ مال و لدفع ضرر مالي، أو بدني (1)، كالقطع لأخذ العبد من الإباق، أو الغريم من الفرار، أو الدابة من الشراد و نحو ذلك.

الصحيح واردا لتشريع المنع، كي يستظهر من إطلاقه كون المنع إلزاميا لا كراهتياً.

و منه يظهر الاشكال على الاستدلال‌

بموثق سماعة: «عن الرجل يكون قائما في الصلاة الفريضة، فينسى كيسه أو متاعه، يتخوف ضيعته أو هلاكه قال (ع): يقطع صلاته، و يحرز متاعه، ثمَّ يستقبل الصلاة. قلت: فيكون في الصلاة الفريضة، فتفلت عليه دابته أو تفلت دابته، فيخاف أن تذهب أو يصيب منها عنتا. فقال (ع): لا بأس بأن يقطع صلاته، و يتحرز و يعود إلى صلاته» «1».

و لذلك صرح غير واحد من متأخري المتأخرين بعدم الوقوف في المسألة على دليل معتمد. بل في الحدائق، عن بعض معاصريه، الفتوى بجواز القطع اختيارا. و هو في محله، لو لا ما عرفت من دعوى الإجماع صريحا و ظاهرا على الحرمة، و إرسال غير واحد لها إرسال المسلمات. نعم لا بد من الاقتصار فيها على القدر المتيقن من معقده، و هو الصلاة الواجبة، كما هو ظاهر التقييد بذلك في القواعد، و الذكرى، و جامع المقاصد، و الروض و مجمع البرهان، و الذخيرة، و الكفاية، و غيرها. بل عن الذخيرة نسبته إلى المتأخرين. بل عن السرائر، و قواعد الشهيد ما ظاهره الإجماع على جواز قطع العبادة المندوبة، ما خلا الحج المندوب. و من ذلك يظهر ضعف إطلاق المنع، كما في الشرائع، و عن غيرها، بل نسب إلى الأكثر.

(1) اقتصر بعضهم في مورد الجواز على الضرورة. و آخر: على‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 21 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2‌

611
مستمسک العروة الوثقى6

فصل لا يجوز قطع صلاة الفريضة اختيارا ج‌6 ص 609

و قد يجب، كما إذا توقف حفظ نفسه، أو حفظ نفس محترمة، أو حفظ مال يجب حفظه شرعا عليه. و قد يستحب كما إذا توقف حفظ مال مستحب الحفظ عليه، و كقطعها عند نسيان الأذان و الإقامة إذا تذكر قبل الركوع. و قد يجوز كدفع الضرر المالي، الذي لا يضره تلفه، و لا يبعد كراهته لدفع ضرر مالي يسير. و على هذا فينقسم إلى الأقسام الخمسة.

الضرورة الدينية، أو الدنيوية. و ثالث: على دفع الضرر عن النفس، أو عن الغير، أو عن المال. و رابع: على العذر. و عن التذكرة، و كشف الالتباس: «يحرم قطعها لغير حاجة، و يجوز لحاجة كدابة انفلتت له ..».

و في الذكرى، و عن المسالك و غيرهما: «قد يجب القطع، كما في حفظ الصبي، و المال المحترم عن التلف، و إنقاذ الغريق، و المحترق، حيث يتعين عليه. فلو استمر بطلت صلاته، للنهى المفسد للعبادة، و قد لا يجب بل يباح، كقتل الحية التي لا يغلب على الظن أذاها، و إحراز المال الذي لا يضر به فوته. و قد يستحب القطع لاستدراك الأذان و الإقامة و الجمعة و المنافقين في الظهر و الجمعة، و الائتمام بإمام الأصل أو غيره. و قد يكره، كإحراز المال اليسير الذي لا يبالي بفواته. مع احتمال التحريم». قال في جامع المقاصد- بعد ذكر ذلك-: «قاله في الذكرى. و للنظر فيه مجال». و قال في محكي المدارك: «و يمكن المناقشة في جواز القطع في بعض هذه الصور، لانتفاء الدليل عليه. إلا أنه يمكن المصير اليه لما أشرنا إليه، من انتفاء دليل التحريم».

هذا و لأجل ما ذكره- و قد عرفته- تعرف أنه لا بأس بالقطع لأي غرض راجح، كان دينياً، أو دنيويا، و إن لم يلزم من فواته ضرر.

612
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 1 الأحوط عدم قطع النافلة المنذورة ج‌6 ص 613

[ (مسألة 1): الأحوط عدم قطع النافلة المنذورة]

(مسألة 1): الأحوط عدم قطع النافلة المنذورة (1)، إذا لم تكن منذورة بالخصوص، بأن نذر إتيان نافلة، فشرع في صلاة بعنوان الوفاء لذلك النذر. و أما إذا نذر نافلة مخصوصة، فلا يجوز قطعها قطعاً (2).

[ (مسألة 2): إذا كان في أثناء الصلاة، فرأى نجاسة في المسجد]

(مسألة 2): إذا كان في أثناء الصلاة، فرأى نجاسة في المسجد، أو حدثت نجاسة، فالظاهر عدم جواز قطع الصلاة لإزالتها. لأن دليل فورية الإزالة قاصر الشمول عن مثل المقام (3).

(1) قد عرفت مما سبق أن الأقوى جواز القطع في الفرض المذكور و كون النافلة واجبة بالعرض، لا يدخلها في المتيقن من معقد الإجماع.

و كذا الصلاة المعادة المستحبة.

(2) كأن المراد صورة عدم إمكان التدارك، لضيق الوقت، أو لغير ذلك. إذ القطع حينئذ مخالفة للنذر. و إلا فلا وجه له ظاهر.

(3) المستفاد من الأدلة: أن وجود النجاسة في المسجد مبغوض للشارع، كسائر المحرمات، من دون فرق بين زمان و آخر. فوجوب المبادرة إلى الإزالة عين وجوب الإزالة، و المفسدة الباعثة إلى المبادرة عين المفسدة الباعثة إلى نفس الإزالة. لا أن الإزالة فيها مصلحة و الفورية فيها مصلحة أخرى، كما في الواجبات الفورية. فلا مجال للتفكيك بين المبادرة و الإزالة في كيفية المزاحمة لقطع الصلاة. كما لا مجال للتفكيك بينهما في إطلاق دليل الوجوب و عدمه.

هذا و لأجل ما عرفت من جواز القطع لأي غرض و حاجة راجحين يتعين في المقام القطع و الإزالة. و لو سلم ما في المتن من عدم وجوب الفورية‌

613
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 إذا كان في أثناء الصلاة فرأى نجاسة في المسجد ج‌6 ص 613

هذا في سعة الوقت و أما في الضيق فلا إشكال (1). نعم لو كان الوقت موسعاً، و كان بحيث لو لا المبادرة إلى الإزالة فاتت القدرة عليها، فالظاهر وجوب القطع.

[ (مسألة 3): إذا توقف أداء الدين المطالب به على قطعها، فالظاهر وجوبه في سعة الوقت]

(مسألة 3): إذا توقف أداء الدين المطالب به على قطعها، فالظاهر وجوبه في سعة الوقت، لا في الضيق، و يحتمل في الضيق وجوب الاقدام على الأداء متشاغلا بالصلاة (2).

[ (مسألة 4): في موارد وجوب القطع إذا تركه و اشتغل بها فالظاهر الصحة]

(مسألة 4): في موارد وجوب القطع إذا تركه و اشتغل بها فالظاهر الصحة (3) و إن كان آثماً في ترك‌

في مثل الفرض فلا أقل من رجحانها، و لأجله يجوز القطع. كما عرفت.

(1) يعني: في وجوب إتمام الصلاة. لكن من المحتمل إجراء قواعد التزاحم أيضاً. و لعل المقام يختلف باختلاف حال النجاسة، من حيث اقتضائها الهتك و عدمه. فتأمل جيداً.

(2) يقوي هذا الاحتمال: أن الواجبات الصلاتية تسقط في مورد الضرورات الشرعية و العقلية. و منها وجوب أداء الدين.

(3) المذكور في الذكرى و غيرها- كما تقدم-: أنه حيث يتعين القطع، لو استمر بطلت صلاته للنهي المفسد للعبادة. و اعترضه في الحدائق و غيرها بأنه مبني على استلزام الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده، و الظاهر منه في غير موضع من كتابه عدم القول به انتهى.

أقول: تقدم منه ذلك في مسألة ترك المصلي رد السلام و الاشتغال بالصلاة. لكن دفعه في الجواهر بأن وجه البطلان: الأمر بالقطع في صحيح حريز المتقدم‌

«1»، الذي لا يجامعه الأمر بالإتمام ضرورة، للنهي‌

______________________________
(1) راجع أول الفصل.

614
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 4 في موارد وجوب القطع إذا تركه و اشتغل بها فالظاهر الصحة ج‌6 ص 614

الواجب لكن الأحوط الإعادة خصوصاً في صورة توقف دفع الضرر الواجب عليه (1).

[ (مسألة 5): يستحب أن يقول حين إرادة القطع في موضع الرخصة]

(مسألة 5): يستحب أن يقول حين إرادة القطع في موضع الرخصة، أو الوجوب: «السلام عليك أيها النبي، و رحمة اللّه و بركاته» (2)

عن الضد، فان فرض تلك المسألة الانتقال اليه من الأمر بالشي‌ء، لا مع التصريح بالنهي عن الضد بالخصوص و فيه: أن الأمر بالقطع ليس نهياً عن الإتمام، إلا إذا كان القطع نقيض الإتمام. أما لو كان ضده- كما هو الظاهر- فالأمر لا يقتضي النهي عنه إلا بناء على مسألة الضد. و لو سلم فالمفهوم منه بقرينة مناسبة الحكم و الموضوع: كونه عرضياً ليس ناشئاً عن مفسدة في متعلقه، بل في ملازمه، و هو فوات الواجب الذي لأجله جاز القطع، و مثله غير مانع من التقرب، و لا مانع من صحة العبادة.

و في بقية كلامه أنظار لا تخفى على المتأمل، و إن كان الظاهر أنه ذكرها إيراداً، لا اعتقاداً.

(1) لم يتضح صورة يجب فيها القطع غير هذه الصورة، كي يكون لهذه صورة خصوصية من بين الصور.

(2) قال في الذكرى: «و إذا أراد القطع فالأجود التحليل بالتسليم.

لعموم: تحليلها التسليم»، و نحوه ما عن فوائد الشرائع، إلا أنه قال:

«فالأحسن التحليل». و حاصل مرادهما: أنه يحتمل أن يكون المراد من قولهم (ع):

«تحليلها التسليم» «1»‌

هو عدم حلية المنافيات إلا بالتسليم و لو كان في الأثناء عند وجوب القطع، فلو سلم أحرز حلية المنافيات،

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 1.

615
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 5 يستحب أن يقول حين إرادة القطع في موضع الرخصة ج‌6 ص 615

و لو لم يسلم احتمل عدم حليتها، فيكون الأول أحسن، و أجود. و إنما لم يلزم ذلك لما ذكره في الذكرى في ذيل كلامه من أن التسليم إنما يجب التحلل به في الصلاة التامة. و أما ما في المتن فلم يظهر وجهه. إذ مراد الذكرى و غيرها من السلام، السلام المحلل، غير الشامل لما في المتن، كما تقدم في مبحث السلام. و الحمد للّه كما هو أهله، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله الطاهرين.

تمَّ على يد مؤلفه الأحقر «محسن» خلف العلامة المرحوم السيد «مهدي» الطباطبائي الحكيم، في جوار الحضرة العلوية المقدسة، في النجف الأشرف، الساعة الخامسة، من الليلة الخامسة، من شهر شعبان المكرم، سنة الألف و الثلاثمائة و الست و الخمسين من الهجرة النبوية، على مشرفها أفضل الصلاة و السلام و أكمل التحية. و بتمامه تمَّ شرح الطهارة و الصلاة و الصوم و الزكاة و الخمس، وَ مٰا تَوْفِيقِي إِلّٰا بِاللّٰهِ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ، ... وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ.

-

616