×
☰ فهرست و مشخصات
مستمسک العروة الوثقى6

الجزء السادس

الجزء السادس‌

[تتمة كتاب الصلاة]

[فصل واجبات الصلاة أحد عشر]

فصل واجبات الصلاة أحد عشر: النية (1)، و القيام، و تكبيرة الإحرام، و الركوع، و السجود، و القراءة، و الذكر و التشهد، و السلام، و الترتيب، و الموالاة.

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ‌

الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ*، و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين، و اللعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

فصل أما وجوب النية في الجملة: فمما لا خلاف فيه و لا إشكال، بل ينبغي عده من الضروريات، بل لا كلام ظاهر في بطلان الصلاة بتركها عمداً و سهواً، و في الجواهر: «إجماعاً منا محصلا و منقولا مستفيضاً أو متواتراً، بل من العلماء كافة في المحكي عن المنتهى و التذكرة، بل عن التنقيح:

لم يقل أحد بأنها ليست بركن» و قد أطالوا البحث في أنها جزء أو شرط و لهم في ذلك وجوه لا تخلو من إشكال أو منع.

هذا و لأجل أنه لا ريب في صحة قولنا: (أردت الصلاة فصليت) بلا عناية و لا تجوز، لا تكون جزءاً من المسمى و لا شرطاً له، إذ على الأول يلزم اتحاد العارض و المعروض، و على الثاني يلزم تقدم الشي‌ء على نفسه، لأن قيد المعروض كذاته مقدم على العارض. كما أنها ليست جزءاً من موضوع الأمر و لا شرطاً له، لأنها ليست اختيارية، و يمتنع تعلق‌

 

3
مستمسک العروة الوثقى6

فصل واجبات الصلاة أحد عشر ج‌6 ص 3

و الخمسة الأولى أركان (1)، بمعنى أن زيادتها و نقيصتها عمداً و سهواً موجبة للبطلان، لكن لا يتصور الزيادة في النية- بناء على الداعي (2) و بناء على الاخطار غير قادحة (3) الأمر بما لا يكون اختيارياً، سواء أ كان لعدم اختيارية جزئه أم لعدم اختيارية شرطه و قيده، فلو فرض قيام دليل على كونها جزءاً أو شرطاً لما ذكر وجب التصرف فيه و تأويله. نعم لا مانع من كونها شرطاً لموضوع المصلحة بأن تكون الصلاة بما هي هي مقتضياً للمصلحة، و بما هي مرادة علة تامة لها، فلا تكون النية حينئذ جزء المؤثر، بل هي شرط لتأثيره لا غير. فان كان مراد القائل بالشرطية ذلك فنعم الوفاق، و إلا ففيه ما عرفت. و لأجل أنه لا ثمرة مهمة في تحقيق كونها جزءاً أو شرطاً كان الاقتصار على هذا المقدار من البحث عن ذلك أولى. هذا و سيجي‌ء إن شاء اللّٰه تعالى التعرض لدليل وجوب كل واحد من الواجبات الأخر المذكورة في الفصل المعدّ له.

ثمَّ إن عد الواجبات أحد عشر لا يخلو من مناقشة، فإن من واجبات الصلاة الطمأنينة، و الاعتماد على المساجد السبعة في السجود، و غير ذلك.

إلا أن يكون المراد عد الواجبات العرضية لا الواجبات في الواجبات، لكن عليه لا ينبغي عد القيام من الواجبات في قبال التكبير و القراءة و الركوع لوجوبه حالها. اللهم إلا أن يكون المراد منه القيام بعد الركوع. فتأمل.

و الأمر سهل.

كما يأتي في محله، و يأتي أيضاً المراد من الركن، فقد اختلفت فيه كلماتهم، و خصه بعضهم بما تقدح نقيصته عمداً و سهواً.

لاعتبار استمراره المانع من صدق الزيادة.

إجماعا، بل لعلها راجحة لأنها نحو من كمال العبادة. فتأمل.

 

4
مستمسک العروة الوثقى6

فصل واجبات الصلاة أحد عشر ج‌6 ص 3

و البقية واجبات غير ركنية، فزيادتها و نقصها عمداً موجب للبطلان لا سهواً.

[فصل في النية]

فصل في النية و هي القصد إلى الفعل (1) بعنوان الامتثال (2) و القربة و يكفي فيها الداعي القلبي (3)، فصل في النية كما عن جماعة، و فسرت أيضاً بالعزم و بالإرادة، و المقصود من الجميع: الإشارة إلى المعنى المفهوم منها عرفا، و إلا فليست النية مرادفة للقصد و لا للعزم و لا للإرادة، لاختلافها في المتعلقات الملازم للاختلاف في المفهوم.

يعني: موافقة الأمر، و الظاهر أنه مأخوذ من قولهم: مَثُل بين يديه مثولا: إذا انتصب قائماً تعظيما له و إجلالا لشأنه، فهو كناية عن استشعار مشاعر العبودية و البروز بمظهر من مظاهرها، و أما القربة فهي من غايات ذلك الامتثال كما يأتي.

كما عن جماعة من محققي المتأخرين، منهم الأردبيلي و البهائي و الخوانساري و صدر الدين الشيرازي، بل استقر عليه المذهب في الأعصار الأخيرة، و مرادهم من الداعي: الإرادة الإجمالية المرتكزة في النفس، التي بها يكون الفعل اختيارياً عمدياً، و إن لم يكن موضوعها ملتفتاً اليه فعلا، و التعبير عنها بالداعي لا يخلو من مسامحة، إذ الداعي عبارة عن الجهة المرجحة لوجود الشي‌ء على عدمه التي تكون بوجودها العلمي علة‌

 

5
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في النية ج‌6 ص 5

و لا يعتبر فيها الاخطار (1) لتعلق الإرادة به.

يعني: إخطار صورة الفعل و إحضارها في الذهن تفصيلا بوجهه الأولي المأخوذ موضوعاً للأمر، كما يظهر من كلام غير واحد، أو و لو إجمالا بوجه من الوجوه الحاكية، و المشهور بين الأصحاب اعتبار ذلك، و اعتبار مقارنتها للفعل و لو باتصال آخر جزء منها بأول جزء منه كما في القواعد قال: «و يجب انتهاء النية مع ابتداء التكبير بحيث لا يتخللهما زمان و إن قل» أو أنها بين الألف و الراء من التكبير كما عن بعض، قال في الذكرى: «و من الأصحاب من جعل النية بأسرها بين الألف و الراء». أو أنها تقارن أول جزء من التكبير مستمرة إلى انتهائه كما في الذكرى قال: «فاعلم أنه يجب إحضار الذات و الصفات، و القصد إليها أن يجعل قصده مقارناً لأول التكبير و يبقى على استحضاره إلى انتهاء التكبير». أو أن ابتداءها مقارن لأول جزء من التكبير و انتهاءها بانتهائه- كما في التذكرة- قال فيها: «الواجب اقتران النية بالتكبير بأن يأتي بكمال النية قبله ثمَّ يبتدئ بالتكبير بلا فصل، و هذا تصح صلاته إجماعا و لو ابتدأ بالنية بالقلب حال ابتداء التكبير باللسان ثمَّ فرغ منهما دفعة فالوجه الصحة».

هذا، و لأجل أن حدوث الإرادة في النفس يتوقف على تصور المراد بماله من الفوائد تفصيلا أو إجمالا، فالنزاع بين المشهور و غيرهم لا يكون في اعتبار الاخطار في الجملة و عدمه، بل إنما يكون في اعتبار مقارنته لأول الفعل بأحد الوجوه المذكورة و غيرها و عدمه.

هذا، و لا دليل ظاهر على اعتبار مقارنة الاخطار لأول الفعل، إذ الثابت بالإجماع ليس إلا وجوب إيقاع الصلاة و نحوها من العبادات على‌

 

6
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في النية ج‌6 ص 5

بالبال و لا التلفظ (1)، فحال الصلاة و سائر العبادات حال سائر الأعمال و الأفعال الاختيارية كالأكل و الشرب و القيام و القعود و نحوها من: حيث النية. نعم تزيد عليها باعتبار القربة فيها (2)، وجه العبادة، و من الواضح أنه يكفي في تحقق العبادية صدور الفعل عن إرادة الفاعل بداعي أمر اللّٰه سبحانه، و لو كانت الإرادة ارتكازية غير ملتفت إلى موضوعها حال الفعل، و يشهد له عدم اعتبارهم استمرار النية بالمعنى المذكور الى آخر الفعل، و اكتفاؤهم بالاستمرار الحكمي- يعني بقاء الإرادة و لو بحسب الارتكاز- مع أن من المعلوم أن عنوان العبادة كما يكون لأول الفعل يكون لآخره، فاذا كان يكفي في عبادية آخره الإرادة الارتكازية المعبر عنها بالداعي فلم لا تكفي هي في عبادية أوله؟

و التفكيك بين الأول و الآخر في ذلك غير ظاهر، بل الظاهر من ارتكاز العقلاء خلافه.

في ظاهر التذكرة: الإجماع على عدم اعتباره، و قال في الذكرى:

«و محل النية القلب لأنها إرادة و لا يستحب الجمع عندنا بينه و بين القول للأصل، و لعدم ذكر السلف إياه و صار اليه بعض الأصحاب لأن اللفظ أشد عوناً على إخلاص القصد، و فيه منع ظاهر، و عن البيان: أن الأقرب كراهته لأنه إحداث شرع و كلام بعد الإقامة». و إن كان لا يخلو من نظر، لأنه إن كان إحداث شرع فهو حرام، و الكلام بعد الإقامة منصرف عن مثل ذلك، بل من المحتمل دخوله في الكلام المتعلق بالصلاة المستثنى من عموم المنع عن الكلام.

فإنه لا بد منه عندنا- كما في التذكرة و عن المنتهى- بل‌

 

7
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في النية ج‌6 ص 5

بأن يكون الداعي و المحرك هو الامتثال (1) و القربة. و لغايات الامتثال درجات:

أحدها- و هو أعلاها- (2): أن يقصد امتثال أمر اللّٰه لأنه تعالى أهل للعبادة و الطاعة، و هذا ما‌

أشار إليه أمير المؤمنين (ع) بقوله: «إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك، و لا طمعاً في جنتك بل وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك»‌

(3).

إجماعا- كما عن المدارك و الإيضاح و المنتهى- بل ظاهر الاعتذار عن ترك التعرض لها في الخلاف و المبسوط بأنه اعتماد على ضروريته أنه ضروري، و ما عن ابن الجنيد من استحبابه غير ثابت كما في الجواهر. نعم عن الانتصار صحة الصلاة المقصود بها الرياء و إن لم يكن عليها ثواب، و احتمل في الجواهر تنزيله على صورة ضم الرياء الى الأمر و هو بعيد، و كيف كان فلا ينبغي التأمل في اعتبارها و خلاف السيد إن ثبت فهو لشبهة.

يعني أن يكون الموجب لإرادة الفعل أمر اللّٰه سبحانه، و هو المعبر عنه بالامتثال كما عرفت، و عرفت أيضاً أن عطف القربة عليه لا يخلو من مساهلة.

لخلوه عن الجهات الراجعة الى العبد.

في حاشية الحر على وسائله: «أنه لا تحضره روايته من طرقنا و لكن رواه بعض المتأخرين، و كأنه من روايات العامة» [1]. نعم في‌

______________________________
[1] لم توجد هذه العبارة على هامش النسخ المطبوعة. و انما هو فيما صححه الشارح- دام ظله- من الوسائل على هامش باب: 9 من أبواب مقدمة العبادات.

هذا و قد روى صاحب الوافي هذا الحديث مرسلا عند شرح الحديث: 1 من الباب: 18 (نية العبادة) من أبواب جنود الايمان من الفصل الرابع من الجزء الثالث: ج: 1 ص: 326 الطبعة الحجرية.

و كذلك في مرءات العقول: ج: 2 صفحة: 101. و بحار الأنوار: كتاب الخلق صفحة: 82.

 

8
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في النية ج‌6 ص 5

الثاني: أن يقصد شكر نعمة التي لا تحصى.

الثالث: أن يقصد به تحصيل رضاه و الفرار من سخطه.

الرابع: أن يقصد به حصول القربة إليه (1).

نهج البلاغة: «إن قوماً عبدوا اللّٰه تعالى رغبة فتلك عبادة التجار، و إن قوما عبدوا اللّٰه تعالى رهبة فتلك عبادة العبيد، و ان قوما عبدوا اللّٰه تعالى شكراً فتلك عبادة الأحرار» «1».

و‌

في رواية هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّٰه (ع): «العبادة ثلاثة قوم عبدوا اللّٰه عز و جل خوفا فتلك عبادة العبيد، و قوم عبدوا اللّٰه تبارك و تعالى طلب الثواب فتلك عبادة الأجراء و قوم عبدوا اللّٰه عز و جل حباً له فتلك عبادة الأحرار و هي أفضل العبادة» «2»‌

و قريب منها ما في رواية يونس بن ظبيان، «3» و قد تقدم في نية الوضوء ما له نفع في المقام فراجع.

الظاهر أن المراد به في كلام الأصحاب و فيما ورد في الكتاب المجيد و السنة و الأدعية القرب المكاني الادعائي بملاحظة ما يترتب على القرب المكاني الحقيقي من الفيوضات الخيرية فهو نظير قوله تعالى «إِنَّ رَحْمَتَ اللّٰهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ»، «4» لا القرب المكاني الحقيقي كما هو ظاهر، و لا القرب الروحاني الناشئ من مزيد التناسب في الكمالات، فإنه خلاف الظاهر منه، و ان قيل إنه المراد. هذا و القرب المكاني الادعائي راجع الى بعض ما ذكر من الغايات، لا أنه في عرضها فلا يحسن عده في قبال كل واحد منها.

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 9 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 2.

(4) الأعراف: 56.

 

9
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في النية ج‌6 ص 5

الخامس: أن يقصد به الثواب و رفع العقاب (1)، بأن يكون الداعي إلى امتثال أمره رجاء ثوابه و تخليصه من النار، و أما إذا كان قصده ذلك على وجه المعاوضة (2) من دون أن يكون برجاء إثابته تعالى فيشكل صحته، و ما ورد من صلاة الاستسقاء و صلاة الحاجة إنما يصح إذا كان على الوجه الأول.

[ (مسألة 1): يجب تعيين العمل إذا كان ما عليه فعلا متعدداً]

(مسألة 1): يجب تعيين العمل (2) إذا كان ما عليه فعلا متعددا، المشهور بطلان العبادة المأتي بها بداعي ما ذكر، بل عن العلامة (رحمه اللّٰه) في جواب المسائل المهنائية اتفاق العدلية على عدم استحقاق الثواب بذلك، و عن تفسير الرازي اتفاق المتكلمين على البطلان، و فيه أنه مخالف لسيرة العقلاء و المتشرعة، و لما ورد في الكتاب و السنة من بيان مراتب الجزاء من ثواب و عقاب على الطاعات و المعاصي خصوصاً ما ورد في بعض العبادات كصلوات الحاجات و صومها، و لعل مرادهم الصورة الآتية.

بأن يقصد الامتثال مقيداً بالثواب و رفع العقاب فيكونان ملحوظين على وجه التقييد كما هو الحال في فعل الأجير الذي يفعل بقصد الأجرة لا على نحو الداعي كما ذكر أولا و الظاهر عدم صحة العبادة بذلك، فإنه ليس من مظاهر العبودية، و لا فرق في البطلان بين صورتي العلم بالترتب و عدمه، كما لا فرق بينهما في الصحة لو أخذ على نحو الداعي.

كما هو المشهور المعروف، و عن المنتهى نفي الخلاف فيه، و عن التذكرة و المدارك الإجماع عليه، إذ قد عرفت أن قوام العبادية صدور الفعل عن إرادة و اختيار بداعي الأمر المتعلق به، فاذا كان الواجب قد اعتبر فيه خصوصية فمع عدم قصدها لم يقع تمام الواجب عن اختيار، كما أنه يمتنع‌

 

10
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 1 يجب تعيين العمل إذا كان ما عليه فعلا متعددا ج‌6 ص 10

.....

صدوره عن أمره، لأن الأمر إنما يدعو الى ما تعلق به فلا يدعو الى غيره، فاذا كان على المكلف ظهر و عصر و فرض أن الظهر غير العصر بشهادة صحة إحداهما بعينها دون الأخرى، فإذا قصد إتيان إحدى الصلاتين لا بعينها بطلت، لفوات قصد الخصوصية الموجب لفوات حيثية الصدور عن الاختيار و عن داعي الأمر.

نعم يمكن أن يقال: إن اعتبار الاختيار في العبادات ليس في قبال اعتبار صدوره على وجه العبادة، إذ لا دليل على ذلك و إنما اعتباره لأجل دخله في ذلك لتوقف العبادية على صدور الفعل عن اختيار، و على هذا فالوجه في اعتبار التعيين هو توقف العبادية عليه، لأنه لا يمكن صدور الفعل عن داعي الأمر إلا مع التعيين كما ذكرنا، فلو فرض عدم التوقف عليه لأجل خطأ المكلف و اشتباهه كما سيأتي في المسألة الثالثة، فلا دليل على وجوبه، فقولهم: يجب التعيين. على إطلاقه لا يخلو من نظر، كما أن من ذلك ظهر أيضاً أنه لا يتوقف اعتباره في عبادية العبادة على تعدد المأمور به، فلو كان متحداً اعتبر تعيينه أيضاً و قصد تمام خصوصياته.

نعم تفترق صورة التعدد عن صورة الاتحاد بأنه يتأتى له قصد الخصوصية إجمالا في الثانية بمجرد قصد ما هو الواجب عليه فعلا، و لا يتأتى ذلك في الأول، لكنه فرق في مقام الفراغ لا في مقام الوجوب على ما يظهر من المتن و غيره، كما أن اعتبار التعيين فرع وجود التعين في المأمور به فاذا لم يكن له تعين كما لو وجب عليه صوم يومين لم يجب التعيين لعدم التعين و من هذا القبيل ما لو تعدد المأمور به لتعدد سببه سواء اتحد السبب بحسب الحقيقة كما لو نذر صوم يوم إن شفي ولده، و نذر صوم يوم آخر إن رزق مالا، فإنه إذا شفي ولده و رزق مالا و أراد الوفاء بالنذر لم يجب عليه التعيين، بأن بقصد الصوم الواجب لشفاء الولد أو لرزق المال، بل‌

11
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 1 يجب تعيين العمل إذا كان ما عليه فعلا متعددا ج‌6 ص 10

و لكن يكفي التعيين الإجمالي، كأن ينوي ما وجب عليه أولا من الصلاتين مثلا أو ينوي ما اشتغلت ذمته به أولا أو ثانياً، و لا يجب مع الاتحاد.

[ (مسألة 2): لا يجب قصد الأداء و القضاء]

(مسألة 2): لا يجب قصد الأداء و القضاء (1)، لا مجال لذلك التعيين، لأن المفروض أن المنذور مجرد صوم اليوم، و الخصوصية المذكورة ليست منذورة، و لا قيداً للمنذور، و مثله ما لو سها في الركعة الأولى ثمَّ في الثانية، فإنه لا مجال لتعيين السجود الواجب للسهو بالسهو الخاص، بأن يقصد سجدتي السهو عن السهو الواقع في الركعة الأولى مثلا. لأن تلك الخصوصية غير دخيلة في المأمور به فلا معنى لقصدها. أم اختلف السبب بحسب الحقيقة كما لو نذر أن يصوم يوماً، و حلف أن يصوم يوماً آخر، فإنه حينئذ يكون كما لو وجب عليه صوم يومين.

ثمَّ إن اعتبار الخصوصية في موضوع (تارة) يستفاد من ظاهر الدليل لأخذها قيداً في موضوع الأمر (و أخرى) يستفاد من اللوازم و الآثار مثل الظهر و العصر و نافلة الفجر و فريضته و صلاة الزيارة و نحوها، فإنها و ان تشاكلت بحسب الصورة لكنها مختلفة في الخصوصيات، بشهادة صحة واحدة بعينها إذا نواها بعينها و عدم صحة الأخرى، فإن ذلك يكشف عن انطباق ما صحت على المأتي و عدم انطباق الأخرى عليه، و ليس ذلك إلا لأجل الاختلاف في الخصوصيات التي تنطبق و لا تنطبق- كما هو ظاهر- هذا و كلماتهم في المقام لا تخلو من تشويش و اضطراب.

كما اختاره جماعة لعدم الدليل على اعتباره و عدم توقف العبادية عليه خلافاً للمشهور. بل ظاهر محكي التذكرة الإجماع عليه: من اعتبار ذلك. و علل بأن الفعل مشترك فلا يتخصص لأحدهما إلا بالنية. و فيه أن ذلك لو تمَّ لم يكن اعتباره زائداً على اعتبار التعيين، فلا مقتضى لجعله في‌

 

12
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 لا يجب قصد الأداء و القضاء ج‌6 ص 12

و لا القصر و التمام (1)، و لا الوجوب و الندب إلا مع توقف التعيين على قصد أحدهما، بل لو قصد أحد الأمرين في مقام الآخر صح إذا كان على وجه الاشتباه في التطبيق، كأن قصد قبال شرط التعيين- مع أن توقف التعيين عليه مطلقاً غير ظاهر. و كذا الحال في اعتبار قصد الوجوب و الندب دعوى و دليلا.

بلا خلاف أجده مع عدم التعدد في الذمة و لا التخيير، بل في المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب كما عن شرح النفلية الاتفاق عليه، كذا في الجواهر. و دليله غير ظاهر، فان القصر و التمام من القيود المأخوذة في موضوع الأمر، فقصدها لا بد منه، كقصد الجزء، لما عرفت من وجوب التعيين. و ما في الجواهر من أن القصرية و التمامية من الأحكام اللاحقة كما ترى، لوضوح دخلهما في الموضوع، فان القصر و التمام عبارة عن كون الصلاة ركعتين بشرط لا أو أربع ركعات، فكيف يكونان من الأحكام اللاحقة؟ و لو بني على كون صلاتي القصر و التمام حقيقتين مختلفتين كان الأمر أظهر.

نعم قد عرفت الإشارة إلى أنه لا يعتبر قصد المأمور به بخصوصياته تفصيلا، و أنه يكفي قصده إجمالا. فلو قصد القصر أو التمام إجمالا كما لو جهل أن حكمه القصر أو التمام فأتم بمن يعلم أنه يؤدي مثل ما وجب عليه، فقصد أن يفعل مثل فعل إمامه فقصر الإمام أو أتم و تابعه المأموم في تمام الصلاة صح لكونه قاصداً للقصر أو التمام إجمالا، و لعل مراد المشهور من القصر و التمام عنواني صلاة المسافر و الحاضر، إذ هما من العناوين الطارئة الزائدة على ذات المأمور به التي لا يجب قصدها، لا تفصيلا و لا إجمالا، لكنه خلاف ظاهر التعبير و إن كان ذلك يقتضيه حسن الظن بمقامهم قدس اللّٰه أرواحهم.

 

13
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 لا يجب قصد الأداء و القضاء ج‌6 ص 12

امتثال الأمر المتعلق به فعلا و تخيل أنه أمر أدائي فبان قضائياً أو بالعكس، أو تخيل أنه وجوبي فبان ندبياً أو بالعكس و كذا القصر و التمام (1)، و أما إذا كان على وجه التقييد فلا يكون صحيحاً، كما إذا قصد امتثال الأمر الأدائي ليس إلا، أو الأمر الوجوبي ليس إلا، فبان الخلاف فإنه باطل.

يعني إذا لحظ أحدهما تفصيلا عنواناً للمقصود خارجاً عنه بأن قصد إتيان ما هو الواجب عليه فعلا معتقداً أنه قصر أو تمام، فان القول بالصحة حينئذ في محله لأنه قد قصد المأمور به على ما هو عليه من الخصوصيات التي منها القصر أو التمام، فهما ملحوظان إجمالا قيداً للمأمور به، و ملاحظة خلاف ذلك تفصيلا غير قادحة. نظير ما لو قصد إتيان الفريضة الواجبة عليه فعلا معتقداً أنها عصر أو ظهر، فإنها تصح و إن انكشف أنها على خلاف ما اعتقد.

و مما ذكرنا يظهر أن البناء على الصحة في الفرض لا ينافي ما تقدم منا من وجوب قصد القصر أو التمام قيداً للمأمور به تفصيلا أو إجمالا، و ليست الصحة في الفرض من لوازم عدم اعتبار قصد القصر أو التمام قيداً للمأمور به، كما لا يخفى.

و من ذلك يظهر لك الاشكال على من بنى على البطلان في الفرض لبنائه على وجوب قصد أحدهما لأنهما من قيود المأمور به، كما يظهر أيضاً لك الاشكال على ما في المتن حيث بنى على عدم وجوب قصد القصر أو التمام مفرعا عليه الصحة في الفرض الذي لوحظ فيه أحدهما عنواناً خارجا عن المقصود من باب الخطأ في التطبيق، إذ قد عرفت أن الصحة ليست من متفرعات عدم اعتبار قصد أحدهما بل تكون حتى بناء على اعتباره كما عرفت منا.

 

14
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 إذا كان في أحد أماكن التخيير فنوى القصر ج‌6 ص 15

[ (مسألة 3): إذا كان في أحد أماكن التخيير فنوى القصر]

(مسألة 3): إذا كان في أحد أماكن التخيير فنوى القصر، يجوز له أن يعدل إلى التمام و بالعكس (1) ما لم يتجاوز محل العدول، بل لو نوى أحدهما و أتم على الآخر من غير التفات إلى العدول فالظاهر الصحة (2) لأجل أن الظاهر من أدلة القصر أن القصر و التمام حقيقة واحدة، و ليس الفرق بينهما إلا الفرق بين الشي‌ء بشرط شي‌ء و الشي‌ء بشرط لا، فالقصر ركعتان بلا زيادة و التمام أربع ركعات، فالتخيير بين القصر و التمام يكون من قبيل التخيير بين الركعتين بشرط لا، و الركعتين مع ركعتين أخريين لا مانع من الأخذ بإطلاق دليل التخيير الشامل للابتدائي و الاستمراري، فكما يكون المكلف مخيراً بين القصر و التمام قبل الدخول في الصلاة يكون مخيراً بعده.

نعم لو كان القصر و التمام حقيقتين مختلفتين نظير الظهر و العصر احتيج في جواز العدول من أحدهما إلى الآخر الى دليل، و الإطلاق لا يصلح لإثباته، إذ لا تعرض فيه لإثبات قدرة المكلف على قلب الصلاة من ماهية إلى أخرى، و لما كان الأصل عدم صحة العدول كان الحكم المنع عن العدول في الأثناء. نعم إطلاق التخيير الشامل للابتدائي و الاستمراري يقتضي جواز العدول في الأثناء إلى التمام باستئناف التمام.

قد عرفت في المسألة الأولى: أن التعيين إنما يجب إذا توقف صدور الفعل عن داعي الأمر عليه، و ليس وجوبه في عرض وجوبه، فإذا أمر المولى عبده أن يشرب الماء فاعتقد أنه أمره بشرب الخل فاعتقد أن مائعاً معيناً خل فشربه فكان ماء كان شرب الماء المذكور طاعة و عبادة للمولى و إن لم يكن مقصوداً له، و قوام العبادية الصدور بداعي أمر المولى لا غير، و عليه لا مانع من صحة العبادة في الفرض، إذ لم يفت منها إلا‌

 

15
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 إذا كان في أحد أماكن التخيير فنوى القصر ج‌6 ص 15

و لا يجب التعيين حين الشروع أيضاً (1). نعم لو نوى القصر قصد خصوصيتها- أعني القصرية أو التمامية- و ذلك غير قادح لحصول قوام عباديتها- أعني الصدور بداعي أمر المولى- و ليس قصد خصوصيتها مما له دخل في عباديتها.

نعم لو بني على دخله في العبادة في عرض قصد الامتثال كان البناء على البطلان في محله. لكن المبنى غير ظاهر، و مراجعة بناء العرف و العقلاء شاهد على خلافه، و لذا لا خلاف عندهم في حسن الانقياد و ترتب الثواب على الفعل المنقاد به و إن وقع الخلاف في قبح التجرؤ و ترتب العقاب على الفعل المتجرأ به.

و على هذا فلو التفت بعد الثالثة أو بعد الرابعة قبل السلام جاز له العمل على التمام، و لا تلزم زيادة الركعة أو الركعتين لأن الإتيان بالركعة أو الركعتين كان عن أمرها فتكون في محلها، و قد كان يختلج في البال:

التفصيل بين ما لو كان يتخيل الاشتباه في العدد لاعتقاده أنه لم يأت بالثانية فتبطل الصلاة، لأنه جاء بالركعة بعنوان كونها ثانية و ليست كذلك فلم يؤت بها عن أمرها، و بين ما لو كان الإتيان بالزائد على الركعتين لتخيل أنه حاضر و أنه عليه التمام فتصح الصلاة، لأن الإتيان بالركعة كان عن أمرها و لو للخطإ في كونه حاضراً، لكنه في غير محله، لأن عنوان الركعة الثانية ليس من العناوين التقييدية ليفوت القصد بفواتها، و لذا لو صلى الركعة الثانية باعتقاد أنها الأولى ثمَّ تبين بعد إكمالها أنها الثانية صحت الصلاة- كما أشرنا الى ذلك مفصلا في مباحث الوضوء- و سيأتي أيضاً في محله إن شاء اللّه تعالى، فالبناء على الصحة في الجميع لا ينبغي الإشكال فيه.

لأنه بعد ما عرفت من أن القصر و التمام حقيقة واحدة، و أن‌

16
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 إذا كان في أحد أماكن التخيير فنوى القصر ج‌6 ص 15

فشك بين الاثنين و الثلاث بعد إكمال السجدتين يشكل العدول إلى التمام و البناء على الثلاث (1) الاختلاف بينهما من قبيل الاختلاف في الخصوصيات الفردية، نظير الاختلاف بين الصلاتين، في كون المقروء في إحداهما سورة التوحيد، و في الأخرى سورة العصر، فالأمر المتعلق بالركعتين شخصي قائم بموضوع واحد، فيمكن أن ينبعث المكلف إليهما من قبل ذلك الأمر الشخصي بهما بلا حاجة الى التعيين، و لا توقف عليه، لما عرفت من أن الوجه في اعتبار التعيين دخله في عبادية العبادة، و في المقام يمكن التعبد بالركعتين من دون تعيين تلك الخصوصية.

نعم لو بني على وجوب التعيين في عرض وجوب قصد الامتثال وجب حين الشروع، بمناط وجوبه في سائر الموارد الأخرى، لعدم الفرق، فعدم وجوب التعيين في المقام ليس لعدم التعين، ضرورة ثبوت التعين بالخصوصيات المميزة بين القصر و التمام، بل لما ذكرنا من أن وجوبه لأجل تحصيل العبادية و في المقام لا يتوقف حصولها على حصوله.

الاشكال يحتمل أن يكون من جهة الشك في كونه في محل العدول لاحتمال بطلان الصلاة بزيادة ركعة، و فيه أن أصالة عدم زيادة الركعة محكمة، و البناء على عدم جريانها مع الشك في عدد الركعات لا ينافي جريانها هنا لإثبات الصحة و نفي البطلان- مع إمكان دعوى جريان أصالة الصحة في نفسها، مع قطع النظر عن أصالة عدم الزيادة، فإنها أصل برأسها.

و يحتمل أن يكون من جهة أن الشك المذكور بمجرد حدوثه في الثنائية مبطل لها فلا موضوع للعدول.

و فيه: أن الظاهر مما دل على عدم صحة الشك في الثنائية هو عدم جواز المضي على الشك فيها، لا أنه بنفسه مبطل كالحدث. و حينئذ بالعدول‌

17
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 إذا كان في أحد أماكن التخيير فنوى القصر ج‌6 ص 15

و إن كان لا يخلو من وجه (1) بل قد يقال بتعينه و الأحوط العدول و الإتمام مع صلاة الاحتياط و الإعادة.

[ (مسألة 4): لا يجب في ابتداء العمل حين النية تصور الصلاة تفصيلا]

(مسألة 4): لا يجب في ابتداء العمل حين النية تصور الصلاة تفصيلا بل يكفي الإجمالي (2). نعم يجب نية المجموع يرتفع موضوع الحكم المذكور.

كما حكي عن جماعة بل ظاهر العلامة الطباطبائي المفروغية عنه.

و التحقيق أن يقال: إن القصر و التمام إن كانا من حقيقة واحدة لم يجز له التسليم على الثنتين مع الشك المذكور، لأنه مضي على الشك في الثنائية، و له أن يختار التمام و يعمل عمل الشك بين الثنتين و الثلاث، و في وجوب ذلك- كما عليه العلامة الطباطبائي (رحمه اللّه)- فراراً عن لزوم الابطال المحرم و عدم وجوبه- كما عن غيره- وجهان مبنيان على عموم حرمة إبطال العمل لمثل المقام و عدمه أقواهما الثاني، و إن كانا حقيقتين مختلفتين بطلت الصلاة، لأن السلام على القصر مضي على الشك في الثنائية و العدول الى التمام لا دليل على جوازه- كما عرفت في صدر المسألة-، و لو فرض تمامية إطلاقات التخيير لإثباته أمكن الرجوع إليها في إثبات جواز التمام، و إن لم يجز له القصر، و يكون المقام نظير ما لو تعذر أحد فردي التخيير فان تعذره مانع من فعلية التخيير و إن لم يكن مانعاً من وجود مقتضية، فيتمسك بالإطلاق لإثباته.

لما عرفت من أن دليل اعتباره في العبادة- سواء أ كان في عرض قصد الامتثال أم في طوله- لا يقتضي أكثر من اعتباره في الجملة، و لا يقتضي اعتبار خصوص التصور التفصيلي كما سبق في تضعيف ما ذكره المشهور من اعتبار الاخطار.

 

18
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 4 لا يجب في ابتداء العمل حين النية تصور الصلاة تفصيلا ج‌6 ص 18

من الأفعال جملة أو الأجزاء على وجه يرجع إليها، و لا يجوز تفريق النية على الأجزاء على وجه لا يرجع إلى قصد الجملة (1) كأن يقصد كلا منها على وجه الاستقلال من غير لحاظ الجزئية.

[ (مسألة 5) لا ينافي نية الوجوب اشتمال الصلاة على الأجزاء المندوبة]

(مسألة 5) لا ينافي نية الوجوب اشتمال الصلاة على الأجزاء المندوبة (2).

لأن كل واحد من الأجزاء مستقلا ليس موضوعاً للأمر فنيته كذلك ليست نية للمأمور به، و كما أن وجوب كل منها في حال الانضمام كذلك تكون نية كل واحد منها فينويه في حال الانضمام لا غير.

لأن الاشتمال على الأجزاء المندوبة لا يوجب كون الفرد المشتمل عليها مستحباً محضاً ليكون ذلك مانعاً من نية الوجوب، بل المشتمل عليها يكون واجباً كغير المشتمل، غاية الأمر: أنه يكون أفضل الفردين الواجبين تخييراً فيكون واجباً وجوبا مؤكداً بناء على أن الأجزاء المستحبة و إن لم تكن أجزاء حقيقة لا من الماهية و لا من الفرد، و إنما هي أمور مستحبة في الصلاة و غيرها من العبادات يؤتي بها بداعي استحبابها لكنها توجب تأكيداً في مصلحة الصلاة فتوجب تأكداً في وجوبها كما هو الظاهر. أما بناء على عدم ذلك فلا تأكد في وجوب الصلاة بوجه. ثمَّ إن الظاهر أنه لا فرق في صحة الصلاة المشتملة على الأجزاء المندوبة بين أن ينوي بفعل الأجزاء الوجوب و أن ينوي الندب.

و دعوى البطلان في الأول من جهة التشريع. مندفعة: بأن البطلان في التشريع يختص بما لو كان التشريع ملازما للانبعاث من قبل الأمر التشريعي و مجرد تشريع الوجوب للأجزاء المندوبة لا يقتضي كون الانبعاث الى الأجزاء الصلاتية الأصلية من قبل الأمر التشريعي، لجواز الانبعاث إليها من قبل الأمر الوجوبي المتعلق بها، غاية الأمر أنه يشرع أمراً وجوبياً للأجزاء‌

 

19
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 5 لا ينافي نية الوجوب اشتمال الصلاة على الأجزاء المندوبة ج‌6 ص 19

و لا يجب ملاحظتها في ابتداء الصلاة (1) و لا تجديد النية على وجه الندب حين الإتيان بها.

[ (مسألة 6): الأحوط ترك التلفظ بالنية في الصلاة خصوصاً في صلاة الاحتياط للشكوك]

(مسألة 6): الأحوط ترك التلفظ بالنية في الصلاة (2) خصوصاً في صلاة الاحتياط للشكوك، و إن كان الأقوى الصحة معه (3).

[ (مسألة 7): من لا يعرف الصلاة يجب عليه أن يأخذ من يلقنه]

(مسألة 7): من لا يعرف الصلاة يجب عليه أن يأخذ من يلقنه (4) فيأتي بها جزءاً فجزءاً و يجب عليه أن ينويها أولا على الإجمال.

[ (مسألة 8): يشترط في نية الصلاة بل مطلق العبادات الخلوص عن الرياء]

(مسألة 8): يشترط في نية الصلاة بل مطلق العبادات الخلوص عن الرياء (5) فلو نوى بها الرياء بطلت، بل هو المندوبة أو أنه تشريع في توصيف الأمر الندبي بها بأنه وجوبي و ذلك لا يقتضي المحذور المتقدم.

كما تقدم في مسألة عدم وجوب تعيين القصر و التمام في أماكن التخيير، بل هنا أظهر لعدم كونها أجزاء حقيقة كما عرفت.

لم أقف على قائل بالتحريم. نعم تقدم عن البيان أن اللفظ إحداث شرع، لكن صرح (رحمه اللّه) بالكراهة، فراجع ما تقدم في أول مبحث النية.

قد توقف المصنف (رحمه اللّه) في مبحث صلاة الاحتياط في جواز فعل منافيات الصلاة بينها و بين صلاة الاحتياط، فالجزم منه بالصحة هنا لا بد أن يكون من جهة دعوى عدم عموم الكلام المنافي للتلفظ بالنية، لكنه غير ظاهر.

هذا الوجوب من باب وجوب المقدمة العلمية.

على المشهور المعروف شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، بل‌

 

20
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 8 يشترط في نية الصلاة بل مطلق العبادات الخلوص عن الرياء ج‌6 ص 20

من المعاصي الكبيرة لأنه شرك باللّه تعالى.

[ثمَّ إن دخول الرياء في العمل على وجوه]

ثمَّ إن دخول الرياء في العمل على وجوه:

[أحدها: أن يأتي بالعمل لمجرد إرادة الناس]

أحدها: أن يأتي بالعمل لمجرد إرادة الناس من دون عن غير واحد دعوى الاتفاق عليه إلا من المرتضى (رحمه اللّه) في الانتصار فذهب الى عدم بطلان العبادة بالرياء، بل هي مجزية مسقطة للأمر و ان لم يترتب عليها الثواب، و كأن مراده عدم منافات الرياء بنحو الضميمة و إلا فاعتبار القربة في الصلاة و غيرها من العبادات من الضروريات التي لا ريب فيها فضلا عن الفتوى بخلافها. و كيف كان فقد عقد في الوسائل باباً طويلا لبطلان العبادة بالرياء «1»، و آخر لتحريم قصد الرياء و السمعة بالعبادة «2» لكن أكثر الأخبار المذكورة فيهما غير خال عن المناقشة.

نعم ما يدل منها على حرمة الفعل المقصود به الرياء الملازمة للبطلان‌

صحيح زرارة و حمران عن أبي جعفر (ع): «لو أن عبداً عمل عملا يطلب به وجه اللّه تعالى و الدار الآخرة و أدخل فيه رضى أحد من الناس كان مشركا» «3»‌

و‌

صحيح علي بن جعفر (ع): «قال رسول اللّه (ص): يؤمر برجال الى النار‌

.. الى أن قال:

فيقول لهم خازن النار: يا أشقياء ما كان حالكم؟ قالوا: كنا نعمل لغير اللّه فقيل لنا: خذوا ثوابكم ممن عملتم له» «4».

و‌

رواية السكوني: «قال النبي (ص): إن الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجاً به فاذا صعد بحسناته يقول اللّه عز و جل: اجعلوها في (سجين) إنه ليس إياي أراد به» «5»‌

، و نحوها غيرها. و دلالة الجميع‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمة العبادات.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات.

(3) الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11.

(4) الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3.

 

21
مستمسک العروة الوثقى6

أحدها أن يأتي بالعمل لمجرد إرادة الناس ج‌6 ص 21

أن يقصد به امتثال أمر اللّه تعالى، و هذا باطل بلا إشكال (1) لأنه فاقد لقصد القربة أيضاً.

[الثاني: أن يكون داعيه و محركه على العمل القربة]

الثاني: أن يكون داعيه و محركه على العمل القربة و امتثال الأمر و الرياء معاً، و هذا أيضاً باطل سواء كانا مستقلين (2) أو كان أحدهما تبعاً و الآخر مستقلا أو كانا معاً و منضما محركا و داعياً.

[الثالث: أن يقصد ببعض الأجزاء الواجبة الرياء]

الثالث: أن يقصد ببعض الأجزاء الواجبة الرياء، على الحرمة غير قابلة للمناقشة، و عرفت مكرراً أن من لوازم الحرمة البطلان لامتناع التقرب بما هو حرام.

يعني حتى من السيد (رحمه اللّه) لما عرفت من أنه لا خلاف له في كون الصلاة عبادة و لا في اعتبار القربة في العبادة مطلقاً.

لأجل أن الظاهر أنه يكفي في كون الفعل عبادة صلاحية الأمر للاستقلال في الداعوية إلى الفعل المأمور به و ان كانت معه ضميمة مستقلة أو غير مستقلة لا بد في إثبات دعوى البطلان في هذه الصورة، و كذا في أحد قسمي الصورة الثانية- أعني ما لو كان الأمر صالحاً للاستقلال في الداعوية و الرياء لوحظ منضما الى الأمر مع كونه غير صالح للاستقلال- من الرجوع الى النصوص المشار إليها آنفاً، و دلالة صحيح حمران و زرارة على البطلان فيهما لا قصور فيها، و كذا دلالتها على البطلان في القسم الثاني من الصورة الثانية- أعني ما لو كان الرياء صالحاً للاستقلال في الداعوية و القربة غير صالحة لذلك- و كذا في الصورة الثالثة، و إن كان يكفي أيضاً في دعوى البطلان فيها القواعد الأولية لعدم حصول قصد الامتثال على النحو المعتبر في العبادة كما تقدم في الوضوء.

 

22
مستمسک العروة الوثقى6

الثالث أن يقصد ببعض الأجزاء الواجبة الرياء ج‌6 ص 22

و هذا أيضاً باطل و إن كان محل التدارك باقياً (1). نعم في مثل الأعمال التي لا يرتبط بعضها ببعض، أو لا ينافيها الزيادة في الأثناء كقراءة القرآن و الأذان و الإقامة إذا أتى ببعض الآيات أو الفصول من الأذان اختص البطلان به فلو تدارك بالإعادة صح.

[الرابع: أن يقصد ببعض الأجزاء المستحبة الرياء]

الرابع: أن يقصد ببعض الأجزاء المستحبة الرياء كالقنوت في الصلاة، و هذا أيضاً باطل على الأقوى (2).

[الخامس: أن يكون أصل العمل للّه لكن أتى به في مكان و قصد بإتيانه في ذلك المكان الرياء]

الخامس: أن يكون أصل العمل للّه لكن أتى به في مكان و قصد بإتيانه في ذلك المكان الرياء كما إذا أتى به في مقتضى ظاهر النصوص: حرمة نفس العمل الذي وقع الرياء فيه، فاذا كان الرياء في الجزء نفسه اختص بالبطلان، و لا وجه لسراية البطلان الى غيره من الأجزاء، اللهم إلا أن يدعى أنه يصدق على مجموع العمل أنه مما وقع فيه الرياء فيبطل. و فيه أن صدق ذلك مبني على المسامحة و إلا فموضوعه حقيقة نفس الجزء فيقدح فيه لا غير. نعم إذا بطل الجزء فان صدق أنه زيادة في المركب عمداً و كانت الزيادة فيه مبطلة له سرى البطلان إلى بقية الأجزاء، و لا يجدي التدارك، و إن لم تصدق الزيادة، أو كانت غير مبطلة لعدم الدليل على إبطالها إمكان التدارك بفعل الجزء ثانياً مع الإخلاص و صح المركب.

مقتضى ما سبق هو بطلان القنوت لا غير فيكون الحال كما لو صلى بلا قنوت فان صلاته صحيحة، فالبناء على بطلان الصلاة إنما هو من جهة أن القنوت المرائي فيه مأتي به بقصد الجزئية، فإذا بطل لزمت الزيادة العمدية التي لا يفرق في اقتضائها بطلان الصلاة بين أن تكون بالجزء الواجب و الجزء المستحب، لكن عرفت أن الأجزاء المستحبة ليست أجزاء للماهية‌

 

23
مستمسک العروة الوثقى6

الخامس أن يكون أصل العمل لله لكن أتى به في مكان و قصد بإتيانه في ذلك المكان الرياء ج‌6 ص 23

المسجد أو بعض المشاهد رياء، و هذا أيضاً باطل (1) على الأقوى، و كذا إذا كان وقوفه في الصف الأول من الجماعة أو في الطرف الأيمن رياء.

[السادس: أن يكون الرياء من حيث الزمان]

السادس: أن يكون الرياء من حيث الزمان (2) كالصلاة في أول الوقت رياء، و هذا أيضاً باطل على الأقوى.

[السابع: أن يكون الرياء من حيث أوصاف العمل]

السابع: أن يكون الرياء من حيث أوصاف العمل.

كالإتيان بالصلاة جماعة (3) أو القراءة بالتأني و لا أجزاء للفرد، و إنما هي أمور مستحبة ظرفها الفعل الواجب فلا يؤتى بها بقصد الجزئية كي تلزم الزيادة العمدية على تقدير بطلانها. نعم لو كان المستحب من الدعاء أو الذكر أمكن القول ببطلان الصلاة من جهة الكلام بناء على أن الدعاء و الذكر المحرمين من الكلام المبطل، و سيأتي إن شاء اللّه تعالى الكلام فيه. أما مثل جلسة الاستراحة فلا يأتي فيها مثل ذلك فلا موجب فيها للبطلان فلاحظ.

لأن موضوع الرياء: عنوان «الصلاة المقيدة بالمكان الخاص» المتحد مع ذات الصلاة في الخارج، فتحرم به و تفسد لأجله، و لا يتوهم:

أن موضوعه نفس الخصوصية، فلا يسري الى الصلاة، فلا تسري الحرمة إليها و لا الفساد، إذ فيه أن الخصوصية المكانية ليست من الأفعال الاختيارية لتكون موضوعاً للرياء تارة و الإخلاص أخرى، فيتعين أن تكون قيداً لموضوعه المتحد مع ذات الصلاة في الخارج، و كذا الحال فيما بعده فان الجميع من قبيل الخصوصية المكانية كما لا يخفى.

الخصوصية الزمانية كالخصوصية المكانية فيجري فيها الكلام المتقدم.

خصوصية الجماعة لما لم تكن من الأفعال المستقلة يجري عليها‌

 

24
مستمسک العروة الوثقى6

السابع أن يكون الرياء من حيث أوصاف العمل ج‌6 ص 24

أو بالخشوع أو نحو ذلك (1) و هذا أيضاً باطل على الأقوى.

[الثامن: أن يكون في مقدمات العمل]

الثامن: أن يكون في مقدمات العمل كما إذا كان الرياء في مشيه إلى المسجد لا في إتيانه في المسجد. و الظاهر عدم البطلان في هذه الصورة (2).

[التاسع: أن يكون في بعض الأعمال الخارجة عن الصلاة]

التاسع: أن يكون في بعض الأعمال الخارجة عن الصلاة كالتحنك حال الصلاة و هذا لا يكون مبطلا (3)، إلا إذا رجع إلى الرياء في الصلاة متحنكاً (4).

[العاشر: أن يكون العمل خالصاً للّه لكن كان بحيث]

العاشر: أن يكون العمل خالصاً للّه لكن كان بحيث يعجبه أن يراه الناس حكم خصوصية المكان و الزمان بعينها.

الخشوع و الخضوع و البكاء و نحوها لما كانت من الأفعال الاختيارية المقارنة للفعل أمكن أن تكون بنفسها موضوعاً للرياء كما يمكن أن تكون قيداً لموضوعه، فعلى الأول تحرم هي و تفسد و لا تسري الحرمة إلى الصلاة و لا الفساد، و على الثاني تحرم الصلاة و تفسد لاتحاد العنوان المحرم معها، و على هذا الفرض كان إطلاق البطلان في المتن، و على الأول يكون من قبيل التاسع في الحكم لأنها منه، و أما التأني فالظاهر أنه من قبيل وصف الجماعة يكون الرياء في الصلاة معه لا فيه نفسه.

لأن العمل خال عن الرياء فلا وجه للبطلان إلا دعوى عموم العمل في النصوص لما يكون الرياء في بعض مقدماته، لكنها ضعيفة.

لعدم سريانه الى العمل، و قد عرفت ضعف دعوى عموم العمل المرائي فيه لما يكون الرياء في مقدمته فضلا عما كان في مقارنة.

كما عرفت في الوجه السابع.

 

25
مستمسک العروة الوثقى6

العاشر أن يكون العمل خالصا لله لكن كان بحيث ج‌6 ص 25

يعجبه أن يراه الناس، و الظاهر عدم بطلانه أيضاً (1) كما أن الخطور القلبي لا يضر (2) خصوصاً إذا كان بحيث يتأذى بهذا الخطور، و كذا لا يضر الرياء بترك الأضداد (3).

[ (مسألة 9): الرياء المتأخر لا يوجب البطلان]

(مسألة 9): الرياء المتأخر لا يوجب البطلان (4) بأن كان حين العمل قاصداً للخلوص ثمَّ بعد تمامه بدا له في ذكره أو عمل عملا يدل على أنه فعل كذا‌

ففي مصحح زرارة عن أبي جعفر (ع) «عن الرجل يعمل الشي‌ء من الخير فيراه إنسان فيسره ذلك، قال (ع): لا بأس ما من أحد إلا و هو يجب أن يظهر له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك» «1»‌

لعدم منافاته للإخلاص: أعني كون صدور الفعل عن قصد الامتثال محضاً.

ترك الأضداد قد يكون بنفسه موضوعاً للرياء و قد يكون قيداً لموضوعه كأن يرائي في الصلاة المتروك فيها الضد، فعلى الأول يصح العمل و على الثاني يبطل نظير ما سبق في الخشوع و التحنك، فإطلاق الصحة ليس كما ينبغي و إن حكي عن الإيضاح الإجماع عليها، و لعل المراد الصورة الأولى.

لعدم الدليل عليه بعد كون العمل صادراً على وجه العبادة، و الإجماع و النصوص إنما يدلان على حرمة العمل الصادر على وجه الرياء لا غير. نعم‌

في مرسل علي بن أسباط عن أبي جعفر (ع): «الإبقاء على العمل أشد من العمل، قال: و ما الإبقاء على العمل؟ قال (ع): يصل الرجل بصلة و ينفق نفقة للّه وحده لا شريك له فكتبت له سراً ثمَّ يذكرها فتمحى فتكتب له علانية ثمَّ يذكرها فتمحى فتكتب له رياء» «2»‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 15 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 2.

 

26
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 9 الرياء المتأخر لا يوجب البطلان ج‌6 ص 26

.....

لكنه ضعيف مهجور لا مجال للاعتماد عليه في ذلك، فليحمل على نحو من الإحباط كما تقدم في الوضوء.

تنبيه فيه أمران الأول: أن الرياء- على ما ذكره غير واحد من علماء الأخلاق- طلب المنزلة في قلوب الناس بإراءتهم خصال الخير، و عليه فلو كان المقصود من العبادة دفع الذم عن نفسه أو ضرر غير ذلك لم يكن رياء.

و يشهد له‌

خبر سفيان بن عيينة عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث: «الإبقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل و العمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا اللّه عز و جل» «1»‌

و‌

خبر السكوني: «قال أمير المؤمنين (ع): ثلاث علامات للمرائي ينشط إذا رأى الناس و يكسل إذا كان وحده و يحب أن يحمد في جميع أموره» «2».

و‌

خبر جراح المدائني عن أبي عبد اللّه (ع) في قول اللّه عز و جل: « (فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صٰالِحاً وَ لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) قال (ع): الرجل يعمل شيئاً من الثواب لا يطلب به وجه اللّه إنما يطلب تزكية الناس يشتهي أن يسمع به الناس فهذا الذي أشرك بعبادة ربه» «3».

و‌

في رواية العلاء المروية عن تفسير العياشي في تفسير الآية الشريفة المذكورة قال (ع): «من صلى أو صام أو أعتق أو حج يريد محمدة الناس فقد أشرك في عمله» «4».

و يشير إليه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 13 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 6. و الآية آخر سورة الكهف.

(4) مستدرك الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3‌

 

27
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 9 الرياء المتأخر لا يوجب البطلان ج‌6 ص 26

.....

ما‌

في مصحح زرارة و حمران السابق: من قوله (ع): «و أدخل فيه رضا أحد من الناس» «1».

و ما تضمن أمر المرائي يوم القيامة أن يأخذ أجره ممن عمل له «2». و ما تضمن الأمر بحفظ الإنسان نفسه من أن يكون في معرض الذم و الاغتياب «3» و ظهور إطباق الفقهاء على أن الإسرار في الصدقة المستحبة أفضل، إلا مع التهمة فالاعلان أفضل.

و من ذلك يظهر ضعف ما عن الشهيد في القواعد: «من أن الرياء يتحقق بقصد مدح المرائي أو الانتفاع به أو دفع ضرره. فان قلت: فما تقول في العبادة المشوبة بالتقية. قلت: أصل العبادة واقع على وجه الإخلاص و ما فعل منها تقية فإن له اعتبارين بالنظر إلى أصله و هو قربة، و بالنظر إلى ما طرأ من استدفاع الضرر و هو لازم لذلك فلا يقدح في اعتباره، أما لو فرض إحداثه صلاة مثلا تقية فإنها من باب الرياء».

الثاني: الرياء- كما ذكره غير واحد- إنما يكون في خصال الخير القائمة بالبدن تارة، و بالزي أخرى، و بالعمل ثالثة، و بالقول رابعة، و بالاتباع و الأمور الخارجة عن المرائي خامسة، و المستفاد من النصوص المتضمنة لحرمته أن موضوع الحرمة هو العمل الذي يري الناس أنه متقرب به إلى اللّه تعالى، فتكون المنزلة في نفوسهم المقصودة له بتوسط اعتقادهم أنه ذو منزلة عند اللّه تعالى، و عليه فلو عمل عملا من أحد الأنحاء الخمسة السابقة بقصد أن يكون له منزلة في قلوبهم بالعمل نفسه لا بعنوان كونه عبادة للّه تعالى لم يكن محرما، فلو عاشر السلطان بقصد أن يكون له منزلة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11. و قد تقدم في أول المسألة: 8.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 16.

(3) الوسائل باب: 19 من أبواب أحكام العشرة. و باب: 38 من أبواب الأمر بالمعروف‌

28
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 العجب المتأخر لا يكون مبطلا ج‌6 ص 29

[ (مسألة 10): العجب المتأخر لا يكون مبطلا]

(مسألة 10): العجب المتأخر لا يكون مبطلا (1) بخلاف المقارن فإنه مبطل على الأحوط، و إن كان الأقوى خلافه.

في قلوب الرعية لم يكن رياء محرما، و لو عاشر الفقراء بقصد أن يري الناس أنه يتقرب إلى اللّه تعالى بمعاشرتهم فتكون له منزلة في قلوب من يراه من الناس كان رياء محرماً، و هكذا الحال في بقية أمثلة الأنواع.

كما لعله ظاهر الأصحاب حيث أهملوا ذكره في المبطلات، و هو الذي يقتضيه الأصل بعد عدم الدليل على البطلان به. و ما في جملة من النصوص: من أنه من المهلكات «1»، و أنه مانع من صعود العمل إلى اللّه تعالى و مانع من قبوله «2»، لا يقتضي البطلان فإنه أعم، و كذا ما يظهر من كثير منها: من أنه محرم، فإنه لا ينطبق على العمل ليوجب امتناع التقرب به كما لا يخفى. نعم‌

في خبر علي بن سويد عن أبي الحسن (ع): «سألته عن العجب الذي يفسد العمل، فقال (ع): العجب درجات:

منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسناً فيعجبه و بحسب أنه يحسن صنعاً، و منها أن يؤمن العبد بربه فيمن على اللّه عز و جل و للّه عليه فيه المن» «3».

لكن الظاهر أن المراد من الفساد فيه عدم القبول، إذ الأول مجرد ارتكاب السيئات، و الثاني محله مما لا يقبل الصحة و الفساد. مضافا إلى‌

خبر يونس ابن عمار عن أبي عبد اللّه (ع): «قيل له و أنا حاضر: الرجل يكون في صلاته خالياً فيدخله العجب، فقال (ع): إذا كان أول صلاته بنية يريد بها ربه فلا يضره ما دخله بعد ذلك، فليمض في صلاته و ليخسأ الشيطان» «4».

و من ذلك تعرف حكم العجب المقارن و أنه غير مبطل،

______________________________
(1) الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 12 و 21.

(2) الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 9.

(3) الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3.

 

29
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 11 غير الرياء من الضمائم إما حرام أو مباح أو راجح ج‌6 ص 30

[ (مسألة 11): غير الرياء من الضمائم إما حرام أو مباح أو راجح]

(مسألة 11): غير الرياء من الضمائم إما حرام أو مباح أو راجح، فان كان حراما و كان متحداً مع العمل أو مع جزء منه بطل كالرياء (1)، و إن كان خارجا عن العمل مقارنا له لم يكن مبطلا (2)، و إن كان مباحا أو راجحا فان كان تبعا و كان داعي القربة مستقلا فلا إشكال في الصحة (3) و الاحتياط المذكور في إبطاله من أجل ما في الجواهر عن بعض مشايخه:

من القول بإبطاله. فلاحظ.

لما تقدم من أن الحرمة تمنع من التقرب بالعبادة.

هذا أيضاً تأتي فيه الصورة الآنية من صلاحية كل منهما للاستقلال في الداعوية، و عدمها في كل منهما، و صلاحية أحدهما لذلك و تبعية الآخر فيجري فيه ما يأتي من الصحة و الفساد، فكأن إطلاق عدم البطلان راجع الى حيثية الحرمة لا غير. و مع ذلك أيضاً يشكل بأنه إذا لوحظ غاية للفعل أيضاً يكون مبطلا على كل حال، و إن لوحظ تبعاً لأن الفعل المأتي به بقصد الغاية المحرمة حرام عقلا أو شرعا و عقلا فلا يصلح أن يكون مقربا و عبادة.

لكن عن العلامة في بعض كتبه- تبعاً لجماعة-: إطلاق البطلان في الضميمة المباحة، و عن فخر الدين و الشهيدين في البيان و القواعد و الروض و المحقق الثاني و صاحب الموجز و غيرهم: متابعتهم، بناء منهم على منافاة ذلك للإخلاص المعتبر في العبادة. اللهم إلا أن يحمل كلامهم على صورة استقلال كل من الأمر و الضميمة. و كيف كان، فالظاهر: الصحة إذ لا دليل على اعتبار الإخلاص بنحو ينافيه وجود الضميمة و لو تبعاً، أما الإجماع على اعتباره فموهون بمصير الأكثر- كما قيل- إلى الصحة مع الضميمة، بل إطلاقهم الصحة يقتضي عدم الفرق بين استقلال الأمر‌

 

30
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 11 غير الرياء من الضمائم إما حرام أو مباح أو راجح ج‌6 ص 30

و إن كان مستقلا و كان داعي القربة تبعا بطل (1) و كذا إذا كانا معا منضمين (2) محركا و داعيا على العمل و إن كانا مستقلين فالأقوى الصحة (3) و إن كان الأحوط الإعادة.

و عدمه، و أما النصوص فالظاهر من الإخلاص فيها ما يقابل الرياء، فلاحظ رواية سفيان بن عيينة المتقدمة في ذيل المسألة التاسعة.

و دعوى منافاة ذلك للتعبد المعتبر ممنوعة، إذ الظاهر بل المقطوع به من طريقة العقلاء الاكتفاء في صدق العبادة و استشعار مشاعر العبيد بكون أمر المولى صالحا للاستقلال في الداعوية لا غير، و لا يعتبر فيه خلو العبد عن الجهات النفسانية المرجحة لفعل المأمور به على تركه، كما أشرنا الى ذلك في شرائط الوضوء من هذا الشرح، فراجع.

لأن المعلوم من طريقة العقلاء: اعتبار صلاحية الأمر للاستقلال بنظر العبد في الباعثية إلى المأمور به في صدق العبادة، و عدم الاكتفاء بمجرد الاستناد إليه في الجملة، و مما ذكرنا يظهر: أن المراد البطلان بالإضافة الى الأمر التابع، أما بالإضافة إلى الضميمة الراجحة فالفعل صحيح و يكون عبادة و طاعة بالنسبة إلى أمرها، كما يظهر بأقل تأمل.

لما عرفت، فيبطل حينئذ مطلقاً حتى بالإضافة إلى الضميمة الراجحة.

قد عرفت آنفاً الإشارة إلى وجهه، و قد تقدم ذلك في الوضوء فراجع. هذا كله حكم الضميمة المقصودة في عرض قصد الامتثال، أما إذا كانت مقصودة في طوله بأن كانت مترتبة على الإتيان بالصلاة بقصد الامتثال فلا ينبغي التأمل في عدم قادحيتها في عبادية العبادة، مثل أن يطوف طواف النساء لتحل له النساء، أو يغتسل للجنابة ليجوز له الدخول في المسجد و قراءة العزائم و مس خط المصحف، أو نحو ذلك، أو يتوضأ للطهارة قبل الوقت لتجوز له الصلاة أول الوقت، أو ليتمكن من الصلاة جماعة أو نحو ذلك‌

 

31
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 12 إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بقصد الصلاة و غيرها ج‌6 ص 32

 [ (مسألة 12): إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بقصد الصلاة و غيرها]

(مسألة 12): إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بقصد الصلاة و غيرها (1) من الغايات المترتبة على الإتيان بالفعل المأتي به على وجه العبادة. و البناء على عدم صحة العبادة عند ملاحظة الغايات المذكورة ضعيف، إذ لا منافاة بين العبادية و ملاحظة الغايات المذكورة. و الرجوع الى طريقة المتشرعة و العقلاء كاف في إثبات الصحة.

قال في محكي الإيضاح: «أجمع الكل على أنه إذا قصد ببعض أفعال الصلاة غير الصلاة بطلت و الفائدة في المأموم و عدم اعتبار الكثرة لأن إجماع المتكلمين على ان المتعلقين- بالكسر- إذا اتحد متعلقهما- بالفتح- و تعلق أحدهما على عكس الآخر تضادا، فلذلك أجمع الفقهاء على أنه إذا نوى ببعض أفعال الصلاة غيرها بطلت». و قال في الجواهر: «ينبغي أن تعرف أن هذه المسألة غير مسألة الضميمة، و لذا لم يشر أحد من معتبري الأصحاب إلى اتحاد البحث فيهما، بل من حكم هناك بالصحة مع الضم التبعي أو كان كل منهما علة مستقلة أطلق البطلان في المقام، كما أنهم لم يفرقوا هنا بين الضميمة الراجحة و غيرها. و الظاهر أن وجه الفرق بين المسألتين بالفرق بين موضوعيهما، فان موضوع الضميمة الفعل الواحد الذي له غايات و أراد المكلف ضمها بنية واحدة، فالتحقيق فيها البطلان مع منافاة الإخلاص و الصحة مع العدم، لتبعية الضم أو لرجحان الضميمة أو غير ذلك. و موضوع ما نحن فيه قصد المكلف كون الفعل الواحد المشخص مصداقا لكليين متغايرين لا يمكن اجتماعهما في مصداق واحد عقلا أو شرعا فلو نواه حينئذ لكل منهما لم يقع لشي‌ء منهما شرعا- كما في كل فعل كذلك- لأصالة عدم التداخل في الأفعال عقلا و شرعا فلو نوى بالركعتين الفرض و النفل لم يقع لأحدهما».

أقول: العبارة الذكورة و إن كانت ظاهرة فيما ذكره (قدس سره)

32
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 12 إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بقصد الصلاة و غيرها ج‌6 ص 32

- كأن قصد بركوعه تعظيم الغير و الركوع الصلاتي (1)، أو بسلامه سلام التحية و سلام الصلاة- بطل (2) إن كان من لكن تعليل البطلان في محكي كلام بعضهم بعدم تمحض القربة. و في كلام آخر بعدم استمرار النية أو بحصول نية الخروج، و تمثيله بالتكبير بقصد الافهام قرينة على اتحاد موضوع المسألتين عندهم، فلاحظ المعتبر و الذكرى و جامع المقاصد و المدارك و كشف اللثام و غيرها. و يشير إليه أيضاً عدم تعرضهم في المقام لنية الضميمة، فلو لم يكن المراد من نية غير الصلاة ما يشملها لم يكن لإهمال حكمها وجه. و الاكتفاء بذكرهم لها في الوضوء لا يناسب تكرار التعرض للرياء في المقام. و كيف كان، فغير الصلاة المنوي مع الصلاة إن كان من قبيل الغاية المترتبة على الفعل الصلاتي كافهام الغير و تعليمه المقصودين بالكلام و الفعل فحكمه حكم الضميمة، بل هو منها فتجري فيه أحكام الصور المذكورة في المسألة المتقدمة، و كذا إذا كان من قبيل العنوان المتحد مع نفس الأفعال الصلاتية إذا لم يكن بينه و بين نفس الصلاة تناف في الانطباق و التصادق على موضوع واحد، و إن كان بينهما تناف كذلك بطل الجزء لأن صيرورته للصلاة ترجح بلا مرجح، و صيرورته لهما ممتنع حسب الفرض، فتبطل الصلاة حينئذ للزيادة إن كانت عمدية و إلا تداركه و أتم الصلاة.

هذا المثال و ما بعده من باب العنوانين غير المتصادقين، و كأن الوجه في دعوى عدم تصادقهما- مضافا إلى أنه مقتضى ارتكاز المتشرعة- أصالة عدم التداخل. فتأمل.

هكذا فيما يحضرني من النسخ، و الظاهر أن الصواب (أبطل) بدل (بطل) و ذلك للزيادة القادحة في مثل الركوع مطلقاً عمداً و سهواً، أما لو كانت في غيره مما لا تقدح زيادته سهواً اختص البطلان بصورة العمد.
 

33
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 12 إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بقصد الصلاة و غيرها ج‌6 ص 32

الأجزاء الواجبة قليلا كان أم كثيراً أمكن تداركه أم لا، و كذا في الأجزاء المستحبة (1) غير القرآن و الذكر (2) على الأحوط، و أما إذا قصد غير الصلاة محضاً فلا يكون مبطلا (3) إلا إذا كان مما لا يجوز فعله في الصلاة (4) أو كان كثيراً (5).

[ (مسألة 13): إذا رفع صوته بالذكر أو القراءة لإعلام الغير]

(مسألة 13): إذا رفع صوته بالذكر أو القراءة لإعلام الغير (6) لم يبطل إلا إذا كان قصد الجزئية تبعاً (7) قد عرفت أن الأجزاء المستحبة لا يقصد بفعلها الصلاة كي تصدق الزيادة عمدية أو سهوية.

القرآن و الذكر المأتي بهما بقصد الجزئية حالهما حال سائر الأجزاء المأتي بها كذلك في أن زيادتها عمداً مبطلة، لعموم ما دل على قدح الزيادة.

نعم- بناء على ما عرفت من أن الأجزاء المستحبة ليست أجزاء و لا يؤتى بها بقصد الجزئية و إنما يؤتى بها بقصد امتثال أمرها لا غير- لا يكون فعلها عمداً في غير محلها زيادة و لا مبطلا للصلاة. نعم يكون تشريعاً و لكنه غير مبطل.

لعدم المقتضي للبطلان، و المفروض عدم قصد الجزئية لتصدق الزيادة.

كالسلام على قول يأتي إن شاء اللّه تعالى.

فيكون من الفعل الكثير الماحي لصورة الصلاة فيكون مبطلا كما يأتي في مبحث القواطع.

هذا من مسائل الضميمة فيجري عليه حكمها السابق.

و حينئذ يبطل الجزء بفقد قصد امتثال الأمر الصلاتي فتبطل الصلاة للزيادة، فالمراد من قصد الجزئية تبعاً قصد امتثال أمر الصلاة تبعاً الذي قد عرفت أنه غير كاف في صدق التعبد. هذا، و قد يقال: فوات قصد‌

 

34
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 13 إذا رفع صوته بالذكر أو القراءة لإعلام الغير ج‌6 ص 34

و كان من الأذكار الواجبة (1)، و لو قال «اللّه أكبر» مثلا بقصد الذكر المطلق لإعلام الغير لم يبطل مثل سائر الأذكار التي يؤتى بها لا بقصد الجزئية (2).

[ (مسألة 14): وقت النية ابتداء الصلاة]

(مسألة 14): وقت النية ابتداء الصلاة، و هو حال تكبيرة الإحرام و أمره سهل بناء على الداعي، و على الاخطار الامتثال في رفع الصوت لا يقتضي فواته في أصل الذكر، فيكون أصل الذكر وقع جزءاً على نحو العبادة و الرفع غير واقع على ذلك النحو فلا يكون عبادة بل الرفع لما لم يؤخذ جزءاً للصلاة يمتنع التعبد به، و حينئذ إذا قصد في أصل الذكر الصلاة لأمرها، و بالرفع قصد الافهام محضاً صح الذكر جزءاً فصحت الصلاة. فإن قلت: الرفع و الذكر واحد في الخارج فكيف يختلفان قصداً. قلت: هما و إن كانا وجوداً واحداً لكنه ذو مراتب، فيجوز اختلاف مراتبه في الحكم و القصد.

و كذا المستحبة إذا جاء بها بقصد الجزئية بناء على ما يظهر منه (قدس سره) في المسألة السابقة و غيرها: من كون الأجزاء المستحبة مقصوداً بها الجزئية. نعم بناء على ما ذكرناه يكون التقييد بالواجب في محله.

كما تضمنه جملة من النصوص‌

كصحيح الحلبي: «عن الرجل يريد الحاجة و هو في الصلاة قال (ع): يومئ برأسه و يشير بيده و يسبح» «1»‌

و نحوه روايات عمار «2» و ابن جعفر (ع) «3» و أبي جرير «4».

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 9 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 6.

(4) الوسائل باب: 9 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 7.

 

35
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 وقت النية ابتداء الصلاة ج‌6 ص 35

اللازم اتصال آخر النية المخطرة بأول (1) التكبير و هو أيضاً سهل.

[ (مسألة 15): يجب استدامة النية إلى آخر الصلاة]

(مسألة 15): يجب استدامة النية إلى آخر الصلاة.

بمعنى عدم حصول الغفلة بالمرة بحيث يزول الداعي على وجه لو قيل له ما تفعل يبقى متحيراً (2) و أما مع بقاء الداعي في خزانة الخيال فلا تضر الغفلة و لا يلزم الاستحضار الفعلي (3).

[ (مسألة 16): لو نوى في أثناء الصلاة قطعها]

(مسألة 16): لو نوى في أثناء الصلاة قطعها (4) فعلا أو بعد ذلك أو نوى هذا على ظاهر التعبير متعذر أو متعسر جداً، و كأن المراد غير ظاهر كما يظهر من ملاحظة كلماتهم، و ذلك أن النية التفصيلية لما كانت غالباً تدريجية الوجود فالمراد المقارنة بين تمام وجودها و بين أول التكبير، و لو قيل بدله: حضور النية بتمامها أول التكبير. لسلم من الإشكال.

فإن وجود الداعي في النفس من الأمور الوجدانية التي لا تقبل الشك و التحير، فوجود التحير أمارة على عدم وجود الداعي، فيكون الفعل من قبيل فعل الغافل فلا يصح. نعم إذا كان منشأ التحير وجود المانع من توجه النفس الى ما في الخزانة، لم يكن التحير حينئذ دليلا على عدم وجود الداعي.

إذ الواجب في العبادة صدورها عن الداعي، و لا يعتبر الالتفات الى ذلك الداعي، كما سبق في أول المبحث.

إذا نوى في أثناء الصلاة قطعها ثمَّ رجع الى نيته الأولى قبل أن يفعل شيئاً من أفعالها ففي الشرائع: أنها لا تبطل، و عن مجمع البرهان و المفاتيح و ظاهر البيان: موافقته، و المحكي عن جماعة كثيرة- منهم الشيخ «رحمه اللّه» و العلامة و الشهيدان و المحقق الثاني في جملة من كتبهم و غيرهم:

 

36
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 لو نوى في أثناء الصلاة قطعها ج‌6 ص 36

.....

البطلان، قال في القواعد: «و لو نوى الخروج في الحال أو تردد فيه كالشاك بطلت صلاته».

و استدل لهم: بأن النية الأولى إذا زالت فاذا رجع الى النية بعد ذلك لم يكتف بها لفوات المقارنة لأول العمل. و فيه: أن المقارنة حاصلة، و إنما الإشكال في أن زوال النية و عودها كاف في حصول النية أولا، و الظاهر الكفاية، إذ الثابت من الإجماع على اعتبار وقوع الصلاة على وجه العبادة هو لزوم الإتيان بكل جزء من أجزائها عن إرادة ضمنية تحليلية تنحل إليها إرادة الجملة، المنبعثة تلك الإرادة عن داعي امتثال أمر الشارع، و هذا المعنى حاصل في المقام بعد الرجوع الى النية الأولى.

و بأن زوال النية الأولى يوجب خروج الأجزاء السابقة عن قابلية انضمام الأجزاء اللاحقة إليها. و فيه: أنه غير ظاهر.

و بالإجماع على اعتبار استدامة النية المنتفية بنية الخروج. و فيه: أن المراد من الاستدامة المعتبرة إجماعا صدور كل واحد من الأجزاء عن داعي امتثال الأمر الضمني كما تقدم، لا بالمعنى المقابل للزوال و العود.

و بأن ظاهر‌

قوله (ص): «و لا عمل إلا بنية» «1»‌

اعتبار وجود النية في جميع آنات العمل، نظير‌

قوله (ع): «لا صلاة إلا بطهور» «2»‌

فكما يقدح الحدث في أثناء الصلاة يقدح زوال النية كذلك. و فيه: منع كون ذلك هو الظاهر، و البناء على قدح الحدث في الأثناء ليس مستنداً إلى‌

قوله (ع): «لا صلاة إلا بطهور ..»‌

، بل إلى النصوص الخاصة الدالة على قدح الحدث في الأثناء، و لذا عد من القواطع في مقابل الشروط مع أن المستند في اعتبار النية ليس هو الحديث المذكور كما تقدم في نية الوضوء.

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 2 و 9.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الوضوء حديث: 1.

 

37
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 لو نوى في أثناء الصلاة قطعها ج‌6 ص 36

و بأن البناء على البطلان مقتضى قاعدة الاشتغال، التي يجب البناء عليها في مثل المقام مما يحتمل وجوبه عقلا لاحتمال دخله في الغرض و علم بعدم وجوبه شرعا لامتناع دخله في موضوع الأمر. و فيه: أن المحقق في محله الرجوع الى البراءة في مثل ذلك أيضاً.

و بأن المعلوم من النص و الفتوى و ارتكاز المتشرعة أن للصلاة هيئة اتصالية ينافيها قصد الخروج عن الصلاة. و فيه: منع المنافاة، لعدم الدليل عليها، و لا يساعدها ارتكاز المتشرعة كما لعله ظاهر.

و بأنه إذا رجع الى النية الأولى و أتم الصلاة كان من توزيع النية. و فيه:

أن التوزيع الممنوع عنه هو نية كل جزء على وجه الاستقلال لأعلى وجه الانضمام كما تقدم، و ليس منه ما نحن فيه. فاذاً القول بعدم البطلان بمجرد نية الخروج في محله.

و مثله: ما لو نوى قطعها بعد ذلك كأن نوى و هو في الركعة الأولى قطعها عند ما يكون في الثانية، بل الصحة هنا أولى، و لذا اختار في القواعد الصحة هنا لو رجع الى النية قبل البلوغ إلى الثانية مع بنائه على البطلان فيما سبق، و أولى منهما بالصحة ما لو تردد في القطع فعلا أو بعد ذلك و عدمه، فإن أكثر الوجوه المتقدمة للبطلان و إن كان موضوعها زوال النية الأولى الحاصل بمجرد التردد، و لكن بعضها يختص بنية الخروج و لا يشمل صورة التردد.

و مثله: ما لو نوى فعل القاطع أو المنافي فعلا أو بعد ذلك، لإمكان أن يكون ذلك غفلة عن مانعيته أو قاطعيته، فلا يستلزم نية الخروج بوجه، فلا موجب للبطلان. نعم، مع الالتفات الى مانعيته أو قاطعيته تكون نيته ملازمة لنية عدم الصلاة، لأن تنافي الشيئين مع الالتفات الى تنافيهما يوجب تنافي إرادتهما معاً عرضاً، لأن العلم بعدم القدرة مانع عن الإرادة، و من‌

38
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 لو نوى في أثناء الصلاة قطعها ج‌6 ص 36

القاطع و المنافي فعلا أو بعد ذلك فإن أتم مع ذلك بطل (1).

و كذا لو أتى ببعض الأجزاء بعنوان الجزئية ثمَّ عاد إلى النية الأولى (2). و أما لو عاد إلى النية الأولى هنا قال في محكي كشف اللثام: «إذا قصد فعل المنافي للصلاة، فإن كان متذكراً للمنافاة لم ينفك عن قصد الخروج، و إن لم يكن متذكراً لها لم تبطل إلا معه على الأقوى». و عليه، فاللازم البناء على البطلان، بناء على كون قدح نية الخروج في الصحة من جهة زوال النية كما يقتضيه أكثر الوجوه المتقدمة، فإطلاق الصحة- كما عن الأكثر- غير ظاهر بناء على قدح نية الخروج، كما أن إطلاق البطلان- كما عن الفخر و الشهيدين و العليين و ابن فهد و غيرهم- غير ظاهر مع عدم الالتفات إلى المانعية، و إن بني على البطلان بنية الخروج لما عرفت من عدم الملازمة.

ظاهر عبارة المتن و لا سيما بقرينة ما يأتي أن المراد الإتمام بعنوان الصلاة، و لأجل ما عرفت من تنافي نية الصلاة و نية الخروج يتعين أن يكون الوجه في إتمام الصلاة الذهول عن نية الخروج، و عن المبادي المقتضية لها، فيكون الإتمام بالنية الأولى، فيتحد الفرض مع الفرض الآتي و هو عود النية الأولى قبل أن يفعل شيئاً الذي أفتى فيه بالصحة و عدم البطلان. و لو كان المراد الإتمام لا بعنوان الصلاة بل بعنوان آخر اتجه بطلان الصلاة من جهة فعل السلام فإنه من المبطلات كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى. و لو أراد الإتمام لا بعنوان الصلاة و لا بعنوان آخر بل ذهولا و غفلة فالبطلان حينئذ غير ظاهر لعدم مبطلية السلام حينئذ. اللهم إلا أن يكون الإتمام فعلا كثيراً ماحياً لصورة الصلاة، لكن عرفت أن الظاهر إرادة الأول الذي قد عرفت الإشكال في فرضه.

و قد عرفت إشكال الفرض. نعم لا مانع منه فيما لو نوى القطع‌

 

39
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 لو نوى في أثناء الصلاة قطعها ج‌6 ص 36

قبل أن يأتي بشي‌ء لم يبطل (1) و إن كان الأحوط الإتمام و الإعادة و لو نوى القطع أو القاطع و أتى ببعض الأجزاء لا بعنوان الجزئية ثمَّ عاد إلى النية الأولى فالبطلان موقوف على كونه فعلا كثيراً، فان كان قليلا لم يبطل (2) خصوصاً إذا كان ذكراً أو قرآناً (3). و إن كان الأحوط الإتمام و الإعادة أيضاً.

أو القاطع بعد ذلك كما لو كان في الركعة الأولى فنوى القطع أو القاطع آخر الركعة الثانية فإن ذلك لا ينفك عن قصد فعل أجزاء الركعة الثانية بعنوان الجزئية، و المصحح للجمع بين القصدين المذكورين، أما الغفلة عن كون ركعات الصلاة ارتباطية فيقصد فعل ركعتين لا أكثر منها أو يعتقد ذلك تشريعاً منه، و في هذا الفرض لا مانع من صحة الصلاة إذا عدل عن نية القطع أو القاطع، إذ لا موجب للبطلان من زيادة، أو فعل كثير، أو غير ذلك. نعم لو كان فعل الركعة الثانية عن أمر تشريعي غير أمر الصلاة الارتباطي الضمني، بأن شرع في الأمر لا في نفي الارتباط- كما ذكرنا أولا- كان البناء على البطلان في محله للزيادة العمدية، و من ذلك تعرف أن إطلاق البطلان في الفرض الظاهر رجوعه الى جميع صور المسألة غير ظاهر.

كما عرفت في أول المسألة.

ربما يقال بالبطلان من جهة صدق الزيادة، كما يشهد به ما ورد في النهي عن قراءة سور العزائم في الفريضة «1»، معللا بأن السجود زيادة في المكتوبة. لكن التحقيق عدم صدق الزيادة إلا بالقصد إلى الجزئية، و الرواية الشريفة محمولة على التجوز في التطبيق، كما سيأتي إن شاء اللّه التعرض لذلك في أوائل الفصل الآتي.

لما دل على جواز إيقاعهما عمداً في الصلاة، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.
 

 (1) الوسائل باب: 40 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

40
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 17 لو قام لصلاة و نواها في قلبه فسبق لسانه ج‌6 ص 41

[ (مسألة 17): لو قام لصلاة و نواها في قلبه فسبق لسانه]

(مسألة 17): لو قام لصلاة و نواها في قلبه فسبق لسانه (1) أو خياله خطوراً إلى غيرها صحت على ما قام إليها و لا يضر سبق اللسان و لا الخطور الخيالي.

[ (مسألة 18): لو دخل في فريضة فأتمها بزعم أنها نافلة غفلة أو بالعكس صحت على ما افتتحت عليه]

(مسألة 18): لو دخل في فريضة فأتمها بزعم أنها نافلة غفلة أو بالعكس صحت على ما افتتحت عليه (2).

قد عرفت أن التلفظ لا دخل له في النية بوجه، فسبقه غير قادح إلا بلحاظ حكايته عن الخطور، و لأجل ما عرفت من أن النية التي بها قوام العمل هي الإرادة النفسية الارتكازية، فالمدار يكون عليها، و لا أثر للخطورات الزائدة التي لا أثر لها في الفعل.

لأن الإتمام كان ببعث النية الأولى لا غير، فغاية الأمر أنه أخطأ في تعيين المنوي، و ذلك مما لا دخل له في الإتمام، و ليس وجوده مستنداً اليه، و يشهد بذلك‌

مصحح عبد اللّه بن المغيرة: قال: في كتاب «حريز» أنه قال: «اني نسيت أني في صلاة فريضة حتى ركعت و أنا أنويها تطوعا قال: فقال (ع): هي التي قمت فيها إذا كنت قمت و أنت تنوي فريضة ثمَّ دخلك الشك فأنت في الفريضة، و ان كنت دخلت في نافلة فنويتها فريضة فأنت في النافلة، و ان كنت دخلت في فريضة ثمَّ ذكرت نافلة كانت عليك مضيت في الفريضة «1».

و‌

خبر معاوية: قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل قام في الصلاة المكتوبة فسها فظن أنها نافلة، أو قام في النافلة فظن أنها مكتوبة، قال (ع): هي على ما افتتح الصلاة عليه» «2».

و‌

خبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه (ع): «عن رجل قام في صلاة فريضة فصلى ركعة و هو ينوي أنها نافلة، قال عليه السلام: هي التي قمت فيها‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب النية حديث: 1‌

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب النية حديث: 2.

 

41
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 19 لو شك فيما في يده أنه عينها ظهرا أو عصرا ج‌6 ص 42

[ (مسألة 19): لو شك فيما في يده أنه عينها ظهراً أو عصراً]

(مسألة 19): لو شك فيما في يده أنه عينها ظهراً أو عصراً مثلا، قيل: بنى على التي قام إليها (1)، و هو مشكل (2)

و لها، و قال: إذا قمت و أنت تنوي الفريضة فدخلك الشك فأنت في الفريضة على الذي قمت له، و ان كنت دخلت فيها و أنت تنوي نافلة ثمَّ إنك تنويها بعد فريضة فأنت في النافلة، و إنما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أول صلاته» «1».

و استظهر في الجواهر شمول الأول و الآخر لصورة العمد، فيما لو نوى ببعض الأجزاء غير ما نوى عليه الجملة من الوجه أو الأداء أو القضاء تخيلا منه صحة ذلك، أو عبثاً، أو جهلا منه بوجوب ذلك الجزء أو ندبه. لكنه غير ظاهر، فان ذكر النسيان في الأول و دخول الشك في الجواب فيهما مانع من الشمول للعمد.

حكي ذلك عن البيان، و المسالك، و جامع المقاصد، و ظاهر كشف اللثام، و المدارك و غيرها. و استدل له بأنه مقتضى الظاهر، و بأصالة عدم العدول، و لخبر ابن أبي يعفور المتقدم «2».

إذ لا دليل على حجية الظاهر المذكور، و أصالة عدم العدول من الأصل المثبت، فان العدول ليس موضوعاً لحكم شرعي، و خبر ابن أبي يعفور ظاهر في المسألة السابقة، فإن القيام في الفريضة ظاهر في الشروع فيها بعنوان الفريضة لا القيام إليها، و يشهد له أيضاً‌

قوله (ع) بعد ذلك: «و إن كنت دخلت فيها و أنت تنوي ..».

و قوله (ع) في آخره:

«و إنما يحسب للعبد ..»‌

، و لأجل ذلك جزم في الشرائع في مبحث الخلل بالاستئناف، و حكي ذلك عن المبسوط. نعم استوضح في الجواهر في أول كلامه بطلان إطلاق وجوب الاستئناف في الفرض مع الوقوع في الوقت‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب النية حديث: 3.

(2) تقدم ذكره في التعليقة السابقة.

 

42
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 19 لو شك فيما في يده أنه عينها ظهرا أو عصرا ج‌6 ص 42

فالأحوط الإتمام و الإعادة. نعم لو رأى نفسه في صلاة معينة و شك في أنه من الأول نواها أو نوى غيرها بنى على أنه نواها و إن لم يكن مما قام إليه لأنه يرجع إلى الشك بعد تجاوز المحل (1).

المشترك، إذ له العدول من العصر إلى الظهر ثمَّ قال: «و دعوى اختصاص ذلك في المعلوم أنه العصر لا المشكوك فيه يدفعها وضوح أولوية المقام منه».

و مثله كلام غير واحد، و عليه بنى المصنف (رحمه اللّه) في أول مسائل ختام الخلل. و بالجملة: ينبغي أن يقال: «إذا علم أنه صلى الظهر قبل أن يشتغل بهذه الصلاة فعليه الإعادة لا غير، و إذا لم يعلم ذلك أو علم بعدم الإتيان بالظهر فعليه العدول إليها و الإتمام ثمَّ إعادة العصر».

كما ذكر في الجواهر في ذيل تنبيهات قاعدة الشك بعد التجاوز.

و يشكل: بأن صدق عنوان الشك بعد التجاوز يتوقف على أن يكون للمشكوك فيه محل موظف له، بحيث يكون تركه فيه تركا لما ينبغي أن يفعل، و ذلك غير حاصل مع الشك في النية. فإن من شرع في عمل صلاتي بقصد تعليم الغير أو عبثاً أو غفلة، لا يكون تركه لنية الصلاة مقارنة لأول العمل تركا لما ينبغي أن يفعل في ذلك المحل، و كذا من نوى صلاة الظهر لا يكون تركه لنية نافلتها تركا لما ينبغي أن يفعل. فإذا رأى نفسه في أثناء عمل بانياً على أنه صلاة، و شك في أنه كان بانياً على ذلك أول العمل أو بانياً على الإتيان به للتعليم لا يكون الشك شكاً في وجود شي‌ء ينبغي أن يوجد، و كذا إذا رأى نفسه في أثناء نافلة الظهر و شك في أنه نواها من الأول نافلة أو نواها ظهراً، لا يكون عدم نية النافلة تركا لما ينبغي أن يفعل، و السر في ذلك أن كون الشي‌ء مما ينبغي أن يفعل أولا كذلك تابع لعنوان العمل الذي قد فرض فيه المحل و التجاوز عنه، و تحقق العنوان تابع للنية، فالنية تكون من مقدمات جريان القاعدة، فلا تصلح القاعدة لإثباتها،

 

43
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 20 لا يجوز العدول من صلاة إلى أخرى إلا في موارد خاصة ج‌6 ص 44

[ (مسألة 20): لا يجوز العدول من صلاة إلى أخرى إلا في موارد خاصة]

(مسألة 20): لا يجوز العدول من صلاة إلى أخرى (1) إلا في موارد خاصة:

[أحدها: في الصلاتين المرتبتين]

أحدها: في الصلاتين المرتبتين كالظهرين و العشاءين إذا دخل في الثانية قبل الأولى عدل إليها بعد التذكر في الأثناء إذا لم يتجاوز محل العدول (2)، و أما إذا تجاوز كما إذا دخل في ركوع الرابعة من العشاء فتذكر ترك المغرب فإنه لا يجوز العدول لعدم بقاء محله، فيتمها عشاء ثمَّ يصلي المغرب و يعيد و كذلك الحال في قاعدة الفراغ. و يأتي في نية صلاة الجماعة ما هو نظير المقام.

لما عرفت من أن قوام العبادية المعتبرة في العبادات كون الإتيان بالفعل بداعي أمره، فإذا فرض أن الصلاة المعدول عنها غير الصلاة المعدول إليها فالأمر المتعلق بإحداهما غير الأمر المتعلق بالأخرى، فالإتيان بإحداهما بقصد امتثال أمرها لا يكون امتثالا لأمر الأخرى و لا تعبداً به، كما أن الإتيان ببعض إحداهما امتثالا للأمر الضمني القائم به لا يكون امتثالا للأمر الضمني القائم بالبعض المماثل له من الأخرى، و مجرد بناء المكلف على ذلك غير كاف في تحققه. نعم ثبت ذلك في بعض الموارد بدليل خاص، فيستكشف منه حصول الغرض من المعدول اليه بمجرد بناء المكلف عليه، فيسقط لذلك أمره و لا يجوز التعدي إلى غيره من الموارد.

و توهم أنه يمكن أن يستكشف من الدليل كفاية مثل ذلك في حصول التعبد، و حينئذ يتعدى الى غير مورده. مندفع بأن ذلك خلاف الإجماع على اعتبار النية مقارنة لأول الفعل العبادي. و الخلاف هنا لا يقدح في الإجماع المذكور، لكونه عن شبهة.

قد تقدم تفصيل الكلام في ذلك في المسألة الثالثة من فصل‌

 

44
مستمسک العروة الوثقى6

أحدها في الصلاتين المرتبتين ج‌6 ص 44

العشاء أيضاً احتياطاً، و أما إذا دخل في قيام الرابعة و لم يركع بعد فالظاهر بقاء محل العدول، فيهدم القيام و يتمها بنية المغرب.

[الثاني: إذا كان عليه صلاتان أو أزيد قضاء]

الثاني: إذا كان عليه صلاتان أو أزيد قضاء فشرع في اللاحقة قبل السابقة يعدل إليها مع عدم تجاوز محل العدول (1) كما إذا دخل في الظهر أو العصر فتذكر ترك الصبح القضائي السابق على الظهر و العصر، و أما إذا تجاوز أتم ما بيده على الأحوط و يأتي بالسابقة و يعيد اللاحقة كما مر في الأدائيتين.

و كذا لو دخل في العصر فذكر ترك الظهر السابقة فإنه يعدل.

[الثالث: إذا دخل في الحاضرة فذكر أن عليه قضاء]

الثالث: إذا دخل في الحاضرة فذكر أن عليه قضاء.

فإنه يجوز له أن يعدل إلى القضاء إذا لم يتجاوز محل العدول (2).

و العدول في هذه الصورة على وجه الجواز، بل الاستحباب (3) أوقات اليومية و نوافلها. فراجع.

تقدم الكلام فيه في المسألة العاشرة من فصل أحكام الأوقات.

بلا إشكال و لا خلاف،

لصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) في حديث: «.. و ان كنت قد صليت من المغرب ركعتين، ثمَّ ذكرت العصر فانوها العصر، ثمَّ قم فأتمها ركعتين، ثمَّ تسلم. ثمَّ تصلي المغرب‌

.. الى أن قال (ع):

فان كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت الفجر فصل العشاء الآخرة، و إن كنت ذكرتها و أنت في الركعة الأولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثمَّ قم فصل الغداة» «1».

هذا بناء على مختاره من المواسعة و عدم الترتيب بين الفائتة و الحاضرة و إلا فلو بني على أحدهما كان العدول واجباً، كما أن الاستحباب مبني على‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 63 من أبواب المواقيت حديث: 1.

 

45
مستمسک العروة الوثقى6

الثالث إذا دخل في الحاضرة فذكر أن عليه قضاء ج‌6 ص 45

بخلاف الصورتين الأولتين فإنه على وجه الوجوب (1).

[الرابع: العدول من الفريضة إلى النافلة يوم الجمعة لمن نسي قراءة الجمعة]

الرابع: العدول من الفريضة إلى النافلة يوم الجمعة لمن نسي قراءة الجمعة (2)، و قرأ سورة أخرى- من التوحيد أو غيرها- و بلغ النصف أو تجاوز، و أما إذا لم يبلغ النصف فله أن يعدل عن تلك السورة و لو كانت هي التوحيد إلى سورة الجمعة فيقطعها و يستأنف سورة الجمعة.

[الخامس: العدول من الفريضة إلى النافلة لإدراك الجماعة]

الخامس: العدول من الفريضة إلى النافلة لإدراك الجماعة (3)، إذا دخل فيها و أقيمت الجماعة و خاف السبق، بشرط عدم تجاوز محل العدول بأن دخل في ركوع الركعة الثالثة.

استحباب تقديم الفائتة، و لو بني على استحباب تقديم الحاضرة كان المستحب ترك العدول و إتمام الحاضرة. و تمام الكلام في المسألة في مبحث القضاء إن شاء اللّه تعالى.

لتحصيل الترتيب الواجب.

لخبر صباح بن صبيح: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): رجل أراد أن يصلي الجمعة فقرأ ب‍ (قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ) قال (ع): يتمها ركعتين ثمَّ يستأنف» «1».

و تمام الكلام في المسألة يأتي في مبحث القراءة.

ففي صحيح سليمان بن خالد: «عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلي إذا أذن المؤذن و أقام الصلاة، قال (ع): فليصل ركعتين، ثمَّ ليستأنف مع الامام و لتكن الركعتان تطوعاً» «2».

و نحوه موثق سماعة «3».

______________________________
(1) الوسائل باب: 72 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 56 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 56 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.

 

46
مستمسک العروة الوثقى6

السادس العدول من الجماعة إلى الانفراد لعذر أو مطلقا ج‌6 ص 47

[السادس: العدول من الجماعة إلى الانفراد لعذر أو مطلقاً]

السادس: العدول من الجماعة إلى الانفراد (1) لعذر أو مطلقاً كما هو الأقوى.

[السابع: العدول من إمام إلى إمام إذا عرض للأول عارض]

السابع: العدول من إمام إلى إمام إذا عرض للأول عارض.

[الثامن: العدول من القصر إلى التمام إذا قصد في الأثناء إقامة عشرة أيام]

الثامن: العدول من القصر إلى التمام إذا قصد في الأثناء إقامة عشرة أيام.

[التاسع: العدول من التمام إلى القصر إذا بدا له في الإقامة بعد ما قصدها]

التاسع: العدول من التمام إلى القصر إذا بدا له في الإقامة بعد ما قصدها.

[العاشر: العدول من القصر إلى التمام أو بالعكس في مواطن التخيير]

العاشر: العدول من القصر إلى التمام أو بالعكس في مواطن التخيير.

[ (مسألة 21): لا يجوز العدول من الفائتة إلى الحاضرة]

(مسألة 21): لا يجوز العدول من الفائتة إلى الحاضرة فلو دخل في فائتة ثمَّ ذكر في أثنائها حاضرة ضاق وقتها أبطلها و استأنف، و لا يجوز العدول على الأقوى.

[ (مسألة 22): لا يجوز العدول من النفل إلى الفرض]

(مسألة 22): لا يجوز العدول من النفل إلى الفرض، و لا من النفل إلى النفل حتى فيما كان منه كالفرائض في التوقيت و السبق و اللحوق.

[ (مسألة 23): إذا عدل في موضع لا يجوز العدول بطلتا]

(مسألة 23): إذا عدل في موضع لا يجوز العدول بطلتا (2)، هذا ليس من موارد العدول من صلاة إلى أخرى كما هو موضوع الكلام في هذه المسألة، و يأتي الكلام فيه في الجماعة إن شاء اللّه تعالى. و كذا الكلام في السابع، و أما بقية الموارد فيأتي الكلام فيها في صلاة المسافر، كما أن الوجه في المسألتين الآتيتين أصالة عدم جواز العدول لعدم الدليل عليه بالخصوص.

أما بطلان المعدول عنها فللعدول عنها الموجب لفوات نيتها،

 

47
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 23 إذا عدل في موضع لا يجوز العدول بطلتا ج‌6 ص 47

كما لو نوى بالظهر العصر و أتمها على نية العصر.

[ (مسألة 24): لو دخل في الظهر بتخيل عدم إتيانها فبان في الأثناء أنه قد فعلها لم يصح له العدول الى العصر]

(مسألة 24): لو دخل في الظهر بتخيل عدم إتيانها فبان في الأثناء أنه قد فعلها لم يصح له العدول الى العصر (1).

[ (مسألة 25): لو عدل بزعم تحقق موضع العدول]

(مسألة 25): لو عدل بزعم تحقق موضع العدول فبان الخلاف بعد الفراغ أو في الأثناء لا يبعد صحتها على النية الأولى، كما إذا عدل بالعصر إلى الظهر ثمَّ بان أنه صلاها فإنها تصح عصراً (2)، لكن الأحوط الإعادة.

[ (مسألة 26): لا بأس بترامي العدول]

(مسألة 26): لا بأس بترامي العدول (3) كما لو عدل في الفوائت الى سابقة فذكر سابقة عليها فإنه يعدل منها إليها و هكذا.

و أما بطلان المعدول إليها فلأن المفروض عدم جواز العدول. لكن يمكن أن يقال بالصحة مع رجوعه إلى نية المعدول عنها، إذ ليس فيه إلا فعل بعض أجزاء المعدول إليها في الأثناء، و هو غير قادح إذا كان سهواً.

لما عرفت من عدم الدليل على جواز العدول من السابقة إلى اللاحقة، و الأصل عدمه.

هذا غير ظاهر، لما عرفت من أن العدول عن العصر مفوت لنيتها فكيف تصح بلا نية.

كما عن الشهيدين في البيان و الروضة. لكن عرفت في مباحث الأوقات أن النصوص غير متعرضة للعدول في الفوائت من لاحقة الى سابقة فضلا عن ترامي العدول فيها، و إنما تعرضت النصوص للعدول من الحاضرة إلى الحاضرة أو الى الفائتة لا غير، فإذا بني على التعدي من ذلك الى العدول عن الفائتة إلى فائتة سابقة عليها أمكن البناء على الترامي المذكور‌

 

48
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 27 لا يجوز العدول بعد الفراغ إلا في الظهرين ج‌6 ص 49

[ (مسألة 27): لا يجوز العدول بعد الفراغ إلا في الظهرين]

(مسألة 27): لا يجوز العدول بعد الفراغ (1) إلا في الظهرين إذا أتى بنية العصر بتخيل أنه صلى الظهر فبان أنه لم يصلها، حيث أن مقتضى رواية صحيحة أنه يجعلها ظهراً، و قد مر سابقاً (2).

[ (مسألة 28): يكفي في العدول مجرد النية]

(مسألة 28): يكفي في العدول مجرد النية (3) من غير حاجة الى ما ذكر في ابتداء النية.

[ (مسألة 29): إذا شرع في السفر و كان في السفينة أو العربة مثلا فشرع في الصلاة بنية التمام]

(مسألة 29): إذا شرع في السفر و كان في السفينة أو العربة مثلا فشرع في الصلاة بنية التمام قبل الوصول الى حد الترخص فوصل في الأثناء إلى حد الترخص (4)، فان لم يدخل أيضاً، لكن المبنى لا يخلو من تأمل. اللهم إلا أن يستفاد مما دل على تبعية القضاء للأداء في الاحكام.

لأنه خارج عن مورد النصوص، و قد عرفت أن العدول خلاف الأصل في العبادات.

مر الكلام فيه أيضاً في مبحث المواقيت.

كما صرح به في الجواهر، و وجهه- بناء على ما سبق من كفاية الوجود الارتكازي في القربة و الإخلاص و غيرهما مما يعتبر في النية- ظاهر، لحصول جميع ذلك حين العدول، أما بناء على اعتبار الاخطار فينحصر وجهه بإطلاق دليل العدول.

لا إشكال في أن التمام حكم الحاضر و القصر حكم المسافر، و إنما الإشكال في أن من كان حاضراً و شرع في الصلاة ثمَّ صار مسافراً قبل أن يتم صلاته هل يكون مكلفاً بإكمال صلاته قصراً أم لا؟ و وجه الاشكال:

أن الحضور المأخوذ شرطاً في وجوب التمام إن كان المراد منه صرف الوجود‌

49
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 29 إذا شرع في السفر و كان في السفينة أو العربة مثلا فشرع في الصلاة بنية التمام ج‌6 ص 49

في ركوع الثالثة فالظاهر أنه يعدل الى القصر، و إن دخل في ركوع الثالثة فالأحوط الإتمام و الإعادة قصراً (1). و إن كان في السفر و دخل في الصلاة بنية القصر فوصل الى حد الترخص يعدل الى التمام.

و لو آناً كان اللازم البناء على أنه مكلف بالتمام و لو بعد الخروج عن حد الترخص لتحقق الحضور كذلك. و إن كان المراد الوجود المستمر الى أن يتم الامتثال امتنع أن يكون مكلفاً بالتمام من حين الشروع، لكون المفروض عدم استمرار الحضور كذلك، فلا بد أن يكون مكلفاً بالقصر من حين الشروع بالصلاة، مع أنه حينئذ حاضر و من الضروري أن الحاضر تكليفه التمام لا القصر.

أقول: إذا كان الحضور الى زمان حصول الامتثال هو الذي يكون شرطا في وجوب التمام، فاذا فرض انتفاؤه في المقام لخروجه عن حد الترخص في أثناء الصلاة فلا بد أن يكون تكليفه القصر، و لا ينافيه أن الحاضر حكمه التمام بالضرورة، إذ المراد من الحاضر فيه الحاضر الى تمام الامتثال، و هو غير حاصل في الفرض. و على هذا فلا مانع من قصد القصر في الفرض من حين الشروع، لعلمه بأنه يخرج عن حد الترخص في أثناء الصلاة، فلو جهل فاعتقد أنه يتم صلاته قبل الوصول الى حد الترخص فنوى التمام ثمَّ تبين له الخطأ فخرج عن حد الترخص قبل إكمال صلاته، فان كان القصر و التمام حقيقتين مختلفتين بطلت صلاته، و لا يمكن العدول الى القصر لأنه خلاف الأصل كما عرفت، و إن كانا حقيقة واحدة أمكن العدول، إذ لا خلل في امتثال الأمر بوجه لأن المقدار المأتي به من الصلاة وقع بقصد أمره الضمني فله إكمال صلاته قصراً من دون مانع.

بل الأقوى البطلان و الاستئناف قصراً، لإطلاق ما دل على وجوب‌

50
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 30 إذا دخل في الصلاة بقصد ما في الذمة فعلا و تخيل أنها الظهر مثلا ج‌6 ص 51

[ (مسألة 30): إذا دخل في الصلاة بقصد ما في الذمة فعلا و تخيل أنها الظهر مثلا]

(مسألة 30): إذا دخل في الصلاة بقصد ما في الذمة فعلا و تخيل أنها الظهر مثلا ثمَّ تبين أن ما في ذمته هي العصر أو بالعكس فالظاهر الصحة، لأن الاشتباه إنما هو في التطبيق.

[ (مسألة 31): إذا تخيل أنه أتى بركعتين من نافلة الليل مثلا فقصد الركعتين الثانيتين أو نحو ذلك فبان أنه لم يصل الأولتين صحت]

(مسألة 31): إذا تخيل أنه أتى بركعتين من نافلة الليل مثلا فقصد الركعتين الثانيتين أو نحو ذلك فبان أنه لم يصل الأولتين صحت و حسبت له الأولتان، و كذا في نوافل الظهرين و كذا إذا تبين بطلان الأولتين، و ليس هذا من باب العدول بل من جهة أنه لا يعتبر قصد كونهما أولتين أو ثانيتين (1)، فتحسب على ما هو الواقع نظير ركعات الصلاة، حيث أنه لو تخيل أن ما بيده من الركعة ثانية مثلا فبان أنها الاولى، أو العكس، أو نحو ذلك لا يضر و يحسب على ما هو الواقع.

[فصل في تكبيرة الإحرام]

فصل في تكبيرة الإحرام و تسمى تكبيرة الافتتاح (2) القصر على المسافر، فاذا وجب عليه القصر لم يصح ما فعله، لعدم إمكان العدول به اليه من جهة الزيادة.

هذا لا يجدي في الصحة إذا قصد على نحو التقييد، فإنه مدار البطلان في جميع موارد الخطأ في القصد، و لعل المراد الإشارة إلى أنه لم يقصد على نحو التقييد، بل من باب الخطأ في التطبيق، و قد تقدم في مباحث نية الوضوء ما له نفع في المقام فراجع، و اللّه سبحانه أعلم.

فصل في تكبيرة الإحرام كما في غير واحد من النصوص، كما سيأتي.

51
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 51

و هي أول الأجزاء الواجبة للصلاة (1) بناء على كون النية شرطا، و بها يحرم على المصلي المنافيات (2)، و ما لم يتمها يجوز له قطعها. و تركها عمداً و سهواً مبطل (3)، كما تقتضيه النصوص المتضمنة أن افتتاحها التكبير «1». لكن قد يشكل ذلك بالنسبة إلى القيام- بناء على أنه جزء لا شرط- فإنه حينئذ يكون مقارناً للتكبيرة كالنية، بناء على أنها جزء للصلاة لا شرط. إلا أن يقال: بناء على أن القيام جزء للصلاة إنما يجب في حال التكبير، فيكون التكبير مقدما رتبة عليه، و بهذه العناية صار أول الأجزاء. و في القواعد و الإرشاد: جعل أول أفعال الصلاة القيام، و كأنه لوجوب القيام آناً ما قبل الشروع في التكبير من باب المقدمة. فتأمل.

كما يقتضيه ما تضمن أن تحريمها التكبير، و ما تضمن أنها مفتاح الصلاة، و أن بها افتتاحها «2».

إجماعا، كما في الذكرى و عن غيرها. و في الجواهر: «إجماعا محصلا و منقولا مستفيضاً». نعم في مجمع البرهان بعد ما حكى عن المنتهى نسبته الى العلماء إلا نادراً من العامة- قال: «فكأنه إجماعي عندنا». و قد يشعر أنه محل توقف عنده، و هو غير ظاهر. و يشهد له جملة من النصوص‌

كصحيح زرارة: «سألت أبا جعفر (ع) عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح، قال (ع): يعيد الصلاة» «3»‌

، و‌

موثق عمار: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل سها خلف الامام فلم يفتتح الصلاة، قال (ع): يعيد، و لا صلاة بغير افتتاح» «4»‌

و نحوهما غيرهما.

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام. و باب: 1 من أبواب التسليم.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام. و باب: 1 من أبواب التسليم.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 7.

 

52
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 51

.....

نعم يعارضها‌

صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «سألته عن رجل نسي أن يكبر حتى دخل في الصلاة، فقال (ع): أ ليس كان من نيته أن يكبر؟ قلت: نعم. قال (ع): فليمض في صلاته» «1»‌

، و‌

موثق أبي بصير: «سألت أبا عبد اللّه (ع): عن رجل قام في الصلاة فنسي أن يكبر، فبدأ بالقراءة، فقال (ع): إن ذكرها و هو قائم قبل أن يركع فليكبر، و إن ركع فليمض في صلاته» «2»‌

، و‌

صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): «قلت له: الرجل ينسى أول تكبيرة من الافتتاح، فقال (ع): إن ذكرها قبل الركوع كبر ثمَّ قرأ ثمَّ ركع، و إن ذكرها في الصلاة كبرها في قيامه في موضع التكبير قبل القراءة و بعد القراءة. قلت:

فان ذكرها بعد الصلاة. قال (ع): فليقضها و لا شي‌ء عليه» «3».

هذا و لا يخفى أنه لا مجال للاعتماد على هذه النصوص في صرف النصوص السابقة إلى الاستحباب، و إن كان هو مقتضى الجمع العرفي لمخالفتها للإجماع المحقق المسقط لها عن الحجية. مضافا الى إمكان المناقشة في دلالة بعضها، كالصحيح الأول: لاحتمال أن يراد من التكبير فيه التكبير في آخر الإقامة.

كموثق عبيد: «عن رجل أقام الصلاة فنسي أن يكبر حتى افتتح الصلاة قال (ع): يعيد» «4»‌

، و كالصحيح الأخير لاحتمال أن يراد منه أول تكبيرة من تكبيرات الافتتاح السبع كما في الوسائل «5»، فتأمل.

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 9.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 10.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 8.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 3.

(5) يذكر ذلك تعليقا على صحيحة زرارة عن ابي جعفر. بعد ما ينقل عن الشيخ كلاماً و حمله على قضاء الصلاة فراجع‌

 

53
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 51

كما أن زيادتها أيضاً كذلك (1)، فلو كبر بقصد الافتتاح، و أتى بها على الوجه كما هو المشهور. بل في الحدائق نفي الخلاف فيه، لكن دليله غير ظاهر. و في مجمع البرهان: «ما رأيت ما يدل عليه». و الإجماع على كونها ركناً لا يستلزمه، إلا إذا فسر الركن بما تقدح زيادته عمداً و سهواً كنقيصته، لكنه غير ثابت و ان نسب الى المشهور، كيف؟! و ظاهر ما في الشرائع و القواعد و غيرهما في مبحث القيام و النية و التكبيرة و غيرها من قولهم:

«ركن تبطل بالإخلال به عمداً و سهواً» مقتصرين عليه: أن ليس معنى الركن الا ما تبطل الصلاة بتركه عمداً و سهواً لا غير كما هو معناه لغة و عرفا.

بل قد لا تتصور الزيادة عمداً فيها- بناء على المشهور من بطلان الصلاة بنية الخروج- فان قصد الافتتاح بها مستلزم لنية الخروج عما مضى من الصلاة، فتبطل الصلاة في رتبة سابقة على فعلها. اللهم الا أن يبنى على عدم الاستلزام المذكور، أو على أن المبطل نية الخروج بالمرة لا في مثل ما نحن فيه. فتأمل.

و مثله في الاشكال الاستدلال له بعموم ما دل على قدح الزيادة في الصلاة «1»، و لعله اليه يرجع ما عن المبسوط من تعليل قدح الثانية بأنها غير مطابقة للصلاة، إذ فيه- مع أنه لا يختص ذلك بتكبيرة الافتتاح بل يجري في عامة الأقوال و الأفعال المزيدة-: أن العموم المذكور محكوم‌

بحديث: «لا تعاد الصلاة الا من خمسة» «2»‌

فان الظاهر عمومه للزيادة، فيختص العموم الأول بالزيادة العمدية لا غير.

و أشكل من ذلك ما في التذكرة و نهاية الأحكام من تعليل قدح الثانية‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 19 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

 

54
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 51

بأنها فعل منهي عنه فيكون باطلا و مبطلا للصلاة، فإنه ممنوع صغرى و كبرى و لعله راجع إلى ما قبله- كما احتمله في كشف اللثام- فيتوجه عليه حينئذ ما سبق. و أغرب من ذلك ما ذكره بعض مشايخنا (ره): من أن فعل التكبيرة الثانية بقصد الافتتاح و رفع اليد عن الأولى مانع من بقاء الهيئة الاتصالية المعتبرة في الصلاة بين التكبيرة الأولى و ما بعدها بنظر العرف- إذ فيه- مع وضوح منعه-: أنه لا يظن الالتزام به في سائر موارد تكرار الأجزاء الصلاتية من الأقوال و الأفعال، و لا سيما إذا صدر ذلك غفلة عن فعله أولا.

و كذا ما في الجواهر: من ابتناء ذلك على القول بإجمال العبادة، و أنها اسم للصحيح. إذ فيه: أنه يتم لو أريد الرجوع في الصحة إلى إطلاق الأمر بالصلاة لكن يكفي فيها أصل البراءة عن المانعية. مع أنه لو بني على قاعدة الاشتغال عند الشك في الشرطية و المانعية فلا مجال لذلك بعد ورود مثل‌حديث: «لا تعاد الصلاة»‌،

بناء على ما عرفت من عمومه للزيادة أيضاً.

و مثله أيضاً ما عن شيخنا الأعظم (ره) من تعليل القدح في العمد:

بأنها زيادة واقعة على جهة التشريع، فتبطل الصلاة بها مع العمد اتفاقا. إذ فيه: أن التشريع في نفسه غير قادح، و الاتفاق المدعى على قدحه مستنده عموم ما دل على قدح الزيادة في الصلاة، فيكون هو المعتمد لا غير. مع أن فعله بعنوان تبديل الامتثال- كما ورد في بعض الموارد- لا ينطبق عليه عنوان التشريع، الذي هو الفعل بقصد امتثال أمر تشريعي لا شرعي. فلم يبق دليل على الحكم المذكور على إطلاقه إلا دعوى ظهور الاتفاق عليه، الذي قد تأمل فيه غير واحد من محققي المتأخرين، و في الاعتماد عليه حينئذ إشكال. نعم لا مجال للتأمل فيه في العمد للزيادة المبطلة نصاً و فتوى.

55
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 51

الصحيح ثمَّ كبر بهذا القصد ثانياً (1) بطلت (2) و احتاج الى ثالثة، فإن أبطلها بزيادة رابعة احتاج الى خامسة. و هكذا تبطل بالشفع و تصح بالوتر. و لو كان في أثناء صلاة فنسي و كبر لصلاة أخرى، فالأحوط إتمام الأولى و إعادتها (3).

اعتبار نية الافتتاح بالثانية في حصول البطلان مبني على أن الوجه فيه زيادة الركن، لأن الركن من التكبير مختص بتكبير الافتتاح كما صرح بذلك في الجواهر. و لو كان الوجه في البطلان نفس الزيادة أو التشريع كفى في البطلان قصد الجزئية، أو حصول التشريع و ان لم يقصد به الافتتاح.لعدم مشروعيتها، بل مع العمد تكون منهياً عنها لحرمة الابطال.

نعم بناء على بطلان الصلاة بنية الخروج الملازمة لنية الافتتاح بالثانية تصح و يكتفى بها، كما أشار إلى ذلك في الجواهر.

وجه توقفه احتمال صدق الزيادة في المقام، فيدخل في معقد الإجماع على البطلان بزيادة الركن و لو سهواً. و قد يشير اليه ما في بعض النصوص النهاية عن قراءة العزيمة في الفريضة، معللا بأن السجود زيادة.

و فيه: أنه لا ينبغي التأمل في عدم صدق الزيادة مع عدم قصد الجزئية للصلاة التي هو فيها، فلا يدخل في معقد الإجماع السابق لو تمَّ وجوب العمل به، لا أقل من الشك في شموله لذلك، فيرجع فيه الى أصالة البراءة من المانعية و أما التعليل بأن السجود زيادة في المكتوبة، فبعد البناء على عدم صدق الزيادة حقيقة عليه، يدور الأمر بين حمل الزيادة في الكبرى المتصيدة منه على ما يشمل الزيادة الصورية فيكون التجوز في الكبرى، و بين التصرف في تطبيق الزيادة الحقيقية على الزيادة الصورية، فيكون التصرف في الصغرى، و إذ أن أصالة الحقيقة في التطبيق لا أصل لها للعلم بالمراد، فأصالة الحقيقة في الكبرى بلا معارض.

56
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 51

و صورتها: «اللّه أكبر» من غير تغيير و لا تبديل (1)، و نظير المقام أن يقال: احذر زيداً فإنه أسد، فإنه لا يصح أن يتصيد منه كبرى وجوب الحذر عن مطلق الشجاع و لو كان عمراً أو خالداً أو غيرهما من أفراد الشجاع، بل يحكم بأن الكبرى وجوب الحذر عن الحيوان المفترس، و يقتصر في التنزيل منزلته على زيد لا غيره. مع أنه لو بني على التصرف في الكبرى و استفادة قدح الزيادة الصورية فمقتضى‌

حديث: «لا تعاد الصلاة»‌

تخصيصه بالعمد- كما هو مورده- لأن سجود العزيمة عمدي، فلا يشمل السهو. و قد عرفت أن الإجماع على قدح زيادة التكبير و لو سهواً لو تمَّ لا يشمل الزيادة الصورية، فالبناء على صحة الصلاة في الفرض أقرب الى صناعة الاستدلال، فلاحظ.

هو قول علمائنا- كما في المعتبر- و عليه علماؤنا كما في المنتهى- لأنه المتعارف، و‌

لمرسل الفقيه: «كان رسول اللّه (ص) أتم الناس صلاة و أوجزهم، كان إذا دخل في صلاته قال: الله أكبر بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ» «1»‌

بضميمة‌

قوله (ص): «صلوا كما رأيتموني أصلي» «2»‌

، و ما‌

في خبر المجالس: «و أما قوله: و اللّه أكبر .. الى أن قال: لا تفتح الصلاة إلا بها» «3».

و الجميع كما ترى، إذ التعارف لا يصلح مقيداً للإطلاق لو كان، و لا دليلا على المنع من زيادة شي‌ء، مثل تعريف «أكبر»- كما عن الإسكافي- أو تقديمه على لفظ الجلالة- كما عن بعض الشافعية- أو الفصل بينهما بمثل «سبحانه» أو «عز و جل» أو نحو ذلك، أو تبديل إحدى الكلمتين أو كلتيهما‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 11.

(2) كنز العمال ج: 4 صفحة: 62 حديث: 1196.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 12.

 

57
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 51

و لا يجزئ مرادفها، و لا ترجمتها بالعجمية أو غيرها، و الأحوط عدم وصلها بما سبقها من الدعاء (1)، بمرادفهما من اللغة العربية. و كذلك الكلام في المرسل، بل لعله ظاهر في جواز ذلك، غاية الأمر أنه لا يكون من الموجز، و لأجل ذلك لا يصلح دليل التأسي للتقييد بالموجز لو صلح في نفسه للتقيد. مع أن الاشكال فيه مشهور ظاهر، لأن المشار إليه لا بد أن يكون فرداً خارجياً من الصلاة، و من المعلوم أن الخصوصيات المحددة له لا تكون كلها دخيلة في الصلاة، و إرادة بعض منها بعينه لا قرينة عليه من الكلام، فلا بد أن يكون مقروناً بما يدل على تعيين بعض تلك الحدود، و هو غير متحصل لدينا فيكون مجملا. و خبر المجالس قد اشتمل على ذكر حرف العطف، فهو على خلاف المدعى أدل.

فالعمدة حينئذ في ذلك الإجماع، الذي به يقيد الإطلاق لو كان، و يرفع اليد عن أصالة البراءة من الشرطية أو المانعية، و أصالة الاحتياط لو شك في جواز تبديل إحدى الكلمتين بمرادفها من اللغة العربية أو غيرها، بناء على المشهور من أن المرجع في الدوران بين التعيين و التخيير هو الاحتياط.

قال في الذكرى: «لو وصل همزة (اللّه) فالأقرب البطلان، لأن التكبير الوارد من صاحب الشرع إنما كان بقطع الهمزة، و لا يلزم من كونها همزة وصل سقوطها، إذ سقوط همزة الوصل من خواص الدرج بكلام متصل، و لا كلام قبل تكبيرة الإحرام، فلو تكلفه فقد تكلف ما لا يحتاج اليه، فلا يخرج اللفظ عن أصله المعهود شرعاً». و نحوه ما عن جامع المقاصد و كشف الالتباس و الروض و المقاصد العلية و غيرها. و فيه- كما في الجواهر-: «إذ دعوى أن النبي (ص) لم يأت بها إلا مقطوعة عن الكلام السابق لا شاهد لها». مضافاً إلى ما عن المدارك: من أن المقتضي للسقوط كونها في الدرج سواء كان ذلك الكلام معتبراً عند الشارع أم لا .. انتهى.

58
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 51

أو لفظ النية، و إن كان الأقوى جوازه، و يحذف الهمزة من «اللّه» حينئذ، كما أن الأقوى جواز وصلها بما بعدها (1) من الاستعاذة، أو البسملة، أو غيرهما، و يجب حينئذ إعراب راء «أكبر» (2)، لكن الأحوط عدم الوصل.

و يجب إخراج حروفها من مخارجها (3)، مع أنه لو سلم اختصاصه بالكلام المعتبر عند الشارع جاء الكلام في وصلها بتهليل الإقامة أو بعض الأدعية الواردة بالخصوص، و من هنا اختار المصنف (ره)- تبعاً لبعض- جواز الوصل بما قبلها لأصالة البراءة من قادحية الوصل، فيترتب عليه سقوط الهمزة جرياً على قانون اللغة العربية، بناء على ما هو الصحيح المشهور بين النحويين من كونها همزة وصل لا قطع كما عن جماعة منهم. اللهم إلا أن يقال: التردد في المقام بين التعيين و التخيير و المرجع فيه الاحتياط، و الإطلاق الرافع للشك المذكور غير ثابت. فتأمل.

لعدم الدليل على قادحيته، فلا ترفع اليد عن أصالة البراءة منها، أو أصالة الإطلاق لو كان، خلافاً لما في القواعد و عن غيرها من البطلان بذلك، اقتصاراً على المتيقن من فعله (ص)، أو دعوى انصراف الإطلاق عنه. إذ لا يخفى توجه الاشكال عليه. نعم عرفت أنه لم يتحصل لنا إطلاق يرجع اليه، و المقام من قبيل الدوران بين التعيين و التخيير، و المرجع فيه قاعدة الاحتياط. نعم بناء على جواز الوصل مع السكون يكون المقام من باب الأقل و الأكثر.

لعدم جواز الوصل مع السكون، و سيأتي الكلام فيه في مباحث القراءة.

كي لا يلزم التغيير الممنوع عنه إجماعاً.

59
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 51

و الموالاة بينها و بين الكلمتين (1).

[ (مسألة 1): لو قال: «اللّه تعالى أكبر» لم يصح]

(مسألة 1): لو قال: «اللّه تعالى أكبر» لم يصح (2) و لو قال: «اللّه أكبر من أن يوصف» أو «من كل شي‌ء» فالأحوط الإتمام و الإعادة، و إن كان الأقوى الصحة إذا لم يكن بقصد التشريع (3).

[ (مسألة 2): لو قال: «اللّه أكبار» بإشباع فتحة الباء حتى تولد الألف بطل]

(مسألة 2): لو قال: «اللّه أكبار» بإشباع فتحة الباء حتى تولد الألف بطل (4) كما أنه لو شدّد راء «أكبر» بطل أيضاً.

كما عن النهاية و التذكرة و الموجز و غيرها التصريح به، محافظة على الهيئة الكلامية التي يفوت الكلام بفواتها.

لما عرفت من الإجماع على أن صورتها «اللّه أكبر» المخالفة لصورة ما في المتن، و ليس كذلك إضافة «من أن يوصف» أو «من كل شي‌ء» فإنه لا ينافي صورة التكبير، و إنما هو محض زيادة عليها، فلا إجماع على بطلانه، و إن صرح به جماعة فان دليلهم عليه غير ظاهر. و لذلك قوى في المتن الصحة. لكن عليه يكون الأقوى وجوب الإتمام، و الأحوط الإعادة، لكن عبارة المتن لا تساعد عليه.

قد تقدم أن التشريع من حيث هو ليس من المبطلات للعبادة، صلاة كانت أم غيرها، ما لم يلزم منه خلل فيها، من زيادة ممنوع عنها، أو فوات قصد الامتثال، أو نحو ذلك. فالاستثناء ليس على إطلاقه.

كما عن المبسوط، و السرائر، و الجامع، و الشرائع، و الدروس، و تعليق النافع، و الروض، و المسالك، و المدارك، و غيرها. لأنه تغيير للصورة و خروج عن قانون اللغة. و في المعتبر، و المنتهى، و عن نهاية الأحكام‌

60
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 الأحوط تفخيم اللام من الله ج‌6 ص 61

[ (مسألة 3): الأحوط تفخيم اللام من «اللّه»]

(مسألة 3): الأحوط تفخيم اللام من «اللّه»، و الراء من «أكبر»، و لكن الأقوى الصحة مع تركه أيضاً (1).

[ (مسألة 4): يجب فيها القيام]

(مسألة 4): يجب فيها القيام (2) و التذكرة، و السرائر: تخصيص البطلان بصورة قصد الجمع أعني جمع «كبر» و هو الطبل، فلو قصد الافراد صح. و في القواعد: «و يستحب ترك المد في لفظ الجلالة و أكبر»، و نحوه عبارة الشرائع، و ما عن النافع، و المعتبر، و الإرشاد. و الظاهر بل المقطوع به إرادة صورة قصد الافراد.

و علل الجواز في المنتهى: بأنه قد ورد الإشباع في الحركات الى حيث ينتهي إلى الحروف في لغة العرب، و لم يخرج بذلك عن الوضع، و فسره في كشف اللثام- بعد نقله يعني ورد الإشباع كذلك- في الضرورات و نحوها من المسجعات، و ما يراعى فيه المناسبات، فلا يكون لحناً و إن كان في السعة.

و في الحدائق: «ان الإشباع بحيث يحصل به الحرف شائع في لغة العرب».

أقول: إن تمَّ ذلك- كما يشهد به سيرة المؤذنين- كان القول بالصحة في محله، و لو شك فالمرجع قاعدة الاحتياط للدوران بين التعيين و التخيير، لا لكون الشك في المحصل، لأنه إنما يقتضي الاحتياط مع وضوح المفهوم لا مع إجماله، و المقام من الثاني.

لأن الظاهر كونه من محسنات القراءة، لا من شرائط الصحة.

كما صرح به جماعة كثيرة. بل عن إرشاد الجعفرية، و المدارك:

الإجماع عليه. و يشهد له- مضافاً إلى ما دل على وجوب القيام في الصلاة الظاهر في وجوبه في التكبير كوجوبه في القراءة، لأنهما جميعاً من الصلاة‌

صحيح أبي حمزة عن أبي جعفر (ع): «الصحيح يصلي قائماً» «1»‌

، و‌

صحيح زرارة: قال أبو جعفر (ع)- في حديث-: «ثمَّ استقبل القبلة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 1.

 

61
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 4 يجب فيها القيام ج‌6 ص 61

و الاستقرار (1)، فلو ترك أحدهما بطل، عمداً كان أو سهواً.

[ (مسألة 5): يعتبر في صدق التلفظ بها]

(مسألة 5): يعتبر في صدق التلفظ بها بل و بغيرها‌

بوجهك، و لا تقلب وجهك عن القبلة‌

.. إلى أن قال:

و قم منتصباً، فان رسول اللّه (ص) قال: من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له» «1»‌

و‌

موثق عمار- في حديث-: قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل‌

.. الى أن قال (ع):

و كذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتى افتتح الصلاة و هو قاعد، فعليه أن يقطع صلاته، و يقوم فيفتتح الصلاة و هو قائم، و لا يعتد بافتتاحه و هو قاعد» «2»‌

و عن المبسوط و الخلاف:

«إذا كبّر المأموم تكبيرة واحدة للافتتاح و الركوع، و أتى ببعض التكبير منحنياً صحت صلاته»، مستدلا عليه: «بأن الأصحاب حكموا بصحة هذا التكبير، و انعقاد الصلاة به، و لم يفصلوا بين أن يكبر قائماً أو يأتي به منحنياً، فمن ادعى البطلان احتاج إلى دليل». و فيه- مضافا إلى ضعف دليله- مخالفته لما سبق، و‌

لصحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه (ع): «في الرجل إذا أدرك الامام و هو راكع، و كبر الرجل و هو مقيم صلبه، ثمَّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة» «3»‌

فتأمل.

للإجماع على اعتباره في القيام كما عن غير واحد، و في الجواهر:

«الإجماع متحقق على اعتباره فيه»، و يشهد له ما‌

في خبر سليمان بن صالح: «و ليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة، فإنه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة» «4»‌

بناء على أن المراد من التمكن الاستقرار و الطمأنينة كما هو الظاهر‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب القيام حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 45 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 13 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 12.

 

62
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 5 يعتبر في صدق التلفظ بها ج‌6 ص 62

من الأذكار و الأدعية و القرآن أن يكون بحيث يسمع نفسه (1) تحقيقاً أو تقديراً، فلو تكلم بدون ذلك لم يصح.

لكنه معارض بما دل على جواز الإقامة ماشياً «1»، و بعد حمله على الاستحباب لا مجال للبناء على الوجوب في الصلاة. و رواية السكوني فيمن يريد أن يتقدم الى و هو في الصلاة‌

قال (ع): «يكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدم الى الموضع الذي يريد ثمَّ يقرأ» «2»‌

و فيه: انه لا يشمل ما نحن فيه.

و ما قد يدعى من دخوله في مفهوم القيام الواجب نصاً و فتوى، و لذا لم يتعرض الأكثر لوجوبه في المقام مع ما عرفت من إجماعهم عليه. فيه:

أنه ممنوع، و عدم التعرض له أعم من ذلك. فالعمدة إذاً في دليله الإجماع، و القدر المتيقن منه صورة العمد. فدعوى ركنيته- كما عن الشهيد و تبعه عليه المصنف (ره) و جماعة، فتبطل الصلاة بتركه عمداً و سهواً- غير ظاهرة نعم لا بأس بدعوى ذلك في القيام، لما عرفت من موثق عمار فيخصص به‌

حديث: «لا تعاد الصلاة».

المعروف بين الأصحاب أن أقل الجهر أن يسمع القريب منه، تحقيقاً أو تقديراً، و حد الإخفات أن يسمع نفسه كذلك، قال في المعتبر:

«و أقل الجهر أن يسمع غيره القريب، و الإخفات أن يسمع نفسه أو بحيث يسمع لو كان سميعاً، و هو إجماع العلماء». و قال في المنتهى: «أقل الجهر الواجب أن يسمع غيره القريب، أو يكون بحيث يسمع لو كان سامعاً، بلا خلاف بين العلماء. و الإخفات أن يسمع نفسه، أو بحيث يسمع لو كان سامعاً و هو وفاق». و قال الشيخ (ره) في محكي تبيانه: «حد أصحابنا الجهر فيما يجب الجهر فيه بأن يسمع غيره، و المخافتة بأن يسمع نفسه». و علله‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 9.

(2) الوسائل باب: 34 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

 

63
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 5 يعتبر في صدق التلفظ بها ج‌6 ص 62

في المعتبر و المنتهى: بأن ما لا يسمع لا يعد كلاما و لا قراءة، و لا يخلو من تأمل.

نعم يشهد له‌

مصحح زرارة عن أبي جعفر (ع): «لا يكتب من القراءة و الدعاء إلا ما أسمع نفسه» «1»‌

، و‌

موثق سماعة: «سألته عن قول اللّه عز و جل (وَ لٰا تَجْهَرْ بِصَلٰاتِكَ وَ لٰا تُخٰافِتْ بِهٰا) «2» قال (ع):

المخافتة ما دون سمعك، و الجهر أن ترفع صوتك شديداً» «3»‌

، و نحوه ما عن تفسير القمي عن أبيه عن الصباح عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه (ع) «4»، و‌

صحيح الحلبي عنه (ع): «سألته هل يقرأ الرجل في صلاته و ثوبه على فيه؟ قال (ع): لا بأس بذلك إذا أسمع أذنيه الهمهمة» «5»‌

، بناء على أن الهمهمة الصوت الخفي كما عن القاموس.

لكن عن نهاية ابن الأثير: انها كلام خفي لا يفهم. و حينئذ ينافي ما سبق إلا من جهة أن مورده من كان ثوبه على فمه المانع من سماع صوته، أو المراد أنه لا يفهمه الغير.

و أما‌

صحيح ابن جعفر (ع): «عن الرجل هل يصلح له أن يقرأ في صلاته، و يحرك لسانه في لهواته من غير أن يسمع نفسه؟ قال (ع):

لا بأس أن لا يحرك لسانه يتوهم توهما» «6»‌

فلا مجال للعمل به، للإجماع بل الضرورة على اعتبار حركة اللسان التي هي قوام النطق، فلا بد من‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 33 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الإسراء: 110.

(3) الوسائل باب: 33 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 33 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.

(5) الوسائل باب: 33 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

(6) الوسائل باب: 33 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5‌

 

64
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 6 من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلم و لا يجوز له الدخول ج‌6 ص 65

[ (مسألة 6): من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلم و لا يجوز له الدخول]

(مسألة 6): من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلم (1) و لا يجوز له الدخول (2) طرحه، أو حمله على القراءة خلف من لا يقتدي به، كما في غير واحد من النصوص «1». هذا و قد يستشكل في عموم الحكم المذكور للمقام، لأن النصوص- عدا موثق سماعة- غير شامل للتكبير، و الموثق وارد في تفسير الآية المنصرفة إلى القراءة، فلم يبق حجة فيه إلا ما سبق عن المعتبر و المنتهى الذي قد عرفت أنه محل نظر. و فيه أنه لو سلم عدم إمكان التعدي من مورد النصوص إلى المقام كفى موثق سماعة. و دعوى انصراف الآية ممنوعة، فالعمل بما في المنن متعين. و يأتي إن شاء اللّه في مبحث الجهر بالقراءة ما له نفع في المقام.

إجماعا ظاهراً، و في الجواهر نفي الخلاف فيه. و المراد منه إن كان تمرين اللسان على النطق بها صحيحة- كما يظهر من ملاحظة كلماتهم- فوجوب التعليم غيري شرعي، لأنه مقدمة لذلك، و إن كان المراد تحصيل العلم بالكيفية الصحيحة فإن قلنا بوجوب الامتثال التفصيلي مع التمكن منه فالوجوب أيضاً غيري، لكنه عقلي، للمقدمية للامتثال التفصيلي الذي هو واجب عقلي، و إن لم نقل بذلك و اكتفينا بالامتثال الإجمالي مطلقاً فان لم يمكن الاحتياط بالتكرار فالوجوب عقلي من باب وجوب المقدمة العلمية، و إن أمكن الاحتياط بالتكرار لم يجب التعلم تعييناً، بل وجب تخييراً بينه و بين الاحتياط بالتكرار.

يعني مع إمكان التعلم و قدرته عليه. و المراد منه على المعنى الأول من معنى التعلم أنه لا تصح صلاته لخلوها عن التكبير الصحيح، و لا ينافيه القول بجواز البدار لذوي الأعذار، فإن ذلك إنما هو إذا كان للواجب‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 33 من أبواب القراءة في الصلاة.

 

65
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 6 من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلم و لا يجوز له الدخول ج‌6 ص 65

في الصلاة قبل التعلم إلا إذا ضاق الوقت فيأتي بها ملحونة (1)، بدل شرعي يمكن أن يدعى إطلاقه فيشمل أول الوقت، لا في المقام الذي ينحصر دليل لبدلية فيه بالإجماع و نحوه غير الشامل لأول الوقت قطعاً.

هذا و على المعنى الثاني فالمراد من عدم جواز الدخول عدم الاكتفاء بالفعل عند العقل، لعدم إحراز أداء المأمور به.

على قدر الإمكان إجماعاً، لفحوى ما ورد في الألثغ و الأليغ و الفأفاء و التمتام، و ما ورد في مثل بلال و من مائلة، و في الأخرس الذي لا يستطيع الكلام أبداً. كذا في الجواهر «1».

و أما‌

موثقة مسعدة بن صدقة: «سمعت جعفر بن محمد (ع) يقول: إنك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح، و كذلك الأخرس في القراءة في الصلاة و التشهد و ما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم، و المحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح» «2»‌

و ما‌

ورد من: «أنه كلما غلب اللّه تعالى عليه فهو أولى بالعذر» «3»‌

و ما‌

ورد من أنه: «ليس شي‌ء ما حرم اللّه تعالى إلا و قد أحله لمن اضطر إليه» «4»‌

فإنما تصلح لنفي وجوب التام لا إثبات وجوب الناقص. و أما حديث:

«لا تسقط الصلاة بحال» «5» فلا يدل على كيفية الواجب. و أما‌

حديث: «لا يترك الميسور بالمعسور» «6»‌

فغير ثابت الحجية في نفسه و لا باعتماد الأصحاب‌

______________________________
(1) الطبعة الحديثة ج 9 صفحة 311.

(2) الوسائل باب: 59 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب قضاء الصلوات.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 6- 7.

(5) حديث مستفاد مما ورد بشأن المستحاضة: «انها لا تدع الصلاة بحال». راجع الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5.

(6) غوالي اللئالي.

 

66
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 6 من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلم و لا يجوز له الدخول ج‌6 ص 65

و إن لم يقدر فترجمتها من غير العربية (1)، و لا يلزم أن يكون بلغته (2) و إن كان أحوط، و لا يجزي عن الترجمة غيرها من الأذكار و الأدعية و إن كانت بالعربية (3)، و إن أمكن له النطق بها بتلقين الغير حرفا فحرفا قدم على الملحون و الترجمة (4).

عليه. فالعمدة الإجماع المؤيد أو المعتضد بالفحوى.

و هو مذهب علمائنا- كما في المدارك- لإطلاق ما دل على أن مفتاح الصلاة التكبير، و أن تحريمها التكبير الشامل للترجمة، و لا ينافيه تقييده ب‍ «اللّه أكبر»، لأن العمدة في دليل التقييد الإجماع، و هو يختص بحال القدرة، فيبقى الإطلاق بحاله في العجز. اللهم إلا أن يكون الإطلاق منصرفا إلى ما كان باللغة العربية فلا يشمل الترجمة، أو أن هذه النصوص و نحوها ليست واردة في مقام التشريع، بل في مقام إثبات أثر للمشروع، من أنه مفتاح، و به تحرم المنافيات، فلا إطلاق لها. فالمرجع يكون أصل البراءة كما عن المدارك احتماله.

كما صرح به غير واحد، و هو في محله لو كان إطلاق يرجع إليه في بدلية الترجمة. لكن عرفت إشكاله، و أن العمدة الإجماع. و حينئذ يدور الأمر بين التخيير و التعيين. و المشهور فيه الاحتياط و العمل على التعيين.

و لعله لذلك قال في القواعد: «أحرم بلغته»، و نحوه ما عن المبسوط و غيره. و في المعتبر: «انه حسن لأن التكبير ذكر، فاذا تعذر صورة لفظه روعي معناه». لكن التعليل لا يقتضي التقييد بلغته.

لعدم الدليل على البدلية، و الأصل عدمه. و في كشف اللثام:

«لا يعدل إلى سائر الأذكار- يعني ما لا يؤدي معناه- و إلا فالعربي منها أقدم نحو: اللّه أجل و أعظم». لكن في كون معنى ذلك التكبير إشكال ظاهر.

لأنه الواجب الاختياري، فلا ينتقل الى بدله مع إمكانه.

 

67
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 7 الأخرس يأتي بها على قدر الإمكان ج‌6 ص 68

[ (مسألة 7): الأخرس يأتي بها على قدر الإمكان]

(مسألة 7): الأخرس يأتي بها على قدر الإمكان (1) و إن عجز عن النطق أصلا أخطرها بقلبه و أشار إليها مع تحريك لسانه (2) إن أمكنه.

لما سبق فيمن لا يقدر على التعلم و قد ضاق الوقت.

كما عن الروض، و عن البيان و غيره ذلك، مع تقييد الإشارة بالإصبع. و عن المبسوط و غيره الاقتصار على الإشارة بالإصبع. و عن الإرشاد و المدارك ذلك مع الأول. و عن التذكرة و الذكرى ذلك مع الأخير. و عن نهاية الأحكام: «يحرك لسانه و يشير بأصابعه أو شفته و لهاته مع الإشارة و تحريك اللسان» و في غيرها غير ذلك.

و العمدة فيه‌

خبر السكوني عن أبي عبد اللّه (ع): «تلبية الأخرس و تشهده و قراءته للقرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه» «1»‌

بناء على فهم عدم الخصوصية للموارد الثلاثة المذكورة فيه- كما هو غير بعيد- فيكون المراد: أن الأخرس يؤدي عباداته القولية بما يؤدي به مراداته و مقاصده من تحريك اللسان و الإشارة بالإصبع، و إهماله ذكر عقد القلب من أجل أنه ليس في مقام بيان تمام ما يجب عليه، بل في مقام بيان ما هو بدل عن اللفظ المتعذر عليه. بل لما كان اللفظ في الناطق إنما يكون بعنوان كونه مرآة للمعنى فلازم بدلية تحريك اللسان و الإشارة بالإصبع عنه أنهما مستعملان مرآة للمعنى أيضاً، فالمعنى لا بد من لحاظه للأخرس كما لا بد من لحاظه للناطق بنحو واحد، و لعل ما ذكر هو الوجه في إهمال ذكره في المبسوط و التذكرة و الذكرى و النهاية- كما حكي- لابناءهم على عدم لزومه، و أما عدم تقييد الإشارة بالإصبع في المتن تبعاً لغيره فلعل الوجه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 59 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

 

68
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 8 حكم التكبيرات المندوبة فيما ذكر حكم تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 69

[ (مسألة 8): حكم التكبيرات المندوبة فيما ذكر حكم تكبيرة الإحرام]

(مسألة 8): حكم التكبيرات المندوبة فيما ذكر حكم تكبيرة الإحرام (1) حتى في إشارة الأخرس.

[ (مسألة 9): إذا ترك التعلم في سعة الوقت حتى ضاق أثم و صحت صلاته]

(مسألة 9): إذا ترك التعلم في سعة الوقت حتى ضاق أثم و صحت صلاته (2) على الأقوى، و الأحوط القضاء بعد التعلم.

فيه ما في كشف اللثام: من أن الإصبع لا يشار بها الى التكبير غالباً، و إنما يشار بها الى التوحيد. و فيه منع ظاهر كما يشير اليه خبر السكوني، و دعوى أن ما في الخبر راجع الى التشهد خاصة ممنوعة. فالأخذ بظاهره متعين.

لاشتراكهما في الوجوه المتقدمة.

أما الإثم فلأن الظاهر من أدلة الابدال الاضطرارية ثبوت البدلية في ظرف سقوط التكليف بالمبدل منه الاختياري، للعجز المسقط عقلا للتكاليف، لا تقييد الحكم الاختياري بالقدرة بنحو تكون القدرة شرطاً للوجوب شرعا، ليكون منوطاً بها إناطة الوجوب المشروط بشي‌ء بوجود ذلك الشي‌ء، كي لا يجب حفظها عقلا، كما لا يجب حفظ شرائط الوجوب على ما تقرر في محله من الأصول من أن الوجوب المشروط لا يقتضي حفظ شرطه لأن ذلك خلاف الظاهر منها عرفا، فيكون الوجوب الثابت للمبدل منه مطلقاً غير مشروط، فتفويت مقدمته معصية له عقلا موجبة لاستحقاق العقاب، كما أشرنا الى ذلك في التيمم و وضوء الجبائر و غيرهما من المباحث.

و أما الصحة فلإطلاق البدلية المستفاد من الأدلة المتقدمة. نعم- بناء على ما عرفت من الإشكال في أدلتها و أن العمدة فيها الإجماع- يشكل القول بالصحة. اللهم الا أن يقال: صحة الصلاة في الجملة مما تستفاد من حديث: «لا تسقط الصلاة بحال» «1»، فالإشكال إنما يكون في وجوب‌

______________________________
(1) مر الكلام فيه في أواخر المسألة السادسة من هذا الفصل‌

 

69
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 70

[ (مسألة 10): يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافاً إلى تكبيرة الإحرام]

(مسألة 10): يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافاً إلى تكبيرة الإحرام (1)، فيكون المجموع سبعة و تسمى بالتكبيرات الافتتاحية (2).

بدل التكبير مع التقصير في التعلم، لا في أصل الصحة، فما عن نهاية الأحكام و كشف الالتباس من التصريح بعدم صحة الصلاة ضعيف. لكن الإشكال في ثبوت الحديث المذكور، إذ لم أعثر عليه في كتب الحديث لا مسنداً و لا مرسلا، و إنما هو مذكور في كلام بعض المتأخرين من الفقهاء، منهم صاحب الجواهر في موارد كثيرة: منها مسألة فاقد الطهورين. و لعله يأتي في بعض المباحث التعرض له إن شاء اللّه تعالى.

إجماعاً كما عن الانتصار و المختلف، و في المنتهى: «لا خلاف بين علمائنا في استحباب التوجه بسبع تكبيرات». و نحوه ما عن جامع المقاصد و الحدائق. و النصوص الدالة عليه كثيرة،

كصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) قال (ع): «أدني ما يجزي من التكبير في التوجه إلى الصلاة تكبيرة واحدة، و ثلاث، و خمس، و سبع أفضل» «1»‌

، و‌

صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إن رسول اللّه (ص) كان في الصلاة، و إلى جانبه الحسين ابن علي (ع) فكبر رسول اللّه (ص) فلم يحر الحسين (ع) بالتكبير، ثمَّ كبر رسول اللّه (ص) فلم يحر الحسين (ع) بالتكبير، فلم يزل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يكبر و يعالج الحسين (ع) التكبير فلم يحر حتى أكمل سبع تكبيرات فأحار الحسين (ع) التكبير في السابعة، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: فصارت سنة» «2».

و نحوهما غيرهما مما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

كما تضمنته النصوص.

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 9.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 1.

 

70
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 70

و يجوز الاقتصار على الخمس، و على الثلاث (1)، و لا يبعد التخيير في تعيين تكبيرة الإحرام (2) كما تقدم في صحيح زرارة. و‌

في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا افتتحت الصلاة فكبر إن شئت واحدة، و ان شئت ثلاثاً، و ان شئت خمساً، و ان شئت سبعاً، فكل ذلك مجز عنك، غير انك إذا كنت إماماً لم تجهر إلا بتكبيرة» «1».

كما صرح به غير واحد، و ظاهر المنتهى و الذكرى: نسبته إلى أصحابنا، و عن المفاتيح و البحار: انه لا خلاف فيه، و في كشف اللثام:

«قد يظهر من المراسم و الغنية و الكافي أنه يتعين كونها الأخيرة، و ربما نسب الى المبسوط أيضاً» و عن البهائي في حواشي الاثنى عشرية، و الجزائري و الكاشاني في الوافي، و المفاتيح، و البحراني في الحدائق: الظاهر أنها الأولى.

و استدل له في الحدائق‌

بصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك، ثمَّ ابسطهما بسطاً، ثمَّ كبر ثلاث تكبيرات» «2»‌

بتقريب أن الافتتاح إنما يصدق بتكبيرة الإحرام و الواقع قبلها من التكبيرات- بناء على ما زعموه- ليس من الافتتاح في شي‌ء.

و فيه: أن ظاهر الصحيحة- بقرينة جعل الجزاء رفع الكفين، و بسطهما، و التكبيرات الثلاث، و الأدعية، و بقية التكبيرات السبع- أن المراد: إذا أردت الافتتاح، و حينئذ يكون ما ذكر بعده بياناً لما به الافتتاح فتكون ظاهرة في وقوع الافتتاح بتمام التكبيرات السبع، فإن أمكن الأخذ به تعين ما حكي عن والد المجلسي (ره): من كون الجميع تكبيرات الافتتاح، و إلا كانت الرواية خالية عن التعرض لتعيين تكبيرة الإحرام، و أنها الاولى‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 1.

 

71
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 70

أو الأخيرة أو غيرها.

و استدل أيضاً‌

بصحيحة زرارة: «قال أبو جعفر (ع): الذي يخاف اللصوص و السبع يصلي صلاة المواقفة إيماء‌

.. الى أن قال:

و لا يدور إلى القبلة و لكن أينما دارت به دابته، غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه» «1».

و فيه أن الاستدلال إن كان من جهة الأمر بالاستقبال بأول تكبيرة فهو أعم من كون الأولى تكبيرة الإحرام، لجواز كون غيرها تكبيرة الإحرام و مع ذلك اكتفي بالاستقبال حالها لكونها من الأجزاء المستحبة المتعلقة بالصلاة، مع أنه لا ينفي ما ذهب اليه والد المجلسي (ره)، و كذا لو كان الاستدلال من جهة قوله (ع):

«حين يتوجه»‌

، مع أنه يتوقف على كونه بدلا من الأول لا قيداً للتكبيرة المضاف إليها كما لا يخفى بالتأمل، و‌

بصحيحة زرارة الأخرى عن أبي جعفر (ع) الواردة بتعليل استحباب السبع بإبطاء الحسين (ع) عن الكلام حيث قال (ع) فيه: «فافتتح رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله الصلاة فكبر الحسين (ع)، فلما سمع رسول اللّه (ص) تكبيره عاد فكبر (ص) فكبر الحسين (ع)، حتى كبر رسول اللّه (ص) سبع تكبيرات و كبر الحسين (ع)، فجرت السنة بذلك» «2»‌

بتقريب أن التكبير الأول الذي كبره النبي (ص) هو تكبيرة الإحرام التي وقع الدخول بها في الصلاة، لإطلاق الافتتاح عليها، و العود الى التكبير ثانياً و ثالثاً إنما وقع لتمرين الحسين (ع) على النطق. و فيه أن ذلك كان قبل تشريع السبع فلا يدل على ذلك بعد تشريعه، مع أن الفعل لإجماله لا يدل على تعين ذلك كلية، و الحكاية من المعصوم لم تكن لبيان هذه الجهة كي ترفع إجماله.

نعم قوله (ع):

«فجرت بذلك السنة»‌

يدل على التعيين لو كان راجعا‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة الخوف حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 4.

 

72
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 70

.....

الى هذه الجهة. لكن الظاهر رجوعه إلى أصل تشريع السبع، لا أقل من احتمال ذلك، المانع من صحة الاستدلال به. و‌

بصحيحة زرارة الثالثة عن أبي جعفر (ع): «قلت: الرجل ينسى أول تكبيرة من الافتتاح ..» «1»‌

إلى آخر الرواية المتقدمة في نسيان تكبيرة الإحرام.

و فيه- مع أنها ظاهرة فيما ذهب اليه والد المجلسي (ره)- أن الجواب بصحة الصلاة يقتضي حملها على كون المنسية ليست تكبيرة الإحرام، فإن نسيانها موجب للبطلان كما تقدم، فتكون دليلا على بطلان القول المذكور.

و أما القول بأنه الأخيرة فقد استظهره في الجواهر من النصوص المتضمنة لاخفات الامام بست و الجهر بواحدة، بضميمة ما دل على إسماع الإمام المأمومين كلما يقوله في الصلاة، فإنه لو كان الافتتاح بغير الأخيرة يلزم تخصيص الدليل المذكور، بخلاف ما لو بني على كونها الأخيرة فإن عدم الاسماع يكون فيما قبل الصلاة. و فيه ما عرفت من أن أصالة عدم التخصيص ليست حجة في تشخيص الموضوع. و‌

من المرسل: «كان رسول اللّه (ص) أتم الناس صلاة، و أوجزهم، كان إذا دخل في صلاته قال (ص): اللّه أكبر بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ» «2».

و فيه أن ظاهره اتحاد التكبير، كما يقتضيه أيضاً أنه في مقام بيان الإيجاز، و لو حمل على إرادة بيان ما يجهر به (ص)- كما يشير اليه خبر الحسن بن راشد الآتي في إجهار الامام بالتكبيرة- فلا يدل على موقع الست التي يخفت بها، و لو سلم أنه يدل على أنها كانت قبل التكبير الذي يجهر به فهو حكاية لفعل مجمل، و كونها حكاية من المعصوم في مقام البيان غير ظاهرة من المرسل. و أما ما‌

في الرضوي: «و اعلم أن‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 12.

 

73
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 70

في أيتها شاء، بل نية الإحرام بالجميع (1) أيضاً،

السابعة هي الفريضة، و هي تكبيرة الافتتاح، و بها تحريم الصلاة» «1»‌

فلا يصلح للحجية عليه. و كأنه لذلك قال في كشف اللثام: «لا أعرف لتعينه- يعني لتعين الأخير أو فضله- علة ..». و أما القول بالتخيير، فاستدل له في الجواهر بإطلاق الأدلة، و لم أقف على هذا الإطلاق. نعم مقتضى أصالة البراءة عدم قدح تقديم التكبير المستحب عليها، و لا تأخيره عنها، و لا تقديم بعضه و تأخير آخر. لكن في ثبوت التخيير بذلك تأمل.

كما عن المجلسي الأول، و هو الذي تشهد له النصوص التي منها- مضافاً الى ما تقدم‌

صحيح زيد الشحام: «قلت لأبي عبد اللّه (ع):

الافتتاح؟ فقال: تكبيرة تجزئك. قلت: فالسبع؟ قال (ع): ذلك الفضل» «2»‌

و‌

صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع): «التكبيرة الواحدة في افتتاح الصلاة تجزئ، و الثلاث أفضل، و السبع أفضل كله» «3»‌

، و‌

صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (ع): «الامام تجزئه تكبيرة واحدة، و تجزئك ثلاث مترسلا إذا كنت وحدك» «4»‌

، و‌

خبر هشام بن الحكم عن أبي الحسن موسى (ع): «قلت له: لأي علة صار التكبير في الافتتاح سبع تكبيرات‌

.. الى أن قال (ع):

فتلك العلة يكبر للافتتاح في الصلاة سبع تكبيرات» «5»‌

، الى غير ذلك.

و بالجملة نصوص الباب ما بين ما هو ظاهر في ذلك و صريح فيه، و ما هو‌

______________________________
(1) فقه الرضا صفحة: 8.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 7 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 7.

 

74
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 70

.....غير آب له فيتعين البناء عليه. و ما في الجواهر: من أنه يجب الخروج عن ذلك لإجماع الأصحاب على اتحاد التكبير غير ظاهر، لإمكان دعوى تواتر النصوص تواتراً إجمالياً أو معنوياً، و القطع بإرادة خلافها غير متحقق، و الاعراض عنها بنحو يوجب سقوطها عن الحجية غير حاصل، لإمكان أن يكون لشبهة، و التخيير بين الأقل و الأكثر لا مانع منه عقلا، فيما لو كان للأكثر هيئة اتصالية عرفية توجب صحة انطباق الطبيعة على الأكثر بنحو انطباقها على الأقل، كالخط الطويل و القصير، و المشي الكثير و القليل، و الكلام الكثير و القليل. مع أنه لو بني على امتناع الوجوب التخييري بين الأقل و الأكثر مطلقاً، تعين البناء على كون الأولى واجبة و الباقية مستحبة، مع كون الجميع للافتتاح، لا أن واحدة منها للافتتاح و الزائد عليها لغيره، كما هو المشهور.

اللهم إلا أن يكون مرجع المنع من التخيير بين الأقل و الأكثر هنا الى المنع من تحقق الافتتاح بكل من القليل و الكثير، فالافتتاح لا بد أن يكون بواحدة و الزائد عليها ليس للافتتاح. و حينئذ فإن كانت تكبيرة الافتتاح ليس لها عنوان مخصوص بل مجرد التكبيرة كانت هي الأولى لا غير، و ما بعدها ليس للافتتاح، كما اختاره في الحدائق و غيرها. و إن كان لها عنوان مخصوص تمتاز به عما عداها تخير المكلف في جعلها الأولى و جعلها غيرها، كما هو المشهور. لكن المبنى المذكور- أعني امتناع الوجوب التخييري بين الأقل و الأكثر ضعيف.

فان قلت: إمكان ذلك مسلم، إلا أن الدليل إذا دل على أن الأكثر أفضل كان ظاهراً في أن صرف طبيعة المصلحة يترتب على الأقل، و أن الأكثر موضوع لزيادة المصلحة، لأن أفضلية شي‌ء من شي‌ء معناها كون الأفضل أكثر مصلحة من المفضول. فالأقل إذا كان فيه مصلحة و الأكثر أكثر مصلحة منه كان تزايد المصلحة ناشئاً من تزايد الوجود، فصرف وجود‌

75
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 70

.....التكبير فيه مصلحة، و الوجود الكثير منه أكثر مصلحة فيكون كل مرتبة من وجود التكبير موضوع لمرتبة من وجود المصلحة. فموضوع الوجود صرف طبيعة التكبير، و موضوع الاستحباب الوجود الزائد على صرف الطبيعة الذي هو موضوع المصلحة الزائدة غير الملزمة. و على هذا يكون ما في النصوص: من أن السبع أفضل قرينة على صرف ما ظاهره التخيير الى أن الأولى واجبة لا غير، و الزائد عليها مستحب لا غير، لا أن الأكثر يكون كله واجباً، و يكون أفضل الفردين، كما هو معنى التخيير بين الأقل و الأكثر الذي مال إليه المجلسي (ره).

قلت: هذا قد يسلم في مثل قوله: «سبح في الركوع واحدة أو ثلاثاً، و الثلاث أفضل» لا في مثل المقام من قولهم (ع): «افتتح الصلاة بتكبيرة واحدة، أو ثلاث، أو خمس، أو سبع و هي أفضل» «1». فإن ظهوره في كون الافتتاح يكون بالأقل و الأكثر لا معدل عنه، و مجرد كون السبع أفضل لا يصلح قرينة على أن الافتتاح يكون بالأولى من السبع لا غير، لأن هذا اللسان يتضمن الوضع زائداً على التكليف، و اللسان الأول لا يتضمن إلا التكليف، فلا مجال للمقايسة بينهما. فلا موجب لرفع اليد عن ظاهر النصوص، فلاحظ.

ثمَّ إن المصنف (ره)- مع أنه لم يستبعد القول المشهور- جوَّز العمل على ما هو مذهب المجلسي (ره)، مع أن مبنى القولين مختلف.

فإن الأول مبني على أن تكبيرة الإحرام مخالفة للتكبيرات الست بحسب الخصوصية اختلاف الظهر و العصر، و إن كانت مشتركة بحسب الصورة.و مبنى الثاني أنها جميعاً متحدة الحقيقة. كما أن لازم الأول- كما سبق- أنه لو نوى الإحرام بأكثر من واحدة بطلت الصلاة لزيادة الركن، و ليس.
 

(1) مضمون صحيحة زرارة المتقدمة في أول المسألة‌

76
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 70

لكن الأحوط اختيار الأخيرة، و لا يكفي قصد الافتتاح بأحدها المبهم من غير تعيين (1) و الظاهر عدم اختصاص استحبابها في اليومية، بل تستحب في جميع الصلوات الواجبة و المندوبة (2). و ربما يقال بالاختصاص بسبعة مواضع (3) كذلك على الثاني، كما هو ظاهر. و من ذلك تعرف الإشكال في قوله (ره):

«لكن الأحوط اختيار الأخيرة» فإنه إنما يناسب الفتوى بمذهب المشهور.

إذ هو لا خارجية له و لا مصداق، فلا يتحقق الافتتاح به.

كما عن صريح جماعة و ظاهر آخرين، حيث جعلوه من مسنونات الصلاة كالمحقق و غيره في الشرائع و غيرها. و في الجواهر: «لعله المشهور بين المتأخرين»، و حكي عن المفيد و الحلي، لإطلاق جملة من النصوص المتقدمة. و دعوى الانصراف الى الفريضة أو خصوص اليومية- كما عن الحدائق- ممنوعة بنحو يعتد بها في رفع اليد عن الإطلاق، و لو سلم، فقد عرفت مكرراً أن مقتضى الإطلاق المقامي إلحاق النوافل بالفرائض فيما يجب و ما يستحب، فما عن السيد (ره) في (محمدياته): من التخصيص بالفرائض. غير واضح.

حكي ذلك عن الشيخين، و القاضي، و التحرير، و التذكرة، و نهاية الاحكام، و كذا عن سلار، مع إبدال صلاة الإحرام بالشفع.

و عن رسالة ابن بابويه: الاقتصار على الستة الأولى بإخراج الوتيرة، بل ربما نسب الى المشهور، و عن الشيخ (ره): الاعتراف بعدم وقوفه على خبر مسند يشهد به، و كذا حكي عن الفاضل، مع أنهما ممن نسب اليه القول بالعموم للسبع، و ما‌

عن «فلاح السائل» عن أبي جعفر (ع): «افتتح في ثلاثة مواطن بالتوجه و التكبير: في أول الزوال، و صلاة الليل، و المفردة من الوتر، و قد يجزيك فيما سوى ذلك من التطوع أن‌

 

77
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 70

 و هي: كل صلاة واجبة، و أول ركعة من صلاة الليل، و مفردة الوتر، و أول ركعة من نافلة الظهر، و أول ركعة من نافلة المغرب، و أول ركعة من صلاة الإحرام، و الوتيرة.

و لعل القائل أراد تأكدها في هذه المواضع (1).

[ (مسألة 11): لما كان في مسألة تعيين تكبيرة الإحرام إذا أتى بالسبع أو الخمس أو الثلاث احتمالات]

(مسألة 11): لما كان في مسألة تعيين تكبيرة الإحرام إذا أتى بالسبع أو الخمس أو الثلاث احتمالات، بل أقوال:

تعيين الأول، و تعيين الأخير، و التخيير، و الجميع، فالأولى لمن أراد إحراز جميع الاحتمالات و مراعاة الاحتياط من جميع الجهات أن يأتي بها بقصد أنه إن كان الحكم هو التخيير فالافتتاح هو كذا، و يعين في قلبه ما شاء، و إلا فهو ما عند‌

تكبر تكبيرتين لكل ركعة» «1»‌

لا ظهور فيه في الاختصاص، و كذا ما‌

عن الفقه الرضوي: «ثمَّ افتتح بالصلاة و توجه بعد التكبير، فإنه من السنة الموجبة في ست صلوات و هي: أول ركعة من صلاة الليل، و المفردة من الوتر، و أول ركعة من نوافل المغرب، و أول ركعة من ركعتي الزوال، و أول ركعة من ركعتي الإحرام، و أول ركعة من ركعات الفرائض» «2»‌

مع أنه لا يخلو من إجمال، و الأول مورده الثلاثة، و الثاني غير متعرض للوتيرة.

كما هو ظاهر عبارة المقنعة، فإنه بعد ما ذكر استحبابها لسبع قال: «ثمَّ هو فيما بعد هذه الصلاة يستحب، و ليس تأكيده كتأكيده فيما عددناه».

______________________________
(1) مستدرك الوسائل باب: 5 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 1‌

(2) فقه الرضا صفحة: 13.

 

78
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 11 لما كان في مسألة تعيين تكبيرة الإحرام إذا أتى بالسبع أو الخمس أو الثلاث احتمالات ج‌6 ص 78

اللّه من الأول أو الأخير أو الجميع (1).

[ (مسألة 12): يجوز الإتيان بالسبع ولاء من غير فصل بالدعاء]

(مسألة 12): يجوز الإتيان بالسبع ولاء من غير فصل بالدعاء (2) لكن الأفضل (3) أن يأتي بالثلاث، ثمَّ يقول:

(اللهم أنت الملك الحق، لا إله إلا أنت، سبحانك إني ظَلَمْتُ نَفْسِي، فَاغْفِرْ لِي ذنبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)

ثمَّ يأتي باثنتين و يقول:

(لبيك و سعديك، و الخير في يديك و الشر ليس إليك، و المهدي من هديت، لا ملجأ منك إلا إليك، سبحانك و حنانيك، تباركت و تعاليت، سبحانك رب البيت)

ثمَّ يأتي باثنتين و يقول: (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ،- عٰالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهٰادَةِ،- حَنِيفاً مُسْلِماً،- وَ مٰا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ- إِنَّ صَلٰاتِي، وَ نُسُكِي، وَ مَحْيٰايَ، وَ مَمٰاتِي لِلّٰهِ و لا ينافيه كون قصده تقديريا، للاكتفاء به في العبادة، و لا سيما مع عدم إمكان العلم الحقيقي بالتقدير.

كما يقتضيه إطلاق بعض النصوص. و‌

في موثق زرارة: «رأيت أبا جعفر (ع)، أو قال: سمعته استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاء» «1».

كما‌

في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك، ثمَّ ابسطهما بسطاً، ثمَّ كبر ثلاث تكبيرات، ثمَّ قل: اللهم أنت ..

إلى آخر الدعاء الأول كما في المتن، ثمَّ كبر تكبيرتين، ثمَّ قل: لبيك و سعديك .. الى آخر الدعاء الثاني كما في المتن، ثمَّ تكبر تكبيرتين، ثمَّ تقول وَجَّهْتُ وَجْهِيَ .. إلى آخر الدعاء الثالث كما في المتن، ثمَّ تعوذ من الشيطان الرجيم، ثمَّ اقرأ فاتحة الكتاب» «2».

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 1.

 

79
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 12 يجوز الإتيان بالسبع ولاء من غير فصل بالدعاء ج‌6 ص 79

رَبِّ الْعٰالَمِينَ، لٰا شَرِيكَ لَهُ، وَ بِذٰلِكَ أُمِرْتُ و أنا من المسلمين) ثمَّ يشرع في الاستعاذة و سورة الحمد.

و يستحب أيضاً أن يقول قبل التكبيرات (1):

(اللهم إليك توجهت، و مرضاتك ابتغيت، و بك آمنت، و عليك توكلت صل على محمد و آل محمد، و افتح قلبي لذكرك، و ثبتني على دينك، و لا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، و هب لي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّٰابُ)

. و يستحب أيضاً أن يقول بعد الإقامة قبل تكبيرة الإحرام (2):

(اللهم رب هذه الدعوة التامة، و الصلاة القائمة، بلغ محمداً صلى اللّه عليه و آله الدرجة و الوسيلة، و الفضل و الفضيلة، باللّه استفتح، و باللّه أستنجح، و بمحمد رسول اللّه صلى اللّه عليه و عليهم أتوجه، اللهم صل على محمد و آل محمد، و اجعلني بهم عندك وَجِيهاً فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ‌

، لم أجده فيما يحضرني من الوسائل، و المستدرك، و الحدائق، و الجواهر. نعم قال‌

في مفتاح الفلاح: «تقول بعد الإقامة» و ذكر الدعاء، لكنه قال: «و مرضاتك طلبت، و ثوابك ابتغيت، و عليك توكلت، اللهم صل ..».

كما‌

عن ابن طاوس في فلاح السائل بسنده عن ابن أبي نجران عن الرضا (ع) قال (ع): «تقول بعد الإقامة قبل الاستفتاح في كل صلاة:

اللهم ..» «1»‌

الى آخر ما في المتن.

______________________________
(1) مستدرك الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 1.

 

80
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 12 يجوز الإتيان بالسبع ولاء من غير فصل بالدعاء ج‌6 ص 79

وَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ‌

، و أن يقول بعد تكبيرة الإحرام (1):

(يا محسن قد أتاك المسي‌ء، و قد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسي‌ء، أنت المحسن و أنا المسي‌ء، بحق محمد و آل محمد، صل على محمد و آل محمد، و تجاوز عن قبيح ما تعلم مني)

. [ (مسألة 13): يستحب للإمام أن يجهر بتكبيرة الإحرام على وجه يسمع من خلفه، دون الست]

(مسألة 13): يستحب للإمام أن يجهر بتكبيرة الإحرام على وجه يسمع من خلفه (2)، دون الست، فإنه يستحب الإخفات بها (3).

المحكي‌

عن فلاح السائل بسنده عن ابن أبي عمير عن الأزدي عن الصادق (ع)- في حديث-: «.. كان أمير المؤمنين (ع) يقول لأصحابه: من أقام الصلاة و قال قبل أن يحرم و يكبر: يا محسن‌

.. إلى آخر ما في المتن‌

يقول اللّه تعالى: يا ملائكتي اشهدوا أني قد عفوت عنه، و أرضيت عنه أهل تبعاته» «1»‌

، و عن الشهيد في الذكرى: أنه قد ورد هذا الدعاء عقيب السادسة، إلا أنه لم يذكر فيه:

«بحق محمد و آل محمد»‌

و إنما فيه:

«و أنا المسي‌ء فصل على محمد و آل محمد ..»‌

الى آخر الدعاء، و كلاهما لا يوافق المتن.

كما لعله الظاهر من الأمر بالجهر، و يقتضيه عموم ما دل على استحباب إسماع الإمام من خلفه كل ما يقول.

بلا خلاف ظاهر لخبر أبي بصير المتقدم في أوائل المسألة العاشرة، و لما‌

في صحيح الحلبي: «و إن كنت إماماً فإنه يجزئك أن تكبر واحدة تجهر فيها، و تسر ستاً» «2»‌

، و‌

خبر الحسن بن راشد: «سألت أبا الحسن‌

______________________________
(1) مستدرك الوسائل باب: 9 من أبواب القيام حديث: 2 لكن فيه: «و أنت المحسن» و «فبحق محمد و آل محمد».

(2) الوسائل باب: 12 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 1‌

 

81
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 يستحب رفع اليدين بالتكبير ج‌6 ص 82

[ (مسألة 14): يستحب رفع اليدين بالتكبير]

(مسألة 14): يستحب رفع اليدين بالتكبير (1)

الرضا (ع) عن تكبيرة الافتتاح، فقال (ع): سبع، قلت: روي عن النبي (ص) أنه كان يكبر واحدة، فقال (ع): إن النبي (ص) كان يكبر واحدة يجهر بها و يسر ستاً» «1».

على المشهور شهرة عظيمة، بل بغير خلاف بين العلماء- كما في المعتبر- أو بين أهل العلم- كما في المنتهى- أو علماء أهل الإسلام- كما عن جامع المقاصد- و عن الانتصار: وجوبه في جميع تكبيرات الصلاة، مدعياً عليه إجماع الطائفة. و ربما يستشهد له- مضافاً الى الإجماع الذي ادعاه- بظاهر النصوص، كصحيح الحلبي المتقدم «2»، و‌

صحيح زرارة: «إذا قمت إلى الصلاة فكبرت، فارفع يديك، و لا تجاوز بكفيك أذنيك أي حيال خديك» «3»‌

، و‌

صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (ع) في قول اللّه عز و جل «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ» قال (ع): «هو رفع يديك حذاء وجهك» «4»‌

، و نحوه خبرا عمر بن يزيد «5» و جميل «6» المرويان عن مجمع البيان، و‌

خبر الأصبغ عن علي (ع): «لما نزلت على النبي (ص):

(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ) قال (ص): يا جبرئيل ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي؟ قال (ع): يا محمد أنها ليست نحيرة، و لكنها رفع الأيدي في الصلاة» «7».

و‌

رواه في مجمع البيان كذلك، الا أنه قال:

______________________________
(1) الوسائل باب: 12 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 2.

(2) تقدم في أول المسألة الثانية عشرة.

(3) الوسائل باب: 10 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 4.

(5) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 16.

(6) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 17.

(7) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 13.

 

82
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 12 يجوز الإتيان بالسبع ولاء من غير فصل بالدعاء ج‌6 ص 79

.....

«ليست بنحيرة، و لكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يدك إذا كبرت و إذا ركعت، و إذا رفعت رأسك من الركوع، و إذا سجدت، فإنه صلاتنا و صلاة الملائكة في السماوات السبع، و إن لكل شي‌ء زينة و إن زينة الصلاة رفع الأيدي عند كل تكبيرة»‌

، و‌

صحيح معاوية في وصية النبي (ص) لعلي (ع): «و عليك برفع يديك في صلاتك و تقليبهما» «1».

هذا، و لكن الإجماع غير ظاهر، بل قد عرفت دعواه على الاستحباب و صحيح الحلبي وارد في مقام بيان الافتتاح الكامل لا أصل الافتتاح، بقرينة ذكر بسط الكفين، و تكرار التكبير و ذكر الأدعية. و صحيح ابن سنان و ما بعده مما ورد في تفسير الآية إنما يجدي في عموم الحكم بضميمة قاعدة الاشتراك، و هي غير ظاهرة، فتأمل، فلم يبق إلا صحيح زرارة، و صحيح معاوية. و يمكن رفع اليد عن ظاهرهما بقرينة ما في النصوص من التعليل:

بأنه زينة «2»، و بأنه‌

«ضرب من الابتهال و التبتل و التضرع، فأحب اللّه عز و جل أن يكون العبد في وقت ذكره له متبتلا متضرعاً مبتهلا» «3»‌

و بأن في رفع اليدين إحضار النية و إقبال القلب، مما هو ظاهر في الاستحباب مضافا الى‌

صحيح ابن جعفر (ع): «على الامام أن يرفع يده في الصلاة، ليس على غيره أن يرفع يده في الصلاة» «4».

فإن النفي عن غير الإمام يقتضي النفي عنه بضميمة عدم القول بالفصل، و لا يعارض بأن الأمر للإمام بالرفع يقتضي الأمر لغيره بقرينة عدم القول بالفصل أيضاً،

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 8.

(2) تقدم في أول الصفحة.

(3) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 11.

(4) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 7.

 

83
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 يستحب رفع اليدين بالتكبير ج‌6 ص 82

إلى الأذنين (1)، أو إلى حيال الوجه (2)، لأن ذلك يؤدي الى طرح النفي بالمرة، بخلاف الأول فإنه يؤدي الى حمل الأمر على الاستحباب، و هو أولى عرفا من الطرح، و احتمال حمل الرفع في الصحيح على رفع اليدين بالقنوت خلاف الظاهر منه، و لو بقرينة مناسبة الحكم و الموضوع، فإنها تقتضي كون رفع الإمام للاعلام بالافتتاح، لا أقل من أن يكون خلاف إطلاقه الشامل للقنوت و التكبير، فلاحظ.

كما عن بعض، و في الشرائع، و عن غيرها: «الى حذاء أذنيه»، و في القواعد، و عن غيرها: «إلى شحمتي الاذن» و ظاهر المعتبر، و المنتهى: اختياره، و عن الخلاف: الإجماع عليه، و لعل مراد الجميع واحد. و ليس في النصوص ما يشهد له. نعم في المعتبر- بعد ما حكى عن المبسوط المحاذاة لشحمتي الاذن- قال: «و هي‌

رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع): إذا افتتحت الصلاة فكبرت فلا تجاوز أذنيك» «1»‌

و نحوه ما في المنتهى. لكن دلالة الرواية قاصرة. نعم‌

في الرضوي: «و ارفع يديك بحذاء أذنيك» «2».

كما عن النافع، و ربما نسب إلى الأشهر، و لعل المراد الأشهر رواية، فقد تقدم ذلك في روايات زرارة، و ابن سنان، و يزيد، و جميل «3» و‌

في صحيح ابن سنان الآخر: «رأيت أبا عبد اللّه (ع) يصلي، يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح» «4»‌

و نحوه روى منصور بن حازم «5»‌


 (1) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 5.

(2) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 7.

(3) تقدمت في أول المسألة.

(4) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 6.

84
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 يستحب رفع اليدين بالتكبير ج‌6 ص 82

أو إلى النحر (1)، مبتدئاً بابتدائه، و منتهياً بانتهائه (2)، فإذا انتهى التكبير و الرفع أرسلهما. و لا فرق بين الواجب منه و المستحب في ذلك (3)، و‌

في صحيح زرارة الآخر: «ترفع يديك في افتتاح الصلاة قبالة وجهك» «1»‌

و‌

في صحيح صفوان: «رأيت أبا عبد اللّه (ع) إذا كبر في الصلاة يرفع يديه حتى يكاد يبلغ أذنيه» «2».

كما عن الصدوق، و يشهد له المرسل‌

عن مجمع البيان: «و عن علي (ع) في قوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ): أن معناه رفع يدك الى النحر في الصلاة» «3»‌

و يشير اليه ما‌

في صحيح معاوية بن عمار: «رأيت أبا عبد اللّه (ع) حين افتتح الصلاة يرفع يديه أسفل من وجهه قليلا» «4».

كما يقتضيه ظاهر التعبير في كلماتهم، حيث يقولون برفعهما بالتكبير، كأنه لوحظ التكبير آلة للرفع، و إنما يكون آلة حال وجوده لا بعد انتهائه، فلا بد أن ينتهي بانتهائه. لكن في استظهار ذلك من النصوص إشكال، بل مقتضى اقتران الرفع بالتكبير أن يكون بعد انتهاء الرفع. و أما ما قيل من أن المستحب التكبير حال الإرسال فغير ظاهر الوجه و استظهاره من صحيح الحلبي المتقدم «5» في أدعية التكبير تكلف بلا داع إليه.

لإطلاق جملة من النصوص.

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 15.

(4) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 2.

(5) تقدم في أول المسألة الثانية عشرة.

 

85
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 يستحب رفع اليدين بالتكبير ج‌6 ص 82

و الأولى أن لا يتجاوز بهما الأذنين (1). نعم ينبغي ضم أصابعهما (2) حتى الإبهام و الخنصر (3)، و الاستقبال بباطنهما القبلة (4)، للنهي عنه في صحيح زرارة المتقدم «1» في أدلة وجوب الرفع و نحوه خبر أبي بصير «2».

قد يظهر من الذكرى الاتفاق على استحباب ضم ما عدا الإبهام قال (ره): «و لتكن الأصابع مضمومة، و في الإبهام قولان، و فرقه أولى، و اختاره ابن إدريس تبعاً للمفيد و ابن البراج، و كل ذلك منصوص» و قال في المعتبر: «و يستحب ضم الأصابع .. الى أن قال: و قال علم الهدى و ابن الجنيد: يجمع بين الأربع و يفرق بين الإبهام»، و نحوه ما في المنتهى، و دليله غير ظاهر إلا المرسل المشار إليه في كلامه. و اشتمال صحيح حماد «3» على ضم الأصابع في القيام و السجود و التشهد لا يفيد في المقام فالاستدلال به عليه- كما في المعتبر و المنتهى- غير ظاهر.

قد يستشهد على ضم الأول بما‌

عن أصل زيد النرسي: أنه رأى أبا الحسن الأول (ع): «إذا كبر في الصلاة ألزق أصابع يديه الإبهام و السبابة و الوسطى و التي تليها و فرج بينها و بين الخنصر» «4».

و على ضم الثاني بما تقدم عن الذكرى، و لا يعارض بذيل ما عن النرسي لشذوذه. فتأمل.

نص عليه غير واحد، منهم المعتبر، و المنتهى، من غير نقل خلاف،

لرواية منصور: «رأيت أبا عبد اللّه (ع) افتتح الصلاة، فرفع‌

______________________________
(1) تقدم في أول المسألة.

(2) تقدم في صفحة: 84.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.

(4) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3.

 

86
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 يستحب رفع اليدين بالتكبير ج‌6 ص 82

و يجوز التكبير من غير رفع اليدين (1)، بل لا يبعد جواز العكس (2).

[ (مسألة 15): ما ذكر من الكيفية في رفع اليدين إنما هو على الأفضلية]

(مسألة 15): ما ذكر من الكيفية في رفع اليدين إنما هو على الأفضلية و إلا فيكفي مطلق الرفع (3) بل لا يبعد جواز رفع إحدى اليدين دون الأخرى.

[ (مسألة 16): إذا شك في تكبيرة الإحرام]

(مسألة 16): إذا شك في تكبيرة الإحرام، فإن كان قبل الدخول فيما بعدها بنى على العدم (4)، و إن كان بعد الدخول فيما بعدها من دعاء التوجه أو الاستعاذة أو‌

يديه حيال وجهه، و استقبل القبلة ببطن كفيه» «1»‌

و‌

خبر جميل: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن قوله عز و جل (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ) فقال (ع) بيده: هكذا» «2»‌

يعني استقبل بيديه حذو وجهه القبلة في افتتاح الصلاة.

كما عرفت، و عرفت خلاف السيد (ره) فيه.

للتعليل في بعض النصوص «3»: بأن رفع اليدين ضرب من الابتهال و التبتل و التضرع.

تقدم في مبحث الأذان الكلام في حمل المطلق على المقيد في المستحبات و يمكن أن يستفاد استحباب مطلق الرفع هنا من التعليل المشار اليه آنفاً، و منه يستفاد حكم ما بعده، و ان استشكل فيه في الجواهر: لاحتمال اعتبار الهيئة، لكنه ضعيف، و لعله للإشارة الى ذلك أمر بالتأمل.

لقاعدة الشك في المحل التي تقتضيها أصالة العدم، أو قاعدة الاحتياط أو المفهوم المستفاد من الشرطية التي تضمنها بعض نصوص قاعدة التجاوز «4».

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 17.

(3) تقدمت في صفحة: 83.

(4) الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 1.

 

87
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 إذا شك في تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 87

القراءة بنى على الإتيان (1). و إن شك بعد إتمامها أنه أتى بها صحيحة أولا بنى على العدم (2)، لكن الأحوط إبطالها بأحد المنافيات (3)، ثمَّ استئنافها. و إن شك في الصحة بعد الدخول فيما بعدها بنى على الصحة (4).

لقاعدة التجاوز، بل صرح في صحيح زرارة «1» الوارد في بيان القاعدة المذكورة بعدم الاعتناء بالشك في التكبير و قد قرأ.

لقاعدة الشك في المحل التي يقتضيها ما عرفت، لكن لا يبعد جريان أصالة الصحة المعول عليها عند العقلاء في كل ما يشك في صحته و فساده، من عقد، أو إيقاع، أو عبادة، سواء أ كان فعلا له أم لغيره، و ربما يشير إليها‌

موثق محمد بن مسلم: «كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو» «2».

لاحتمال صحة التكبير، فيكون التكبير الثاني مبطلا له على ما سبق فاذا أبطله بأحد المنافيات فقد أحرز صحة التكبير الثاني.

هذا يتم لو كان منشأ الشك في الصحة الشك في وجود شرط أو جزء، إذ يمكن أن يقال بعموم دليل قاعدة التجاوز للجزء و الشرط المشكوكين لصدق الشك في الشي‌ء بعد التجاوز عنه. أما إذا كان منشأ الشك في الصحة الشك في وجود مانع فغير ظاهر، إذ لا عموم في دليل القاعدة يشمل العدم، بل يختص بالوجود الذي له محل معين، و قد تجاوز عنه. و ملاحظة وصف الصحة مجرى لها غير صحيحة، لأنه وصف اعتباري فالعمدة في البناء على الصحة قاعدة الصحة، التي لا يفرق في جريانها بين الدخول في الغير و عدمه كما في الفرض السابق. و هذا من وجوه الفرق بين‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 3.

 

88
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 إذا شك في تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 87

و إذا كبر ثمَّ شك في كونه تكبيرة الإحرام، أو تكبير الركوع بنى على أنه للإحرام (1).

[فصل في القيام]

فصل في القيام و هو أقسام: إما ركن و هو القيام حال تكبيرة الإحرام و القيام المتصل بالركوع (2)، بمعنى أن يكون الركوع عن قيام، فلو كبر للإحرام جالساً، القاعدتين، فان القيود العدمية تجري فيها قاعدة الصحة، و لا تجري فيها قاعدة التجاوز.

لأن الشك المذكور راجع الى الشك في القراءة و هو في المحل، فعليه فعلها لقاعدة الشك في المحل.

فصل في القيام قد أطلق في كلام الأصحاب أن القيام ركن. قال في المعتبر:

«و هو واجب، و ركن مع القدرة، و عليه إجماع العلماء». و في المنتهى:

«القيام واجب، و ركن مع القدرة عليه، ذهب اليه كل علماء الإسلام» و في كشف اللثام- بعد قول مصنفه: «إنه ركن في الصلاة الواجبة، لو أخل به عمداً أو سهواً مع القدرة بطلت صلاته»- قال: «بالنصوص و الإجماع». و نحو ذلك ما عن جامع المقاصد، و إرشاد الجعفرية، و الروض و غيرها. و عن العلامة (ره): التصريح بأنه ركن كيف اتفق.

و استدل له- مضافاً الى الإجماع- بإطلاق ما دل على وجوبه،

89
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القيام ج‌6 ص 89

.....

مثل‌

مصحح ابن حمزة عن أبي جعفر (ع) في قول اللّه عز و جل:

«الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ» «1» قال (ع):

«الصحيح يصلي قائماً، و المريض يصلي جالساً» «2»‌

، و ما‌

في صحيح زرارة: «قال أبو جعفر (ع): و قم منتصباً، فان رسول اللّه (ص) قال: من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له» «3»‌

، و‌

خبر الهروي:

«قال رسول اللّه (ص): إذا لم يستطع الرجل أن يصلي قائماً فليصل جالساً» «4»‌

، و نحوها. و استشكل فيه غير واحد من المتأخرين: بأن ناسي القراءة صلاته صحيحة، مع فوات بعض القيام المستلزم لفوات المجموع.

أقول: الأولى النقض بترك القيام بعد الركوع ناسياً، أما النقض بنسيان القراءة فيمكن الجواب عنه: بأن القيام يجب حال القراءة، فإذا سقط وجوب القراءة بالنسيان لا يجب القيام كي يكون ركناً أو غير ركن، فتأمل.

و كيف كان، فلأجل ذلك عدلوا عن إطلاق الركنية إلى أنه تابع لما وقع فيه، فالقيام إلى النية شرط، و القيام في النية مردد بين الركن و الشرط كحال النية، و القيام في التكبير ركن كالتكبير، و القيام في القراءة واجب غير ركن، و القيام المتصل بالركوع- و هو الذي يركع عنه- ركن قطعاً، و القيام من الركوع واجب غير ركن، و القيام في القنوت مستحب كالقنوت، حكي ذلك عن الشهيد في ببعض فوائده، و تبعه جماعة ممن تأخر عنه، منهم ابن فهد في المهذب البارع، و الشهيد الثاني في غاية المرام، و الروض، قال في الثاني:

______________________________
(1) آل عمران: 191.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب القيام حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 18.

90
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 إذا شك في تكبيرة الإحرام ج‌6 ص 87

.....

«و اعلم أن إطلاق القول بركنية القيام بحيث تبطل الصلاة بزيادته و نقصانه سهواً لا يتم، لأن القيام في موضع القعود و عكسه سهواً غير مبطل اتفاقاً، بل التحقيق أن القيام ليس بجميع أقسامه ركناً، بل هو على أنحاء» ثمَّ ذكر ما ذكرناه. و عن الوحيد في حاشية المدارك: «أنه مراد الفقهاء».

و في الجواهر: جعل الركن مجموع القيام الواجب في الركعة، نظير ركنية السجود، فنقصه إنما يكون بفقد الركعة للقيام أصلا، و زيادته إنما تكون بزيادة تمام القيام حتى المتصل بالركوع وحده أو مع التكبير المستلزم لزيادتهما. و فيه مع أن عليه يكون موضوع الركنية الذي تضاف إليه الزيادة تارة و النقيصة أخرى لا يخلو من إشكال و إجمال كما سيأتي في السجود-:

أن لازمه أن لو كبر جالساً ساهياً ثمَّ قام و قرأ ثمَّ جلس و ركع و هو جالس ساهياً لم تفسد صلاته، لعدم فقد القيام أصلا، و هو كما ترى. و لأجل ذلك جرى في المتن على ما ذكره الشهيد، فجعل الركن من القيام القيام حال تكبيرة الإحرام، و القيام المتصل بالركوع.

و الدليل على الأول- مضافاً الى الإجماع المدعى في كلام جماعة- ما‌

في موثق عمار عن الصادق (ع): «و كذلك إذا وجب عليه الصلاة من قيام فنسي حتى افتتح الصلاة و هو قاعد، فعليه أن يقطع صلاته، و يقوم فيفتتح الصلاة و هو قائم، و لا يعتد بافتتاحه و هو قاعد» «1»‌

، لكنه إنما يدل على وجوب الاستئناف لعدم القيام في التكبير، و كما يمكن أن يكون ذلك لركنية القيام يمكن أن يكون لأجل أنه شرط في التكبير، فيكون فواته موجباً لفواته. بل لعل ظاهر الموثق الثاني، كما هو مقتضى أخذ القيام و القعود أحوالا للصلاة و الافتتاح، فلا يصلح للحجية على ركنية القيام في عرض التكبيرة.

______________________________
(1) الوسائل باب: 13 من أبواب القيام حديث: 1.

 

91
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القيام ج‌6 ص 89

أو في حال النهوض بطل (1) و لو كان سهواً، و كذا لو ركع لا عن قيام، بأن قرأ جالساً ثمَّ ركع، أو جلس بعد القراءة أو في أثنائها و ركع (2)، و إن نهض متقوساً إلى هيئة الركوع القيامي، و كذا لو جلس، ثمَّ قام متقوساً (3) من غير أن و أما الثاني: فدليله منحصر بالإجماع المدعى صريحاً و ظاهراً في كلام جماعة. و ما في المستند و عن غيره من أن القيام المتصل داخل في مفهوم الركوع، لأنه الانحناء عن قيام. فيه: أن الركوع من الجالس ركوع قطعاً عرفاً. نعم يحتمل أن يكون الهوي بعنوان التعظيم داخلا في مفهوم الركوع المجعول جزءاً من الصلاة، لكنه غير ما نحن فيه كما هو ظاهر. مع أنه لو تمَّ ذلك كانت ركنية القيام عرضية بلحاظ كونه مقوماً للركن، فلا يحسن عده ركناً في قبال الركوع.

و المتحصل من ذلك كله: أن دعوى كون القيام ركناً في قبال ركنية التكبير و الركوع ليس مستندها إلا الإجماع، مع أن من المحتمل إرادة المجمعين الركنية العرضية الغيرية، كما يومئ اليه الاستناد إلى الموثق، و إلى دعوى دخل القيام في الركوع فلاحظ.

قد تقدم خلاف الشيخ (ره) في ذلك، و دليله و ضعفه فراجع.

يظهر منهم المفروغية عن البطلان في الفرض، و الخلل فيه من وجهين: أحدهما: عدم القيام المتصل بالركوع. و ثانيهما: كونه واقعاً في حال الجلوس لا في حال انتصاب الفخذين و الساقين. و المتعين في وجه البطلان الثاني، إذ مانعية الأول محل إشكال- كما يأتي في الفرض الثاني- و كأن العمدة في مانعية الثاني هو الإجماع، إذ دعوى عدم صدق الركوع في حال الجلوس كما ترى، ضرورة صدقه حقيقة.

يعني: كان تقوسه غير بالغ حد الركوع ثمَّ انحنى زائداً حتى بلغ‌

 

92
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القيام ج‌6 ص 89

ينتصب، ثمَّ يركع و لو كان ذلك كله سهواً. و واجب غير ركن، و هو القيام حال القراءة (1) و بعد الركوع. و مستحب و هو القيام حال القنوت (2)، و حال تكبير الركوع.

حد الركوع. و في الجواهر استشكل في بطلان الصلاة في الفرض: بأن أقصى ما يستفاد من الأدلة بطلان الصلاة بفقد أصل القيام في الركعة، لا جزء منه، و أنه يكفي حال السهو تعقب الركوع للقيام و لو مع تخلل العدم.

و فيه: أن إطلاق الأدلة نفسه أيضاً لا يقتضي تعقب الركوع للقيام و لو في الجملة لما عرفت من‌

حديث: «لا تعاد الصلاة» «1»‌

، و البناء على البطلان في الفرض لا بد أن يكون ناشئاً من الإجماع على اعتبار اتصال الهوي إلى الركوع بالقيام، و لا فرق بين الفرض و بين ما لو كبر قائماً ثمَّ نسي و جلس و ركع و سجد.

و بالجملة إن بني على الاعتماد على الإجماع المدعى في لسان الجماعة فمقتضاه ركنية القيام المقارن للهوي للركوع، و بطلان الصلاة بفواته، و إن بني على عدم الاعتناء بالإجماعات و الرجوع إلى الإطلاقات فمقتضاها عدم ركنية القيام أصلا، عدا القيام حال التكبير للنص المتقدم. و التفكيك بين الإجماعات المدعاة بالثبوت و عدمه غير ظاهر.

أما وجوبه فلإطلاق ما دل على وجوب القيام في الصلاة الشامل للقراءة كغيرها، و أما كونه غير ركن فلما عرفت من أنه مقتضى‌

حديث: «لا تعاد الصلاة»‌

الدال على صحة الصلاة مع فقد كل ما يعتبر فيها من جزء أو شرط عدا ما استثني، و كذا الحال في القيام بعد الركوع. أما وجوبه فسيأتي دليله في مبحث الركوع.

عن المحقق الثاني الاستشكال فيه: بأنه قيام متصل بقيام القراءة فهما قيام واحد، و لا يكون الواحد واجباً و مندوباً. و أجيب عنه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4‌

 

93
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القيام ج‌6 ص 89

.....في الروض و عن المدارك: «بأنه ممتد يقبل الانقسام إلى الواجب و الندب، و اتصاله بالواجب مع وجود خواص الندب فيه لا يدل على الوجوب».

و استشكل فيه في الجواهر: بأن جواز ترك القيام المقارن للقنوت بترك القنوت معه لا يقتضي الندب، بعد أن كان الترك إلى بدل و هو الفرد الآخر من القيام الذي هو أقصر من هذا الفرد، كما هو شأن سائر الواجبات التخييرية. بل يمكن أن يقال لا جزء مندوب في الصلاة أصلا، و مرجع الجميع إلى أفضل أفراد الواجب التخييري، لأنه لا تجوز مخالفة حكم الأجزاء للجملة، فالأمر إذا تعلق بكل ذي أجزاء جزء إلى أجزائه قطعاً.

و فيه- أولا-: أن لازم ما ذكر لزوم الإتيان بالقنوت و نحوه من الأجزاء المندوبة بنية الوجوب لا الندب، و هو- مع أنه خلاف الإجماع ظاهراً- مخالف لمرتكزات المتشرعة.

و ثانياً: أن ذلك خلاف المستفاد من أدلة مشروعيتها، إذ هي ما بين ظاهر في الاستحباب مثل: أحب أن تفعل كذا. و ينبغي أن تفعل كذا و نحوهما و ما بين ما هو محمول عليه كالأمر بشي‌ء منها المعارض بما يدل على جواز تركه. و بين مثل الأمر بالصلاة معه و الأمر بالصلاة بدونه، الذي قد عرفت في مبحث تكبيرات الافتتاح أن الجمع العرفي بينهما يقتضي أن يكون للزائد مصلحة غير ملزمة زائدة على مصلحة الصلاة الملزمة التي يحصلها مجموع الأجزاء، فالأمر به يكون نفسياً استحبابياً، لا غيرياً، و لا إرشادياً إلى دخله في المصلحة، و لا نفسياً ضمنياً فلاحظ ما سبق في مبحث تكبيرات الافتتاح.

و العجب من شيخنا (ره) في الجواهر كيف رد ظهور نصوص الافتتاح في الوجوب التخييري بين الواحدة و الأكثر بمخالفته للإجماع، و لم يوافق المجلسي (ره) على الأخذ به، و مع ذلك التزم في المقام بأن الأجزاء المندوبة واجبية بالوجوب التخييري من غير فرق بين القنوت و تكبيرات الافتتاح الست‌

94
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القيام ج‌6 ص 89

و قد يكون مباحا و هو القيام بعد القراءة، أو التسبيح، أو القنوت، أو في أثنائها مقداراً من غير أن يشتغل بشي‌ء (1).

و ذلك في غير المتصل بالركوع، و غير الطويل الماحي للصورة (2)

[ (مسألة 1): يجب القيام حال تكبيرة الإحرام من أولها إلى آخرها]

(مسألة 1): يجب القيام حال تكبيرة الإحرام من أولها إلى آخرها، بل يجب من باب المقدمة قبلها و بعدها (3)، و أدعيتها و غيرها. نعم ما ذكره من امتناع المخالفة بين الجزء و الكل في الحكم مسلم لا غبار عليه، و قد أشرنا إليه مراراً، لكن المتعين حينئذ رفع اليد عن كونها أجزاء، و الالتزام بأنها أمور مستحبة في الكل، لا الالتزام بوجوبها التخييري الذي عرفت الاشكال عليه.

نعم ما ذكره: من أن جواز ترك القيام المقارن للقنوت بترك القنوت معه لا يقتضي الندب في محله، لأن المندوب ما يجوز تركه مع وجود شرط ندبه، لا ما يجوز تركه في حال ترك شرط ندبه، فان جميع الواجبات المشروطة بشرط يجوز تركها بترك شرط وجوبها، و لا يصح أن يقال: هي مندوبة فإذا كان شرط وجوب القيام الواجب حال القنوت هو القنوت فجواز تركه بترك القنوت لا يقتضي ندبه، فإطلاق المندوب على القيام في حال القنوت مسامحة ظاهرة.

إذ لا أمر بالقيام في الموارد المذكورة و نحوها، لا وجوباً، و لا استحباباً. لعدم الدليل عليه، فلا يجوز الإتيان به بقصد المشروعية.

فإن الأول ركن كما سبق، و الثاني مبطل، فيكون حراماً لو كانت الصلاة فريضة.

تقدم الإشكال في وجوب ذلك من باب المقدمة العلمية لاختصاصه بالفرد المشتبه بالواجب، و كذا من باب المقدمة الوجودية لاختصاصه بما يتوقف عليه الوجود، و تقدم أن الوجوب في المقام عرضي، للتلازم خارجاً‌

 

95
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 1 يجب القيام حال تكبيرة الإحرام من أولها إلى آخرها ج‌6 ص 95

فلو كان جالساً و قام للدخول في الصلاة، و كان حرف واحد من تكبيرة الإحرام حال النهوض قبل تحقق القيام بطل، كما أنه لو كبر المأموم و كان الراء من أكبر حال الهوي للركوع كان باطلا، بل يجب أن يستقر قائماً (1)، ثمَّ يكبر، و يكون مستقراً بعد التكبير، ثمَّ يركع.

[ (مسألة 2): هل القيام حال القراءة و حال التسبيحات الأربع شرط فيهما أو واجب حالهما؟]

(مسألة 2): هل القيام حال القراءة و حال التسبيحات الأربع شرط فيهما أو واجب حالهما؟ وجهان (2)، الأحوط الأول، و الأظهر الثاني، فلو قرأ جالساً نسياناً، ثمَّ تذكر بعدها، أو في أثنائها صحت قراءته و فات محل القيام، و لا بين القيام قبلها أو بعدها آناً ما، و بين القيام حالها، و الوجه في بقية المسألة ظاهر.

لما تقدم من وجوب الاستقرار في التكبير.

ينشآن من ظهور كلمات الأصحاب في الجزئية في عرض سائر الأجزاء، و كذا بعض النصوص مثل‌

صحيح زرارة المتقدم في صدر المبحث: «و قم منتصباً»‌

. و من ظهور أكثر نصوص الباب في الشرطية للأجزاء.

و قد تقدم بعضها في صدر المبحث. و البناء عليهما- أخذاً بظاهر كلا الدليلين- بعيد جداً، و العمل على ظاهر الثاني و صرف ظاهر الأول إليه لعله أقرب. فإن صحيح زرارة ظاهر في إرادة الإلزام بالانتصاب، لا تشريع وجوب القيام في الصلاة، فليس له ظهور قوي في وجوب القيام مستقلا.

اللهم إلا أن يكون بملاحظة الارتكاز العرفي، فإن القيام في نفسه من مظاهر العبودية، فوجوبه يكون لنفسه لا شرطاً لغيره. لكن في كفاية هذا المقدار في رفع اليد عن ظاهر الأدلة تأمل ظاهر.

 

96
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 هل القيام حال القراءة و حال التسبيحات الأربع شرط فيهما أو واجب حالهما ج‌6 ص 96

يجب استئناف القراءة (1)، لكن الأحوط الاستئناف قائماً (2).

[ (مسألة 3): المراد من كون القيام مستحباً حال القنوت أنه يجوز تركه بتركه]

(مسألة 3): المراد من كون القيام مستحباً حال القنوت أنه يجوز تركه بتركه (3) لا أنه يجوز الإتيان بالقنوت جالساً عمداً.

إذ وجوب استئنافها إنما يكون لعدم صحتها و وقوعها زيادة في غير محلها، و لأجل أنه لا قصور في القراءة في نفسها، فلا بد أن يكون ذلك لعدم الإتيان بالقيام مقارناً لها، و هو لو اقتضى إعادتها اقتضى إعادة سائر الأجزاء المأتي بها، لعدم الفرق بينها في مطابقتها لموضوع الأمر بها و عدم انضمام القيام إليها. و حينئذ يتعين الاستئناف من رأس، و حيث أنه منفي‌

بحديث: «لا تعاد الصلاة»‌

يجب البناء على سقوط أمر القيام، و عدم لزوم انضمامه إلى غيره من الأجزاء في هذا الحال. نعم لو بني على كون القيام شرطاً في القراءة تعين استئنافها لعدم الإتيان بها مطابقة لموضوع أمرها الضمني لفقد شرطها، و لا وجه لا عادة بقية الأجزاء، و سيأتي إن شاء اللّه في مبحث الخلل ما له نفع في المقام.

فيأتي بها بقصد القربة المطلقة لاحتمال كونها شرطا، بل عرفت أنه أقرب بالنظر إلى النصوص.

كما تقدم في عبارة الجواهر، و عن غيرها بنحو يظهر منه المفروغية عنه. و هو مما لا ينبغي الإشكال فيه، لما عرفت من أنه إذا كان واجباً في حال خاص كانت تلك الحال بمنزلة شرط وجوبه، فلا يجب مع عدمه و عرفت أن إطلاق المستحب على مثل ذلك مسامحة. نعم الإشكال في اختصاص جواز تركه بترك القنوت بحيث لا يجوز تركه مع فعل القنوت، و كأن دليله‌

موثق عمار عن أبي عبد اللّه (ع): «عن الرجل ينسى القنوت في الوتر أو غير الوتر. قال (ع): ليس عليه شي‌ء، و قال (ع): إن‌

 

97
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 المراد من كون القيام مستحبا حال القنوت أنه يجوز تركه بتركه ج‌6 ص 97

لكن نُقل عن بعض العلماء (1) جواز إتيانه جالساً، و أن القيام مستحب فيه لا شرط. و على ما ذكرنا فلو أتى به جالساً عمداً لم يأت بوظيفة القنوت، بل تبطل صلاته للزيادة (2).

ذكره و قد أهوى إلى الركوع قبل أن يضع يديه على الركبتين فليرجع قائما و ليقنت، ثمَّ ليركع» «1».

و يمكن الاستدلال له بما دل على أن الصحيح يصلي قائما «2». بناء على ما سبق من أن القنوت صلاة، و إن لم يكن جزءاً من المفهوم الواجب أو فرده. اللهم إلا أن يقال: الظاهر من القيام في الموثق ما يقابل الانحناء لا ما يقابل الجلوس كما هو محل الكلام، فتأمل. و أنه لو سلم كون القنوت و نحوه من الصلاة فالمنصرف اليه دليل اعتبار القيام خصوص الصلاة الأصلية، فتأمل.

لم أعثر على هذا القائل. و كأن مستنده ما سبق من المناقشة في دليل وجوبه في القنوت، فيرجع إلى إطلاق دليل مشروعيته لنفي الشرطية أو أصالة البراءة من وجوبه في القنوت بناء على وجوبه مستقلا فيه.

قد تقدم الاشكال فيه، و أن القنوت و غيره من المندوبات لو أتي بها في غير المحل على النحو الذي شرعت عليه في المحل لم تكن زيادة، لعدم مشروعيتها على نحو الجزئية، بل مشروعة على نحو الضميمة للمأمور به. فالإتيان بها كذلك يكون نظير إدخال صلاة في صلاة فراجع.

نعم إذا كان القيام واجبا صلاتيا في حال القنوت، فاذا قنت جالسا فقد ترك الواجب عمداً فتبطل صلاته لذلك لا للزيادة. هذا و مقتضى تعليل المصنف (ره) البطلان في المقام بالزيادة أن القيام شرط في القنوت عنده‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 15 من أبواب القنوت حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب القيام حديث: 1 و قد تقدم في أول الفصل.

 

98
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 4 لو نسي القيام حال القراءة و تذكر بعد الوصول إلى حد الركوع صحت صلاته ج‌6 ص 99

[ (مسألة 4): لو نسي القيام حال القراءة و تذكر بعد الوصول إلى حد الركوع صحت صلاته]

(مسألة 4): لو نسي القيام حال القراءة و تذكر بعد الوصول إلى حد الركوع صحت صلاته (1)، و لو تذكر قبله فالأحوط الاستئناف على ما مر (2).

[ (مسألة 5): لو نسي القراءة أو بعضها و تذكر بعد الركوع صحت صلاته إن ركع عن قيام]

(مسألة 5): لو نسي القراءة أو بعضها و تذكر بعد الركوع صحت صلاته إن ركع عن قيام، فليس المراد من كون القيام المتصل بالركوع ركناً أن يكون بعد تمام القراءة.

[ (مسألة 6): إذا زاد القيام كما لو قام في محل القعود- سهواً لا تبطل صلاته]

(مسألة 6): إذا زاد القيام كما لو قام في محل القعود- سهواً (3) لا تبطل صلاته، و كذا إذا زاد القيام حال القراءة بأن زاد القراءة سهواً. و أما زيادة القيام الركني فغير متصورة من دون زيادة ركن آخر، فان القيام حال تكبيرة كما يأتي تصريحه بذلك في مبحث القنوت- و هو خلاف ما اختاره في القيام حال القراءة، و الفرق بين المقامين غير ظاهر. و موثق عمار المتقدم لا يدل على اعتباره بنحو الشرطية.

لأنه يدور الأمر بين بقاء الأمر بالقراءة فيلزم زيادة الركوع الذي فعله لفوات الترتيب فتبطل الصلاة، و بين سقوط الأمر بها فيصح الركوع و تصح الصلاة. و إذ أن الأول يستلزم وجوب الإعادة، ينتفي‌

بحديث: «لا تعاد الصلاة»‌

، فيتعين البناء على الثاني. و سيأتي التعرض لذلك في مباحث الخلل. ثمَّ إن هذا إذا قام بعد القراءة جالساً فركع عن قيام، أما إذا ركع عن جلوس فصلاته باطلة، لفوات القيام المتصل بالركوع الذي هو الركن كما سبق.

يعني في المسألة الثانية، و قد تقدم أن الأقوى عدمه.

قد عرفت الإشكال في كون القيام للقراءة و التسبيح جزءاً أو‌

 

99
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 6 إذا زاد القيام كما لو قام في محل القعود سهوا لا تبطل صلاته ج‌6 ص 99

الإحرام لا يزاد إلا بزيادتها، و كذا القيام المتصل بالركوع لا يزاد إلا بزيادته. و إلا فلو نسي القراءة أو بعضها، فهوى للركوع، و تذكر قبل أن يصل إلى حد الركوع، رجع و أتى بما نسي، ثمَّ ركع و صحت صلاته، و لا يكون القيام السابق على الهوي الأول متصلا بالركوع حتى يلزم زيادته إذا لم يتحقق الركوع بعده فلم يكن متصلا به. و كذا إذا انحنى للركوع فتذكر قبل أن يصل إلى حده أنه أتى به، فإنه يجلس للسجدة، و لا يكون قيامه قبل الانحناء متصلا بالركوع شرطا لهما، فعلى تقدير الشرطية لا يتصور زيادته سهواً، لأن الساهي إنما يأتي به سهواً في غير المحل على وجه مشروعيته في المحل، فاذا كان تشريعه في محله على وجه الشرطية لا الجزئية فالإتيان به سهواً لا بد أن يكون أيضاً على وجه الشرطية لا الجزئية، و قد عرفت أن الزيادة متقومة بقصد الجزئية و على تقدير الجزئية فهو إنما يكون جزءاً في حال الأفعال الصلاتية لا غير فالإتيان به سهواً من دون اقترانه بقراءة أو تسبيح ليس زيادة سهوية، لما عرفت من أن الساهي إنما يأتي بالفعل في غير المحل على نحو مشروعيته في المحل، فاذا كان القيام قبل القراءة أو التسبيح ليس جزءاً فالإتيان به سهواً ليس زيادة في الصلاة.

نعم تتصور زيادة القيام بعد الركوع بأن ينتصب بعد الركوع و يهوي للسجود فيسجد ثمَّ يتخيل أنه لم ينتصب بعد ركوعه فيقوم ثانياً بقصد الانتصاب بعد الركوع فهذا القيام زيادة سهوية. أما لو نسي السجود أو التشهد فقام ثمَّ ذكر فرجع إلى المنسي فليس ذلك القيام زيادة، لأنه لم يشرع جزءاً مع الالتفات، فكذا في حال السهو كما عرفت.

 

100
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 6 إذا زاد القيام كما لو قام في محل القعود سهوا لا تبطل صلاته ج‌6 ص 99

ليلزم الزيادة.

[ (مسألة 7): إذا شك في القيام حال التكبير، بعد الدخول فيما بعده]

(مسألة 7): إذا شك في القيام حال التكبير، بعد الدخول فيما بعده، أو في القيام المتصل بالركوع بعد الوصول إلى حده، أو في القيام بعد الركوع بعد الهوي إلى السجود، و لو قبل الدخول فيه لم يعتن به، و بنى على الإتيان (1).

[ (مسألة 8): يعتبر في القيام الانتصاب]

(مسألة 8): يعتبر في القيام الانتصاب (2)، كل ذلك لقاعدة التجاوز، بناء على شمولها لمطلق الفعل المرتب على المشكوك. و لو قيل باختصاصها بالأفعال المعهودة المفردة بالتبويب، أو بالإفعال الأصلية، فلا تشمل مقدمات الأفعال امتنع جريانها في الشك في القيام بعد الركوع بعد الهوي إلى السجود قبل الدخول فيه، بناء على أن الهوي من المقدمات للسجود. لكن القولين المذكورين ضعيفان مخالفان لإطلاق الأدلة- كما أشرنا إلى ذلك في بعض مباحث الأذان. و يأتي إن شاء اللّه في مبحث الخلل- و‌

في صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أ ركع أم لم يركع قال (ع): قد ركع» «1»‌

، و التفكيك بين الركوع و القيام بعده غير ظاهر.

كما صرح به جمهور الأصحاب كما في مفتاح الكرامة، و يشهد له‌

صحيح زرارة: «و قم منتصباً فان رسول اللّه (ص) قال: من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له» «2»‌

، و‌

صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع):

قال أمير المؤمنين (ع): من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له» «3»‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الركوع حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب القيام حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب القيام حديث: 2.

 

101
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 8 يعتبر في القيام الانتصاب ج‌6 ص 101

و الاستقرار (1)، بل في الجواهر، و عن نهاية الأحكام، و التذكرة، و الذكرى: اعتباره في مفهوم القيام عرفاً. قال في نهاية الأحكام: «لو انحنى و لم يبلغ حد الراكعين فالأقرب عدم الجواز لعدم صدق القيام» و حينئذ يدل عليه كل ما دل على اعتبار القيام في الصلاة من الإجماع و النصوص. لكنه لا يخلو من تأمل. و إن كان يساعده بعض موارد الاشتقاق مثل: قام الأمر: اعتدل و استقام كذلك، و قوّم الأمر: عدله، و القوام: العدل، فان ذلك كله بحسب أصل اللغة لا العرف، إذ الظاهر صدق القائم عرفاً على المنحني ببعض مراتب الانحناء، و عدم صدق المنتصب عليه كما يشير اليه الصحيح الأول.

و دعوى أن ذلك مساهلة من أهل العرف غير مسموعة. فالعمدة فيه النصوص المتعرضة لوجوبه بالخصوص.

نسب إلى غير واحد دعوى الإجماع عليه، و في الجواهر: «الإجماع متحقق على اعتباره فيه كغيره من أفعال الصلاة». و استدل له بالإجماع، و بدخوله في مفهوم القيام، و‌

بخبر سليمان بن صالح عن أبي عبد اللّه (ع): «و ليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة» «1»‌

، و‌

بخبر السكوني- فيمن يريد أن يتقدم و هو في الصلاة- حيث قال (ع): «يكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدم إلى الموضع الذي يريد، ثمَّ يقرأ» «2».

و قد تقدم في تكبيرة الإحرام منع الثاني، و عدم تمامية الثالث، و عدم صلاحية الرابع لإثبات الكلية.

و استدل له أيضاً‌

بخبر هارون بن حمزة الغنوي: «أنه سأل أبا عبد اللّه (ع) عن الصلاة في السفينة، فقال (ع): إن كانت محملة ثقيلة إذا قمت فيها‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الأذان حديث: 12.

(2) الوسائل باب: 34 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

 

102
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 8 يعتبر في القيام الانتصاب ج‌6 ص 101

و الاستقلال (1) حال الاختيار، فلو انحنى قليلا، أو مال إلى أحد الجانبين بطل،

لم تتحرك فصلّ قائماً، و إن كانت خفيفة تكفأ فصل قاعداً» «1»‌

بناء على ظهوره في تقديم الاستقرار جالساً على القيام متحركاً، فلو لا وجوبه لم يكن لترجيحه على الواجب وجه. و فيه: أن الظاهر من قوله (ع):

«لم تتحرك»‌

- بقرينة الشرطية الثانية- أنها لا تكفأ، فتدل على ترجيح الجلوس بلا انكفاء على القيام مع الانكفاء، فتكون أجنبية عما نحن فيه.

و دعوى: أن الظاهر من قوله (ع):

«تكفأ»‌

هو التحرك، إذ من الواضح عدم انقلاب السفينة بقيام واحد فيها. من دفعة: بأن المراد من‌

«تكفأ»‌

أنها تكفأ من قام فيها، لا أنها هي تنكفئ. و الوجه في انكفاء القائم هو حركتها بنحو لا يقوى على القيام، كما يظهر ذلك لمن قام على ظهر الدابة و كأن هذا نشأ من توهم أن معنى‌

«تكفأ»‌

تنكفئ. فاذاً العمدة في دليله الإجماع كما سبق.

و ليعلم أن اعتبار الاستقرار في القيام في تكبيرة الإحرام و القراءة مساوق لاعتباره فيهما، فذكر اعتباره فيهما كاف عن ذكر اعتباره فيه. و هذا بخلاف القيام بعد الركوع، فإنه واجب فيه لنفسه كما هو ظاهر.

على المشهور، بل عن المختلف: دعوى الإجماع عليه، لدخوله في مفهوم القيام- كما قد يظهر من القواعد و الذكرى و نسب إلى ظاهر المحقق الكركي و فخر المحققين- أو لانصراف نصوص اعتبار القيام اليه أو لأنه المعهود من النبي (ص) فيدخل تحت‌

قوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي» «2»‌

، أو‌

لصحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (ع): «لا تمسك‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 14 من أبواب القيام حديث: 2.

(2) كنز العمال ج: 4 صفحة: 62 حديث: 1196.

 

103
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 8 يعتبر في القيام الانتصاب ج‌6 ص 101

بخمرك و أنت تصلي، و لا تستند إلى جدار و أنت تصلي، إلا أن تكون مريضاً» «1»‌

، و‌

خبر ابن بكير المروي عن قرب الاسناد، قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الصلاة قاعداً أو متوكئاً على عصا أو حائط، قال عليه السلام: لا، ما شأن أبيك و شأن هذا، ما بلغ أبوك هذا بعد» «2»‌

أو مفهوم‌

الخبر المروي عن دعوات الراوندي: «فان لم يتمكن من القيام بنفسه اعتمد على حائط أو عكازة» «3».

لكن الجميع لا يخلو عن إشكال، لمنع الأولين، و عدم تمامية الثالث و معارضة الصحيح و غيره‌

بصحيح ابن جعفر (ع): سأل أخاه موسى بن جعفر (ع): «عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد و هو يصلي، أو يضع يده على الحائط و هو قائم من غير مرض و لا علة؟

فقال (ع): لا بأس. و عن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأولتين، هل يصلح له أن يتناول جانب المسجد فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف و لا علة؟ فقال (ع): لا بأس به» «4»‌

، و‌

موثق ابن بكير عن أبي عبد اللّه: «عن الرجل يصلي متوكئاً على عصا أو على حائط، فقال (ع): لا بأس بالتوكؤ على عصا و الاتكاء على الحائط» «5»‌

و نحوهما غيرهما.

و حمل الأخيرة على صورة عدم الاعتماد، و الأولى على صورة الاعتماد‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب القيام، حديث: 2. و الخمر- بالفتح و التحريك-:

ما وراءك من شجر و غيره.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 20.

(3) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 7.

(4) الوسائل باب: 10 من أبواب القيام حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 10 من أبواب القيام حديث: 4.

 

104
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 8 يعتبر في القيام الانتصاب ج‌6 ص 101

و كذا إذا لم يكن مستقراً أو كان مستنداً على شي‌ء من إنسان أو جدار، أو خشبة، أو نحوها. نعم لا بأس بشي‌ء منها حال الاضطرار (1). و كذا يعتبر فيه عدم التفريج بين الرجلين فاحشاً بحيث يخرج عن صدق القيام (2)، و أما إذا كان بغير الفاحش فلا بأس (3).

لا شاهد عليه، فلا يكون جمعاً عرفياً. بل الجمع العرفي حمل الأول على الكراهة، و الأخذ بظاهر الثانية من الجواز، و لو فرض التعارض فالترجيح للثانية، لأنها أكثر و أشهر. و كأنه لذلك اختار أبو الصلاح الجواز على كراهة، و عن المدارك، و الكفاية، و البحار، و التنقيح، و في الحدائق، و المستند: تقويته. و الطعن في النصوص الأخيرة بموافقة العامة، غير قادح في الحجية، و لا موجب للمرجوحية إلا بعد فقد الترجيح بالأشهرية. نعم العمدة: وهنها بالشذوذ، و إعراض الأصحاب عنها المسقط لها عن الحجية. فتأمل.

إجماعاً كما في المستند، و في الجواهر: «لا تأمل لأحد من الأصحاب في اعتبار الاختيار في شرطية الاقلال، أما لو اضطر اليه جاز بل وجب و قدم على القعود، بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل عن ظاهر المنتهى الإجماع عليه». و يشهد له ذيل صحيح ابن سنان، و صريح خبر الدعوات، و يشير اليه ذيل خبر ابن بكير.

كما عن جماعة التصريح به، لأن ذلك مخالفة لما دل على وجوب القيام.

في الذكرى، و جامع المقاصد، و عن الألفية، و الدروس، و الروض، و غيرها: أن التباعد بين الرجلين إذا كان فاحشاً يخل بالقيام‌

 

105
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 8 يعتبر في القيام الانتصاب ج‌6 ص 101

و الأحوط الوقوف على القدمين دون الأصابع و أصل القدمين (1) و عن البحار: «أنه المشهور» و هو غير بعيد. و عن المقنعة، و المقنع:

التحديد بالشبر، و كأنه‌

لصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): «إذا قمت في الصلاة فلا تلصق قدمك بالأخرى، دع بينهما فصلا، إصبعاً أقل ذلك إلى شبر أكثره» «1»‌

، و احتمله في الحدائق لأنه المفهوم من النصوص.

و فيه: أن النصوص المتعرضة لذلك ظاهرة في كونها في مقام الآداب و السنن لا الأجزاء و الشرائط، فلا يعول عليها في دعوى الوجوب، و لا سيما مع ظهور اتفاق الأصحاب على الاستحباب.

فقد أوجبه في الجواهر للأصل و التأسي، و لأنه المتبادر المعهود و لعدم الاستقرار بالوقوف على الأصابع لا القدمين، و‌

لخبر أبي بصير عن أبي جعفر (ع): «كان رسول اللّه (ص) يقوم على أطراف أصابع رجليه فأنزل اللّه سبحانه (طه مٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقىٰ) «2»» «3»‌

و قريب منه خبره الآخر «4» المحكي عن تفسير القمي. و فيه: أنه لا مجال للأصل مع إطلاق دليل اعتبار القيام، مع أن الأصل البراءة، و دليل التأسي قد عرفت إشكاله، و التبادر بدوي لا يعول عليه في رفع اليد عن الإطلاق، و عدم الاستقرار ممنوع كلية، و خبر أبي بصير إنما يجدي لو دل على نفي المشروعية لا نفي الإلزام، و لعل الظاهر منه الثاني، نظير قوله تعالى:

(مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) «5» و‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 17 من أبواب القيام حديث: 2.

(2) طه: 1.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب القيام حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 3 من أبواب القيام حديث: 3.

(5) المائدة: 6.

 

106
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 8 يعتبر في القيام الانتصاب ج‌6 ص 101

و إن كان الأقوى كفايتهما أيضاً، بل لا يبعد إجزاء الوقوف على الواحدة (1).

[ (مسألة 9): الأحوط انتصاب العنق أيضاً]

(مسألة 9): الأحوط انتصاب العنق أيضاً (2)، و إن كان الأقوى جواز الاطراق.

(يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) «1».

للإطلاق الموافق لأصل البراءة، و في الذكرى: «الأقرب وجوب الاعتماد على الرجلين معاً في القيام، و لا تجزئ الواحدة مع القدرة» و نحوه في الدروس، و اختاره في كشف اللثام، و استظهره في الجواهر، و جزم به في كشف الغطاء، بل في مفتاح الكرامة: «لا إشكال في البطلان لو اقتصر على وضع واحدة منهما». لما تقدم من أن الأصل و التأسي، و لأنه المتبادر، و لعدم الاستقرار، و للمروي‌

عن قرب الاسناد عن ابن بكير عن أبي عبد اللّه (ع): «أن رسول اللّه (ص) بعد ما عظم أو بعد ما ثقل كان يصلي و هو قائم، و رفع إحدى رجليه حتى أنزل اللّه تعالى (طه مٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقىٰ) فوضعها» «2»‌

و في الجميع ما عرفت. فرفع اليد عن الإطلاق غير ظاهر.

لما عن الصدوق (ره) من القول بوجوبه، و لم يعرف ذلك لغيره. و المصرح به في كلامهم العدم، و يشهد للصدوق‌

مرسل حريز عن رجل عن أبي جعفر (ع): قلت له: « (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ) «3» قال (ع): النحر: الاعتدال في القيام، أن يقيم صلبه و نحره» «4»‌

______________________________
(1) البقرة: 185.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب القيام حديث: 4.

(3) الكوثر: 2.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب القيام حديث: 3.

 

107
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 إذا ترك الانتصاب ج‌6 ص 108

[ (مسألة 10): إذا ترك الانتصاب]

(مسألة 10): إذا ترك الانتصاب، أو الاستقرار، أو الاستقلال ناسياً صحت صلاته و إن كان ذلك في القيام الركني (1)، لكن الأحوط فيه الإعادة.

لكن لإعراض المشهور عنه و ضعفه في نفسه لا مجال للاعتماد عليه. بل عن الحلبي: استحباب إرسال الذقن إلى الصدر، و إن كان وجهه غير ظاهر.

لحديث: «لا تعاد الصلاة» «1»‌

الدال بإطلاقه على صحة الصلاة مع الإخلال بجزء منها، أو شرط لها، أو لجزئها عدا الخمسة المذكورة، الحاكم على ما دل على الجزئية أو الشرطية، الشامل بإطلاقه للعمد و السهو، و منه المقام. نعم لو تمَّ القول بدخول الانتصاب أو الاستقرار أو الاستقلال في مفهوم القيام عرفا كان انتفاؤه موجباً لانتفاء القيام فاذا كان القيام ركناً- كالقيام في التكبير أو المتصل بالركوع- بطلت الصلاة لفوات الركن، لكن عرفت أن القول المذكور ضعيف، و لا سيما بالنسبة إلى الأخيرين.

فإن قلت: إذا لم يكن واحد من الأمور المذكورة داخلا في مفهوم القيام، فقد تقدم أن كل واحد منها شرط فيه، فاذا انتفى انتفى القيام لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه، فاذا كان القيام ركنا بطلت الصلاة لفواته.

قلت: يتم هذا لو كان موضوع الركنية هو القيام المشروط، لكنه غير ثابت، فان دليل ركنية القيام في التكبير موثق عمار المتقدم «2»، و الموضوع فيه ذات القيام. و دليل ركنية المتصل بالركوع الإجماع، و المتيقن منه ذلك أيضاً.

هذا كله لو كانت شرطية الأمور المذكورة مستفادة من دليل لفظي مطلقاً، أما لو كانت مستفادة من الإجماع- كما في الاستقرار على ما عرفت-

______________________________
(1) تقدم مراراً. راجع أول فصل تكبيرة الإحرام.

(2) تقدم ذكره في أول فصل القيام‌

 

108
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 11 لا يجب تسوية الرجلين في الاعتماد ج‌6 ص 109

[ (مسألة 11): لا يجب تسوية الرجلين في الاعتماد]

(مسألة 11): لا يجب تسوية الرجلين في الاعتماد (1) فيجوز أن يكون الاعتماد على إحداهما، و لو على القول بوجوب الوقوف عليهما.

فلا يحتاج في تصحيح الصلاة إلى‌

حديث: «لا تعاد»‌

، بل إجمال دليله و عدم إطلاقه الشامل لحال السهو كاف في الرجوع إلى أصالة البراءة من شرطيته في حال السهو، كما هو ظاهر، و أشرنا إليه في مسألة وجوب الاستقرار في تكبيرة الإحرام، فإن ذلك من صغريات المقام- أعني ترك الاستقرار سهواً في القيام الركني- لما عرفت في هذه المسألة. من أن وجوب الاستقرار في القيام المقارن للتكبير و القراءة مساوق لوجوب الاستقرار في حالي التكبير و القراءة.

و من هنا يظهر التنافي بين فتوى المصنف (ره) بوجوب الاستقرار حال التكبير على نحو الركنية فتبطل الصلاة بفواته سهواً، و بين فتواه هنا بصحة الصلاة بفوات الاستقرار سهواً حال القيام الركني، مع أن الدليل في المقامين واحد، فاما أن يكون له إطلاق يشمل السهو أولا، أو يكون الإطلاق على تقدير وجوده محكوماً‌

بحديث: «لا تعاد الصلاة»‌

أولا، فتأمل جيداً.

تسوية الرجلين في الاعتماد. تارة: يراد منها التسوية في مرتبة الاعتماد، بأن يكون الاعتماد على إحداهما بمقدار الاعتماد على الأخرى. و أخرى:

يراد منها التسوية في أصل الاعتماد، بأن يكون الاعتماد على كل منهما لا على إحداهما مع مجرد مماسة الأخرى للموقف. إما التسوية بالمعنى الأول فالظاهر أنه لا إشكال في عدم وجوبها، كما يقتضيه إطلاق أدلة وجوب القيام. و أما التسوية بالمعنى الثاني فنسب القول بوجوبها إلى الذكرى، و جامع المقاصد، و الجعفرية، و شرحها و الروض، و المدارك، و كشف اللثام، لما فيها من أن الأقرب وجوب الاعتماد على الرجلين معاً، مستدلين على ذلك بالتأسي، و أنه المتبادر، و بعدم‌

 

109
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 12 لا فرق في حال الاضطرار بين الاعتماد على الحائط أو الإنسان أو الخشبة ج‌6 ص 110

[ (مسألة 12): لا فرق في حال الاضطرار بين الاعتماد على الحائط، أو الإنسان، أو الخشبة]

(مسألة 12): لا فرق في حال الاضطرار بين الاعتماد على الحائط، أو الإنسان، أو الخشبة (1). و لا يعتبر في سناد الأقطع أن يكون خشبته المعدة لمشيه، بل يجوز له الاعتماد على غيرها من المذكورات.

[ (مسألة 13): يجب شراء ما يعتمد عليه عند الاضطرار أو استئجاره مع التوقف عليهما]

(مسألة 13): يجب شراء ما يعتمد عليه عند الاضطرار أو استئجاره مع التوقف عليهما (2).

الاستقرار، و‌

بقوله (ص): «صلوا كما رأيتموني أصلي» «1».

و استشكل في جميع ذلك في الجواهر- تبعاً لما في مفتاح الكرامة- و هو في محله كما عرفت. و لأجله احتمل فيها أن يكون مرادهم منها ما يقابل رفع إحدى الرجلين بالكلية، فإنها واجبة حينئذ. و لذا فرع في الذكرى، و جامع المقاصد على ذلك بقوله: «و لا تجزئ الواحدة مع القدرة»، و قد عرفت أن المسألتين من باب واحد، و الأدلة المذكورة إن تمت في الثانية تمت في الأولى، فالتفكيك بينهما في ذلك غير ظاهر.

كما صرح بذلك كله في الجواهر. و العمدة فيه ظهور الإجماع على عدم الفرق، و إلا فلو احتمل تعين واحد من ذلك كانت المسألة من موارد الشك في التعيين و التخيير، التي يكون المرجع فيها أصالة الاحتياط، المقتضية للتعيين كما هو المشهور. و ليس في صحيح ابن سنان أو غيره- مما سبق- «2» إطلاق ينفيه.

لأجل أن الاعتماد على الشي‌ء في الصلاة ليس تصرفاً صلاتياً، فاذا كان الاعتماد محرماً لكونه اعتماداً على المغصوب لا تفسد الصلاة، فالشراء و الاستئجار الراجعان الى ملك العين أو المنفعة مما لا تتوقف عليهما الصلاة،

______________________________
(1) كنز العمال ج: 4 صفحة: 62 حديث: 1196.

(2) تقدم ذكرها في المسألة: 8 من هذا الفصل.

 

110
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 القيام الاضطراري بأقسامه ج‌6 ص 111

[ (مسألة 14): القيام الاضطراري بأقسامه]

(مسألة 14): القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء، أو الميل إلى أحد الجانبين، أو مع الاعتماد، أو مع عدم الاستقرار، أو مع التفريج الفاحش بين الرجلين (1) مقدم على الجلوس (2).

فلا يجبان بالوجوب الغيري، و إنما يجبان عقلا فراراً عن الوقوع في الحرام، فالمقام نظير شراء الدابة أو استعارتها أو نحو ذلك، من أسباب استباحة التصرف في ركوبها في سفر الحج عند عدم القدرة على سلوك طريقه إلا بركوبها، و ليس وجوب الشراء أو نحوه من الوجوب الغيري، بل هو عقلي بملاك وجوب الجمع بين غرضي الشارع. و قد أشرنا إلى ذلك في مسألة وجوب التيمم على الجنب للوصول الى الماء الكائن في المسجد لا غير، بقصد الاغتسال منه. فراجع.

ستأتي دعوى الجواهر: عدم معرفة الخلاف في تقديمه على الجلوس، و الاعتماد عليها في الخروج عن إطلاق ما دل على وجوب الجلوس على من لم يستطع القيام لا يخلو من إشكال. و استفادة ذلك من صحيح ابن يقطين الآتي- كما ادعاه في الجواهر- غير ظاهرة، للفرق بين الحالتين و دعوى أنه ميسور القيام فيقدم على القعود لا تجدي إلا بعد ثبوت هذه الكلية بحيث يعارض بها إطلاق بدلية الجلوس عن القيام. و دليله غير ظاهر.

بلا إشكال ظاهر إلا في بعض صوره كما ستأتي الإشارة اليه.

و يمكن أن يستفاد تقديم القسم الأول من القيام- أعني الفاقد للانتصاب- من‌

صحيح علي بن يقطين عن أبي الحسن (ع): «سألته عن السفينة لم يقدر صاحبها على القيام، يصلي فيها و هو جالس يومئ أو يسجد، قال (ع):

يقوم و إن حنى ظهره» «1».

______________________________
(1) الوسائل باب: 14 من أبواب القيام حديث: 5.

 

111
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 القيام الاضطراري بأقسامه ج‌6 ص 111

.....

كما يمكن أيضاً أن يستفاد تقديم القسم الثاني- أعني الفاقد للاستقلال- من صحيح ابن سنان المتقدم «1» في وجوب الاستقلال، بضميمة الإجماع على أنه إذا جاز وجب. و يقتضيه ظاهر المروي عن دعوات الراوندي «2» و إطلاق ما دل على وجوب القيام، و ما دل على اختصاص مشروعية الجلوس بمن لا يتمكن من القيام.

و أما تقديم القسم الثالث من القيام- أعني الفاقد للاستقرار- فالوجه فيه أظهر، إذ قد عرفت أن العمدة في دليل وجوبه الإجماع، و المتيقن منه في غير حال الاضطرار، فالمرجع فيه إطلاق ما دل على وجوب القيام.

فوجوب الصلاة قائماً حينئذ ليس من باب قاعدة الميسور، و جعل البدل الاضطراري، كي يحتاج الى دليل- كما في الفرضين السابقين و غيرهما من موارد جعل البدل الاضطراري- بل هو من باب الوجوب الأولي في عرض الوجوب حال الاختيار. و لو سلم إطلاق دليل وجوبه فإطلاق ما دل على اختصاص مشروعية الجلوس بمن لا يقدر على القيام يقتضي تعين القيام و لو بلا استقرار.

و من ذلك يظهر ضعف ما ذكره الشهيد (ره) في الذكرى: من ترجيح القعود الواجد للاستقرار على القيام الفاقد له. قال: «و من عجز عن القيام مستقراً، و قدر على القيام ماشياً أو مضطرباً من غير معاون، ففي جواز ترجيحه على القيام ساكناً بمعاون، أو على القعود لو تعذر المعاون نظر، أقربه ترجيحهما عليه، لأن الاستقرار ركن في القيام، إذ هو المعهود من صاحب الشرع». و تبعه عليه العلامة الطباطبائي (قده) حيث قال:

«و من قرار في القيام عدما فللجلوس بالقيام قدما»

______________________________
(1) في المسألة: 8 من أحكام القيام. و مرت الإشارة إليه في المسألة: 12 من هذا الفصل.

(2) المتقدم في مسألة: 8 من احكام القيام.

 

112
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 القيام الاضطراري بأقسامه ج‌6 ص 111

و يمكن أن يستشهد له‌

برواية الغنوي عن الصلاة في السفينة «فقال (ع): إن كانت محملة ثقيلة قمت إذا فيها لم تتحرك فصل قائماً، و إن كانت خفيفة تكفأ فصل قاعداً» «1».

و فيه: انك عرفت في مبحث الاستقرار في القيام عدم صلاحية الرواية لإثبات اعتباره، فلا تدل على ترجيح القعود على القيام الفاقد له.

و وجهه في الجواهر: بأن الاستقرار مأخوذ في مفهوم القيام، فالعجز عنه عجز عن القيام الذي هو موضوع بدلية الجلوس. و لكن استشكل فيه أيضاً: بمنع ذلك، و أن الاستقرار واجب آخر زائد على القيام فيكون المقام من تعارض وجوب القيام و وجوب الاستقرار كما في الفرضين الآخرين و وجوب القيام مقدم على وجوب الاستقرار كتقديمه على وجوب الانتصاب و الاستقلال، خصوصاً بعد ما ورد في بعض نصوص السفينة «2» من تقديم القيام فيها مع انحناء الظهر و لو بما يخرجه عن صدق القيام. بل لم يعرف خلاف بين الأصحاب في تقديم كل ما يقرب الى القيام من التفخج الفاحش و نحوه على القعود. هذا و لكن الاحتياج الى ذلك كله إنما يكون بعد فرض إطلاق دليل وجوب الاستقرار، و إلا فالمرجع إطلاق وجوب القيام كما عرفت.

و المتحصل من ذلك كله: أنه يقدم القيام الفاقد للاستقرار على القعود الواجد له. و وجهه: إما عدم الدليل على وجوب الاستقرار في حال الاضطرار فلا يكون القيام حينئذ بدلا اضطرارياً. أو لأن الدليل على وجوبه زائداً على وجوب القيام و إن كان شاملا لحال الاضطرار، لكنه لا مجال لتشريع الجلوس، لاختصاص دليل مشروعيته بالعجز عن القيام، و هو غير حاصل. أو لأنه داخل في مفهوم القيام، إلا أنه يستفاد مما ورد‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 14 من أبواب القيام حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب القيام حديث: 5. و تقدمت في أول التعليقة.

 

113
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 القيام الاضطراري بأقسامه ج‌6 ص 111

و لو دار الأمر بين التفريج الفاحش و الاعتماد، أو بينه و بين ترك الاستقرار قدما عليه (1)، أو بينه و بين الانحناء، أو الميل إلى أحد الجانبين قدم ما هو أقرب إلى القيام (2). و لو دار في السفينة و من الإجماع أن القيام الناقص مقدم على القعود.

ثمَّ إن الدوران بين الأحوال المذكورة في هذا المقام ليس من باب التزاحم الذي يكون الحكم عقلا فيه الترجيح، إذا علمت الأهمية في واحد بعينه، أو احتملت كذلك، و التخيير، إذا احتملت الأهمية في كل من الطرفين، أو علمت المساواة بينهما، لاختصاص ذلك بصورة تعدد المقتضيات و تزاحمها في مقام الامتثال لعدم قدرة المكلف على ذلك. و ليس المقام كذلك، إذ مصلحة الصلاة واحدة، و إنما التردد فيما يكون محصلا تلك المصلحة، و الحكم فيه عقلا وجوب الاحتياط بالتكرار إلا أن يقوم دليل بالخصوص على الاجتزاء بأحد الطرفين، من إجماع أو غيره، أو يكون هو مقتضى الجمع بين الأدلة، فإذا لم يكن الأمر كذلك تعين الاحتياط بالجمع و التكرار. و على هذا يجب الجري في المسائل المذكورة في هذا المقام.

لما سبق في تقديمهما على الجلوس.

قد عرفت أن الانحناء في الجملة. و كذا الميل الى أحد الجانبين لا يمنع من صدق القيام. و حينئذ لا مجال للتأمل في تقديمهما على التفريج الفاحش، إذ غاية ما يقتضي الاضطرار سقوط اعتبار الانتصاب، و لا وجه لرفع اليد عن القيام، فإطلاق دليل وجوبه محكم. نعم إذا كان الانحناء و الميل يمنعان عن صدق القيام فقد يشكل الترجيح، لاحتمال التعيين في كل من الطرفين كما يحتمل التخيير و اللازم في مثل ذلك الاحتياط بالتكرار.

و ترجيح ما هو أقرب الى القيام بقاعدة الميسور يتوقف على وضوح الأقربية على وجه يصدق الميسور عليه عرفا لا غيره، و لكنه غير ظاهر.

 

114
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 14 القيام الاضطراري بأقسامه ج‌6 ص 111

الأمر بين ترك الانتصاب و ترك الاستقلال قدم ترك الاستقلال (1) فيقوم منتصباً معتمداً، و كذا لو دار بين ترك الانتصاب و ترك الاستقرار قدما ترك الاستقرار (2) و لو دار بين ترك الاستقلال و ترك الاستقرار قدم الأول، فمراعاة الانتصاب أولى من مراعاة الاستقلال و الاستقرار، و مراعاة الاستقرار أولى من مراعاة الاستقلال.

هذا ظاهر لو كان الانتصاب داخلا في مفهوم القيام، لأنه حينئذ يدور الأمر بين ترك القيام و ترك الاستقلال. و مشكل لو بني على وجوبه في القيام، إذ حينئذ يكون كالاستقلال، و ترجيح أحدهما على الآخر من غير مرجح ظاهر. اللهم إلا أن يحتمل تعينه و لا يحتمل تعين الاستقلال، فيدور الأمر بين التعيين و التخيير، أو يدعى أن المفهوم من صحيح ابن سنان «1» المسوغ للاعتماد للمريض مشروعية الاعتماد للمضطر و لو بلحاظ فوات الانتصاب. لكن لو سلم يرد مثله في صحيح ابن يقطين «2» المشرع للانحناء مع الاضطرار.

لما عرفت من إجمال الدليل الدال على وجوبه، و عدم إطلاقه الشامل لهذا الحال، بخلاف دليل الانتصاب. لكن عليه يشكل الوجه في تقديم الاستقرار على الاستقلال الذي ذكره بعد ذلك، بل يتعين تقديم الاستقلال عليه، و كأن ما في المتن مبني على إطلاق أدلة الوجوب في الجميع، و أن الموارد المذكورة من قبيل الدوران بين التعيين و التخيير. أو لأن تقديم ما ذكره فيها لأنه أقرب إلى أداء المأمور به، بناء على ثبوت الكلية المذكورة و لو بالإجماع، لكنه غير ظاهر ما لم يصدق الميسور عرفا.

______________________________
(1) تقدم في مواضع منها: في المسألة: 8 من احكام القيام.

(2) تقدم في أول المسألة.

 

115
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 15 إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا ج‌6 ص 116

[ (مسألة 15): إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضاً مطلقاً]

(مسألة 15): إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضاً مطلقاً (1) حتى ما كان منه بصورة الركوع (2) صلى من جلوس (3) و كان الانتصاب جالساً قد عرفت الإشكال في تقديم مثل التفخج الفاحش على الجلوس.

كما يفهم من صحيح ابن يقطين المتقدم في المسألة السابقة.

و يظهر من حكاية الخلاف في ذلك عن الشافعي في أحد قوليه: أنه لا مخالف فيه منا.

هو مذهب علمائنا كما في المعتبر، و عليه إجماع العلماء كما في المنتهى، و بالنصوص و الإجماع كما في كشف اللثام، و يشهد له جملة من النصوص،

كالنبوي المروي عن الفقيه: «المريض يصلي قائماً، فان لم يستطع صلى جالساً، فان لم يستطع صلى على جنبه الأيمن، فان لم يستطع صلى على جنبه الأيسر، فان لم يستطع استلقى و أومأ إيماء و جعل وجهه نحو القبلة و جعل سجوده أخفض من ركوعه» «1»‌

، و‌

الصادقي المروي عنه أيضاً: «يصلي المريض قائماً، فان لم يقدر على ذلك صلى جالساً» «2»‌

و‌

صحيح جميل: «سألت أبا عبد اللّه (ع): ما حد المرض الذي يصلي صاحبه قاعداً؟ فقال (ع): إن الرجل ليوعك و يحرج و لكنه أعلم بنفسه، إذا قوي فليقم» «3»‌

و‌

موثق زرارة: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن حد المرض الذي يفطر فيه الصائم، و يدع الصلاة من قيام، فقال (ع):

بَلِ الْإِنْسٰانُ عَلىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، هو أعلم بما يطيقه» «4»‌

، لظهورهما في أن‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 15.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 13.

(3) الوسائل باب: 6 من أبواب القيام حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 6 من أبواب القيام حديث: 2.

 

116
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 15 إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا ج‌6 ص 116

بدلا عن القيام فيجري فيه حينئذ جميع ما ذكر فيه حتى الاعتماد و غيره (1)، موضوع الجلوس أن لا يقوى على القيام و لا يطيقه. و نحوها مصحح ابن أذينة عن أبي عبد اللّه (ع) «1»، و‌

في صحيح الحلبي- في حديث- أنه سأل أبا عبد اللّه (ع): «عن الصلاة في السفينة فقال (ع): إن أمكنه القيام فليصل قائماً، و إلا فليقعد ثمَّ يصلي» «2»‌

و‌

في خبر سليمان بن خالد: «سألته عن الصلاة في السفينة، فقال (ع): يصلي قائماً، فان لم يستطع القيام فليجلس و يصلي» «3»‌

، و‌

في صحيح حماد بن عيسى: «سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: كان أهل العراق يسألون أبي عن الصلاة في السفينة فيقول: إن استطعتم أن تخرجوا الى الجدد فافعلوا، فان لم تقدروا فصلوا قياماً، فان لم تقدروا فصلوا قعوداً» «4»‌

، و نحوها غيرها مما يتضمن الانتقال الى الجلوس عند عدم التمكن من القيام.

كما استظهره في الجواهر: كما يومئ اليه المرسل الآتي، و لأنه بدله، و بعض قيام. ثمَّ قال (ره): «و إن كان لا يخلو من بحث، لاختصاصه بالدليل دونه». و الظاهر أن مراده بالمرسل النبوي المتقدم في صدر المسألة، و كأن وجه إيمائه ظهوره في بدلية الجلوس عن القيام.

أقول: أما البدلية فلا ريب فيها، لكنها إنما تنفع في وجوب الشرائط المذكورة لو كانت مجعولة بلحاظ جميع الأحكام، و هو غير ظاهر. بل الظاهر البدلية عن القيام في وفائه بمصلحته في الجملة، بحيث يثبت له‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 6 من أبواب القيام حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب القيام حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 14 من أبواب القيام حديث: 10.

(4) الوسائل باب: 14 من أبواب القيام حديث: 12.

 

117
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 15 إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا ج‌6 ص 116

و مع تعذره صلى مضطجعاً (1) وجوبه لا غير. و أولى منه بالإشكال التعليل بأنه بعض قيام، و مثله ما ذكره أخيراً من اختصاص أدلة اعتبارها بغيره، مع أن ما دل على وجوب الانتصاب- مثل: «لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الصلاة» «1» و ما دل على وجوب الاستقلال من صحيح ابن سنان المتقدم «2»- مطلق شامل للجلوس. و دعوى انصرافه الى القيام غير ظاهرة. و كذا ما دل على وجوب الاستقرار من إطلاق معاقد الإجماعات على وجوبه في أفعال الصلاة: من التكبير، و القراءة، و التسبيح، و الذكر، و رفع الرأس من الركوع، و غيرها لا فرق فيه بين حالي القيام و الجلوس فلاحظ.

بلا خلاف فيه بين الأصحاب كما عن المدارك، و البحار، و الحدائق و في المعتبر: «هو مذهب علمائنا»، و نحوه في المنتهى، و بالنصوص و الإجماع كما في كشف اللثام.

و يشهد له النصوص الكثيرة‌

كمصحح أبي حمزة عن أبي جعفر (ع) في تفسير قوله تعالى (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ.) «3» قال (ع): «وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ:

الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلي جالساً» «4»‌

، و‌

موثق سماعة: «سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس. قال (ع): فليصل و هو مضطجع و ليضع على جبهته شيئاً إذا سجد» «5»‌

، و‌

خبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى بن جعفر (ع): «سألته عن المريض الذي لا يستطيع القعود‌

______________________________
(1) مضمون صحيح زرارة. الوسائل باب: 2 من أبواب القيام حديث: 1 و تقدم في أول المسألة الثامنة.

(2) تقدم في المسألة: 8 من هذا الفصل. الوسائل باب: 10 من أبواب القيام حديث: 2‌

(3) آل عمران: 191.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 5.

 

118
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 15 إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا ج‌6 ص 116

على الجانب الأيمن (1) كهيئة المدفون،

و لا الإيماء كيف يصلي و هو مضطجع؟ قال (ع): يرفع مروحة إلى وجهه» «1»‌

و النبوي المتقدم في صدر هذه المسألة و غيرها. و كلها متفقة على وجوب الصلاة مضطجعاً.

و في بعض النصوص: أنه يصلي مستلقياً،

كخبر عبد السلام الهروي عن الرضا (ع) عن آبائه: «قال: قال رسول اللّه (ص): إذا لم يستطع الرجل أن يصلي قائماً فليصل جالسا، فان لم يستطع جالساً فليصل مستلقياً ناصباً رجليه بحيال القبلة يومئ إيماء» «2»‌

، و نحوه مرسل محمد بن إبراهيم عمن حدثه عن أبي عبد اللّه (ع) «3»، و مرسل الفقيه عن الصادق (ع) «4»، و غيرهما. و الجميع يتعين تقييده بما سبق إن أمكن، أو بالحمل على التقية.

كما عن جماعة كثيرة. بل عن البحار: أنه المشهور، و في كشف اللثام: «عليه المعظم»، بل هو مذكور في معقد إجماع المعتبر و المنتهى، حملا منهم للمطلق على المقيد كالنبوي المروي عن الفقيه المتقدم في صدر المسألة، و‌

موثق عمار عن أبي عبد اللّه (ع): «المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعداً كيف قدر صلى إما أن يوجه فيومئ إيماء، و قال (ع): يوجه كما يوجه الرجل في لحده، و ينام على جنبه الأيمن، ثمَّ يومئ بالصلاة إيماء، فان لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه له جائز، و ليستقبل بوجهه جانب القبلة، ثمَّ يومئ بالصلاة إيماء» «5».

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 21.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 18.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام ملحق حديث: 13.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 13.

(5) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 10.

 

119
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 15 إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا ج‌6 ص 116

.....

و ظاهر الشرائع. التخيير بين الجانبين، و حكي عن المقنعة، و جمل السيد، و الوسيلة، و النافع، و غيرها. و كأنهم اعتمدوا في ذلك على المطلقات الآمرة بالاضطجاع لضعف المقيد سنداً كالنبوي أو دلالة كموثق عمار.

نعم في المعتبر «1»: أنه استدل بما‌

رواه أصحابنا عن حماد عن أبي عبد اللّه (ع): «المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعداً يوجه كما يوجه الرجل في لحده، و ينام على جانبه الأيمن، ثمَّ يومئ بالصلاة، فان لم يقدر على جانبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه جائز، و يستقبل بوجهه القبلة، ثمَّ يومئ بالصلاة إيماء»‌

و في الذكرى «2»، و عن الروض: موافقته في ذلك، بل حكي عن بعض نسخ التهذيب، و دلالتها خالية عن القصور.

لكن استظهر في الجواهر أنها رواية عمار عبر فيها ب‍ «حماد» سهواً من القلم، فان تمَّ ذلك لم يجد في تمامية الدلالة للاضطراب، و إلا فهي رواية مرسلة عن حماد. اللهم إلا أن ينجبر ضعفها بما عن المعتبر: من أنها أشهر و أظهر بين الأصحاب، و ما في الذكرى: من أن عليها عمل الأصحاب لكن الظاهر أن مرادهما من الرواية التي هي أشهر و أظهر و عليها العمل سنخ الرواية الدالة على الترتيب بين الأيمن و الأيسر لا خصوص رواية حماد.

هذا و لكن الإنصاف أن إرسال الفقيه بمثل: «قال رسول اللّه (ص)» يدل على غاية الاعتبار عنده و كفى به سبباً للوثوق. و متن رواية عمار و إن كان لا يخلو من تشويش و قصور إلا أن قوله (ع):

«يوجه ..»‌

و قوله (ع) بعد ذلك:

«فان لم يقدر ..»‌

ظاهر ان في تعين الاضطجاع على الأيمن، فيمكن لذلك رفع اليد عن إطلاق المطلق من تلك النصوص، و العمدة موثق سماعة «3» لظهور عدم ورود غيره في مقام البيان من هذه الجهة فلاحظها‌

______________________________
(1) في المسألة الثالثة من احكام القيام. صفحة: 170.

(2) في المسألة التاسعة من احكام القيام.

(3) تقدم في صدر التعليقة السابقة.

 

120
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 15 إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا ج‌6 ص 116

فإن تعذر فعلى الأيسر (1) عكس الأول. فإن تعذر صلى مستلقياً (2) كالمحتضر. و يجب الانحناء للركوع و السجود (3) بما أمكن، و مع عدم إمكانه يومئ برأسه (4) فإذاً العمل على المشهور أقوى، مع أنه أحوط.

كما نسب إلى المشهور، و يشهد له النبوي المرسل في الفقيه، و به يقيد إطلاق ما في موثق عمار من‌

قوله (ع): «كيفما قدر»‌

، مع إمكان المناقشة في إطلاقه: بقرينة وقوع مثله في صدره، فكأن المراد أنه لا يكلف بغير المقدور بل على حسب القدرة، و ليس المراد أنه يصلي كيف شاء ليكون مخيراً بين الكيفيات المقدورة. و من ذلك يظهر ضعف ما قيل: من أنه إذا عجز عن الاضطجاع على الأيمن صلى مستلقياً، إذ الظاهر أن مستنده الموثق الذي لو تمَّ إطلاقه فهو مقيد بالمرسل.

بلا خلاف فيه ظاهر. و يشهد له النبوي و غيره مما دل على وجوب الصلاة مستلقياً عند تعذر الجلوس، بناء على حمله على صورة تعذر الاضطجاع.

إذا أمكن له الركوع و السجود فلا ينبغي التأمل في وجوب فعلهما، لإطلاق أدلة وجوبهما. و ما في النص و الفتوى من الإيماء يراد به صورة عدم إمكانهما كما هو الغالب في موردهما، و لو أمكن له ميسور الركوع و السجود لأنفسهما قيل: وجب بلا شبهة، و هو كذلك لو كان بحيث يصدق الركوع و السجود و لو الفاقدان لشرطهما. و في المنتهى: «لو عجز عن السجود رفع ما يسجد عليه و لم يجز الإيماء إلا مع عدمها أو عدم التمكن، خلافاً للشافعي ..» و ظاهره الإجماع عليه، و نحوه كلام غيره.

و يشهد به خبر إبراهيم الكرخي الآتي. نعم قد ينافيه صحيحا الحلبي و زرارة الآتيان في وضع الجبهة على شي‌ء فلاحظ. و سيأتي الكلام فيه.

بلا خلاف، و يشهد له النصوص المتقدمة و غيرها كمرسل الفقيه:

 

121
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 15 إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا ج‌6 ص 116

و مع تعذره فبالعينين بتغميضهما (1)

«قال أمير المؤمنين (ع): دخل رسول اللّه (ص) على رجل من الأنصار، و قد شبكته الريح فقال: يا رسول كيف أصلي؟ فقال (ص): إن استطعتم أن تجلسوه فأجلسوه، و إلا فوجهوه إلى القبلة و مروه فليومئ إيماء، و يجعل السجود أخفض من الركوع» «1»‌

، و‌

خبر إبراهيم الكرخي: «رجل شيخ لا يستطيع القيام الى الخلاء لضعفه، و لا يمكنه الركوع و السجود، فقال (ع):

ليومئ برأسه إيماء، و إن كان له من يرفع الخمرة فليسجد، فان لم يمكنه ذلك فليومئ برأسه» «2»‌

، الى غير ذلك.

كما نسب إلى المشهور، و يشهد له‌

مرسل الفقيه عن الصادق (ع): «يصلي المريض قائماً، فان لم يقدر على ذلك صلى جالساً، فان لم يقدر أن يصلي جالساً صلى مستلقياً: يكبّر ثمَّ يقرأ، فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثمَّ سبح، فاذا سبح فتح عينيه، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع، فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثمَّ سبح فاذا سبح فتح عينيه، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود، ثمَّ يتشهد و ينصرف» «3»‌

، و نحوه في ذلك خبر محمد بن إبراهيم عمن حدثه عن أبي عبد اللّه (ع) «4». و مورد الخبرين خصوص المستلقي، كما أنه لم يذكر فيهما الإيماء بالرأس. و مثلهما خبر عبد السلام «5» الوارد فيمن تدركه الصلاة و هو فوق الكعبة.

و مقتضى الجمود على ذلك انحصار بدل الركوع و السجود في المستلقي‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 16.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 11.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 13.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام ملحق حديث: 13.

(5) الوسائل باب: 19 من أبواب القبلة حديث: 2.

 

122
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 15 إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا ج‌6 ص 116

.....

بالتغميض لا غير، كما هو ظاهر القواعد، و عن النهاية و المبسوط، و الوسيلة و المراسم، و الغنية، و السرائر، و جامع الشرائع، و الموجز، حيث لم يذكر فيها أن الإيماء بالرأس مقدم على تغميض العينين، بل اقتصر على ذكر تغميض العينين بدلا عن الركوع و السجود، و مال إليه في الحدائق، بل و الى انحصار البدل في المضطجع بالإيماء بالرأس لا غير عكس المستلقي قال فيها- بعد ما ذكر: «إن التغميض مستفاد من مرسلة محمد بن إبراهيم، إلا أن موردها الاستلقاء، و مورد الإيماء بالرأس في الروايات المتقدمة الاضطجاع على أحد الجانبين، و الأصحاب قد رتبوا بينهما في كل من الموضعين، و الوقوف على ظاهر الأخبار أولى».

أقول: الإيماء كما ورد في المضطجع ورد في المستلقي أيضاً، كما صرح به في الجواهر و غيرها فلاحظ النبوي المروي عن الفقيه، و خبر عبد السلام المتقدمين «1»، و‌

في موثق سماعة المروي عن الفقيه: «عن الرجل يكون في عينيه الماء، فينزع الماء منها، فيستلقي على ظهره الأيام الكثيرة أربعين يوماً، أقل أو أكثر، فيمتنع من الصلاة إلا إيماء و هو على حاله، فقال (ع):

لا بأس بذلك» «2».

بل يمكن أن يستفاد أيضاً من موثق عمار، و مرسل الفقيه عن أمير المؤمنين (ع) المتقدمين «3» و غيرهما.

و من ذلك يظهر الإشكال فيما ذكره غير واحد: من أن الاقتصار على ذكر التغميض في المستلقي لأنه لمزيد الضعف فيه لا يمكنه الإيماء بالرأس غالباً. هذا و الجمع العرفي بين هذه النصوص يقتضي الحمل على التخيير لا الترتيب، كما هو المشهور.

______________________________
(1) الأول في صفحة: 116. و الثاني في صفحة: 119.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام ملحق حديث: 6.

(3) الأول في صفحة: 119. و الثاني في صفحة: 122.

 

123
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 15 إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا ج‌6 ص 116

و ليجعل إيماء سجوده أخفض منه لركوعه (1)، و يزيد في غمض العين للسجود على غمضها للركوع (2)، و دعوى: اختصاص نصوص الإيماء في المستلقي بصورة إمكانه، فتكون أخص مطلقاً من خبري التغميض لشمولهما لصورتي إمكان الإيماء و عدمه، فيتعين الجمع بحمل خبري التغميض على صورة عدم إمكان الإيماء، و يثبت الترتيب المذكور في المضطجع بعدم القول بالفصل. معارضة:

باختصاص خبري التغميض أيضاً بصورة إمكانه، فتكون من هذه الجهة أخص من نصوص الإيماء، فيكون التعارض بالعموم من وجه، و لا وجه لترجيح تخصيص أحدهما على تخصيص الآخر. مع أن دعوى عدم الفصل بين المستلقي و المضطجع عهدتها على مدعيها.

عن الذكرى: نسبته إلى الأصحاب، و يشهد له النبوي «1» المرسل في الفقيه الذي ذكر فيه الإيماء في المستلقي، و العلوي «2» الشامل له و للمضطجع المتقدمان، و كفى بهما حجة، و لا سيما بعد اعتماد الأصحاب عليهما، و تأييدهما بغيرهما مما تضمن الأمر بذلك لمن يصلي ماشياً أو على راحلته: من روايات سماعة، و يعقوب بن شعيب المذكورة في الوسائل في باب جواز الفريضة ماشياً و جواز النافلة في المحمل «3».

كما عن ابن حمزة، و سلار، و ابن سعيد، و المحقق و الشهيد الثانيين و غيرهم، للفرق، و لايماء الأمر به في الإيماء اليه. و هو كما ترى. إذ الفرق غير ظاهر الوجوب، و لو سلم فلا ينحصر بذلك. و إيماء الأمر ليس بحجة بنحو يقيد إطلاق النص، مع أن الغمض لا يقبل الزيادة إلا في المدة، و هي‌

______________________________
(1) تقدم في صفحة: 116.

(2) تقدم في صفحة: 122.

(3) الوسائل باب: 15 من أبواب القبلة حديث: 14 و 15.

 

124
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 15 إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا ج‌6 ص 116

و الأحوط وضع ما يصح السجود عليه على الجبهة (1)، غير مرادة لهم ظاهراً و ان حكيت عن الموجز الحاوي، فتأمل جيداً. و لذا نفى في كشف اللثام الدليل على هذا الحكم.

لما عن جماعة، منهم الشهيدان، و الكركي، و المقداد، و الصيمري:

من وجوب تقريب جبهته الى ما يصح السجود عليه، أو تقريبه إليها، لأن ملاقاة الجبهة له واجبة، فلا تسقط بتعذر غيرها. و يشهد لهم‌

موثق سماعة: «عن المريض لا يستطيع الجلوس، قال (ع): فليصل و هو مضطجع، و ليضع على جبهته شيئاً إذا سجد، فإنه يجزئ عنه، و لن يكلف اللّه ما لا طاقة له به» «1»‌

و‌

مرسل الفقيه: «سئل عن المريض لا يستطيع الجلوس، أ يصلي و هو مضطجع و يضع على جبهته شيئاً؟ قال (ع): نعم، لم يكلفه اللّه إلا طاقته» «2»‌

فيقيد بهما إطلاق الإيماء لو كان.

و ربما يجمع بينهما بالتخيير بين الإيماء المجرد و الوضع كذلك، لظهور الخبرين المذكورين في بدلية الوضع المجرد عن الإيماء تعييناً، و ظهور نصوص الإيماء في بدليته تعييناً مجرداً عن الوضع، فترفع اليد عن ظهورهما في التعيين، بشهادة‌

صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): قال «سألته عن المريض، قال (ع): يسجد على الأرض، أو على مروحة، أو على مسواك يرفعه، و هو أفضل من الإيماء» «3»‌

، و‌

مصحح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «عن المريض إذا لم يستطع القيام و السجود. قال (ع): يومئ برأسه إيماء، و إن يضع جبهته على الأرض أحب الي» «4».

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 14.

(3) الوسائل باب: 15 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 2.

 

125
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 15 إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا ج‌6 ص 116

.....

و قيل: بأن الوضع بدل عند تعذر الإيماء، حملا لنصوص الوضع على ذلك، بشهادة‌

خبر ابن جعفر (ع): «عن المريض الذي لا يستطيع القعود و لا الإيماء، كيف يصلي و هو مضطجع؟ قال (ع): يرفع مروحة إلى وجهه، و يضع على جبينيه، و يكبر» «1».

و ربما حكي القول بوجوب الوضع فقط للمضطجع و المستلقي، و عدم وجوب الإيماء عليه، عملا بالموثق و المرسل، و طرحا لنصوص الإيماء.

أقول: أما القول الأخير ففي غاية الضعف، إذ الطرح و الترجيح فرع التعارض و عدم إمكان الجمع، لكنه ممكن كما سيأتي. و لو سلم فنصوص الإيماء أرجح، لأنها أصح سنداً و أشهر رواية، بل لعلها متواترة إجمالا، و لا سيما مع تأيدها بنصوص الإيماء في الموارد الكثيرة، مثل ما ورد في الراكب و الماشي «2»، و العاري «3»، و من يخاف الرعاف «4»، و من يخاف على عينه «5»، و غير ذلك. فكيف يرجح الموثق و المرسل عليها؟! و أما القول الذي قبله ففيه: أن خبر ابن جعفر (ع)- مع أنه لا يخلو من إشكال، لظهوره في أن وضع المروحة على الجبين إنما هو حال التكبير فلا يكون مما نحن فيه- لا يصلح شاهداً للجمع، لعدم منافاته لكل من الطائفتين، فكيف يصلح للجمع بينهما؟! مع أن الموثق ظاهر في أن الوضع على الجبهة حال الإيماء المراد من قوله (ع):

«إذا سجد»‌

فكيف يحمل على حال العجز عن الإيماء؟!. و أما المرسل فغير ظاهر في وجوب الوضع،

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 21.

(2) الوسائل باب: 16 من أبواب القبلة حديث: 14 و 15.

(3) الوسائل باب: 50 من أبواب لباس المصلي حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 8 من أبواب القيام حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 7 من أبواب القيام حديث: 2.

 

126
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 15 إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا ج‌6 ص 116

.....

لأن الظاهر من السؤال- بقرينة قوله (ع) في الجواب:

«نعم لم يكلفه ..»‌

-

هو السؤال عن جواز الاجتزاء بذلك، فلا يصح الاستدلال به على الوجوب، لا جمعاً مع الإيماء، و لا تخييراً بينهما، و لا تعييناً، و لا ترتيباً، كما لا يخفى.

و أما القول الذي قبله ففيه: أن ظهور كل من الدليلين في البدلية على الاستقلال- لو سلم- فهو ضعيف جداً، لا يقوى على مدافعة ظهور كل من الطائفتين في الوجوب التعييني، بل الثاني أقوى فيقدم عليه، و لازمه وجوب الجمع. و أما الصحيح و المصحح فلا يصلحان للشهادة على التخيير، لأن السجود على الأرض و وضع الجبهة عليها إنما يكونان بالإيماء، فكيف يصح أن يدعى دلالته على الاكتفاء بمجرد الوضع؟!. نعم لو كانت العبارة هكذا: «و أن يضع على جبهته شيئاً أحب إلي أو أفضل من الإيماء» كان للتوهم المذكور مجال، لكنه ممنوع جداً في المصحح، لظهوره في أن الوضع مع الإيماء أحب إليه من الإيماء وحده، لا أن الوضع المجرد أحب إليه من الإيماء المجرد. نعم لا يبعد ذلك في الصحيح، و إن كان لا يخلو من تأمل، و لو تمَّ فإنما هو في العبارة الفرضية لا الفعلية، إذ قد عرفت أن الظاهر من قوله:

«يسجد على الأرض»‌

أنه يومئ الى أن تصل جبهته إلى الأرض.

و أما القول الأول فقد عرفت أن المرسل لا يصلح حجة له لعدم ظهوره في وجوب الوضع. و أما الموثق فهو- و إن دل على وجوبه- معارض بصحيح زرارة و مصحح الحلبي لظهورهما في استحباب الوضع زائداً على الإيماء، كما عرفت، و حملهما على مثل قوله تعالى: (قُلْ مٰا عِنْدَ اللّٰهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ ..) و قولهم: «السيف أمضى من العصا» لا داعي اليه.

و مخالفتهما للإجماع المحكي عن المنتهى و ظاهر غيره ممنوعة، لاختصاص الإجماع بصورة الانحناء الكثير الذي لا يبلغ المقدار الواجب، و لا يشمل صورة الإيماء بالرأس على نحو يلاقي المروحة و نحوها. و الخبران إن لم يكونا ظاهرين فيه،

 

127
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 15 إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا ج‌6 ص 116

و الإيماء بالمساجد الأخر أيضا (1) و ليس بعد المراتب المزبورة حد موظف (2)، فيصلي كيف ما قدر، و ليتحر الأقرب إلى صلاة المختار (3)، و إلا فالأقرب إلى صلاة المضطر على الأحوط.

فلا أقل من إمكان حملهما عليه، فيرتفع التنافي. و دعوى: أن ظاهر معقد الإجماع الشمول للصورة الثانية. مندفعة: بوضوح الخلاف فيها، فاذاً الاكتفاء بالإيماء المجرد أقوى.

كما في حاشية النجاة لشيخنا الأعظم، و لم أقف عليه لغيره.

و كأن وجهه: احتمال كون موضوع الإيماء جميع المساجد لا خصوص الجبهة و فيه: أنه خلاف المصرف من الإيماء المذكور في النصوص، و لا سيما بعد اشتمال بعض النصوص على التقييد بالرأس، فلا محل للتوقف فيه.

ثمَّ إنه لا ينبغي التأمل في اختصاص ذلك على تقدير القول به بصورة إمكانه، كما في المضطجع أما الجالس فلا يتأتى ذلك منه بالنسبة إلى الركبتين و إبهامي الرجلين، و كذا المستلقي فإنه قد لا يستطيع الإيماء بها الى القبلة.

لخلو النصوص عن التعرض لغير ما سبق.

إن كان الوجه فيه قاعدة الميسور فقد عرفت الإشكال في الدليل عليها، و الإجماع عليها في المقام بنحو يقتضي وجوب بدل آخر قريب من بدله غير ثابت، فان الظاهر منها الميسور للأصل لا لبدله. و منه يظهر ضعف ما عن كشف الغطاء: من أنه لو تعذر الإيماء بالرأس و العين انتقل إلى الإيماء بباقي الأعضاء. انتهى، و إن قال في الجواهر: «و هو لا يخلو من وجه و إن كان ظاهر الأصحاب خلافه». و إن كان الوجه فيه أصالة التعيين لكون المورد من قبيل ما يتردد فيه بين التعيين و التخيير ففي محله، فاذا شك في وجوب الإيماء بباقي الأعضاء فالمرجع أصل البراءة، و إذا لم يتمكن من الجلوس و لا الاضطجاع و لا الاستلقاء، و يتمكن من أن يكون‌

128
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 إذا تمكن من القيام لكن لم يتمكن من الركوع قائما جلس و ركع جالسا ج‌6 ص 129

[ (مسألة 16): إذا تمكن من القيام لكن لم يتمكن من الركوع قائماً جلس و ركع جالساً]

(مسألة 16): إذا تمكن من القيام لكن لم يتمكن من الركوع قائماً جلس و ركع جالساً (1)، و إن لم يتمكن من الركوع و السجود صلى قائماً و أومأ للركوع و السجود (2) و انحنى لهما بقدر الإمكان (3)، و إن تمكن من الجلوس جلس لايماء السجود (4)، مكبوبا على وجهه، و تردد في وجوب أن يكون مكبوبا على أحد الجانبين بحيث يصير قريباً من المضطجع، و عدمه فيتخير، كان اللازم الأول، عملا بأصالة الاحتياط المقتضية للتعيين عند الدوران بينه و بين التخيير، فليست الفروض كلها على نسق واحد.

لأنه الميسور له، هذا إذا لم يتمكن من الانحناء أصلا، أما إذا تمكن منه في الجملة- و إن لم يكن على الوجه المعتبر- فسيأتي في مبحث الركوع أنه يجتزئ بالانحناء اليسير الممكن، و يأتي وجهه إن شاء اللّه.

لما سبق من بدلية الإيماء عنهما.

قد تقدم في المسألة السابقة اختصاص ذلك بصورة صدق الركوع الناقص، لا السجود كذلك و لو بدفع ما يسجد عليه، فاذا لم يصدق ذلك أجزأ الإيماء، لعموم بدليته، و لا تجب زيادة الانحناء، للأصل.

كما هو أحد القولين في المسألة، و اختاره العلامة الطباطبائي في منظومته، قال (قدس سره):

و كل إيماء عن السجود من غير قيام ما خلا العاري الأمن.

و كأنه لقاعدة الميسور. و فيه: أن الجلوس لا يعتبر في السجود لا شرطاً و لا ظرفاً، إذ السجود الواجب وضع المساجد على الأرض، فإذا فرض تعذر ذلك و بدلية الإيماء لم يكن وجه لوجوب الجلوس إلا كونه أقرب الى حال الساجد، و قد عرفت أن هذا المقدار لا تصلح قاعدة‌

 

129
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 إذا تمكن من القيام لكن لم يتمكن من الركوع قائما جلس و ركع جالسا ج‌6 ص 129

و الأحوط وضع ما يصح السجود عليه على جبهته (1) إن أمكن.

[ (مسألة 17): لو دار أمره بين الصلاة قائماً مومياً أو جالساً مع الركوع و السجود فالأحوط تكرار الصلاة]

(مسألة 17): لو دار أمره بين الصلاة قائماً مومياً أو جالساً مع الركوع و السجود فالأحوط تكرار الصلاة (2)، و في الضيق يتخير بين الأمرين.

الميسور لإثباته. نعم يشكل الحال في الجلوس الواجب بين السجدتين، فان مقتضى القاعدة المذكورة وجوبه حال تعذر السجود و بدلية الإيماء. و سقوط السجود بالتعذر لا يقتضي سقوطه، لكن لم أقف على من تعرض له و لعل نظر القائل بوجوب الجلوس اليه لا الى الجلوس حال السجود. فتأمل.

تقدم الكلام فيه.

اختار في الجواهر في أول كلامه تعين الأول، حاكياً عن بعض التصريح به، مستظهراً من آخر انه المشهور بل المتفق عليه، حاكياً عن الرياض عن جماعة دعوى الاتفاق عليه، لاشتراط الجلوس بتعذر القيام في النصوص، و لأن الخطاب بأجزاء الصلاة مرتب، فيراعي كل جزء حال الخطاب به بالنسبة اليه و بدله، ثمَّ الجزء الثاني، و هكذا الى تمام الصلاة.

و لما كان القيام أول أفعالها وجب الإتيان به مع القدرة عليه، فاذا جاء وقت الركوع و السجود خوطب بهما، فان استطاع، و إلا فبدلهما، ثمَّ قال:

«و يحتمل- كما مال إليه في كشف اللثام- تقديم الجلوس و الإتيان بالركوع و السجود» بل قال: «و كذا إذا تعارض القيام و السجود وحده، و لعله لأنهما أهم من القيام، خصوصاً بعد أن ورد: «أن الصلاة ثلث طهور و ثلث ركوع و ثلث سجود» «1»، «و أن أول الصلاة الركوع» «2» و نحو ذلك. و لأن أجزاء الصلاة و إن كانت مترتبة في الوقوع إلا أن الخطاب‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب الركوع، حديث: 1 و الحديث منقول- هنا- بالمعنى‌

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب الركوع حديث: 6.

 

130
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 17 لو دار أمره بين الصلاة قائما موميا أو جالسا مع الركوع و السجود فالأحوط تكرار الصلاة ج‌6 ص 130

.....

بالجميع واحد حاصل من الأمر بالصلاة، فمع فرض تعذر الإتيان بها كما هي اختياراً وجب الانتقال الى بدلها الاضطراري، و لما كان متعدداً- ضرورة كونه إما القيام وحده، أو الجلوس مع استيفاء باقي الأفعال- وجب الترجيح بمرجح شرعي، و لعل الأهمية و نحوها منه، و أنها أولى بالمراعاة من السبق لما عرفت، و مع فرض عدم المرجح أو عدم ظهور ما يدل على الاعتداد به يتجه التخيير، كما احتمله في كشف اللثام هنا تبعاً للمحكي عن المحقق الثاني». ثمَّ حكى عبارة جامع المقاصد الظاهرة في تردده في التخيير و ترجيح الجلوس. ثمَّ قال: «و المسألة لا تخلو من إشكال و إن كان احتمال تقديم الجلوس قوياً».

أقول: لا ينبغي التأمل في أنه لو استفيد من نصوص الباب- مثل‌

صحيح أبي حمزة: «الصحيح يصلي قائماً» «1»‌

، و‌

صحيح جميل: «إذا قوي فليقم» «2»‌

، و نحوهما-: أن القدرة شرط شرعي لوجوب القيام و الركوع و السجود و غيرها من الأجزاء الاختيارية، وجب تقديم السابق على اللاحق و إن كان اللاحق أهم، لحصول القدرة على السابق في حاله، فيثبت وجوبه، و لا يزاحم بوجوب اللاحق، لعدم وجوب إبقاء القدرة عليه الى زمان فعله، لأن الوجوب المشروط لا يقتضي حفظ شرطه، فاذا لم يجب شرعاً و لا عقلا إبقاء القدرة إلى زمان فعل الثاني لم يكن للمكلف عذر في ترك الأول و الانتقال الى بدله لحصول شرط وجوبه، فتركه معصية له جزماً. و إن لم يستفد من النصوص المذكورة شرطية القدرة للوجوب شرعاً لعدم دخلها في ملاكه بل كانت شرطاً عقلياً لتنجز التكليف بالجزء لا غير جاء الإشكال، لأن التكليف بالجزء الأول يقتضي صرف قدرة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب القيام حديث: 3.

 

131
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 17 لو دار أمره بين الصلاة قائما موميا أو جالسا مع الركوع و السجود فالأحوط تكرار الصلاة ج‌6 ص 130

.....

المكلف فيه، و التكليف بالجزء الثاني يقتضي أيضاً حفظ القدرة لتصرف فيه، فان كان مرجح لأحد الاقتضائين لأهمية الملاك قدم و إن كان متأخراً زماناً، و إلا يتخير، و التقدم الزماني لا أثر له في الترجيح في نظر العقل.

نعم لو قيل بعدم وجوب حفظ القدرة إلى زمان الفعل وجب القول بتعين فعل الأول، لعدم المزاحم له حال فعله. لكنه خلاف التحقيق، إذ لا فرق في نظر العقل في حرمة تفويت الواجب بتفويت مقدمته بين ما قبل وقته و ما بعده، و الرجوع الى العقلاء شاهد بذلك. اللهم الا أن يقال:

التكليف بالثاني لا يوجب سلب القدرة الخارجية على الأول قطعاً، كما أنه إنما يوجب سلب القدرة التشريعية عليه لو كان الثاني أهم، أما لو كان مساوياً للأول في الاهتمام فلأجل مزاحمته بالأول لا يصلح لسلب القدرة عليه تشريعاً، و مع وجود القدرة الخارجية و التشريعية للمكلف على الأول لا عذر له في تركه فكيف يسوغ له تركه؟!.

فان قلت: ما الفرق بين المتزاحمين العرضيين و التدريجيين، مع أنه لا ريب في التخيير بين الأولين. قلت: الفرق بينهما أن القدرة الخارجية في العرضيين ليست عرضية حاصلة بالإضافة الى كل منهما في عرض الآخر بل بدلية حاصلة بالإضافة الى كل في ظرف عدم الآخر، و منتفية عن كل في ظرف وجود الآخر، فاذا فعل المكلف أحدهما و ترك الآخر صح له الاعتذار عن تركه بعدم القدرة الخارجية عليه، و ليس الحال كذلك في التدريجيين، فإن الأول منهما مقدور بالقدرة الخارجية بلا شرط، و الثاني مقدور بشرط عدم فعل الأول، فإذا ترك الأول لم يصح الاعتذار عن تركه بعدم القدرة عليه، و إذا فعله و ترك الثاني صح له الاعتذار عن تركه بعدم القدرة عليه، و قد عرفت أنه لا نقص في القدرة التشريعية أيضاً إذا لم يكن الثاني أهم، فإذا كان الأمر بالثاني لا يوجب نقصاً في القدرة‌

132
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 17 لو دار أمره بين الصلاة قائما موميا أو جالسا مع الركوع و السجود فالأحوط تكرار الصلاة ج‌6 ص 130

.....

الخارجية و لا التشريعية على الأول لعدم الأهمية لم يكن للمكلف عذر في تركه.

هذا غاية ما يقال في تقريب وجوب تقديم الأول. و فيه: أنك عرفت أن التكليف بالثاني إذا كان يقتضي حفظ القدرة عليه- كما هو مقتضى البناء على حرمة تفويت المقدمات قبل الوقت- فالمكلف في زمان الأول ليس له قدرة عرضية خارجية على فعله و على حفظ قدرته للثاني، بل القدرة الخارجية عليهما بدلية كالعرضيين، و حينئذ يتخير بين فعل الأول جريا على مقتضى التكليف به و بين حفظ قدرته للثاني جريا على مقتضى التكليف به، و لا وجه لترجيح الأول على الثاني، كما لا وجه لترجيح الثاني على الأول.

فالعمدة في وجوب ترجيح الأول دعوى كون القدرة شرطاً في الوجوب كما يقتضيه الجمود على عبارة النصوص المشار إليها آنفاً، لكن فيها: أنها خلاف المرتكزات العرفية، فالأخذ بإطلاق ما دل على وجوب القيام و الركوع و السجود و غيرها، و حمل النصوص المذكورة على أنها في مقام بيان موضوع التكليف الفعلي إرشاداً الى ما عند العقل أولى من تقييد تلك الإطلاقات كما هو ظاهر، و عليه العمل في أكثر المقامات. نعم لو لم يكن في المقام ذلك الإطلاق كان البناء على شرطية القدرة للوجوب في محله، لكنه خلاف الواقع و عليه يتعين القول بالتخيير إلا إذا كان الثاني أهم فيتعين الأخذ به.

هذا و أما فرض المسألة، فالدوران فيه بين الجلوس فيفوته ركنان:

القيام حال التكبير، و القيام المتصل بالركوع، و واجب غير ركن: و هو القيام حال القراءة، و بين القيام فيفوته ركنان: الركوع و السجود. و لا تبعد دعوى أهمية الركوع و السجود كما يقتضيه ما تضمن: «أن الصلاة ثلث ركوع و ثلث سجود»، «و أن أول الصلاة الركوع» «1»، «و أنه لا تعاد‌

______________________________
(1) تقدما في صدر التعليقة.

 

133
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 18 لو دار أمره بين الصلاة قائما ماشيا أو جالسا فالأحوط التكرار أيضا ج‌6 ص 134

[ (مسألة 18): لو دار أمره بين الصلاة قائماً ماشياً أو جالساً، فالأحوط التكرار أيضاً]

(مسألة 18): لو دار أمره بين الصلاة قائماً ماشياً أو جالساً، فالأحوط التكرار أيضاً (1).

الصلاة إلا من الوقت و القبلة و الطهور و الركوع و السجود» «1»، كما أشار الى ذلك في محكي كشف اللثام، و يساعده ارتكاز المتشرعة، و المقام و ان لم يكن من باب التزاحم كي يحكم العقل بوجوب ترجيح الأهم أو محتمل الأهمية- كما أشرنا إليه آنفاً-، بل من باب الدوران في تعيين البدل الاضطراري، للتردد في تطبيق قاعدة الميسور الدالة على وجوب الميسور و بدليته عن التام، فالتردد في أن كلام من الأمرين ميسور أو أحدهما بعينه هو الميسور دون الآخر، و الوجوه المذكورة تستدعي كون الميسور هو الثاني فيتعين، لا الأول فلا يجتزأ به في البدلية. و لا ينافي ما ذكرنا ما دل على اشتراط بدلية الجلوس بتعذر القيام، لاختصاص ذلك بغير المقام.

هذا و ظاهر كلمات الجماعة: أن المقام من باب التزاحم، فإن الأخذ بالأهم أو الأسبق إنما يكون في المتزاحمات، لكنه ليس كذلك، و لعل مرادهم ما ذكرنا و إن بعد. نعم يبقى الإشكال في إطلاق قاعدة الميسور، لأجل أن دليلها الإجماع الذي لا مجال له مع وجود الخلاف. و يدفع: بأن الخلاف ليس في القاعدة، و إنما الخلاف في مورد تطبيقها، فالعمل بها مع العلم بالانطباق لازم.

المحكي عن جماعة منهم المفيد، و الفاضل، و الشهيد (قدس سرهم):

ترجيح الصلاة ماشياً على الصلاة قاعداً، و ربما يستشهد لهم‌

برواية سليمان ابن حفص المروزي: «قال الفقيه (ع): المريض إنما يصلي قاعداً إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها على أن يمشي مقدار صلاته .. الى أن يفرغ‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع، حديث: 5 و تقدم نقله مراراً.

 

134
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 17 لو دار أمره بين الصلاة قائما موميا أو جالسا مع الركوع و السجود فالأحوط تكرار الصلاة ج‌6 ص 130

.....

قائماً» «1»‌

- مضافا الى أن الماشي إنما فقد الاستقرار و هو كفقد الاستقلال مقدم على القعود الرافع لأصل القيام.

و أورد عليه بضعف الرواية سنداً بعدم توثيق سليمان، و دلالة باحتمال أن يكون المراد تحديد العجز المسوغ للجلوس تعبداً، بأن لا يتمكن من المشي بقدر صلاته كما حكي عن المفيد و محتمل النهاية، أو الكناية عن العجز عن القيام، لغلبة تلازم القدرتين، أو أنه إذا لم يقدر على المشي قدر الصلاة جاز له الجلوس و إن قدر على القيام بمشقة، فالمقصود تحديد المشقة التي تكون في القيام بالعجز عن المشي مقدار الصلاة، و بأن القيام الحاصل في المشي غير القيام المعتبر في الصلاة، إذ المراد منه الوقوف الذي تنافيه الحركة فضلا عن المشي.

و فيه: أن الذي صرح به في المختلف في مبحث مفطرية الغبار وثاقة سليمان، و المعنى الأول مخالف للأخبار الصحيحة المتضمنة نفي تحديد العجز، و إيكال معرفته الى نفس المصلي، و غلبة تلازم القدرتين ممنوع جداً. كيف و المشي مقدار الصلاة فيه من المشقة ما يزيد كثيراً على القيام مقدار الصلاة؟

مع أن القدرة على المشي مقدار الصلاة أخفى من القدرة على القيام ذلك المقدار، فكيف يجعل الأخفى طريقاً لمعرفة الأجلى؟ و أما المعنى الثالث فبعيد جداً، و لا قرينة عليه، فكيف تحمل عليه الرواية؟ و كون المراد من القيام ما تنافيه الحركة فضلا عن المشي ممنوع جداً، بل المستفاد من النصوص و الفتاوى أن المشي إنما ينافي الاستقرار المعتبر في أفعال الصلاة لا أصل القيام و لذا استدل على وجوب الاستقرار برواية السكوني الواردة في من يريد أن يتقدم و هو في الصلاة‌

قال (ع): «فليكف عن القراءة» «2»‌

و لم يستدل‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 6 من أبواب القيام حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 34 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

 

135
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 19 لو كان وظيفته الصلاة جالسا و أمكنه القيام حال الركوع وجب ذلك ج‌6 ص 136

[ (مسألة 19): لو كان وظيفته الصلاة جالساً و أمكنه القيام حال الركوع وجب ذلك]

(مسألة 19): لو كان وظيفته الصلاة جالساً و أمكنه القيام حال الركوع وجب ذلك (1).

[ (مسألة 20): إذا قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع وجب أن يقوم إلى أن يتجدد العجز]

(مسألة 20): إذا قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع وجب أن يقوم إلى أن يتجدد العجز (2)، و كذا بها على وجوب القيام في القراءة. هذا و الانصاف أن الرواية من حيث السند لا قصور فيها بعد اعتماد جماعة من الأعيان عليها، و رواية الأجلاء لها، و ظاهرها و إن كان تحديد العجز المسوغ للجلوس تعبداً، لكن بقرينة معارضتها تحمل على إرادة عدم جواز الصلاة جالساً إن أمكن فعلها قائماً فإنه أقرب المعاني بعد المعنى الأول و لا سيما بعد مساعدة القاعدة المشار إليها في ذيل الاستدلال، فالبناء على وجوب الصلاة ماشياً في فرض المسألة قوي جداً.

تحصيلا للقيام المتصل بالركوع الذي عرفت أنه ركن، و للقيام ما دام الركوع الذي هو واجب، فان ذلك مقتضى قاعدة الميسور المعول عليها في مثل المقام. نعم يشكل ذلك فيما لو تجددت القدرة على القيام بنحو يمكن استئناف الصلاة قائماً، إذ يمكن أن يقال حينئذ إن ذلك يكشف عن فساد الصلاة من أول الأمر، فيجب الاستئناف و لا يجزئ القيام للركوع فقط، و هذا يتم لو لم يكن إطلاق لأدلة البدلية يقتضي ثبوت البدلية في جميع آنات العجز و إن لم يستمر- كما هو مبنى القول بجواز البدار لذوي الأعذار- و لو فرض ثبوت الإطلاق المذكور كان القول بالاستئناف مخالفاً لقاعدة الاجزاء، هذا و قد عرفت غير مرة من هذا الشرح الإشكال في ثبوت الإطلاق المذكور لأدلة البدلية، فإطلاق وجوب المبدل منه المقتضي لوجوب الاستئناف محكم.

قد عرفت في المسألة السابعة عشرة أن المرجع: قاعدة الميسور‌

 

136
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 20 إذا قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع وجب أن يقوم إلى أن يتجدد العجز ج‌6 ص 136

إذا تمكن منه في بعض الركعة لا في تمامها. نعم لو علم من حاله أنه لو قام أول الصلاة لم يدرك من الصلاة قائماً إلا ركعة، أو بعضها، و إذا جلس أو لا يقدر على الركعتين قائماً أو أزيد مثلا، لا يبعد وجوب تقديم الجلوس، لكن لا يترك الاحتياط حينئذ بتكرار الصلاة، كما أن الأحوط في صورة دوران الأمر بين إدراك أول الركعة قائما و العجز حال الركوع أو العكس أيضا تكرار الصلاة (1).

[ (مسألة 21): إذا عجز عن القيام و دار أمره بين الصلاة ماشياً أو راكبا، قدم المشي على الركوب]

(مسألة 21): إذا عجز عن القيام و دار أمره بين الصلاة ماشياً أو راكبا، قدم المشي على الركوب (2).

و الظاهر أن الميسور يحصل بالقيام ثمَّ الجلوس، و بالجلوس أولا ثمَّ القيام، و لا ترجيح لأحد الفردين على الآخر بالنظر الى نفس الميسور، و لكن الظاهر من العقلاء ترجيح التطبيق الأول على الثاني، و مع الشك يكون المقام من موارد الدوران بين التعيين و التخيير و المرجع فيه الاحتياط.

اختار في الجواهر- فيما لو قدر على القيام زماناً لا يسع القراءة و الركوع- تقديم القراءة و الجلوس للركوع، حاكياً التصريح به عن بعض و حكايته عن آخرين، و عن المبسوط و النهاية و السرائر و المهذب و الوسيلة و الجامع أنهم قدموا الركوع على القراءة، و عن المبسوط نسبته إلى رواية أصحابنا، لكن الرواية لم تثبت، و القاعدة التي أشرنا إليها تقتضي ما ذكر في الجواهر، و لعل الرواية التي أشار إليها في المبسوط: ما ورد من أن الجالس إذا قام في آخر السورة فركع عن قيام يحسب له صلاة القائم، لكنها في غير ما نحن فيه.

هذا لا إشكال فيه بناء على تقديم المشي على الجلوس، و كذا‌

 

137
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 22 إذا ظن التمكن من القيام في آخر الوقت وجب التأخير ج‌6 ص 138

[ (مسألة 22): إذا ظن التمكن من القيام في آخر الوقت وجب التأخير]

(مسألة 22): إذا ظن التمكن من القيام في آخر الوقت وجب التأخير، بل و كذا مع الاحتمال (1).

بناء على تقديم الجلوس عليه، من أجل أهمية الاستقرار الجلوسي من القيام بلا استقرار، لفوات الاستقرار حال الركوب، فيتعين المحافظة على القيام أما بناء على أن تقديم الجلوس عليه لأن المشي غير القيام، كما تقدم احتماله أو القول به فيرجع الى عموم: «من لا يستطيع الصلاة قائماً يصلي جالساً» «1» يتعين في الفرض تقديم الركوب على المشي، لأن الركوب جلوس بلا استقرار، لكن عرفت ضعف الأخير، فما في المتن قوي.

لا ريب في أن مقتضى إطلاق دليل الواجب الاختياري أنه لو تعذر فعله في جزء من الوقت يتعين عليه في الجزء الآخر، فان تعذر في الأول تعين التأخير، و إن تعذر في الآخر تعين البدار، و أما أدلة الابدال الاضطرارية فإن كان لها إطلاق يقتضي ثبوت البدلية بمجرد تحقق الاضطرار في جزء من الوقت و إن لم يستمر الى آخر الوقت، جاز الانتقال الى البدل لو تحقق الاضطرار في أول الوقت، و ان علم بارتفاعه في آخر الوقت، و إن لم يكن لها هذا الإطلاق لم يحكم بثبوت البدلية بمجرد ذلك و حينئذ يتعين الرجوع الى إطلاق أدلة الواجب الاختياري الذي قد عرفت أن مقتضاه وجوب التأخير. هذا و قد عرفت قريباً الإشارة الى عدم ثبوت هذا الإطلاق لأدلة الابدال الاضطرارية، فيتعين التأخير مع العلم بالزوال.

نعم مع احتماله لا بأس بالمبادرة إلى فعل البدل الاضطراري، لاحتمال استمرار العذر، فان انكشف الاستمرار انكشفت الصحة، و إن انكشف زوال العذر انكشف البطلان، بل لو قطع باستمرار العذر فبادر الى فعل البدل الاضطراري ثمَّ انكشف زوال العذر انكشف البطلان أيضاً. و على‌

______________________________
(1) هذا مستفاد من عدة أحاديث. راجع الوسائل باب: 1 و 14 و غيرهما من أبواب القيام.

 

138
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 23 إذا تمكن من القيام لكن خاف حدوث مرض أو بطء برئه جاز له الجلوس ج‌6 ص 139

[ (مسألة 23): إذا تمكن من القيام، لكن خاف حدوث مرض أو بطء برئه جاز له الجلوس]

(مسألة 23): إذا تمكن من القيام، لكن خاف حدوث مرض أو بطء برئه جاز له الجلوس (1)، و كذا إذا خاف من الجلوس جاز له الاضطجاع، و كذا إذا خاف من لص أو عدو أو سبع أو نحو ذلك.

[ (مسألة 24): إذا دار الأمر بين مراعاة الاستقبال أو القيام فالظاهر وجوب مراعاة الأول]

(مسألة 24): إذا دار الأمر بين مراعاة الاستقبال أو القيام فالظاهر وجوب مراعاة الأول (2).

هذا فوجوب التأخير مع الاحتمال يراد منه عدم الحكم بالاجتزاء لو بادر الى البدل، لا الحكم بعدم الاجتزاء واقعاً.

بلا خلاف ظاهر و لا إشكال، و يشير اليه‌

صحيح ابن مسلم: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل و المرأة يذهب بصره فيأتيه الأطباء فيقولون: نداويك شهراً أو أربعين ليلة مستلقياً كذلك يصلي؟ فرخص في ذلك و قال (ع): فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بٰاغٍ وَ لٰا عٰادٍ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ» «1»‌

و نحوه غيره. بل لمستفاد من النص و الفتوى أن الإبدال الاضطرارية أبدال عند سقوط الواجب الاختياري سواء أ كان المسقط الاضطرار أم الحرج، فلو كان القيام مقدوراً لكنه حرجي انتقل الى الجلوس أيضاً، و هكذا في بقية المراتب.

ففي خبر عبد اللّه بن جعفر (ع): «عن رجل نزع الماء من عينيه أو يشتكي عينيه و يشق عليه السجود هل يجزئه أن يومئ و هو قاعد؟ أو يصلي و هو مضطجع؟ قال (ع): يومئ و هو قاعد» «2».

لأهمية الاستقبال من القيام كما يشير اليه‌

صحيح: «لا تعاد الصلاة» «3»‌

حيث استثني فيه فقد الاستقبال و لم يستثن منه فقد القيام.

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب القيام حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب القيام حديث: 2.

(3) تقدم في آخر مسألة: 17.

 

139
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 25 لو تجدد العجز في أثناء الصلاة عن القيام انتقل إلى الجلوس ج‌6 ص 140

[ (مسألة 25): لو تجدد العجز في أثناء الصلاة عن القيام انتقل إلى الجلوس]

(مسألة 25): لو تجدد العجز في أثناء الصلاة عن القيام انتقل إلى الجلوس (1) و لو عجز عنه انتقل إلى الاضطجاع و لو عجز عنه انتقل إلى الاستلقاء و يترك القراءة أو الذكر في حال الانتقال إلى أن يستقر (2).

لكنه معارض بما دل على ركنية القيام، بل ما دل على صحة الصلاة مع الانحراف الى ما بين اليمين و اليسار، يدل على عدم ركنية الاستقبال مطلقاً و حينئذ فلو دار الأمر بين القيام مع الانحراف الى ما بين اليمين و اليسار و بين ترك القيام و استقبال نقطة القبلة يتعين الأول، لعدم فوات الركن فيه بخلاف الثاني، و لو دار الأمر بين القيام مع الاستدبار و بين الاستقبال و ترك القيام، لم يكن مرجّح لأحدهما على الآخر، لكن عرفت سابقاً أن المدار في الترجيح تطبيق قاعدة الميسور، و لا يبعد أن يكون تطبيقها على واجد تمام الأجزاء فاقد الشرط، أولى من تطبيقها على فاقد الجزء واجد الشرط و مقتضى ذلك ترجيح القيام على الاستقبال مطلقاً. بل لو قيل بأن القيام شرط فترجيح مثله مما كان له وجود خارجي عيني على ما لم يكن كذلك بل كان إضافة خارجية كالاستقبال غير بعيد.

و لا يجب عليه الاستئناف، بلا خلاف ظاهر، كما يظهر من ملاحظة كلماتهم في المقام. نعم عن بعض العامة القول بالاستئناف و عدم الاجتزاء بصلاة ملفقة من الأحوال. و فيه: أنه خلاف إطلاق أدلة البدلية الشامل للعجز الطارئ في الأثناء شموله للعجز الطارئ قبل الدخول في العمل. بل لا يجوز الاستيناف لأنه تفويت للجزء الاختياري المأتي به قبل طروء العجز.

كما عن جماعة منهم الكركي و الأردبيلي و سيد المدارك، لأن الاستقرار شرط مع القدرة، و لم يحصل في الهوى، لكن عن الأكثر أنه‌

 

140
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 26 لو تجددت القدرة على القيام في الأثناء انتقل اليه ج‌6 ص 141

[ (مسألة 26): لو تجددت القدرة على القيام في الأثناء انتقل اليه]

(مسألة 26): لو تجددت القدرة على القيام في الأثناء انتقل اليه (1)، و كذا لو تجدد للمضطجع القدرة على الجلوس يقرأ في حال الانتقال. بل عن الذكرى نسبته إلى الأصحاب، و استدل لهم بأن الهوي أقرب الى القيام فتجب المبادرة حاله الى الإتيان بما أمكن من القراءة و الذكر، و فوات الاستقرار لا يقدح، لأنه شرط مع الاختيار لا مطلقاً، و مع الدوران بينه و بين ما هو أقرب الى القيام يتعين الأخذ بالثاني، لأن فوات الوصف أولى من فوات الموصوف. و فيه: أنه إنما يتم لو كان الهوي من القيام، إذ يكون الفرض من قبيل ما لو دار الأمر بين القيام مضطرباً و الجلوس الذي لا إشكال في وجوب تقديم الأول، لكن من الواضح أن الهوي ليس من القيام في شي‌ء. نعم هو أقرب الى القيام من الجلوس، لكن مجرد ذلك غير كاف في رفع اليد عن إطلاق ما دل على وجوب الجلوس لمن لا يتمكن من القيام، و قاعدة الميسور بنحو تقتضي ذلك غير ثابتة، و لذا لو دار الأمر مع تعذر القيام بين الصلاة في حال النهوض أو الهوي، و بينها في حال الجلوس يتعين الثاني، أخذاً بدليل بدلية الجلوس من غير معارض.

بلا خلاف فيه منا ظاهر. نعم عن بعض العامة لزوم الاستئناف كما في المسألة السابقة، لما سبق مما عرفت ضعفه. نعم يتوجه بناء على عدم جواز البدار لذوي الأعذار، فإن تجدد القدرة مع اتساع الوقت للاستئناف كاشف عن عدم مشروعية الفعل من أوله، كما أنه لو بني على جواز البدار كان البناء على عدم وجوب الاستئناف في محله، و كذا لو كان الوقت يضيق عن الاستئناف، لأن الفعل حينئذ مشروع من أول وقوعه فلا موجب لاستئنافه. هذا و مما ذكرنا يظهر أن إطلاق المصنف (ره) الحكم بالانتقال في هذه المسألة لا يناسب ما سبق في المسألة الثانية و العشرين.

 

141
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 26 لو تجددت القدرة على القيام في الأثناء انتقل اليه ج‌6 ص 141

أو للمستلقي القدرة على الاضطجاع و يترك القراءة أو الذكر في حال الانتقال (1).

[ (مسألة 27): إذا تجددت القدرة بعد القراءة قبل الركوع قام للركوع، و ليس عليه إعادة القراءة]

(مسألة 27): إذا تجددت القدرة بعد القراءة قبل الركوع قام للركوع، و ليس عليه إعادة القراءة (2)، و كذا لو تجددت في أثناء القراءة لا يجب استئنافها و لو تجددت بعد الركوع فان كان بعد تمام الذكر انتصب للارتفاع منه (3)، و إن كان قبل تمامه ارتفع منحنياً إلى حد الركوع القيامي (4)، و لا يجوز له الانتصاب ثمَّ الركوع (5)، و لو تجددت بعد رفع الرأس من الركوع لا يجب عليه القيام للسجود لكون انتصابه الجلوسي بدلا عن الانتصاب القيامي (6)، و يجزئ عنه لكن الأحوط القيام للسجود عنه.

الظاهر أنه لا إشكال هنا فيما ذكره، لعدم تأتي ما في المسألة السابقة لإمكان الإتيان بالواجب الأصلي الاختياري كما هو ظاهر.

عدم لزوم إعادة القراءة، بل عدم لزوم استئناف الصلاة مبني على ما في المسألة السابقة إطلاقا و تقييداً كما هو ظاهر.

تحصيلا للقيام بعد الركوع.

تحصيلا للذكر حال الركوع القيامي.

لئلا تلزم زيادة الركوع.

فاذا وقع منه بقصد امتثال الأمر الاضطراري أجزأ عن المبدل منه الاختياري، و الفرق بينه و بين القيام قبل الركوع- الذي تقدم وجوب فعله لو تجددت القدرة بعد القراءة- أن ذلك القيام لا يتشخص بدلا إلا باتصاله بالركوع، فما لم يتحقق الركوع لم يتحقق، فيجب فعله لو تمكن‌

 

142
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 28 لو ركع قائما ثم عجز عن القيام ج‌6 ص 143

[ (مسألة 28): لو ركع قائماً ثمَّ عجز عن القيام]

(مسألة 28): لو ركع قائماً ثمَّ عجز عن القيام فان كان بعد تمام الذكر جلس منتصبا ثمَّ سجد، و إن كان قبل الذكر هوى متقوسا إلى حد الركوع الجلوسي ثمَّ أتى بالذكر.

[ (مسألة 29): يجب الاستقرار حال القراءة و التسبيحات و حال ذكر الركوع و السجود]

(مسألة 29): يجب الاستقرار حال القراءة و التسبيحات و حال ذكر الركوع و السجود (1)، بل في جميع أفعال الصلاة و أذكارها، بل في حال القنوت و الأذكار المستحبة (2)، منه قبل الركوع و ليس القيام بعد الركوع كذلك، بل هو مجرد قيام فاذا تحقق بدله و هو مجرد الانتصاب أجزأ عنه. نعم لو كان القيام بعد الركوع هو القيام المتصل بالهوي الى السجود كان الواجب تداركه عند تجدد القدرة ما لم يسجد، كما في القيام المتصل بالركوع.

و بالجملة: إن كان القيام بعد الركوع من توابع الركوع فقد حصل بدله، و إن كان من توابع السجود لم يحصل، و وجب فعله مع الإمكان، و سيأتي الكلام في ذلك في مباحث الركوع و السجود.

قد تقدم في تكبيرة الإحرام و القيام الإشارة إلى وجهه و أن العمدة فيه الإجماع.

إجماعا كما في الجواهر ذكره في مبحث القيام مستشهداً بما ذكره العلامة الطباطبائي (ره) في منظومته حيث قال:

«لا تصلح الصلاة في اختيار إلا من الثابت ذي القرار

و ذاك في القيام و القعود فرض و في الركوع و السجود

يعم حال فرض تلك الأربعة الندب بالإجماع في فرض السعة

و هي بمعنى الشرط في المندوب فلا ينافي عدم الوجوب»

لكن الاعتماد على مثل هذا الإجماع و إن عظم ناقلاه لا يخلو من إشكال‌

 

143
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 29 يجب الاستقرار حال القراءة و التسبيحات و حال ذكر الركوع و السجود ج‌6 ص 143

كتكبيرة الركوع و السجود. نعم لو كبّر بقصد الذكر المطلق في حال عدم الاستقرار لا بأس به، و كذا لو سبح، أو هلل، فلو كبّر بقصد تكبير الركوع في حال الهوي له أو للسجود كذلك (1) أو في حال النهوض يشكل صحته فالأولى لمن يكبر كذلك أن يقصد الذكر المطلق. نعم محل قوله: بحول اللّه و قوته، حال النهوض للقيام.

[ (مسألة 30): من لا يقدر على السجود يرفع موضع سجوده إن أمكنه]

(مسألة 30): من لا يقدر على السجود يرفع موضع سجوده إن أمكنه و إلا وضع ما يصح السجود عليه على جبهته كما مر (2).

إذ لم أقف على من تعرض لذلك في مباحث القنوت و الأذكار المستحبة، بل المنسوب الى المشهور عدم اعتبار الاستقرار في جلسة الاستراحة، فكيف يحصل الوثوق بنقله؟ و لا سيما و أن الطمأنينة ليست شرطاً عندهم في جميع ما تجب فيه، فكيف تكون شرطاً في القنوت و الأذكار المستحبة و غيرها من المستحبات في الصلاة؟ و لا بد من المراجعة و التأمل.

الخلل في التكبير في حال الهوي ليس من أجل فقد الاستقرار، بل من جهة فقد المحل، فان محل التكبير للركوع و السجود حال الانتصاب لا حال الهوي، فالإتيان به في حال الهوي إتيان به في غير محله، و حينئذ يقع الكلام في صدق الزيادة القادحة بمجرد ذلك و عدمه، و قد تقدم منه في المسألة الثالثة الجزم ببطلان الصلاة للزيادة لو قنت جالساً، و قد تقدم في أوائل هذا الفصل الاشكال فيه فراجع.

الذي مر منه: التوقف في وجوب الوضع، و قد مر الكلام فيه في المسألة الخامسة عشرة.

144
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 31 من يصلي جالسا يتخير بين أنحاء الجلوس ج‌6 ص 145

[ (مسألة 31): من يصلي جالساً يتخير بين أنحاء الجلوس]

(مسألة 31): من يصلي جالساً يتخير بين أنحاء الجلوس (1). نعم يستحب له أن يجلس جلوس القرفصاء (2)، و هو أن يرفع فخذيه و ساقيه، و إذ أراد أن يركع ثنى رجليه (3)، و أما بين السجدتين و حال التشهد فيستحب أن يتورك (4).

لإطلاق الأمر بالجلوس له- مضافا الى‌

صحيح عبد اللّه ابن المغيرة و صفوان و ابن أبي عمير عن أصحابهم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الصلاة في المحمل «صل متربعاً و ممدود الرجلين و كيف أمكنك «1».

المصرح به في القواعد و غيرها استحباب أن يتربع حال القراءة، و عن المعتبر نسبته الى مذهبنا، و عن المدارك إلى علمائنا، بل عن الخلاف انه إجماعي،

لحسن حمران عن أحدهما (ع): «كان أبي إذا صلى جالساً تربع فاذا ركع ثنى رجليه» «2»‌

و المذكور في كلام جماعة، بل نسب الى المشهور تفسيره بنصب الساقين و الفخذين و هو القرفصاء، و كأن الوجه في حملهم له على هذا المعنى- مع أنه أحد معانيه- كونه أقرب الى القيام و أنسب بمقام العبادة.

استحبابه حال الركوع من حيث الفتوى كسابقه، و يشهد له حسن حمران السابق، و عن عدة من الأصحاب التصريح بأنه افتراش الرجلين تحته بحيث إذا قعد يقعد على صدرهما بغير إقعاء.

عن كشف الرموز حكاية استحبابه في التشهد عن الشيخ (ره) في المبسوط و أتباعه، و عن غيره نسبته أيضاً الى سائر المتأخرين. نعم في الشرائع نسبته الى القبل، و عن جامع ابن عمه التصريح باستحباب التربع،

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب القيام حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب القيام حديث: 4.

 

145
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 32 يستحب في حال القيام أمور ج‌6 ص 146

[ (مسألة 32): يستحب في حال القيام أمور]

(مسألة 32): يستحب في حال القيام أمور: (أحدها):

إسدال المنكبين (1). (الثاني): إرسال اليدين. (الثالث):

وضع الكفين على الفخذين قبال الركبتين اليمنى على الأيمن و اليسرى على الأيسر. (الرابع): ضم جميع أصابع الكفين.

(الخامس): أن يكون نظره إلى موضع سجوده. (السادس):

أن ينصب فقار ظهره و نحره (2).

و كأنه لإطلاق حسن حمران السابق، لكنه قيل إنه لا يصلح لمعارضة ما دل على استحباب التورك في مطلق التشهد كصحيح زرارة الآتي إن شاء اللّه في محله، و العمدة أن ظاهر الحسن استحباب التربع فيما قبل الركوع لا مطلقاً، فتأمل. و أما استحبابه بين السجدتين فاستظهره في الجواهر، و يشهد له صحيح حماد الوارد في بيان كيفية الصلاة، و قد عرفت الإشكال في حسن حمران.

ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): «إذا قمت في الصلاة فلا تلصق قدمك بالأخرى دع بينهما فصلا إصبعاً أقل ذلك الى شبر أكثره و أسدل منكبيك و أرسل يديك و لا تشبك أصابعك و ليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك و ليكن نظرك الى موضع سجودك» «1»‌

و منه و من صحيح حماد يستفاد أكثر ما ذكر من المستحبات قال في الثاني:

«فقام أبو عبد اللّه (ع) مستقبل القبلة منتصباً فأرسل يديه جميعاً على فخذيه قد ضم أصابعه و قرب بين قدميه حتى كان بينهما ثلاث أصابع مفرجات و استقبل بأصابع رجليه جميعاً القبلة لم يحرفهما عن القبلة بخشوع و استكانة ..» «2».

لما تقدم من مرسل حريز في تفسير قوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.

 

146
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 31 من يصلي جالسا يتخير بين أنحاء الجلوس ج‌6 ص 145

(السابع): أن يصف قدميه (1) مستقبلا بهما متحاذيتين بحيث لا تزيد إحداهما على الأخرى و لا تنقص عنها. (الثامن):

التفرقة بينهما بثلاث أصابع مفرجات، أو أزيد إلى الشبر.

(التاسع): التسوية بينهما في الاعتماد. (العاشر): أن يكون من الخضوع و الخشوع، كقيام العبد الذليل بين يدي المولى الجليل.

[فصل في القراءة]

فصل في القراءة يجب في صلاة الصبح و الركعتين الأولتين من سائر الفرائض قراءة سورة الحمد (2)، وَ انْحَرْ) قال (ع): «النحر الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه و نحوه» «1».

في محكي الرضوي: «فصف قدميك .. إلى أن قال: و لا تتكئ مرة على رجلك و مرة على الأخرى» «2» و منه يظهر وجه المستحب التاسع.

فصل في القراءة إجماعاً كما عن الخلاف و الوسيلة و الغنية و المنتهى و التذكرة و الذكرى و الروض و المدارك و البحار و الحدائق و غيرها، و في الجواهر: «يمكن دعوى تواتر الإجماع عليه». و استفادته من النصوص المتفرقة في أبواب القراءة قطعية‌

كصحيح محمد بن مسلم: «عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته.

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب القيام حديث: 3.

(2) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 7.

 

147
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القراءة ج‌6 ص 147

و سورة كاملة غيرها (1) بعدها‌

قال (ع): لا صلاة له إلا أن يقرأ بها في جهر أو إخفات» «1»‌

و‌

موثق سماعة: «عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب. قال (ع):

فليقل أستعيذ باللّه من الشيطان الرجيم إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. ثمَّ ليقرأها ما دام لم يركع فإنه لا صلاة له حتى يقرأ بها في جهر أو إخفات» «2»‌

و نحوهما غيرهما. نعم ليس فيها تعرض ظاهر لوجوبها في كل ركعة من الأولتين، لكن وضوح الحكم يمنع من التوقف فيه لذلك.

كما هو الظاهر من المذهب، أو مذهب الأصحاب، أو الأظهر من مذهبهم، أو إجماعي، أو نحو ذلك من العبارات المحكية عنهم في مقام نقل فتوى الأصحاب، و عن جماعة نسبته الى المشهور.

و استدل له بجملة من النصوص. منها:

صحيح منصور: «قال أبو عبد اللّه (ع): لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة و لا بأكثر» «3».

و فيه: أنه ظاهر في النهي عن تبعيض السورة و القران بين السورتين، و لا تدل على وجوب السورة التامة.

و منها:

مصحح عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه (ع): «يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها؟ و يجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوع بالليل و النهار» «4».

و فيه: أن مفهوم الوصف ليس بحجة، إذ يجوز أن يكون النكتة في التعرض للمريض بخصوصه عدم تأكد الاستحباب في حقه، كما يشير اليه تخصيص قضاء صلاة النافلة بذلك‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 28 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.

 

148
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القراءة ج‌6 ص 147

.....

مع أن أداءها لا تجب فيه السورة أيضاً.

و منها:

صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأوليين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوف شيئاً» «1».

و فيه: أن هذا اللسان من البيان يناسب الاستحباب جداً، و قد ورد نظيره في ترك الأذان‌

ففي خبر أبي بصير: «إن صليت جماعة لم يجزئ إلا أذان و إقامة و إن كنت وحدك تبادر أمراً تخاف أن يفوتك يجزئك الإقامة إلا الفجر و المغرب» «2»‌

و‌

في صحيح أبي عبيدة: «رأيت أبا جعفر (ع) يكبر واحدة واحدة في الأذان.

فقلت له: لم تكبر واحدة واحدة؟. فقال (ع): لا بأس به إذا كنت مستعجلا» «3».

و منها:

صحيح معاوية بن عمار: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): أقرأ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ في فاتحة الكتاب؟ قال (ع): نعم. قلت: فإذا قرأت الفاتحة أقرأ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* مع السورة؟ قال (ع):

نعم» «4».

و فيه: أنه وارد في مقام بيان جزئية البسملة لكل سورة، و لذا لم يتعرض فيه للصلاة فضلا عن خصوص الفريضة.

و منها:

صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) الوارد في المأموم المسبوق: «قرأ في كل ركعة مما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب و سورة فان لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب» «5».

و فيه: أنه ليس وارداً‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 21 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 11 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.

(5) الوسائل باب: 47 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.

 

149
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القراءة ج‌6 ص 147

.....

في مقام تشريع وجوب السورة، و إنما هو وارد في مقام إبقاء مشروعيتها على ما هي عليه من الوجوب و الاستحباب، لدفع توهم سقوط القراءة عن المأموم مطلقاً حتى المسبوق.

و منها:

صحيح محمد عن أحدهما (ع): «عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة؟ فقال (ع): لا لكل ركعة سورة» «1».

و فيه: أنه ظاهر في كون الموظف و المشروع لكل ركعة سورة في قبال توظيف السورتين للركعة، لا أنه يجب لكل ركعة سورة.

و منها:

صحيح معاوية بن عمار: «من غلط في سورة فليقرأ: (قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ) ثمَّ ليركع» «2»‌

، و فيه: أن تخصيص (قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ) بالذكر شاهد بأن المراد أنها تجزئ عن السورة التي غلط فيها، و‌

صحيح محمد بن إسماعيل قال: «سألته (ع) قلت: أكون في طريق مكة فننزل للصلاة في مواضع فيها الأعراب أ يصلي المكتوبة على الأرض فيقرأ أم الكتاب وحدها أم يصلي على الراحلة فيقرأ فاتحة الكتاب و السورة؟ قال (ع):

إذا خفت فصل على الراحلة المكتوبة و غيرها و إذا قرأت الحمد و سورة أحب إلي و لا أرى بالذي فعلت بأساً» «3».

قال في الوسائل حاكياً ذلك عن بعض المحققين: «لو لا وجوب السورة لما جاز لأجله ترك الواجب من القيام». و فيه: أن ظاهر الجواب أن تعين الصلاة على الراحلة إنما هو من جهة الخوف في النزول- كما هو ظاهر السؤال- لا من جهة ترجيح السورة على القيام، و إلا فلا ريب في ترجيح القيام و الاستقبال و الاستقرار على السورة، فلو فرض ظهور الرواية في خلاف ذلك وجب طرحه- مع‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 43 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

 

150
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القراءة ج‌6 ص 147

.....

أن‌

قوله (ع): «و إذا قرأت الحمد و سورة أحب إلي»‌

، ظاهر في استحباب السورة. و منه أيضاً يظهر سقوط الاستدلال به بتقريب أن ظاهر السؤال اعتقاد السائل وجوب السورة، فلو لم تكن كذلك لوجب ردعه فان قوله (ع):

أحب إلي‌

صالح للردع.

و منها:

خبر الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) أنه قال: «إنما أمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلا يكون القرآن مهجوراً مضيعاً و ليكون محفوظاً مدروساً فلا يضمحل و لا يُجهل و إنما بدأ بالحمد دون سائر السور ..» «1»‌

و فيه: أنه ليس في مقام التشريع، بل في مقام حكمة التشريع على إجماله من الوجوب و الندب، مع احتمال أن يكون المراد البدأة بالإضافة إلى الركوع.

و منها:

خبر يحيى بن عمران الهمداني: «كتبت الى أبي جعفر (ع):

جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ ب‍ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ في صلاته وحده في أم الكتاب فلما صار الى غير أم الكتاب من السورة تركها، فقال العباسي (العياشي خ ل): ليس بذلك بأس. فكتب بخطه: يعيدها مرتين على رغم أنفه» «2»‌

(يعني العباسي). و فيه: أن من المحتمل قريباً أن يكون المراد من الإعادة إعادة السورة من جهة ترك جزئها و هي البسملة، فالمراد أن السورة بلا بسملة لا تجزئ عن السورة المأمور بها سواء أ كان للوجوب أم الاستحباب- مع أنها لو كانت ظاهرة في إعادة الصلاة أمكن أن يكون ذلك للتبعيض لا لجزئية السورة.

و استدل أيضاً بمداومة النبي (ص) على فعلها. و فيه: أنها أعم من‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.

 

151
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القراءة ج‌6 ص 147

.....

الوجوب، و تتميمه‌

بقوله (ص): «صلوا كما رأيتموني أصلي «1»»‌

قد تقدم الاشكال فيه بأن الكلام الشريف مجمل الدلالة في نفسه على الوجوب و الاستحباب و غيرهما، ضرورة اشتمال صلاته على بعض المندوبات و المباحات و التمييز محتاج إلى قرينة كانت موجودة في وقت الخطاب غير ظاهرة لدينا.

و بالأخبار الدالة على تحريم العدول من سورة التوحيد و الجحد الى ما عدا سورة الجمعة و المنافقين يوم الجمعة‌

كصحيح الحلبي: «إذا افتتحت صلاتك ب‍ قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ و أنت تريد أن تقرأ بغيرها فامض فيها و لا ترجع إلا أن تكون في يوم الجمعة» «2».

و فيه: أن حرمة العدول لا تنافي الاستحباب و لا تلازم الوجوب.

هذا و لو سلم دلالة ما ذكر على الوجوب فهي معارضة بما دل على جواز الاقتصار على الفاتحة،

كصحيح علي بن رئاب عن أبي عبد اللّه (ع): «سمعته يقول بأن فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة» «3»‌

و الجمع العرفي بينها حملها على الاستحباب، أما الحمل على حال المرض أو الاستعجال أو الخوف- كما عن الشيخ (ره)- فهو بعيد، و لا سيما الأول، و ليس بناؤهم على ارتكابه في أمثال المقام، و لذا قال في المعتبر: «و اعلم أن ما ذكره الشيخ (ره) تحكم في التأويل و الظاهر أن فيه روايتين و حمل إحداهما على الجواز و الأخرى على الفضيلة أقرب» و نحوه ما في المنتهى في آخر الفرع الرابع في مسألة جواز التبعيض.

و أما الحمل على التقية فهو و إن كان قريباً في نفسه لكنه خلاف القواعد المقررة في باب التعارض من أن ارتكابه مشروط بتعذر الجمع العرفي الموجبة‌

______________________________
(1) كنز العمال ج: 4 صفحة: 62 حديث: 1196 و تقدم في فصل تكبيرة الإحرام.

(2) الوسائل باب: 69 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

 

152
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القراءة ج‌6 ص 147

.....

في المقام العمل على نصوص النفي، و لا سيما مع اعتضادها بنصوص التبعيض، مثل‌

صحيح أبان بن عثمان عمن أخبره عن أحدهما (ع) قال: «سألته هل تقسم السورة في ركعتين؟ قال (ع): نعم اقسمها كيف شئت» «1»‌

و‌

صحيح سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (ع) قال: «سألته عن رجل قرأ في ركعة الحمد و نصف سورة هل يجزئه في الثانية أن لا يقرأ الحمد و يقرأ ما بقي من السورة؟ قال (ع): يقرأ الحمد ثمَّ يقرأ ما بقي من السورة» «2».

و‌

صحيح زرارة: «قلت لأبي جعفر (ع): رجل قرأ سورة في ركعة فغلط أ يدع المكان الذي غلط فيه و يمضي في قراءته أو يدع تلك السورة و يتحول عنها الى غيرها؟ فقال (ع): كل ذلك لا بأس به و إن قرأ آية واحدة فشاء أن يركع بها ركع» «3»‌

، و نحوها صحاح عمر بن يزيد «4»، و علي بن يقطين «5»، و إسماعيل بن الفضل «6» و غيرها، فإن رواية هؤلاء الأجلاء لذلك تأبى وروده مورد التقية، كيف و هم أعيان حملة الحديث و أمناء اللّه تعالى على حلاله و حرامه؟ و كأنه لذلك مال الى القول بعدم الوجوب جماعة كالاسكافي و ابن أبي عقيل و الديلمي و المحقق و العلامة في المعتبر و المنتهى، و قواه في التنقيح، و هو خيرة المدارك و الذخيرة و الكفاية و المفاتيح على ما حكي عن بعضها.

لكن مع ذلك كله فالنفس لا تطمئن بعدم الوجوب، للشهرة العظيمة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 7.

(4) الوسائل باب: 6 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.

(6) الوسائل باب: 5 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

 

153
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القراءة ج‌6 ص 147

إلا في المرض (1) و الاستعجال (2)، فيجوز الاقتصار على الحمد، و إلا في ضيق الوقت (3).

على الوجوب، بل الإجماع ممن يعتد بفتواهم من القدماء عليه، فالمسألة لا تخلو من إشكال و لا سيما مع ضعف بعض المناقشات السابقة، فالتوقف فيها متعين و الاحتياط طريق النجاة.

عليه الوفاق كما في المعتبر، و لا خلاف بين أهل العلم كما في المنتهى و إجماعا كما في كشف اللثام، و عن البحار، لمصحح عبد اللّه بن سنان المتقدم «1»، و إطلاقه يقتضي عدم الفرق بين ما يشق لأجله القراءة و غيره لكن لا يبعد انصرافه بمناسبة الحكم و الموضوع الى خصوص الأول، و في المعتبر و المنتهى و عن البحار عده من موارد الضرورة.

إجماعا كما عن التذكرة و في كشف اللثام، و ظاهر المعتبر و المنتهى عده وفاقياً، لصحيح الحلبي المتقدم «2»، و‌

خبر الحسن الصيقل: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): أ يجزئ عني أن أقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها إذا كنت مستعجلا أو اجلني شي‌ء؟ فقال (ع): لا بأس» «3».

و‌

خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال: «سألته عن الرجل يكون مستعجلا يجزئه أن يقرأ في الفريضة بفاتحة الكتاب وحدها؟ قال (ع):

لا بأس» «4»‌

و لا يبعد انصرافها أيضاً الى صورة حصول المشقة بفواتها.

بلا كلام كما عن التنقيح، و بلا خلاف كما عن المدارك، و إجماعا كما عن البحار، و يقتضيه مضافا- الى الأصل لعدم ظهور إطلاق فيما هو‌

______________________________
(1) راجع أول الفصل.

(2) راجع أول الفصل.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.

 

154
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القراءة ج‌6 ص 147

.....

مظنة الحجية على وجوب السورة ليرجع اليه عند الشك- ما ورد في المستعجل و في المأموم المسبوق إذا لم يمهله الامام «1». اللهم إلا أن يستشكل فيه لو كان الضيق عن إدراك الركعة مع السورة بأن وجوب فعل الصلاة و كونها حاجة موقوف على سقوط جزئية السورة، إذ لو كانت جزءاً في هذه الحال لا يتحقق الإدراك للركعة، فلا وجوب و لا ملاك للأمر، و لا حاجة الى فعل الصلاة، فلا مجال لاستفادة السقوط من النصوص و لو بتوسط الأولوية، و كذا الحال لو كان الوجه في السقوط الضرورة التي انعقد الإجماع على سقوط السورة معها إذ لا ضرورة مع ثبوت الجزئية، لسقوط الأمر حينئذ. نعم يتم ذلك لو كان الضيق عن إدراك تمام الصلاة، فإن ملاك الأمر بإتيان تمام أجزائها في الوقت حاصل، فيمكن حينئذ دعوى صدق الحاجة و الضرورة، فهذا الفرض أولى بالسقوط مما قبله لا العكس كما ذكر في الجواهر، و إن كان الظاهر تأتي نظير الإشكال في الفرض السابق كما عن الكركي، لأن المراد من الحاجة و الضرورة في كلام الأصحاب ما كان كذلك مع قطع النظر عن ثبوت السورة و سقوطها، و ليس كذلك في المقام، إذ على تقدير ثبوت السورة يكون تركها موجباً لبطلان الصلاة، فتفوت الحاجة و الضرورة المقصودتان من الترك. نعم دعوى الاستفادة مما ورد في المسبوق في محلها، لاتحاد الجهة في المقامين فتمكن حينئذ دعوى القطع بالأولوية، و لا سيما بناء على ما هو الظاهر من أن المتابعة شرط في الائتمام المستحب، إذ المقصود من ترك السورة حصول الائتمام بالركوع و هو مستحب. هذا و العمدة الأصل بعد دعوى عدم الإطلاق في أدلة الوجوب، أو دعوى الإجماع على السقوط.

______________________________
(1) تقدم ذلك كله في أول الفصل.

 

155
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القراءة ج‌6 ص 147

أو الخوف (1) و نحوهما من أفراد الضرورة، فيجب الاقتصار عليها (2) و ترك السورة، و لا يجوز تقديمها عليها (3)، فلو قدمها عمداً بطلت الصلاة للزيادة العمدية (4) إن قرأها ثانياً (5) كما تقدم في صحيح الحلبي «1».

فراراً عن الوقوع في الحرام. نعم لو لم تكن الضرورة محرمة لم يجب.

إجماعاً بل ضرورة كما قيل، و استدل له في المستند بصحيح محمد ابن مسلم و موثق سماعة المتقدمين في مسألة وجوب الفاتحة «2» راوياً لهما‌

«يبدأ»‌

بدل‌

«يقرأ»‌

، و الموجود في النسخة المصححة من الوسائل التي تحضرني‌

«يقرأ»‌

بدل‌

«يبدأ»‌

كما سبق.

كما عرفت من وجود العموم الدال على البطلان بها، فراجع.

الظاهر صدق الزيادة بمجرد فعل ما لا يكون جزءاً بقصد الجزئية، و لا يتوقف صدقها على فعله ثانياً، بل لو عرضه في أثناء الفاتحة ما يوجب سقوط السورة من مرض و نحوه فصلاته باطلة للزيادة و إن لم يقرأها بعد ذلك لسقوطها عنه.

ثمَّ إن صدق الزيادة موقوف على القول بوجوب السورة، إذ على القول باستحبابها يكون حال السورة المقدمة حال المستحبات المأتي بها في غير محلها التي عرفت عدم صدق الزيادة في الصلاة عليها فلا تبطل الصلاة.

نعم يكون فعلها حينئذ تشريعاً محرماً، لكن عرفت أن ذلك لا يقتضي البطلان. اللهم إلا من جهة عدم شمول ما دل على نفي البأس عن قراءة القرآن له. لكن لو سلم لا يهم لعدم شمول الكلام الممنوع في الصلاة له‌

______________________________
(1) راجع أول الفصل.

(2) راجع أول الفصل.

 

156
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القراءة ج‌6 ص 147

و عكس الترتيب الواجب إن لم يقرأها، و لو قدمها سهواً و تذكر قبل الركوع أعادها بعد الحمد (1)، أو أعاد غيرها، و لا يجب عليه إعادة الحمد إذا كان قد قرأها (2).

أيضاً فيكون المرجع في مانعيته أصل البراءة. و قد يعلل البطلان بلزوم القران بين السورتين، و فيه أنه لو بني على مبطلية القران فشموله لمثل ذلك- و لا سيما لو أعاد السورة نفسها- محل إشكال.

لصحة الصلاة حينئذ، لعدم قدح الزيادة السهوية كما يقتضيه عموم:

«لا تعاد الصلاة» «1».

و يشهد له‌

خبر علي بن جعفر (ع): «عن رجل افتتح الصلاة فقرأ سورة قبل فاتحة الكتاب ثمَّ ذكر بعد ما فرغ من السورة قال (ع): يمضي في صلاته و يقرأ فاتحة الكتاب في ما يستقبل» «2»‌

و حينئذ يجب امتثال الأمر بالسورة بعد الفاتحة فيعيدها أو يقرأ غيرها، لإطلاق دليلها.

خلافاً لجماعة- كما قيل- و ربما يستظهر من كل من عبر باستئناف القراءة، كما عن المنتهى و التذكرة و التحرير و نهاية الأحكام و الألفية و غيرها، و وجهه أن مخالفة الترتيب الموجبة لبطلان الجزء كما تكون بتقديم المتأخر، كذلك تكون بتأخير المتقدم، و كما تبطل السورة بتقديمها تبطل الفاتحة بتأخيرها فلا بد من إعادتهما معاً، و فيه: أن الظاهر من دليل اعتبار الترتيب في المقام:

أنه يعتبر في الفاتحة أن تكون بعدها سورة، و في السورة أن تكون قبلها فاتحة، فإذا قرأ السورة ثمَّ قرأ الفاتحة كانت السورة مخالفة للترتيب، إذ لم تكن قبلها فاتحة، و ليست كذلك الفاتحة، لإمكان أن تكون بعدها سورة، فإذا قرأ السورة بعدها وقعتا معاً على وفق الترتيب. نعم لو كان‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 28 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

 

157
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 1 القراءة ليست ركنا ج‌6 ص 158

[ (مسألة 1): القراءة ليست ركناً]

(مسألة 1): القراءة ليست ركناً، فلو تركها و تذكر بعد الدخول في الركوع صحت الصلاة (1)، مفاد دليل الترتيب: أنه يعتبر في الفاتحة أن لا تتقدم عليها سورة، و في السورة أن لا تتأخر عنها فاتحة، كانتا معا باطلتين، و لازمه لو ذكر بعد الفراغ من السورة قبل الفاتحة عدم تمكنه من قراءة الفاتحة مرتبة، لأنه إذا قرأها قرأها بعد سورة فلا تكون مرتبة‌

فبحديث: «لا تعاد الصلاة».

يسقط اعتبار الترتيب، فيقرؤها فاقدة للترتيب ثمَّ يقرأ السورة بعدها، أما لو ذكر بعد تمام الفاتحة، فلأجل أنه لا يلزم من اعتبار الترتيب بطلان الصلاة و لزوم إعادتها، و إنما يلزم بطلان السورة و الفاتحة فقط، لا مجال لتطبيق‌

حديث: «لا تعاد الصلاة»‌

. فالترتيب باق على اعتباره و تبطلان معا، و عليه إعادة الفاتحة ثمَّ السورة. لكن هذا المعنى غير مراد من أدلة الترتيب قطعاً، بل المراد منها المعنى الأول الذي عرفت أن مقتضاه إعادة السورة وحدها.

ثمَّ إنه قد يستفاد من خبر علي بن جعفر (ع) المتقدم «1» عدم لزوم إعادة السورة، لكنه غير ظاهر في ذلك، بل المحتمل أو الظاهر إرادة أنه يمضي في صلاته فيقرأ فاتحة الكتاب ثمَّ يأتي بما بعدها من سورة و غيرها، و لا وجه لحمل‌

قوله (ع): «في ما يستقبل»‌

على الركعات اللاحقة، ليكون ظاهراً في عدم وجوب قراءة الفاتحة بعد السورة المنسية، ليكون مخالفاً للإجماع.

بلا خلاف ظاهر. و يقتضيه- مضافاً الى الإجماع على عدم ركنيتها- جملة من النصوص‌

كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال: «إن اللّه عز و جل فرض الركوع و السجود و جعل القراءة سنة فمن ترك القراءة متعمداً أعاد الصلاة و من نسي القراءة فقد تمت صلاته و لا شي‌ء عليه» «2»‌

______________________________
(1) تقدم في التعليقة السابقة.

(2) الوسائل باب: 27 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

 

158
مستمسک العروة الوثقى6

فصل في القراءة ج‌6 ص 147

و سجد سجدتي السهو (1) مرتين: مرة للحمد، و مرة للسورة (2)، و كذا إن ترك إحداهما و تذكر بعد الدخول في الركوع صحت الصلاة، و سجد سجدتي السهو، و لو تركهما أو إحداهما و تذكر في القنوت أو بعده قبل الوصول الى حد الركوع رجع و تدارك (3)، و كذا لو ترك الحمد و تذكر بعد الدخول في و‌

موثق منصور بن حازم قال: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): إني صليت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلها فقال (ع): أ ليس قد أتممت الركوع و السجود؟ قلت: بلى. قال (ع): تمت صلاتك إذا كان نسياناً» «1»‌

و نحوهما غيرهما.

هذا بناء على وجوب سجود السهو لكل زيادة و نقيصة،

لمرسل سفيان: «تسجد سجدتي السهو لكل زيادة تدخل عليك أو نقصان» «2»‌

و سيأتي إن شاء اللّه في محله الاشكال فيه. مع أن يعارضه في المقام‌

قوله (ع) في ذيل الصحيح: «و لا شي‌ء عليه»‌

، و لما كان التعارض بالعموم من وجه كان الواجب في مورد المعارضة الرجوع الى أصالة البراءة من وجوب السجود، و حمل الثاني على نفي الإعادة أو الاستئناف ليس أولى من تخصيص المرسل بغير المقام، بل لعل الثاني أقرب لئلا يلزم التأكيد.

هذا مبني على صدق تعدد الزيادة في المقام بزيادة الفاتحة و زيادة السورة. لكن يأتي في محله إن شاء اللّه: أن المعيار في وحدة الزيادة و تعددها وحدة السهو و تعدده، فترك السورة و الفاتحة إن كان عن سهو واحد فالسجود واحد، و إن كان عن أكثر فأكثر.

لأن فعل القنوت لا يوجب فوات المحل، لعدم الدليل عليه، بل‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 29 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 32 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 3.

 

159
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 1 القراءة ليست ركنا ج‌6 ص 158

السورة رجع و أتى بها، ثمَّ بالسورة.

[ (مسألة 2) لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال]

(مسألة 2) لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال (1)، يكون فعله نفسه في غير محله لفوات الترتيب، فيلغى و يجب امتثال الأمر بالفاتحة و السورة.

بلا خلاف أجده، كما في الجواهر، و عن الحدائق نسبته إلى الأصحاب، و استدل له‌

بخبر سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه (ع): «لا تقرأ في الفجر شيئاً من آل حم» «1»‌

و ظاهره إما المانعية في خصوص الفجر مطلقاً و إن لم يفت الوقت، أو الإرشاد إلى عدم الاجتزاء بها عن السورة، و كلاهما أجنبي عن المدعى.

نعم قد تتم دلالته بخبره الآخر‌

عن عامر بن عبد اللّه: «سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: من قرأ شيئاً من آل حم في صلاة الفجر فاته الوقت» «2».

لكنه لا يخلو من إجمال، إلا أن يستظهر منه وقت الفضيلة و حينئذ لا يكون مما نحن فيه. اللهم إلا أن يستفاد من الجمع بينهما أن النهي في الأول للكراهة، لأجل فوات وقت الفضيلة، فيستفاد منه النهي التحريمي لفوات وقت الاجزاء، للقطع بعدم الفرق. و فيه: أنه لو تمَّ ذلك كان الظاهر من النهي النهي العرضي، نظير النهي عن أحد الضدين لوجوب الآخر، على التحقيق من عدم اقتضائه النهي و أنه من باب النهي عن أحد المتلازمين لحرمة الآخر، كما هو كذلك في المورد، فلا يكون تحريمياً حقيقياً، كما هو ظاهر المدعى.

اللهم إلا أن يبنى على اقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده، لكنه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 44 من أبواب القراءة في الصلاة: حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 44 من أبواب القراءة في الصلاة: حديث: 1.

 

160
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 پ لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال ج‌6 ص 160

فإن قرأه عامداً بطلت صلاته (1) و إن لم يتمه إذا كان من خلاف التحقيق، أو يكون مراد القائلين بالحرمة ذلك، و هو غير بعيد عن ظاهر تعليل الحكم في المعتبر و المنتهى بأنه يلزم منه الإخلال بالصلاة أو بعضها حتى يخرج الوقت عمداً. و هو غير جائز.

كما نسب الى المشهور بل إلى الأصحاب، أما للتحريم المستفاد من الخبر الموجب للبطلان، أو لأنه مكلف بالسورة القصيرة، فإن اقتصر على الطويلة لزم نقص الجزء عمداً، و ان قرأ القصيرة لزم القران المبطل، أو لعدم كون السورة المقروءة جزءاً، لامتناع التكليف بالفعل في وقت لا يسعه، فالإتيان بها بقصد الجزئية كما هو المفروض زيادة عمدية مبطلة.

لكن عرفت الإشكال في استفادة التحريم من النص، و اختصاص التكليف بالسورة القصيرة ممنوع، و عدم اتساع الوقت للطويلة إنما يرفع فعلية التكليف بها لأملاكه، و إلا فهي و القصيرة سواء في وجود الملاك، فاذا اقتصر على الطويلة لم تلزم النقيصة، و لو قرأ القصيرة معها فبطلان الصلاة بالقران محل إشكال كما يأتي إن شاء اللّه. و من ذلك يظهر ما في دعوى عدم كون السورة الطويلة جزءاً لامتناع التكليف بالفعل في وقت لا يسعه، فان ذلك إنما يرفع فعلية التكليف بها لأملاكه.

و لأجل ذلك اختار في الجواهر عدم الصحة لو كان قد أدرك ركعة و كان تشاغله بها مفوتاً للوقت بحيث لا يحصل له مقدار ركعة معللا له بأنها لا تصلح أداء، لعدم إدراك ركعة منها في الوقت، و لا قضاء، لعدم مساعدة أدلته، لظهورها في المفتتحة عليه، أو التي كانت في الواقع كذلك، و ان لم يعلم المكلف كما لو صلى بزعم سعة الوقت ركعة ثمَّ بان قصوره قبل إحرازها، فإن الصحة حينئذ بناء على عدم وجوب التعرض للأداء و القضاء في النية متجهة، بخلاف المقام الذي فرض فيه سعة الوقت في نفس‌

 

161
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 پ لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال ج‌6 ص 160

نيته الإتمام حين الشروع، و أما إذا كان ساهياً فان تذكر بعد الفراغ (1) أتم الصلاة و صحت و إن لم يكن قد أدرك ركعة من الوقت أيضاً (2) و لا يحتاج إلى إعادة سورة أخرى، الأمر لكنه فات بتقصير المكلف.

و إن أمكن أن يخدش أيضاً بظهور ابتنائه على أن ملاك وجوب القضاء غير ملاك وجوب الأداء، ففي فرض السعة في نفس الأمر لا يمكن أن تصح قضاء لانتفاء ملاكه. لكن المبنى المذكور خلاف ظاهر أدلة القضاء، إذ الظاهر منها وحدة ملاك الأداء و القضاء، غاية الأمر تجب خصوصية الوقت بملاك آخر، و عليه لا فرق بين الفرض المذكور و فرض الضيق في نفس الأمر إن نوى امتثال الأمر الأدائي بطلت، و ان نوى الجامع بينه و بين القضائي صحت.

و مما ذكرنا يظهر لزوم تقييد البطلان في عبارة المتن بصورة قصد الأمر الأدائي و عدم إدراك الركعة.

ثمَّ إن كان المصلي قصد قراءة السورة الطويلة من حين شروعه في الصلاة فالصلاة باطلة من حين الشروع في السورة المذكورة، و إن قصد قراءتها بعد فراغه من الفاتحة تبطل من حين شروعه في السورة، و لا مجال للعدول من جهة الزيادة العمدية.

يعني: من السورة.

لأجل ما عرفت من أن الوجه في البطلان في صورة قصد الأمر الأدائي هو الخلل من جهة قصد الامتثال، لم يكن وجه للفرق بين العمد و السهو في البطلان و عدمه، لأن قصد الامتثال شرط مطلقاً تبطل العبادة بفقده و لو سهواً.

 

162
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 2 پ لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال ج‌6 ص 160

و إن تذكر في الأثناء عدل إلى غيرها (1) إن كان في سعة الوقت و إلا تركها (2) و ركع و صحت الصلاة (3).

[ (مسألة 3): لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة]

(مسألة 3): لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة (4)، فلو قرأها عمداً استأنف الصلاة، و إن لم يكن قرأ إلا البعض و لو البسملة أو شيئاً منها إذا كان من نيته حين الشروع الإتمام، أو القراءة إلى ما بعد آية السجدة، و أما لو محافظة على إيقاع الصلاة الواجبة أداء التي نواها.

يعني: إذا كان الوقت حال التذكر لا يسع سورة، ترك السورة الطويلة، و يركع من دون عدول إلى سورة أخرى، بناء على ما تقدم من سقوط السورة لضيق الوقت.

إذ لا خلل في النية و لا في المنوي إلا من جهة قراءة بعض السورة الطويلة سهواً، و زيادة القراءة سهواً غير قادحة.

على المشهور، بل في كشف اللثام نسبة المنع الى فتوى علمائنا أجمع إلى الانتصار، و الخلاف، و الغنية، و شرح القاضي لجمل السيد، و التذكرة و نهاية الأحكام، و لم يعرف فيه خلاف إلا عن الإسكافي، مع أن محكي كلامه غير صريح في ذلك.

و استدل للمشهور‌

بخبر زرارة عن أحدهما (ع) قال: «لا تقرأ في المكتوبة بشي‌ء من العزائم فإن السجود زيادة في المكتوبة» «1»‌

و‌

موثق سماعة قال: «من قرأ: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) فاذا ختمها فليسجد‌

.. الى أن قال:

و لا تقرأ في الفريضة، (اقْرَأْ) في التطوع» «2»‌

و‌

خبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه (ع) قال: «سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 40 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 40 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

163
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج‌6 ص 163

.....

النجم أ يركع بها أو يسجد ثمَّ يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال (ع): يسجد ثمَّ يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب و يركع و ذلك زيادة في الفريضة و لا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة» «1».

هذا، و ظاهر صدر الخبر الأخير: المفروغية عن جواز القراءة و إنما كان السؤال عما يلزمه على تقدير القراءة. و حمله على صورة وجود العذر من سهو أو غيره- مع أنه خلاف ظاهره، لعدم تعرض السائل لذلك- مناف لقوله (ع) في ذيله:

«و لا يعود ..»‌

، كما أن قوله (ع):

«يسجد ..»‌

صريح في صحة الصلاة، فقوله (ع):

«فذلك زيادة في الفريضة»‌

لا بد أن يحمل- بقرينة توقف صدق الزيادة على قصد الجزئية المنتفي في المقام- على إرادة أنه شبه الزيادة، لا أنه زيادة حقيقة، و لا أنه بحكم الزيادة. أعني البطلان- لمنافاته لحكمه (ع) بصحة الصلاة، فحينئذ لا يبعد حمل:

«و لا يعود»‌

على الكراهة.

و دعوى: أن قوله (ع):

«و لا يعود»‌

ظاهر في الحرمة فيكون رادعا لما في ذهن السائل- أعني الجواز- كما هو ظاهر الصدر. مندفعة:

بأن قوله (ع):

«و ذلك زيادة ..»‌

قرينة على أن النهي من جهة صدق الزيادة لا للحرمة تعبداً، و النهي من جهة الزيادة راجع الى قادحية الزيادة، و قد عرفت أن الرواية صريحة في الصحة و عدم قدح الزيادة، فيتعين التصرف في قوله (ع):

«و لا يعود»‌

بالحمل على الكراهة، فإنه أولى كما هو ظاهر بأقل تأمل، فيحمل النهي في غيره من النصوص على الكراهة أيضاً، لما في ذلك من الزيادة الصورية.

و قريب من خبر ابن جعفر (ع)

خبره الآخر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال: «سألته عن إمام يقرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 40 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

 

164
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج‌6 ص 163

.....

كيف يصنع؟ قال (ع): يقدم غيره فيسجد و يسجدون و ينصرف هو و قد تمت صلاتهم» [1].

اللهم إلا أن لا يكون الخبران جامعين لشرائط الحجية، و لا سيما بعد إعراض الأصحاب عنهما، و حكاية الإجماع على خلافهما فيتعين العمل بظاهر النهي في غيرهما. و عليه: نقول: النهي المذكور إما أن يحمل على الحرمة التكليفية أو الإرشاد إلى المانعية أو الى عدم الجزئية، و الثاني أظهر كما هو الحال في كلية النواهي الواردة في أمثال المقام، و على كل حال لو قرأها عمداً بقصد الجزئية كانت زيادة عمدية مبطلة.

هذا مع قطع النظر عن التعليل بأن السجود زيادة في المكتوبة، أما بالنظر اليه فيحتمل فيه أمران: الأول: أن يكون إرشاديا إلى طريق الاحتفاظ على الصلاة من طروء مبطل و هو سجود العزيمة. و الثاني: أن يكون إرشاديا إلى حكم العقل بالحرمة، لأن في قراءة سورة العزيمة إلقاء النفس في موضوعية التكاليف المتزاحمة، لعدم القدرة على امتثالها أعني حرمة قطع الصلاة الثابت أولا و وجوب السجود للعزيمة الحادث بقراءة السورة الذي لا يمكن موافقتهما معاً، و الثاني إن لم يكن أظهر الاحتمالين في النهي يجب البناء عليه عقلا، إذ لا فرق في حرمة تفويت غرض المولى بين تفويته اختياراً و بين تعجيز النفس عنه بعد ثبوته، و بين إيجاد سبب ثبوته في ظرف العجز عن تحصيله كما في المقام، و مثله أن يتزوج في ظرف عجزه عن الإنفاق على زوجته كما سيشير اليه المصنف (ره) في المسألة التاسعة و العشرين من فصل قواطع السفر، لا أقل من أن يكون هذا الحكم العقلي قرينة على حمل النهي عليه.

______________________________
[1] الوسائل باب: 40 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5. و المصدر خال من لفظة «هو» غير أنها موجودة في التهذيب و في الوسائل باب 42 من أبواب قراءة القرآن. و كذلك يوجد اختلاف في لفظ الحديث بين ما ينقله صاحب الوسائل في باب 40 و ما ينقله في باب 42. فإنه في الأخير «فيتشهد و ينصرف هو و قد تمت صلاتهم».

165
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج‌6 ص 163

.....

نعم لو لم يتم ذلك بأن بني على عدم التزاحم و أن وجوب السجود رافع لموضوع حرمة قطع الفريضة، لا تبعد دعوى ظهور النص في الأول.

و عليه فان قرأ السورة و لم يسجد في أثناء الصلاة عصى في ترك السجود و صحت صلاته.

و دعوى: أنه بمجرد قراءة آية السجدة يتوجه إليه الأمر بالسجود فتفسد صلاته، نظير ما لو أمر بالقي‌ء أو الجنابة في نهار الصوم لأكله للمغصوب، أو لمضي أربعة أشهر من وطء الزوجة، فكما أن الأمر المذكور يبطل الصوم و إن لم يحصل منه القي‌ء أو الجنابة كذلك في المقام الأمر بالسجود المبطل يبطل الصلاة و إن لم يحصل منه السجود.

و هذه الدعوى قد استوضحها في الجواهر، لكنها مندفعة: بأن مسألة القي‌ء و الجنابة في الصوم ليست من باب التزاحم بين الملاكين في الوجودين. بل من باب التزاحم بين الجهات في الشي‌ء الواحد بلحاظ الوجود و العدم، لأن الصوم عبارة عن ترك الجنابة و القي‌ء، فإذا كان فيهما مصلحة غالبة خرج الصوم عن كونه راجحاً، و انتفى ملاكه فامتنع التقرب به، و لأجل ذلك لا يصح التقرب بشرب الخمر بلحاظ أن فيه مصلحة في الجملة، كما يستفاد من قوله سبحانه (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمٰا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنٰافِعُ لِلنّٰاسِ وَ إِثْمُهُمٰا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمٰا) «1» لما فيه من المفسدة الغالبة المانعة من تحقق الميل اليه، و تحقق ملاك الأمر به، و إذ لا ميل و لا ملاك لا مجال للتقرب. أما مسألة الصلاة و السجود فهي من باب التزاحم بين الملاكين، لأن الصلاة ليست ترك السجود، بل هي الأفعال الخاصة المشروطة بترك السجود، فهو خارج عنها غير مقوّم لملاكها، فيجوز أن يكون في الصلاة ملاك الأمر الموجب لرجحانها، و إن كان ترك السجود‌

______________________________
(1) البقرة: 219‌

 

166
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج‌6 ص 163

قرأها ساهياً فان تذكر قبل بلوغ آية السجدة وجب عليه العدول إلى سورة أخرى (1).

حراما، فيجوز التقرب بالصلاة و ان عصى بترك السجود.

و بالجملة: تزاحم الجهات في الوجود الواحد راجع الى التدافع في ترجيح الوجود و العدم، فاذا كان إحداها أقوى كان لها التأثير دون الأخرى، و مع التساوي لا رجحان في كل منهما، و تزاحم الجهات في الوجودين راجع الى التدافع في فعلية الأمر مع وجود الرجحان و الملاك في كل منهما، فيجوز التقرب بكل منهما و إن عصى بترك الآخر، نظير باب التضاد بين المهم و الأهم، فإنه يجوز التقرب بالمهم كما يجوز التقرب بالأهم.

هذا كله بناء على عدم حكم العقل بحرمة التفويت، أما بناء على حكمه بذلك فتحرم السورة، و يكون الإتيان بها بقصد الجزئية زيادة مبطلة.

نعم موضوع التحريم في الحقيقة هو قراءة آية السجدة لأنها الموجبة للتفويت، فنسبة الحرمة الى جميع السورة مجاز بلحاظ بعضها كما هو ظاهر، و حينئذ حكم قراءة ما عداها من آيات السورة حكم قراءة أبعاض سائر السور فان كانت قراءة بعض غيرها من السورة بقصد الجزئية مبطلة، كانت قراءة ما قبل آية السجدة كذلك و ان لم ينو حين الشروع قراءة آية السجدة، و ان لم تكن مبطلة- كما هو الظاهر و يشير اليه نصوص العدول من سورة إلى أخرى «1» و بعض نصوص القران «2»- لم تكن هي مبطلة و إن نوى قراءة آية السجدة، إلا إذا كانت نية ذلك موجبة لخلل في قصد الامتثال على ما تقدم في نية فعل القاطع بعد ذلك. فراجع.

أما على ما ذكرنا من أن المحرم قراءة آية السجدة لا غير، فلأن‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 35، 36، 69 من أبواب القراءة في الصلاة.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

 

167
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج‌6 ص 163

و إن كان قد تجاوز النصف (1)، و إن تذكر بعد قراءة آية السجدة أو بعد الإتمام، فإن كان قبل الركوع فالأحوط إتمامها (2) إن كان في أثنائها، حرمة قراءتها مانع من الاكتفاء بإتمام السورة، فإطلاق وجوب قراءة سورة يقتضي العدول الى غيرها، من دون لزوم محذور، و لزوم القران الممنوع عنه- لو سلم موضوعا و حكما- فلا بأس به في المقام، لما دل على جواز العدول من سورة إلى أخرى، و لأنه من السهو غير القادح لعموم:

«لا تعاد الصلاة»‌

. و منه يظهر الحكم على القول بحرمة قراءة جميع آيات السورة، فإن عموم عدم قادحية السهو يشمله ايضاً، فما في التذكرة من الإشكال في العدول في الفرض غير ظاهر، و لذا قطع في الجواهر بوجوب العدول إذا ذكر قبل أن يتجاوز النصف و محل العدول.

كما قواه في الجواهر، لأن ما دل على المنع عن العدول بعد تجاوز النصف لو سلم مختص بصورة الاجتزاء بالإتمام، فلا يشمل ما نحن فيه.

المحكي عن البيان الجزم بالعدول مع التذكر قبل الركوع، و إن كان قد أتمهما، و كذا عن المحقق الثاني و قواه في الجواهر، لإطلاق ما دل على النهي عن العزيمة المقتضي لعدم الاجتزاء بها، المستلزم تقييد إطلاق وجوب السورة بغيرها من السور، فيجب الإتيان بسورة أخرى و إن ذكر بعد الفراغ.

لكن عرفت أن مقتضى تعليل النهي بأن السجود زيادة في المكتوبة أن المنع إرشادي و أن سورة العزيمة كغيرها من السور واجدة لملاك الجزئية، فمع عدم تنجز الحرمة لأجل السهو لا مانع من التقرب بالسورة، فتكون جزءاً من الصلاة، و لا حاجة الى سورة أخرى، و كأن هذا هو مراد من علل تعين الإتمام بأنه قد وقع فيما يخشى منه.

هذا بناء على أن حكمه السجود فوراً و استئناف الصلاة، و الثمرة الفارقة‌

 

168
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج‌6 ص 163

و قراءة سورة غيرها (1) بنية القربة المطلقة بعد الإيماء إلى السجدة (2)، بينه و بين ما اختاره في البيان أنه لو عصى في ترك السجود صحت صلاته على هذا القول، و بطلت على ما اختاره في البيان، إلا أن يأتي بسورة أخرى أما بناء على أن حكمه الإيماء أو السجود بعد الفراغ، فقصور شمول النهي عن العزيمة عن فرض السهو أظهر، لعدم انطباق التعليل عليه، فالجمع بين القول بوجوب الإيماء و القول بعدم الاجتزاء بالعزيمة لو قرأها سهواً غير ظاهر و كأن وجه كون الأحوط إتمامها: أن التذكر في الأثناء بعد تجاوز السجدة ملازم للتذكر بعد تجاوز النصف، لأن آية السجدة في (حم) السجدة و (الم) السجدة بعد النصف الأول، و في سورتي (النجم) (و القلم) في آخر السورة، فإطلاق ما دل على عدم جواز العدول بعد تجاوز النصف يقتضي وجوب الإتمام، فرفع اليد عنها مخالفة لذلك، و لا مجال لدعوى انصراف الإطلاق عن المورد كما في الفرض السابق، لكون المفروض هنا قراءة الآية و الوقوع في المحذور بخلاف الفرض السابق.

عملا باحتمال ما جزم به في البيان و غيره كما سبق.

قد اعترف غير واحد بظهور الاتفاق على صحة الصلاة بقراءة سورة العزيمة سهواً. و إنما الخلاف في أنه يسجد في الأثناء بعد قراءة آية السجدة- كما في كشف الغطاء- أو يؤخر السجود الى ما بعد الفراغ- كما هو المعروف على ما يظهر من الجواهر- أو يومئ بدل السجود- كما اختاره غير واحد- أو يجمع بين الإيماء في الأثناء و السجدة بعد الفراغ- كما حكي عن بعض- أقوال، و كأن الأول لعدم قصد الجزئية بسجود العزيمة فلا يكون زيادة، و لما تقدم من النصوص الدالة على جواز قراءة العزيمة و السجود لها في الأثناء. و فيه: أن الكلام في المقام بعد البناء على‌

 

169
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج‌6 ص 163

.....

عدم جواز السجود للعزيمة في الفريضة، و أنه مبطل لها عملا بالنصوص المتقدمة، و رفعاً لليد عن معارضها كما عرفت.

و وجه الثاني: ترجيح ما دل على حرمة الإبطال على ما دل على فورية السجود. و فيه: أن ذلك مما تأباه نصوص المنع عن قراءة العزيمة.

و وجه الثالث: جملة من النصوص‌

كخبر ابن جعفر (ع): «عن الرجل يكون في صلاة في جماعة فيقرأ إنسان السجدة كيف يصنع؟ قال (ع):

يومئ برأسه. قال: و سألته عن الرجل يكون في صلاة فيقرأ آخر السجدة فقال (ع): يسجد إذا سمع شيئاً من العزائم الأربع ثمَّ يقوم فيتم صلاته إلا أن يكون في فريضة فيومئ برأسه إيماء» «1».

و‌

خبر أبي بصير: «إن صليت مع قوم فقرأ الامام: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) أو شيئاً من العزائم و فرغ من قراءته و لم يسجد فأومئ إيماء» «2».

و‌

خبر سماعة: «و إذا ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزئك الإيماء و الركوع» «3».

و فيه:

- مع أن الأخيرين موردهما الخوف من السجود للتقية- أنها مختصة بالسماع، فالتعدي إلى القراءة محتاج إلى إلغاء خصوصية المورد، و ذلك غير ظاهر بنحو ترفع به اليد عن إطلاق نصوص الأمر بالسجود عند قراءة العزائم الشامل للسهو.

و وجه الرابع: أنه مقتضى قاعدة الاشتغال، للعلم الإجمالي بوجوب أحد الأمرين، كما يقتضيه النظر إلى دليلي القول الثاني و الثالث. و فيه:

أن الرجوع الى قاعدة الاشتغال يختص بصورة عدم البيان، و لكن البيان حاصل، فان نصوص الإيماء- إن تمَّ الاستدلال بها- تعين القول الثالث‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 43 من أبواب قراءة القران حديث: 3، 4.

(2) الوسائل باب: 38 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 37 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

 

170
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 3 لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج‌6 ص 163

أو الإتيان بها، و هو في الفريضة، ثمَّ إتمامها و إعادتها من رأس، و إن كان بعد الدخول في الركوع و لم يكن سجد للتلاوة فكذلك أومأ إليها، أو سجد و هو في الصلاة، ثمَّ أتمها و أعادها و إن كان سجد لها نسياناً أيضاً، فالظاهر صحة صلاته (1)، و لا شي‌ء عليه، و كذا لو تذكر قبل الركوع مع فرض الإتيان بسجود التلاوة أيضاً نسيانا، فإنه ليس عليه إعادة الصلاة حينئذ.

[ (مسألة 4): لو لم يقرأ سورة العزيمة لكن قرأ آيتها في أثناء الصلاة عمداً بطلت صلاته]

(مسألة 4): لو لم يقرأ سورة العزيمة لكن قرأ آيتها في أثناء الصلاة عمداً بطلت صلاته (2)، و لو قرأها نسيانا أو استمعها من غيره أو سمعها فالحكم كما مر (3) من أن و إلا تعين العمل بإطلاق نصوص الأمر بالسجود عند قراءة العزيمة الشامل للسهو و العمد فيسجد فوراً و يستأنف الصلاة، و تأخير السجود الى ما بعد الفراغ مخالفة لهذه النصوص.

هذا و قد عرفت مما ذكرنا أن القول بوجوب السجود فوراً فتبطل صلاته به هو الأقرب، لكن لم أقف على قائل به.

ثمَّ إن كون الأحوط ما في المنن يراد كونه الأحوط في الجملة، و إلا فالأقوال متباينة لا يمكن الجمع بينها عملا إلا بالتكرار.

إذ لا تعاد الصلاة من زيادة سجدة نسياناً، و كذا الحال في الفرض الآتي.

لظهور النصوص في كون النهي عن قراءة العزيمة بلحاظ آية السجدة فيجري على قراءة آية السجدة ما يجري على قراءة السورة، و قد عرفت ما هو الأقوى هناك فيجري هنا أيضاً.

قد عرفت أن السماع حكمه الإيماء و إتمام الصلاة لا غير، و يلحقه‌

 

171
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 4 لو لم يقرأ سورة العزيمة لكن قرأ آيتها في أثناء الصلاة عمدا بطلت صلاته ج‌6 ص 171

الأحوط الإيماء إلى السجدة أو السجدة و هو في الصلاة، و إتمامها و إعادتها.

[ (مسألة 5): لا يجب في النوافل قراءة السورة]

(مسألة 5): لا يجب في النوافل قراءة السورة (1).

و إن وجبت بالنذر (2) أو نحوه فيجوز الاقتصار على الحمد الاستماع، بل هو منه فيدخل تحت إطلاق دليله، و أما قراءتها نسياناً فحكمها كما سبق من أن الأقرب أنه يسجد و يستأنف الصلاة و لو عصى فترك السجود صحت صلاته.

لا أجد فيه خلافاً نصاً و فتوى، كذا في الجواهر، و في التحرير و المنتهى نفي الخلاف فيه، و في المستند دعوى الإجماع عليه، و يشهد له- مضافا الى ذلك و الى حديث: «رفع ما لا يعلمون» «1»، بناء على جريانه في المستحبات عند الشك في الجزئية، إذ لا إطلاق في دليل الجزئية يشمل النافلة-

مصحح ابن سنان: «يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها و يجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوع بالليل و النهار» «2».

بناء على أن المراد من قضاء صلاة التطوع فعلها، أو تتمم دلالته على المدعى بعدم القول بالفصل‌

كصحيح ابن يقطين: «سألت الرضا (ع) عن تبعيض السورة فقال (ع): أكره و لا بأس به في النافلة» «3»‌

لأن الظاهر من الفريضة و النافلة المأخوذين موضوعاً للثبوت و السقوط: ما يكون فريضة أو نافلة بعنوان كونه صلاة لا بعنوان آخر، و الوجوب بالنذر أو الإجارة أو أمر الوالد أو السيد أو نحو ذلك لا بعنوان الصلاة فلا يخرجها عن موضوع حكم النافلة، و كذا الحال في جواز قراءة العزيمة.

______________________________
(1) الوسائل باب: 56 من أبواب جهاد النفس حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

 

172
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 5 لا يجب في النوافل قراءة السورة ج‌6 ص 172

أو مع قراءة بعض السورة. نعم النوافل التي تستحب بالسور المعينة يعتبر في كونها تلك النافلة قراءة تلك السورة (1) لكن في الغالب يكون تعيين السور من باب المستحب في المستحب على وجه تعدد المطلوب (2) لا التقييد.

[ (مسألة 6): يجوز قراءة العزائم في النوافل]

(مسألة 6): يجوز قراءة العزائم في النوافل (3) و إن وجبت بالعارض (4) فيسجد بعد قراءة آيتها (5) و هو في الصلاة، ثمَّ يتمها.

[ (مسألة 7): سور العزائم أربع]

(مسألة 7): سور العزائم أربع: كما يقتضيه دليل تشريعها.

هذا- مع أنه يتوقف على ورود أمر بالمطلق مثل الأمر بصلاة ركعتين للحاجة، و إلا فلو لم يكن إلا الأمر بالمشتملة على السورة لا وجه لفهم تعدد المطلوب- مبني على عدم وجوب حمل المطلق على المقيد في المستحبات، و قد تقدم الكلام فيه في بعض مباحث الأذان و الإقامة.

الظاهر أنه لا خلاف فيه- كما في الحدائق- و عن الخلاف الإجماع عليه، و يشهد له- مضافاً الى ما قد يستفاد من تخصيص المنع في أدلته بالفريضة، و الى إطلاق بعض نصوص الجواز المحمول على النافلة- خصوص‌

موثق سماعة المتقدم «1»: «و لا تقرأ في الفريضة اقرأ في التطوع».

كما تقدم في المسألة السابقة.

بلا إشكال ظاهر، و يقتضيه- مضافاً الى إطلاق ما دل على فورية السجود بضميمة مثل حديث الرفع بناء على جريانه في المقام لرفع‌

______________________________
(1) راجع المسألة: 3.

 

173
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 7 سور العزائم أربع ج‌6 ص 173

(الم السجدة) و (حم السجدة) و (النجم) و (اقرأ باسم) (1).

[ (مسألة 8): البسملة جزء من كل سورة]

(مسألة 8): البسملة جزء من كل سورة (2)، قادحية السجود- ظاهر موثق سماعة فراجعه.

بالإجماع المحقق و المحكي مستفيضاً- كما في المستند و يشهد له‌

صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إذا قرأت شيئاً من العزائم التي يسجد فيها فلا تكبر قبل سجودك و لكن تكبر حين ترفع رأسك، و العزائم أربع: حم السجدة، و تنزيل، و النجم، و اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ» «1»‌

و‌

صحيح داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إن العزائم أربع: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، و النجم، و تنزيل السجدة، و حم السجدة» «2»‌

و‌

خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «قال: إذا قرئ بشي‌ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد و إن كنت على غير وضوء ..» «3».

إجماعا كما عن الخلاف، و مجمع البيان، و نهاية الاحكام، و الذكرى و جامع المقاصد، و ظاهر السرائر و غيرها، و في المعتبر نسبته إلى علمائنا، و يشهد له جملة من النصوص‌

كصحيح ابن مسلم: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن السبع المثاني و القرآن العظيم أ هي الفاتحة؟ قال (ع): نعم. قلت:

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ من السبع؟ قال (ع): نعم هي أفضلهن» «4».

و‌

خبر يحيى بن عمران الهمداني: «كتبت إلى أبي جعفر (ع): جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ ب‍ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ في صلاته وحده بأم الكتاب فلما صار إلى غير أم الكتاب من السورة تركها فقال العباسي: ليس‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 42 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 42 من أبواب قراءة القرآن حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 42 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 11 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

 

174
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 8 البسملة جزء من كل سورة ج‌6 ص 174

فيجب قراءتها عدا سورة براءة (1).

[ (مسألة 9): الأقوى اتحاد سورة (الفيل) و (لإيلاف)]

(مسألة 9): الأقوى اتحاد سورة (الفيل) و (لإيلاف) و كذا (و الضحى) و (ألم نشرح) (2)

بذلك بأس؟ فكتب (ع) بخطه: يعيدها مرتين على رغم أنفه» «1».

- يعني العباسي.

نعم في بعض النصوص: جواز تركها من السورة «2»، و في بعضها:

جواز تركها إلا في افتتاح القراءة من الركعة الأولى «3»، و في بعضها:

جواز تركها من الفاتحة في الأولى «4»، و الجميع لا مجال للعمل به بعد حكاية الإجماعات القطعية على خلافه، فليحمل على التقية.

للإجماع.

عن الانتصار نسبته الى آل محمد (ص)، و عن الأمالي نسبة الإقرار به الى دين الإمامية، و عن السرائر و التحرير و نهاية الأحكام و التذكرة و المهذب البارع و غيرها أنه قول علمائنا، و يشهد له المرسل في الشرائع: «‌

روى أصحابنا أن (الضحى) و (أ لم نشرح) سورة واحدة، و كذا (الفيل) و (لايلاف)» «5»‌

و نحوه المرسل المحكي عن الهداية «6»، و الفقه الرضوي «7»، و مجمع البيان «8»، و‌

المسند «9»، عن أبي العباس- على‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 12 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 12 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3- 4.

(4) الوسائل باب: 12 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.

(5) الوسائل باب: 10 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 9.

(6) الهداية باب القراءة صفحة: 7.

(7) مستدرك الوسائل باب: 7 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

(8) الوسائل باب: 1 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

(9) مستدرك الوسائل باب: 7 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

 

175
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 9 الأقوى اتحاد سورةالفيل ولإيلاف ج‌6 ص 175

.....

ما عن السياري-: « (الضحى) و (ألم نشرح) سورة واحدة».

و‌

المسند عن شجرة أخي بشر النبال- على ما عن البرقي-: «أ لم تر كيف و لايلاف سورة واحدة» «1».

و نحوه مسنده عن أبي جميلة «2»، و ضعف سندها منجبر باعتماد الأصحاب عليها، و يؤيدها‌

صحيح زيد الشحام: «صلى بنا أبو عبد اللّه (ع) الفجر فقرأ (الضحى)، و (أ لم نشرح) في ركعة» «3»‌

و‌

خبر المفضل بن صالح عن أبي عبد اللّه (ع): قال: «سمعته يقول: لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلا (الضحى) و (أ لم نشرح)، و (أ لم تر كيف) و (لايلاف قريش) «4».

بحمل السورة فيه على المعنى الدارج عند الناس.

و من ذلك يظهر ضعف ما في المعتبر من قوله: «لقائل أن يقول:

لا نسلم أنهما سورة واحدة بل لم لا يكونا سورتين و إن لزم قراءتهما في الركعة الواحدة على ما ادعوه فنطالب بالدلالة على كونهما سورة واحدة و ليس في قراءتهما في الركعة الواحدة دلالة على ذلك، و قد تضمنت رواية المفضل تسميتهما سورتين». و تبعه عليه جماعة، بل نسب الى المشهور بين من تأخر عنه، و إن كان يشهد له خبر المفضل- بناء على حمل السورة فيه على السورة الحقيقية الواقعية و على كون الاستثناء متصلا كما هو الظاهر- إلا أنه يتعين حمله على إرادة السورة بالنظر الدارج- كما سبق- جمعاً بينه و بين تلك المراسيل المعتمد عليها، و احتمال أن المراد بالمراسيل المسانيد المتضمنة للجمع بين السورتين، مثل صحيح الشحام، و خبر المفضل، بعيد جداً.

______________________________
(1) مستدرك الوسائل باب: 7 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(2) مستدرك الوسائل باب: 7 من أبواب القراءة في الصلاة ملحق حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 10 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 10 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.

 

176
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 9 الأقوى اتحاد سورةالفيل ولإيلاف ج‌6 ص 175

فلا يجزئ في الصلاة إلا جمعهما مرتبتين مع البسملة بينهما (1).

و أما‌

صحيح الشحام الآخر: «صلى بنا أبو عبد اللّه (ع) فقرأ في الأولى (الضحى) و في الثانية (أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ«1»‌

فإجمال الفعل فيه مانع عن صلاحيته للمعارضة لغيره، و مثله‌

صحيحه الثالث: «صلى بنا أبو عبد اللّه (ع) فقرأ بنا (الضحى) (و أَ لَمْ نَشْرَحْ«2».

مضافاً الى إجماله من حيث كون القراءة في ركعتين أو ركعة، و أما خبر داود الرقي المنقول‌

عن الخرائج و الجرائح عن داود الرقي عن أبي عبد اللّه (ع)- في حديث- قال: «فلما طلع الفجر قام فأذن و أقام و أقامني عن يمينه و قرأ في أول ركعة (الحمد) و (الضحى) و في الثانية بالحمد و (قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ) ثمَّ قنت» «3».

فضعف سنده و إجمال الفعل فيه مانع عن العمل به، مع إمكان حمله على إرادة السورتين معاً من (الضحى).

هذا و لكن الإنصاف أن حصول الوثوق بصدور هذه المراسيل ممنوع إذ ليست هذه المراسيل الا كمرسل الشرائع- مع أنه ناقش في المعتبر بما ذكر.

كما عن جماعة، بل عن المقتصر نسبته إلى الأكثر، لثبوتها في المصاحف المعروفة عند المسلمين من صدر الإسلام، و لقاعدة الاحتياط، للشك في قراءة سورة بتركها. و فيه: أن ثبوتها في المصاحف أعم من الجزئية، فإن بناء أكثر أصحاب المصاحف على عدم جزئية البسملة من كل سورة، و مع ذلك يثبونها في مصاحفهم، فإثباتها في المصاحف ناشئ من اعتقاد أن سورة الإيلاف سورة مستقلة، فاثبتوا البسملة في صدرها كما أثبتوها في صدر كل سورة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 10 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 10 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 10.

 

177
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 الأقوى جواز قراءة سورتين ج‌6 ص 178

[ (مسألة 10): الأقوى جواز قراءة سورتين]

(مسألة 10): الأقوى جواز قراءة سورتين (1).

باعتقاد أنها جزء- مع أن المحكي عن مصحف أبي سقوطها «1»، و أما كون المرجع عند الشك في المقام قاعدة الاحتياط فغير ظاهر، بل المرجع أصل البراءة، للشك في وجوب قراءتها، لإجمال مفهوم السورة، و ليست من قبيل المفهوم المبين كي لا يكون التكليف مشكوكا بوجه و يكون الشك في المحصل. و كأنه لذلك اختار كثير العدم، بل عن البحار: نسبته إلى الأكثر، و عن التهذيب: أنه قال: «عندنا لا يفصل بينهما بالبسملة».

و عن التبيان و مجمع البيان: أن الأصحاب لا يفصلون بينهما بها.

كما عن جماعة كثيرة، و حكاه في كشف اللثام عن الاستبصار، و السرائر، و الشرائع، و المعتبر، و الجامع، و كتب الشهيد، و جعله الأقوى، بل عن البحار و الحدائق نسبته الى جمهور المتأخرين و متأخريهم. و يقتضيه الجمع بين ما دل على النهي عنه‌

كصحيح محمد عن أحدهما (ع): «سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة. فقال (ع): لا لكل سورة ركعة» «2»‌

و‌

خبر منصور ابن حازم قال أبو عبد اللّه (ع): «لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة و لا بأكثر» «3».

و غيرهما، و بين ما دل على الجواز‌

كصحيح علي بن يقطين: «سألت أبا الحسن (ع) عن القران بين السورتين في المكتوبة و النافلة. قال (ع): لا بأس» «4».

فيحمل الأول على الكراهة كما يشير اليه‌

خبر ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع): «عن رجل قرأ سورتين في ركعة. قال (ع): إن كانت نافلة فلا بأس و أما‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 8 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 9.

178
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 الأقوى جواز قراءة سورتين ج‌6 ص 178

أو أزيد في ركعة مع الكراهة في الفريضة (1)، و الأحوط‌

الفريضة فلا يصلح» «1».

و‌

موثق زرارة قال أبو جعفر (ع): «إنما يكره أن تجمع بين السورتين في الفريضة فأما النافلة فليس به بأس» «2»‌

و ما‌

عن مستطرفات السرائر عن كتاب حريز عن زرارة عن أبي جعفر (ع): «لا تقرننّ بين السورتين في الفريضة فإنه أفضل» «3».

و‌

موثق زرارة: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل يقرن بين السورتين في الركعة فقال:

إن لكل سورة حقاً فأعطها حقها من الركوع و السجود» «4».

و من ذلك يظهر ضعف ما نسب الى المشهور بين القدماء من عدم الجواز، بل عن الصدوق أنه من دين الإمامية، و عن السيد أنه من متفرداتهم و دعوى أن ذلك يوجب سقوط أخبار الجواز عن الحجية من جهة الإعراض غير ظاهر، لجواز أن يكون ذلك ترجيحاً لنصوص المنع، بل من الجائز أن يكون المراد من النهي عنه في كلام بعض و عدم الجواز في كلام آخر الكراهة، و التعبير بذلك كان تبعاً للنصوص، بل عن ظاهر المبسوط الكراهة و عن التذكرة حكاية ذلك عن المرتضى (ره)، و كيف كان فالقول بالجواز متعين.

الكراهة هنا على حد الكراهة في العبادات ليست هي لرجحان الترك على الفعل، لامتناع التعبد بالمرجوح، بل هي إما لملازمة الترك لعنوان أرجح من الفعل كما يشير اليه موثق زرارة الأخير، أو لانطباق عنوان على الترك يكون أرجح من الفعل، كما يشير اليه صحيح زرارة المروي‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 13.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 8 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 11.

(4) الوسائل باب: 8 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

 

179
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 10 الأقوى جواز قراءة سورتين ج‌6 ص 178

تركه و أما في النافلة فلا كراهة (1).

[ (مسألة 11): الأقوى عدم وجوب تعيين السورة قبل الشروع فيها]

(مسألة 11): الأقوى عدم وجوب تعيين السورة قبل الشروع فيها (2) عن المستطرفات.

لكن الإشكال في كيفية انطباق العنوان ذي المصلحة على الترك، لأنه إن كان عدمياً كيف يكون ذا مصلحة؟ و إن كان وجوديا كيف يتحد مع الترك العدمي مع وضوح تباين الوجود و العدم؟ و في أنه على تقدير الانطباق يكون الترك أرجح من الفعل، فكيف يمكن التعبد بالفعل المرجوح؟ و ليس هو من باب تزاحم الملاكات في الوجودين، بل من تزاحم الجهات في الوجود الواحد الذي أشرنا إليه في مسألة قراءة العزيمة في الفريضة، و في مسألة اجتماع الأمر و النهي من تعليقة الكفاية. و يعين حمل الصحيح على الموثق فتكون الكراهة من جهة تفويت حق السورة لا غير.

بلا خلاف و لا إشكال، كما تضمنته النصوص السابقة و غيرها، بل النصوص المتضمنة لتشريعه في نوافل مخصوصة لا تحصى كثرة، كما يظهر من مراجعة كتب الأعمال و العبادات.

يعني: لا يجب تعيين البسملة للسورة، فله أن يقرأ البسملة من دون تعيين أنها لسورة خاصة، ثمَّ يقرأ سورة بعدها.

و محصل الكلام: أنه لا ينبغي التأمل في أن معنى قول القائل: قرأت القرآن أو الخطبة أو القصيدة أو نحوها. هو أداؤها بمثل ألفاظها، و مثله قرأت الكتاب. فان مفاده أداء الكتابة بالألفاظ المطابقة لها، فلا بد فيها من اللحاظ الاستعمالي للمقروء كلحاظ المعنى عند استعمال اللفظ فيه، و لا يكفي مجرد التلفظ بالألفاظ المطابقة للمقروء مع عدم لحاظه و قصده، فان ذلك ليس قراءة له، بل قول مطابق له، و فرق ظاهر بين معنى: «قلت قول‌

 

180
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 11 الأقوى عدم وجوب تعيين السورة قبل الشروع فيها ج‌6 ص 180

.....

زيد» و معنى: «قلت مثل قول زيد» فإن الأول إنما يصدق مع اللحاظ الاستعمالي، بخلاف الثاني فإنه يصدق بدونه. و السر في ذلك: أن جعل قول زيد مقروءاً لك، و مقولا لك، مع أنه ليس كذلك قطعاً، لأن قوله شخص من اللفظ معدوم و مقولك شخص آخر غيره، هو لأجل أن الحكاية بينهما اقتضت نحواً من الاتحاد بينهما كما هو مذكور في مبحث الاستعمال، و لولاه لم يصح أن تقول: قلت: قوله. و لا: قرأت قصيدته. بل تقول: قلت مثل قوله. و قرأت مثل قصيدته. و على هذا ما يجري على لسان السكران و النائم و المجنون من التلفظ ببعض آيات القرآن، ليس قراءة للقرآن، لانتفاء قصد الحكاية، و انتفاء اللحاظ الاستعمالي، الذي عرفت اعتباره فيها. اللهم إلا أن يقال: اللحاظ موجود لهم في بعض القوى و إن لم يكونوا كغيرهم، كما هو غير بعيد.

إذا عرفت هذا نقول: لما كانت سور القرآن المجيد أشخاصاً من اللفظ نزل به الروح الأمين (ع) على النبي (ص) و كان مع كل سورة شخص من البسملة، فوجوب قراءة كل سورة تامة حتى بسملتها راجع الى وجوب التلفظ بألفاظ السورة بقصد حكايتها بتمامها، حتى بسملتها، فاذا بسمل لا بقصد حكاية بسملة خاصة من بسملات السور لا يصدق أنه قرأ بسملة من تلك البسملات، فإذا قرأ سورة خاصة بعدها كسورة التوحيد لم يكن قارئاً لسورة التوحيد بتمامها حتى بسملتها، بل يكون قارئاً لما عدا البسملة منها فلا تجزئ.

و من ذلك كله يظهر لك: الاشكال فيما ذكره في الجواهر في المسألة الثامنة من الاستدلال على عدم وجوب التعيين بمنع تأثير النية في التشخيص، قياساً على المركبات الخارجية، أو بمنع توقف التشخيص عليها، بل قد يحصل بغيرها و هو الاتباع بسورة للصدق العرفي، و قد أطال (ره) في‌

 

181
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 11 الأقوى عدم وجوب تعيين السورة قبل الشروع فيها ج‌6 ص 180

.....

تقريب ذلك و تأييده بما لا يخفى الاشكال فيه بعد التأمل فيما ذكرنا. فراجع و تأمل.

فإن قلت: الواجب في الصلاة كلي السورة الجامع بين أفراده، فإذا كانت البسملة مشتركة بين جميع السور كان الواجب من البسملة الكلي الجامع بين أفرادها، فإذا قرأ البسملة و لم يقصد منها بسملة معينة لكن قصد حكاية الكلي الجامع بين البسملات، فقد امتثل الأمر بالبسملة و بقي عليه امتثال الأمر بكلي السورة عدا البسملة، فإذا جاء بعدها بفرد من السورة فقد خرج عن عهدة التكليف بالسورة تامة.

قلت: ما هو جزء كل سورة شخص و حصة من كلي البسملة، فقراءة السورة عبارة عن حكاية سورة مع الشخص الخاص من البسملة، و حكاية الجامع ليست حكاية لذلك الشخص، فتكون بسملة السورة التي يقرؤها غير مقروءة و لا محكية، فكيف يخرج بذلك عن عهدة الأمر بقراءة السورة التامة؟.

فإن قلت: إذا قصد حكاية كلي البسملة صدق على ذلك الكلي أنه مقروء، و لضرورة صدق الكلي على كل واحد من أفراده يصدق على كل من بسملات السور أنها مقروءة، فإذا قرأ بعد ذلك سورة فقد قرأها مع بسملتها.

قلت: سراية حكاية الكلي إلى الفرد ممنوعة، كما يظهر من قياسها بحكاية اللفظ الموضوع للمعنى الكلي، فإن حكايته عنه ليست حكاية عن الفرد، و لا استعمال اللفظ فيه استعمالا له في الفرد، فاذا حكى كل البسملة لم تكن حكايته حكاية لأفرادها، فإذا أمر بقراءة سورة مع بسملتها- أعني الحصة الخاصة المصدرة بها السورة في زمان نزولها- لم يخرج عن عهدة التكليف المذكور بحكاية الكلي الصادق عليها و على غيرها من حصص البسملة و من ذلك يظهر الإشكال في صدق قراءة القرآن على حكاية الجامع‌

 

182
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 11 الأقوى عدم وجوب تعيين السورة قبل الشروع فيها ج‌6 ص 180

و إن كان هو الأحوط. نعم لو عين البسملة لسورة لم تكلف لغيرها (1)، فلو عدل عنها وجب إعادة البسملة.

بين الآيات المشتركة مثل (فَبِأَيِّ آلٰاءِ رَبِّكُمٰا تُكَذِّبٰانِ)* «1»، (فَذُوقُوا عَذٰابِي وَ نُذُرِ)* «2»، (الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ)* «3»، (الم)* «4» الى غير ذلك، لأن قراءة القرآن المأخوذة موضوعاً للاحكام يراد بها حكاية تلك الحصص الخاصة من الكلام المنزل، و حكاية الجامع بينها ليست حكاية لها، فلو حرم على الجنب قراءة آيات العزيمة لم يحرم عليه قراءة الجامع بين بسملات سورها، و كذا الحال في كتابة القرآن، فلو كتب الجامع بين الآيات المشتركة لم يحرم مسه على المحدث، و يكون الحال كما لو كتبها لإنشاء معانيها لا غير، بل الظاهر عدم صدق القرآن على الجامع بين الآيات المشتركة، إذ القرآن هو نفس الحصص الخاصة، و الجامع اعتبار ينتزعه العقل منها. و مجرد صحة انتزاعه منها غير كاف في كونه قرآناً. نعم لو كان المحكي نفس الأفراد جميعها كان المحكي قرآناً، و كانت الحكاية قراءة للقرآن، فلو ضم إليها أي سورة شاء أجزأه- على إشكال- لاحتمال الانصراف إلى الحكاية الاستقلالية.

لأنها غير بسملتها الملحوظة جزءاً لها فلا وجه لكفايتها عنها، و إن تردد فيه كاشف اللثام، بل عن ظاهر محكي البحار: الجزم بعدم صيرورتها جزءاً بذلك، بحيث لا تصلح لصيرورتها جزءاً من غيرها، محتجاً‌

______________________________
(1) مكررة في سورة «الرحمن» في احدى و ثلاثين آية.

(2) مكررة في سورة «القمر» في آيتين: 37، 39.

(3) مكررة في القرآن. في سورة الفاتحة. و في سورة الانعام: 45 و في سورة يونس: 10 و في سورة الصافات: 182 و في سورة الزمر: 75 و في سورة غافر: 65.

(4) أول سورة البقرة. و آل عمران. و العنكبوت. و الروم. و لقمان. و السجدة.

183
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 12 إذا عين البسملة لسورة ثم نسيها ج‌6 ص 184

[ (مسألة 12): إذا عين البسملة لسورة ثمَّ نسيها]

(مسألة 12):إذا عين البسملة لسورة ثمَّ نسيها فلم يدر ما عين وجب إعادة البسملة لأي سورة أراد (1)، و لو علم أنه عينها لإحدى السورتين من الجحد و التوحيد و لم يدر أنه لأيتهما أعاد البسملة و قرأ إحداهما و لا تجوز قراءة غيرهما (2) بالكتابة، و بخبر قرب الاسناد الآتي في مسألة العدول، و بأنه يلزم اعتبارهم النية في باقي الألفاظ المشتركة غيرها كقول: الحمد للّه.

لكن فيه منع ذلك في الكتابة فإنها كالقراءة حكاية متقومة بالقصد، و خبر قرب الاسناد لا ينافي اعتبار القصد كما سيأتي، و الالتزام بذلك في جميع الألفاظ المشتركة لا محذور فيه، و كونهم لا يقولون بذلك ممنوع.

و إن احتمل تعيين البسملة للسورة التي أرادها، للشك في تحقق قراءة بسملتها فيرجع الى قاعدة الاشتغال.

لشروعه في إحداهما بقراءة بسملتها و لا يجوز العدول عنهما الى غيرهما كما سيأتي إن شاء اللّه. ثمَّ إن الاكتفاء بقراءة إحداهما ينبغي أن يبتني على جواز العدول من الجحد و التوحيد إلى الأخرى، و إلا فلو بني على عدمه- كما سيأتي- يجب عليه الجمع بين السورتين بلا إعادة البسملة، للعلم الإجمالي بوجوب قراءة ما عينها المرددة بينهما. فيأتي بإحداهما المعينة بقصد الجزئية، و الأخرى بقصد القربة المطلقة.

نعم لو بني على حرمة القران و شموله للقراءة و لو بعنوان القربة أشكل الحال في صحة الصلاة، للدوران بين المحذورين، و كذا لو بني على اعتبار الموالاة بين البسملة و السورة بنحو ينافيها قراءة سورة بينهما، لعدم إمكان الموافقة القطعية حينئذ، كما أنه لو بني على أن ذلك عذر في جواز العدول جازت قراءة غيرهما فتأمل جيداً.

184
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 13 إذا بسمل من غير تعيين سورة ج‌6 ص 185

[ (مسألة 13): إذا بسمل من غير تعيين سورة]

(مسألة 13): إذا بسمل من غير تعيين سورة فله أن يقرأ ما شاء (1)، و لو شك في أنه عينها لسورة معينة أولا فكذلك (2) لكن الأحوط في هذه الصورة إعادتها بل الأحوط إعادتها مطلقاً لما مر من الاحتياط في التعيين.

[ (مسألة 14): لو كان بانياً من أول الصلاة أو أول الركعة أن يقرأ سورة معينة فنسي و قرأ غيرها كفى]

(مسألة 14): لو كان بانياً من أول الصلاة أو أول الركعة أن يقرأ سورة معينة فنسي و قرأ غيرها كفى (3)، و لم يجب إعادة السورة، و كذا لو كانت عادته سورة معينة فقرأ غيرها.

[ (مسألة 15): إذا شك في أثناء سورة أنه هل عين البسملة لها أو لغيرها]

(مسألة 15): إذا شك في أثناء سورة أنه هل عين البسملة لها أو لغيرها و قرأها نسياناً بنى على أنه لم يعين غيرها (4).

قد عرفت في المسألة الحادية عشرة إشكاله.

كأنه لأصالة عدم تعيينها لسورة معينة، لكن تعيين السورة لم يجعل موضوعا لحكم شرعي، و إنما موضوع الحكم- بناء على مذهب المصنف (ره)- هو قراءة البسملة المطلقة، و أصالة عدم تعيين السورة لا يصلح لإثباته إلا على القول بالأصل المثبت- مع أنها معارضة بأصالة عدم قصد البسملة المطلقة.

إذ لا قصور في قراءتها من حيث كونها عن قصد و إرادة، غاية الأمر أن تأثير الداعي في الإرادة كان ناشئاً عن نسيان الداعي الأول، الذي كان يدعو الى قراءة السورة، التي بنى على قرائتها أول الصلاة، لكن هذا المقدار لا يوجب خللا و لا نقصاً في المأمور به.

قد عرفت أن التعيين للغير لا أثر له شرعي، فالعمدة جريان قاعدة التجاوز لإثبات البسملة التي هي جزء، لعدم الفرق في موضوع‌

 

185
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج‌6 ص 186

[ (مسألة 16): يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختياراً ما لم يبلغ النصف]

(مسألة 16): يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختياراً (1) ما لم يبلغ النصف (2).

قاعدة التجاوز بين الجزء و جزء الجزء كما سيأتي إن شاء اللّه، لصدق التجاوز بالنسبة إلى الجميع.

بلا خلاف ظاهر في الجملة، و النصوص به مستفيضة أو متواترة‌

كصحيح عمرو بن أبي نصر السكوني: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): الرجل يقوم في الصلاة فيريد أن يقرأ سورة فيقرأ: قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ. و: قُلْ يٰا أَيُّهَا الْكٰافِرُونَ. فقال (ع): يرجع من كل سورة إلا من: قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ. و: قُلْ يٰا أَيُّهَا الْكٰافِرُونَ» «1».

و‌

صحيح الحلبي: «قلت لأبي عبد اللّه (ع):

رجل قرأ في الغداة سورة قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ. قال (ع): لا بأس و من افتتح سورة ثمَّ بدا له أن يرجع في سورة غيرها فلا بأس إلا قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ و لا يرجع منها الى غيرها، و كذلك قُلْ يٰا أَيُّهَا الْكٰافِرُونَ» «2».

و نحوهما غيرهما، و لا فرق بين أن تكون المعدول إليها قد أراد قراءتها أولا فقرأ غيرها أو بدا له ذلك في الأثناء، إذ الأول مضمون الأول و الثاني مضمون الثاني.

المعروف عدم جواز العدول مع تجاوز النصف، بل ظاهر مجمع البرهان و عن ظاهر المفاتيح الإجماع عليه، و في مفتاح الكرامة: كاد أن يكون معلوما. و في الجواهر: الظاهر تحقق الإجماع عليه. و يومئ اليه خبر الذكرى الآتي، لكن‌

في موثق عبيد عن أبي عبد اللّه (ع): «في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ غيرها. فقال (ع): له أن يرجع ما بينه و بين أن يقرأ ثلثيها» «3»‌

و في كشف الغطاء العمل به و جعل الأحوط‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 35 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 35 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 36 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

 

186
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج‌6 ص 186

.....

مراعاة النصف، لكنه غير ظاهر بعد مخالفته لما ذكر.

و إنما الخلاف في جوازه مع بلوغ النصف، كما حكاه في مفتاح الكرامة عن المقنعة و النهاية و المبسوط و الشرائع و المعتبر و المنتهى و التذكرة و التحرير و الإرشاد و البيان و الألفية و كشف اللثام و غيرها. بل قيل إنه المشهور، و عدمه كما حكاه في مفتاح الكرامة عن السرائر و جامع الشرائع و الدروس و الموجز و جامع المقاصد و الروض و المقاصد العلية و غيرها. بل قيل إنه الأشهر، و في الذكرى أنه مذهب الأكثر. قولان، و ليس في النصوص ما يشهد للثاني كما شهد بذلك في الذكرى.

نعم‌

في الفقه الرضوي: «فإن ذكرتها من قبل أن تقرأ نصف سورة فارجع الى سورة الجمعة و إن لم تذكرها إلا بعد ما قرأت نصف سورة فامض في صلاتك» «1».

و هو مع ضعفه في نفسه معارض بغيره مما دل على جواز العدول مع بلوغ النصف،

كخبر قرب الاسناد عن علي بن جعفر (ع) عن أخيه.

(عليه السلام): «عن الرجل أراد سورة فقرأ غيرها هل يصلح له أن يقرأ نصفها ثمَّ يرجع الى السورة التي أراد؟ قال (ع): نعم ما لم تكن قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ و قُلْ يٰا أَيُّهَا الْكٰافِرُونَ» «2».

و خبر البزنطي عن أبي العباس المروي في الذكرى «3» مقطوعا- كما عن نسختين منها- بل في الحدائق حكاية ذلك عن جميع النسخ التي وقف عليها، و عن جامع المقاصد و الروض روايته مقطوعا أيضاً أو مضمراً عنه (ع): كما في نسخة الفاضل الهندي من الذكرى أو مسنداً الى الصادق (ع) (الرضا (ع) خ ل) كما في‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 53 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 35 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 36 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

187
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج‌6 ص 186

.....

نسخة المجلسي‌

منها: «في رجل يريد أن يقرأ سورة فيقرأ في أخرى. قال (ع):

يرجع الى التي يريد و إن بلغ النصف».

و‌

صحيح الكناني و البزنطي و أبي بصير كلهم عن أبي عبد اللّه (ع): «في الرجل يقرأ في المكتوبة بنصف سورة ثمَّ ينسى فيأخذ في أخرى حتى يفرغ منها ثمَّ يذكر قبل أن يركع قال (ع): يركع و لا يضره» «1».

نعم مورد الأخير الناسي كما أن مورد الأولين خصوص صورة إرادة السورة المعدول إليها.

و لأجل ذلك كان ظاهر الذكرى و جامع المقاصد المنع من العدول عند بلوغ النصف إذا لم يكن أراد غيرها، أما إذا قرأ غير ما أراد جاز له العدول، بل قال في الذكرى- بعد رواية أبي العباس: «قلت هذا حسن و يحمل كلام الأصحاب و الروايات على من لم يكن مريداً غير هذه السورة لأنه إذا قرأ غير ما أراده لم يعتد به و لهذا قال يرجع فظاهره تعين الرجوع».

و يشكل بأنه إذا قرأ غير ما أراد فهذه القراءة ناشئة عن إرادة أخرى غفلة عن الداعي إلى الإرادة الأولى فلا وجه لعدم الاعتداد به. و لو سلم فالأصحاب قد عرفت اختلافهم في ذلك و اختلاف ظاهر كلماتهم، و أما الروايات فقد تقدم منه (ره) الاعتراف «2» بأنه لم يقف على رواية تدل على الاعتبار بالنصف، كي تحمل على غير من أراد، و أيضاً فإن النصوص المذكورة و إن كانت قاصرة عن إثبات الجواز عند بلوغ النصف، لكن في الإطلاقات الدالة على جواز العدول من سورة إلى أخرى كفاية في إثباته، إذ المتيقن في الخروج عنها صورة التجاوز عن النصف لا غير فيرجع في صورة بلوغ النصف إليها.

______________________________
(1) الوسائل باب: 36 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

(2) راجع الصفحة السابقة.

 

188
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج‌6 ص 186

إلا من الجحد و التوحيد (1). فلا يجوز العدول منهما إلى غيرهما، بل من إحداهما إلى الأخرى (2) بمجرد الشروع فيهما و لو بالبسملة (3)، نعم يجوز العدول منهما إلى الجمعة و المنافقين (4) على المشهور كما عن جماعة، بل عن مجمع البرهان الإجماع عليه، و يشهد له صحيحا السكوني و الحلبي و خبر علي بن جعفر (ع) المتقدمة «1»، و ما عن المنتهى و البحار و الذخيرة من التوقف فيه ضعيف، و مثله ما في المعتبر من أن الوجه الكراهة لقوله تعالى (فَاقْرَؤُا مٰا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) «2» و لا تبلغ الرواية- يعني رواية السكوني- قوة في تخصيص الآية. انتهى، فان الصحيح المذكور المعتضد بغيره يخصص الكتاب، و عليه العمل في غير المقام من مباحث القراءة و غيرها- مع أن إطلاق الآية ليس فيما نحن فيه لئلا يلزم التقييد المستهجن. نعم يمكن أن يكون وجه المنع ما سيأتي مما دل على جواز العدول منهما إلى الجمعة و المنافقين يوم الجمعة مع استحباب قراءتهما فيه، بدعوى أنه لو وجب الإتمام لما جاز العدول لفعل المستحب. و فيه:

انه لا ملازمة كما يظهر من جواز قطع الفريضة لغير الواجب مع عدم جوازه في نفسه.

لإطلاق نصوص المنع.

كما يقتضيه ظاهر الاستثناء في النصوص و لا سيما خبر ابن جعفر (ع) و الظاهر أنه لا إشكال فيه.

كما هو المشهور، و يشهد له جملة من النصوص‌

كصحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع): «في الرجل يريد أن يقرأ سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ‌

______________________________
(1) تقدم الأولان في أول المسألة. و الأخير في التعليقة السابقة.

(2) المزمل: 20.

 

189
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج‌6 ص 186

في خصوص يوم الجمعة (1) حيث انه يستحب في الظهر أو‌

قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ. قال (ع): يرجع الى سورة الجمعة» «1».

و‌

صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا افتتحت صلاتك ب‍ قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ و أنت تريد أن تقرأ بغيرها فامض فيها و لا ترجع إلا أن تكون في يوم الجمعة فإنك ترجع إلى الجمعة و المنافقين منها» «2».

و نحوهما غيرهما، و بها يقيد إطلاق المنع عن العدول عنهما. فما عن ظاهر الانتصار و السرائر و غيرهما من عموم المنع ضعيف.

نعم مورد الجميع سورة التوحيد، فالتعدي عنها إلى سورة الجحد إما بعدم القول بالفصل، أو بمعارضة إطلاق المنع عن العدول عنهما بإطلاق‌

خبر ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع): «عن القراءة في الجمعة بما يقرأ.

قال (ع): سورة الجمعة: و إِذٰا جٰاءَكَ الْمُنٰافِقُونَ و إن أخذت في غيرها و إن كان قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ فاقطعها من أولها و ارجع إليها» «3»‌

و لأجل أن بين الإطلاقين عموما من وجه يرجع في مورد المعارضة إلى استصحاب التخيير، أو عموم جواز العدول ما لم يتجاوز النصف- مضافا الى إمكان دعوى كون إطلاق خبر ابن جعفر (ع) أقوى، بقرينة‌

قوله (ع): «و إن كان قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ».

الظاهر في كون سورة التوحيد أولى بالإتمام من غيرها، فاذا جاز العدول عنها جاز عن غيرها بطريق أولى.

المحكي عن الفقيه و النهاية و المبسوط و السرائر: أن ذلك في ظهر الجمعة. و عن صريح الشهيدين و المحقق الثاني أن ذلك في الجمعة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 69 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 69 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 69 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

 

190
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج‌6 ص 186

الجمعة منه أن يقرأ في الركعة الأولى الجمعة و في الثانية المنافقين، فاذا نسي و قرأ (1) غيرهما حتى الجحد و التوحيد يجوز العدول إليهما و ظهرها. بل عن البحار: الظاهر أنه لا خلاف في عدم الفرق بينهما و كأنه حمل كلام الأولين على ما يعم الجمعة، بأن يراد من الظهر الصلاة أعم من أن تكون رباعية و ثنائية، و عن الحدائق: أن ذلك في صلاة الجمعة لا ظهرها. و عن التذكرة و جامع المقاصد و ظاهر الموجز و الروض أو صريحهما:

أن ذلك في الجمعة و الظهر و العصر. و هو الذي يقتضيه إطلاق ما‌

في صحيح الحلبي من قوله (ع): «في يوم الجمعة» «1».

و لا مجال للأخذ به بالإضافة إلى الصبح، لعدم توظيف الجمعة و المنافقين فيها و توظيفهما في خصوص الظهرين و الجمعة، الموجب ذلك للانصراف إليها لا غير، و ذكر الجمعة في غيره من النصوص الظاهر في خصوص صلاة الجمعة لا يقتضي تقييده، لعدم التنافي بينهما، و من ذلك يظهر ضعف الأقوال الأخر، و أضعف منها ما عن الجعفي (ره) من الاقتصار على ذكر الجمعة و صبحها و العشاء ليلتها.

عن المحقق و الشهيد الثانيين تخصيص الحكم بصورة النسيان، و عن ظاهر المختلف نسبته إلى الأكثر، و كأنه لاختصاص مثل صحيحي ابن مسلم و الحلبي به، «2»، لكنه لا يصلح لتقييد خبر ابن جعفر (ع) «3» الشامل له و للعامد، فالبناء على العموم أظهر كما عن البحار و نسب إلى إطلاق الفتاوى.

______________________________
(1) المتقدم في الصفحة السابقة.

(2) المتقدمان في الصفحة: 189، 190.

(3) المتقدم في الصفحة السابقة.

 

191
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج‌6 ص 186

ما لم يبلغ النصف (1) و أما إذا شرع في الجحد أو ما لم يتجاوز النصف- على الخلاف السابق- و التحديد بذلك محكي عن السرائر و الدروس و جامع المقاصد و الروض و غيرها. بل عن المسالك و الحدائق: أنه المشهور. و عن البحار نسبته إلى الأكثر، و كأنه للجمع بين هذه النصوص و بين ما تقدم «1» من عموم المنع إذا بلغ النصف و تجاوزه كما في كشف اللثام، و عن المحقق و الشهيد الثانيين الاستدلال له بأنه مقتضى الجمع بين ما تقدم من النصوص المطلقة في جواز العدول، و بين‌

رواية صباح بن صبيح عن الصادق (ع): «عن رجل أراد أن يصلي الجمعة فقرأ قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ. قال (ع): يتمها ركعتين ثمَّ يستأنف» «2».

بحمل الأول على صورة عدم التجاوز و الثانية على صورة التجاوز، و فيه أنه جمع تبرعي لا شاهد عليه، بل ظاهر رواية الصباح صورة الالتفات بعد الفراغ من سورة التوحيد، فلا تنافي تلك النصوص بوجه.

و منه يظهر الاشكال فيما عن ظاهر الكليني و تبعه عليه جماعة من الجمع بالتخيير، فإنه إنما يكون جمعاً عرفياً لو كان ظاهر رواية الصباح الالتفات في الأثناء كما لا يخفى، فاذاً لا مانع من الأخذ بإطلاق نصوص جواز العدول الشامل لصورة التجاوز عن النصف، و لا يعارضه عموم المنع، إذ قد عرفت أنه لا دليل على المنع إلا الإجماع المتقدم على عدم جوازه حينئذ، و هو غير ثابت في المقام، لما عن المبسوط و النهاية و التحرير و الإرشاد و التذكرة و المنتهى و غيرها: من إطلاق جواز العدول. و عن صريح بعض متأخري المتأخرين ذلك أيضاً.

نعم يمكن أن يعارض إطلاق نصوص المقام بإطلاق رواية الذكرى‌

______________________________
(1) في صفحة: 187.

(2) الوسائل باب: 72 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

 

192
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 16 يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج‌6 ص 186

أو التوحيد عمداً، فلا يجوز العدول إليهما (1) أيضاً على الأحوط.

[ (مسألة 17): الأحوط عدم العدول من الجمعة و المنافقين إلى غيرهما في يوم الجمعة]

(مسألة 17): الأحوط عدم العدول من الجمعة و المنافقين إلى غيرهما في يوم الجمعة و إن لم يبلغ النصف (2).

المتقدمة «1»، و لأجل أن بينهما عموماً من وجه يرجع الى عموم المنع عن العدول عن سورتي الجحد و التوحيد، لكنه موقوف على حجية الرواية سنداً و عدم أظهرية نصوص المقام منها، و قد تقدم وجه الإشكال في الأول، و لا تبعد دعوى أظهرية نصوص المقام منها كما لا يخفى بأقل تأمل.

نعم إن ثبت الإجماع على عدم جواز العدول من غير الجحد و التوحيد بعد تجاوز النصف إلى الجمعة و المنافقين، أمكن تقييد الإجماع. اللهم إلا أن يدعى كون الأولوية ظنية لا يعول عليها، إذ يمكن التشكيك في الإجماع، فيلتزم بالتعدي عن الجحد و التوحيد إلى سائر السور فيحكم بجواز العدول عنها بعد تجاوز النصف إلى الجمعة و المنافقين.

تقدم بيان وجه ضعفه.

لأن تجويز العدول من الجحد و التوحيد إليهما محافظة على قراءتهما- مع كونه ممنوعاً في نفسه- يدل على أهميتهما من العدول الممنوع عنه، و العدول عنهما الى غيرهما مخالفة لذلك الاهتمام. و يؤيده ما‌

عن كتاب الدعائم: «و كذلك سورة الجمعة أو سورة المنافقين في الجمعة لا يقطعهما الى غيرهما، و إن بدأ ب‍ قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ قطعها و رجع الى سورة الجمعة أو سورة المنافقين» «2»‌

لكن لا يخفى: أنه لو تمَّ لاقتضى وجوب قراءة السورتين و ليس كذلك كما سيأتي- مضافاً الى أن جواز العدول يمكن أن يكون لقصور مقتضي‌

______________________________
(1) في صفحة: 187.

(2) مستدرك الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

 

193
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 18 يجوز العدول من سورة إلى أخرى في النوافل مطلقا ج‌6 ص 194

[ (مسألة 18): يجوز العدول من سورة إلى أخرى في النوافل مطلقاً]

(مسألة 18): يجوز العدول من سورة إلى أخرى في النوافل مطلقاً و إن بلغ النصف (1) المنع، لا لأجل الأهمية كما لا يخفى، و خبر الدعائم ضعيف لا يعول عليه.

كما عن ظاهر الشيخ (ره) في النهاية أو صريحه، و كذا ظاهر الذكرى حيث قيد المنع من العدول بعد تجاوز النصف بالفريضة، بعد ذكر جواز العدول قبل ذلك في الفريضة و النافلة، بل قيل: إنه نسب الى ظاهر الأصحاب من جهة إيرادهم الحكم في طي أحكام الفرائض.

و فيه: أن تقييد مثل حرمة القران و قراءة العزيمة بالفريضة في كلماتهم و عدم التقييد بها هنا في كلام كثير منهم، شاهد بعموم الحكم للنافلة، و يقتضيه إطلاق نصوص المنع المتقدمة.

و في المستند اختار المنع على القول بحرمة قطع النوافل، لعموم الأخبار و الجواز على القول بجوازه، لأن دلالة أخبار المنع بعد التجاوز عن النصف و في الجحد و التوحيد إنما هو من حيث الأمر بالمضي في الصلاة، أو إثبات البأس في الرجوع، و نحوهما مما يتوقف ثبوته في النوافل على عدم جواز قطعها.

و فيه: أن ظاهر أخبار المنع تعين السورة التي شرع فيها لأداء الوظيفة المقصودة منها، و عدم صلاحية المعدول إليها لذلك، و لا يرتبط بمسألة حرمة القطع و جوازه، و لذا نقول بحرمة العدول في الفريضة حتى في مورد كان يجوز فيه قطعها، كما لا يرتبط بمسألة وجوب السورة و عدمه، و لذا نقول بحرمة العدول في الفريضة أيضاً، إذا كان لا تجب فيها السورة كما في المريض و المستعجل.

نعم قد يشكل التعدي إلى النافلة في عدم جواز العدول بعد تجاوز النصف لأن العمدة في المستند فيه الإجماع، و هو غير حاصل في النافلة كما تقدم‌

 

194
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 19 يجوز مع الضرورة العدول بعد بلوغ النصف ج‌6 ص 195

[ (مسألة 19): يجوز مع الضرورة العدول بعد بلوغ النصف]

(مسألة 19): يجوز مع الضرورة العدول بعد بلوغ النصف (1) حتى في الجحد و التوحيد كما إذا نسي بعض السورة، أو خاف فوت الوقت بإتمامها، أو كان هناك مانع آخر، و من ذلك ما لو نذر أن يقرأ سورة معينة في صلاته فنسي و قرأ غيرها فان الظاهر جواز العدول و إن كان بعد بلوغ النصف، أو كان ما شرع فيه الجحد أو التوحيد (2).

في كلام الذكرى، و لعله يقتصر في منع إلحاق النافلة في الفريضة عليه، و حينئذ يكون ما ذكره في محله فتأمل.

كما صرح به في الجواهر، و غيرها لانسباق غير ذلك من نصوص المنع، و اختصاصه بصورة إمكان الإتمام، فيبقى العدول في غيرها على أصالة الجواز.

إذا نذر قراءة سورة معينة في صلاته فمرجع نذره الى أحد أمرين:

الأول: نذر أن لا يقرأ سورة إلا ما عينها، فإذا قرأ غيرها كانت قراءتها مخالفة للنذر فتبطل، فإذا قرأها نسياناً و التفت في الأثناء لم يقدر على إتمامها للنهي عنها من أجل مخالفة النذر، فيتعين عليه العدول. الثاني: نذر أن يقرأها على تقدير اشتغال ذمته بسورة، فإذا قرأ غيرها لم يكن ذلك مخالفة للنذر، لأن النذر المشروط بشرط لا يقتضي حفظ شرطه، فلا مانع من تفويت شرطه بإفراغ ذمته عن السورة الواجبة في الصلاة بقراءة سورة غير المنذورة. فلو قرأ غيرها نسياناً فان كانت مما يجوز العدول عنها جاز له الإتمام و العدول، و إن كان مما لا يجوز العدول عنها وجب عليه إتمامها، و لا مسوغ للعدول، لما عرفت من أنه ليس في إتمامها مخالفة للنذر بوجه، فعموم المنع عن العدول عنها بلا مزاحم. و لأجل أن الظاهر من نذر قراءة‌

 

195
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 19 يجوز مع الضرورة العدول بعد بلوغ النصف ج‌6 ص 195

.....

سورة معينة هو الأول أطلق المصنف (ره) جواز العدول، بل عرفت أنه واجب.

هذا و لكن بنى غير واحد من الأعيان على بطلان النذر في المقام، لاعتبار رجحان متعلقه في وقته و هو مفقود، لكون المفروض حرمة العدول بعد تجاوز النصف، و من السورتين مطلقاً. فاذا كان حراما في وقته امتنع نذره و كان باطلا، و كذا الحال في كل مورد يطرأ على المنذور ما يوجب مرجوحيته: كأمر الوالد أو السيد، أو التماس المؤمن، أو غيرها، فان طروء واحد من الأمور المذكورة لما كان موجباً لمرجوحية المنذور يكشف عن فساد النذر من أول الأمر.

و فيه: أنه إذا فرض أن حرمة العدول مشروطة بإمكان الإتمام فالنذر على تقدير صحته رافع لذلك الإمكان، لرفعه مشروعية الإتمام فالبناء على بطلان النذر تخصيص لدليل نفوذه من دون وجه ظاهر. و إن شئت قلت:

يعتبر في صحة النذر رجحان المنذور في وقته، و يعتبر في حرمة العدول مشروعية السورة التي شرع فيها، فاذا نذر أن لا يقرأ يوم الاثنين إلا سورة الدهر مثلا، فشرع في غيرها نسياناً حتى تجاوز نصفها، امتنع حينئذ الجمع بين صحة النذر و حرمة العدول إلى سورة الدهر، لأنه إن صح النذر كان إتمام السورة التي شرع فيها غير مشروع لأنه مخالفة للنذر، و إذا كان الإتمام غير مشروع لم يحرم العدول إلى سورة الدهر، كما أنه إذا حرم العدول إليها كانت قراءتها مرجوحة، و إذا كانت قراءتها مرجوحة بطل نذرها، و حينئذ فاما أن يبنى على بطلان النذر بدعوى: أن حرمة العدول ترفع موضوعه و هو رجحان المنذور، و لا يصلح هو لرفعها، لأن إمكان الإتمام المعتبر في حرمة العدول يراد منه الإمكان لا بالنظر الى أمر سابق تصلح الحرمة لرفعه، أو يبنى على عدم حرمة العدول بدعوى: ان صحة النذر ترفع‌

 

196
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 19 يجوز مع الضرورة العدول بعد بلوغ النصف ج‌6 ص 195

.....

موضوع الحرمة- أعني مشروعية الإتمام و إمكانه- فيجوز لذلك العدول، و لا تصلح الحرمة لرفعه لأن الرجحان المعتبر في موضوع النذر يراد منه الرجحان لا بالنظر الى أمر لاحق يصلح النذر لرفعه، و إما أن يبنى على بطلان النذر و عدم حرمة العدول تخصيصاً لدليلهما.

و هذه الاحتمالات الثلاثة هي الاحتمالات الجائزة التي يتردد بينها و يحتاج في تعيين واحد منها الى معين. و هناك احتمالات أخرى غير جائزة: منها:

البناء على بطلان النذر و عدم حرمة العدول على نحو التخصص لا التخصيص- كما فيما سبق- بأن يكون كل من النذر و حرمة العدول رافعاً لموضوع الآخر فلا مجال له للزوم الدور. و منها: البناء على ثبوتهما معاً، فمع أنه يلزم منه التكليف بغير المقدور. أنه تخصيص لما دل على اعتبار الرجحان في النذر، و لما دل على اعتبار إمكان الإتمام في حرمة العدول بلا وجه.

ثمَّ إنه إذا لم يكن ما يوجب ترجح أحد الاحتمالين الأولين على الآخر يتعين البناء على الثالث للتعارض الموجب للتساقط. لكن لا ينبغي التأمل في ترجيح الاحتمال الثاني على الأول عرفاً. فإنهما و إن كانا مشتركين في تقييد دليل شرطية السبب، إذ في الأول: تقييد دليل اعتبار إمكان الإتمام فيراد منه الإمكان لا بالنظر الى أمر سابق تصلح الحرمة لرفعه، و في الثاني: تقييد دليل شرطية الرجحان في النذر فيراد منه الرجحان لا بالنظر الى أمر لاحق يصلح النذر لرفعه، لكن التقييد الثاني أقرب عرفاً تنزيلا للسببين المذكورين بمنزلة السببين الحقيقيين المتنافيين اللذين يكون السابق منهما شاغلا للمحل و مانعاً من تأثير اللاحق، فلو فرض تأخر النذر عن حرمة العدول كان هو المتعين للبطلان، و كذا الحال في جميع الموارد التي يتعارض فيها دليل وجوب الوفاء بالنذر و دليل وجوب شي‌ء أو حرمته المشروط بشرط بنحو يصلح أن يكون كل من الدليلين على تقدير صحة تطبيقه رافعاً لموضوع الآخر، فان‌

 

197
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 20 يجب على الرجال الجهر بالقراءة ج‌6 ص 198

[ (مسألة 20): يجب على الرجال الجهر بالقراءة]

(مسألة 20): يجب على الرجال الجهر بالقراءة (1) كان أحدهما سابقاً و الآخر لاحقاً صح تطبيق الدليل السابق و سقط بالإضافة إلى اللاحق، مثل ما لو نذر زيارة الحسين (ع) في كل عرفة ثمَّ ملك الزاد و الراحلة- بناء على أن الاستطاعة المأخوذة شرطاً لوجوب الحج يراد بها ما يعم الاستطاعة الشرعية- فإنه لا يجب عليه الحج، و مثل ما لو نذرت المرأة أن تصوم كل جمعة ثمَّ تزوجت فمنعها زوجها من الصوم فإنه لا تجوز إطاعته في مخالفة النذر. نعم لو اقترن السببان سقطا معاً لعدم المرجح، فلاحظ.

و اللّه سبحانه أعلم.

كما هو المشهور كما عن جماعة كثيرة. بل عن الخلاف:

الإجماع عليه. و يشهد له‌

صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): «في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه، و أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه. فقال (ع):

أي ذلك فعل متعمداً فقد نقض صلاته و عليه الإعادة، فإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شي‌ء عليه و قد تمت صلاته» «1»‌

، و مفهوم‌

صحيحه الآخر عنه (ع): «قلت له: رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي الجهر فيه، أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، و ترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه، و قرأ فيما لا ينبغي القراءة فيه، فقال (ع): أي ذلك فعل ناسياً أو ساهياً فلا شي‌ء عليه» «2».

و المناقشة فيهما بظهور التعبير ب‍ «ينبغي» في السؤال في مطلق الرجحان، و في الأول باحتمال كون «نقص» بالمهملة لا بالمعجمة و هو يصدق بترك المستحب- كما ترى. لوضوح اضطرار السائل إلى التعبير بما هو ظاهر في القدر المشترك بين الوجوب و الاستحباب بعد فرض كونه جاهلا بالوجوب‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 26 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 26 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

 

198
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 20 يجب على الرجال الجهر بالقراءة ج‌6 ص 198

.....

كما يقتضيه ظاهر الجواب عن صورة العمد، إذ لو كان السائل عالماً بالوجوب لم يحتج إلى الجواب عن صورة العمد بالبطلان لوضوح ذلك، و اما إطلاق النقص فهو ظاهر في البطلان، و لا سيما في مقابل إطلاق التمام المقتضي للصحة.

و هذان الصحيحان هما العمدة في إثبات الوجوب. أما مداومة النبي (ص) على الجهر فلا تصلح لإثباته لأنها أعم. و‌

قوله (ص): «صلوا كما رأيتموني أصلي» «1»‌

فقد عرفت الاشكال عليه، و الاستدلال بهما عليه- كما في المعتبر و غيره- ضعيف. و مثلهما ما‌

في خبر الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) في ذكر العلة التي من أجلها جعل الجهر في بعض الصلوات دون بعض: «إن الصلوات التي يجهر فيها إنما هي في أوقات مظلمة فوجب أن يجهر فيها ليعلم المار ان هناك جماعة» «2»‌

، و ما‌

في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن القراءة خلف الامام فقال (ع): «و أما الصلاة التي يجهر فيها فإنما أمر بالجهر لينصت من خلفه» «3»‌

، و ما‌

في خبر محمد بن حمران (عمران خ ل) عن أبي عبد اللّه (ع): من تعليل ذلك بأنه: «لما أسري بالنبي (ص) كان أول صلاة فرض اللّه تعالى عليه الظهر يوم الجمعة فأضاف اللّه عز و جل إليه الملائكة تصلي خلفه فأمر نبيه (ص) أن يجهر بالقراءة ليبين لهم فضله ..» «4»‌

، فان الوجوب و الأمر غير ظاهرين في الوجوب الاصطلاحي إلا بالإطلاق، و هو مفقود لعدم سوق الكلام للتشريع، و لو سلم فالعلة في الأولين استحبابية لا تصلح لإثبات الوجوب، مع أنهما غير شاملين لغير الامام. و أضعف من ذلك الاستدلال بما تضمن: أن الصلاة منها جهرية‌

______________________________
(1) كنزل العمال ج: 4 صفحة: 62 حديث: 1196.

(2) الوسائل باب: 25 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 25 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

 

199
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 20 يجب على الرجال الجهر بالقراءة ج‌6 ص 198

.....

و منها إخفاتية كما صنع في الوسائل فلاحظ.

هذا و عن الإسكافي و المرتضى في المصباح: عدم الوجوب، و عن المدارك:

الميل اليه، و في الكفاية: أنه غير بعيد، و في البحار: انه لا يخلو من قوة،

لصحيح ابن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع) قال: «سألته عن الرجل يصلي من الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة، هل عليه أن لا يجهر؟ قال (ع):

إن شاء جهر و إن شاء لم يفعل» «1»‌

، و به ترفع اليد عن ظاهر الصحيحين الأولين فيحملان على الاستحباب.

و فيه- مع أن حمل الصحيحين على الاستحباب بعيد جداً، و لا سيما في أولهما الدال على الوجوب من وجوه، المتأكد الدلالة عليه، و لا سيما بملاحظة كون السؤال عنه لا عن أصل الرجحان كما هو ظاهر-: أنه لا مجال للعمل به بعد إعراض الأصحاب عنه، و دعوى الإجماع على خلافه. مع أن السؤال فيه لا يخلو عن تشويش، لأنه إذا فرض فيه أن الفريضة. مما يجهر فيه بالقراءة كيف يصح السؤال عن أنه عليه أن لا يجهر؟! فالسؤال كذلك لا بد أن يكون عن لزوم الإخفات في غير القراءة من الأذكار أو فيها في بعض الأحوال، و ذلك مما يوجب الاجمال المسقط عن الحجية. نعم في المعتبر «2» روايته هكذا:

«هل له أن لا يجهر»‌

، و في كشف اللثام، و مفتاح الكرامة، و‌

عن قرب الاسناد «3» روايته هكذا: «هل عليه أن يجهر»‌

لكنه لا يدفع الاضطراب. نعم مقتضى قاعدة الخط أن تكون:

«إن» مكسورة شرطية لا مفتوحة مصدرية. لأن نونها لا تظهر إذا كانت عاملة كما في المقام، و يكون تقدير الكلام: هل عليه شي‌ء إن لم يجهر.


 (1) الوسائل باب: 25 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.

(2) في المسألة: 8 من القراءة صفحة: 175.

(3) صفحة: 94. و هو موافق لما في التهذيب.

200
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 20 يجب على الرجال الجهر بالقراءة ج‌6 ص 198

في الصبح، و الركعتين الأولتين من المغرب و العشاء (1)، لكنه أيضاً بعيد. و كيف كان فالعمدة في طرح الصحيح ما عرفت.

و أضعف من ذلك الاستدلال بقوله تعالى (وَ لٰا تَجْهَرْ بِصَلٰاتِكَ وَ لٰا تُخٰافِتْ بِهٰا وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلًا «1» إذ لو ثبت أن المراد من الجهر ما يتجاوز الحد في العلو و من الإخفات أن لا يسمع نفسه- كما تضمنه بعض الأخبار المفسرة فتدل على وجوب ما بين ذلك- أمكن تقييد إطلاقها بما ذكر. مع أن الآية الشريفة قد اختلفت النصوص و كلمات المفسرين في تفسيرها، و إن كان الأظهر ما ذكرنا.

أما ثبوت الجهر في قراءتها فلا إشكال فيه و لا خلاف، و يقتضيه جملة من النصوص المتقدم بعضها، و أما عدم ثبوته في غيرها فالظاهر أنه كذلك. و يشهد له- مضافاً إلى ما في خبر محمد بن حمران المتقدم «2» المتضمن لتخصيص الجهر و الإخفات بالقراءة، و ما‌

في خبر يحيى بن أكثم «أنه سأل أبا الحسن (ع) عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة و هي من صلاة النهار و إنما يجهر في صلاة الليل؟ فقال (ع): لأن النبي (ص) كان يغلس بها ..» «3»‌

، و مثلهما جملة من النصوص الواردة في صلاة الجماعة و صلاة الجمعة، و صلاة يوم الجمعة فإنها اشتملت على تخصيص الإخفات و الجهر بالقراءة على نحو يفهم أنه شي‌ء مفروغ عنه، و أنها موضوع الجهر و الإخفات اللازمين في الصلاة-

صحيح ابن يقطين عن أبي الحسن موسى (ع): «سألته عن التشهد، و القول في الركوع و السجود و القنوت للرجل أن يجهر به؟ قال (ع): إن شاء جهر به و إن شاء لم يجهر» «4»‌

، و نحوه صحيح‌

______________________________
(1) الاسراء: 110.

(2) راجع التعليقة السابقة.

(3) الوسائل باب: 25 من أبواب القراءة في الصلاة، حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 20 من أبواب القنوت حديث: 1.

 

201
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 20 يجب على الرجال الجهر بالقراءة ج‌6 ص 198

و يجب الإخفات في الظهر و العصر في غير يوم الجمعة، و أما فيه فيستحب الجهر في صلاة الجمعة (1)، علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) «1»، فان الجمع بينهما و بين إطلاق ما دل على أن صلاة الليل جهرية و صلاة النهار إخفاتية «2»:

بحمله على خصوص القراءة أولى من البناء على عمومه و الاقتصار في الاستثناء منه على خصوص ما ذكر في الصحيح، و مما ذكرنا يظهر الوجه في وجوب الإخفات في خصوص القراءة في الظهر و العصر.

إجماعاً كما في القواعد، و عن التذكرة، و نهاية الأحكام، و الذكرى و البيان، و قواعد الشهيد، و جامع المقاصد، و غيرها، و في المعتبر: «لا يختلف فيه أهل العلم»، و عن التنقيح: «أجمع العلماء عليه». و يقتضيه- مضافاً الى ما في خبر محمد بن حمران المتقدم «3»-

صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) في حديث: «.. و القراءة فيها بالجهر» «4»‌

و‌

صحيح العزرمي عن أبي عبد اللّه (ع): «قال (ع): إذا أدركت الإمام يوم الجمعة و قد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أخرى و اجهر فيها» «5»‌

و ما‌

في صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث قال (ع): «.. و ليقعد قعدة بين الخطبتين، و يجهر بالقراءة» «6»‌

، و قريب منها غيرها المحمولة على‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 20 من أبواب القنوت حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 22 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2. و باب: 25 من نفس الأبواب، حديث: 1 و 3.

(3) في صفحة: 199.

(4) الوسائل باب: 73 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 26 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 5.

(6) الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 5.

 

202
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 20 يجب على الرجال الجهر بالقراءة ج‌6 ص 198

بل في الظهر أيضاً على الأقوى (1).

الاستحباب بقرينة الإجماع المدعى في كلام الجماعة.

نعم استشكل في الجواهر بعد نقله الإجماع المذكور بقوله: «لكن ظني أن المراد منه مطلق الرجحان مقابل وجوب الإخفات في الظهر في غير يوم الجمعة، لعدم التصريح بالندب قبل المصنف (ره) على وجه يكون به إجماعاً.

نعم حكي عن مصباح الشيخ، و إشارة السبق، و السرائر، و الإصباح، بل عن المنتهى: أنه أجمع كل من يحفظ عنه العلم على أنه يجهر بالقراءة في صلاة الجمعة، و لم أقف على قول للأصحاب في الوجوب و عدمه. بل في كشف اللثام: أكثر الأصحاب ذكروا الجهر فيهما على وجه يحتمل الوجوب».

و حينئذ يشكل رفع اليد عن ظاهر النصوص، و كون الأمر به في مقام توهم الحضر فلا يدل على الوجوب- لو تمَّ- لا يطرد في الجميع. فتأمل جيداً.

للنصوص الآمرة به‌

كصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه (ع): «قال (ع) لنا: صلوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة، و أجهروا بالقراءة، فقلت إنه ينكر علينا الجهر بها في السفر، فقال (ع):

اجهروا بها» «1»‌

، و‌

خبر محمد بن مروان قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن صلاة ظهر يوم الجمعة كيف نصليها في السفر؟ فقال (ع): تصليها في السفر ركعتين، و القراءة فيها جهراً» «2»‌

، و لعله ظاهر‌

صحيح عمران الحلبي قال: «سئل أبو عبد اللّه (ع): عن الرجل يصلي الجمعة أربع ركعات أ يجهر فيها بالقراءة؟ قال (ع): نعم» «3»‌

و نحوه‌

مصحح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن القراءة في الجمعة إذا صليت وحدي‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 73 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 73 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 73 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

 

203
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 21 يستحب الجهر بالبسملة في الظهرين ج‌6 ص 204

 [ (مسألة 21): يستحب الجهر بالبسملة في الظهرين]

(مسألة 21): يستحب الجهر بالبسملة (1) في الظهرين للحمد و السورة.

أربعاً أجهر بالقراءة؟ فقال (ع): نعم» «1»‌

المحمولة على الاستحباب بقرينة‌

صحيح جميل: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الجماعة يوم الجمعة في السفر، فقال (ع): يصنعون كما يصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر، و لا يجهر الامام فيها بالقراءة، إنما يجهر إذا كانت خطبة» «2»‌

، و نحوه صحيح ابن مسلم «3» فيحمل النهي على نفي الوجوب بناء على وجوبه في صلاة الجمعة، أو نفي تأكد الاستحباب بناء على استحبابه.

لكن قد يشكل ذلك بعدم ظهور كونه جمعاً عرفياً، و لأجله يتعين الأخذ بظاهر النصوص الأول المعول عليها عند الأصحاب و حمل النهي في الصحيحين على التقية كما عن الشيخ (ره)، و يشير اليه ما في صحيح ابن مسلم الأول. و حينئذ فالقول بالوجوب مطلقاً أحوط إن لم يكن أقوى، إذ ما عن ابن إدريس (ره) من المنع مطلقاً ترجيحاً لنصوص المنع لاعتضادها بإطلاقات الإخفات في صلاة النهار في غير محله، بعد ما عرفت من النصوص الكثيرة المعول عليها المحكي عن الخلاف الإجماع على صحة مضمونها، و كذا ما عن المرتضى (ره) من التفصيل بين الامام فيجهر، و غيره فلا‌

لخبر ابن جعفر (ع): «عن رجل صلى العيدين وحده و الجمعة هل يجهر فيهما؟ قال (ع): لا يجهر إلا الإمام» «4»‌

لمعارضته بمصحح الحلبي المتقدم المعول عليه دونه، مع ضعفه في نفسه.

في المعتبر: جعله من منفردات الأصحاب، و في التذكرة: نسبته‌


 (1) الوسائل باب: 73 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 73 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 73 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 9.

(4) الوسائل باب: 73 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 10.

204
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 21 يستحب الجهر بالبسملة في الظهرين ج‌6 ص 204

.....

إلى علمائنا، و عن الخلاف: دعوى الإجماع عليه. و يشهد له‌

صحيح صفوان: «صليت خلف أبي عبد اللّه (ع) أياما، فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر ب‍ (بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ)* و كان يجهر في السورتين جميعاً» «1»‌

و‌

خبر أبي حفص الصائغ: «صليت خلف جعفر (ع) بن محمد (ع) فجهر ب‍ (بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ)*» «2»‌

و المرسل‌

عن أبي حمزة: «قال علي بن الحسين (ع): يا ثمالي إن الصلاة إذا أقيمت جاء الشيطان الى قرين الامام فيقول: هل ذكر ربه؟ فان قال: نعم، ذهب، و إن قال:

لا، ركب على كتفيه فكان إمام القوم حتى ينصرفوا، فقال: جعلت فداك أ ليس يقرأون القرآن؟ قال (ع): بلى ليس حيث تذهب يا ثمالي إنما هو الجهر ب‍ (بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ)*» «3»‌

، و‌

خبر الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) في كتابه إلى المأمون قال (ع): «و الإجهار ب‍ «بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ)* في جميع الصلوات سنة» «4»‌

، و ما في جملة من النصوص من عده من علامات المؤمن «5» و عن أبي الصلاح:

وجوبه في ابتداء الحمد و السورة في الأولتين، و ربما يحكى عن القاضي في المهذب و الصدوق وجوبه مطلقاً حتى في الأخيرتين، و كأنه‌

لخبر الأعمش عن جعفر (ع): «و الإجهار ب‍ (بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ)* في الصلاة واجب» «6»‌

، و‌

خبر سليم بن قيس عن أمير المؤمنين‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 21 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 21 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 21 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 21 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.

(5) راجع الوسائل باب: 56 من أبواب المزار و مستدرك الوسائل باب: 17 من أبواب القراءة في الصلاة. و باب: 30 من أبواب الملابس. فهناك أحاديث: تدل على ذلك.

(6) الوسائل باب: 21 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.

 

205
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 21 يستحب الجهر بالبسملة في الظهرين ج‌6 ص 204

.....

عليه السلام في خطبة طويلة: «.. و ألزمت الناس بالجهر ب‍ (بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ)*» «1».

و فيه: أن ضعف الخبرين في نفسهما، و إعراض الأصحاب عنهما مانع من الاعتماد عليهما في ذلك، مضافاً الى عدم تعرض ثانيهما للصلاة. فتأمل، و أما‌

صحيح الحلبيين عن أبي عبد اللّه (ع): أنهما سألاه عمن يقرأ ب‍ (بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ)* حين يريد أن يقرأ فاتحة الكتاب قال (ع): نعم، إن شاء سراً و إن شاء جهراً، قلت:

أ فيقرؤها مع السورة الأخرى؟ فقال (ع): لا» «2»‌

، فما في ذيله من الترخيص في ترك البسملة في السورة يقرب وروده مورد التقية فلا يصلح لنفي الوجوب. اللهم إلا أن يفكك بين صدره و ذيله. فتأمل.

و عن ابن الجنيد: تخصيص الاستحباب بالإمام، و كأنه للنصوص الواردة فيه. لكنها لا تصلح لتقييد المطلق الشامل للمنفرد و لا سيما مع إبائه عن ذلك، و عن الحلي: تخصيص الحكم بالأولتين لاختصاص الأدلة بالصلاة الإخفاتية التي يتعين فيها القراءة و لا تتعين القراءة إلا في الأولتين، مضافا الى قاعدة الاحتياط، إذ لا خلاف في صحة صلاة من لا يجهر بالبسملة و في صحة صلاة من جهر فيها خلاف.

و فيه: أن جملة من نصوص الباب خالية عن التقييد بالأولتين، فالعمل على إطلاقها متعين، و بها ترفع اليد عن قاعدة الاحتياط، مع أنها مبنية على عدم جواز الجهر في الأخيرتين، و على كون المرجع في الشك في الشرطية و الجزئية قاعدة الاحتياط، و الثاني ممنوع، و الأول محل إشكال كما يأتي، و لذا قال في المعتبر: «قال بعض المتأخرين: ما لا يتعين فيه القراءة لا يجهر فيه لو قرئ، و هو تخصيص لما نص عليه الأصحاب و دلت عليه الروايات ..».

______________________________
(1) روضة الكافي ج: 8 صفحة: 61 الطبعة الحديثة.

(2) الوسائل باب: 12 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

 

206
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 22 إذا جهر في موضع الإخفات أو أخفت في موضع الجهر عمدا بطلت الصلاة ج‌6 ص 207

[ (مسألة 22): إذا جهر في موضع الإخفات، أو أخفت في موضع الجهر عمداً بطلت الصلاة]

(مسألة 22): إذا جهر في موضع الإخفات، أو أخفت في موضع الجهر عمداً بطلت الصلاة (1)، و إن كان ناسياً أو جاهلا و لو بالحكم صحت، سواء كان الجاهل بالحكم متنبهاً للسؤال و لم يسأل أم لا (2)، لكن الشرط حصول قصد القربة منه، و إن كان الأحوط في هذه الصورة الإعادة.

[ (مسألة 23): إذا تذكر الناسي أو الجاهل قبل الركوع لا يجب عليه إعادة القراءة]

(مسألة 23): إذا تذكر الناسي أو الجاهل قبل الركوع لا يجب عليه إعادة القراءة (3)، بل و كذا لو تذكر في أثناء القراءة حتى لو قرأ آية لا يجب إعادتها، لكن الأحوط الإعادة (4) خصوصاً إذا كان في الأثناء.

كما عرفت.

للإطلاق الشامل للصورتين جميعاً، و استظهر في الجواهر من منظومة الطباطبائي (ره) وجوب الإعادة في المتنبه، بل حكى التصريح به عن غير واحد لدعوى انصراف الصحيح، لكنه (ره) قوى خلافه، و هو في محله، و من هنا يظهر أن المراد من الصورة في قوله في المتن:

الأحوط في هذه الصورة، الصورة الأولى لا الثانية كما يقتضيه ظاهر العبارة.

كما عن غير واحد التصريح به، لإطلاق النص، و لإطلاق‌

حديث: «لا تعاد الصلاة» «1».

في صورة النسيان و كذا في صورة الجهل بناء على ما هو الظاهر من عمومه لها، كما سيأتي إن شاء اللّه في محله. و من ذلك يظهر نفي الإعادة أيضاً لو تذكر في أثناء القراءة.

كأن وجهه احتمال اختصاص الصحيحين بصورة الالتفات بعد الفراغ، فيكون المرجع ما دل على وجوب التدارك قبل تجاوز المحل. و فيه‌

______________________________
(1) تقدم مراراً. راجع مسألة: 18 من فصل القيام.

207
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 24 لا فرق في معذورية الجاهل بالحكم في الجهر و الإخفات بين أن يكون جاهلا بوجوبهما أو جاهلا بمحلهما ج‌6 ص 208

[ (مسألة 24) لا فرق في معذورية الجاهل بالحكم في الجهر و الإخفات بين أن يكون جاهلا بوجوبهما، أو جاهلا بمحلهما]

(مسألة 24) لا فرق في معذورية الجاهل بالحكم في الجهر و الإخفات بين أن يكون جاهلا بوجوبهما، أو جاهلا بمحلهما (1)- بأن علم إجمالا أنه يجب في بعض الصلوات الجهر و في بعضها الإخفات إلا أنه اشتبه عليه أن الصبح مثلا جهرية و الظهر إخفاتية، بل تخيل العكس- أو كان جاهلا ما عرفت من إطلاق الصحيحين، و لو سلم فوجوب التدارك يتوقف على دعوى كون الجهر و الإخفات من شرائط القراءة، فإذا فاتا بطلت، و وجب التدارك إذا كان الالتفات قبل الدخول في الركن. لكن الدعوى المذكورة خلاف ظاهر النصوص، إذ ظاهرها وجوب الجهر أو الإخفات في القراءة لا أنهما شرط فيها، و حينئذ لا يمكن تداركهما إلا بإعادة الصلاة من رأس، و هو خلاف‌

حديث: «لا تعاد الصلاة».

كما تقدم نظيره في مسألة القراءة جالساً، و يأتي توضيحه في مبحث الخلل.

ثمَّ إنه ربما يتوهم اختصاص الصحيحين بالتذكر بعد الفراغ بقرينة‌

قوله (ع) في أحدهما: «و قد تمت صلاته»‌

. و فيه: أن المراد منه تمامية المقدار الواقع منها، و لا سيما بملاحظة عدم صدق العمد، و المدار في الإعادة عليه كما تقتضيه الشرطية الأولى فيه، و الشرطية الثانية من قبيل التصريح بمفهومها. مع أن في الصحيح الآخر كفاية بالإضافة إلى خصوص الناسي.

كما صرح بذلك في جامع المقاصد، لكن في الجواهر: «إن شمول الدليل لمثل ذلك محل نظر أو منع، فيبقى تحت القاعدة». و فيه:

أنه لا يظهر الوجه في النظر أو المنع، لصدق «لا يدري» في المقامين، إذ الظاهر منه أنه لا يدري أن الجهر أو الإخفات الذي فعله مما لا ينبغي، و هو حاصل في الصورتين و لعدم صدق العمد معه.

 

208
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 24 لا فرق في معذورية الجاهل بالحكم في الجهر و الإخفات بين أن يكون جاهلا بوجوبهما أو جاهلا بمحلهما ج‌6 ص 208

بمعنى الجهر و الإخفات (1) فالأقوى معذوريته في الصورتين كما أن الأقوى معذوريته إذا كان جاهلا بأن المأموم يجب عليه الإخفات عند وجوب القراءة عليه و إن كانت الصلاة جهرية فجهر (2)، لكن الأحوط فيه و في الصورتين الأولتين الإعادة.

[ (مسألة 25): لا يجب الجهر على النساء]

(مسألة 25): لا يجب الجهر على النساء (3) في الصلاة الجهرية، كما في جامع المقاصد. و استغربه في الجواهر، لضرورة عدم سوق الدليل لبيان حكم ذلك. و فيه أن الضرورة المدعاة غير ظاهرة، فإنها خلاف إطلاق النص المؤيد بمناسبة الحكم و الموضوع كما لا يخفى، و لا يصدق أنه فعل ذلك عمداً الذي هو المدار في وجوب الإعادة كما يستفاد من الشرطية الأولى.

كما صرح به بعض لإطلاق النص، و دعوى الانصراف عنه، ممنوعة. نعم لو كان وجوب الجهر أو الإخفات بعنوان غير الصلاة من خوف أو نحوه لم تبعد دعوى انصراف النص عنه.

إجماعا كما في جامع المقاصد، بل نقل الإجماع عليه مستفيض أو متواتر. و يشهد له‌

خبر ابن جعفر (ع): «أنه سأل أخاه عن النساء هل عليهن الجهر بالقراءة في الفريضة؟ قال (ع): لا، إلا أن تكون امرأة تؤم النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها» «1»‌

، و ضعفه بعبد اللّه بن الحسن العلوي منجبر بما عرفت، و ما في ذيله محمول على الندب لعدم القائل به كما في الجواهر، و في كشف اللثام: «لم أظفر بفتوى توافقه»، و نحوه ما في غيره، و لا سيما بملاحظة عدم وجوب ذلك على الرجل المقتضي لعدم وجوبه على المرأة بقاعدة الاشتراك أو بالأولوية.

______________________________
(1) الوسائل باب: 31 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

 

209
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 24 لا فرق في معذورية الجاهل بالحكم في الجهر و الإخفات بين أن يكون جاهلا بوجوبهما أو جاهلا بمحلهما ج‌6 ص 208

.....

و عن جماعة من الأساطين: الاستدلال على الحكم في المقام: بأن صوتها عورة يحرم إسماعه للأجنبي، بل في كشف اللثام: «قلت: لاتفاق كلمة الأصحاب على أن صوتها عورة يجب عليها إخفاؤه عن الأجانب». و فيه:

منع ذلك لعدم الدليل عليه، و السيرة القطعية و النصوص على خلافه. مع أنه إنما يفيد مع سماع الأجنبي لا مطلقاً كما هو المدعى. اللهم إلا أن يكون المراد من كونه عورة أنه يجب إخفاؤه في الصلاة كجسدها. كما يقتضيه ظاهر الاستدلال به على عموم نفي الجهر على المرأة و لو لم يسمعها الأجانب لكنه كما ترى- مع أنه يقتضي حرمة الجهر لا مجرد عدم وجوبه، و هو خلاف ظاهر قولهم: «ليس على النساء جهر»، بل في الجواهر: «أنه خلاف مذهب المستدل به فإنه يذهب الى التخيير بينه و بين الإخفات»- أنه مخالف لما دل على جواز رفع صوتها بالقراءة إذا أمت النساء،

كصحيح ابن جعفر (ع): «عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة أو التكبير قال (ع): قدر ما تسمع» «1»‌

، و نحوه صحيح ابن يقطين «2»، فان الظاهر من «تسمع» كونه مبنياً للمفعول أو للفاعل على أن يكون من باب الافعال، يعني بقدر ما يسمعها الغير، كما يقتضيه- مضافا الى كونه وارداً في مقام تقدير رفع صوتها- ما ورد من أنه ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كل ما يقول. فان مساق الجميع واحد.

و من ذلك يظهر لك الاشكال فيما قيل: من أن المراد منه بقدر ما تسمع نفسها فلا يدل على جواز الجهر. و بالجملة: الاستدلال بأن صوتها عورة إن كان المراد منه: أنه يحرم إسماعه للأجنبي فلا وجه لعموم الدعوى، و إن كان المراد: وجوب إخفائه فلا وجه لجواز الجهر منها.

______________________________
(1) الوسائل باب: 31 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 31 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

 

210
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 25 لا يجب الجهر على النساء ج‌6 ص 209

بل يتخيرن بينه و بين الإخفات (1) مع عدم سماع الأجنبي، و أما معه فالأحوط إخفاتهن (2)، و أما في الإخفاتية فيجب عليهن الإخفات (3).

ثمَّ إنه قال في الذكرى: «و لو جهرت و سمعها الأجنبي فالأقرب الفساد مع علمها، لتحقق النهي في العبادة» و تبعه عليه غير واحد، منهم كاشف اللثام. لكن حكى في الجواهر عن الحدائق و حاشية الوحيد: الاشكال عليه: بأنه لا وجه للفساد، لكون النهي عن أمر خارج، قال في الجواهر:

«و فيه أن ليس الجهر إلا الحروف المقروءة، ضرورة كونها أصواتاً مقطعة، عالياً كان الصوت أو خفياً، فليس هو أمراً زائداً على ما حصل به طبيعة الحرف مفارقا له كي يتوجه عليه البطلان كما هو واضح».

و قد يشكل: بأن الجهر زيادة في الصوت فتكون مرتبة من مراتب الوجود تختص بالنهي، و لا يسري الى غيرها من صرف الوجود، لكن في كون الفرق بين الجهر و الإخفات من قبيل الفرق بين الشديد و الضعيف و الأكثر و الأقل تأمل و نظر، إذ الجهر- كما سيأتي- منتزع من ظهور جوهر الصوت، و يقابله الإخفات، و ظهور جوهر الصوت يحصل غالباً من زيادته.

كما يقتضيه رفع الجهر و عدم الدليل على وجوب الإخفات.

قد عرفت وجهه و ضعفه.

كما هو الأشهر، بل قيل إنه المشهور، و يقتضيه تعرضهم لنفي الجهر من دون تعرض لنفي الإخفات، فإن ذلك ظاهر في ثبوته عليهن، و عن جماعة: التخيير بينه و بين الجهر، لعدم الدليل على وجوب الإخفات عليهن، لاختصاص الصحيح الدال على لزومه بالرجل، و فيه: أن مقتضى قاعدة الاشتراك التعدي إلى المرأة، كما في غيره من الموارد.

211
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 25 لا يجب الجهر على النساء ج‌6 ص 209

كالرجال، و يعذرن فيما يعذرون فيه (1).

[ (مسألة 26): مناط الجهر و الإخفات ظهور جوهر الصوت و عدمه]

(مسألة 26): مناط الجهر و الإخفات ظهور جوهر الصوت و عدمه (2)، فيتحقق الإخفات بعدم ظهور جوهره و إن سمعه من يجانبه قريباً أو بعيداً.

كما استظهره في جامع المقاصد لقاعدة الاشتراك.

قد اختلفت عباراتهم في مقام الفرق بين الجهر و الإخفات، ففي الشرائع: «إن أقل الجهر أن يسمع القريب الصحيح السمع إذا استمع، و الإخفات أن يسمع نفسه إن كان يسمع»، و مقتضاها- لو قدر الإخفات معطوفا على الجهر- أن يكون أقل الإخفات أن يسمع نفسه، فيكون أكثر الإخفات أن لا يسمع نفسه، فحينئذ لا يكون تصادق بين الجهر و الإخفات مورداً. و أما ما ذكره غير واحد: من أن لازمه أن يكون الأكثر أن يسمع غيره فيكون بينهما تصادق، فغير ظاهر، لأن أكثر الإخفات أشد مراتبه خفاء، و إسماع الغير ليس أشد خفاء من إسماع النفس.

و من ذلك يظهر اندفاع الاشكال على عبارة النافع: «و أدنى الإخفات أن يسمع نفسه». بأنها كالنص في أن للاخفات فرداً آخر يتحقق بإسماع الغير، مع أنه يصدق عليه أيضاً حد الجهر، فيلزم تصادق الجهر و الإخفات مع أنهما من المتضادين، فان ذلك حمل للعبارة على خلاف ظاهرها.

نعم اتفاقهم ظاهراً على عدم صحة القراءة إذا لم يسمع نفسه و لو تقديراً مانع أيضاً من حمل الكلام على ما ذكرناه. و عليه فالإشكال على عبارة النافع متوجه على كل حال، أما عبارة الشرائع فيدفع الاشكال عنها جعل العطف فيها من قبيل عطف الجملة على الجملة، فيكون مفادها مفاد عبارة القواعد: «أقل الجهر إسماع القريب تحقيقاً أو تقديراً، و حد الإخفات إسماع نفسه»، و نحوها عبارتا الذكرى و الدروس على ما حكي بناء على‌

 

212
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 26 مناط الجهر و الإخفات ظهور جوهر الصوت و عدمه ج‌6 ص 212

.....

أن المراد منها التحديد في الإخفات من طرفي الأقل و الأكثر- كما هو مقتضى إطلاقها- فيكون التحديد بالنسبة إلى الجهر بالإضافة إلى الأقل، و بالنسبة إلى الإخفات بالإضافة الى كل من الأقل و الأكثر، و عن الموجز: «إن أعلى الإخفات أدنى الجهر»، و إشكال التصادق وارد عليها كاشكال المساهلة في التعبير، إذ العبارة التي يؤدي بها التصادق بلا مساهلة هي: «إن أدنى الجهر أدنى الإخفات» لا أعلى الإخفات، لما عرفت من أن أعلى الإخفات أشد إخفاتاً.

و كيف كان فظاهر الجميع: أن المائز بين الجهر و الإخفات إسماع الغير و عدمه، غاية الأمر أن مقتضى بعض العبارات أنه يعتبر في الإخفات عدم إسماع البعيد، فيكون بينهما العموم من وجه، لا عدم الاسماع أصلا- كما يقتضيه البعض الآخر منها- ليكون بينهما التباين.

و الذي ذكره المحقق الثاني و من تأخر عنه أن المائز بينهما إظهار الصوت على النحو المعهود و عدمه، فالجهر إظهار الصوت و يلزمه إسماع الغير، و إخفاؤه و همه إخفات و إن سمعه القريب، و قد يظهر من عبارته أن ذلك مراد الأصحاب قال (ره): «الجهر و الإخفات حقيقتان متضادتان كما صرح به المصنف (ره) في النهاية، عرفيتان يمتنع تصادقهما في شي‌ء من الافراد الى أن قال: و ربما وقع في عبارات الفقهاء التنبيه على مدلولهما من غير التزام لكون ذلك التنبيه ضابطاً، فتوهم من زعم أن مرادهم من ذلك الضابط أن بينهما تصادقا في بعض الافراد، و بطلانه معلوم».

هذا و لأجل أنه لم يرد من قبل الشارع الأقدس تحديد لهما فمقتضى الإطلاق المقامي الرجوع فيهما الى العرف كسائر المفاهيم المأخوذة موضوعا للأحكام في الكتاب و السنة، و ما ذكره المحقق (ره) هو الموافق للعرف فيتعين الركون اليه. و دعوى الإجماع على خلافه ممنوعة، و لو سلمت فالإجماع‌

 

213
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 27 المناط في صدق القراءة قرآنا كان أو ذكرا أو دعاء ج‌6 ص 214

[ (مسألة 27): المناط في صدق القراءة قرآناً كان أو ذكراً أو دعاء]

(مسألة 27): المناط في صدق القراءة قرآناً كان أو ذكراً أو دعاء ما مر في تكبيرة الإحرام من أن يكون بحيث يسمعه نفسه (1) تحقيقاً أو تقديراً بأن كان أصم أو كان هناك الذي لا يأبه به هو و أتباعه من الأساطين لا يؤبه به، و لا سيما بعد احتمال أن يكون ذلك مرادهم من تلك العبارات كما ذكره، و ان كان احتمال ذلك في بعض عباراتهم بعيداً، فإنها آبية له جداً. قال في المنتهى: «أقل الجهر الواجب أن يسمع غيره القريب أو يكون بحيث يسمع لو كان سامعاً، بلا خلاف بين العلماء، و الإخفات أن يسمع نفسه أو بحيث يسمع لو كان سامعاً، و هو وفاق، لأن الجهر هو الإعلان و الإظهار و هو يتحقق بسماع الغير القريب فيكتفى به، و الإخفات السر، و إنما حددناه بما قلنا لأن ما دونه لا يسمى كلاما و لا قرآناً، و ما زاد عليه يسمى جهراً»، فان استدلاله على ما ذكره: من أن الجهر الإعلان و الإظهار و أن الإخفات السر، كالصريح في غير ما ذكره المحقق (ره)، فالعمدة في عدم الركون الى الإجماع المذكور عدم ثبوته بنحو يوجب الاعتماد عليه.

نعم في الجواهر استشكل فيما يستعمله كثير من المتفقهة من الإخفات بصورة المبحوح، بل لو أعطي التأمل حقه أمكن دعوى تسمية أهل العرف مثله جهراً، كما أنه يسلبون عنه اسم الإخفات، لا أقل من أن يكون ذلك مشكوكا فيه أو واسطة لا يندرج في اسم كل منهما. انتهى، و قريب منه كلام غيره، لكن لا يبعد كونه من الإخفات عرفا، و مع الشك في ذلك فلأجل أن الشبهة مفهومية فمرجع الشك الى الشك في التكليف كان المرجع فيه أصل البراءة، و وجوب الاحتياط في الشك في المحصل إنما يكون إذا كان المورد من قبيل الشبهة المصداقية لا المفهومية، كما فيما نحن فيه.

قد مر فيه بعض الكلام.

 

214
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 27 المناط في صدق القراءة قرآنا كان أو ذكرا أو دعاء ج‌6 ص 214

مانع من سماعه، و لا يكفي سماع الغير (1) الذي هو أقرب إليه من سمعه.

[ (مسألة 28): لا يجوز من الجهر ما كان مفرطاً خارجا عن المعتاد]

(مسألة 28): لا يجوز من الجهر ما كان مفرطاً خارجا عن المعتاد (2) كالصياح فان فعل فالظاهر البطلان.

لإطلاق ما دل على اعتبار سماع النفس من النص «1» و الفتوى و دعوى كون سماعه ملحوظاً طريقاً الى العلم بوجوده، فاذا تحقق وجوده بسماع الغير كفى فيها- مع أنها خلاف ظاهر النص و الفتوى-: أن لازمها عدم الحاجة الى السماع لو علم وجوده، و لا يظن إمكان الالتزام به.

كما صرح به في الجواهر حاكياً له عن العلامة الطباطبائي (ره) و غيره، و عن الفاضل الجواد في آيات أحكامه: نسبته الى الفقهاء الظاهر في الإجماع عليه. و يقتضيه قوله تعالى (وَ لٰا تَجْهَرْ بِصَلٰاتِكَ) «2» بعد تفسيره برفع الصوت شديداً كما في موثق سماعة «3»، و‌

في صحيح ابن سنان «على الامام أن يسمع من خلفه و إن كثر؟ قال (ع): ليقرأ قراءة وسطاً يقول اللّه تبارك و تعالى وَ لٰا تَجْهَرْ بِصَلٰاتِكَ وَ لٰا تُخٰافِتْ بِهٰا» «4»‌

، فان المراد من الوسط- و لو بقرينة الموثق المتقدم- ما يقابل رفع الصوت شديداً، و لأجل أن الظاهر من النهي في المقام الإرشاد إلى المانعية يتجه البطلان على تقدير المخالفة. نعم لو كان النهي مولويا فاقتضاؤه للبطلان يتوقف على سرايته للقراءة كما أشرنا إليه آنفاً.

______________________________
(1) الوسائل باب: 33 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1 و 4 و 6.

(2) الاسرى: 110.

(3) الوسائل باب: 33 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 33 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

 

215
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 29 من لا يكون حافظا للحمد و السورة يجوز أن يقرأ في المصحف ج‌6 ص 216

[ (مسألة 29) من لا يكون حافظاً للحمد و السورة يجوز أن يقرأ في المصحف]

(مسألة 29) من لا يكون حافظاً للحمد و السورة يجوز أن يقرأ في المصحف (1)، بل يجوز ذلك للقادر الحافظ أيضاً على الأقوى (2).

و إن تمكن من الائتمام، إجماعاً كما عن الخلاف، و في المنتهى:

«إنه قول أكثر أهل العلم»، لإطلاق الأدلة من دون مقيد، و للنص الآتي مع أنه مقتضى أصالة البراءة.

كما عن التذكرة و نهاية الاحكام و غيرهما، و نسب الى ظاهر الشرائع و غيرها. و يقتضيه- مضافاً الى الأصل و الإطلاق لصدق القراءة معه-

مصحح أبان عن الحسن بن زياد الصيقل: «سأل الصادق (ع) ما تقول في الرجل يصلي و هو ينظر في المصحف يقرأ فيه يضع السراج قريباً منه؟

قال (ع): لا بأس بذلك» «1»‌

، نعم‌

في خبر ابن جعفر (ع): «عن الرجل و المرأة يضع المصحف أمامه ينظر فيه و يقرأ و يصلي؟ قال (ع):

لا يعتد بتلك الصلاة» «2»‌

، لكن الجمع يقتضي الحمل على الكراهة.

و من ذلك يظهر ضعف ما عن جماعة من الأعاظم منهم الشهيدان، و المحقق الثاني، و العلامة الطباطبائي (قدس سرهم): من المنع عنه اختياراً للانصراف عنه، و لأنه المعهود، و لأن القراءة في المصحف مكروهة إجماعاً و لا شي‌ء من المكروه بواجب، و لأن الصلاة معها في معرض البطلان بذهاب المصحف أو عروض ما يمنعه أو نحوهما، و لخبر ابن جعفر المتقدم بعد حمل المصحح على النافلة، و الجميع كما ترى!! إذ الأولان: ممنوعان، و الكراهة في العبادة لا تنافي الوجوب، و الرابع: ممنوع في بعض الأحوال، و لو اتفق لا يقدح في صحة العبادة، و الجمع بين الخبرين بما ذكر لا شاهد له، و أما‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 41 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 41 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

 

216
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 29 من لا يكون حافظا للحمد و السورة يجوز أن يقرأ في المصحف ج‌6 ص 216

كما يجوز له اتباع من يلقنه آية فآية (1)، لكن الأحوط اعتبار عدم القدرة على الحفظ و على الائتمام.

[ (مسألة 30): إذا كان في لسانه آفة لا يمكنه التلفظ يقرأ في نفسه]

(مسألة 30): إذا كان في لسانه آفة لا يمكنه التلفظ يقرأ في نفسه، و لو توهماً (2) و الأحوط تحريك لسانه بما يتوهمه‌

خبر عبد اللّه بن أبي أوفى: «إن رجلا سأل النبي (ص) فقال: إني لا أستطيع أن أحفظ شيئاً من القرآن فما ذا أصنع؟ فقال (ص) له: قل سبحان اللّه و الحمد للّه» [1]

حيث لم يأمره بالقراءة في المصحف فلا مجال للاستدلال به في المقام، لأن مورده صورة الاضطرار التي تجوز فيها القراءة في المصحف إجماعا كما عرفت.

الكلام فيه قولا و قائلا و دليلا في الجملة كما سبق.

و يكتفي بذلك عن القراءة كما مال إليه في الجواهر، مستدلا عليه بما ورد فيمن منعه عن القراءة خوف، و نحوه‌

كصحيح علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال: «سألته عن الرجل هل يصلح له أن يقرأ في صلاته و يحرك لسانه بالقراءة في لهواته من غير أن يسمع نفسه؟

قال (ع): لا بأس أن لا يحرك لسانه يتوهم توهما» «1».

و نحوه خبره الآخر المروي عن قرب الاسناد «2»، و‌

مرسل محمد بن أبي حمزة: «يجزيك من القراءة معهم مثل حديث النفس» «3».

______________________________
[1] ذكر البيهقي هذا الحديث في سننه الكبرى ج: 2 صفحة: 381 بألفاظ مخلفة.

ففي بعضها: «إني لا أحسن القرآن فعلمني شيئاً يجزيني من القرآن». و في بعضها: «لا أحسن شيئا من القرآن ..»، و في ثالثة: «لا استطيع ان آخذ من القرآن شيئاً فعلمني ..».

غير ان المفاد واحد.

______________________________
(1) الوسائل باب: 52 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 52 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 52 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

 

217
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 31 الأخرس يحرك لسانه ج‌6 ص 218

[ (مسألة 31) الأخرس يحرك لسانه]

(مسألة 31) الأخرس يحرك لسانه (1).

و فيه: أن الأخذ بظاهر الأولين غير ممكن، و حملهما على ما نحن فيه لا قرينة عليه، و الثالث وارد في غير ما نحن فيه، و العمل به في المقام غير ظاهر، و المتعين الأخذ بإطلاق‌

خبر السكوني عن الصادق (ع): «تلبية الأخرس و تشهد و قراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه» «1»‌

إذ موضوع المسألة إما أحد أفراد الأخرس أو أنه أحد أفراد المراد منه، فحمل الخبر على غيره غير ظاهر، و كأنه لذلك جعل المصنف (ره) الأحوط تحريك اللسان، و إن كان الأولى له الاحتياط بذكر الإشارة أيضاً، و أولى منه ما ذكرنا من إجراء حكم الأخرس في المقام.

بلا خلاف أجده في الأول كما في الجواهر. نعم عن نهاية الشيخ:

الاكتفاء بالإيماء باليد مع الاعتقاد بالقلب، و لعله- كما في مفتاح الكرامة- أراد بالاعتقاد تحريك اللسان معه، و إن كان ذلك بعيداً، و عن جماعة منهم الفاضلان، و المحقق، و الشهيد الثانيان: عدم ذكر الإشارة بالإصبع هنا، و كأنه لأجل أن إضافة الإشارة إلى الضمير تقتضي إرادة الإشارة المعهودة له، و هي في خصوص ما يعتاد الإشارة إليه بالإصبع لا مطلقاً، و ثبوت ذلك بالنسبة إلى الألفاظ المقروءة لا يخلو من إشكال أو منع، نعم تعارف الإشارة إلى معاني الألفاظ قطعي لكنها لا يعتبر قصدها كما عرفت، و في كشف اللثام:

«عسى أن يراد تحريك اللسان إن أمكن، و الإشارة بالإصبع إن لم يمكن، و يعضده الأصل». و هو كما ترى خلاف الظاهر. و مثله احتمال رجوع الإشارة بالإصبع في الخبر الى التشهد خاصة.

ثمَّ إن المذكور في كتب المحقق و العلامة و غيرهما وجوب عقد القلب بها أيضاً، و قرّب في الجواهر أن يكون المراد عقد القلب بمعنى اللفظ،

______________________________
(1) الوسائل باب: 59 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

 

218
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 31 الأخرس يحرك لسانه ج‌6 ص 218

و يشير بيده (1) و حكاه أيضاً عن الدروس، و الذكرى، و حكي عن جامع المقاصد منع ذلك لعدم الدليل عليه في الأخرس و لا في غيره، و لو وجب ذلك لعمت البلوى أكثر الخلائق ثمَّ قال: «و الذي يظهر لي أن مراد القائلين بوجوب عقد قلب الأخرس بمعنى القراءة وجوب القصد بحركة اللسان الى كونها حركة للقراءة، إذ الحركة صالحة لحركة القراءة و غيرها فلا يتخصص إلا بالنية ..».

أقول: قد عرفت سابقاً أن القراءة حكاية للألفاظ المقولة، فالمعنى المستعمل فيه لفظ القارئ نفس الألفاظ الخاصة، أما معانيها فأجنبية عنها، فكيف يمكن أن يدعي وجوب قصدها تفصيلا أو إجمالا؟! كيف؟! و تصدق القراءة في حال كون اللفظ المقروء مهملا لا معنى له أصلا، و عليه فلا بد أن يكون المراد عقد القلب بنفس الألفاظ المحكية بالقراءة، و هو ظاهر الخبر أيضاً تنزيلا لأقواله الصلاتية منزلة أقواله العادية في بدلية تحريك اللسان و الإشارة عنها، على اختلاف المحكي من حيث كونه لفظاً تارة كباب الحكاية و القراءة، و غيره أخرى كما في بقية موارد الافهام و الاعلام، و عدم إمكان ذلك في بعض أفراد الأخرس مثل الأصم الذي لم يعقل الألفاظ و لا سمعها و لم يعرف أن في الوجود لفظاً ممنوع إن أريد القصد الإجمالي، لأن قصده الى فعل ما يفعله الناطق على الوجه الذي يفعله قصد للفظ إجمالا، و هو في غاية السهولة، و لعل ذلك هو مراد جامع المقاصد. فتأمل جيداً.

المذكور في النص الإصبع «1»، إلا أن الظاهر منه الجنس الشامل للواحد و الكثير، و هو المراد من اليد إذ الإشارة بها إنما تكون بأطرافها أعني الأصابع. فتأمل.

______________________________
(1) تقدم في أول المسألة السابقة.

 

219
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 31 الأخرس يحرك لسانه ج‌6 ص 218

إلى ألفاظ القراءة بقدرها (1).

[ (مسألة 32) من لا يحسن القراءة يجب عليه التعلم]

(مسألة 32) من لا يحسن القراءة يجب عليه التعلم و إن كان متمكناً من الائتمام (2) إشارة الى ما تقدم من عقد القلب بالألفاظ المحكية و لو إجمالا فلو تركه و ائتم أثم و صحت صلاته، كما نسب الى ظاهر الأصحاب.

و وجهه غير ظاهر و إن قلنا بوجوب القراءة تعييناً، و أن قراءة الإمام مسقطة له، لأن المسقط عدمه شرط للوجوب، فاذا كان وجوب القراءة مشروطاً بعدم المسقط كان وجوب التعلم كذلك، سواء أ كان غيرياً أم إرشادياً، فضلا عما لو قيل بوجوب القراءة تخييراً بينها و بين الائتمام، ضرورة عدم الإثم بترك أحد فردي الواجب التخييري مع فعل الآخر.

نعم يتم ذلك لو كان وجوب التعلم نفسياً، إلا أنه لا دليل عليه.

و ما في المعتبر، و المنتهى: من الإجماع على وجوبه لا يمكن الاعتماد عليه في إثباته، لقرب إرادة وجوبه غيرياً أو إرشادياً مع غض النظر عن إمكان الائتمام أو متابعة الغير أو نحو ذلك مما لا يكون غالباً. قال في المعتبر: «أما وجوب التعلم فعليه اتفاق علماء الإسلام ممن أوجب القراءة و لأن وجوب القراءة يستدعي وجوب التعلم تحصيلا للواجب». و هذا- كما ترى- ظاهر في الوجوب الغيري، و أما المنتهى فلم أجد فيما يحضرني من نسخته نقل الإجماع على الوجوب، و على تقديره فالظاهر منه ما ذكره في المعتبر و نحوه ذكر الشهيد في الذكرى، و كأنه لأجل ما ذكرنا قال العلامة الطباطبائي (ره) في محكي مصابيحه: «إن ثبت الإجماع كما في المعتبر و المنتهى (يعني على وجوب التعلم) و إلا اتجه القول بنفي الوجوب». نعم لو احتمل عدم التمكن من الإتمام أمكن القول بالوجوب.

ثمَّ إن المراد بالتعلم إن كان تمرين اللسان على النطق الصحيح فوجوبه‌

 

220
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 32 من لا يحسن القراءة يجب عليه التعلم ج‌6 ص 220

و كذا يجب تعلم سائر أجزاء الصلاة (1)، فإن ضاق الوقت مع كونه قادراً على التعلم فالأحوط الائتمام (2) إن تمكن منه.

حيث يكون غيري، و إن كان معرفة النطق الصحيح و تمييزه من الغلط فوجوبه إرشادي الى ما يترتب على تركه من خطر المعصية. هذا إذا لم يمكن الاحتياط و إلا وجب أحد الأمرين منه و من الاحتياط بناء على عدم اعتبار الجزم بالنية في العبادة.

يظهر الكلام فيه مما سبق.

لعدم الدليل على صحة الصلاة الاضطرارية، إذ الأخبار الآتية من خبر مسعدة و نحوه موردها غير ما نحن فيه، و قاعدة الميسور مما لم ينعقد الإجماع على العمل بها مع التقصير في التعلم، لما عن الموجز و شرحه: من إيجاب القضاء فيه، و قولهم (ع): «الصلاة لا تسقط بحال» «1» قد عرفت الإشكال في سنده، و لو سلم فلا يدل على صحة الصلاة الاضطرارية مع التمكن من الائتمام كما لعله ظاهر.

اللهم إلا أن يقال: مع التمكن من الائتمام يعلم بوجوب الصلاة عليه و صحتها منه، و يشك في وجوب الائتمام، و الأصل البراءة. نعم لو كان الائتمام أحد فردي الواجب التخييري تعيين مع تعذر القراءة، لكن الظاهر من الأدلة أنه مسقط، و لا دليل على وجوب فعل المسقط، و لا سيما مع العلم بالسقوط للتعذر. نعم لو لم يتمكن من الائتمام لا يعلم بوجوب الصلاة أداء عليه، و إنما يعلم إجمالا بوجوب الأداء أو القضاء، فيجب الجمع بينهما من باب الاحتياط. فافهم.

و مما ذكرنا يظهر الاشكال على المصنف (ره)، حيث جزم بوجوب الائتمام في مبحث الجماعة، و توقف فيه هنا، إذ مقتضى ما ذكرنا الجزم بعدم‌

______________________________
(1) تقدم في المسألة: 9 من مسائل تكبيرة الإحرام.

 

221
مستمسک العروة الوثقى6

مسألة 33 من لا يقدر إلا على الملحون أو تبديل بعض الحروف ج‌6 ص 222

[ (مسألة 33): من لا يقدر إلا على الملحون أو تبديل بعض الحروف]

(مسألة 33): من لا يقدر إلا على الملحون أو تبديل بعض الحروف و لا يستطيع أن يتعلم أجزأه ذلك (1) و لا يجب عليه الائتمام و إن كان أحوط (2)، و كذا الأخرس لا يجب عليه الائتمام (3).

وجوب الائتمام، مع أن التشكيك في عموم نصوص البدلية للمقام غير ظاهر، لعموم مثل صحيح ابن سنان الآتي، و خصوصية المورد- و هو من دخل في الإسلام- ملغاة بقرينة صدر الحديث، فإنه ظاهر في وروده مورد القاعدة و على هذا فلا ينبغي التأمل في الاجتزاء بالبدل، و عدم لزوم الائتمام.

كما عن غير واحد التصريح به. بل قيل: «لا خلاف فيه على الظاهر و لا إشكال»، و يقتضيه‌

خبر مسعدة: «سمعت جعفر بن محمد (ع) يقول: إنك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح، و كذلك الأخرس في القراءة في الصلاة و التشهد، و ما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم. و المحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح» «1»‌

، و‌

خبر السكوني عن الصادق (ع) عن النبي (ص): «إن الرجل الأعجمي في أمتي ليقرأ القرآن بعجمته فترفعه الملائكة على عربيته» «2»‌

، و‌

النبوي: «سين بلال شين عند اللّه تعالى» «3»‌

، و من إطلاقها يظهر الاجتزاء بها و لو مع إمكان الائتمام، و لا يتوقف على القول بكون قراءة الإمام مسقطة. بل لو قيل بأن الصلاة جماعة أحد فردي الواجب التخييري أجزأت.

قد عرفت من بعض أن الظاهر عدم الخلاف في عدم وجوبه، لإطلاق دليل الاجتزاء بحركة لسانه و إشارته بإصبعه.

______________________________
(1) الوسائل باب: 59 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 30 من أبواب قراءة القرآن حديث: 4.

(3) مستدرك الوسائل باب: 23 من أبواب قراءة القرآن حديث: 3.

 

222