×
☰ فهرست و مشخصات
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الخطبة ؛ ج 1، ص : 65

الجزء الأول

[الخطبة]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

(1) الحمد للّه على سوابغ النعماء، و ترادف الآلاء، المتفضل بإرسال الأنبياء، لإرشاد الدهماء، و المتطول بنصب الأوصياء لتكميل الأولياء، و المنعم على عباده بالتكليف، المؤدي إلى أحسن الجزاء، رافع درجات العلماء، و مفضّل مدادهم على دماء الشهداء، و جاعل أقدامهم واطئة على أجنحة ملائكة السماء.

أحمده على كشف البأساء، و دفع الضراء، و أشكره في حالتي الشدة و الرخاء، و صلّى اللَّه على سيد الأنبياء محمد المصطفى و عترته الأصفياء صلاة تملأ أقطار الأرض و السماء.

______________________________
(1) بسم اللَّه الرّحمن الرحيم الحمد للَّه العلي الكبير، الحكيم الخبير، الذي خلق الخلق بقدرته، و ميّز ذوي العقول من بريّته بمعرفته، و كلّفهم بسلوك جادّة شريعته، و إقامة أعلام ملّته.

أحمده حمدا يستوجب المزيد من كرمه، و يرتبط العتيد من نعمه، و أشكره شكرا‌

65
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الخطبة ؛ ج 1، ص : 65

أما بعد: فهذا كتاب قواعد الأحكام في معرفة الحلال و الحرام لخّصت فيه لب الفتاوى خاصة، و بيّنت فيه قواعد أحكام الخاصة، إجابة لالتماس أحب الناس اليّ، و أعزهم عليّ، و هو الولد العزيز محمد، الذي أرجو من اللَّه تعالى طول عمره بعدي، و أن يوسدني في لحدي، و أن يترحّم عليّ بعد مماتي كما كنت أخلص له الدعاء في خلواتي، رزقه اللَّه سعادة الدارين، و تكميل الرئاستين، فإنه برّ بي في جميع الأحوال، مطيع لي في الأقوال و الأفعال، و اللَّه المستعان و عليه التكلان، و قد رتبت هذا الكتاب على عدة كتب:

______________________________
يقتضي الوافر من سيب
«1» قسمه، و الهامر «2» من مدرار ديمه، و الصلاة على رسوله محمّد المصطفى، رافع أعلام الإيمان، و ناهج سبيل الجنان، و على آله حماة الدين، و ولاة مشارع اليقين، صلاة تملأ أقطار السماوات و الأرضين، و تبلغ أسماع الخلائق أجمعين.

و بعد: فانّ كتاب (قواعد الأحكام في مسائل الحلال و الحرام) لشيخنا الأعظم، شيخ الإسلام، مفتي فرق الأنام، بحر العلوم، محيي دارس الرسوم، حبر الأمّة، مميت البدعة، ناصر السنة، جمال الملّة و الحق و الدين، أبي منصور الحسن بن الشيخ الفقيه السعيد، الأجلّ المقدس، سديد الملّة و الدين، يوسف بن المطهر الحلّي، سقى اللَّه تعالى ضريحه مياه الرضوان، و رفع قدره في فراديس «3» الجنان.

كتاب لم يسمح الدهر بمثاله، و لم ينسج ناسج على منواله، قد احتوى من الفروع الفقهية، على ما لا يوجد في مصنّف، و لم يتكفّل ببيانه مؤلّف، و لم يتفق له شرح يبرز حقائقه من مكنونها و يظهر دقائقه من مصونها.

______________________________
(1) السيب: العطاء. قاله الجوهري في الصحاح 1: 150 مادة «سيب».

(2) الهمر: صب الدمع و الماء و المطر. قاله ابن منظور في لسان العرب 5: 266 مادة «همر».

(3) فراديس جمع مفرده الفردوس: هي البستان الذي فيه الكرم و الأشجار. قاله الطريحي في مجمع البحرين 4: 91 مادة «فردس».

66
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الخطبة ؛ ج 1، ص : 65

..........

______________________________
و إنّي كنت على قديم الزمان أؤمّل أن أصنع له شرحا يتكفل ببيان مشكلاته، و إبراز مخدراته، على ما أنا فيه من قصر الباع عن هذا المرام، و القصور المانع عن الوصول الى هذا المقام، إلى أن مضى على ذلك مدة طويلة، كتبت في خلالها أشياء متفرقة على أبواب الكتاب، حسن وقعها عند اولي الألباب.

ثم شرعت في وضع شرح طويل، يشتمل من المقاصد على كلّ دقيق و جليل، و بعد الشروع رأيت عند مذاكرة جمع من العلماء، أن أعلّق على مسائل الكتاب ما يكون عونا على حلّ عباراته، و بيان مشكلاته، و إظهار نكاته، متعرضا فيه الى الخلاف الواقع بين العلماء، و الإشارة إلى الدلائل المتداولة على ألسنة الفقهاء، و ما عسى أن يسنح لهذا الخاطر الفاتر، و ينساق إليه النظر القاصر، مشيرا الى ما هو الحقّ بأوجز عبارة، مكتفيا بأقصر إشارة.

و لما كان هذا الكتاب ممّا منّ اللَّه عليّ بإنشائه في حرم سيّدي و مولاي أمير المؤمنين، و سيّد الوصيين صلوات اللَّه عليه تترى، بعد أخيه صفوة اللَّه من النبيين و آلهما المعصومين، واقعا في أيام الدولة العالية السامية، القاهرة الباهرة، الشريفة المنيفة، العلية العلوية، الشاهية الصفوية الموسوية، أيدها اللَّه تعالى بالنصر و التأييد، و قرن أيامها بالخلود و التأبيد، و لا زالت جباه الملوك و السلاطين معفّرة على أعتابها، و رؤوس العتاة و المتمردين من الجبابرة ملقاة على أبوابها، و لا زال الدهر ساعدا على ما يطلب في أيامها الزاهرة، من إقامة عمود الدين، و القدر موافقا لما يرام في أزمنتها الباهرة، من إعلاء معالم اليقين بمحمد و آله الأطهار المعصومين.

أحببت أن أجعله تحفة، أؤدّي بها بعض حقوقها عندي، و وسيلة لاستحصال الدعاء لها على مرور الأعصر، و ذلك غاية جهدي.

و أرجو أن تهب عليه نسمات القبول، و يفوز من وفور المرحمة، و عميم المعاطفة، بغاية المأمول [و سميته بجامع المقاصد في شرح القواعد] «1» و الى اللَّه أرغب في تيسير المراد، و نيل السداد، و هو حسبي و نعم الوكيل.

______________________________
(1) ما بين المعقوفين زيادة من نسخة «ح».

67
جامع المقاصد في شرح القواعد1

كتاب الطهارة ؛ ج 1، ص : 68

 

[كتاب الطهارة]

كتاب الطهارة و فيه مقاصد:

[الأول: في المقدمات]

الأول: في المقدمات، و فيه فصول:

[الأول: في أنواعها]

الأول: في أنواعها.

الطهارة: غسل بالماء أو مسح بالتراب، متعلّق بالبدن على وجه له صلاحية التأثير في العبادة، و هي وضوء و غسل و تيمّم، و كل واحد منها إمّا واجب أو ندب.

فالوضوء يجب للواجب من الصلاة، و الطواف، و مسّ كتابة القرآن. (1)

______________________________
«كتاب الطهارة» قوله رحمه اللَّه: (فالوضوء يجب للواجب من الصلاة و الطواف و مسّ كتابة القرآن).

(1) وجوب الصلاة و الطواف ثابت بأصل الشرع، غير متوقف على إحداث المكلف سببا يقتضيه. و أما مس كتابة القرآن- بناء على تحريم مسّها للمحدث- فلا يجب غالبا، إلا بسبب من قبل المكلف، كنذر و ما يجري مجراه، و لا شبهة في انعقاد نذره لو نذر، لأن المسّ عبادة كما صرح به جمع من المفسرين، و كذا حمل المصحف، و النظر إلى الكتابة فمن ثم قالوا: إن القراءة في المصحف أفضل.

و ربما وجب المس لإصلاح في المصحف لا يمكن بدونه، أو لجمع ما تناثر من ورقه كذلك و نحوه.

 

68
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في أنواعها ؛ ج 1، ص : 68

و يستحب للصلاة و الطواف المندوبين، (1) و لدخول المساجد، (2) و قراءة القرآن، و حمل المصحف، و النوم، و صلاة الجنائز، و السعي في الحاجة، و زيارة المقابر، و نوم الجنب، و جماع المحتلم، و ذكر الحائض، و الكون على طهارة، و التجديد.

______________________________
قوله: (و يستحب للصلاة و الطواف المندوبين).

(1) لا شبهة في استحبابه لهما، لامتناع وجوب شي‌ء لغاية مندوبة، لكنه شرط في الصلاة، إذ لا صلاة إلا بوضوء «1»، بخلاف الطواف المندوب لصحته من المحدث على الأصح، و سيأتي في الحج إن شاء اللَّه تعالى فهو مكمّل له. و كان عليه أن يذكر مسّ كتابة القرآن المستحب، فإن الوضوء مستحب له، و إن كان مع ذلك شرطا له إذ (لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) «2».

و لا منافاة بين كون الشي‌ء مستحبا لا يستقر في الذمة تحتم فعله، و كونه لا بد منه في شي‌ء مندوب، بمعنى أنه لا يباح بدونه، و ربما أطلق بعضهم على هذا القسم اسم الواجب، و لا يريد به إلا المجاز، و علاقة التجوز أنه لا بد منه في ذلك الشي‌ء، فأشبه الواجب الذي لا بد منه.

قوله: (و لدخول المساجد.).

(2) إنما استحب الوضوء لدخول المساجد لورود النص عليه «3»، و لاستحباب صلاة التحية و هي تقتضيه، و استحبابه لزيارة القبور مقيد في الخبر بقبور المؤمنين «4».

______________________________
(1) هذا اقتباس من حديث ورد في التهذيب 1: 49 حديث 144 و نصّه: (لا صلاة إلا بطهور)

(2) الواقعة: 79

(3) أمالي الصدوق 293 8، التهذيب 3: 263 حديث 743

(4) قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة 1: 9 (و لم أظفر لخصوصه بنص) و الذي يظهر من عبارات الفقهاء وجود النص بذلك. قال الشهيد الأول في الذكرىٰ: 23 (و يستحب الوضوء. و زيارة قبور المؤمنين- الى أن قال- كل ذلك للنص). و في مدارك الأحكام: 2 (و الذي يجتمع من الأخبار و كلام الأصحاب: يستحب الوضوء للصلاة و الطواف المندوبين- الى ان قال- و زيارة قبور المؤمنين). و قال السيد الحكيم- طاب ثراه- في مستمسك العروة الوثقى 2: 290 (و يظهر عن الذكرى و المدارك ان به رواية، بل عن الدلائل ان في الخبر تقييدها بالمؤمنين)

69
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في أنواعها ؛ ج 1، ص : 68

..........

______________________________
و استحباب الوضوء للكون على طهارة، معناه استحباب فعله للبقاء على حكمه، و هذا معنى صحيح لا فساد فيه، و ما يوجد في الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد من أنّ ذلك في قوّة: يستحب الوضوء للكون على وضوء. و هو ظاهر الفساد، فأنكر قراءة الكون بالجر، و كذا بالرفع، عطفا على المستتر في: يستحب للصلاة و الطواف. لأنه يصير حينئذ في قوة يستحب الوضوء، و يستحب الكون على طهارة، و هو تكرار لا حاصل له.

و اختار قراءته بالرفع على أنه مبتدأ محذوف الخبر، و ما ذكره تكلف، و التكرار الذي ادعاه غير لازم، لأنّ المعنى على ذلك التقدير: يستحب الوضوء لهذه الأشياء، و يستحب الكون على طهارة، و هذا معنى صحيح لا تكرار فيه.

و يرد على ما اختاره ارتكاب التقدير، و هو خلاف الأصل، و عدم الخروج عن المعنى الذي فرّ منه في العطف، مع عطف الاسميّة على الفعلية.

و يستحب الوضوء تجديدا، و إن لم يصل بالأول، وفاقا لما في التذكرة «1»، و إن توقف شيخنا في الذكرى «2» لعموم قوله عليه السلام: «الوضوء على الوضوء كفارة من غير استغفار» «3».

و ينبغي أن يقرأ قوله: (و التجديد) بالرفع عطفا على المرفوع في قوله:

(و يستحب)، إذ لو قرئ بالجرّ لكان المعنى: يستحب الوضوء للتجديد، و لا ريب أن التجديد هو فعل الوضوء ثانيا بعد وضوء مبيح، فيكون فعل الوضوء مستحبا لفعل الوضوء ثانيا، و هو مستهجن.

و يستحب الوضوء في مواضع أخر غير ما ذكر [تصل] «4» إلى ستّة و ثلاثين موضعا.

______________________________
(1) تذكرة الفقهاء 1: 21

(2) ذكري الشيعة: 96

(3) الفقيه 1: 26 حديث 9 و فيه ان (الوضوء على الوضوء نور على نور و من جدد وضوءه من غير حدث آخر جدد اللَّه عز و جل توبته من غير استغفار) و في ص 31 حديث 15 ورد (من توضأ فذكر اسم اللَّه طهر جميع جسده و كان الوضوء الى الوضوء كفارة لما بينهما من الذنوب، و من لم يطهر من جسده الا ما أصابه الماء).

(4) لم ترد في «ع» و «ح» و أثبتناها ليستقيم المعنى.

70
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في أنواعها ؛ ج 1، ص : 68

..........

______________________________
و هنا فائدتان ينبغي التنبيه لهما:

(أ): هل يعتبر في الوضوء لواحد من الأمور المذكورة نية الرفع، أو الاستباحة لمشروط بالطهارة لتتحقق غايته، أم تكفي نية الغاية؟

ينبغي أن يقال بابتناء ذلك على أنّ نيّته بالطهارة- مكملة له و ليست من شرطه- هل هي كافية في رفع الحدث، أم لا؟.

فإن قلنا بالأول كفت الغاية، و الّا فلا بد من أحد الأمرين، و بدونهما لا يقع الوضوء صحيحا، كما يظهر من كلامهم في نية الوضوء «1»، بناء على اشتراط نية الرفع أو الاستباحة.

و يحتمل الاكتفاء بنيّة الغاية، تمسكا بعموم قوله عليه السلام: «إنّما لكلّ امرئ ما نوى» «2» و يظهر من كلام المصنف في الوضوء للتكفين، فإنه استحبه لذلك، و تردد في الدخول به في الصلاة، و هذا في غير الوضوء لنوم الجنب، و جماع المحتلم و التجديد و نحوها، كمريد غسل الميت و هو جنب، لامتناع الرفع في هذه المواضع.

(ب): الوضوء المجدد لا تتصور فيه الإباحة، لأن وضعه على أن يكون بعد وضوء مبيح، لكن لو فعل كذلك، و ظهر في الأول خلل، هل يكون رافعا أم لا؟ قولان للأصحاب «3»، و لا شبهة في كونه رافعا بناء على الاكتفاء بالقربة، و كذا على اعتبار نية الوجه معها، إنما الخلاف بناء على اعتبار أحد الأمرين.

و منشؤه، من ظاهر قوله عليه السلام: «إنّما لكل امرئ ما نوى» «4» و من أن شرعيته لتدارك ما عساه فات في الوضوء الأول.

و يظهر من الدروس الميل اليه، حيث قال: و في المجدد قول قويّ‌

______________________________
(1) المبسوط 1: 19، الكافي في الفقه: 132، الوسيلة: 37، غنية النزوع (الجوامع الفقهية): 491، السرائر:

17، المختلف: 20، منتهى المطلب 1: 55

(2) صحيح البخاري 1: 2، سنن أبي داود 2: 262 حديث 2201.

(3) قال العلامة الحلّي في التذكرة 1: 15، و الشهيد الأول في البيان: 8 بعدم الرفع، امّا المحقق الحلّي فقال في المعتبر 1: 140 بالرفع.

(4) راجع الهامش (2) المتقدم.

71
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في أنواعها ؛ ج 1، ص : 68

و الغسل يجب لما وجب له الوضوء، و لدخول المساجد و قراءة العزائم إن وجبا، (1) و لصوم الجنب مع تضيق الليل إلّا لفعله، و لصوم المستحاضة مع غمس القطنة. (2)

______________________________
بالرفع
«1»، و لعل الأقرب العدم، للشك في سبب الشرعية الذي ادعاه الخصم، و لو سلّم فلا يتعين لذلك رفع الحدث، لجواز أن يكون لتدارك المستحبات.

قوله: (و الغسل يجب لما يجب له الوضوء، و لدخول المساجد و لقراءة العزائم إن وجبا).

(1) قيد وجوب الغسل لهما بكونهما واجبين بنذر و شبهه، لامتناع استقرار وجوب الغسل لهما في الذمة مع عدم وجوبهما، لكن يجب ان يستثني من دخول المساجد الاجتياز في غير المسجدين، إذ ليس بمحرّم على الجنب، و شبهه للنص «2».

و يجب أن يقيد الغسل في قوله: (و الغسل يجب.) بما عدا غسل المس، فإنّ حدث المس لا تحرم معه قراءة العزائم، كما صرح به شيخنا في البيان، و لا دخول المساجد مطلقا، وفاقا لابن إدريس «3» للأصل، و لنقله الإجماع، و منعه المصنف في التذكرة «4» و هو ضعيف، و لا يخفى أن المراد بالعزائم: سور السجدات الواجبة.

قوله: (و لصوم الجنب مع تضيق الليل الّا لفعله، و لصوم المستحاضة مع غمس القطنة).

(2) يجب أن يقيد صوم كلّ منهما بكونه واجبا، على حد ما سبق في نظائره، إذ لو كان غير واجب لكان الغسل شرطا و لا يكون واجبا، و هذا بناء على ما استقر عليه مذهب الأصحاب، من اشتراط صحة صوم الجنب بتقديم الغسل على الفجر.

و الاستثناء من محذوف، أي: مع تضيق الليل لكل شي‌ء إلّا لفعله، و كأنه إنما ترك التقييد هنا اكتفاء بما ذكره في نظائره.

______________________________
(1) الدروس: 2

(2) التهذيب 1: 371 حديث 1132

(3) السرائر: 32.

(4) التذكرة 1: 56.

72
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في أنواعها ؛ ج 1، ص : 68

..........

______________________________
و لا يرد عليه أنه يرى وجوب الغسل للجنابة لنفسه، فتعليق وجوبه بالصوم ينافي مذهبه، لأن وجوبه لنفسه لا ينافي وجوبه لأمر آخر، لكونه شرطا فيه، لأن علل الشرع معرّفات للأحكام، فلا محذور في تعددها.

و لا يخفى أن تضيّق وجوب الغسل و ضده دائر مع تضيق الغاية و عدمه، لا مع وجوبه لنفسه، فيظهر به اختلاف منشأ الوجوب.

و أما صوم المستحاضة مع غمس الدم القطنة- سواء سال مع ذلك أم لا فاشتراطه بالغسل إجماعي، و إن اختلف الأصحاب في كمية الغسل بالنسبة إلى الحالتين.

و ينبغي التنبه لشي‌ء و هو: أن الغمس لو صادف الليل هل يجب تقديم الغسل على الفجر، بحيث يقارن طلوعه علما أو ظنّا، أم يجوز تأخيره إلى وقت صلاته؟ فيه وجهان، يلتفتان الى أن الغسل شرط للصوم، و الشرط مقدم، و أن شرطيته للصوم في الاستحاضة دائرة مع شرطيته للصلاة وجودا و عدما، و كذا سعته و ضيقه، و من ثمّ يبطل الصوم بالإخلال بالغسل الواجب بها نهارا، بخلاف الجنابة الطارئة بعد الفجر.

و لو تجدد الغمس بعد صلاة الفجر فلا غسل، لعدم وجوبه للصلاة، إلّا أن تسيل، فيجب لوجوبه للظهرين حينئذ.

فإن اعتبرنا في قلة الدم و كثرته الموجبة للغسل- متعددا تارة و متحدا اخرى- أوقات الصلاة، كما يلوح من الاخبار «1»، فلا بد من بقاء الكثرة إلى وقت الظهرين، و بدونها ينتفي الوجوب، لعدم الخطاب بالطهارة قبل الوقت.

و ان لم نعتبر في ذلك وقت الصلاة، روعي في وجوب الغسل وقت الصلاة لها، و للصوم وجود الغمس وقتا ما، نظرا إلى أن الدم حدث، و الحدث مانع سواء طرأ في الوقت أم قبله.

و في الأول قوة، لأن حدث الاستحاضة إنما يعتبر فيه ما سبق إذا انقطع للبرء،

______________________________
(1) الكافي 3: 95 حديث 1، و التهذيب 1: 168 و 388 حديث 482 و 1197، و الاستبصار 1: 140 حديث 482.

73
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في أنواعها ؛ ج 1، ص : 68

و يستحب للجمعة من طلوع الفجر إلى الزوال، و يقضى لو فات الى آخر السبت، و كلّما قرب من الزوال كان أفضل، (1) و خائف الإعواز يقدّمه يوم الخميس، فلو وجد فيه أعاده.

و أول ليلة من رمضان، (2) و نصفه، و سبع عشرة، و تسع عشرة، و احدى و عشرين، و ثلاث و عشرين، و ليلة الفطر، و يومي العيدين، و ليلتي

______________________________
و لهذا لو تجددت القلة بعد السيلان في خلال الغسل، و استمر ذلك الى وقت صلاة أخرى لم يجب الغسل.

و من هذا يعلم أن إطلاق المصنف وجوب الغسل للصوم مع غمس القطنة لا يستقيم على إطلاقه.

و إنما غيّر المصنف الأسلوب في العبارة- حيث غيّر وجوب الغسل بوجوب الأمور السابقة، و أطلق فلم يقيد بجنب و لا بغيره- لعدم التفاوت المقتضي لخفاء الحكم بترك التفصيل، بخلاف الصوم لشدة الاختلاف بين الجنب و المستحاضة في وجوب الغسل له، فمن ثم أطلق في الأول، و فصل هاهنا.

و كان عليه أن يذكر حكم الحائض و النفساء، فإنه إذا انقطع دمهما قبل الفجر بمقدار الغسل، وجب تقديمه عليه للصوم الواجب كالجنب، و قد صرّح المصنف بهذا الحكم في أكثر كتبه «1»، و في بعض الأخبار ما يدل عليه «2».

قوله: (و كلّ ما قرب من الزوال كان أفضل).

(1) هذا يقتضي أفضليته آخر الأداء، و التقديم، و أول القضاء، و ما قرب من الأفضل فيليه في الفضل.

قوله: (و أوّل ليلة من رمضان.).

(2) ليلة نصف رمضان مولد الحسن و الجواد عليهما السلام، و ليلة سبع عشرة ليلة التقاء الجمعين ببدر، و ليلة تسع عشرة يكتب و فد الحاج، و ليلة إحدى و عشرين‌

______________________________
(1) تذكرة الفقهاء 1: 566، و المختلف: 220، و تحرير الأحكام 1: 78

(2) التهذيب 1: 393 حديث 1213.

74
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في أنواعها ؛ ج 1، ص : 68

نصف رجب و نصف شعبان، و يوم المبعث، (1) و الغدير، و المباهلة، و عرفة، و نيروز الفرس، و غسل الإحرام، و الطواف و زيارة النبي و الأئمة عليهم السلام، و تارك الكسوف عمدا مع استيعاب الاحتراق، (2) و المولود، (3)

______________________________
أصيب فيها أوصياء الأنبياء، و فيها رفع عيسى بن مريم و قبض موسى عليهما السلام، و ليلة ثلاث و عشرين ترجى فيها ليلة القدر، و يستحب فيها غسلان، أول الليل و آخره، و يستحب الغسل لجميع فرادى رمضان.

قوله: (و يوم المبعث.).

(1) يوم المبعث: هو السابع و العشرون من رجب، و يوم الغدير: الثامن عشر من ذي الحجة، و يوم المباهلة: الرابع و العشرون منه على الأشهر، و يوم عرفة: هو اليوم التاسع منه.

و أما نيروز الفرس فهو أول سنة الفرس، و فسر بحلول الشمس [ببرج] «1» الحمل، و بعاشر أيار، و بأول يوم من شهر فروردين القديم الفارسي.

قوله: (و تارك الكسوف عمدا مع استيعاب الاحتراق).

(2) لا فرق بين كسوف الشمس و القمر في ذلك، لدلالة الأخبار عليه «2».

قوله: (و المولود).

(3) أي: يستحب له الغسل، و وقته حين ولادته، و قيل بوجوب الغسل «3».

______________________________
(1) زيادة من النسخة الحجرية، و بها يستقيم الكلام.

(2) ورد في هامش النسخة المعتمدة ما لفظه: «عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل فكسل أن يصلي فليغتسل من غد و ليقض الصلاة، ان لم يستيقظ و لم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلّا القضاء بغير غسل. مد ظلّه».

و انظر من لا يحضره الفقيه 1: 44 حديث 172، و التهذيب 1: 114 حديث 302 و 3: 157 حديث 337.

(3) قاله ابن حمزة في الوسيلة: 43.

75
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في أنواعها ؛ ج 1، ص : 68

و للسعي إلى رؤية المصلوب بعد الثلاثة، (1) و التوبة عن فسق أو كفر، (2) و صلاة الحاجة و الاستخارة، (3) و دخول الحرم و المسجد الحرام و مكة و الكعبة و المدينة و مسجد النبي عليه السلام، و لا تداخل و ان انضم إليها واجب، (4) و لا يشترط

______________________________
قوله: (و للسعي إلى رؤية المصلوب بعد ثلاثة).

(1) المراد بعد ثلاثة أيام من صلبه، و قيل بوجوبه حينئذ «1»، و المستند ضعيف.

و لا فرق بين من صلب بحق أو ظلما، و بين من صلب على الهيئة المعتبرة شرعا و غيره، عملا بظاهر اللفظ، و التقييد بخلاف ذلك لا يعتد به.

قوله: (و التوبة عن فسق أو كفر).

(2) لا فرق في الفسق بين كونه عن صغيرة أو كبيرة، و عن المفيد رحمه اللَّه التقييد بالكبائر «2»، و الخبر يدفعه «3».

قوله: (و صلاة الحاجة و الاستخارة).

(3) ليس المراد أي صلاة اقترحها المكلف لأحد الأمرين، بل المراد بذلك ما نقله الأصحاب عن الأئمة عليهم السلام «4»، و له مظان فليطلب منها.

قوله: (و لا تداخل و إن انضم إليها واجب).

(4) الصواب في تداخل قراءتها بفتح الخاء، و ضم اللام مع تخفيف الدال على حذف تاء المضارعة، و ما أفتى به المصنف من عدم تداخلها عند الاجتماع، أي: عدم الاكتفاء بغسل واحد لأسباب متعددة- سواء عيّنها في النية أم لا، و سواء كان معها غسل واجب أم لا- هو القول المنصور، لعدم الدليل الدال على التداخل.

و ليست كالأغسال الواجبة، لأن المطلوب بها و هو الرفع أو الاستباحة أمر واحد، بخلاف المندوبة، و مع انضمام الواجب فعدم التداخل أظهر، لاختلاف الوجه‌

______________________________
(1) قاله أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 135

(2) المقنعة: 6.

(3) التهذيب 1: 116 حديث 304

(4) الكافي 3: 470 و 476، الفقيه 1: 350 و 355، التهذيب 1: 116، 117 حديث 305، 306 و ان شئت الاستزادة راجع الوسائل: 5 أبواب صلاة الاستخارة و باب 28 من أبواب بقية الصلاة المندوبة.

76
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في أنواعها ؛ ج 1، ص : 68

فيها الطهارة من الحدثين، و يقدّم ما للفعل (1) و ما للزمان فيه.

و التيمم يجب للصلاة و الطواف الواجبين، (2)

______________________________
بالوجوب و الندب، و هما متضادان.

و قيل: بالتداخل مطلقا، و قيل: مع انضمام الواجب «1»، استنادا الى بعض الأخبار التي لا تدل على ذلك صريحا «2»، مع معارضتها بأقوى منها.

و لم يذكر الأصحاب في الوضوء إذا اجتمع له أسباب، هل يكفي عنها وضوء واحد أم لا بد من التعدد؟ لكن يلوح من كلامهم، أن الوضوء الرافع للحدث كاف في مثل التلاوة، و دخول المساجد، و الكون على طهارة، و زيارة المقابر، و السعي في حاجة، و حيث يمتنع الرفع، كما في نوم الجنب، و جماع المحتلم و أمثالهما، مما شرع الوضوء فيه مع وجود المانع من الرفع فينبغي التعدد.

قوله: (و يقدم ما للفعل).

(1) ما يستحب للمكان من قبيل ما للفعل، لأنّه يستحب لدخوله، و يرد عليه: أن بعض ما يستحب للفعل من الغسل إنما يستحب بعد الفعل، و هو غسل تارك الكسوف بالقيدين، و غسل السعي إلى رؤية المصلوب، و غسل التوبة عن فسق أو كفر، و غسل قتل الوزغ.

و اعتذر شيخنا الشهيد عن ذلك، بأن اللام في قوله: (للفعل) لام الغاية، أي: يقدم ما غايته الفعل، و هذه المذكورات أسباب لاستحباب الغسل، لا غايات «3».

و هو دفع بمحض العناية، فإن اللام للتعليل مطلقا، و إرادة الغاية منه تحتاج إلى قرينة، و مع صحّة إرادة ذلك فأيّ شي‌ء في العبارة يدل على تعيين ما غايته الفعل، و تمييزه عن غيره.

قوله: (و التيمم يجب للصلاة و الطواف الواجبين.).

(2) الحصر لوجوب التيمم فيما ذكره،

______________________________
(1) قاله الشيخ الطوسي في المبسوط 1: 40، و الخلاف 1: 36 مسألة 189 كتاب الطهارة

(2) الكافي 3: 41 حديث 1، التهذيب 1: 107 حديث 279

(3) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 1: 25 و لم نقف عليها في كتبه المتوفرة لدينا.

77
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في أنواعها ؛ ج 1، ص : 68

و لخروج المجنب في المسجدين. (1)

______________________________
المستفاد من السياق، و من قوله: (و المندوب ما عداه) ينافيه الاعتراف بوقوع التيمم بدلا من كل من الطهارتين، و أنه يستباح به ما يستباح بهما، و هكذا صنع في كتبه
«1»، و ليس بجيد.

و قد عدل شيخنا الشهيد في كتبه إلى أن التيمم يجب لما تجب له الطهارتان، و ينفرد بخروج الجنب و شبهه من المسجدين «2»، و هو الصواب، لأنه إن كان بدلا من الوضوء فغاية الوضوء غاية له، و ان كان بدلا من الغسل فكذلك، حتى في صوم الجنب، و شبهه على الأصح، تمسكا باستصحاب المنع من الصوم إلى أن يتحقق المزيل.

و بعد التيمم يتحقق الاذن فيه اتفاقا فيتعين، و تجب استدامته إلى طلوع الفجر، إلا أن يعرض ما لا يمكن دفعه من نوم فلا حرج.

قوله: (و لخروج المجنب من المسجدين).

(1) ظاهر العبارة، أن المراد به: من أجنب في أحد المسجدين، و هو قريب من مورد الخبر «3»، فان مورده المحتلم في أحدهما، و إلحاق من عرض له الجنابة فيه بسبب آخر- كما هو ظاهر العبارة- و من أجنب خارجا، و دخل إلى أحد المسجدين عامدا، أو ناسيا، أو جاهلا، لعدم تعقل الفرق بين من ذكر و بين المحتلم، رجوع الى ظن لا يفيده النص.

إذ عرفت ذلك، فاعلم: أن مورد الخبر التيمم للخروج، فلو أمكن الغسل فهل يقدم؟

يحتمل ذلك، لعدم شرعية التيمم مع التمكن من مبدله، و خصوصا مع مساواة زمانه لزمان التيمم، أو قصوره عنه، و الأصح العدم وقوفا مع ظاهر النص، و لعدم العلم بإرادة حقيقة الطهارة، و لأن الخروج واجب، و لو جاز الغسل لم يجب.

و الظاهر: أن هذا التيمم لا يبيح و إن صادف فقد الماء، و الا لم يجب‌

______________________________
(1) المنتهى 1: 154، و التحرير 1: 22

(2) الذكرى: 25، و الدروس: 20، و البيان: 34، و اللمعة: 26

(3) الكافي 3: 73 حديث 14، التهذيب 1: 407، حديث 1280

78
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في أنواعها ؛ ج 1، ص : 68

و المندوب ما عداه، (1) و قد تجب الثلاثة باليمين و النذر و العهد. (2)

______________________________
الخروج عقيبه بغير فصل متحريا أقرب الطرق، و التالي باطل، فعلى هذا لا ينوي فيه البدلية.

و لم يذكر المصنف وجوب التيمم على الحائض، و الأصح إلحاقها بالجنب في ذلك، لرواية أبي حمزة الثمالي عن الباقر عليه السلام «1». و الظاهر: مساواة النفساء لها، لأنها حائض في المعنى، دون المستحاضة الكثيرة الدم لعدم النص.

قوله: (و المندوب ما عداه).

(1) قد ذكر استحباب التيمم في مواضع مخصوصة كالتيمم للنوم، و لصلاة الجنازة و لو مع وجود الماء، و لا كلام في استحبابه في تلك المواضع، لكن هل يستحب في كل موضع يستحب فيه الوضوء و الغسل؟ لا إشكال في استحبابه إذا كان المبدل رافعا أو مبيحا، إنما الإشكال فيما سوى ذلك.

و الحق أن ما ورد النص به، أو ذكره من يوثق به من الأصحاب، كالتيمم بدلا من وضوء الحائض للذكر يصار اليه، و ما عداه فعلى المنع، الا أن يثبت بدليل.

قوله: (و قد تجب الثلاثة باليمين و النذر و العهد).

(2) لما كان الأكثر وجوب الطهارات بأصل الشرع، صدّر ب‍ (قد) الدالة على التقليل إذا دخلت على المضارع غالبا في الوجوب، بأحد الأسباب الصادرة من المكلف.

و لا ريب انه يراعى في صحة تعلق الثلاثة بالثلاثة شرعيتها، فلا ينعقد اليمين و أخواه على الوضوء إلا إذا كان مشروعا.

و إطلاق بعضهم انعقاد اليمين عليه و أخويه «2» فاسد، إذ لا ينعقد اليمين على الوضوء مع غسل الجنابة، نعم شرعية الوضوء غالبة، و القول في الغسل كذلك، فلا ينعقد اليمين على مجرّد الغسل الذي لم تثبت شرعيته، كغسل في غير وقته.

______________________________
(1) الكافي 3: 73 حديث 14

(2) أطلق ذلك الشهيد الأول في الألفية: 26.

79
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في أنواعها ؛ ج 1، ص : 68

..........

______________________________
و ما قيل من ابتنائه على الانعقاد، لو تعلق بمباح متساوي الطرفين فاسد، لأن العبادة لا تتصور فيها الإباحة بهذا المعنى، لأنها قربة، فلا بد فيها من الرجحان، و من هذا يعلم حكم التيمم.

و قد تجب الطهارة بالتحمل عن الغير، إما لها بأن يستأجر عن ميت لوضوء نذره و أخل به، أو لما هي شرط فيه، و هو ظاهر.

80
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في أسبابها ؛ ج 1، ص : 81

[الفصل الثاني: في أسبابها]

الفصل الثاني: في أسبابها يجب الوضوء بخروج البول، و الغائط، و الريح من المعتاد و غيره مع اعتياده، (1)

______________________________
قوله: (الفصل الثاني: في أسبابها، يجب الوضوء بخروج البول، و الغائط، و الريح من المعتاد، و غيره مع اعتياده).

(1) اعلم أن السبب في عرف الأصوليين هو الوصف الوجودي الظاهر المنضبط، الذي دل الدليل الشرعي على أنه معرّف لحكم شرعي، و هو أحد متعلقات خطاب الوضع.

و قول المصنف: (في أسبابها).

(2) أراد بها: الأمور التي يترتب عليها فعل الطهارة في الجملة، أعمّ من أن تكون واجبة أو مندوبة، إذ لا تجب إلا بوجوب شي‌ء من الغايات السابقة، إلّا غسل الجنابة عند المصنف و جماعة «1».

و ربما هذه موجبات، نظرا إلى ترتب الوجوب عليها مع وجوب الغاية، و تسمى نواقض أيضا، باعتبار طروء شي‌ء منها على الطهارة غالبا، و إنّما قيد به لأن دائم الحدث لا ينقض حدثه الدائم إلا على بعض الوجوه، و الأول أعمّ مطلقا، و بين الأخيرين عموم من وجه.

و قوله: (من المعتاد).

(3) أراد بالمعتاد هاهنا: الذي اعتيد خلق مثله مصرفا للفضلة المعلومة، و هو المخرج الطبيعي، و أراد بالاعتياد في قوله: (مع اعتياده) تكرر خروج الفضلة مرّة بعد أخرى، لأنه حينئذ يصير مخرجا عرفا، فيتناول إطلاقات النصوص الواردة بالنقض بالخارج من السبيلين، ما يخرج منه «2».

______________________________
(1) منهم والد العلامة كما في المختلف: 29، و ابن حمزة في الوسيلة: 42.

(2) الكافي: 3: 35 و 36، الاستبصار 1: 86 و للمزيد راجع الوسائل 1: 177 الباب الثاني من نواقض الوضوء.

81
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في أسبابها ؛ ج 1، ص : 81

و النوم المبطل للحاستين مطلقا، (1) و كلّما أزال العقل،

______________________________
و إطلاق الشيخ النقض بالخارج مما تحت المعدة دون غيره
«1» ضعيف، و اعتبر بعضهم في صيرورته معتادا خروج الخارج منه مرتين متواليتين عادة، فيثبت النقض في الثالثة.

و في صيرورته بذلك مخرجا عرفا نظر، و لو اعتبر فيه صدق الاسم عليه عرفا، من غير تعيين عدد لكان وجها، لأن الحقيقة الشرعية إذا تعذرت، أو لم توجد صير إلى العرفية.

و ليس هذا كعادة الحيض، للإجماع على عدم اشتراط ما زاد على المرتين فيه، مع أنه مبني على التغليب، فلو خرج أحد الثلاثة من غير الطبيعي قبل اعتياده فلا نقض، و منه كل من قبلي المشكل، و هذا إنما هو إذا لم ينسد الطبيعي، فإذا انسد نقض الخارج من غيره، بأول مرّة، كما ذكره المصنف في المنتهى، و حكى فيه الإجماع «2».

و ينبغي أن يعلم أن الجار في قوله: (من المعتاد)، متعلق بخروج المعتبر في كل من الثلاثة، فلا نقض بخروج الريح من ذكر الرجل، و لا من قبل المرأة، إلا مع الاعتياد- على الأصح- في قبل المرأة.

و ينبغي أن يراد بالخروج: المتعارف، و هو خروج الخارج بنفسه منفصلا عن حد الباطن، فلو خرجت المقعدة ملوَّثة ثم عادت فلا نقض على الأصح.

قوله: (و النوم المبطل للحاستين مطلقا).

(1) أراد بالحاستين: السمع و البصر، و إنما خصّهما لأنهما أعم الحواس الخمس إدراكا، فإنّ بطلان الإدراك بهما غالبا يستلزم بطلان الإدراك بغيرهما، دون العكس، و في النصوص ما يصلح وجها لهذا التخصيص «3».

______________________________
(1) المبسوط 1: 27، الخلاف 1: 12 مسألة 58.

(2) منتهى المطلب 1: 31.

(3) علل الشرائع: 257، عيون أخبار الرضا 2: 104

82
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في أسبابها ؛ ج 1، ص : 81

و الاستحاضة القليلة، (1)

______________________________
و تعبيره ب‍ (المبطل)، أولى من تعبير غيره بالغالب
«1»، لأنه أصرح في نفي النقض عن السنة، و هي مبادئ النوم.

و أراد بقوله (مطلقا): تعميم النقض في جميع الحالات، سواء كان النائم قاعدا، أو منفرجا، أو قائما، أو راكعا، لأن قوله عليه السلام: «فمن نام فليتوضأ» «2» للعموم، و تخصيص ابن بابويه الحكم بالمنفرج «3» ضعيف.

و لو شك هل خفي عليه الصوت أم لا؟ و أن ما خطر له منام، أم حديث النفس؟ بنى على استصحاب الطهارة، و لو كان فاقد الحاسة قدّر وجودها، و عمل بما يغلب على ظنّه.

قوله: (و الاستحاضة القليلة).

(1) أورد على العبارة شيخنا الشهيد قسمي المتوسطة في غير الصبح، فإنّهما يوجبان الوضوء خاصة «4»، فكان عليه أن يذكرهما، ليكون كلامه حاصرا لأسباب الوضوء، كما صنع شيخنا في كتبه.

و يمكن دفع الإيراد، بأن المتوسطة من أسباب الغسل، لأنها سبب له بالنسبة إلى الصبح، أو يقال: إذا انقطع دمها للبرء في وقت الظهرين، أو العشاءين وجب الغسل إذا كان في وقت الصبح يوجبه، فالمتوسطة من أسباب الغسل، و إن تخلف الحكم لعارض.

و كل هذا لا يشفي، لأن غايته أن يكون من أسباب الوضوء وحده تارة، و من أسباب الغسل أخرى، فلا بد من ضمّ كلّ إلى بابه، ليكون المذكور حاصرا لأسباب كل منهما.

______________________________
(1) منهم: الشيخ المفيد في المقنعة: 3، و الشيخ في المبسوط 1: 26، و المحقق في الشرائع 1: 17، و ابن حمزة في الوسيلة: 42، و الشهيد في البيان: 5 و فيه: (المزيل للحواس)، و غيرهم.

(2) سنن ابن ماجة 1: 161 باب 62 حديث 477، سنن أبي داود 1: 52 حديث 203 مسند أحمد بن حنبل 1: 111، السنن الكبرى للبيهقي 1: 118.

(3) المقنع: 7.

(4) الذكرى: 25، الدروس: 7، البيان: 5، اللمعة: 21.

83
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في أسبابها ؛ ج 1، ص : 81

و المستصحب للنواقض كالدود المتلطخ ناقض أمّا غيره فلا، (1) و لا يجب بغيرها كالمذي (2) و القي‌ء و غيرهما.

و يجب الغسل بالجنابة، و الحيض، و الاستحاضة مع غمس القطنة، (3) و النفاس،

______________________________
قوله: (و المستصحب للنواقض كالدود المتلطخ ناقض، أما غيره فلا).

(1) في هذه العبارة مناقشة ما، لأن المستصحب للنواقض ليس النقض مستندا اليه، بل إلى ما صاحبه، و كأنه ارتكب في ذلك ضربا من التجوّز لعدم اللبس، و الضمير في قوله: (أما غيره) يعود الى المستصحب لأنه المحدث عنه، أو الى الدود لقربه.

قوله: (و لا يجب بغيرها كالمذي).

(2) أراد بذلك الرد على من يقول بانتقاض الوضوء بغير هذه الأسباب، من أصحابنا «1» و من العامة «2».

و ما ورد في أخبارنا من وجوب الوضوء بغير ما ذكر، مما لا يقول به الأصحاب، أمّا لضعف الحديث، أو لشذوذه «3».

و المذي بالذال المعجمة: ماء رقيق أصفر، يخرج عقيب شهوة الجماع و الملاعبة غالبا.

و المذهب انه ليس بناقض، و انه طاهر، و قول ابن الجنيد بنقضه عقيب الشهوة ضعيف «4»، كما ضعف قول أبي حنيفة بالنقض بالقي‌ء إذا ملأ الفم «5».

قوله: (و الاستحاضة مع غمس القطنة).

(3) لم يورد عليه شيخنا هاهنا وجوب التقييد في المتوسطة بوقت الصبح، مع أنه وارد‌

______________________________
(1) نسب في المختلف: 18 هذا القول لابن الجنيد.

(2) ذهب الى ذلك أبو حنيفة كما في اللباب في شرح الكتاب 1: 17، و الشافعي في الأم 1: 17.

(3) انظر: ما رواه الشيخ الطوسي في التهذيب 1: 11، 12، 13، 22، 45 حديث 19، 23، 29، 56، 127، و الاستبصار 1: 82، 85، 86، 88 حديث 257، 268، 273، 280، 284.

(4) المختلف: 18.

(5) المبسوط للسرخسي 1: 75، و شرح فتح القدير 1: 34، و بداية المجتهد 1: 34، و المحلى 1: 257

84
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في أسبابها ؛ ج 1، ص : 81

و مسّ الميت من الناس بعد برده قبل الغسل، أو ذات عظم منه و ان أبينت من حي (1)

______________________________
عليه، لما عرفت من أنها في غير الصبح من أسباب الوضوء خاصّة، و ليس له أن يقول:

أراد أنّها من أسباب الغسل في الجملة، لأن الظاهر أن المراد في جميع الأسباب، أنها أسباب متى حصلت.

و اعلم أن قوله: (و يجب الغسل بالجنابة و الحيض) يحتاج إلى فضل تكلف، لأن الحيض هو الدم، و المراد بإيجاب الغسل به إيجابه بخروجه، إذ لا معنى للإيجاب به نفسه، لما عرفت من أن السبب هو الوصف.

و الجنابة: هي الحالة التي تحصل بالإنزال أو بالجماع، فهي غنية عن تقدير شي‌ء، و لو قدرت معها الخروج الذي لا بد من تقديره مع الحيض فسد المعنى، فحينئذ يجب أن تكون العبارة هكذا، يجب الغسل بالجنابة، و بخروج الحيض، و أخويه، إلى آخره.

قوله: (و مس الميت من الناس بعد برده قبل الغسل، أو ذات عظم منه و إن أبينت من حي).

(1) قيّد الميت بكونه من الناس، لأن ميتة غير الآدمي لا يجب بمسها غسل، و قيد المس بكونه بعد برد الميت بالموت، إذ لو مسه حارّا لم يجب الغسل، لأن الحرارة من توابع الحياة و للنص «1».

و قيده أيضا بكونه قبل الغسل، كما دلّت الأخبار عليه، في نحو خبر عبد اللَّه بن سنان، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «إذا مسّه و قبّله و قد برد، فعليه الغسل، و لا بأس أن يمسه بعد الغسل و يقبّله» «2».

و المراد بالغسل: الغسل المعهود، و هو المعتبر في حال الاختيار، لأنه المتبادر الى الفهم، و لأنه المطلوب شرعا، و سقوط الطلب عن بعضه لتعذره لا يقتضي عدم اعتباره في مسمى الغسل، و من ثم لو غسّل للضرورة بغير خليط، أو يمّم عن بعض الغسلات، و أمكن الغسل المعتبر‌

______________________________
(1) الكافي 3: 160 حديث 1، 2، التهذيب 1: 438 و 439 حديث 1364، 1366

(2) الكافي 3: 160 حديث 3، التهذيب 1: 108 حديث 284، الاستبصار 1: 99 حديث 222

85
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في أسبابها ؛ ج 1، ص : 81

و غسل الأموات، (1) و لا يجب بغيرها.

و يكفي غسل الجنابة عن غيره منها لو جامعه دون العكس، (2)

______________________________
قبل الدفن، كان المتجه وجوب الإعادة، و لأن استصحاب ما كان قبل غسل الضرورة الى أن يحصل الناقل يقتضي ذلك.

فعلى هذا يندرج فيه: من لم يغسل أصلا بعد البرد، و من غسل فاسدا، و منه:

تغسيل الكافر عند فقد المسلم إن قلنا به، و من سبق موته قتله و قد اغتسل، أو قتل بغير السبب الذي اغتسل له، و من فقد في غسله أحد الخليطين، و الميمم و لو عن بعض الغسلات، و الكافر و إن فعل به صورة الغسل.

و يخرج عنه من لم يبرد بالموت، و من غسّل صحيحا، و ان تقدم الغسل إذا قتل بالسبب الذي اغتسل له، و الشهيد، و المعصوم.

و في عضو كمل الغسل بالنسبة إليه قولان، و سيأتي تحقيقه إن شاء اللَّه تعالى.

و حكم القطعة ذات العظم حكم الميت في ذلك، سواء أبينت من حيّ أو ميّت، و في العظم المجرد قول بالمساواة لا بأس به.

فعلى هذا كل من يجب تغسيله يجب بمسّه الغسل، و من لا فلا.

و في قوله: (أو ذات عظم منه، و إن أبينت من حيّ) مناقشة، لأن الضمير المجرور يعود الى الميت، فعطف المبانة من حي ب‍ (أن) الوصلية حينئذ لا يستقيم.

قوله: (و غسل الأموات).

(1) هو مبتدأ محذوف الخبر، أي: واجب، و إنما غيّر الأسلوب في العبارة لأن غسل الأموات ليس على نهج الأغسال السابقة، و لا يخفى أن المراد الميت المسلم و من بحكمه.

قوله: (و يكفي غسل الجنابة عن غيره منها لو جامعه دون العكس).

(2) الضمير في قوله: (منها) يرجع الى الأغسال، و المستتر في قوله: (لو جامعه) يرجع الى غسل الجنابة، و الآخر يعود الى الغير،. و معناه: انه إذا اجتمع على المكلف غسلان فصاعدا من هذه الأغسال- أحدهما غسل الجنابة- فإذا اغتسل غسل الجنابة كفى عن ذلك الغير و ارتفع الحدث، دون العكس، فلو اغتسل عن ذلك الغير و لم يتوضأ، فقد جزم المصنف بأنه لا يكفي عن الجنابة، و يبقى على الحدث، و قيل: بأنه‌

86
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في أسبابها ؛ ج 1، ص : 81

..........

______________________________
يجزئ عن غسل الجنابة كما يجزئ غسل الجنابة عنه من غير احتياج إلى الوضوء.

أما وجه الفرض الأول مضافا الى الإجماع، فهو أنّ الحدث- الذي هو عبارة عن النجاسة الحكمية- متحد- كما سننبه عليه- و إن تعددت أسبابه، فإذا نوى ارتفاعه بالسبب الأقوى ارتفع بالإضافة إلى غيره، و سيأتي- في دلائل الفرض الثاني- من الأخبار ما يصلح دليلا لهذا.

و أما وجه القول الأول من الفرض الثاني- و هو الذي جزم به المصنف- فهو:

أن غسل الجنابة أكمل من غيره من الأغسال، لأنه في قوّة طهارتين، و غيره طهارة واحدة و أقوى، لأنه يرفع الحدثين الأكبر و الأصغر، و غيره إنما يرفع حدثا واحدا، و الأضعف لا يقوم مقام الأقوى، و لا يجزئ عنه للأصل.

و يدل على القول الثاني وجوه:

(أ): ان الأحداث التي هي أسباب الطهارة، و إن تعددت، فان مسببها- و هو النجاسة الحكمية، التي هي المانع من الأشياء المخصوصة، و يعبر عنها بالحدث أيضا- متحد، و هي مشتركة في الدلالة عليه، فإذا نوى المكلف الغسل لرفع الحدث، مضافا الى واحد من الأسباب عند تعددها، فقد نوى رفع ذلك المشترك فيجب ارتفاعه، لأن «لكل امرئ ما نوى» «1» فيزول المانع المضاف الى جميعها.

بيان اتحاد المانع أنه لو تعدد لوجب لرفع كلّ واحد من أفراده غسل، و التالي باطل، فالمقدم مثله.

بيان الملازمة: أن الأسباب المتعددة إذا اجتمعت فالأصل عدم تداخل مسبباتها، و من ثم لم تتعدد الطهارة الصغرى بتعدد أسبابها. و في بيان الملازمة نظر.

(ب): انه لو لم يكتف بغسل الحيض عن الجنابة مثلا عند اجتماعهما، لم يكن لوجوب غسل الحيض فائدة أصلا، و كان وجوده كعدمه، و التالي ظاهر البطلان، فالمقدم مثله.

بيان الملازمة: أن وجوب الغسلين معا، إما أن يكون بمعنى تحتّمهما معا، أو‌

______________________________
(1) صحيح البخاري 1: 2، و سنن ابي داود 2: 262 حديث 2201.

87
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في أسبابها ؛ ج 1، ص : 81

..........

______________________________
التخيير بينهما على أن يجزئ كل منهما عن الآخر في التعبد به، أو بمعنى إجزاء أحدهما عن الآخر خاصة، دون العكس، و الأول معلوم البطلان، و الفرض بطلان الثاني، فتعيّن الثالث، و حينئذ فلا يكون لوجوب ذلك الآخر فائدة، لأنه لو أتى به لم يكن مجزئا، و لو أتى بغيره أجزأ عنه، و ذلك يقتضي أن لا يكون لوجوبه فائدة، و أن يكون وجوده كعدمه.

و يمكن أن يساق الدليل على وجه أوضح من هذا، بأن يقال: لو لم يجزئ غسل الحيض عن الجنابة عند وجوبهما امتنع وجوبه، و التالي واضح البطلان.

بيان الملازمة: أن وجوب الفعل يقتضي القطع بترتب الإجزاء على الإتيان به مشتملا على جميع وجوه الوجوب، و سقوط الطلب عن المكلف، و غسل الحيض على ذلك التقدير لا يترتب على فعله الإجزاء، و لا سقوط الطلب و الخروج عن عهدة التكليف، و إنّما يترتب الإجزاء على فعل الغسل المقارن له- و هو الجنابة- و وجوده كعدمه، فيكون التكليف به تكليفا بما لا يجزئ، و هو محال، فيمتنع.

أو يقال: وجوب غسل الحيض- على تقدير عدم اجزائه عن الجنابة- ليس واحدا من أقسام الوجوب، فيجب انتفاؤه.

بيان الملازمة: أن الوجوب ينقسم باعتبار الفعل إلى الحتمي، و المرتب، و المخير، و وجوب غسل الحيض في الفرض المذكور على تقدير عدم الاجزاء عن الجنابة ليس واحدا منها، فينتفي وجوبه، و إذا انتفى وجوبه- على تقدير عدم الاجزاء عن الجنابة- وجب بحكم العكس أن يجزئ عنه، على تقدير الوجوب.

(ج): النص، فمنه رواية حريز عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا حاضت المرأة و هي جنب أجزأها غسل واحد» «1» فإن أريد إجزاء كل منهما عن الآخر فهو المدعى، و إلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، و هو محال.

و منه حسنة زرارة، عن أحدهما عليهما السلام أنه قال في حديث طويل: «المرأة يجزئها غسل واحد لجنابتها، و إحرامها، و جمعتها، و غسلها من حيضها، و عيدها» «2»

______________________________
(1) التهذيب 1: 395 حديث 1225، الاستبصار 1: 146 حديث 502

(2) الكافي 3: 41 باب 27 حديث 1، التهذيب 1: 107 حديث 269

88
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في أسبابها ؛ ج 1، ص : 81

فان انضمّ الوضوء فإشكال، (1) و نيّة الاستباحة أقوى إشكالا. (2)

______________________________
و تقريبه ما تقدم.

و عليه إشكال: فإن الاكتفاء بغسل واحد، بحيث يكفي عن الأغسال المندوبة إن كان مع اشتماله على نيّتها يلزم وقوع غسل واحد على وجهين متنافيين، و إلّا لزم وقوع عمل بغير نية، مع لزوم استعمال الإجزاء في حقيقته و مجازه، إذ هو حقيقة في الخروج عن عهدة الواجب، فيمكن أن يراد بالواحد: الواحد في النوع، مع أنه بعيد، و لا ريب أن القول بالإجزاء قوي، و هو مختار صاحب المعتبر «1»، و شيخنا الشهيد «2»، و الأول أحوط.

قوله: (فان انضم الوضوء فإشكال).

(1) بناء على ما اختاره المصنف من الجزم بعدم إجزاء العكس تردد في الإجزاء على تقدير انضمام الوضوء إلى غير غسل الجنابة.

و منشأ الاشكال من أن غير الجنابة مع الوضوء يكافئ غسل الجنابة، لثبوت إباحة الصلاة و نحوها بكل واحد منهما عند الانفراد، و كل من المتكافئين يقوم مقام الآخر فيجزي عنه، و من أن الغسل وحده لا يجزئ عن الجنابة لضعفه و قصوره، و الوضوء لا مدخل له في رفع حدث الجنابة، فيبقى الحدث بحاله.

و لا شبهة في ضعف الوجه الأول، لأن جزء السبب لا بد أن يكون صالحا للتأثير، و ليس للوضوء مدخل في رفع حدث الجنابة أصلا، بل وجوده كعدمه، و جزء السبب لا يكون سببا برأسه.

قوله: (و نية الاستباحة أقوى إشكالا).

(2) المراد: أن عدم الإجزاء بالنسبة إليها أقوى إشكالا، فيكون الإجزاء أقوى، كما يدل عليه سوق العبارة، حيث انتقل مما لا يجزئ عنده جزما الى ما في إجزائه إشكال، استوى طرفاه، و مقتضاه الانتقال الى ما يكون جانب الاجزاء فيه أقوى.

و منشأ الاشكال: من أن غسله صالح لكل من الأضعف و الأقوى، و الرفع إنما‌

______________________________
(1) المعتبر 1: 361

(2) الذكرى: 25

89
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في أسبابها ؛ ج 1، ص : 81

و يجب التيمّم بجميع أسباب الوضوء و الغسل، (1) و كلّ أسباب الغسل أسباب الوضوء إلّا الجنابة فإن غسلها كاف عنه، و غسل الأموات كاف عن فرضه. (2)

______________________________
يتحقق بانصرافه إلى الأقوى، و انصرافه اليه ترجيح من غير مرجح، و من عموم قوله عليه السّلام: «إنما لكل امرئ ما نوى»
«1» و قد نوى بالاستباحة زوال المانع، فيجب أن يحصل له، و إنما يتحقق برفع حدث الجنابة فيرتفع، و قوّة هذا الوجه ظاهرة.

و لو نوى رفع الحدث و أطلق فكالاستباحة، و هذا كله بناء على أن العكس لا يجزئ.

قوله: (و يجب التيمم بجميع «2» أسباب الوضوء و الغسل).

(1) أما وجوب التيمم بدلا من الغسل بجميع أسبابه فظاهر، لان المتيمم بدلا من الغسل لو أحدث حدثا أصغر وجب عليه التيمم بدلا من الغسل لا من الوضوء على الأصح، كما سيجي‌ء بيانه، و أما التيمم بدلا من الوضوء فإنما يجب بأسباب الوضوء.

و لا ريب أن المتيمم لو وجد الماء و تمكن من استعماله في الطهارة انتقض تيممه، فإذا فقد وجب التيمم، فيكون التمكن من استعمال الماء سببا ناقضا لوجوب التيمم.

قوله: (و كل أسباب الغسل أسباب الوضوء إلا الجنابة، فإن غسلها كاف عنه، و غسل الأموات كاف عن فرضه).

(2) لما كان غسل الجنابة لا يجامعه الوضوء لا فرضا و لا نفلا كان ضميمته إليه بدعة، و اكتفي بالغسل في استباحة الصلاة، فمن ثم كان غسل الجنابة كافيا عن الوضوء، لأنه يفيد فائدته، فيكون حدث الجنابة بعد الوضوء ناقضا للوضوء، غير موجب له.

و انما قلنا: ان الوضوء لا يجامعه مطلقا، لرواية عبد اللَّه بن سليمان قال: سمعت‌

______________________________
(1) صحيح البخاري 1: 2، و سنن ابي داود 2: 262 حديث 2201.

(2) ورد في هامش النسخة المعتمدة ما لفظه: «يجب أن يكون الحكم على طبيعة التيمم لا على كل فرد فرد، لان كل فرد فرد لا يجب بجميع موجبات الوضوء و الغسل «منه مد ظله».

90
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في أسبابها ؛ ج 1، ص : 81

..........

______________________________
أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «الوضوء بعد الغسل بدعة»
«1» و مرسلة [محمد بن] أحمد ابن يحيى: «الوضوء قبل الغسل و بعده بدعة» «2».

و المراد: غسل الجنابة، لرواية محمد بن مسلم، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إن أهل الكوفة يروون عن علي عليه السلام أنه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة، قال: «كذبوا على عليّ عليه السلام» «3» الحديث، و لا شك أن إطلاق الروايتين الأوليين يقتضي كون الوضوء بدعة، سواء كان واجبا أو مندوبا.

و نزّلهما الشيخ في التهذيب «4» على الوضوء واجبا، و أفتى باستحباب الوضوء مع الغسل، محتجا برواية أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر عليه السلام، و قد سأله:

كيف أصنع إذا أجنبت؟ فقال: «اغسل كفك و فرجك، و توضأ» «5» الحديث.

و جوابه: أن تنزيل هذه على التقية، و اجراء الروايتين على ظاهرهما أولى، لأن ظاهرهما وجوب الوضوء، و هو موافق لمذهب العامة «6».

و الذي عليه الأصحاب نفي استحباب الوضوء، قال المصنف في المنتهى «7»: لا يستحب الوضوء عندنا فيه، خلافا للشيخ في التهذيب «8» و عبارة الكتاب تنفيه أيضا، حيث نفى الوضوء مع غسل الجنابة، و نفى فرضه مع غسل الأموات، فظهر من تقييده في الثاني إرادة الإطلاق في الأول.

و أمّا غسل الأموات فإنما يكفي عن فرض الوضوء، أي لا يجامعه الوضوء واجبا، كما هو مذهب أكثر الأصحاب «9»، و هو الأصح لقول الصادق عليه السلام في‌

______________________________
(1) الكافي 3: 45 حديث 12، التهذيب 1: 140 حديث 395.

(2) التهذيب 1: 140 حديث 394، الاستبصار 1: 126 حديث 430

(3) التهذيب 1: 142 حديث 400، الاستبصار 1: 125- 126 حديث 426

(4) التهذيب 1: 140 ذيل حديث 393، و كذا الاستبصار 1: 126 ذيل حديث 429

(5) التهذيب 1: 140 حديث 393، الاستبصار 1: 126 ذيل حديث 429

(6) انظر: الام 1: 42، و المجموع 2: 186، و عمدة القارئ 3: 191، و مغني المحتاج 1: 76.

(7) المنتهى 1: 90.

(8) التهذيب 1: 302 حديث 878، الاستبصار 1: 206- 207 حديث 726

(9) كالشيخ الطوسي في الخلاف 1: 161 مسألة 7 كتاب الجنائز، و ابن إدريس في السرائر: 31

91
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في أسبابها ؛ ج 1، ص : 81

..........

______________________________
عدة أخبار: «يوضأ وضوء الصلاة»
«1» و هو منزل على الاستحباب لأصالة البراءة من الوجوب، و لأن الجملة الخبرية غير صريحة في الوجوب، مع أن أكثر الأصحاب على نفي الوجوب.

و قيل بالوجوب لظاهر قوله عليه السلام: «في كلّ غسل وضوء، إلا الجنابة» «2» و نقل سلار عن شيخه: أنه لا يرى وضوءه «3»، و العمل على الاستحباب.

______________________________
(1) التهذيب 1: 302 حديث 878 و 879، و الاستبصار 1: 206- 207 حديث 726- 727.

(2) الكافي 3: 45 حديث 13، التهذيب 1: 139 حديث 391، الاستبصار 1: 126 حديث 428 و في المصادر كلها «كل غسل قبله وضوء إلا الجنابة».

(3) المراسم: 48.

92
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في آداب الخلوة و كيفية الاستنجاء ؛ ج 1، ص : 93

[الفصل الثالث: في آداب الخلوة و كيفية الاستنجاء]

الفصل الثالث: في آداب الخلوة و كيفية الاستنجاء يجب في البول غسله بالماء خاصة أقلّه مثلاه، (1)

______________________________
قوله: (أقله مثلاه).

(1) هذا هو المشهور بين الأصحاب، و به رواية نشيط بن صالح، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: سألته كم يجزئ من الماء في الاستنجاء من البول؟ قال: «مثلا ما على الحشفة من البلل» «1» و لا يضرّ قدح المصنف فيها- بأن في طريقها مروك بن عبيد، و ليس بمعلوم حاله- لاشتهار مضمونها بين الأصحاب.

و الظاهر أن المراد وجوب غسل مخرج البول مرتين، و التعبير بالمثلين لبيان أقل ما يجزئ، و قد وردت عدّة أخبار بوجوب غسل البول مرتين «2»، فهي مؤيّدة لهذه الرواية. و أنكر بعض الأصحاب وجوب المثلين، و اكتفى بالغسل مرّة، سواء كان مثلين أو أقل «3»، استضعافا للرواية، و شيخنا في البيان قال: ان الاختلاف في مجرّد العبارة «4»، و ليس بجيد.

و في الذكرى اعتبر الفصل بين المثلين «5»، و الظاهر أنه أراد به تحقق الغسلتين، فهو اعتراف بأن الخلاف معنوي، و في الدروس اعتبر الغسل بما يزيل العين و يرد بعد الزوال «6»، و هو كما في الذكرى، و العمل على المشهور.

______________________________
(1) التهذيب 1: 35 حديث 93، الاستبصار 1: 49 حديث 139.

(2) منها ما رواه في الكافي 3: 20 حديث 7، التهذيب 1: 249 حديث 714، السرائر: 473.

(3) منهم المرتضى في الانتصار: 16، و جمل العلم و العمل: 50، و أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 127، و الشيخ في الجمل و العقود: 157.

(4) البيان: 6

(5) الذكرى: 21

(6) الدروس: 2

93
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في آداب الخلوة و كيفية الاستنجاء ؛ ج 1، ص : 93

و في الغائط المتعدي كذلك حتى تزول العين و الأثر، (1)

______________________________
و ما اعتبره في الذكرى، من اشتراط تخلل الفصل بين المثلين، ليتحقق تعدد الغسل
«1» حق، لا لأن التعدد لا يتحقق إلّا بذلك، بل لأن التعدد المطلوب بالمثلين لا يوجد بدون ذلك، لأن ورود المثلين دفعة واحدة غسلة واحدة، و لو غسل بأكثر من المثلين بحيث تراخى أجزاء الغسل بعضها عن بعض في الزمان، لم يشترط الفصل قطعا.

إلّا أن هنا سؤالا، و هو أن الغسل إنما يتحقق إذا ورد الماء على محل النجاسة شاملا له، مع الغلبة و الجريان، و ذلك منتف مع كلّ واحد من المثلين، فان المماثل للبلل الذي على الحشفة كيف يكون غالبا عليه؟

و الذي سنح لي في الاعتذار عن هذا هو: أن الحشفة تتخلف عليها بعد خروج البول قطرة، فلعل المماثلة بين هذه و بين الماء المغسول به، و لا ريب أن القطرة يمكن إجراؤها على المخرج، و أغلبيّتها- على البلل الذي يكون على حواشي المخرج- طاهر.

و اعلم: أنه يجب على الأغلف في الاستنجاء من البول كشف البشرة، و تطهير محل النجاسة لأن ما تحتها من الظواهر، و لو ارتتقت أمكن القول بوجوب التوصل اليه بحسب الممكن، و قد صرّح المصنف في المنتهى «2» و شيخنا في الذكرى «3»، بإلحاقه بالبواطن، فيغسل ما ظهر، و للنظر فيه مجال.

و كذا يجب على الثيب أن تغسل ما يبدو من الفرج عند الجلوس على القدمين، و لو علمت وصول البول إلى مخرج الولد و الحيض غسلت ما ظهر منه وجوبا.

قوله: (حتى تزول العين و الأثر).

(1) المراد بالعين معلوم، و أما الأثر: فهو في الأصل رسم الشي‌ء و بقاياه، و المراد به هنا، هو ما يتخلف على المحل عند مسح النجاسة و تنشيفها، و ليس المراد به الرطوبة التي تتخلف بعد قلع جرم النجاسة لأن ذلك من العين، و انما وجب إزالة الأثر لأن الغسل يأتي عليه، بخلاف الاستجمار.

______________________________
(1) الذكرى: 21

(2) المنتهى 1: 43

(3) الذكرى: 21

94
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في آداب الخلوة و كيفية الاستنجاء ؛ ج 1، ص : 93

و لا عبرة بالرائحة. (1)

و غير المتعدّي يجزي ثلاثة أحجار و شبهها من خرق، و خشب، و جلد (2) مزيلة للعين، (3)

______________________________
قوله: (و لا عبرة بالرائحة).

(1) يدل على ذلك ما روي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام «1»، و اعترض على ذلك شيخنا، بأن وجود الرائحة يرفع أحد أوصاف الماء، و ذلك يقتضي النجاسة «2».

و أجاب مرّة بالعفو عن الرائحة للنص و الإجماع- و في الدلالة نظر- و اخرى بأن الرائحة إن كان محلّها الماء نجس لانفعاله، و ان كان محلها اليد أو المخرج فلا حرج، و هذا أجود، و عليه تنزّل الرواية و كلام الأصحاب، و لو شك فالعفو بحاله.

قوله: (و شبهها من خرق و خشب و جلد).

(2) ربما أفاد حصر الشبه فيما ذكره، نظرا الى أن (من) إمّا للتبيين أو للتبعيض، و كلاهما يعطي ذلك، فكان ينبغي أن تكون العبارة أشمل ممّا ذكره، كأن يقول:

من نحو خرق و خشب.

و اعلم: أنه لا فرق في الجلد بين أن يدبغ أم لا، كما يستفاد من إطلاق اللفظ.

و يحتمل أن يقال: ما لم يدبغ من قبيل المحترم لأنه مطعوم، فإن أكل الجلد مع اللحم شائع في السخال «3» و في غيرها في بعض البلدان كمصر، و هو بعيد، إذ ليس مقصودا بالأكل عادة.

قوله: (مزيلة للعين).

(3) احترز به عما يكون صقيلا جدا يزلق عن النجاسة، أو خشنا جدا لا يمكن الاعتماد عليه في قلعها، أو رخوا كذلك، و يستفاد من قوله: (مزيلة للعين) أن زوال‌

______________________________
(1) الكافي 3: 17 حديث 9، التهذيب 1: 28 حديث 75

(2) قال السيد العاملي في المفتاح 1: 44 (و قال الفاضل الكركي: لو شك في أن الرائحة في الماء أو غيره فالعفو بحاله، و نقل هو و صاحب المدارك و الدلائل عن الشهيد انه استشكل بأن وجود الرائحة ان كان محلها الماء نجس لانفعاله).

(3) جمع سخل، يقال لأولاد الغنم ساعة تضعه، من الضأن و المعز جميعا ذكرا كان أو أنثى، الصحاح (سخل) 5:

1728.

95
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في آداب الخلوة و كيفية الاستنجاء ؛ ج 1، ص : 93

و الماء أفضل، كما أنّ الجمع في المتعدي أفضل. (1) و يجزئ ذو الجهات الثلاث، (2)

______________________________
الأثر في الأحجار غير لازم لتعذره، فيعفى عنه، حتى لو عرض للمحل بلل بعد ذلك كان طاهرا.

قوله: (و الماء أفضل، كما أن الجمع في المتعدي أفضل).

(1) إن قيل: الماء أحد الواجبين تخييرا فكيف يكون أفضل؟ قلنا: الوجوب التخييري لا ينافي الاستحباب العيني، لأن متعلق الوجوب في المخيّر ليس عين واحد من الافراد، بل الأمر الكلي- كما حقق في الأصول «1»- فتعلق الاستحباب و الأفضلية بواحد منها لا محذور فيه.

و أورد: ان الجمع في غير المتعدي أيضا أفضل، فلم خص المتعدي بالذكر؟

و أجيب: بأن الأفضل في غير المتعدي هو الماء، و أما الجمع بينه و بين الأحجار فيه فإنه أكمل، لانه المرتبة الثانية في الفضل، فحاول المصنف الإشعار بمرتبة كل واحد في الفضل.

و وجه أفضلية الماء على الأحجار ظاهر، فإنه يزيل العين و الأثر بخلافها، و أما وجه أفضلية الجمع فأظهر، فإن فيه تنزيها لليد عن مخامرة «2» النجاسة، و قد اثنى اللَّه تعالى على أهل قبا بمحبة التطهير لذلك «3».

قوله: (و يجزئ ذو الجهات الثلاث).

(2) هذا أصح القولين «4»، لأنه ثلاثة أحجار قوة، و لان المطلوب تعدد موضع‌

______________________________
(1) ورد في هداية المسترشدين: 248 ما لفظه: (و منها ان الواجب في المقام مفهوم أحدهما و المنع من الترك حاصل بالنسبة اليه و اختاره جماعة من الخاصة و العامة منهم العلامة في النهاية و نهج الحق و السيد العميدي و الشهيد و المحقق الكركي و شيخنا البهائي و المحقق الخونساري و الحاجبي و البيضاوي و عن القاضي حكاية إجماع سلف الأمة عليه و حكاه في العدة عن شيخنا المفيد و عزاه في نهج الحق إلى الإمامية مؤذنا بإطباقهم عليه.

(2) المخامرة: المخالطة، انظر الصحاح (خمر) 2: 650.

(3) التبيان 5: 300، مجمع البيان 3: 73.

(4) ذهب الى الاجزاء الشيخ في المبسوط 1: 17، و المحقق في المعتبر 1: 131، و ذهب الى عدم الاجزاء ابن البراج في المهذب 1: 40 و قيده بما إذا لم يقدر على ثلاثة أحجار، و يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 27، و الشهيد في الدروس: 2.

96
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في آداب الخلوة و كيفية الاستنجاء ؛ ج 1، ص : 93

و التوزيع على أجزاء المحل، (1) و ان لم ينق بالثلاثة وجب الزائد، و يستحب الوتر، و لو نقي بدونها وجب الإكمال. (2)

______________________________
المسح، كما دل عليه قوله عليه السلام في بعض الأخبار: «فليتمسح ثلاث مسحات»
«1».

و قيل: لا يجزئ، وقوفا مع ظاهر النص الوارد بثلاثة أحجار «2».

و جوابه: أن الحكم مستفاد من نصّ آخر، على أن ظاهره- لو أريد- لم يجز إلا الأحجار دون الخرق و نحوها.

قوله: (و التوزيع على أجزاء المحل).

(1) هذا أحد القولين «3»، و معناه المسح ببعض أدوات الاستنجاء بعض محل النجاسة، و ببعض آخر بعضا آخر، و بما بقي ما بقي، مع حصول النقاء المعتبر.

و وجه إجزائه تناول إطلاق النص له، و ليس في شي‌ء من النصوص ما يدل على استيعاب المحل كلّه بجميع المسحات.

و قيل «4»: بعدم الاجزاء، لأنه خلاف المتبادر من الإطلاق، و لأن الثلاث حينئذ، في قوّة مسحة واحدة، و هذا أحوط القولين.

قوله: (و لو نقي بدونها وجب الإكمال).

(2) هذا أصح القولين «5»، لإطلاق النصوص اعتبار مسحات ثلاث «6»، فيجب الوقوف معها، و لأن زوال النجاسة حكم شرعي، فيتوقف على سببه الشرعي.

و قيل: لا يجب، لأن المعتبر النقاء و قد حصل «7». و فيه منع، و إنما المعتبر‌

______________________________
(1) في التهذيب 1: 46، 209 حديث 129، 604، ورد مضمون الحديث، و ورد النص في مسند أحمد 3: 336.

(2) قاله جماعة منهم: الشيخ في النهاية: 10، و ابن إدريس في السرائر: 16، و ابن حمزة في الوسيلة: 35.

(3) قاله الشيخ في المبسوط 1: 17، و الشهيد في الذكرى: 20.

(4) القول للمحقق الحلي في شرائع الإسلام 1: 19.

(5) قاله ابن إدريس في السرائر: 16، و المحقق في الشرائع 1: 19.

(6) التهذيب 1: 46 حديث 129- 130.

(7) قاله جماعة منهم: الشيخ في النهاية: 10 و الخلاف 1: 10 مسألة 49 كتاب الطهارة، و ابن حمزة في الوسيلة:

35.

97
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في آداب الخلوة و كيفية الاستنجاء ؛ ج 1، ص : 93

و لا يجزئ المستعمل، و لا النجس، (1) و لا ما يزلق عن النجاسة.

و يحرم بالروث، و العظم، (2) و ذي الحرمة كالمطعوم، و تربة الحسين عليه السلام (3) و يجزئ. (4)

______________________________
النقاء على الوجه المخصوص، فعلى هذا، هل الحكم بطهارة المحل موقوف على الإكمال، أم الطهارة دائرة مع النقاء، و الإكمال واجب؟

الظاهر الأول لما قلناه، فلو تركه و صلّى لم تصح صلاته.

قوله: (و لا يجزئ المستعمل، و لا النجس).

(1) إنما لا يجزئ المستعمل إذا كان نجسا، حتى لو طهر جاز استعماله ثانيا، فالجمع بينه و بين النجس لا فائدة فيه.

و يمكن أن يقال: المستعمل بعد نقاء المحل بما دون الثلاث ليس بنجس مع صدق الاستعمال عليه، ففائدة الجمع: التنبيه على عدم إجزائه. و فيه بعد، بل الظاهر إجزاؤه لانتفاء المانع، فإنه طاهر.

قوله: (و يحرم بالروث، و العظم).

(2) لورود النهي عن الاستنجاء بهما، معلّلا بأنهما طعام الجن و دوابهم «1»، و منه يستفاد تحريم الاستنجاء بمطعوم الانس.

قوله: (و تربة الحسين عليه السلام).

(3) يوجد في عبارة بعض الأصحاب: ما كتب عليه القرآن، و فيه شي‌ء، فان هذا يقتضي كفر فاعله. و في التربة المقدسة، إن دل استعمالها على الاستخفاف بالحسين عليه السلام كذلك.

قوله: (و يجزئ).

(4) أي: كل واحد من الأمور المذكورة، من الروث و ما بعده- و هذا أصح القولين «2»- لعدم المنافاة بين النهي و الاجزاء في نحوه مما ليس بعبادة، إذ ليس مطلوبا‌

______________________________
(1) الفقيه 1: 20 حديث 58، التهذيب 1: 354 حديث 1053.

(2) ذهب إليه العلامة في المختلف: 19، و الشهيد في الذكرى: 21.

98
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في آداب الخلوة و كيفية الاستنجاء ؛ ج 1، ص : 93

و يجب على المتخلّي ستر العورة. (1) و يحرم استقبال القبلة و استدبارها مطلقا، (2)

______________________________
للقربة فينافيه النهي، كما لو استنجى بحجر أو ماء مغصوبين، و قيل: لا يجزئ للنهي
«1».

و قد عرفت أنه إنما يقتضي الفساد في العبادة المطلوبة للقربة، لا مطلقا.

قوله: (و يجب على المتخلي ستر العورة).

(1) أي: جلوسه بحيث لا ترى عورته، و معلوم: أن ذلك حيث يكون النظر محرما، فالزوجة و المملوكة التي يباح وطؤها، و من حضوره و غيبته سواء، من الحيوان و الطفل الذي لا يميز، لا يجب التستر عنهم.

قوله: (و يحرم استقبال القبلة و استدبارها مطلقا).

(2) المراد: الاستقبال و الاستدبار بالبدن في حال قضاء الحاجة، و توهم بعضهم أن تحريم ذلك منوط بالعورة حتى لو حرفها زال المنع «2» ليس بشي‌ء، لدلالة النصوص صريحا على ما قلناه.

و المراد بالقبلة: العين للقريب، و الجهة للبعيد، و سيأتي تحقيقه إن شاء اللَّه تعالى.

و أراد بقوله: (مطلقا) استواء الصحراء و البنيان في التحريم.

و قال بعض الأصحاب بكراهة الاستقبال و الاستدبار مطلقا «3».

و بعضهم بالتحريم في الصحراء، و الكراهة في البيان «4»، و هما ضعيفان.

و اعلم: ان الاستقبال و الاستدبار بالنسبة إلى القائم و الجالس معلوم، أمّا بالنسبة إلى المضطجع و المستلقي، فإن بلغ بهما العجز الى هذا الحد، فلا بحث في ان الاستقبال و الاستدبار- بالنسبة إليهما في التخلي- يحال على استقبالهما في الصلاة، و الا ففيه تردد ينشأ من أن هذه حالة استقبال و استدبار في الجملة، و من أن ذلك إنما هو‌

______________________________
(1) ذهب اليه الشيخ في المبسوط 1: 16، و المحقق في المعتبر 1: 132، و الشرائع 1: 19.

(2) يلوح هذا المذهب من كلام الشيخ في المبسوط 1: 16، و قاله الشهيد في الألفية: 37.

(3) نسبه العلامة في التذكرة 1: 12 لابن الجنيد.

(4) ذهب اليه سلار في المراسم: 32.

99
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في آداب الخلوة و كيفية الاستنجاء ؛ ج 1، ص : 93

و ينحرف في المبني عليهما. (1) و يستحب ستر البدن، (2) و تغطية الرأس، و التسمية، (3) و تقديم اليسرى دخولا (4) و اليمنى خروجا، و الدعاء عندهما و عند الاستنجاء و الفراغ منه. و الاستبراء في البول للرجل، (5)

______________________________
بالنسبة إلى العاجز، و لهذا لو حلف ليستقبلن لم يبرأ بهذه الحالة مع القدرة على غيرها، و لعل هذا أقرب.

قوله: (و ينحرف في المبني عليهما).

(1) أي: وجوبا، بحيث يخرج عن الاستقبال و الاستدبار.

قوله: (و يستحب ستر البدن).

(2) المراد به: جلوسه للحاجة حيث لا يرى، إما بان يلج حفيرة، أو يدخل بنيانا، أو يبعد بحيث لا يرى.

قوله: (و التسمية).

(3) المراد بها قول: (بسم اللَّه و باللّه، أعوذ باللّه من الرجس النجس، الى آخره) «1».

قوله: (و تقديم اليسرى دخولا).

(4) هذا في البنيان ظاهر، أمّا في الصحراء فلا يصدق الدخول و الخروج، و يمكن أن يقال: التقديم هنا منوط بموضع الجلوس، على ما فيه من التكلف.

قوله: (و الاستبراء في البول للرجل).

(5) قال الشيخ في الاستبصار بوجوبه، و به رواية محمولة على الاستحباب «2»، و تقييده بالرجل يشعر بعدم استحبابه للمرأة، وقوفا مع ظاهر النص، و ربما قيل باستحبابه لها، فتستبرئ عرضا «3». فان قلنا به، فهل تتعدى إليها فائدته، بحيث يحكم‌

______________________________
(1) الكافي 3: 16 حديث 1، التهذيب 1: 25 حديث 63 مع اختلاف يسير في المصدرين، و في السرائر: 16 (. فالمستحب أن يقول: أعوذ باللّه من الرجس النجس- بكسر الراء من الرجس و كسر النون من النجس- لأن هذه اللفظة إذا استعملت مع الرجس قيل: رجس نجس بخفض الراء و النون، و إذا استعملت مفردا قيل: نجس بفتح النون و الجيم معا.).

(2) الاستبصار 1: 49 حديث 138.

(3) قاله العلامة في المختلف: 20.

100
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في آداب الخلوة و كيفية الاستنجاء ؛ ج 1، ص : 93

بأن يمسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثا، و منه الى رأسه ثلاثا، و ينتره ثلاثا، فان وجد بللا بعده مشتبها لم يلتفت، و لو لم يستبرئ أعاد الطهارة.

و لو وجده بعد الصلاة أعاد الطهارة خاصة، (1) و غسل الموضع و مسح بطنه عند الفراغ. (2)

و يكره استقبال الشمس و القمر بفرجه في الحدثين، (3)

______________________________
بطهارة البلل المشتبه بعده، و عدم كونه ناقضا؟ وجهان، و يحتمل قويا الحكم بطهارة الخارج منها، و عدم النقض به مع اشتباهه و إن لم تستبرئ، و القول بتعدية الحكم باستحباب الاستبراء إليها ضعيف، لان فيه خروجا عن المنصوص، مع انتفاء محله.

قوله: (و لو وجده بعد الصلاة أعاد الطهارة خاصة).

(1) لأن ذلك حدث متجدد.

قوله: (و مسح بطنه عند الفراغ).

(2) أي: بعده قائما بيده اليمنى، قاله المفيد رحمه اللَّه «1»، و من تبعه «2».

قوله: (و يكره استقبال الشمس و القمر بفرجه في الحدثين).

(3) لثبوت النهي عن ذلك- و المراد: نفس القرص دون الجهة، بخلاف القبلة- عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: لا يبولن أحدكم، و فرجه باد للقمر» «3».

قال المصنف في المنتهى: لو استتر عنهما بشي‌ء فلا بأس، لأنه لو استتر عن القبلة بالانحراف جاز، فهاهنا أولى «4».

______________________________
(1) المقنعة: 4.

(2) تبعه سلار في المراسم: 33، و الشهيد في البيان: 6.

(3) التهذيب 1: 34 حديث 92 و في آخره «يستقبل به».

(4) المنتهى 1: 40.

101
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في آداب الخلوة و كيفية الاستنجاء ؛ ج 1، ص : 93

و استقبال الريح بالبول (1) و البول في الصلبة، (2) و قائما و مطمحا، (3) و في الماء جاريا و راكدا. (4)

______________________________
قوله: (و استقبال الريح بالبول).

(1) للنهي عنه «1»، و لئلا يعكس الريح البول فيرده على جسد المتخلي و ثيابه.

و في الذكرى عدّ في المكروهات: استقبال الريح و استدباره «2»، معللا بنهي الحسن عليه السلام عنه «3»

قوله: (و البول في الصلبة).

(2) لئلا يعود عليه، و كذا ما في معناها، كالجلوس في أسفل المنحدرة، و يشهد لذلك قول الرضا عليه السلام: «من فقه الرجل أن يرتاد لبوله» «4» أي: يتخير موضعا مناسبا، كالمرتفع، أو كثير التراب.

قوله: (و قائما و مطمحا).

(3) عللت كراهية البول قائما في الأخبار بأنه من الجفاء «5»، أي: البعد عن الآداب، و لأنه يعود عليه غالبا.

و نهي أن يطمّح «6» الرجل ببوله من السطح في الهواء «7»، و هو قريب من البول قائما في العلة.

قوله: (و في الماء جاريا و راكدا).

(4) علل في الاخبار بأن للماء أهلا «8»، و لا ريب أن الراكد أشد كراهية، لأنه أشد قبولا للانفعال، و لما روي عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: «لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجاري» «9».

______________________________
(1) الكافي 3: 15 حديث 3، الفقيه 1: 18 حديث 47، التهذيب 1: 26، 33 حديث 65، 88 الاستبصار 1: 47 حديث 131.

(2) الذكرى: 20.

(3) الفقيه 1: 18 حديث 47.

(4) الكافي 3: 15 حديث 1، التهذيب 1: 33 حديث 86.

(5) الكافي 3: 15 حديث 4، الفقيه 1: 16، 19 حديث 36، 51، علل الشرائع: 278 باب 186.

(6) طمّح ببوله و بالشي‌ء: رمى به في الهواء (طمح) لسان العرب 2: 535.

(7) الكافي 3: 15 حديث 4، الفقيه 1: 19 حديث 50.

(8) التهذيب 1: 34 حديث 90، الاستبصار 1: 13 حديث 25.

(9) التهذيب 1: 31 حديث 81، الاستبصار 1: 13 حديث 23.

102
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في آداب الخلوة و كيفية الاستنجاء ؛ ج 1، ص : 93

و الحدث في الشوارع و المشارع، (1) و مواضع اللعن، (2) و تحت المثمرة، (3) و في‌ء النزّال، (4)

______________________________
و لا يبعد أن يقال: أن الماء المعدّ في بيوت الخلاء لأخذ النجاسة و اكتنافها- كما يوجد في الشام، و ما جرى مجراها من البلاد الكثيرة الماء- لا يكره قضاء الحاجة فيه.

قوله: (و الحدث في الشوارع و المشارع).

(1) الشوارع، جمع شارع: و هو الطريق، و المشارع، جمع مشرعة: و هي طريق الماء للواردة.

قوله: (و مواضع اللعن).

(2) عن زين العابدين عليه السلام: أنها أبواب الدور «1»، و قيل: مجمع النادي «2» لتعرضه للعنهم.

قوله: (و تحت المثمرة).

(3) أي: الأشجار المثمرة، و الظاهر أنه لا يراد بها ذات الثمر بالفعل، بل ما من شأنها ذلك، كما في شاة لبون على ما صرحوا به، و لان المشتق لا يشترط في صدقه بقاء أصله، و لان ذلك موجب لبقاء النفرة من ثمرها في النفس، و هذا إنما هو في المملوك له أو المباح، أما ملك الغير فلا يجوز قطعا إلّا باذنه، و يضمن ما يتلف.

قوله: (و في‌ء النزّال).

(4) المراد به: موضع الظل المعد لنزول القوافل و المترددين، كموضع ظل جبل، أو شجرة، و نحو ذلك.

و يمكن أن يراد به: أعم من ذلك، و هو الموضع المعد لنزولهم مطلقا، نظرا إلى أنهم يرجعون في النزول إليه، من فاء إذا رجع و فيه تجوز، و الأول هو الموجود في الأخبار «3».

______________________________
(1) الكافي 3: 15 حديث 2، الفقيه 1: 18 حديث 44، التهذيب 1: 30 حديث 78.

(2) مجمع النادي: مجلس القوم و متحدّثهم. انظر الصحاح (ندا) 6: 2505.

(3) الكافي 3: 16 حديث 5، 6، الفقيه 1: 18 حديث 45، المقنع: 3، التهذيب 1: 30 حديث 79، 80.

103
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في آداب الخلوة و كيفية الاستنجاء ؛ ج 1، ص : 93

و جحرة الحيوان، (1) و الأفنية، (2) و مواضع التأذي، و السواك عليه، (3) و الأكل و الشرب. و الكلام إلّا بالذكر، أو حكاية الأذان، أو قراءة آية الكرسي، أو طلب الحاجة المضر فوتها، (4)

______________________________
قوله: (و جحرة الحيوان).

(1) هي: بكسر الجيم و فتح الحاء و الراء المهملتين جمع جحر للنهي عنه «1»، و لأنه لا يؤمن خروج حيوان يلسعه، فقد حكي: أن سعد بن عبادة بال في جحر بالشام فاستلقى ميتا، فسمعت الجن تنوح عليه بالمدينة، و تقول:

نحن قتلنا سيد الخزرج

سعد بن عباده

و رميناه بسهمين

فلم نخط فؤاده «2»

قوله: (و الأفنية).

(2) هي: جمع فناء بكسر الفاء، و هو ما امتد من جوانب الدار «3»، و المراد به:

حريمها خارج المملوك منها.

قوله: (و السواك عليه).

(3) أي: حالة الحدث، فالمضاف محذوف، و علل في الأخبار «4» بأنه يورث البخر «5».

قوله: (و الكلام إلا بالذكر، أو حكاية الأذان، أو قراءة آية الكرسي، أو طلب الحاجة المضر فوتها).

(4) أما الذكر، فيدل عليه حديث: «ذكري على كل حال حسن» «6».

و أما حكاية الأذان: فحكاه شيخنا، في الذكرى، بقوله: و قيل «7»،

______________________________
(1) سنن أبي داود 1: 8 حديث 29، و مستدرك الصحيحين 1: 186.

(2) أسد الغابة 2: 284، الاستيعاب 2: 40، تنقيح المقال 2: 16.

(3) الصحاح (فني) 6: 2457.

(4) الفقيه 1: 32 حديث 110، التهذيب 1: 32 حديث 85.

(5) البخر: نتن الفم. الصحاح 2: 586 (بخر).

(6) التهذيب 1: 27 حديث 68.

(7) الذكرى: 20.

104
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في آداب الخلوة و كيفية الاستنجاء ؛ ج 1، ص : 93

و طول الجلوس، (1) و الاستنجاء باليمين، (2) و اليسار فيها خاتم عليه اسم اللَّه تعالى أو أنبيائه أو الأئمة عليهم السلام، أو فصّة من حجر زمزم، (3)

______________________________
و مستنده عموم الأمر بالحكاية، و أنه ذكر.

و ربما قيل باستثناء الصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله عند ذكره.

و أما قراءة آية الكرسي، فلقول أبي عبد اللَّه عليه السلام: «لم يرخص في الكنيف في أكثر من آية الكرسي، و حمد اللَّه، أو آية» «1».

و يجب رد السلام، كما صرح به المصنف في المنتهى «2».

و استحب الحمدلة «3» للعاطس و هي ذكر، و التسميت، و فيه شي‌ء.

قوله: (و طول الجلوس).

(1) لما ورد في الأخبار أنه يورث الناسور «4»، و الناسور بالنون: علة في حوالي المقعدة.

قوله: (و الاستنجاء باليمين).

(2) لما روي عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أنه قال: «من الجفاء الاستنجاء باليمين» «5». و روى الجمهور عنه صلّى اللَّه عليه و آله: انه نهى عنه و عن مسّ الذكر باليمين «6»، و مع الحاجة تزول الكراهة.

قوله: (و باليسار و فيها خاتم عليه اسم اللَّه تعالى، أو أنبيائه، أو الأئمة عليهم السلام، أو فصّه من حجر زمزم).

(3) كراهة الاستنجاء باليسار إذا كان فيها خاتم كذلك، لا مطلقا، فلا يبعد أن يكون استئناف الجار للإشعار بأن الجملة الحالية مختصة باليسار.

______________________________
(1) الفقيه 1: 19 حديث 22، التهذيب 1: 352 حديث 1042. و فيهما: «و يحمد اللَّه».

(2) المنتهى 1: 41.

(3) هي قول: الحمد للَّه.

(4) الفقيه 1: 19 حديث 21 و فيه: الباسور، و هي الدمامل في المقعدة كما في مجمع البحرين (بسر) 3: 221.

(5) الخصال 1: 54 و فيه: «الاستنجاء باليمين من الجفاء».

(6) صحيح البخاري 1: 50 باب 19، صحيح مسلم 1: 225 باب 18، سنن ابن ماجة 1: 13 حديث 310، سنن النسائي 1: 43.

105
جامع المقاصد في شرح القواعد1

فروع ؛ ج 1، ص : 106

 

فإن كان حوّله. (1)

[فروع]

فروع:

[أ: لو توضأ قبل الاستنجاء صحّ وضوءه]

أ: لو توضأ قبل الاستنجاء صحّ وضوءه، و عندي انّ التيمم إن كان لعذر لا يمكن زواله كذلك، (2)

______________________________
و الظاهر: ان اسم فاطمة عليها السلام كأسماء الأئمة عليهم السلام.

و أما إذا كان فصه من حجر زمزم، فقد روي مقطوعا جواز الفص منه، و كراهة الاستنجاء و هو في اليد، و الأمر بنزعه عند إرادته «1».

و أورد عليه: أن إخراج الحصى من المسجد غير جائز، و أجيب: باستثناء ذلك للنص، و بأن هذا الحكم مبني على الوقوع لا على الجواز، فلا يلزم من وقوعه جوازه.

لكن قال شيخنا في الذكرى: و في نسخة الكافي للكليني رحمه اللَّه إيراد هذه الرواية بلفظ من حجارة زمرذ، فعلى هذا يكون هو المراد من زمزم، قال: و سمعناه مذاكرة «2»، فحينئذ يسقط السؤال أصلا.

و الفص بفتح الفاء، و الزمرذ بالزاء و الذال المعجمتين، قال في القاموس:

الزمرذ بالضمات و شد الزاء: الزبرجد معرب «3».

قوله: (فان كان حوله).

(1) أي: من تلك اليد الى غيرها.

قوله: (و عندي أن التيمم إن كان لعذر لا يمكن زواله كذلك).

(2) هذا مبني على أن التيمم إن كان لعذر لا يرجى زواله- عادة- يجوز فعله مع سعة الوقت، فإنه حينئذ يتيمم، ثم يزيل النجاسة بالاستنجاء و يصلي.

و على هذا: فلو كان العذر مرجو الزوال لم يصح التيمم قبل الاستنجاء، لوجوب مراعاة ضيق الوقت في صحة فعل التيمم.

______________________________
(1) الكافي 3: 17 حديث 6 و فيه «من زمرد»، التهذيب 1: 355 حديث 1059 و قد وردت اللفظتان (زمرد، زمرذ) كما في القاموس (زمرد) 1: 298.

(2) الذكرى: 20.

(3) القاموس (الزمرذ) 1: 354.

 

106
جامع المقاصد في شرح القواعد1

أ: لو توضأ قبل الاستنجاء صح وضوءه ؛ ج 1، ص : 106

و لو صلّى و الحال هذه أعاد الصلاة خاصة. (1)

______________________________
فإذا وقع قبل الاستنجاء، لم يكن بدّ من زيادة الوقت على وقت التيمم و الصلاة، إذ لا بد للاستنجاء من وقت، فيلزم وقوع التيمم- مع السعة- مع كون العذر مرجو الزوال.

و على القول بجواز التيمم مع السعة مطلقا «1»، يصح التيمم قبل الاستنجاء مطلقا، و ينعكس الحكم على القول بمراعاة التضييق مطلقا.

و ربما قيل بجواز التيمم قبل الاستنجاء، من غير التفات الى هذا التفصيل، فلا يكون الحكم بجوازه حينئذ مبنيا على القول بجوازه مع السعة، إما مطلقا، أو مع عدم رجاء زوال العذر، و ذلك لأن الاستنجاء و نحوه من إزالة النجاسة عن الثوب و البدن من جملة مقدمات الصلاة، فيجب أن يستثني وقته مع وقت الصلاة، فلا ينافي التضييق- على القول به- كستر العورة، و استقبال القبلة.

و لأن الظاهر: أن المراد بالتضيق: العادي فلا ينافيه بقاء زمان يسير، و الّا لم يجز التيمم في موضع يحتاج أن ينتقل عنه إلى مصلاه، و لا فعل الأذان و الإقامة، و هذا قوي متين.

و لا يخفى أن المراد بقول المصنف: (لا يمكن زواله) عدم الإمكان عادة، أي:

لا يرجى زواله.

قوله: (و لو صلى و الحال هذه أعاد الصلاة خاصة).

(1) هذا أصح القولين، و قيل: إن ترك غسل مخرج البول لزمه إعادة الطهارة أيضا، بخلاف مخرج الغائط، فيقتصر فيه على إعادة الصلاة «2»، و هو ضعيف.

______________________________
(1) قاله ابن بابويه في المقنع: 8- 9.

(2) قال الشيخ الصدوق في المقنع: 5 (و ان نسيت أن تستنجي بالماء. فأعد الوضوء و الصلاة).

و قال في الفقيه 1: 21 (و من نسي أن يستنجي من الغائط حتى صلى لم يعد).

و قال العلامة في المختلف: 19 (و قال أبو جعفر بن بابويه: من صلى و ذكر. و من نسي أن يستنجي من الغائط حتى يصلي لم يعد الصلاة)، فتأمل.

107
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ب: لو خرج أحد الحدثين ؛ ج 1، ص : 108

[ب: لو خرج أحد الحدثين]

ب: لو خرج أحد الحدثين اختص مخرجه بالاستنجاء.

[ج: الأقرب جواز الاستنجاء في الخارج]

ج: الأقرب جواز الاستنجاء في الخارج من غير المعتاد إذا صار معتادا. (1)

[د: لو استجمر بالنجس بغير الغائط وجب الماء]

د: لو استجمر بالنجس بغير الغائط وجب الماء، و به يكفي الثلاثة غيره. (2)

[المقصد الثاني: في المياه]

المقصد الثاني: في المياه، و فصوله خمسة:

[الأول: في المطلق]

الأول: في المطلق، و المراد به ما يستحق إطلاق اسم الماء عليه من غير قيد و يمتنع سلبه عنه، (3)

______________________________
قوله: (الأقرب جواز الاستنجاء في الخارج من غير المعتاد إذا صار معتادا).

(1) لو قال بدل هذا: الأقرب جريان أحكام الاستنجاء، الى آخره لكان أوضح، إذ ربما يتبادر الى الفهم من الاستنجاء غسل المحل، فربما أوهم أن مقابل الأقرب عدم جوازه، و ليس بفاسد، لأن المراد بالاستنجاء غسل مخصوص يتعلق به حكم طهارة الماء المنفصل، أو مسح مخصوص بالأحجار و نحوها، فإذا لاحظ الذهن هذا المعنى فلا وهم.

و وجه القرب: أنه باعتياده صار مخرجا حقيقيا تتناوله إطلاقات النصوص، فتتعلق به أحكام الاستنجاء، كما تتعلق به أحكام النقض، و يحتمل ضعيفا العدم، لاختصاص الاستنجاء بتخفيف في الأحكام، فيقتصر فيه على موضع اليقين، و ضعفه ظاهر.

قوله: (و به يكفي الثلاثة غيره).

(2) أي: و لو استجمر بالنجس بالغائط يكفي الثلاثة- أي: الأحجار الثلاثة أو ما في حكمها المعلومة مما سبق- غيره، اي: غير ذلك النجس بالغائط، لامتناع اعتبار النجس في التطهير، و وجهه: ان نجاسة الغائط واحدة، فلا يتفاوت الحكم بطريانه على المحل، و إلّا لزم اجتماع الأمثال، و يحتمل تعين الماء لأن الاستجمار رخصة، فيختص بنجاسة المحل.

قوله: (المقصد الثاني: في المياه، و فصوله خمسة: الأول: في المطلق، و المراد به ما يستحق إطلاق اسم الماء عليه من غير قيد و يمتنع سلبه عنه).

(3) هذا بيان لمدلول لفظ الماء المطلق، فهو تعريف لفظي على قانون أهل اللغة،

108
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المقصد الثاني: في المياه ؛ ج 1، ص : 108

و هو المطهر من الحدث و الخبث خاصة (1) ما دام على أصل الخلقة، (2) فإن خرج عنها بممازجة طاهر (3) فهو على حكمه و إن تغيّر أحد أوصافه، ما لم يفتقر صدق اسم الماء عليه الى قيد فيصير مضافا،

______________________________
و عرّفه بخاصتي الحقيقة اللتين أحدهما ثبوتية، و الأخرى سلبيّة.

و المراد بقوله (ما يستحق) ثبوت ذلك له عند أهل العرف، و المراد ب‍ (إطلاق اسم الماء عليه): جعله بإزائه بحيث يستفاد منه من غير توقف على قرينة.

و لا يخفى: أن استحقاق إطلاق اسم الماء عليه لا ينافي جواز تقييده مع ذلك، كما يقال: ماء الفرات و ماء البحر، فالاستحقاق ثابت و إن جاز مثل هذا التقييد، بخلاف المضاف، فان تقييده لازم، و لا يستحق الإطلاق المذكور.

و المراد بامتناع سلبه عنه: عدم صحته عند أهل الاستعمال، بحيث يخطّئون من سلب اسم الماء عن المستحق لإطلاقه عليه.

قوله: (و هو المطهر من الحدث و الخبث خاصة).

(1) أكّد بقوله: (خاصة): ما استفيد من الحصر في قوله: (و هو المطهر)، فهي حال مؤكّدة.

و المراد: اختصاصه بالأمرين معا، من بين سائر المائعات، فلا يرد المضاف عند بعض الأصحاب «1» إذ ليس كذلك، و لا التراب، على أن تطهيره غير تام، فإن إناء الولوغ إنما يطهر بالتراب و الماء معا.

و قوله: (ما دام على أصل الخلقة)

(2) ظرف للحصر المذكور، فان (ما) هذه بمعنى: المدّة، أي الاختصاص المذكور ثابت للمطلق في مدة دوامه على أصل خلقته.

قوله: (فان خرج عنه بممازجة طاهر.).

(3) الممازجة: هي المخالطة، و هي انما تتحقق في الشيئين إذا وصل أحدهما إلى الآخر، و اختلط به كالزعفران و غيره من الأصباغ التي تنماع «2» في الماء.

و قد اقتصر المصنّف على بيان حكم الممازج من الطاهر و النجس، فبقي‌

______________________________
(1) كابن بابويه في الهداية: 13.

(2) تنماع: من انماع السمن أي ذاب، انظر القاموس 3: 86 مادة (ميع).

109
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: الجاري ؛ ج 1، ص : 110

و ان خرج بممازجة النجاسة فأقسامه ثلاثة: (1)

[الأول: الجاري]

الأول: الجاري، (2) و انّما ينجس بتغير أحد أوصافه الثلاثة- أعني:

اللون، و الطعم، و الرائحة- التي هي مدار الطهورية، و زوالها- (3)

______________________________
حكم تغير الماء بنحو الجيفة على الشاطئ، و وقوع الأشياء غير الممازجة، مثل الخشب و عظم نجس العين بغير بيان.

اللهم إلّا أن يقال: أراد بالممازج للماء الواقع فيه مطلقا.

و حكم التغير بالجيفة يعلم بأدنى تأمّل للاحكام التي أوردها في هذا البحث.

و اعلم أنه يندرج في قوله: (بممازجة طاهر) ما يقع في الماء بنفسه و ما يطرح فيه، سواء كان مما لا ينفك الماء عنه غالبا كالطحلب و التراب و مطلق ما في مقرّه و ممره كالنورة، أم لا.

قوله: (فأقسامه ثلاثة).

(1) إنما كانت أقسامه ثلاثة نظرا الى اختلاف أحكامه باختلاف هذه الأقسام الثلاثة عند أكثر الأصحاب، فكان انقسامه إليها باعتبار أحكامه.

قوله: (الأول الجاري).

(2) المراد به النابع، لان الجاري لا عن نبع من أقسام الراكد، تعتبر فيه الكرية اتفاقا ممن عدا ابن أبي عقيل رحمه اللَّه «1» بخلاف النابع.

قوله: (التي هي مدار الطهورية و زوالها).

(3) أي: أوصاف الماء الأصلية، التي هو عليها في أصل خلقته.

و المراد بأصل خلقته: الحالة التي يخرج عليها من منبعه إن كان نابعا.

و المراد برائحة الماء: سلامته من رائحة مكتسبة، سواء كان له رائحة في أصله، أم لا.

و اعلم: أن الدوران، هو ترتب الشي‌ء على الشي‌ء الذي له صلوح العلية، و الأول يقال له: الدائر، و الثاني يقال له: المدار، و هو قد يكون مدارا للوجود خاصة كالهبة بالنسبة إلى الملك، و للعدم خاصة كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة، و لهما معا‌

______________________________
(1) حكاه العلامة في المختلف 1: 2.

110
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: الجاري ؛ ج 1، ص : 110

لا- مطلق الصفات كالحرارة بالنجاسة إذا كان كرا فصاعدا، (1) و لو تغيّر بعضه- نجس دون ما قبله و بعده. (2)

______________________________
كالأوصاف الثلاثة الأصلية في الماء بالنسبة إلى الطهورية، فإنها مدار لوجودها، بمعنى أن وجودها يتبعه وجود الطهورية، و لعدمها بمعنى أن عدمها يتبعه عدم الطهورية.

و لما كان عدم المجموع يكفي فيه عدم جزء من أجزائه، كان عدم واحد من الأوصاف يتبعه عدم الطهورية.

و الجار في قوله (بالنجاسة) يتعلق بالمصدر في قوله: (بتغير أحد أوصافه).

و يستفاد من الحصر ب‍ (إنما) أن التغير بالمتنجس لا يقتضي نجاسة الماء إذا كان كثيرا.

و الفعل في قوله: (و إنما ينجس) مفتوح العين و مضمومها، على حدّ يعلم، و يكرم، نص عليه في القاموس «1»، فعين الماضي مضمومة و مكسورة.

قوله: (إذا كان كرا فصاعدا).

(1) أفاد بذلك اشتراط الكرية في الجاري فينجس بالملاقاة لو كان دون الكر عنده، و مستنده عموم اشتراط الكرية، لعدم قبول النجاسة بالملاقاة، و هو ضعيف، مع مخالفته لمذهب الأصحاب، فإنه مما تفرد به المصنف، و ما احتج به من العموم معارض بعموم نفي البأس عن البول في الماء الجاري من غير تقييد «2»، و الترجيح معنا للأصل و الشهرة، و العلية المستفادة من تعلّق الحكم على وصف الجريان.

قوله: (و لو تغيّر بعضه نجس، دون ما قبله، و ما بعده).

(2) لا ريب أن ما قبل المتغير لا ينجس على حال، لكونه نابعا، و على ما اختاره المصنف لا بد من بقاء كرّ غير متغير.

و أما ما بعده، فان لم يستوعب التغير عمود الماء- أي: جميع أجزائه في العرض و العمق- فكذلك، و لا تشترط الكرية لبقاء الاتصال بالنابع، و ان استوعب فلا بد فيه‌

______________________________
(1) القاموس 2: 253.

(2) الكافي 3: 12 حديث 1، التهذيب 1: 43 حديث 120، 121، الاستبصار 1: 13 حديث 21، 22 و ان شئت المزيد فراجع الوسائل 1: 107 باب 5.

111
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: الجاري ؛ ج 1، ص : 110

و ماء المطر حال تقاطره كالجاري، (1) فإن لاقته نجاسة بعد انقطاع تقاطره فكالواقف. (2)

و ماء الحمام كالجاري، ان كانت له مادة هي كر فصاعدا (3) و إلّا فكالواقف.

______________________________
من الكرية، لتحقق الانفصال و إلّا كان نجسا.

و إطلاق عبارة المصنف يتخرج على مذهب الأصحاب، لا على اشتراط الكرية في الجاري، و هكذا صنع في غير ذلك من مسائل الجاري.

قوله: (و ماء المطر حال تقاطره كالجاري).

(1) فلا تشترط فيه الكرية، و لا يعتبر جريانه من ميزاب، لإطلاق الخبر «1»، خلافا للشيخ رحمه اللَّه «2».

و على ما اختاره المصنف من اشتراط الكرية في الجاري يلزمه اشتراطها هنا.

قوله: (كالجاري) مع قوله: (فان لاقته نجاسة بعد انقطاع تقاطره، فكالواقف)

(2) انما يظهر- لاختلاف التشبيه فيه معنى- على مقالة الأصحاب، أما على مقالته فالكل سواء.

قوله: (و ماء الحمام كالجاري، إن كانت له مادة هي كر فصاعدا).

(3) ينبغي أن يراد بماء الحمام ما في حياضه الصغار، مما لا يبلغ الكرّ كما يليق بالمقام، إذ لا يحسن البحث عن ما كان منه كرّا فصاعدا، و كما هو مفروض في غير هذا الكتاب، مع إمكان أن يراد به الأعم، و اشتراط الكرّية في المادة إنما هو مع عدم استواء السطوح بأن تكون المادة أعلى أو أسفل، لكن مع اشتراط القاهرية بفوران و نحوه في هذا القسم، أما مع استواء السطوح فيكفي بلوغ المجموع كرّا، كالغديرين إذا وصل بينهما بساقية، بل أولى لعموم البلوى هنا.

و اعلم أن اشتراط الكرّية في المادة هو أصح القولين للأصحاب «3»، لانفعال‌

______________________________
(1) الكافي 3: 13 حديث 3، الفقيه 1: 7 حديث 4.

(2) انظر المبسوط 1: 6.

(3) منهم الشيخ في النهاية: 5، و العلامة في المنتهى 1: 6.

112
جامع المقاصد في شرح القواعد1

فروع ؛ ج 1، ص : 113

 

[فروع]

فروع:

[أ: لو وافقت النجاسة الجاري في الصفات فالوجه عندي الحكم بنجاسته]

أ: لو وافقت النجاسة الجاري في الصفات فالوجه عندي الحكم بنجاسته، إن كان يتغيّر بمثلها على تقدير المخالفة، و إلّا فلا. (1)

______________________________
ما دون الكرّ بالملاقاة، فلا يدفع النجاسة عن غيره.

و قال أبو القاسم بن سعيد رحمه اللَّه: لا يشترط، لإطلاق الرواية بالمادة عن الباقر عليه السّلام «1» مع عموم البلوى بالحمّام «2».

و جوابه وجوب التقييد بالكرية لعموم اشتراطها ترجيحا للشهرة.

و ينبغي التنبيه بشي‌ء و هو أن المادة لا بد أن تكون أزيد من الكرّ، إذ لو كانت كرا فقط لكان ورود شي‌ء منها على ماء الحمام موجبا لخروجها عن الكرية، فيقبل الانفعال حينئذ.

و معنى قوله: (و الا فكالواقف) أن المادة لو لم تكن كرّا كان ماء الحمّام كالواقف، يتنجس بالملاقاة مع القلة.

و لا يخفى أن اعتبار الكرية في مادة ماء الحمّام إنما هو حيث لا يكون منتزعا من الجاري، لأن الجاري لا ينفعل بالملاقاة و إن كان قليلا- على الأصح- كما سبق.

قوله: (لو وافقت النجاسة الجاري في الصفات فالوجه عندي الحكم بنجاسته، إن كان يتغير بمثلها على تقدير المخالفة، و إلّا فلا).

(1) كان حق العبارة أن يقول: لو وقعت نجاسة مسلوبة الصفات في الجاري و الكثير لأن موافقة النجاسة الماء في الصفات صادق على نحو الماء المتغير بطاهر أحمر إذا وقع فيه دم، فيقتضي ثبوت التردد في تقدير المخالفة.

و ينبغي القطع بوجوب تقدير خلوّ الماء عن ذلك الوصف، لأن التغير هنا- على تقدير حصوله- تحقيقي، غاية ما في الباب انه مستور على الحس، و قد نبه عليه شيخنا‌

______________________________
(1) الكافي 3: 14 حديث 2، التهذيب 1: 378 حديث 1168.

(2) المعتبر 1: 42.

 

113
جامع المقاصد في شرح القواعد1

أ: لو وافقت النجاسة الجاري في الصفات فالوجه عندي الحكم بنجاسته ؛ ج 1، ص : 113

..........

______________________________
في البيان
«1».

و التقييد بالجاري يمكن أن يكون خرّج مخرج التصوير للمسألة، مع أنه في بحثه.

وفقه المبحث: أنه إذا وقعت النجاسة المذكورة في الماء هل يبقى على طهارته مطلقا، أم يجب تقدير النجاسة على أوصاف مخالفة له؟

ثم يستفتي القلب على ذلك التقدير، فان شهد بتغير الماء بها حينئذ حكم بنجاسته، و الّا فهو على أصل الطهارة.

و في المسألة قولان:

الأول منهما: قال به شيخنا في الذكرى «2»، محتجا بأن النص «3» دال على انحصار نجاسة الماء في تغير أحد أوصافه، و التغير حقيقة إنما هو الحسي، و اختيار المصنف هو الثاني، لأن التغير الذي هو مناط النجاسة دائر مع وجود الأوصاف، فإذا فقدت وجب تقديرها، و هو إعادة لمحل النزاع.

و احتج الفاضل ولد المصنف في الشرح بأن الماء مقهور، لأنه كلما لم يصر الماء مقهورا لم يتغير بها على تقدير المخالفة، و ينعكس بعكس النقيض إلى قولنا: كلما تغير على تقدير المخالفة كان مقهورا «4»، و كلية الأولى ممنوعة، فإن صورة النزاع صيرورة الماء مقهورا [لا ينفك عنه] «5» على تقدير المخالفة، فكيف يكون الحكم بعدم التغير التقديري لازما لعدم صيرورة الماء مقهورا لا ينفك عنه.

و يمكن الاحتجاج بأن المضاف المسلوب الأوصاف لو وقع في الماء وجب‌

______________________________
(1) البيان: 44.

(2) الذكرى: 8.

(3) الكافي 3: 4 حديث 3، 6، الفقيه 1: 12 حديث 22، التهذيب 1: 216 حديث 624، 625، الاستبصار 1: 9 حديث 9، 10، و للمزيد راجع الوسائل 1: 102 باب 3 من أبواب الماء المطلق.

(4) إيضاح الفوائد في شرح القواعد 1: 16.

(5) ما بين المعقوفين زيادة من نسخة «ح»

114
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ب: لو اتصل الواقف القليل بالجاري لم ينجس بالملاقاة ؛ ج 1، ص : 115

[ب: لو اتصل الواقف القليل بالجاري لم ينجس بالملاقاة]

ب: لو اتصل الواقف القليل بالجاري لم ينجس بالملاقاة، (1) و لو تغيّر بعضه بها اختص المتغيّر بالتنجيس.

[ج: الجريات المارّة على النجاسة الواقفة طاهرة]

ج: الجريات المارّة على النجاسة الواقفة طاهرة و إن قلّت عن الكر مع التواصل. (2)

______________________________
اعتباره، إما بقلة الاجزاء و كثرتها، أو بتقديره مخالفا في الأوصاف، على اختلاف القولين، و إذا وجب الاعتبار في الجملة للمضاف، فللنجاسة أولى، و لأن عدم وجوب التقدير يفضي إلى جواز الاستعمال، و إن زادت النجاسة على الماء أضعافا، و هو كالمعلوم البطلان، فوجب تقدير الأوصاف، لأنها مناط التنجيس و عدمه.

و هذا القول أرجح و أقرب إلى الاحتياط.

فعلى هذا يمكن أن تقدر المخالفة على وجه أشد، كحدّة الخل، و ذكاء المسك، و سواد الحبر، لمناسبة النجاسة تغليظ الحكم.

و الظاهر اعتبار الوسط، اعتبارا للأغلب، لرجحانه.

و هل تعتبر أوصاف الماء وسطا، نظرا إلى شدة اختلافها كالعذوبة و الملوحة، و الرقة و الغلظة، و الصفاء و الكدورة؟ فيه احتمال، و لا يبعد اعتبارها، لأن له أثرا بينا في قبول التغير و عدمه.

قوله: (لو اتصل الواقف القليل بالجاري لم ينجس بالملاقاة).

(1) يشترط في هذا الحكم علو الجاري، أو مساواة السطوح، أو فوران الجاري من تحت القليل إذا كان الجاري أسفل، لانتفاء ثبوته بدون ذلك.

قوله: (الجريات المارة على النجاسة الواقفة طاهرة و إن قلت عن الكر مع التواصل).

(2) الجرية: هي الدفعة من الماء الجاري بين حافتي النهر عند جريانه على سطح منحدر.

و قد ذهب بعض العامة الى أن الجريات الحاصلة في الماء عند جريانه متفاصلة معنى، و إن تواصلت حسّا، فلكل جرية حكم نفسها، فيعتبر فيها الكثرة، و الّا‌

115
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الثاني: الواقف غير البئر ؛ ج 1، ص : 116

[الثاني: الواقف غير البئر]

الثاني: الواقف غير البئر ان كان كرا فصاعدا مائعا على اشكال (1) هو ألف و مائتا رطل بالعراقي، (2) أو ثلاثة أشبار و نصف طولا في عرض في عمق (3) لا ينجس بملاقاة النجاسة، بل بتغيّره بها في أحد أوصافه.

______________________________
تنجست عند ملاقاة النجاسة لها، فلو مرت الجريات على نجاسة واقعة في النهر، و كانت كل واحدة منها لا تبلغ الكثرة تنجست جميعها
«1».

و لمّا كان هذا من الأوهام الفاسدة التي لا يدل عليها دليل، نبّه المصنف على الحكم مع الرد على المخالف.

قوله: (مائعا على إشكال).

(1) الإشكال في اشتراط المائعية، و منشؤه: من أن الجمود لا يخرج الماء عن حقيقته، و من أنه بجموده خرج عن صدق اسم الماء عليه، و الأحكام دائرة مع الأسماء لوجوب اعتبار الدلالة الوضعية، و لأن الجمود أخرجه عن شيوع الأجزاء، فلا يتقوى بعضها ببعض و لا يسري الحكم من بعضها الى بعض، بل يختص موضع ملاقاة النجاسة بالتنجيس، و الأصح اعتبار المائعية.

قوله: (هو ألف و مائتا رطل بالعراقي).

(2) للأصحاب قولان: في أن الأرطال عراقية- كل رطل منها أحد و تسعون مثقالا «2»- أم مدنية- كل رطل منها رطل و نصف بالعراقي «3»- و المشهور بين الأصحاب الأول، و عليه الفتوى.

قوله: (أو ثلاثة أشبار و نصف طولا في عرض في عمق).

(3) أراد ب‍ (في) ضرب الحساب ليكون الحكم دائرا مع هذا المقدار، و إن تغيرت هذه الصورة، فيكون مجموع تكسيرها اثنين و أربعين و سبعة أثمان شبر.

و قال القطب الراوندي رحمه اللَّه: إنه إذا بلغ مجموع الأبعاد الثلاثة للماء عشرة‌

______________________________
(1) قاله الشافعي في الأم 1: 4.

(2) ذهب اليه جمع منهم: المفيد في المقنعة: 8 و فيه (بالبغدادي)، و الشيخ في المبسوط 1: 6، و ابن البراج في المهذب 1: 21، و الشهيد في البيان: 44، و اللمعة: 15.

(3) ذهب اليه جمع منهم: الصدوق في الفقيه 1: 6 حديث 2 و أطلق في المقنع: 10، و المرتضى في الناصريات (ضمن الجوامع الفقهية): 214.

116
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الثاني: الواقف غير البئر ؛ ج 1، ص : 116

و ان نقص عنه نجس بالملاقاة لها و ان بقيت أوصافه، سواء قلّت النجاسة كرؤوس الابر من الدم أو كثرت، (1) و سواء كان ماء غدير، أو آنية، أو حوض، أو غيرها. (2)

و الحوالة في الأشبار على المعتاد، (3) و التقدير تحقيق لا تقريب. (4)

______________________________
أشبار و نصفا كان كرا، سواء كان تكسيره يبلغ ذلك أم لا.

قوله: (سواء قلّت النجاسة كرؤوس الابر من الدم أو كثرت).

(1) خالف الشيخ رحمه اللَّه في الحكم الأول فقال: ان القليل من الدم جدّا بحيث لا يدركه الطرف- أي لا يكاد يدركه لقلته، و مثل له المصنف برءوس الابر، و الأمر قريب- لا ينجس الماء القليل «1» تعويلا على رواية «2» لا دلالة فيها على ذلك، و الأصح ما في الكتاب.

قوله: (و سواء كان ماء غدير أو آنية أو حوض أو غيرها).

(2) خالف المفيد «3» و سلار «4» رحمهما اللَّه في ماء الآنية و الحوض، فحكما فيه بالنجاسة و إن كان كثيرا، و ضعفه بيّن.

قوله: (و الحوالة في الأشبار على المعتاد).

(3) المراد بالمعتاد: الموجود مثله غالبا، و هو الذي يراد بمستوي الخلقة.

قوله: (و التقدير تحقيق لا تقريب).

(4) يظهر من كلام ابن الجنيد: أن الكرّ ما بلغ تكسيره نحوا من مائة شبر «5» أن التقدير تقريب، لأن نحو الشي‌ء ما شابهه و كان قريبا منه، فلو نقص شيئا يسيرا لم يقدح، و هو مذهب الشافعي «6» من العامة.

______________________________
(1) المبسوط 1: 7.

(2) الكافي 3: 74 حديث 16، التهذيب 1: 412 حديث 1299، الاستبصار 1: 23 حديث 57.

(3) المقنعة: 9.

(4) المراسم: 36.

(5) نقله العلامة في المختلف: 3.

(6) المجموع 1: 123، و كفاية الأخيار 1: 8.

117
جامع المقاصد في شرح القواعد1

فروع ؛ ج 1، ص : 118

 

[فروع]

فروع:

[أ: لو تغير بعض الزائد على الكر]

أ: لو تغير بعض الزائد على الكر، (1) فان كان الباقي كرا فصاعدا اختص المتغير بالتنجيس، و إلّا عمّ الجميع.

______________________________
و الأصح: أنه تحقيق، فلا يغتفر نقصان شي‌ء و إلّا لم يكن الحدّ حدا.

و هنا سؤالان: أحدهما: انّ أحد الحدين للكرّ مرجعه إلى الأشبار، و هي متفاوتة، حتى أنه قلّ أن يكون شبر شخص مطابقا لشبر آخر، و مع التفاوت كيف يكون تحقيقا!!؟.

الثاني: ان مقدار كل من تحديدي الكر لا ينطبق على الآخر و لا يساويه، على أنه قد قيل: بأن الكر ما كان كل واحد من أبعاده الثلاثة ثلاثة أشبار، و هو قول القميين «1»، و اختاره المصنف في المختلف «2»، و حينئذ فتظهر شدة التفاوت، و كيف يحدّ مقدار واحد بحدين مختلفين، و قد كان اللازم الحكم للأقل بكونه الحد المعتبر دون الآخر؟!.

و الجواب عن الأول: أنه ليس المراد من التقدير التحقيقي عدم التفاوت أصلا، فإن الموازين تتفاوت فكيف الأشبار؟ بل المراد عدم جواز نقصان شي‌ء مما جعل حدا بعد تعيينه في قدر مخصوص، و على التقريب يجوز.

و عن الثاني: أن الظاهر أن اختلاف الحدين لاختلاف المياه في الوزن باعتبار الرقّة و الصفاء و مقابلهما، فربما بلغ مقدار من ماء مخصوص الكرية بأحدهما دون الآخر، و ينعكس ذلك في ماء آخر مع فرض الاستواء، فالحدّ الحقيقي هو الأقل، و الزائد منزل على الاستحباب.

قوله: (لو تغير بعض الزائد على الكر.).

(1) المراد بعض المجموع الزائد على الكرّ، لا بعض ما به الزيادة، و إلا لم ينتظم معه‌

قوله: (فإن كان الباقي كرّا فصاعدا.). «3»

______________________________
(1) الفقيه 1: 6.

(2) المختلف: 4.

(3) هكذا ورد هذا القول من دون شرح.

 

118
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ب: لو اغترف ماء من الكر المتصل بالنجاسة المتميزة ؛ ج 1، ص : 119

[ب: لو اغترف ماء من الكر المتصل بالنجاسة المتميّزة]

ب: لو اغترف ماء من الكر المتصل بالنجاسة المتميّزة، كان المأخوذ طاهرا و الباقي نجسا، و لو لم يتميز كان الباقي طاهرا أيضا. (1)

[ج: لو وجد نجاسة في الكر]

ج: لو وجد نجاسة في الكر، و شكّ في وقوعها قبل بلوغ الكرّية أو بعدها فهو طاهر، (2)

______________________________
قوله: (لو اغترف ماء من الكر المتصل بالنجاسة المتميزة كان المأخوذ طاهرا و الباقي نجسا، [و لو لم يتميز كان الباقي طاهرا أيضا]) «1».

(1) المراد ب‍ (المتميزة:) ما لم تكن مستهلكة، لتشمل الجامدة و المائعة، فتكون غير المتميزة- في الحكم الثاني- هي المستهلكة.

و يجب أن يكون الاغتراف بآلة على وجه يكون الماء مستوليا عليها، فلو كان الماء يدخلها شيئا فشيئا فالجميع نجس، لنقصان الكر بأول دخول شي‌ء منه في آلة الاغتراف.

و لو اغترف النجاسة انعكس الحكم: فيكون المأخوذ و باطن الإناء نجسا، و الباقي و ظاهر الإناء طاهرا.

قوله: (لو وجد نجاسة في الكر، و شكّ في وقوعها قبل بلوغ الكرية أو بعدها فهو طاهر).

(2) لا ريب أن النجاسة سبب في تنجيس ما تلاقيه مع اجتماع جميع المعدّات لقبول التنجيس، و كذا لا ريب أنّ بلوغ الماء حدّ الكرية سبب لزوال التنجيس، و لمنع قبوله مع انتفاء المانع من ذلك، فإذا وجدت النجاسة و بلوغ حدّ الكرية في ماء، و لم يعلم السابق و اللاحق، كان محكوما بطهارته، لأن المقتضي للطهارة هنا موجود- و هو بلوغ الكرية- و المانع هنا- و هو سبق النجاسة لا غيره- مشكوك فيه، فينتفي بالأصل، فيعمل المقتضي عمله.

و أما المقتضي للتنجيس- و هو النجاسة- فإن تأثيره مشروط بعدم الكرية، و لا يكون ذلك إلّا مع السبق، و هو غير معلوم، فينتفي بالأصل.

______________________________
(1) ما بين المعقوفين زيادة من نسخة «ح».

119
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الثالث: ماء البئر ؛ ج 1، ص : 120

و لو شكّ في بلوغ الكريّة فهو نجس. (1)

[الثالث: ماء البئر]

الثالث: ماء البئر ان غيّرت النجاسة (2) أحد أوصافه نجست إجماعا، و ان لاقته من غير تغيير فقولان، أقربهما البقاء على الطهارة. (3)

______________________________
قوله: (و لو شك في بلوغ الكرية فهو نجس).

(1) لأن المقتضي للتنجيس موجود، و المانع مشكوك فيه، فينتفي بالأصل- كما سبق- لكن الحكم بالنجاسة هنا مطلقا مشكل، لوجوب اعتبار هذا الماء إذا تعين للاستعمال، لأنه إذا توقف تحصيل الماء الطاهر على الاعتبار وجب الاعتبار، و لم يجز التيمم و لا الصلاة بالنجاسة من دونه، فيمكن حمل ذلك على ما إذا تعذّر اعتباره بوقوع ماء آخر فيه حصل به الجهل، بقدر ذلك الماء حين وصول النجاسة إليه، و نحو ذلك.

قوله: (ماء البئر إن غيرت النجاسة.).

(2) عرّف شيخنا الشهيد في شرح الإرشاد البئر بأنها: مجمع ماء نابع من الأرض لا يتعدّاها غالبا، و لا يخرج عن مسمّاها عرفا «1».

و القيد الأخير موجب لإجمال التعريف، لأن العرف الواقع لا يظهر أيّ عرف هو، أعرف زمانه صلّى اللَّه عليه و آله، أم عرف غيره؟ و على الثاني، فيراد العرف العام، أم الأعم منه و من الخاص؟

مع أنه يشكل إرادة عرف غيره صلّى اللَّه عليه و آله، و الّا لزم تغير الحكم بتغيير التسمية، فيثبت في العين حكم البئر لو سمّيت باسمه، و بطلانه ظاهر.

و الذي يقتضيه النظر: أنّ ما ثبت إطلاق اسم البئر عليه في زمنه صلّى اللَّه عليه و آله، أو زمن أحد الأئمة المعصومين صلوات اللَّه عليهم، كالتي في العراق و الحجاز، فثبوت الأحكام له واضح، و ما وقع فيه الشك فالأصل عدم تعلق أحكام البئر به، و إن كان العمل بالاحتياط أولى.

قوله: (و إن لاقته من غير تغيير فقولان: أقربهما البقاء على الطهارة).

(3) إذا لم تغير النجاسة ماء البئر للأصحاب في المسألة أقوال، و قول المصنف:

إن فيها قولين تسامع، لأن البقاء على الطهارة قول، و مقابله كأنّه قول آخر، و حاصل‌

______________________________
(1) غاية المراد في شرح الإرشاد: 7.

120
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الثالث: ماء البئر ؛ ج 1، ص : 120

..........

______________________________
الخلاف يرجع الى أربعة أقوال:

الأول: الحكم بالنجاسة بالملاقاة مطلقا، و اليه ذهب أكثر الأصحاب «1».

و الثاني: الحكم ببقاء الطهارة و النزح مستحب، و إليه ذهب المصنف و جماعة «2».

الثالث: القول بعدم النجاسة مع وجوب النزح تعبدا، و هو قول الشيخ في التهذيب «3».

الرابع: القول بعدم النجاسة إن كان ماؤها كرّا و إلّا تنجس «4».

و هذان القولان نادران، و أما الأولان فالأخبار في الدلالة عليهما مختلفة «5»، و لا يكاد يوجد خبر واحد من الأخبار الدالة على النجاسة سليما عن الطعن، و أخبار الطهارة «6»- مع سلامتها عن ذلك- أقوى دلالة و متأيّدة بالأصل، و بدلائل أخرى:

منها: ما ذكره المصنف في المنتهى: لو نجست البئر بالملاقاة لما طهرت، و التالي ظاهر البطلان «7».

بيان الملازمة: أن الدلو و الرّشا «8» و جوانب البئر تتنجس بملاقاة الماء النجس، و نجاستها مانعة من حصول الطهارة في الماء بالنزح لدوام ملاقاتها، و كذا المتساقط من الدلو حال النزح خصوصا الدلو الأخير، و ليس ارتكاب الحكم بطهارتها، بعد‌

______________________________
(1) من القائلين به: المفيد في المقنعة: 9، و المرتضى في الانتصار: 11، و أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 130، و عبارته غير صريحة، و الشيخ في المبسوط 1: 9، و الشهيد في البيان: 45، و اللمعة 1: 34- 35: 15.

(2) منهم: الفاضل في إيضاح الفوائد 1: 17 و نقله عن ابن عقيل و الشيخ.

(3) اضطرب النقل عن الشيخ في هذه المسألة فقد نسب اليه ذلك تارة و تارة عكسه كما هو الظاهر، انظر:

التهذيب 1: 232 و 409، و الاستبصار 1: 32، و مفتاح الكرامة 1: 79- 80، و المدارك: 14.

(4) حكاه السيد في المدارك: 16، عن أبي الحسن محمد بن محمد البصري من المتقدمين.

(5) الكافي 3: 5 حديث 1، التهذيب 1: 237، 244 حديث 686، 705، الاستبصار 1: 37، 44 حديث 101، 124.

(6) قرب الاسناد: 84، التهذيب 1: 234، 246 حديث 676، 709، الاستبصار 1: 42 حديث 118.

(7) المنتهى 1: 10.

(8) الرّشاء: الحبل الذي يوصل به الى الماء. لسان العرب 14: 322 (رشا).

121
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في المضاف و الأسآر ؛ ج 1، ص : 122

[الفصل الثاني: في المضاف و الأسآر]

الفصل الثاني: في المضاف و الأسآر (1) المضاف: هو ما لا يصدق إطلاق اسم الماء عليه، و يمكن سلبه عنه (2) كالمعتصر من الأجسام،

______________________________
استيفاء ما يجب نزحه بأولى من القول بعدم النجاسة بالملاقاة.

و منها: أنه لو تنجست البئر بالملاقاة لكان وقوع الكر من الماء المصاحب للنجاسة فيها موجبا لنجاسة جميع الماء، و التالي ظاهر البطلان، لأنّ الملاقي للنجاسة إذا لم يتغير بها- قبل وقوعه- محكوم بطهارته، فتمتنع نجاسته بغير منجس، و للاستصحاب.

بيان الملازمة: ان نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة يقتضي نجاسة الماء الواقع، لاستحالة أن يكون بعض الماء الواحد طاهرا و بعضه نجسا، مع عدم التغيّر.

و منها: العمومات الدالة على عدم انفعال الماء إلّا مع تغيره بالنجاسة، إلّا ما أخرجه دليل، فالأصح حينئذ القول بعدم التنجيس.

قوله: (الفصل الثاني: في المضاف و الأسآر).

(1) السؤر لغة: هو ما فضل من شرب الحيوان «1»، و يراد به هنا: ما باشره جسم حيوان مع قلّته، فان البحث عنه من جهة طهارته و نجاسته و كراهته، و ذلك لا اختصاص له بالشرب.

قوله: (المضاف: هو ما لا يصدق إطلاق اسم الماء عليه، و يمكن سلبه عنه).

(2) المراد بعدم الصدق، و بإمكان السلب، أي: جوازه عند أهل العرف- كما تقدم في بيان مدلول المطلق- و لمّا كان المضاف مقابلا للمطلق كانت خاصّتاه مقابلتين لخاصّتي المطلق، و إذ قد بيّنا- في ما سبق- أن التعريف لفظي لم يكن عموم تعريف المضاف المستفاد من قوله: (ما لا يصدق) قادحا في صحة التعريف، لأن التعريف اللفظي يطلب به بيان موضوع اللفظ فيكفي فيه الإتيان بلفظ آخر هو أشهر استعمالا‌

______________________________
(1) انظر لسان العرب 4: 340 (سأر).

122
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في المضاف و الأسآر ؛ ج 1، ص : 122

و الممتزج بها مزجا يخرجه عن الإطلاق، فهو طاهر غير مطهّر لا من الحدث و لا من الخبث، (1) فان وقعت فيه نجاسة فهو نجس قليلا كان أو كثيرا. فان مزج طاهرة بالمطلق، فإن بقي الإطلاق فهو مطلق (2) و إلّا فمضاف.

______________________________
في ذلك، أو أوضح دلالة مثل الحنطة برّ، و العشرق نبت
«1».

قوله: (و هو طاهر غير مطهّر لا من الحدث و لا من الخبث).

(1) يمكن أن تكون إعادة (لا) مع العطف في قوله: (و لا من الخبث) للاعتناء بالرد على المخالف في ذلك، فان كلّا من الأمرين قد وقع الخلاف فيه، فقال ابن بابويه بتطهيره من الحدث «2» تعويلا على رواية شاذة «3».

و قال المرتضى بتطهيره من الخبث، لصدق اسم المأمور به على إزالة النجاسة، «4» و هما ضعيفان، و ما ادعاه من الصدق ممنوع.

و قد استدلوا على انحصار الطهورية في المطلق بقوله تعالى (وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً) «5».

أما من حيث أن ذلك وقع في معرض الامتنان، فلو لا الانحصار المذكور، لكان المناسب للغرض الامتنان بالأعم، و لأن رفع الحدث و زوال الخبث حكم شرعي، فيتوقف على ورود الشرع به، و لم يرد ثبوت ذلك للمضاف، فلا يكون استدلالا بمفهوم اللقب الضعيف.

قوله: (فان مزج طاهرة بالمطلق، فإن بقي الإطلاق فهو مطلق).

(2) أي: فان بقي الإطلاق في المطلق، إذ بالمزج يحدث الإطلاق في المجموع على ذلك التقدير، فلا ينتظم بقاء الإطلاق فيه بالمزج، إلّا أن يراد بالبقاء الحصول، و الضمير في قوله: (فهو مطلق) ينبغي على الأول أن يعود الى المجموع، و إن كان خلاف المتبادر من سوق الكلام، إذ لو أعيد إلى المطلق لصار هكذا فالمطلق مطلق،

______________________________
(1) انظر: لسان العرب 10: 252 (عشرق).

(2) الهداية: 13، الفقيه 1: 6.

(3) الكافي 3: 73 حديث 12، التهذيب 1: 218 حديث 627، الاستبصار 1: 14 حديث 27.

(4) اختلف الفقهاء في اسناد هذا القول الى السيد، راجع مفتاح الكرامة 1: 59.

(5) الفرقان: 48.

123
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في المضاف و الأسآر ؛ ج 1، ص : 122

و سؤر كل حيوان طاهر طاهر، و سؤر النجس- و هو الكلب و الخنزير و الكافر- (1) نجس.

و يكره سؤر الجلّال، و آكل الجيف مع طهارة الفم، و الحائض المتهمة، (2) و الدجاج، و البغال، و الحمير، (3) و الفأرة، و الحيّة، (4)

______________________________
و هو تكرار عريّ عن الفائدة إلّا أن يراد بالمطلق الثاني لازمه مجازا، فيكون تقديره: فإن بقي الإطلاق فيه فهو مطهّر.

و لو جعل الضمير للمجموع، أمكن أن يستفاد منه الرد على بعض العامة الذي يقول: إذا استهلك المطلق المضاف، وجب أن يبقى منه قدر المضاف، فلا يتطهر به «1»، و فساده ظاهر، لأن الحكم تابع للإطلاق و قد تحقق.

قوله: (و هو الكلب و الخنزير و الكافر).

(1) يمكن أن يقال: المتولد من الكلب و الخنزير، إذا لم يغلب عليه اسم واحد منهما، لاستواء الشبهين وارد على عبارته لأنه نجس.

قوله: (و الحائض المتهمة).

(2) أي: بعدم التحفظ من النجاسة و المبالاة بها- على الأصح- جمعا بين رواية النهي عن الوضوء بفضلها «2»، و نفي البأس إذا كانت مأمونة «3»، و تعدية الحكم إلى كل متهم تصرف في النص.

قوله: (و البغال و الحمير).

(3) و كذا الدواب- على الأصح- لكراهة لحمها، و المراد بالحمير الأهلية، إذ الوحشية لا كراهة فيها.

قوله: (و الفأرة و الحيّة).

(4) للنهي عن سؤرهما «4»، و ربما قيل بالمنع منه «5».

______________________________
(1) المجموع 1: 99، و الوجيز 1: 6.

(2) الكافي 3: 11 حديث 4.

(3) التهذيب 1: 221 حديث 632، الاستبصار 1: 16 حديث 30.

(4) الكافي 3: 73 حديث 15، التهذيب 1: 413 حديث 1302، الاستبصار 1: 25 حديث 62، 63، و للمزيد راجع الوسائل 1: 171 باب 9.

(5) قاله الشيخ في النهاية: 6.

124
جامع المقاصد في شرح القواعد1

فروع ؛ ج 1، ص : 125

 

و ولد الزنا. (1)

[فروع]

فروع:

[أ: لو نجس المضاف]

أ: لو نجس المضاف، ثم امتزج بالمطلق الكثير، فغيّر أحد أوصافه، فالمطلق على طهارته. فان سلبه الإطلاق خرج عن كونه مطهرا لا طاهرا. (2)

______________________________
قوله: (و ولد الزنا).

(1) على الأصح، و قيل بالمنع للحكم بعدم إسلامه، و هو ضعيف.

قوله: (لو نجس المضاف، ثم امتزج بالمطلق الكثير، فغيّر أحد أوصافه، فالمطلق على طهارته، فان سلبه الإطلاق خرج عن كونه مطهرا لا طاهرا).

(2) الحكم الأول واضح، و إن خالف فيه الشيخ «1» إلحاقا للتغير بالمتنجس بالتغير بالنجاسة «2»، و هو ضعيف.

و أما الثاني:- أعني الحكم بطهارة المضاف النجس، مع بقاء الإضافة باختلاطه بالكثير الطاهر- فهو مختار المصنف في هذا الكتاب و في غيره «3»، و هو مشكل، لأن طهارة النجس متوقفة على شيوع الماء الطاهر في جميع أجزائه و اختلاطها به، و ذلك غير معلوم، على أنه بالشيوع تنفصل أجزاء المطلق بعضها عن بعض، فيزول وصف الكثرة، فيتنجس بالملاقاة، و الأصح الخروج عن الطهارة أيضا.

و ينبغي أن يعلم، أن موضع النزاع ما إذا أخذ المضاف النجس و ألقي في المطلق الكثير، فسلبه الإطلاق، فلو انعكس الفرض وجب الحكم بعدم الطهارة جزما، لأن موضع المضاف النجس نجس لا محالة، فيبقى على نجاسته، لأن المضاف لا يطهره، و المطلق لم يصل اليه، فيتنجس المضاف به على تقدير طهارته.

______________________________
(1) المبسوط 1: 5.

(2) في نسخة «ح»: للتغير بالنجاسة بالتغير بالمتنجس.

(3) التذكرة 1: 4.

 

125
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ب: لو لم يكفه المطلق للطهارة ؛ ج 1، ص : 126

[ب: لو لم يكفه المطلق للطهارة]

ب: لو لم يكفه المطلق للطهارة، فتمم بالمضاف الطاهر و بقي الاسم، صحّ الوضوء به، و الأقرب وجوب التيمم. (1)

[ج: لو تغيّر المطلق بطول لبثه]

ج: لو تغيّر المطلق بطول لبثه، لم يخرج عن الطهورية ما لم يسلبه التغير الإطلاق.

______________________________
قوله: (لو لم يكفه المطلق للطهارة، فتمم بالمضاف الطاهر و بقي الاسم، صح الوضوء به، و الأقرب وجوب التيمم).

(1) الذي يظهر من عبارة المختلف «1» أن خلاف الشيخ رحمه اللَّه «2» في وجوب التيمم خاصة، و كأن وجوب الوضوء بعده لا نزاع فيه، و كذا يدل آخر كلام الشارح- ولد المصنف «3»- و يظهر من أوله: أن الشيخ يقول بصحة الوضوء بعد التيمم و لا يوجبه.

و الذي يفهم من كلام الشيخ و المصنف- و المناسب لصحيح النظر- هو الأول، إذ بعد المزج و صدق الإطلاق و صحة الوضوء لا يكاد يتردد أحد في وجوبه، إنما الكلام في وجوب المزج.

و وجه ما قربه المصنف: أن الطهارة واجب مطلق فيجب تحصيل شرطها، و لا يتم إلا بالمزج، و ما لا يتم الواجب المطلق إلا به فهو واجب.

و ألزم المصنف الشيخ بتنافي قوله بصحة الطهارة و عدم وجوب المزج، لأن الماء المطلق إن تحقق وجوده بالمزج، صح الوضوء به و وجوب المزج، و إلّا وجب الحكم بعدم صحة الوضوء «4».

و دفعه الشارح بأن الطهارة واجب مشروط بوجود الماء و التمكن منه، فلا يجب إيجاده، لأن شرط الواجب المشروط غير واجب.

و جوابه: أنه إن أراد بإيجاد الماء ما لا يدخل تحت قدرة المكلف، فاشتراط الأمر‌

______________________________
(1) المختلف: 14.

(2) المبسوط 1: 9- 10.

(3) إيضاح الفوائد 1: 18.

(4) نقل هذا التضاد في كلام الشيخ ولد المصنف في إيضاح الفوائد 1: 18، و السيد العاملي في مفتاح الكرامة 1: 87.

126
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في المستعمل ؛ ج 1، ص : 127

[الفصل الثالث: في المستعمل]

الفصل الثالث: في المستعمل.

أمّا ماء الوضوء فإنه طاهر مطهّر، و كذا فضلته و فضلة الغسل. (1)

و أمّا ماء الغسل من الحدث الأكبر، فإنه طاهر إجماعا، و مطهر على الأصح. (2)

______________________________
بالطهارة به حق و لا يضرنا، و إن أريد به الأعم فليس بجيد، إذ لا دليل يدل على ذلك، و الإيجاد المتنازع فيه معلوم كونه مقدورا للمكلف، و الأمر بالطهارة خال من الاشتراط، فلا يجوز تقييده إلا بدليل.

و الأصح مختار المصنف، و أراد بوجوب التيمم الحتم، إن لم يجد ماء آخر، و إلّا وجب تخييرا.

قوله: (الفصل الثالث: في المستعمل: أما ماء الوضوء فإنه طاهر مطهِّر، و كذا فضلته و فضلة الغسل).

(1) لا خلاف عندنا في أن ماء الوضوء على حكمه قبل الاستعمال، من أنه طاهر مطهر، و قد خالف في الأمرين بعض العامة «1».

قوله: (و أما ماء الغسل من الحدث الأكبر فإنه طاهر إجماعا، و مطهر على الأصح).

(2) يلوح من العبارة، أن الخلاف في رفع الحدث به ثانيا، و إزالة الخبث حيث جعل مناطه كونه مطهرا و أطلق، و الشارح نقل الإجماع على جواز إزالته الخبث به «2»، و حكى شيخنا في الذكرى في ذلك خلافا «3» و لعله الصواب، و القائل: بأنه غير مطهر الشيخان «4» و جماعة «5»، استنادا إلى أخبار ضعيفة «6»، و الأصح مختار المصنف.

______________________________
(1) المغني لابن قدامة 1: 47، المجموع 1: 151.

(2) إيضاح الفوائد 1: 19.

(3) الذكرى: 9.

(4) المفيد في المقنعة: 9، و الطوسي في المبسوط 1: 11، و الخلاف 1: 25 مسألة 126 كتاب الطهارة.

(5) منهم: ابن بابويه في الفقيه 1: 10، و المحقق الحلي في الشرائع 1: 16.

(6) التهذيب 1: 221 حديث 630، المعتبر 1: 86 و راجع الوسائل 1: 153 باب 9 من أبواب الماء المضاف و المستعمل.

127
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في المستعمل ؛ ج 1، ص : 127

و المستعمل في غسل- النجاسة نجس و ان لم يتغير بالنجاسة، (1)

______________________________
و يستفاد من ظاهر قول المصنف: (أما ماء الغسل من الحدث الأكبر) أن الخلاف غير مختص بالغسل من الجنابة، كما صرح به في المختلف
«1».

و اعلم: أن المراد بماء الوضوء و الغسل الماء القليل المنفصل عن أعضاء الطهارة، إذ الكثير لا يتصور فيه الاستعمال، و المتردد على الأعضاء لا يمكن الحكم باستعماله، و إلّا لامتنع فعل الطهارة.

قوله: (و المستعمل في غسل النجاسة نجس و إن لم يتغير بالنجاسة).

(1) هذا هو القول الأشهر بين متأخري الأصحاب، و الأشهر بين المتقدمين أنه غير رافع، كالمستعمل في الكبرى.

و قال المرتضى «2» و ابن إدريس- «3» و قواه في المبسوط «4»،- بعدم نجاسته إذا لم يتغير، و إلا لم يطهر المحل، لأنه إذا تنجس لوروده لم يفد المحل طهارة.

و التزم المصنف بعدم نجاسته حين الورود، بل بعد الانفصال، و فيه اعتراف بالعجز عن دفع ما استدل به من مكان قريب، فإن القول بنجاسة القليل الملاقي للنجاسة- بعد مفارقتها- لا يعقل وجهه.

و قال الشيخ في الخلاف بطهارة ماء الغسل الأخير «5»، و الظاهر أن موضع الخلاف ماء الغسل المعتبر في التطهير، دون ما سواه.

و حكى بعضهم عن المصنف و شيخه ابن سعيد «6»، القول بنجاسة الغسالة مطلقا، و ان زاد الغسل على العدد المعتبر، و لعله فهمه من قوله آخرا: (و المتخلف في الثوب بعد عصره.)، و لا دلالة فيه، لأن هذا حكم الماء الوارد على المحل‌

______________________________
(1) المختلف: 12.

(2) جمل العلم و العمل: 49.

(3) السرائر: 7.

(4) المبسوط 1: 11.

(5) الخلاف 1: 26 مسألة 135 كتاب الطهارة.

(6) المصنف في تحرير الأحكام 1: 5، مختلف الشيعة 1: 13، تذكرة الفقهاء 1: 5، و الظاهر انه أراد بابن سعيد المحقق الحلّي كما يتضح- من شرائع الإسلام 1: 55.

128
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في المستعمل ؛ ج 1، ص : 127

عدا ماء الاستنجاء، فإنه طاهر مطهّر ما لم يتغير بالنجاسة، أو يقع على نجاسة خارجة، (1) و المستعمل في الأغسال المندوبة مطهر إجماعا.

______________________________
النجس، و بعد الغسل المعتبر يحكم بالطهارة، فلا مقتضي لانفعال الماء، و العمل على المشهور بين المتأخرين وقوفا مع الشهرة و الاحتياط، فعلى هذا يكون ماء الغسلة كمغسولها قبلها.

قوله: (عدا ماء الاستنجاء فإنه طاهر مطهّر، ما لم يتغير بالنجاسة، أو يقع على نجاسة خارجة).

(1) استثنى الأصحاب من غسالة النجاسة ماء الاستنجاء من الحدثين، فاتفقوا على عدم تنجسه، و حكم الصادق عليه السلام- بعدم نجاسة الثوب الملاقي له «1»- يدل على ذلك، و لا فرق بين المخرجين و لا بين المتعدي و غيره، إلا أن يتفاحش التعدي، و لا بين الطبيعي و غيره إذا صار معتادا لإطلاق الحكم.

لكن يشترط لطهارته أمور دلت على اشتراطها دلائل أخرى، أن لا يتغير بالنجاسة، و لا يقع على نجاسة خارجة، مماثلة كانت أو لا، و قد ذكرهما المصنف، و اشتراطهما ظاهر. و يشترط أيضا- زيادة على ما ذكره- أن لا تنفصل مع الماء أجزاء من النجاسة متميّزة، لأنها كالنجاسة الخارجة، يتنجس الماء بها بعد مفارقة المحل، و أن لا تخالط نجاسة الحدثين بنجاسة أخرى.

و لا يعتد بما يقال من اشتراط سبق الماء اليد إلى المحل، أو مقارنتها له، لأن اليد تتنجس على كل حال، و لا أثر للتقدم و التأخر في ذلك.

نعم، ثبوت العفو مخصوص بما إذا كانت نجاستها لكونها آلة للغسل، فلو تنجست لا لذلك ثم حصل الاستنجاء فلا عفو.

و هل يعتبر عدم زيادة الوزن؟ فيه وجهان: أظهرهما العدم، لأن التنجيس لتغير شي‌ء من الأوصاف الثلاثة، لا مطلقا.

و اعلم أن قول المصنف: (فإنه طاهر)، مقتضاه أنه كغيره من المياه الطاهرة في‌

______________________________
(1) الكافي 3: 13 حديث 5، الفقيه 1: 41 حديث 162، التهذيب 1: 85، 86 حديث 223، 227، 228، و للاستزادة راجع الوسائل 1: 160 باب 13.

129
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في المستعمل ؛ ج 1، ص : 127

و تكره الطهارة بالشمس في الآنية، (1)

______________________________
ثبوت الطهارة له، و نقل في المنتهى على ذلك الإجماع
«1»، و قال المحقق في المعتبر:

ليس في الاستنجاء تصريح بالطهارة، إنما هو بالعفو «2»، و تظهر الفائدة في استعماله [ثانيا] «3».

قال شيخنا في الذكرى: و لعله أقرب، لتيقن البراءة بغيره «4».

قلت: اللازم أحد الأمرين: إما عدم إطلاق العفو عنه، أو القول بطهارته، لأنه إن جاز مباشرته من كل الوجوه لزم الثاني، لأنه إذا باشره بيده، ثم باشر به ماء قليلا- و لم يمنع من الوضوء به- كان طاهرا لا محالة، و إلّا وجب المنع من مباشرة نحو ماء الوضوء به إذا كان قليلا، فلا يكون العفو مطلقا، و هو خلاف ما يظهر من الخبر «5» و من كلام الأصحاب، فلعل ما ذكره المصنف أقوى، و إن كان ذاك أحوط.

قوله: (و تكره الطهارة بالشمس في الآنية).

(1) الأصل في كراهته ورود النص بالنهي عنه معلّلا بخوف البرص «6»، و الظاهر: أنه لا فرق في الكراهية بين الآنية المنطبعة و غيرها «7»، و كون ذلك في قطر حار أو لا، وقوفا مع إطلاق النص، و التعليل بخوف البرص تنبيه على الحكمة في النهي عنه، و لا يفيد تخصيصا و لا تقييدا، و ربما خص الكراهية بعض بكون ذلك في إناء منطبع، و قطر حار، و قد دللنا على ضعفه.

و كذا لا يشترط القصد إلى التشميس، فيعم الحكم ما تشمس بنفسه. و لا‌

______________________________
(1) المنتهى 1: 22.

(2) قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة 1: 94: (و لقد تتبعت المعتبر غير مرة فما وجدت ما يناسب ما نحن فيه الا قوله: «و أما طهارة ماء الاستنجاء فهو مذهب الشيخين. و قال علم الهدى رحمه اللَّه في المصباح: لا بأس بما ينضح من ماء الاستنجاء على الثوب و البدن» المعتبر 1: 91. و كلامه صريح في العفو و ليس بصريح في الطهارة).

(3) زيادة من النسخة الحجرية.

(4) الذكرى: 9.

(5) الكافي 3: 13 حديث 5، الفقيه 1: 41 حديث 162، التهذيب 1: 85 حديث 223، العلل: 287 باب 207، و للمزيد راجع الوسائل 1: 160 باب 13 من أبواب الماء المضاف و المستعمل.

(6) الكافي 3: 15 حديث 5، علل الشرائع: 280 باب 194 حديث 2، التهذيب 1: 379 حديث 1177.

(7) الأواني المنطبعة: هي الأواني المصنوعة من الفلزات كالحديد و الرصاص و النحاس و غيرها عدا الذهب و الفضة، لأن الشمس إذا أثرت فيها استخرجت منها زهومة تعلو الماء و منها يتولد المحذور. اما الذهب و الفضة فلصفاء معدنهما لا تؤثر فيهما الشمس هذا التأثير.

و غير المنطبعة: هي الأواني الأخرى المصنوعة من الخزف أو الخشب و غيرهما.

(انظر للتفصيل: نهاية الأحكام 1 226 و الحدائق 2 409).

130
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في المستعمل ؛ ج 1، ص : 127

و تغسيل الميت بالمسخن بالنار إلّا مع الحاجة. (1)

و غسالة الحمام لا يجوز استعمالها إلّا مع العلم بخلوّها من النجاسة (2)

______________________________
يشترط بقاء السخونة استصحابا لما كان، و القول باشتراطهما ضعيف، فعلى هذا لو قال المصنف: (المتشمس) بدل (المشمس) لكان أولى.

و هل الكراهة هنا للإرشاد على حد قوله تعالى (وَ أَشْهِدُوا إِذٰا تَبٰايَعْتُمْ) «1» أم للعبادة؟ كل محتمل، و لعل الأول أوضح.

فإن قيل: لم لم يكن استعماله محرما لوجوب دفع الضرر؟ قلنا: ليس بمعلوم الوقوع و لا مظنونه، و إنما هو ممكن، نظرا الى صلاحيته له، و كما تكره الطهارة يكره العجن به، لورود الخبر به «2».

و هل تكره باقي استعمالاته؟ لا يبعد القول به نظرا الى المحذور.

و اعلم: أن التقييد بالآنية يشعر باختصاص الحكم بالمتشمس بها، و هو كذلك، فلو تشمس الماء في حوض أو ساقية لم يكره استعماله.

و هل يختص هذا الحكم بالقليل، أم يعم الكثير؟ لا يحضرني الآن نص على شي‌ء بخصوصه، لكن إطلاق النص «3»، و كلام الأصحاب يتناوله، و كذا خوف تولد المحذور.

و معلوم أن الكراهة إنما هي مع وجود ماء آخر للطهارة، فان لم يوجد وجب استعماله حينئذ.

قوله: (و تغسيل الميت بالمسخن بالنار، إلا مع الحاجة).

(1) علل في الأخبار بأن فيه أجزاء نارية تعجل للميت، و لأن فيه تفاؤلا له بالحميم «4»، و لأنه يعد بدن الميت لخروج شي‌ء من النجاسات لأنه يرخيه.

قوله: (و غسالة الحمام لا يجوز استعمالها، إلّا مع العلم بخلوّها من‌

______________________________
(1) البقرة: 282.

(2) الكافي 3: 151 حديث 5، علل الشرائع: 280 باب 194 حديث 2، التهذيب 1: 379 حديث 1177.

(3) الكافي 3: 151 حديث 5، علل الشرائع: 280 باب 194 حديث 2، التهذيب 1: 379 حديث 1177.

(4) الكافي 3: 147 حديث 2، التهذيب 1: 322 حديث 937، 939 و التعليل الأخير قد يكون للفقهاء.

131
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في المستعمل ؛ ج 1، ص : 127

و المتخلف في الثوب بعد عصره طاهر، فان انفصل فهو نجس. (1)

______________________________
النجاسة).

(1) لم يصرح المصنف بنجاستها، لعدم التصريح بذلك في الأخبار، إنما الذي ورد النهي عن استعماله في الغسل «1»، مع ضعف السند، و قيل بنجاستها «2». استنادا إلى هذا النهي، و ضعفه ظاهر.

و اختار المصنف في المنتهى طهارتها «3»، لحكم الكاظم عليه السلام بنفي البأس عن إصابتها الثوب «4»، و لا يكاد يظهر منه مخالفة ما هنا، و الذي يقتضيه النظر، أنه مع الشك في النجاسة يكون على حكمها الثابت لها قبل الاستعمال، و إن كان اجتنابها أحوط.

قوله: (و المتخلف في الثوب بعد عصره طاهر، فإن انفصل فهو نجس).

(2) إنما كان كذلك، لأن المصنف التزم عدم نجاسة الماء الوارد على المحل النجس ما دام لم ينفصل عنه، و إلا لم يطهر المحل، فإذا انفصل ظهر أثر ملاقاة النجاسة فيه، فينجس حينئذ- كما سبق- «5»، فإذا عصر الثوب من الغسل المعتبر في تطهيره حكم بطهارته قطعا، و لا ريب أن المتخلف فيه من الماء على حكم الطهارة، فلو بالغ أحد في عصره، فانفصل منه شي‌ء كان نجسا، لما عرفت من أن أثر ملاقاته للمحل النجس إنما يظهر بعد انفصاله، و قد عرفت ما فيه.

و الظاهر: أن هذا الحكم عنده مختص بالغسل المقتضي لحصول الطهارة، فلو غسل زيادة عن الموظف كان ماء الغسل الزائد طاهرا، لعدم ملاقاته للمحل في حال نجاسته، مع إمكان أن يقول بنجاسته أيضا لانفصال شي‌ء من الماء المتخلف في المحل معه، و التنجيس فيه بعد انفصاله، و هو بعيد، مع أن الأصل العدم.

______________________________
(1) الكافي 6: 498 و 503 حديث 10، 38، العلل: 292 حديث 1، التهذيب 1: 373 حديث: 1143، و للمزيد راجع الوسائل 1: 58 باب 11.

(2) قاله المحقق في المعتبر 1: 92.

(3) المنتهى 1: 25.

(4) الكافي 3: 15 حديث 4، الفقيه 1: 10 حديث 17، التهذيب 1: 379 حديث: 1176.

(5) قد سبق قول المصنف ص 47.

132
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في تطهير المياه النجسة ؛ ج 1، ص : 133

[الفصل الرابع: في تطهير المياه النجسة]

الفصل الرابع: في تطهير المياه النجسة أمّا القليل، فإنّما يطهر بإلقاء كرّ دفعة عليه لا بإتمامه كرا على الأصح، (1)

______________________________
قوله: (الفصل الرابع: في تطهير المياه النجسة: أمّا القليل فإنما يطهر بإلقاء كر دفعة عليه لا بإتمامه كرّا على الأصح).

(1) المراد بحصر تطهيره- فيما ذكره-: بالإضافة إلى إتمامه كرّا، لأنه يطهر بوصول الماء الجاري و ماء المطر اليه، و كذا القول في المادة المشتملة على الكرّ، لأنها لا تختص بالحمام كما سبق.

و المراد بالدفعة: وقوع جميع أجزاء الكرّ في زمان قصير، بحيث يصدق اسم الدفعة عليه عرفا، لامتناع ملاقاة جميع الأجزاء في آن واحد، و لأن الاستعمال العرفي هو المراد في نحو ذلك، تقول: جاؤوا دفعة، و لا تريد إلا هذا المعنى.

و قد عبّر في الذكرى بإلقاء كر عليه متصل «1»، و فيه تسامح، لأن وصول أقل جزء إلى النجس يقتضي نقصانه عن الكر، فلا يطهر حينئذ، و لورود النص بالدفعة «2» و تصريح الأصحاب بها «3»، و يمكن أن يريد به هذا المعنى، لأن اتصال جميع الأجزاء حين إلقائه لا يتحقق إلا بهذا المعنى، و إن كان خفيا.

إذا تقرر ذلك، فقد اختلف الأصحاب في طهر القليل النجس إذا تمم كرّا، على أقوال ثلاثة «4»، ثالثها يفرق فيه بين الإتمام بالطاهر و النجس، و أكثر المحققين‌

______________________________
(1) الذكرى: 8.

(2) الفقيه 1: 6 حديث 2، انظر: هامش مفتاح الكرامة 1: 99.

(3) منهم: المحقق في الشرائع 1: 12، و العلامة في التذكرة 1: 2.

(4) القول الأول: عدم التطهير و ذهب اليه الشيخ في الخلاف 1: 30 مسألة 149 كتاب الطهارة، و المحقق في المعتبر 1: 51 و الشرائع 1: 12: و العلامة في التذكرة 1: 4.

و القول الثاني: التطهير ان تمم بطاهر و ذهب اليه ابن حمزة في الوسيلة: 68.

133
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في تطهير المياه النجسة ؛ ج 1، ص : 133

و لا بالنبع من تحته. (1)

______________________________
كالشيخ
«1»، و ابن البراج «2»، و المرتضى «3»، و ابن إدريس «4»، و يحيى بن سعيد «5» على الطهارة مطلقا، لقوله عليه السلام: «إذا بلغ الماء كرّا لم يحمل خبثا» «6»، فان الماء مطلق فيجري في الطاهر و النجس، و الخبث نكرة في سياق النفي فيعم.

و معنى لم يحمل خبثا: لم يظهر فيه، قال في القاموس: و حمل الخبث أظهره، قيل: و منه: لم يحمل خبثا أي: لم يظهر فيه الخبث «7»، و في نهاية ابن الأثير: لم يحمل خبثا أي: لم يظهره، و لم يغلب الخبث عليه، من قولهم: فلان يحمل غضبه، أي: [لا يظهره، و قيل: معنى لم يحمل خبثا أنه يدفعه عن نفسه، كما يقال: فلان لا يحمل الضيم، إذا كان يأباه و يدفعه عن نفسه «8»، و في المجمل: و حكى ناس أن معنى قوله صلّى اللَّه عليه و آله «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا» «9» إنما أراد لم يظهر فيه الخبث، قالوا: و تقول العرب: فلان يحمل غضبه، أي: يظهر غضبه «10».

و المتأخرون على استصحاب حكم النجاسة «11»، و ارتكبوا في الحديث تأويلات لا يدل عليها دليل، و طعنوا فيه بمطاعن ضعيفة، و لا شبهة في أن الاحتياط هو العمل بقولهم، و للتحقيق حكم آخر.

قوله: (و لا بالنبع من تحته).

(1) هذا الحكم مشكل، و يمكن حمل كلامه على نبع ضعيف يترشح ترشحا، أو نبع لا مادة له، فلو نبع ذو المادة من تحته مع قوة و فوران، فلا شبهة في حصول الطهارة.

______________________________
(1) المبسوط 1: 7.

(2) المهذب 1: 23.

(3) جوابات المسائل الرسية الأولى (ضمن رسائله، المجموعة الثانية): 361.

(4) السرائر: 8.

(5) الجامع للشرائع: 18.

(6) عوالي اللآلي 2: 16 حديث 30 و أورد الرواية الشيخ في المبسوط 1: 7.

(7) القاموس المحيط (حمل) 3: 362.

(8) النهاية (حمل) 1: 444 و ما بين المعقوفين من المصدر.

(9) سنن أبي داود 1: 17 حديث 63، و سنن الترمذي 1: 46 حديث 67، و سنن النسائي 1: 46 و 175.

(10) المجمل لابن الفارس 1: 253.

(11) منهم: الشهيد في الدروس: 14 و البيان: 14.

134
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في تطهير المياه النجسة ؛ ج 1، ص : 133

و أمّا الكثير، فإنّما يطهر بذلك ان زال التغيّر، و إلّا وجب إلقاء كرّ آخر، (1) فان زال و إلّا فآخر، و هكذا.

و لا يطهر بزوال التغيّر من نفسه، (2) أو بتصفيق الرياح، أو بوقوع أجسام طاهرة فيه غير الماء، فيكفي الكر و ان لم يزل التغيّر به لو كان، (3) و لو تغير بعضه و كان الباقي كرا طهر بزوال التغيّر بتموّجه.

و الجاري يطهر بتكاثر الماء و تدافعه حتى يزول التغيّر. (4)

______________________________
قوله: (و الا وجب إلقاء كرّ آخر).

(1) أي: دفعة، اكتفاء بما سبق، و إنما يجب إلقاء كرّ آخر إذا تغيّر الكر الأول بالنجاسة، فلو بقي على حكمه، فالمتغير كنجاسة متصلة به، فإذا امتزج أحدهما بالآخر و زال تغير المتغير حكم بالطهارة، و لم يحتج إلى كرّ آخر، و ليس هذا بأدون مما لو تغير بعض الزائد على الكر، و بقي الباقي كرّا.

قوله: (و لا يطهر بزوال التغير من نفسه).

(2) خلافا ليحيى بن سعيد «1».

قوله: (فيكفي الكرّ و إن لم يزل به لو كان).

(3) أي: لو وقعت أجسام طاهرة في الماء المتغير بالنجاسة، فأزالت عنه التغير، بحيث لم يبق فيه تغيّر أصلا، لا أن سترته فلم يدرك بالحس، فإنه يكفي الكر لتطهيره حينئذ، لعدم وجود التغير، و إن كان التغير السابق لا يزول بالكرّ لو لا الأجسام الطاهرة، لحصول المطلوب بزواله.

قوله: (و الجاري يطهر بتكاثر الماء و تدافعه حتى يزول التغير).

(4) هكذا وقع في عبارته و عبارة غيره، و الظاهر: أن الحكم بالطهارة في الجاري غير موقوف على التكاثر و التدافع، بل لو زال التغير- بأي وجه كان- حكم بالطهارة لمكان المادة.

اللهم إلا أن يقال: بأن مجرد اتصال الماء الطاهر بالنجس لا يقتضي طهارة النجس، بل لا بد من الامتزاج مع صلاحيته للتطهير، فيستوي في ذلك الجاري،

______________________________
(1) الجامع للشرائع: 18.

135
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في تطهير المياه النجسة ؛ ج 1، ص : 133

و المضاف بإلقاء كرّ دفعة و ان بقي التغيّر ما لم يسلبه الإطلاق فيخرج عن الطهورية، (1) أو يكن التغيّر بالنجاسة فيخرج عن الطهارة. (2)

______________________________
و الواقف، و ماء الحمام، و ماء الكوز النجس إذا غمس في الكثير، و الأصح: أن الامتزاج غير شرط، للأصل، و لأنه ليس للامتزاج معنى معتمد محصل.

قوله: (و إن بقي التغير ما لم يسلبه الإطلاق فيخرج عن الطهورية).

(1) خالف الشيخ رحمه اللّٰه في الحكم الأول، فحكم بأن حصول التغير في المطلق بالمضاف النجس موجب لنجاسته، و إن بقي إطلاق الاسم، لأنه متغير بنجس «1»، و هو ضعيف، لأن تغيره بغير النجاسة، و المقتضي للتنجيس هو الأول دون الثاني، و لأن المضاف يصير طهورا بأول خروجه عن الإضافة، لقبوله الطهارة، فإنه ليس عين نجاسة.

و هذا إذا لم يسلب المضاف المطلق إطلاقه، فإن سلبه خرج عن الطهورية، لا عن الطاهرية عند المصنف، و قد علم فيما مضى خروجه عنهما، و ضعف ما ذهب اليه.

و علم أيضا، أن تصوير المسألة يجب أن يكون بأن يلقى المضاف النجس على الكثير المطلق، و إن كان ظاهر قوله: (بإلقاء كر) قد يشعر بخلافه.

قوله: (أو يكن التغير بالنجاسة فيخرج عن الطهارة).

(2) أي: إذا كان التغير في المطلق حين إلقائه على المضاف بأوصاف النجاسة لوجودها في المضاف- كلون الدم في ماء الورد- فان المطلق حينئذ يخرج عن الطهارة، و هو واضح.

و اعلم أن جملة (إن) الوصلية لتأكيد إطلاقه الحكم بطهر المضاف بإلقاء كرّ، و ما- في (ما لم يسلبه)- ظرف بمعنى المدة هي في معنى الاستثناء من الحكم السابق، لأنه في قوة عود المضاف طهورا، و إلا لما صح الاستثناء، و المستتر في (يسلبه) للمضاف، و الآخر للمطلق، و المعطوف ب‍ (أو) على ما في خبر لم، و المعنى: يعود طهورا ما لم يكن هذا أو ذاك.

______________________________
(1) المبسوط 1: 5.

136
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في تطهير المياه النجسة ؛ ج 1، ص : 133

و ماء البئر بالنزح حتى يزول التغيّر. (1)

______________________________
قوله: (و ماء البئر بالنزح حتى يزول التغير).

(1) لما لم يحكم بنجاسة البئر إلا مع التغير بالنجاسة، حكم بعود الطهارة بزواله بالنزح، و ظاهره: أن ذلك طريق تطهيرها، و هو مشكل، و قد كان اللازم الحكم بطهرها بزوال التغير بأي طريق كان، اعتبارا بمادة النبع، كما دلّ عليه حديث الرضا عليه السّلام «1»، و كما يظهر من احتجاجه بوجود المادة المقتضي لعدم النجاسة إلا بالتغير.

لكن بناء على أصله من اعتبار الكرية في الجاري، يجب اعتبارها هنا بطريق أولى، و على ما اخترناه، فينبغي الحكم بطهرها إذا غلب ماؤها الطاهر، و استهلك المتغير، و إن كان النبع من تحت، إذا كان غزيرا، و لو سبق إليها الجاري، أو وقع عليها ماء الغيث، أو ألقي عليها ماء كثير فزال تغيرها، فلا ريب في عود الطهارة.

و اعلم أن المصنف لم يذكر حكم تغير البئر عند القائلين بالنجاسة بالملاقاة، فإن لهم أقوالا:

منها: النزح حتى يزول التغير كما سبق «2».

و منها: نزح الجميع، فان تعذر نزح حتى يزول التغير، و يستوفى المقدّر «3».

و منها: نزح الجميع، فان تعذّر وجب التراوح «4».

و منها: نزح أكثر الأمرين من المقدر، و ما به يزول التغير في النجاسة المنصوصة «5» و في غيرها نزح الجميع، بناء على أن غير المنصوصة ينزح لها جميع الماء، و اختاره ابن إدريس «6»، و هو الأقوى، تفريعا على القول بالنجاسة.

______________________________
(1) الاستبصار 1: 33 حديث 87.

(2) ذهب اليه الصدوق في المقنع: 11، و أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 130.

(3) قاله الشيخ في المبسوط 1: 11، و النهاية: 7.

(4) ذهب اليه الصدوق في الفقيه 1: 13، و الشيخ في التهذيب 1: 240، و المحقق في الشرائع 1: 14.

(5) ذهب إليه أبو المكارم ابن زهرة في الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): 490، و يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 19، و الشهيد في الذكرى: 9.

(6) السرائر: 10.

137
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في تطهير المياه النجسة ؛ ج 1، ص : 133

و أوجب القائلون بنجاستها بالملاقاة نزح الجميع بوقوع المسكر، (1) أو الفقاع، أو المني، (2) أو دم الحيض أو الاستحاضة أو النفاس، (3) أو موت بعير، (4)

______________________________
قوله: (لوقوع المسكر).

(1) لا فرق فيه بين الخمر و غيره، لأن كل مسكر خمر، و المراد به: المائع بالأصالة، لعدم نجاسة الجامد، و لا فرق أيضا بين كثيره و قليله، حتى القطرة، كما يظهر من العبارة، و قد فرق بعض الأصحاب، فأوجب في القطرة عشرين «1».

و الفقاع خمر، كما ورد به النص «2»، و سيأتي تحقيقه إن شاء اللَّه تعالى.

قوله: (أو مني).

(2) اشتهر القول بذلك بين الأصحاب، و لا نص فيه، على ما ذكره الشيخ أبو علي ابن الشيخ أبي جعفر في شرح نهاية والده.

قوله: (أو دم الحيض، أو الاستحاضة، أو النفاس).

(3) ذهب إلى ذلك الشيخ «3» و عامة الأصحاب «4»، نظرا إلى أنها كالمني، و لغلظ نجاستها، و أطلق المفيد القول بأن الدم الكثير ينزح له عشر، و للقليل خمس «5»، و كذا ابنا بابويه «6»، و ان خالفاه في مقدّر الكثير و القليل، و الاحتياط العمل بالمشهور.

قوله: (أو موت بعير).

(4) هو للجنس، يتناول الذكر و الأنثى، و مثله الثور عند الأكثر- و هو ذكر البقر- لصحيحة عبد اللَّه بن سنان عن الصادق عليه السلام «7»، خلافا لابن إدريس فإنه‌

______________________________
(1) و هو الصدوق في المقنع: 11.

(2) الكافي 3: 407 حديث 15، التهذيب 1: 282 حديث 828.

(3) المبسوط 1: 11.

(4) منهم: ابن حمزة في الوسيلة: 69، و ابن البراج في المهذب 1: 21، و المحقق في الشرائع 1: 13.

(5) المقنعة: 9.

(6) المقنع: 10، 11، الفقيه 1: 13، المختلف: 6.

(7) التهذيب 1: 241 حديث 695، الاستبصار 1: 34 حديث 93.

138
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في تطهير المياه النجسة ؛ ج 1، ص : 133

فان تعذّر تراوح عليها أربعة رجال يوما، كل اثنين دفعة. (1)

______________________________
اكتفى بالكر
«1»، و الشيخان «2» و أتباعهما «3» لم يذكروا حكمه، لأنهم أوجبوا لنزح البقرة كرّا، و لم يتعرضوا للثور، و لفظ البقرة لا يدل عليه، و نقل صاحب الصحاح إطلاق لفظ البقرة على الذكر «4»، فيجب الكر حينئذ، حكى ذلك المصنف في المختلف «5».

قوله: (فان تعذر تراوح عليها أربعة رجال يوما، كل اثنين دفعة).

(1) التراوح: تفاعل من الراحة، لأن كل اثنين يريحان صاحبيهما دفعة،.

و لا يجزئ فيه ما دون الأربعة، لقول الصادق عليه السلام: «يقام عليها قوم اثنين اثنين» «6»، و يجزئ ما فوقها ما لم يتصور بطء بالكثرة.

و لا غير الرجال من نساء، أو صبيان، أو خناثى للفظ القوم، و اجتزأ بهم بعض الأصحاب «7» لشمول الاسم، و اختلف تفسير أهل «8» اللغة له، و الآية «9» ترجح القول بأن القوم للرجال.

و المعتبر يوم الصوم من طلوع الفجر الثاني إلى الغروب، و هو الظاهر من عبارة الأصحاب، و لا فرق بين الطويل و القصير، نظرا الى شمول الإطلاق، و لا يجزئ الليل، و لا الملفق منهما اقتصارا على المنصوص، و يجب إدخال جزء من الليل أولا و آخرا من باب المقدمة، و يستثني الاجتماع في الأكل و الصلاة.

و الظاهر: أن التأهب للنزح داخل في اليوم، لأنه من مقدماته، مع إمكان‌

______________________________
(1) السرائر: 10.

(2) المفيد في المقنعة: 9، و الطوسي في المبسوط 1: 11.

(3) منهم: سلّار في المراسم: 35، و المحقق في الشرائع 1: 13، و الشهيد في اللمعة: 15.

(4) الصحاح 2: 594، 593 مادة (بقر، بعر).

(5) المختلف: 8.

(6) التهذيب 1: 284 حديث 832.

(7) قاله العلامة في التذكرة 1: 4.

(8) قال الجوهري في الصحاح 5: 2016 مادة (قوم): القوم الرجال دون النساء، و في القاموس (قوم) 4: 168، الرجال و النساء معا أو الرجال خاصة أو تدخله النساء على تبعيّة و يؤنث، و في اللسان (قوم) 12: 504 الجماعة من دون النساء، و عن الصنعاني: و ربما دخل النساء تبعا لان قوم كل نبي رجال و نساء.

(9) الحجرات: 11.

139
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في تطهير المياه النجسة ؛ ج 1، ص : 133

و نزح كرّ لموت الدابة، أو الحمار، أو البقرة. (1) و سبعين دلوا لموت الإنسان، (2)

______________________________
وجوب تقديمه عليه نظرا الى ظاهر قوله عليه السلام: «يقام عليها قوم اثنين اثنين ينزفون يوما إلى الدليل»
«1».

قوله: (و نزح كر لموت الدابة، أو الحمار، أو البقرة).

(1) البغل كالحمار في ذلك، و ان لم يذكر في بعض الروايات، لوجوب قبول الزيادة غير المنافية، و أما الدابة و البقرة فللشهرة، إذ هما مما لا نص فيه، ذكره في المعتبر «2»، و في المختلف لم نقف على حديث يتعلق بالبقرة «3».

قوله: (و سبعين دلوا لموت الإنسان).

(2) سيأتي أنه لا فرق في الإنسان بين المسلم و الكافر، و كذا لا فرق بين موته في البئر و وقوعه ميتا، و عبارته قاصرة عن الثاني، فلو قال لمباشرة ميت الإنسان كان أشمل و يشترط كون الميت نجسا، فلو طهّر بالغسل أو لم يجب غسله لم يجب النزح، بخلاف ما لو يمم أو غسل فاسدا و نحوه.

و اعلم: أن الميت في البئر، إذا كان كافرا، يجب أن ينزح له أكثر الأمرين من الواجب لما لا نص فيه، و الواجب لنجاسة الموت، فيبني على الخلاف فيما لا نص فيه، فان قيل بوجوب الجميع فلا بحث، و إلا فسبعون، مع احتمال التضاعف لاختلاف النجاسة.

و إنما لم يكتف بالسبعين لملاقاته البئر في حال الحياة، و تلك نجاسة غير منصوصة، و عروض الموت له موجب لنجاسة أخرى.

و وجه التداخل: أنها نجاسة ذات واحدة في حالين.

______________________________
(1) التهذيب 1: 284 حديث 832.

(2) المعتبر 1: 63.

(3) المختلف: 8.

140
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في تطهير المياه النجسة ؛ ج 1، ص : 133

و خمسين للعذرة الرطبة و الدم الكثير (1) كذبح الشاة، غير الدماء الثلاثة.

و أربعين لموت الثعلب، أو الأرنب، أو الخنزير، (2) أو السنّور، أو الكلب، (3) أو لبول الرجل. (4)

______________________________
قوله: (و الدم الكثير).

(1) هذا مختار الشيخ «1» و اتباعه «2»، قال المصنف في المختلف: ما قدّره الشيخ لم أقف فيه على حديث مروي «3». هذا كلامه، و في حسنة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام: «ما بين الثلاثين إلى الأربعين» «4» و الأكثر طريق إلى اليقين، و أسنده في المختلف «5» إلى الصدوق، و لا بأس به.

و اعلم أن إطلاق الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين دم نجس العين و غيره و يحتمل قويا الفرق لغلظ نجاسته، إذ هو في قوّة نجاستين، و من ثم لم يعف عن قليله في الصلاة، فيكون مما لا نص فيه.

قوله: (أو الخنزير).

(2) الظاهر: أن الخنزير إذا وقع حيّا ثم مات، ينزح له أكثر الأمرين من الأربعين، و مقدر ما لا نص فيه على القول به، مع احتمال التضاعف- على ما سبق في الكافر- «6»، إذ لا نص في نجاسته حال الحياة، و لم أجد في ذلك كلاما لأحد.

قوله: (أو الكلب).

(3) يجري فيه احتمال التضاعف لو وقع حيا فمات، و يلحق بموت الخنزير و الكلب كلّ ما ماثلهما في قدر الجسم، ككلب الماء و خنزيره.

قوله: (و لبول الرجل).

(4) لما رواه علي بن أبي حمزة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام «7» و لا يلحق به بول‌

______________________________
(1) المبسوط 1: 12، النهاية: 7.

(2) منهم سلار في المراسم: 35، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 490، و الشهيد في الذكرى: 10.

(3) المختلف: 6.

(4) قرب الاسناد: 84، الكافي 3: 6 حديث 8، الفقيه 1: 15 حديث 29 التهذيب 1: 409 حديث 1288.

(5) المختلف: 6.

(6) سبق في صفحة 140 عند قوله: و اعلم أن الميت إذا كان كافرا.

(7) التهذيب 1: 243 حديث 700، الاستبصار 1: 34 حديث 90.

141
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في تطهير المياه النجسة ؛ ج 1، ص : 133

و ثلاثين لماء المطر المخالط للبول، و العذرة، و خرء الكلاب. (1) و عشر للعذرة اليابسة و الدم القليل، كذبح الطير و الرعاف القليل. و سبع لموت الطير، كالحمامة و النعامة و ما بينهما، (2)

______________________________
المرأة، خلافا لابن إدريس
«1» لعدم النص، و بطلان القياس، فيجب له ما يجب لما لا نص فيه، و كذا الخنثى على الأقرب، و لو قيل: يجب له أكثر الأمرين من الأربعين، و ما يجب لما لا نص فيه كان وجها.

قوله: (و ثلاثين لماء المطر المخالط للبول و العذرة و خرء الكلاب).

(1) مستند هذا الحكم رواية كردويه عن أبي الحسن موسى عليه السلام: «و لو خالط ماء المطر أحد هذه أجزأ الثلاثون بطريق أولى» «2».

و هنا إشكال هو: أن ترك الاستفصال عن النجاسات المذكورة يقتضي المساواة في الحكم بين جميع محتملاتها، لأن ترك الاستفصال مع قيام الاحتمال يدل على العموم، فيستوي حال العذرة رطبة و يابسة، و حال البول إذا كان بول رجل، أو امرأة، أو خنثى، أو غيرهم، مع أن ظاهر عبارة بعضهم أن خرء الكلاب مما لا نص فيه.

و قد أطلق المصنف في المختلف، القول: بأنّ بول و روث ما لا يؤكل لحمه مما لا نص فيه «3»، و مع الحمل على نجاسات بخصوصها، لا يتم ذلك عند القائل بتضاعف النزح، لاختلاف النجاسات.

و يمكن تنزيل الرواية «4» على ماء المطر المخالط لهذه النجاسات، مع استهلاك أعيانها، إذ لا بعد في أن يكون ماء النجاسة أخف منها، فيندفع الاشكال.

قوله: (و سبع لموت الطير كالحمامة و النعامة و ما بينهما) «5».

(2) فيه مناقشة لطيفة، لأن المراد بالطير هنا: هو الحمامة، و النعامة، و ما بينهما،

______________________________
(1) السرائر: 12.

(2) الفقيه 1: 16 حديث 35، التهذيب 1: 413 حديث 1300، الاستبصار 1: 43 حديث 120.

(3) المختلف: 5.

(4) الفقيه 1: 16، حديث 35، التهذيب 1: 413 حديث 1300، الاستبصار 1: 43 حديث 120.

(5) جاء في هامش الصفحة من النسخة الخطيّة المعتمدة ما لفظه: «التشبيه بالحمامة و النعامة صحيح بالنسبة إلى نحوهما و ما في حجمها. أمّا ما بينهما فإنّه لا شبهة بالنسبة إليه لعموم اللفظ (منه مد ظله)».

142
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في تطهير المياه النجسة ؛ ج 1، ص : 133

و للفأرة مع التفسّخ أو الانتفاخ، و لبول الصبي، و اغتسال الجنب، (1) و لخروج الكلب منها حيا. (2)

______________________________
و التشبيه يقتضي صدقه على غير ذلك، لأن المشبه غير المشبه به و يمكن دفعها بأن وجود الحمامة و نحوها، و النعامة و نحوها و ما بينهما مصحح للتشبيه.

قوله: (و لبول الصبي و اغتسال الجنب).

(1) المراد بالصبي: الفطيم الذي لم يبلغ، و لا تلحق به الصبية لعدم النص، و المراد بالجنب: الخالي بدنه من نجاسة عينية، و ظاهر قول المصنف: (و اغتسال الجنب) يؤذن بأنّ النزح إنما هو إذا اغتسل في البئر لا بمجرد الملاقاة، و النصوص الواردة في هذا الباب ظاهرها عدم الفرق، لأنها واردة بنزول الجنب إلى البئر، و دخوله إليها، و وقوعه فيها «1»، و ابن إدريس خصّ الحكم بالمرتمس «2»، و لا وجه له.

و بعد، ففي هذا الحكم إشكال، لأن النزح لا يستقيم كونه لنجاسة البئر هنا، و إن كان ظاهر كلام القوم، لأن نحاسة البئر بلا منجس معلوم البطلان، إذ الفرض إسلام الجنب، و خلو بدنه من نجاسة عينية، و إلا لم يجزئ السبع، و لا يستقيم كون النزح لصيرورة الماء باغتسال الجنب مستعملا عند من يقول به، فيكون النزح لعود الطهارة، لأن ذلك مشروط باغتساله على الوجه المعتبر و ارتفاع حدثه، و إلا لم يثبت الاستعمال.

و مورد الأخبار أعم من الاغتسال كما قدمناه، و حديث عبد اللَّه بن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام بالنهي عن نزوله إلى البئر «3» يقتضي فساد غسله، فلا يرتفع حدثه، كما صرّح به الشيخ «4»، فلا يظهر للنزح هنا وجه، و لو قلنا به فهل تلحق به الحائض و النفساء و المستحاضة الكثيرة الدم؟ فيه احتمال.

قوله: (و لخروج الكلب حيّا).

(2) أوجب ابن إدريس نزح أربعين إذ لا نص فيه «5»، و التقدير بالأربعين لأنها‌

______________________________
(1) التهذيب 1: 240 حديث 694 و 695، و الاستبصار 1: 34 حديث 92 و 93.

(2) السرائر: 12.

(3) الكافي 3: 65 حديث 9، التهذيب 1: 149 حديث 426، الاستبصار 1: 27 حديث 435.

(4) المبسوط 1: 12.

(5) السرائر: 11.

143
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في تطهير المياه النجسة ؛ ج 1، ص : 133

و خمس لذرق جلّال الدجاج، (1) و ثلاث للفأرة و الحيّة، (2) و يستحب للعقرب و الوزغة. (3) و دلو للعصفور و شبهه، و بول الرضيع قبل اغتذائه بالطعام. (4)

______________________________
تجري لموته، فلوقوعه حيا أولى، و لولاه لوجب نزح الجميع، و جوابه وجود النص بالسبع
«1».

قوله: (و خمس لذرق جلّال الدجاج).

(1) لم يقيده الشيخ بكونه جلالا «2»، بناء منه على أن ذرقه مطلقا نجس، و في المختلف بعد حكاية الخلاف قال: و على القولين لم يصل إلينا حديث يتعلق بالنزح لهما «3»، و يمكن أن يقال: التقدير بالنزح مستفاد من الإجماع.

قوله: (و ثلاث للفأرة و الحيّة).

(2) المراد بالفأرة، إذا خلت من الأمرين، و وجوب الثلاث في الحية إما بالإحالة على الفأرة و الدجاجة المروي فيهما دلوان أو ثلاث- على ما ذكره في الذكرى «4»- و هو ضعيف. و حكى عن المعتبر التعليل بأن لها نفسا سائلة، و في التعليل بعد.

و حكى عنه أيضا الإيماء إلى الثلاث، لقول الصادق عليه السلام: «للحيوان الصغير دلاء» «5»، و أقل محتملاته الثلاث «6».

قوله: (و يستحب للعقرب و الوزغة).

(3) المراد بالاستحباب عند القائلين بالنجاسة بالملاقاة، لانتفاء النجاسة إذ ليس لهما نفس، و عدم يقين الضرر، و هو حسن.

قوله: (و بول الرضيع قبل اغتذائه بالطعام).

(4) المراد: اغتذاؤه كثيرا بحيث يساوي اللبن، فلا يضر القليل، و لا بدّ من كونه في سن الرضاع، و لا تلحق به الرضيعة لعدم النص.

______________________________
(1) التهذيب 1: 237 حديث 687، الاستبصار 1: 38 حديث 103.

(2) المبسوط 1: 12، النهاية: 7.

(3) المختلف: 9.

(4) الذكرى: 11.

(5) الكافي 3: 6 حديث 7، التهذيب 1: 240 حديث 694.

(6) المعتبر 1: 75، و نقله عنه في الذكرى: 11.

144
جامع المقاصد في شرح القواعد1

فروع ؛ ج 1، ص : 145

 

[فروع]

فروع:

[أ: أوجب بعض هؤلاء الجميع فيما لم يرد فيه نص]

أ: أوجب بعض هؤلاء الجميع فيما لم يرد فيه نص، و بعضهم أربعين. (1)

[و كذا صغيره و كبيره، ذكره و أنثاه]

ب: جزء الحيوان و كلّه سواء، (2) و كذا صغيره و كبيره، ذكره و أنثاه،

______________________________
قوله: (أوجب بعض هؤلاء نزح الجميع «1»، فيما لم يرد فيه نص، و بعضهم أربعين) «2».

(1) و أوجب بعضهم ثلاثين «3»، و حكى شيخنا الشهيد في بعض ما نسب إليه قولا بعدم وجوب شي‌ء، و اختار المصنف في المختلف القول بالثلاثين «4» محتجا برواية كردويه «5»، و هو عجيب، إذ لا دلالة فيها على المتنازع بوجه، و لو دلت عليه كان ما لا نص فيه منصوصا، لأن المراد بالنص الدليل النقلي من الكتاب أو السنّة، لا ما يدل على المعنى، مع عدم احتمال النقيض، و إلا لكان كثير مما عدوه منصوصا من قبيل ما لا نص فيه، فيضعف القول بالثلاثين و مثله القول بالأربعين، و عدم إيجاب شي‌ء مع القول بنجاسة الماء ظاهر البطلان، فلم يبق إلا القول بوجوب الجميع، و هو المعتمد.

قوله: (جزء الحيوان و كله سواء).

(2) أي: في الاجتزاء بمنزوح الكلّ للجزء بطريق أولى، و في وجوب منزوح الكل للجزء، لأن يقين زوال النجاسة يتوقف عليه، لانتفاء الدليل الدال على الاكتفاء بما دونه.

و أما الصغير و الكبير، و الذكر و الأنثى، فلأن اسم الجنس يقع عليها، كما في الإنسان و البعير، و لورود الحكم للذكر كالثور، أو ما يتعلق به كبول الرجل، اختص‌

______________________________
(1) منهم: الشيخ في المبسوط 1: 12 قال: (فالاحتياط يقتضي نزح جميع الماء)، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 490، و الشهيد في الذكرى: 10.

(2) ذهب اليه الشيخ في المبسوط 1: 11، و ابن حمزة في الوسيلة: 69.

(3) قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة 1: 121: (و نفى عنه الشهيد البأس و هو المنقول عن البشرى).

(4) المختلف: 9.

(5) الفقيه 1: 16 حديث 35، التهذيب 1: 413 حديث 1300، الاستبصار 1: 43 حديث 120.

 

145
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ج: الحوالة في الدلو على المعتاد ؛ ج 1، ص : 146

و لا فرق في الإنسان بين المسلم و الكافر. (1)

[ج: الحوالة في الدلو على المعتاد]

ج: الحوالة في الدلو على المعتاد، (2) فلو اتخذ آلة تسع العدد فالأقرب الاكتفاء. (3)

______________________________
بمورده، و يحكى عن الصهرشتي شارح النهاية إلحاق صغار الطيور بالعصفور.

قوله: (و لا فرق في الإنسان بين المسلم و الكافر).

(1) خالف ابن إدريس في ذلك، فحكم بوجوب نزح الجميع، لمباشرة الكافر ميّتا، محتجا بأن مباشرته حيّا يوجب نزح الجميع، إذ لا نص فيه، فبعد الموت أولى، لأن الموت ينجّس الطاهر، و يزيد النجس نجاسة «1». و أجاب المصنف في المختلف بأن نجاسته حيّا بسبب اعتقاده، و قد زال بالموت «2». و ليس بجيّد، لأن أحكام الكفر باقية بعد الموت، و من ثم لا يغسل و لا يدفن في مقابر المسلمين.

و التحقيق: أن ما احتج به ابن إدريس استدلال في مقابل النص «3»، لوروده بوجوب سبعين لموت الإنسان، الصادق على المسلم و الكافر، و وجوب الجميع فيما لا نص فيه- إذ تم- فغير منصوص عليه، فكيف يعارض به المنصوص.

قوله: (الحوالة في الدلو على المعتاد).

(2) أي: على تلك البئر، لعدم انضباط العادة مطلقا، و قيل: المراد بها الدلو الهجرية «4»، و وزنها ثلاثون رطلا، و قيل: أربعون، و الأول هو الوجه.

قوله: (فلو اتخذ آلة تسع العدد، فالأقرب الاكتفاء).

(3) وجه القرب أن الغرض إخراج ذلك القدر من الماء، و قد حصل.

و أنت خبير بورود المنع على المقدمة الأولى، و الإجزاء إنما يتحقق بالإتيان بالمأمور به على وجهه، فيبقى في العهدة، فالأقرب عدم الاكتفاء.

و لا يخفى أن تفريع هذا الحكم على ما قبله غير ظاهر، فلو عطفه بالواو مكان الفاء لكان أولى.

______________________________
(1) السرائر: 11.

(2) المختلف: 6.

(3) التهذيب 1: 234 حديث 678.

(4) قال ابن البراج في المهذب 1: 23: ذهب اليه قوم.

الهجرية: نسبة الى هجر، و هي قرية قرب المدينة كانت تجلب منها القلال. معجم البلدان 5: 393.

146
جامع المقاصد في شرح القواعد1

د: لو تغيرت البئر بالجيفة ؛ ج 1، ص : 147

[د: لو تغيّرت البئر بالجيفة]

د: لو تغيّرت البئر بالجيفة، حكم بالنجاسة من حين الوجدان. (1)

[ه‍: لا يجب النيّة في النزح]

ه‍: لا يجب النيّة في النزح، فيجوز ان يتولاه الصبي (2) و الكافر مع عدم المباشرة.

[و: لو تكثرت النجاسة]

و: لو تكثرت النجاسة، تداخل النزح مع الاختلاف و عدمه. (3)

[ز: انّما يجزئ العدد بعد إخراج النجاسة]

ز: انّما يجزئ العدد بعد إخراج النجاسة، أو استحالتها. (4)

______________________________
قوله: (لو تغيرت البئر بالجيفة حكم بالنجاسة من حين الوجدان).

(1) لأن الأصل عدم التقدم، و مستنده خبر الدجاجة «1».

إن قيل: لا بدّ من الحكم بسبقها على الوجدان بزمان ما، لامتناع وقوعها حال الوجدان، قلنا: على القول بعدم النجاسة بالملاقاة لا إشكال، لإمكان حصول التغيّر في ذلك الوقت، و على القول بالنجاسة لا يلزم من وقوعها وصولها إلى الماء، فيمكن تجدد الوصول وقت الوجدان.

قوله: (فيجوز أن يتولاه الصبي).

(2) يستثني منه التراوح إن قلنا بأن لفظ القوم لا يقع عليه.

قوله: (لو تكثرت النجاسة تداخل النزح مع الاختلاف و عدمه).

(3) أي: فيكفي منزوح الأكثر، لصدق الامتثال، و قيل بعدم التداخل «2»، لأن الأصل في الأسباب إذا اجتمعت عدم تداخل مسبباتها، و صدق الامتثال ممنوع.

و ربما فرق بين اختلاف النجاسة في النوع و عدمه، و الظاهر عدم التداخل مطلقا، و يستثني من ذلك اختلاف نجاسة الواقع بالكم، فان الدم الواقع إذا كان قليلا، فوقع- بعد- ما يخرجه من القلة إلى حد الكثرة، يجب منزوح الأكثر خاصة لانتفاء التكثر حينئذ.

قوله: (إنما يجزئ العدد بعد إخراج النجاسة، أو استحالتها).

(4) الحكم الأول لا كلام فيه، إذ مع بقاء عين النجاسة التي لا تستهلك بالماء- كجلد الميتة- لا فائدة في النزح لدوام الملاقاة المقتضي للتنجيس.

و أمّا الحكم الثاني، فإنما يستقيم على ظاهره إذا قيل بوجوب نزح المتغيرة‌

______________________________
(1) التهذيب 1: 233 حديث 675، الاستبصار 1: 37 حديث 102.

(2) القائل هو الشهيد في الدروس: 15، و البيان: 45.

147
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ح: لو غار الماء سقط النزح ؛ ج 1، ص : 148

[ح: لو غار الماء سقط النزح]

ح: لو غار الماء سقط النزح، فان عاد كان طاهرا، و لو اتصلت بالنهر الجاري طهرت. (1)

و لو زال تغيّرها بغير النزح و الاتصال فالأقرب نزح الجميع، و ان زال ببعضه- لو كان- على اشكال. (2)

______________________________
بالنجاسة، حتى يزول التغيّر، ثم يستوفى المقدر، فعلى ما اخترناه- من الاكتفاء بأكثر الأمرين- يجزي النزح مع وجود نجاسة الدم المغيرة.

قوله: (و لو اتصلت بالنهر الجاري طهرت).

(1) هذا إذا كان الاتصال على وجه لا يتسنمها «1» من علو، لاتحادها به حينئذ، أما إذا تسنمها من علو فيشكل، لأن الحكم بالطهارة دائر مع النزح، و كذا القول في ماء المطر و الكثير إذا ألقي دفعة، و رواية كردويه «2» تشعر بعدم حصول الطهارة بذلك.

قوله: (و لو زال تغيرها بغير النزح و الاتصال، فالأقرب نزح الجميع، و إن زال ببعضه لو كان، على اشكال).

(2) أي: الأقرب وجوب نزح الجميع في النجاسة التي يكفي لها نزح البعض، و إن زال التغيّر بنزح بعض الماء، لو كان التغير باقيا.

و وجه القرب، أن المقدار الذي نزحه غير معلوم حيث زال التغير، لأن زوال التغير بالنزح له مدخل في حصول الطهارة، و الماء محكوم بنجاسته، فيتوقف الحكم بطهارته على نزح الجميع و منشأ الإشكال من ذلك، و من أن البعض يجزئ على تقدير بقاء التغير، فإجزاؤه مع زواله أولى.

و لما لحظ المصنف هذا الوجه رجع عن الفتوى إلى التردد، و لا يخفى ضعفه، و أن الأولوية التي ادعيت ممنوعة، و لو سلمت فمقدار ذلك البعض غير معلوم، فعلى هذا ما قرّبه أولا هو الأقرب.

______________________________
(1) تسنم الشي‌ء: علاه، الصحاح (سنم) 5: 1955.

(2) الفقيه 1: 16 حديث 35، التهذيب 1: 413 حديث 1300، الاستبصار 1: 43 حديث 120.

148
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الخامس: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 149

[الفصل الخامس: في الأحكام]

الفصل الخامس: في الأحكام (1) يحرم استعمال الماء النجس في الطهارة و ازالة النجاسة مطلقا، (2) و في الأكل و الشرب اختيارا، (3) فان تطهّر به لم يرتفع حدثه، و لو صلّى أعادهما مطلقا. (4)

______________________________
قوله: (الفصل الخامس: في الأحكام).

(1) قد جرت عادة المصنف في هذا الكتاب، و في غيره، بأن يذكر بعد المباحث التي هو بصدد بيانها مثل أقسام المياه، و أعداد النجاسات، و كيفية الوضوء إلى غير ذلك من المباحث، فصلا يذكر فيه أحكام ما سبق، مع كون المباحث السابقة أيضا مشتملة على بيان أحكام، فكأنه يريد بذلك الأحكام الثانية التي تترتب على الأحكام الأولى، أو أن المباحث السابقة غالبا تتضمن أحكام الوضع، و أحكام التكليف لازمة لها، فلذلك تذكر بعدها كالطهارة و النجاسة، و الإضافة التي تضمنتها المباحث السالفة من هذا المقصد.

قوله: (يحرم استعمال الماء النجس في الطهارة و إزالة النجاسة مطلقا).

(2) المراد بالتحريم هنا هو المتعارف، أعني طلب الترك المانع من النقيض، الذي يترتب على فعل متعلقة الذم و العقاب، و إنما كان كذلك لأن استعمال المكلف الماء النجس فيما يعد طهارة في نظر الشارع أو إزالة نجس، يتضمن إدخال ما ليس من الشرع فيه، فيكون حراما لا محالة و المراد بالإطلاق في قوله: (مطلقا) شمول حالتي الاضطرار و الاختيار، مقابل القيد الذي في المسألة التي بعده.

قوله: (و في الأكل و الشرب اختيارا).

(3) أي: من غير ضرورة، فيستفاد من القيد إباحته عند الضرورة، و إنما يباح القدر الضروري كما تشعر به الضرورة.

قوله: (فان تطهر به لم يرتفع حدثه، و لو صلى أعادهما مطلقا).

(4) أما الحكم الأول فلأن النجس لا يطهّر غيره، و أما الثاني فلأنه صلّى محدثا‌

149
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الخامس: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 149

أما لو غسل ثوبه به، فإنه يعيد الصلاة ان سبقه العلم مطلقا، و إلّا ففي الوقت خاصة، (1) و حكم المشتبه بالنجس حكمه. (2)

______________________________
فتقع صلاته فاسدة، و يجب إعادتها في الوقت- و هو ظاهر- و في خارجه لأنه لم يأت بالأداء، و عموم: (من فاتته صلاة فريضة فليقضها)
«1» يقتضي وجوب القضاء، و معلوم أن مراده بقوله: (مطلقا) الوقت و خارجه، و سبق العلم و عدمه، في مقابل التقييد في المسألة التي بعده.

قوله: (أما لو غسل ثوبه به فإنه يعيد الصلاة، إن سبقه العلم مطلقا، و إلا ففي الوقت خاصة).

(1) ما تقدم فهو بيان حكم استعماله في رفع الحدث، و هذا بيان حكم استعماله في إزالة الخبث، و حكمه إن فعل ذلك و صلّى بالثوب عامدا وجوب الإعادة في الوقت و خارجه، و هو ظاهر، و أما إذا علم بالنجاسة في الماء، ثم نسي وقت فعل الصلاة و قد أزال نجاسة ثوبه به، فقد قيل بوجوب الإعادة في الوقت دون خارجه «2»، و الأصح وجوب الإعادة مطلقا، كالعامد لظاهر الاخبار «3».

فقول المصنف: (إن سبقه العلم) شامل للقسمين، لأن سبق العلم صادق مع طروء النسيان و عدمه.

و قوله: (و إلا) أي: و إن لم يسبقه العلم أعاد في الوقت دون خارجه، إذا ثبت أن النجاسة كانت في الماء وقت الاستعمال، و مستند ذلك خبران مطلقان بالإعادة «4»، و بعدمها «5»، فجمع بينهما بحمل خبر الإعادة على الوقت، و الآخر على خارجه، و هو جمع ظاهر.

قوله: (و حكم المشتبه بالنجس حكمه).

(2) أي: حكم النجس في وجوب اجتنابه في الصلاة و إزالة النجاسة و عدم جوازه‌

______________________________
(1) عوالي اللآلي 2: 54 حديث 143.

(2) قاله الشيخ في المبسوط 1: 38، و النهاية: 52.

(3) الكافي 3: 59 حديث 3، التهذيب 1: 254 حديث 736، 737.

(4) التهذيب 1: 50 حديث 146، الاستبصار 1: 55 حديث 162.

(5) التهذيب 1: 48 حديث 140، الاستبصار 1: 54 حديث 157.

150
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الخامس: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 149

و لا يجوز له التحرّي و ان انقلب أحدهما، (1) بل يتيمّم مع فقد غيرهما، و لا تجب الإراقة، بل قد تحرم عند خوف العطش. (2)

و لو اشتبه المطلق بالمضاف، تطهّر بكل واحد منهما طهارة، (3)

______________________________
في الأكل و الشرب اختيارا.

قوله: (و لا يجوز التحري و إن انقلب أحدهما).

(1) المراد بالتحري: الاجتهاد في طلب الأحرى بالاستعمال، و هو الظاهر، لقرينة ثبوت النهي عن استعمالهما، و القرينة التي لا تثمر اليقين غير كافية في الخروج عن النهي الشرعي، و لأنه لا يأمن أن يكون استعماله للنجس، فيتنجس به مع بقائه على حدثه، و ليس هذا كالاجتهاد في القبلة، و جوّزه الشافعي هنا «1».

و مع انقلاب أحد الإناءين، فالتحري عند بعض الشافعية ثابت،- كما إذا لم ينقلب- و عند بعضهم يتعين استعمال الباقي لعدم القطع بوجود النجس، و قد كان الأصل الطهارة «2»، و ليس بشي‌ء، فحاول المصنف الرد عليهم، مشيرا الى الوجه الأخير بقوله: (و إن انقلب أحدهما)، فإن الانقلاب مفض إلى الطهارة عند البعض- كما عرفت- فجواز التحري معه أولى، و في العبارة شائبة التكلف.

قوله: (و لا تجب الإراقة، بل قد تحرم عند خوف العطش).

(2) خالف الشيخ «3» في ذلك فقال بوجوب الإراقة لورود الأمر بها في بعض الاخبار «4»، و هو ضعيف، و ربما كانت حراما لخوف العطش و نحوه.

قوله: (و لو اشتبه المطلق بالمضاف تطهّر بكل واحد منهما طهارة).

(3) لا ريب أن التطهر بهما محصل للطهارة بالمطلق المأمور بها، فيكون مقدمة للواجب المطلق، و لا يضر عدم جزمه بالنيّة عند كل طهارة، لأن الجزم إنما يعتبر بحسب الممكن، لكن يشترط لصحته فقد ما ليس بمشتبه، و إلا تعين استعماله.

______________________________
(1) المجموع شرح المهذب 1: 180، و فتح العزيز بهامشه 1: 273.

(2) انظر: المجموع 1: 185.

(3) التهذيب 1: 247.

(4) التهذيب 1: 229 حديث 662، الاستبصار 1: 21 حديث 48.

151
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الخامس: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 149

و مع انقلاب أحدهما فالوجه الوضوء و التيمم، (1) و كذا يصلّي في الباقي من الثوبين، و عاريا (2) مع احتمال الثاني خاصة.

و لو اشتبه بالمغصوب وجب اجتنابهما، (3)

______________________________
قوله: (و مع انقلاب أحدهما فالوجه الوضوء و التيمم).

(1) وجهه: أنه مقدمة لتحصيل الطهارة بالمطلق في الجملة فيجب، و لأن الحكم بوجوب الاستعمال تابع لوجود المطلق، و قد كان وجوده مقطوعا به، و لم يقطع بانقلابه، فيبقى الحكم بالوجوب الى أن يتحقق الناقل.

و يحتمل- ضعيفا- عدم الوجوب فيتيمم خاصة، لأن التكليف بالطهارة مع وجود المطلق: و هو منتف، و لأصالة البراءة من وجوب طهارتين، و الفتوى على الأول، و لا يخفى أنه يجب تقديم الوضوء على التيمم.

قوله: (و كذا يصلي في الباقي من الثوبين و عاريا).

(2) أي: و كذا الوجه في وجوب فعل الصلاة مرتين، كما ذكره، لو كان عنده ثوبان، أحدهما نجس لم يتعين، فتلف أحدهما و بقي الآخر، و وجهه أنه مقدمة للواجب المطلق، و للقطع بوجوده قبل تلف واحد كما سبق.

و يحتمل الاقتصار على الصلاة عاريا، نظرا إلى عدم تحقق ثوب طاهر، و هذا بناء على أن من لم يجد ساترا إلا النجس، و لم يقدر على إزالة النجاسة ينزعه و يصلي عاريا، و سيأتي أن الأصح أفضلية الصلاة فيه، فلا تتعين الصلاة عاريا، بل و لا يجب، و إنما الواجب فعلها في الباقي من الثوبين خاصة.

و اعلم أن قول المصنف: (مع احتمال الثاني خاصة) يريد به الاقتصار على التيمم و الصلاة عاريا في المسألتين، و قد عرفت ضعفه، بل ضعف ما اختاره في المسألة الثانية.

قوله: (و لو اشتبه بالمغصوب وجب اجتنابهما).

(3) و ذلك لأن اجتناب إتلاف مال الغير واجب مطلق، و لا يتم إلا باجتنابهما، و ما لا يتم الواجب إلّا به فهو واجب.

152
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الخامس: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 149

فان تطهّر بهما فالوجه البطلان. (1)

و لو غسل ثوبه أو بدنه من النجاسة به أو بالمشتبه به طهر. (2) و هل يقوم ظن النجاسة مقام العلم؟ فيه نظر، (3)

______________________________
قوله: (فان تطهر بهما فالوجه البطلان).

(1) وجهه ثبوت النهي عن استعمال كل منهما، لما عرفت من ثبوت النهي عن إتلاف مال الغير عدوانا، و مع الاشتباه، فاستعمال أيهما كان معرض لاستعمال مال الغير، و النهي في العبادة يقتضي الفساد، و توهم القلب هنا ضعيف، لأن مقدمة الواجب المطلق لا بدّ من كونها مباحة، لامتناع كون الحرام مقدمة الواجب.

و يحتمل ضعيفا الصحة، ليقين الطهارة بماء مملوك مباح عند تطهيره بها، و قد عرفت دليل التحريم في كل منهما، فلا يتم هذا الوجه.

قوله: (و لو غسل ثوبه أو بدنه من النجاسة به أو بالمشتبه به طهر).

(2) أي: بالمغصوب أو بالمشتبه بالمغصوب، و ذلك لأن إزالة النجاسة ليس مأمورا به على وجه القربة، فلا يكون عبادة محضة، فلا يؤثر فيه النهي فسادا.

قوله: (و هل يقوم ظن النجاسة مقام العلم؟ فيه نظر).

(3) المراد بقيامه مقام العلم إجراؤه مجرى العلم بحصول النجاسة، أو مكافأته للعلم بطهارة المحل السابق على حصول ظن النجاسة، و منشأ النظر من اختلاف الأصحاب، فقال أبو الصلاح: تثبت النجاسة بكل ظن، لأن الظن مناط الشرعيات «1»، و هو ظاهر الفساد، لأن مناطها ظن مخصوص أجراه الشارع مجرى اليقين لا مطلقا.

و قال ابن البراج: لا تثبت النجاسة بالظن مطلقا «2»، أي و إن كان الظن بسبب شرعي، كشهادة العدلين تمسكا باليقين السابق. و فيه ضعف، لأن المثمر للظن شرعا جار مجرى اليقين عند الشارع، و لأن المشتري لو ادعى العيب في المبيع لكونه نجسا، و شهد له عدلان، فلا بد من القول بالثبوت، لأن حقوق العباد تثبت بالعدلين‌

______________________________
(1) نقله العاملي في المفتاح 1: 130 عنه.

(2) جواهر الفقه (الجوامع الفقهية): 410.

153
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الخامس: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 149

أقربه ذلك إن استند الى سبب، و إلّا فلا. (1)

و لو شهد عدل بنجاسة الماء لم يجب القبول، و ان أسند إلى السبب. (2)

و يجب قبول العدلين، فان عارضهما مثلهما فالوجه الحاقه بالمشتبه، (3)

______________________________
إجماعا، و ثبوت الحكم في هذا الفرد يقتضي الثبوت مطلقا، لعدم الفصل.

قوله: (أقربه ذلك إن استند الى سبب، و إلا فلا).

(1) أي: أقرب وجهي النظر القول بقيام الظن مقام العلم، إذا كان الظن مستندا إلى سبب، و المراد به: ما اعتبر الشارع سببيته، كشهادة العدلين، و مثله إخبار المالك لا نحو شهادة العدل الواحد، أو كون الشي‌ء مظنّة للنجاسة عادة، و نحو ذلك.

و في هذه العبارة إجمال يتأكد بقوله: (و لو شهد عدل.). بالواو و كان حقه الإتيان بالفاء و يزيده قوله: (و يجب قبول العدلين) و إن كان قد يعتذر له بكونه توطئة لما بعده، و الحق أن نظم العبارة غير حسن.

قوله: (و لو شهد عدل بنجاسة الماء لم يجب القبول، و إن استند الى السبب).

(2) أي: إلى السبب المقتضي للتنجيس، كأن المصنف حاول بهذا، الرد على أبي الصلاح الذي يكتفي في حصول النجاسة بمطلق ما يحصل به الظن، و الشافعي القائل بقبول العدل الواحد إذا بيّن سبب التنجيس «1» لا إن أطلق، لاختلاف الناس في أسباب التنجيس اختلافا ظاهرا.

قوله: (فان عارضهما مثلهما فالوجه الحاقه بالمشتبه).

(3) المراد بالمعارضة: استجماع كل من الشهادتين ما به يتحقق التنافي بينهما بحيث لا يمكن الجمع، فلو شهدت إحداهما بالنجاسة، و الأخرى بعدم الاطلاع على سبب يقتضي التنجيس فلا تعارض، إذ لا يلزم من عدم الاطلاع العدم، أما لو ضبط الزمان كيوم كذا مثلا، و شهدت إحداهما بحصول النجاسة في هذا اليوم، و الأخرى بالعلم بعدم النجاسة فيه، لملاحظتها له تمام اليوم فقد ثبت التعارض.

______________________________
(1) المجموع 1: 175.

154
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الخامس: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 149

و لو أخبر الفاسق بنجاسة مائه أو طهارته قبل.

و لو علم بالنجاسة بعد الطهارة، (1) و شك في سبقها عليها، فالأصل الصحة.

و لو علم سبقها و شك في بلوغ الكريّة أعاد.

و لو شك في نجاسة الواقع بنى على الطهارة، و ينجس القليل بموت ذي لنفس السائلة فيه دون غيره، و إن كان من حيوان الماء كالتمساح. (2)

______________________________
ثم هو إما في إناء واحد، أو في إنائين، و في الفرض الأول أقوال:

الطهارة «1» إما لترجيح بينة الطهارة بالأصل، أو للتساقط، و النجاسة «2» ترجيحا للناقل على المقرر، و الحاقه بالمشتبه لتكافؤ البينتين و هذا أحوط، و إن كان القول بالطهارة لا يخلو من وجه.

أما الفرض الثاني فيحتمل فيه القول بالطهارة، للتعارض الموجب للتساقط، و الرجوع إلى حكم الأصل. و فيه نظر، لأنهما إنما تعارضتا في تعيين النجس لا في حصول النجاسة، لاتفاقهما على نجاسة أحدهما و مثله القول بالنجاسة تقريرا للبينتين، لاتفاقها على طهارة واحد، فلم يبق إلا إلحاقه بالمشتبه لاتفاقهما على نجاسة واحد، و انتفاء المقتضي للتعيين لتعارضهما، و لا معنى للاشتباه إلا ذلك، و هذا هو الأصح.

قوله: (و لو علم بالنجاسة بعد الطهارة.).

(1) قد سبق ما يعلم منه وجه ذلك، و ما يجب أن يقيد به الحكم الثاني.

قوله: (و ينجس القليل بموت ذي النفس السائلة فيه دون غيره، و إن كان من حيوان الماء كالتمساح).

(2) رد على الشافعي بقوله: (دون غيره) أي: دون غير ذي النفس، فإن الشافعي يرى أن ما لا نفس له ينجس الماء بموته إذا لم يكن من حيوان الماء «3».

و بجملة (إن) الوصلية المؤكدة لما دل عليه قوله: (و ينجس القليل بموت ذي النفس) ردّ على أبي حنيفة القائل: بأن موت حيوان الماء فيه لا ينجسه، و إن قل الماء‌

______________________________
(1) نقل هذا القول عن الشيخ في إيضاح الفوائد 1: 24.

(2) ذهب اليه ابن إدريس في السرائر: 14.

(3) الأم 1: 5.

155
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الخامس: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 149

و لو اشتبه استناد موت الصيد في القليل الى الجرح أو الماء، احتمل العمل بالأصلين، و الوجه المنع. (1)

و يستحب التباعد بين البئر و البالوعة بقدر خمس أذرع مع صلابة الأرض، أو فوقية البئر، و إلّا فسبع. (2)

______________________________
و كان الحيوان ذا نفس
«1».

قوله: (و لو اشتبه استناد موت الصيد في القليل إلى الجرح أو الماء احتمل العمل بالأصلين، و الوجه المنع).

(1) أما الأصلان فالمراد بهما: طهارة الماء- فإن الأصل فيه الطهارة- و تحريم الصيد، لأن الأصل عدم حصول شرائط التذكية، و وجه العمل بهما أصالة كل منهما في نفسه، و وجوب التمسك بالأصل إلى أن يحصل الناقل و وجه ما اختاره المصنف أن العمل بهما يفضي الى الجمع بين المتنافيين، لأن طهارة الماء يقتضي عدم نجاسة الصيد المقتضي لعدم موته حتف أنفه، و تحريمه يقتضي عدم ذكاته المقتضي لموته حتف أنفه.

و التحقيق، أن يقال: إن تحريم الصيد إن كان مستندا الى عدم التذكية- التي هي عبارة عن موته حتف أنفه- تم التنافي الذي ادعى لزومه، و امتنع العمل بهما، و إن كان مستندا إلى عدم العلم بالتذكية لم يتم ما ادعاه من التنافي، لأن الحكم بطهارة الماء يستلزم عدم العلم بوجود النجاسة فيه، لا عدم النجاسة في الواقع، فإنه لو شك في نجاسة الواقع لم ينجس الماء قطعا.

على أن العمل بالأصلين المتنافيين واقع في كثير من المسائل، مثلا لو ادعت وقوع العقد في الإحرام حلف، و لم يكن لها المطالبة بالنفقة، و لا له التزوج بأختها، و هذا قوي، و إن كان الحكم بالنجاسة أحوط و أوفق لما يلمحه الأصحاب غالبا.

قوله: (و يستحب التباعد بين البئر و البالوعة بقدر خمس أذرع مع صلابة الأرض، أو فوقية البئر، و إلا فسبع).

(2) هذا هو المشهور بين الأصحاب «2»، و قال ابن الجنيد: إن كانت الأرض‌

______________________________
(1) شرح فتح القدير 1: 73، و الهداية (بهامشه) 1: 73، و المجموع شرح المهذب 1 132.

(2) منهم: الشيخ في المبسوط 1: 13، و النهاية: 9، و المحقق في المعتبر 1: 79.

156
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الخامس: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 149

..........

______________________________
رخوة، و البئر تحت البالوعة فليكن بينهما اثنتا عشر ذراعا، و إن كانت صلبة، أو كانت البئر فوق البالوعة فليكن بينهما سبع أذرع
«1»، و المعتمد الأول.

لنا: إن فيه جمعا بين رواية حسن بن رباط الدالة على اعتبار الفوقية و التحتية في الخمس و السبع «2»، و مرسل قدّامة بن أبي [يزيد] الحمّار الدالة على اعتبار السهولة و الجبلية فيهما أيضا «3».

و يدل على تقدير ابن الجنيد، ما رواه محمد بن سليمان الديلمي عن أبيه قال:

سألت أبا عبد اللَّه عليه السّلام عن البئر يكون إلى جنبها الكنيف، فقال: «إن مجرى العيون كلها مع مهب الشمال، فإذا كانت البئر النظيفة فوق الشمال و الكنيف أسفل منها لم يضرها إذا كان بينهما أذرع و إن كان الكنيف فوق النظيفة فلا أقل من اثني عشر ذراعا، و إن كانت اتجاهها بحذاء القبلة و هما مستويان في مهب الشمال فسبع أذرع» «4».

كذا احتج له في المختلف «5» و في دلالة هذه الرواية على مذهبه نظر، و طريق الجمع حمل ما دل على الزيادة على المبالغة في الاستحباب، و حينئذ فتعتبر الفوقية و التحتية باعتبار المجرى، فإن جهة الشمال فوق بالنسبة (إلى) ما يقابلها كما دلت عليه هذه الرواية، و إنما يظهر أثر ذلك مع التساوي في القرار، و يضم إلى الفوقية و التحتية باعتبار القرار، و الى صلابة الأرض و رخاوتها، فنحصل أربع و عشرون صورة، لأن البئر و البالوعة إما أن يكون امتدادهما بين الشمال و الجنوب و له صورتان: كون البئر في الشمال و عكسه، أو بين المشرق و المغرب، و له صورتان.

و على كل تقدير إما أن تكون الأرض صلبة أو لا، و على التقديرات إما أن يكون البئر أعلى قرارا أو جهة أو البالوعة، أو يستويا، و حاصل ذلك أربع و عشرون صورة، في‌

______________________________
(1) نقل قوله في المختلف: 15.

(2) الكافي 3: 7 حديث 1، التهذيب 1: 410 حديث 1290، الاستبصار 1: 45 حديث 126.

(3) الكافي 3: 8 حديث 3، التهذيب 1: 410 حديث 1291، الاستبصار 1: 45 حديث 127.

(4) التهذيب 1: 410 حديث 1292.

(5) المختلف: 15.

157
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الخامس: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 149

و لا يحكم بنجاسة البئر مع التقارب ما لم يعلم وصول ماء البالوعة إليها مع التغير عندنا، و مطلقا عند آخرين. (1)

و يكره التداوي بالمياه الحارة (2) من الجبال التي يشم منها رائحة الكبريت، و ما مات فيه الوزغة أو العقرب أو خرجا منه. (3)

______________________________
سبع عشرة منها يكفي الخمس- و هي كل صورة توجد فيها صلابة الأرض، أو فوقية البئر بأحد الاعتبارين- و السبع في الباقي و هي كل صورة ينتفي فيها الأمران. و اعلم أن قول المصنف: (و إلا فسبع) يحتاج إلى تقدير مبتدأ أو خبر، و لو قال: (و إلا فبسبع) لأغنى عن ذلك، مع ما فيه من السلامة و الجزالة.

قوله: (مع التغيّر عندنا، و مطلقا عند آخرين).

(1) يريد بذلك البناء على الخلاف، في أن نجاسة البئر بالملاقاة أو بالتغير. قال المصنف، في المنتهى: فرع: لو تغير ماؤها تغيرا يصلح استناده إلى البالوعة فهو على الطهارة ما لم يحصل اليقين بالاستناد، و كذا غير البالوعة من النجاسات «1»، و ما قاله جيد.

قوله: (و يكره التداوي بالمياه الحارة.).

(2) قيل: إن الطهارة بها مكروهة «2»، و لم يثبت، لكن روى ابن بابويه كراهة التداوي بها لأنها من فيح جهنم «3».

قوله: (و ما مات فيه الوزغة أو العقرب، أو خرجتا منه).

(3) الوزغة محركة: سام أبرص، لأمر الباقر عليه السّلام بإراقة ما وقع فيه العقرب «4»، و الأمر بالنزح للوزغة «5» و لا يمنع من استعماله، لأن الأمر بذلك محمول على الندب للتنزه أو السم، إذ لا نفس لهما، و ضررهما غير متيقن و لا مظنون.

______________________________
(1) المنتهى 1: 19.

(2) ذهب اليه الصدوق في الفقيه 1: 13، و الشيخ في النهاية: 9.

(3) الفقيه 1: 14 حديث 25.

(4) التهذيب 1: 230 حديث 664، الاستبصار 1: 27 حديث 69.

(5) التهذيب 1: 238 حديث 688، الاستبصار 1: 39 حديث 106.

158
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الخامس: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 149

و لا يطهر العجين النجس بخبزه، بل باستحالته رمادا، (1) و روي بيعه على مستحلّ الميتة أو دفنه. (2)

______________________________
قوله: (و لا يطهر العجين النجس بخبزه، بل باستحالته رمادا).

(1) خالف في ذلك الشيخ رحمه اللَّه فقال في النهاية: إنه يطهر بخبزه «1»، استنادا إلى مرسلة ابن أبي عمير الصحيحة «2»، و لا صراحة فيها مع مخالفة الحكم أصول المذهب، فان النار إنما تطهّر ما أحالته رمادا أو نحوه، لأن المراد بالاستحالة المطهرة زوال الصورة النوعية، التي هي مناط تعليق الاسم المفضي إلى زوال الاسم الأول، كما في صيرورة العذرة دودا أو ترابا، فيتمسك باستصحاب النجاسة إلى أن يحصل المطهر.

و قد يتوهم من قول المصنف: (بل باستحالته رمادا) سدّ باب طهارته بغير ذلك، كما تشعر به صحاح ابن أبي عمير الواردة بدفنه «3»، و بيعه على مستحل الميتة «4»، و طهره بالخبز «5».

قال في الذكرى إلا أن يقيد بالمعهود من القليل، و مال الى طهارته إذا (رقق) و تخلله الماء «6»، و هو حسن. و لا ريب أن تخلل الماء له بعد خبزه أظهر، لأن النار تعده لذلك لتصلبه بها، و حدوث المسام له.

قوله: (و روي بيعه على مستحل الميتة أو دفنه).

(2) الروايتان صحيحتان من مراسيل ابن أبي عمير الملحقة بالمسانيد «7»، قال المصنف في المنتهى: الأقرب أنه لا يباع، و حمل الرواية على البيع من غير أهل الذمة، و قال: و إن لم يكن ذلك بيعا في الحقيقة، فصرف لفظ البيع عن حقيقته إلى الاستنقاذ لأن مال من لا ذمة له في‌ء لنا «8».

______________________________
(1) النهاية: 8.

(2) الفقيه 1: 11 حديث 19، التهذيب 1: 414 حديث 1304، الاستبصار 1: 29 حديث 75.

(3) التهذيب 1: 414 حديث 1306، الاستبصار 1: 29 حديث 77.

(4) التهذيب 1: 414 حديث 1305، الاستبصار 1: 29 حديث 76.

(5) الفقيه 1: 11 حديث 19، التهذيب 1: 414 حديث 1304، الاستبصار 1: 29 حديث 75.

(6) الذكرى: 14.

(7) التهذيب 1: 414 حديث 1305، 1306، الاستبصار 1: 29 حديث 76، 77.

(8) المنتهى 1: 18.

159
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المقصد الثالث: في النجاسات ؛ ج 1، ص : 160

 

[المقصد الثالث: في النجاسات]

المقصد الثالث: في النجاسات، و فيه فصلان:

[الأول: في أنواعها]

الأول: في أنواعها، و هي عشرة: البول، و الغائط من كل حيوان ذي نفس سائلة (1) غير مأكول، و ان كان التحريم عارضا كالجلّال، (2)

______________________________
و فيما قال إشكال، أمّا أولا فلأن طهارته ممكنة كما عرفت، و أمّا ثانيا فلأنه بنجاسته لم يخرج عن كونه مالا حتى لا يقابل بمال، إذ ليس هو عين نجاسة، و الانتفاع به ثابت، في نحو علف الدواب، و أما ثالثا فلأنه لا ضرورة إلى ارتكاب المجاز في الحديث، بحمل البيع على الاستنقاذ و تخصيصه بمن عدا أهل الذمة، فإنه لا مانع من جواز البيع لهم و لغيرهم حتى المسلمين، لما قلناه من كونه مالا فيصح أن يقابل بمال.

و لا دلالة في الحديث على ما ينافي ذلك بوجه من الوجوه، و تقييد البيع في الحديث بمستحل الميتة، الظاهر أنه عليه السّلام أراد به مع عدم الإعلام بالنجاسة، أما معه فيجوز مطلقا.

قوله: (المقصد الثالث في النجاسات: و فيه فصلان: الأول: في أنواعها، و هي عشرة: البول و الغائط من كل حيوان ذي نفس سائلة).

(1) النفس هنا هي الدّم قال:

تسيل على حدّ الظبات «1» نفوسنا «2»

و المراد بالنفس السائلة: الدم الذي يجتمع في العروق و يخرج إذا قطع شي‌ء منها بقوة و دفع، بخلاف دم ما لا نفس له، فإنه يخرج ترشيحا.

قوله: (و إن كان التحريم عارضا كالجلّال).

(2) و مثله موطوء الإنسان، و المراد بالجلّال: الحيوان الذي يغتذي بعذرة الإنسان محضا، الى أن يسمى في العرف جلّالا، و أن «3» ينبت بها لحمه و يشتد عظمه، لانه بذلك يصير جزءا و عضوا له، و سيأتي تحقيقه في موضعه ان شاء اللَّه تعالى.

______________________________
(1) الظبات: حد السيوف، لسان العرب (ظبا) 15: 22.

(2) قاله السموأل، و عجز البيت .. و ليست على غير الظبات تسيل.

(3) في نسخة ح «أو أن».

 

160
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في أنواعها ؛ ج 1، ص : 160

و المني من كل حيوان ذي نفس سائلة، و ان كان مأكولا، و الدم من ذي النفس السائلة مطلقا، و الميتة منه، (1) و الكلب، و الخنزير (2) و أجزاؤهما و إن لم تحلها الحياة (3) كالعظم. و المسكرات. (4)

______________________________
قوله: (و الميتة منه).

(1) أي من ذي النفس السائلة مطلقا، فيشمل الآدمي، لكن يجب أن يستثني منه ما إذا حكم بطهره شرعا، اما لتطهيره بالغسل، أو لسبق غسله، أو لكونه لم ينجس بالموت لكونه شهيدا أو معصوما.

قوله: (و الكلب و الخنزير).

(2) و كذا المتولد بينهما إذا أشبهه أحدهما بحيث يعدّ من نوعه، و يطلق عليه اسمه، و لو انتفى عنه الشبهان و الإسمان، ففي الحكم بطهارته أو نجاسته تردد، و لو قيل بالنجاسة لم يكن بعيدا، و لا يحضرني الان فيه تصريح لأحد من الأصحاب بشي‌ء.

قوله: (و أجزاؤهما و إن لم تلجها الحياة).

(3) خالف المرتضى رحمه اللَّه في ذلك «1» فحكم بطهارة ما لا تلجه الحياة منهما، استنادا الى عموم عدم تنجس ما لا تلجه الحياة بالموت. و فيه ضعف، لأن ذلك إنما يتم فيما كان طاهرا حال الحياة، و هما نجسان عينا حينئذ، لقول الصادق عليه السلام في الكلب: «رجس نجس» «2» و هو يقتضي أن تكون عينه نجاسة، فتدخل فيه جميع أجزائه.

قوله: (و المسكرات).

(4) أي: المائعة بأنواعها من خمر و غيره، دون الجامدة بالأصالة، قال المصنف في المنتهى: لم أقف على قول لعلمائنا في الحشيشة المتخذة من ورق القنب، و الوجه أنها إن أسكرت فحكمها حكم الخمر في التحريم لا النجاسة «3»، و هو يعطي توقفه في كونها مسكرة.

______________________________
(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 218.

(2) التهذيب 1: 225 حديث 646، الاستبصار 1: 19 حديث 40.

(3) المنتهى 1: 168.

161
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في أنواعها ؛ ج 1، ص : 160

و يلحق بها العصير إذا غلا و اشتد، (1) و الفقاع، (2) و الكافر سواء كان أصليا أو مرتدا، (3) و سواء انتمى الى الإسلام (4) كالخوارج و الغلاة أو لا.

______________________________
قوله: (و يلحق بها العصير إذا غلا و اشتد).

(1) المراد بغليانه: صيرورة أعلاه أسفله، و باشتداده: حصول الثخانة المسببة عن مجرد الغليان، و يبقى كذلك حتى يذهب ثلثاه أو يصير دبسا، و هذا هو المشهور بين الأصحاب كما ذكره في المختلف «1».

و عبارة الذكرى «2» تدل على خلاف ذلك، و على النجاسة، فإذا حكم بطهره طهر كل ما يزاوله. و هذا إنما هو في عصير العنب، و أما عصير الزبيب، فهو على أصل الطهارة على الأصح.

قوله: (و الفقاع).

(2) المراد به: المتخذ من ماء الشعير، كما ذكره المرتضى في الانتصار «3»، لكن ما يوجد في أسواق أهل السنة يحكم بنجاسته إذا لم يعلم أصله، عملا بإطلاق التسمية.

و اعلم أن سوق العبارة يدل على أن الملحق بالمسكرات نوع من النجاسات برأسه، و تحته شيئان الفقاع و العصير العنبي، فلو قدم الفقاع لكان أولى، لكونه خمرا كما وردت به الاخبار «4»، و للإجماع على نجاسته، بخلاف العصير كما عرفته.

قوله: (أو مرتدا).

(3) يندرج فيه المرتد بنوعيه، سواء في ذلك المرتد عن فطرة، و المرتد عن ملّة.

قوله: (و سواء انتمى إلى الإسلام.).

(4) انتمى إليه: انتسب ذكره في القاموس «5» و المراد به: إظهار الشهادتين المقتضي لكونه من جملة المسلمين مع ارتكابه ما يقتضي كفره، بنحو إنكار شي‌ء من ضروريات الدين.

______________________________
(1) المختلف: 58.

(2) الذكرى: 13.

(3) الانتصار: 198- 199.

(4) الكافي 6: 423 حديث 7، التهذيب 1: 279، 282 حديث 821، 828.

(5) القاموس 4: (نمى) 397.

162
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في أنواعها ؛ ج 1، ص : 160

و يلحق بالميتة ما قطع من ذي النفس السائلة حيا و ميتا، و لا ينجس من الميتة ما لا تحلّه الحياة (1) كالعظم و الشعر إلّا ما كان من نجس العين، كالكلب و الخنزير و الكافر.

و الدم المتخلف في اللّحم مما لا يقذفه المذبوح طاهر، (2) و كذا دم ما لا نفس له سائلة، كالسمك و شبهه (3) و كذا منيّه.

و الأقرب طهارة المسوخ، (4)

______________________________
قوله: (و لا ينجس من الميتة ما لا تحله الحياة).

(1) قد صرح في ذلك في عشرة أشياء و هي هذه: العظم، و السن، و الظفر، و الظلف، و القرن، و الحافر، و الشعر، و الوبر، و الصوف، و الأنفحة.

قوله: (و الدم المتخلف في اللحم مما لا يقذفه المذبوح طاهر).

(2) لما كان التحريم و النجاسة معا إنما يثبتان في الدم المسفوح- و هو الذي يخرج عند قطع العروق- كان ما سواه، مما يبقى بعد الذبح و القذف المعتاد، طاهرا و حلالا أيضا، إذا لم يكن جزءا من محرم، سواء بقي في العروق أم في اللحم، أم في البطن.

و لو علم دخول شي‌ء من الدم المسفوح إلى البطن، إما في البطن.

و لو علم دخول شي‌ء من الدم المسفوح إلى البطن، إما بجذب الحيوان له بنفسه، أو لأنه ذبح في أرض منحدرة و رأسه أعلى، و نحو ذلك فان ما في البطن نجس حينئذ.

و ينبغي أن يقرأ قوله: (المتخلف) بصيغة اسم المفعول.

قوله: (و كذا دم ما لا نفس له سائلة كالسمك و شبهه).

(3) خالف في ذلك الشيخ رحمه اللَّه في الجمل «1»، و المبسوط «2»، و هو محجوج بنقله الإجماع على عدم النجاسة في الخلاف «3».

قوله: (و الأقرب طهارة المسوخ).

(4) روى الصدوق بإسناده إلى أبي عبد اللَّه عليه السّلام، عن أبيه، عن جده‌

______________________________
(1) الجمل (الرسائل العشرة): 170- 171.

(2) المبسوط 1: 35.

(3) الخلاف 3: 193 مسألة 36 كتاب الصيد و الذبائح.

163
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في أنواعها ؛ ج 1، ص : 160

و من عدا الخوارج، و الغلاة، و النواصب، و المجسّمة (1) من المسلمين،

______________________________
عليهم السلام: «أن المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفا»
«1» الحديث، قال: و المسوخ جميعها لم تبق أكثر من ثلاثة أيام ثم ماتت، و لم تتوالد، و هذه الحيوانات على صورها سميت مسوخا استعارة.

و قد اختلف الأصحاب في طهارتها، فقال الشيخ: إنها نجسة «2»، محتجا بالمنع من بيعها، و لا مقتضي له إلا النجاسة، و احتج على الأولى بما روي من النهي عن بيع القرد «3»، و المنع متوجه الى المقدمتين، و الرواية ضعيفة السند.

قوله: (و من عدا الخوارج، و الغلاة، و النواصب، و المجسمة).

(1) المراد بالخوارج: أهل النهروان و من دان بمقالتهم.

و الغلاة جمع غال: و هم الذين زادوا في الأئمة عليهم السلام فاعتقدوا فيهم أو في أحد منهم أنه آله، و نحو ذلك.

و النواصب جمع ناصب: و هم الذين ينصبون العداوة لأهل البيت عليهم السلام، و لو نصبوا لشيعتهم لأنهم يدينون بحبهم فكذلك.

و أمّا المجسمة فقسمان: بالحقيقة، و هم الذين يقولون: إن اللَّه تعالى جسم كالأجسام، و المجسمة بالتسمية المجرّدة، و هم القائلون بأنه جسم لا كالأجسام، و ربما تردد بعضهم في نجاسة القسم الثاني، و الأصح نجاسة الجميع.

إذا تقرر ذلك، فنجاسة هؤلاء الفرق الأربع لا كلام فيها، إنما الخلاف في نجاسة كل من خالف أهل الحق مطلقا- كما يقوله المرتضى «4»- أو نجاسة المجبرة من أهل الخلاف- و هو قول الشيخ «5»- و القولان ضعيفان.

و اعلم أن حكم المصنف بطهارة من عدا الفرق الأربع من المسلمين مشكل، فإن من أنكر شيئا من ضروريات الدين، و لم يكن أحد هؤلاء لا ريب في نجاسته.

______________________________
(1) علل الشرائع: 487 حديث 4، الخصال: 493 حديث 1.

(2) المبسوط 2: 166، الخلاف 2: 49 مسألة 305، 307 كتاب البيوع.

(3) الكافي: 5: 227 حديث 7، التهذيب 7: 134 حديث 594.

(4) الانتصار: 10.

(5) المبسوط 1: 14.

164
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في أنواعها ؛ ج 1، ص : 160

و الفأرة، و الوزغة، (1) و الثعلب، و الأرنب، (2) و عرق الجنب من الحرام، و الإبل الجلالة. (3)

______________________________
قوله: (و الفأرة و الوزغة).

(1) أي: الأقرب طهارتهما، و قال الشيخ بنجاستهما «1»، لأمر الكاظم عليه السّلام بغسل أثر الفأرة «2»، و قول أبي عبد اللَّه عليه السلام عن الوزغة: (لا ينتفع بما تقع فيه) «3».

و يعارضان بحديث الفضل أبي العباس «4»، و بنفي البأس عن السمن و الزيت تقع فيه الفأرة، مع الاعتضاد بالأصل و الشهرة، فالقول بالنجاسة ضعيف.

قوله: (و الثعلب و الأرنب).

(2) قال أيضا بنجاستهما، «5» لأمر ماسّهما بغسل يده «6»، و في الاستدلال نظر، و في الإسناد إرسال، و حديث الفضل حجة على الطهارة في الجميع، و هو الأصح.

قوله: (و عرق الجنب من الحرام، و الإبل الجلالة).

(3) أي: الأقرب طهارتهما، و قال الشيخان «7»، و ابن البراج «8» بالنجاسة، لورود الأمر بغسله «9»، و إن لم تكن دلالة الخبر صريحة في أن الغسل من عرق الجنب، و هو معارض بما دل بعمومه على طهارة عرق الجنب من حلال و حرام، و الأمر بغسل عرق الإبل الجلالة لا يدل على النجاسة صريحا، فيحمل على الاستحباب، لأنها طاهرة العين إجماعا، و هو المختار.

و ربما قيد عرق الجنب من الحرام بكونه حال الفعل، و ما ظفرنا به من عبارات‌

______________________________
(1) المبسوط 1: 37.

(2) التهذيب 1: 261 حديث 761، و ج 2: 366 حديث 1522.

(3) التهذيب 1: 238 حديث 690، الاستبصار 1: 24 حديث 59.

(4) التهذيب 1: 225 حديث 646، و الاستبصار 1: 19 حديث 40.

(5) المبسوط 1: 37.

(6) التهذيب 1: 262 حديث 763.

(7) المفيد في المقنعة: 10، و الطوسي في المبسوط 1: 38، و النهاية: 53.

(8) المهذب 1: 51.

(9) الأمر بغسل عرق الجنب من الحرام: التهذيب 1: 271 حديث 799، الاستبصار 1: 187 حديث 655، الذكرى: 14، الأمر بغسل عرق الإبل الجلالة: الكافي 6: 251، التهذيب 1: 263 حديث 767.

165
جامع المقاصد في شرح القواعد1

فروع ؛ ج 1، ص : 166

 

و المتولد من الكلب و الشاة يتبع الاسم، (1) و كلب الماء طاهر. (2)

و يكره ذرق الدجاج، (3) و بول البغال و الحمير و الدواب و أرواثها. (4)

[فروع]

فروع:

[أ: الخمر المستحيل في بواطن حبات العنب نجس]

أ: الخمر المستحيل في بواطن حبات العنب نجس. (5)

______________________________
القوم خال من هذا القيد.

قوله: (و المتولد من الكلب و الشاة يتبع الاسم).

(1) تنقيحه: أنه إذا كان بصورة أحد النوعين، بحيث استحق إطلاق اسم ذلك النوع عليه عرفا، لحقته أحكامه، لأنه إذا سمي بأحدهما اقتراحا تلحقه الأحكام، و لو لم تغلب عليه صورة أحد النوعين فهو طاهر غير حلال، تمسكا بالأصل في الأمرين.

قوله: (كلب الماء طاهر).

(2) اقتصارا في نجاسة الكلب على المتعارف المتفاهم، و كلامه في الذكرى «1» يدل على خلاف فيه، و كذا خنزير الماء، و لا مانع من وقوع الذكاة عليهما.

قوله: (و يكره ذرق الدجاج).

(3) أي: غير الجلال لحل لحمه، و نجسه الشيخان «2»، و في المستند ضعف، فيحمل على الكراهية.

قوله: (و بول البغال و الحمير و أرواثها).

(4) قيل بنجاسة بولها للأمر بغسله «3»، و المشهور الطهارة مع الكراهة و هو الأصح.

قوله: (الخمر المستحيل في بواطن حبات العنب نجس).

(5) مراده: أن المستحيل خمرا في بواطن حبات العنب نجس، خلافا لبعض العامة «4»، و إن كانت عبارته غير فصيحة في تأدية هذا المعنى، لدلالتها على أن الاستحالة للخمر، و ليس كذلك، و الأمر في ذلك هين.

______________________________
(1) الذكرى: 11.

(2) المفيد في المقنعة: 9، و الطوسي في المبسوط 1: 12، و النهاية: 7.

(3) قاله ابن الجنيد كما في المختلف: 56، و الشيخ في النهاية: 51.

(4) المجموع 1: 159، و السراج الوهاج: 23.

 

166
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ب: الدود المتولد من الميتة أو من العذرة طاهر ؛ ج 1، ص : 167

[ب: الدود المتولد من الميتة أو من العذرة طاهر]

ب: الدود المتولد من الميتة أو من العذرة طاهر. (1)

[ج: الآدمي ينجس بالموت]

ج: الآدمي ينجس بالموت، (2) و العلقة نجسة و ان كانت في البيضة. (3)

[د: اللبن تابع]

د: اللبن تابع. (5)

______________________________
قوله: (الدود المتولد من الميتة، أو من العذرة طاهر).

(1) و كذا القول في باقي النجاسات، لأن الأحكام تابعة للصورة النوعية و الاسم و قد زالا، و كما لا يكون المتولد عين نجاسة لا يكون متنجسا إلا مع بقاء شي‌ء من عين النجاسة عليه، و من هذا مني ذي النفس السائلة إذا صار حيوانا.

قوله: (الآدمي ينجس بالموت).

(2) هذا هو الأصح و المشهور بين الأصحاب، و خالف فيه المرتضى «1»، و سيأتي الكلام عليه- إن شاء اللَّه تعالى- في غسل مس الأموات.

قوله: (و العلقة نجسة و إن كانت في البيضة).

(3) وجهه ظاهر، فإن العلقة دم حيوان له نفس، أما ما يوجد في البيضة أحيانا من الدم- و هو الذي أراده المصنف بقوله: (و إن كانت في البيضة)- ففي النفس منه شي‌ء، إذ لا يعلم كونها من دم ذلك الحيوان، فالعلم بكونها علقة له أشد بعدا، و قد نبه، في الذكرى «2» على ذلك.

قوله: (اللبن تابع).

(4) أي: تابع للحيوان المتكون فيه، فان كان طاهرا فهو طاهر، و إلا فهو نجس، و في طهارة لبن الحيوان الذي عرضت له النجاسة بالموت قول، و به أخبار صحيحة «3»، و المشهور النجاسة، و هو الموافق لأصول المذهب، و عليه الفتوى.

و يمكن أن تكلف عبارة المصنف إفادة هذا المعنى، باعتبار أن الميتة نجسة فتبعها لبنها في النجاسة.

______________________________
(1) جمل العلم و العمل: 6 51.

(2) الذكرى: 13.

(3) الفقيه 3: 216 حديث 1006، التهذيب 9: 75، 76 حديث 320، 324.

167
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ه‍: الانفحة ؛ ج 1، ص : 168

[ه‍: الانفحة]

ه‍: الانفحة- و هي لبن مستحيل في جوف السخلة- طاهرة و ان كانت ميّتة. (1)

[و: جلد الميتة لا يطهر بالدباغ]

و: جلد الميتة لا يطهر بالدباغ، (2) و لو اتخذ منه حوض لا يتسع للكر نجس

______________________________
قوله: (الإنفحة- و هي لبن مستحيل في جوف السخلة- طاهرة، و إن كانت ميتة).

(1) اختلف الكلام في تفسير الإنفحة، قال في الجمهرة: و الانفحة- و قالوا: إنفحة- كرش الحمل، أو الجدي، قبل أن يستكرش «1».

و في الصحاح «2» الانفحة- بكسر الهمزة و فتح الفاء مخففة- كرش الحمل أو الجدي ما لم يأكل، فإذا أكل فهو كرش.

و عبارة ابن إدريس في السرائر «3» هي هذه بعينها.

و قال في القاموس: الإنفحة- بكسر الهمزة و قد تشدد الحاء، و قد تكسر الفاء- و المنفحة و البنفجة شي‌ء يستخرج من بطن الجدي الرضيع أصفر، فيعصر في صوفه فيغلظ كالجبن، فإذا أكل الجدي فهي كرش «4»، و هذه العبارة تقرب من تفسير المصنف، و عبارة (الذكرى)- مع خلوها عن تفسيرها- تشعر بالأول، لأن فيها، و الأولى تطهير ظاهرها من الميتة «5».

و حمل ذلك على اللبن مما لا يستقيم، و عده إنفحة بعيد عن شبه أكثر الأشياء التي لا تحلها الحياة، على أنه يلزم إما نجاسته لما يعينه و نجاسة محلّه، أو طهارة محله، و هذا هو الأظهر.

قوله: (جلد الميتة لا يطهر بالدباغ).

(2) هذا هو المشهور بين الأصحاب، بل هو إجماعي لانقراض المخالف، فان ابن الجنيد «6» طهر بالدباغ ما كان طاهرا في حال الحياة، و لم يجوز الصلاة فيه، استنادا إلى‌

______________________________
(1) الجمهرة 2: 178.

(2) الصحاح 1: 413 مادة «نفح».

(3) السرائر: 369.

(4) القاموس 1: 253 مادة «نفح».

(5) الذكرى: 14.

(6) حكاه عنه العلامة في المختلف: 64.

168
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 169

الماء فيه، و ان احتمله فهو نجس و الماء طاهر، فإن توضأ منه جاز إن كان الباقي كرا فصاعدا.

[الفصل الثاني: في الأحكام]

الفصل الثاني: في الأحكام تجب إزالة النجاسة عن البدن و الثوب للصلاة و الطواف و دخول المساجد (1) و عن الأواني لاستعمالها (2) لا مستقرا، (3)

______________________________
بعض الاخبار التي لا تنهض حجة مع وجود المعارض الأقوى
«1».

قوله: (الفصل الثاني: في الأحكام: تجب إزالة النجاسة عن البدن و الثوب للصلاة، و الطواف، و دخول المساجد).

(1) لا يخفى أنه إنما تجب إزالة النجاسة لشي‌ء مما ذكره، مع كون أحدها واجبا لا مطلقا، و هو معلوم مما سبق في أول الكتاب، لكن يعتبر في الوجوب لدخول المساجد كون النجاسة متعدية إلى المسجد، أو شي‌ء من آلاته على الأصح، و لما لم يكن الوجوب مشروطا بذلك عند المصنف أطلقه.

قوله: (و عن الأواني لاستعمالها).

(2) إنما يتحقق ذلك إذا كان الاستعمال في أمر مشروط بعدم النجاسة كالأكل و الشرب اختيارا.

قوله: (لا مستقرا).

(3) معطوف على محذوف، تقديره تجب إزالة النجاسة عن الثوب و البدن وجوبا متعلقا بالصلاة و الطواف، و عن الأواني وجوبا معلقا باستعمالها، لا وجوبا مستقرا في الذمة غير معلّق بشي‌ء في جميع ما ذكر.

و تجب مستقرا على الفور إزالتها عن المساجد و آلتها، لحديث (جنّبوا) «2»، و عن المصحف، و آلاته، و منسوباته كجلده و غلافه إذا كان فيه، أما منفردا فيحتمل، و عن الضرائح المقدسة و المشاهد الشريفة و آلاتها.

______________________________
(1) التهذيب 9: 78 حديث 332.

(2) ذكره الشهيد في الذكرى و قال: (و لم أقف على اسناد هذا الحديث النبوي).

169
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 169

سواء قلّت النجاسة أو كثرت عدا الدم، فقد عفي عن قليله في الثوب و البدن، و هو ما نقص عن سعة الدرهم البغلي، (1) إلّا دم الحيض و الاستحاضة و النفاس و نجس العين. (2)

______________________________
قوله: (و هو ما نقص عن سعة الدرهم البغلي).

(1) هو بإسكان الغين و تخفيف اللام منسوب إلى رأس البغل، ضربه الثاني في خلافته بسكة كسروية، وزنته ثمانية دوانيق كالدراهم الكسروية، و هذا الاسم حدث في الإسلام، و الوزن كما كان، و جرت في المعاملة مع الطبرية، و هي أربعة دوانيق، و في زمن عبد الملك جمع بينهما، و اتخذ الدراهم منهما، و استقر أمر الإسلام على ذلك، نقل ذلك شيخنا، في الذكرى عن ابن دريد «1»، و قيل بفتح الغين و تشديد اللام، منسوب الى بغل قرية بالجامعين، كان يوجد بها دراهم.

قال ابن إدريس: شاهدتها تقرب سعتها من أخمص الراحة «2»- و هو ما انحفض من باطن الكف- قال في القاموس: و الأخمص من باطن القدم ما لم يصب الأرض «3»، و لا نزاع في التسمية، و إن كان الرجوع إلى المنقول أولى، و شهادة ابن إدريس في قدره مسموعة.

قوله: (إلا دم الحيض، و الاستحاضة، و النفاس، و نجس العين).

(2) في موقوف أبي بصير: إن دم الحيض لا يعفى عن كثيره و لا قليله «4»، و عليه الأصحاب، و ألحقوا به دم الاستحاضة و النفاس، لاشتراكها في إيجاب الغسل، و هو مشعر بغلظ الحكم، و لأن دم النفاس حيض، و ألحق بها جمع من الأصحاب دم نجس العين- و هو الكلب و الخنزير و الكافر و الميتة- لتضاعف النجاسة «5».

______________________________
(1) الذكرى: 16.

(2) السرائر: 35.

(3) القاموس (خمص) 2: 302.

(4) الكافي 3: 405 حديث 3، التهذيب 1: 257 حديث 745.

(5) منهم: الشهيد في الدروس: 17، و البيان: 41.

170
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 169

و عفي أيضا عن دم القروح اللّازمة، و الجروح الدامية و ان كثر مع مشقّة الإزالة، (1) و عن النجاسة مطلقا فيما لا تتم الصلاة فيه منفردا، (2) كالتكة و الجورب و القلنسوة و الخاتم و النعل و غيرها من الملابس خاصة، إذا كانت في محالها. (3)

______________________________
قوله: (و عفي أيضا عن دم القروح اللازمة، و الجروح الدامية، و إن كثر مع مشقة الإزالة).

(1) ظاهر هذه العبارة يقتضي كون العفو منه مخصوصا بما إذا شق إزالته، و الرواية عن الصادق عليه السلام تدل على خلافه «1». و لا يجب تخفيفه و إن أمكن، و لا عصبه، لظاهر قوله عليه السلام: «تصلي و إن كانت الدماء تسيل» «2» و قوله عليه السلام:

«لست أغسل ثوبي حتى يبرأ» «3».

قوله: (فيما لا تتم الصلاة فيه منفردا).

(2) أراد بذلك إمّا البناء على الغالب، أو أنه لا تتم الصلاة فيه باعتبار وضعه المعين، و ليس من ذلك العمامة التي يمكن الستر بها، خلافا لابن بابويه «4».

قوله: (من الملابس خاصة إذا كانت في محالها).

(3) فلا يعفى عن نجاسة نحو الدراهم، و لا عن نجاسة الأشياء المذكورة، إذا كانت محمولة في غير محالها، قصرا للرخصة على الأشياء التي يغلب كونها مع المصلي، على الحالة الغالبة.

و يشكل كل من الحكمين، بعموم الحديث الدال على الجواز مطلقا من غير منافاة شي‌ء آخر له، فإنه ورد بهذا اللفظ: «كل ما كان على الإنسان، أو معه مما لا يجوز الصلاة فيه» الحديث، «5» إلا أن اشتراط ذلك أحوط.

______________________________
(1) التهذيب 1: 256 حديث 744، الاستبصار 1: 177 حديث 615.

(2) التهذيب 1: 258 حديث 749.

(3) الكافي 3: 58، حديث 1، التهذيب 1: 258 حديث 747.

(4) الهداية: 15.

(5) التهذيب 1: 275 حديث 810.

171
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 169

و لو زاد الدم عن سعة الدرهم مجتمعا وجبت إزالته، و الأقرب في المتفرّق الإزالة إن بلغه لو جمع. (1)

و يغسل الثوب من النجاسات العينيّة حتى تزول العين، أما الحكمية، كالبول اليابس في الثوب، فيكفي غسله مرة. (2)

______________________________
قوله: (و الأقرب في المتفرق وجوب الإزالة إن بلغه لو جمع).

(1) وجه القرب صحيحة ابن أبي يعفور، عن الصادق عليه السلام، المتضمنة للأمر بإزالة المتفرق إذا كان مقدار الدرهم مجتمعا «1»، و هو نص في الباب، و ليس مجتمعا خبرا لكان، و لا حالا مقدرة، لأن المقدرة هي التي زمانها غير زمان عاملها، بل هي حالة محققة.

فإن قيل: يجوز أن يكون خبرا بعد خبر، قلنا: فالحجة حينئذ عموم قوله تعالى:

(وَ ثِيٰابَكَ فَطَهِّرْ) «2» و نحوه، و لا دليل على ثبوت العفو هنا، و قيل بعدم وجوب الإزالة و إن كثر، و الأول أقوى.

و لا فرق بين الثوب الواحد و الثياب المتعددة في الحكم بوجوب الإزالة، لو بلغه على تقدير الاجتماع، و منه يعلم أن المجتمع لو بلغه تجب إزالته بطريق أولى.

و لو أصاب الدم وجهي الثوب، فإن تفشي من جانب إلى آخر فدم واحد، و إلّا فدمان، و لو أصاب الدم المعفو عنه مائع طاهر فالعفو بحاله على الأصح، لعدم زيادة الفرع على أصله، لكن بشرط أن لا يبلغ المجموع الدرهم.

قوله: (اما الحكمية كالبول اليابس في الثوب فيكفي غسله مرّة).

(2) للعينية في كلام الفقهاء إطلاقات- و يقابلها الحكمية-:

الأول: ما تتعدى نجاسته مع الرطوبة، و هو مطلق الخبث، و هو أكثر معانيها دورانا على ألسنة الفقهاء، و تقابلها الحكمية، و هي ما لا تتعدى، و يتوقف رافعها على النية.

الثاني: ما كان عينا محسوسة مع قبول الطهارة كالدم، و الغائط، و البول قبل‌

______________________________
(1) التهذيب 1: 255 حديث 740، و الاستبصار 1: 176 حديث 611.

(2) المدثر: 4.

172
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 169

و يجب العصر إلّا في بول الرضيع، فإنه يكتفي بصب الماء عليه، (1)

______________________________
جفافه، و يقابلها الحكمية بهذا الاعتبار، كالبول اليابس في الثوب.

الثالث: ما كان عينا غير قابل للتطهير كالكلب و الخنزير، و يقابلها الحكمية بهذا الاعتبار أيضا.

إذا تقرر ذلك، فالذي اختاره المصنف من الاكتفاء بغسل البول عن الثوب مرّة، أحد القولين للأصحاب «1»، و الأصح وجوب المرتين في غسله عن الثوب و البدن، كما وردت به الأخبار الكثيرة الصريحة «2»، و أسانيد معظمها صحيحة، و تعدية هذا الحكم إلى غيره من النجاسات إما بطريق مفهوم الموافقة، أو بما أشير إليه في بعض الأخبار: من أن غسلة تزيل و أخرى تطهر «3» هو الظاهر.

قوله: (و يجب العصر إلا في بول الرضيع، فإنه يكتفي بصب الماء عليه).

(1) لا ريب في وجوب العصر إذا كان الغسل في غير الكثير و الجاري، لأن النجاسة تزول به، و لأن الماء القليل ينجس بها، فلو بقي في المحل لم يحكم بطهره (إذ لا يطهر أثر النجاسة إلا بعد الانفصال، على ما ذكره المصنف) «4». فعلى هذا لو جفّ الماء على المحل و لم ينفصل لم يطهر، و هذا إنما هو فيما لا يعسر عصره، أما نحو الحشايا فيكفي فيها الدق و التغميز للرواية «5».

و يستثني من ذلك بول الرضيع الذي لم يغتذ بغير اللبن كثيرا بحيث يزيد على اللبن أو يساويه، و لم يتجاوز سن الرضاعة، لأن غير من ذكر لا يعد رضيعا، فإنه يكتفى بصب الماء على محلّه، و لا يشترط جريانه على المحل، و لا انفصاله بطريق أولى، بخلاف‌

______________________________
(1) ذهب الى القول بالغسل مرة: المرتضى في الانتصار: 16، و الجمل: 50، و أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 127، و الشيخ الطوسي في الجمل و العقود: 157 و لمزيد الاطلاع راجع مفتاح الكرامة 1: 42.

و ذهب الى القول بالغسل مرتين: الصدوق في الفقيه 1: 21، و سلار في المراسم: 33، و المحقق في المعتبر 1: 127، و الشهيد في الدروس: 17.

(2) الكافي 3: 55 حديث 1، التهذيب 1: 249 حديث 714- 718.

(3) عوالي اللآلي 1: 348 حديث 131.

(4) ما بين الهلالين زيادة من نسخة «ح».

(5) الكافي 3: 55 حديث 2، التهذيب 1: 251 حديث 724.

173
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 169

و لو اشتبه موضع النجاسة وجب غسل جميع ما يحتمل ملاقاتها له، (1) و كل نجاسة عينيّة لاقت محلا طاهرا، فان كانا يابسين لم يتغيّر المحل عن حكمه، إلّا الميت فإنه ينجّس الملاقي له مطلقا. (2)

و يستحب رش الثوب الذي أصابه الكلب، أو الخنزير، أو الكافر يابسين. و لو كان أحدهما رطبا نجس المحل.

و لو صلّى و على بدنه أو ثوبه نجاسة مغلّظة، و هي التي لم يعف عنها (3) عالما أو ناسيا أعاد مطلقا.

______________________________
بول الرضيعة للأمر بغسله.

و اعلم أن المصنف جعل مراتب إيراد الماء ثلاثا، النضح لجميع المحل بالماء مجرّدا عن الغلبة، و مع الغلبة و مع الجريان، و لا حاجة في الصب إلى الجريان، بل النضح مع الغلبة، و كذا الرش، إذ لا بد من كون الماء قاهرا للنجاسة، أما الغسل فلا يصدق إلا مع الجريان، و قد ورد استحباب الرش في مواضع و سيأتي بعضها في كلام المصنف.

قوله: (و لو اشتبه موضع النجاسة وجب غسل جميع ما يحتمل ملاقاتها له).

(1) لأن الدخول به في الصلاة موقوف على القطع بطهارته، و هو موقوف على غسل الجميع، أما الحكم بعدم تعدي النجاسة منه فليس موقوفا على ذلك.

قوله: (إلا الميت فإنه ينجس الملاقي له مطلقا).

(2) أي: ميت الآدمي، و المراد بالإطلاق مع الرطوبة و عدمها، استنادا الى الأمر بغسل اليد من ملاقاته من غير تقييد، و يعارض بقوله عليه السلام: «كل يابس ذكي» «1» و الأصح اشتراط الرطوبة كغيره.

قوله: (و لو صلّى و على بدنه أو ثوبه نجاسة مغلظة- و هي التي لم يعف عنها.).

(3) قد سبق الكلام على هذه المسألة في أحكام المياه، و إنما أعاد الكلام عليها‌

______________________________
(1) التهذيب 1: 49 حديث 141.

174
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 169

و لو جهل النجاسة أعاد في الوقت لا خارجه، و لو علم في الأثناء ألقى الثوب و استتر بغيره و أتمّ، (1) ما لم يفتقر الى فعل كثير، أو استدبار فيعيد. (2)

و تجتزي المربّية للصبي ذات الثوب الواحد أو المربي بغسله في اليوم مرة (3)

______________________________
هاهنا، لأن موضع البحث عنها في الحقيقة هو أحكام النجاسات، فأعادها مع زيادة.

قوله: (و لو علم في الأثناء ألقى الثوب و استتر بغيره و أتم).

(1) هذا إذا لم يعلم سبق النجاسة بأن جوّز حصولها حين الوجدان، لأن الأصل عدم التقدم، أما لو علم سبقها، فعلى القول: بأن الجاهل بالنجاسة يعيد في الوقت، يجب الإعادة، و قد نبّه على ذلك في الذكرى «1»، فلا بد من تقييد عبارة الكتاب بما يدفع عنها التنافي.

و لو علم بعد خروج الوقت و هو متلبس بالصلاة، لم يبعد البناء على صلاته مع طرح ما بقي فيه لئلا يلزم وجوب القضاء على الجاهل بالنجاسة.

قوله: (ما لم يفتقر إلى فعل كثير أو استدبار فيستأنف).

(2) إذا كان في الوقت سعة فلا إشكال في الاستئناف هنا، أما مع الضيق ففيه إشكال ينشأ: من أن النجاسة مانع الصحة، و من أن أداء الفريضة في الوقت واجب بحسب الإمكان، و أفتى في البيان بالاستمرار مع الضيق «2».

قوله: (و يجزئ المربية للصبي- ذات الثوب الواحد- و المربي بغسله في اليوم مرّة).

(3) مورد الرواية- عن الصادق عليه السلام- مولود «3»، و المتبادر منه الصبي، و هكذا فهم الأصحاب، و لا يبعد أن يقال بشمول الحكم الصبية لصدق المولود عليها، و احترز بكونها ذات واحد عن ذات الثوبين، فلا تنالها هذه الرخصة وقوفا مع ظاهر الرواية، و هذا إنما يكون حيث لا تحتاج الى لبس الثوبين دفعة، فان احتاجت إلى ذلك لبرد و شبهه فكالثوب الواحد، و المراد باليوم الليل و النهار، إما لأن مسمى اليوم ذلك، أو‌

______________________________
(1) الذكرى: 17.

(2) البيان: 42.

(3) الفقيه 1: 41 حديث 161، التهذيب 1: 250 حديث 719.

175
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 169

ثم تصلّي باقيه فيه ان نجس بالصبي لا بغيره. (1)

و لو اشتبه الطاهر بالنجس و فقد غيرهما، (2) صلى في كلّ واحد منهما الصلاة الواحدة.

______________________________
بالتبعية و التغليب.

و مورد الرواية تنجس الثوب بالبول، فيمكن قصر الحكم عليه بالعفو اقتصارا على المنصوص، و ربما كنّى بالبول عن النجاسة الأخرى، كما هو قاعدة لسان العرب في ارتكاب الكناية فيما يستهجن التصريح به، و الظاهر اعتبار كون الغسل في وقت الصلاة، لأن الأمر بالغسل يقتضي الوجوب، و لا وجوب في غير وقت الصلاة، و لو جعلته آخر النهار كان أولى لتصلي أربع صلوات فيه.

و هل يجب إيقاع الصلاة عقيب الغسل؟. الرواية مطلقة، و الوجوب بعيد، نعم هو أولى، و ألحق المصنف بالمربية المربي، و غيره بالمولود المتحد المتعدد، نظرا إلى الاشتراك في المشقة و عدم تعقل الفرق، و هو محتمل.

قوله: (ثم تصلي باقيه فيه، و إن نجس بالصبي لا بغيره).

(1) المراد باقي اليوم مع الليل، و قوله: (و إن نجس بالصبي) يعم نجاسة البول و الغائط، و ربما أورد عليه أنه لا حاجة إلى الواو لحصول المعنى بدونه، و أجيب بأن حذفه يقتضي فساد المعنى، لأن النجاسة بالصبي حينئذ تكون شرطا لصحة الصلاة، فلا تصح بدونها.

و فيه نظر، لأن صحتها مع النجاسة تدل على صحتها بدونها بطريق أولى، و لأن المتبادر من قوله: (ثم تصلي باقيه فيه) مع قوله: (و تجتزئ) التخفيف في باقي الزمان بعدم إيجاب الغسل، و لا يتحقق التخفيف إلا مع النجاسة، و لأنه يصح الاشتراط بالإضافة إلى قوله: (لا بغيره).

و الحق أن كلا من الأمرين جائز، و إن كان مع الواو أحسن، لدلالته حينئذ بمنطوقه على الصورتين، و لمّا كان العفو عن نجاسة الصبي بعد الغسل مرّة هو مورد الرواية، و محل الحاجة، لم يثبت العفو فيما لو تنجس بغيره.

قوله: (و فقد غيرهما).

(2) إنما اشترط ذلك لأن الجزم في النية شرط الصحة، و مع الصلاة في الثوبين لا‌

176
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 169

و لو تعدد النجس زاد في الصلاة على عدده بواحدة، و مع الضيق يصلّي عاريا، (1) و لو لم يجد إلّا النجس تعيّن نزعه و صلّى عاريا، و لا إعادة عليه، (2)

______________________________
جزم، إذ لا يعلم أي الصلاتين فرضه لعدم علمه بالثوب الطاهر.

أما مع فقد غيرهما فلا مانع، لأن الجزم إنما يجب بحسب الممكن، و خالف ابن إدريس فمنع من الصلاة فيهما مطلقا، و حتم الصلاة عاريا مع فقد غيرهما، احتجاجا بما سبق «1»، و جوابه ما تقدم.

و يمكن الجواب بأن الجزم في المتنازع أيضا حاصل، لأن كلا من الصلاتين واجب، لأن يقين البراءة متوقف عليهما، و هذا المقدار كاف في حصول الجزم.

قوله: (و مع الضيق يصلي عاريا).

(1) لتعذر العلم بالصلاة في الطاهر بيقين، و الأصح يقين الصلاة في واحد من الثوبين أو الثياب، استصحابا لما كان قبل الضيق، و لإمكان كون الصلاة واقعة في ثوب، و النجاسة مغتفرة مع تعذّر إزالتها، كما سيجي‌ء.

و لا يخفى أنه يجب رعاية الترتيب في الثياب و الصلوات المتعددة، فلو صلّى الظهر في أحد المشتبهين، ثم صلى العصر في الآخر، ثم الظهر، ثم نزعه و صلى العصر فيما صلّى به الظهر أولا لم يبرأ، لإمكان كون الطاهر هو الثاني، فيختل الترتيب.

قوله: (و لو لم يجد إلّا النجس تعين نزعه، و صلى عاريا، و لا إعادة عليه).

(2) هذا مذهب الشيخ «2» و جمع من الأصحاب «3»، للأمر بالصلاة عاريا في عدة أخبار «4»، و الحق ما ذهب اليه المصنف في المنتهى «5» من التخيير بين الصلاة فيه‌

______________________________
(1) السرائر: 37.

(2) المبسوط 1: 39، النهاية: 55، الخلاف 1: 81 مسألة 97 كتاب الصلاة.

(3) منهم: المحقق في الشرائع 1: 54، و ابن إدريس في السرائر: 38، و السيوري في التنقيح الرائع 1: 53.

(4) الكافي 3: 396 حديث 15، التهذيب 1: 405، 406 حديث 1271، 1278 و ج 2: 223 حديث 881، 882.

(5) المنتهى 1: 182.

177
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 169

و لو لم يتمكن من نزعه لبرد أو غيره صلّى فيه و لا إعادة. (1)

و تطهر الحصر، و البواري، و الأرض، و النبات، و الأبنية بتجفيف الشمس خاصة من نجاسة البول و شبهه كالماء النجس، (2) لا ما تبقى عين النجاسة فيه.

______________________________
و عاريا لرواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام
«1» و الصلاة فيه أفضل، لحصول الستر و استيفاء جميع أفعال الصلاة، و مانعية النجاسة على بعض الأحوال، و على كل تقدير فلا إعادة، قال في المنتهى: لو صلى عاريا فلا إعادة، قولا واحدا «2».

قوله: (و لو لم يتمكن من نزعه لبرد أو غيره صلى فيه و لا إعادة).

(1) أوجب الشيخ الإعادة إذا لم يجد ما يغسله به فتيمم و صلى فيه، ثم وجد الماء «3»، و مستنده ضعيف.

قوله: (و تطهر الحصر و البواري و الأرض و النبات بتجفيف الشمس خاصة من نجاسة البول و شبهه كالماء النجس).

(2) و قيل: إن الحكم مقصور على الحصر و البواري و الأرض و النبات بتجفيف الشمس خاصة من نجاسة البول و شبهه كالماء النجس).

و قيل: إن الحكم مقصور على الحصر و البواري و الأرض و أنها لا تطهر، بل تجوز الصلاة عليها «4»، و عموم النص المصرح بالطهارة يدفعها «5»، نعم لا تطهر المنقول عادة، سوى ما ذكر، و ما لا ينقل عادة كالأخشاب، و الأبواب المثبتة في البناء، و الأشجار، و الفواكه الباقية على أصولها، و الزرع القائم لا الحصيد إذا جف بالشمس طهر و لا بد في التجفيف من كونه بإشراق، فلا يكفى التجفيف بالحرارة و الريح، خلافا للشيخ في الخلاف «6»، و لا ريب أن ما يبقى عين النجاسة فيه لا يطهر كصفرة البول المتغير، و متى أشرقت الشمس مع رطوبة المحل طهر الظاهر و الباطن «7»،

______________________________
(1) قرب الاسناد: 89، التهذيب 2: 224 حديث 884.

(2) المنتهى 1: 182.

(3) المبسوط 1: 39.

(4) حكاه المحقّق الحلي في «المعتبر» عن الراوندي و ابن حمزة، و استحسنه هو أيضا، و حكاه العاملي في «مفتاح الكرامة» عن ابن الجنيد أيضا.

انظر: المعتبر 1: 446، الوسيلة 1: 75- 76، و مفتاح الكرامة 1: 183.

(5) الفقيه 1: 157 حديث 732، التهذيب 1: 273 حديث 804 و ج 2: 377 حديث 1572.

(6) الخلاف 1: 36 مسألة 186 كتاب الطهارة.

(7) في نسخة «ح» الباطن و الظاهر.

178
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 169

و تطهّر النار ما أحالته، (1) و الأرض باطن النعل و أسفل القدم. (2)

و تطهر الأرض بإجراء الماء الجاري أو الزائد على الكر عليها، (3) لا بالذنوب و شبهه. (4)

______________________________
إذا جف الجميع بها.

قوله: (و تطهّر النار ما أحالته).

(1) المراد بالإحالة: صيرورته رمادا أو دخانا بالإجماع، أو فحما على أظهر الوجهين.

قوله: (و الأرض باطن النعل و أسفل القدم).

(2) و كذا أسفل الخف و ما ينتعل عادة كالقبقاب، للنص «1» و الإجماع، و لا بد من زوال عين النجاسة بالأرض و اجزائها التي لم يخرج عنها بالاستحالة، و يشترط طهارتها و جفافها، و لا يشترط المشي بل يكفي المسح المزيل للعين، و كذا لا يشترط جفاف النجاسة، و لا كونها ذات جرم للعموم.

قوله: (أو الزائد على الكر عليها).

(3) الظاهر أنه لا تشترط الزيادة على الكر إذا صب الماء عليها دفعة، نعم لو أجرى منه ساقية بحيث يخرج الماء إلى النجس شيئا فشيئا، فلا بد من الزيادة، بحيث يبقى بعد وروده على المحل النجس كرّ.

قوله: (لا بالذّنوب و شبهه).

(4) بفتح الذال المعجمة: الدلو فيها ماء، أو الملأى، أو دون المل‌ء، ذكره في القاموس «2»، و إنما لم يطهر به، لأنه انما يطهر بالغسل بالقليل ما ينفصل الماء المغسول به عنه كما سيأتي، و ليست الأرض كذلك.

و قال الشيخ يطهر بذلك «3»، لأمر النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله بإلقائه على بول الأعرابي في المسجد «4»، و لا دلالة فيه على كونه قليلا، و لا على حصول الطهارة بإلقائه،

______________________________
(1) الكافي 3: 38 باب الرجل يطأ على العذرة.

(2) القاموس (ذنب) 1: 71.

(3) المبسوط 1: 92.

(4) صحيح البخاري 1: 65 باب 58، صحيح مسلم 1: 236 حديث 99، سنن أبي داود 1: 103 حديث 380.

179
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 169

و يطهر الخمر بالانقلاب خلا و إن طرح فيها أجسام طاهرة، (1) و لو لاقتها نجاسة أخرى لم تطهر بالانقلاب.

و طين الطريق طاهر ما لم يعلم ملاقاة النجاسة له، (2) و يستحبّ إزالته بعد ثلاثة أيام. (3) و دخان الأعيان النجسة (4) و رمادها طاهران.

و في تطهّر الكلب و الخنزير إذا وقعا في المملحة فصارا ملحا، (5)

______________________________
فربما جعل معدا لتجفيف الشمس، و نحو ذلك.

قوله: (و يطهر الخمر بالانقلاب خلا و إن طرح فيها أجسام طاهرة).

(1) و كذا العصير بعد غليانه المنجّس له، و النبيذ، و يطهر الإناء و إن كانت قد غلت ثم نقصت، و لا فرق في الأجسام الطاهرة بين كونها جامدة و مائعة، ما لم يتطرق إلى المائعة إمكان الاستهلاك ظاهرا للغلبة مع بقاء الخمرية.

قوله: (و طين الطريق طاهر ما لم يعلم ملاقاة النجاسة له).

(2) المراد بالطريق: ما يعم شوارع البلد التي يستطرقها الناس كثيرا، و إن كانت مظنّة النجاسة.

قوله: (و يستحب إزالته بعد ثلاثة أيام).

(3) لقول أبي الحسن عليه السلام في طين الطريق: «لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيام، إلا أن يعلم أنه قد نجّسه شي‌ء بعد المطر، و إن أصابه بعد ثلاثة أيام فاغسله، و إن كان الطريق نظيفا لم يغسله» «1»، و المراد بالأمر بالغسل الاستحباب، كما فهمه الأصحاب، لعدم المقتضي للتنجيس.

قوله: (و دخان الأعيان النجسة.).

(4) سيأتي في الاستصباح بالدهن النجس في التجارة كلام لبعض الأصحاب يقتضي نجاسة دخان النجس، و أن الأصح الطهارة.

(5) قوله: (و في تطهر الكلب و الخنزير إذا وقعا في المملحة فصارا ملحا،

______________________________
(1) الكافي 3: 13 حديث 4، الفقيه 1: 41 حديث 163.

180
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 169

و العذرة إذا امتزجت بالتراب، و تقادم عهدها حتى استحالت ترابا نظر.

______________________________
و العذرة إذا امتزجت بالتراب، و تقادم عهدها حتى استحالت ترابا نظر).

(1) ينشأ من أن اجزاء النجاسة باقية لم تزل، و إنما تغيرت الصورة، و كما أن النجاسة حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل، كذا حصول الطهارة موقوف على الدليل و لم يثبت، و من أن مناط النجاسة هو تلك الصورة مع الاسم، لأن أحكام الشرع جارية على المسميات بواسطة الأسماء، لأن المخاطب بها كافة الناس، فينزل على ما هو المتفاهم بينهم عرفا أو لغة كما يليق بالحكمة، و لا ريب أن الذي كان من أفراد نوع الكلب قبل الاستحالة، بحيث يصدق عليه اسمه، قد زال عنه ما كان، و صار في الفرض من أفراد الملح، بحيث لا يصدق عليه ذلك الاسم، بل يعد إطلاقه غلطا.

و كذا القول في العذرة بعد صيرورتها ترابا، فيجب الآن أن يجري عليها الأحكام المرتبة شرعا على التراب و الملح، على أن جميع ما أجمعوا على طهارته من نحو العذرة تصير دودا، و المني يصير حيوانا طاهر العين، و نحو ذلك، لا يزيد على هذا، فكان التوقف في الطهارة هنا لا وجه له.

و قد خرّج الشارح الفاضل ولد المصنف بقاء النجاسة، تارة على كونها ذاتية لهذه الأعيان، و أخرى على أن الباقي مستغن عن المؤثر، و زوالها على احتياجه «1»، و هو تخريج غير واضح، لأن المراد بكون النجاسة ذاتية للشي‌ء حكم الشارع بها، لا باعتبار طروء شي‌ء آخر عليه، و هذا لا دخل له في بقاء النجاسة و زوالها، و ليس المراد بكونها ذاتية معنى آخر، و لو أريد لم يستقم.

و بناء الطهارة على احتياج الباقي غير واضح، لأن احتياجه في الإبقاء لا يقتضي زواله باختلاف الزمان، و لا بتغير محله، و إلا لكان الحكم الشرعي الثابت- بدليل- في كل آن زائلا، أو بكل تغير يعرض لمحله، و هو معلوم الفساد، و قد تقرر في الأصول: أن استصحاب الحال حجة إلى أن يحصل الناقل.

فان قيل: لما كان المقتضي للنجاسة هو تعليق الشارع إياها بالاسم و الصورة‌

______________________________
(1) إيضاح الفوائد 1: 31.

181
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 169

و تكفي إزالة العين و الأثر و ان بقيت الرائحة، و اللّون العسر الإزالة (1) كدم الحيض، و يستحب صبغه بالمشق و شبهه. (2)

______________________________
المخصوصين وجب أن يعتبر بقاؤهما في بقائه.

قلنا: ليس المقتضي للنجاسة هنا ذلك، بل المقتضي لها نص الشارع على نجاسة الجسم المعين، و لا يعتبر لبقاء الحكم إلا بقاء ذلك الجسم، و لا دخل لاحتياج الباقي و استغنائه في بقاء الحكم و زواله، مع بقاء المحل، فان ذلك مخل بحجية الاستصحاب.

على أن هذا البناء لا يستقيم أصلا، لأن احتياج الباقي و عدمه، إنما هو في العلل الحقيقية المؤثرة دون علل الشرع، فإنها معرفات الأحكام، و الحكم بعد ثبوته بدلالة معرّفة عليه مستغن عن التعريف الى أن يثبت معرّف بحكم آخر.

و الحق أن تخريج مسائل الفقه على مثل هذه القواعد بعيد، و ينبغي أن تفرض المسألة فيما إذا كانت العذرة يابسة، إذ لو كانت رطبة لتنجست الأرض بها، فإذا استحالت اختلطت أجزاؤها بالمتنجسة، فلا تكون طاهرة، نعم لا تكون عين نجاسة.

قوله: (و إن بقيت الرائحة و اللون العسر الإزالة).

(1) هذا إذا لم تكن الرائحة في الماء، فان علم تغيره بها نجس، و إلا فلا عبرة بها، و كذا لا عبرة باللون العسر الإزالة، فيعفى عنه للرواية «1» و المشقة، و المراد العسر عادة، فلو كان بحيث يزول بمبالغة كثيرة لم يجب.

و هل يتعين له نحو الأشنان و الصابون، أم يتحقق العسر بمجرد الغسل بالماء إذا لم يزل به؟ كل محتمل و الأصل يقتضي الثاني، و الاحتياط الأول.

قوله: (و يستحب صبغه بالمشق و شبهه).

(2) هو بكسر الميم، و إسكان الشين المثلثة: المغرة محركة، و مستند ذلك النص «2»، و المتبادر صبغ موضع الدم، و يحتمل صبغ جميع الثوب، لأن الظاهر أن المراد زوال صورته من النفس، و لا يتحقق إلا بالجميع.

______________________________
(1) الكافي 3: 17 حديث 9، الفقيه 1: 42 حديث 165، التهذيب 1: 28 حديث 75.

(2) التهذيب 1: 257 حديث 746، و المغرة: طين أحمر تصبغ به الثياب (الصحاح 2: 818- مغر-).

182
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 169

و يستحب الاستظهار بتثنية الغسل و تثليثه بعد إزالة العين. (1) و انما يطهر بالغسل ما يمكن نزع الماء المغسول به عنه، لا ما لا يمكن كالمائعات و ان أمكن إيصال الماء إلى أجزائها بالضرب. (2)

______________________________
قوله: (و يستحب الاستظهار بتثنية الغسل و تثليثه بعد إزالة العين).

(1) هو إمّا استفعال من الطهارة، أو من الظهور، أي: طلب الطهارة، أي المبالغة فيها، أو طلب ظهورها، فيصح كون الطاء مهملة و معجمة، و هذا إنما يتمشى على الاكتفاء بغسلة واحدة، أما على القول بوجوب التعدد فتستحب الثالثة حيث لا يجب، و إنما يعتد بالغسل الذي تذهب به العين، أما غيره فلا عبرة به.

قوله: (و إنما يطهر بالغسل ما يمكن نزع الماء المغسول به عنه، لا ما لا يمكن كالمائعات، و إن أمكن إيصال الماء إلى أجزائه بالضرب).

(2) لما ثبت اشتراط انفصال الماء المغسول به عن محل النجاسة إذا كان قليلا، إما بنفسه أو بالعصر فيما يعصر، أو بآلة كخرقة أو إناء، وجب قصر الحكم على ما يمكن نزع الماء عنه كالخشب، و الحجر، و الثوب، و البدن، و لا تضر الثقوب و المسام التي لا يمتنع نزع الماء منها، أما نحو الصابون، و الورق، و الطين و الحبوب، و الجبن ذي المسام المانعة من فصل الماء، و المائعات فلا تطهر بالقليل، بل يتخلل الكثير لها، و قد سبق في بحث المياه بيان تطهير المائعات من ماء و غيره.

و في طهارة الدهن المائع بالكثير إذا ضرب و شاع فيه الماء قول، اختاره المصنف في المنتهى «1»، و التذكرة «2» إذا علم وصول الماء إلى جميع أجزائه، و هو حق على هذا التقدير، إلا أنه لا يعلم، بل قد يعلم خلافه، لأن الدهن يبقي في الماء مودعا فيه غير مختلط به، و إنما يصيب سطحه الظاهر، و لو كان الدهن جامدا جدا كسائر الجامدات طهر ظاهره بالغسل، كالألية قبل أن تذاب، و إلا فيكشط ما يكتنف النجاسة كالسمن.

و لو كان منه على البدن شي‌ء طهر بالغسل، إذا لم يكن له جرم، لما ورد من‌

______________________________
(1) المنتهى 1: 180.

(2) التذكرة 1: 9.

183
جامع المقاصد في شرح القواعد1

فروع ؛ ج 1، ص : 184

[فروع]

فروع:

[أ: لو جبر عظمه بعظم نجس]

أ: لو جبر عظمه بعظم نجس وجب نزعه مع الإمكان. (1)

[ب: لا يكفي إزالة عين النجاسة بغير الماء كالفرك]

ب: لا يكفي إزالة عين النجاسة بغير الماء كالفرك، (2) و لو كان الجسم صقيلا كالسيف لم يطهر بالمسح. (3)

______________________________
كراهة الادهان قبل الغسل
«1»، و لأن هذا القدر غير مانع من وصول الماء إلى البدن، و ضمير (اجزائه) في العبارة يعود إلى (ما) في قوله: (لا ما لا يمكن)، و في كثير من النسخ اجزاؤها للمائعات، و هو حسن.

قوله: (لو جبر عظمه بعظم نجس وجب نزعه مع الإمكان).

(1) الظاهر أن المراد به نجس العين كعظم الكلب، لأن المسألة مفروضة فيه، لكن على ما اختاره أصحابنا، لا فرق بين نجس العين و المتنجس، و المراد بإمكان النزع عدم حصول مشقة كثيرة لا يتحمل مثلها عادة، سواء خشي تلف عضو أم لا، و مثله ما لو خاط جرحه بخيط نجس، فلو صلّى مع إمكان النزع بطلت، لأنه حامل نجاسة مغلظة.

و احتمل في الذكرى «2» مع اكتساء اللحم عدم الوجوب، أي: و إن لم يكن في النزع مشقة لالتحاق ذلك بالباطن، و هو بعيد عن البواطن المعهودة للنجاسات المختصة بها، و قال الشافعي: يجب النزع إلا أن يخشى تلفه، أو تلف عضو من أعضائه «3»، و نفي الحرج الحاصل بالمشقة يدفعه.

قوله: (لا يكفي إزالة عين النجاسة بغير الماء كالفرك).

(2) خالف أبو حنيفة في ذلك، فاجتزأ بفرك المني عن الثوب يابسا «4».

قوله: (و لو كان الجسم صقيلا كالسيف لم يطهر بالمسح).

(3) خالف في ذلك السيد المرتضى، فحكم بطهارة الصيقل بالمسح «5»، و هو‌

______________________________
(1) الكافي 3: 51 حديث 6، التهذيب 1: 129 حديث 355، الاستبصار 1: 117 حديث 393.

(2) الذكرى: 17.

(3) المجموع شرح المهذب 3: 137.

(4) المبسوط للسرخسي 1: 81، شرح فتح القدير 1: 173، اللباب في شرح الكتاب 1: 51.

(5) لم نجد القول في كتب السيد المتوفرة لدينا و نقله عنه العلامة في المختلف: 63.

184
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ج: لو صلى حاملا لحيوان غير مأكول صحت صلاته ؛ ج 1، ص : 185

[ج: لو صلّى حاملا لحيوان غير مأكول صحّت صلاته]

ج: لو صلّى حاملا لحيوان غير مأكول صحّت صلاته، بخلاف القارورة المصمومة المشتملة على النجاسة، (1) و لو كان وسطه مشدودا بطرف حبل طرفه الآخر مشدود في نجاسة صحّت صلاته و ان تحركت بحركته. (2)

______________________________
ضعيف، لأن زوال النجاسة حكم شرعي، فيتوقف على الشرع.

قوله: (لو صلى حاملا لحيوان غير مأكول صحت صلاته، بخلاف القارورة المصمومة المشتملة على النجاسة).

(1) الحجة في ذلك حمل النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أمامة بنت أبي العاص و هو يصلي «1»، و للأصل السالم عن معارضة ما يقتضي المنافاة، و ليست القارورة المصمومة الرأس- أي: المسدودة الرأس برصاص و نحوه، فان صم القارورة، بالصاد المهملة: سدها- كالحيوان غير المأكول على الأصح، و إن تردد فيه الشيخ في الخلاف «2» و في المنتهى بعد أن قوى المنع من ذلك قال: و إن كان لم يقم عندي عليه دليل «3»، و جوّزه في المعتبر مطالبا بدليل المنع في مثله «4»، فعلى قوله لا حاجة إلى سدّ رأس القارورة.

و من اشترطه من العامة «5» إنما أراد به القياس على الحيوان المحمول، إذ لا يقولون بالعفو عن نجاسة ما لا تتم فيه الصلاة، و لو كان الحيوان مذبوحا فكالقارورة، لصيرورة الظاهر و الباطن- المشتمل على النجاسة- سواء بعد الموت، و لأن حمل جلد غير المأكول لحمه ممنوع منه في الصلاة.

قوله: (و لو كان وسطه مشدودا بطرف حبل، طرفه الآخر مشدود في نجاسة صحت صلاته و إن تحركت بحركته).

(2) لانتفاء اللبس و الحمل، و المنع منوط بهما، و كذا لو نجس طرف ثوبه الذي لا‌

______________________________
(1) صحيح البخاري 1: 137 باب 137، صحيح مسلم 1: 385 حديث 543 سنن النسائي 2: 95، سنن أبي داود 1: 241، الموطأ 1: 170 حديث 81.

(2) الخلاف 1: 109 مسألة 191 كتاب كيفية الصلاة.

(3) المنتهى 1: 184.

(4) المعتبر 1: 443.

(5) المجموع شرح المهذب 3: 150 و في ص 148 شرط بالنجس الا يتحرك بتحرك المصلي فتصح الصلاة.

185
جامع المقاصد في شرح القواعد1

د: ينبغي في الغسل ورود الماء على النجس ؛ ج 1، ص : 186

[د: ينبغي في الغسل ورود الماء على النجس]

د: ينبغي في الغسل ورود الماء على النجس، فان عكس نجس الماء و لم يطهر المحل. (1)

[ه‍: اللّبن إذا كان ماؤه نجسا أو نجاسة طهر بالطبخ على اشكال]

ه‍: اللّبن إذا كان ماؤه نجسا أو نجاسة طهر بالطبخ على اشكال، (2) و لو كان بعض أجزائه نجاسة كالعذرة.

______________________________
يقله في شي‌ء من أحوال الصلاة- كالعمامة الطويلة- لانتفاء الحمل و اللبس على موضع النجاسة، كما ذكره الشيخ في المبسوط
«1» و جماعة «2».

قوله: (ينبغي في الغسل ورود الماء على النجس، فلو عكس نجس الماء و لم يطهر المحل).

(1) ينبغي قد تستعمل في الوجوب، و الأكثر استعمالها في الندب، و المراد بها هنا الوجوب، بدليل قوله: (فلو عكس.) و إنما اشترط الورود، لأن الوارد عامل فلا يتنجس، بل يفيد المحل الطهارة.

و هذا فيما يمكن فيه الورود، أما ما لا يمكن كالإناء، فيحتمل عدم الاشتراط إلا أن يكتفى بأول وروده. كذا قيل «3»، و الحق أنه لا يراد بالورود أكثر من هذا، و إلا لم يتحقق الورود في شي‌ء مما يحتاج فصل الغسالة عنه إلى معونة شي‌ء آخر.

و يحتمل عدم اشتراط الورود مطلقا، لأن ملاقاة الماء القليل للنجاسة حاصل على التقديرين، و وروده لا يخرجه عن كونه ملاقيا، و فيه ضعف، خصوصا على القول بأن النجاسة في الماء بعد انفصاله لا قبله، فيلزم تنجس القليل بالملاقاة و عدمه.

قوله: (اللبن إذا كان ماؤه نجسا، أو نجاسة طهر بالطبخ على إشكال).

(2) ينشأ من ادعاء صدق الاستحالة، و قول أبي الحسن عليه السلام في الجص يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى: «إن الماء و النار قد طهراه» «4»، و من أن الاستحالة إنما تتحقق مع زوال الصورة النوعية، التي هي مدار التسمية و الاسم، و لم يحصل،

______________________________
(1) المبسوط 1: 94.

(2) منهم: العلامة في التذكرة 1: 94، و الشهيد في الذكرى: 150.

(3) قاله السيد المرتضى في الناصريات (الجوامع الفقهية): 215.

(4) الكافي 3: 330 حديث 3، الفقيه 1: 175 حديث 829، التهذيب 2: 235 حديث 928.

186
جامع المقاصد في شرح القواعد1

و: لو صلى في نجاسة معفو عنها - كالدم اليسير ؛ ج 1، ص : 187

 

[و: لو صلّى في نجاسة معفو عنها- كالدم اليسير]

و: لو صلّى في نجاسة معفو عنها- كالدم اليسير، أو فيما لا تتم الصلاة فيه منفردا- في المساجد بطلت. (1)

[كلام في الآنية]

كلام في الآنية: (2) و أقسامها ثلاثة:

الأول: ما يتّخذ من الذهب أو الفضة، و يحرم استعمالها في أكل و شرب و غيره. (3)

______________________________
و الحديث لا دلالة فيه. و لو في قوله: (و لو كان بعض أجزائه نجاسة.) وصلية.

قوله: (لو صلّى في نجاسة معفوّ عنها- كالدم اليسير أو فيما لا تتم الصلاة فيه منفردا- في المساجد بطلت).

(1) لا يجوز إدخال النجاسة الملوّثة للمسجد أو لشي‌ء من آلاته اليه، لقوله عليه السلام: «جنبوا مساجدكم النجاسة» «1»، قال في الذكرى «2»: الظاهر أن المسألة إجماعية.

أما غير الملوثة، فمذهب المصنف عدم جواز إدخالها الى المسجد، و إن عفي عنها في الصلاة إما لقلتها، أو باعتبار محلّها، و الأصح عدم التحريم، للأصل السالم عن معارضة النص السابق، و الإجماع، و للاتفاق على دخول الحيّض من النساء اجتيازا مع عدم الانفكاك من النجاسة، و الصبيان و الغالب عليهم النجاسة، و كذا القول في المجروح، و السلس، و المستحاضة.

قوله: (كلام في الآنية).

(2) هي جمع إناء، و قد جرت العادة بالبحث عنها في آخر أحكام النجاسات، لأن معظم أحكامها تتعلق بزوال النجاسة.

قوله: (و يحرم استعمالها في أكل و شرب و غيره).

(3) لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في جوفه نار جهنم» «3» يقال: جرجر الشراب، أي: صوت، و المراد انه بفعله ذلك مستحق‌

______________________________
(1) ذكره الشهيد في الذكرى و قال: (و لم أقف على اسناد هذا الحديث النبوي.)

(2) الذكرى: 14.

(3) المجازات النبوية: 143 حديث 108 البحار 66: 531 حديث 21 و فيه: (آنية)، صحيح البخاري 7: 146.

 

187
جامع المقاصد في شرح القواعد1

كلام في الآنية ؛ ج 1، ص : 187

و هل يحرم اتخاذها لغير الاستعمال، كتزيين المجالس؟ فيه نظر أقربه التحريم. (1)

و يكره المفضض، (2) و قيل: يجب اجتناب موضع الفضّة. (3)

______________________________
للعذاب على أبلغ وجوهه، فالمجرجر في جوفه ليس الا نار جهنم، و الوعيد بالنار إنما يكون على فعل المحرم، و إذا حرم الشرب حرم غيره، لأنه أبلغ، و لعدم القائل بالفصل، و يلزم من تحريم ذلك في إناء الفضة تحريمه في الذهب بطريق أولى.

قوله: (و هل يحرم اتخاذها لغير الاستعمال كتزيين المجالس؟ فيه نظر أقربه التحريم).

(1) ينشأ من الأصل، و من نهي الباقر عليه السلام عن آنية الذهب و الفضة «1»، و النهي للتحريم، و لما امتنع تعلقه بالأعيان لأنه لفعل المكلف، وجب المصير إلى أقرب المجازات إلى الحقيقة، و الاتخاذ أقرب من الاستعمال لأنه يشمله، بخلاف العكس، و في قول الكاظم عليه السلام: «إنية الذهب و الفضة متاع الذين لا يوقنون» «2» إيماء إلى ذلك، و كذا ما روي عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله من قوله: «إنها لهم في الدنيا و لكم في الآخرة» «3» و منه يظهر وجه القرب، و هو الأصح.

فرع هذا التحريم مشترك بين: الرجال و النساء اتفاقا.

قوله: (و يكره المفضض).

(2) هذا أصح القولين، لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس بأن يشرب الرجل في القدح المفضض» «4»، و قيل: يحرم «5» للنهي عنه في حديث آخر «6»، و هو محمول على الكراهية، أو على تحريم الأكل و الشرب من موضع الفضة جمعا بين الأخبار.

قوله: (و قيل: يجب اجتناب موضع الفضة) «7».

(3) أي: حال الأكل و الشرب، فيعزل الفم عنه لقوله عليه السلام: «و اعزل فاك‌

______________________________
(1) الكافي 6: 267 حديث 4.

(2) الكافي 6: 268 حديث 7، التهذيب 9: 91 حديث 389.

(3) صحيح البخاري 7: 99 و 146.

(4) التهذيب 9: 91 حديث 392.

(5) قاله الشيخ في الخلاف 1: 4 مسألة 15 كتاب الطهارة.

(6) التهذيب 9: 90 حديث 386.

(7) قاله الشيخ في المبسوط 1: 13، و ابن البراج في المهذب 1: 28.

188
جامع المقاصد في شرح القواعد1

كلام في الآنية ؛ ج 1، ص : 187

الثاني: المتّخذ من الجلود، و يشترط طهارة أصولها و تذكيتها، (1) سواء أكل لحمها أو لا. نعم يستحب الدبغ فيما لا يؤكل لحمه، (2) أما المتّخذ من العظام فإنما يشترط فيه طهارة الأصل خاصة.

الثالث: المتخذ من غير هذين، (3) و يجوز استعماله مع طهارته و ان غلا ثمنه. (4) و أواني المشركين طاهرة و ان كانت مستعملة، ما لم يعلم مباشرتهم لها برطوبة. (5)

______________________________
عن موضع الفضّة»
«1» و الأمر للوجوب، و هو الأصح.

قوله: (و يشترط طهارة أصولها و تذكيتها).

(1) إنما يشترط التذكية فيما ينجس بالموت، و هو ماله نفس دون ما لا نفس له.

قوله: (نعم يستحب الدبغ فيما لا يؤكل لحمه).

(2) و قيل بالوجوب «2»، و مقتضى كلام القائلين به: ان الطهارة تحصل بالدبغ، و هو مردود، لأن الطهارة حاصلة بالتذكية، إذ لولاها لكان ميتة، فلم يطهر بالدبغ، و الأصح عدم الوجوب، و إن كان العمل به أحوط، و ربما اعتبر الدبغ إن استعمل في مائع، و فيه ضعف.

قوله: (المتخذ من غير هذين).

(3) أراد بهذين القسمين المذكورين- أعني آنية الذهب و الفضة، و آنية الجلود و العظام- إذ لو لا ذلك لدخل بعض الأقسام الثلاثة في بعض.

قوله: (و يجوز استعماله مع طهارته و إن غلا ثمنه).

(4) المراد مع طهارة أصله.

قوله: (و أواني المشركين طاهرة ما لم يعلم مباشرتهم لها برطوبة).

(5) للأصل و النصوص الدالة على ذلك «3»، و لا فرق بين أوانيهم و سائر ما بأيديهم و عليهم، إلّا الجلد و اللحم، لاشتراط العلم بالذكاة.

______________________________
(1) التهذيب 9: 91 حديث 392 و فيه: (و اعزل فمك).

(2) القائل به الشيخ في المبسوط 1: 15، الخلاف 1: 3: مسألة 11 كتاب الطهارة، و الشهيد في البيان: 43.

(3) الكافي 6: 264 حديث 10، السنن الكبرى للبيهقي 1: 32.

189
جامع المقاصد في شرح القواعد1

كلام في الآنية ؛ ج 1، ص : 187

و تغسل الآنية من ولوغ الكلب ثلاث مرات أولاهن بالتراب، (1)

______________________________
قوله: (و يغسل الانية من ولوغ الكلب ثلاث مرّات أولاهن بالتراب).

(1) الأصل في ذلك النص الوارد عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله، و عن الأئمة عليهم السلام، كخبر الفضل أبي العباس، عن الصادق عليه السلام: «اغسله بالتراب أول مرة، ثم بالماء مرّتين» «1» و الولوغ هو شرب الكلب ممّا في الإناء بطرف لسانه، نص عليه صاحب الصحاح «2» و غيره «3».

و هل يلحق بالولوغ ما لو لطع الإناء بلسانه؟ الظاهر نعم لمفهوم الموافقة، و لا يلحق به مباشرته بسائر أعضائه، و لا وقوع لعابه في الإناء، بل هي كسائر النجاسات، و كذا الحكم في غسالة الولوغ، و لا يتفاوت الغسل منها بكونها الأولى أو الأخيرة، لبقاء النجاسة بحالها ما بقي شي‌ء من الغسل، لامتناع تأثير جزء السبب.

و ربما يوجد في كلام بعض الأصحاب وجوب تعدد الغسل من إصابة ماء الغسلة، بقدر ما بقي من الغسل الواجب قبل ورودها، لأن الغسالة كالمحل قبلها «4»، و هو ضعيف، و على هذا يتخرج الحكم في غسالة ولوغ الخنزير و غيره.

و لا يلحق بالإناء غيره من ثياب و غيرها، بل يغسل منه كسائر النجاسات.

و القول بوجوب الغسل ثلاثا هو المشهور بين الأصحاب، و النصوص المعتبرة واردة به «5»، و قال ابن الجنيد: يغسل سبعا، و يجب كون التراب أولا «6»، خلافا للمفيد حيث اعتبر الغسل به ثانيا «7»، و حديث الفضل حجة عليه «8»، و لا يعتبر تجفيف الإناء بعد الغسل خلافا له، فإن الرطوبة لو كانت نجسة لم يطهر الإناء.

______________________________
(1) التهذيب 1: 225 حديث 646، الاستبصار 1: 19 حديث 40 و ليس فيهما (مرتين)، المعتبر 1: 458 و فيه:

مرتين.

(2) الصحاح (ولغ) 4: 1329.

(3) القاموس (ولغ) 3: 115.

(4) الشهيد في اللمعة الدمشقية: 17.

(5) مستدرك الوسائل 1: 167 باب 43 من أبواب النجاسات.

(6) حكاه عنه في المعتبر 1: 458، و المختلف: 63.

(7) المقنعة: 9.

(8) التهذيب 1: 225 حديث 646.

190
جامع المقاصد في شرح القواعد1

كلام في الآنية ؛ ج 1، ص : 187

و من ولوغ الخنزير سبع مرات بالماء، (1) و من الخمر و الجرذ ثلاث مرات و يستحب السبع، (2)

______________________________
و يشترط في التراب الطهارة على أظهر الوجهين، لظاهر قوله عليه السلام:

«اغسله» فإن الحقيقة إذا تعذرت يجب المصير إلى أقرب المجازات، و الغسل إنما يكون بطاهر.

و ربما يوجد في بعض الأخبار: «طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب» الحديث «1»، و الطهور هو المطهر، و لا يلحق به ولوغ الخنزير، خلافا للشيخ «2» نظرا إلى صدق اسم الكلب عليه، و فيه منع، فإنه قد غلب على هذا النابح.

قوله: (و من ولوغ الخنزير سبع مرّات بالماء).

(1) هذا هو الأصح، لنص الكاظم عليه السلام «3»، و قيل: تجزئ الثلاث «4»، أما نجاسة بدنه فكسائر النجاسات.

قوله: (و من الخمر و الجرذ ثلاث مرات، و يستحب السبع).

(2) الأصح وجوب السبع فيهما، لخبري عمار عن الصادق عليه السلام الدالين على وجوب السبع فيهما «5»، و ضعف عمار منجبر بالشهرة، و لا تضرّ المعارضة بخبره الدال على الثلاث، لأن الشهرة مرجحة، و ليس الحكم مقصورا على الخمر، بل المسكر المائع كله كذلك، و لا يبعد إلحاق الفقاع بها.

و أما الجرذ، فهو بضم الجيم و فتح الراء المهملة و الذال المعجمة آخرا: ضرب من الفأر، و المراد الغسل من نجاسة موته، و هل يكون الغسل من غير هذا الضرب من الفأر؟ الظاهر عدم التفاوت، نظرا إلى إطلاق اسم الفأر على الجميع، و قد صرح به جمع من الأصحاب «6»، و إن توقف فيه صاحب المعتبر «7».

______________________________
(1) مستدرك الوسائل 1: 167 باب 43 من أبواب النجاسات.

(2) المبسوط 1: 15.

(3) التهذيب 1: 261 حديث 790.

(4) قاله الشيخ في المبسوط 1: 15، و الخلاف 1: 28 المسألة 143 كتاب الطهارة.

(5) التهذيب 1: 284 حديث 832، التهذيب 9: 116 حديث 502.

(6) منهم: العلامة في المختلف: 64.

(7) المعتبر 1: 461.

191
جامع المقاصد في شرح القواعد1

فروع ؛ ج 1، ص : 192

 

و من باقي النجاسات ثلاثا استحبابا، و الواجب الإنقاء، (1) و هذا الاعتبار مع صب الماء في الآنية، (2) أما لو وضعت في الجاري أو الكر فإنّها تطهر مع زوال العين بأول مرة.

[فروع]

فروع:

[أ: لو تطهّر من آنية الذهب]

أ: لو تطهّر من آنية الذهب، أو الفضة، أو المغصوبة، أو جعلها مصبا لماء الطهارة صحّت طهارته، و ان فعل محرما. (3)

______________________________
قوله: (و من باقي النجاسات ثلاثا استحبابا، و الواجب الإنقاء).

(1) الأصح وجوب الثلاث، لرواية عمّار، عن الصادق عليه السلام «1» و يستفاد من قوله: (و الواجب الإنقاء) أن الغسل الوارد على عين النجاسة- إذا أزالها- محسوب من الغسل الواجب، بخلاف ما لو لم تزل به العين، فإنه لا أثر له. و يحتمل أن لا يحسب إلا ما ورد بعد زوال العين إن كانت موجودة، نظرا الى أن سبب التنجيس موجود، فلا أثر للماء الوارد معه.

قوله: (و هذا الاعتبار مع صب الماء في الآنية.).

(2) لا يخفى أن الماء الكثير لما لم ينفعل بملاقاة النجاسة، لم يكن كالقليل الذي ينفعل بها في تطهير المحل المتنجس، فاعتبر في الغسل به عدد مخصوص بخلاف الكثير، فيكفي الغسل به مرّة، لكن يعتبر في الولوغ غسل الإناء بالتراب قبله على الأصح، لإطلاق الأمر به.

قوله: (لو تطهر من آنية الذهب، أو الفضة، أو المغصوبة، أو جعلها مصبا لماء الطهارة صحت طهارته، و إن فعل محرما).

(3) إما آنية النقدين فلأن المنهي عنه فيهما هو أخذ الماء منهما، أو جعلها مصبا «2»، لا إفاضة الماء على محل الطهارة، و لا تبطل العبادة بمقارنة فعل محرم لفعلها، و لو تطهر فيهما فالظاهر عدم البطلان، لرجوع النهي إلى أمر خارج عن العبادة.

______________________________
(1) التهذيب 1: 284 حديث 832.

(2) التهذيب 1: 425 حديث 1353.

 

192
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ب: لا يمزج التراب ؛ ج 1، ص : 193

بخلاف الطهارة في الدار المغصوبة. (1)

[ب: لا يمزج التراب]

______________________________
أما إذا تطهر من المغصوبة أو جعلها مصبّا لماء الطهارة، فإن النهي حينئذ متوجه إلى العبادة، نظرا إلى منافاتها لحق آدمي مضيق، فان رد الإناء المغصوب على مالكه واجب على الفور، فيقتضي الفساد، كما هو مختار بعض الأصحاب في الصلاة إذا نافت حق آدمي مضيق
«1»، إلا أن يراد فعل الطهارة آخر الوقت.

و لا ريب أن هذا أحوط، إلا أنّ الدليل لا يساعد عليه، لأن النهي في العبادة إنما يتحقق بتوجهه إلى نفس العبادة من حيث هي، أو إلى جزئها أو شرطها، و المنهي عنه في المتنازع إنما هو ترك الرد على المالك، لأن الأمر يقتضي الرد على وجه يمنع من نقيضه، و هو الترك.

و تحقق ترك الرد في ضمن فرد مخصوص- كالطهارة في المثال- لا يقتضي كون الطهارة منهيّا عنها إلا بالواسطة و العرض و ما هذا شأنه فليس بمنهي عنه من حيث هو، فلا يتطرق الفساد إلى الطهارة. و مثله لو تطهر مكشوف العورة اختيارا مع ناظر محترم، أو أخرج الخمس، أو الزكاة، أو الكفارة في الدار المغصوبة، أو نوى الصوم إلى غير ذلك من المسائل الكثيرة.

قوله: (بخلاف الطهارة في الدار المغصوبة).

(1) أي: فإنها تبطل، و مثله لو تطهر في نفس الإناء المغصوب، و اعلم أن وجه الفرق المقتضي للبطلان هنا دون الأول غير واضح، فإن النهي عن شغل المغصوب بالكون فيه لا يقتضي النهي عن مقارناته التي من جملتها الطهارة، لأنها أمر خارج عن التصرف فيه، إذ هي عبارة عن جريان الماء على البدن بفعل المكلف، و ليس للكون بها تعلق في نظر الشارع، نعم يتخرج على القول السابق- إن تم لقائله- البطلان مع سعة الوقت لا مع ضيقه، و أكثر المتأخرين حكموا بالبطلان هنا مطلقا، لما فيه من الزجر عن الاستيلاء على مال الغير عدوانا، و المصير إليه هو المختار.

قوله: (لا يمزج التراب بالماء).

______________________________
(1) منهم: السيد المرتضى في الناصريات (الجوامع الفقهية): 231، و الشهيد في الذكرى: 149.

193
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ج: لو فقد التراب أجزأ مشابهة من الأشنان و الصابون ؛ ج 1، ص : 194

ب: لا يمزج التراب (1)

[ج: لو فقد التراب أجزأ مشابهة من الأشنان و الصابون]

ج: لو فقد التراب أجزأ مشابهة من الأشنان و الصابون، (2) و لو فقد الجميع اكتفى بالماء ثلاثا (3)

______________________________
(1) يجوز الكسر في الجيم على أنه مجزوم بلا، و أنها للنهي، و الكسر للساكنين، و يجوز الرفع على أنه خبر بمعنى النهي، و يحتمل أن يكون المعنى: لا يجب أن يمزج التراب، و المخالف في ذلك هو ابن إدريس فاعتبر المزج، لأن الغسل حقيقة إجراء المائع
«1»، و قد ورد الأمر بالغسل بالتراب «2»، فيجب المزج تحصيلا للحقيقة.

و هو خيال ضعيف، فان الغسل حقيقة إجراء الماء، فالمجاز لازم على كل تقدير، مع أن الأمر بغسله بالتراب، و الممزوج ليس ترابا، فعلى هذا لو مزج هل يتحقق معه الامتثال أم لا؟ لا أعلم تصريحا بالمنع، مع أن الحاجة قد تدعو اليه، كما في الإناء الضيق الرأس إذا أريد تعفيره، فإنه بدون المزج متعذر أو متعسر.

قوله: (لو فقد التراب أجزأ مشابهة من الأشنان و الصابون).

(2) يظهر من تعليق أجزأ ما شابه التراب على فقده عدم الإجزاء مع وجوده، و فيه إشكال يلتفت إلى أن الأمر بالتراب إن كان لخصوصية قائمة به لكونه طهورا، وجب أن لا يجزئ غيره اضطرارا و اختيارا، لأن النجاسة مانع، و مزيلها سبب، و كلاهما من خطاب الوضع الذي لا يتفاوت الحال فيه بالضرورة، و الاختيار، و الاضطرار، و إلا لم يكن سببا مطلقا.

و المتبادر من النص خلافه «3»، و لم تكن خصوصيته معتبرة، و المفروض خلافه و إن لم يكن لخصوصية فيه، و إنما أريد به الاستعانة بجرمه على قلع لزوجة النجاسة، و ذكره بخصوصه، لأنه أعم وجودا و أسهل وجب الاجتزاء بغيره اختيارا، و المتجه هو الأول اتباعا للمنصوص، إلا أن جمعا من الأصحاب «4» ذكروا الاجتزاء بمشابهه مع فقده، و الخروج عن مقالتهم أشد إشكالا، و إن كان الاحتياط تحري التراب مطلقا.

قوله: (و لو فقد الجميع اكتفى بالماء ثلاثا).

(3) هذا فتوى المصنف‌

______________________________
(1) السرائر: 15.

(2) التهذيب 1: 225 حديث 646.

(3) التهذيب 1: 225 حديث 646.

(4) منهم: الشيخ في المبسوط 1: 14، و العلامة في المختلف: 64 حكاه عن ابن الجنيد.

194
جامع المقاصد في شرح القواعد1

د: لو تكرر الولوغ لم يتكرر الغسل ؛ ج 1، ص : 195

و لو خيف فساد المحل باستعمال التراب فكالفاقد، و لو غسله بالماء عوض التراب لم يطهر على إشكال. (1)

[د: لو تكرر الولوغ لم يتكرر الغسل]

د: لو تكرر الولوغ لم يتكرر الغسل، و لو كان في الأثناء استأنف.

[ه‍: آنية الخمر من القرع]

ه‍: آنية الخمر من القرع، و الخشب، و الخزف غير المغضور كغيره. (2)

______________________________
و الشيخ
«1»، مع أن عبارة الشيخ تقتضي الاكتفاء بالماء عند فقد التراب، و يحتمل الاجتزاء بغسلتين عند فقده، كما يجبان عند وجوده.

و الذي يقتضيه النظر بقاء المحل على نجاسته، الى أن يوجد الذي عينه الشارع لتطهيره، فان الماء لو فقد لم تطهر النجاسة بالمسح، و التراب في الولوغ أحد جزأي المطهر، و مثله لو خيف فساد المحل باستعمال التراب.

قوله: (و لو غسله بالماء عوض التراب لم يطهر على إشكال).

(1) ينشأ: من أن الماء أبلغ من التراب فيجزي عنه، و من أن النص «2» ورد على أن المطهر له هو الماء و التراب فلا يتعدى، و هو الأصح.

قوله: (آنية الخمر من القرع، و الخشب، و الخزف غير المغضور كغيره).

(2) المراد بالمغضور: المدهون بشي‌ء يقويه، و يمنع نفوذ المائع في مسامه، كالدهن الأخضر الذي تدهن به الأواني غالبا، و مقصود المسألة أن ما له منافذ من الآنية كالقرع، و ما ليس كذلك كالزجاج و المغضور، سواء في طهارتها من الخمر إذا غسلت على الوجه المعتبر على أصح القولين.

و قيل: إن القسم الأول لا يطهر، و لا يجوز استعماله و إن غسل «3»، و هو ضعيف، نعم طهارته باطنا موقوف على تخلل الماء بحيث يصل إلى ما وصل إليه أجزاء الخمر، و متى طهر ظاهره و علم ترشح شي‌ء من أجزاء الخمر المستكنة في البواطن نجس، و إلّا فلا.

______________________________
(1) المبسوط 1: 14.

(2) التهذيب 1: 225 حديث 646.

(3) حكاه عن ابن الجنيد المحقق الحلي في المعتبر 1: 467.

195
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المقصد الرابع: في الوضوء ؛ ج 1، ص : 196

 

[المقصد الرابع: في الوضوء]

المقصد الرابع: في الوضوء، و فصوله ثلاثة: (1)

[الأول: في أفعاله]

الأول: في أفعاله و فروضه سبعة:

[أولا: النيّة]

أولا: النيّة، و هي إرادة إيجاد الفعل على الوجه المأمور به شرعا، (2)

______________________________
قوله: (المقصد الرابع: في الوضوء: و فصوله ثلاثة).

(1) لا ريب أن مباحث الطهارة هي المقصود الحقيقي في هذا الكتاب، و ما سبق من المباحث بالنسبة إليها كالمقدمات، و الوضوء، بالضم: الفعل من الوضاءة، و هي الحسن، و بالفتح: الماء المعد له.

قوله: (و فروضه سبعة: الأول: النية، و هي إرادة إيجاد الفعل على الوجه المأمور به شرعا).

(2) يمكن أن يراد بالأفعال جملة ما يتوقف عليه الشي‌ء، فلا ينافيه قوله بعد (و هي شرط في كل طهارة،.) بل هو الأنسب، لأن النية بالشرط أشبه لسبقها على باقي الأفعال و مصاحبتها إلى الآخر، و هكذا شأن الشروط، و اللام في النية للعهد كما هو المتبادر، لأن الظاهر أن المراد بالنية نية الوضوء، و مقتضى قوله: (و هي) أن التعريف لها، فيكون تعريفا بالأعم، و لا يتعين أن يراد بالفعل الوضوء كما قيل، و إن كان صادقا عليه.

و الظاهر أن المصنف لما أراد تعريف نيّة الوضوء، و رأى أنّ تعريف مطلق النية أنفع لعمومه و أليق، لأن الوضوء أول العبادات فيناسبه البحث عما يشترك فيه جميعها، و هو النيّة، و المطلوب- و هو معرفة نية الوضوء- حاصل، عدل إلى تعريف مطلق النية، و إن كان نظم عبارته ليس بذلك الحسن، و الإرادة جنس يتناول كلّا من النيّة و العزم، لأنها أعم من أن تقارن الفعل أولا، و من وقوعها جنسا لتعريف النية يعلم أن النطق لا دخل له في النيّة أصلا، و بإضافتها إلى إيجاد الفعل تخرج إرادة ترك المنهيات على الوجه المعتبر من أنها نيّة.

و كذا تخرج نية الصوم و الإحرام، لأن كلا منهما عبارة عن الإمساك عن أمور‌

 

196
جامع المقاصد في شرح القواعد1

أولا: النية ؛ ج 1، ص : 196

و هي شرط في كل طهارة عن حدث لا عن خبث، لأنها كالترك. (1)

______________________________
مخصوصة، و ما قيل من أن التكليف فيهما، و في التروك بالكف عن تلك الأشياء
«1»، و الكف فعل، لا يجدي نفعا، إذ ليس ثم إيجاد فعل بل إبقاؤه.

و الجار في قوله: (على الوجه المأمور به) إن علق بإيجاد- و هو المتبادر- صدق على العزم، فلم يكن التعريف مانعا، و كذا يصدق على إرادة اللَّه- تعالى- أفعال العباد، و إن علق بإرادة لم ينتقض بهما، لكن لا يكون دالا على اعتبار مشخصات الفعل في النية إلا بطريق اللزوم، لأن الوجه المأمور به على ذلك التقدير للإرادة لا للفعل.

ثم المأمور به إن أريد به الواجب- لأن الأمر حقيقة في الوجوب، و مجاز في غيره-، انتقض التعريف في عكسه بخروج نية المندوب، و إن أريد به مطلق المطلوب فعله، و لو على وجه الإباحة، كالمطلوب في قوله تعالى (وَ إِذٰا حَلَلْتُمْ فَاصْطٰادُوا) «2» لزم مع ارتكاب المجاز صدقه على إرادة إيجاد المباح، كالاصطياد في الآية على الوجه المطلوب فيها، و في عد ذلك نيّة عند الفقهاء بعد.

و أيضا فإن الوجه محتمل أن يراد به الإجمالي، فينتقض في طرده بإرادة أي عبادة فرضت للقربة، و أن يراد به التفصيلي، فلا يصدق على شي‌ء من نيّات العبادات، و إن أريد غير ذلك، فلا بد من شي‌ء يعينه، و أخذ الألفاظ المجملة في التعريف ينافي المطلوب منه من التبيين و الإيضاح. و أورد عليه انه شرعا مستدرك، لأن النيّة تكون للتكليفات العقلية، و أجيب بأن التكليفات العقلية معتبرة بالشرع فهي شرعية أيضا.

قوله: (و هي شرط في كل طهارة عن حدث لا عن خبث، لأنها كالترك).

(1) لا ريب أن الطهارة عن الحدث فعل مطلوب للقربة، و هو اتفاقي. و وقوعه على وجوه متعددة- بعضها معتبر عند الشارع، و بعضها غير معتبر- أمر معلوم، و ما هذا شأنه فلا بد فيه‌

______________________________
(1) قاله الشهيد في اللمعة: 56.

(2) المائدة: 2.

197
جامع المقاصد في شرح القواعد1

أولا: النية ؛ ج 1، ص : 196

و محلّها القلب، (1) فان نطق بها مع عقد القلب صحّ، و إلّا فلا، (2) و لو نطق بغير ما قصده كان الاعتبار بالقصد.

______________________________
من النية، لأن بها يصير واقعا على الوجه المطلوب شرعا، لأن المؤثر في وجوه الأفعال هو النيّة، كما دل عليه قوله عليه السلام: «إنما الأعمال بالنيات، و إنما لكل امرئ ما نوى»
«1».

أما طهارة الأخباث- أعني إزالة النجاسات- فان المطلوب ترك النجاسة، و الفعل الموصل إلى ذلك غير مقصود إلا بطريق العرض و التروك باعتبار كونها مرادة للشارع، لا على وجه مخصوص بأي وجه تحققت حصل المطلوب شرعا، فليس هناك وجوه متعددة لمتعلق التكليف يتوقف الامتثال على تعيين بعضها بالنية، فمن ثم لم يحتج في التروك و في الأفعال- التي المطلوب بها ترك شي‌ء آخر- إلى النيّة، بخلاف الأفعال التي تقع على وجوه متعددة بعضها غير مطلوب شرعا، فإنه لا بد فيها من النيّة كما قدمناه.

و في حكمها التروك التي ألحقت بالأفعال، و أجريت مجراها في وقوعها عبادة على وجه مخصوص- و هو الصوم و الإحرام- فيتحصل أن متعلق التكليف منحصر بالاستقراء في أربعة: فعل محض، ترك محض، فعل كالترك، ترك كالفعل، و قد علم حكمها في اعتبار النيّة، و عدم اعتبارها.

و اعلم أن قول المصنف: (كالترك) أراد به أنّ إزالة النجاسة لما كان المراد بها تركها أشبهت التروك باعتبار المعنى المراد منها.

قوله: (و محلها القلب).

(1) هذا معلوم بطريق اللزوم من قوله: (ارادة.) ذكره للتصريح به، و ليبني عليه ما بعده، و ليعلم أن النطق لا تعلّق له بالنيّة أصلا.

قوله: (فان نطق بها مع عقد القلب صح، و إلّا فلا).

(2) فيه تسامح، لأن الذي يسبق الى الفهم من العبارة أن يكون المراد صح النطق، و المراد معلوم، بني الأمر فيه و في أمثاله على المسامحة، كأنه أراد صح فعل النيّة.

______________________________
(1) صحيح البخاري 1: 2، و سنن أبي داود 2: 262.

198
جامع المقاصد في شرح القواعد1

أولا: النية ؛ ج 1، ص : 196

و وقتها استحبابا عند غسل كفّيه المستحب، (1) و وجوبا عند ابتداء أول جزء من غسل الوجه،

______________________________
قوله: (و وقتها استحبابا عند غسل كفيه المستحب).

(1) لا يخفى أن محل النيّة عند أول العبادة، لأنها لو تقدمت عليه لكانت عزما، و لو تأخرت عنه خلا بعض العبادة عن النيّة، و أول واجبات الوضوء الذي يتصور إيقاع النية عنده أول غسل الوجه، فلا يجوز تأخيرها عنه.

و أما غسل اليدين، و المضمضة و الاستنشاق، فإنها لما كانت من الأفعال المستحبة، كان أول الوضوء الكامل عند غسل اليدين، فيكون إيقاع النيّة عنده جائزا، بل مستحبا، ليتحقق بها كون الغسل و المضمضة و الاستنشاق مستحبة، إذ لو خلت من النيّة لم يقع من مستحبات الوضوء، و لا ينافي استحباب النية حينئذ كونها واجبة على معنى التوسعة، لأن أول وقت الموسّع أفضل من غيره، كقضاء الصلوات الواجبة فإن أوله أفضل مع ثبوت الوجوب.

و قيد الغسل بكونه مستحبا، إذ لا يكون من أفعال الوضوء إلا مع الاستحباب، و مراده استحبابه للوضوء، كما يشعر به السياق، و يرشد إليه التعليل، فلو وجب الغسل لنحو إزالة النجاسة، أو حرم لصيرورة ماء الطهارة بسببه قاصرا عنها، أو كره لتوهم قصوره مع ظن العدم، أو أبيح كأن تتوضأ من كر فصاعدا أو مما لا يمكن الاغتراف منه.

و احتمل في الذكرى «1» الاستحباب هنا، لحصول مقصود الغسل بالإضافة إلى باقي الأعضاء، أو لم يكن الوضوء من حدث النوم، و البول، و الغائط، أو استحب لغير الوضوء مما يتعلق به كالغسل للاستنجاء، أو لما لا يتعلق به كالغسل للأكل لم يجز إيقاع النيّة في شي‌ء من هذه المواضع، لانتفاء كونه من أفعال الوضوء.

و اعلم أن قوله: (استحبابا) منصوب على التمييز، و كذا قوله (وجوبا)، و أراد بالوجوب فيه المضيق الذي لا يجوز التأخير عنه، و (ابتداء) في قوله: (عند ابتداء أول جزء من غسل الوجه) مستدرك، مع أنه ليس لأول جزء من غسل الوجه ابتداء.

و اعلم أيضا أنه لما كان إدخال جزء من الرأس في غسل الوجه واجبا من باب‌

______________________________
(1) الذكرى: 93.

199
جامع المقاصد في شرح القواعد1

أولا: النية ؛ ج 1، ص : 196

و يجب استدامتها حكما الى آخر الوضوء. (1)

و يجب في النيّة القصد الى رفع الحدث، أو استباحة فعل مشروط بالطهارة، و التقرب الى اللَّه تعالى، و أن يوقعه لوجوبه أو ندبه أو لوجههما على رأي. (2)

______________________________
المقدمة، كان غسل ذلك الجزء أوّل جزء، فيجب الابتداء به، أو بضمه إلى جزء أول من الوجه و يبتدئ بهما.

قوله: (و يجب استدامتها حكما إلى آخر الوضوء).

(1) قد كان الواجب استدامة النيّة فعلا الى آخر الوضوء و كل عبادة، لأن كل جزء من الاجزاء عبادة، فلا بد له من النية، الا أن هذا متعذر أو متعسر فاكتفى بالاستدامة حكما، و فسرها أكثر الأصحاب بأمر عدمي «1»، و هو أن لا يأتي بنية تنافي الأولى.

و شيخنا الشهيد فسرها بأمر وجودي، و هو البقاء على حكمها، و العزم على مقتضاها، و جعل في رسالة الحج مبنى القولين على مسألة كلامية اختلف فيها، و هي أن الممكن الباقي هل هو محتاج إلى المؤثر، أو مستغن عنه؟ و ما ذهب اليه من التفسير لا حاصل له، فان الذهول لا ينافي صحة العبادة اتفاقا، و لا يجتمع معه ما فسر به، و البناء المذكور مع بعده غير مستقيم في نفسه، فالقول ما قاله الأكثر.

قوله: (و يجب في النية القصد الى رفع الحدث، أو استباحة فعل مشروط بالطهارة، و التقرب الى اللَّه تعالى، و أن يوقعه لوجوبه أو ندبه، أو لوجههما على رأي).

(2) اختلف في نيّة الوضوء على أقوال: فقيل بالاكتفاء بالقربة- و هو قول الشيخ في النهاية) «2»- و قيل بالاكتفاء برفع الحدث، أو استباحة فعل مشروط بالطهارة- و هو قوله في المبسوط «3»- و الظاهر أنه يريد به مع القربة.

و قيل باعتبار الاستباحة، و ينسب إلى المرتضى «4»، و قيل بالقربة و الوجوب أو‌

______________________________
(1) منهم: الشيخ في المبسوط 1: 19، و المحقق في المعتبر 1: 139: و العلامة في التذكرة 1: 15.

(2) النهاية: 15.

(3) المبسوط 1: 19.

(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): 219، 223.

200
جامع المقاصد في شرح القواعد1

أولا: النية ؛ ج 1، ص : 196

..........

______________________________
الندب، و هو مذهب صاحب المعتبر في الشرائع
«1»، و قيل بهما مع الرفع و الاستباحة معا، و هو مذهب أبي الصلاح «2» و جماعة «3»، و قيل بالقربة و الوجه من الوجوب و الندب أو وجههما، و أحد الأمرين من الرفع و الاستباحة، و هو اختيار المصنف و جمع من الأصحاب «4»، و هو الأصح.

أما القربة، فلأن الإخلاص يتحقق بها، و أما الوجه، فلأن الامتثال في العبادة إنما يتحقق بإيقاعها على الوجه المطلوب، و لا يتحقق ذلك الوجه في الفعل المأتي به إلا بالنيّة، بدليل «إنما لكل امرئ ما نوى» «5»، و منه يستفاد اعتبار أحد الأمرين من الرفع و الاستباحة، و لا يجبان معا لتلازمهما فيما عدا التيمم، و طهارة دائم الحدث.

إذا تقرر ذلك، فاعلم أن المراد بالقربة اما موافقة إرادة اللَّه تعالى، أو القرب منه المتحقق بحصول الرفعة عنده، و نيل الثواب لديه مجازا عن القرب المكاني، و إيثار القربة لتحصيل الإخلاص، لتكرر ذكرها في الكتاب و السنة، في مثل قوله تعالى (وَ يَتَّخِذُ مٰا يُنْفِقُ قُرُبٰاتٍ عِنْدَ اللّٰهِ وَ صَلَوٰاتِ الرَّسُولِ أَلٰا إِنَّهٰا قُرْبَةٌ لَهُمْ) «6» و قوله عليه السلام:

«أقرب ما يكون العبد الى ربه إذا سجد» «7».

و المراد برفع الحدث زوال المانع، أعني النجاسة الحكمية المتوهم حصولها في البدن، فانّ الحدث يطلق عليها و على مبطلات الطهارة بالاشتراك اللفظي، و المتعقل رفعه- أي زواله- هو الأول دون الثاني.

و أما الاستباحة فالمراد بها طلب الإباحة، أي: زوال المنع من العبادة التي منع من فعلها شرعا ذلك الحدث، و إنما يزول المنع بزوال المانع إذا أمكن زواله بتلك‌

______________________________
(1) الشرائع 1: 20.

(2) الكافي في الفقه: 132.

(3) منهم: ابن البراج في المهذب 1: 43، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 491، و العلامة في التذكرة 1: 14.

(4) منهم: الشيخ في المبسوط 1: 19، و ابن حمزة في الوسيلة: 40، و المحقق في المعتبر 1: 139، و الشهيد في الذكرى:

80.

(5) صحيح البخاري 1: 2، و سنن أبي داود 2: 262.

(6) التوبة: 99.

(7) الكافي 3: 64 حديث 1، الفقيه 1: 206 حديث 930، عيون أخبار الرضا 2: 7 حديث 15.

201
جامع المقاصد في شرح القواعد1

أولا: النية ؛ ج 1، ص : 196

..........

______________________________
الطهارة، لامتناع زوال الحكم مع بقاء مقتضيه، و إنما يتخلّف هذا الحكم في التيمم للاتفاق على أنه لا يرفع الحدث، و في دائم الحدث لمقارنة حدثه للطهارة، و فيما عدا هذين فالامران متلازمان، فمتى حصلت الإباحة بنيتها زال المنع و المستلزم زوال المانع، و متى ارتفع الحدث زال المانع فيزول المنع.

و اعلم أن قوله: (أو استباحة فعل مشروط بالطهارة) لا يتمشى على ظاهره، بل لا بد أن يكون المنوي استباحة مشروط بالوضوء، و تنكيره يشعر بأن المراد: الاجتزاء بنيّة استباحة أي مشروط اتفق، فلو نوى استباحة الطواف و هو بالعراق مثلا صح، كما يحكى عن ولد المصنف «1»، و صرح به شيخنا الشهيد في البيان «2»، لأن المطلوب بالطهارة كذلك كونه بحيث يباح له لو أراده، و يشكل بأنه نوى أمرا ممتنعا عادة فكيف يحصل له؟

و المراد بوجه الوجوب و الندب: السبب الباعث على إيجاب الواجب و ندب المندوب، فهو على ما قرره جمهور العدليين من الإمامية، و المعتزلة: ان السمعيات ألطاف في العقليات، و معناه: إنّ الواجب السمعي مقرب من الواجب العقلي،- أي امتثاله باعث على امتثاله- فان من امتثل الواجبات السمعية كان أقرب الى امتثال الواجبات العقلية من غيره، و لا معنى للطف إلا ما يكون المكلّف معه أقرب الى الطاعة، و كذا الندب السمعي مقرب من الندب العقلي، أو مؤكد لامتثال الواجب العقلي، فهو زيادة في اللطف، و الزيادة في الواجب لا يمتنع أن تكون ندبا.

و لا نعني أن اللطف في العقليات منحصر في السمعيات، فان النبوة و الإمامة، و وجود العلماء، و الوعد و الوعيد، بل جميع الآلام تصلح للإلطاف فيها، و إنما هي نوع من الألطاف، و إنما كانت نيّة الوجه كافية لأنه يستلزم نية الوجوب و الندب، لاشتماله عليهما و زيادة، فكان أبلغ.

______________________________
(1) في مفتاح الكرامة 1: 217 (قلت: هذا الذي نقله عن ولد المصنف وجدته في حاشية الإيضاح عندي و هي نسخة عتيقة معربة محشاة عن [من] خطه، ذكر ذلك ثم كتب في آخر الحاشية محمد بن المطهر).

(2) البيان: 7.

202
جامع المقاصد في شرح القواعد1

فروع ؛ ج 1، ص : 203

 

و ذو الحدث الدائم، كالمبطون و صاحب السلس و المستحاضة ينوي الاستباحة، فإن اقتصر على رفع الحدث فالأقوى البطلان. (1)

[فروع]

فروع:

[أ: لو ضم التبرد صح على اشكال]

أ: لو ضم التبرد صح على اشكال (2) و لو ضم الرياء بطل.

______________________________
قوله: (و ذو الحدث الدائم كالمبطون و صاحب السلس، و المستحاضة ينوي الاستباحة، فإن اقتصر على رفع الحدث فالأقوى البطلان).

(1) المراد به: ينوي الاستباحة سواء اقتصر عليها أو ضم إليها الرفع، فان طهارته تصح على التقديرين، لأن ضميمة الرفع- و إن لم تكن معتبرة- فإنها لا تؤثر فسادا على أقوى الوجهين، بل تقع لغوا.

و لو اقتصر دائم الحدث على نية رفع الحدث فقولان: أحدهما الصحة «1»، لأنه نوى رفع المانع المستلزم لرفع المنع، فيحصل له ما نواه بحسب الممكن في حقه، و الثاني:

البطلان «2»، لأنه نوى امرا ممتنعا بالنسبة إليه، فكيف يحصل له؟

و التحقيق: أنه إن نوى رفع الحدث السابق مع المقارن للطهارة و أطلق، فالأصح البطلان، لأنه نوى أمرا ممتنعا، فان مقتضى الإطلاق رفع المانع مطلقا، و إن قصد رفع السابق خاصة فالأصح الصحة، كما خرّجه صاحب المعتبر «3»، و شيخنا الشهيد «4»، لإمكان ذلك فيه، و الحدث المقارن و الطارئ معفو عنه في تلك الصلاة، فهو في معنى الاستباحة.

قوله: (لو ضمّ التبرد صح على إشكال).

(2) أي: لو ضمه إلى نيّة الوضوء المعتبرة، و منشأ الاشكال من منافاته للقربة و الإخلاص، إذ هو أمر خارج عن العبادة، و من أنه لازم لفعلها، سواء نوى أم لا، و الأصح الأول، لأن لزومه لفعل الطهارة لا يقتضي جواز نيّته، و مثل التبرد التسخن، و زوال الوسخ، و لو ضم الرياء بطل قولا واحدا، و حكى عن المرتضى: ان عبادة الرياء‌

______________________________
(1) ذهب اليه الشهيد في الذكرى: 81.

(2) قاله فخر المحققين في إيضاح الفوائد 1: 36.

(3) المعتبر 1: 139.

(4) الذكرى: 81.

 

203
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ب: لا يفتقر الى تعيين الحدث و ان تعدد ؛ ج 1، ص : 204

[ب: لا يفتقر الى تعيين الحدث و ان تعدد]

ب: لا يفتقر الى تعيين الحدث و ان تعدد، و لو عيّنه ارتفع الباقي.

و كذا لو نوى استباحة صلاة معيّنة استباح ما عداها و ان نفاها، سواء كانت المعيّنة فرضا أو نفلا. (1)

______________________________
تسقط الطلب عن المكلف، و لا يستحق بها ثوابا
«1»، و ليس بشي‌ء.

إذا تقرر ذلك فالضمائم أربع:

أ: ضميمة اللازم المؤكد كضميمة الرفع إلى الاستباحة، و لا شبهة في صحتها.

ب: ضميمة اللازم الأجنبي كضميمة التبرد، و قد سبق حكمها.

ج: ضميمة المنافي كالرياء، و بطلانه معلوم.

د: ضميمة الأمر الأجنبي الغريب كدخول السوق، و في البطلان به وجهان، أصحهما البطلان.

قوله: (و كذا لو نوى استباحة صلاة معينة استباح ما عداها و إن نفاها سواء كانت المعيّنة فرضا أو نفلا).

(1) الضمير في (نفاها) يعود إلى (ما)، أي: و ان نفى ما عداها، و وجه ما ذكره أنه نوى استباحة، فيجب أن يحصل له عملا بالحديث، و حينئذ فيستبيح ما سواها، لأن الاستباحة تقتضي زوال المانع فيقع النفي لغوا.

و فيه نظر، فإنه نوى استباحة و عدمها، فإنه كما ان استباحة صلاة تقتضي استباحة غيرها، كذا نفي استباحة صلاة أخرى يقتضي عدم الاستباحة مطلقا، لاستلزامه بقاء المانع، و الأصح البطلان، كما اختاره شيخنا الشهيد «2»، لأن الحدث متحقق و لم يحصل الرافع له يقينا، و لا فرق بين كون المعينة فرضا أو نفلا.

و ينبغي أن يستثني من ذلك نحو المستحاضة، فإن وضوءها إنما يبيح صلاة واحدة، و من ذلك يعلم حكم ما لو نوى رفع حدث و نفي غيره.

______________________________
(1) الانتصار: 17.

(2) الذكرى: 81.

204
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ج: لا تصح الطهارة من الكافر ؛ ج 1، ص : 205

[ج: لا تصحّ الطهارة من الكافر]

ج: لا تصحّ الطهارة من الكافر، لعدم التقرب في حقه (1) إلّا الحائض الطاهر تحت المسلم، لإباحة الوطء ان شرطنا الغسل للضرورة، فإن أسلمت أعادت (2) و لا يبطله الارتداد بعد الكمال، (3) و لو حصل في الأثناء أعاد. (4)

______________________________
قوله: (لا تصح الطهارة من الكافر، لعدم التقرب في حقه).

(1) أي: لامتناعه، و إن اعتقد الطهارة قربة، كالمرتد بإنكار بعض ضروريات الدين، لبعده عن اللَّه- سبحانه- بكفر.

قوله: (إلّا الحائض الطاهر تحت المسلم، لإباحة الوطء إن شرطنا الغسل للضرورة، فإن أسلمت أعادت).

(2) المراد بالحائض الطاهر: التي حصل لها الطهارة بعد حصول دم الحيض، فان هذه لو كانت كافرة زوجة لمسلم، و قلنا بأن وطء الحائض قبل الغسل لا يجوز، تغتسل غسل الحيض لضرورة حل الوطء لزوجها المسلم، و لا يكون غسلا حقيقيا، و لا يعد في ذلك، فقد شرعت صورة الطهارة للضرورة في مواضع منها: تغسيل الكافر للميت المسلم إذا فقد المماثل، و المحرم من المسلمين، و منها تيمم الجنب مع وجود الماء، و كذا للخروج من المسجدين، و غير ذلك.

و مال في (الذكرى) «1» إلى إباحة الوطء بغير غسل هنا- و إن منعنا في غيره- التفاتا الى ان تجويز الوطء بغير غسل للضرورة أولى من ارتكاب غسل بغير نيّة صحيحة، و الاكتفاء بالضرورة في مواضع للنص «2» لا يقتضي جواز غيرها و فيه قوّة، و لو قلنا بالغسل ففعلته ثم أسلمت، فلا شك في وجوب الإعادة لبقاء الحدث، و كونها في عهدة التكليف، و أبعد منه غسل المجنونة بتولي الزوج، و إن سوغه المصنف.

قوله: (و لا تبطل بالارتداد بعد الكمال).

(3) لارتفاع الحدث، و عوده يحتاج إلى الناقض.

قوله: (و لو حصل في الأثناء أعاد).

(4) ظاهر العبارة يدل على أن المراد: إعادة الطهارة بعد العود إلى الإسلام، و وجهه‌

______________________________
(1) الذكرى: 82.

(2) الكافي 3: 82 حديث 3، التهذيب 1: 400 حديث 1250.

205
جامع المقاصد في شرح القواعد1

د: لو عزبت النية في الأثناء صح الوضوء ؛ ج 1، ص : 206

[د: لو عزبت النيّة في الأثناء صحّ الوضوء]

د: لو عزبت النيّة في الأثناء صحّ الوضوء و ان اقترنت بغسل الكفين، (1) نعم لو نوى التبرّد في باقي الأعضاء بعد عزوب النيّة فالوجه البطلان. (2)

[ه‍: لو نوى رفع حدث و الواقع غيره، فان كان غلطا صحّ]

ه‍: لو نوى رفع حدث و الواقع غيره، فان كان غلطا صحّ، (3)

______________________________
بطلان حكم النيّة بتخلل الردّة، و الحق أنه إنما يعيد إذا جف البلل لفوات الموالاة حينئذ، و بدونه يستأنف النيّة لما بقي و يتم طهارته، سواء في ذلك المرتد عن فطرة و غيره.

قوله: (لو عزبت النيّة في الأثناء صحّ الوضوء و إن اقترنت بغسل الكفين).

(1) عزبت، بالعين المهملة و الزاي: معناه ذهبت صورتها عن الذهن، و قد عرفت فيما مضى أنه لا يجب الاستدامة فعلا الى آخر الوضوء اتفاقا، لكن قيل بوجوبها إن اقترنت النيّة بغسل الكفين، بناء على عدم الاجتزاء بتقديمها عنده، و يلوح ذلك مما حكاه في الذكرى «1» عن ابن طاوس، و الفتوى على ما ذكره المصنف.

قوله: (نعم لو نوى التبرّد في باقي الأعضاء بعد عزوب النيّة فالوجه البطلان).

(2) استثنى مما سبق، ما لو نوى التبرد بعد عزوب النيّة في باقي الأعضاء، و ليس قيدا للحكم، فنيّته في بعض ما بقي كنيّته في الجميع، و اختار البطلان هاهنا لفقد النيّة فعلا، و الاستدامة ضعيفة جدا، فإذا نوى التبرد تمحض الفعل لذلك و خرج عن كونه عبادة.

و يحتمل ضعيفا الصحة نظرا إلى وجود الاستدامة، و أن المنوي حاصل على كل تقدير، و ليس بشي‌ء، و لو حاول أحد إلزامه بالصحة- بناء على ما اختاره سابقا- لوجد إلى ذلك سبيلا، لأن نيّة التبرد إن كانت منافية للإخلاص أبطلت مع ضمها «2» إلى نيّة الوضوء، و إلا لم تؤثر، لبقاء الإخلاص في الموضعين.

قوله: (لو نوى رفع الحدث و الواقع غيره، فان كان غلطا صحّ).

(3) أي: فان كان ذلك غلطا منه في النيّة، لاعتقاده كون الواقع هو المنوي، و وجه‌

______________________________
(1) الذكرى: 80 نقله عن البشرى لابن طاوس.

(2) في النسخ المخطوطة (ضميمتها).

206
جامع المقاصد في شرح القواعد1

و: لو نوى ما يستحب له ؛ ج 1، ص : 207

و إلّا بطل. (1)

[و: لو نوى ما يستحب له]

و: لو نوى ما يستحب له كقراءة القرآن فالأقوى الصحّة. (2)

[ز: لو شك في الحدث بعد يقين الطهارة الواجبة فتوضأ احتياطا]

ز: لو شك في الحدث بعد يقين الطهارة الواجبة فتوضأ احتياطا، ثم تيقن الحدث فالأقوى

______________________________
الصحة أنه قصد رفع المانع، غاية ما في الباب أنه غلط في تعيين سببه، و ذلك لا يخل بكونه منويا.

قوله: (و إلّا بطل).

(1) أي: و إن لم يكن غلطا بأن تعمّد ذلك بطل، لأنه كلانيّة، و استقرب في الذكرى البطلان مطلقا لفقد النيّة المعتبرة «1»، و فيما اختاره المصنف قوّة.

قوله: (لو نوى ما يستحب له كقراءة القرآن فالأقوى الصحة).

(2) ليس المراد بما يستحب له الوضوء ما هو شرط في صحته، كالصلاة المندوبة، فإن نيّة استباحته معتبرة قولا واحدا، إنما المراد ما يستحب له الوضوء، لكونه مكملا له كقراءة القرآن، و في صحة الوضوء بذلك، و كونه رافعا قولان: أحدهما الصحة و اختاره المصنف، لأنه نوى شيئا من ضرورته صحة الطهارة، و هو إيقاع القراءة على وجه الكمال، و لا يتحقق الا برفع الحدث، فيكون رفع الحدث منويّا.

و فيه نظر، لأن المفروض هو نيّة قراءة القرآن لا نيّته على هذا الوجه المعين، إذ لو نواه على هذا الوجه ملاحظا ما ذكر لكان ناويا رفع الحدث، فلا يتجه في الصحة حينئذ إشكال، فعلى هذا الأصح في المتنازع البطلان، و إليه ذهب الشيخ «2»، و ابن إدريس «3»، و جماعة «4»، و هذا بناء على اعتبار نيّة الرفع أو الاستباحة، فعلى القول بعدم اعتبارهما في النيّة لا إشكال في الصحة.

قوله: (لو شك في الحدث بعد يقين الطهارة الواجبة، فتوضأ احتياطا، ثم تيقن الحدث فالأقوى الإعادة).

______________________________
(1) الذكرى: 81.

(2) المبسوط 1: 19.

(3) السرائر: 17.

(4) منهم ولد المصنف في إيضاح الفوائد 1: 37.

207
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ح: لو أغفل لمعة في الأولى ؛ ج 1، ص : 208

الإعادة. (1)

[ح: لو أغفل لمعة في الأولى]

ح: لو أغفل لمعة في الأولى، فانغسلت في الثانية على قصد الندب فالأقوى البطلان. (2)

______________________________
(1) لأن نيّته غير مجزوم بها للحكم بكونه متطهرا، و عدم توجه الخطاب بالطهارة اليه، و عدم الجزم إنما يغتفر إذا كان مأمورا بالفعل، كالمصلي في الثوبين المشتبهين.

و قيل: لا يجب «1»، لإتيانه بالطهارة على الوجه المعتبر، لأنه المفروض، و لو لا إجزاؤها مع تيقن الحدث لانتفت فائدة الاحتياط، و فيهما منع، و هذا بناء على ما تقدم اشتراطه في النيّة، و لو اكتفينا بالقربة فلا إشكال في الإجزاء.

و اعلم أنه لو عبر بالمبيحة بدل الواجبة، فقال: (بعد يقين الطهارة المبيحة) لكان أشمل و أبعد عن الوهم.

قوله: (لو أغفل لمعة في الأولى، فانغسلت في الثانية على قصد الندب فالأقوى البطلان).

(2) اللمعة، بضم اللام: الموضع الذي لم يصبه الماء، أي لو ترك غسل لمعة في عضو من الغسلة الاولى- اعني الواجبة- غير عالم بها، فانغسلت في الثانية، ثم علم بعد جفاف البلل، فالأصح بطلان الطهارة، بناء على ما تقدم من اشتراط نية الرفع أو الاستباحة، لعدم تأثير الغسلة الثانية فيهما، فلا ينوي بها واحدا منهما، فيبقى الخلل في الطهارة بحاله.

و يمكن القول بالصحة، إما على الاكتفاء بالقربة فواضح، و كذا على الاكتفاء بها مع الوجه إذا كانت الطهارة مندوبة، أو كانت الغسلة الثانية واجبة بنذر و شبهه.

و أما على اشتراط الرفع أو الاستباحة، فلأن الثانية إنما شرعت استظهارا على ما لم ينغسل في الاولى، و فيه منع.

و اعلم أن قول المصنف: (فانغسلت في الثانية على قصد الندب) قد يفهم من التقييد بالندب، أنها لو انغسلت فيها على قصد الوجوب بالنذر و شبهه يجزئ، و ليس كذلك، لاشتراط الرفع أو الاستباحة، و لو قال: فانغسلت في الثانية باعتقاده، بدل قوله: (على قصد الندب) لكان أولى و أشمل، لاندراج ما إذا كانت الثانية واجبة فيه، و ما إذا لم يقصد شيئا عند فعل الثانية، على أنه يمكن إدراج الأخيرة في العبارة، فإنّ فعله‌

______________________________
(1) هو قول الشهيد في الذكرى: 81.

208
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ط: لو فرق النية على الأعضاء ؛ ج 1، ص : 209

و كذا لو انغسلت في تجديد الوضوء. (1)

[ط: لو فرق النيّة على الأعضاء]

ط: لو فرق النيّة على الأعضاء، (2) بأن قصد عند غسل الوجه رفع الحدث عنه، و عند غسل اليدين الرفع عنهما لم يصح. أما لو نوى غسل الوجه عنده الرفع الحدث، و غسل اليمنى عنده لرفع الحدث، و هكذا فالأقرب الصحة.

______________________________
محمول على قصده الواقع في النية.

قوله: (و كذا لو انغسلت في تجديد الوضوء).

(1) بقرينة تعرف ممّا سبق، و أبعد منه ما لو انغسلت في ثانيته.

قوله: (لو فرق النيّة على الأعضاء.).

(2) لتفريق النيّة صور:

الاولى: أن ينوي عند كل عضو رفع الحدث عن ذلك العضو، أو عنه و عن عضو آخر، و الأصح البطلان هنا، لأن الحدث متعلق بالجملة لا بالأعضاء المخصوصة، و لأن رفعه لا يتبعض، و لأن الوضوء عبادة واحدة اتفاقا، و لفعل صاحب الشرع- عليه السلام- في وضوء البيان «1».

الثانية: أن ينوي عند كل عضو غسل ذلك العضو، لرفع الحدث مطلقا، فيمكن الصحة كما اختاره المصنف، لأن غسل جميع الأعضاء بنيّة واحدة يجزئ، فغسل كل عضو بنيّة تخصه أولى بالإجزاء، لأن ارتباط النيّة الخاصة بالعضو أقوى من ارتباط العامة به، و لأن إطلاق الآية «2» يتناول ذلك، و الأصح البطلان لأن الوضوء عبادة واحدة، و الأولوية التي ادعيت ممنوعة، و إطلاق الآية منزل على فعل صاحب الشرع عليه السلام.

الثالثة: أن ينوي في ابتداء الوضوء رفع الحدث عن الأعضاء، و فيه الوجهان كما في الاولى، و الأصح البطلان أيضا.

______________________________
(1) الكافي 3: 24 باب صفة الوضوء، الفقيه 1: 24 باب صفة وضوء رسول اللَّه (ص)، التهذيب 1: 56، 75 حديث 158، 189.

(2) المائدة: 6.

209
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ي: لو نوى قطع الطهارة بعد الإكمال لم تبطل ؛ ج 1، ص : 210

[ي: لو نوى قطع الطهارة بعد الإكمال لم تبطل]

ي: لو نوى قطع الطهارة بعد الإكمال لم تبطل، و لو نواه في الأثناء لم تبطل فيما مضى، إلّا أن يخرج عن الموالاة. (1)

[ك: لو وضأه غيره لعذر]

ك: لو وضأه غيره لعذر تولى هو النيّة. (2)

[ل: كلّ من عليه طهارة واجبة ينوي الوجوب]

ل: كلّ من عليه طهارة واجبة ينوي الوجوب، و غيره ينوي الندب، فان نوى الوجوب و صلّى به فرضا أعاد، (3) فإن تعددتا مع تخلل الحدث أعاد الأولى خاصة، (4)

______________________________
قوله: (و لو نواه في الأثناء لم تبطل فيما مضى، إلا أن يخرج عن الموالاة).

(1) و ذلك بأن يجف البلل، لا مطلق الخروج عن الموالاة، و إنما لم تبطل فيما مضى، لأن الوضوء لا يشترط لصحة فعل من أفعاله صحة باقي الأفعال، و إن توقف تأثيره على المجموع، و لهذا لو نكس لم يبطل، بل يعيد على ما يحصل معه الترتيب، و مثله الغسل، فإذا أعاد و البلل موجود استأنف النية لما بقي من الأفعال، بأن ينوي فعلها لا تمام الوضوء، و لا يضر هذا التفريق لأنه تدارك لما فات من النيّة الأولى.

قوله: (لو وضأه غيره لعذر تولى هو النيّة).

(2) لأن التكليف منوط به، و فعل الغير قائم مقام فعله، و لأن العذر إنما هو فيما عدا النيّة، فلا تجوز التولية فيها، و لو نويا معا كان حسنا.

قوله: (فان نوى الوجوب و صلّى به فرضا أعاد).

(3) و ذلك لأن نيّة الوجوب لا تجزئ عن الندب على الأصح لتباينهما، و لاشتراط نيّة الوجه في الوضوء- كما سبق-، فمع المخالفة لا يكون المأتي به معتبرا، و يحتمل الاكتفاء به لاشتراك الوجوب و الندب في ترجيح الفعل، و اعتقاد المنع من الترك مؤكد، و ليس بشي‌ء، لأن المباين للشي‌ء ينافيه فكيف يؤكده؟!

قوله: (فان تعددتا مع تخلل الحدث أعاد الأولى خاصة).

(4) أي: فان تعددت الطهارة و الصلاة، و احترز بذلك عما لو اتحدت الطهارة فإنه يعيد جميع ما صلى بها قولا واحدا، و إنما اعتبر تخلل الحدث ليكون معتقدا للوجوب اعتقادا مطابقا للواقع، إذ بدونه يكون معتقدا للطهارة، فتكون نيّة الوجوب لغوا، و إنما اكتفى بإعادة الأولى لأن المكلف عند نية الوجوب في البواقي كان مشغول الذمة‌

210
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ل: كل من عليه طهارة واجبة ينوي الوجوب ؛ ج 1، ص : 210

و لو دخل الوقت في أثناء المندوبة فأقوى الاحتمالات الاستئناف. (1)

______________________________
بالصلاة الأولى، فصادف نيته للوجوب ما في ذمته فأجزأه.

و يشكل بأنه لم يكن يشعر بهذا الوجوب الذي في نفس الأمر، و اعتقاده خلو ذمته، فتكون نيّة الوجوب منه كلانية، و يمكن أن يجاب بأنه قصد الى الوجوب الحقيقي حيث أقامه مقام الندب، فلم يكن لغوا فصادف ما في ذمته، فيجب أن يجزئ.

و لا يبعد أن يقال: إن كان المكلف معتقدا صحّة نية الوجوب في موضع الندب باجتهاد أو تقليد لأهله، لم يكن القول بالإجزاء بذلك البعيد، و إن كان لا يخلو من شي‌ء، و إن اعتقد خلاف ذلك، أو لم يكن له علم بهذا الحكم، بل نوى ذلك اقتراحا، فالقول بالإجزاء بعيد جدّا، لأن نيته للوجوب باعتقاده لغو محض.

قوله: (و لو دخل الوقت في أثناء المندوبة فأقوى الاحتمالات الاستئناف).

(1) وجه ما قواه توجه الخطاب إليه بفعل الطهارة، لدخول الوقت عليه و هو محدث، و في كبرى القياس منع، و لأن طهارة واحدة لا يكون بعضها واجبا و بعضها مندوبا، لأن الفعل الواحد لا يتصف بالوجهين المختلفين، و هو منقوض بالمندوب الذي يجب بالشروع.

و اعلم أن الذي بلغنا أن المصنف أفتى في هذه المسألة أولا بإعادة جميع الصلوات، فلما روجع في ذلك رجع إلى الاكتفاء بإعادة الأولى، نظرا الى اشتغال ذمته عند باقي الطهارات، و بما قررناه يعلم أن بديهته أولى من رويّته.

و يحتمل الإتمام بنية الوجوب لأصالة الصحة فيما مضى، و العمل بمقتضى الخطاب فيما بقي، و لا يخلو من قوّة، و يحتمل بناء ما بقي على ما مضى، لوقوع النيّة في محلّها على الوجه المعتبر، و هو أضعفها، و العمل على الأول، و ينبغي أن يكون موضع المسألة ما إذا لم يعلم بضيق ما بقي إلى دخول الوقت عن فعل الطهارة.

211
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الثاني غسل الوجه ؛ ج 1، ص : 212

[الثاني غسل الوجه]

الثاني غسل الوجه بما يحصل به مسماه، و ان كان كالدهن مع الجريان. (1)

و حدّه من قصاص شعر الرأس إلى محادر شعر الذقن طولا، (2) و ما اشتملت عليه الإبهام و الوسطى عرضا. (3)

______________________________
قوله: (الثاني غسل الوجه بما يحصل به مسماه، و ان كان كالدهن مع الجريان).

(1) الواجب في غسل الوجه و غيره- مما يغسل في الطهارات- هو اجراء الماء على المحل، إما بنفسه أو بنحو اليد، و لا يشترط المبالغة، فلو كان كالدهن أجزأ، إذا جرى لا مطلقا، خلافا للشيخ «1».

قوله: (و حده من القصاص الى محادر شعر الذقن طولا).

(2) القصاص: هو آخر منابت شعر الرأس، و المراد به هنا: من جانب الوجه، لأنه في تحديده، و انما يستقيم هذا بالنسبة إلى الناصية إذا كان مستوي الخلقة، أما النزعتان محركة-: و هما البياضان اللذان يحيطان بالناصية، فلا يستقيم هذا التحديد بالنسبة إليهما، إذ لا يجب غسلهما لكونهما من الرأس، بل يغسل من محاذاة قصاص الناصية.

و كذا بالنسبة إلى موضع التحذيف- و هو الشعر الذي بين النزعة و الصدغ- على القول بوجوب غسله، و هو الأولى، فإنه داخل بين اجزاء الوجه و ان اتصل بالرأس، و انما سمي موضع التحذيف لكثرة حذف الشعر منه.

و المحادر- بالحاء المهملة، و الدال و الراء المهملتين- جمع محدر، و هو: طرف الذقن، بالمعجمة محركة، أعني: مجمع اللحيين اللذين عليهما الأسنان السفلى من الجانبين، و يجب إدخال جزء من غير محلّ الفرض في الابتداء و الانتهاء من باب المقدمة، و كذا في غسل أعضاء جميع الطهارات و المسح المغيّا بغاية، فيجب حينئذ أن يراعى في النيّة مقارنتها لجزء من الرأس و الوجه معا.

قوله: (و ما اشتملت عليه الإبهام و الوسطى عرضا).

(3) هذا التحديد و الذي قبله مستفاد من الأخبار المروية عنهم عليهم السلام «2»،

______________________________
(1) المبسوط 1: 23.

(2) الكافي 3: 27 باب حد الوجه، الفقيه 1: 28 باب 10 حد الوضوء، التهذيب 1: 54 حديث 154.

212
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الثاني غسل الوجه ؛ ج 1، ص : 212

و يرجع الأنزع و الأغم و قصير الأصابع و طويلها الى مستوي الخلقة، (1) و يغسل من أعلى الوجه، فان نكس بطل. (2)

______________________________
فالصدغ- و هو: الذي يتصل أسفله بالعذار- ليس من الوجه قطعا، و كذا البياض الذي بين العذار و الأذن، و العذار: هو الشعر المحاذي للأذن، يتصل أعلاه بالصدغ، و أسفله بالعارض، و في وجوب غسله قولان، و التحديد بما اشتملت عليه الإبهام و الوسطى لا يناله.

و يمكن أن يحتج لوجوبه بأن غسله من باب المقدمة، و بأن شعر الخدين يجب غسله و هو متصل به، و بعدم مفصل يقف الغسل عليه دون العذار، و الوجوب أحوط.

أما العارض: و هو الشعر المنحط عن العذار المحاذي للأذن فقد قطع في الذكرى بوجوب غسله «1»، و ما سفل منه تناله الإبهام و الوسطى فيجب غسله.

قوله: (و يرجع الأنزع، و الأغم، و قصير الأصابع و طويلها الى مستوي الخلقة).

(1) المراد بالأنزع: من انحسر الشعر عن بعض رأسه، و يقابله الأغم، و هو الذي نبت الشعر على بعض جبهته، و فرضهما غسل ما يغسله مستوي الخلقة.

قوله: (و يغسل من أعلى الوجه، فان نكس بطل).

(2) هذا أصح القولين، و قال المرتضى «2»، و ابن إدريس «3» بالصحة لإطلاق الآية «4»، و قول الصادق عليه السلام: «لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا» «5».

و جوابه: أن الإطلاق مقيد ببيان النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله «6»، و قوله: «هذا وضوء لا يقبل اللَّه الصلاة إلا به» «7» و المسح غير الغسل، و لا يخفى أن الوضوء إنما يبطل‌

______________________________
(1) الذكرى: 83.

(2) قاله السيد المرتضى في المصباح كما نقله عنه في الجواهر 2: 148.

(3) السرائر: 17.

(4) المائدة: 6.

(5) التهذيب 1: 58 حديث 161.

(6) الكافي 3: 24 باب صفة الوضوء، الفقيه 1: 24 باب صفة وضوء رسول اللَّه (ص)، التهذيب 1: 56، 75 حديث 158، 190.

(7) الفقيه 1: 25 حديث 67.

213
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الثاني غسل الوجه ؛ ج 1، ص : 212

و لا يجب غسل مسترسل اللّحية (1) و لا تخليلها، و ان خفّت وجب، و كذا لو كانت للمرأة، (2) بل يغسل الظاهر على الذقن، و كذا شعر الحاجب و الأهداب و الشارب.

______________________________
بالنكس، إذا لم يتداركه على الوجه المعتبر قبل الجفاف، و المراد بالنكس: ما قابل الغسل من الأعلى.

قوله: (و لا يجب غسل مسترسل اللحية).

(1) المراد به: الشعر الخارج عن حدّ الوجه، فإنه ليس من الوجه اتفاقا منا، و إنما يحب غسل ما حاذى الوجه من الشعور.

قوله: (و لا تخليلها، و إن خفت وجب، و كذا لو كانت للمرأة).

(2) المراد بالشعر الخفيف: ما تتراءى البشرة من خلاله في مجلس التخاطب، و الكثيف: مقابله، و لا خلاف في عدم وجوب تخليله، إنما الخلاف في وجوب تخليل الخفيف بحيث يصل الماء إلى ما تحته، و المشهور عدم وجوبه، لقول الباقر عليه السلام:

«كل ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه، و لا أن يبحثوا عنه، لكن يجري عليه الماء «1»»، و هو شامل للخفيف، و قول أحدهما عليهما السلام، و قد سئل عن الرجل يتوضأ، أ يبطن لحيته؟ قال: «لا» «2» و لم يستفصل عن كونها خفيفة أو كثيفة، فيكون للعموم.

و المصنف و جمع «3» على الوجوب، نظرا إلى أن المواجهة لما لم تكن بالشعر الخفيف لم ينتقل الحكم إليه، قلنا: ينتقل فيما ستر من البشرة بالشعر، فانّ كل شعرة تستر ما تحتها قطعا، و أما ما بين الشعر، فلا كلام في وجوب غسله، و العمل على المشهور.

و أشار بقوله: (و كذا لو كانت للمرأة، و كذا شعر الحاجب و الأهداب- أي:

شعر الأجفان- و الشارب) إلى رد خلاف العامة القائلين بوجوب التخليل «4» في هذه‌

______________________________
(1) الفقيه 1: 28 حديث 88، التهذيب 1: 364 حديث 1106.

(2) الكافي 3: 28 حديث 2، التهذيب 1: 360 حديث 1084.

(3) منهم: ابن الجنيد كما في المختلف: 21، و المرتضى في الناصريات (الجوامع الفقهية): 219، و الشهيدان في الروضة 1: 74.

(4) بلغة السالك لأقرب المسالك 1: 42، كفاية الأخيار 1: 12، المجموع 1: 374، بداية المجتهد 1: 11.

214
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الثالث: غسل اليدين ؛ ج 1، ص : 215

[الثالث: غسل اليدين]

الثالث: غسل اليدين من المرفق إلى أطراف الأصابع، (1)

______________________________
المذكورات مطلقا، خفيفة كانت أو كثيفة، لأن كثافتها على خلاف الغالب، و ألزمه في الذكرى
«1» بمخالفة المشهور عندهم، و ظاهر مذهب الأصحاب، لأن عبارة البعض- و إن أشعرت بوجوب تخليل الخفيف- إلا أنها عند التحقيق تفيد خلافه كما عليه الباقون، فيكون تفصيل المصنف غير منطبق على واحد من المذهبين.

و اعلم أن قوله: (بل يغسل الظاهر على الذقن) معطوف على قوله: (و لا تخليلها)، أي: لا يجب تخليل اللحية، بل يغسل ظاهر الشعر الذي على الذقن دون ما استرسل منه.

قوله: (غسل اليدين من المرفق إلى أطراف الأصابع).

(1) المرفق كمنبر و مجلس: موصل الذراع في العضد، ذكره في القاموس «2»، و لا كلام في وجوب غسله، إنما الكلام في أن وجوبه بالأصالة كسائر أعضاء الوضوء، أو من باب المقدمة؟

الأرجح: الأول، إما لأن (الى) في الآية بمعنى مع، كما ذكره المرتضى «3» و جماعة «4» من الموثوق بهم، و ورودها في الاستعمال كذلك كثيرا يؤيده، و كذا فعله صلّى اللَّه عليه و آله في وضوء البيان، أو لأن الغاية إذا لم تتميز يجب دخولها في المغيا و يشهد لهذا القول شهرته بين العلماء، و قول الكاظم عليه السلام في مقطوع اليد من المرفق: «يغسل ما بقي» «5» فإن غسله لو وجب مقدمة لغسل اليد لسقط بسقوطه، فلما لم يسقط علم أن وجوبه بالأصالة.

قوله: (فان نكس أو لم يدخل المرفق بطل).

______________________________
(1) الذكرى: 84.

(2) القاموس (رفق) 3: 236.

(3) الانتصار: 17، الناصريات (الجوامع الفقهية): 220.

(4) منهم: الشيخ في التبيان 3: 450، و الراوندي في فقه القرآن 1: 14.

(5) الكافي 3: 29 حديث 9، التهذيب 1: 360 حديث 1086.

215
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الثالث: غسل اليدين ؛ ج 1، ص : 215

فإن نكس أو لم يدخل المرفق بطل. (1) و تغسل الزائدة مطلقا ان لم تتميز عن الأصلية، (2) و إلّا غسلت إن كانت تحت المرفق، (3) و اللحم و الإصبع الزائدان إن كانا تحت المرفق، و لو استوعب القطع محل الفرض سقط الغسل، و إلّا غسل ما بقي.

______________________________
(1) خالف المرتضى
«1»، و ابن إدريس «2» في البطلان بالنكس هنا أيضا، و الكلام عليه كما سبق في الوجه.

قوله: (و تغسل الزائدة مطلقا إن لم تتميز عن الأصلية).

(2) المراد بقوله: (مطلقا): تعميم الحكم بالغسل، سواء كانت تحت المرفق، أو فوقه، أو من نفس المرفق، لعدم تحقق الامتثال بدونه.

قوله: (و إلا غسلت إن كانت تحت المرفق).

(3) أي: و إن لم تكن كذلك بأن تميزت عن الأصلية، غسلت وجوبا- إن كانت تحت المرفق- لتبعيتها لما يجب غسله، إذ هي من جملة اليد كاللحم الزائد و الإصبع، و لو كانت فوق المرفق- و هي متميزة- لم يجب غسلها، كما دلّ عليه مفهوم الشرط في العبارة.

و في المختلف: يجب غسلها لصدق اسم اليد عليها «3»، و يشكل بوجوب الحمل على المعهود، و هو الغالب. و لو نبتت من نفس المرفق فظاهر العبارة عدم وجوب غسلها إن تميزت، و هو مشكل على القول بوجوب غسل المرفق لتبعيّة المحل كالتي تحته، و لو قيل بالوجوب لم يكن بذلك البعيد «4».

و تعلم الزائدة بالقصر الفاحش، و نقص الأصابع، و فقد البطش و ضعفه، و ما أحسن قوله: (و لو استوعب القطع محل الفرض سقط الغسل، و إلا غسل ما بقي)

______________________________
(1) الانتصار: 16.

(2) السرائر: 17.

(3) المختلف: 23.

(4) في نسخة «ح»: التبعيّة.

216
جامع المقاصد في شرح القواعد1

فروع ؛ ج 1، ص : 217

[فروع]

فروع:

[أ: لو افتقر الأقطع الى من يوضّؤه بأجرة وجبت مع المكنة]

أ: لو افتقر الأقطع الى من يوضّؤه بأجرة وجبت مع المكنة، و ان زاد عن اجرة المثل (1) و الّا سقطت أداء و قضاء. (2)

[ب: لو طالت أظفاره، فخرجت عن حد اليد وجب غسلها]

ب: لو طالت أظفاره، فخرجت عن حد اليد وجب غسلها، (3) و لو كان تحتها وسخ (4) يمنع وصول الماء، وجب إزالته مع المكنة.

______________________________
قوله: (لو افتقر الأقطع إلى من يوضؤه بأجرة وجب مع المكنة، و إن زادت عن أجرة المثل).

(1) لأن ذلك من باب مقدمة الواجب المطلق، و إنما تتحقق المكنة إذا لم يضر بحاله، و يحتمل عدم وجوب ما زاد عن أجرة المثل، لأن الغبن ضرر، و الفتوى على الوجوب لصدق التمكن.

قوله: (و إلا سقطت أداء و قضاء).

(2) أي: و إن لم يتمكن، و إنما تسقط مع تعذر الطهارة بنوعيها، و على القول بأن فاقد الطهورين يقضي «1» يتجه القضاء هاهنا.

قوله: (لو طالت أظفاره فخرجت عن حدّ اليد وجب غسلها).

(3) لأنها من أجزاء اليد، و يحتمل عدم الوجوب، كما ذكره في المنتهى «2»، لخروجها عن محل الوجوب كمسترسل اللحية، و فرّق في الذكرى «3» بما ليس بظاهر.

قوله: (و لو كان تحتها وسخ.).

(4) احتمل في المنتهى «4» عدم الوجوب لأنه ساتر عادة، فلو وجب إزالته لبينه عليه السلام، و لما لم يبيّنه دل على عدم الوجوب. و هو ضعيف، لأنها في حدّ الظاهر، و يكفي في البيان الحكم بوجوب غسل جميع اليد.

______________________________
(1) قاله الشيخ في المبسوط 1: 23، و ابن حمزة في الوسيلة: 40، و الشهيد في الذكرى: 86.

(2) المنتهى 1: 59.

(3) الذكرى: 85.

(4) المنتهى 1: 59.

217
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ج: لو انكشطت جلدة من محل الفرض و تدلت منه وجب غسلها ؛ ج 1، ص : 218

[ج: لو انكشطت جلدة من محل الفرض و تدلّت منه وجب غسلها]

ج: لو انكشطت جلدة من محل الفرض و تدلّت منه وجب غسلها، و لو تدلت من غير محله سقطت، و لو انكشطت من غير محل الفرض و تدلت منه وجب غسلها.

[د: ذو الرأسين و البدنين]

د: ذو الرأسين و البدنين يغسل أعضاءه مطلقا. (1)

[الرابع: مسح الرأس]

الرابع: مسح الرأس، و الواجب أقل ما يقع عليه اسمه، (2) و يستحب بقدر ثلاث أصابع (3) مقبلا، و يكره مدبرا، (4) و محلّه المقدّم،

______________________________
قوله: (ذو الرأسين و البدنين يغسل أعضاءه مطلقا).

(1) أي: على كل حال، سواء حكمنا بأنه واحد في الميراث أو اثنان، نظرا إلى صورة الاثنينية، و لأن يقين البراءة إنما يحصل بذلك، و يراعى في صحة الفعل مباشرة كل منهما غسل أعضائه.

قوله: (و الواجب أقل ما يقع عليه اسمه).

(2) أي: اسم المسح، و المراد: الصدق عرفا لإطلاق الأمر بالمسح فلا يتقدر بقدر مخصوص.

قوله: (و يستحب بقدر ثلاث أصابع).

(3) و هل يوصف ما زاد عن المسمى بالوجوب، أو بالاستحباب؟ قولان أصحهما الأول، و لا يضر جواز ترك الزائد، لأن الواجب هو الكلي، و أفراده مختلفة بالشدة و الضعف، فأي فرد أتي به تحقق الامتثال به، لأن الواجب يتحقق به.

و عبارة المصنف تحتمل الأمرين، لأن الاستحباب العيني لا ينافي الوجوب التخييري، فيمكن أن يريد أفضلية هذا الفرد، و أن يريد استحباب الزائد على المسمى الذي به يكون استحباب المجموع من حيث هو، و اعلم أن المراد بمقدار ثلاث أصابع في عرض الرأس، أما في طوله فمقداره ما يسمى به ماسحا، و يتأدى الفضل بمسح المقدار المذكور و لو بإصبع.

قوله: (مقبلا و يكره مدبرا).

(4) أي: مستقبل الشعر، لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس بمسح الوضوء مقبلا‌

218
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الرابع: مسح الرأس ؛ ج 1، ص : 218

فلا يجزئ غيره. و لا يجزئ الغسل عنه، (1) و لا المسح على حائل و ان كان من شعر الرأس غير المقدم، (2) بل اما على البشرة أو على الشعر المختص بالمقدم إذا لم يخرج عن حده، (3) فلو مسح على المسترسل أو على الجعد الكائن في حد الرأس إذا خرج بالمد عنه لم يجز.

______________________________
و مدبرا»
«1» و قال المرتضى «2»، و ابن إدريس لا يجوز «3»، و فيه ضعف.

و اعلم أن الكلام في استحباب المسح مقبلا كالكلام في استحباب المسح بثلاث أصابع، بل كراهية المسح مدبرا كذلك، إذ لا يراد بالكراهية هنا الّا خلاف الأولى، فيرجع إلى الاستحباب.

قوله: (و لا يجزئ الغسل عنه).

(1) إما بأن يستأنف ماء جديدا، أو بان يقطر ماء الوضوء على محل المسح، أو يجريه على المحل بآلة غير اليد اختيارا، و بعض العامة اجتزأ به «4».

قوله: (و لا المسح على حائل و إن كان من شعر الرأس غير المقدم).

(2) و إن وصل البلل إلى الرأس، و كذا لو مسح بآلة غير اليد، تأسيا بفعل النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله «5»، و لأن الباء في قوله تعالى (وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) «6»، يقتضي الإلصاق، لأنه أعمّ معانيها، و يجب كون المسح بباطن اليد للتأسي.

قوله: (بل إما على البشرة أو على الشعر المختص بالمقدم، إذا لم يخرج عن حدّه).

(3) البشرة في العبارة تصدق على موضع الشعر إذا أزيل بشي‌ء، و بموضع النزع‌

______________________________
(1) التهذيب 1: 58 حديث 161، الاستبصار 1: 57 حديث 169.

(2) الانتصار: 19.

(3) قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة 1: 249 و اختلف النقل عن ابن إدريس فالمحقق الثاني و جماعة نسبوا اليه التحريم، و المصنف في المختلف و جماعة نسبوا اليه القول بالكراهة و هو الحق. انظر: السرائر: 249، المختلف: 24.

(4) ذهب إليه أحمد بن حنبل، انظر: المغني لابن قدامة 1: 147 مسألة 172.

(5) الكافي 3: 25 حديث 4، الفقيه 1: 24 باب صفة وضوء رسول اللَّه (ص)، التهذيب 1: 56، 75، 76 حديث 158، 190، 191.

(6) المائدة: 6.

219
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الخامس: مسح الرجلين ؛ ج 1، ص : 220

[الخامس: مسح الرجلين]

الخامس: مسح الرجلين، و الواجب أقل ما يقع عليه اسمه، (1) و يستحب بثلاث أصابع، و محلّه ظهر القدم من رؤوس الأصابع إلى الكعبين، و هما حد المفصل بين الساق و القدم، (2)

______________________________
الذي لا ينبت عليه الشعر، مع كونه من الرأس باعتبار الغالب، و المراد ب‍ (المختص بالمقدم) في العبارة: النابت في المقدم، و قيده بعدم الخروج عن حده احترازا عن الطويل، الذي إذا مدّ خرج عن حد المقدم، فإنه لا يجزئ المسح على ما طال منه، لأنه خارج عن محل الفرض، و الجعد- بفتح الجيم و إسكان العين- ضد السبط: و هو الكثيف من الشعر الملتف المجتمع بعضه على بعض، و أراد بالمسترسل: مقابله.

قوله: (الخامس: مسح الرجلين، و الواجب أقل ما يقع عليه اسمه).

(1) المراد بذلك: في عرض القدم، أما في طوله فسيأتي أنه من رؤوس الأصابع إلى الكعبين، و احتمل في الذكرى «1» إجزاء مسح جزء من ظهر القدم، كما يجزئ مسح جزء من مقدم الرأس، و يكون التحديد للقدم الممسوح لا للمسح، و هو بعيد.

قوله: (و هما حد المفصل بين الساق و القدم).

(2) ما ذكره في تفسير الكعبين خلاف ما عليه جميع أصحابنا «2»، و هو من متفرداته، مع أنه ادعى في عدة من كتبه «3» أنه المراد في عبارات الأصحاب، و ان كان فيها اشتباه على غير المحصل، و استدل عليه بالاخبار و كلام أهل اللغة، و هو عجيب، فان عبارات الأصحاب صريحة في خلاف ما يدعيه، ناطقة بأنّ الكعبين هما العظمان النابتان في ظهر القدم أمام الساق، حيث يكون معقد الشراك غير قابلة للتأويل و الأخبار كالصريحة في ذلك، و كلام أهل اللغة مختلف، و ان كان اللغويون من أصحابنا، مثل عميد الرؤساء لا يرتابون في أن الكعب هو الناتئ في ظهر القدم، و قد أطنب عميد الرؤساء في كتاب الكعب في تحقيق ذلك، و أكثر في الشواهد على‌

______________________________
(1) الذكرى: 89.

(2) منهم: المفيد في المقنعة: 5، و الشيخ في المبسوط 1: 22، و ابن البراج في المهذب 1: 44، و المحقق في المعتبر 1: 148.

(3) انظر: المختلف: 24، المنتهى 1: 64.

220
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الخامس: مسح الرجلين ؛ ج 1، ص : 220

و لو نكس المسح جاز. (1) و لو استوعب القطع محل الفرض سقط المسح، و إلّا مسح على الباقي، و يجب المسح على البشرة، و يجوز على الحائل- كالخف و شبهه- للضرورة أو التقية خاصة، فإن زال السبب ففي الإعادة من غير حدث اشكال. (2)

______________________________
ذلك، على ما حكي من كلامه.

على أن القول بأن الكعب هو المفصل بين الساق و القدم، إن أراد به: أن نفس المفصل هو الكعب، لم يوافق مقالة أحد من الخاصة و العامة، و لا كلام أهل اللغة، و لم يساعد عليه الاشتقاق الذي ذكروه، فإنهم قالوا: إن اشتقاقه من كعب إذا ارتفع «1»، و منه: كعب ثدي الجارية، و إن أراد به أن ما نتئ عن يمين القدم و شماله هو الكعب- كمقالة العامة «2»-، لم يكن المسح منتهيا الى الكعبين، و المعتمد ما قدمنا حكايته عن الأصحاب، و عليه الفتوى.

و يجب إدخال الكعبين في المسح، إمّا لأن (إلى) بمعنى مع، أو لأن الغاية التي لا تتميز يجب إدخالها، و لو بلغ بالمسح، إلى المفصل خروجا من الخلاف لكان أحوط.

قوله: (و لو نكس المسح جاز).

(1) و قيل: لا يجوز «3»، لأن (إلى) للانتهاء، و جوابه: أنها على تقدير أن تكون للانتهاء، لا يلزم ما ذكر من عدم جواز النكس، لأن الانتهاء كما يكون للكيفية كذا يكون للكميّة، مثل أعطه من عشرة إلى واحد، و مع الاحتمال لا يتعين واحد، و كذا القول في (إلى المرافق)، و قول الصادق عليه السلام: «لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا» «4» يدل على الجواز، نعم هو مكروه.

و ما أحسن قوله: (و لو استوعب القطع محل الفرض سقط المسح، و إلا مسح على الباقي)! فإنه شامل للمطلوب، جار على جميع الأقوال.

قوله: (فان زال السبب ففي الإعادة إشكال).

(2) ينشأ من أنها طهارة ضرورة، فيتقدر بقدرها، و من أن زوال السبب المبيح‌

______________________________
(1) انظر: لسان العرب 1: 718 مادة (كعب).

(2) انظر: المغني لابن قدامة 1: 155، الشرح الكبير 3: 173، المجموع 1: 422، و انظر تهذيب الأسماء و اللغات 4: 116.

(3) قاله ابن إدريس في السرائر: 17، و الشهيد في الألفية: 29.

(4) التهذيب 1: 58 حديث 161، الاستبصار 1: 57 حديث 168.

221
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الخامس: مسح الرجلين ؛ ج 1، ص : 220

و لا يجزئ الغسل عنه إلّا للتقيّة، (1) و يجب أن يكون مسح الرأس و الرجلين ببقية نداوة الوضوء، (2)

______________________________
للرخصة بعد الحكم بصحة الطهارة، و كونها رافعة للحدث لا يقتضي البطلان، إذ ليس هو من جملة الأحداث، و تحقيق البحث يتم بمقدمات.

أ: امتثال المأمور به يقتضي الاجزاء، و الإعادة على خلاف الأصل، فيتوقف على الدليل، و بيانهما في الأصول.

ب: يجوز أن ينوي صاحب هذه الطهارة رفع الحدث لانتفاء المانع، و متى نواه حصل له، لقوله عليه السلام: «و إنما لكل امرئ ما نوى» «1».

ج: بعد ارتفاع الحدث إنما ينقض الرافع له حدث مثله، و زوال السبب ليس من الأحداث إجماعا، فيجب استصحاب الحكم إلى أن يحصل حدث آخر، و متى تقررت هذه المقدمات لزم الجزم بعدم الإعادة هنا، و في الجبيرة، و هو الأصح.

و تقدّر الطهارة بقدر الضرورة، إن أريد به عدم جواز الطهارة كذلك بعد زوال الضرورة فحقّ، و إن أريد به عدم إباحتها فليس بحق، لأن المتقدر هي لا إباحتها، فإن ذلك هو محل النزاع.

قوله: (و لا يجزئ الغسل عنه إلا للتقيّة).

(1) و لا تجب الإعادة بزوالها قولا واحدا فيما أظنه، و لا يشترط في الصحة عدم المندوحة لإطلاق النص «2».

قوله: (و يجب أن يكون المسح ببقية نداوة الوضوء).

(2) هذا ما استقر عليه مذهب الأصحاب، و لا يعتد بخلاف ابن الجنيد «3»، فلو استأنف ماء جديدا، أو مسح بماء الثالثة لم يصح قطعا، و لو غمس أعضاء الوضوء في الماء فقد منع بعض الأصحاب من المسح بمائه «4»، لما يتضمن من بقاء آن بعد الغسل، فيلزم الاستئناف.

______________________________
(1) صحيح البخاري 1: 2، و سنن ابي داود 2: 262.

(2) التهذيب 1: 82 حديث 214، الاستبصار 1: 37 حديث 219.

(3) نقله العلامة في المختلف: 24.

(4) المنتهى 1: 64 و نسب فيه هذا القول الى والده، و هو اختيار العلامة في المختلف: 26.

222
جامع المقاصد في شرح القواعد1

السادس: الترتيب ؛ ج 1، ص : 223

فإن استأنف بطل. (1) و لو جفّ ماء الوضوء قبله أخذ من لحيته و حاجبيه و أشفار عينه و مسح به، فان لم تبق نداوة استأنف.

[السادس: الترتيب]

السادس: الترتيب، يبدأ بغسل وجهه، ثم بيده اليمنى، ثم اليسرى، ثم يمسح رأسه، ثم يمسح رجليه،

______________________________
و يشكل بأن الغمس لا يصدق معه الاستئناف عرفا، فان المحكم في أمثال ذلك إنما هو العرف، و لو أريد الاحتياط نوى الغسل عند آخر ملاقاة الماء للعضو حين إخراجه، تفاديا مما حذره.

و لو مسح العضو و عليه بلل ففي صحّة المسح قولان «1»، يلتفتان إلى أن بلل المحل يختلط ببلل الوضوء، فيلزم استئناف الجديد، و ان المرجع في معنى الاستئناف إلى العرف، و هو غير صادق على هذا الفرد، و للأصل، و عموم النصوص «2» يتناوله، فإخراجه يحتاج إلى دليل، و لو منع المسح مثل هذا البلل لمنعه الوضوء في موضع لا ينفك من العرق كالحمّام، و فيما إذا كان على الأعضاء بلل سابق على الوضوء للقطع ببقاء شي‌ء منه. و في الذكرى «3» لو غلب ماء الوضوء رطوبة الرجلين ارتفع الاشكال، و فيه نظر، فان التعليل يقتضي بقاءه، و أصح القولين الثاني، و هو مختار المحقق «4»، و ابن إدريس «5»، و الأول أحوط.

قوله: (فإن استأنف بطل).

(1) أي: الوضوء إن اكتفى بهذا المسح إلى أن جف البلل، أو تعذر المسح بالبلة، و إلا أعاد المسح بها، و صح وضوءه، و ذلك بأن يجفف ما على محل الاستئناف، و يأخذ من نداوة الوضوء. و يمكن عود الضمير إلى المسح، و حينئذ فيستفاد بطلان الوضوء، إذا تعذر تدارك المسح على الوجه المعتبر بدليل من خارج.

______________________________
(1) قال بالصحة ابن الجنيد كما في المختلف: 26، و ابن إدريس في السرائر: 18، و المحقق في المعتبر 1: 160، و قال بعدمها العلامة و والده في المختلف: 26.

(2) الكافي 3: 29 حديث 2، التهذيب 1: 91 حديث 243، الاستبصار 1: 62 حديث 184.

(3) الذكرى: 89.

(4) الشرائع 1: 24.

(5) السرائر: 18.

223
جامع المقاصد في شرح القواعد1

السابع: الموالاة ؛ ج 1، ص : 224

و لا ترتيب بينهما. (1) فإن أخلّ به أعاد مع الجفاف، و إلّا على ما يحصل معه الترتيب، و النسيان ليس عذرا. و لو استعان بثلاثة للضرورة فغسّلوه دفعة لم يجزئ. (2)

[السابع: الموالاة]

السابع: الموالاة، و يجب أن يعقب كل عضو بالسابق عليه عند كماله، (3)

______________________________
قوله: (و لا ترتيب فيهما).

(1) هذا أحد القولين «1» لانتفاء المقتضي، و الأصح الوجوب، لأن وضوء البيان إن وقع فيه الترتيب فوجوبه ظاهر، و إلا لزم وجوب مقابله، و الثاني باطل اتفاقا. و بيان الملازمة: أن ما وقع عليه وضوء البيان يجب العمل به، لأن بيان الواجب واجب، و لقوله عليه السلام بعده: «هذا وضوء لا يقبل اللَّه الصلاة إلا به» «2».

قيل: يجوز أن يكون الواقع في وضوء البيان خلاف الترتيب، و لم يتعين ذلك الواقع للإجماع على جواز غيره، قلنا: فيلزم أن لا يكون قوله عليه السلام: «هذا وضوء لا يقبل اللَّه الصلاة إلا به» جاريا على ظاهره في الفرد المتنازع بل يكون مخصصا بالنسبة إليه، و هو خلاف الأصل، و ما لزم عنه خلاف الأصل فهو خلاف الأصل.

قوله: (و لو استعان بثلاثة للضرورة فغسّلوه دفعة لم يجزئ).

(2) المراد: غسلوا أعضاء وضوئه دفعة، و ذلك حيث يتعذر عليه المباشرة بنفسه، و إنما لم يجزئ لفوات الترتيب، و إنما يبطل ما عدا غسل الوجه، فيعيد المتوالي لذلك ما سواه على الوجه المعتبر.

قوله: (الموالاة: و هي أن يعقب كلّ عضو بالسابق عليه عند كماله).

(3) أي: عند كمال السابق، و المراد تعقيبه به بحسب العادة، و هذا أحد القولين للأصحاب في تفسير الموالاة «3»، و هو أقرب الى المعنى اللغوي، فإن الموالاة مفاعلة من الولاء، و هو التتابع، و هو اختيار المصنف.

و القول الثاني: إن الموالاة مراعاة الجفاف على معنى أنه يجب الغسل قبل أن‌

______________________________
(1) ذهب الى عدم وجوب الترتيب المحقق في الشرائع 1: 22، و المعتبر 1: 155، و فخر الإسلام على ما ذكره السيد العاملي في مفتاح الكرامة 1: 260، و ذهب الى وجوب الترتيب الصدوق في الفقيه 1: 28، و سلار في المراسم: 28، و الشهيدان في الروضة 1: 75.

(2) الفقيه 1: 25 حديث 3.

(3) منهم: المفيد في المقنعة: 5، و أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 133، و الشيخ الطوسي في المبسوط 1: 23، و الخلاف 1: 8 مسألة 41 كتاب الطهارة، و المحقق في المعتبر 1: 157 و الشهيد في الذكرى: 92.

224
جامع المقاصد في شرح القواعد1

السابع: الموالاة ؛ ج 1، ص : 224

..........

______________________________
يجف ما قبله، فما دام البلل باقيا فلا حرج، و هو الظاهر من عبارة أكثر الأصحاب
«1»، و في بعض حواشي الشهيد حكاية قول ثالث جامع بين التفسيرين، و هو المتابعة اختيارا، و مراعاة الجفاف اضطرارا.

و عندي إن هذا هو القول الأول، لأن القائل به لا يحكم بالبطلان بمجرد الإخلال بالمتابعة ما لم يجف البلل، فلم يبق لوجوب المتابعة معنى إلا ترتب الإثم على فواتها، و لا يعقل تأثيم المكلف بفواتها إلا إذا كان مختارا، لامتناع التكليف بغير المقدور.

إذا تقرر ذلك فأصح القولين هو الثاني، إذ ليس في النصوص ما ينافيه، و الموالاة بالمعنى الأول تقتضي زيادة تكليف، و الأصل عدمه.

و قد احتج المصنف على الأول بحجج مدخولة، و لو تمت لزم فساد الوضوء بالإخلال بالمتابعة، لعدم تحقق الامتثال بدونها على تقدير الوجوب، لأن الامتثال إنما يتحقق إذا أتى بالمأمور به مشتملا على جميع الأمور الواجبة فيه، و أصحاب القول الأول لا يقولون به، و هذا من أمتن الدلائل على صحة القول الثاني، و هنا مباحث:

أ: حكى في الذكرى «2» عن الأصحاب، في تحقيق معنى جفاف السابق و عدمه ثلاثة أقوال: فعن ظاهر المرتضى «3»، و ابن إدريس «4» اعتبار العضو المتقدم بغير فصل، و عن صريح ابن الجنيد «5» اشتراط بقاء البلل في جميع ما تقدم، إلّا لضرورة، و عن ظاهر باقي الأصحاب «6» الاكتفاء بشي‌ء من البلل، و اطباقهم على الأخذ من شعور الوجه للمسح، و ورود الأخبار «7» بذلك يقتضي صحة الثالث، إذ لولاه لزم‌

______________________________
(1) منهم: السيد المرتضى في الناصريات (الجوامع الفقهية): 221، و سلار في المراسم: 38 و ابن البراج في المهذب 1: 45، و ابن إدريس في السرائر: 17.

(2) الذكرى: 92.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 221.

(4) السرائر: 18.

(5) نقل عنه في المختلف: 27.

(6) منهم: سلار في المراسم: 38، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 492، و المحقق في الشرائع 1: 22، و الشهيد في اللمعة 18.

(7) التهذيب 1: 59، 89 حديث 165، 235، الاستبصار 1: 59، 74 حديث 175، 229.

225
جامع المقاصد في شرح القواعد1

السابع: الموالاة ؛ ج 1، ص : 224

فإن أخلّ وجف السابق (1) استأنف و إلّا فلا. و ناذر الوضوء مواليا لو أخلّ بها فالأقرب الصحة و الكفّارة. (2)

______________________________
فساد الوضوء للإخلال بالموالاة.

ب: هل بقاء البلل معتبر مطلقا، أم في الهواء المعتدل، حتى لو كان مفرط الرطوبة و عرق «1» بحيث لو لا إفراط الرطوبة لجف البلل- يبطل الوضوء؟ فيه احتمال، و وجه الصحة بقاء البلل حسّا، و التقدير على خلاف الأصل، قال في الذكرى «2»! و تقييد الأصحاب بالهواء المعتدل، ليخرج طرف الإفراط في الحرارة.

ج: لو تعذر بقاء الموالاة لإفراط الحرّ و الهواء، مع رعاية ما يمكن من الإسباغ و الإسراع فالظاهر السقوط، و عليه يحمل الحديث «3» الدال على اغتفار جفاف البلل، و لو افتقر إلى الاستئناف للمسح جاز، كما صرّح به في الذكرى «4» و غيرها، و لو جمع بين الوضوء و التيمم احتياطا كان أقرب الى البراءة.

قوله: (فإن أخل وجف السابق).

(1) المتبادر منه جفاف الجميع.

قوله: (و ناذر الوضوء مواليا، لو أخل بها فالأقرب الصحة و الكفارة).

(2) المراد بالوضوء: ما يتصور تعلق النذر به ليشمل المندوب، و الواجب المبيح و غيره، فمن نذر الوضوء مواليا، أي: متابعا لأفعاله انعقد نذره.

أما على القول بأنها مراعاة الجفاف فظاهر، و أما على أنها المتابعة، فلأن نذر الواجب ينعقد و يظهر أثره في وجوب الكفارة بالمخالفة، فلو توضأ و أخل بالمتابعة ففي صحة الوضوء وجهان، يلتفتان إلى أن المعتبر في صحة الفعل حاله الذي اقتضاه النذر، أم أصله، لأن شرط المنذور كغيره، إذ هو بعض أفراد الوضوء؟ الأصح الأول، لاقتضاء النذر ذلك، فلا يقع عن المنذور لعدم المطابقة، و لا عن غيره لعدم النيّة، إذ الفرض أن المنوي هو المنذور، و مثله لو نذر صلاة ركعتين من قيام، فأتى بهما من جلوس بنيّة النذر، لم‌

______________________________
(1) في (ع) و (ح) فرق، و المثبت هو الصحيح ظاهرا.

(2) الذكرى: 92.

(3) التهذيب 1: 88 حديث 232، الاستبصار 1: 72 حديث 222.

(4) الذكرى: 92.

226
جامع المقاصد في شرح القواعد1

السابع: الموالاة ؛ ج 1، ص : 224

..........

______________________________
ينعقد، مع أن القيام غير شرط في أصلها.

إذا تقرر ذلك، فقد رتب المصنف على صحة الوضوء وجوب الكفارة- و صرّح به الشارحان- «1» و كأنه يرى أن المأتي به هو المنذور، و الكفارة للإخلال بالصفة المشترطة.

و ليس بجيد، لأن المأتي به إنما يجزئ عن المنذور إذا اشتمل على جميع وجوه الوجوب فيه، لأن هذا هو المعقول من الاجزاء، و حينئذ، فلا كفارة لعدم المخالفة، و إلا بقي المنذور في الذمة لعدم الإتيان به.

و الفرض عدم المطابقة بين المأتي به و المنذور فيبقى في عهدته، فيجب تداركه، و لا تجب الكفارة إلا إذا قصّر في التدارك عند تضيق وقته حتى فات وقته، فظهر أنّ الكفارة لا يتوجه القول بها على واحد من القول بالصحة و البطلان، إلا على ما ذكرناه.

و فصّل ولد المصنف بما حاصله على القول بالبطلان «2»، مع بقاء الوقت تجب الإعادة و لا كفارة، و على الصحة تجب، و مع خروج الوقت تجب مطلقا، و هذا لأنه فرض نذر الوضوء مواليا في وقت معين، و هو بعض أفراد مسألة الكتاب، لأنها أعم من أن يكون النذر معيّنا أو مطلقا.

و الحاصل: إن جعل مدار وجوب الكفارة صحة الوضوء المأتي به غير مستقيم، و سيأتي في باب صلاة النذر أنه لو نذر صلاة في زمان، أو مكان مخصوص فأتى بها في غيره، فإنه يجب عليه فعلها فيه و لا كفارة، و هو مخالف لما هنا، و الحق أن ما قرروه هنا لا وجه له.

و تحقيق الحكم: ان الوضوء المنذور كذلك إن تعين وقته، و أخل بالصفة المشترطة اختيارا حتى خرج الوقت وجبت الكفارة، و إن بقي تداركه فيه و لا كفارة، سواء قلنا بصحة المأتي به على خلاف الصفة أم لا، و إن لم يتعين وقته لم يتحقق وجوب الكفارة فيه، إلا مع تضيق وقته بغلبة ظن الوفاة، مع الإخلال به على التقديرين أيضا.

______________________________
(1) انظر: إيضاح الفوائد 1: 40.

(2) انظر: إيضاح الفوائد 1: 41.

227
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في مندوباته ؛ ج 1، ص : 228

[الفصل الثاني: في مندوباته]

الفصل الثاني: في مندوباته و يتأكد السواك و ان كان بالرطب للصائم آخر النهار و أوله سواء، (1)

______________________________
قوله: (الفصل الثاني: في مندوباته.

(1) و يتأكد السواك و إن كان بالرطب للصائم آخر النهار و أوله سواء).

من مستحبات الوضوء المتأكدة السواك، حتى أنه ورد عنه صلّى اللَّه عليه و آله-: «لو لا أن أشق على أمتي، لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء» «1»، أي: لأوجبته عليهم، فان الاستحباب ثابت، و عن الباقر و الصادق عليهما السلام: «صلاة ركعتين بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك» «2» و يستحب بقضبان الأشجار، و أفضلها الأراك، و تجزئ الخرقة الخشنة، و الإصبع، و يستحب أن يكون عرضا.

و لا فرق بين الرطب و اليابس للصائم، و غيره.

و قال ابن أبي عقيل «3»، و الشيخ «4» يكره بالرطب للصائم، و لا فرق في استحبابه للصائم بين أول النهار و آخره، خلافا للعامة «5»، القائلين بكراهته للصائم بعد الزوال، لأنه يزيل أثر العبادة، و ليس بشي‌ء.

قال في الذكرى «6» ما حاصله: هل السواك و التسمية من سنن الوضوء حتى تقع عندهما نيته؟ ظاهر الأصحاب «7» و الأخبار «8» انهما من سننه، لكن لم يذكر الأصحاب إيقاع النيّة عندهما، و لعله لسلب اسم الغسل المعتبر في الوضوء عنهما.

______________________________
(1) الكافي 3: 22 حديث 1، الفقيه 1: 34 حديث 123.

(2) الكافي 3: 22 حديث 1 و فيه: (ركعتان بالسواك)، الفقيه 1: 33 حديث 118، المحاسن: 561 حديث 949.

(3) حكاه العلامة في المختلف: 223.

(4) المبسوط 1: 273، النهاية: 156.

(5) الوجيز 1: 13، المجموع 1: 275، نيل الأوطار 1: 127.

(6) الذكرى: 83.

(7) منهم: الشيخ في المبسوط 1: 273، و سلار في المراسم: 38، و المحقق في المعتبر 1: 168، و يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 34.

(8) الكافي 3: 22 باب السواك، الفقيه 1: 33 باب السواك، المحاسن: 558 باب الخلال و السواك.

228
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في مندوباته ؛ ج 1، ص : 228

و وضع الإناء على اليمين، و الاغتراف بها، (1) و التسمية، و الدعاء. (2)

و غسل الكفين قبل إدخالهما الإناء (3) مرة من حدث النوم و البول، و مرتين من الغائط، و ثلاثا من الجنابة،

______________________________
قوله: (و وضع الإناء على اليمين و الاغتراف بها).

(1) هذا إن كان يتوضأ من إناء يمكن الاغتراف منه باليد، أسنده في الذكرى «1» الى الأصحاب، روي ان النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله كان يحب التيامن في شأنه كله «2»، و يستحب أن يكون الاغتراف باليد اليمنى، لفعل الباقر عليه السلام في وصف وضوء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله «3»، و ليدره بها إلى اليسار عند غسل اليمنى، قاله الأصحاب، و روي عن الباقر عليه السلام الأخذ لغسل اليمنى باليسرى «4».

و روي عنه عليه السلام الأخذ باليمنى أيضا «5».

قوله: (و التسمية و الدعاء).

(2) هي قول: بسم اللّٰه و باللّه، إلى آخره الدعاء «6».

قوله: (و غسل الكفين قبل إدخالهما الإناء.).

(3) غسل الكفين للوضوء من مفصل الزند، و للجنابة من المرفق- على الأظهر- لورود النص به «7»، و ظاهر العبارة عدم الفرق، و لو اجتمعت هذه الأسباب تداخل الغسل كما صرّح به في المنتهى «8».

______________________________
(1) الذكرى: 80.

(2) صحيح البخاري 1: 53 باب 31.

(3) الكافي 3: 25 حديث 4، 5.

(4) الكافي 3: 24 حديث 2.

(5) الكافي 3: 24 حديث 3.

(6) التهذيب 1: 53 حديث 153.

(7) التهذيب 1: 131 حديث 362، الاستبصار 1: 118 حديث 398.

(8) المنتهى 1: 49.

229
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في مندوباته ؛ ج 1، ص : 228

و المضمضة و الاستنشاق ثلاثا ثلاثا، (1) و الدعاء عندهما (2) و عند كل فعل، و بدأة الرجل بغسل ظاهر ذراعيه، (3) و في الثانية بباطنهما، و المرأة بالعكس، و الوضوء بمد، (4)

______________________________
قوله: (و المضمضة و الاستنشاق ثلاثا ثلاثا).

(1) و يستحب كونهما بثلاث أكف، ثلاث أكف، و قول ابن أبي عقيل: ليسا بفرض و لا سنة «1» ضعيف، و يستحب المبالغة فيهما بجذب الماء إلى أقصى الحنك، و جذبه إلى خياشيمه لغير الصائم.

قوله: (و الدعاء عندهما).

(2) يريد به: فيهما، كما عبر به في المنتهى «2».

قوله: (و بدأة الرجل بغسل ظاهر ذراعيه.).

(3) قال في الذكرى «3»: إن أكثر الأصحاب لم يفرقوا بين الرجل و المرأة «4»، و الفرق ذكره في المبسوط «5»، و تبعه جماعة «6»، و تتخيّر الخنثى.

قوله: (و الوضوء بمد).

(4) سيأتي بيان المدّ- إن شاء اللَّه تعالى- في الفطرة «7»، قال في الذكرى: المد لا يكاد يبلغه الوضوء، فيمكن أن يدخل فيه ماء الاستنجاء، لما تضمنته رواية ابن كثير، عن أمير المؤمنين عليه السلام «8».

______________________________
(1) حكاه عنه العلامة في المختلف: 21.

(2) المنتهى 1: 51.

(3) الذكرى: 94.

(4) منهم: العلامة في المنتهى 1: 51.

(5) المبسوط 1: 21.

(6) ممن ذهب الى هذا القول: المفيد في المقنعة: 5، و أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 132، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 492، و المحقق في الشرائع 1: 24، و يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 34 و العلامة في المنتهى 1: 51، و الشهيد في الدروس: 4، و اللمعة 18.

(7) الكافي 1: 70 حديث 6، الفقيه 1: 26 حديث 84، المقنع: 2، التهذيب 1: 53 حديث 153 المحاسن: 45 حديث 16.

(8) الذكرى: 95.

230
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في مندوباته ؛ ج 1، ص : 228

و تثنية الغسلات (1) و الأشهر التحريم في الثالثة، (2) و لا تكرار في المسح. (3)

و تكره الاستعانة، (4) و التمندل، (5) و يحرم التولية اختيارا.

______________________________
قوله: (و تثنية الغسلات).

(1) خلافا لابن بابويه، حيث أنكر الثانية «1».

قوله: (و الأشهر التحريم في الثالثة).

(2) و قال ابن الجنيد «2»، و ابن أبي عقيل «3»، و المفيد بعدم التحريم «4»، و هو ضعيف، و الأصح التحريم إذا اعتقد الشرعية، لأنه أدخل في الدين ما ليس منه، و يبطل الوضوء إن استوعب بها الأعضاء، بحيث يتعذر المسح بالبلل.

قوله: (و لا تكرار في المسح).

(3) أي: لا واجبا و لا مندوبا، و لو اعتقد الشرعية حرم و أثم، و عليه ينزل قول الشيخين «5»، و ابن إدريس بالتحريم «6»، و لا يبطل به الوضوء قطعا.

قوله: (و تكره الاستعانة).

(4) لورود النص بالنهي عنها «7»، و نحو إحضار الغير الماء للوضوء لا يعد استعانة، بل صب الماء ليغسل به المتوضي استعانة، لا صبه على العضو فان ذلك تولية.

قوله: (و التمندل).

(5) لما روي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «من توضأ فتمندل كانت له حسنة، و إن توضأ و لم يتمندل حتى يجف وضوءه كانت له ثلاثون حسنة» «8» و قيل بعدم‌

______________________________
(1) الهداية: 16.

(2) حكاه عنه في المختلف: 22.

(3) المصدر السابق.

(4) المقنعة: 5.

(5) المفيد في المقنعة: 5، و الطوسي في المبسوط 1: 23.

(6) السرائر: 17.

(7) الكافي 3: 69 حديث 1، الفقيه 1: 27 حديث 85، التهذيب 1: 365 حديث 1107.

(8) الكافي 3: 70 حديث 4، الفقيه 1: 31 حديث 105، ثواب الأعمال: 32 حديث 1.

231
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في أحكامه ؛ ج 1، ص : 232

[الفصل الثالث: في أحكامه]

الفصل الثالث: في أحكامه يستباح بالوضوء الصلاة و الطواف للمحدث إجماعا، (1) و مس كتابة القرآن إذ يحرم عليه مسها على الأقوى. (2)

______________________________
الكراهية
«1».

و المراد بالتمندل: مسح ماء الوضوء بثوب و نحوه، و الظاهر أنّ مسح الوجه باليدين، و وضع اليدين في الكمين لا يعد مكروها، لعدم صدق التمندل على ذلك، لكن قوله عليه السلام: «حتى يجف وضوءه» قد يشعر بخلاف ذلك.

قوله: (الفصل الثالث: في أحكامه: يستباح بالوضوء الصلاة، و الطواف للمحدث إجماعا).

(1) إطلاق استباحة الطواف للمحدث لا يخلو من تسامح، فان مندوبه مباح للمحدث بخلاف الصلاة، و إنما الوضوء مكمل له، فكان ينبغي أن يقيد الطواف بالواجب.

قوله: (و مس كتابة القرآن، إذ يحرم مسّها على الأقوى).

(2) لثبوت النهي عن مسّها للمحدث، و النهي للتحريم، و قوله تعالى (لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ). «2» خبر معناه النهي، و المراد بالكتاب: الكتابة، لأن المراد به ما بين دفتي المصحف، و المراد بالمس: الملاقاة بشي‌ء من البدن، و الظاهر أن الإصابة بنحو الشعر و السن لا يعد مسّا، و يراد بالكتابة الرقوم الدالة على مواد الكلمات، كما يسبق إلى الأفهام، فالإعراب لا يعدّ منها، بخلاف نحو الهمزة و التشديد، مع احتمال عدّ الجميع و العدم، لخلو الكتابة السابقة عن الجميع، و لا يحضرني الآن في ذلك كلام لأحد.

______________________________
(1) قال الشهيد في الذكرى: (و ظاهر المرتضى في شرح الرسالة عدم كراهية التمندل و هو أحد قولي الشيخ) و شرح الرسالة غير متوفر لدنيا، و قول الشيخ في المبسوط 1: 23.

(2) الواقعة: 79.

232
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في أحكامه ؛ ج 1، ص : 232

و ذو الجبيرة ينزعها مع المكنة، أو يكرر الماء حتى يصل البشرة، فإن تعذّر مسح عليها و ان كان ما تحتها نجسا، (1) و في الاستئناف مع الزوال اشكال.

______________________________
قوله: (و ذو الجبيرة ينزعها مع المكنة، أو يكرر الماء حتى يصل البشرة، فإن تعذر مسح عليها و إن كان ما تحتها نجسا).

(1) تحرير القول في الجبيرة أنها إن كانت في موضع الغسل، و كان ما تحتها طاهرا، و أمكن إيصال الماء اليه من غير خوف ضرر، يجوز للمكلف تكرير الماء حتى تنغسل به البشرة، و لا يجب النزع و ان أمكن لحصول الغسل المطلوب، و لو كان ما تحتها نجسا و أمكن النزع و لا ضرر بالغسل، وجب النزع لوجوب تطهير محل الغسل إذا لم يمكن تطهيره بدون النزع.

و لو تعذر النزع و إيصال الماء، أو خاف الضرر، أو كان ما تحتها نجسا و تعذر تطهيره، مسح عليها المسح المعهود في الوضوء، بشرط أن يكون ظاهرها طاهرا، و إلا وضع عليها طاهرا ليمسح عليها على الأظهر، كما صرح به المصنف، و شيخنا الشهيد «1»، و إن كانت في محل المسح، و أمكن النزع و لا ضرر بإيصال الماء تعين النزع، و لا يجزئ التكرار بحيث يصل البلل الى ما تحتها، و إن كان ما تحتها طاهرا، لوجوب المسح ببطن اليد بلا حائل، و إن لم يمكن النزع، أو كان يتضرر بوصول الماء، أو كان ما تحتها نجسا يتعذر تطهيره مسح على الظاهر الطاهر، و هل يجب تكراره، بحيث يصل الماء إلى ما تحتها إن أمكن، و كان طاهرا و لا يتضرر بوصوله؟ وجهان، أظهرهما الوجوب، لأن الميسور لا يسقط بالمعسور.

إذا عرفت هذا فعد إلى عبارة الكتاب، و انظر قصورها عن بيان هذه الأحكام، فان ظاهرها استواء المسح و الغسل في ذلك، و قد عرفت التفاوت بينهما، و كذا قوله:

(ينزعها مع المكنة أو يكرر الماء) شامل لما إذا كان ما تحتها نجسا أو طاهرا، و يتضرر بإصابة الماء، و معلوم عدم تخيره بين الأمرين في الصورتين، فان النزع في الأولى متعين، و المسح في الثانية كاف و إن أمكن النزع و التكرير.

و متى أردت ضبط صور المسألة قلت: الجبيرة إما أن يمكن نزعها، أو لا، و على‌

______________________________
(1) الذكرى: 97.

233
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في أحكامه ؛ ج 1، ص : 232

و الخاتم أو السير أو شبههما ان منع وصول الماء حرّك وجوبا، و إلّا استحبابا.

و صاحب السلس و المبطون يتوضأ أن لكل صلاة عند الشروع فيها و ان تجدد حدثهما، و كذا المستحاضة. (1)

و غسل الأذنين و مسحهما بدعة، و كذا التطوق إلّا للتقية، و ليس مبطلا.

______________________________
التقديرين إما أن يكون في موضع الغسل، أو لا، و على التقديرات إما أن يكون ما تحتها طاهرا، أو لا، و على التقادير إما أن يمكن إمساسه بالماء، أو لا، و تعذر الإمساس إما أن يكون لتضرر به، أو لعدم إمكان وصول الماء عادة، فهذه أربعة و عشرون صورة قد علمت أحكامها، و بأدنى ملاحظة يعلم ما يدخل في العبارة منها، و ما يخرج. و حكم الطلاء، و اللصوق على الجرح، و نحوه حكم الجبيرة على الأظهر.

قوله: (و صاحب السلس و المبطون يتوضأ ان لكل صلاة عند الشروع فيها، و إن تجدد حدثهما، و كذا المستحاضة).

(1) لا إشكال في أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، و ليكن وضوؤها عند الشروع فيها، و لا يضرّ تخلل نحو الأذان و الإقامة، و انتظار للجماعة غير كثير، و نحو ذلك.

و أما السلس فالمشهور أنه كذلك، نظرا إلى أنه بتجدد الحدث يصير محدثا، فتجب عليه الطهارة، و يمنع من المشروط بها، إلا أن ذلك لما امتنع اعتباره مطلقا، لتعذر الصلاة حينئذ، وجب عليه الوضوء لكل صلاة، مراعاة لمقتضى الحدث بحسب الممكن، و في المبسوط «1»: إنه يصلي بوضوء واحد عدة صلوات، لأن إلحاقه بالمستحاضة قياس، و جوابه: إن مساواتها له في الحكم بدليل ليس بقياس.

و أما المبطون، و المراد به: عليل البطن أعم من أن يكون بريح أو غائط، و في الرواية تنبيه عليه «2»، فالمشهور أنه يتوضأ لكل صلاة، فإن تجدد حدثه فيها توضأ و بنى بشرط عدم الكلام و الاستدبار، و إنما يتم هذا إذا لم يكن حدثه متواترا، فان تواتر اتجه كونه كالسلس.

و الأصح أن كلّا من السلس و المبطون، إن أمكن منه فعل الطهارة و الصلاة‌

______________________________
(1) المبسوط 1: 68.

(2) الفقيه 1: 38 حديث 146، التهذيب 1: 348 و 350 و 351 حديث 1021، 1036، 1037.

234
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في أحكامه ؛ ج 1، ص : 232

و لو تيقّن الحدث و شك في الطهارة تطهّر (1) دون العكس. و لو تيقنهما متحدين متعاقبين و شك في المتأخر، فان لم يعلم حاله قبل زمانهما تطهر، و إلّا استصحبه. (2)

______________________________
سليمة عن الحدث، و لو بتحري الزمان الذي يرجى فيه ذلك تعين، و إلّا وجب الوضوء لكل صلاة، كما تقدم في السلس، و اعلم أن كلّا من الثلاثة يجب عليه التحفظ في منع النجاسة بحسب الممكن، لورود النص
«1»، و تصريح الأصحاب «2».

قوله: (و لو تيقن الحدث، و شك في الطهارة تطهر.).

(1) أي: لو تيقن الحدث في زمان، ثم طرأ الشك في الطهارة بعده، فان الذهن إذا التفت الى اليقين السابق أفاد ظن بقاء الحدث، فيترجح على الطرف الآخر، و هذا هو المراد من قولهم: (الشك لا يعارض اليقين) فتجب الطهارة، و ينعكس الحكم لو انعكس الفرض.

قوله: (و لو تيقنهما متحدين، متعاقبين، و شك في المتأخر، فان لم يعلم حاله قبل زمانهما تطهر، و إلا استصحبه).

(2) أراد بكونهما متحدين: استواءهما في العدد، كحدث و طهارة، أو حدثين و طهارتين، و على هذا، فإنهما إذا استويا في العدد اتحدا فيه، و المراد بكونهما متعاقبين:

كون الطهارة عقيب الحدث، لا عقيب طهارة، و كون الحدث عقيب طهارة لا عقيب حدث، و إنما اعتبر الاتحاد و التعاقب، لأنه بدونهما لا يطرد الأخذ بمثل ما كان قبلهما، لو علم حاله قبل زمانهما.

و أصل المسألة مفروضة في كلام الأصحاب، خالية من هذا التقييد، و تحريرها: إن من تيقن حصول الحدث و الطهارة منه، و لم يعلم السابق منهما و اللاحق، أطلق المتقدمون من الأصحاب وجوب الطهارة عليه «3»، لتكافؤ الاحتمالين من غير ترجيح، و الدخول في الصلاة موقوف على الحكم بكونه متطهرا.

______________________________
(1) المصدر السابق.

(2) منهم: الشيخ في المبسوط 1: 68، و العلامة في المختلف: 28، و الشهيد في الذكرى: 97.

(3) منهم: الصدوق في المقنع: 7، و الهداية: 17، و المفيد في المقنعة: 6، و الشيخ في المبسوط 1: 24.

235
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في أحكامه ؛ ج 1، ص : 232

و لو علم ترك عضو أتى به و بما بعده، فان جف البلل استأنف.

______________________________
و فصّل المتأخرون في ذلك
«1»، فقالوا: ينظر، فان لم يعلم حاله قبل زمانهما وجبت الطهارة- كما ذكروه-، و إن علم حاله قبلهما، بأنه كان متطهرا، أو محدثا لم يتجه الحكم بالطهارة على كل حال.

ثم اختلفوا، فقال المحقق ابن سعيد: يأخذ بضد ما كان قبلهما من حدث و طهارة «2»، لأنه إن كان محدثا، فقد تيقن رفع ذلك الحدث بالطهارة المتيقنة مع الحدث الآخر، لأنها إن كانت بعد الحدثين، أو بينهما فقد ارتفع الأول بها، و انتقاضها بالحدث الآخر غير معلوم، للشك في تأخره عنها، ففي الحقيقة هو متيقن للطهارة، شاك في الحدث.

و إن كان متطهرا، فقد تيقن أنه نقض تلك الطهارة بالحدث المتيقن مع الطهارة، لأنه إن كان بعد الطهارتين، أو بينهما فقد نقض الأولى على كل تقدير، و رفعه بالطهارة الأخرى غير معلوم، للشك في تأخرها عنه، فهو متيقن للحدث، شاك في الطهارة.

و قال المصنف: إنه يأخذ بمثل ما كان قبلهما، و احتج في المختلف «3» على أنه الآن متطهر إذ علم قبلهما أنه كان متطهرا، بأنه تيقن أنه نقض تلك الطهارة، ثم توضأ، و لا يمكن أن يتوضأ عن حدث مع بقاء تلك الطهارة، و نقض الطهارة الثانية مشكوك فيه، فلا يزول عن اليقين بالشك، و على أنه الآن محدث، إذا علم قبلهما أنه كان محدثا، بأنه تيقن أنه انتقل عنه إلى الطهارة، ثم نقضها، و الطهارة بعد نقضها مشكوك فيها.

و يرد عليه أنه ان لم يعلم التعاقب، جاز توالي الطهارتين في الأول، فيكون الحدث بعدهما، و الحدثين في الثاني، فتكون الطهارة بعدهما، فلا يتم ما ذكره، و لهذا قيد المسألة في غير المختلف بالتعاقب «4»، و لما كان فرض المسألة لا يأبى كون كل من الطهارة و الحدث متعددا، قيدهما بكونهما متحدين في العدد، إذ لو زاد أحدهما على عدد‌

______________________________
(1) منهم المحقق في المعتبر 1: 170، و يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 37.

(2) المعتبر 1: 171.

(3) المختلف: 27.

(4) المنتهى 1: 72، التحرير 1: 10.

236
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في أحكامه ؛ ج 1، ص : 232

و لو شك في شي‌ء من أفعال الطهارة فكذلك ان كان على حاله، (1) و إلّا فلا التفات في الوضوء، و المرتمس و المعتاد على اشكال. (2)

______________________________
الآخر، لم يطرد الأخذ بمثل ما كان قبلهما، لأنه لو زاد عدد الطهارة على الحدث، و كان قبلهما محدثا لم يكن الآن محدثا، و ما قيد به حق، إلا أنه خروج عن المسألة إما الى غيرها، أو الى بعض أفرادها، و أعراض عن الحكم فيها.

و أورد عليه شيخنا الشهيد: ان ذلك ليس من الشك في شي‌ء «1»، الذي هو موضوع المسألة، و هو غير قادح، لو لا أنه خروج عن المسألة، إذ يكفي كون الشك في مبدأ الأمر، و أورد عليه غيره «2» أن ذلك لا يسمى استصحابا عند العلماء، و نقل عنه أنه أجاب، بأن المراد: لازم الاستصحاب، و هو: البناء على نظير السابق، و الأصح البناء على الضد إن لم يقطع بالتعاقب، و إلا أخذ بالنظير، و لو لم يعلم حاله قبلهما تطهر.

قوله: (و لو شك في شي‌ء من أفعال الطهارة فكذلك ان كان على حاله).

(1) أي: أتى به و بما بعده إن لم يجف البلل، هذا إذا كان المتطهر على حاله- أي على فعل الطهارة- من وضوء و غيره، و لا يعتبر انتقاله من موضعه إلى موضع غيره، و إنما يعيد على المشكوك فيه و ما بعده، إذا لم يكثر شكه، فان كثر عادة لم تجب الإعادة للحرج، و لأنه لا يأمن دوام عروض الشك، و ربما حدث الكثرة بثلاث مرات، و يشكل بعدم النص، فتعيّن الرجوع إلى العرف، و يزول الحكم بزوال الكثرة.

قوله: (و المرتمس و المعتاد على إشكال).

(2) أي: معتاد الموالاة بين أفعال الغسل، و المراد: إن هذين- أيضا- لو شكّا في شي‌ء من أفعال الطهارة، بعد الانتقال عن فعلها، و الفراغ منه لا يلتفتان، على اشكال ينشأ من أن الأصل عدم الإتيان بالمشكوك فيه، فلا يتحقق الخروج من عهدة التكليف، و من أن الارتماس إنما يصح بارتماسة واحدة عرفا تعم جميع البدن، و الأصل الصحة.

______________________________
(1) الذكرى: 98.

(2) المعترض هو البيضاوي على ما في مفتاح الكرامة 1: 290 حيث قال: (ان المنقول في حاشية المدارك.) انظر: المدارك حاشية ص: 41.

237
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في أحكامه ؛ ج 1، ص : 232

و لو ترك غسل أحد المخرجين و صلّى أعاد الصلاة خاصة، و ان كان ناسيا أو جاهلا بالحكم.

و تشترط طهارة محل الأفعال عن الخبث لا غيره، (1)

______________________________
و أيضا، فإن الظاهر شمول الماء جميع البدن، مع عدم الحائل، و العادة قد يحصل بها العلم، و لقول الصادق عليه السلام لزرارة: «إذا خرجت من شي‌ء، ثم دخلت في غيره، فشككت، فليس بشي‌ء»
«1» و الأصح عدم الالتفات فيهما.

و مقتضى قول المصنف: (و إلا فلا التفات في الوضوء، و المرتمس، و المعتاد) ثبوت الالتفات في غيرها، و هو حق في غير التيمم، فإنه كالوضوء. و في بعض فوائد شيخنا الشهيد رحمه اللَّه «2»: أن الاشكال في المعتاد خاصة، و العبارة محتملة، و كل من المسألتين قابل للإشكال، لأن الموالاة غير شرط في الغسل مطلقا، و إن كان الارتماس إنما يتحقق بارتماسة واحدة، نعم الحكم في الارتماس أقوى منه في المعتاد.

و في بعض فوائده: إنّ هذا الاشكال، لا يتوجه، لأنه إن حصل ظن الإيقاع بنى عليه، و إلا فلا فرق بينه «3» و بين غيره، و ليس بشي‌ء، لأن العادة تثمر الظن، إلا أنّ العمل بمطلق الظن ليس بمطرد، بل المعتبر الظن الذي أقامه الشارع مقام العلم.

قوله: (و يشترط طهارة محل الأفعال عن الخبث لا غيره).

(1) أي: لا غير المحل، و إنما اشترط طهارة محلها لأن الماء القليل ينجس بملاقاة النجاسة، فلا يصلح للتطهير، و الكثير لا يفيد المحل الطهارة، مع بقاء العين، و كما أن النجس لا يطهر، فكذا محل النجاسة مع بقاء عينها، حقه أن لا يقبل الطهارة.

و يستفاد من اشتراط طهارة المحل أن المطهر للنجاسة لا يكون محسوبا للطهارة، بل لا بد من إفاضة الماء عليه بعد تطهيره، و هو الأصح، لتوقف يقين البراءة عليه.

______________________________
(1) التهذيب 2: 352 حديث 1459.

(2) القواعد و الفوائد 1: 90.

(3) القواعد و الفوائد 1: 147 و 149.

238
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في أحكامه ؛ ج 1، ص : 232

و لو جدد ندبا و ذكر إخلال عضو من إحداهما أعاد الطهارة و الصلاة، و ان تعددت على رأي. (1)

______________________________
قوله: (و لو جدد ندبا، و ذكر إخلال عضو من إحداهما أعاد الطهارة و الصلاة و إن تعددت على رأي).

(1) المجدد: هو الوضوء الثاني الواقع بعد وضوء أول مبيح للصلاة، فلو تبين فساد السابق فالواقع بعده بنية التجديد مجدد ظاهرا، لا بحسب الواقع، و قيدناه بكونه أولا ليندرج المجدد الثاني و الثالث، و غيرهما، إن قلنا بمشروعيته لصلاة واحدة أكثر من مرّة، أو كان تعدده بحسب الصلوات.

و هذا كما يصدق على المجدد ندبا، يصدق على الواجب بنذر و شبهه، فقوله:

(ندبا) كأنه مستدرك، إذ لا يظهر له كثير فائدة، بل ربما كان مضرّا، لأن التجديد وجوبا تتعلق به بعض هذه الأحكام، و الضمير في (إحداهما) يعود إلى الطهارتين، المجدد و ما قبله لدلالته عليه التزاما.

قوله: (و إن تعددت) لا يخلو من مناقشة، إذ العطف ب‍ (أن) الوصلية للفرد الأخفى تأكيدا للحكم، و بيانا لشموله، و ليس إعادة الصلاة المتعددة أخفى من إعادة الواحدة، نعم، ما وقع بالطهارتين من الصلوات، قد يقال: إعادته أخفى مما وقع بواحدة، لأن بعض الأصحاب لما اكتفى بالطهارة الثانية، على تقدير فساد الأولى، لم يتحقق عنده وجوب إعادة ما وقع بالطهارتين، بخلاف ما وقع بالأولى، لعدم القطع بكونها رافعة للحدث، فيبقى في عهدة التكليف، فلو قال: و إن وقعت بالطهارتين كان أولى.

و اعلم أن هذه المسألة مبنية على الأقوال السابقة في النيّة، فعلى القول باشتراط نيّة الرفع أو الاستباحة تتعين إعادة الطهارة و الصلاة، لإمكان أن يكون الإخلال من الأولى و الثانية لا تبيح لانتفاء النيّة المعتبرة فيها، فإنها إنما وقعت على قصد التجديد، و الحدث قد كان مقطوعا به، فيبقى حكمه استصحابا (لما كان و هذا هو الذي أشار) «1» إليه المصنف بقوله: (على رأي).

______________________________
(1) في نسخة «ح»: و لما كان هذا هو الأقوى أشار.

239
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في أحكامه ؛ ج 1، ص : 232

و لو توضأ و صلّى و أحدث، ثم توضأ و صلّى اخرى، ثم ذكر الإخلال المجهول (1) أعادهما مع الاختلاف عددا بعد الطهارة، و مع الاتفاق يصلّي ذلك العدد و ينوي به ما في ذمته.

______________________________
و على القول بالاكتفاء بالقربة لا إشكال في صحة الصلاة الواقعة بالطهارتين، إما على القول بالاكتفاء بالوجوب، أو الندب مع القربة، فيجب إعادتهما إلّا في صور:

الاولى: أن تكون الطهارتان معا مندوبتين، و تكونا معا واقعتين في وقت لا تجب فيه الطهارة، كما لو توضأ و ذمته بريئة من مشروط بالطهارة، ثم جدد ندبا في وقت لا تجب فيه الطهارة أيضا، و إنما قيدنا بوقوعهما معا في وقت لا تجب فيه الطهارة، لأنهما أو إحداهما لو وقعت في وقت الوجوب لم تكن مبيحة للصلاة، لفقد الشرط- و هو نيّة الوجوب- فلو كان التجديد ندبا بعد دخول الوقت، و قد توضأ مندوبا قبله، لم يكن المجدد كافيا على تقدير فساد الأول، لفقد نية الوجوب مع كونه معتبرا في صحة طهارته.

الثانية: أن تكونا معا واجبتين، كأن يتوضأ واجبا، و يجدد واجبا بنذر و شبهه.

الثالثة: أن يتوضأ واجبا، و يجدد ندبا، مع خلو ذمته من مشروط بالطهارة، لأنه حينئذ مخاطب بالندب، على تقدير علمه بفساد الاولى، فيكون شرط النيّة حاصلا.

الرابعة: عكسه، بأن يتوضأ ندبا مع براءة ذمته، و يجدد واجبا بنذر و شبهه بعد اشتغالها بمشروط بالطهارة. فإنه في هذه الصور الأربع لا تجب عليه إعادة الطهارة، و لا الصلاة الواقعة بالطهارتين معا، لأن أيتهما فسدت أجزأت الأخرى.

و يمكن مثل هذا على القول باشتراط نية أحد الأمرين، فيما لو توضأ بنية معتبرة، ثم ذهل عن طهارته، فتوضأ مرّة أخرى بنية الرفع، مع الاتفاق في الوجوب نيّة و محلا، على القول بإجزاء الثانية لو تبين فساد الأولى، فإنه على هذا القول، لو ذكر الإخلال المجهول لا يعيد شيئا من الطهارة و الصلاة الواقعة بالطهارتين معا.

قوله: (و لو توضأ و صلّى، و أحدث، ثم توضأ و صلّى أخرى، ثم ذكر الإخلال المجهول.).

(1) لو تعدد الوضوء المبيح، بأن وقع كل وضوء بعد حدث، و تعددت الصلاة،

240
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في أحكامه ؛ ج 1، ص : 232

..........

______________________________
و وقعت كل صلاة بوضوء، ثم ذكر المكلف إخلال عضو، فقد يكون الإخلال من طهارة واحدة، و قد يكون من طهارتين، فان كان الأول: فإما أن يكون الشك في طهارتي صلاتين، أو في طهارات صلوات يوم.

و إن كان الثاني: فإما أن يكون الترك من الطهارتين، مع الشك في صلوات يوم واحد، أو في صلوات يومين، فهذه صور أربع، ذكرها المصنف على الترتيب:

الأولى: أن يكون الإخلال من طهارة واحدة، و الشك في طهارتي صلاتين، فإما أن تتفق الصلاتان عددا، أو تختلفا، فان اختلفتا وجب إعادتهما معا، لتيقن فساد إحداهما، و لا يحصل يقين البراءة إلا بإعادتهما، و إن اتفقتا أعاد ذلك العدد، ناويا به ما في ذمته من هاتين الصلاتين، لأن الواجب إعادة ذلك العدد بنية الفائت، و قد حصل بالترديد، و لأصالة البراءة من وجوب الزائد السالمة عن معارضة كونه مقدمة للواجب، بخلاف المختلفين، و لقول أبي عبد اللَّه عليه السلام في الناسي واحدة من صلوات يوم لم يعلمها: «يصلي ركعتين، و ثلاثا، و أربعا» «1» و إلى هذا صار أكثر الأصحاب «2».

و قال أبو الصلاح «3»، و ابن زهرة «4»: يعيد الصلاتين معا كالمختلفتين، و ضعفه يظهر مما تقدم، و لا فرق في هاتين الصورتين بين المسافر و الحاضر.

و اعلم أن اللام في قول المصنف: (الإخلال المجهول) للعهد، و المعهود ما تقدم من قوله: (ثم ذكر إخلال عضو) هذا حكم الصلاة، و أما الطهارة فحكمها راجع الى متيقن الطهارة و الحدث مع الشك في السابق، و هذه من صور الإعادة.

______________________________
(1) التهذيب 2: 197 حديث 774.

(2) منهم: الصدوق في المقنع: 32، و ابن الجنيد كما في المختلف: 148، و المفيد في المقنعة: 34، و المرتضى في جمل العلم و العمل: 68، و الشيخ في المبسوط 1: 127، و ابن البراج في المهذب 1: 126، و ابن إدريس في السرائر: 59 و ابن حمزة في المراسم: 91.

(3) الكافي في الفقه: 150.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 503.

241
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في أحكامه ؛ ج 1، ص : 232

و لو كان الشك في صلاة يوم (1) أعاد صبحا و مغربا و أربعا، و المسافر يجتزئ بالثنائية و المغرب.

و لو كان الإخلال من طهارتين (2) أعاد أربعا صبحا و مغربا و أربعا مرتين، و المسافر يجتزي بالثنائيتين و المغرب بينهما.

______________________________
قوله: (و لو كان الشك في صلاة يوم.).

(1) هذه هي الصورة الثانية، و تحقيقها: أن يكون الإخلال من طهارة واحدة، و الشك في طهارات صلوات يوم، فان كانت من فرض المقيم أعاد ثلاث صلوات، و هي التي اختلف عددها صبحا، و مغربا معينتين، لعدم ما يوافقهما في العدد، و أربعا مطلقة إطلاقا ثلاثيا بين الظهر، و العصر، و العشاء.

و إن كانت من فرض المسافر أتى بصلاتين مغربا معينة، و ثنائية مطلقة إطلاقا رباعيا بين الصبح، و الظهر، و العصر، و العشاء، لاتفاق عددهن، و لا ترتيب في واحدة من الصورتين، لاتحاد الفائت، و على قول أبي الصلاح، و ابن زهرة يجب اعادة الخمس، و نبه المصنف بقوله: (يجتزئ،.) على أن ما تقدم حكم الحاضر، و إن لم يجر له ذكر.

و اللام في قوله: (و لو كان الشك) للعهد، و المعهود ما دل عليه الإخلال السابق، أي: و لو كان الشك في صلاة يوم، للإخلال بعضو من إحدى طهاراته، لأن الفرض تعدد الطهارة بتعدد الصلاة كما تقدم.

قوله: (و لو كان الإخلال من طهارتين.).

(2) هذه هي الصورة الثالثة، و تحقيقها: أن يكون الإخلال من طهارتين، و الشك في طهارات صلوات يوم، و الفرض أنه صلّى الخمس بخمس طهارات، فان كان مقيما أعاد أربع صلوات صبحا و مغربا، و رباعيتين إحداهما قبل المغرب، و الأخرى بعدها رعاية للترتيب لتعدد الفائت، يطلق في الأولى منهما ثنائيا بين الظهر و العصر، و في الثانية بين العصر و العشاء، و إنما لم يكتف بالثلاث لأن الفائت اثنتان، فجاز كونهما رباعيتين.

و إن كان مسافرا أعاد ثلاثا مغربا، و ثنائيتين، إحداهما قبلها، و الأخرى‌

242
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في أحكامه ؛ ج 1، ص : 232

و الأقرب جواز إطلاق النية فيهما و التعيين، فيأتي بثالثة و يتخير بين الظهر أو العصر أو العشاء، فيطلق بين الباقيتين مراعيا للترتيب، و له الإطلاق الثنائي فيكتفي بالمرتين. (1)

______________________________
بعدها، يطلق في الأولى إطلاقا ثلاثيا بين الصبح، و الظهر، و العصر، و في الثانية بين الظهر، و العصر، و العشاء، و حينئذ فتبرأ الذمة على كل من التقديرين، لانطباقهما على كل واحد من الاحتمالات الممكنة، و هي عشرة
«1»، و خلاف أبي الصلاح آت هنا «2»، و أفاد المصنف باعتبار الترتيب بالنسبة إلى المسافر، حيث قال: (و المغرب بينهما) اعتباره بالنسبة إلى المقيم، لاستوائها في الفائت المتعدد.

فان قيل: إيجاب الترتيب هنا ينافي سقوط الترتيب المنسي. قلنا: لا منافاة، لأن للمكلف هنا طريقا الى تحصيله، من غير زيادة تكلف، لأن العدد الواجب لا يتغير بالترتيب.

قوله: (و الأقرب جواز إطلاق النيّة فيهما، و التعيين) الى قوله (فيكتفي بالمرتين).

(1) هذا من أحكام الصورة الثالثة، و تحقيقه: أن الأقرب عند المصنف جواز الجمع بين الإطلاق و التعيين معا، في كل من رباعيتي المقيم، و ثنائيتي المسافر، بأن يصلي رباعية، أو ثنائية معينة، و يطلق في الأخرى، فيجب عليه حينئذ أن يأتي بفريضة ثالثة، لعدم حصول يقين البراءة بدونها، لإمكان كون الفائت رباعيتين، أو ثنائيتين غير ما عينه، فلا تكون الثانية وحدها كافية في الإجزاء.

و لا يتعين عليه في الفريضة الثالثة إطلاق و لا تعيين، و إن كان المراد في العبارة الأول، حيث قال: (فيطلق بين الباقيتين)، (أي: الفريضتين الباقيتين) «3» بعد المعينة من الرباعيتين، أو الثنائيتين بضميمة الثالثة، و يتخير بين تعيين الظهر، أو‌

______________________________
(1) جاء في هامش الصفحة من النسخة المخطوطة «ع» ما لفظه: و هي احتمال كون الفائت الصبح مع واحدة من الأربع أو الظهر مع واحدة من الثلاث أو العصر مع احدى العشاءين أو المغرب مع العشاء «منه مدّ ظله).

(2) الكافي في الفقه: 150.

(3) ما بين الهلالين ساقط من نسخة «ح».

243
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في أحكامه ؛ ج 1، ص : 232

..........

______________________________
العصر، أو العشاء إن كان مقيما، و في تعيين أيها شاء، أو الصبح ان كان مسافرا.

و يجب رعاية الترتيب، فالمقيم إذا عيّن الظهر بعد الصبح، ردد ثنائيا بين العصر و العشاء مرتين، إحداهما قبل المغرب، و الأخرى بعدها، و لا يجوز تواليهما، لاختلال الترتيب بين المغرب و العشاء، و إن عيّن العصر أطلق ثنائيا بين الظهر و العشاء مرتين، إحداهما بعد الصبح و قبل العصر، و الأخرى بعد المغرب، و لا يجوز تواليهما بعد العصر، و لا بعد المغرب، لفوات الترتيب بين الظهرين، و بين العشاءين، و إن عيّن العشاء، أطلق ثنائيا مرتين متواليتين، بين الظهر و العصر بعد الصبح، و قبل المغرب.

و إن كان مسافرا و عيّن الصبح، أطلق ثنائيا بين الظهر و العصر، و بين العصر و العشاء مرتين، إحداهما قبل المغرب، و الأخرى بعدها، و لا يجوز تواليهما قبل المغرب لفوات ترتيب العشاءين، و لا بعدها لفوات الترتيب بينها و بين إحدى الظهرين.

و إن عيّن الظهر، ردد ثنائيا بين الصبح و العصر قبل الظهر، فلا يجوز بعدها لفوات الترتيب بينها و بين الصبح، و لا يخل ذلك بالترتيب بينها و بين العصر، لأنه بتقدير فواتهما تصح العصر بالترديد الثاني بعد المغرب، و بين العصر و العشاء بعد المغرب، لا قبلها لفوات الترتيب بينها و بين العشاء، و إن عيّن العصر أطلق ثنائيا قبلها بين الصبح و الظهر، و بين الظهر و العشاء بعد المغرب، و إن عيّن العشاء أطلق ثنائيا بين الصبح و الظهر، و بين الظهر و العصر قبل المغرب، تحصيلا للترتيب بينها و بين واحدة من الثلاث قبلها.

و وجه القرب: أنه طريق صالح لبراءة الذمة، فإنه يجوز له كل من الإطلاق و التعيين منفردين، أما الإطلاق فقد تقدم توجيهه، و أما التعيين فلتضمنه الواجب و زيادة، و يختل عدم الجزم بالنية على تقدير التعيين، فيلزمه الإطلاق، حيث يمكن تحصيلا للجزم بحسب الإمكان.

أما ما لا يمكن كالصبح و المغرب و في فرض المقيم فلا طريق إلى البراءة منهما الا التعيين فضعيف، لأن الجزم إنما يجب مع العلم، أما مع عدمه فلا، و لأن وجوبها من باب المقدمة يدفع هذا الخيال لتحقق الوجوب قطعا، و جواز الإطلاق لا ينافي ذلك، لأن كلّا منهما طريق للبراءة، فيكون وجوبه تخييريا، و لأن الظاهر أن العدول عن‌

244
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في أحكامه ؛ ج 1، ص : 232

..........

______________________________
التعيين إنما هو رخصة و تسهيل لا لمصادفة النيّة ما في الذمة، و إذا جازا منفردين فكذا مجتمعين، لوجود المقتضي- و هو إجزاؤهما منفردين- و انتفاء المانع، إذ ليس إلا اجتماعهما، و هو غير صالح للمانعية.

و يحتمل ضعيفا عدم الجواز، لعدم حصول فائدة به، لانتفاء التخفيف بحذف بعض الفرائض لوجوب ثالثة، و لعدم الجزم بحسب ما يمكن بمصادفة النيّة ما في الذمة لتعيين واحدة، و ما انتفت فائدته ينبغي عدم جوازه، و الحق- كما قال شيخنا في الذكرى- إنه تكلف محض لا فائدة فيه، بل لا ينبغي فعله «1».

و اعلم أنه يجب أن يقرأ التعيين في قول المصنف: (و الأقرب جواز إطلاق النيّة فيهما، و التعيين) بالنصب على أنه مفعول معه، و أن الواو بمعنى مع لا عاطفة، لعدم كون العبارة نصا في المراد، إلا على هذا التقدير، إذ لا يراد فيها جواز الإطلاق، و جواز التعيين ليكون ردا على أبي الصلاح «2»، كما ذكره الشارحان الفاضلان «3».

أمّا أولا: فلأن خلاف أبي الصلاح جار في مسائل الباب كلها، فتخصيص رده بهذا الموضع لا وجه له، فان المناسب إما تقديمه ليجري عليه باقي المسائل، أو التعرض لرده في الجميع.

و أما ثانيا: فلأن الفاء في قوله: (فيأتي بثالثة) تقتضي كون الإتيان بفريضة ثالثة متفرعا على الأقرب، و ما في حيزه، و لا يستقيم إلا إذا أريد الجمع بين الأمرين معا، لأن الإطلاق لا يقتضيه.

و أما ثالثا: فلأن قوله: (و يتخير بين تعيين الظهر، أو العصر، أو العشاء.)

لا ينطبق إلا على ما ذكرناه، لأنه جمع فيه بين التعيين و الإطلاق، و لا يستقيم ذلك مع الإطلاق وحده، و لا مع التعيين وحده، و لأن معنى قوله: (فيطلق بين الباقيتين) إطلاقه بين الفريضتين الباقيتين، من المزيد عليهما الثالثة بعد تعيين واحدة منهما، و لا ينتظم هذا إلا على ذلك التقدير.

______________________________
(1) الذكرى: 99.

(2) الكافي في الفقه: 150.

(3) انظر: إيضاح لفوائد 1: 44، و الفاضل عميد الدين في كتابه و هو غير متوفر.

245
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في أحكامه ؛ ج 1، ص : 232

..........

______________________________
و لأن الضمير في (يتخير) لا مرجع له بدون ما ذكرناه، إذ لا يستقيم عوده إلى المكلف باعتبار جواز الإطلاق له و هو ظاهر، و لا باعتبار التعيين، لأن المتبادر منه تعيين الجميع فلا يطابق، و لو جعل أعم من تعيين الجميع و البعض، لكان فيه- مع اختلاف مرجع الضمير فيه، و فيما قبله- فوات النظم العربي، لأن التقدير حينئذ: و الأقرب جواز الإطلاق فيهما له، و جواز تعيين الصادق بتعيين الكل، و تعيين البعض خاصة، فيأتي على تقدير التعيين بمعنييه بثالثة، و يتخير من أراد التعيين في البعض خاصة الى آخره، و هذا كلام متهافت، منحط عن درجة الاعتبار.

و أما رابعا، فلأن قوله: (و له الإطلاق الثنائي فيكتفي بالمرتين) يكون مستدركا، على تقدير أن يراد جواز كل منهما، مع ما فيه من اختلال النظم، لأن الإطلاق الثنائي هو المراد بقوله: (و الأقرب جواز إطلاق النيّة فيهما) حينئذ.

و ما ذكره الفاضل عميد الدين من أن المراد بالإطلاق الأول الثلاثي، بأن يطلق في كل من الفريضتين بين الثلاث- أعني الظهرين و العشاء- و يكون قوله بعد:

(و له الإطلاق الثنائي) بيانا لأقل ما يجزئ تكلف لا حاصل له، لأن الإطلاق في الفوائت هو عبارة عن الترديد بينها مع رعاية التوزيع على ما وقع فيه الاشتباه إذا كان المردد فيه متعددا، بأن يطرح في الترديد الثاني ما بدأ به في الأول و يزيد على آخره أخرى.

مثلا في هذه المسألة المردد فيه رباعيتان، و الترديد بين الرباعيات الثلاث لاحتمال كون الفائتين منها، فيوزع الترديد بين الثلاث على الرباعيتين، فيكون ترديد كل رباعية بين اثنتين، و لا يتم إلا بما ذكرناه، فلو كان الفائت الاولى و الثالثة، صحتا بالترديد الأول و الثاني، و لو ردد في كل من الرباعيتين بين الثلاث، لكان الزائد على ما ذكرناه لغوا لا فائدة فيه أصلا، و المطلوب بيان ما به تتحقق البراءة.

فإن قلت: التكرار لازم على ما قدّرت أيضا، لأنه قد سبق وجوب أربع صلوات على الحاضر، و لا يكون إلا كذلك، فاعادتها تكرار.

قلت: ليس كذلك، لأنه لما ذكر وجوب الأربع على الحاضر، و الثلاث على المسافر، أراد أنّ يبين كيفية أدائها، فذكر له كيفيتين: إحداهما الجمع في كل من‌

246
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في أحكامه ؛ ج 1، ص : 232

و لو كان الترك من طهارتين في يومين، (1) فان ذكر التفريق صلّى عن كل يوم ثلاث صلوات،

______________________________
الرباعيتين و الثنائيتين، بين الإطلاق و التعيين، فيأتي بثالثة الى آخره.

و الثانية: الاقتصار على الإطلاق، و ترك ذكر التعيين في الجميع، لأن جواز الإطلاق و التعيين يقتضي جوازه بطريق أولى، و لأنا لا نعلم في جوازه مخالفا، فكان الأهم بيان ما هو مختلف فيه، كما سبق في الصورة التي قبلها.

فان قلت: قوله: (و يتخير بين تعيين الظهر أو العصر.) و قوله: (و له الإطلاق الثنائي) لا ينطبق على المسافر، لأنه يتخير بين تعيين إحدى الثلاث أو الصبح، و إذا اقتصر على الإطلاق فإطلاقه ثلاثي لا ثنائي.

قلت: لما لم ينطبق على حكمهما عبارة واحدة اقتصر على بيان حكم المقيم و ترك حكم المسافر، لأنه يعلم بالمقايسة بأدنى تأمل.

فإن قلت: كيف تقدير العبارة ليزول عنها الإجمال و الخفاء، و يندفع و هم المتوهمين فيها؟

قلت: تقديرها هكذا: و لو كان الإخلال السابق من طهارتين في جملة طهارات يوم و الحال في أدائها كما سبق صلّى أربعا، و المسافر ثلاثا، مراعيا للترتيب، بتقديم الصبح، و توسيط المغرب بين الرباعيتين و الثنائيتين.

و الأقرب في كيفية أداء كل من الرباعيتين و الثنائيتين، جواز الجمع بين إطلاق النيّة و التعيين، بحيث يكونان معا، فيتعين عليه حينئذ أن يأتي برباعية أو ثنائية ثالثة، لأن إحداهما إذا عينت لم يكف الأخرى في يقين البراءة، و يتخير الحاضر بين تعيين الظهر، أو العصر، أو العشاء، فائتها عيّن أطلق بين الباقيتين، مراعيا للترتيب الذي لا تتحقق البراءة إلا به.

و له كيفية أخرى في أدائهما، و هي الإطلاق فيهما ثنائيا بين الرباعيات الثلاث، فيكتفي بالمرتين، و لا حاجة إلى الفريضة الثالثة، و منه يستفاد حكم المسافر، و اللَّه أعلم.

قوله: (و لو كان الترك من طهارتين في يومين.).

(1) هذه هي الصورة الرابعة، و تحقيقها: أن يكون الترك المذكور من طهارتين،

247
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في أحكامه ؛ ج 1، ص : 232

..........

______________________________
و الشك في طهارات صلوات يومين، و هي تنقسم إلى أقسام ثلاثة، لأنه إما أن يعلم التفريق- أي: تفريق الطهارتين المختلفين في اليومين-، أو يذكر جمعهما في يوم، أو يجهل كلا من الجمع و التفريق.

و ربما أورد على العبارة عدم صدقها على غير الصورة الأولى، لأن معنى قوله:

(و لو كان الترك من طهارتين في يومين) كونهما في اليومين، فكيف يحتمل الجمع في يوم أو الجهل بالجمع و التفريق؟ و جوابه أن العبارة- إذا نزلت على ما ذكرناه- تكون شاملة للأقسام الثلاثة حينئذ، و لا بعد في ذلك مع مساعدة المقام، و قد سبق في العبارة ما ينبه على ما هنا، و هو قوله في الصورة الثانية: (و لو كان الشك في صلاة يوم.).

القسم الأول: أن يذكر التفريق، فيجب أن يصلي بحسب حال اليومين، باعتبار وجوب التمام فيهما، أو القصر، أو بالتفريق، أو ثبوت التخيير، و صور ذلك عشر، و المصنف ذكر حكم واحدة و أحال الباقي على ما سبق:

أ: أن يكون متما فيهما حتما، فيجب أن يصلي عن كل يوم ثلاث صلوات:

صبحا، و مغربا، و رباعية، يطلق فيها ثلاثيا بين الظهر و العصر و العشاء، فيحصل له من كل ثلاث واحدة.

ب: أن يكون مقصرا فيهما حتما، فيجب أن يصلي عن كل يوم صلاتين مغربا، و ثنائية يطلق فيها رباعيا بين البواقي، ليحصل له من كل صلاتين واحدة.

ج: أن يكون متما في أحدهما حتما، مقصرا في الآخر حتما، فيصلي ثلاثا و اثنتين، مرتبا بين اليومين إن علم السابق.

د: أن يكون متما في أحدهما حتما، مخيّرا في الآخر، و يختار التمام، فكالاولى.

ه‍: الصورة بحالها و يختار القصر فكالثالثة.

و: أن يكون مقصرا في أحدهما حتما مخيرا في الآخر و يختار القصر، فكالثانية.

ز: الصورة بحالها و يختار التمام، فكالثالثة.

ح: أن يكون مخيرا فيهما و يختار التمام، فكالأولى.

ط: الصورة بحالها و يختار القصر فيهما فكالثانية.

248
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في أحكامه ؛ ج 1، ص : 232

و إن ذكر جمعهما في يوم و اشتبه صلّى أربعا.

و تظهر الفائدة في إتمام أحد اليومين، و تقصير الآخر حتما، أو بالتخيير فيزيد ثنائية، و وجوب تقديم فائتة اليوم على حاضرته لا غير. (1)

______________________________
ي: الصورة بحالها و يختار القصر في أحدهما و التمام في الآخر فكالثالثة، و ذلك كله بعد الإحاطة بما سبق ظاهر.

قوله: (و إن ذكر جمعهما في يوم و اشتبه- إلى قوله- لا غير).

(1) هذا هو القسم الثاني من أقسام الصورة الرابعة، و تحقيقه: أن يذكر اجتماع الطهارتين المختلّتين في طهارات صلوات يوم من اليومين المذكورين، و يشتبه اليوم المتروك فيه باليوم الآخر، و صوره العشر السالفة أيضا.

أ: أن يكون متمّا فيهما حتما، فيجب أن يصلي أربعا: صبحا، و رباعيتين بينهما المغرب.

ب: أن يكون مقصرا فيهما حتما، فيصلي ثنائيتين و المغرب بينهما.

ج: أن يكون متمّا في أحدهما حتما، مقصرا في الآخر حتما، فيصلي خمسا:

ثنائية يطلق (فيها) ثلاثيا بين الصبح، و الظهر، و العصر، ثم رباعية يطلق فيها ثنائيا بين الظهر، و العصر، ثم مغربا، و رباعية يطلق فيها بين العصر و العشاء، و ثنائية يطلق فيها بينهما و بين الظهر، مراعيا هذا الترتيب فيما عطف ب‍ (ثم)، لتوقف يقين البراءة عليه، فلو لم يبدأ بالثنائية لم يتحقق الترتيب بين الصبح و ما بعدها.

د: أن يكون متما في أحدهما حتما، مخيرا في الآخر و يختار التمام، فكالأولى.

ه‍: الصورة بحالها و يختار القصر، فكالثالثة.

و: أن يكون مقصرا في أحدهما حتما مخيرا في الآخر و يختار القصر، فكالثانية.

ز: الصورة بحالها و يختار التمام، فكالثالثة.

ح: أن يكون مخيّرا فيهما و يختار التمام فيهما، فكالاولى.

ط: الصورة بحالها و يختار القصر فيهما، فكالثانية.

ي: الصورة بحالها و يختار التمام في أحدهما و القصر في الأخر، فكالثالثة.

إذا تقرر ذلك فهنا مباحث:

249
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في أحكامه ؛ ج 1، ص : 232

..........

______________________________
أ: إنما تكون صور هذه المسألة و التي قبلها عشرا مع استواء الأيام و تفاوتها في التمام، و القصر، و التخيير، أما إذا كان الاستواء و التفاوت بالنسبة إلى الصلوات فان الصور تزيد على ذلك، و حكمها يعلم مما سبق.

ب: قد يقال: قول المصنف: (صلى أربعا) وقع جوابا للشرط- أعني: قوله:

(و إن ذكر جمعهما)- فيجب أن يكون واردا على جميع الصور المندرجة تحته- و هي العشر السالفة- و ظاهر أنه ليس كذلك.

و يمكن أن يجاب: بأن المصنف اقتصر على بيان حكم التمام لأنه الغالب، و ذكر في الفائدة حكم اجتماع القصر و التمام، بأن يضم إلى الأربع ثنائية، و أحال حكم الباقي على النظر و التأمل، فإنه يظهر بأدنى تأمل، إذ لم يبق سوى حكم القصر، و هو ظاهر مما مضى.

ج: أشار بقوله: (و تظهر الفائدة) إلى جواب سؤال مقدر، تقديره أي فائدة لقولكم: (و اشتبه)؟ فإنه لا فارق بين صلوات كل من ليومين، ثم ان هذه متكررة لا فائدة لذكرها لتقدم بيان حكمها في الصورة الثالثة.

أجاب- رحمه اللَّه تعالى-: بأن فائدة الاشتباه تظهر في ثلاثة مواضع، و بالتقييد بالاشتباه و بيان فائدته يخرج عن التكرار.

الأول من المواضع: أن يكون أحد اليومين تماما حتما و الآخر قصرا حتما، فقوله: (حتما) ينازعه كل من التمام و القصر، فهو إما مصدر حذف عامله، أو حال من أحدهما، و العامل فيه محذوف مدلول عليه بالمعنى، لأن الكلام في وجوب التمام و القصر، و أيهما جعلته حالا منه قدّرت حذفه، و حذف عامله من الآخر.

لكن في التعبير بالتمام و القصر- هنا- مناقشة لطيفة، لأن أحدهما قاصر و الآخر متعد، فيجب تقدير العامل على وجه مختلف، و حكمه وجوب زيادة ثنائية على الأربع المذكورة في كلامه على ما بيناه فيما تقدم.

الموضع الثاني: أن يكون التمام أو القصر بالتخيير، فالجار في قوله: (أو بالتخيير) متعلق بمحذوف وجوبا، على أنه حال من التمام و التقصير و تحته صور ثلاث: أن يكونا معا مخيرا فيهما، أن يكون أحدهما تماما و الآخر مخيرا فيه، أن يكون أحدهما قصرا و الآخر‌

250
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في أحكامه ؛ ج 1، ص : 232

و لو جهل الجمع و التفريق صلّى عن كل يوم ثلاث صلوات، (1)

______________________________
مخيرا فيه، كأنه قيل: أو بالتخيير فيهما، أو في أحدهما، و قد تقدم حكم ذلك كله.

الموضع الثالث: وجوب تقديم فائتة اليوم على حاضرته على القول به، و ذلك فيما إذا حصل الاشتباه المذكور في وقت العشاء الآخرة من اليوم الثاني، فإنه يجب عليه:

ان كان مقيما- أن يصلي صبحا، و رباعية مطلقة ثنائيا بين الظهر و العصر قضاء فيهما، و مغربا مرددة بين الأداء و القضاء، إذ على تقدير فواتها يحتمل أن يكون من يومه كما يحتمل أن يكون من أمسه، و رباعية مطلقة ثنائيا بين العصر قضاء، و العشاء أداء و قضاء، لما قلناه في المغرب و قول المصنف: (لا غير) معطوف على ما قبله: و بنى (غير) لقطعه عن الإضافة ظاهرا مع نيّتها، و المضاف إليه ما دل عليه الكلام السابق، و التقدير: و تظهر فائدة الاشتباه المذكور أيضا في وجوب تقديم فائتة اليوم على حاضرته على القول به كما هو رأي المصنف، فإنه قد يتفق ذلك في بعض الصور- و هو ما إذا تذكر في وقت العشاء الآخرة من اليوم الثاني كما نبهنا عليه، و إن أهمله المصنف- لا غير، أي: لا على غير هذا القول.

و يحتمل أن يكون التقدير: تظهر فائدة الاشتباه في هذه المواضع الثلاثة لا في غيرها، فعلى الأول يكون معطوفا على محذوف- و هو الذي قدرناه بقولنا: على القول به-، و على الثاني يكون معطوفا على ما دل عليه الكلام، و الأول ألصق بالمقام، و أوفق للمرام، فانّ انحصار الفائدة في هذه الأمور لا يترتب عليه غرض، بخلاف بيان موضع الفائدة الثالثة، لأنها إنما تتم على القول المذكور، إذ لو قيل بالتوسعة المحضة في فائتة اليوم و غيرها لم يكن فرق بين كون الفائت من يومه أو أمسه، فيتطهر لإمكان كون الخلل من طهارته الأخيرة، و يصلي المغرب و العشاء أداء لعدم يقين البراءة منهما، و يأتي بالباقي متى أراد، و على القول بالمضايقة المحضة تجب المبادرة على كل حال و إن لم يتذكر إلا بعد فوات اليومين.

قوله: (و لو جهل الجمع و التفريق صلّى عن كل يوم ثلاث صلوات).

(1) هذا هو القسم الثالث من الصورة الرابعة، و تحقيقه: أنه إذا جهل اجتماع الطهارتين المختلفين في يوم واحد من اليومين، و تفريقهما فيهما فجوّز كلا من الأمرين، فإن كان مقيما صلى عن كل يوم ثلاث صلوات، لأنهما إن كانتا مجتمعتين في يوم لزمه‌

251
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في أحكامه ؛ ج 1، ص : 232

و كذا البحث لو توضأ خمسا لكل صلاة طهارة عن حدث، ثم ذكر تخلل حدث بين الطهارة و الصلاة و اشتبه.

و لو صلّى الخمس بثلاث طهارات، فان جمع بين الرباعيتين بطهارة صلّى أربعا صبحا و مغربا و أربعا مرتين، و المسافر يجتزي بثنائيتين و المغرب بينهما و إلّا اكتفى بالثلاث. (1)

______________________________
أربع، و إن كانتا متفرقتين لزمه ست، فمع الجهل يتوقف يقين البراءة على الإتيان بالأكثر، و إن كان مقصرا لزمه عن كل يوم اثنتان، و إن كان متما في أحدهما مقصرا في الآخر لزمه الإتيان بست: أربع عن أحدهما، و اثنتين عن الآخر، لإمكان اجتماعهما في يوم التمام، و كون المختل طهارتي الرباعيتين.

و إذا أفرد صلوات أحد اليومين عن الآخر، مراعيا تقديم ما يجب للأول، مع تقديم الصبح فيه، و توسيط إحدى المغربين بين الرباعيتين أو الثنائيتين اللتين في اليومين، إن كان متما فيهما معا أو مقصرا، و بين الرباعيتين و الثنائيتين معا إن كان متما في أحدهما مقصرا في الآخر، فقد حصل الترتيب على كل من تقديري الجمع و التفريق، و من هذا يظهر حكم التخيير بأقسامه، و كل ذلك- بعد معرفة ما سبق- معلوم.

قوله: (و كذا البحث لو توضأ خمسا (إلى قوله) و الا اكتفى بالثلاث).

(1) هنا مسألتان:

الأولى: لو توضأ لكل صلاة وضوء مستقلا- أي: عن حدث- ثم ذكر أنه قد تخلل حدث بين بعض تلك الطهارات و صلواتها، و لم يعلمها بعينها، فان جميع ما تقدم من الصور، و الأحكام، و وجوب إعادة الطهارة آت هنا، لعدم الفرق بين الإخلال من الطهارة بعضو مع جفاف ما تقدم، و بين تخلل الحدث بينها و بين الصلاة.

الثانية: لو صلى الخمس بثلاث طهارات، فان جمع بين رباعيتين بطهارة، كأن صلّى الصبح بطهارة و الظهرين بثانية و العشاءين بثالثة، أو الصبح بطهارة و الظهر بثانية و الباقي بثالثة و نحو هذا، لم يتيقن البراءة بدون أن يصلي أربعا لجواز فساد طهارة الرباعيتين. و يجب تقديم الرباعيتين معا على المغرب، و تأخيرهما عن الصبح و لو صلّى الصبح بطهارة، و الظهرين و المغرب بطهارة، و العشاء بطهارة، لجواز فساد الطهارة‌

252
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في أحكامه ؛ ج 1، ص : 232

و تجب الطهارة بماء مملوك، أو مباح (1) طاهر، و لو جهل غصبية الماء صحت طهارته، و جاهل الحكم لا يعذر، (2)

______________________________
الثانية.

أما لو لم يجمع بينهما بطهارة فإنه يجزئه الثلاث، لأن أقصى ما يمكن فساد طهارة إحدى الرباعيات مع فريضة أخرى ثنائية أو ثلاثية، فيخرج عن العهدة بالثلاث، و لو لم يعلم واحدا من الأمرين فلا بد من الأربع، لعدم يقين البراءة بدونه.

و عبارة الكتاب مختلة بالنسبة إلى هذا القسم، لاندراجه في قوله: (و إلا اكتفى بالثلاث) نظرا إلى أن قوله: (فان جمع بين الرباعيتين.) منزّل على العلم بذلك، أي: فان علم أنه جمع إلى آخره، لامتناع وجوب صلوات أربع ظاهرا، و في نفس الأمر بدون هذا العلم، فيكون قوله: (و إلا اكتفى بالثلاث) شاملا للقسم الثالث، فيحصل الاختلال.

و لو نزّلت على وقوع ذلك- و إن لم يعلم- لزم الاختلال أيضا، لأن قوله: (و إلا اكتفى بالثلاث) معناه حينئذ: و إن لم يجمع بينهما بحسب الواقع اكتفى بالثلاث، سواء علم بذلك أم لا، و في صورة جهل الحال لا بد من الأربع، و اللام- في قوله: (فان جمع بين الرباعيتين)- للجنس. هذا إذا كان متما، فلو كان مقصرا، أو مخيرا فحكمه معلوم مما سبق.

فرع: وجوب الجهر و الإخفات في مواضع التعيين، بالنسبة إلى جميع ما تقدم بحاله، أما في مواضع الإطلاق فإنه يتخير بينهما، لعدم إمكان الجمع، و لا ترجيح.

قوله: (و تجب الطهارة بماء مملوك، أو مباح).

(1) إن أريد بالمباح: المأذون في استعماله شرعا- و هو معناه الأعم- أغنى عن ذكر مملوك، أو مباح الأصل خرج عنه بعض الأقسام، و هو ما أذن فيه مالكه لمعين، أو مطلقا، و لا ريب أنه يكفي في الإباحة كونها بحسب الظاهر، إذ هو مناط التكليف، و قد سبق ذكر اشتراط إباحة مكان الطهارة في أحكام الأواني استطرادا، فلم يحتج إلى إعادته هنا.

قوله: (و جاهل الحكم لا يعذر).

(2) المراد به: الحكم التكليفي المتعلق بالغصب، كتحريم التصرف في المغصوب،

253
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المقصد الخامس: في غسل الجنابة ؛ ج 1، ص : 254

و لو سبق العلم فكالعالم. (1)

[المقصد الخامس: في غسل الجنابة]

المقصد الخامس: في غسل الجنابة، و فيه فصلان: (2)

______________________________
أو الحكم الوضعي كبطلان الطهارة به، لأنه مخاطب بالتعلم على الفور، فتقصيره لا يعد عذرا.

قوله: (و لو سبق العلم فكالعالم).

(1) في هذه العبارة تسامح، لأن من سبق منه العلم عالم و إن طرأ عليه النسيان، لا كالعالم، و كأنه أراد بالعالم غير الناسي، و هذا القول من المصنف- أعني: أن ناسي الغصب حال الطهارة كالعالم به- مبني على أن الناسي مكلف، فيتوجه إليه النهي، لأن النسيان إنما عرض من تفريطه بقلة التكرار الموجب للتذكار. و هو ضعيف، لامتناع تكليف الغافل، و سيأتي تمام الكلام على تكليف الناسي في باب الصلاة، و الأصح عدم وجوب الإعادة، و إن كانت أحوط.

فرع: لو علم الجاهل بالغصب في أثناء الطهارة، فإن بقي شي‌ء لم يغسل امتنع الغسل بذلك الماء قطعا، و إن استوفى الغسل، فهل يجوز المسح بذلك الماء؟ قيل:

نعم «1»، لأنه في حكم التالف، و هو قوي، فإن التلف عادة موجب للبدل و لا يثبت العوض و المعوض لواحد، و لأنه لو تذكر لم يجب بمجرد تذكره جمعه عن الأعضاء بحسب الممكن، نظرا إلى العادة، و لا يمنع صحة الصلاة وجود ذلك البلل، و إن كان الاجتناب أولى، و من الماء المغصوب ما استنبط من أرض مغصوبة، كما صرح به في الذكرى «2»، لا الوقف العام إذا غير عن وضعه، أو استولى عليه شخص من المستحقين عدوانا، و إن أثم.

قوله: (المقصد الخامس: في غسل الجنابة، و فيه فصلان).

(2) كان حقّه أن يجعل المقصد في الغسل كما جعله في الوضوء، لأن غسل الجنابة قسم من الغسل الّذي هو نظير الوضوء، و كأنّه لما تعددت أقسام الغسل، و انتشرت أحكام الأقسام أفرد كلا منها بمقصد يخصّه.

______________________________
(1) نقل صاحب مفتاح الكرامة 1: 303 هذا القول عن الشيخ نجيب الدين.

(2) الذكرى: 12.

254
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في سببه و كيفيته ؛ ج 1، ص : 255

 

[الأول: في سببه و كيفيّته]

الأول: في سببه و كيفيّته.

[الجنابة تحصل]

الجنابة تحصل للرجل و المرأة بأمرين: إنزال المني مطلقا، (1) و صفاته الخاصة: رائحة الطلع، (2) و التلذذ بخروجه، و التدفق. فان اشتبه اعتبر بالدفق و الشهوة، (3) و تكفي الشهوة في المريض،

______________________________
قوله: (الأوّل: في سببه و كيفيته. الجنابة تحصل للرجل و المرأة بأمرين:

إنزال المني مطلقا).

(1) قد يقال: الفصل في سبب الغسل، و الّذي بينه هو سبب الجنابة. و يجاب: بأنّ المراد، إنّما هو بيان سبب الجنابة، لأن كون الجنابة سبب الغسل قد علم فيما سبق، فلم يحتج إلى إعادته، و لم يذكر المصنّف ما به تحصل الجنابة للخنثى، و كان عليه أن يذكرها.

و إنّما تحصل الجنابة للخنثى بإنزال الماء من الفرجين، لا من أحدهما خاصّة، إلّا مع الاعتياد، و بإيلاج الواضح في دبرها دون الخنثى، و لو أولج في قبلها، فعند المصنّف يجب الغسل، صرّح به في التّذكرة «1»، لصدق التقاء الختانين، و فيه منع لجواز زيادته.

و لو توالج الخنثيان فلا شي‌ء، و لو أولج واضح في قبلها، و أولجت هي في قبل امراة، فالخنثى جنب لامتناع الخلو عن الذكورة و الأنوثة، و الرجل و المرأة كواجدي المني في الثّوب المشترك.

قوله: (و صفاته الخاصّة رائحة الطلع).

(2) أي: طلع النخل، و قريب منه رائحة العجين، و ذلك ما دام رطبا، فإذا جف فرائحة بياض البيض.

قوله: (فان اشتبه اعتبر بالدفق و الشهوة).

(3) هذه الصفات إنّما تعتبر حال اعتدال الطّبع، و هي متلازمة حينئذ، و لو تجرد عن بعضها، فإنّما يكون لعارض، و حينئذ فوجود البعض- و إن كان هو الرّائحة وحدها-

______________________________
(1) التذكرة 1: 22.

 

255
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الجنابة تحصل ؛ ج 1، ص : 255

فإن تجرّد عنهما (1) لم يجب الغسل إلّا مع العلم بأنه مني. (2)

و غيبوبة الحشفة في فرج آدمي قبل أو دبر، ذكر أو أنثى، (3)

______________________________
كاف، و قد نبه عليه في المريض، فان تجرّد منّيه عن الدفق لعارض- و هو ضعف القوّة- غير قادح في تعلق الحكم به.

و إنّما ذكر في الصفات التلذذ بخروجه، و هنا الشّهوة، للإشعار بأنّهما في حكم صفة واحدة، و ذلك لتلازمهما، فإذا ذكرت إحداهما فكأنّما ذكرت الأخرى «1».

قوله: (فان تجرد عنهما.).

(1) الضّمير يعود إلى كل من خاصتي المريض و الصّحيح، فإنّهما اثنتان في النّوع، و إن كانت إحداهما متّحدة و الأخرى متعدّدة، و هو مرجع معنوي، كما في قوله تعالى:

(وَ إِنَّهُمٰا لَبِإِمٰامٍ مُبِينٍ)، بعد قوله سبحانه (وَ إِنْ كٰانَ أَصْحٰابُ الْأَيْكَةِ لَظٰالِمِينَ فَانْتَقَمْنٰا مِنْهُمْ) «2» فان الضّمير يرجع إلى القصتين، المدلول عليهما بما سبق.

و لا ينبغي حمل العبارة على غير ذلك، لأنه يقتضي عدم وجوب الغسل مع وجود الرائحة فقط، و هو باطل بغير خلاف لما قدمناه من تلازم الصفات إلا لعارض، فوجود بعضها كاف.

قوله: (لم يجب الغسل، إلّا أن يعلم أنه مني).

(2) و ذلك لأن الحكم تابع لخروج المني، لا لوجود الصّفات، فلو أحس بانتقال المني فأمسك نفسه، ثم خرج بعده بغير شهوة و لا فتور تعلق به الوجوب.

قوله: (قبل أو دبر، ذكر أو أنثى).

(3) كان حقّه أن يقول: لذكر أو أنثى، لأن الفرج لا يكون ذكرا و لا أنثى، و الخلاف في الدّبر للأنثى و الذّكر، و الأصحّ وجوب الغسل لغيبوبة الحشفة فيهما.

أما دبر المرأة، فلقول الصادق عليه السّلام: «هو أحد المأتيين، فيه الغسل» «3»، و لفحوى قول علي عليه السّلام، في الإنكار على الأنصار،: «أ توجبون عليه‌

______________________________
(1) في هامش نسخة «ح»: و يلوح من عبارة المصنّف ان المعتبر عند الاشتباه انما هو الدفق و الشهوة، دون باقي الصفات، و ليس بجيّد. «منه مدّ ظله».

(2) الحجر 15: 78، 79.

(3) الاستبصار 1: 112 حديث 373.

256
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الجنابة تحصل ؛ ج 1، ص : 255

حي أو ميّت، (1) أنزل معه أو لا، فاعلا أو مفعولا (2) على رأي، و لا يجب في فرج البهيمة إلّا مع الانزال. (3)

______________________________
الجلد و الرّجم، و لا توجبون عليه صاعا من ماء»
«1»، و لنقل المرتضى الإجماع «2»، و أما دبر الذّكر فلفحوى الإنكار السّابق، و لدعوى المرتضى الإجماع المركّب، باعتبار أن كل من أوجب الغسل بالغيبوبة في دبر المرأة، أوجبه في دبر الذكر، و كل من نفى نفى، فيلزم من إيجابه في الأوّل إيجابه هنا، و لا يضرّ قدح المحقّق بأنه لم يثبت «3»، لأن الإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة.

قوله: (حيّ أو ميت).

(1) أي: هذا التغييب لحيّ أو ميّت و إلا لم يستقم، فان غيّب الحيّ في الميّت، أو استدخل آلته وجب الغسل على الأصح استصحابا للحكم الثّابت في حال الحياة، و لصدق الختان، و كذا: لا فرق بين الطائع و المكره، و النائم و المستيقظ للعموم.

قوله: (فاعلا أو مفعولا).

(2) لا يخفى، أن الميّت مستثنى من هذا الحكم لانتفاء التّكليف في حقّه، و لا يخفى أيضا ما في هذه العبارة كلّها من التكلف، و لو قال: بالغا أولا، لكان حسنا، لأن الصّبي و الصّبية يتعلق بهما حكم الحدث بالتغيب المذكور، بالنسبة إلى البالغ و غيره، و إن لم يتعلّق بهما الوجوب و الحرمة، فيمنعهما الولي من نحو الصّلاة و المساجد، و يأمرهما بالغسل تمرينا، فيستبيحان ما يستبيحه البالغ، كالحدث الأصغر، و تجب الإعادة بعد البلوغ لانتفاء الشرعية عن السّابق.

قوله: (و لا يجب في فرج البهيمة، إلّا مع الإنزال).

(3) لا نصّ للأصحاب بالإتيان في فرج البهيمة، و قول بعض الأصحاب بالوجوب «4» لا يخلو من ضعف، لعدم المستند، و حمله على المرأة قياس، و صدق الختان‌

______________________________
(1) التهذيب 1: 119 حديث 314.

(2) الناصريات: 223.

(3) المعتبر 1: 148.

(4) منهم: الشيخ الطوسي في المبسوط 1: 270، و ذهب إليه العلامة في المختلف: 31 و أسنده إلى السيد المرتضى.

257
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الجنابة تحصل ؛ ج 1، ص : 255

و واجد المني على جسده أو ثوبه المختص به جنب، (1) بخلاف المشترك. (2)

______________________________
ممنوع، و حديث الأنصار
«1»، لا دلالة له هنا، فان مقتضاه ثبوت الغسل في كل موضع يثبت فيه الجلد و الرّجم، لا مطلقا، لكن الوجوب أحوط.

قوله: (و واجد المني على جسده، أو ثوبه المختصّ به جنب).

(1) المراد بكونه مختصّا به: أن لا يشركه فيه غيره على صورة الاجتماع فيه، و إن تعاقبا عليه، لاختصاص الحكم بصاحب النوبة، و تحقيق ما هناك: أن من وجد على بدنه، أو ثوبه المذكور المني المعهود، و لم يمتنع كونه منه وجب عليه الغسل و إن لم يتذكر احتلاما، لمقبولة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في الرّجل يرى في ثوبه المني بعد ما يصبح، و لم يكن رأي في منامه أنّه احتلم قال: «فليغتسل، و ليغسل ثوبه، و يعيد صلاته» «2».

و اعتبر في إيجاب الغسل عدم امتناع كون المني منه، إذ لو امتنع ذلك عادة، كأن وجد على ثوب صبي لا يمكن احتلامه، بخلاف من يمكن احتلامه كمن بلغ اثنتي عشرة سنة، كما ذكره المصنّف في المنتهى «3»، فإنه يحكم بكونه منه، و تلحقه أحكام الجنابة، و يحكم ببلوغه، و من هذا يعلم أن إطلاق العبارة لا بدّ من تقييده.

قوله: (بخلاف المشترك).

(2) أي: فإنه لا يجب الغسل على واحد من المشتركين بوجدان المني، و يتحقّق الاشتراك بكونهما معا دفعة مجتمعين فيه، كالكساء الّذي يفرش، أو يلتحف به، و كذا لو تعاقبا عليه و جهل صاحب النّوبة، و لا فرق في ذلك بين أن يكون وجدان المني بعد القيام، أو قبله مع حصول الاشتباه، خلافا للشّيخ «4»، فان اعتبار الاشتراك عنده مشروط بوجدانه بعد القيام.

و إنّما لم يجب لامتناعه، فان إيجابه عليهما يقتضي إيجاب الغسل بغير سبب، للقطع ببراءة أحدهما، و لا يكون تكليف مكلف مقدمة لتكليف آخر، و لأن كلّ واحد منهما متيقّن للطهارة شاك في الحدث، و إيجابه على واحد معلوم البطلان أيضا، فلم يبق‌

______________________________
(1) التهذيب 1: 119 حديث 314.

(2) الاستبصار 1: 111 حديث 367.

(3) المنتهى 1: 80.

(4) النهاية: 20.

258
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الجنابة تحصل ؛ ج 1، ص : 255

و يسقط الغسل عنهما، و لكل منهما الائتمام بالاخر على اشكال، (1) و يعيد كل صلاة لا يحتمل سبقها. (2)

______________________________
إلا السقوط، لكن يستحب لكل منهما الغسل الرافع، للقطع بأن أحدهما جنب، و ينويان الوجوب كما في كل احتياط، و لو علم المجنب منهما بعد ذلك فالوجه وجوب الإعادة.

قوله: (و لكل منهما الائتمام بالآخر على إشكال).

(1) ينشأ من سقوط اعتبار هذه الجنابة في نظر الشارع، و لهذا يجوز لكلّ منهما اللبث في المساجد، و قراءة العزائم، و كلّ مشروط بالطهارة، و لأن كلّ منهما متيقّن للطهارة شاك في الحدث، و لأن صلاة المأموم متوقفة على صحّة صلاة الإمام ظاهرا، و هو ظاهر اختيار المصنّف في المنتهى «1» و في جميع الدلائل نظر، لمنع الصغرى في الأوّل، و الكبرى في الأخيرين.

و من أن سقوط بعض أحكام الجنابة إنّما كان لتعذر العلم بالجنب المستلزم للمحذور، و هو منتف في موضع النزاع، لتردد حال المأموم بين كونه جنبا، أو مؤتما بجنب، و أيّا ما كان يلزم البطلان، و هذا مختار شيخنا الشهيد، و ولد المصنف «2»، و قطع به صاحب المعتبر «3» و هو الأقوى.

و ضابط ذلك أن كل فعل لا تتوقف صحّته من أحدهما على صحته من الآخر، و لو توقّف معية صحيح منهما، و ما كان متوقفا لابتنائه عليه كصلاة المأموم، أو لكونه لا يصحّ إلا معه كما في الجمعة إذا تم العدد بهما لا تصحّ المتوقّفة، ففي الأولى صلاة المأموم الّذي وقع له الاشتباه باطلة خاصّة، و أمّا في الثّانية فلا تصحّ الجمعة أصلا إذا علم الحال عند المصلين، و إلّا فصلاة من علم خاصّة، و كذا العيد الواجبة، و ما عدا ذلك من دخولهما إلى المسجد دفعة، و قراءتهما العزائم، و نحوه لا حجر فيه قطعا، و إن توهمه بعض القاصرين «4».

قوله: (و يعيد كلّ صلاة لا يحتمل سبقها).

(2) أي: يعيد واجد المني على ثوبه، أو بدنه كلّ صلاة لا يحتمل سبقها على‌

______________________________
(1) المنتهى 1: 81.

(2) إيضاح الفوائد 1: 46.

(3) المعتبر 1: 179.

(4) قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة 1: 310: (و ما وجدت من صرح به الا الصيمري في كشف الالتباس).

259
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الجنابة تحصل ؛ ج 1، ص : 255

و لو خرج مني الرجل من المرأة بعد الغسل لم يجب الغسل، إلّا أن تعلم خروج منيها معه، (1) و يجب الغسل بما يجب به الوضوء. (2)

______________________________
الاحتلام، فهذا من أحكام واجد المني، و ما بينهما معترض، و يندرج في ذلك ما علم سبقه، و ما شك فيه، فيعيد من آخر نومه لأصالة البراءة ممّا عداه، و أصالة صحّة ما فعله، و أصالة عدم تقدم المفسد.

و قال في المبسوط: يعيد جميع الصّلوات من آخر غسل رافع للحدث، «1» و كأنه ينظر إلى احتمال التقدّم فيوجب رعاية الاحتياط، و ليس بجيّد لما تقدّم، إلا أن يحمل على تعقب النّومة الأخيرة للغسل من غير فصل، أو على ما إذا لبس ثوبا و نام فيه، ثم نزعه و صلى في غيره أيّاما، ثم وجد المني فيه على وجه لا يحكم بكونه من غيره، فان في هذين الموضعين يتخرّج الحكم على القولين معا.

هذا بالنسبة إلى الحدث، أمّا بالنسبة إلى الخبث فلم يتعرض اليه المصنّف، و حكمه وجوب إعادة ما بقي وقته من الصّلوات المحكوم بتأخرها عن هذا الحدث لا ما خرج، بناء على إعادة الجاهل بالنّجاسة في الوقت، و تصويره منفكا عن الحدث في هذا الفرض دقيق.

قوله: (و لو خرج مني الرّجل من المرأة بعد الغسل لم يجب الغسل، إلّا أن يعلم خروج منيّها معه).

(1) لا كلام إذا علمت أحد الأمرين من خروج منيّها معه و عدمه، إنّما الكلام فيما إذا شكت، فظاهر العبارة عدم الوجوب، لأصالة البراءة و أصالة عدم الخروج، و قيل:

يجب «2» إذ الأصل في الخارج من المكلّف أن يتعلّق حكمه به إلى أن يتحقّق المسقط له، و لا بأس به لما فيه من الاحتياط، و تحقق البراءة معه.

قوله: (و يجب الغسل بما يجب به الوضوء).

(2) أي: بماء طاهر مملوك، أو في حكمه.

______________________________
(1) المبسوط 1: 28.

(2) قاله الشهيد في الدروس: 5.

260
جامع المقاصد في شرح القواعد1

و واجباته ؛ ج 1، ص : 261

[و واجباته]

و واجباته: النيّة عند أول الاغتسال، (1) و يجوز تقديمها عند غسل الكفّين مستدامة الحكم الى آخره، و غسل جميع البشرة بأقل اسمه بحيث يصل الماء الى منابت الشعر و إن كثف، (2) و تخليل كلّ ما لا يصل اليه الماء إلّا به، (3) و تقديم الرأس، ثم الجانب الأيمن، ثم الأيسر، (4)

______________________________
قوله: (و واجباته: النّية عند أوّل الاغتسال).

(1) أي: مقارنة لأوله، إمّا استحبابا، كعند غسل الكفين كما سبق في الوضوء، أو وجوبا مضيّقا، و هو عند ابتداء غسل جزء من العضو الأوّل- أعني: الرأس و الرقبة- و ربما أطلق على المجموع الرأس تغليبا، لأنّهما بمنزلة عضو واحد، و لا ترتيب في نفس الأعضاء، فلا حجر إذا نوى عند أي جزء كان من العضو الأوّل.

و يستفاد من قول المصنّف: (و يجوز تقديمها عند غسل الكفين) أن المراد بأول الاغتسال في العبارة أول الشّروع في غسل البدن، و ذكر المصنّف «1» و شيخنا الشّهيد «2» ما حاصله أن استحباب غسل اليدين هنا غير مقيّد بما سبق في الوضوء.

قوله: (بحيث يصل الماء إلى منابت الشّعر و ان كثف).

(2) لأن الحكم هنا منوط بالبشرة، أمّا الشّعر فلا يجب غسله إلّا أن يتوقّف غسل البشرة عليه كما سيأتي.

قوله: (و تخليل كل ما لا يصل إليه الماء إلّا به).

(3) لو قال: و تخليل كلّ ما لا يصل الماء إلى البشرة إلّا بتخليله كان أولى.

قوله: (و تقديم الرأس، ثم الجانب الأيمن، ثم الأيسر).

(4) المراد بالرأس هنا: الرأس المعروف مع الرّقبة تغليبا، و لا ريب أن الحدّ المشترك يجب غسله مع كلّ عضو من باب المقدّمة، و ما كان من الأعضاء متوسّطا بين الجانبين- و هو العورتان و السّرة- فلا ترجيح لغسله مع أحد الجانبين على الآخر، بل يتخيّر المكلّف في غسله مع أي جانب شاء، و غسله مع الجانبين أولى، و ليس من ذلك عظام الصّدر كما قد يتوهّم، إذ ليست هذه أعضاء عرفا.

______________________________
(1) قاله في المنتهى 1: 85.

(2) الذكرى: 104.

261
جامع المقاصد في شرح القواعد1

و واجباته ؛ ج 1، ص : 261

فان نكس أعاد على ما يحصل معه الترتيب، و لا ترتيب مع الارتماس و شبهه. (1)

______________________________
قوله: (و لا ترتيب مع الارتماس و شبهه).

(1) شبه الارتماس: الاغتسال تحت المطر الغزير، و الميزاب، و لا يعد ذلك ارتماسا، لأن المراد به التغطي بالماء، أخذا من الرمس، الّذي هو التغطية و الكتمان «1»، و في سقوط التّرتيب بهما معا خلاف بين الأصحاب، أظهره السّقوط بالأوّل خاصّة، لصحيحتي زرارة، و الحلبي، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام: «إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة وحدة أجزأه ذلك من غسله» «2».

وجه الاستدلال أن الارتماسة الواحدة عرفا لا تصدق مع المطر و الميزاب، و كذا مجرى الماء الضيق، بخلاف نحو النّهر الواسع و الحوض، فإنّه يسقط التّرتيب بالارتماس فيه كما قلناه.

و قيل: يترتّب حكما، ففسّر بوجوب اعتقاد المغتسل الترتيب، و ربما فسّر بأن الغسل يترتّب و إن لم يعتقده، و تظهر فائدة التّفسيرين فيمن وجد لمعة لم تغسل، فيعيد على الأوّل، و يغسلها على الثّاني، و في ناذر الغسل مرتّبا فيبرأ بالارتماس على الثّاني دون الأوّل، كذا قال في الذّكرى «3».

و ربّما توهم بعض الطّلبة، إن الارتماس عبارة عن شمول الماء البدن كلّه في زمان واحد، بحيث يحيط بالأسافل و الأعالي جملة، كما توهمه عبارة الألفيّة «4»، و ليس بشي‌ء، لأنّ المعتبر في الارتماس ما دلّ عليه الحديث، و هو ارتماسة واحدة عرفا، إذ لا يراد بالواحدة و الدّفعة في أمثال ذلك إلا المعنى العرفي، و لأن الارتماس شرّع تخفيفا كما يظهر من الأخبار «5»، و هذا المعنى مباين للتّخفيف مع تعذّره في بعض المكلّفين، و عبارات الأصحاب مشحونة بما ينافيه.

و بالجملة فهو أهون من أن نتصدّى لرده، فانّا لا نعلمه قولا لأحد من معتبري‌

______________________________
(1) لسان العرب (رمس) 6: 101.

(2) الكافي 3: 43 حديث 5، التهذيب 1: 148 حديث 422، 423، الاستبصار 1: 125 حديث 424.

(3) الذكرى: 102.

(4) الألفية: 31.

(5) الكافي 3: 43 حديث 5، التهذيب 1: 148 حديث 422، 423، الاستبصار 1: 125 حديث 424.

262
جامع المقاصد في شرح القواعد1

و واجباته ؛ ج 1، ص : 261

و في وجوب الغسل لنفسه أو لغيره خلاف. (1)

______________________________
الأصحاب، و لا يتوهّم دلالة شي‌ء من أصول المذهب عليه، و إنّما الّذي يكفي المكلّف أن يقارن بالنيّة شيئا من البدن، ثم يتبعه بالباقي منغمسا في الماء، ثم تخلل ما لا بد من تخليله.

قوله: (و في وجوب الغسل لنفسه أو لغيره خلاف).

(1) طال التّشاجر بين متأخري الأصحاب في أن غسل الجنابة هل هو واجب لنفسه، بمعنى أن حصول الجنابة كاف في وجوبه، أم وجوبه كغيره من الطهارات يتوقّف على وجوب الغاية الّتي تطلب لأجلها؟ فقال المصنّف «1» و جماعة «2»: بالوجوب، و قال المحقّق «3» و جماعة «4»: بالثاني.

و الّذي يقتضيه النّظر، أنّ الطّهارة لم تطلب عند الشّارع إلّا للعبادة المشروطة بها، كما ترشد إليه الآية في تصديرها بقوله جل اسمه: (إذا قمتم إلى الصّلاة فاغسلوا) «5».

و يشهد له إطباق الأصحاب على ذلك في باقي الطّهارات، و قطع النّظر عن جميع النظائر بمجرّد الحجج المحتملة بعيد عن انظار الفقهاء، و من ثم قال المحقّق في المسائل المصرية:

إخراج غسل الجنابة من دون ذلك تحكم بارد. و مما يؤيد ذلك، أن تضيّق وجوب الغسل و توسعته دائر مع تضيّق وقت تلك الغايات و توسعته، فإنه يشعر بأن وجوبها هو منشأ وجوبه.

و أمّا الدّلائل من الجانبين، فمرجعها من جانب أصحاب القول الأوّل إلى تعليق الأمر بالغسل على حصول الجنابة، في مثل قوله عليه السّلام: «إنّما الماء من الماء» «6»، و قوله عليه السّلام: «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل» «7»، و قوله تعالى:

______________________________
(1) مختلف الشيعة: 29، منتهى المطلب 1: 93.

(2) منهم: ابن حمزة في الوسيلة: 43، و ولد المصنف في إيضاح الفوائد 1: 47.

(3) المعتبر 1: 177، شرائع الإسلام 1: 11.

(4) منهم: الشيخ في المبسوط 1: 4، و ابن إدريس في السرائر: 6.

(5) المائدة: 6.

(6) صحيح مسلم 1: 269 حديث 80- 81، سنن ابن ماجة 1: 199 باب 110، سنن ابي داود 1: 55 باب 83.

(7) الكافي 3: 46 حديث 2، التهذيب 1: 118 حديث 311، الاستبصار 1: 108 حديث 359.

263
جامع المقاصد في شرح القواعد1

و واجباته ؛ ج 1، ص : 261

و تستحب المضمضة، و الاستنشاق، و الغسل بصاع، و إمرار اليد على الجسد، (1) و تخليل ما يصل إليه الماء.

______________________________
(وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) «1».

(و ربّما احتج بأن (الفاء) تقتضي التعقيب، كما وقع للشارح ولد المصنّف «2»، و هو مردود، لأن المقتضي لذلك هو الفاء العاطفة، لا الواقعة في جواب الشرط) «3». و من جانب أصحاب القول الثاني، إلى استفادة تعليق الوجوب بوجوب الغاية من التعاطف الواقع في الآية، فإن الشّرط المتقدّم على الجملة يعمّها، خصوصا مع القطع بإرادته في السّابق و اللاحق، و مفهوم الشرط حجّة عند الأكثر، و من مفهوم قوله عليه السّلام: «إذا دخل الوقت وجب الطهور و الصّلاة» «4».

و ممّا يومئ إليه قول أبي عبد اللَّه عليه السّلام و قد سئل عن المرأة الجنب يأتيها الحيض أ تغتسل؟: «قد جاء ما يفسد الصلاة فلا تغتسل» «5».

و الحقّ أن الدلائل من الجانبين متقاربة، و نرجح الثّاني بما ذكرناه من المؤيدات منضما إلى أصل البراءة المقتضي لعدم الوجوب قبل الوقت، على أن الإطلاقات الواقعة في الأحاديث الأولى معارضة بالإطلاقات في غير الجنابة، مثل قوله عليه السّلام: «فمن نام فليتوضأ» «6»، قال في الذّكرى: الأصل في ذلك انّه لما كثر علم الاشتراط أطلق الوجوب و غلب في الاستعمال «7» فعلى هذا المفتي به هو القول الثاني.

و تظهر فائدة القولين فيما إذا اغتسل بري‌ء الذمّة من مشروط بالغسل، فإنه ينوي الوجوب على الأوّل، و الندب على الثاني.

قوله: (و إمرار اليد على الجسد).

(1) أي: دلكه، و قيل بوجوبه، و هو ضعيف.

______________________________
(1) المائدة: 6.

(2) إيضاح الفوائد 1: 47.

(3) ما بين الهلالين ساقط من نسخة «ع».

(4) الفقيه 1: 22 حديث 67.

(5) الكافي 3: 83 حديث 1، التهذيب 1: 370 حديث 1128.

(6) سنن ابن ماجة 1: 161 حديث 477، مسند أحمد 1: 111، سنن البيهقي 1: 118، و في جميع المصادر: (العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ).

(7) الذكرى: 23.

264
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 265

و الاستبراء للرجل المنزل بالبول، (1) فان تعذّر (2) مسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثا، و منه الى رأسه كذلك، و ينتره ثلاثا.

[الفصل الثاني: في الأحكام]

الفصل الثاني: في الأحكام يحرم على الجنب قبل الغسل الجلوس في المساجد، (3)

______________________________
قوله: (و الاستبراء للرّجل المنزل بالبول).

(1) احترز بالرّجل عن المرأة، فلا استبراء عليها على الأصحّ، لعدم اتحاد مخرج البول و المني بالنّسبة إليها، و بالمنزل عن غيره، فلا يتعلق به ذلك الحكم، لأن البول لإخراج بقايا المني التي في المخرج.

إذا تقرر ذلك، فقد قال جمع من الأصحاب بالوجوب «1» و هو أحوط، لأن فيه محافظة على الغسل من جريان المبطل عليه، و موافقة لقول معظم الأصحاب.

قوله: (فان تعذّر.).

(2) يشهد لهذا الأخبار الدالة على الاجتزاء بالاجتهاد «2» في عدم إعادة الغسل، فقد نزّلها جمع من الأصحاب «3» على ما إذا لم يتأتّ البول للمغتسل، جمعا بينها و بين غيرها.

قوله: (الفصل الثاني في الأحكام: يحرم على الجنب قبل الغسل الجلوس في المساجد).

(3) قيل: قوله: (قبل الغسل) مستدرك، و أجيب بأمور:

الأول: أقواها انّه جنب بعد الغسل حقيقة عندنا، و التّحريم إنّما هو قبله.

الثّاني: إنّه يعلم ما يستباح بالغسل، فيجوز أن ينوي.

الثّالث: بقاء التّحريم ما بقي جزء بغير غسل.

و يرده إن المتبادر من قوله: (قبل الغسل) ما قبل الإتيان بشي‌ء منه، فيفهم منه زواله بالشّروع فيه، و لو سلّم دلالته على ما قبل إتمامه فهما متصادقان، فجمعهما لا فائدة فيه.

______________________________
(1) منهم: الشيخ المفيد في المقنعة: 6، و الشيخ الطوسي في المبسوط 1: 29، و الاستبصار 1: 118 باب 72، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 492، و سلّار في المراسم: 31.

(2) انظر: التهذيب 1: 145 حديث 411- 412، الاستبصار 1: 119 حديث 404- 405.

(3) منهم: ابن حمزة في الوسيلة: 35 و سلّار في المراسم: 32.

265
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 265

و وضع شي‌ء فيها، (1) و الاجتياز في المسجد الحرام و مسجد النبي عليه السّلام.

و لو أجنب فيهما تيمّم واجبا للخروج منهما، و يجب أن يقصد أقرب الأبواب اليه. (2)

و يحرم عليه قراءة العزائم و أبعاضها حتى البسملة إذا نواها منها، (3)

______________________________
و قوله: (الجلوس في المساجد) كان ينبغي أن يقول: اللّبث في المساجد مطلقا، لأن التحريم ليس مقصورا على الجلوس فيها، و الظاهر أنّه يلحق باللبث التردد في المسجد، لأن الجواز مقصور على الاجتياز في غير المسجدين، و التردد لا يعدّ اجتيازا.

قوله: (و وضع شي‌ء فيها).

(1) أي: في المساجد، و هو أصح القولين، لورود النّص بالمنع منه «1»، و قيل: انّه مكروه «2»، و قيل: إنّما يحرم إذا استلزم اللبث «3»، و هو في الحقيقة راجع الى عدم تحريم الوضع.

قوله: (و يجب أن يقصد أقرب الأبواب إليه).

(2) المراد به: بعد التيمّم، فلو كان التراب في موضع آخر بعيد عن الباب، فالظاهر أنّه يتيمّم به و يخرج، لإطلاق النّصّ بالتيمّم «4».

قوله: (و يحرم عليه قراءة العزائم و أبعاضها، حتّى البسملة إذا نواها منها).

(3) البعض المقروء إما أن يكون بعضا لا يعدّ إلا من العزيمة، لانتفاء مشاركتها غيرها في ذلك البعض، أو لا يكون كذلك، و على التّقديرين فامّا أن ينوي به كونه من العزيمة، أو ينوي عدم كونه منها، أو لا ينوي شيئا، فهذه صور ست.

فمع النية للعزيمة يحرم مطلقا، و مع نيّة غيرها أو عدم النية بالكلّية لا يحرم المشترك، أمّا غيره فيحرم في الثّاني للصدق، و في الأوّل تردّد ينظر فيه الى أن القرآن‌

______________________________
(1) علل الشرائع 1: 288 باب 210 حديث 1.

(2) القائل سلّار في المراسم: 42.

(3) قاله ابن فهد في المقتصر في شرح المختصر، كما في مفتاح الكرامة 1: 324.

(4) الكافي 3: 73 حديث 14، التهذيب 1: 407 حديث 1280.

266
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 265

و مسّ كتابة القرآن، (1) و ما عليه اسم اللَّه تعالى (2) أو أسماء الأنبياء أو الأئمة عليهم السلام،

______________________________
يخرج عن كونه قرآنا بالنيّة، و سيأتي مثله- ان شاء اللَّه تعالى- في باب التكلم بالقرآن في الصّلاة لإفهام الغير.

فرع: لو تكلم ببعض كلمة من العزيمة ناويا ذلك، فان عرض له في خلال النّطق بها سكوت و قد أراد النّطق بها فلا شبهة في التّحريم، أمّا لو قصد النّطق بالبعض ففي تحريمه تردد من أنّه بعض للقرآن فيحرم، و من إمكان القدح في كونه بعضا، لأن بعضيته للقرآن إنّما هو حال كونه بعض الكلمة، و ذلك غير متحقّق في الفرض.

قوله: (و مسّ كتابة القرآن).

(1) المراد بكتابة القرآن: صور الحروف، و منه نحو التّشديد، و المدّ، و هل الاعراب كذلك؟ فيه وجهان. و هل المراد بصور الحروف مطلق رقومها أم الرّقوم المقرّرة في رسم المصحف، و في علم الخطّ، حتّى لو كان شي‌ء يكتب بالألف فكتب بغيره، أو بالعكس، أو كان حرف لا يكتب أصلا فكتب لا يحرم مسه؟ وجهان أيضا.

و يعرف كون المكتوب قرآنا أو اسم اللَّه أو نبي أو إمام بكونه لا يحتمل إلّا ذلك كآية الكرسي و نحو ذلك، و بالنيّة، و إن كان المكتوب مع قطع النّظر عن النيّة محتملا. و إن انتفى الأمران و احتمل فلا تحريم.

ثم المراد بالمسّ: الملاقاة بجزء من البشرة، أمّا الشّعر و السن فلا، لعدم صدق اسم المس عليها عرفا، و في الظفر تردد.

قوله: (و ما عليه اسمه تعالى).

(2) على ظاهر العبارة مؤاخذة، لأن الحرام مس اسمه تعالى لا مسّ ما عليه الاسم، و إن كان ظاهر الرّواية كذلك «1»، إذ لو حرم يحرم مسّ ما عليه القرآن بطريق أولى، و أصحابنا لا يقولون به.

و تلحق به أسماء الأنبياء، و الأئمة عليهم السّلام عند الأكثر «2»، و المصنّف في‌

______________________________
(1) التهذيب 1: 126 حديث 340، الاستبصار 1: 113 حديث 374.

(2) منهم: بن حمزة في الوسيلة: 45، و ابن البراج في المهذب 1: 34، و الشهيد في اللمعة: 20.

267
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 265

و يكره الأكل و الشرب إلّا بعد المضمضة و الاستنشاق، (1) و النوم إلّا بعد الوضوء، و الخضاب (2)

______________________________
المنتهى بعد أن حكى عن الشّيخين التحريم، قال: إنّه لم نجد به حديثا مرويّا
«1»، فمال إلى الكراهية، و التّحريم أظهر، لأن للاسم حظّا من المسمّى، و لمناسبة التّعظيم، و لموافقة كبراء الأصحاب.

قوله: (و الأكل و الشّرب إلا بعد المضمضة و الاستنشاق).

(1) لورود النهي عنهما قبل ذلك «2»، قال ابن بابويه: إنّه يخاف عليه البرص «3» قال: و روي «إن الأكل على الجنابة يورث الفقر» «4»، و في بعض الأخبار النّهي عنهما ما لم يتوضّأ «5»، و في صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام غسل اليدين و المضمضة و الوجه، ثم يأكل و يشرب «6»، و في حديث عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام الأمر بغسل يده، و أن الوضوء أفضل «7»، و الظّاهر أنّه لهذا الاختلاف قال المحقّق في الشّرائع:

و تخف الكراهية بالمضمضة و الاستنشاق «8»، و ظاهر كلام الأكثر أنها تزول، و لا بأس به، و ما زاد في الأخبار منزّل على الأفضل.

و ينبغي أن يراعى في الاعتداد بهما عدم تراخي الأكل و الشّرب عنهما كثيرا في العادة، بحيث لا يبقى بينهما ارتباط عادة، و تعدد الأكل و الشّرب، و اختلاف المأكول و المشروب لا يقتضي التعدد إلا مع تراخي الزمان، لصدق الأكل و الشّرب على المتعدّد، باعتبار كونهما مصدرين.

قوله: (و الخضاب).

(2) الخضاب: ما يتلوّن به من حناء و غيره، و قد اختلفت الأخبار في الخضاب‌

______________________________
(1) المنتهى 1: 87، و انظر المبسوط 1: 29.

(2) الكافي 3: 50 حديث 1، 12، التهذيب 1: 129 حديث 354، 357 و للمزيد راجع الوسائل 1: 495 باب 20.

(3) الفقيه 1: 47.

(4) الفقيه 1: 47 حديث 178.

(5) الفقيه 1: 47 حديث 181.

(6) الكافي 3: 50 حديث 1، التهذيب 1: 129 حديث 354.

(7) التهذيب 1: 372 حديث 1137.

(8) شرائع الإسلام 1: 27.

268
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 265

و قراءة ما زاد على سبع آيات، (1) و تشتدّ الكراهية فيما زاد على سبعين، و تحرم التولية اختيارا.

و تكره الاستعانة، (2) و يجوز أخذ ماله في المسجد، (3) و الجواز فيه.

______________________________
للجنب، ففي بعضها النّهي عنه
«1»، و في بعض نفي البأس عنه «2»، فالجمع بينهما بالكراهية متعيّن، لئلا يطرح شي‌ء منها.

و كذا يكره للمختضب أن يجنب ما لم يأخذ الخضاب مأخذه، فإن أخذ مأخذه فلا بأس، و قد وقع التّصريح بالحكمين في بعض الأخبار «3».

قوله: (و قراءة ما زاد على سبع آيات).

(1) حكى في الذّكرى عن ابن البرّاج أنه منع من قراءة ما زاد على سبع آيات، قال: و عن سلّار في الأبواب تحريم القراءة مطلقا «4»، و احتاط في المبسوط بمنع ما زاد على سبع آيات أو سبعين «5»، لروايتي زرعة و سماعة «6»، و هما ضعيفتان بالقطع، و بأن زرعة و سماعة واقفيان، و المعتمد جواز ما عدا العزائم، و كراهة ما زاد على سبع، و الظاهر أن تكرير السّبع غير مكروه، و لا فرق بين الآي الطّويلة و القصيرة.

قوله: (و تكره الاستعانة).

(2) المراد بها: طلب المعونة على إيجاد حقيقة الغسل، بنحو صبّ الماء لا بنحو إحضاره.

قوله: (و يجوز أخذ ماله في المسجد).

(3) تدلّ عليه صحيحة عبد اللَّه بن سنان، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: سألته‌

______________________________
(1) التهذيب 1: 181 حديث 518، 519، الاستبصار 1: 116 حديث 386، 387.

(2) الكافي 3: 51 حديث 9، 12، التهذيب 1: 182، 183 حديث 524، 525، الاستبصار 1: 116 حديث 389، 390.

(3) دل على الحكم الأول ما في التهذيب 1: 181 حديث 518، الاستبصار 1: 116 حديث 386، 387، و دل على الثاني ما في الكافي 3: 51 حديث 9، 12، التهذيب 1: 182، 183 حديث 524، 525، الاستبصار 1: 116 حديث 389، 390.

(4) الذكرى: 34، و انظر: المهذب 1: 34.

(5) المبسوط 1: 29.

(6) التهذيب 1: 128 حديث 350، 351، الاستبصار 1: 114 حديث 383.

269
جامع المقاصد في شرح القواعد1

فروع ؛ ج 1، ص : 270

[فروع]

فروع:

[أ: الكافر المجنب يجب عليه الغسل]

أ: الكافر المجنب يجب عليه الغسل، و شرط صحته الإسلام، و لا يسقط بإسلامه، و لا عن المرتد. (1) و لو ارتد المسلم بعد غسله لم يبطل.

[ب: يحرم مس المنسوخ حكمه خاصة]

ب: يحرم مس المنسوخ حكمه خاصة دون المنسوخ تلاوته خاصة. (2)

______________________________
عن الجنب و الحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه، قال: «نعم، و لكن لا يضعان في المسجد شيئا»
«1».

قوله: (الكافر المجنب يجب عليه الغسل، و شرط صحته الإسلام، و لا يسقط بإسلامه، و لا عن المرتد).

(1) وجوب الغسل على الكافر الأصلي كغيره، و كذا سائر التّكليفات، فإذا أسلم سقط عنه أحكام التّكليف مثل الصلاة، و الصوم، و الزكاة، و الكفّارات، أمّا نحو النّجاسة و الحدث الأكبر و الأصغر، فان مانعيتها باقية لوجود المانع، و الإسلام إنّما يسقط نحو ما ذكرناه، فيخاطب بالغسل و الوضوء و إزالة النّجاسة لما يتجدد من الصّلاة.

فلو أسلم في غير وقت صلاة لم يكن عليه شي‌ء من ذلك، لأن الغسل و الوضوء و الإزالة لا يجب شي‌ء منها في نفسه، و على ما يراه المصنّف من أنّ غسل الجنابة واجب لنفسه يتخرج الوجوب، و لا يسقط بإسلامه، لوجود المقتضي له و هو الحدث في كلّ زمان، إلى أن يحصل الرافع له. و لو اتفق إسلامه في وقت الصّلاة فوجوب الغسل و الصّلاة ثابت في حقّه على القولين.

أمّا المرتد فانّ تكليفه في حال ردّته و بعد عوده إلى الإسلام بحاله، لأنه مأخوذ بأحكام الإسلام على كلّ حال، سواء كانت ردّته عن فطرة، أو ملّة.

قوله: (يحرم مسّ المنسوخ حكمه خاصّة، دون المنسوخ تلاوته خاصّة).

(2) التقييد ب‍ «خاصّة» في المسألتين يقتضي أن تكون الصور ثلاثا، و اعتبار النّسخ يعشر بصورة رابعة: المنسوخ حكمه و تلاوته، المنسوخ حكمه دون تلاوته، و عكسه، ما لم ينسخ حكمه و لا تلاوته.

______________________________
(1) الكافي 3: 51 حديث 8، التهذيب 1: 125 حديث 339.

270
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ج: لو وجد بللا مشتبها بعد الغسل لم يلتفت ؛ ج 1، ص : 271

[ج: لو وجد بللا مشتبها بعد الغسل لم يلتفت]

ج: لو وجد بللا مشتبها بعد الغسل لم يلتفت إن كان قد بال أو استبرأ، و إلّا أعاد الغسل دون الصلاة الواقعة قبل الوجدان. (1)

______________________________
فأمّا المنسوخ حكمه و تلاوته، كما روي عن عائشة، أنّه كان في القرآن عشر رضعات محرمات فنسخت
«1»، فلا يحرم مسّه، و كذا المنسوخ تلاوته دون حكمه، كآية الشّيخ و الشّيخة، و هي: الشّيخ و الشّيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة نكالا من اللَّه و اللَّه عزيز حكيم «2»، فإنّ حكمها باق و هو وجوب الرّجم إذا كانا محصنين.

و يوشك أن يكون بعض ما روي من قراءة ابن مسعود من هذا النّوع، و إنّما لم يحرم مسّ هذين لأن تحريم المسّ تابع للاسم، و قد خرجا بنسخ التّلاوة عنه، فيبقى على الأصل.

و أمّا المنسوخ حكمه دون تلاوته فكثير، مثل آية الصّدقة «3»، و آية وجوب ثبات عشرين لمائتين «4» و نحو ذلك، و تحريم المسّ هنا لصدق اسم القرآن المقتضي له.

و اعلم أن «خاصة» في الجملتين منصوب على الحال من حكمه و تلاوته، و إن كان ظاهر اللّفظ قد يوهم كون صاحبه هو المنسوخ فيهما، و هو باطل لتنافي معنى الجملتين حينئذ، و لفساد المعنى، و لو وصل هذا بتحريم مسّ القرآن المذكور أولا فقال:

و يحرم مسّ كتابة القرآن و إن نسخ حكمه، لا إن نسخت تلاوته، لكان أخصر و أحسن و أبعد عن الوهم.

قوله: (لو وجد بللا مشتبها بعد الغسل لم يلتفت إن كان قد بال أو استبرأ، و إلا أعاد الغسل دون الصلاة الواقعة قبل الوجدان).

(1) قد يسأل عن مرجع الضّمير في (وجد) فيجاب بعدم وجود مرجع صريح، لكن السياق يقتضي عوده إلى المغتسل أو المجنب، لأنّه المحدّث عنه و لا يستقيم، لأن هذا الحكم إنّما هو للمنزل دون غيره، فإنّه مع اشتباه الخارج لا غسل عليه قطعا.

______________________________
(1) صحيح مسلم 2: 1075 حديث 25، سنن أبي داود 2: 223 حديث 2062، سنن الترمذي 2: 309 باب 3 من الرضاع، الموطأ 2: 608 حديث 17 من الرضاع، سنن الدارمي 2: 157 باب كم رضعة تحرّم.

(2) رواها الحاكم في مستدركه 4: 360، و حكاها السيوطي في الإتقان 3: 86.

(3) المجادلة: 12.

(4) الأنفال: 65.

271
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ج: لو وجد بللا مشتبها بعد الغسل لم يلتفت ؛ ج 1، ص : 271

..........

______________________________
و يمكن أن يجاب بأن ذكر الاستبراء يعيّن كون المراد المنزل، لما أسلفه من اختصاص الاستبراء به، و حينئذ فالمغتسل- و قد أنزل- لو وجد بللا مشتبها بعد الغسل لا يلتفت إن كان قد بال و استبرأ، فلا يجب عليه إعادة الغسل، و لا فعل الوضوء اتفاقا، لانتفاء المقتضي، و لما روي عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام بعدّة طرق من عدم إعادة الغسل لمن بال قبله
«1».

و ما روي من أن البلل المشتبه بعد الاستبراء لا يكون بولا ينفي الوضوء «2»، و لو انتفى الأمران أعاد الغسل، لأن الظاهر أن الخارج مني، إذ الغالب تخلّف أجزاء منه في المخرج، و ظاهر أن خروجه موجب للغسل، و تدلّ عليه عدّة أخبار «3».

و في بعض الأخبار الاكتفاء بالوضوء «4»، و يظهر من كلام الصّدوق اختياره «5»، و يشكل بأنّ الظاهر أن الخارج منيّ، و جميع الأصحاب على خلافه، و في بعضها إطلاق عدم الإعادة «6»، و حملها الأصحاب على من تعذّر منه البول فاجتهد، و في بعضها عدم إعادة النّاسي «7»، و احتمله الشّيخ «8» و هو مشكل، فإن الأسباب لا يفترق فيها النّاسي و العامد.

و لو بال و لم يجتهد فعليه الوضوء، لأن البول يدفع أجزاء المني المتخلّفة فيزول احتماله، بخلاف بقايا البول، و قد رواه معاوية بن ميسرة عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام «9»، و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام «10». و لو اجتهد و لم يبل، فان‌

______________________________
(1) الكافي 3: 49 حديث 2، الفقيه 1: 47 حديث 186، التهذيب 1: 143 حديث 405، 408 و للمزيد راجع الوسائل 1: 517 باب 36.

(2) الكافي 3: 49 حديث 2، التهذيب 1: 143، 144 حديث 405- 408، الاستبصار 1: 119 حديث 400- 403.

(3) الكافي 3: 19 حديث 1، التهذيب 1: 27 حديث 70، 71.

(4) الكافي 1: 49 حديث 4، الفقيه 1: 47 حديث 186، 187، التهذيب 1: 144 حديث 406، 408، الاستبصار 1: 118 باب وجوب الاستبراء.

(5) المقنع: 13.

(6) التهذيب 1: 145 حديث 411، 412، الاستبصار 1: 119 حديث 404، 405.

(7) التهذيب 1: 145 حديث 409، 410، الاستبصار 1: 120 حديث 406، 407.

(8) التهذيب 1: 145.

(9) التهذيب 1: 144 حديث 408، الاستبصار 1: 119 حديث 403.

(10) التهذيب 1: 144 حديث 407، الاستبصار 1: 119 حديث 402.

272
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ج: لو وجد بللا مشتبها بعد الغسل لم يلتفت ؛ ج 1، ص : 271

..........

______________________________
كان متمكّنا من البول أعاد الغسل قطعا، و إلّا فوجهان:

أحدهما: الإعادة، لعدم تأثير الاجتهاد في إخراج أجزاء المني المتخلّفة، و عموم الأخبار بإعادة من لم يبل «1»، و عدم إمكان البول لا يزيل حكم الخارج.

و الثّاني: عدم إعادة واحد من الوضوء و الغسل، لعدم العلم بكون الخارج منيّا، و أصالة البراءة، و إيجاب الإعادة فيما تقدم للدّليل لا يقتضي الوجوب هنا و لفتوى الأصحاب، و حملهم ما ورد من عدم إعادة من لم يبل على من تعذّر منه البول، و هو الأظهر، و به أفتى شيخنا «2»، و يلوح من عبارة المصنّف هنا، حيث قال: (و الاستبراء بالبول فان تعذّر مسح.) و توقف في المنتهى «3».

إذا تقرّر ذلك، فتقييد المصنّف البلل بكونه مشتبها يحترز به عن المعلوم كونه منيّا فيجب الغسل، أو بولا فيجب الوضوء، أو غيرهما فلا شي‌ء في جميع الأحوال.

و قوله: (لم يلتفت) إن حمل على عدم إعادة الغسل بالعناية- أي: لم يعد الغسل إن كان قد بال- صحت العبارة، و إن لم تكن دالة على إعادة الوضوء بترك الاستبراء، إلّا أن يقال: قد علم هذا ممّا سبق في باب الاستنجاء.

و كذا قوله: (أو استبرأ) إذا حمل على تعذر البول- كما يشعر به ما تقدم من كلامه في الاستبراء بالبول- لم يبق على العبارة مؤاخذة، إذ التّقدير حينئذ: لو وجد بللا مشتبها لم يعد الغسل إن كان قد بال، أو استبرأ مع تعذر البول، و إعادة الوضوء في الأوّل دون الثّاني معلومة ممّا سبق، و لو بال و استبرأ فلا شي‌ء بطريق أولى.

و قوله: (و إلّا أعاد الغسل) معناه: لو لم يبل و لم يستبرئ عند تعذر البول، أو استبرأ مع إمكانه أعاد الغسل.

و قوله: (دون الصّلاة الواقعة قبل الوجدان).

إشارة إلى أن الخارج حدث جديد، لأن انتقال المني عن محله الأصلي غير‌

______________________________
(1) الكافي 3: 49، الفقيه 1: 47 حديث 186، 187، التهذيب 1: 143 حديث 405، 408، الاستبصار 1: 118 باب وجوب الاستبراء.

(2) الذكرى: 103.

(3) المنتهى 1: 91- 92.

273
جامع المقاصد في شرح القواعد1

د: لا موالاة هنا: نعم يشترط عدم تجدد حدث أكبر أو أصغر ؛ ج 1، ص : 274

[د: لا موالاة هنا: نعم يشترط عدم تجدد حدث أكبر أو أصغر]

د: لا موالاة هنا: (1) نعم يشترط عدم تجدد حدث أكبر أو أصغر، فإن تجدد أحدهما في الأثناء أعاد فيهما على الأقوى. (2)

______________________________
موجب للغسل عندنا و إن صار في الا حليل، إنّما الحدث خروجه كسائر الأحداث سواء الرّجل و المرأة، و نقل بعض علمائنا القول بوجوب إعادة الصّلاة أيضا
«1»، و هو مذكور في حديث محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام في الرّجل يخرج بعد ما اغتسل من إحليله شي‌ء قال: «يغتسل و يعيد الصّلاة» «2»، و هو منزل على وقوع الصّلاة بعده، توفيقا بينه و بين غيره.

قوله: (لا موالاة هنا).

(1) أي: بمعنييها السابقين في الوضوء، أعني المتابعة و مراعاة الجفاف، و هو مذهب جميع الأصحاب، و رواه في الكافي و التّهذيب عن علي عليه السّلام «3» و هذا بالنظر إلى نفس الغسل، أما إذا حصل مقتض لوجوبها فإنّها تجب، كما إذا نذرها فانّ نذرها ينعقد لاستحبابها، و كذا لو ضاق الوقت، أو توقع فقد الماء إذا كان الغسل واجبا لاشتغال الذمة بمشروط به عندنا، و مطلقا عند آخرين.

و هل تجب إذا خاف فجأة الحدث كما في السلس و المبطون؟ يبني على وجوب الإعادة بتخلل الحدث الأصغر، و سيأتي تحقيقه، أما إذا خاف فجأة الأكبر، فتجب محافظة على سلامة العمل من الابطال مع احتمال العدم، إذ الإبطال غير مستند إليه، نعم يجب الاستئناف.

و لو كان الحدث الأكبر مستمرا اشترط لصحة الغسل الاتباع، لعدم العفو عمّا سوى القدر الضّروري، و كذا القول في الوضوء.

قوله: (نعم، يشترط عدم تخلل حدث أكبر أو أصغر، فإن تجدد أحدهما في الأثناء أعاد فيهما على الأقوى).

(2) الخلاف إنما هو في تخلل الأصغر، إذ لا كلام في أن تخلل الأكبر موجب‌

______________________________
(1) نقله ابن إدريس في السرائر: 23.

(2) التهذيب 1: 144 حديث 407، الاستبصار 1: 119 حديث 402.

(3) الكافي 3: 44 حديث 8، و التهذيب 1: 134 حديث 372.

274
جامع المقاصد في شرح القواعد1

د: لا موالاة هنا: نعم يشترط عدم تجدد حدث أكبر أو أصغر ؛ ج 1، ص : 274

..........

______________________________
للغسل، إلا أنّه إذا اختلف في بعض المجموع فقد اختلف في المجموع من حيث المجموعيّة.

و اعلم أن قوله سابقا: (لا موالاة هنا) لما أشعر بجواز تخلل ما ليس من أفعال الغسل بينها، استثنى من ذلك تخلل الحدث بقوله: (نعم يشترط.)، فان «نعم» في مثل هذا التركيب تفيد معنى الاستدراك و الاستثناء بحسب الاستعمال، و للأصحاب في وقوع الحدث الأصغر خلال الغسل ثلاثة أقوال:

أحدها: الإعادة، ذهب إليه المصنّف، و جماعة من الأصحاب «1»، محتجين بأن الأصغر لو وقع بعد الغسل بكماله أبطله، فأبعاضه أولى بالبطلان فيعيده، و معلوم بطلان الأولى، فإن الغسل لا يبطل بالحدث، و إنّما تزول الإباحة فيجب للطهارة الصّغرى، و لو بطل لوجبت إعادته، و المنع متوجّه إلى الثّانية، إذ من جملتها محل النزاع، و لو سلمت فاللازم هو فعل الوضوء لا الإعادة.

و احتج الشّارح بأنه قد أبطل تأثير ذلك البعض في الإباحة، و كلما أبطل تأثيره في الإباحة أبطل تأثيره في رفع الحدث «2» و ليس بشي‌ء، لأن الإباحة الّتي ادعى إبطالها، إن أراد بها الإباحة المترتبة على رفع الأكبر فممنوع، فكيف يبطل الأصغر المؤثر في الأكبر؟ و إن أراد بها المترتبة على رفع الأصغر، فالغسل ليس رافعا للأصغر، لأن رافع الأصغر إنّما هو الطهارة الصّغرى، باتفاق جميع الأصحاب، و مع الجنابة يمتنع فعلها، و يسقط حكم الحدث الموجب لها.

و احتج في الذكرى بأن الحدث لا يخلو عن أثر مّا مع تأثيره بعد الكمال، و الوضوء ممتنع في غسل الجنابة «3».

و ضعفه ظاهر، فإن أثر الحدث الأصغر لا يظهر ما دام الأكبر موجودا، و ما لم يتم الغسل، فالحدث بحاله، و لو سلم فلم لا يكون أثره هنا كأثره قبل الشروع في الغسل؟

قال فيها: و قد قيل: مروي عن الصّادق عليه السّلام في كتاب عرض المجالس للصدوق «4». و مثل هذه الرواية لا اعتبار بها في الاستدلال.

______________________________
(1) منهم: والد الصدوق في الفقيه 1: 49، و الشيخ الطوسي في النهاية: 22، و الشهيد في الدروس: 6.

(2) إيضاح الفوائد 1: 48.

(3) الذكرى: 106.

(4) الذكرى: 106.

275
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ه‍: لا يجب الغسل بغيبوبة بعض الحشفة ؛ ج 1، ص : 276

[ه‍: لا يجب الغسل بغيبوبة بعض الحشفة]

ه‍: لا يجب الغسل بغيبوبة بعض الحشفة، و يجب على مقطوعها لو غيب بقدرها، (1)

______________________________
القول الثّاني: الإكمال و الوضوء، ذهب إليه المرتضى
«1»، و المحقّق «2»، لأن تأثير الأصغر وجوب الوضوء بعد الكمال يقتضي ذلك قبله بطريق أولى، و في الأولوية نظر، فان الحدث الحاصل بعد الكمال، إنّما أثر لحصوله بعد ارتفاع الحدث، و حصول الإباحة لإمكان تأثيره حينئذ، بخلاف ما قبله لبقاء الجنابة.

فإن قيل: أبطل تأثيرها ما مضى في رفع الأصغر.

قلنا: ما مضى غير مؤثر في رفع الأصغر لاضمحلاله مع حدث الجنابة، و صلاحيّة تأثيره في الأكبر بحاله هذا، مع أن عموم الأخبار بنفي الوضوء مع غسل الجنابة ينافي ذلك «3».

الثالث: الاكتفاء بالإتمام، ذهب إليه ابن البرّاج «4»، و ابن إدريس «5»، و هو أظهر الأقوال و أمتنها، و عليه الفتوى، و ضم الوضوء أحوط، و كمال الاحتياط الجمع بين الإعادة و الوضوء. هذا إذا اغتسل مرتّبا، و لو اغتسل مرتمسا و أحدث، فإن كان بعد النيّة و شمول البدن بالماء فالوضوء، أو قبلهما فلا شي‌ء، أو بعد النيّة و قبل تمام الإصابة اطرد الخلاف السّابق، و كلام الذّكرى «6» لا يخلو من شي‌ء.

قوله: (لا يجب الغسل بغيبوبة بعض الحشفة، و يجب على مقطوعها، لو غيّب بقدرها).

(1) أمّا الحكم الأوّل، فمستنده مفهوم قوله عليه السّلام: «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل» «7»، لكن يرد على العبارة ما لو قطع بعض الحشفة فغيّب الباقي، و حصل الالتقاء المذكور، فان ظاهر العبارة تنفي الوجوب، و الحديث يثبته، و الوجوب أظهر، إلا‌

______________________________
(1) لم نجد القول في كتب السيد المرتضى المتوفرة لدينا و حكاه عنه المحقق في المعتبر 1: 196.

(2) المعتبر 1: 196، و الشرائع 1: 28.

(3) الكافي 3: 45 حديث 13، التهذيب 1: 139- 143.

(4) جواهر الفقه (الجوامع الفقهية): 411.

(5) السرائر: 22.

(6) الذكرى: 106.

(7) التهذيب 1: 119 حديث 314.

276
جامع المقاصد في شرح القواعد1

و: لو خرج المني من ثقبة في الصلب ؛ ج 1، ص : 277

و في الملفوف نظر. (1)

[و: لو خرج المني من ثقبة في الصلب]

و: لو خرج المني من ثقبة في الصلب فالأقرب اعتبار الاعتياد و عدمه. (2)

______________________________
أن يبقى ما لا يتحقق معه إدخال شي‌ء يعتد به عرفا.

و اعلم أن في رواية محمّد بن إسماعيل الصّحيحة «1» تفسير التقاء الختانين بغيبوبة الحشفة، و قد ينافي هذا الحكم.

و أمّا الحكم الثّاني، فمستنده قوله: (إذا أدخله فقد وجب الغسل) «2» و ليس المراد إدخال الجميع قطعا للاكتفاء بالحشفة، فتعيّن أن يراد به البعض، أعني الحشفة أو ما ساواها، و فيه تكلّف، و لا ريب أن الوجوب أحوط.

قوله: (و في الملفوف نظر).

(1) ينشأ من صدق الالتقاء، إذ المراد به التحاذي لا التماس لامتناعه، فان ختان المرأة في أعلى الفرج، و بينه و بين مدخل الذّكر ثقبة البول، و من أن الالتقاء إنما يحمل على المعهود دون غيره، و لانتفاء الاستمتاع، و بالأوّل أفتى المصنّف في المنتهى «3» و شيخنا الشّهيد «4»، و ربّما فرّق بعض العامة بين ما إذا كانت اللفافة رقيقة و صفيقة، لعدم حصول اللذّة في الثاني دون الأوّل «5»، و الوجوب مطلقا أظهر.

قوله: (لو خرج المنيّ من ثقبة في الصّلب فالأقرب اعتبار الاعتياد و عدمه).

(2) إنّما خصّ المسألة بخروجه من الصّلب، لأنه مجراه الطّبيعي، و هو موضع التردّد، و كذا لو خرج من ثقبة في الإحليل أو في خصيتيه، أمّا لو خرج من غير ذلك فاعتبار الاعتياد حقيق بأن يكون مقطوعا به.

و وجه القرب أنّ إطلاق اللفظ يقتضي الحمل على المتعارف في الاستعمال و المتفاهم عند الإطلاق، و هذا لندوره غير متعارف، فلا يحمل إطلاق اللّفظ عليه إلى‌

______________________________
(1) الكافي 3: 46 حديث 2، التهذيب 1: 118 حديث 311، الاستبصار 1: 108 حديث 359.

(2) الكافي 3: 46 حديث 1، التهذيب 1: 118 حديث 310، الاستبصار 1: 108 حديث 358.

(3) المنتهى 1: 83.

(4) الذكرى: 27، الدروس: 5، البيان: 14.

(5) قاله أبو الفيامن البصري، و القاضي حسين. انظر: المجموع 2: 134.

277
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ز: لا يجب نقض الضفائر إذا وصل الماء الى ما تحتها ؛ ج 1، ص : 278

[ز: لا يجب نقض الضفائر إذا وصل الماء الى ما تحتها]

ز: لا يجب نقض الضفائر (1) إذا وصل الماء الى ما تحتها، و إن لم يمس الماء الشعر بجملته.

______________________________
أن يصير متعارفا، و يعد مخرجا للمني عادة، كالخارج من غير السّبيلين.

و يحتمل ضعيفا الوجوب مطلقا، و لا يعتبر الاعتياد تمسّكا بظاهر قوله تعالى:

(يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرٰائِبِ) «1»، بيّن أن مجراه الطّبيعي الصّلب، فإذا خرج منه ينبغي تعلّق الأحكام به لعدم تغير اسمه و لا محلّه، و لقوله عليه السّلام: «إنّما الماء من الماء» «2» و بطلان الحصر لا يمنع الاستدلال بما بقي من المعنى، و بهذا أفتى المصنّف في المنتهى «3» و في الاستدلال شي‌ء، و الفتوى على الأوّل، و إن كان للاحتياط حكم آخر.

فرع: لو خرج المني بصورة الدّم، ففي الغسل اشكال.

قوله: (لا يجب نقض الضفائر.).

(1) إن قيل: لم وجب غسل الشعور في الوضوء، و لم يجب في الغسل، إلّا إذا توقّف غسل البشرة على غسلها، مع أن ظاهر قوله عليه السّلام: «تحت كل شعرة جنابة، فبلوا الشعر، و انقوا البشرة» «4» الوجوب؟

قلنا: إنّما وجب غسل شعر الوجه في الوضوء، لأنه عوض من غسل البشرة، لوقوع المواجهة التي أنيط بها الحكم به، و لهذا وجب غسل ما بدا من بشرة الخفيف و لم يجب غسل المسترسل، و امّا شعر اليدين، فوجب تبعا و تغليبا لاسم اليد على جميع ما نبت عليها و للإجماع، و أما في الغسل فقد انتفى الأمران.

و الحديث معارض بما رواه الحلبي مرسلا عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام: «لا تنقض المرأة شعرها» «5» و هو مطلق، و إرساله منجبر بقبول الأصحاب له، و ما رواه‌

______________________________
(1) الطارق: 7.

(2) صحيح مسلم 1: 269 باب 21 حديث 343، سنن ابن ماجة 1: 199 حديث 607، سنن النسائي 1: 115، سنن أبي داود 1: 56 حديث 217، سنن الترمذي 1: 74 باب 81 حديث 112، مسند أحمد 5: 421.

(3) المنتهى 1: 81.

(4) سنن ابن ماجة 1: 196 حديث 597، سنن أبي داود 1: 65 حديث 248.

(5) الكافي 3: 45 حديث 16، التهذيب 1: 147 حديث 416، 417.

278
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ح: لا يجزئ غسل النجس من البدن عن غسله من الجنابة ؛ ج 1، ص : 279

[ح: لا يجزئ غسل النجس من البدن عن غسله من الجنابة]

ح: لا يجزئ غسل النجس من البدن عن غسله من الجنابة، بل يجب إزالة النجاسة أولا، ثم الاغتسال ثانيا. (1)

______________________________
الجمهور عن أمّ سلمة أنّها قالت للنبي صلّى اللَّه عليه و آله: إنّي امرأة أشد ضفر رأسي، فأنقضه للجنابة؟ قال: «لا»
«1»، و لم يستفصل، أ يصل الماء بدونه أم لا؟ فيكون للعموم.

و الضفر بالضاد المعجمة المفتوحة: الشّعر ينسج بعضه على بعض، و في معناهما صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام: «إذا مس الماء جلدك فحسبك» «2».

قوله: (لا يجزئ غسل النّجس من البدن عن غسله من الجنابة، بل يجب إزالة النجاسة أولا، ثم الاغتسال ثانيا).

(1) إنّما وجب ذلك لأنّهما سببان، فوجب تعدد حكمهما فان التداخل خلاف الأصل، و لأن ماء الغسل لا بدّ أن يقع على محل طاهر، و إلا لأجزأ الغسل مع بقاء عين النّجاسة، و لانفعال القليل، و ماء الطّهارة يشترط أن يكون طاهرا إجماعا.

و ذهب الشّيخ في المبسوط إلى أنّ من اغتسل و على بدنه نجاسة، يرتفع حكم جنابته، و عليه أن يزيل النّجاسة إن كانت لم تزل بالغسل، و إن زالت فقد أجزأ عن غسلها «3».

و في هذا الكلام أمران أحدهما: ان مطلق الغسل كاف و إن بقيت عين النّجاسة، و هو بعيد جدّا.

و الثّاني: ان غسله يجزئ عن غسلتين.

و قد خرّج المصنف في بعض كتبه الاكتفاء بغسله للأمرين معا إذا كان مما لا ينفعل كالكثير، و استثنى من القليل ما إذا كانت النّجاسة في آخر العضو، فإن الغسلة تطهره و ترفع الحدث «4».

______________________________
(1) صحيح مسلم 1: 259 حديث 330، سنن ابن ماجة 1: 198 حديث 603، سنن النسائي 1: 131 باب 149 من الطهارة، سنن أبي داود 1: 65 حديث 251، سنن الترمذي 1: 71 حديث 105.

(2) في الكافي 3: 22 حديث 7، التهذيب 1: 137 حديث 381، الاستبصار 1: 123 حديث 417 «إذا مس جلدك الماء فحسبك».

(3) المبسوط 1: 29.

(4) المختلف: 32.

279
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ط: لو وجد المرتمس لمعة لم يصبها الماء ؛ ج 1، ص : 280

 

[ط: لو وجد المرتمس لمعة لم يصبها الماء]

ط: لو وجد المرتمس لمعة لم يصبها الماء، فأقوى الاحتمالات الاجتزاء بغسلها، (1) لسقوط الترتيب، ثم غسله و غسل ما بعده لمساواته الترتيب، ثم الإعادة لعدم صدق الوحدة.

[المقصد السادس: في الحيض و فيه فصلان]

المقصد السادس: في الحيض و فيه فصلان (2)

______________________________
و التحقيق: ان محلّ الطّهارة إن لم تشترط طهارته أجزأ الغسل مع وجود عين النّجاسة و بقائها في جميع الصور، و لا حاجة إلى التقييد بما ذكره، خصوصا على ما اختاره من أن القليل الوارد إنّما ينجس بعد الانفصال، و إن اشترط طهارة المحلّ لم تجزئ غسلة واحدة لفقد الشّرط، و الشّائع على ألسنة الفقهاء هو الاشتراط، فالمصير إليه هو الوجه.

و اعلم، أن قول المصنّف: (بل تجب إزالة النّجاسة أولا، ثم الاغتسال ثانيا) ربّما أو هم وجوب غسل النّجاسة عن جميع المحلّ قبل الاغتسال، لأن إزالة النّجاسة عن بعض المحلّ إزالة لبعض النّجاسة لا لها، فلا يجزئ غسلها تدريجا، و الاغتسال بحيث كلّما طهر شيئا غسله، و ليس كذلك قطعا.

قوله: (لو وجد المرتمس لمعة لم يصبها الماء، فأقوى الاحتمالات الاجتزاء بغسلها.).

(1) ما جعله أقوى الاحتمالات لا يتجه على إطلاقه، لأنه إن تخلل بين غسلها و بين الغسل زمان كثير لم يصح، لما عرفت من أن الارتماس إنّما يتحقّق بارتماسة واحدة، و ما جعله بعده في القوة- و هو غسلها و غسل ما بعدها- لا وجه له أصلا، إلّا على القول بأن الارتماس يترتّب حكما أو نيّة، إلا أن الحديث ينافيه، لأنه ظاهر في عدم الترتيب.

و ما جعله أضعف الاحتمالات- و هو الإعادة- هو الأصح مع طول الزّمان، فحينئذ المفتي به هو التفصيل بطول الزّمان، فيكون الأصح هو الثّالث، و عدمه فالأصحّ الأوّل، و الثّاني لا وجه له.

قوله: (المقصد السّادس في الحيض، و فيه فصلان).

(2) لم يقل في غسل الحيض كما قال في غسل الجنابة، و كذا صنع في الاستحاضة و النّفاس، و لعله إنّما فعل هكذا لأن الغسل قد علم ممّا سبق، فلم يبق إلّا أحكام‌

 

280
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في ماهيته ؛ ج 1، ص : 281

[الأول: في ماهيّته]

الأول: في ماهيّته: الحيض دم يقذفه الرحم إذا بلغت المرأة، ثم يعتادها في أوقات معلومة غالبا (1) لحكمة تربية الولد، (2) فإذا حملت (3) صرف اللَّه تعالى ذلك الدم الى تغذيته، فإذا وضعت الحمل خلع اللَّه تعالى عنه صورة الدم و كساه صورة اللبن لاغتذاء الطفل، فإذا خلت المرأة من حمل و رضاع بقي ذلك الدم لا مصرف له فيستقر في مكان، ثم يخرج في الغالب في كل شهر ستة أيام (4) أو سبعة أو أقل أو أكثر بحسب قرب المزاج من الحرارة و بعده عنها.

______________________________
الدّماء الثّلاثة، فلذلك عنون الأبواب الثّلاثة بها.

قوله: (الأول في ماهيّته: الحيض دم يقذفه الرحم إذا بلغت المرأة، ثم يعتادها في أوقات معلومة غالبا).

(1) الحيض لغة: السيل بقوّة، يقال: حاض الوادي إذا سال بقوة «1».

و شرعا: دم يقذفه الرّحم إلى آخره، و التقييد بقوله: (غالبا) لئلا يخرج من التّعريف بعض أفراد الحيض، و هو ما كان على خلاف الغالب، و الإجماع على أنّه لا يكون قبل البلوغ، و مثله دم النّفاس لكنه يخرج بالقيد الأخير.

قوله: (لحكمة تربية الولد).

(2) قد يسأل عن متعلق الجار، فيجاب بأنه محذوف، يدلّ عليه سوق الكلام، أي خلق لحكمة تربية الولد، و قوله: (فإذا حملت.) بيان لذلك، و «الفاء» فيه عاطفة.

قوله: (فإذا حملت.).

(3) من ثمّ قلما تحيض الحامل و المرضع.

قوله: (ثمّ يخرج في الغالب في كلّ شهر ستة أيّام).

(4) المراد به: الشّهر الهلالي، كما دلّت عليه الأخبار «2» و العادات، و قوله: (أو أقل أو أكثر)، المراد به أقل من الستة و السّبعة أو أكثر منهما في كل شهر ليكون في جملة الغالب، و لو أريد أقل من الشّهر و أكثر منه لم يستقم، لأنه خلاف الغالب، بل يكون‌

______________________________
(1) انظر: لسان العرب 7: 142 مادة حيض.

(2) الكافي 3: 91 باب معرفة الحيض، التهذيب 1: 151 حديث 3 و هي مطلقة و ليس فيها ما يدل على الهلالي.

281
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في ماهيته ؛ ج 1، ص : 281

و هو في الأغلب أسود يخرج بحرقة و حرارة، (1) فإن اشتبه بالعذرة حكم لها بالتطوق و للقرح ان خرج من الأيمن. (2)

______________________________
مدلولا عليه بمفهوم الغالب، و الجارّ في (بحسب) يتعلق بقوله: (يخرج) و هو- بفتح السّين- المقدار، أي يخرج بمقدار قرب المزاج.

قوله: (يخرج بحرقة و حرارة).

(1) قد يسأل عن الفرق بين اللفظين، فيجاب بأن الحرقة هي ما تجده المرأة من اللذع بحرارة الدّم، و قد كان الأنسب تأخيرها عن الحرارة، كما في لفظ الحديث عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام: «دم الحيض حار، تجد له حرقة» «1» و في حديث آخر عنه عليه السّلام: «دم الحيض حار، عبيط أسود له دفع و حرارة» «2» فذكر الحرارة مرّتين، و لعله أراد بإحداهما معنى الحرقة، فإن الدّفع يشعر بها، و زاد الدّفع و العبيط، و هو بالمهملتين: الطري.

و رووا عن النّبي صلّى اللَّه عليه و آله: «دم الحيض عبيط أسود محتدم» و المحتدم: الحار، كأنّه محترق، يقال: احتدم النّهار إذا اشتدّ حره.

قوله: (و للقرح إن خرج من الأيمن).

(2) هذا هو المشهور، ذهب إليه ابن بابويه «3»، و الشّيخ في النّهاية «4» و أكثر الأصحاب «5» و المصنّف في كتبه «6».

و اختلف قول شيخنا الشّهيد، ففي بعض كتبه قال بالأوّل «7»، و في بعضها قال بالثّاني «8»، و في المنتهى «9» و المختلف «10» أسند الثّاني إلى رواية الشّيخ‌

______________________________
(1) الكافي 3: 91 حديث 3، التهذيب 1: 151 حديث 431.

(2) الكافي 3: 91 حديث 1، التهذيب 1: 151 حديث 429.

(3) الفقيه 1: 54.

(4) النهاية: 24.

(5) منهم: ابن إدريس في السرائر: 28، و ابن سعيد في الجامع للشرائع: 41، و الشهيد في البيان: 16.

(6) ذكر ذلك في المختلف: 36، و المنتهى 1: 95، و التذكرة 1: 26.

(7) الدروس: 6.

(8) الذكرى: 28.

(9) المنتهى 1: 95.

(10) المختلف: 36.

282
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في ماهيته ؛ ج 1، ص : 281

..........

______________________________
رحمة اللَّه عليه في التهذيب
«1».

و الّذي وجدته في التّهذيب الأوّل، فإنّه روى عن محمّد بن يحيى، رفعه عن أبان، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السّلام: فتاة منّا بها قرحة في جوفها، و الدّم سائل، لا تدري من دم الحيض، أو من دم القرحة؟ فقال: «مرها فلتستلق على ظهرها، و ترفع رجليها، و تستدخل إصبعها الوسطى، فان خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض، و إن خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة.» «2».

لكن الّذي رواه الكليني، عن محمّد بن يحيى أيضا عكس هذه الرّواية «3»، حكاه المصنّف في المنتهى «4» و التّذكرة «5»، و شيخنا في الذكرى و زاد فيها ان في كثير من نسخ التهذيب الجديدة الرّواية بلفضها «6»، يعني كما رواه ابن يعقوب، ثم حكى ان ابن طاوس رحمة اللَّه عليه قال: إن الحكم بكون الخارج من الأيسر حيضا موجود في بعض نسخ التّهذيب الجديدة، و قطع بأنّه تدليس، إلّا أن الرّواية مرسلة، و في الدّروس قال: و الرواية مضطربة «7».

أقول: ما قطع به ابن طاوس من التّدليس ليس بظاهر، فان التّدليس إنّما يكون في الإسناد دون المتن، كأن يروي عمّن لقيه و لم يسمع منه موهما أنّه سمع منه، أو يروى عمّن عاصره و لم يلقه موهما أنه لقيه و سمع منه. أمّا الاضطراب فقد يكون في المتن، و قد يكون في الإسناد، بأن ترد الرّواية من طريق على وجه، و من آخر على وجه يخالفه، لكن إنّما يصدق الاضطراب إذا تساويا، أما إذا ترجح أحدهما بمرجح فلا اضطراب، و حينئذ فيقال هنا: فتوى الشّيخ بأن الحيض من الأيسر يدلّ على أن الصّحيح من نسخ التّهذيب ما تضمن الرّواية.

______________________________
(1) لم نجد هذه الرواية في التهذيب، بل الموجود هو العكس، و هي رواية محمد بن يحيى عن أبان الاتية.

(2) التهذيب 1: 385 حديث 1185.

(3) الكافي 3: 94.

(4) المنتهى 1: 95.

(5) التذكرة 1: 26.

(6) الذكرى: 28.

(7) الدروس: 6.

283
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في ماهيته ؛ ج 1، ص : 281

و كل ما تراه قبل بلوغ تسع سنين، (1)

______________________________
و لا تعارضها رواية محمّد بن يعقوب لها بخلاف ذلك، لأنّ الشّيخ أعرف بوجوه الحديث و أضبط، خصوصا مع فتوى الأصحاب بمضمونها، فإنّه مع ترجيحه لها جابر لوهن إرسالها.

و يشهد لذلك ما روي من أن الحائض إذا أرادت أن تستبرئ نفسها ألصقت بطنها إلى جدار، و رفعت رجلها اليسرى «1» فإنها تدل على أن الحيض من الأيسر، فعلى هذا المعتمد ما عليه أكثر الأصحاب «2».

فرعان:

أ: إذا انتفت القرحة، و خرج الدم من الأيمن بأوصاف الحيض و شرائطه فالظاهر أنّه حيض، نظرا إلى الإمكان في نظر الشارع، و وجوب تعلّق الحكم مع اجتماع الشرائط، و الحديث لا ينافي ذلك، لأنه إنّما ورد على ذات القرحة، و الظاهر أن إطلاق الأصحاب يراد به ذلك.

ب: لو خرج الدّم من غير الرحم في دور الحيض لانسداد الرحم، قال في البيان: فالأقرب أنّه حيض مع اعتياده، كما حكي في زماننا عن امرأة يخرج الدّم من فيها «3»، و ما قرّبه قريب.

قوله: (و كل ما تراه قبل بلوغ تسع سنين).

(1) قد يقال: إن هذا مع قوله سابقا: (إذا بلغت المرأة) تكرار، و جوابه أنه لم يتقدم تعيين الزّمان الّذي يحصل به البلوغ، فلا تكرار.

و قد يقال أيضا: إن الحيض دليل على حصول البلوغ، فإذا اشترط في كونه حيضا البلوغ انتفت دلالته.

و جوابه: أنّه يفيد العلم بالبلوغ فيمن جهل سنّها، و استعدت له- عادة- ثم وجد‌

______________________________
(1) الكافي 3: 80 حديث 1، التهذيب 1: 161 حديث 462.

(2) ذهب اليه الشيخ في المبسوط 1: 43، و النهاية: 24 و ابن البراج في المهذب 1: 35، و غيرهم.

(3) البيان: 16.

284
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في ماهيته ؛ ج 1، ص : 281

أو بعد سن اليأس و هو ستون للقرشية و النبطية، و خمسون لغيرهما، (1)

______________________________
الدم بشرائط الحيض، فإنه يكون دليلا على بلوغها.

قوله: (و هو ستون للقرشيّة و النّبطية، و خمسون لغيرهما).

(1) المراد بالقرشيّة من انتسبت إلى قريش بأبيها كما هو المختار في نظائره، و يحتمل الاكتفاء بالأم هاهنا، لأن المعتبر في الحيض تقارب الأمزجة، و من ثم اعتبرت العمات و الخالات و بناتهن في المبتدئة إذا اختلف عليها الدّم، و المعتمد هو الأوّل اقتصارا على المتيقن، و اتّباعا لمدلول قول الصّادق عليه السّلام في صحيحة ابن أبي عمير: «إذا بلغت المرأة خمسين لم تر حمرة إلّا أن تكون امرأة من قريش» «1».

امّا النّبطية فذكرها الأصحاب، لكن لا نص ظاهرا عليها، قال في الذكرى:

و أمّا النّبطية فذكره المفيد رحمه اللَّه و من تبعه رواية، و لم أجد به خبرا مسندا «2»، و على هذا فلم يذكر أحد من أصحابنا تعيين النبطية، و الّذي كثر في كلام أهل اللغة أنّ النبط: جيل كانوا ينزلون البطائح بين الكوفة و البصرة، قال في الصّحاح: النّبط و النبيط قوم ينزلون بالبطائح بين العراقين، الجمع أنباط- الى أن قال-: و في كلام أيوب ابن القرية أهل عمّان عرب استنبطوا، و أهل البحرين نبيط استعربوا «3» و في النهاية لابن الأثير بعد أن ذكر ما قدمناه أولا قال: إنّهم كانوا قديما سكان العراق «4»، و في القاموس اقتصر على ما قدمناه «5»، و حينئذ فالحكم خال من مستند قوي سوى الشهرة، و مناطه غير مضبوط، و يمكن أن يستأنس له بأن الأصل عدم اليأس، فيقتصر فيه على موضع الوفاق.

و في بعض الأخبار الصحيحة، عن الصّادق عليه السّلام حد التي يئست من المحيض خمسون سنة «6»، و في بعضها استثناء القرشية «7»، و الأخذ بالاحتياط في بقاء‌

______________________________
(1) الكافي 3: 107 حديث 3، الفقيه 1: 51 حديث 198، التهذيب 1: 397 حديث 1236.

(2) الذكرى: 28.

(3) الصحاح 3: 1162 مادة (نبط).

(4) النهاية (نبط) 5: 9.

(5) القاموس (نبط) 2: 387.

(6) الكافي 3: 107 حديث 2، 4، التهذيب 1: 397 حديث 1235، 1237، و ج 8: 137 حديث 478.

(7) الكافي 3: 107 حديث 3، الفقيه 1: 51 حديث 198، التهذيب 1: 397 حديث 1236.

285
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في ماهيته ؛ ج 1، ص : 281

أو دون ثلاثة أيام، أو ثلاثة متفرقة، أو زائدا عن أقصى مدة الحيض أو النفاس فليس حيضا. (1)

و يجامع الحمل على الأقوى، (2)

______________________________
الحكم بالعدة و توابع الزوجية- استصحابا لما كان لعدم القطع بالمنافي- أولى، و الأمر في العبارة أسهل، فالوقوف مع المشهور أوجه، و بالغ المصنّف في المنتهى
«1» فحكم بإمكان الحيض الى الستين مطلقا، و مشهور الأصحاب، و الّذي في الاخبار خلافه.

قوله: (أو زائدا عن أقصى مدّة الحيض أو النّفاس، فليس حيضا).

(1) أمّا الزائد عن أقصى مدة الحيض فظاهر، و أما الزائد عن أقصى مدّة النّفاس فلأنه لا بدّ من تخلل عشرة- هي أقل الطهر بين النّفاس و الحيض- ليكون ما بعده و ما قبله حيضا، و لا يغني ذكر الأوّل عن الثّاني، إذ لا يلزم من نفي كون الزائد عن أقصى مدة الحيض حيضا، نفي كون الزّائد عن أقصى مدّة النفاس حيضا، و هو المقصود بالبيان، فلا تتوجّه على العبارة مؤاخذة.

قوله: (و يجامع الحمل على الأقوى).

(2) اختلف الأصحاب في ذلك على أقوال:

فالمشهور أنّ الحامل قد تحيض كالحائل «2»، و للشّيخ قول في الخلاف بأنّها تحيض ما لم تستبن الحمل «3»، و في النّهاية «4» اعتبر عدم تأخر الدّم عن العادة بعشرين يوما، فإن تأخر كذلك فليس بحيض تعويلا على رواية الصحاف «5»، و هي معارضة بأشهر منها و أكثر مع قبولها التأويل بالغالب.

و قال ابن الجنيد: لا يجتمع حمل و حيض «6»- و هو اختيار ابن إدريس- «7» استنادا إلى حجج ضعيفة، منها قوله عليه السّلام: «ما كان اللَّه ليجعل حيضا مع‌

______________________________
(1) المنتهى 1: 96.

(2) منهم: الصدوق في المقنع: 16، و الشهيد في الدروس: 6.

(3) الخلاف 1: 74 مسألة 12 كتاب الحيض.

(4) النهاية: 25.

(5) الكافي 3: 95 حديث 1، التهذيب 1: 388 حديث 1197، الاستبصار 1: 140 حديث 482.

(6) نقل قوله في المختلف: 36.

(7) السرائر: 29.

286
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في ماهيته ؛ ج 1، ص : 281

و أقلّه ثلاثة أيام متوالية، (1) و أكثره عشرة أيام و هي أقل الطهر.

______________________________
حبل»
«1»، و ردّ بمنع صحّة السّند، و منها ان الحامل يصح طلاقها مع الدم، و لا شي‌ء من الحائض يصحّ طلاقها، و الكبرى ممنوعة و منقوضة بالغائب، و منها أن الحيض علامة على عدم الحمل فلا يجامعه، و ردّ بأنّ العلامة يكفي فيها الغالب، و الأصحّ الأوّل.

قوله: (و أقله ثلاثة أيّام متوالية).

(1) اتفق الأصحاب كلّهم على أن أقل الحيض ثلاثة أيّام، كما اتفقوا على أن أكثره عشرة، فلو نقص عن ذلك فليس بحيض قطعا، و الأخبار «2» في ذلك كثيرة جدّا، و لا ريب أن اللّيالي معتبرة في الأيّام، إمّا لكونها داخلة في مسمّاها أو تغليبا، و قد صرّح بدخولها في بعض الأخبار من طرق العامة «3»، و في عبارة بعض الأصحاب «4»، و ادّعى المصنّف الإجماع على ذلك في المنتهى «5».

لكن اختلفوا في أن الثّلاثة هل يشترط أن تكون متوالية أم يكفي كونها في جملة عشرة و إن كانت متفرقة؟ فالأكثر على الأوّل «6»، و الشّيخ في النّهاية على الثّاني «7»، و به مرسلة يونس، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام «8»، و ضعفها بالشّذوذ، و الإرسال منع من التمسّك بها، و الوقوف مع الأصل للشكّ في الحيض، و استصحاب شغل الذمة بالعبادة، و موافقة أكثر الأصحاب اقتضى ترجيح الأوّل.

فعلى هذا، ما المراد بالتّوالي؟ لا يعرف الان في كلام أحد من المعتبرين تعيينا له، و المتبادر إلى الأفهام من كون الدّم ثلاثة أيّام حصوله فيها على الاتصال، بحيث متى ما وضعت الكرسف تلون به، و قد يوجد في بعض الحواشي الاكتفاء بحصوله فيها في‌

______________________________
(1) التهذيب 1: 387 حديث 1196، الاستبصار 1: 140 حديث 481.

(2) الكافي 3: 75 حديث 1- 3، التهذيب 1: 156 حديث 445- 447، الاستبصار 1: 130- 131 حديث 446- 450.

(3) سنن النسائي 1: 182.

(4) المعتبر 1: 202: و فيه (فقال أبو علي بن الجنيد في المختصر: أقله ثلاثة أيام بلياليها).

(5) المنتهى 1: 97.

(6) منهم: الشيخ في الجمل و العقود (الرسائل العشرة): 163، و ابن إدريس في السرائر: 28، و ابن الجنيد كما نقله في المختلف 36، و ابن حمزة في الوسيلة: 47- 48.

(7) النهاية: 26.

(8) الكافي 3: 76 حديث 5.

287
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في ماهيته ؛ ج 1، ص : 281

و كلّ دم يمكن أن يكون حيضا فهو حيض (1) و ان كان أصفر أو غيره، فلو رأت ثلاثة ثم انقطع عشرة ثم رأت ثلاثة فهما حيضان.

و لو استمر ثلاثة و انقطع و رأته قبل العاشر، و انقطع على العاشر فالدمان و ما بينهما حيض. و لو لم ينقطع عليه فالحيض الأول خاصة. (2)

______________________________
الجملة، و هو رجوع الى ما ليس له مرجع.

قوله: (و كل دم يمكن أن يكون حيضا فهو حيض).

(1) هذا الحكم ذكره الأصحاب كذلك، و تكرر في كلامهم، و يظهر انّه ممّا أجمعوا عليه، و لولاه لكان الحكم به مشكلا، من حيث ترك المعلوم ثبوته في الذمة تعويلا على مجرّد الإمكان، و قد يستأنس له بظاهر الأخبار الدالة على تعلّق أحكام الحيض بمجرّد لون الدّم «1»، مع إمكان أن لا يكون حيضا، و منه يظهر اعتبار التمييز.

و المراد بالإمكان: عدم الامتناع عند الشّارع، فلو رأت دما بشرائط الحيض كلّها، لكن تقدمّه دم كذلك و لم يتخلل بينهما أقل الطهر امتنع أن يكون حيضا، و كذا ما بين العادة و العشرة مع التّجاوز، و لا يقدح عدم ظهور الحال قبل بلوغ العشرة، لأن الحكم بكونه حيضا و عدمه عند الشّارع واقع، و انكشافه عندنا موقوف على التجاوز و عدمه، و لا يعتبر في إمكان كون الدّم حيضا أن يكون بصفة دم الحيض، كما صرّح به المصنّف في المنتهى «2» و غيره «3»، و كذا غيره «4».

و لا يشكل بأن لدم الاستحاضة صفات يختص بها، فلا يجامع دم الحيض، و الا لم تكن مختصة، لأن المراد الاختصاص غالبا، و لأن الصفات غير موثوق بها، لأن الصفرة و الكدرة في أيّام الحيض حيض، كما أن السواد و الحمرة في أيام الطّهر استحاضة، فلا يعارض ما هو أقوى، فإن اجتماع الشرائط يوجب القطع بالحيض.

قوله: (و لو لم ينقطع عليه، فالحيض الأوّل خاصّة).

(2) هذا إذا لم تكن ذات عادة مستقرة، أو كانت و لم يصادف الدّم الّذي قبل‌

______________________________
(1) الكافي 3: 76 حديث 5، التهذيب 1: 158 حديث 452.

(2) المنتهى 1: 98.

(3) التحرير 1: 13، و التذكرة 1: 26- 27.

(4) المحقق في المعتبر 1: 203 و الشهيد في اللمعة: 20.

288
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في ماهيته ؛ ج 1، ص : 281

و لو تجاوز الدم العشرة، فإن كانت ذات عادة مستقرة- (1) و هي التي يتساوى دمها أخذا و انقطاعا شهرين متواليين- (2)

______________________________
العاشر جزءا من عادتها، فان صادف فالجزء الأخير من العادة، و الدّم الأوّل و ما بينهما حيض، امّا زمان الدّمين- أعني الجزء الأخير و الدّم الأوّل- فظاهر لأنّهما في العادة، و أما ما بينهما من النقاء فهو حيض عندنا، لأنّه محفوف بدمي الحيض، و يمتنع كون الطّهر أقل من عشرة.

قوله: (و لو تجاوز الدّم العشرة، فإن كانت ذات عادة مستقرّة).

(1) لما ذكر أن الدّم إذا انقطع على العشرة حكم بأن الجميع حيض، أشار إلى حكم ما إذا تجاوز، و اعلم أنّه إذا تجاوز الدّم العشرة، فقد امتزج الحيض بالطهر، فلا يخلو إما أن تكون ذات عادة مستقرة، أو مبتدئة، أو مضطربة ناسية لعادتها عددا و وقتا، أو عددا خاصّة، أو وقتا خاصّة، و على التّقديرات، فامّا أن يكون لها تمييز أو لا، فهذه صور عشر.

أ: ذات عادة مستقرة مميزة.

ب: الصورة بحالها و لا تمييز.

ج: مبتدئة مميّزة.

د: مبتدئة غير مميّزة.

ه‍: ناسية العادة عددا و وقتا، مميّزة.

و: الصّورة بحالها و لا تمييز.

ز: ناسية العدد دون الوقت مميّزة.

ح: الصورة بحالها و لا تمييز.

ط: عكس ذلك مع التمييز.

ي: الصّورة بحالها و لا تمييز.

فهذه أقسام المستحاضات، و سيأتي- ان شاء اللَّه تعالى- مفصّلة.

قوله: (و هي الّتي يتساوى دمها أخذا و انقطاعا شهرين متواليين).

(2) العادة إنّما تثبت بمرّتين متساويتين عددا و وقتا إجماعا، لأن العادة مأخوذة من العود، و لا تصدق بالمرة الواحدة، لقول النّبي صلّى اللَّه عليه و آله: «دعي الصّلاة أيام‌

289
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في ماهيته ؛ ج 1، ص : 281

..........

______________________________
أقرائك»
«1»، و الجمع لا يصدق على الواحد قطعا، و في مقطوع سماعة: «فإذا اتفق شهران عدة أيام سواء فتلك أيّامها» «2»، و عن الباقر عليه السّلام و قد سئل عن المستحاضة كيف يغشاها زوجها؟ قال: «ينظر الأيام التي كانت تحيض فيها و حيضتها مستقيمة، فلا يقربها في عدّة تلك الأيام» «3» و صدق الاستقامة يستدعي مرتين، و لا يشترط الثلاث اتّفاقا منّا لقول الصّادق عليه السّلام: «فان انقطع الدّم لوقته من الشّهر الأوّل، حتّى توالت عليها حيضتان، أو ثلاث فقد علم أن ذلك صار لها وقتا، و خلقا معروفا» «4».

و لا يشترط في استقرار العادة استقرار عادة الطهر لعموم النّص، و صدق الأقراء بدونه، فلو رأت في أوّل شهرين خماس، ثم في آخر الثاني و عبر العشرة رجعت إلى الخمسة، و تستظهر هذه برؤية الدّم الثّالث إلى ثلاثة، كما سيأتي في المبتدئة و المضطربة، لوقوعه في غير وقت العادة، نعم يشترط استواء وقتيهما و ان اختلف العدد كما في الفرض السابق.

و يلوح من عبارة المنتهى عدم اعتبار استواء الوقتين، فإنه قال: لا يشترط في استقرار العادة استقرار عادة الطهر، ثم قال بعده: لا يشترط التّساوي في الوقت، فإن العادة تتقدم و تتأخّر بالوجدان «5»، و هذا و إن كان بإطلاقه يؤذن بعدم اعتبار استواء الوقت، إلّا أنّه يحتمل أن يريد بعدم اعتبار الاستواء بالنّسبة إلى الاستقرار العددي لا مطلقا.

و قد صرّح بذلك في التذكرة حيث قال: لا يشترط في استقرار العادة استقرار عادة الطّهر- إلى أن قال- و كذا لا يشترط الوقت، فلو رأت خمسة في أوّل الشهر، ثم في أوسط الثّاني، ثم في آخره استقرت عادتها عددا، فان اتفق الوقت مع العدد استقرأ عادة «6».

______________________________
(1) الكافي 3: 88 حديث 1.

(2) الكافي 3: 79 حديث 1.

(3) التهذيب 1: 402 حديث 1257.

(4) الكافي 3: 88 حديث 1 بتفاوت يسير.

(5) المنتهى 1: 103.

(6) التذكرة 1: 27.

290
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في ماهيته ؛ ج 1، ص : 281

..........

______________________________
و في الذّكرى بعد أن اعتبر استقرار الطّهر حكى عن المصنّف عدمه، ثم قال:

و تظهر الفائدة لو تغاير الوقت في الثّالث، فان لم نعتبر استقرار الطّهر جلست لرؤية الدّم، و إن اعتبرناه فبعد الثلاثة، أو حضور الوقت. هذا إن تقدم الوقت، و لو تأخر أمكن ذلك استظهارا، و يمكن القطع بالحيض هنا، ثم قال: و الأقرب ان اتحاد الوقت إنما يؤثر في الجلوس برؤية الدم، و قلما يتفق دائما «1».

و أقول: ما حكاه عن المصنّف صحيح، غير أن ما ادّعاه من الفائدة منظور فيه، إذ ليس في كلام المصنّف، و لا غيره من الأصحاب تصريح بأن من استقرت عادتها عددا لا وقتا تجلس لرؤية الدّم مع القول بوجوب الاستظهار بالثلاثة على المبتدئة و المضطربة، و ما قربه في آخر كلامه لا معنى له، إذ لا فرق بين المبتدئة و ذات العادة و ذات الدم إذا رأت الدم في غير عادتها، إلّا إذا تأخر فيمكن الفرق هنا، و سيأتي في كلام المصنّف اعتبار الاحتياط في المبتدئة بالصّبر ثلاثة و هو آت في متقدّمة العادة، و من لم تستقر عادتها وقتا، و لم يوجد في كلامه ما ينافيه، بل يظهر من قوله فيما بعد:

(و تترك ذات العادة العبادة برؤية الدّم فيها).

و لو استوت الحيضتان عددا و اختلفتا وقتا، كما لو رأت خمسة أوّل الشّهر و أخرى آخره، استقرت عددا لا وقتا، اتفق عدد الطهر أو اختلف، تدل على ذلك عبارات الأصحاب، و حكاه في الذكرى «2» عن المبسوط «3» و الخلاف «4».

و مثله ما لو تساويا في زيادة على شهرين، فتستظهر برؤية الدّم الثّالث إلى ثلاثة أيام، و ان عبر العشرة رجعت الى الخمسة، فإن استمر الدّم فلا تصريح في حكم الدّم الرّابع، و الظاهر إلحاقها بذاكرة العدد النّاسية للوقت.

و لو استوى الوقت في الحيضتين و اختلف العدد، كما لو رأت خمسة في أوّل الشّهر و ستة في أوّل الثّاني فوجهان:

______________________________
(1) الذكرى: 28.

(2) الذكرى: 28.

(3) المبسوط 1: 47.

(4) الخلاف 1: 41 مسألة 13 كتاب الحيض.

291
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في ماهيته ؛ ج 1، ص : 281

..........

______________________________
أحدهما: استقرار أقل العددين، و هو مختار المصنّف في النهاية
«1»، و الشّهيد في الذكرى «2».

و الثاني: العدم، و هو الأقرب لعدم صدق الاستواء و الاستقامة، لكن هذه تترك الصّلاة و الصوم برؤية الدّم، فإذا عبر دمها العشرة فالظاهر إلحاقها بذاكرة الوقت الناسية للعدد مع احتمال رجوعها، و التي قبلها إلى عادة النّساء من الأقارب و الأقران ان لم يسبق لها عادة مستقيمة.

و لو اختلف عدد الحيضتين و وقتهما، فاستقرار الوقت منتف قطعا، و في استقرار أقل العددين ما تقدم. إذا تقرر هذا فهنا مباحث:

الأوّل: قد يلخص مما ذكرناه أن العادة على ثلاثة أقسام: مستقرة عددا و وقتا، مستقرة عددا لا وقتا، مستقرة وقتا لا عددا، و ظاهر عبارة الكتاب تعريف الأولى لأنها المتبادرة إلى الفهم من إطلاق لفظ المعتادة، كما يظهر من قول المصنّف:

(و تترك ذات العادة العبادة برؤية الدّم فيها)، و لعدم انطباق التّعريف على غيرها، لأن تساوي الدّمين أخذا و انقطاعا إنّما يصدق مع تماثل الزّمان، و هو غير صادق في غير المدّعى.

و لو صحّ عدم اعتبار التماثل، و اكتفي بمطلق الاستواء في وقت الأخذ و الانقطاع امتنع صدقه في الثّالثة، و خروجها من التّعريف حينئذ نوع خلل، لأنه إن أريد تعريف مطلق المعتادة وجب دخولها فخروجها خلل في عكس التّعريف، أو المعتادة الحقيقة، فدخول الثانية خلل في طرد التّعريف، فتعيّن اعتبار التماثل.

الثّاني: الشّهر لغة هو العدّة بين هلالين، و ربّما أطلق على ثلاثين يوما كما سيأتي إن شاء اللَّه تعالى في البيع، و الظهار، و الإيلاء و غيرها، و يطلق هنا على العدّة الّتي يقع فيها حيض و طهر صحيحين، و أقل ذلك عندنا ثلاثة عشر يوما كما صرّح به المصنّف في النّهاية «3» و هذا الإطلاق شائع في كلامهم، و لم يثبت أنه بطريق الحقيقة‌

______________________________
(1) نهاية الأحكام 1: 144.

(2) الذكرى: 28.

(3) نهاية الأحكام 1: 143.

292
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في ماهيته ؛ ج 1، ص : 281

..........

______________________________
أو المجاز مع كثرة استعمالهم الشهر بالمعنى اللّغوي في مثل قولهم: في كلّ شهر ستّة أيّام، أو سبعة.

و قولهم: تحديد أبي الصّلاح أكثر الطهر بثلاثة أشهر «1» ضعيف، و أمثال ذلك مما لا يحصى، مع أنّه قد ثبت أن غالب عادات النّساء في كلّ شهر هلالي مرّة، و لهذا إنّما يحكم بالحيض للمتحيرة في كلّ هلال مرّة، و كذا المبتدئة مع إمكان الزّيادة على ذلك و يحكم بانقضاء عدّتها لو طلقت بثلاثة أشهر، و أكثر إطلاقات الشّهر في الأخبار منزلة على الهلالي، فعلى هذا يكون إطلاق الشّهر على العدة الّتي يقع فيها حيض، و طهر صحيحين بطريق المجاز لأنه خير من الاشتراك و النقل.

إذا عرفت هذا، فقد ظهر ممّا قررناه أولا، ان الشّهر في عبارة الكتاب في تعريف المعتادة إنّما يراد به الهلالي لا العدة بالمعنى الثّاني، كما يوجد في بعض حواشي ولد المصنّف «2» و شيخنا الشّهيد «3»، لأن تماثل الزّمان بالنسبة إلى الدّمين لا يتصوّر في غيره، و كلام الفقهاء مشحون بذلك.

و لأنه لو أريد ذلك لم يتحقق استقرار العادة، لصدقه مطردا فيما لو رأت خمسة في أوّل الشّهر، و خمسة في آخره، ثم استمرّ الدّم في الشّهر الذي بعده، فإنا و إن حكمنا برجوعها في الدم الثّالث إلى العدد السّابق، إلا أنّ ما بعده من زمان استمرار الدم لا يتعين لها حيض بيقين، لانتفاء المعين لذلك، و لم يصحّ قوله فيما بعد: (و تترك ذات العادة العبادة برؤية الدّم فيها) لأن التي استقرت عادتها وقتا لا عددا تخرج من التّعريف حينئذ.

و يمكن أن يقال: أراد بالشهر في التّعريف المعنى الثاني، و لا يضر خروج المعتادة وقتا خاصة، إذ المراد بالعادة هنا ما يرجع اليه عند عبور الدّم العشرة، و هو ثابت في ذات العادة عددا و وقتا، و عددا خاصة دون غيرهما.

إلا أنّ هذا إنّما يعتد في أوّل طروء الدّم بعد تخلل عشرة، فلو دام أو طرأ قبل تخلل‌

______________________________
(1) الكافي في الفقه: 128.

(2) راجع مفتاح الكرامة 1: 347، و التنقيح الرائع 1: 105.

(3) ذكره السيد العاملي في مفتاح الكرامة 1: 347.

293
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في ماهيته ؛ ج 1، ص : 281

رجعت إليها، (1)

______________________________
عشرة بينه و بين الدّم الأوّل لم يكن حكمه معلوما، و لا يكون حينئذ رجوع ذات العادة عددا و وقتا إلى عادتها مع استمرار الدّم دائما مستفادا من العبارة، لأن صحّتها إنما تكون إذا أريد بقوله: (رجعت إليها) كون ذلك في المرة الأولى لما عرفته، فلا يكون ضابطا مع احتياج قوله: (و تترك ذات العادة.) حينئذ إلى التأويل، فكان الأولى ما قدمناه.

الثّالث: هذا المذكور هنا، هو حكم ذات العادة الّتي لا تمييز لها، فان التي لها تمييز سيأتي بيان حكمها قبل الفروع، و كيف نزلت الشهر في العبارة فهي غير شاملة لجميع أقسام المعتادة، فلا يعرف أحكام الباقي منها من العبارة، و قد أوضحنا حكمها فيما سبق.

الرابع: قد تلخص مما ذكرناه أنّ استقرار العادة وقتا إنّما يكون بتماثل زمان الدّمين بالنسبة إلى الشهرين الهلاليين، لما عرفت من أن الشّهر في كلام النّبي صلّى اللَّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام إنّما يحمل على الهلالي، نظرا إلى أنّه الأغلب في عادات النساء، و في الاستعمال، و لو حمل على المعنى الآخر مع كونه مرجوحا لم يطرد، فلو رأت ثلاثة، ثم انقطع عشرة، ثم رأته و عبر العشرة فلا وقت لها لعدم تماثل الوقت باعتبار الشهر.

الخامس: لو كان لذات العادة المستقرة عددا خاصّة، أو وقتا خاصّة تميز، فان طابق ما استقر لها من العادة عملت عليه، و إن خالف فالترجيح للعادة.

قوله: (رجعت إليها).

(1) معناه: ردت حكم دمها المتجاوز إلى عادتها المستقرّة، فحكمت بأن مقدار العادة حيض، و ما زاد استحاضة، فتقضي ما تركته فيه من صوم، و صلاة، لأنّها تبينت كونها طاهرة فيه، و أنّ ما احتملته من كون الدّم حيضا فاسد، و الظن إذا ظهر فساده لا عبرة به، فكيف الاحتمال.

294
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في ماهيته ؛ ج 1، ص : 281

و ان كانت مضطربة أو مبتدئة رجعت الى التمييز. و شروطه اختلاف لون الدم، و مجاوزته العشرة، و كون ما هو بصفة الحيض لا ينقص عن الثلاثة و لا يزيد على العشرة، (1) فجعلت الحيض ما شابهه و الباقي استحاضة.

______________________________
قوله: (و إن كانت مضطربة أو مبتدئة رجعت إلى التمييز، و شروطه اختلاف لون الدّم، و مجاوزته العشرة، و كون ما هو بصفة دم الحيض لا ينقص عن ثلاثة و لا يزيد على العشرة).

(1) ظاهر العبارة أن المبتدئة من لم يسبق لها عادة في الحيض، لأنها مقابل المعتادة، و أن المضطربة من سبق لها عادة و نسيتها، لأنه قسّمها إلى ناسية العدد، و ناسية الوقت، و ناسيتهما، و في المعتبر: المبتدئة هي الّتي تبتدئ الدّم، و المضطربة هي الّتي لم تستقر لها عادة «1».

و هذا التفسير صحيح إلا أن الأوّل هو الّذي تجري عليه أحكام الباب، فان من لم تستقر لها عادة أصلا ترجع الى النّساء مع فقد التّميز كالّتي ابتدأت الدّم، و المضطربة لا ترجع الى النّساء لسبق عادة لها، و أيضا فإن المنقسم إلى الأقسام الثّلاثة هي هذه دون تلك.

و يجوز قراءة المبتدئة بكسر الدال، و فتحه اسم فاعل أو اسم مفعول بمعنى التي ابتدأت الحيض، أو التي ابتدأ بها الحيض، أي لم تستقرّ لها عادة.

إذا تقرّر ذلك، فالمبتدئة و المضطربة إمّا أن يكون لهما تمييز أو لا؟ و التمييز تفعيل من ماز الشي‌ء يميزه إذا عزله و فرزه «2»، و لا خلاف بين الأصحاب في اعتبار الأمور الّتي ذكرها المصنّف فيه. و هل يعتبر فيه بلوغ الدّم الضعيف أقل الطهر؟ وجهان:

أحدهما: نعم، و هو الّذي يلوح من ظاهر المعتبر «3» و به صرّح المصنّف في النّهاية «4»، لأنا إذا جعلنا القوي حيضا كان الضّعيف طهرا، لانه مقابله.

______________________________
(1) المعتبر 1: 207، 209.

(2) الصحاح (ميز) 3: 897.

(3) المعتبر 1: 207، 209.

(4) نهاية الأحكام 1: 135.

295
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في ماهيته ؛ ج 1، ص : 281

..........

______________________________
و الثّاني: لا، لعموم قول النّبي صلّى اللَّه عليه و آله: «دم الحيض اسود يعرف»
«1» و لو رأت ثلاثة أسود، ثم ثلاثة اصفر، ثم عاد الأسود عشرة، فعلى الأوّل لا تمييز لها، و على الثّاني حيضها خمسة، و في المبسوط حيضها العشرة، و الستة السّابقة تقضي صلاتها و صومها «2».

و قال المصنّف في التّذكرة: و الأقرب أنه لا تمييز لها «3»، و هو يعطي اعتبار أقل الطهر في الضّعيف و اعتباره قويّ متين، لكن في خبر يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام في امرأة ترى الدّم ثلاثة أو أربعة، ثم الطّهر ثلاثة أو أربعة، ثم الدم كذلك، ثم الطهر كذلك، ثم الدّم كذلك، فأجاب عليه السّلام بترك الصلاة، و فعلها مع الطهر ما بينها و بين شهر، ثم هي مستحاضة «4»، أخرجه الشّيخ في التّهذيب من طريق ابن أبي عمير «5».

و بمعناه عن يونس بن يعقوب ايضا من طريق آخر «6»، و حمله الشّيخ على مضطربة اختلط حيضها، أو مستحاضة استمرّ بها الدّم و اشتبهت عادتها، ففرضها أن تجعل ما يشبه دم الحيض حيضا، و الآخر طهرا، صفرة كانت أو نقاء، ليستبين حالها «7»، و هو صريح في عدم اشتراط بلوغ الضّعيف أقل الطهر.

و بمعنى الخبر قال في المبسوط «8»، و وجهه صاحب المعتبر بحصول الاشتباه و عدم تيقن الحيض أو الطهر، فتعمل فيه بالاحتياط «9»، و لا يكون هناك حيض بيقين، و لا طهر بيقين، لأن أقل الطهر عشرة.

و حمل في المختلف كلام الشّيخ على من رأت أربعة أسود أوّل الشّهر، ثم خمسة‌

______________________________
(1) الكافي 3: 88 حديث 1.

(2) المبسوط 1: 50.

(3) التذكرة 1: 31.

(4) الكافي 3: 83 حديث 1، التهذيب 1: 381 حديث 1183.

(5) التهذيب 1: 380 حديث 1179، الاستبصار 1: 131 حديث 453.

(6) التهذيب 1: 380 حديث 1180، الاستبصار 1: 132 حديث 454.

(7) الاستبصار 1: 132.

(8) المبسوط 1: 43.

(9) المعتبر 1: 206.

296
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في ماهيته ؛ ج 1، ص : 281

..........

______________________________
طهر نقاء، و بقية الشهر أو تتمة العشرة بصفة دم الاستحاضة، فإنها تتحيض بما هو بصفة دم الحيض، قال: و لا يحمل ذلك على ظاهره
«1»، و هذا الحمل يدل على اعتبار بلوغ الضّعيف أقل الطهر، و عليه الفتوى، و تنزيل صاحب المعتبر أقرب الى ظاهر اللفظ.

و من علامات التمييز الرائحة، فالمنتن قوي بالنّسبة إلى غيره، و منها الثخانة، و منها اللون، فالأسود قوي، ثم الأحمر، ثم الأشقر، ثم الأصفر، و متى اجتمع في دم خصلة، و في آخرى اثنتان فهو أقوى.

و في التذكرة قال بعد أن قرر أن ما شابه دم الحيض فهو الحيض، سواء كان الأوّل أو الأوسط أو الآخر قال: و لو كان في دم خصلة و في آخر اخرى فالمتقدم هو القوي «2»، لكن ذكر هذا في سياق كلام الشافعي، فلعلّه حكاية عنه، و في النّهاية تردد لعدم الأولوية «3».

فرع:

قد تترك ذات التمييز العبادة عشرين يوما متوالية، بأن ترى الحمرة عشرة فتجلسها لإمكان الحيض- بناء على عدم وجوب الاستظهار- ثم ترى السواد بعد عشرة فالحكم للثاني لأنه الأقوى، و الأوّل تبين أنه استحاضة، و لو اتفق قوة الدم الثّالث بالنسبة إليهما انتقلت إليه، و مثله يأتي في ناسية العادة إذا ذكرت بعد جلوسها في غيرها، و اختار في المعتبر أن تحتاط في العشرة الثّانية بالعبادة، فان لم يعبر الدّم العشرة قضت الصوم، و الأصحّ ما فعلته لفوات شرط التّمييز بالنسبة إلى الدّم الثاني «4»، و فيه قوّة.

و اعلم أنّ قول المصنّف: (و ان كانت مضطربة، أو مبتدئة رجعت الى التمييز) على ظاهره مؤاخذة، فإن المضطربة هي التي اختلف عليها الدّم و نسيت عادتها، إما عددا أو وقتا، أو عددا و وقتا، بدليل قوله بعد: (لو ذكرت المضطربة العدد، دون‌

______________________________
(1) المختلف: 38.

(2) التذكرة 1: 31.

(3) نهاية الأحكام 1: 135.

(4) المعتبر 1: 204.

297
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في ماهيته ؛ ج 1، ص : 281

و لو فقدتا التمييز رجعت المبتدئة إلى عادة نسائها، (1) فإن فقدن أو اختلفن فإلى عادة أقرانها، (2)

______________________________
الوقت.) و حينئذ فالحكم برجوعها الى التمييز مطلقا لا يستمر، لأن ذاكرة العدد، النّاسية للوقت لو عارض تمييزها عدد أيام العادة لم ترجع الى التمييز بناء على ترجيح العادة على التمييز، و كذا القول في ذاكرة الوقت ناسية العدد.

و يمكن الاعتذار، بأن المراد برجوعها إلى التمييز ما إذا طابق تمييزها العادة، بدليل ما ذكره من ترجيح العادة على التمييز، و هو حسن، فينزل إطلاق كلامه على ذلك.

قوله: (و لو فقدتا التمييز رجعت المبتدئة إلى عادة نسائها).

(1) أي: دون المضطربة، و إنما اختص هذا الحكم بالمبتدئة، لأن المضطربة سبق لها عادة، فلم يناسب الرّجوع إلى عادة غيرها، و المراد بالنّساء الأقارب من الأبوين أو أحدهما، و لا يختص ذلك بالعصبة، لأن المعتبر الطبيعة و هي جاذبة من الطرفين.

قوله: (فان فقدن أو اختلفن فإلى عادة أقرانها).

(2) هذا الحكم ذكره في المبسوط «1»، و تبعه جماعة من الأصحاب «2»، و حكى المصنّف في المنتهى عن المرتضى و ابن بابويه الرّجوع إلى الروايات من دون توسط الأقران «3»، و مال إليه.

و أنكر في المعتبر «4» الرّجوع إلى الأقران مطالبا بالدّليل، و فارقا بالمشاكلة في الطّباع و الجنسيّة في النّساء دون الأقران، و اعترضه في الذكرى بصدق لفظ نسائها الوارد في الرّواية عليهنّ، لأن الإضافة تصدق بأدنى ملابسة، قال: و لما لابسنها في السّن و البلد، صدق عليهنّ النّساء، و امّا المشاكلة فمع السّن و اتّحاد البلد تحصل غالبا، قال:

و ليس في كلام الأصحاب منع منه، و إن لم يكن فيه تصريح، نعم الظّاهر اعتبار اتحاد‌

______________________________
(1) المبسوط 1: 46.

(2) منهم: ابن حمزة في الوسيلة: 50، و الشهيد في الذكرى: 30.

(3) المنتهى 1: 100.

(4) المعتبر 1: 207- 208.

298
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في ماهيته ؛ ج 1، ص : 281

فان فقدن أو اختلفن تحيّضت هي و المضطربة في كل شهر بسبعة أيام أو بثلاثة من شهر و عشرة من آخر، (1) و لهما التخيير في التخصيص.

______________________________
البلد في الجميع، لأن للبلدان أثرا ظاهرا في تخالف الأمزجة
«1» هذا كلامه.

و مراده بالجميع النّساء و الأقران، و للنظر فيما قاله مجال، و لا بدّ من انتفاء الأغلب في عادات النّساء، لترجع إلى الأقران، فلو اختلفن و غلب عليهنّ عدد تحيّضت به، و مثله يعتبر في اختلاف الأقران لترجع إلى الرّوايات.

قوله: (تحيضت هي و المضطربة في كلّ شهر بسبعة أيام، أو بثلاثة من شهر و عشرة من آخر).

(1) و لها أن تتحيض بالسّتة أيضا، لورودها مع السّبعة في حديث واحد «2»، و لعله إنّما تركها المصنّف اكتفاء بالسّبعة في الدلالة عليها، و يتخير في هذه الأعداد، إلا أن يغلب على ظنها شي‌ء فتصير إليه.

و في نهاية المصنّف: الأقوى الرّجوع إلى الاجتهاد، لئلّا يلزم التخيير في السّابع بين وجوب الصّلاة و عدمها «3»، و يشكل بامتناع الاجتهاد، حيث ينتفي المرجّح، إذ القول بالتخيير لا يصحّ معه، و ما ذكره من امتناع التخيير منقوض بيومي الاستظهار بعد العادة و غير ذلك.

و الظاهر أنه لا يتعين عليها جعل الحيض أوّل الشّهر، و إن اقتضته الجبلّة غالبا لعدم الترجيح في حقها، و قد احتمله المصنّف في التذكرة «4»، و لا شك أنه أولى، و إذا قلنا بالتخيير فلا أثر لمنع الزوج.

و المراد بتخييرها في الأعداد و التخصيص إنّما هو أوّل مرّة لا مطلقا، بحيث يجوز لها ذلك في كل شهر، و إن كانت عبارات الأصحاب مطلقة لبعد اختلاف مرات الحيض زمانا و عددا، و لأن ذلك قائم مقام العادة للمعتادة.

______________________________
(1) الذكرى: 31.

(2) الكافي 3: 83 حديث 1، التهذيب 1: 381 حديث 1183.

(3) نهاية الأحكام: 1: 138.

(4) التذكرة 1: 31.

299
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في ماهيته ؛ ج 1، ص : 281

و لو اجتمع التمييز و العادة فالأقوى العادة إن اختلفا زمانا. (1)

______________________________
فرعان:

الأول: إذا تحيضت المبتدئة و المضطربة بعدد من الرّوايات لفقد ما سواها، فإنّما يبقى اعتباره في الدور الثّاني إذا لم يتجدد شي‌ء هو أولى من تمييز لهما، أو عادة النّساء للمبتدئة.

الثّاني: إذا لم ينقطع الدم على العدد الّذي تحيضتا به، هل تستظهران كذات العادة بيوم أو يومين؟ الظاهر نعم، و صرح به في الدروس «1»، و حكى أن في المبتدئة رواية أنّها تستظهر بعد عادة أهلها بيوم «2».

قوله: (و لو اجتمع التمييز و العادة فالأقوى العادة إن اختلفا زمانا).

(1) ما تقدم من حكم ذات العادة المستقرة المراد به ما إذا لم يكن لها مع العادة تمييز، فإنه ذكر ذات التمييز هنا، و هذا كما يفيد حكم ذات العادة المستقرة عددا و وقتا، يفيد حكم المستقرة في أحدهما خاصّة، و كذا يفيد حكم النّاسية للعادة عددا خاصّة، أو وقتا خاصّة، و متى اتفق التمييز و العادة فلا بحث.

أمّا إذا اختلفا زمانا إما مع الاختلاف عددا أو لا معه، فللشيخ قولان «3»، و بالعادة قال أكثر الأصحاب «4»، و مستند القولين الأخبار الكثيرة الدالة على اعتبار العادة مطلقا من غير تقييد بانتفاء التمييز «5»، و قد سبق بعضها، و حديث حفص بن البختري في الحسن عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام: «إن دم الحيض حار عبيط أسود له دفع، فإذا كان للدم حرارة و دفع فلتدع الصلاة» «6» و هو دال على اعتبار التمييز من غير تقييد.

______________________________
(1) الدروس: 7.

(2) التهذيب 1: 401 حديث 1252، الاستبصار 1: 138 حديث 472.

(3) قول في الجمل و العقود (الرسائل العشر): 162، و قول في النهاية: 24.

(4) منهم: الشهيد في الذكرى: 39.

(5) الكافي 3: 91 حديث 1، التهذيب 1: 151 حديث 429، و لمزيد الاطلاع راجع الوسائل 2: 542 باب 3.

(6) المصدران السابقان.

300
جامع المقاصد في شرح القواعد1

فروع ؛ ج 1، ص : 301

 

[فروع]

فروع:

[أ: لو رأت ذات العادة المستقرة العدد]

أ: لو رأت ذات العادة المستقرة العدد متقدما على العادة أو متأخرا فهو حيض، لتقدّم العادة تارة و تأخرها أخرى. (1)

______________________________
و يمكن الجواب بأن ذلك مبني على الغالب، فان الغالب كون ما في زمان العادة بهذا الوصف، فلا تعارض، أو تنزل على المبتدئة و المضطربة جمعا بين الأخبار، على أن قوة العادة المتكرّرة ظاهرة، فان العادات ملحقة بالأمور الجبلّية، و الحق ترجيح العادة المستفادة من الأخذ و الانقطاع، و هي المرادة في كلام المصنّف، أما المستفادة من التمييز فلا، لأن الفرع لا يزيد على أصله مع احتمال الترجيح، لصدق الأقراء عليها و فيه بعد، لأنه خلاف المتعارف.

و اعلم أن قول المصنّف: (إن اختلفا زمانا) من تمام تصوير المسألة و ليس شرطا للأقوى و الا لفسد المعنى، و لو قال: و لو اجتمع التمييز و العادة، و اختلفا زمانا فالأقوى العادة، كان أحسن.

قوله: (لو رأت ذات العادة- إلى قوله- لتقدم العادة تارة و تأخرها أخرى).

(1) هل يجب على من تقدم دمها العادة الاحتياط في العبادة إلى أن تمضي الثّلاثة، أو يحضر الوقت؟ يبنى على إيجاب الاحتياط على المبتدئة و المضطربة، و عدمه مع احتمال عدم الوجوب هنا، ففي مقطوع سماعة، المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها قال: «إذا رأت قبل وقتها فلتدع الصلاة فإنه ربما يعجّل» «1»، و في خبر إسحاق بن عمّار، عن الصّادق عليه السّلام في المرأة ترى الصفرة: «إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض» «2» و في البيان «3» نزل هذه على المضطربة إذا ظنت الدم حيضا، و ينافيه قوله: «إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض».

______________________________
(1) الكافي 3: 77 حديث 2، التهذيب 1: 185 حديث 453.

(2) الكافي 3: 78 حديث 2، الفقيه 1: 51 حديث 196، التهذيب 1: 396 حديث 1231.

(3) البيان: 20.

 

301
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ب: لو رأت العادة ؛ ج 1، ص : 302

[ب: لو رأت العادة]

ب: لو رأت العادة و الطرفين (1) أو أحدهما، فإن تجاوز العشرة فالحيض العادة و إلّا فالجميع.

______________________________
و يمكن الفرق بين ذات العادة و غيرها إذا تقدم دمها العادة يوما أو يومين عملا بهذه الرواية
«1»، بخلاف ما لو زاد لعدم الدّليل، و مقطوعة سماعة مطلقة «2»، فلا تصلح للدلالة على الزّائد لحملها على المقيّد، إلّا أنّه لا يحضرني الآن قائل بذلك، و الاحتياط طريق إلى اليقين، فهو أولى.

و يمكن حمل الاولى على ما إذا رأت قبل وقتها و علمته حيضا، أو مضى ثلاثة أيام، و حمل الثّانية على الاخبار عن الغالب، أي: إن كان قبل الحيض بيومين ففي الغالب هو من الحيض، و حينئذ فلا دلالة لها على ترك العبادة في اليومين، و لا يخفى ما فيه، و كيف قلنا فالأولى الجزم بتعلق تروك الحائض بهذه ما خلا ترك الواجب.

هذا إذا تقدم الدّم العادة، و لو تأخر أمكن ذلك لما تقدّم، و القطع بكونه حيضا، فإن التأخّر يثير ظنّ حصوله، لأنه يزيده انبعاثا نظرا إلى العادة، و فيه قوة.

قوله: (لو رأت العادة و الطرفين.).

(1) المراد بالطرفين ما قبل العادة و ما بعدها، و في المتقدّم ما سبق من احتمال وجوب الاحتياط و عدمه.

إن قيل: إذا تجاوز الدم العشرة فلم يحكم بكون الطرفين استحاضة، و هلّا حكم بالثاني خاصة حيث يمكن ضميمة الأول إلى العادة في كونهما حيضا؟

قلنا: الحكم بكون الثاني استحاضة مع استواء نسبتهما إلى العادة ترجيح من غير مرجح.

فان قيل: استواء النّسبة غير معلوم، بل المعلوم خلافه، و اتفاقهم على أن كل دم يمكن أن يكون حيضا فهو حيض يقتضي ضميمته.

قلنا: لما كانت العادة ملحقة بالأمور الجبلّية، اقتصر في مخالفتها على ما إذا كان‌

______________________________
(1) الكافي 3: 78 حديث 2، الفقيه 1: 51 حديث 196، التهذيب 1: 396 حديث 1231.

(2) الكافي 3: 77 حديث 2، التهذيب 1: 158 حديث 453.

302
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ج: لو ذكرت المضطربة العدد دون الوقت ؛ ج 1، ص : 303

[ج: لو ذكرت المضطربة العدد دون الوقت]

ج: لو ذكرت المضطربة العدد دون الوقت، تخيّرت في تخصيصه و ان منع الزوج التعيين. (1) و قيل: تعمل في الجميع عمل المستحاضة، (2) و تغتسل لانقطاع الحيض في كل وقت يحتمله، و تقضي صوم العدد.

______________________________
مجموع الدّم لا يزيد على العشرة، فإن زاد وجب العمل بالعادة: و إطلاق الأخبار
«1» و الأصحاب الرّجوع إلى العادة مع التّجاوز يشمل ذلك.

قوله: (و إن منع الزّوج التعيين).

(1) هذا لا اختصاص له بذاكرة العدد، بل هو آت في كلّ من خيّرت في تخصيص عدد، إمّا عدد العادة أو إحدى الرّوايات، لأن ثبوت الحيض لها بأصل الشّرع لا باختيارها، و التخيير لم يثبت أصالة، بل لأن جهلها بالحال اقتضى استواء جميع أيام الشّهر بالنسبة إليها، فامتنع تكليفها بشي‌ء مخصوص، فكما لم يكن ذلك منوطا باختيارها أصالة، لم يكن للزّوج في ذلك اعتراض، و يحتمل أن يكون كالواجبات الموسعة، فعلى القول بأن له منعها من الاشتغال بها في أوّل الوقت لو خالفت تسقط نفقتها إن منعت الوطء.

و المراد بتخييرها في التخصيص إنّما هو في أوّل الأمر- كما سبق- فإذا اختارت أوّل الشهر صار كالعادة، فتعمل في باقيه عمل المستحاضة.

و المراد بالشهر هنا: الهلالي، رجوعا إلى الجبلّة، فإن الغالب حصول الحيض في كلّ شهر مرّة، و لو علمت حصول العدد في الشهر مرتين، و تكرّر ذلك، و لم تعلم الوقت فلا تصريح للأصحاب، و الظاهر وجوب جلوسها مرّتين في الشهر، و التخيير بحاله، و حيث قلنا بالتخيير، فإنما هو عند عدم أمارة يظن معها وقت مخصوص، و لا شك في أولوية أوّل الشهر لموافقته الغالب.

قوله: (و قيل: تعمل في الجميع عمل المستحاضة).

(2) هذا القول للشّيخ «2»- رحمه اللَّه- إلحاقا لها بالمتحيرة، تمسكا بالاحتياط، و محله‌

______________________________
(1) الكافي 3: 76، 83، 95 حديث 5، 1، 1، التهذيب 1: 158، 168، 381 حديث 453، 482، 1183 و للمزيد راجع الوسائل 1: 541 باب 5 من أبواب الحيض.

(2) المبسوط 1: 51.

303
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ج: لو ذكرت المضطربة العدد دون الوقت ؛ ج 1، ص : 303

و لو انعكس الفرض تحيّضت بثلاثة (1) و اغتسلت في كل وقت يحتمل الانقطاع، و قضت صوم عشرة احتياطا ان لم يقصر الوقت عنه، و تعمل فيما تجاوز الثلاثة عمل المستحاضة.

______________________________
ما لم يحصل لها اختلال الحيض في زمان يقصر نصفه عنه، و لم تعلم بالمزج للقطع بحيض ما و طهر ما حينئذ فلا تعمل في الجميع عمل المستحاضة.

و المعتمد التخيير، و القول بالجمع بين التكليفات ضعيف، و هنا فائدتان:

أ: موضع القولين، ما إذا لم تعلم وقت طروء الدّم عليها، بأن عرض لها جنون و نحوه، فان علمته رجعت بتجاوز العشرة، إلى عدد العادة، فإن استمرّ إلى الشهر الثاني فهو محلّ الخلاف.

ب: ليس المراد من قوله: (و قيل: تعمل في الجميع عمل المستحاضة) الاقتصار عليه، و على الغسل للانقطاع، بل تترك مع ذلك ما تتركه الحائض، أخذا بمجامع الاحتياط.

و المراد من قوله: (و تغتسل لانقطاع الحيض في كلّ وقت يحتمله) الاغتسال عند كلّ صلاة، و كذا غيره من الغايات المشروطة بالطّهارة، لأنه محل تحتم وجوب الطهارة، و ان كان كل وقت يحتمل الانقطاع، فتجب للصلوات الخمس خمسة أغسال، سوى ما يجب للاستحاضة، إذ لا تداخل لما قيل أن استمرار الحدث يمنع التداخل، و تتخير في تقديم أي الأفعال شاءت من الغسل و الوضوء و غيرهما مما يجب، و يجب عليها المسارعة بين الفرضين بالغسل للفرض الثاني مع كثرة الدم، كما تجب المسارعة بالوضوء لو كانت مستحاضة تلزمها الأغسال.

فرع: لو علمت زمان الانقطاع بعينه اقتصرت على الاغتسال للانقطاع فيه.

قوله: (و لو انعكس الفرض تحيضت بثلاثة.).

(1) المراد بانعكاس الفرض أن تذكر الوقت و تنسى العدد، و هنا صور أربع، لأنها إن ذكرت أول الحيض أكملته أقله- و هو ثلاثة- لثبوت تيقنه حينئذ، و إن ذكرت آخره جعلته نهايتها، و إن ذكرت وسطه جعلت قبله يوما و بعده يوما، و إن ذكرت يوما في الجسلة أو دونه كأن قالت: كنت في أول يوم من الشهر، أو من زواله إلى الليل حائضا‌

304
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ج: لو ذكرت المضطربة العدد دون الوقت ؛ ج 1، ص : 303

..........

______________________________
قطعا، و لا أعلم أ هو الأوّل أم الآخر أم الوسط؟ فهو الحيض خاصّة، و باقي الزّمان مشكوك فيه، و بهذا يظهر أن إطلاق المصنّف (تحيضها بثلاثة) ليس بجيّد.

ففي الأولى: يجب عليها أن تعمل في باقي العشرة- و هو سبعة بعد الثلاثة- أعمال المستحاضة و منقطعة الحيض، فتغتسل لاحتمال الانقطاع، على نحو ما تقرّر سابقا، ما تتركه الحائض.

ثم تقضي صوم العشرة، و ذلك كله مشروط بأن لا تعلم قصور زمان عادتها عن العشرة، فلو عرفته إجمالا قضت المشكوك فيه خاصة كما يقتصر في الأعمال و التروك عليه.

و في الثانية: تجمع في السّبعة السّابقة على الثلاثة بين عمل المستحاضة و تروك الحائض، دون منقطعة الحيض، و القضاء بحاله إلّا أن يقصر الزّمان كما تقدم.

و في الثّالثة: تجمع في السّبعة السّابقة بين أعمال المستحاضة و تروك الحائض لعدم احتمال الانقطاع فيها، و في السّبعة اللاحقة تجمع بين أعمال المستحاضة و منقطعة الحيض، و تروك الحائض إن لم تعلم قصور الزّمان و القضاء كما تقدم.

و في الرّابعة: تعمل فيما قبل المعلوم إن يوما و إن دونه، إلى تمام العشرة أعمال المستحاضة و تروك الحائض، و فيما بعده كذلك مع أعمال منقطعة الحيض مع عدم قصور الزّمان، و كذا القضاء.

و هذا الحكم مبني على القول بوجوب الاحتياط، و لم يرتضه المصنّف في ذاكرة العدد، و الظّاهر عدم الفرق، فلا وجه للمخالفة، و الأظهر أمّا اقتصارها في الصّور الثلاث الأول على الثّلاثة إن لم تعلم الزّيادة عليها، أو رجوعها إلى الستة أو السّبعة أو الثّلاثة مع العشرة، فتجعل الثّلاثة ابتداء العدد المأخوذ في الاولى، و انتهاءه في الثّانية، و تتخير في الثّالثة و الرّابعة إن لم تعلم القصور عنها، أو عن أحدها، فإن علمت شيئا عملت به، فلو علمت النقصان عن السّتة و الزيادة على الثّلاثة فالخمسة مع احتمال الأربعة، و تغتسل للانقطاع، ثم هي مستحاضة.

305
جامع المقاصد في شرح القواعد1

د: ذاكرة العدد الناسية للوقت ؛ ج 1، ص : 306

[د: ذاكرة العدد الناسية للوقت]

د: ذاكرة العدد الناسية للوقت قد يحصل لها حيض بيقين، (1) و ذلك بأن تعلم عددها في وقت يقصر نصفه عنه، فيكون الزائد على النصف و ضعفه حيضا بيقين، بأن يكون الحيض ستة في العشر الأول فالخامس و السادس حيض. و لو كان سبعة فالرابع و السابع و ما بينهما حيض، و لو كان خمسة من التسعة الأولى فالخامس حيض، و لو ساوى النصف أو قصر فلا حيض بيقين.

______________________________
و في الصّورة الثّالثة، إن علمت أن اليوم الّذي ذكرته أوسط الحيض، تخيّرت على نحو ما تقدّم، لكن لا تأخذ من الأعداد المتقدّمة إلّا وترا كالثّلاثة و السّبعة، و إن لم تعلم ذلك أمكن أن تأخذ الأقل و هو الثلاثة لأصالة عدم الزّائد و الاقتصار على المتيقن، أو تأخذ واحدا من أعداد الرّوايات.

و متى أخذت عددا، اشترط أن لا تعلم الزّيادة عليه، أو النّقصان عنه، و هي في باقي الزّمان مستحاضة مع استمرار الدّم، و بما حققناه يظهر للمتأمل قصور عبارة المصنّف عن أحكام القول بالاحتياط في هذه، و عدم جريانه فيها على ما اختاره في ذاكرة العدد خاصة.

قوله: (ذاكرة العدد، النّاسية للوقت قد يحصل لها حيض بيقين.).

(1) ذاكرة الوقت، الناسية للعدد قد تكون كالمتحيّرة، بمعنى عدم تيقنها الحيض في شي‌ء من الزّمان، و قد لا تكون، كأن يحصل لها العلم بأن عادتها في زمان يقصر نصفه عن عدد أيام العادة، لوجوب الأخذ من أحد النّصفين مع الآخر حينئذ، بخلاف ما لو ساوى النّصف عدد العادة أو قصر عنه، و ضابط الحيض المتيقن على ذلك التقدير ما زاد على نصف الزّمان و ضعفه، أي: مثله كالستة في العشرة، فالخامس و السّادس حيض بيقين، و ما قبل الخامس مشكوك فيه بين الحيض و الاستحاضة، و ما بعد السادس مشكوك فيه بينهما و بين انقطاع الحيض، فتراعي الاحتياط على القول به، و تتخير في التّخصيص بين ما قبل الخامس و بعد السّادس على القول الآخر.

306
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ه‍: لو ذكرت الناسية العادة ؛ ج 1، ص : 307

[ه‍: لو ذكرت الناسية العادة]

ه‍: لو ذكرت الناسية العادة بعد جلوسها في غيرها (1) رجعت الى عادتها.

و لو تيقّنت ترك الصلاة في غير عادتها لزمها إعادتها، و قضاء ما صامت في الفرض في عادتها، فلو كانت عادتها ثلاثة من آخر الشهر فجلست السبعة السابقة ثم ذكرت قضت ما تركت من الصلاة و الصيام في السبعة،

______________________________
و لو أضلت سبعة في عشرة فالرابع و السّابع و ما بينهما حيض، و لو أضلت خمسة من التسعة الأولى من العشرة فإن الخامس بيقين، لأن الزّيادة على النّصف بنصف يوم، و إنّما قيّد المصنّف التسعة بكونها الاولى، و هي الّتي بدايتها من أوّل العشر، إذ لو كانت التّسعة الثانية- و هي التي بدايتها من ثاني العشر- لكان الحيض السّادس لا الخامس.

و قد يعلم من هذا أحكام مسائل المزج، فمنها ما لو قالت: الحيض ستة، و كنت أمزج أحد نصفي الشهر بالآخر بيوم أو يومين، فهذه أضلت ستة في العشر الأوسط، فلها يومان في الأوّل، و أربعة في الثاني حيض بيقين.

و لو قالت: و كنت أمزج أحد الشهرين بالآخر بلحظة، فاضلالها الستة في اثني عشر يوما من آخر الشهر الأوّل و أوّل الثاني، و اللحظتان حيض بيقين، فإن الستة إن كانت من الأوّل تمت باللحظة من الثاني، و إن كانت من الثاني فتمامها باللحظة من الأوّل، و على هذا القياس.

و اعلم أن قول المصنّف: (بأن يكون الحيض ستة في العشر الأول) لا يريد به إلّا المثال، فإن السبعة و الأربعة و غيرهما كذلك، و كذا العشر الأوسط و الأخير، و إن كان ظاهر قوله: (بأن يكون الحيض.) قد يقتضي خلاف ذلك.

قوله: (لو ذكرت النّاسية العادة بعد جلوسها في غيرها).

(1) قد يسأل عن تصوير الفرض على القول بالاحتياط، فان تصويره على القول برجوعها إلى الرّوايات ظاهر، و صورته في ذات العادتين ثلاثة و سبعة متسقتين و غير متسقتين، مع اختلاف زمانهما إذا نسيت نوبة الشهر و غلب على ظنها أنّها السّبعة فجلستها، ثم ذكرت أنها الثلاثة فحينئذ تفعل ما ذكره.

و يمكن فرضها في ذات العادة المتّحدة، إذا كانت ثلاثة في زمان، فظنتها سبعة‌

307
جامع المقاصد في شرح القواعد1

و: العادة قد تحصل من حيض و طهر صحيحين ؛ ج 1، ص : 308

و قضت ما صامت من الفرض في الثلاثة. (1)

[و: العادة قد تحصل من حيض و طهر صحيحين]

و: العادة قد تحصل من حيض و طهر صحيحين، (2) و قد تحصل من التمييز، كما إذا رأت في الشهر الأول خمسة أسود و باقي الشهر أصفر أو أحمر، و في الثاني كذلك، فإذا استمرت الحمرة في الثالث أو السواد (3) جعلت الخمسة الأولى حيضا، و الباقي استحاضة عملا بالعادة المستفادة من التمييز.

______________________________
في زمان آخر فالحكم ما تقدم.

قوله: (و قضت ما صامت من الفرض في الثلاثة).

(1) الظاهر أن التقييد بالفرض لا حاجة إليه، كما لم يقيّد به في قوله: (قضت ما تركت من الصلاة و الصّيام في السّبعة)، إذ المراد بيان فساد ما صامته باعتبار كون الزمان حيضا في الثلاثة، كما أن المراد بيان قبول الزّمان في السّبعة للصلاة و الصّوم لأنه طهر، فكما يجب قضاء الواجب يشرع قضاء المندوب.

قوله: (العادة قد تحصل من حيض و طهر صحيحين).

(2) هذه العبارة قد توهم الاجتزاء بحيضة واحدة في ثبوت العادة، كما هو مذهب الشّافعي «1»، و به عبر أصحابه «2»، و ليس مذهبا لنا، فينبغي أن يراد بالحيض الجنس، ليصلح للتعدد، و قد تقدّم اعتبار المرّتين.

أمّا الطهر فيكفي مرّة واحدة، إذ العادة أيام الأقراء، و الطهر دليل عليها، و المراد بالصحيحين الخاليان عن استحاضة، كما صرّح به من عبّر بهذا اللفظ لامتناع استقرار العادة، مع اتصال أحدهما بالاستحاضة.

قوله: (فإذا استمرت الحمرة في الثّالث أو السواد.).

(3) قد يسأل عن فائدة تعبير المصنّف باستمرار الحمرة أو السّواد في الشّهر الثّالث، و هل له مدخل في ثبوت الحكم المذكور، أم لا؟

فيقال: نعم في بعض الصور، و هو ما إذا حصل تمييز بالشّروط يعارض العادة المستفادة من التمييز، فان الظاهر هنا ترجيح التمييز، فإنه أصل للعادة المذكورة، و الفرع لا‌

______________________________
(1) المجموع 2: 417.

(2) المجموع 2: 417- 418.

308
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ز: الأحوط رد الناسية للعدد و الوقت الى أسوء الاحتمالات ؛ ج 1، ص : 309

[ز: الأحوط ردّ الناسية للعدد و الوقت الى أسوء الاحتمالات]

ز: الأحوط ردّ الناسية للعدد و الوقت الى أسوء الاحتمالات (1) في ثمانية:

______________________________
يعارض أصله، فلعلّ المصنّف عبر بالاستمرار لتسلم العبارة عن هذا الفرد.

أما لو اختلف لون الدّم لا مع شريطة التمييز و عبر العشرة، فإن المرجع هو العادة المستفادة من التمييز.

قوله: (الأحوط رد النّاسية للعدد و الوقت إلى أسوإ الاحتمالات).

(1) ناسية العدد و الوقت، هي المشهورة بين الفقهاء بالمتحيرة لتحيّرها في شأنها، و قد تسمى محيّرة أيضا، لأنها تحير الفقيه في أمرها، و بعضهم يضح اسم المتحيّرة موضع النّاسية، فتسمّى ناسية العدد، و ناسية الوقت أيضا متحيّرة، و الأوّل أحسن و أشهر، و النّسيان المطلق قد يعرض لغفلة أو علة، و قد تجنّ صغيرة و تستمر لها عادة في الحيض ثم تفيق و لا تعلم مما سبق شيئا.

و قول المصنّف: (الأحوط رد النّاسية.) الظاهر أنه يريد به الوجوب، لأن الخلاف هنا في لزوم أحكام الاحتياط، لحصول الشّك في زمان الحيض المقتضي لعدم يقين البراءة بدون الجمع بين التكليفين، و المعتمد عدم الوجوب، بل ترجع هذه إلى الرّوايات السّابقة مع عدم التّمييز.

قال في الذّكرى: ان العمل بالرّوايات ظاهر الأصحاب «1»، و ادّعى عليه الشّيخ في الخلاف الإجماع «2»، و في البيان: الاحتياط هنا بالردّ إلى أسوإ الاحتمالات ليس مذهبا لنا «3»، و يدل عليه أصالة براءة الذّمة من التكليف بالزّائد، و ما يلزم من الحرج العظيم، و المشقّة على المرأة و الزّوج، و الرّوايات الدالة على رجوعها إلى الستّة و السّبعة و غيرهما كثيرة «4».

و اعلم أن هذا القسم هو تتمة الأقسام العشرة السّابقة، لأن المضطربة المميّزة تقدمت عند ذكر المبتدئة، و هي شاملة للأقسام الثّلاثة، ثم ذكر قسمين منها، أوّل‌

______________________________
(1) الذكرى: 32.

(2) الخلاف 1: 38 مسألة 4 كتاب الحيض.

(3) البيان: 17.

(4) الكافي 3: 79، 83، التهذيب 1: 380 حديث 1181، 1183، الاستبصار 1: 138 حديث 472، و للمزيد راجع الوسائل 2: 546 باب 8 من أبواب الحيض.

309
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ز: الأحوط رد الناسية للعدد و الوقت الى أسوء الاحتمالات ؛ ج 1، ص : 309

منع الزوج من الوطء، (1) و منعها من المساجد، و قراءة العزائم، و أمرها بالصلوات، (2) و الغسل عند كل صلاة،

______________________________
الفروع: و هما ناسية الوقت، و ناسية العدد غير مميّزتين، و هذا هو القسم الثّالث، و يدلّ على عدم التمييز هنا أن هذه الأحكام لا تجامع التمييز لوجوب الرّجوع إليه.

قوله: (منع الزّوج من الوطء).

(1) و كذا السيّد، إذ ما من زمان يفرض إلا و هو محتمل للحيض، فلو فعل عصى، و عليها الغسل للجنابة، و لا كفارة هنا، و إن قلنا بوجوبها على الحائض لعدم تيقن الحيض.

قوله: (و أمرها بالصلوات).

(2) قد يفهم منه و من قوله: (و قضاء أحد عشر على رأي، و صوم يومين.)

عدم وجوب قضاء الصّلاة، و به صرّح في التّذكرة «1» لأنها إن كانت طاهرا صح الأداء، و إلّا فلا تكليف، و لأن فيه حرجا عظيما.

و احتمل فيها أيضا الوجوب «2»، لإمكان انقطاع الحيض في خلالها، أو في آخر الوقت و قد بقي قدر الطّهارة و ركعة، و ربما انقطع قبل الغروب و قد بقي قدر الطّهارة و خمس ركعات فيجب الظّهر و العصر، و مثله المغرب و العشاء، و اختاره المصنّف في النّهاية «3» و حينئذ، فامّا أن تصلي أوّل الوقت دائما، أو آخره دائما، أولا هذا و لا ذاك.

ففي الأوّل تقضي بعد كلّ أحد عشر يوما صلاتين مشتبهتين، لإمكان أن ينقطع الحيض في أثناء العصر أو العشاء، فتفسد الصّلاتان و يجب قضاؤهما، و كذا يمكن انقطاعه في أثناء الصّبح، فيجب قضاؤها خاصّة، فحينئذ يقين البراءة يتوقف على قضاء صلاتين مشتبهتين، و كيفية قضاؤهما كقضاء الصوم سواء.

و إن كانت تصلي آخر الوقت دائما، قضت بعد كلّ أحد عشر ثلاث صلوات، لإمكان أن يطرأ الحيض في أولى الظّهرين أو العشاءين، فتفسد صلاتان، و ينقطع في‌

______________________________
(1) التذكرة 1: 32.

(2) المصدر السابق.

(3) نهاية الأحكام 1: 148.

310
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ز: الأحوط رد الناسية للعدد و الوقت الى أسوء الاحتمالات ؛ ج 1، ص : 309

..........

______________________________
أثناء غسل الاولى منهما أو الثّانية، فيجب قضاؤها لفساد طهارتها، و كيف قدّر زمان صلاتها آخر الوقت، فلا بدّ من إدراك الطّهارة و خمس ركعات، فإذا قدّر صحّة الفرض الثّاني لمصادفة غسلة الطهر فالأوّل فاسد، و إلّا فالثاني، فتقضي سبع صلوات صبحا و مغربا و رباعية مردّدة بين الثلاث، ثم صبحا و رباعيتين بينهما المغرب، لأن الفائت من يومين اثنتان من يوم، و واحدة من آخر.

و لو كانت تصلّي أول الوقت دائما وجب قضاء صلاتين مشتبهتين لاحتمال الانقطاع بعد فعلهما دون ما زاد، إذ لو فرض ابتداء الحيض في أثناء الصّلاة لما وجبت، لأنها لم تدرك من الوقت ما يسعها.

و لو كانت تصلّي أوّل الوقت تارة، و آخره أخرى، أو وسطه دائما وجب قضاء أربع صلوات مشتبهات، لإمكان الابتداء في أولهما فتفسدان، و يجب التّدارك لإمكانه، و كذا يمكن الانقطاع في الثّانية فتفسدان أيضا، و التّدارك ممكن فيجب، و جاز التماثل، فلا بد من ثمان صلوات.

و في بعض حواشي الكتاب ما صورته: ينبغي أن تصلّي كلّ صلاة مرّتين أوّل الوقت و آخره، لأنّه إن كان أحدهما حيضا صح الآخر.

قلت: جاز أن ينقطع الحيض في أثناء غسل الثانية فيفسد، و يجب قضاؤها لإدراك قدر الطّهارة و ركعة.

و لا يقال: يقدّر وقوع الثّانية حيث ينتهي الضيق فلا تجب الاولى، لأنا نقول هذا يتم في الصّبح، أما في الظّهرين و العشاءين فلا، فإن نهاية الضيق أن تغتسل لكل من الصّلاتين مع كثرة الدّم، و قد بقي من آخر الوقت قدر الطّهارة مرتين و خمس ركعات، فيمكن الانقطاع في أثناء الغسل، فيفسد و يجب قضاء الفريضة المؤداة به.

و فيها أيضا ما لفظه: أو نقول: إن صلّت دائما أول الوقت أو آخره قضت بعد كلّ أحد عشر صلاة مشتبهة، و إن كانت تصلّي أوّله تارة و آخره اخرى قضت بعد أحد عشر صلاتين مشتبهتين.

قلت: قد بيّنا وجوب صلاتين في الفرض الأول لإمكان الانقطاع في أثناء‌

311
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ز: الأحوط رد الناسية للعدد و الوقت الى أسوء الاحتمالات ؛ ج 1، ص : 309

و صوم جميع رمضان، و قضاء أحد عشر على رأي، (1) و صوم يومين- أول و حادي عشر- قضاء عن يوم.

و على ما اخترناه تضيف إليهما الثاني و الثاني عشر، (2)

______________________________
الفريضة الثّانية، فتفسد الصلاتان و يجب تداركهما.

و بيّنا في الفرض الثّاني وجوب ثلاث، لإمكان طريانه في الفريضة الاولى، و انقطاعه في الغسل لنظيرها، فلا يستقيم ما ذكره.

و في الفرض الثّالث وجوب أربع، لإمكان طريانه في الفريضة الأولى فيفسد الفرضان، و يجب قضاؤهما، لإدراك قدر الطّهارة و فعلهما من أول الوقت، و إمكان انقطاعه في أثناء الثّانية، فيجب فعلهما لإدراك قدر الطّهارة و خمس ركعات، و هذا الّذي ذكره يناسب مذهب العامة القائلين باختصاص كلّ صلاة بوقت لا تشاركها فيه الأخرى.

قوله: (و قضاء أحد عشر على رأي).

(1) الإشارة بذلك إلى خلاف الشّيخ- رحمه اللَّه-، حيث أوجب قضاء عشرة لأنّها أكثر الحيض، و لم يعتبر التشطير لأصالة عدمه «1» و حيث علم أن وجوب ذلك كله رعاية للاحتياط بحسب الممكن، ظهر وجوب أحد عشر، بل يجب قضاء أحد و عشرين، لإمكان كون الحيض أول الشّهر و آخره مع التشطير.

قوله: (و صوم يومين أول و حادي عشر قضاء عن يوم، و على ما اخترناه تضيف إليهما الثّاني و ثاني عشر).

(2) إذا أرادت هذه قضاء يوم، فعند الشّيخ تصوم يومين، أوّل و حادي عشر، لعدم إمكان اجتماعهما في الحيض، و هذا بناء على عدم اعتبار التشطير، فأمّا على اعتباره- و هو الّذي أشار إليه المصنّف بقوله: (و على ما اخترناه.)- فيجب أن تضيف إليهما يومين آخرين، الثاني و ثاني عشر الأوّل، و حينئذ فيمتنع اجتماع الجميع في الحيض، و لو بمراعاة التشطير، لأن الحيض إن ابتدأ بالأوّل انتهى بالحادي عشر،

______________________________
(1) انظر النهاية: 25.

312
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ز: الأحوط رد الناسية للعدد و الوقت الى أسوء الاحتمالات ؛ ج 1، ص : 309

و يجزئها عن الثاني و الحادي عشر يوم واحد بعد الثاني و قبل الحادي عشر. (1)

______________________________
فصحّ ما بعده، أو بالثاني صحّ الأول، و إن انتهى في الأوّل و ابتدأ في الحادي عشر صحّ الثّاني، أو انتهى في الثّاني و ابتدأ في الثاني عشر صحّ الحادي عشر، و بهذا الطريق يمكن قضاء تسعة أيّام.

و العبارة عنه أن يقول: إذا أرادت قضاء صوم من يوم إلى تسعة صامت المقضي مرّتين، ولاء أوّل الثّانية ثاني عشر أوّل الاولى، و تصوم يومين بين المرتين متواليين أو متفرّقين، متصلين بالمرتين، أو بإحداهما، أو منفصلين عنهما، و على ذلك فتبرأ ذمتها، لعدم إمكان اجتماع المرتين في الحيض، و مهما فسد من أيام إحداهما صحّ بدله من أيام الأخرى، أو من اليومين المتوسطين.

و لا تكفي المرّتان من دون المتوسّطين، لإمكان انقطاع الحيض في نصف اليوم الأخير من المرة الاولى، و يعود في نظيره، كأن يكون عدد المقتضي مثلا خمسة فينقطع في الخامس، و يعود في الخامس عشر، فيفسد جميع أيام المرّتين ما عدا ثلاثة، فيكمل بالمتوسّطين، و إن أشكل عليك ذلك فعليك بمراجعة هذا الجدول، و ربّما يوجد على هذا المحلّ جدول لا يخلو من خلل، يظهر خلله بصحيح التّأمل لما وصفناه و هذه صورته:

قوله: (و يجزئها عن الثّاني و الحادي عشر يوم واحد بعد الثّاني و قبل الحادي عشر).

(1) هذا إشارة إلى طريقة ثانية للقضاء بناء على مراعاة التّشطير، و هي أقلّ تكليفا‌

313
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ز: الأحوط رد الناسية للعدد و الوقت الى أسوء الاحتمالات ؛ ج 1، ص : 309

..........

______________________________
من الاولى بيوم، إلا أنّها أقل نفعا منها، لأنها إنما تجزئ في قضاء أربعة أيام فما دون، و تلك تجزئ في قضاء تسعة فما دونها، و صورتها في قضاء يوم: أن تصوم الأوّل و ثاني عشرة، و تصوم بدل الثّاني و الحادي عشر في الطريقة الأولى يوما واحدا، تجعله بعد الثّاني و قبل الحادي عشر، حذرا من اجتماع الجميع في الحيض.

و العبارة عن هذه أن نقول: إذا أرادت قضاء يوم فما زاد إلى أربعة قضته مرتين، تزيد على أولاهما يوما، و تفرقها أي تفريق شاءت في عشرة أيّام، بحيث لا توالي بين يومين، و لا تجعل المجموع في أزيد من عشرة، ثم تصوم الثّانية متفرقة من غير زيادة، تبدأ من ثاني عشر اليوم الأوّل، أو من عاشر ثانيه، و كذا تجعل كلّ يوم من أيام المرة الثّانية ثاني عشر. نظيره من المرة الأولى، أو عاشر ما يلي النظير لا أزيد، و إنما لم يجز التّوالي في المرتين، أو في إحداهما لئلا ينقطع الحيض في آخر يوم، و يبدأ في حادي عشر نظيره، فيفسد الجميع.

ففي مثال الكتاب يمكن انتهاء الحيض في الثاني، فيبتدئ في الثاني عشر، فتفسد الأيّام الثلاثة، و إنّما لم يصحّ من غير زيادة يوم لإمكان انقطاع الحيض على آخر العدد، و عوده في نظيره، فلا تحصل البراءة.

و إنما وجب كون النظير ثاني عشر نظيره، أو عاشر ثانيه دون ما زاد على ذلك، لأنّهما إن اجتمعا في الحيض أجزأ ما بعد الأول و ما قبل الثّاني، بخلاف ما لو جعل النّظير بعد عاشر ما يليه، لإمكان انقطاع الحيض في اليوم الّذي يلي النّظير الأوّل و عوده في حادي عشر، فتجتمع الثلاثة في الحيض.

و إنّما لم يصح بهذه الطريقة أزيد من قضاء أربعة، لأن الطهر المقطوع به تسعة أيام، فإذا وزّع عليها القضاء على الوجه السّابق امتنع أن يصحّ أزيد من ذلك، و إن أردت أن يظهر لك ذلك بالعيان، فعليك بمراجعة هذا الجدول فيه يظهر لك خلل الجدول الموضوع على هذا المحلّ في جميع صوره ما عدا الاولى، و هذه صورته:

314
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ح: إذا اعتادت مقادير مختلفة متسقة ؛ ج 1، ص : 315

[ح: إذا اعتادت مقادير مختلفة متّسقة]

ح: إذا اعتادت مقادير مختلفة متّسقة، (1) ثم استحيضت رجعت الى نوبة ذلك الشهر، فان نسيتها رجعت الى الأقل فالأقل إلى أن تنتهي إلى الطرف.

______________________________
و أعلم، أنّها لو أرادت قضاء غير الصّوم من العبادات، كالصلاة، أو فعل الطّواف لنفعها ما قدمناه من الضابط في ذلك.

و لو أراد زوجها طلاقها أوقعه في أوّل النّهار، أي وقت شاء، ثم في آخر حادي عشر لعدم إمكان اجتماعهما في الحيض، و إذا طلقت انقضت عدّتها بثلاثة أشهر، لأن الغالب الحيض في كل شهر، و لا تكلف الصبر إلى سن اليأس من حيث احتمال تباعد الحيض، للرواية الدالة على اعتبار السّابق من الأمرين: الأقراء و الأشهر «1»، و يحتمل انسحاب حكم المسترابة فيها لإمكانه.

قوله: (لو اعتادت مقادير مختلفة متسقة.).

(1) كما تثبت العادة في المقدار الواحد من العدد، كذلك تثبت في المقادير المختلفة، كثلاثة و خمسة و سبعة مثلا، و ذلك إذا كانت متسقة- أي منتظمة لا يختلف ترتيبها في الدّورين- بأن ترى العدد الأول في الدور الأوّل أوّل الدور الثّاني، و كذا العدد الثّاني و الثّالث.

و لا فرق بين أن تكون تلك المقادير جارية على ترتيب العدد- كما مثلنا- أو لا تكون، كما إذا كانت ترى في شهر خمسة ثم ثلاثة ثمّ سبعة، ثم تعود إلى الخمسة ثم الثّلاثة ثم السّبعة، و لا فرق أيضا بين أن ترى كل واحد من المقادير مرّة- كما ذكرنا- أو مرتين كما إذا كانت ترى في شهرين ثلاثة ثلاثة، ثم في شهرين خمسة خمسة، و في شهرين بعدهما سبعة سبعة، ثم في الدّور الثّاني كذلك.

______________________________
(1) الكافي 6: 100 حديث 9، التهذيب 8: 118 حديث 408، الاستبصار 3: 324 حديث 1153.

315
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ح: إذا اعتادت مقادير مختلفة متسقة ؛ ج 1، ص : 315

..........

______________________________
و وجه ثبوت العادة بذلك، أن تعاقب الأقدار المختلفة لما اعتيد صار كالعدد و الوقت المعتادين، و اندرج في عموم الأقراء.

و يحتمل العدم، لأن كل واحد من المقادير ينسخ ما قبله، و يخرجه عن الاعتبار خصوصا المتكررة، فعلى الثّاني تعمل على التمييز، و مع فقده فالرّوايات أو تحتاط، و على الأوّل تجلس في كلّ شهر برؤية الدّم، فان انقطع على العادة أو العشرة فذاك، و إن عبرها فالعادة أعني نوبة الشّهر.

هذا إن ذكرتها، فان نسيتها رجعت إلى أقل المحتملات عندها، ثم الأقل الى أن ينتهي إلى طرف الأعداد- أعني أقلّها- فلو كانت مقاديرها ثلاثة ثم خمسة ثم سبعة ثم تسعة، فقالت: لا أدري نوبة الشّهر خمسة أم سبعة؟ فإنّها تأخذ الخمسة، لأنها الأقل، ففي الثّاني هي متردّدة بين السّبعة و التسعة، لأن نوبة الأوّل إن كانت السّبعة فما بعده تسعة، و إن كانت خمسة فما بعده سبعة، فتأخذها لأنّها الأقل، و في الثالث هي متردّدة بين التّسعة و الثّلاثة فتأخذ الثّلاثة و على هذا، ثم ما ذا تعمل في باقي الزمان إلى آخر العدد المحتمل؟ وجهان:

أحدهما: تحتاط بالجمع بين التكاليف الثلاثة إلى آخر المحتمل مصيرا إلى اليقين بحسب الإمكان.

و الثاني: لا بل هي مستحاضة لأصالة البراءة مما عدا ذلك، و لأن تلك هي العادة المعتبرة شرعا. و يحتمل القطع بوجوب الاحتياط هنا للجزم بإخلالها ببعض العادات في الجملة، و كيف قلنا فلا بدّ من قضاء مقادير الدّور كلّها.

هذا إذا كانت المقادير تمر في الدّورين متسقة، فان مرت مختلفة فلا عادة على الظاهر، لعدم تكرر عدد منها على الوجه المعتبر، و قد تقدم في الكلام على المعتادة ميل المصنّف، و شيخنا الشّهيد إلى اعتبار الأقل من المقدارين المختلفين، فيجب انسحابه هنا، و قد صرّح في الذّكرى بالثّلاثة «1».

______________________________
(1) الذكرى: 32.

316
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 317

[الفصل الثاني: في الأحكام]

الفصل الثاني: في الأحكام تحرم على الحائض كل عبادة مشروطة بالطهارة، كالصلاة، و الطواف، و مس كتابة القرآن. (1) و يكره حمله و لمس هامشه، و لا يرتفع حدثها لو تطهّرت، و لا يصح صومها، و يحرم عليها الجلوس في المسجد، (2)

______________________________
و في التذكرة قال: جلست الأقل من كل شهر
«1»، و الظاهر أنّه يريد الثلاثة أيضا، و قد ينظر في ذلك إذا كانت الثلاثة أول المقادير، لعدم اعتبار المتكرّر حينئذ، إذ لو اعتبر لنسخ ما قبله لتكرره فيأتي هنا، فعلى المختار تعمل على التّمييز، و مع فقده فالرّوايات، و قد تقدم تحقيق ذلك كلّه.

قوله: (و مسّ كتابة القرآن).

(1) لا خلاف في تحريم مسّ كتابة القرآن على الحائض كالجنب، و كذا يحرم مسّ اسم اللَّه تعالى و أسماء الأنبياء و الأئمة عليهم السّلام، و الظّاهر أن اسم فاطمة عليها السّلام كذلك، و قد تقدم تحقيق ذلك.

قوله: (و يحرم الجلوس في المسجد).

(2) تخصيص التّحريم بالجلوس يؤذن بأن غيره ليس بمحرم فيندرج فيه العبور، و جوازه لها، و للجنب مرويّ في حسنة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام بلفظ «مجتازين» «2» و يفهم منه و من الآية «3» عدم جواز التردّد في المسجد لهما، إذ معنى المجتاز و عابر السّبيل من يدخل من أحد البابين و يخرج من الآخر، فيرد على عبارة الكتاب.

و هذا كلّه فيما عدا المسجدين، أما هما فيحرم الدّخول إليهما مطلقا لما في حسنة محمّد بن مسلم: «و لا تقربان المسجدين الحرمين» «4»، و خالف في ذلك سلّار، حيث‌

______________________________
(1) التذكرة 1: 32.

(2) علل الشرائع 1: 288 حديث 1 باب 210.

(3) النساء: 43.

(4) التهذيب 1: 371 حديث 1132.

317
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 317

و يكره الجواز فيه، (1) و لو لم تأمن التلويث حرم أيضا،

______________________________
عدّه في التّروك المستحبّة، و لم يفرق بين المسجدين و لا غيرهما
«1».

قوله: (و يكره الجواز فيه).

(1) قال المصنّف في المنتهى: قال الشّيخ في الخلاف: يكره لها الاجتياز في غير المسجدين، و لم نقف فيه على حجة و اباحه في غيره، و هو اختيار المفيد، و السّيد المرتضى «2»، و احتج على نفي الكراهة بعدم النّص «3».

ثم احتمل كون سبب الكراهة إما جعل المسجد طريقا و إما الدّخول بالنجاسة إليه، و لك أن تنظر في كلامه من وجهين.

أحدهما: انّ جعل المسجد طريقا إذا اقتضى كراهة الاجتياز وجب أن لا يخص بالحائض، بل يعم كلّ مجتاز، فلا وجه لتخصيصه بالحائض.

الثاني: ان إدخال النّجاسة إلى المسجد عنده حرام و ان لم تتعد، فكيف يكون سببا للكراهيّة؟ إلا أن يقال: هذا ممّا يستثني لورود النّصّ عليه، و لكراهية الاجتياز.

قال في الذكرى: و لا بأس به و إن لم يكن له دليل قوي، أما الجنب فلا يكره للآية «4»، و لم يذكره المصنّف.

فرع: لو اضطر إلى الكون في المسجد لابثا لنحو خوف من سبع أو لص بحيث لم يجد بدّا منه، و تعذّر الغسل تيمّم و جلس الى أن تزول الضّرورة، صرح به في المنتهى «5» و الظّاهر: أنه لو غلبه النّوم على وجه تعذر دفعه فلا حرج.

إما الحائض فلم يتعرض إليها، و فيها إشكال ينشأ من تعذر الطّهارة منها، فان قلنا به- و هو الظاهر- فهل تتيمّم؟ إشكال ينشأ من شرعية مثله للخروج من المسجدين، و من أنه على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على مورد النّص، و لا فرق بين المسجدين و غيرهما.

______________________________
(1) المراسم: 42.

(2) المنتهى 1: 110، و انظر: كتاب الخلاف 1: 113 مسألة 206، و المقنعة: 6.

(3) المصدر السابق.

(4) الذكرى: 35.

(5) المنتهى 1: 110.

318
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 317

و كذا يحرم على المستحاضة و ذي السلس و المجروح الدخول، و الجواز أيضا في المسجد معه، (1) و يحرم قراءة العزائم و أبعاضها، و يكره ما عداها، و لو تلت السجدة أو استمعت سجدت. (2)

و يحرم على زوجها و وطؤها قبلا، فيعزّر لو تعمده عالما (3)

______________________________
قوله: (و كذا يحرم على المستحاضة و ذي السّلس و المجروح معه).

(1) أي: مع خوف التلويث، و يفهم منه عدم تحريم إدخال النّجاسة إلى المسجد، مع عدم خوف التلويث. و هو خلاف مذهب المصنّف، و لا سبيل الى أن يقال: هذه أيضا يخرج بالنّصّ، إذ لا نصّ على غير الحائض.

قوله: (و لو تلت السجدة، أو استمعت سجدت).

(2) خالف في ذلك الشّيخ، فحرم عليها السّجود بناء على اشتراط الطّهارة في سجود التّلاوة «1»، و المشهور خلافه، و في رواية أبي بصير عن الصّادق عليه السّلام:

«إذا قرئ شي‌ء من العزائم الأربع و سمعتها فاسجد و إن كنت على غير طهر، و إن كنت جنبا، و إن كانت المرأة لا تصلّي» «2»، و هي صريحة في المدعى، و قوله عليه السّلام في خبر عبد الرّحمن، في الحائض: «تقرأ و لا تسجد» «3» محمول على السجدات المستحبة، بدليل قوله: «تقرأ».

و اعلم أن تقييد المصنّف السّجود بالاستماع الّذي يكون معه الإصغاء، يفهم منه عدم الوجوب بالسّماع، و قد صرّح به في غير هذا الموضع، و صرّح شيخنا الشّهيد بالوجوب «4»، و هو الأقرب، و هو مروي في خبر أبي بصير السّابق، و سيأتي تحقيقه في باب سجود التّلاوة ان شاء اللَّه تعالى، و لا يخفى أن مراد المصنّف بقوله: (و لو تلت السّجدة أو استمعت سجدت) الوجوب.

قوله: (فيعزر لو تعمّد عالما).

(3) أجمع علماء الإسلام على تحريم وطء الحائض قبلا،

______________________________
(1) النهاية: 25.

(2) التهذيب 2: 291 حديث 1171 و فيه: (على غير وضوء).

(3) التهذيب 1: 292 حديث 1172.

(4) البيان: 20.

319
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 317

..........

______________________________
و قطع في التّذكرة
«1» بفسق الواطئ، و لو استحلّه كفر قطعا، لإنكاره ما علم من الدين ضرورة، ما لم يدّع الشبهة الممكنة في حقّه، فيجب تعزيره بما يراه الحاكم، و يحكى عن أبي علي بن الشّيخ أبي جعفر رحمه اللّه تعزيره باثني عشر سوطا و نصف ثمن حد الزاني «2» و لا نعرف المأخذ، و إنّما بناء التعزيرات على عدم التّقدير، إذ هي منوطة بنظر الحاكم، إلا ما اختصّ بالنّص.

و هذا إذا كان عالما بالحيض، متعمّدا للفعل، فلو جهل الحيض فلا شي‌ء عليه، و مثله ما لو نسيه، و كذا لو جهل التحريم خاصّة أو نسيه لعموم قوله عليه السّلام:

«النّاس في سعة مما لم يعلموا» «3»، و قوله عليه السّلام: «رفع عن أمّتي الخطأ و النسيان» «4».

و لو وطأ طاهرا فطرأ الحيض، وجب النّزع حال العلم، فان استدام تعلقت به الأحكام، و يجب القبول من المرأة لو أخبرت بالحيض إن لم تتهم بتضيع حقّه، لقوله تعالى (وَ لٰا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ) «5» فلو لا وجوب القول لما حرم الكتمان.

و إن اشتبه الحال، فان كان لتحيّرها فقد تقدم في أحكام المتحيرة، و إن كان لغلبة ظن كذبها بالتهمة، ففي الذكرى يجب اجتنابها «6»، و فيه نظر، و صرّح المصنّف في التذكرة بعدمه «7»، و في المنتهى أوجب الامتناع حالة الاستمرار مع الاشتباه «8»، محتجا بوجوب تغليب الحرام للاحتياط في الفروج.

فان كان يريد الاشتباه للتحير فقد تقدّم حكمه، و إن كان لغيره- كما في الزائد‌

______________________________
(1) التذكرة 1: 28.

(2) ذكر القول السيد العاملي في مفتاح الكرامة 1: 373.

(3) الكافي 6: 297 حديث 2، التهذيب 9: 99 حديث 432 و ما فيهما قريب و ليس نصا.

(4) الخصال 2: 417.

(5) البقرة: 228.

(6) الذكرى: 35.

(7) التذكرة 1: 28.

(8) المنتهى 1: 117.

320
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 317

و في وجوب الكفارة قولان: أقربهما الاستحباب، (1) و هي دينار في أوله قيمته عشرة دراهم، و نصفه في أوسطه، و ربعه في آخره. (2)

______________________________
على العادة- ففي وجوب الامتناع فيه نظر، استنادا إلى العادة. و لو وطأ الصّبي لم تتعلّق به الأحكام.

و يجب على المرأة الامتناع بحسب الإمكان وقوفا مع قوله تعالى (وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ) «1». فتعزر أيضا مع المطاوعة، و قد ورد مثله في الصوم. و لو غرته، أو أكرهته، أو استدخلت ذكره حال نومه اختصت بالحكم لكن لا كفّارة عليها، و لو قلنا بوجوبها، كما يختصّ بحكمه لو أكرهها، أو وطأها نائمة من دون وجوب شي‌ء آخر، و النفساء في ذلك كالحائض.

قوله: (و في وجوب الكفارة قولان: أقربهما الاستحباب).

(1) القولان للشيخ «2»، و أكثر الأصحاب قائلون بالوجوب «3»، لكن المستند ضعيف، فان روايات العدم أصح إسنادا «4»، مع أن فيه جمعا حسنا بين الأخبار، و هو الأصحّ.

قوله: (و هي دينار في أوّله قيمته عشرة دراهم، و نصفه في أوسطه، و ربعه في آخره.).

(2) التقدير بذلك مستفاد من رواية داود بن فرقد عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام «5»، و اختار ابن بابويه في المقنع وجوب التصدّق بشبعه «6»، و هذا في الزّوجة حرة كانت أو أمة، دواما أو متعة.

و لو وطأ الأجنبيّة في الحيض زانيا أو لشبهة، فهل تترتب عليه الكفّارة وجوبا أو استحبابا، أم لا؟ منشؤهما عدم النّص و كونه أفحش، فيناسبه التغليظ بطريق‌

______________________________
(1) المائدة: 2.

(2) المبسوط 1: 41، الخلاف 1: 37 مسألة 1 كتاب الحيض.

(3) منهم: المرتضى في الانتصار: 33، و ابن إدريس في السرائر: 28، و الشهيد في الذكرى: 34.

(4) التهذيب 1: 164، 165 حديث 472، 473، 474، الاستبصار 1: 134 حديث 460، 461، 462.

(5) التهذيب 1: 164 حديث 471، الاستبصار 1: 134 حديث 459.

(6) المقنع: 16.

321
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 317

..........

______________________________
الأولى، و به صرّح في الذّكرى
«1» و المصنّف في المنتهى «2» و احتجّ له برواية أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام: «من أتى حائضا» «3» حيث علّق الحكم على المطلق من غير تقييد، فكان كالعام.

و يعتبر في الدينار كونه خالصا من الغش مضروبا، لأنه المتبادر من الإطلاق، فلا يجزئ التبر «4» و لا القيمة، لعدم تناول النّص لهما، و كما في جميع الكفّارات إلّا مع التعذّر فيمكن الإجزاء، و مثله النّصف و الرّبع، و مع تعارض القيمة و التبر يحتمل التخيير، و ترجيح التبر لقربه إلى المنصوص.

و التقدير في الدّينار بعشرة دراهم هو المعروف بين الأصحاب هنا و في الدّية، و الخبر خال منه «5» و نسبه في الذّكرى «6» إلى تقدير الشّيخين «7»، و ظاهره التّوقف في وجوب اعتباره، و لا وجه له.

و المراد بتقديره بالعشرة: ما كان عليه في زمانه صلّى اللَّه عليه و آله، فلو طرأ نقصان قيمته أو زيادتها فالحكم بحاله، و مصرف هذه الكفّارة مصرف سائر الكفارات حملا على المتعارف شرعا.

و المراد بالأوّل و الوسط و الآخر، أوّل العادة و وسطها و آخرها، فيختلف باختلاف العادة على الصّحيح، فالأوّل لذات الثّلاثة اليوم الأوّل، و لذات الأربعة هو مع ثلث الثّاني، و لذات الخمسة هو مع ثلثيه، و لذات الستّة اليومان الأوّلان، و على هذا القياس، و مثله الوسط و الآخر.

و قال سلّار: الوسط ما بين الخمسة إلى السّبعة «8»، و القطب الرّاوندي اعتبر‌

______________________________
(1) الذكرى: 35.

(2) المنتهى 1: 116.

(3) التهذيب 1: 163 حديث 468، الاستبصار 1: 133 حديث 456.

(4) التبر: ما كان من الذهب غير مضروب، انظر الصحاح (تبر) 2: 600.

(5) التهذيب 1: 164 حديث 471، الاستبصار 1: 133 حديث 456.

(6) الذكرى: 35.

(7) المفيد في المقنعة: 7، و الطوسي في النهاية: 26.

(8) المراسم: 44.

322
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 317

و يختلف ذلك بحسب العادة، فالثاني أول لذات الستة، و وسط لذات الثلاثة، فإن كرّره تكررت مع الاختلاف زمانا أو سبق التكفير، و إلّا فلا. (1)

______________________________
العشرة و أسقط العادة
«1»، فعندهما قد تخلو بعض العادات عن الوسط، و الآخر، و ظاهر قوله عليه السّلام: «يتصدّق إذا كان في أوله بدينار» «2» يدفعه لعود الضّمير إلى الحيض المسؤول عن الوطء فيه أول الخبر- و هو حيض المرأة- و حمله على مطلق الحيض خلاف الظاهر، مع ندور القولين أيضا.

تفريع:

النفساء في ذلك كالحائض، فعلى هذا قال في الذكرى: و لو صادف الوطء زمانين أو ثلاثة- يعني بالنّسبة إلى الأوّل و الوسط و الأخر- نظرا إلى ما يتّفق في النّفاس من قصر زمانه، فالظّاهر التعدد «3» و في البيان احتمل التعدد ثم زاد فقال: أما لو قصر زمانه عمّا يحتمل الوطء فلا «4»، و فيه نظر.

قلت: يحتمل عود النظر إلى المسألتين، و عوده إلى الأخيرة خاصّة، و لا وجه للفرق، و في أصل المسألة إشكال لعدم صدق الأوّل و الوسط و الآخر في مثل ذلك عرفا، و المحكم في ذلك هو العرف مع أصالة البراءة و عدم ظهور معارض، و ما أبعد ما بين قوله و قول سلّار و القطب.

قوله: (فان كرره تكرّرت مع الاختلاف أو سبق التّكفير، و إلّا فلا).

(1) يريد ب‍ (الاختلاف) اختلاف الزّمان في الموجب، كالأوّل و الوسط مثلا، فان موجب الأوّل دينار، و الثّاني نصفه، و مثله الوسط و الآخر، و الأوّل و الآخر، و المراد ب‍ (سبق التكفير) تقدّمه على الوطء الثاني، و قوله: (و إلّا فلا) معناه و إن انتفى الأمران فلا‌

______________________________
(1) فقه القرآن 1: 54.

(2) التهذيب 1: 164 حديث 471، الاستبصار 1: 134 حديث 459.

(3) الذكرى: 35.

(4) البيان: 20 و 22. و فيه: (عمّا يحتمل الوطء ثلاثا فلا).

323
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 317

و لو كانت أمته تصدّق بثلاثة أمداد من الطعام. (1)

______________________________
يتكرر، و «إلّا» مركبة من (إن) الشرطية، و (لا) النافية، و جملة الشرط محذوفة، و هذا هو مختار المصنّف في كتبه
«1».

و وجهه في المتّفق أن الحكم متعلّق بالوطء، و صدقه في الواحد و المتعدد سواء.

قلنا: فتجب الكفّارة كلّما صدق، و إيجاب الثاني عين ما أوجبه الأوّل خلاف الظّاهر، فيتوقّف على الدّليل، على أنّه لو تم لزم مثله مع اختلاف الزّمان، و ينحصر الوجوب في الأكثر.

و وجه التكرر مع الاختلاف انّهما فعلان مختلفان في الحكم، فلا يتداخلان كغيرهما من العقوبات المختلفة، و ضعفه ظاهر مع أنه قياس.

و ذهب ابن إدريس إلى عدم التكرّر مطلقا «2»، و شيخنا الشّهيد إلى التكرر مطلقا «3»، لأصالة عدم التداخل، و هو أقرب.

و لو عجز عن الكفارة فظاهر النّص السقوط، فان في خبر داود «4» أمره بالاستغفار، و جعله كفّارة من لم يجد السّبيل إلى شي‌ء من الكفّارة و هو الظاهر، مع احتمال انتظار اليسار كباقي الكفّارات، و فيه ضعف. و الظّاهر أن المراد بالعجز المقارن للفعل، لأنه يمنع تعلق التّكليف لا الطارئ، لسبق الاستقرار، مع احتمال العموم لإطلاق الأمر بالاستغفار.

قوله: (و لو كانت أمته تصدّق بثلاثة أمداد من طعام).

(1) وجوب الصدقة هنا و استحبابها مبني على القولين في الكفّارة، و القائل بالوجوب هاهنا هو الصّدوق «5»، و الشّيخ في النّهاية «6»، و لا حجّة إلّا رواية عبد الملك ابن عمرو عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام «7» و لا تصلح للاحتجاج من وجهين:

______________________________
(1) المنتهى 1: 117، تحرير الأحكام 1: 15، المختلف: 36.

(2) السرائر: 28.

(3) البيان: 20.

(4) التهذيب 1: 164 حديث 471، الاستبصار 1: 134 حديث 459.

(5) الفقيه 1: 53 ذيل حديث 200.

(6) النهاية: 571- 572.

(7) التهذيب 1: 164 حديث 470، الاستبصار 1: 133 حديث 458.

324
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 317

و يجوز له الاستمتاع بما عدا القبل، (1) و لا يصحّ طلاقها مع الدخول و حضور الزوج أو حكمه و انتفاء

______________________________
أحدهما: أن الأمر فيها بالصّدقة على عشرة مساكين، و لا قائل به.

الثّاني: أن ظاهرها استحباب الصدقة، لأنه عليه السّلام أجابه أولا بالأمر بالاستغفار، فالحق عدم ابتنائها على ما تقدم.

و لا فرق في الأمة بين القنة و المدبرة، و أم الولد و المزوجة و لو بعبده، و في المكاتبة المشروطة و المطلقة تردد ينشأ من انقطاع السلطنة بالكتابة، بخلاف المعتق بعضها فيلحق بالأجنبيّة، و يحتمل التقسيط إعطاء لكلّ من السّببين حكمه.

قوله: (و يجوز الاستمتاع منها بما عدا القبل).

(1) هذا هو المشهور، و ذهب السّيد المرتضى إلى أنّه لا يحلّ الاستمتاع منها إلا بما فوق المئزر، و منه الوطء في الدّبر «1»، و حجته ظاهر رواية الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام: «تتزر بإزار إلى الركبتين و تخرج سرتها، ثم له ما فوق الإزار» «2»، و في معناها رواية أبي بصير عنه عليه السّلام أيضا «3»، و لا دلالة فيهما إلا بمفهوم الخطاب، و هو ضعيف.

و في مرسلة عبد اللَّه بن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام:

«إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقى موضع الدم» «4» و في معناها رواية عبد الملك بن عمرو «5» و هشام بن سالم عنه عليه السّلام «6»، و هي صريحة في المطلوب.

قوله: (و لا يصحّ طلاقها مع الدّخول، و حضور الزّوج أو حكمه، و انتفاء الحمل).

______________________________
(1) قاله في شرح الرسالة كما حكاه عنه العلامة في المختلف: 35.

(2) التهذيب 1: 154 حديث 439، الاستبصار 1: 129 حديث 442.

(3) التهذيب 1: 154 حديث 440، الاستبصار 1: 129 حديث 443.

(4) التهذيب 1: 154 حديث 436، الاستبصار 1: 128 حديث 437.

(5) التهذيب 1: 154 حديث 437، الاستبصار 1: 128 حديث 438.

(6) التهذيب 1: 154 حديث 438، الاستبصار 1: 129 حديث 439.

325
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 317

الحمل. (1)

و يجب عليها الغسل عند الانقطاع كالجنابة، لكن يجب الوضوء سابقا أو لاحقا. (2)

______________________________
(1) لا يجوز طلاق الحائض إجماعا، و لا يقع باتفاقنا بشروط ثلاثة:

أن تكون مدخولا بها، فغير المدخول بها يصح طلاقها و إن كانت حائضا.

و أن يكون زوجها حاضرا معها، أو في حكم الحاضر، و المراد به من كان قريبا منها بحيث يمكنه استعلام حالها، أو لم تبلغ غيبته حدّا يعلم انتقالها من الطهر الّذي وطأها فيه إلى آخر، بحسب عادتها الغالبة، فلو كان غائبا عنها فوق المدة المذكورة، أو كان في حكم الغائب- و هو الّذي لا يمكنه استعلام حالها مع قربه- صحّ طلاقها و إن صادف الحيض.

و أن تكون حائلا فيصح طلاق الحامل و إن كانت حائضا بناء على اجتماعهما، و ستأتي هذه الأحكام بدلائلها في الطلاق ان شاء اللَّه تعالى.

و اعلم أن كلام الأصحاب خال عن تقدير البعد الّذي به تتحقّق الغيبة و ضدّه، و سمعنا بعض من عاصرناه يحده بنحو مسير يوم، و كأنه نظر إلى أن الغيبة شرعا إنّما تتحقق بالسّفر المبيح للقصر، إذ من لم يبلغ سفره هذا القدر يعدّ مقيما و حاضرا، إلا ان إلحاق من لم يكن بحيث يعلم حال زوجته لبينونتها عنه، أو كونه محبوسا، مع تعذر الوقوف على أحوالها بالغائب، يشعر بأن المراد بالغائب من ليس من شأنه الإطلاق على أحوالها، لبعد المنزل عادة، و إن لم تبلغ المسافة المذكورة، إلا أنّ التمسّك بالاحتياط أولى، خصوصا فيما ليس له شرعا مقدر يصار إليه، و حكم الفروج مبني على كمال الاحتياط.

قوله: (و يجب عليها الغسل عند الانقطاع كالجنابة، و يجب الوضوء سابقا أو لاحقا).

(2) ظاهر أن وجوب الغسل عليها مشروط بوجوب الغاية، فإنه لا خلاف في أن غير الجنابة لا يجب لنفسه، فإطلاق المصنّف الوجوب اعتمادا على ظهور المراد، و في تعليق الوجوب بحال الانقطاع رد على من يرى وجوب الغسل عليها بأول رؤية الدّم، أو‌

326
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 317

..........

______________________________
بالرؤية بشرط الانقطاع من العامة
«1»، لأن الغسل إنما يجب بالحدث بشرط الغاية، و لو حاضت و هي جنب فكغيرها إن لم يسبق وجوب الغسل لغاية واجبة، و أشار بقوله:

(كالجنابة) إلى اعتبار ما تقدم في غسل الجنابة، و سقوطه بالارتماس و أحكامها.

و لو تخلل الحدث الأصغر في أثنائه فقولان مبنيان على الخلاف في غسل الجنابة «2»، و يمكن الجزم بعدم الإعادة هنا، كما قطع به المصنّف في التّذكرة، و جزم به في النّهاية، إمّا لأن الحدث الأكبر يرتفع بالغسل و الأصغر بالوضوء، فلا منافاة بين الغسل و الحدث الأصغر، أو لأنّ الطهارتين ترفعان الحدثين بالاشتراك، فللوضوء دخل في كمال الرّفع و الاستباحة، كما علل به في الذكرى في باب الغسل، و استبعد كون كلّ من الطهارتين تستقل برفع أحد الحدثين «3»، و لا ريب في ضعف القول بالتشريك، و إلا لكان موجب الطهارة الصّغرى موجبا للكبرى، و هو باطل إجماعا.

و لا يحل الصّوم و اللّبث في المسجد، و الوطء للحائض قبل الغسل، على القول بتحريم الوطء قبله، و كذا ضعف ما ذكره من بناء عدم الاستئناف عليه لأن الوضوء و إن كان له دخل على ذلك التقدير، إلا أن الغسل جزء السبب في رفع الحدثين، فإذا أبطل تأثيره لم يفد الوضوء، و في تخيير المصنّف إياها بين تقديم الوضوء و تأخيره رد على قول الشّيخ بوجوب التّقديم «4»، و إن كان في بعض الاخبار ذكر التّقديم «5»، لإطلاق البعض و ترجيحه بالشّهرة، فيحمل التقديم على الاستحباب، و قد يفهم من عبارة المصنّف عدم جواز تخلل الوضوء الغسل، و ليس بمراد، إذ لا مانع فإن الموالاة ليست واجبة.

______________________________
(1) قال به القاضي أبو الطيب و المحاملي و ابن الصباغ و غيرهم من الشافعية، المجموع شرح المهذب 2: 148.

(2) ذهب الى وجوب الإعادة الصدوق في الهداية: 21، و الشيخ في النهاية: 22، و المبسوط 1: 30، و ذهب إلى عدم وجوب الإعادة ابن إدريس في السرائر: 22.

(3) الذكرى: 106.

(4) المبسوط 1: 44، التهذيب 1: 143.

(5) الكافي 3: 45 حديث 13، التهذيب 1: 139 حديث 391، الاستبصار 1: 126 حديث 428.

327
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 317

و يجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة إلّا ركعتي الطواف. (1)

______________________________
فرعان:

أولا: يجوز كل من نية (الرّفع و الاستباحة) «1» في هذا الوضوء، سواء قدمته على الغسل أم لا، خلافا لابن إدريس، حيث منع أن تنوي فيه الرّفع في الحالين، و عين لها نية الاستباحة، نظرا إلى أن الرّفع إنّما يتحقق برفع الحدث الأكبر، فإن تقدم الوضوء فهو باق، و إن تأخّر فقد زال «2» و ظهور ضعفه يغني عن ردّه.

ثانيا: ماء الغسل على الزّوج على الأقرب، لأنه من جملة النفقة، فيجب نقله إليها، و لو احتاجت إلى الحمام، أو إلى إسخان الماء لم يبعد القول بوجوب العوض دفعا للضرر مع احتمال العدم، نظرا الى أنّ ذلك من مؤن التمكين الواجب عليها، و هو ظاهر في غير الجنابة، خصوصا إذا كان السّبب من الزوج، و المملوكة كالزّوجة، بل أولى لأنه مؤنة محضة، مع احتمال الانتقال إلى التّيمّم هنا، كالانتقال إلى الصّوم في دم المتعة، و غيره من الكفارات، تمسكا بأصالة البراءة، و ليس الطهارة كالفطرة، لأن الأمر بالطهارة للمملوكة، و بالفطرة للسيّد، و حيث قلنا بالوجوب فحصل العجز عن المباشرة، فهل تجب الإعانة؟ وجهان، صرح في الذّكرى بالوجوب «3» و للنّظر فيه مجال.

قوله: (و يجب عليها قضاء الصّوم دون الصّلاة، إلا ركعتي الطواف)

(1) عدم وجوب قضاء الصّلاة المؤقتة موضع وفاق بين العلماء، و به تواترت الأخبار «4»، أما غير المؤقتة كركعتي الطواف إذا طرأ الدّم قبلهما، و المنذورة نذرا مطلقا فيجب تداركها لعدم تعين الوقت المقتضي للسّقوط.

و لو نذرت الصّلاة في وقت معين فاتّفق الحيض فيه، ففي وجوب القضاء قولان، فان قلنا به استثنيت و لعلّه أقرب، و لا فرق في الموقتة بين اليوميّة و غيرها، في عدم‌

______________________________
(1) في نسخة «ن»: رفع الحدث أو الاستباحة.

(2) السرائر: 29.

(3) الذكرى: 106.

(4) الكافي 3: 104 باب الحائض تقضي الصوم، علل الشرائع: 578 باب 385 حديث 6، و ص 293 باب 224 حديث 1، التهذيب 1: 160، 161 حديث 458 و 459، 460 و للمزيد راجع الوسائل 2: 588 باب 41.

328
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 317

و يستحب لها الوضوء عند كل وقت صلاة، و الجلوس في مصلّاها ذاكرة للّه تعالى بقدرها. (1) و يكره لها الخضاب.

و تترك ذات العادة العبادة برؤية الدم فيها، و المبتدئة بعد مضي ثلاثة أيام على

______________________________
وجوب القضاء كالآيات، و قد صرح به في البيان
«1» و الظاهر أن الزّلزلة لا يجب تداركها كغيرها، لأنّها مؤقتة.

قوله: (و يستحب لها الوضوء عند وقت كل صلاة، و الجلوس في مصلّاها ذاكرة له بقدرها).

(1) هذا هو المشهور بين الأصحاب «2»، و ذهب علي بن بابويه إلى وجوب ذلك «3»، تعويلا على رواية زرارة في الحسن عن الباقر عليه السّلام بلفظ «عليها» «4» و عورضت برواية زيد الشحام، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام، الواردة بلفظ «ينبغي» «5» فجمع بينهما بالحمل على الاستحباب، مع ندور القول بالوجوب.

و قال المفيد: تجلس ناحية من مصلاها «6»، و الحديثان خاليان من ذكر المصلّى، قال في المعتبر «7»: و هو المعتمد، و علله بالتمرين على العبادة بحسب المكنة، فتصير عادة، قال في الذكرى: هذا من تفرّدات الإمامية- رحمهم اللَّه «8». و لو فقدت الماء فهل يشرع التيمم؟ الظاهر العدم.

قوله: (و تترك ذات العادة العبادة برؤية الدّم فيها، و المبتدئة بعد مضي ثلاثة على الأحوط).

______________________________
(1) البيان: 19.

(2) منهم: الشيخ في الخلاف 1: 39 مسألة 5 كتاب الحيض، و العلامة في المختلف: 36، و الشهيد في الذكرى:

35.

(3) الفقيه 1: 50.

(4) الكافي 3: 101 حديث 4، التهذيب 1: 159 حديث 456.

(5) الكافي 3: 101 حديث 3، التهذيب 1: 159 حديث 455.

(6) المقنعة: 7.

(7) المعتبر 1: 233.

(8) الذكرى: 35.

329
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 317

الأحوط. (1).

______________________________
(1) الحكم الأوّل لا خلاف فيه بين العلماء، و قد تواترت الأخبار عن النّبي صلّى اللَّه عليه و آله، و الأئمة عليهم السّلام بوجوب الجلوس لرؤية الدّم أيام الأقراء
«1»، و يؤيده أن العادات المستمرة ملحقة بالأمور الجبلية، نعم قد يستفاد من ظاهر قوله:

(فيها)- أي في العادة- أنها لو رأت الدم في غيرها استظهرت بثلاثة، إن قلنا بوجوب الاستظهار في غيرها و هو ظاهر، و قد تقدم الكلام على ذلك مستوفى.

أمّا المبتدئة و المضطربة، و لم يذكرهما المصنّف، و لا فرق بينهما، فقد قال ابن الجنيد «2»، و المرتضى، و ابن إدريس «3» بوجوب الاستظهار عليهما إلى ثلاثة، و رجحه في المعتبر «4»، و به أفتى شيخنا الشّهيد في بعض كتبه «5» و قال الشّيخ: تترك العبادة بمجرّد رؤية الدّم «6»، و به افتى المصنّف في أكثر كتبه «7»، و قواه في الذكرى محتاطا بالأوّل «8»، و هو ظاهر اختيار المصنّف هنا.

للشّيخ: حسنة حفص ابن البختري، عن الصّادق عليه السّلام حيث قال:

«فإذا كان للدّم حرارة و دفع و سواد فلتدع الصّلاة» «9».

و في الدلالة ضعف، لأن الأمر المعلق ب‍ «إذا» لا يفيد العموم، فلعلّ المراد به ذات العادة، و أيضا فإن القائل بجواز الترك برؤية الدّم لا يقصره على هذه الأوصاف.

فإن قلت: إذا ثبت الحكم هنا بالرّواية ثبت في غيره بالإجماع المستفاد من عدم القائل بالفرق.

قلنا: ينافيه مفهوم الشرط في قوله: (فإذا كان.) فإنه حجة عند كثير،

______________________________
(1) الكافي 3: 79 باب أول ما تحيض المرأة، التهذيب 1: 38 باب 19، و للمزيد انظر: الوسائل 2: 559 باب 14 من أبواب الحيض.

(2) نقله عنه في الذكرى: 29.

(3) السرائر: 29.

(4) المعتبر 1: 210.

(5) الدروس: 6، البيان: 20.

(6) المبسوط 1: 66.

(7) المنتهى 1: 101، المختلف: 37.

(8) الذكرى: 29.

(9) الكافي 3: 91 حديث 1، التهذيب 1: 151 حديث 429.

330
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 317

و يجب عليها عند الانقطاع قبل العاشر الاستبراء بالقطنة، فإن خرجت نقيّة طهرت و إلّا صبرت المبتدئة إلى النقاء أو مضي العشرة، (1) و ذات العادة تغتسل بعد عادتها بيوم أو يومين، فان انقطع على العاشر أعادت الصوم،

______________________________
فيحمل على ذات العادة، و قد احتج له بأخبار أخر، ليس لها دلالة قوية
«1».

للأولين: وجوب التمسّك بلزوم العبادة إلّا أن يتحقّق المسقط.

و عورض بالمعتادة، و الفرق ظاهر، و بأن الاحتمال قائم بعد الثلاثة، لجواز وجود دم أقوى ناقل لحكم الحيض إليه، و ندور ذلك ظاهر، فإنه إنّما يتحقق مع استمرار الدّم و تجاوزه العشرة، و اجتماع شروط التّمييز، و كون الطارئ أقوى، و الاحتمال النادر غير قادح، فظهر أن القول بالاستظهار أقوى.

قوله: (و يجب عليها عند الانقطاع قبل العاشر الاستبراء بالقطنة، فإن خرجت نقية طهرت، و إلا صبرت المبتدئة إلى النقاء، أو مضي عشرة).

(1) الضّمير في (عليها) يعود إلى ما عليه أحكام الباب- و هي الحائض- و قد تكرر رجوع الضمائر إليها، و الاستبراء هنا طلب براءة الرحم من الدّم، و يدل على وجوبه ما روي عن سماعة عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام «2»، و ما روي عن شرحبيل، عنه عليه السّلام «3»، و اشترك الحديثان في الاعتماد بالرّجل اليسرى على حائط، ثم استدخال القطنة و في الثّانية تستدخلها بيدها اليمنى، و عبارة المصنّف خالية من ذلك.

فان خرجت القطنة نقية فقد طهرت، فيجب الغسل مطلقا، و إن خرجت ملطخة صبرت المبتدئة إلى النقاء أو مضي العشرة، فان لم ينقطع الدّم على العشرة فحكم المبتدئة من الرّجوع الى التمييز، ثم عادة النّساء الى آخره، و قد سبق.

و كذا القول في المضطربة المتحيّرة، و ذاكرة الوقت خاصة، و التي استقرت عادتها وقتا خاصّة، فإن الجميع يعتبرن التمييز و ما بعده فيما لم تفده العادة دائما.

قوله: (و ذات العادة تغتسل بعد عادتها بيوم أو يومين، فان انقطع على‌

______________________________
(1) التهذيب 1: 151، 152، 153 حديث 431، 432، 434 و 435.

(2) التهذيب 1: 161 حديث 462.

(3) الكافي 3: 80 حديث 3، التهذيب 1: 161 حديث 461.

331
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 317

و ان تجاوز أجزأها فعلها. (1)

______________________________
العاشر أعادت الصّوم، و إن تجاوز أجزأها فعلها)

(1) ذات العادة تصدق في المستقرة عددا و وقتا، و في المستقرة عددا خاصّة، و الذاكرة العدد خاصّة، أما في الدّور الأوّل إن قلنا بوجوب الاحتياط، أو مطلقا إن قلنا باستناد تخصيص العدد بزمان اختيارها، و ثبوت الاستظهار- أعني طلب ظهور الحال في كون الدم حيضا أو طهرا- بالصّبر يوما و يومين لذات العادة.

و الاغتسال بعدهما لا خلاف في ثبوته، إنّما الخلاف في وجوبه، و القائل به الشّيخ «1»، و المرتضى «2»، و ابن إدريس «3»، و المعتمد الاستحباب و في بعض الأخبار ما يدل على الاستظهار إلى العشرة «4»، و هو مختار المرتضى «5»، و ابن الجنيد «6»، و التخيير لا بأس به، و إن كان الوقوف مع المشهور طريق الاحتياط.

و هذا الاستظهار إنّما يكون مع وجود الدّم بأي لون اتفق، لا مع انقطاعه، و يظهر من عبارة المختلف ثبوته مطلقا «7» و لا وجه له، فإذا اغتسلت بعد الاستظهار و أتت بالعبادة و انقطع الدّم على العشرة تبيّن أن الجميع حيض، فتقضي الصّوم إن كانت قد صامت لفساده دون الصّلاة، لأنها حائض.

و إن تجاوز العشرة أجزأها ما فعلته بعد الغسل، لأنّها طاهر، و تقضي ما فاتها في يومي الاستظهار من صوم و صلاة كما صرّح به في المنتهى «8» لأن ما زاد على العادة طهر كلّه، و جواز الترك- ارتفاقا من الشّارع بحالها لاحتمال الحيض- لا يمنع وجوب القضاء إذا تبين فساده، إذ قد تبين أن العبادة كانت واجبة عليها، و من هذا البيان يعرف ما في العبارة من الأحكام، و ما خلت عنه ممّا يحتاج الى بيانه.

______________________________
(1) النهاية: 24 و 26.

(2) حكاه العاملي في مفتاح الكرامة 1: 381 عن المصباح.

(3) السرائر: 28.

(4) الكافي 3: 77 حديث 3، التهذيب 1: 172 حديث 493.

(5) حكاه العاملي في المفتاح 1: 381.

(6) حكاه العلامة في المختلف: 38.

(7) المختلف: 38.

(8) المنتهى 1: 109.

332
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 317

و يجوز لزوجها الوطء قبل الغسل على كراهية، و ينبغي له الصبر حتى تغتسل، فان غلبته الشهوة أمرها بغسل فرجها. (1)

______________________________
قوله: (و يجوز لزوجها وطؤها قبل الغسل على كراهية، و ينبغي له الصّبر حتّى تغتسل، فان غلبته الشهوة أمرها بغسل فرجها).

(1) المشهور بين الأصحاب جواز وطء الحائض إذا طهرت قبل أن تغتسل من الحيض «1»، و قال ابن بابويه بتحريمه، قبل الغسل «2».

لنا: قوله تعالى (وَ لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ) «3» بالتخفيف، كما قرأ به السّبعة، أي: حتّى يخرجن من الحيض، جعل سبحانه غاية التّحريم خروجهنّ من الحيض، فثبت الحلّ بعده بمقتضى الغاية، و لا يعارض بمفهوم قوله سبحانه (فَإِذٰا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ) «4» لأنا نقول: تعارض مفهوما الغاية و الشرط فيتساقطان، إن لم يكن مفهوم الغاية أقوى، و يرجع إلى حكم الأصل و هو الحلّ فيما لم يقم دليل على تحريمه.

فان قلت: فما تصنع بقراءة التشديد، فان ظاهرها اعتبار التّطهير، أعني الاغتسال.

قلت: يجب حملها على الطهر، توفيقا بينها و بين القراءة الأخرى، صونا للقراءتين عن التنافي، فقد جاء في كلامهم تفعّل بمعنى فعل كثيرا، مثل تطعمت الطّعام و طعمته، و كسرت الكوز فتكسر، و قطعت الحبل فتقطع، فالثقيل منه غير مغاير للخفيف في المعنى، و الأصل في الاستعمال الحقيقة.

و من هذا الباب المتكبر في أسماء اللَّه سبحانه، فإنه بمعنى الكبير، و حيث ثبت مجي‌ء هذه البينة بالمعنى المذكور، وجب الحمل عليه في الآية توفيقا بين القراءتين، و يؤيّده قوله تعالى (فَاعْتَزِلُوا النِّسٰاءَ فِي الْمَحِيضِ) «5»، فإنّه إمّا مصدر كالمجي‌ء و المبيت، و هو الظّاهر، بدليل قوله تعالى أولا (وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً) «6» أي:

______________________________
(1) منهم: المرتضى في الانتصار: 34، و الشيخ في النهاية: 26، و الشهيد في البيان: 20 و فيه: (و يكره.)

(2) الفقيه 1: 53.

(3) البقرة: 222.

(4) البقرة: 222.

(5) البقرة: 222.

(6) البقرة: 222.

333
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 317

..........

______________________________
الحيض، فيحتاج الى تقدير مضاف حينئذ، أي: زمان الحيض أو اسم لزمان الحيض، أو مكانه، و إنّما يعد مكانه مع استمرار الدّم.

كذا قال في المختلف «1»، و فيه نظر، إذ لا يشترط لصدق المشتق بقاء أصله، و كيف كان فهو يدلّ بالمفهوم الوصفي على انتفاء وجوب الاعتزال في غير زمان الحيض، فيشمل المتنازع.

و قد روى الشّيخ، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: المرأة ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيامها فقال: «إن أصاب زوجها شبق فلتغسل فرجها، ثم يمسها زوجها إن شاء قبل أن تغتسل» «2»، و مثلها رواية علي بن يقطين، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام «3»، و في معنى ذلك أحاديث كثيرة «4»، و في بعضها تصريح باستحباب تقديم الغسل «5»، و كما يجب التّوفيق بين القراءتين، كذا يجب التّوفيق بينهما و بين السنة، لصدورها عمن لا ينطق عن الهوى.

حجة المانع قراءة التشديد، و قد سبق عدم دلالتها، و ما رواه الشّيخ عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: سألته عن امرأة كانت طامثا فرأت الطّهر، أ يقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال: «لا، حتّى تغتسل» «6» و بمعناها غيرها «7»، و جوابه الحمل على الكراهيّة جمعا بين الأخبار، على أن في طريق الرّواية علي بن أسباط، و فيه قول.

إذا تقرر هذا فاعلم أن المراد بقول المصنّف: (و يجوز لزوجها الوطء.).

الجواز بالمعنى الأعمّ، و هو مطلق السائغ، فلا ينافي حكمه بالكراهية بعد، و قد تقدم ما‌

______________________________
(1) المختلف: 35.

(2) التهذيب 1: 166 حديث 477، الاستبصار 1: 135 حديث 463.

(3) التهذيب 1: 166 حديث 476.

(4) للمزيد انظر: الوسائل 2: 572 باب 27 من أبواب الحيض.

(5) الكافي 5: 539 حديث 1، 2، التهذيب 1: 166، 167 حديث 475، 480 و 481، الاستبصار 1: 135، 136 حديث 464، 467 و 468.

(6) التهذيب 1: 166 حديث 478، الاستبصار 1: 136 حديث 465.

(7) التهذيب 1: 167 399 حديث 479، 1244، الاستبصار 1: 136 حديث 466.

334
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 317

و إذا حاضت بعد دخول وقت الصلاة بقدر الطهارة و أدائها قضتها، و لا يجب لو كان قبله، و لو طهرت قبل الانقضاء بقدر الطهارة و أداء ركعة وجب أداؤها، فإن أهملت وجب القضاء، و لو قصر الوقت عن ذلك

______________________________
يدلّ عليها، مع قول الكاظم عليه السّلام و قد سئل عن وطئها قبل الغسل: «لا بأس، و بعد الغسل أحب اليّ»
«1».

و مراد المصنّف بقوله: (و ينبغي) الاستحباب، لأنّه معناها الحقيقي و لا تكرار، فإنه اعاده ليرتّب عليه تقديم غسل الفرج، و ليس هذا الغسل واجبا، و إن وجد في خبر محمّد بن مسلم، لأن في خبر ابن المغيرة عمن سمع العبد الصّالح عليه السّلام: نفي البأس عن الوطء و ان لم تمس الماء «2» و هو دال على المدّعى، نعم هو مستحب استحبابا مؤكّدا، و العبارة لا تدلّ على الاستحباب صريحا.

و لو فقدت الماء فهل تتيمّم للوطء بدلا من الغسل وجوبا أو استحبابا؟ المروي عن الصّادق عليه السّلام: «نعم» «3»، و صرّح به في الذّكرى «4»، و يظهر من عبارة المنتهى «5» و هو حسن، و لا فرق بين أن تصلّي به و عدمه، و لا فرق في جواز الوطء بين أن ينقطع الدّم لأكثر الحيض أو لا، نعم يشترط في الثاني انقطاع الدّم على العادة فصاعدا، فلو انقطع دون نهايتها فإشكال، و يجي‌ء على ما اختاره المصنّف في بعض كتبه، من اعتبار الوضوء في غسل الحيض و نحوه «6»، و انّه كالجزء عدم الاكتفاء بالغسل لو اشترطناه.

قوله: (و إذا حاضت بعد دخول وقت الصّلاة بقدر الطّهارة و أدائها قضتها، و لا يجب لو كان قبله، و لو طهرت قبل الانقضاء بقدر الطّهارة و أداء‌

______________________________
(1) التهذيب 1: 167 حديث 481، الاستبصار 1: 136 حديث 468.

(2) التهذيب 1: 167 حديث 480، الاستبصار 1: 136 حديث 468.

(3) الكافي 3: 82 حديث 3، التهذيب 1: 400 حديث 1250.

(4) الذكرى: 34.

(5) المنتهى 1: 117.

(6) المختلف: 39.

335
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 317

سقط الوجوب. (1)

______________________________
ركعة وجب أداؤها، فإن أهملت وجب القضاء، و لو قصر الوقت عن ذلك سقط الوجوب).

(1) من الأصول المقرّرة وجوب كون وقت العبادة بحيث يسعها و يسع شروطها، لامتناع التّكليف بالمحال، و انّ إدراك ركعة من آخر الوقت يتنزل منزلة إدراك الوقت كملا، و سيأتي في باب وقت الصّلاة ان شاء اللَّه تعالى.

إذا تقرر هذا، فطروء الحيض و انقطاعه إن كان في أوّل وقت الفريضة، فإن كان قبل أن يمضي من الوقت مقدار ما يسع الطّهارة إن لم تكن متطهرة، و كذا باقي شروط الصّلاة، و فعل الصّلاة أقل المجزئ بالنّسبة إلى تلك المرأة، و قيّدنا بذلك لتندرج المسافرة، و ذات الجبيرة، و القطع، و المتيمّمة، و سريعة القراءة و بطيئتها و نحو ذلك لم يجب القضاء قطعا، خلافا لبعض العامة «1»، و للصدوق منا، حيث أوجب قضاء ركعة من المغرب لو أدركت ركعتين «2» لعدم استقرار وجوب الأداء، و امتناع توجه الخطاب بالفعل كما سبق.

و يتحقّق عدم إدراك وقت الصّلاة بقصوره عن التّسليم إن قلنا بوجوبه، و إن كان بعد إدراك الصّلاة كما قلناه وجب القضاء إن كانت لم تؤدّ، و كذا الحكم في وجوب القضاء إن كانت لم تؤد، و كذا الحكم في وجوب القضاء إن لم تكن قد صلّت، لو طرأ الحيض في وسط الوقت و لم يكن قبله مانع من وجوب الصّلاة كجنون، فلو كان اعتبر لوجوب القضاء تخلل زمان يسع أقل الواجب بينهما، و كذا الآخر.

و لو انقطع الدّم و قد بقي من الوقت مقدار الفريضة بشروطها أقلّ الواجب- كما تقدّم- وجب الأداء، و مع الإخلال القضاء، و كذا لو بقي مقدار ركعة بالشّروط، و لو كان من آخر وقت الصّلاتين اعتبر لإدراكهما معا بقاء مقدار خمس ركعات، سواء في ذلك الظهران و العشاءان، و إنّما اكتفى من آخر الوقت بمقدار ركعة، لأنّ الباقي يزاحم به في وقت صلاة اخرى إن كان بخلاف أوّل الوقت.

______________________________
(1) راجع المجموع 4: 368، و فتح العزيز (بهامش المجموع) 4: 459، و الوجيز 1: 34.

(2) المقنع: 17.

336
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المقصد السابع: في الاستحاضة ؛ ج 1، ص : 337

[المقصد السابع: في الاستحاضة]

المقصد السابع: في الاستحاضة و هي في الأغلب أصفر، بارد، رقيق، ذو فتور. (1)

______________________________
و لو أدركت قدر إحدى الصّلاتين، اختصّت به الثّانية على المشهور من الاختصاص
«1»، و على القول باشتراك الوقت من أوله الى آخره يتجه وجوب الاولى، و سيأتي تحقيق ذلك في الوقت بعون اللَّه تعالى. و لو أدركت أقل من ركعة لم يجب الأداء و لا القضاء عندنا، و هل يستحبّ القضاء؟ صرح به المصنّف في المنتهى «2» و التذكرة «3»، و النهاية «4».

و يلوح من عبارة الكتاب هنا حيث قال: (سقط الوجوب) هذا حكم الصّلاة، أمّا الصّوم فان الغسل إذا طهرت قبل الفجر بمقدار زمانه واجب له، و شرط إن كان واجبا، و إلا فهو شرط لصحته خاصّة، و مع تعذّره يجب التيمّم على الأصحّ، و قد سبق تحقيق ذلك.

قوله: (المقصد السّابع في الاستحاضة: و هي في الأغلب أصفر، بارد، رقيق، ذو فتور).

(1) الاستحاضة في الأصل استفعال من الحيض، يقال: استحيضت على وزان استقيمت بالبناء للمجهول، فهي تستحاض كذلك، لا تستحيض إذا استمرّ بها الدّم بعد أيامها، فهي مستحاضة، ذكره في الصحاح «5»، و مقتضاه عدم سماع المادة مبنية لغير المجهول، ثم استعمل لفظ الاستحاضة في الدّم الموصوف، و هو كلّ ما ليس بحيض و لا نفاس و لا قرح و لا جرح، و المراد بالفتور خروجه بضعف، بخلاف دم الحيض فان خروجه بقوة و دفع.

______________________________
(1) منهم: الشيخ في المبسوط 1: 45، و ابن البراج في المهذب 1: 36، و المحقق في المعتبر 1: 237.

(2) المنتهى 1: 114.

(3) التذكرة 1: 28.

(4) نهاية الأحكام 1: 124.

(5) الصحاح 3: 1073 مادة (حيض).

337
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المقصد السابع: في الاستحاضة ؛ ج 1، ص : 337

و قيّدنا بالأغلب لأنه قد يكون بهذه الصفات حيضا، (1) فإن الصفرة و الكدرة في أيام الحيض حيض، و في أيام الطهر طهر. (2)

و كلّ ما ليس بحيض، و لا قرح، و لا جرح فهو استحاضة و ان كان مع اليأس (3)

______________________________
قوله: (و قيدنا بالأغلب لأنه قد يكون بهذه الصّفات حيضا).

(1) للتقييد بالأغلب فائدة أخرى، هي أن الاستحاضة قد تجي‌ء بصفات الحيض كما إذا فقد بعض الشّروط، و قد يكون دم الاستحاضة أبيض أيضا، و هو لون يختص به.

قوله: (فإن الصفرة و الكدرة في أيام الحيض حيض، و في أيام الطّهر طهر).

(2) المراد بأيام الحيض: هي المحكوم بكونها حيضا و لو تغليبا، لا أيام العادة فقط، و كذا الطهر.

قوله: (و كلّ ما ليس بحيض، و لا قرح، و لا جرح فهو استحاضة و إن كان مع اليأس).

(3) إنما تستمرّ هذه الكليّة إذا استثنى دم النّفاس، و عطف الجملة ب‍ «ان» للتنبيه على أن سنّ اليأس يجامع الاستحاضة، و لا حاجة إليه، لأنه إنّما يحسن العطف بها للتّنبيه على حكم الفرد الخفي، و سنّ اليأس و الصّغر في ذلك سواء بالنّسبة إلى نظر الفقيه، بل حكم الصّغرى خفي، فكان ينبغي التّنبيه عليه، فان الدّم قبل التّسع لغير القرح و الجرح استحاضة.

فإن قلت: ما فائدة بيان أن دم الصغيرة استحاضة، مع أنه لا تكليف عليها؟

قلت: الفائدة معرفته لتجري عليها الأحكام تمرينا و تمنع من المساجد و العزائم، و غير ذلك من الأفعال المشروطة بالطّهارة.

و هنا سؤال هو: إنّ القرح يحكم له بالخارج من الأيمن؟ و للحيض بالخارج من الأيسر، فما الّذي يكون محلّا للاستحاضة،

338
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المقصد السابع: في الاستحاضة ؛ ج 1، ص : 337

ثم ان ظهر على القطنة و لم يغمسها وجب عليها تجديد الوضوء عند كل صلاة و تغيير القطنة، و ان غمسها من غير سيل وجب مع ذلك تغير الخرقة و الغسل لصلاة الغداة، و ان سال وجب مع ذلك غسل للظهر و العصر و غسل للمغرب و العشاء مع الاستمرار، و إلّا فاثنان أو واحد، (1)

______________________________
و جوابه: إن الخارج من الأيسر، مع انتفاء شرائط الحيض محكوم به للاستحاضة، و كذا الأيمن مع انتفاء القرح.

قوله: (ثم إن ظهر على القطنة و لم يغمسها وجب عليها تجديد الوضوء عند كلّ صلاة، و تغيير القطنة، و إن غمسها من غير سيل وجب مع ذلك تغيير الخرقة، و الغسل لصلاة الغداة، و إن سال وجب مع ذلك غسل للظّهر و العصر و غسل آخر للمغرب و العشاء مع الاستمرار، و إلّا فاثنان أو واحد).

(1) أشار بذلك إلى أحكام الاستحاضة، و عطفه ب‍ (ثم) لينبه على انفصاله عمّا قبله. و تحقيقه: ان المشهور بين الأصحاب «1» أن لدم الاستحاضة ثلاث مراتب: القلة، و التوسّط، و الكثرة، فيجب على المستحاضة أن تعتبر نفسها في وقت الصّلاة، فإن لطّخ الدّم باطن الكرسف،- و هو: القطنة- أي: جانبه الّذي يلي الباطن- فإطلاق الباطن عليه مجاز، و لم يدخل وسطه بحيث يغمسه جميعا- و هو المراد بقول المصنّف: (ظهر على القطنة.)- وجب عليها تغيير القطنة، أو غسلها لوجوب إزالة النّجاسة، و هذا بخلاف السّلس و المبطون، و المجروح، لعدم وجوب ذلك عليهم.

و فرق في المنتهى بورود النص على المستحاضة دونهم «2»، و فيه نظر، لعدم نصّ صريح في المستحاضة أيضا، نعم يلوح من بعض الأخبار مثل قول الباقر عليه السّلام:

«فإذا ظهر أعادت الغسل، و أعادت الكرسف» «3» و قد يحتج لذلك بإجماع الأصحاب على الوجوب فيها كما حكاه في المنتهى «4» في أوّل باب الاستحاضة.

______________________________
(1) منهم: الصدوق في الفقيه 1: 50، و الشيخ في المبسوط 1: 42، و سلار في المراسم: 44.

(2) المنتهى 1: 122.

(3) التهذيب 1: 171 حديث 488، الاستبصار 1: 149 حديث 512.

(4) المنتهى 1: 120.

339
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المقصد السابع: في الاستحاضة ؛ ج 1، ص : 337

..........

______________________________
و يجب عليها غسل ما ظهر من فرجها أيضا، لإصابة النّجاسة له، ذكره شيخنا الشّهيد
«1»، و أهمله المصنّف، قال الشّيخ: و تغيير الخرقة «2»، حكاه عنه في التّذكرة «3»، و لا وجه له.

و الوضوء لكلّ صلاة، و خالف ابن أبي عقيل في ذلك، فلم يوجب الوضوء في هذا القسم، و جعله غير ناقض للطّهارة، حكاه عنه في الذّكرى «4»، و المصنّف في المنتهى «5» و المختلف «6»، و ابن الجنيد أوجب فيه غسلا واحدا في اليوم و اللّيلة «7»، و هما نادران، لإجماع الأصحاب بعدهما على خلافهما، مع دلالة الأخبار على الوضوء متكررا «8».

و إن غمس الدّم القطنة، بمعنى شموله باطنها و ظاهرها جميعا، ففي موثقة زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام: «فإذا نفذ اغتسلت و صلت» «9» و النّفوذ يقتضي الاستيعاب، لأنه مأخوذ من نفذ السّهم من الرمية إذا خرقها «10»، و قد تشهد له عبارات الأصحاب، حيث عبّر بعضهم عن هذا القسم: بثقب الدّم الكرسف «11»، و بعضهم: بظهوره عليه «12»، و بعضهم: بغمسه له «13»، و مرادهم واحد قطعا، و مجموع هذه العبارات يستلزم ما فسرنا به، فمع الغمس المذكور يجب مع ما تقدم تغيير‌

______________________________
(1) الذكرى: 30.

(2) النهاية: 28.

(3) التذكرة 1: 29.

(4) الذكرى: 30.

(5) المنتهى 1: 120.

(6) المختلف: 40.

(7) نقله عنه في المختلف: 40.

(8) الكافي 3: 89 حديث 4، التهذيب 1: 170 حديث 485.

(9) التهذيب 1: 169 حديث 483.

(10) الصحاح 2: 571 مادة (نفذ).

(11) قاله المحقق في الشرائع 1: 34، و ابن إدريس في السرائر: 31.

(12) قاله العلامة في المنتهى 1: 120.

(13) قاله العلامة في التحرير 1: 16، و المختلف: 4، و الشهيد في اللمعة: 21.

340
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المقصد السابع: في الاستحاضة ؛ ج 1، ص : 337

..........

______________________________
الخرقة أو غسلها، لأن نفوذ الدّم من الكرسف يقتضي الوصول إليها فينجس.

و يجب الغسل لصلاة الغداة، و ابن الجنيد، و ابن أبي عقيل «1» سوّيا بين هذا القسم و بين الثّالث في وجوب ثلاثة أغسال، و كذا المصنّف في المنتهى «2» محتجّا بضعف الأخبار الدّالة على الاقتصار على الغسل الواحد «3»، و صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام تضمنت وجوب الأغسال الثّلاثة بالغمس «4».

قلنا: لا ريب أن سيلان الدم غمس و زيادة، فلتحمل عليه جمعا بينها و بين رواية الصحاف «5»، و صحيحة زرارة «6»، و غيرهما من الأخبار «7»، و عملا بما عليه الأكثر، و إن سال الدّم و هو القسم الثّالث للاستحاضة، و المراد بسيلانه تجاوزه الكرسف و الخرقة التي فوقه، و ذلك إنّما يكون عند تحشي المرأة، لا وقت طرحه عنها.

هذا هو المفهوم من عبارات الأصحاب، و الّذي في خبر الصّحاف الأمران معا، حيث قال: «ما لم تطرح الكرسف عنها، فان طرحته و سال الدم وجب الغسل» مع قوله بعد: «فان كان الدم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلفه صبيبا» «8» الى آخره، فيظهر عدم الفرق.

و كيف كان فيجب عليها- مع ما تقدم- غسل للظهرين، تجمع بينهما وجوبا، و الأفضل أن تؤخر الاولى و تعجل الثّانية، و غسل للعشاءين، كذلك وجوب الأغسال الثّلاثة في هذا القسم لا خلاف فيه بين الأصحاب، إنّما الخلاف في وجوب الوضوء‌

______________________________
(1) نقله عنهما في المختلف: 40.

(2) المنتهى 1: 120.

(3) الكافي 3: 89 حديث 4، التهذيب 1: 170، 402 حديث 485، 1285.

(4) الكافي 3: 88 حديث 2، التهذيب 1: 170 حديث 484.

(5) الكافي 3: 95 حديث 1، التهذيب 1: 169 حديث 482.

(6) التهذيب 1: 173 حديث 496.

(7) انظر: الوسائل 2: 604 باب 1 من أبواب الاستحاضة.

(8) الكافي 3: 95 حديث 1، التهذيب 1: 169 حديث 482، الاستبصار 1: 140 حديث 482 باختلاف يسير في الجميع.

341
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المقصد السابع: في الاستحاضة ؛ ج 1، ص : 337

..........

______________________________
لكل صلاة، فاكتفى جمع من الأصحاب بالوضوء و الغسل لصلاتي الجمع
«1»، و بعضهم اكتفى بالغسل عن الوضوء في هذا القسم و غيره «2»، و المعتمد ما قدمناه، و هنا مباحث:

أولا: اعتبار الجمع بين الصّلاتين ليتحقّق الاكتفاء بغسل واحد، فلو أفردت كلّ صلاة بغسل جاز قطعا، بل هو أفضل و أبلغ كما صرح به في المنتهى «3».

ثانيا: اعتبر جمع من الأصحاب لصحّة صلاتها معاقبتها للطّهارة «4»، فلو لم تتشاغل بها عقيب الطّهارة لم تصحّ، و هو حسن، لأن العفو عن حدثها المستمرّ للضّرورة، فيقتصر على ما كان في محل الضّرورة، و هو ما لا يمكن الانفكاك منه، و إيجاب الوضوء لكلّ صلاة، و إيجاب الجمع بين الفرضين بغسل يرشد إلى ذلك، و لا يضرّ الاشتغال بنحو الاستقبال، و السّتر، و الأذان، و الإقامة من مقدمات الصّلاة، و لو كان دمها ينقطع حينا، فان كان بحيث يسع الطّهارة و الصّلاة وجب انتظاره، ما لم يضرّ بالفرض.

ثالثا: لا تجمع المستحاضة بين الصّلاتين بوضوء واحد، سواء الفرض و النفل بخلاف الغسل، فتجمع بين صلاة اللّيل و الصّبح بغسل واحد.

رابعا: قيل: المعتبر في قلة الدم و كثرته النّسبة إلى الأقسام السّابقة بأوقات الصّلاة «5» لأنها أوقات الخطاب بالطّهارة، فلا أثر لما قبلها، فلو سبقت القلة و طرأت الكثرة، تغيّر الحكم، فلو طرأ السيلان بعد الصّبح و استمر اغتسلت للظّهرين، و لو طرأ بعد هما فلا غسل لهما، و لو كثر قبل الوقت ثم طرأت القلّة فعلى هذا القول لا غسل عليها.

و يمكن وجوبه نظرا إلى أن الحدث مانع، سواء كان في وقت الصّلاة أم لا،

______________________________
(1) منهم: ابن إدريس في السرائر: 30.

(2) منهم: الشيخ في النهاية: 28- 29، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 488.

(3) المنتهى 1: 122.

(4) منهم: ابن إدريس في السرائر: 30، و الشهيد في الدروس: 7.

(5) قاله الشهيد في الذكرى: 31.

342
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المقصد السابع: في الاستحاضة ؛ ج 1، ص : 337

و مع الأفعال تصير بحكم الطاهر، (1)

______________________________
و هو ظاهر اختياره في البيان
«1»، و في خبر الصحاف ما يشعر به «2»، و هو قوله عليه السّلام: «فان كان الدّم لا يسيل فيما بينها و بين المغرب فلتتوضّأ لكلّ صلاة».

و في الذّكرى قال: إنّه مشعر بأن الاعتبار بوقت الصّلاة «3»، و ليس بظاهر، و لا ريب أن اعتباره مطلقا أحوط.

خامسا: إنما تجب الأغسال الثّلاثة مع استمرار الدم سائلا إلى وقت العشاءين، فلو طرأت القلة بعد الظهرين فغسلان، أو بعد الصّبح فغسل واحد، و هذا هو المراد بقول المصنّف: (مع الاستمرار، و إلا فاثنان أو واحد) أي: و إن لم يستمرّ فاثنان إن بقي إلى وقت الظّهرين، أو واحد إن لم يبق، و يظهر من العبارة القول بان الاعتبار بأوقات الصلوات لأن الظاهر أن المراد بالاستمرار بقاء الكثرة إلى وقت الصّلوات، التي سبق وجوب الغسل لها.

قوله: (و مع الأفعال تصير بحكم الطاهر).

(1) المراد بالأفعال جميع ما تقدّم من الغسل و الوضوء، و تغيير القطنة و الخرقة، و قد عرفت وجوب تطهير المحل، و انّما يراد بالأفعال ما يجب عليها بحسب حال الدم، و إن أطلقه اعتمادا على ما سبق و قال: (بحكم الطاهر)، لأنها لدوام حدثها لا تكون طاهرا حقيقة، و المراد من كونها بحكم الطاهر، أن جميع ما يصحّ من الطاهر من الأمور المشروطة بالطّهارة تصح منها، فتصحّ صلاتها، و صومها، و يأتيها زوجها أو سيّدها.

و يلوح من مفهوم العبارة أنّها بدون الأفعال لا يأتيها زوجها، و إنّما يراد بها الغسل خاصّة، إذ لا تعلق للوضوء بالوطء، و اختاره في المنتهى «4»، و أسنده إلى ظاهر عبارات الأصحاب، و استدل بالأخبار الدّالة على أن الاذن في الوطء بعد الغسل «5»،

______________________________
(1) البيان: 21.

(2) الكافي 3: 95 حديث 1، التهذيب 1: 169 حديث 482، الاستبصار 1: 141 حديث 482.

(3) الذكرى: 30.

(4) المنتهى 1: 121.

(5) التهذيب 1: 170، 401، 402 حديث 486، 487 و 1253 و 1257.

343
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المقصد السابع: في الاستحاضة ؛ ج 1، ص : 337

و لو أخلت بشي‌ء من الأفعال لم تصح صلاتها. (1) و لو أخلّت بالأغسال لم يصح صومها، (2) و انقطاع دمها للبرء يوجب الوضوء. (3)

______________________________
و صاحب المعتبر جعله قبل الغسل مكروها كراهية مغلّظة
«1»، متمسكا بعموم قوله تعالى (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّٰى شِئْتُمْ) «2»، و قول الصّادق عليه السّلام: «المستحاضة يأتيها بعلها متى شاء إلا أيّام أقرائها» «3».

قال في الذّكرى: ما أقرب الخلاف هنا من الخلاف في وطء الحائض قبل الغسل «4»، و في اختيار المعتبر قوة، لعدم دلالة الأخبار على تعيين غسل الاستحاضة، فجاز أن يكون المراد غسل الحيض، إلا أن ما ذكره أحوط.

قوله: (و لو أخلّت بشي‌ء من الأفعال لم تصح صلاتها).

(1) و ذلك لأنها إما محدثة، أو ذات نجاسة لم يعف عنها.

قوله: (و لو أخلّت بالأغسال لم يصحّ صومها).

(2) المراد بها الأغسال النّهارية، فلا يشترط لصوم يوم غسل لليلة المستقبلة قطعا، و هل يشترط غسل ليلته؟ فيه وجهان. و لو أخلت بالغسل بطل صومها و وجب القضاء خاصّة، قال في الذكرى: و كلام المبسوط «5» يشعر بتوقّفه في القضاء، حيث أسنده إلى رواية الأصحاب «6».

قوله: (و انقطاع دمها للبرء يوجب الوضوء).

(3) حكم الشّيخ بأن انقطاع دمها يوجب الوضوء «7»، و قيده جمع من الأصحاب‌

______________________________
(1) المعتبر 1: 248.

(2) البقرة: 223.

(3) التهذيب 1: 401 حديث 1254.

(4) الذكرى: 31.

(5) المبسوط 1: 68.

(6) الذكرى: 31.

(7) المبسوط 1: 68.

344
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المقصد الثامن: في النفاس ؛ ج 1، ص : 345

[المقصد الثامن: في النفاس]

المقصد الثامن: في النفاس و هو دم الولادة، (1) فلو ولدت و لم تر دما فلا نفاس و ان كان تاما، (2)

______________________________
بكونه انقطع للبرء، أي: للشفاء، فإن دم الاستحاضة دم مرض و فساد
«1»، و المراد أنّه لم ينقطع متوقع العود، أعني انقطاع فترة فإنّه حينئذ لا يجب تجديد الطّهارة، لأنه بمنزلة الموجود، إلا أن يتسع للطهارة و الصّلاة فيجب.

و انّما وجب الوضوء مع الانقطاع للبرء، لأن الحدث لدوامه معفوّ عنه مقدار زمان الطّهارة و الصّلاة، فإذا انقطع كذلك ظهر أثر الحدث الّذي وقع في خلال الطّهارة و الصّلاة و بعد هما، لانتفاء العفو مع زوال الضّرورة، إلا أنّ هذا يقتضي وجوب ما كان يوجبه الدّم من غسل أو وضوء، اعتبارا بحال الحدث، كما ذهب إليه شيخنا الشّهيد، فإطلاق إيجاب الوضوء وحده لا يستقيم.

قال في الذّكرى: و هذه المسألة لم يظفر فيها بنصّ من قبل أهل البيت عليهم السّلام، و لكن ما أفتى به الشّيخ هو قول العامة، بناء منهم على أن حدث الاستحاضة يوجب الوضوء لا غير و لما كان الأصحاب يوجبون به الغسل فليكن مستمرّا، «2». هذا كلامه، و هو كلام واضح.

قوله: (المقصد الثّامن في النّفاس: و هو دم الولادة).

(1) يقال: نفست المرأة و نفست بضم النون و فتحها، و في الحيض بالفتح لا غير، و هو مأخوذ إما من النّفس و هو الدّم، أو الولد، أو من تنفس الرحم بالدّم «3»، و شرعا:

هو دم يقذفه الرحم عقيب الولادة، أو معها.

قوله: (فلو ولدت و لم تر دما فلا نفاس و إن كان تامّا).

(2) لا خلاف بين الأصحاب في ذلك، و إنّما المخالف في ذلك بعض العامة «4»،

______________________________
(1) منهم: العلامة في المختلف 1: 122، و الشهيد في الدروس: 7.

(2) الذكرى: 31.

(3) الصحاح (نفس) 3: 984، القاموس (نفس) 2: 255.

(4) القائل أحمد بن حنبل كما في المغني لابن قدامة 1: 396 فصل 495.

345
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المقصد الثامن: في النفاس ؛ ج 1، ص : 345

و لو رأت الدم مع الولادة أو بعدها و ان كان مضغة فهو نفاس. (1)

و لو رأت قبل الولادة بعدد أيام الحيض و تخلل النقاء عشرة فالأول حيض و ما مع الولادة نفاس، و ان تخلل أقل من عشرة فالأول استحاضة (2)

______________________________
فأوجب الغسل بخروج الولد، و بعضهم جعل خروجه حدثا أصغر
«1».

قوله: (و لو رأت الدّم مع الولادة أو بعدها و إن كان مضغة فهو نفاس).

(1) لا خلاف في أن الدّم الخارج قبل الولادة كدم الطلق ليس نفاسا، كما أنّه لا خلاف في أنّ الخارج بعد الولادة نفاس، إنّما الخلاف في أن الخارج معها هل هو نفاس أم لا؟ و المشهور أنّه نفاس «2»، خلافا للسّيد المرتضى «3»، و العمل على المشهور، لحصول المعنى المشتقّ منه، و خروجه بسبب الولادة، فيتناوله إطلاق النّصوص.

و يتحقّق النفاس بمقارنة الدّم وضع كلّ ما يعد آدميا، أو مبدأ خلق آدمي حتّى المضغة دون العلقة، لعدم اليقين، و في الذّكرى: إنّه لو علم كونه مبدأ نشوء إنسان، بقول أربع من القوابل كان نفاسا «4»، و للتوقّف فيه مجال لانتفاء التّسمية.

قوله: (و لو رأت قبل الولادة بعدد أيام الحيض، و تخلل النقاء عشرة، فالأوّل حيض، و ما مع الولادة نفاس، و إن تخلل أقل من عشرة فالأوّل استحاضة).

(2) وجهه إعطاء كل من الدّمين حكمه، فإن كل دم يمكن أن يكون حيضا فهو حيض كما سبق في الحيض، و قد يستفاد من قوله: (و تخلل النّقاء عشرة) أنّه بدون تخلّله كذلك لا يكون الأوّل حيضا، و قد صرّح بهذا المفهوم بقوله: (و ان تخلل أقل.)

و في المسألة وجهان:

______________________________
(1) القائل امام الحرمين كما في فتح العزيز 2: 580.

(2) ذهب اليه المفيد في المقنعة: 7، و الشيخ في المبسوط 1: 68، و الشهيد في الدروس: 7 و غيرهم.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 227.

(4) الذكرى: 33.

346
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المقصد الثامن: في النفاس ؛ ج 1، ص : 345

و لا حد لأقله، فجاز أن يكون لحظة. (1) و أكثره للمبتدئة، و مضطربة الحيض عشرة أيام. (2)

______________________________
أحدهما: ما ذكره المصنّف، لأن دم النّفاس حيض من حيث المعنى، لأنه دم حيض احتبس، فيشترط تخلل أقل الطّهر بينه و بين الحيض، و لإطلاق قولهم النفساء كالحائض، إلا في أمور مخصوصة استثنوها، و هو مقرب الذّكرى
«1».

و الثّاني: انّه (ليس بحيض) «2» لعدم ثبوت اشتراط تخلّل أقل الطّهر بين الحيض و النّفاس، و هو مختار المصنّف في التّذكرة «3»، و ظاهر اختياره في المنتهى «4» و في الأوّل قوة.

قوله: (و لا حد لأقله فجاز أن يكون لحظة).

(1) لا خلاف بين الأصحاب في ذلك، إذ يجوز عدمه، كالمرأة الّتي ولدت في عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فسميت الجفوف «5».

قوله: (و أكثره للمبتدئة، و مضطربة الحيض عشرة أيام).

(2) هذا هو المشهور «6»، و للمفيد قول بثمانية عشر «7» و هو قول الصدوق «8»، و ابن الجنيد «9»، و المرتضى «10»، و جعله ابن أبي عقيل أحد و عشرين، حكاه في الذّكرى «11»، و في المختلف: إنّ ذات العادة المستقرّة في الحيض تنفس بقدر عادتها،

______________________________
(1) المصدر السابق.

(2) في ع و ن: «حيض».

(3) التذكرة 1: 36.

(4) المنتهى 1: 97.

(5) ذكر ذلك المحقق في المعتبر 1: 253، و الشهيد في الذكرى: 33، و قال النووي في المجموع بعد ذكر الخبر و سميت ذات الجفوف.

(6) منهم: المفيد في المقنعة: 7، و الشيخ في المبسوط 1: 69، و الشهيد في الدروس: 7.

(7) المقنعة: 7.

(8) الهداية: 23.

(9) نقله في المختلف: 41.

(10) الانتصار: 35.

(11) الذكرى: 33.

347
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المقصد الثامن: في النفاس ؛ ج 1، ص : 345

و مستقيمته ترجع الى عادتها في الحيض إلّا أن ينقطع على العشرة، فالجميع نفاس. (1) و لو ولدت التوأمين على التعاقب فابتدءا النفاس من الأول، و العدد من الثاني، (2)

______________________________
و للمبتدئة بثمانية عشر يوما
«1»، قال الشّيخ في التّهذيب: جاءت أخبار معتمدة في أن أقصى مدّة النّفاس عشرة، و عليها أعمل لوضوحها عندي «2»، و العمل على المشهور اقتصارا في ترك العبادة على المتيقّن، و ترجيحا لجانب الشّهرة.

و المراد بالمضطربة: إمّا المتحيّرة و هي النّاسية للعدد و الوقت، أو الّتي نسيت عددها، سواء ذكرت الوقت أم لا لما سيأتي من أن ذات العادة ترجع إليها، و أثر الرّجوع إلى العادة إنّما يظهر في العدد.

قوله: (و مستقيمته ترجع إلى عادتها في الحيض، إلا أن ينقطع على العشرة فالجميع نفاس).

(1) يدلّ على ذلك- أعني رجوعها إلى عادتها في الحيض- الأخبار الصحيحة الصريحة «3»، و تستظهر بيوم أو يومين، كما تستظهر بعد عادتها في الحيض، صرّح به في المنتهى «4»، و هو مذكور في عدة أحاديث «5»، و لا ترجع إلى عادتها في النّفاس اتّفاقا، و لو تجاوز الدّم قدر العادة و انقطع على العشرة فالجميع نفاس كالحيض، و لما ظهر أن أثر الرّجوع إلى العادة إنّما يظهر في العدد، لامتناع العدول عن وقت النّفاس إلى زمان العادة، وجب أن يراد بمستقيمة الحيض ذات العادة المستقرة عددا، و إن لم تعلم الوقت.

قوله: (و لو ولدت التوأمين على التّعاقب فابتداء النّفاس من الأوّل و العدد من الثّاني).

(2) التوأمان: هما الولدان في بطن، يقال: هذا توأم هذا، و هذه توأمة هذه، و الغالب تعاقب ولادتهما، فالدم مع كلّ منهما و بعده نفاس مستقل، لتعدّد العلّة، فلكلّ‌

______________________________
(1) المختلف: 41.

(2) التهذيب 1: 174.

(3) الكافي 3: 97- 99 حديث 1، 4، 5، 6، التهذيب 1: 173- 175 حديث 495، 496، 499، 500.

(4) المنتهى 1: 124.

(5) الكافي 3: 97 حديث 4، 6، التهذيب 1: 175 حديث 500، 501.

348
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المقصد الثامن: في النفاس ؛ ج 1، ص : 345

و لو لم تر إلّا في العاشر فهو النفاس. (1) و لو رأته مع يوم الولادة خاصة فالعشرة نفاس. (2)

و لو رأته يوم الولادة و انقطع عشرة ثم عاد فالأول نفاس، و الثاني حيض ان حصلت شرائطه، و النفساء كالحائض في جميع الأحكام. (3)

______________________________
نفاس حكم نفسه، فلا جرم هي نفساء من وضع الأوّل، و هو ابتداء النّفاس الأوّل، و العدد معتبر من وضع الثّاني إن لم يتخلل بينهما أزيد من عشرة، فإن تخلل اعتبر للأوّل عدد برأسه كالثاني، و عبارة المصنّف خرجت مخرج الغالب، إذ الغالب عدم تخلل ما زاد على العشرة.

قوله: (و لو لم تر إلّا في العاشر فهو النّفاس).

(1) علله في المنتهى بأن النّفاس هو الدّم و حدّه عشرة أيّام «1»، و التّحقيق أن يقال:

على اعتبار العادة، انّما يكون العاشر نفاسا إذا لم يتجاوز الدّم العاشر، أو كانت مبتدئة أو مضطربة، أو ذات عادة هي عشرة، لمصادفته جزءا من العادة، و كذا لو كانت أقلّ و صادف الدّم جزءا منها، إلا أنّ ذلك الجزء هو النّفاس خاصّة مع التجاوز.

و يمكن أن لا يرد شي‌ء على العبارة لأن قوله: (و لو لم تر إلّا في العاشر) يقتضي الانقطاع عليه، و إن كان المتبادر أن الحصر بالإضافة إلى ما قبله.

قوله: (و لو رأته مع يوم الولادة خاصّة فالعشرة نفاس).

(2) إن انقطع على العاشر- كما هو مقتضى العبارة- فلا بحث، و إن تجاوز اعتبر في ذات العادة كون عادتها عشرة- كما تقدم- و إلّا فإن صادف جزءا من العادة فالعادة النّفاس خاصّة، و إلّا فالأوّل لا غير.

قوله: (و النّفساء كالحائض في جميع الأحكام).

(3) استثني أمور:

أولا: الأقل قطعا.

ثانيا: الخلاف في أكثره دون أكثر الحيض.

ثالثا: لا ترجع النّفساء إلى عادة النّفاس، بخلاف الحائض.

______________________________
(1) المنتهى: 1: 126.

349
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المقصد التاسع: في غسل الأموات ؛ ج 1، ص : 350

 

[المقصد التاسع: في غسل الأموات]

المقصد التاسع: في غسل الأموات: و فيه خمسة فصول: (1)

[مقدمة]

مقدمة:

ينبغي للمريض ترك الشكاية، كأن يقول: ابتليت بما لم يبتل به أحد و شبهه. (2)

______________________________
رابعا: لا ترجع إلى عادة نسائها في النّفاس أيضا، و ان كان في كلّ من هذين رواية
«1» لا عمل عليها.

خامسا: لا ترجع المبتدئة إلى عادة نسائها في الحيض، و لا هي و المضطربة إلى الرّوايات، و لا هما و ذات العادة إلى التمييز.

سادسا: الحيض يدل على البلوغ بخلاف النّفاس، لحصوله بالحمل.

سابعا: العدة تنقضي بالحيض دون النّفاس غالبا، و لو حملت من زنى و رأت قرائن في زمان الحمل حسب النّفاس قرءا آخر، و انقضت به العدة بظهوره أو انقطاعه على القولين، و لو تقدم عد في الأقراء.

ثامنا: قيل: لا يشترط أن يكون بين الحيض و النّفاس أقل الطهر بخلاف الحيضتين «2» و ما سوى ذلك من الأحكام فهما سواء فيه من واجب و حرام، و مكروه و مندوب، و الغسلان سواء إلا في النية.

قوله: (المقصد التّاسع في غسل الأموات: و فيه خمسة فصول).

(1) لما كانت أحكام الغسل مبحوثا عنها في هذا الباب عنونه به، بخلاف الحيض و الاستحاضة و النّفاس، و لما كان الغسل أسبق أحكام الميّت، خصّ الباب بالغسل و جعل التكفين و الصّلاة و الدّفن كالتّوابع له.

قوله: (مقدمة: ينبغي للمريض ترك الشكاية، كأن يقول: ابتليت بما لم يبتل به أحد و شبهه).

(2) أي: يستحب له ذلك استحبابا مؤكدا، عن الصّادق عليه السّلام: «من مرض‌

______________________________
(1) التهذيب 1: 177، 403 حديث 507، 1262.

(2) قاله العلامة في المنتهى 1: 123.

 

350
جامع المقاصد في شرح القواعد1

مقدمة ؛ ج 1، ص : 350

و تستحب عيادته إلّا في وجع العين، و أن يأذن لهم في الدخول عليه، فإذا طالت علّته ترك و عياله. (1)

و يستحب تخفيف العيادة إلّا مع حب المريض الإطالة، (2) و تجب الوصيّة على كل من عليه حق. (3)

______________________________
ليلة، فقبلها بقبولها- أي: لا يشكو ما أصابه إلى أحد- كتب اللَّه له عبادة ستّين سنة»
«1»، و عنه عليه السّلام: «قول الرّجل: حممت اليوم، و سهرت البارحة ليس شكاية، إنّما الشكوى لقد ابتليت بما لم يبتل به أحد، أو أصابني ما لم يصب أحدا». «2».

قوله: (و تستحب عيادته إلا في وجع العين، و أن يأذن لهم في الدّخول عليه، فإذا طالت علته ترك و عياله).

(1) عن الصّادق عليه السّلام: «لا عيادة في وجع العين، و لا تكون عيادة في أقل من ثلاثة أيّام، فإذا وجبت فيوم و يوم لا، فإذا طالت العلة ترك العليل و عياله» «3» و يستحب للعليل الاذن لهم في الدّخول عليه، لرجاء دعوة مستجابة، فإنه ليس من أحد إلّا و له دعوة مستجابة «4».

قوله: (و يستحب تخفيف العيادة إلّا مع حب المريض الإطالة).

(2) عنه عليه السّلام: «تمام عيادة المريض أن تضع يدك على ذراعه، و تعجل القيام من عنده، فإن عيادة النوكى أشد على المريض من وجعه» «5»، و عن علي عليه السّلام الأمر بالتخفيف، إلّا أن يكون المريض يحبّ ذلك و يريده و يسأله «6».

قوله: (و تجب الوصيّة على كل من عليه حق).

(3) سواء حق اللَّه أو حقّ العباد، و لا يخفى أن المراد بالحق الذي يجب تأديته، و كذا يجب على من له حق يخاف ضياعه، و ما وقفت عليه من العبارات خال منه، و لو‌

______________________________
(1) الكافي 3: 115 حديث 4.

(2) الكافي 3: 116 حديث 1.

(3) الكافي 3: 117 حديث 1.

(4) مضمون خبر في الكافي 3: 117 حديث 2.

(5) الكافي 3: 118 حديث 4.

(6) الكافي 3: 118 حديث 6.

351
جامع المقاصد في شرح القواعد1

مقدمة ؛ ج 1، ص : 350

و يستحب الاستعداد بذكر الموت كل وقت، و حسن ظنه بربه، و تلقين من حضره الموت الشهادتين، و الإقرار بالنبي و الأئمة عليهم السلام، و كلمات الفرج، (1) و نقله الى مصلّاه إن تعسّر عليه خروج روحه، و الإسراج إن مات ليلا، (2)

______________________________
كان قد أوصى قبل ذلك سقط الوجوب.

قوله: (و تلقين من حضره الموت الشهادتين، و الإقرار بالنّبي و الأئمة عليهم السّلام، و كلمات الفرج).

(1) أي: يستحب تلقينه ذلك كلّه، و التلقين التفهيم «1»، يقال: غلام لقن أي:

سريع الفهم، و لا يخفى أنّ تلقينه الإقرار بالنّبي صلّى اللَّه عليه و آله، في العبارة مكرر لأنه داخل في تلقينه الشهادتين. و المراد بمن حضره الموت من قرب منه، فظهرت عليه علاماته، و في رواية يلقنه كلمات الفرج و الشّهادتين، و يسمّي له الإقرار بالأئمة واحدا بعد واحد، حتّى ينقطع منه الكلام «2».

قوله: (و نقله إلى مصلاه إن تعسر عليه خروج روحه، و الإسراج إن مات ليلا).

(2) أي: الّذي كان يكثر فيه الصّلاة من بيته، و استحباب الإسراج عنده إن مات ليلا، ذكره الشيخان «3» و الأصحاب «4» معللا بأنّه لما قبض الباقر عليه السّلام أمر أبو عبد اللّه عليه السّلام بالسراج في البيت الذي كان يسكنه حتّى قبض أبو عبد اللَّه عليه السّلام، و أمر أبو الحسن بمثل ذلك في بيت أبي عبد اللَّه عليه السّلام، حتّى أخرج إلى العراق. «5».

قال في الذكرى: فيدخل في ذلك المدّعى «6» و فيه نظر، لأنّ ما دل عليه‌

______________________________
(1) الصحاح 6: 2196 (مادة لقن).

(2) الكافي 3: 124 ذيل حديث 6.

(3) المفيد في المقنعة: 11، و الشيخ في المبسوط 1: 174، و النهاية: 30.

(4) منهم: ابن حمزة في الوسيلة، 53: و المحقق في الشرائع 1: 36.

(5) الكافي 3: 251 حديث 5، الفقيه 1: 97 حديث 450، التهذيب 1: 289 حديث 843.

(6) الذكرى: 38.

352
جامع المقاصد في شرح القواعد1

مقدمة ؛ ج 1، ص : 350

و قراءة القرآن عنده، (1) و تغميض عينيه بعد الموت، و اطباق فيه (2) و مد يديه الى جنبيه، (3) و تغطيته بثوب، (4) و تعجيل تجهيزه إلّا مع الاشتباه فيرجع الى الأمارات أو يصبر عليه

______________________________
الحديث غير المدعى، إلا أن اشتهار الحكم بينهم كاف في ثبوته للتسامح في دلائل السّنن.

قوله: (و قراءة القرآن عنده).

(1) يستحب قراءة الصّافات، لقول الكاظم عليه السّلام: «لم تقرأ عند مكروب من موت قط إلّا عجل اللَّه راحته» «1» و في رواية عن النّبي صلّى اللَّه عليه و آله الأمر بقراءة يس «2».

قوله: (و تغميض عينيه بعد الموت، و إطباق فيه).

(2) قال في المنتهى: لا خلاف في استحبابهما، و قال فيه: يستحب أن يشدّ لحياه بعصابة لئلا يسترخي لحياه و ينفتح فوه و تدخل الهوام إلى جوفه، و يقبح بذلك منظره «3».

قوله: (و مد يديه إلى جنبيه).

(3) ذكره الأصحاب «4»، قال في المعتبر: و لا أعلم به نقلا عن أئمّتنا عليهم السّلام، و لكن ليكون أطوع للغاسل و أسهل للادراج «5».

قوله: (و تغطيته بثوب).

(4) لا خلاف في ذلك، و قد ورد في حديث أبي كهمش «6»، و فيه ستر للميّت و صيانة.

قوله: (و تعجيل تجهيزه إلّا مع الاشتباه، فيرجع إلى الأمارات، أو يصبر‌

______________________________
(1) الكافي 3: 126 حديث 5.

(2) مستدرك الوسائل 1: 93 باب 31 من أبواب الاحتضار.

(3) المنتهى 1: 427.

(4) منهم: الشيخ في النهاية: 30، و ابن البراج في المهذب 1: 54، و الشهيد في البيان: 23.

(5) المعتبر 1: 261.

(6) التهذيب 1: 289 حديث 842.

353
جامع المقاصد في شرح القواعد1

مقدمة ؛ ج 1، ص : 350

ثلاثة أيام. (1)

و في وجوب الاستقبال به الى القبلة حالة الاحتضار قولان.

و كيفيته بأن يلقى على ظهره، و يجعل وجهه و باطن رجليه إلى القبلة، بحيث لو جلس لكان مستقبلا. (2)

______________________________
عليه ثلاثة أيّام).

(1) لا خلاف في استحباب التعجيل، و روي عن النّبي صلّى اللَّه عليه و آله:

«عجّلوا بهم إلى مضاجعهم» «1» و قال صلّى اللَّه عليه و آله: «إذا مات الميت أول النهار فلا يقيل إلّا في قبره» «2» و هذا في غير من اشتبه موته، لقول الكاظم عليه السّلام:

«إن أناسا دفنوا أحياء ما ماتوا إلا في قبورهم» «3».

و المراد بالأمارات نحو انخساف صدغيه، و ميل أنفه، و امتداد جلدة وجهه، و انخلاع كفه من ذراعه، و استرخاء قدميه، و تقلص أنثييه إلى فوق مع تدلي الجلدة، و نحو ذلك.

و مع الاشتباه يتربص به ثلاثة أيّام وجوبا، لئلّا يعان على قتل مسلم، فقد نقل انّه دفن جماعة أحياء منهم من أخرج حيّا، و منهم من مات في قبره. و في المنتهى نقل حديثين حاصلهما أن خمسة ينتظر بهم ثلاثة أيّام: الغريق، و المصعوق، و المبطون، و المهدوم، و المدخن، إلا أن يتغير قبل ذلك ثم قال: و يستبرأ بعلامات الموت في غير هؤلاء إذا اشتبه، و لا يعجل عليه «4».

قوله: (و في وجوب الاستقبال به إلى القبلة حالة الاحتضار قولان، و كيفيته أن يلقى على ظهره، و يجعل وجهه و باطن رجليه إلى القبلة، بحيث لو جلس لكان مستقبلا).

(2) الاحتضار: افتعال: من الحضور، و هو إما حضور المريض الموت، أو حضور الملائكة عنده لقبض روحه، و حضور النّاس لتوفير دواعيهم على ذلك في هذا الوقت،

______________________________
(1) الكافي 3: 137 حديث 1، الفقيه 1: 85 حديث 389، التهذيب 1: 427 حديث 1359.

(2) الكافي 3: 138 حديث 2، التهذيب 1: 428 حديث 1360.

(3) التهذيب 1: 338 حديث 991 مع اختلاف يسير.

(4) المنتهى 1: 427.

354
جامع المقاصد في شرح القواعد1

مقدمة ؛ ج 1، ص : 350

و يكره طرح حديد على بطنه، (1) و حضور جنب أو حائض عنده. (2)

______________________________
و كونه مطلوبا شرعا، و القولان في الاستقبال للشيخ
«1»، و الأشهر الوجوب «2» و عليه الفتوى للأمر به في عدّة أحاديث «3» و في بعضها الأمر به في حال التّغسيل «4».

و احتمل في الذّكرى دوام الاستقبال به، و ذكر أنّ استفادة هذا الاحتمال من بعض الأخبار «5»، قال: و نبه عليه ذكره حال الغسل، و وجوبه حال الصّلاة و الدّفن، و إن اختلفت الهيئة «6».

و لا يخفى أن وجوب الاستقبال بالميّت فرض كفاية، و أنّه يسقط باشتباه القبلة لعدم إمكان توجيهه إلى الجهات المختلفة. و الظاهر أنه لا فرق بين الصّغير و الكبير في هذا الحكم إذا كان مسلّما أو في حكمه، و كيفية الاستقبال ما ذكره المصنّف.

قوله: (و يكره طرح حديد على بطنه).

(1) ذكر ذلك الشّيخان «7» و أكثر الأصحاب «8»، و في التّهذيب: سمعناه مذاكرة «9» و قال ابن الجنيد: يضع على بطنه شيئا يمنع ربوها «10» و إجماع الأصحاب على خلافه.

قوله: (و حضور جنب أو حائض عنده).

(2) لثبوت النّهي عنه في الأخبار «11»، و علل أبو الحسن عليه السّلام أمره الحائض بالتنحي عن قربه، بأن الملائكة تتأذى بذلك «12».

______________________________
(1) قال بالوجوب في المبسوط 1: 174، و النهاية: 30، و بالاستحباب في الخلاف 1: 161 مسألة 1 كتاب الجنائز.

(2) من القائلين بالوجوب المفيد في المقنعة: 10، و المحقق في الشرائع 1: 36، و الشهيد في الدروس: 8.

(3) الكافي 3: 126 باب توجيه الميت إلى القبلة، الفقيه 1: 79 حديث 351، 352، التهذيب 1: 285 حديث 834، 835.

(4) الفقيه 1: 123 حديث 591، التهذيب 1: 298 حديث 871، 872، 873.

(5) الكافي 3: 127 حديث 3، التهذيب 1: 286 حديث 835.

(6) الذكرى: 37.

(7) المفيد في المقنعة: 11 و الشيخ في الخلاف 1: 279 مسألة 2 كتاب الجنائز.

(8) منهم: ابن البراج في التهذيب 1: 54، و العلامة في المنتهى 1: 427.

(9) التهذيب 1: 290.

(10) نقله في المختلف: 43.

(11) علل الشرائع 1: 298 باب 236 حديث 1، التهذيب 1: 428 حديث 1361، 1362.

(12) الكافي 3: 138 حديث 1، التهذيب 1: 428 حديث 1361.

355
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الأول: في الغسل ؛ ج 1، ص : 356

 

[الفصل الأول: في الغسل]

الفصل الأول: في الغسل و فيه مطلبان:

[الأول: الفاعل و المحل]

الأول: الفاعل و المحل، (1) يجب على كل مسلم على الكفاية تغسيل المسلم و من هو بحكمه، (2) و ان كان سقطا له أربعة أشهر، (3)

______________________________
قوله: (الفصل الأوّل: في الغسل و فيه مطلبان:

الأوّل الفاعل و المحل).

(1) البحث عن تغسيل الميّت يستدعي ثلاثة أمور: النظر في الغاسل، و المحل، و الكيفية، فجعل الأوّلين في بحث، و الأخير في بحث.

قوله: (يجب على كلّ مسلم على الكفاية تغسيل المسلم، و من هو بحكمه).

(2) لا يخفى أن أحكام الموتى كلّها واجبة على الكفاية، إذا قام بها بعض، أو ظن قيامه سقطت عن الباقين، و إنّما يجب تغسيل المسلم دون الكافر لثبوت النّهي عنه «1»، فيكون محرّما، و لأنه يمتنع الغسل في حقّه- إذ لا يطهر- فكيف يعقل وجوبه، و لا فرق في ذلك بين جميع الكفّار، حتّى المظهر للإسلام إذا قال أو فعل ما يقتضي كفره؟

و المراد بمن في حكم المسلم: من الحق شرعا بالمسلمين و جعل بمنزلتهم كالصّبي، و من بلغ مجنونا إذا كان أحد أبويهما مسلما، و كذا لقيط دار الإسلام و دار الكفر، و فيها مسلم يمكن إلحاقه به تغليبا، و في المتولّد من زنى المسلم نظر ينشأ من عدم اللحاق شرعا، و يمكن تبعية الإسلام هنا لكونه ولدا لغة كالتّحريم، بخلاف البالغ إذا أظهر الإسلام فإنّه يغسل قطعا، و كذا الطفل المسببي إذا كان السّابي مسلما و قلنا بتبعيته للسابي، لأن التّبعية في الطّهارة خاصّة.

قوله: (و إن كان سقطا له أربعة أشهر).

(3) لورود الأخبار بالأمر بغسله «2»، و ضعف السّند منجبر بقول الأصحاب، و اطباقهم على الحكم، و هل يكفن؟ قال في الذكرى: لم يذكره الشّيخان، و حكي عن‌

______________________________
(1) الكافي 3: 159 حديث 12، الفقيه 1: 95 حديث 437، التهذيب 1: 335 حديث 982.

(2) الكافي 3: 206 حديث 1، التهذيب 1: 328 حديث 960.

 

356
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: الفاعل و المحل ؛ ج 1، ص : 356

أو كان بعضه إذا كان فيه عظم، (1) و لو خلا من العظم أو كان للسقط أقل من أربعة أشهر لفّا في خرقة و دفنا.

______________________________
ابن البراج أنّه يلفّ بخرقة
«1»، و أورد في مكاتبة محمّد بن الفضل لأبي جعفر عليه السّلام انه يدفن بدمه «2»، ثم حملها على النّاقص عن أربعة جمعا بينها و بين غيرها «3»، فظاهره أنّه يكفن و ليس ببعيد. و لو نقص السقط عن أربعة لم يغسل، لفقد الموت الّذي هو عدم الحياة عن محل اتصف بها.

قوله: (أو كان بعضه إذا كان فيه عظم).

(1) ذكره الأصحاب، و احتجّ عليه في الخلاف بإجماعنا «4» و ربما يستفاد من قوله:

(أو كان بعضه) إن القطعة المبانة من المسلم الحيّ يجب تغسيلها، و هو مقرّب الذكرى «5» و ذهب صاحب المعتبر الى دفنها بغير غسل، لأنّها من جملة لا تغسل «6»، و ردّه في الذّكرى بأن الجملة لم يحصل فيها الموت بخلاف القطعة «7»، و في الدّليل ضعف، و كل من القولين محتمل، و الحمل على قطعة الميّت قياس.

و لو قيل: لو لم يجب تغسيلها لم يجب تغسيل من قطع حيّا إذا وجدت قطعة متفرقة، لأن كل قطعة لا يتعلق بها الوجوب لم يتم لأنه بعين هذا يلزم وجوب الصّلاة على القطعة، إلا أن يقال: انتفى هذا بالإجماع فلا يقدح، و لا ريب أنّ تغسيلها أحوط. و المراد بتغسيل البعض الغسل المعهود.

و الظّاهر أنّه يكفن كما ذكره الأصحاب، و في اعتبار تعدّد قطع الكفن تردد، و يمكن اعتبار حال ذلك البعض حين الاتّصال، فان كان من موضع يناله القطع الثّلاث، أو اثنتان منها اعتبر ما كان، و عظام الميت كالميّت لرواية علي بن جعفر، عن‌

______________________________
(1) المهذب 1: 56.

(2) الكافي 3: 208 حديث 6، التهذيب 1: 329 حديث 961.

(3) الذكرى: 40.

(4) الخلاف 1: 291 مسألة 62 كتاب الجنائز.

(5) الذكرى: 40.

(6) المعتبر 1: 319.

(7) الذكرى: 40.

357
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: الفاعل و المحل ؛ ج 1، ص : 356

و حكم ما فيه الصدر أو الصدر وحده حكم الميت في التغسيل و التكفين و الصلاة عليه و الدفن، (1) و في الحنوط إشكال. (2)

______________________________
أخيه عليه السّلام في أكيل السبع
«1»، و في العظم الواحد تردّد، و عن ابن الجنيد وجوب غسله «2».

قوله: (و حكم ما فيه الصدر أو الصدر وحده حكم الميّت في التّغسيل و التّكفين و الصّلاة عليه و الدّفن).

(1) لمرفوعة رواها البزنطي: «إذا قطع أعضاؤه يصلّى على العضو الّذي فيه القلب» «3» و هو يستلزم أولوية الغسل و الكفن لترتبها عليهما، و ألحق في الذكرى بالصّدر القلب لفحوى الرّواية، و كذا بعض كلّ واحد منهما محتجّا بأنّه من جملة يجب غسلها منفردة «4»، و في الدّليل ضعف، و في دلالة الرّواية على حكم القلب بالفحوى و بغيرها نظر، و الاحتياط طريق السّلامة، فلا بأس بالمصير إلى ما ذكره.

قوله: (و في الحنوط إشكال).

(2) في القاموس: الحنوط كصبور و كتاب، كل طيب يخلط للميّت «5»، و المراد به هنا المسح بالكافور، و منشأ الاشكال من إطلاق الحكم بمساواته للميّت، و من أنّ المساواة لا تقتضي العموم، و ظاهر كلام الشّارح أنّ الاشكال مع فقد المساجد «6»، و ظاهر العبارة يشهد له، إلا أنّه بعيد.

و شيخنا الشّهيد ردّ هذا الإشكال بأنه مع فقد المساجد لا وجه للتحنيط، و مع وجودها لا وجه للتردّد «7»، و الحق انّه مع وجود المساجد يجب الحنوط لفحوى الرّواية السّابقة «8»، و لأن الحكم معلق بمساجد الميّت، و الأصل بقاء ما كان، و لأن «الميسور‌

______________________________
(1) الكافي 3: 212 حديث 1، الفقيه 1: 96 حديث 444، التهذيب 1: 336 حديث 983.

(2) نقله عنه في المختلف: 46.

(3) المعتبر 1: 317 نقلا عن جامع البزنطي.

(4) الذكرى: 41.

(5) القاموس 2: 355 مادة (حنط).

(6) إيضاح الفوائد 1: 58.

(7) الذكرى: 50.

(8) المعتبر: 1: 317.

358
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: الفاعل و المحل ؛ ج 1، ص : 356

و أولى الناس بالميت في أحكامه أولاهم بميراثه، و الزوج أولى من كل أحد، (1) و الرجال أولى من النساء، (2) و لا يغسّل الرجل إلّا رجل أو زوجته، و كذا المرأة يغسّلها زوجها أو امرأة، (3)

______________________________
لا يسقط بالمعسور»
«1»، أمّا مع الانتفاء فلا، و لو وجد عضو من المساجد كاليد فهل يحنط؟ الظاهر نعم، إذ لم يثبت أنّ تحنيط المجموع شرط للأبعاض، فيبقى الوجوب.

قوله: (و أولى النّاس بالميّت في أحكامه أولاهم بميراثه، و الزّوج أولى من كلّ أحد).

(1) أما الحكم الأوّل فلقوله تعالى (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ) «2»، و قول علي عليه السّلام: «يغسل الميت أولى النّاس به» «3» و الأولى هاهنا المراد به المستحق للميراث، كذا قال في المنتهى «4» و الظاهر أن الحكم مجمع عليه، و يدل على الثّاني قول الصّادق عليه السّلام في خبر إسحاق ابن عمّار: «الزّوج أحقّ بامرأته حتّى يضعها في قبرها» «5».

قوله: (و الرّجال أولى من النّساء).

(2) المراد بالرّجل، و لو عطف قوله: (و لا يغسل الرّجل إلا رجل أو زوجته) على ما قبله بالفاء ليتفرع على ما قبله لكان أحسن و أسلم عن تخيل التكرار.

قوله: (و كذا المرأة يغسلها زوجها أو امرأة).

(3) أي: لا يكون إلّا ذلك في حال الاختيار كالرّجل، و هذا أشهر القولين للأصحاب «6» و في رواية محمّد بن مسلم قال: سألته عن الرّجل يغسل امرأته قال:

«نعم، إنّما يمنعها أهلها تعصّبا» «7».

______________________________
(1) الرواية عن علي عليه السّلام كما في العوالي 4: هامش 58.

(2) الأنفال: 75.

(3) الفقيه 1: 86 حديث 394، التهذيب 1: 431 حديث 1376.

(4) المنتهى 1: 436.

(5) الكافي 3: 194 حديث 6، التهذيب 1: 325 حديث 949.

(6) منهم: الشيخ في الخلاف 1: 163 مسألة 21 كتاب الجنائز، و ابن إدريس في السرائر: 33 و الشهيد في الذكرى: 38.

(7) الكافي 3: 158 حديث 11، التهذيب 1: 439 حديث 1419، الاستبصار 1: 199 حديث 700.

359
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: الفاعل و المحل ؛ ج 1، ص : 356

و ملك اليمين كالزوجة، و لو كانت مزوّجة فكالأجنبية. (1)

______________________________
و في صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام: «المرأة تغسل زوجها لأنه إذا مات كانت في عدّة منه»
«1».

و قيل: إنّ جواز تغسيل كل من الزّوجين الآخر مختصّ بحال الضّرورة «2»، و العمل على الأوّل، و صرّح جمع من الأصحاب بأن التّغسيل من وراء الثّياب «3»، لصحيحة محمّد بن مسلم، قال: سألته عن الرّجل يغسل امرأته، قال: «نعم من وراء الثّياب» «4» و هو الأصحّ، و لم أقف في كلام على تعيين ما يعتبر في التّغسيل من وراء الثّياب.

و الظاهر أنّ المراد ما يشمل جميع البدن، و حمل الثياب على المعهود يقتضي استثناء الوجه و الكفين و القدمين، فيجوز أن تكون مكشوفة، و الظاهر أنّ العصر في هذه الثياب غير شرط لتعذّره، فجرى مجرى ما لا يمكن عصره، و قد نبّه عليه في الذّكرى «5».

و اعلم أن المطلقة رجعية تغسل زوجها بخلاف البائن، و لا فرق في الزّوجة بين الحرة و الأمة، و المدخول بها و غيرها، و لا يقدح انقضاء عدّة الزّوجة في جواز التّغسيل و إن تزوّجت، و قد علم من العبارة أن الولاية في التّغسيل مشروطة بالمماثلة في الذكورة و الأنوثة إلّا في الزّوجين مطلقا، و سيأتي استثناء المحارم عند الضّرورة.

قوله: (و ملك اليمين كالزّوجة و لو كانت مزوجة فكالأجنبيّة).

(1) إذا كانت ملك اليمين أم ولد جاز التّغسيل، لايصاء زين العابدين عليه السّلام أن تغسله أم ولده «6»، و في غير أم الولد من المملوكات نظر ينشأ من انتقالها إلى الوارث، و خروجها عن الملك، و إلحاقها بأم الولد قياس، مع أنّ علاقة أم الولد أقوى، و هو‌

______________________________
(1) التهذيب 1: 440 حديث 1423، الاستبصار 1: 200 حديث 706.

(2) قاله الشيخ في التهذيب 1: 440، الاستبصار 1: 199.

(3) منهم: الشيخ في الاستبصار 1: 198، و ابن إدريس في السرائر: 33 و العلامة في المنتهى 1: 437،.

(4) الكافي 3: 157 حديث 3، التهذيب 1: 438 حديث 1411، الاستبصار 1: 196 حديث 690.

(5) الذكرى: 44.

(6) التهذيب 1: 444 حديث 1437، الاستبصار 1: 200 حديث 704.

360
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: الفاعل و المحل ؛ ج 1، ص : 356

و يغسل الخنثى المشكل محارمه من وراء الثياب، (1) و لو فقد المسلم و ذات الرحم أمرت الأجنبية الكافر بأن يغتسل ثم يغسّله غسل المسلمين، (2)

______________________________
الأظهر، و اختاره في المعتبر
«1»، و اختار المصنّف الأول إلّا أن تكون مزوجة، و مثله لو كانت معتدة أو مكاتبة أو معتقا بعضها، أو أختها موطوءة، هذا في تغسيلها للسيّد، أما تغسيله لها فيجوز قطعا إذا كان وطؤها جائزا.

قوله: (و تغسل الخنثى المشكل محارمه من وراء الثياب).

(1) المراد بالمحرم من حرم نكاحه مؤيّدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة، و هذا الحكم إنّما هو إذا كان له فوق ثلاث سنين لجواز التّغسيل إلى الثلاث مطلقا، و إنّما جاز تغسيل المحارم هنا لأنّه موضع ضرورة لعدم الوقوف على المماثل، و على القول بجواز التغسيل للأجنبي غير المماثل مع فقد المماثل و المحرم «2» لا بحث في الجواز هنا مع فقد المحارم، و هو ضعيف، فتدفن بغير غسل، و قال ابن البراج: تيمم «3».

و يجوز له أن يغسل المحارم مع فقد المماثل، و لو وجد معه محارم غير مماثلين فالظاهر أنّه أولى منهم لإمكان المماثلة في حقّه.

فرع:

الميّت المشتبه ذكوريته و أنوثيته كالخنثى، مع احتمال القرعة هنا ضعيفا.

قوله: (و لو فقد المسلم و ذات الرّحم أمرت الأجنبيّة الكافر بأن يغتسل، ثم يغسله غسل المسلمين).

(2) هذا هو المشهور بين الأصحاب «4»، و به رواية عمّار بن موسى، عن الصّادق عليه السّلام «5».

قال في الذّكرى: و لا أعلم لهذا مخالفا من الأصحاب، سوى المحقّق في المعتبر‌

______________________________
(1) المعتبر 1: 321.

(2) قال بهذا المفيد في المقنعة: 13، و أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 237، و الشيخ في التهذيب 1: 343.

(3) المهذب 1: 56.

(4) منهم: المفيد في المقنعة: 13 و الشيخ في المبسوط 1: 175. و ابن حمزة في الوسيلة: 55،

(5) الكافي 3: 159 حديث 12، التهذيب 1: 340 حديث 997.

361
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: الفاعل و المحل ؛ ج 1، ص : 356

و لو كانت امرأة و فقدت المسلمة و ذو الرحم أمر الأجنبي الكافرة بالاغتسال و التغسيل، و في إعادة الغسل لو وجد المسلم بعده إشكال، (1)

______________________________
محتجّا بتعذر النيّة من الكافر مع ضعف السّند
«1».

و نازعه في الاحتياج إلى النيّة هنا اكتفاء بنيّة الكافر، ثم حكى عن جماعة عدم التعرّض إلى هذا الحكم.

و قال آخرا: و للتوقف فيه مجال «2».

قلت: لا شبهة في تعذر وقوع الغسل المطلوب من الكافر، و ليس هو كالعتق و الوقف و الوصيّة، لأن هذه ليست عبادة محضة، بخلاف الغسل.

و الاكتفاء بصورة الغسل بعيد، فالمصير إليه بمثل هذا الخبر الضّعيف لا يخلو من شي‌ء، مع أن مباشرة الكافر غالبا تقتضي تعدي نجاسته إليه، فإن قلنا بالعدم أو لم يوجد الكافر المماثل فهل تيمّم؟ حكى في الذّكرى عن ظاهر المصنّف القول به، و به رواية متروكة «3» ثم قال: و ظاهر المذهب عدمه «4».

قوله: (و في إعادة الغسل لو وجد المسلم بعده إشكال).

(1) ينشأ من حصول الامتثال المقتضي للاجزاء، و من أن المأمور به- و هو الغسل الحقيقي- لم يأت به، فيبقى في عهدة التّكليف، و تعذره للضّرورة لا يقتضي سقوطه مطلقا.

فان قيل: المأمور به- أعني الغسل الحقيقي- لمّا تعذر وجب بدله، و هو غسل الضّرورة، و انحصر التكليف فيه، و سقط وجوب الأوّل، فإذا امتثل بفعل البدل خرج من العهدة و لم يبق وجوب.

قلنا: بدلية غسل الضّرورة عن الغسل الحقيقي غير معلومة، إذ لا دليل يدلّ عليها، و سقوط وجوب الأوّل غير متحقّق، إذ لا يلزم من امتناع التّكليف بفعل واجب في بعض أزمنة وجوبه لضرورة سقوط وجوبه مطلقا.

______________________________
(1) المعتبر 1: 326.

(2) الذكرى: 39.

(3) التهذيب 1: 443 حديث 1433.

(4) الذكرى: 40.

362
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: الفاعل و المحل ؛ ج 1، ص : 356

و لذي الرحم تغسيل ذات الرحم من وراء الثياب مع فقد المسلمة، و بالعكس مع فقد المسلم، و لكلّ من الزوجين تغسيل صاحبه اختيارا، (1) و يغسّل الرجل بنت ثلاث سنين الأجنبية مجردة، و كذا المرأة. (2)

______________________________
و التحقيق أن هنا أمرين: الأمر بالغسل الحقيقي الّذي امتنع تعلقه بالمكلّف في زمان تعذّره، و الأمر الثاني بغسل الضّرورة في محلّ الضّرورة، فإذا خرج المكلّف من عهدة الثاني بامتثاله بقي الأمر الأوّل، لأن متعلّقه لم يتحقق بعد، فإذا زال العذر زال امتناع تعلّقه، فوجب امتثاله، و لو لا ذلك لكان إذا أمر المسلم الكافر بالتّغسيل فلم يفعل يسقط الغسل أصلا، لانحصار الوجوب حينئذ في الأمر لتعذّر الغسل.

هذا كلّه بالنّسبة إلى المسلم، أمّا الكافر فإنه مكلف بفعل الغسل الحقيقي بأن يسلم ثم يوقعه، لأنه مكلف بالفروع كما هو مقرر في موضعه، و بهذا يظهر أنّ الأمر بالغسل الحقيقي لم يسقط إلّا بالإضافة إلى ذلك المسلم الّذي ليس بمماثل، فعلى هذا لو مسّ الميّت ماس وجب عليه الغسل لبقاء نجاسته، فيجب تطهير الكفن الملاقي له برطوبة إذا أمكن الغسل، و بما حققناه ينكشف حكم كثير من المسائل، سيأتي جملة منها بعد ان شاء اللَّه تعالى.

قوله: (و لكل من الزّوجين تغسيل صاحبه اختيارا).

(1) لا يخفى أن موضع هذه المسألة ما سبق، و لا يخفى أن كلام المصنّف في هذا البحث منتشر.

قوله: (و يغسّل الرّجل بنت ثلاث سنين الأجنبية مجرّدة، و كذا المرأة)

(2) أي: تغسل ابن ثلاث سنين مجرّدا، و هذا الحكم مستثنى من منع تغسيل غير المماثل الأجنبي، و المراد جواز ذلك اختيارا، و شرط الشّيخ في النّهاية عدم المماثل «1»، و منع في المعتبر من تغسيل الرجال الصبيّة «2»، و جوّز المفيد «3»، و سلّار «4» تغسيل ابن‌

______________________________
(1) النهاية: 41.

(2) المعتبر 1: 324.

(3) المقنعة: 13.

(4) المراسم: 50.

363
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: الفاعل و المحل ؛ ج 1، ص : 356

و يجب تغسيل كل مظهر للشهادتين و ان كان مخالفا، عدا الخوارج و الغلاة، (1)

______________________________
خمس سنين مجرّدا، و الصّدوق تغسيل بنت أقلّ من خمس سنين مجرّدة
«1»، و في الجميع ضعف، و في التّذكرة نقل الإجماع على تغسيل ابن ثلاث سنين و بنت ثلاث «2»، و النّص يؤيّده «3».

و الظاهر من إطلاق النّص و الأصحاب كون كلّ منهما مجرّدا عدم وجوب ستر العورة، و هو متّجه، و إلّا لحرم تجريد البنت لأن جميع بدنها عورة، و لانتفاء الشّهوة في مثل ذلك، و قد صرّح في الذّكرى بعدم الوجوب في الطّفل إذا غسّله النّساء «4»، و كذا في التّذكرة «5».

و لا يخفى أن الثلاث سنين هي نهاية الجواز، فلا بدّ من كون الغسل واقعا قبل تمامها بحيث يتمّ بتمامها، فإطلاق ابن ثلاث يحتاج الى التّنقيح، إلّا أن يصدق على من شرع في الثّالثة أنه ابن ثلاث. و اعلم أن المصنّف لو قدّم جواز تغسيل المرأة ابن ثلاث سنين، ثم قال: (و كذا الرّجل) لكان أحسن، لثبوت الخلاف في الرّجل دون المرأة.

قوله: (و يجب تغسيل كلّ مظهر للشهادتين و إن كان مخالفا، عدا الخوارج و الغلاة).

(1) يجب أن يستثني من ذلك كل من أنكر ما علم ثبوته من الدّين ضرورة، فلا بدّ في العبارة من استثناء النواصب و المجسّمة أيضا، فلا يجوز تغسيلهم، و قد صرح بذلك في البيان «6»، لكنّه جوّز تغسيل المجسّمة بالتّسمية المجرّدة لا بالحقيقة، و كذا غير هؤلاء ممن أظهر الشّهادتين و هو كافر.

______________________________
(1) المقنع: 19.

(2) التذكرة 1: 40.

(3) الكافي 3: 160 حديث 1، الفقيه 1: 94 حديث 431، التهذيب 1: 341 حديث 998.

(4) الذكرى: 39.

(5) التذكرة 1: 40.

(6) البيان: 24.

364
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: الفاعل و المحل ؛ ج 1، ص : 356

و الشهيد المقتول بين يدي الامام إن مات في المعركة صلّي عليه من غير غسل و لا كفن، (1)

______________________________
قوله: (و الشّهيد المقتول بين يدي الامام، إن مات في المعركة صلّي عليه من غير غسل و لا كفن).

(1) قد أطلقت الشّهادة على من قتل دون ماله و دون أهله، و على المطعون و الغريق و غيرهم، و ليس المراد المشاركة في هذا الحكم، بل المماثلة في أصل الفضيلة و قوله:

(المقتول.) تفسير للشّهيد.

و لو قتل في الجهاد السائغ كما لو دهم المسلمين من يخاف منه على بيضة الإسلام فاضطروا إلى جهادهم بدون الامام و نائبه، لا نحو المقتول في حرب قطاع الطّريق- إذ لا يعد ذلك جهادا و محاماة عن الدّين- فإنّ إطلاق الاخبار و عموم بعضها، مثل قول الصّادق عليه السّلام: «الّذي يقتل في سبيل اللَّه يدفن في ثيابه و لا يغسل، إلّا أن يدركه المسلمون و به رمق ثم يموت بعد» «1» الحديث، يقتضي كونه شهيدا بمعنى ثبوت هذا الحكم له، و اختاره الشّهيد «2»، و صاحب المعتبر «3»، و عليه الفتوى، و يلوح من المصنّف الميل إليه، و حكوا عن ظاهر الشّيخين المنع «4» و العموم حجّة عليهما.

و المعتبر في سقوط الغسل موته في المعركة، سواء أدرك و به رمق أم لا، كما دلّ عليه إطلاق الأصحاب، و نقل المصنّف فيه الإجماع في التذكرة «5»، فلو نقل من المعركة و به رمق- أي بقيّة الحياة- ثم مات غسل و كفن، و ظاهر الرّوايات «6» أنّ وجوب التّغسيل منوط بإدراك المسلمين له و به رمق.

و المقتول في جهاد البغاة كالمقتول في جهاد سائر الكفّار إجماعا منّا.

______________________________
(1) الكافي 3: 210 حديث 1، التهذيب 1: 332 حديث 973.

(2) الذكرى: 41.

(3) المعتبر 1: 309.

(4) المقنعة: 12، المبسوط 1: 181.

(5) التذكرة 1: 41.

(6) الكافي 3: 210 حديث 1، 3، 5، الفقيه 1: 97 حديث 446، التهذيب 1: 330، 331 حديث 967، 969، 971، الاستبصار 1: 213، 214 حديث 753، 755، 757.

365
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: الفاعل و المحل ؛ ج 1، ص : 356

فان جرد كفّن خاصة. (1)

و يؤمر من وجب قتله بالاغتسال قبله ثلاثا على إشكال (2) و التكفين و التحنيط و يجزئ.

______________________________
قوله: (فان جرد كفن خاصّة).

(1) أي: و لا يغسل، و المستند فعل النّبي صلّى اللَّه عليه و آله بحمزة لما جرد «1».

قوله: (و يؤمر من وجب قتله بالاغتسال قبله ثلاثا على إشكال).

(2) وجوب القتل أعمّ من أن يكون في حدّ أو قصاص، و النّص عن الصّادق عليه السّلام ورد في المرجوم و المرجومة: انّهما يغتسلان، و يتحنطان و يلبسان الكفن قبل ذلك «2»، و المقتص منه بمنزلة ذلك، الحديث. و الآمر له هو الإمام أو نائبه قال في الذكرى: و لا نعلم في ذلك مخالفا من الأصحاب، و الحق بهم كلّ من وجب عليه القتل، للمشاركة في السّبب «3» و هو ظاهر العبارة.

و يجب في هذا الغسل ما يجب في غسل الميّت، فيغتسل ثلاثا على إشكال ينشأ من أنه غسل الحي و الأمر لا يقتضي التكرار، و من أنّ المأمور به غسل الأموات بدليل التحنّط و لبس الكفن، فلا بدّ من الغسلات الثلاث و هو الأصحّ، و لا يقدح في الاجتزاء به الحدث تخلل أو تأخّر، و احتمل مساواته لغسل الجنابة في الذّكرى «4»، و هو ضعيف للأصل.

و لا يدخل تحته شي‌ء من الأغسال الواجبة، بل يتعيّن فعل ما وجب منها، و لا يعاد الغسل بعد قتله، و لا يجب بمسّه الغسل لصدق غسل الأموات، و لو سبق موته وجبت الإعادة، و يجب بمسّه الغسل حينئذ، و لو قتل بسبب آخر فكذلك أيضا، سواء بقي الأوّل كالقصاص مع ثبوت الرّجم أم لا كما لو عفي عن القود، لأن الظّاهر وجوب التجديد لأصالة عدم إجزاء الغسل للسّبب الأخر.

______________________________
(1) الكافي 3: 210 حديث 1، التهذيب 1: 331 حديث 969.

(2) الكافي 3: 214 حديث 1، التهذيب 1: 334 حديث 978.

(3) الذكرى: 42.

(4) الذكرى: 42.

366
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: الفاعل و المحل ؛ ج 1، ص : 356

و لو فقد المسلم و الكافر و ذات الرحم دفن بغير غسل، و لا تقربه الكافرة، (1) و كذا المرأة.

و روي انهم يغسّلون محاسنها- يديها و وجهها- (2) و يكره أن يغسل مخالفا، فان اضطر غسله غسل أهل الخلاف. (3)

______________________________
قوله: (و لو فقد المسلم و الكافر و ذات الرّحم دفن بغير غسل، و لا تقربه الكافرة).

(1) عن الشّهيد رحمه اللَّه انّها لا تقربه الكافرة و إن كانت ذات رحم «1»، و لعلّه استنادا إلى أنّ النّص «2»، و كلام الأصحاب في الكافر المماثل فيقتصر في الحكم المخالف على مورده، و هو متّجه، و عبارة المصنّف تحتمل الأمرين لأن فقد ذات الرحم يتناول الكافرة، فيكون فقدها معتبرا في عدم قرب الكافرة، و قوله: (و لا تقربه الكافرة) مطلق، فيصدق على المحرم و الأجنبية، و قوله: (و كذا المرأة) معناه أنّه مع فقد المسلمة و ذي الرّحم الى آخره.

قوله: (و روي أنّهم يغسلون محاسنها يديها و وجهها).

(2) هذه الرّواية هي رواية المفضّل بن عمر، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السّلام ما تقول في المرأة تكون في السّفر مع رجال ليس لها فيهم محرم و لا معهم امرأة، فتموت المرأة ما يصنع بها؟ قال: «يغسل منها ما أوجب اللَّه عليه التيمّم، و لا يكشف لها شي‌ء من محاسنها الّتي أمر اللَّه بستره» فقلت: كيف يصنع بها؟ قال: «يغسل بطن كفّيها، ثم يغسل وجهها، ثم يغسل ظهر كفيها» «3» و في رواية «تؤمّم» «4» و في أخرى: «يغسل منها موضع الوضوء» «5»، و المنع مطلقا هو الأصحّ.

قوله: (و يكره أن يغسل مخالفا، فان اضطر غسله غسل أهل الخلاف).

(3) قال المفيد: لا يجوز تغسيله و لا الصّلاة عليه، إلّا أن تدعوه ضرورة، فيغسله‌

______________________________
(1) الذكرى: 39.

(2) الكافي 3: 159 حديث 12، الفقيه 1: 95 حديث 439، 440، التهذيب 1: 340 حديث 997.

(3) الكافي 3: 159 حديث 13، و الفقيه 1: 95 حديث 438 و التهذيب 1: 342 حديث 1002، و الاستبصار 1: 200 حديث 705 مع اختلاف يسير في ألفاظه.

(4) التهذيب 1: 443 حديث 1433.

(5) التهذيب 1: 443 حديث 1430.

367
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثاني: في الكيفية ؛ ج 1، ص : 368

[المطلب الثاني: في الكيفية]

المطلب الثاني: في الكيفية، و يجب أن يبدأ الغاسل بإزالة النجاسة عن بدنه، ثم يستر عورته، (1) ثم يغسّله ناويا (2)

______________________________
غسل أهل الخلاف
«1»، و المشهور بين الأصحاب كراهية التعرض إليه إلا أن يتعيّن فيجب «2»، و ظاهر هم أنّه لا يجوز تغسيله غسل أهل الولاية، و لا نعرف لأحد تصريحا بخلافه، و لو مسّ بعد الغسل فالظّاهر عدم وجوب الغسل بمسّه.

و لو جهل غسلهم و لم يمكن استعلامه، فهل يغسل غسل أهل الحق؟ فيه نظر، و لا بدّ من تقييده بأن لا يكون ناصبا.

و لو غسل المخالف مؤمنا ففي البيان الأقرب الاجزاء «3»، و هو حسن إن غسله غسل أهل الايمان، و إلّا فلا.

قوله: (و يجب أن يبدأ الغاسل بإزالة النّجاسة عن بدنه، ثم يستر عورته).

(1) لا شبهة في وجوب إزالة النّجاسة عنه لتوقف تطهيره عليها، أمّا عطفه ستر عورته عليها ب‍ (ثم) ففيه تسامح، إذ لا ترتيب هنا، بل الحكم العكس لوجوب ستر عورته عن النّاظر مطلقا، و لو كان الغاسل غير مبصر، أو واثقا من نفسه بكفّ البصر و ليس هناك ناظر غيره لم يجب، لكنّه يستحب استظهارا.

قوله: (ثم يغسله ناويا).

(2) قطع الشّيخ في الخلاف على وجوب النّية في غسل الميّت، و نقل فيه الإجماع «4»، و تردد في المعتبر نظرا إلى أنه تطهير للميّت من نجاسة الموت «5»، و باقي المتأخّرين على الوجوب و هو ظاهر المذهب «6» لأنه عبادة، و لوجوب التّرتيب فيه بين الأعضاء المقتضي لكونه غسلا حقيقيا، و لإيماء قوله عليه السّلام: «كغسل الجنابة» «7» إلى ذلك، إذ لا يحسن تشبيه إزالة النّجاسة به.

______________________________
(1) المقنعة: 13.

(2) منهم: الشيخ في المبسوط 1: 181، و المحقق في الشرائع 1: 37، و الشهيد في البيان: 24.

(3) البيان: 24.

(4) الخلاف 1: 284 مسألة 27 كتاب الجنائز.

(5) المعتبر 1: 265.

(6) منهم: فخر المحققين في إيضاح الفوائد 1: 59، و الشهيد في الدروس: 9.

(7) التهذيب 1: 447 حديث 1447، الاستبصار 1: 208 حديث 732.

368
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثاني: في الكيفية ؛ ج 1، ص : 368

..........

______________________________
و يجب اشتمالها على قصد الفعل المعيّن، و القربة، و الوجه دون الرّفع لامتناعه و الاستباحة لأنه لم يجعل شرعا لإباحة ممنوع منه كالطّهارة المطلوبة للصّلاة لأن الغسل من جملة أحكام الميّت الواجبة، فوجوبه لنفسه.

و ترتب التكفين و الصّلاة و الدّفن عليه لا يقتضي كونه مطلوبا لها كسائر الأشياء المترتّبة، فلو نسي الغسل و صلّى ففي الإجزاء، أو وجوب الإعادة بعد الغسل و التكفين نظر ينشأ من أنّ الترتيب شرط الصحّة، أو واجب لا غير. و لو دفن بغير غسل، فان قلنا بعدم النّبش له صلّى عليه بدونه.

و يجب صدور النّية من الغاسل أعني الصاب للماء، فلو نوى غيره لم يجز و لو اشترك جماعة في غسله، فان ترتّبوا بأن غسل كلّ واحد بعضا اعتبرت النيّة من كلّ واحد عند أوّل فعله، لامتناع ابتناء فعل مكلّف على نية مكلّف آخر، و إن اجتمعوا في الصب فالظاهر اعتبار النيّة من الجميع، لأن التغسيل مستند إلى جميعهم و لا أولويّة، و لو كان بعضهم يصب الماء و البعض يقلب فالأفضل للمقلب أن ينوي أيضا، و اكتفى في الذكرى بكون النية منه، محتجا بأن الصّاب كالآلة «1»، و ليس بشي‌ء، لأن الغاسل حقيقة من يصدر منه الغسل، و حقيقة الغسل ليست أمرا زائدا على إجراء الماء على المحل.

و يتخير بين نيّة واحدة و نيات ثلاث عند أوّل كل غسلة، لأنه في المعنى عبادة واحدة، و غسل واحد مركب من مجموع غسلات تترتب على فعله عدة أمور، فينوي له عند أوّل الغسلات، و في الصورة ثلاثة أغسال لوجوب الترتيب في أعضاء كلّ مرة، و ثبوت التشبيه بين كلّ مرّة و غسل الجنابة في النّصوص «2» و كلام الفقهاء فلا يمتنع إفراد كل غسل بنية عند أوّله.

و لا يجوز إفراد أبعاض الغسلة بنية كما في سائر الأغسال، و يجب استدامة النيّة حكما إلى الفراغ، و على ما بيّناه من كونه عبادة يمتنع وقوعه بماء مغصوب، و في مكان مغضوب كسائر العبادات.

______________________________
(1) الذكرى: 44.

(2) الكافي 3: 161 حديث 1، الفقيه 1: 122 حديث 586، علل الشرائع: 300 باب 237 حديث 5 الاستبصار 1: 208 حديث 732، التهذيب 1: 447 حديث 1447.

369
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثاني: في الكيفية ؛ ج 1، ص : 368

بماء طرح فيه من السدر ما يقع عليه اسمه، (1) و لو خرج به عن الإطلاق لم يجزئ (2) مرتبا كالجنابة، ثم بماء الكافور

______________________________
قوله: (بماء طرح فيه من السّدر ما يقع عليه اسمه).

(1) ما أحسن هذه العبارة و أوفقها للتقييد بعدم خروج الماء بالسّدر عن الإطلاق بحيث يصير مضافا، و قد ورد في رواية سليمان بن خالد، عن الصّادق عليه السّلام:

«يغسل بماء و سدر، ثم بماء و كافور، ثم بماء» «1».

و ليس للسّدر مقدر، فيعتبر فيه صدق الاسم، نعم ينبغي أن يكون في الماء قدر سبع و رقات و لا يتعيّن، و إن قدر بذلك في بعض الأخبار «2». و يعتبر كونه مطحونا لأن المراد به التنظيف و لا يتحقّق بدون طحنه، نعم لو مرس «3» الورق الأخضر بالماء حتى استهلك أجزاءه كفى ذلك، و قدّر المفيد السّدر بنحو رطل «4»، و ابن البراج برطل و نصف «5»، و إطلاق الأخبار يدفعهما «6».

قوله: (و لو خرج به عن الإطلاق لم يجزئ).

(2) أي: لو خرج الماء بالسّدر عن كونه مطلقا لم يجزئ التّغسيل به، و كذا الكافور، لأنّه مطلوب للتطهير و المضاف غير مطهر، و لدلالة قوله عليه السّلام: «بماء و سدر، ثم بماء و كافور عليه) «7» و قوله: (مرتّبا كالجنابة) معناه أنه يغسل رأسه و رقبته أولا، ثم جانبه الأيمن، ثم الأيسر، و التّشبيه به مستفاد من الأخبار، قال الباقر عليه السّلام:

«غسل الميّت مثل غسل الجنب» «8». و يجوز في قوله (مرتّبا) فتح التاء و كسرها على أنه حال من الغسل أو الغاسل، و لو نكس فكالجنابة.

قوله: (ثم بماء الكافور كذلك).

______________________________
(1) التهذيب 1: 446 حديث 1443.

(2) التهذيب 1: 302، 303 حديث 878، 882، الاستبصار 1: 207 حديث 726، 729.

(3) مرس التمر و غيره في الماء إذا أنقعه و مرثه بيده الصحاح 3: 977 مادة (مرس).

(4) المقنعة: 11.

(5) المهذب 1: 56.

(6) الكافي 3: 139 باب غسل الميت، التهذيب 1: 298 حديث 873- 877.

(7) التهذيب 1: 446 حديث 1443.

(8) الفقيه 1: 122 حديث 586، التهذيب 1: 447 حديث 1447، الاستبصار 1: 208 حديث 732.

370
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثاني: في الكيفية ؛ ج 1، ص : 368

كذلك، (1) ثم كذلك بالقراح. (2)

______________________________
(1) المشار اليه ب‍ (ذلك) هو ما سبق في ماء السّدر، أي بماء طرح فيه من الكافور ما يقع عليه اسمه، و لم يخرج به الماء عن الإطلاق مرتّبا ايضا.

قوله: (ثم كذلك بالقراح).

(2) المشار إليه ب‍ (ذلك) هنا هو التّرتيب، أي ثم يغسل مرتّبا بالقراح،- و هو بفتح القاف- الخالي عن السّدر و الكافور، و في الصّحاح: القراح: الّذي لا يشوبه شي‌ء «1».

و ربما توهم بعضهم من هذا التّفسير أن الماء المشوب بشي‌ء، كماء السيل مثلا المشوب بالطين لا يجوز تغسيل الميت به لعدم كونه قراحا، و هو فاسد لأن مثل هذا الماء يجوز استعماله في سائر الطّهارات، و طهوريته موضع وفاق، و إنّما المراد بالقراح في مقابل ماء السّدر و الكافور ما خلا عنهما، و قد تقدم في حديث سليمان بن خالد «ثم بماء» «2»، و لا شبهة في أن هذا ماء.

و يستفاد من قوله: (ثم بماء الكافور، ثم بالقراح) حيث عطف ب‍ (ثم) وجوب الترتيب بين هذه المياه كما ذكره، لأن (ثم) تقتضي التّرتيب، فلو غير التّرتيب لم يجزئ لعدم صدق الامتثال، و احتمل الاجزاء في التّذكرة «3» و على قول سلّار بأن الواجب غسلة واحدة بالقراح، و الباقيتان مستحبتان «4» لا بحث في الإجزاء، و هو ضعيف.

و اعلم أن في رواية الكاهلي، عن الصّادق عليه السّلام في غسل جانبي الميّت بعد غسل رأسه و لحيته و وجهه، الأمر بغسل جانبيه من قرنيه الى قدميه الأيمن أولا، ثم الأيسر «5»، فمقتضاه أن إضافة كلّ من شقي رأسه الى الجانب الّذي يليه من السّنن كما يستحب تثليث الغسل في كلّ غسلة.

______________________________
(1) الصحاح 1: 396 مادة (قرح).

(2) التهذيب 1: 446 حديث 1443.

(3) التذكرة 1: 39.

(4) المراسم: 47.

(5) الكافي 3: 140 حديث 4، التهذيب 1: 298 حديث 873.

371
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثاني: في الكيفية ؛ ج 1، ص : 368

و لو فقد السدر و الكافور غسّله ثلاثا بالقراح على رأي. (1)

______________________________
قوله: (و لو فقد السّدر و الكافور غسّله ثلاثا بالقراح).

(1) هذا هو أصحّ الوجهين، لأنّ الواجب تغسيله بماء و سدر و بماء و كافور، كما تقدم في خبر سليمان بن خالد «1» فالمأمور به شيئان، فإذا تعذر الخليطان، أو أحدهما بقي الأمر بتغسيله بالماء كما كان، و يؤيّده قوله عليه السّلام: «لا يسقط الميسور بالمعسور» «2»، و قوله عليه السّلام: «فاتوا منه ما استطعتم» «3».

و علله في المختلف بأنه مأمور بالغسلات الثّلاث على هيئته- و هي كون الاولى بماء السّدر، و الثانية بماء الكافور، و الثّالثة بالقراح- فيكون مطلق الغسلات واجبا، لاستلزام وجوب المركب وجوب أجزائه «4». و فيه نظر، لأن اللازم وجوب أجزائه حين هي أجزاؤه لا مطلقا، و الماء عند تعذّر السّدر ليس جزءا لماء السّدر، فلا يلزم وجوبه.

و الوجه الثّاني: الاجتزاء بغسلة واحدة لتعذر ما سواها، فيمتنع التّكليف به، و يضعّف بأنّ المتعذر هو الخليط خاصّة، فيسقط.

إذا عرفت هذا، فاعلم أنّه لا بدّ من تمييز الغسلات بعضها عن البعض الآخر، لوجوب الترتيب بينها، و ذلك بالنية، بأن يقصد تغسيله بالقراح في موضع ماء السّدر، و كذا في ماء الكافور.

و لو مسّ الميّت ماسّ بعد هذا الغسل، فالظاهر وجوب الغسل عليه، لعدم تغسيله على الوجه المعتبر لان هذا غسل ضرورة، و لهذا تجب إعادته على الأصحّ إذا أمكن تغسيله على الوجه المعتبر قبل الدّفن، و كذا القول في كلّ غسل شرع للضرورة، و مثله التيمّم بطريق أولى.

فرع:

قال في الذكرى: لو وجد ماء لغسلة واحدة فالأولى القراح لأنّه أقوى في‌

______________________________
(1) التهذيب 1: 446 حديث 1443.

(2) عوالي اللآلي 4: 58.

(3) صحيح مسلم 2: 975 حديث 412.

(4) المختلف: 43.

372
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثاني: في الكيفية ؛ ج 1، ص : 368

و لو خيف تناثر جلد المحترق و المجدور لو غسله يممه مرة على اشكال، (1) و كذا لو خشي الغاسل على نفسه من استعمال الماء أو فقد الغاسل. (2)

و يستحب وضع الميت على ساجة. (3)

______________________________
التطهير، ثم قال: و لا تيمّم لحصول مسمى الغسل
«1»، و في الحكمين معا نظر، بل الظّاهر وجوب رعاية الترتيب، و رعاية فعل بدل الفائت.

و اعلم أنّه يستفاد من عبارة المصنّف أنّ غير السّدر لا يقوم مقامه عند فقده، و عبارة الشّيخ تقتضي الاكتفاء بالخطمي عند فقده «2»، و الأصحّ خلافه.

قوله: (و لو خيف تناثر جلد المحترق و المجدور لو غسله يمّمه مرة على إشكال).

(1) المجدور من به الجدري- بضمّ الجيم و فتحها- و هي قروح في البدن تنقط و تقيح «3»، و ينشأ الإشكال من أنّه بدل من غسل واحد فيجزئ مرّة و من أنّه ثلاثة أغسال و كونها في قوة واحد لا يخرجها عن التّعدد، و إذا وجب التّعدّد في المبدل منه مع قوته ففي البدل الضعيف بطريق أولى، و هو الأصحّ.

قوله: (و كذا لو خشي الغاسل على نفسه من استعمال الماء أو فقد الغاسل).

(2) اي: و كذا ييمّم في هذين الموضعين أيضا، و في الاكتفاء بالمرة و وجوب التعدد الاشكال السّابق.

قوله: (و يستحب وضع الميّت على ساجة).

(3) صيانة له عن التلطخ، و ليكن على مرتفع لئلّا يعود ماء الغسل اليه، و ليكن مكان الرّجلين منحدرا حذرا من اجتماع الماء تحته.

______________________________
(1) الذكرى: 45.

(2) المبسوط 1: 177.

(3) القاموس 1: 387 مادة (جدر).

373
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثاني: في الكيفية ؛ ج 1، ص : 368

مستقبل القبلة (1) تحت الظلال، (2) و فتق قميصه و نزعه من تحته، (3)

______________________________
قوله: (مستقبل القبلة).

(1) أي: يستحب ذلك وفاقا للمرتضى «1»، و المحقّق لقول «2» الرّضا عليه السّلام و قد سئل عن وضع الميّت على المغتسل: «يوضع كيف تيسر» «3» و قال الشّيخ: يجب الاستقبال كحال الاحتضار لورود الأمر به «4»، و هو دال على الوجوب «5» و لا ينافيه ما سبق لأن ما تعسّر لا يجب، و اختاره شيخنا الشّهيد «6»، و هو الأصحّ.

قوله: (تحت الظلال).

(2) أي: يستحبّ ذلك، قاله الأصحاب عن الصّادق عليه السّلام: «إن أباه كان يستحبّ أن يجعل بين الميّت و بين السّماء سقف» «7» يعني إذ غسل، قال في التّذكرة:

و لعل الحكمة كراهة مقابلة السماء بعورته «8».

قوله: (و فتق قميصه و نزعه من تحته).

(3) أكثر عبارات الأصحاب بالفتق، و في البيان عبّر بشق القميص «9»، و هو في خبر عبد اللَّه بن سنان عن الصّادق عليه السّلام «10»، و هل بينهما فرق؟ المتعارف أن الفتق بموضع الخياطة، و لكن أهل اللّغة ساووا بينهما، صرّح بذلك في القاموس و غيره «11».

إذا عرفت ذلك فاستحباب نزع القميص من تحت الميّت لا كلام فيه بين الأصحاب، لئلّا يكون فيه نجاسة تلطخ أعالي بدنه لأن الحال مظنة النّجاسة، لكن الخلاف في أنّ تجريده من القميص و تغسيله عريانا مستور العورة أفضل، أم تغسيله في‌

______________________________
(1) المسائل الموصليات الثالثة، ضمن رسائله 1: 218.

(2) المعتبر 1: 269.

(3) التهذيب 1: 298 حديث 871.

(4) الكافي 3: 127، 140 حديث 3، 4، الفقيه 1: 123 حديث 591، التهذيب 1: 298 حديث 872، 873.

(5) المبسوط 1: 77.

(6) الذكرى: 44.

(7) التهذيب 1: 432 حديث 1380 و فيه: (ستر) بدل (سقف).

(8) التذكرة 1: 38.

(9) البيان: 24.

(10) الكافي 3: 144 حديث 9، التهذيب 1: 308 حديث 894.

(11) القاموس 3: 273، و الصحاح 4: 1539 مادة (فتق).

374
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثاني: في الكيفية ؛ ج 1، ص : 368

و تليين أصابعه برفق، (1) و غسل رأسه برغوة السدر أولا، ثم فرجه بماء السدر و الحرض. (2)

______________________________
قميصه كما غسل النّبي صلّى اللَّه عليه و آله
«1»؟

فبالأوّل قال الشّيخ في النّهاية «2» و المبسوط «3» و جمع «4»، و بالثّاني قال ابن ابي عقيل «5»، و أوجب النّزع ابن حمزة «6»، و رواية عبد اللَّه بن سنان «7» و غيرها «8» تشهد للأوّل، و ظاهر الاخبار طهارة القميص و إن لم يعصر «9»، إجراء له مجرى ما لا يمكن عصره، و جواز الأمرين أقوى، و تطهيره مع تجريده أمكن، و الظاهر أن فتق القميص مشروط بإذن الوارث، فلو تعذّر لصغر، أو غيبة و نحو هما لم يجز لأنّه إتلاف لحكم مستحب.

قوله: (و تليين أصابعه برفق).

(1) منع منه ابن أبي عقيل «10»، لخبر طلحة بن زيد، عن الصّادق عليه السّلام:

«و لا تغمز له مفصلا» «11»، و نزله الشّيخ على ما بعد الغسل «12»، و المشهور الاستحباب.

قوله: (و غسل رأسه برغوة السّدر أولا، ثم فرجه بماء السّدر و الحرض).

(2) لا محلّ لهذا الترتيب، بل المستحبّ في الاخبار الابتداء بغسل فرجه «13»، و في‌

______________________________
(1) التهذيب 1: 468 حديث 1535.

(2) النهاية: 33.

(3) المبسوط 1: 178.

(4) منهم: ابن بابويه في الهداية: 24، و سلار في المراسم: 56، و الشهيد في الدروس: 9.

(5) نقله عنه في المختلف: 43.

(6) الوسيلة: 55.

(7) الكافي 3: 144 حديث 9، التهذيب 1: 308 حديث 894.

(8) الكافي 3: 141 حديث 5، التهذيب 1: 301 حديث 877.

(9) التهذيب 1: 446 حديث 1443، 1444، الاستبصار 1: 208 حديث 731.

(10) نقله عنه في المختلف: 42.

(11) الكافي 3: 156 حديث 3، التهذيب 1: 323 حديث 941 و فيهما: (و لا يغمز له مفصل)، و النص الذي هنا ورد في التهذيب 1: 447 حديث 1445 عن حمران بن أعين.

(12) الخلاف 1: 162 مسألة 15 كتاب الجنائز.

(13) الكافي 3: 138 باب غسل الميت، التهذيب 1: 298 حديث 874، 877- 879.

375
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثاني: في الكيفية ؛ ج 1، ص : 368

و يديه، (1) و توضئته، (2) و البدأة بشق الرأس الأيمن ثم الأيسر، و تثليث كل غسله في كل عضو، و مسح بطنه في الأوليين إلّا الحامل، (3) و الوقوف على الأيمن، و غسل يدي الغاسل مع كل غسلة، (4) و تنشيفه بثوب بعد الفراغ صونا للكفن،

______________________________
خبر يونس غسل رأسه بالرغوة بعد تنقية الفرج
«1»، و كما يستحب تقديم غسل العورة بالحرض و السّدر، كذا يستحب في الثّانية بماء الكافور و الحرض «2» و في الثّالثة بالقراح وحده.

قوله: (و يديه).

(1) أي: يدي الميّت ثلاثا إلى نصف الذراع لخبر يونس «3»، أمّا الغاسل فالى مرفقيه لخبر يونس أيضا، و يلوح منه أن الغسل هنا مرة.

قوله: (و توضئته).

(2) قبل الغسل أو بعده لكن لا بدّ من مراعاة إزالة النّجاسة العرضيّة أولا، و لا مضمضة و لا استنشاق هنا.

قوله: (و مسح بطنه في الأوليين إلا الحامل).

(3) أي: في كلّ من غسلتي السدر و الكافور قبلهما ليرد عليه الماء، و الغرض به التحفّظ من خروج شي‌ء بعد الغسل، و أنكره ابن إدريس لمساواة الميّت الحي في الحرمة «4» و هو ضعيف. و لا يستحبّ المسح في الثّالثة إجماعا بل يكره، و ليكن المسح رفيقا، و لا تمسح بطن الحامل التي مات ولدها حذرا من الإجهاض، و لو أجهضت فعشر دية أمّه، نبه على ذلك في البيان «5».

قوله: (و غسل يدي الغاسل مع كلّ غسلة).

(4) قد عرفت أن الغسلة إلى مرفقيه مرّة واحدة، و كذا يستحبّ غسل الإجانة.

______________________________
(1) الكافي 3: 141 حديث 5، التهذيب 1: 301 حديث 877.

(2) الحرض: الأشنان، انظر الصحاح 3: 107 مادة (حرض).

(3) الكافي 3: 141 حديث 5: التهذيب 1: 301 حديث 877.

(4) السرائر: 31.

(5) البيان: 25.

376
جامع المقاصد في شرح القواعد1

فروع ؛ ج 1، ص : 377

 

و صبّ الماء في الحفيرة، (1) و يكره في الكنيف، و لا بأس بالبالوعة. (2) و يكره ركوبه، و إقعاده، و قص أظفاره، و ترجيل شعره. (3)

[فروع]

فروع:

[أ: الدلك ليس بواجب]

أ: الدلك ليس بواجب، بل أقل واجب الغسل إمرار الماء على جميع الرأس و البدن، و الأقرب سقوط الترتيب مع غمسه في الكثير. (4)

______________________________
قوله: (و صبّ الماء في الحفيرة).

(1) أي: بأن يحفر له موضع المغتسل، و ليكن تجاه القبلة كما تضمّنه خبر سليمان بن حمّاد «1»، و الحفيرة أولى من البالوعة أسنده في الذّكرى «2» إلى ابن حمزة «3».

قوله: (و يكره الكنيف، و لا بأس بالبالوعة).

(2) الكنيف: الموضع المعدّ لقضاء الحاجة «4»، و البالوعة: ما يعدّ في المنزل لإراقة الماء و نحوه، و كراهية صبّ الماء في الكنيف دون البالوعة بإجماع الأصحاب، و به مكاتبة محمّد بن الحسن الصفّار إلى العسكري عليه السّلام «5».

قوله: (و قصّ أظفاره و ترجيل شعره).

(3) أي: تسريحه، و قيل بالتّحريم فيهما، نقل الشّيخ فيه الإجماع، و كذا في تنظيف أظفاره من الوسخ بالخلال «6»، و المشهور الكراهيّة «7»، فإن فعل دفن ما ينفصل من الأظفار و الشّعر معه وجوبا.

قوله: (و الأقرب سقوط التّرتيب مع غمسه في الكثير).

(4) وجه القرب أنّه كغسل الجنابة، و لأن المطلوب من الغسل يحصل بالغمس كما‌

______________________________
(1) الكافي 3: 127 حديث 3، التهذيب 1: 298 حديث 872 و فيهما عن سليمان بن خالد، الفقيه 1: 123 حديث 591 رواه مرسلا.

(2) الذكرى: 44.

(3) الوسيلة: 57.

(4) لسان العرب 9: 310 مادة (كنف).

(5) الكافي 3: 150 حديث 3، التهذيب 1: 431 حديث 1378.

(6) المبسوط 1: 181، الخلاف 1: 162 مسألة 13 كتاب الجنائز، النهاية: 43.

(7) منهم: المحقق في المعتبر 1: 278، و البيان: 25.

 

377
جامع المقاصد في شرح القواعد1

ب: الغريق ؛ ج 1، ص : 378

[ب: الغريق]

ب: الغريق يجب إعادة الغسل عليه. (1)

[ج: لو خرجت نجاسة بعد الغسل لم يعد]

ج: لو خرجت نجاسة بعد الغسل لم يعد، و لا الوضوء، بل تغسل. (2) و لو أصابت الكفن غسل منه ما لم يطرح في القبر فيقرض. (3)

______________________________
يحصل بالتّرتيب، و المراد سقوط التّرتيب بين أعضاء كلّ غسلة لا بين الغسلات، فلا بدّ من كون ماء السّدر غير ماء الكافور، و القراح غيرهما، فان لم يكن تغاير المياه امتنع ذلك في غير الغسلة الواحدة لعدم صدق ماء الكافور و القراح شرعا على ما مزج بالسّدر.

و يحتمل عدم إجزاء الغمس لعدم النّص، و في الأوّل قوة لأن سقوط التّرتيب بالغمس في الغسل الحقيقي يقتضي سقوطه هنا بطريق أولى، و إن كان التّرتيب أحوط.

قوله: (الغريق يجب إعادة الغسل عليه).

(1) و ذلك لأن النيّة معتبرة في الغسل و لم تحصل، و يجي‌ء على قول من لا يعتبر النيّة «1» عدم الوجوب.

قوله: (لو خرجت نجاسة بعد الغسل لم يعد، و لا الوضوء، بل تغسل).

(2) و كذا لا يجب إعادة شي‌ء منهما لو خرجت في الأثناء و ان تقدم الوضوء، إذ ليس المراد بهذا الغسل و الوضوء دفع الحدث، و أوجب ابن ابي عقيل اعادة الغسل بالخارج «2»، و هو ضعيف، نعم يجب غسل النّجاسة على كلّ حال و إن وضع في القبر إلّا مع التعذّر، و لا يجوز حينئذ إخراجه بحال لما فيه من هتك الميّت مع أن القبر محل النّجاسة، و اعلم أنّ الوضوء معطوف على الضّمير المرفوع في (لم يعد) بغير فصل، و فيه ضعف.

قوله: (و لو أصابت الكفن غسلت منه ما لم يطرح في القبر فيقرض).

(3) أطلق الشّيخ قرضها «3» لصحيح الكاهلي عن الصّادق عليه السّلام «4»

______________________________
(1) هذا القول محكي عن السيد كما في ذخيرة المعاد: 83، و مفتاح الكرامة 1: 427.

(2) نقله عنه في المختلف: 43.

(3) المبسوط 1: 181، النهاية: 43.

(4) الكافي 3: 156 حديث 1، التهذيب 1: 436 حديث 1405.

378
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: في التكفين ؛ ج 1، ص : 379

 

[الفصل الثاني: في التكفين]

الفصل الثاني: في التكفين، و فيه مطلبان:

[الأول: في جنسه و قدره]

الأول: في جنسه و قدره، و شرطه أن يكون مما تجوز الصلاة فيه، فيحرم في الحرير المحض. (1)

______________________________
و غيره
«1»، و فصّل بما ذكره المصنّف جماعة لاستبقاء الكفن، و النّهي عن إتلاف المال، و على هذا فإنّما يقرض في القبر إذا تعذر غسلها، و عن الصّدوق إذا قرضت مدّ أحد الثّوبين على الآخر ليستر المقطوع «2».

و لو تفاحشت النّجاسة بحيث يؤدي القطع إلى إفساد الكفن و هتك الميّت و تعذّر الغسل، فالظاهر عدم القطع لامتناع إتلاف الكفن على هذا الوجه، و قد نبّه على ذلك شيخنا الشّهيد «3».

قوله: (الأوّل: في جنسه و قدره، و شرطه أن يكون ممّا تجوز الصّلاة فيه فيحرم في الحرير المحض).

(1) الضّمير في (جنسه و قدره) للكفن المدلول عليه بالتكفين، و الأولى أن يكون الضّمير في شرطه للكفن أيضا، و تكون الجملة مسوقة لبيان الجنس، و لا يحسن جعل هذا الضّمير للجنس إذ يصير التّقدير حينئذ: و شرط الجنس أن يكون من الّذي تجوز الصّلاة فيه.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ المراد بقوله: (ممّا تجوز الصّلاة فيه) كون الجواز للرّجال، إذ لا يجوز التكفين في الحرير للرّجل و لا للمرأة باتفاقنا، حكاه في الذّكرى «4» و لثبوت النّهي عنه في خبر كسوة الكعبة «5»، مع تجويز البيع و الهبة.

و يخرج عنه المغصوب و النّجس، و جلد و وبر ما لا يؤكل لحمه، فلا يجوز في شي‌ء من ذلك قطعا، و يندرج فيه نحو وبر ما يؤكل لحمه، فيجوز التّكفين فيه كما صرّح‌

______________________________
(1) الكافي 3: 156 حديث 3، التهذيب 1: 450 حديث 1458.

(2) الفقيه 1: 92.

(3) الذكرى: 50.

(4) الذكرى: 46.

(5) الكافي 3: 148 حديث 5، الفقيه 1: 90 حديث 416، التهذيب 1: 434 حديث 1391.

 

379
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في جنسه و قدره ؛ ج 1، ص : 379

..........

______________________________
به في التّذكرة
«1» و إن لم يقيد بالمأكول، لأن الظّاهر إرادته، و عن ابن الجنيد المنع منه «2»، و سنده غير معلوم. و يجب أن يستثني منه جلد ما يؤكل لحمه، فإنه لا يجوز التكفين فيه، لوجوب نزعه عن الشّهيد فهنا أولى، و مع الضّرورة لا يكفن في المغصوب قطعا و غيره.

قال في الذّكرى: فيه ثلاثة أوجه، المنع لإطلاق النّهي، و الجواز لئلّا يدفن عاريا مع وجوب ستره و لو بالحجر، و وجوب ستر العورة لا غير حالة الصّلاة ثم ينزع بعد، و حينئذ فالجلد مقدّم لعدم صريح النّهي فيه، ثم النّجس لعروض المانع، ثم الحرير لجواز صلاة النّساء فيه، ثم و بر غير المأكول، و في هذا التّرتيب للنظر مجال، إذ يمكن أولوية الحرير على النّجس لجواز صلاتهن فيه اختيارا «3».

هذا كلامه، و فيه نظر، أما في الجلد فلأن الأمر بنزعه عن الشّهيد يدل على المنع في غيره بمفهوم الموافقة، و هي أقوى من الصّريح، و لم يدل دليل على الجواز فيه، و التكفين بالممنوع منه بمنزلة العدم شرعا، و القبر كاف في الستر، و الأمر التعبّدي متعذّر على كلّ تقدير.

و مثله القول في الحرير، و جواز صلاة النّساء فيه لا يقتضي جواز التكفين به لعدم الملازمة، على أنّه لو تم ذلك لزم اختصاص الحكم بالنّساء، و ظاهر كلامه الإطلاق، و وبر غير المأكول أبعد من الجميع.

أمّا النّجس فيدل على جوازه مع الضّرورة عدم وجوب نزعه عن الميّت لو استوعبته النّجاسة و تعذر غسلها و قرضه، و أنّه آئل إلى النّجاسة عن قريب فأمره أخف، و الظاهر المنع مطلقا في غير النّجس.

و لو اضطر إلى ستر عورته حال الصّلاة و لم يوجد غير الممنوع منه أمكن الستر بأحد الأشياء الممنوع منها من غير ترتيب لعدم الدّليل عليه، مع احتمال وضعه في القبر على وجه لا ترى عورته، ثم يصلى عليه.

______________________________
(1) التذكرة 1: 43.

(2) نقله عنه في التذكرة 1: 43.

(3) الذكرى: 46.

380
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في جنسه و قدره ؛ ج 1، ص : 379

و يكره الكتان، (1) و الممتزج بالإبريسم. (2) و يستحب القطن المحض الأبيض. (3)

و أقلّ الواجب للرجل و المرأة ثلاثة أثواب: مئزر، و قميص، و إزار على رأي، (4)

______________________________
قوله: (و يكره الكتان).

(1) ذهب إليه علماؤنا لقول الصّادق عليه السّلام: «لا يكفن الميت في كتان» «1»، و لقوله عليه السّلام: «الكتان كان لبني إسرائيل يكفنون به، و القطن لأمّة محمّد صلّى اللَّه عليه و آله» «2».

قوله: (و الممتزج بالإبريسم).

(2) إذا كان الخليط أكثر، كذا في مقطوعة الحسن بن راشد «3»، و عبّر به جماعة «4»، و ينبغي أن يكون الحكم بالجواز مع صدق الممتزج، سواء كان الخليط أكثر أم لا- كما في الصّلاة- فيمنع منه إذا اضمحل الخليط فسمّي حريرا.

قوله: (و يستحب القطن المحض الأبيض).

(3) عن النّبي صلّى اللَّه عليه و آله: «ليس من لباسكم أحسن من البياض فلبسوه، و كفنوا فيه موتاكم» «5» و عنه صلّى اللَّه عليه و آله: «البسوا البياض فإنّه أطهر و أطيب، و كفنوا فيه موتاكم» «6».

قوله: (و أقلّ الواجب للرّجل و المرأة ثلاثة أثواب: مئزر، و قميص، و إزار على رأي).

(4) المراد ب‍ (بأقل الواجب) الواجب الّذي هو أقل ما يجزئ و لا يجزئ دونه، فأضاف الصّفة إلى موصوفها، و لا يخفى أن الأكثر من ذلك مجزئ بطريق أولى، و اعتبار‌

______________________________
(1) التهذيب 1: 451 حديث 1465، الاستبصار 1: 211 حديث 745.

(2) الكافي 3: 149 حديث 7، الفقيه 1: 89 حديث 414، التهذيب 1: 434 حديث 1392، الاستبصار 1: 210 حديث 741.

(3) الكافي 3: 149 حديث 12، الفقيه 1: 90 حديث 415، التهذيب 1: 435 حديث 1396، الاستبصار 1: 211 حديث 744.

(4) منهم: المحقق في المعتبر 1: 280.

(5) الكافي 3: 148 حديث 3، التهذيب 1: 434 حديث 1390 و فيهما: (شي‌ء أحسن من).

(6) الكافي 6: 445 حديث 1، 2 و فيهما: (أطيب و أطهر).

381
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في جنسه و قدره ؛ ج 1، ص : 379

و في الضرورة واحدة. (1)

و يستحب أن يزاد للرجل حبرة عبرية غير مطرّزة بالذهب، (2)

______________________________
ثلاثة أثواب هو مذهب أكثر أصحابنا
«1»، لقول الباقر عليه السّلام: «إنّما الكفن المفروض ثلاثة أثواب» «2» و قال سلّار: تجزئ قطعة واحدة للأصل «3»، و هو ضعيف.

و يراعى في هذه الأثواب التوسّط، ففي الجنس يراعى الأوسط باعتبار اللائق بحال الميّت عرفا، فلا يجب الاقتصار على أدون المراتب و إن ماكس الورثة، أو كانوا صغارا، حملا لإطلاق اللّفظ على المتعارف.

و في القدر يجب في المئزر أن يكون من السّرة إلى الرّكبة بحيث يسترهما لأنه المفهوم منه، و يجوز إلى القدم باذن الوارث أو وصية الميّت حيث تنفذ، و في القميص أن يكون إلى نصف الساق، و يجوز إلى القدم مطلقا لأنه الغالب، و في اللّفافة أن تشمله من قبل رأسه و رجليه بحيث تشد، و يعتبر في الجميع شمولها البدن في جانب العرض، و ينبغي أن يكون عرض اللّفافة بحيث يمكن جعل أحد الجانبين على الآخر، كما تشهد به الأخبار «4»، و يشعر به كونها لفافة فوق الجميع.

و هل يشرط أن يكون كل واحد من هذه الأثواب بحيث يستر العورة في الصّلاة، أم يكفي حصول الستر بالمجموع؟ الظاهر الأول لأنه المتبادر من الأثواب، و لأنّه أحوط، و إلى الآن لم أظفر في كلام الأصحاب بشي‌ء في ذلك نفيا و لا إثباتا.

قوله: (و في الضّرورة واحدة).

(1) يقدم اللّفافة ثم القميص ثم المئزر.

قوله: (و يستحب أن يزاد للرجل حبرة عبرية غير مطرزة بالذهب).

(2) و كذا تزاد المرأة، و ما سيأتي من عبارته يشعر بذلك.

و الحبرة- بكسر الحاء المهملة و فتح الباء الموحدة- ثوب يمني «5»، و عبريّة- بكسر‌

______________________________
(1) منهم: الشيخ في الخلاف 1: 164 مسألة 26 كتاب الجنائز، و المحقق في المعتبر 1: 279، و الشهيد في الذكرى: 46.

(2) الكافي 3: 144 حديث 5، التهذيب 1: 292 حديث 854.

(3) المراسم: 47.

(4) الكافي 3: 143 حديث 1، التهذيب 1: 305، 306 حديث 887، 888.

(5) الصحاح 2: 621 مادة (عبر).

382
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في جنسه و قدره ؛ ج 1، ص : 379

فان فقدت فلفافة أخرى، و خرقة لفخذيه طولها ثلاثة أذرع و نصف في عرض شبر (1) و تسمى الخامسة، و عمامة، و تعوّض المرأة عنها قناعا، و تزاد لفافة أخرى لثدييها (2) و نمطا، (3)

______________________________
العين- منسوبة إلى بلد، أو جانب واد.
«1» و يشترط أن لا تكون مطرزة بالذّهب لامتناع الصّلاة فيه حينئذ للرّجال، و زاد في الذّكرى المنع من المطرزة بالحرير لأنه إتلاف غير مأذون فيه «2»، و الأصل في استحباب الحبرة ما روي من تكفين النّبي صلّى اللَّه عليه و آله فيها «3»، و كذا الحسن عليه السّلام «4» و استحباب زيادتها على الأثواب الثّلاثة عند جميع الأصحاب، و في الأخبار ان الحبرة حمراء «5»، فظاهرها أفضليّتها، و لو تعذّر الوصف كفى في أصل الاستحباب الحبرة.

قوله: (و خرقة لفخذيه طولها ثلاثة أذرع و نصف في عرض شبر).

(1) في خبر عمّار عن الصّادق عليه السّلام: «عرضها شبر و نصف» «6»، و يستحب أن تزاد للمرأة أيضا كما يشعر به ما سيأتي من العبارة.

قوله: (و تزاد لفافة أخرى لثدييها).

(2) لخبر سهل بن زياد عن بعض أصحابه رفعه، قال: سألته كيف تكفن المرأة؟

قال: «كما يكفن الرّجل، غير أنّها تشد على ثدييها خرقة تضم الثدي إلى الصّدر، و تشد إلى ظهرها» «7».

قوله: (و نمطا).

(3) النمط لغة: كساء من صوف يجعل على هودج المرأة «8»، و في نهاية ابن‌

______________________________
(1) معجم البلدان 4: 178 مادة (عبر).

(2) الذكرى: 47.

(3) الكافي 3: 143 حديث 2، التهذيب 1: 291، 296 حديث 850، 869.

(4) لم نعثر عليه في مظانّه، و يمكن أن يكون ظاهر الرّواية التي وردت في الكافي 3: 149 حديث 9، التهذيب 1: 296 حديث 868، و المعتبر 1: 282.

(5) الكافي 3: 149 حديث 9، التهذيب 1: 296 حديث 868، 869.

(6) التهذيب 1: 305 حديث 887.

(7) الكافي 3: 147 حديث 2 و فيه (على ظهرها).

(8) القاموس (نمط) 2: 389.

383
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في جنسه و قدره ؛ ج 1، ص : 379

و العمامة ليست من الكفن. (1)

______________________________
الأثير: أنه ضرب من البسط له خمل رقيق
«1»، و في عبارة جماعة من الأصحاب: أنّه ثوب فيه خطط من الأنماط، و هي الطرائق «2»، و عباراتهم دالّة على انّه ثوب زينة، و ابن إدريس جعله الحبرة- وفاقا للشّيخ في الاقتصاد «3»- لدلالتها على الزينة «4».

و قال المفيد: تزاد المرأة ثوبين «5»، و هما لفافتان، أو لفافة و نمط، و كذا قال المصنّف في التّذكرة، و قال عليّ بن بابويه: ثم اقطع كفنه، تبدأ بالنمط، و تبسطه و تبسط عليه الحبرة، و تبسط الإزار على الحبرة، و تبسط القميص على الإزار «6»، فظاهره مساواة الرّجل و المرأة، و الحاصل أنّ كلام الأصحاب هنا مختلف، إلا أنّ كلام الأكثر تضمن أن النمط غير الحبرة، و اللفافة.

و في عبارة ابن البرّاج: إنّه مع عدمه يجعل بدله لفافة أخرى، كما يجعل بدل الحبرة لفافة، فيكون للمرأة ثلاث لفائف «7»، و هو مقتضى قول المفيد، و المصنّف في التّذكرة، و الظّاهر أنّه لا خلاف بينهم في أنّ النّمط ثوب كبير شامل للبدن كاللفافة و الحبرة.

قوله: (و العمامة ليست من الكفن).

(1) أي: هي سنة، و لا تحسب من جملة الكفن الواجب و لا المندوب، لحسنة الحلبي عن الصّادق عليه السّلام: «ليست تعد العمامة من الكفن، إنّما يعد ما يلف به الجسد» «8» و عنه عليه السّلام في حديث عبد اللَّه بن سنان: «و الخرقة و العمامة لا بد منهما، و ليستا من الكفن» «9»، قال المصنّف في التّذكرة: فلو سرقها- يعني العمامة-

______________________________
(1) النهاية (نمط) 5: 119.

(2) منهم: المحقق في المعتبر 1: 286، و الشهيد في الذكرى: 48.

(3) الاقتصاد: 248.

(4) السرائر: 31.

(5) المقنعة: 12.

(6) التذكرة 1: 43، و الهداية: 23.

(7) المهذب 1: 60.

(8) الكافي 3: 144 حديث 7، التهذيب 1: 293 حديث 857.

(9) الكافي 3: 144 حديث 6، التهذيب 1: 293 حديث 856.

384
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في جنسه و قدره ؛ ج 1، ص : 379

و لو تشاح الورثة اقتصر على الواجب، (1) و يخرج ما أوصى به من الزائد عليه من الثلث، و للغرماء المنع منه دون الواجب. و لا تجوز الزيادة على الخمسة في الرجل، و على السبعة في المرأة.

و تستحب جريدتان من النخل قدر عظم الذراع، فان فقد فمن السدر، فان فقد فمن الخلاف، فان فقد فمن شجر رطب. (2)

______________________________
النبّاش لم يقطع، و إن بلغت النّصاب، لأن القبر حرز للكفن دون غيره
«1».

قلت: خبر معاوية بن وهب عن الصّادق عليه السّلام «2» يدل على انّهما من الكفن، فلعل المراد من هذين الحديثين: ليستا من الكفن المفروض كما دلّ عليه خبر زرارة، قلت لأبي جعفر عليه السّلام العمامة للميّت أمن الكفن هي؟ قال: «لا، إنّما الكفن المفروض ثلاثة أثواب» «3» أو: ليستا من المهمّ الّذي يلفّ به الجسد، لأن ذلك من التّوابع و المكملات، كما ترشد إليه حسنة الحلبي السّابقة، و هذا هو الأصحّ.

قوله: (و لو تشاح الورثة اقتصر على الواجب).

(1) التشاح، تفاعل من الشحّ «4»، و في تأديته معنى شح جميعهم تكلف، و المراد:

الاقتصار على الواجب وسطا فلا يتعيّن أدنى المراتب، و لو تبرع بعضهم بشي‌ء من نصيبه صح.

قوله: (و تستحبّ جريدتان من النّخل قدر عظم الذراع، فان فقد فمن السدر، فان فقد فمن الخلاف، فان فقد فمن شجر رطب).

(2) لا خلاف بين الأصحاب في استحباب الجريدتين، و الأصل فيه أن آدم لما هبط من الجنة خلق اللَّه من فضل طينه النخلة فكان يأنس بها في حياته، فأوصى بنية أن يشقوا منها جريدا بنصفين و يضعوه معه في أكفانه «5»، و فعله الأنبياء بعده‌

______________________________
(1) التذكرة 1: 43.

(2) الكافي 3: 145 حديث 11، التهذيب 1: 293 حديث 858.

(3) الكافي 3: 144 حديث 5، التهذيب 1: 292 حديث 854.

(4) الصحاح 1: 378 مادة (شحح).

(5) التهذيب 1: 326 حديث 952.

385
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: في جنسه و قدره ؛ ج 1، ص : 379

..........

______________________________
عليهم السّلام إلى أن درس في الجاهليّة، فأحياها نبيّنا صلّى اللَّه عليه و آله، و في فضلهما أخبار كثيرة من طرق الأصحاب
«1» و العامّة أيضا «2»، و قد تضمن كثير منها رفع العذاب ما دامتا خضراوين «3».

و المشهور بين الأصحاب كونهما قدر عظم الذّراع «4»، و هو مروي في خبر يونس «5» عنهم عليهم السّلام، و غيره «6».

و قيل: قدر شبر «7»، و قيل: أربع أصابع فما فوقها «8»، و قد ورد في الأخبار شق الجريدة «9»، و تعليلهم عليهم السّلام رفع العذاب بالخضرة يقتضي العدم «10»، أما الخضرة فتعتبر قطعا، و من ثم قالوا: و يجعل على الجريدتين قطن «11».

و لا ريب أنّ الأفضل كونهما من النخل، فان فقد فالسدر، فان فقد فالخلاف، و هذا التّرتيب موجود في خبر سهل بن زياد «12»، و عكس ذلك المفيد «13»، و الأوّل أجود، فإن فقد الجميع فشجر رطب، ذكره الأصحاب، و التّعليل بالخضرة يومئ إليه،

______________________________
(1) الكافي 3: 151 باب وضع الجريدة، الفقيه 1: 88 حديث 404- 411، التهذيب 1: 326 حديث 952- 958.

(2) صحيح البخاري 2: 119 باب الجريد على القبر.

(3) الفقيه 1: 88 حديث 404، 405، 407، التهذيب 1: 327 حديث 955.

(4) منهم: الصدوق في الهداية: 24، و المفيد في المقنعة: 11، و المرتضى في الانتصار: 36.

(5) الكافي 3: 143 حديث 1.

(6) الكافي 3: 152 حديث 3.

(7) قاله الصدوق في الفقيه 1: 87.

(8) القول لابن أبي عقيل نقله عنه في المختلف: 44.

(9) الفقيه 1: 88 حديث 405.

(10) الكافي 3: 151 باب وضع الجريدة، الفقيه 1: 88 حديث 404، 405، 407، 409، 410، التهذيب 1: 327 حديث 954، 955.

(11) في المسالك 1: 10 نسبه الى الأصحاب، و في مفتاح الكرامة 1: 455 اختاره بعض الأصحاب، و في الحدائق 4: 48 قد ذكر بعض الأصحاب، و في جواهر الكلام 4: 234، فيما ذكره جماعة من متأخري المتأخرين.

(12) الكافي 3: 153 حديث 10، التهذيب 1: 294 حديث 859.

(13) المقنعة: 11.

386
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثاني: في الكيفية ؛ ج 1، ص : 387

[المطلب الثاني: في الكيفية]

المطلب الثاني: في الكيفية: و يجب أن يبدأ بالحنوط فيمسح مساجده السبعة بالكافور بأقل اسمه، (1) و يسقط مع العجز عنه،

______________________________
و في خبر عليّ بن إبراهيم عود الرمّان
«1» فيقدم على الشّجر الرّطب بعد الخلاف.

قوله: (و يجب أن يبدأ بالحنوط فتمسح مساجده السبعة بالكافور بأقل اسمه).

(1) هذا هو الأصحّ، و قال المفيد «2»، و ابن أبي عقيل «3»: يحنّط الأنف، و زاد الصّدوق الصدر و السّمع و البصر و الفم، و المغابن و هي الآباط «4»، و أصول الأفخاذ «5»، و الأخبار مختلفة في ذلك نفيا و إثباتا «6»، و المشهور قصر الوجوب على السّبعة و إضافة الصّدر استحبابا. و أضاف الصّدوق الى الكافور المسك «7»، استنادا الى خبرين مرسلين «8»، و المشهور تحريم تطييب الميّت بغير الكافور و الذريرة «9».

و يكفي من الكافور للتّحنيط ما صدق عليه الاسم لصدق الامتثال، و عدم قاطع يدلّ على خلاف ذلك، و قدّر الشّيخان أقله بمثقال، و أوسطه بأربعة دراهم «10»، و بعض الأصحاب بمثقال و ثلث «11»، و الأخبار مختلفة، ففي بعضها مثقال «12»، و في‌

______________________________
(1) التهذيب 1: 294 حديث 861.

(2) المقنعة: 11.

(3) نقله عنه في المختلف: 43.

(4) القاموس 4: 253 مادة (غبن).

(5) الفقيه 1: 91.

(6) الكافي 3: 143 باب تحنيط الميت، التهذيب 1: 305- 308 حديث 887، 893 و 436 حديث 1403، 1404.

(7) الفقيه 1: 93.

(8) الفقيه 1: 93 حديث 422، 426.

(9) و ممن قال به ابن حمزة في الوسيلة: 59، و الشيخ في المبسوط 1: 177، و ابن سعيد في الجامع للشرائع: 53.

(10) المفيد في المقنعة: 11، و الشيخ في الخلاف 1: 164 مسألة 33 كتاب الجنائز.

(11) القول للجعفي على ما في جواهر الكلام 4: 182.

(12) الكافي 3: 151 حديث 5، التهذيب 1: 291 حديث 846.

387
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثاني: في الكيفية ؛ ج 1، ص : 387

و المستحب ثلاثة عشر درهما و ثلث، (1) و دونه أربعة دراهم، و الأدون درهم.

______________________________
البعض مثقال و نصف
«1» و في رواية أوسطه أربعة مثاقيل «2»، و هي منزلة على الفضيلة.

قوله: (و المستحبّ ثلاثة عشر درهما و ثلث.).

(1) مستنده إن جبرئيل عليه السّلام نزل بأربعين درهما من كافور الجنّة، فقسّمه النّبي صلّى اللّه عليه و آله بينه و بين علي عليه السّلام و فاطمة عليها السّلام أثلاثا «3».

و روى عليّ بن إبراهيم رفعه في الحنوط ثلاثة عشر درهما و ثلث «4»، و هو دالّ على أنّ هذا المقدار مختصّ بالحنوط، و أنّ كافور الغسل غير هذا، قال في الذّكرى: قطع به الأكثر «5»، و فسر ابن إدريس المثاقيل بالدّراهم «6» و هو غير واضح.

قال في الذّكرى: و طالبه ابن طاوس بالمستند، و جعل ابن البرّاج أكثر الحنوط ثلاثة عشر درهما و نصفا «7»، و الأخبار تدفعه «8».

و قال الشّيخان «9» و الصّدوق «10»: أقلّه مثقال، و أوسطه أربعة دراهم، و عن الجعفي: إن أقلّه مثقال و ثلث «11»، و اختلاف الأخبار يدل على أنّ المراد بالقدر الفضيلة، فيكون الواجب ما وقع عليه الاسم.

______________________________
(1) التهذيب 1: 291 حديث 849.

(2) الكافي 3: 151 حديث 5، التهذيب: 291 حديث 848.

(3) الفقيه 1: 91، علل الشرائع 1: 302 باب 242 حديث 1.

(4) الكافي 3: 151 حديث 4، التهذيب 1: 290 حديث 845 و فيهما: (السنة في الحنوط. و ثلث أكثره).

(5) الذكرى: 46.

(6) السرائر: 32.

(7) المهذب 1: 61 و فيه: (ثلاث عشر درهما و ثلث) و في الذكرى: 46، و المختلف 23: (. و نصفا).

(8) الكافي 3: 151 حديث 4، التهذيب 1: 290 حديث 845، الفقيه 1: 91، العلل: 302 باب 242 حديث 1.

(9) المفيد في المقنعة: 11، و الشيخ في الخلاف 1: 164 مسألة 33 كتاب الجنائز.

(10) الفقيه 1: 91.

(11) نقله عنه في جواهر الكلام 4: 182.

388
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثاني: في الكيفية ؛ ج 1، ص : 387

و يستحب أن يقدّم الغاسل غسله أو الوضوء على التكفين. (1) و الأقرب عدم الاكتفاء به في الصلاة إذا لم ينو ما يتضمن رفع الحدث، (2)

______________________________
قوله: (و يستحب أن يقدّم الغاسل غسله، أو الوضوء على التّكفين).

(1) المراد بغسله غسل المسّ و بالوضوء الّذي يجامع الغسل للصّلاة، كما هو مصرّح به في كلام المصنّف في التّذكرة «1» و في الذّكرى أيضا «2»، و علله في التّذكرة بأن الغسل من المسّ واجب، فاستحب الفورية.

فان لم يتّفق ذلك أو خيف على الميّت فليغسل يديه إلى المنكبين، لخبر ابن يقطين عن العبد الصّالح عليه السّلام: «يغسل الّذي غسله يديه قبل أن يكفنه إلى المنكبين ثلاث مرّات، ثم إذا كفنه اغتسل» «3» و فيه دلالة على تأخير الغسل، و يمكن تنزيله على الضّرورة كما نبّه عليه في الذّكرى «4».

قوله: (و الأقرب عدم الاكتفاء به في الصلاة إذا لم ينو ما يتضمن رفع الحدث).

(2) وجه القرب أنّ التكفين مشروع من دونه، فلا يلزم من نيّته نية رفع الحدث، فلا يحصل بدليل: «و إنّما لكل امرئ ما نوى» «5».

و يحتمل ضعيفا الاكتفاء به، لأنّ كمال الفضيلة متوقف عليه، و ليس المقصود بالوضوء إلا ذلك فيتحقّق الرّفع، فتباح الصّلاة. و ضعفه ظاهر، إذ لا يلزم من توقّف كمال الفضيلة على رفع الحدث كونه مقصودا و منويا حال فعل الوضوء، و ينبغي التّنبيه لثلاثة أمور:

الأوّل: إنّهم صرّحوا بأن الوضوء المستحبّ تقديمه على التّكفين هو وضوء الصّلاة، فعلى اعتبار نية أحد الأمرين من الرفع و الاستباحة لا بدّ من نيّتهما لتحصل الفضيلة المطلوبة، و حينئذ فلا مجال للتردّد في إباحة الصّلاة، و لا لفرض خلوه عن نيّة‌

______________________________
(1) التذكرة 1: 44.

(2) الذكرى: 49.

(3) التهذيب 1: 446 حديث 1444، الاستبصار 1: 208 حديث 731 و فيهما: (. غسله يره).

(4) الذكرى: 49.

(5) صحيح البخاري 1: 2، و سنن أبي داود 2: 262 حديث 2201.

389
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثاني: في الكيفية ؛ ج 1، ص : 387

و أن يجعل بين أليتيه قطنا، (1) و إن خاف خروج شي‌ء حشّا دبره، (2)

______________________________
رفع الحدث، إلا أن ينزل ذلك على استحباب الوضوء مطلقا، و أن الأفضل كونه وضوء الصّلاة.

الثّاني: أنّه سبق في كلام المصنّف، أنّه لو توضأ ناويا ما يستحبّ له الوضوء كقراءة القرآن، فالأقوى الصحّة، و المفهوم من الصحّة هنا هو كونه مبيحا للصّلاة، و تعليلهم يدلّ عليه، فيكون ما ذكره رجوعا عن ذلك.

الثّالث: أنّه قد سبق في بحث الوضوء اشتراط نيّة الرّفع أو الاستباحة فيه، و مقتضى ذلك أنّه لو لم ينو واحدا منهما لم يكن وضوءه صحيحا، و كذا يستفاد من قوله في مسألة نية قراءة القرآن: إذ المقابل للصحّة هو الفساد، فمقتضاه إن حصلت الإباحة كان صحيحا و إلا فهو فاسد، و المعلوم من عبارته هنا خلاف ذلك، و إلا لم تحصل بالوضوء الخالي من الأمرين فضيلة التّكفين أصلا.

و يمكن تنزيل كلامه على أن اشتراط نية أحد الأمرين لتحقق الاستباحة لا لكونه وضوء معتبرا في الجملة، و يكون المراد بالصحّة الصحة بالإضافة إلى الصّلاة و نحوها، فبكونه مبيحا لها يعد صحيحا، و بعدمه يعد فاسدا، و لا بأس بهذا التّنزيل، إذ لا دليل يدلّ على فساد الوضوء لخلوه من الأمرين، نعم لا يكون مبيحا، و ينبغي أن يلحظ هذا البحث لأني لم أظفر في كلام أحد على شي‌ء يحققه.

قوله: (و أن يجعل بين أليتيه قطنا).

(1) و ليكن عليه الحنوط، كما في خبر يونس عنهم عليهم السّلام، و كذا على قبله رواه أيضا «1»، و في القاموس: الألية العجيزة أو ما ركب العجز من شحم أو لحم، و لا تقل ألية و لا ليّة «2»، و في الصّحاح: إذا ثنيت قلت أليان، فلا تلحقه التّاء «3».

قوله: (و إن خاف خروج شي‌ء حشا دبره).

(2) أمّا استحباب الحشو في الدّبر فقد ورد في خبر يونس عنهم عليهم السّلام «4»

______________________________
(1) الكافي 3: 141 حديث 5، التهذيب 1: 301 حديث 877.

(2) القاموس 4: 300 مادة «إلى».

(3) الصحاح 6: 2271 مادة «ألا».

(4) الكافي 3: 141 حديث 5، التهذيب 1: 301 حديث 877.

390
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثاني: في الكيفية ؛ ج 1، ص : 387

و أن يشد فخذيه من حقويه الى رجليه بالخامسة لفا شديدا بعد أن يضع عليها قطنا و ذريرة، (1)

______________________________
و كذا في قبل المرأة، و ليكثر الحشو فيه إلى نصف منّ لخبر عمار عن الصّادق عليه السّلام
«1» و به صرّح في الذّكرى «2»، و ظاهر عبارة الكتاب أن الحشو إنّما يستحب عند خوف خروج شي‌ء لا بدونه لأن فيه تناول حرمة الميّت، كذا صرّح في التّذكرة «3» و المنتهى «4».

و أطلق الشّيخ الحشو في دبره «5»، و قال ابن إدريس: يوضع على حلقة الدّبر «6»، و عبارة الذّكرى محتملة فإنّه قال: و يحشو ما يخاف الخروج منه «7»، و لعل مراده قول الشّيخ، لأنّه احتج بالاخبار و هي مطلقة «8»، فيكون المراد بما يخاف الخروج منه ما شأنه ذلك، إذ يكفي في صدق الخوف ثبوته في بعض الأحوال بخلاف العبارة هنا، و قول الشّيخ أقوى تمسّكا بإطلاق الأخبار، و لأن تناول حرمة الميّت بنجاسته، و الاحتياج إلى كشفه و تطهيره و تأخير تجهيزه أشدّ.

قوله: (و أن يشد فخذيه من حقويه إلى رجليه بالخامسة لفا شديدا بعد أن يضع عليها قطنا و ذريرة) «9».

(1) في خبر يونس عنهم عليهم السّلام: «خذ خرقة طويلة عرضها شبر فشدها من حقويه، و ضم فخذيه ضما شديدا و لفها في فخذيه، ثم أخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن، و أغمزها في الموضع الّذي لففت فيه الخرقة» «10».

______________________________
(1) التهذيب 1: 305 حديث 887.

(2) الذكرى: 49.

(3) التذكرة 1: 44.

(4) المنتهى 1: 439.

(5) المبسوط 1: 179، الخلاف 1: 164 مسألة 29 كتاب الجنائز، النهاية: 35.

(6) السرائر: 32.

(7) الذكرى: 49.

(8) الكافي 3: 141 حديث 5، التهذيب 1: 301، 305 حديث 887.

(9) فتات قصب الطيب و هو قصب يجاء به من الهند أو من نهاوند، انظر: مجمع البحرين (ذرر) 3: 307.

(10) الكافي 3: 141 حديث 5، التهذيب 1: 301 حديث 877 و فيه: (و لفهما).

391
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثاني: في الكيفية ؛ ج 1، ص : 387

و يجب أن يؤزّره ثم يلبّسه القميص ثم يلفّه بالإزار.

و تستحب الحبرة فوق الإزار، و جعل احدى الجريدتين مع جلده من جانبه الأيمن من ترقوته، و الأخرى من الأيسر بين القميص و الإزار، (1)

______________________________
و قال في البيان: يشد طرفاها على الفخذين، و يلف بالمسترسل الفخذان لفّا شديدا بعد وضع قطن تحتها
«1»، و الّذي في كلام الأكثر هو الأوّل «2»، و في الذّكرى و لا يشق رأسها، أو يجعل فيها خيط يشدّها «3».

و ظاهر قول المصنّف: (بعد أن يضع عليها قطنا): أنّ هذا القطن زائد على ما سبق، و المفهوم من الاخبار خلافه «4». و الحقوان- بفتح الحاء المهملة و إسكان القاف- الكشحان «5»، و في الصّحاح: إن الحقو الخصر، و مشدّ الإزار «6».

قوله: (و جعل إحدى الجريدتين مع جلده من جانبه الأيمن من ترقوته، و الأخرى من الأيسر بين القميص و الإزار).

(1) أي: من ترقوة جانبه الأيسر، أي عندها، و هذا أشهر أقوال الأصحاب «7».

و قيل: إنّ اليسرى عند وركه ما بين القميص و الإزار، و اليمنى كما سبق «8».

و قيل: إحداهما تحت إبطه الأيمن، و الأخرى نصف ممّا يلي السّاق و نصف مما يلي الفخذ «9»، و الأخبار «10» مختلفة في ذلك، و ما أحسن ما قال في المعتبر: مع اختلاف الرّوايات و الأقوال يجب الجزم بالقدر المشترك، و هو استحباب وضعها مع‌

______________________________
(1) البيان: 26 و فيه: يشد طرفاها على الحقوين و يلف بالمترسل.)

(2) منهم: الشيخ في المبسوط 1: 179، و ابن إدريس في السرائر: 32.

(3) الذكرى: 47.

(4) الكافي 3: 141 حديث 5، التهذيب 1: 301، 305 حديث 887.

(5) القاموس 4: 318 مادة (حقو).

(6) الصحاح 6: 2317 مادة (حقا).

(7) منهم: الصدوق في المقنع: 19، و ابن البراج في المهذب 1: 61.

(8) ذهب اليه الصدوق في الفقيه 1: 91.

(9) ذهب اليه سلار في المراسم: 49.

(10) الكافي 3: 151، 152، 153، 154، حديث 1، 3، 5، 6، 13، الفقيه 1: 88 حديث 405، التهذيب 1: 306، 309، 327 حديث 888، 897، 954، و للمزيد راجع الوسائل 2: 739 باب 10 من أبواب التفكين.

392
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثاني: في الكيفية ؛ ج 1، ص : 387

و التعميم محنكا (1) يلف وسط العمامة على رأسه و يخرج طرفيها من تحت الحنك و يلقيان على صدره، و نثر الذريرة على الحبرة و اللفافة و القميص (2)

______________________________
الميّت في كفنه، أو في قبره بأيّ هذه الصور شئت
«1».

و لو تعذر وضعها في الكفن وضعت في القبر، و لو تعذر لتقية أو نسيان أو تركت، ففي الذّكرى يجوز وضعها على القبر، كما فعل النّبي صلّى اللَّه عليه و آله في القبر الّذي كان صاحبه معذبا «2»، و فيها قال الأصحاب، و توضع مع جميع أموات المسلمين حتّى الصّغار، لإطلاق الأمر بذلك «3»، و هو حسن.

قوله: (و التعميم محنكا.).

(1) استحباب التحنيك في مرسل ابن أبي عمير عن الصّادق عليه السّلام «4»، و في بعض الأخبار عن الصّادق عليه السّلام: «لا تعمّمه عمّة الأعرابي» «5»، و أمر بأخذ طرف العمامة من وسطها و نشرها على رأسه، ثم ردها الى خلفه و طرح طرفيها على ظهره، و في المبسوط: عمّة الأعرابي بغير حنك «6».

و الأصحّ أن يعمم و يحنك بالعمامة، و يجعل لها طرفان فيلقى فضل الشق الأيمن على الأيسر، و بالعكس يمدان على صدره، كما في خبر يونس عنهم عليهم السّلام و لا تقدير للعمامة «7»، بل أقله ما يفي بالهيئة المستحبّة.

قوله: (و نثر الذّريرة على الحبرة و اللفافة و القميص).

(2) في الذّكرى: تستحبّ الذّريرة على الأكفان «8»، و ظاهره جعلها على جميع قطع الكفن، و قد سبق استحباب جعلها على القطن الّذي يوضع على الفرجين، و ذكره‌

______________________________
(1) المعتبر 1: 288.

(2) الفقيه 1: 88 حديث 405.

(3) الذكرى: 49.

(4) الكافي 3: 145 حديث 10، التهذيب 1: 308 حديث 895.

(5) الكافي 3: 144 حديث 8، التهذيب 1: 309 حديث 899.

(6) المبسوط 1: 179.

(7) التهذيب 1: 309 حديث 888.

(8) الذكرى: 47.

393
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثاني: في الكيفية ؛ ج 1، ص : 387

و كتبه اسمه و أنّه يشهد الشهادتين و أسماء الأئمة عليهم السلام (1)

______________________________
الشّيخ في المبسوط
«1» و غيره «2» و في المنتهى: لا يستحبّ نثرها على اللّفافة الطّاهرة «3».

و قد اختلفت عبارة الأصحاب في الذّريرة اختلافا كثيرا، لم يرجع فيه إلى أمر بيّن، فقيل: إنها فتات قصب الطيب الّذي يجاء به من الهند كأنه قصب النشاب «4»، و قيل: هي أخلاط من الطيب تسمى بذلك «5»، و قيل: هي نبات طيب غير الطّيب المعهود تسمّى القمحان بالضمّ و التّشديد «6»، و في المعتبر: هي الطّيب المسحوق «7»، و قيل غير ذلك «8»، و مقالة صاحب المعتبر لا تخلو من قرب، فان اللّفظ إنما يحمل على المتعارف الشائع الكثير، إذ يبعد استحباب ما لا يعرف، أو لا تعرفه الافراد من النّاس، و به صرّح المصنّف في التّذكرة «9».

قوله: (و كتبة اسمه و أنه يشهد الشهادتين و أسماء الأئمة عليهم السّلام)

(1) أي: و يستحب كتبة اسمه إلى آخره على ما يأتي ذكره، و زاد في الذّكرى الكتابة على العمامة، و نقل ذلك عن الشّيخ في المبسوط «10»، و ابن البرّاج «11» معلّلا‌

______________________________
(1) المبسوط 1: 179.

(2) ذهب الى ذلك الصدوق في الفقيه 1: 92، و المفيد في المقنعة: 11.

(3) المنتهى 1: 440.

(4) ذهب اليه الشيخ في التبيان كما نقل ذلك كثير منهم ابن إدريس و الشهيد و صاحب مفتاح الكرامة و غيرهم.

(5) هذا القول للصنعاني كما في الذكرى: 47.

(6) هذا القول لابن إدريس في السرائر: 32.

(7) المعتبر 1: 284.

(8) قال الشيخ في النهاية 32: الذريرة المعروفة بالقمحة، و قال في الذكرى 47: و قال المسعودي: من الأفاوية الخمسة و العشرين قصب الذريرة و الورس و السليخة و اللاذن و الزياد. و قال الراوندي: قيل:

انها حبوب تشبه الحنطة التي تسمى القمح تدق تلك الحبوب كالدقيق لها ريح طيب، قال: و قيل: الذريرة هي الورد و السنبل و القرنفل و القسط و الأشنة و كلها نبات و يجعل فيها اللاذن و يدق جميع ذلك و يجعل ذريرة.

(9) التذكرة 1: 44.

(10) المبسوط 1: 177.

(11) المهذب: 1: 61.

394
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثاني: في الكيفية ؛ ج 1، ص : 387

بتربة الحسين عليه السّلام إن وجد، فان فقد فبالإصبع، و يكره بالسواد- (1)

______________________________
بعدم تخصيص الخبر
«1» و لو تعدّدت اللّفافة كما في بدل النمط، و كذا النمط فلا تصريح بالكتابة على الجميع و يمكن تنزيل اللّفافة في كلامهم على الجنس، و لا بأس بها لثبوت أصل الشّرعية، و ليس في زيادتها إلّا زيادة الخير.

و الأصل في استحباب الكتابة ما روي أنّ الصّادق عليه السّلام كتب على حاشية كفن ولده إسماعيل: «إسماعيل يشهد أن لا إله إلّا اللَّه» «2» و زاد الأصحاب:

و أن محمّدا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله (و أسماء الأئمّة عليهم السّلام).

و في الذّكرى: بعد الشّهادتين «3» و زاد الشّيخ في النّهاية «4» و المبسوط «5» و الخلاف «6» أسماء النّبي صلّى اللَّه عليه و آله، و الأئمّة عليهم السّلام، و ظاهره في الخلاف دعوى الإجماع عليه.

و لم يذكر الأصحاب استحباب كتبة شي‌ء غير ما ذكر، و لم ينقل شي‌ء يعتدّ به يدل على الزّيادة، و إعراض الأصحاب عن التّعرض للزّيادة يشعر بعدم تجويزه، مع أن هذا الباب لا مجال للرأي فيه، فيمكن المنع، و في الذّكرى احتمل الأمرين «7».

قوله: (بتربة الحسين عليه السّلام إن وجد، فان فقد فبالإصبع، و يكره بالسّواد).

(1) استحباب الكتابة بتربة الحسين عليه السّلام، ذكره الأصحاب «8» لأنّها تتخذ للبركة، و هي مطلوبة حينئذ، و ينبغي أن تبل التّربة، كما صرّح به المفيد «9»

______________________________
(1) الذكرى: 49.

(2) التهذيب: 1: 309 حديث 898.

(3) الذكرى: 49.

(4) النهاية: 32.

(5) المبسوط 1: 177.

(6) الخلاف 1: 165 مسألة 39 كتاب الجنائز.

(7) الذكرى: 49.

(8) منهم: الشيخ في المبسوط 1: 177، و ابن البراج في المهذب 1: 60، و الشهيد في الذكرى: 20.

(9) قال العلامة في المنتهى 1: 441: (قال المفيد- رحمه اللَّه- في رسالته الى ولده: بل التربة.)، و كذا ابن إدريس في السرائر: 32.

395
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثاني: في الكيفية ؛ ج 1، ص : 387

على الحبرة، و القميص، و الإزار، و الجريدتين. و خياطة الكفن بخيوط منه، (1) و سحق الكافور باليد، (2) و وضع الفاضل على الصدر،

______________________________
و غيره
«1»، لتكون الكتابة مؤثرة حملا على المعهود، و مع عدمها فبطين و ماء، و مع عدمه فبالإصبع، كما ذكره في الذّكرى «2».

و نقل عن الغريّة للمفيد أن الكتابة بالتّربة أو غيرها من الطّين، و عن ابن الجنيد أنّها بالطين و الماء «3» و لم يعيّن، فلا وجه للانتقال إلى الإصبع مع فقد التّربة الشّريفة، نعم إن وجدت هي تعيّنت للفضيلة، و الكتابة بالإصبع ذكرها الأصحاب «4».

و كما يكره بالسّواد يكره بغيره من الأصباغ، كما ذكره المفيد «5» و غيره «6»، لأن فيه خروجا عن التكفين بالبياض، و مخالفة للنّهي عن التّكفين بالسّواد «7».

قوله: (و خياطة الكفن بخيوط منه).

(1) قاله الشّيخ «8» و الأصحاب «9».

قوله: (و سحق الكافور باليد).

(2) ذكر ذلك جماعة من الأصحاب «10»، و أسنده في المعتبر الى الشّيخين، قال: و لم أتحقق مستنده «11»، و في المبسوط: يكره سحقه بحجر أو غير ذلك «12».

______________________________
(1) منهم ابن إدريس في السرائر: 32، و العلامة في المختلف: 46.

(2) الذكرى: 49.

(3) نقله العلامة في المختلف: 46.

(4) منهم: سلار في المراسم: 48، و العلامة في المختلف 46، و الشهيد في الذكرى: 49.

(5) المقنعة: 11.

(6) منهم: العلامة في المنتهى 1: 441، و الشهيد في الدروس: 11.

(7) الكافي 3: 149 حديث 11، التهذيب 1: 434، 435 حديث 1394، 1395.

(8) المبسوط 1: 177.

(9) منهم: المحقق في الشرائع 1: 40، و ابن سعيد في الجامع للشرائع: 54، و الشهيد في اللمعة: 42.

(10) منهم: الشيخ في المبسوط 1: 179، و النهاية: 36، و الشهيد في البيان: 26.

(11) المعتبر 1: 287.

(12) المبسوط 1: 179.

396
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثاني: في الكيفية ؛ ج 1، ص : 387

و طي جانب اللفافة الأيسر على الأيمن (1) و بالعكس.

و يكره بل الخيوط بالريق، (2) و الأكمام المبتدأة، (3) و قطع الكفن

______________________________
قوله: (و طيّ جانب اللّفافة الأيسر على الأيمن).

(1) أي: على أيمن الميّت تيمنا بالتيامن، و العكس طي أيمن اللّفافة على أيسر الميّت.

قوله: (و يكره بلّ الخيوط بالرّيق).

(2) قال في المعتبر: ذكره الشّيخ «1» و رأيت الأصحاب يجتنبونه، و لا بأس بمتابعتهم لإزالة الاحتمال، و وقوفا على موضع الوفاق «2»، و يظهر من تقييد الكراهيّة بكون بلّها بالرّيق عدم كراهة غيره، و به صرّح في الذّكرى للأصل «3».

قوله: (و الأكمام المبتدأة).

(3) قاله الجماعة «4» و هو في مرسلة محمّد بن سنان عمن أخبره عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام «5»، و احترز بالمبتدئة عمّا لو كفن في قميصه، فإنّه لا يقطع كمّه، إنّما يقطع منه الأزرار خاصّة لما في هذه الرّواية، قال في المنتهى: و يستحب أن يكفن في الجديد بلا خلاف لأن النّبي صلّى اللّه عليه و آله كذا كفن «6»، و كذا الأئمّة «7» عليهم السّلام «8» و في رواية عن الرّضا عليه السّلام أفضلية الثّوب الّذي كان يصلّي فيه الرّجل و يصوم «9».

قوله: (و قطع الكفن بالحديد).

______________________________
(1) المبسوط 1: 177.

(2) المعتبر 1: 289.

(3) الذكرى: 49.

(4) و به قال الشيخ في المبسوط 1: 177، و الشهيد في الذكرى: 49.

(5) الفقيه 1: 90 حديث 418 و رواه بدون ذكر محمد بن سنان، التهذيب 1: 305 حديث 886.

(6) الكافي 3: 143 حديث 2، الفقيه 1: 93 حديث 421، التهذيب 1: 291، 292 حديث 850، 853.

(7) التهذيب 1: 449 حديث 1453.

(8) المنتهى 1: 441.

(9) التهذيب 1: 292 حديث 855.

397
جامع المقاصد في شرح القواعد1

تتمة ؛ ج 1، ص : 398

بالحديد، (1) و جعل الكافور في سمعه و بصره.

[تتمة]

تتمة:

لا يجوز تطييب الميت بغير الكافور و الذريرة، و لا يجوز تقريبهما من المحرم و لا غيرهما من الطيب في غسل و حنوط، (2) و لا يكشف رأسه، (3) و لا تلحق المعتدة و لا المعتكف به.

و كفن المرأة واجب على زوجها و ان كانت موسرة. (4)

______________________________
(1) قال الشّيخ: سمعناه مذاكرة من الشّيوخ، و عليه كان عملهم
«1».

قوله: (و لا يجوز تقريبهما من المحرم، و لا غيرهما من الطيب في غسل و حنوط.).

(2) هذا الحكم متّفق عليه بين الأصحاب.

قوله: (و لا يكشف رأسه).

(3) هذا قول أكثر الأصحاب «2»، لما رواه محمّد بن مسلم عن الباقر و الصّادق عليهما السّلام قال: سألتهما عن المحرم كيف يصنع به إذا مات؟ قال: «يغطى وجهه، و يصنع به كما يصنع بالحلال، غير أنّه لا يقرب طيبا» «3»، و قال المرتضى «4»، و ابن ابي عقيل «5»: إن إحرامه باق فلا يقرب طيبا، و لا يخمر رأسه، و المعتمد الأوّل.

و لا تلحق به المعتدة لأن وجوب الحداد للتفجع بالزّوج و قد زال بالموت، و لا المعتكف و إن حرم عليه الطّيب حيّا لعدم النّص، و زوال التّكليف بالموت المقتضي لسقوط حكم الاعتكاف و غيره.

قوله: (و كفن المرأة الواجب على زوجها و ان كانت موسرة).

(4) الأصل في ذلك ما رواه السّكوني، عن الصّادق عليه السّلام، عن أبيه‌

______________________________
(1) التهذيب 1: 294.

(2) منهم: ابن حمزة في الوسيلة: 60، و الشهيد في البيان: 28.

(3) التهذيب 1: 330 حديث 965.

(4) قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة 1: 459: (إن هذا القول محكي عن السيد).

(5) نقله عنه في المختلف: 44.

398
جامع المقاصد في شرح القواعد1

تتمة ؛ ج 1، ص : 398

..........

______________________________
عليه السّلام: «إن عليّا عليه السّلام قال: على الزّوج كفن امرأته إذا ماتت»
«1»، و لثبوت الزّوجية إلى حين الوفاة، و لأن من وجبت نفقته و كسوته حال الحياة وجب تكفينه كالمملوك، فكذا الزّوجة، هكذا علل في التّذكرة «2».

و مما علل به في الذّكرى أنّها زوجة لآية الإرث فتجب مؤنتها لأنّها من أحكام الزّوجية «3»، و قريب منه تعليل المعتبر «4»، و ظاهر ذلك يقتضي قصر الوجوب على الزّوجة الدّائمة الممكّنة، فلا يجب للمستمتع بها، و لا للناشز، و في الذّكرى: إن التعليل بالإنفاق ينفي وجوب الكفن للناشز و إطلاق الخبر يشمله، و كذا المستمتع بها «5»، فظاهره التّوقف.

و أقول: إنّ عدم تعلق وجوب الإنفاق بالزوج لهما حال الحياة لعدم صلاحيّة الزّوجية في المستمتع بها لذلك، و ثبوت المانع منه في النّاشز- و هو النّشوز- يقتضي عدم تعلق الحكم، لوجوب الكفن بعد الموت بطريق أولى، لأن الزّوجية تزول حينئذ أو تضعف، و لهذا تحل له أختها و الخامسة، فيقيد بذلك إطلاق الخبر مع ضعفه، و لعلّ عدم الوجوب أظهر. و لا فرق في الزّوجة بين الحرة و المملوكة، و المطلقة رجعية زوجة بخلاف البائن.

و تجب أيضا مؤنة التجهيز كالحنوط و غيره من الواجب لما سبق، صرح بذلك في المبسوط «6»، و جماعة من الأصحاب «7»، و لا فرق في وجوب ذلك بين أن يكون لها مال أولا. و لو أعسر عن الكفن بأن لا يفضل شي‌ء عن قوت يوم و ليلة له و لعياله و ما يستثني من الدين كفنت من تركتها، و علله المصنّف بأن الإرث بعد الكفن.

______________________________
(1) التهذيب 1: 445 حديث 1439.

(2) التذكرة 1: 44.

(3) الذكرى: 50.

(4) المعتبر 1: 307.

(5) الذكرى: 51.

(6) المبسوط 1: 188.

(7) منهم: ابن إدريس في السرائر: 34، و الشهيد في الدروس: 11.

399
جامع المقاصد في شرح القواعد1

تتمة ؛ ج 1، ص : 398

و ان يؤخذ الكفن أولا من أصل المال، ثم الديون، ثم الوصايا، ثم الميراث. (1)

______________________________
و يشكل بأنه لو ملك شيئا قبل تكفينها تعلق الوجوب به و سقط عن تركتها، و لو أعسر عن البعض أخذ من تركتها. و لو ماتا معا لم يجب كفنها لخروجه عن التّكليف، صرّح به في الذّكرى
«1»، بخلاف ما لو مات بعدها.

و لو لم يكن إلّا كفن واحد فالظّاهر اختصاصه به لأنّه لم يتعيّن لها، و الوجوب السّابق يسقط لطروء عجزه بموته المقتضي لتقدّمه بكفنه على جميع الديون، و ظاهر أنّها لو أوصت بالكفن في موضع وجوبه عليه كان من ثلث مالها، و هنا مباحث:

أولا: المملوك كالزّوجة بل أولى، لأن كفنه مؤنة محضة، و كذا مؤن تجهيزه، و لا فرق بين القنّ و غيره حتى المكاتب، لأنّ الكتابة بالنّسبة إليه تبطل بالموت، و لو كانت مطلقة و أدى شيئا وجب من الكفن على المولى بقدر ما بقي منه رقا.

ثانيا: لا يلحق واجب النفقة بالزّوجة للأصل، و وجوب الإنفاق حال الحياة انتفى بالموت.

ثالثا: لو كان مال الزوج مرهونا لم يجب عليه كفنها لامتناع تصرّفه بالرّهن، إلا أن يبقى بعد الدّين بقية فيجب التوصّل إلى صرفها في الكفن بحسب الممكن شرعا كما في نفقة الزّوجة.

رابعا: لو وجد الكفن و يئس منها أمكن كونه ميراثا لثبوت استحقاقها له، و يمكن اختصاص الزّوج به لعدم القطع بخروجه عن ملكه.

قوله: (و يؤخذ الكفن أوّلا من صلب المال ثم الدّيون، ثم الوصايا، ثم الميراث).

(1) لا خلاف بين علمائنا في ذلك، و عليه أكثر العامة الا من شذّ منهم، و يدلّ على ذلك قول النّبي صلّى اللَّه عليه و آله في الذي و قصت به راحلته: «كفنوه في ثوبه» «2»، و لم يسأل عن ثلثه، و لأن الإرث بعد الدّين و المؤنة قبله، و ليس الوجوب منحصرا في ساتر العورة.

______________________________
(1) الذكرى: 51.

(2) الذكرى: 50 و فيه: بثوبيه، صحيح البخاري 2: 96 كتاب الجنائز و فيه: بثوبين.

400
جامع المقاصد في شرح القواعد1

تتمة ؛ ج 1، ص : 398

..........

______________________________
و المراد بقوله: (أولا) تقدمه على كلّ حق، و هو واضح في الديون المتعلّقة بالذمة قبل الموت، فان تعلّقها بالتركة متأخر عن الموت، فلا تزاحم الكفن و إن كان الميّت مفلّسا.

أما المرهون و الجاني ففي أخذ الكفن منهما تردّد من أن مقتضى الرّهن و الجناية الاختصاص، و من بقائهما على الملك، و إطلاق تقديم الكفن على الدّين في الأخبار «1» و كلام الأصحاب، و يمكن الفرق بين المرهون و الجاني، لأن المرتهن إنّما يستحق من قيمته و لا يستقل بالأخذ بخلاف المجني عليه.

و يمكن الفرق بين كون الجناية، خطأ و عمدا و الحكم موضع تردّد، و إن كنت لا أستبعد تقديم الكفن في الرّهن، و هذا إذا لم تكن الجناية أو الرّهن بعد الموت، فانّ الكفن مقدم حينئذ جزما.

و لا يخفى أن المراد بقوله: (من صلب المال) أنّه لا يحسب من الثّلث، و هذا في الواجب خاصة دون ما زاد، فإنّه مع الوصيّة من الثّلث، و بدونها موقوف على تبرّع الوارث.

و لو أوصى بإسقاطه فالوارث بالخيار، و قيل: تنفذ وصيته، و المعقول منه منع النّدب من الوارث و غيره، و ليس بشي‌ء.

و لو ضاقت التركة عن الكفن فالممكن، و لو أمكن ثوبان فاللفافة لا بدّ منها، و يبقى تقديم كل من الآخرين محتملا، المئزر لسبقه، و القميص لأنه مئزر و زيادة. و لو قصر عنه غطى رأسه و جعل على رجليه حشيش و نحوه كما فعل النّبي صلّى اللَّه عليه و آله ببعض أصحابه «2». و لو كثر الموتى و قلت الأكفان، قيل: يجعل اثنان و ثلاثة في ثوب واحد، و مال إليه في المعتبر «3»، و هو مرويّ عن فعل النّبي صلّى اللَّه عليه و آله في قتلي أحد من طرق العامّة «4»، و لا يخفى أن الدّيون مقدّمة على الوصايا، و هما مقدّمان على‌

______________________________
(1) الكافي 7: 23 باب أنه يبدأ بالكفن ثم بالدين ثم بالوصية، و الفقيه 4: 143 حديث 488، التهذيب 9: 171 حديث 698.

(2) صحيح البخاري 2: 98 كتاب الجنائز.

(3) المعتبر 1: 331.

(4) سنن الترمذي 2: 241 حديث 1021 كتاب الجنائز.

401
جامع المقاصد في شرح القواعد1

تتمة ؛ ج 1، ص : 398

و لو لم يخلف شيئا دفن عاريا، و لا يجب على المسلمين بذل الكفن بل يستحب. نعم يكفّن من بيت المال (1) إن كان. و كذا الماء و الكافور و السدر و غيره.

______________________________
الميراث.

فرع: لو وجد الكفن و يئس من الميّت فهو ميراث، و لو كان من بيت المال، أو الزّكاة، أو تبرع به متبرّع عاد كما كان لعدم سبب ناقل.

قوله: (و لو لم يخلّف شيئا دفن عاريا، و لا يجب على المسلمين بذل الكفن، بل يستحبّ، نعم يكفن من بيت المال.)

(1) صرّح كثير من الأصحاب بأنّه إذا لم يخلف الميت شيئا يدفن عاريا «1»، و يجب ستر عورته بشي‌ء و الصّلاة عليه قبل الدّفن، فان تعذّر وضع في القبر و ستر بنحو تراب و صلّي عليه، و لا يجب على المسلمين بذل الكفن لأصالة البراءة، بل يستحبّ استحبابا مؤكّدا لرواية سعيد بن طريف عن أبي جعفر عليه السّلام: «من كفن مؤمنا كان كمن ضمن كسوته إلى يوم القيامة» «2»، و كذلك القول في باقي مؤن تجهيزه من نحو السدر و الكافور و الماء.

و لو كان بيت مال المسلمين موجودا أخذ الكفن منه، و كذا باقي المؤن، و الظاهر أنّه على طريق الوجوب، لأن بيت المال معدّ لمصالح المسلمين.

و المراد ببيت المال: الأموال الّتي تستفاد من خراج الأرضين المفتوحة عنوة، و سهم سبيل اللَّه من الزّكاة، على القول بأن المراد به كل قربة لا الجهاد وحده، و لو أمكن الأخذ من سهم الفقراء و المساكين من الزّكاة جاز، لأن الميّت أشدّ فقرا من غيره. و هل يجب؟ الظاهر نعم، روى الفضل بن يونس، عن أبي الحسن عليه السّلام:

«كان أبي يقول: إنّ حرمة بدن المؤمن ميّتا كحرمته حيّا، فوار بدنه و عورته، و جهزه، و كفنه، و حنطه، و احتسب بذلك من الزّكاة» «3»، و في هذا الخبر الأمر بإعطاء عيال‌

______________________________
(1) منهم: ابن حمزة في الوسيلة: 57.

(2) الكافي 3: 164 حديث 1، الفقيه 1: 92 حديث 419 و هو عن الصادق (ع)، التهذيب 1: 450 حديث 1461.

(3) التهذيب 1: 445 حديث 1440.

402
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في الصلاة عليه ؛ ج 1، ص : 403

 

و يجب طرح ما سقط من الميت من شعره أو لحمه معه في الكفن. (1)

[الفصل الثالث: في الصلاة عليه]

الفصل الثالث: في الصلاة عليه و مطالبه خمسة:

[الأول: الصلاة واجبة على الكفاية]

الأول: الصلاة واجبة على الكفاية على كل ميت مظهر للشهادتين و ان كان ابن ست سنين ممن له حكم الإسلام، (2) سواء الذكر و الأنثى، و الحر و العبد.

______________________________
الميّت قدر ما يجهزونه، فان لم يكن له من يقوم بأمره جهزه غيرهم، فيكون الدّفع إلى الوارث أفضل إن وجد.

و فيه أنّه لو خلّف كفنا فتبرّع متبرّع بآخر يكفن بالمتبرّع به، و الآخر للورثة لا يقضى منه الدّين، لو كان معللا بأنّه شي‌ء صار إليه بعد الوفاة فلا يعد تركة، و لا يخفى أن للنظر فيه مجالا.

قوله: (و يجب طرح ما سقط من الميّت من شعره أو لحمه معه في الكفن).

(1) و ليكن بعد الغسل، نقل المصنّف في التذكرة إجماع العلماء على ذلك «1».

قوله: (الفصل الثّالث: في الصّلاة عليه و مطالبه خمسة:

الأوّل: الصّلاة واجبة على الكفاية على كلّ ميّت مظهر للشّهادتين و إن كان ابن ستّ سنين ممن له حكم الإسلام.).

(2) الميّت لا يتناول الأبعاض، فلا يصلّى عليها إلا الصدر، و سيأتي ذكره، و كذا القلب و أبعاضهما على ما سبقت الإشارة إليه من كونهما كالميّت.

أمّا عظام الميّت فيصلي عليها، للخبر عن الكاظم عليه السّلام في أكيل السّبع «2»، و ما الّذي يراد بعظام الميّت جميعها، حتّى لو نقصت عظما لم يصل عليها، أم المعظم؟ كلّ منهما محتمل، و في الثّاني قرب، نظرا إلى الصدق، فلا أثر لفقد عظم نحو اليد و الرّجل، و عن المصنّف أن مجموع ما عدا الصّدر كالميّت، محكي في حواشي الشّهيد.

______________________________
(1) التذكرة 1: 45.

(2) الفقيه 1: 96 حديث 444.

 

403
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: الصلاة واجبة على الكفاية ؛ ج 1، ص : 403

..........

______________________________
و لا يصلّى على العضو الواحد و إن كان تامّا سوى ما ذكر في أشهر الاخبار
«1»، و قال في التّذكرة إن الرّأس لا يصلّى عليه، و لا نعرف فيه خلافا للأصحاب «2».

و لو تعذّر تغسيل الصّدر و نحوه ممّا يغسّل، فالظاهر ان تيمّمه مشروط بوجود محلّ التيمّم، و حيث حكم بالصّلاة على الأبعاض فلا بدّ من العلم بموت صاحبها إجماعا، و هل ينوي الصّلاة عليه خاصّة، أم على الجملة؟ ظاهر المذهب الأوّل، لعدم الصّلاة على الغائب عندنا، و على هذا فتجب الصّلاة على الباقي لو وجد.

و المراد بمظهر الشّهادتين: من لم يعلم إنكاره ما علم من الدّين ضرورة، فلا يصلّى على الكافر أصليّا كان أو مرتدا، و لو ذمية حاملا من مسلم، و منه الخوارج و الغلاة و النواصب و المجسّمة، و غيرهم ممّن خرج عن الإسلام بقول أو فعل.

و لو وجد ميّت لا يعلم إسلامه ألحق بالدّار، إلا أن يغلب الظّن بإسلامه في دار الكفر لعلامة قوية، و في المعتبر نفى الحكم، و إن كان فيه علامات المسلم، معللا بأنه لا علامة إلا و يشارك فيها بعض أهل الكفر «3».

و يمكن أن يقال: لو اجتمع عدّة علامات تنتفي المشاركة في مجموعها ثبت الحكم، و لم يرد ما ذكره.

و في ولد الزّنى ما سبق في الغسل، و لقيط دار الإسلام بحكم المسلم، و كذا لقيط دار الكفر إذا كان فيها مسلم يمكن تولده عنه.

و منع جمع من الأصحاب الصّلاة على المخالف إلّا لتقية «4»، فيلعن حينئذ، و ظاهر كلام المتأخّرين يقتضي اختصاص ذلك بالنّاصب، و جوزوا الانصراف بالتكبيرة الرّابعة من غير لعن، و لم يصرّحوا بحكم الصّلاة على المخالف، و كيفيتها و إن كان ظاهر إطلاقهم الوجوب، و ينبغي أن يصلّى عليه بمذهب أهل الخلاف كتغسيله‌

______________________________
(1) الفقيه 1: 104 حديث 483، 484، التهذيب 1: 337 حديث 986.

(2) التذكرة 1: 46.

(3) المعتبر 1: 315.

(4) منهم: المفيد في المقنعة: 13، و أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 157، و الشهيد في الذكرى: 54.

404
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: الصلاة واجبة على الكفاية ؛ ج 1، ص : 403

و يستحب على من نقص سنّه عن ذلك إن ولد حيا، (1)

______________________________
إلزاما له بمذهبه، أمّا المستضعف فإنّه كالمؤمن في غير الدّعاء. و يكفي في إظهار الشّهادتين إشارة الأخرس إذا عقلت.

و قول المصنّف: (و إن كان ابن ستّ سنين ممن له حكم الإسلام).

حاول به إدراج الصّبي و المجنون اللذين هما بحكم المسلم في وجوب الصّلاة عليه، كما هو المشهور، و نفي جمع من الأصحاب الصّلاة على الصّبي، امّا إلى ان يبلغ «1»، أو إلى أن يعقل الصّلاة «2»، و الفتوى على المشهور لكثرة الأخبار الدّالة عليه «3»، و المراد ب‍ (ابن السّت) من استكملها، لا من طعن فيها، فعلى هذا يتناول كل من حكم بإسلامه ممّن سبق، لكن على ظاهر العبارة مؤاخذتان:

إحداهما: أنّ الطفل الّذي بحكم المسلم، و إن لم يكن مظهرا للشّهادتين، على أن إظهاره لهما غير معتبر، فإن إظهاره و عدمه سواء ما لم يبلغ، إلا أن يقال: أن المراد إظهار الشّهادتين حقيقة أو حكما، و غايته استعمال اللفظ في حقيقته و مجازه معا.

الثّانية: ان عطف جملة (إن) الوصلية في العبارة يقتضي وجوب الصّلاة على من لم يبلغ السّت، إذ التقدير: إن لم يكن ابن ست أو كان، و لو قدرت الواو حالية لأشكل من حيث أنّ من زاد على السّت لا يقال له: ابن ست، نعم، يقال: بلغها.

و يمكن أن يقال: العطف ب‍ (ان) يشعر بأن أبعد الأفراد و أخفاها، و نهايتها في ثبوت الحكم الفرد الّذي في حيّزها، فيقتضي هنا أن من له دون السّت لا يصلّى عليه. و لو حذف الواو و أتى ب‍ (بلغ) مكان (ابن) لكان أولى، و يسلم عن التّكليف، و لا يخفى أنّه لا فرق في ذلك بين الذكر و الأنثى، و الحرّ و العبد.

قوله: (و يستحبّ على من نقص سنه عن ذلك إن ولد حيّا).

(1) منع بعض متقدّمي الأصحاب من الصّلاة على الصبي إلى أن يعقل‌

______________________________
(1) ذهب الى ذلك ابن ابي عقيل كما في المختلف: 119، و الحسن بن عيسى كما في مفتاح الكرامة 1: 462.

(2) ممن ذهب اليه الصدوق في المقنع: 21، و المفيد في المقنعة: 38، و الجعفي كما في مفتاح الكرامة 1: 462.

(3) الكافي 3: 206، 207 حديث 2، 4، الفقيه 1: 104، 105 حديث 486، 487، التهذيب 2: 198 حديث 456، الاستبصار 1: 479 حديث 1855.

405
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: الصلاة واجبة على الكفاية ؛ ج 1، ص : 403

و لا صلاة لو سقط ميتا و ان ولجته الروح، (1)

______________________________
الصّلاة
«1»، و أوجبها ابن الجنيد على المستهل «2»، و هو الّذي ولد حيّا، يقال: استهل الصّبي إذا صاح عند الولادة، و المشهور الاستحباب، لقول الصّادق عليه السّلام: «إذا استهل فصلّ عليه» «3».

قوله: (و لا صلاة لو سقط ميّتا و إن ولجته الرّوح).

(1) لو خرج شي‌ء منه حيّا فاستهل ثم مات قبل خروج جميعه، فمقتضى قوله عليه السّلام: «إذا استهل فصل عليه، و ورّثه» «4» تعلق الحكم من استحباب الصّلاة و الإرث به، و مقتضى قوله عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام: «يورث الصّبي و يصلّى عليه إذا سقط من بطن أمه فاستهل صارخا» «5» العدم.

و مفهوم الشّرط في الثّاني يقيّد به إطلاق الأوّل، لكن قال المصنّف في التّذكرة: لو خرج بعضه و استهل، ثم مات استحب الصّلاة عليه، و لو خرج أقله لحصول الشّرط و هو الاستهلال «6»، و به صرّح في المعتبر «7» و الذّكرى «8» محتجا بدخوله في قوله عليه السّلام: «إذا استهل السّقط صلّي عليه» «9»، و كأنه لم يعتبر الخبر الثّاني، فإنّه رواية السّكوني «10» و هو ضعيف.

و لا فرق في عدم الصّلاة عليه إذا ولد ميّتا، بين أن تلجه الرّوح ببلوغ أربعة أشهر كما ورد انّه تنفخ فيه الرّوح بعد الأربعة «11» أو لا.

______________________________
(1) منهم: الصدوق في المقنع: 21، و المفيد في المقنعة: 38، و الجعفي كما في مفتاح الكرامة 1: 462.

(2) نقله عنه في المختلف: 119.

(3) التهذيب 3: 199 حديث 459.

(4) التهذيب 3: 199 حديث 459.

(5) التهذيب 3: 331 حديث 1035.

(6) التذكرة 1: 45.

(7) المعتبر 2: 345.

(8) الذكرى: 54.

(9) مضمون رواية في التهذيب 3: 199 حديث 459.

(10) التهذيب 3: 331 حديث 1035.

(11) تفسير القمي 2: 91.

406
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: الصلاة واجبة على الكفاية ؛ ج 1، ص : 403

و الصدر كالميت. و الشهيد كغيره، و لا يصلّى على الأبعاض غير الصدر و ان علم الموت، (1) و لا على الغائب. (2) و لو امتزج قتلي المسلمين بغيرهم صلّي على الجميع و أفرد المسلمون بالنية. (3)

______________________________
قوله: (و لا يصلى على الأبعاض غير الصّدر و إن علم الموت).

(1) ردّ بذلك قول جمع من العامة، بأن الصّلاة على الأبعاض- و لو غير الصّدر- واجبة.

قوله: (و لا على الغائب).

(2) المراد به من لم يشاهده المصلّي حقيقة و لا حكما، أو من كان بعيدا بما لم تجر العادة به، و المتبادر من الغائب هو المعنى الثّاني، و إن كان قد ذكر كلّا من المعنيين في الذّكرى «1» و اعتبرنا في المعنى الأوّل نفي المشاهدة بالاعتبارين، لئلا ترد الصّلاة على القبر، فان الميّت في حكم المشاهد.

لكن لا بدّ أن يعلم أن الصّلاة مع الحائل المانع من المشاهدة نحو القبر لا يجوز اختيارا، و لو اضطر إلى الصّلاة على الميّت من وراء جدار ففي الصّحة تردد نظرا الى المعهود، و التفاتا إلى جواز الصّلاة على القبر.

قوله: (و لو امتزج قتلي المسلمين بغيرهم صلّي على الجميع و أفرد المسلمين بالنّية).

(3) المراد بذلك عند الاشتباه، و إن كان قوله: (امتزج) مطلقا، و المراد بأفراد المسلمين بالنية إيقاع الصّلاة على المسلمين من هؤلاء، و في إطلاق كون ذلك صلاة على الجميع توسع، و إنّما وجب ذلك لتوقّف الواجب عليه، و المروي عن الصّادق عليه السّلام انّ النّبي صلّى اللَّه عليه و آله في يوم بدر أمر بمواراة كميش الذّكر، أي صغيره، و قال: «لا يكون إلا في كرام النّاس» «2» قال في الذّكرى: فحينئذ يمكن العمل به في الصّلاة في كلّ مشتبه، لعدم تعقل معنى في اختصاص الشّهيد «3».

______________________________
(1) الذكرى: 54.

(2) التهذيب 6: 172 حديث 336.

(3) الذكرى: 54.

407
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثاني: في المصلي ؛ ج 1، ص : 408

[المطلب الثاني: في المصلي]

المطلب الثاني: في المصلي.

و الأولى بها هو الأولى بالميراث، (1) فالابن أولى من الجد، و الأخ من الأبوين أولى من الأخ لأحدهما، و الأب أولى من الابن،

______________________________
و اختار في المبسوط الصّلاة على الجميع، و احتاط بالصّلاة على كل واحد واحد بشرط إسلامه
«1»، و الأوّل أقرب إلى الجزم بالنية، و يظهر من المعتبر «2» ترجيح الصّلاة على الجميع، حيث صوّب مواراة الجميع ترجيحا لجانب حرمة المسلم و لعله إنما لم يلتفت الى الرواية لضعفها، و لا تعتبر القرعة هاهنا.

قوله: (و الأولى بها هو الأولى بالميراث).

(1) يدل على ذلك آية أولوا الأرحام «3»، و قول الصّادق عليه السّلام: «يصلّي على الجنازة أولى النّاس بها» «4»، و لا خلاف في أنّ الزوج أولى من كل أحد بالصّلاة على الزّوجة لخبر أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام: «الزّوج أحق بالصّلاة على الزّوجة مطلقا و من الأب و الأخ و الولد» «5» و الظاهر أن الزّوجة ليست كذلك، و هل يفرّق بين المستمتع بها و غيرها، و الحرة و المملوكة؟ إطلاق النّص يقتضي عدم الفرق.

و لو فقد الزّوج فالأب، ثم الولد، ثم ولد الولد، ثم الجدّ للأب، ثم الأخ للأبوين، ثم للأب، ثم للأم، ثم العم، ثم الخال، ثم ابن العم، ثم ابن الخال، ثم المعتق، ثم الضامن، ثم الحاكم، ثم عدول المسلمين.

و هذا التّرتيب لا يتمّ تعليله بأولويّة الإرث لتخلفه في الأب، و الولد، و الجدّ، و الأخ، و العمّ، و الخال، فإنّ الأبوين و الأولاد في مرتبة، و كذا الباقون، و لو أريد بالأولويّة كثرة النّصيب تخلف ذلك في الأب مع الولد، و لهذا عدوه في باب الغرقى‌

______________________________
(1) المبسوط 1: 182.

(2) المعتبر 1: 315.

(3) الأنفال: 75.

(4) الكافي 3: 177 حديث 1، 5، التهذيب 3: 204 حديث 483.

(5) الكافي 3: 177 حديث 2، 3، الفقيه 1: 102 حديث 474، التهذيب 3: 205 حديث 484، الاستبصار 1: 486 حديث 1883.

408
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثاني: في المصلي ؛ ج 1، ص : 408

و الزوج أولى من كل أحد، (1) و الذكر من الوارث أولى من الأنثى، (2) و الحر أولى من العبد. (3)

______________________________
أضعف، و الجد مساو للأخ في الإرث.

و يمكن التّعليل به أكثري، و عارض في الأب قوة جانبه بثبوت الولاية له على الولد، مع المساواة في مرتبة الإرث، و في الجدّ اختصاصه بالتولد، و عن ابن الجنيد تقديم الجدّ، ثم الأب، ثم الولد «1»، و المشهور الأوّل.

و اعلم أنّ في عبارة المصنّف لطيفة، و هي تأخير أولوية الأب على الابن، و الزّوج على من سواه، لأن كلا من الاولويتين غير متفرّعة على الأولويّة في الإرث، فمن ثم ابتدأ بأولويّة الابن على الجدّ و أخر الأب.

و اعلم أن ظاهر العبارة حصر الولاية فيمن ذكر، فالموصى إليه بالصّلاة من الميّت لا ولاية له إلا أن يقدمه الولي لإطلاق الآية «2».

و يمكن أن يقال: إطلاق وجوب الوفاء بالوصيّة يقتضي ثبوت الولاية له، و لأن الميّت ربما آثر شخصا لعلمه بصلاحه فطمع في إجابة دعائه، فمنعه من ذلك و حرمانه ما أمله بعيد، و هو منقول عن ابن الجنيد «3».

و قوله: (و الزّوج أولى من كل أحد).

(1) يريد به أولويته مطلقا، حتّى على سيّد الأمة لو كانت مملوكة على ما سبق.

قوله: (و الذّكر من الوارث أولى من الأنثى).

(2) فالأب أولى من الأم، و الأخ أولى من الجدّة، و كذا في كلّ مرتبة، و لو كان الذّكر ناقصا- بنحو صغر و جنون- لم يكن بعيدا القول بأن الولاية للأنثى من طبقته لأنه في حكم المعدوم، و عند عدمه فالولاية لها جزما، و مع فقد الكامل في تلك الطبقة ففي الانتقال إلى الأبعد تردّد، فان لم نقل به فالولاية إلى وليّه.

قوله: (و الحرّ أولى من العبد).

(3) لا ولاية للعبد أصلا، لانتفاء الإرث في حقّه.

______________________________
(1) حكاه عنه في المختلف: 45.

(2) الأنفال: 75.

(3) حكاه عنه في المختلف: 120.

409
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثاني: في المصلي ؛ ج 1، ص : 408

و انما يتقدّم الولي مع اتصافه بشرائط الإمامة، (1) و إلّا قدّم من يختار، (2) و لو تعددوا (3) قدّم الأفقه، فالأقرأ، (4)

______________________________
قوله: (و إنّما يتقدّم الوليّ مع اتصافه بشرائط الإمامة).

(1) أي: من العدالة و طهارة المولد، و غير ذلك من الشّرائط الّتي ستأتي في الجماعة، لإطلاق اعتبارها في جواز الاقتداء، و لا بدّ مع ذلك من علمه بالأحكام الواجبة في صلاة الجنازة.

قوله: (و إلّا قدّم من يختاره).

(2) أي: و إن لم يتّصف بتلك الشرائط قدم من يختاره ممن يتّصف بذلك، فان لم يختر أحدا سقط اعتباره لأنّ الجماعة أمر مهمّ مطلوب فلا يتعذر بامتناعه من الاذن، بل يصلّي الحاكم، أو يأذن إن كان موجودا، و إلّا قدّم عدول المسلمين من يختارونه. و لا يخفى أنّ إذن الوليّ إنّما يعتبر في الجماعة لا في أصل الصّلاة لوجوب ذلك على الكفاية، فكيف يناط برأي أحد من المكلّفين؟ فلو صلّوا فرادى بغير إذن أجزأ.

قوله: (و لو تعدّدوا).

(3) أي: الأولياء، بأن كانوا في مرتبة واحدة و تشاحوا، أو تحمل العبارة على ما هو أعمّ من ذلك لتكون المسائل الآتية جميعها تفصيلا لها، فينزّل على من له حق الإمامة إمّا بكونه وليا، أو بصلاحيته لها باستجماع الشّرائط.

قوله: (قدّم الأفقه، فالأقرأ).

(4) أي: إن كان وليّا، و إلا فالأولى للولي تقديمه، هذا هو مختار المحقق في الشّرائع «1»، لأن القراءة هنا ساقطة و فيه ضعف، لأن كثيرا من مرجّحات القراءة معتبرة في الدّعاء، و لأن اعتبار سقوط القراءة يقتضي عدم ترجيح الأقرأ أصلا، و لعموم قوله صلّى اللَّه عليه و آله: «يؤمكم أقرؤكم» «2»، فيرجح الأقرأ، و هو المشهور بين الأصحاب و عليه الفتوى.

و المراد بالأفقه: الأعلم بفقه الصّلاة، و بالأقرإ: الأعلم بمرجحات القراءة لفظا‌

______________________________
(1) الشرائع 1: 105.

(2) الكافي 3: 376 حديث 5، التهذيب 3: 32 حديث 113 و فيهما: (يؤمهم أقرؤهم).

410
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثاني: في المصلي ؛ ج 1، ص : 408

فالأسن، فالأصبح. (1)

______________________________
و معنى.

قوله: (فالأسن، فالأصبح).

(1) لعلّ تقديمه لما روي عنه صلّى اللَّه عليه و آله: «إنّ اللَّه لا يردّ دعوة ذي الشّيبة المسلم» «1»، و المراد به الأسنّ في الإسلام، كما صرّحوا به في باب الجماعة، فلو كان واحد سنه خمسون في الإسلام، و آخر سبعون منها عشرون في الإسلام، فالأوّل هو الأسنّ، و قد اقتصر الشّيخ «2» و الجماعة «3» على تقديم الأسنّ، و دلائلهم تقتضي اعتبار مرجحات الإمامة في اليومية، كما صرّح به المصنّف في التذكرة «4» و شيخنا الشّهيد «5»، فعلى هذا يقدم الأسبق هجرة على الأصبح.

و اعلم أنّ الهجرة في الأصل الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام، فأما في زماننا فأحسن ما قيل فيها إن المراد بها: سكنى الأمصار لأنها مقابل سكنى البادية، مجازا عن الهجرة الحقيقة، لأن ذلك مظنة الاتصاف بشرائط الإمامة و اكتساب كمالات النّفس، بخلاف البوادي و ما يشبهها من القرى الّتي يغلب على أهلها البعد عن العلوم و كمالات النّفس.

و أما الصباحة، فقد روى بعض الأصحاب تقديم الأصبح وجها بعد التّساوي «6» فيما سبق، و قال صاحب المعتبر: لا أرى لهذا أثرا في الأولوية، و لا وجها في شرف الرّجال «7»، و علّله المصنّف في المختلف بالدلالة على عناية اللَّه تعالى بصاحبه «8»، و ربما فسّر بالأحسن ذكرا بين النّاس مجازا لقول علي عليه السّلام: «إنّما يستدل على الصّالحين بما يجري اللّه لهم على ألسن عباده» «9»، و هو حسن.

______________________________
(1) الذكرى: 57.

(2) المبسوط 1: 184، الخلاف 1: 168 مسألة 72 كتاب الجنائز.

(3) منهم: ابن إدريس في السرائر: 81، و الشهيد في الدروس: 12.

(4) التذكرة 1: 47.

(5) الذكرى: 57.

(6) منهم: المحقق في الشرائع 1: 105، و العلامة في التحرير 1: 19، و الشهيد في البيان: 28.

(7) المعتبر 2: 440.

(8) المختلف: 156.

(9) نهج البلاغة 3: 93 كتاب 53 عهده الى مالك الأشتر.

411
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثاني: في المصلي ؛ ج 1، ص : 408

و الفقيه العبد أولى من غيره الحر، (1) و لو تساووا أقرع.

و لا يجوز لجامع الشرائط التقدّم بغير إذن الولي المكلّف و ان لم يستجمعها، (2) و إمام الأصل أولى من كل أحد. (3) و الهاشمي الجامع للشرائط أولى إن قدّمه الولي.

______________________________
قوله: (و الفقيه العبد أولى من غيره الحرّ).

(1) هذا الحكم مذكور في كلام الأصحاب هكذا، و هو مشكل إن أريد به الأولويّة المستندة إلى ثبوت الولاية، إذ العبد لا إرث له، فلا ولاية له، و إن أريد بأولويّته أفضلية تقديم الوليّ له فهو صحيح، إلا أنّه خلاف المتبادر من كلامهم، و الظاهر أن مرادهم الأوّل، بدليل أنّهم في ترجيح الهاشمي اشترطوا تقديم الوليّ له، لكن يتعيّن إرادة المعنى الثّاني ليصح الكلام، و لا يمتنع تنزيل العبارة عليه، باعتبار ما فسرنا به ضمير (و لو تعدّدوا).

قوله: (و لا يجوز لجامع الشرائط التقدم بغير إذن الوليّ المكلّف و إن لم يستجمعها).

(2) أي: لا يجوز ذلك و إن لم يستجمع الوليّ الشرائط، لاختصاص حق التقدم بالوليّ، و التقييد بالمكلّف ليخرج غيره، فإنه إذا لم يكن الوليّ مكلفا لكونه صغيرا و نحو ذلك يسقط اعتبار إذنه، و ربّما أشعرت العبارة بعدم اعتبار إذن من في طبقة أخرى بعدي «1» ممن له استحقاق الولاية و الإرث، و قد سبق الكلام على ذلك.

قوله: (و إمام الأصل أولى من كلّ أحد، فلا يحتاج إلى إذن الولي).

(3) لقول الصّادق عليه السّلام: «إذا حضر الإمام الجنازة، فهو أحق النّاس بالصّلاة عليها» «2»، و قال الشّيخ في المبسوط يحتاج «3» لخبر السكوني «4»، و في الدّلالة و السّند ضعف.

______________________________
(1) هكذا وردت في النسخ الخطية، و لعل الصحيح: بعد من، أو: بعدها ممن.

(2) الكافي 3: 177 حديث 4، التهذيب 3: 206 حديث 489.

(3) المبسوط 1: 183.

(4) التهذيب 3: 206 حديث 490.

412
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثاني: في المصلي ؛ ج 1، ص : 408

و ينبغي له تقديمه. (1) و يقف العراة في صف الامام و كذا النساء خلف المرأة، و غيرهم يتأخّر عن الإمام في صف و ان اتحد، (2)

______________________________
قوله: (و ينبغي له تقديمه).

(1) أي: يستحبّ، ذكره جمع من الأصحاب «1»، و قال المفيد: يجب «2»، قال في الذّكرى: و لم أقف على مستنده «3»، و ربّما احتجّ للاستحباب بقوله صلّى اللَّه عليه و آله: «قدّموا قريشا و لا تقدموها» «4» و طعن فيه في الذّكرى بأنه غير مستثبت في روايتنا «5»، و بأنّه أعم من المدّعى، و ربّما احتج بان فيه إكراما لرسول اللَّه صلّى اللّه عليه و آله نظرا إلى رعاية قربة. و لا يخفى أنّه ليس لنائب الولي الاستنابة بدون الإذن، لعدم جواز تجاوز المأذون.

و لو اجتمع جنائز فتشاح أولياؤهم، قدّم أولاهم بالإمامة في المكتوبة للعموم، و يحتمل تقديم ولي من سبق ميتة، لأنّه استحقّ الإمامة فيبقى، و لو أراد كلّ إفراد ميّته بصلاة جماعة جاز.

قوله: (و يقف العراة في صف الامام، و كذا النّساء خلف المرأة و غيرهم يتأخر عن الإمام في صفّ و ان اتحد).

(2) أمّا وقوف العراة في صف الامام فقد علل بالمحافظة على أن لا تبدو عورته لهم، قاله الشّيخ «6» و الأصحاب «7»، مع أنّهم صرّحوا بأن العراة يجلسون في اليوميّة، و كأنّه بناء على أن السّتر ليس شرطا في صلاة الجنازة كما صرّح به المصنّف لأنّها دعاء، أو الفرق بالاحتياج إلى الرّكوع و السّجود هناك بخلافه هنا، و فيه ضعف لوجوب الإيماء لهما.

______________________________
(1) منهم: أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 156، و الشيخ في المبسوط 1: 183 و ابن سعيد في الجامع للشرائع:

120، و الشهيد في البيان: 28.

(2) المقنعة: 38.

(3) الذكرى: 57.

(4) الجامع الصغير للسيوطي 2: 253 حديث 6108.

(5) الذكرى: 57.

(6) النهاية: 147 و ليس فيها التعليل.

(7) منهم: ابن حمزة في الوسيلة: 110، و ابن إدريس في السرائر: 63، و الشهيد في البيان: 28.

413
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثالث: في مقدماتها ؛ ج 1، ص : 414

و تقف النساء خلف الرجال، و تنفرد الحائض بصف خارج. (1)

[المطلب الثالث: في مقدماتها]

المطلب الثالث: في مقدماتها يستحب إعلام المؤمنين بموت المؤمن ليتوفّروا على تشييعه، (2)

______________________________
و أمّا وقوف المرأة وسط النّساء فلخبر زرارة عن الباقر عليه السّلام
«1» و أمّا تأخر المأموم الواحد عن الامام هنا فلخبر اليسع عن الصّادق عليه السّلام «2».

قوله: (و تقف النّساء خلف الرّجال، و تنفرد الحائض بصف خارج).

(1) أما الحكم الأوّل فلأن موقف النّساء في الجماعة خلف الرّجال، و أمّا الثّاني فلما رواه محمّد بن مسلم عن الصّادق عليه السّلام في الحائض تصلّي على الجنازة؟ قال:

«نعم، و لا تقف معهم، و تقف منفردة» «3» و الظاهر أنّها تنفرد مع النّساء أيضا كما صرّح به جماعة «4» لأن ظاهر الخبر أنّ انفرادها لكونها حائضا، فإنّها تنفرد عن الرّجال مطلقا. و النّفساء كالحائض على الأقرب لمساواتها لها في جميع الأحكام، إلّا ما استثني.

قوله: (يستحبّ إعلام المؤمنين بموت المؤمن ليتوفروا على تشييعه).

(2) روي عن النّبي صلّى اللَّه عليه و آله انّه قال: «لا يموت منكم أحد إلا آذنتموني» «5»، و عن الصّادق عليه السّلام: «ينبغي لأولياء الميّت منكم أن يؤذنوا إخوان الميّت، يشهدون جنازته، و يصلّون عليه، و يستغفرون له، فيكتب لهم الأجر، و للميّت الاستغفار، و يكتسب هو الأجر فيهم و فيما اكتسب له من الاستغفار» «6».

و هذا الاعلام كيف اتفق لا كلام في استحبابه، انّما الكلام في النداء، قال‌

______________________________
(1) التهذيب 3: 206 حديث 488، الاستبصار 1: 427 حديث 1648.

(2) الكافي 3: 176 حديث 1، الفقيه 1: 103 حديث 477.

(3) الكافي 3: 179 حديث 4، الفقيه 1: 107 حديث 496، التهذيب 3: 204 حديث 479 مع اختلاف يسير في الجميع.

(4) منهم: الشيخ في المبسوط 1: 184، و ابن إدريس في السرائر: 81.

(5) مسند أحمد 4: 388.

(6) الكافي 3: 166 حديث 1، التهذيب 1: 452 حديث 1470.

414
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثالث: في مقدماتها ؛ ج 1، ص : 414

و مشي المشيع خلف الجنازة أو الى أحد جانبيها، (1) و تربيعها، و البدأة بمقدم السرير الأيمن، ثم يدور من ورائها إلى

______________________________
الشّيخ في الخلاف: لا أعرف فيه نصّا
«1»، و في المعتبر «2» و التذكرة «3» لا بأس به، و هو الوجه لما فيه من الفوائد، و انتفاء المنع الشرعيّ.

قوله: (و مشي المشيّع خلف الجنازة أو إلى أحد جانبيها).

(1) روى إسحاق بن عمّار، عن الصّادق عليه السّلام: «أول ما يتحف به في قبره أن يغفر لمن شيع جنازته» «4»، و عن الباقر عليه السّلام: «من مشى مع جنازة حتّى يصلّى عليها، ثم رجع كان له قيراط، فإذا مشى معها حتّى تدفن فله قيراطان، و القيراط: مثل جبل «5» أحد».

قال في القاموس الجنازة بالكسر: الميّت، و بالفتح: السّرير أو عكسه، أو بالكسر السّرير مع الميّت «6»، و في الصّحاح: الجنازة واحدة الجنائز، و العامة تقول الجنازة بالفتح، و المعنى الميّت على السّرير، فإذا لم يكن عليه ميّت فهو سرير و نعش «7».

و يستحبّ أن يكون مشي المشيع خلف الجنازة، أو الى أحد جانبيها لا أمامها، بإجماع علمائنا، روى العامّة عن علي عليه السّلام انّه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يقول: «ان فضل الماشي خلفها على الماشي أمامها كفضل المكتوبة على التطوع» «8».

قوله: (و تربيعها و البدأة بمقدم السّرير الأيمن، ثم يدور من ورائها إلى الأيسر).

______________________________
(1) الخلاف 1: 171 مسألة 96 كتاب الجنائز.

(2) المعتبر 1: 262.

(3) التذكرة 1: 38.

(4) الفقيه 1: 99 حديث 460 و فيه: (المؤمن في قبره.)، الكافي 3: 173 حديث، التهذيب 1: 455 حديث 1482 و ليس فيهما (في قبره أن).

(5) زيادة من «ح» و هي مطابقة لما في الكافي 3: 173 حديث 5، التهذيب 1: 455 حديث 1485، و في الفقيه 1: 99 حديث 455 من دونها.

(6) القاموس 2: 170 مادة (جنز).

(7) الصحاح 3: 870 مادة (جنز).

(8) دعائم الإسلام 1: 234.

415
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثالث: في مقدماتها ؛ ج 1، ص : 414

الأيسر، (1) و قول المشاهد للجنازة: الحمد للَّه الذي لم يجعلني من السواد المخترم (2)

______________________________
(1) التّربيع: حمل الجنازة من جوانبها الأربعة بأربعة رجال، و هو أولى من الحمل بين العمودين عند جميع علمائنا، عن الباقر عليه السّلام: «السّنة أن يحمل السّرير من جوانبه الأربعة، و ما كان بعد ذلك من حمل فهو تطوّع»
«1».

و أفضله التّناوب ليشترك الجميع في الأجر، و لقول الصّادق عليه السّلام لإسحاق بن عمّار: «إذا حملت جوانب سرير الميّت خرجت من الذّنوب كما ولدتك أمّك» «2» و أفضله أن يكون على الهيئة الّتي ذكرها المصنّف، و هي البدأة بمقدم السّرير الأيمن عند رأس الميّت، ثم يحمل من عند رجليه، ثم يدور من ورائها إلى الأيسر من عند رجليه، ثم من عند رأسه دور الرحى، رواه العلاء عن الصّادق عليه السّلام «3»، و الفضل بن يونس عن الكاظم عليه السّلام «4».

و قال الشّيخ في الخلاف: يبدأ بيسرة الجنازة، و يأخذها بيمينه، و يتركها على عاتقه و يمشي إلى رجليها، و يدور دور الرحى، إلى أن يرجع إلى يمنة الجنازة فيأخذ ميامن الجنازة بمياسره، و استدلّ على ذلك بإجماع الفرقة «5»، مع أنّه قال في النّهاية «6» و المبسوط بالأوّل «7»، و هو الأصحّ.

قوله: (و قول المشاهد للجنازة: الحمد للَّه الّذي لم يجعلني من السّواد المخترم).

(2) روي قول ذلك عن علي بن الحسين عليه السّلام «8»، و عن الباقر عليه السّلام «9»، و السّواد: الشّخص، و من النّاس عامّتهم، كذا قال في القاموس «10»

______________________________
(1) الكافي 3: 168 حديث 2، التهذيب 1: 453 حديث 1476.

(2) الفقيه 1: 100 حديث 463.

(3) الكافي 3: 169 حديث 4، التهذيب 1: 453 حديث 1474، الاستبصار 1: 216 حديث 763.

(4) الكافي 3: 168 حديث 3، التهذيب 1: 452 حديث 1473 و فيه عن المفضل.

(5) الخلاف 1: 168 مسألة 66 كتاب الجنائز.

(6) النهاية: 37.

(7) المبسوط 1: 183.

(8) الكافي 3: 167 حديث 1، التهذيب 1: 452 حديث 1472.

(9) الكافي 3: 167 حديث 2.

(10) القاموس 1: 304 (سود).

416
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثالث: في مقدماتها ؛ ج 1، ص : 414

و طهارة المصلّي.

و يجوز التيمم مع الماء، (1)

______________________________
و يجوز الحمل على كلّ منهما على إرادة الجنس في الأوّل، و المخترم- بالخاء المعجمة و الراء-: الهالك، و المعنى: الحمد للَّه الّذي لم يجعلني من الهالكين.

و لا تنافي بين هذا و بين حبّ لقاء اللَّه، لأن المراد بذلك حال الاحتضار، لما ورد عن النّبي صلّى اللَّه عليه و آله انّه قال: «من أحبّ لقاء اللَّه أحب اللَّه لقاءه، و من كره لقاء اللَّه كره اللَّه لقاءه» فقيل له صلّى اللَّه عليه و آله: إنا لنكره الموت، فقال: «ليس ذلك، و لكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان اللَّه و كرامته، فليس شي‌ء أحبّ إليه ممّا أمامه، فأحب لقاء اللَّه و أحبّ اللَّه لقاءه، و إن الكافر إذا حضر بشر بعذاب اللَّه، فليس شي‌ء أكره إليه ممّا أمامه كره لقاء اللَّه، فكره اللَّه لقاءه» «1»، و بقية عمر المؤمن نفيسة لا ثمن لها، كما في بعض الأخبار.

و يمكن أن يقال: حب لقاء اللَّه لا تنافيه كراهة الموت بوجه، لأن حبّ لقائه سبحانه يقتضي كمال الاستعداد له، و إنّما يكون ذلك بالبقاء في دار التّكليف، و أيضا فإنّ حب لقائه سبحانه لا تنافيه كراهة ما أمامه من الشّدائد و الأهوال، فحمد اللَّه على البقاء من جهة أنّه متضمّن للخلاص من تلك الشّدائد.

قوله: (و طهارة المصلي و يجوز التيمّم مع الماء).

(1) لا تشترط طهارة المصلّي من الحدث إجماعا، فيصح من الجنب و الحائض، و الطّهارة أفضل قطعا، و يجوز التيمّم مع وجود الماء على أصح القولين «2»، و ان لم يخف الفوات، لرواية ضعيفة تعضدها الشّهرة «3»، و يستحب لكل من الجنب و الحائض كغيرهما، و الظاهر انّه لا بدلية في هذا التيمّم لشرعيته مع إمكان المائية.

و هل تشترط الطّهارة من الخبث؟ تردد فيه في الذّكرى قال: و لم أقف في هذا‌

______________________________
(1) صحيح البخاري 8: 132، صحيح مسلم 4: 2065 حديث 2684، سنن ابن ماجة 2: 1425 حديث 4264، سنن النسائي 4: 9، مسند أحمد 2: 420 ورد فيه صدر الحديث.

(2) قال بالجواز مطلقا المفيد في المقنعة: 38، و الشيخ في الخلاف 1: 169 مسألة 80 كتاب الجنائز، و المحقق في الشرائع 1: 50، و قيد الشيخ الجواز بخوف الفوت كما في التهذيب 3: 203.

(3) الكافي 3: 178 حديث 5، الفقيه 1: 107 ذيل حديث 495، التهذيب 3: 203 حديث 477.

417
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثالث: في مقدماتها ؛ ج 1، ص : 414

و يجب تقديم الغسل و التكفين على الصلاة، (1) فان لم يكن له كفن طرح في القبر ثم صلّي عليه بعد تغسيله و ستر عورته و دفنه، (2) ثم يقف الإمام وراء الجنازة (3) مستقبل القبلة،

______________________________
على نص و لا فتوى
«1».

قلت: تجويز الصّلاة للحائض من غير تقييد، مع عدم انفكاكها عن دم الحيض غالبا، يقتضي عدم الاشتراط، و تعليل الصّادق عليه السّلام ذلك بأنّه لا ركوع فيها و لا سجود يدلّ عليه «2» و لعلّ عدم الاشتراط أظهر.

قوله: (و يجب تقديم الغسل و التكفين على الصّلاة).

(1) لا يخفى أنّ هذا حيث تجب الثلاثة، و لو أخل بالترتيب عامدا أعاد ما يحصل معه قطعا، و ناسيا فيه تردد، و جاهل الحكم عامد.

قوله: (فان لم يكن له كفن طرح في القبر، ثم صلّي عليه بعد تغسيله و ستر عورته، و دفن).

(2) هذا إذا لم يكن ستره بنحو ثوب و الصّلاة عليه خارجا، فإن أمكن وجب مقدّما على الدّفن، و لا يرد ما قيل: من أنّ قوله: (و دفن) لا فائدة فيه، لأن فائدته الإيذان بوجوب تقديم ذلك على الدّفن أيضا، لما رواه عمّار عن الصّادق عليه السّلام في ميت وجده قوم عريانا لفظه البحر و ليس معهم فضل ثوب يكفنونه به قال: «يحفر له، و يوضع في لحده، و تستر عورته باللبن و الحجر، ثم يصلّى عليه، ثم يدفن» «3»، و مقتضى إطلاق الأمر بالستر وجوبه، و إن لم يكن ثم ناظر، و تباعد المصلّي بحيث لا يرى.

قوله: (ثم يقف الامام وراء الجنازة).

(3) لا ريب أنّه لا يصحّ أن يقف قدام الجنازة، و لا أن يجعلها عن أحد جانبيه، بل قدامه، تأسيا بالنّبي صلّى اللَّه عليه و آله، و الأئمة عليهم السّلام، لكن هل يشترط أن يكون محاذيا لها بحيث يكون قدام موقفه، حتّى لو وقف وراءها باعتبار السمت، و لم‌

______________________________
(1) الذكرى: 61.

(2) الكافي 3: 179 حديث 5، التهذيب 3: 204 حديث 480.

(3) الكافي 3: 214 حديث 4، الفقيه 1: 104 حديث 482، التهذيب 3: 327 حديث 1022.

418
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثالث: في مقدماتها ؛ ج 1، ص : 414

و رأس الميت على يمينه، (1) غير متباعد عنها كثيرا وجوبا في الجميع. (2)

و يستحب وقوفه عند وسط الرجل و صدر المرأة، (3)

______________________________
يكن محاذيا لها، و لا لشي‌ء منها لم يصح؟

لا أعلم الآن تصريحا لأحد من معتبري المتقدّمين بنفي و لا إثبات، و إن صرّح بالاشتراط بعض المتأخّرين «1»، فإن قلنا به، فاشتراطه بالنّسبة إلى غير المأموم، لأن جانبي الصّف يخرجان عن المحاذاة.

قوله: (و رأس الميّت عن يمينه).

(1) و يجب مع ذلك أن يكون مستلقيا، بحيث لو اضطجع على يمينه لكان بإزاء القبلة للتّأسي، و لأمر الصّادق عليه السّلام بإعادة الصّلاة على من بان مقلوبا بعد الفراغ منها رجلاه الى موضع رأسه، ما لم يدفن «2».

قوله: (غير متباعد عنها كثيرا وجوبا في الجميع).

(2) لا تحديد لهذا التباعد سوى ما يقتضيه العرف، و في الذّكرى لا يجوز التباعد بمائتي ذراع «3»، و الحق أن المرجع ما قلناه. و كذا القول في الارتفاع و الانخفاض.

و يستحب أن يكون بين الامام و الجنازة شي‌ء يسير، ذكره الأصحاب «4».

قوله: (و يستحب وقوفه عند وسط الرّجل، و صدر المرأة).

(3) لقول الصّادق عليه السّلام: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: من صلّى على امرأة فلا يقم في وسطها، و يكون ممّا يلي صدرها، و إذا صلّى على الرّجل فليقم في وسطه» «5»، و لأنّه أبعد عن محارمها. و قال الشّيخ في الخلاف: السّنة أن يقف عند رأس الرّجل و صدر المرأة «6»، و المشهور الأوّل. و لا يبعد أن يقال: إن الخنثى كالمرأة تباعدا عن موضع الشّهوة.

______________________________
(1) منهم: المحقق في الشرائع 1: 106، و العلامة في التحرير 1: 19، و الشهيد في البيان: 30.

(2) الكافي 3: 174 حديث 2، التهذيب 3: 322 حديث 1004.

(3) الذكرى: 61.

(4) منهم: الشيخ في المبسوط 1: 184، و ابن البراج في المهذب 1: 130، و ابن إدريس في السرائر: 81.

(5) الكافي 3: 176 حديث 1، التهذيب 3: 190 حديث 433.

(6) الخلاف 1: 171 مسألة 97 كتاب الجنائز.

419
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الثالث: في مقدماتها ؛ ج 1، ص : 414

و جعل الرجل مما يلي الامام ان اتفقا، يحاذي بصدرها وسطه، (1) فان كان عبدا وسّط بينهما، (2) فان جامعهم خنثى أخرت عن المرأة، (3) فإن كان معهم صبي له أقل من ست أخر الى ما يلي القبلة (4) و إلّا جعل بعد الرجل، (5)

______________________________
قوله: (يحاذي بصدرها وسطه).

(1) ليقف الامام موقف الفضيلة من كلّ منهما.

قوله: (فان كان عبدا وسّط بينهما).

(2) مرجع الضّمير الّذي في (كان) المعدود اسما لها ليكون (عبدا) هو الخبر، لا يخلو من خفاء و تكلف، تقديره: فان كان الحاضر معهما عبدا إلى آخره، و لو رفعه على أن كان تامّة، أو محذوفة الخبر لكان أولى.

قوله: (فان جامعهم خنثى أخرت عن المرأة).

(3) هذا لا يستقيم، بل يستحبّ تقديمها على المرأة، و به صرّح المصنّف في التّذكرة «1» و غيرها «2»، و يمكن حمل التّأخير هنا على التّأخير إلى جهة الامام، و هو بعيد.

قوله: (فان كان معهم صبي له أقل من ست أخّر الى ما يلي القبلة).

(4) هذا هو الأشهر، لأن الصّلاة عليه مستحبّة، و مراعاة الواجب أولى، و أطلق ابنا بابويه تقديم الصّبي إلى الامام «3»، و تشهد له رواية عمّار بن ياسر «4»، و مرسلة ابن بكير «5» و أطلق في النّهاية تأخيره «6»، و الفتوى على الأوّل.

قوله: (و إلّا جعل بعد الرّجل).

(5) معناه و إن لم يكن له أقل من ست، بأن كان له أكثر جعل بعد الرّجل و قبل المرأة.

______________________________
(1) التذكرة 1: 50.

(2) المنتهى 1: 457.

(3) ذكره السيد العاملي في مفتاح الكرامة 1: 475.

(4) سنن ابي داود 3: 208 حديث 3193 (و فيه: عن عمار مولى الحرث بن نوفل)، سنن النسائي 4: 71 (و فيه:

عن عمار).

(5) الكافي 3: 175 حديث 5، التهذيب 3: 323 حديث 1007، الاستبصار 1: 472 حديث 1824.

(6) النهاية: 144.

420
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الرابع: في كيفيتها ؛ ج 1، ص : 421

و الصّلاة في المواضع المعتادة، و تجوز في المساجد. (1)

[المطلب الرابع: في كيفيتها]

المطلب الرابع: في كيفيتها و يجب فيها القيام، (2)

______________________________
قوله: (و الصّلاة في المواضع المعتادة و تجوز في المساجد).

(1) استحبّ الأصحاب إيقاع صلاة الجنازة في المواضع المعتادة لذلك، إمّا تبركا بها لكثرة من صلّى فيها، و إمّا لأن السامع بموته يقصدها للصّلاة عليه، و يكره إيقاعها في المساجد إلا بمكّة، خوفا من تلطخ المسجد بانفجاره، و لما رواه أبو بكر بن عيسى العلوي، عن الكاظم عليه السّلام أنّه منعه من ذلك، حيث أخرجه من المسجد ثم قال: «يا أبا بكر ان الجنائز لا يصلّى عليها في المسجد» «1» و ليس للتّحريم، لإذن الصّادق عليه السّلام في الصّلاة على الميّت في المسجد «2»، فيحمل على الكراهيّة جمعا بينها.

أمّا مسجد مكّة فاستثناه الشّيخ رحمه اللَّه «3» و الأصحاب «4»، قال في الذّكرى: و لعلّه لكونها مسجدا بأسرها، كما في حق المعتكف و صلاة العيد «5»، و فيه نظر، لأن خوف التلطخ، و تحريم إيصال النّجاسة قائم في مسجدها دون ما سواه منها، بخلاف حكم المعتكف و العيد، و إطلاق قول المصنّف: (و يجوز في المساجد)، و إن لم يناف الكراهة فإنّه لا يدلّ عليها، و مع ذلك فلا بدّ من استثناء مسجد مكّة منه.

قوله: (و يجب فيها القيام).

(2) مع القدرة، و كذا يجب الاستقرار، فلا تجوز الصّلاة قاعدا، و لا راكبا اختيارا، بإجماعنا، تأسيا بالنّبي صلّى اللَّه عليه و آله، و الأئمة عليهم السّلام، و لعدم تيقّن البراءة بدونه، و الناسي كالعامد على الأقرب، لقضية الاشتراط، و مع العجز يسقط كاليوميّة، لكن هل يسقط بصلاة العاجز الفرض عن غيره ممن يقدر على القيام؟.

______________________________
(1) الكافي 3: 182 حديث 1، التهذيب 3: 326 حديث 1016، الاستبصار 1: 473 حديث 1831.

(2) الفقيه 1: 102 حديث 473، التهذيب 3: 325 حديث 1013- 1015، الاستبصار 1: 473 حديث 1829- 1830.

(3) الخلاف 1: 168 مسألة 73 من كتاب الجنائز.

(4) منهم: المحقق في المعتبر 2: 356، و العلامة في المنتهى 1: 458، و الشهيد في الدروس: 12.

(5) الذكرى: 62.

421
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الرابع: في كيفيتها ؛ ج 1، ص : 421

و النيّة، (1) و التكبير خمسا، (2)

______________________________
الظّاهر لا، لأن النّاقص لا يسقط الكامل، و لأصالة بقائه في العهدة، و كذا نقول في العاري، بالإضافة إلى من يقدر على الساتر إن قلنا باشتراط السّتر، و هو الأحوط إلحاقا لها بغيرها من الصّلوات، و من لا يحسن العربية مع من يحسنها و غير ذلك. و كذا الصّبي لا يسقط بصلاته فرض المكلّفين لعدم التّكليف، لأن فعله تمريني لا يوصف بالصحّة و الفساد على الأصحّ. و كذا القول في الغسل و غيره من فروض الكفايات الّتي من شرطها النيّة.

قوله: (و النيّة).

(1) و يعتبر فيها قصد الصّلاة لوجوبها أو ندبها تقربا الى اللَّه تعالى لأنّها عبادة، و لا يجب فيها التعرّض إلى الأداء و القضاء، لعدم مقتضاهما، و لا تعيين الميّت، لكن يجب القصد الى معيّن، و يكفي قصد منوي الامام على ما صرّح به في الذّكرى «1» فلو تبرّع بالتّعيين فلم يطابق ففي الذّكرى: الأقرب البطلان، لخلو الواقع عن نية.

و ينبغي أن يقيد بما إذا لم يشر إلى الموجود بأن قصد الصّلاة على فلان لا على هذا فلان. و لا بدّ في المأموم من نية الاقتداء كجماعة اليوميّة و غيرها، و يجب استدامة النيّة حكما الى آخرها.

قوله: (و التكبير خمسا).

(2) بإجماعنا، إحداها تكبيرة الإحرام و ينبّه على ركنيتها ما رواه الصدوق من ان العلّة في ذلك، أن اللَّه تعالى فرض على الناس خمس صلوات، فجعل للميّت من كلّ صلاة تكبيرة «2» و في اخرى: إن اللَّه تعالى فرض على الناس خمس فرائض الصلاة، و الزّكاة، و الصّوم، و الحج، و الولاية، فجعل للميّت من كل فريضة تكبيرة، و إنّما يكبر العامة أربعا لأنهم تركوا الولاية «3»، و على هذا فهل يطّرد بطلان الصلاة بزيادة شي‌ء منها و نقصانه على وجه لا يمكن تداركه بأن يتخلل فعل كثير‌

______________________________
(1) الذكرى: 58.

(2) علل الشرائع: 302 باب 244 حديث 1، 2.

(3) علل الشرائع: 303 باب 245 حديث 1.

422
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الرابع: في كيفيتها ؛ ج 1، ص : 421

و الدعاء بينها، (1)

______________________________
و زمان طويل؟.

لا أستبعد ذلك لعدم صدق الامتثال، و مال في الذّكرى إلى عدم البطلان بزيادة التكبير سهوا، ثمّ احتمل البطلان معلّلا بزيادة الرّكن، و قال بعد ذلك: لو زاد في التّكبير متعمّدا لم تبطل، لأنه خرج بالخامسة من الصّلاة، فكانت زيادة خارجة من الصّلاة، و لو قلنا باستحباب التّسليم فكذلك، لأنّه لا يعدّ جزءا منها «1».

و يشكل كلامه بما لو كبّر عند بعض الأدعية تكبيرتين، فانّ كون الزّيادة خارجة من الصّلاة هنا غير واضح، أمّا الأذكار فلا قطعا، فتكون الأركان في هذه الصّلاة سبعة إن لم نقل بأن النيّة شرط.

و هل يجب ترك منافيات ذات الرّكوع- عدا الحدث و الخبث- من الاستدبار، و الفعل الكثير و غيرهما فتبطل بما تبطل به؟ الظاهر نعم، و ينبه على ذلك اشتراط الاستقبال، و قوله عليه السّلام: «صلّوا كما رأيتموني أصلي» «2»، و عدم تيقن الخروج عن العهدة بدونه.

قوله: (و الدّعاء بينها).

(1) لم يوجبه المحقق في الشّرائع «3»، و الأصحّ وجوبه لأنه المقصود من صلاة الجنازة، و للتأسي، و لقول الصّادق عليه السّلام: «إنما هو تكبير، و تسبيح، و تمجيد، و تهليل» «4» و غيره من الاخبار «5»، و حكى في الذّكرى ان الأصحاب بأجمعهم ذكروا ذلك في كيفية الصّلاة، و لم يصرّح أحد منهم بندب الأذكار «6».

و الأصحّ أنّه لا يتعين لفظ مخصوص، بل المعاني الّتي اشتركت فيها الرّوايات باعتبار كل تكبيرة بأيّ عبارة كانت، فانّ اختلاف الأخبار في الأذكار دليل على‌

______________________________
(1) الذكرى: 64.

(2) صحيح البخاري 1: 162.

(3) الشرائع 1: 106.

(4) الكافي 3: 178 حديث 1، الفقيه 1: 107 حديث 495، التهذيب 3: 203 حديث 475 و في الجميع:

(تحميد).

(5) علل الشرائع: 269، عيون أخبار الرضا 2: 115.

(6) الذكرى: 59.

423
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الرابع: في كيفيتها ؛ ج 1، ص : 421

بأن يتشهد الشهادتين عقيب الاولى، ثم يصلّي على النبي و آله عليهم السلام في الثانية، و يدعو للمؤمنين عقيب الثالثة، ثم يترحّم على الميت (1) في الرابعة ان كان مؤمنا، و لعنه ان كان منافقا، (2)

______________________________
ذلك، و هو مختار التّذكرة
«1» و الذّكرى «2»، و الظاهر أن الألفاظ الّتي اشتركت في تعينها الرّوايات، مثل لفظ الشهادة و الصّلاة في الشّهادتين، و الصّلاة على النّبي و آله عليهم السّلام متعينة.

قوله: (بأن يتشهّد الشّهادتين عقيب الأولى، ثم يصلّي على النّبي و آله عليهم السّلام في الثّانية، و يدعو للمؤمنين عقيب الثّالثة، ثم يترحم على الميّت.).

(1) هذا هو المشهور بين الأصحاب «3»، و نقل فيه الشّيخ الإجماع «4»، و اشتهر في الأخبار «5» جمع الأدعية الأربعة عقيب كلّ تكبيرة، و حكاه في الذّكرى عن ابن أبي عقيل و الجعفي «6»، قال المصنّف في المختلف: كلاهما جائز «7». و في بعض الرّوايات الدّعاء عقيب الخامسة «8». و لو كان الميّت أنثى قال: (اللّهمّ أمتك.) إلى آخر الدّعاء، ملحقا علامة التأنيث، و يتخير في الخنثى.

قوله: (و لعنه إن كان منافقا).

(2) المراد بالمنافق هنا: الناصب على ما تشهد به بعض العبارات «9» و الرّوايات «10»، و في بعض الرّوايات ما يدل على أن المنافق الحقيقي الّذي يبطن الكفر‌

______________________________
(1) التذكرة 1: 50.

(2) الذكرى: 59.

(3) منهم: المحقق في المعتبر 2: 349، و العلامة في المختلف: 119.

(4) الخلاف 1: 169 مسألة 78 كتاب الجنائز.

(5) الكافي 3: 182، 184 حديث 1، 3، و 4، التهذيب 3: 191 حديث 436.

(6) الذكرى: 59.

(7) المختلف: 119.

(8) فقه الرضا: 19.

(9) المفيد في المقنعة: 38، و الشيخ في النهاية: 145 و الشهيد في الذكرى: 60.

(10) الكافي 3: 188 حديث 2، 3، 4، 5، 6، 7، الفقيه 1: 105 حديث 490، 491، التهذيب 3: 196 حديث 453.

424
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الرابع: في كيفيتها ؛ ج 1، ص : 421

و دعا بدعاء المستضعفين ان كان منهم، (1) و سأل اللَّه أن يحشره مع من يتولاه إن جهله، (2)

______________________________
و يظهر الإسلام كذلك، لأن النّبي صلّى اللَّه عليه و آله صلى على عبد اللَّه بن أبيّ فلعنه
«1». و ينبغي أن لا يكون الدّعاء على هذا القسم واجبا، لأن التكبير عليه أربع، فبالرّابعة تنتهي الصّلاة.

قوله: (و دعا بدعاء المستضعفين إن كان منهم).

(1) حدّ ابن إدريس المستضعف في باب الأسآر بمن لا يعرف اختلاف النّاس في المذاهب، و لا يبغض أهل الحق على اعتقادهم «2»، و عرّفه في الذّكرى بأنه الّذي لا يعرف الحق، و لا يعاند فيه، و لا يوالي أحدا بعينه «3»، و حكي عن الغرية انّه الّذي يعرف بالولاء و يتوقف عن البراءة «4»، و التفسيرات متقاربة، و إن كان تفسير ابن إدريس ألصق بالمقام، فان العالم بالخلاف و الدلائل إذا كان متوقفا لا يقال له:

مستضعفا.

و ما يقال من أنّ المستضعف: هو الّذي لا يعرف دلائل اعتقاد الحق و ان أعتقده، فليس بشي‌ء، إذ لا خلاف بين الأصحاب في أنّ من اعتقد معتقد الشّيعة الإماميّة مؤمن، يعلم ذلك من كلامهم في الزّكاة و النّكاح و الكفّارات. و دعاء المستضعفين: (اللّهم اغفر لِلَّذِينَ تٰابُوا، وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) «5» الى آخر الآيتين، أو الآيات.

قوله: (و يسأل اللَّه أن يحشره مع من يتولاه إن جهله).

(2) أي: إن جهل إيمانه و ضدّه، لرواية ثابت أبي المقدام، عن الباقر عليه السّلام أنّه قال: «اللّهمّ إنّك خلقت هذه النّفوس» «6» إلى آخر الدّعاء.

______________________________
(1) الكافي 3: 188 حديث 1، التهذيب 3: 196 حديث 452.

(2) السرائر: 13.

(3) الذكرى: 59.

(4) حكاه الشهيد في الذكرى: 59.

(5) غافر 7- 9.

(6) الكافي 3: 188 حديث 6، التهذيب 3: 196 حديث 451.

425
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الرابع: في كيفيتها ؛ ج 1، ص : 421

و أن يجعله له و لأبويه فرطا إن كان طفلا. (1)

و تستحب الجماعة، (2) و رفع يديه في التكبيرات، (3)

______________________________
قوله: (و أن يجعله له و لأبويه فرطا إن كان طفلا).

(1) لما رواه زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليه السّلام «1»، و في الشّرائع: يسأل اللَّه أن يجعله مصلحا لحال أبيه، شافعا فيه «2»، قال في الصّحاح: الفرط- بالتّحريك- الّذي يتقدم الواردة فيهيئ لهم الأرسان، و الدلاء، و يمدر الحياض، و يستقي لهم، و هو فعل بمعنى فاعل، مثل تبع بمعنى تابع، و يقال: رجل فرط، و قوم فرط أيضا، و في الحديث: «أنا فرطكم على الحوض»، و منه قيل للطفل الميّت: «اللّهمّ اجعله لنا فرطا» أي: أجرا يتقدمنا حتّى نرد عليه «3».

قوله: (و تستحبّ الجماعة).

(2) و لا تجب عندنا، و تستحبّ كثرة المصلين لرجاء مجاب الدّعوة فيهم، و أربعون أفضل، لما روي من إجازة شفاعتهم و شهادتهم في الميّت «4»، و المائة أكمل، و يستحب أن يكونوا ثلاثة صفوف و تسوية الصّف كالمكتوبة، و أفضلها المؤخر بخلاف جماعة اليوميّة لخبر السّكوني، عن الصّادق عليه السّلام، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله «5».

قوله: (و رفع يديه في التكبيرات).

(3) أما رفع اليدين في تكبيرة الإحرام فموضع وفاق، و أمّا غيرها فقال في الذّكرى:

إن الأكثر على نفيه، و هو مرويّ من فعل علي عليه السّلام «6»، «7» و الظّاهر الاستحباب فيها‌

______________________________
(1) التهذيب 3: 195 حديث 449.

(2) الشرائع 1: 107.

(3) الصحاح 3: 1149 مادة (فرط).

(4) الخصال 2: 538 حديث 4.

(5) الكافي 3: 173 حديث 3، التهذيب 3: 319.

(6) التهذيب 3: 194 حديث 443، 444، الاستبصار 1: 478 حديث 1853، 1854.

(7) الذكرى: 63.

426
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الرابع: في كيفيتها ؛ ج 1، ص : 421

و وقوفه حتى ترفع الجنازة، (1) و لا قراءة فيها (2)

______________________________
أيضا لرواية عبد الرّحمن العرزمي
«1»، و عبد اللَّه بن خالد «2»، فعل الصّادق عليه السّلام له، و رواية يونس أمر الرّضا عليه السّلام به «3»، فتحمل الأولى على التقيّة كما تشعر به رواية يونس، و الأقرب استحباب الجهر بها للإمام ليسمع من خلفه، أمّا الدّعاء فيستحبّ الأسرار به مطلقا لأنه أقرب الى الإجابة، و يكره الجهر بالتكبير للمأموم، و الظاهر أنّ المنفرد يتخير.

قوله: (و وقوفه حتّى ترفع الجنازة).

(1) ظاهر العبارة استحباب ذلك لكل مصلّ، و رواية حفص بن غياث عن الصّادق عليه السّلام، عن أبيه عليهم السّلام: «أنّ عليّا عليه السّلام كان يفعل ذلك» «4» لا تدلّ على اختصاص الاستحباب بالإمام كما ذهب إليه في الذّكرى و حكاه عن ابن الجنيد «5» لثبوت التّأسي.

قوله: (و لا قراءة فيها).

(2) أي: لا واجبة و لا مندوبة، و هل تكره؟ ذهب الشّيخ في الخلاف إلى الكراهة، و ادعى عليه الإجماع «6»، و يظهر من كلام الذّكرى العدم «7»، و مذهب الشّيخ أظهر تأسيا بالنّبي صلّى اللَّه عليه و آله، و الأئمة عليهم السّلام، و لو كانت مستحبة لما أعرضوا عنها، و الجواز إنما هو مع الإتيان بواجب الدّعاء. و في المنتهى حمل بعض الأخبار بقراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى «8»، على أن أجزاءها من حيث تضمنها معنى الشّهادتين «9»، و فيه بعد ظاهر. و كذا الاستعاذة فيها. و لا يستحب دعاء الاستفتاح.

______________________________
(1) التهذيب 3: 194 حديث 445، الاستبصار 1: 478 حديث 1851.

(2) التهذيب 3: 195 حديث 447، الاستبصار 1: 478 حديث 1850.

(3) التهذيب 3: 195 حديث 446، الاستبصار 1: 478 حديث 1852.

(4) التهذيب 3: 195 حديث 448.

(5) الذكرى: 64.

(6) الخلاف 1: 169 مسألة 77 كتاب الجنائز.

(7) الذكرى: 60.

(8) التهذيب 3: 193، 319 حديث 440، 441 و 988، الاستبصار: 1: 477 حديث 1844، 1845.

(9) المنتهى 1: 452.

427
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الرابع: في كيفيتها ؛ ج 1، ص : 421

و لا تسليم، (1) و يكره تكرارها على الواحدة. (2)

______________________________
قوله: (و لا تسليم).

(1) لا واجبا و لا مندوبا بإجماع الأصحاب، و قال في الذّكرى: و ظاهرهم عدم مشروعيّته «1»، و أكثر الأخبار واردة بنفيه «2»، و ربّما أشعرت بنفي الشّرعية، و الأخبار الواردة بثبوته ضعيفة «3»، فلا تعارض هذه، و حملت على التقية لموافقتها مذهب أهل الخلاف.

قوله: (و يكره تكرارها على الواحدة).

(2) قال الشّيخ في الخلاف: و يكره لمن صلّى على الجنازة أن يصلّي عليها ثانيا «4»، و قال المصنّف في التذكرة: إن خيف على الميّت كرهت و إلّا فلا «5»، و في باقي كلامه ما يدل على الكراهيّة مع منافاة التّعجيل، و ظاهر المختلف كراهة التكرار مطلقا كما هنا «6».

و الأخبار مختلفة، ففي بعضها إطلاق منع التّكرار «7»، و في بعضها الإذن «8»، و هو مروي من فعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، و أمير المؤمنين علي عليه السّلام في مواضع مخصوصة، و ظاهر أنّه لا عموم لها، و كلام أمير المؤمنين عليه السّلام في نهج البلاغة يدلّ على الاختصاص بإظهار الشرف و الكرامة «9».

و الّذي ينبغي أن يجمع به بين الأخبار القول بكراهة التكرار من المصلّي الواحد مطلقا، إذ لا صراحة في شي‌ء منها بالإذن في ذلك إلّا ما روي من فعلهما‌

______________________________
(1) الذكرى: 60.

(2) الكافي 3: 185 حديث 2، التهذيب 3: 193 حديث 437- 438، الاستبصار 1: 477 حديث 1846- 1848، تحف العقول: 312.

(3) التهذيب 3: 191 حديث 435، الاستبصار 1: 478 حديث 1849.

(4) الخلاف 1: 170 مسألة 83 كتاب الجنائز.

(5) التذكرة 1: 51.

(6) المختلف: 120.

(7) التهذيب 3: 324، 332 حديث 1010، 1040، الاستبصار 1: 484، 485 حديث 1878، 1879، قرب الاسناد: 63.

(8) التهذيب 1: 296 حديث 869، 3: 334 حديث 1045، إعلام الورى: 144، الاحتجاج: 80.

(9) نهج البلاغة 2: 35 كتاب 28.

428
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الخامس: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 429

[المطلب الخامس: في الأحكام]

المطلب الخامس: في الأحكام كل الأوقات صالحة لصلاة الجنازة و ان كانت أحد الخمسة (1) إلّا عند تضيق الحاضرة. (2)

______________________________
عليهما السّلام، و لا عموم له كما علم. و لو تغاير المصلّي لم يكره إلّا أن ينافي التّعجيل.

و يتخير في المعادة بين نية الوجوب اعتبارا بأصل الفعل، و النّدب اعتبارا بسقوط الفرض.

قوله: (كل الأوقات صالحة لصلاة الجنازة و إن كانت أحد الخمسة).

(1) لأنّها ذات سبب، و للأخبار الواردة بعموم الاذن في فعلها في جميع الأوقات «1»، و المتبادر من الصّلاحيّة عدم المنع منها، و المراد بالخمسة: الأوقات الّتي يكره ابتداء النوافل فيها، و فيه رد على بعض العامّة المانع من فعلها حينئذ، لكن لا دلالة له على نفي الكراهيّة لأن الصّلاحيّة أعمّ من ذلك، و حينئذ فلا يحصل المطلوب من العبارة، أعني: نفي الكراهية في هذه الأوقات، إلا أن يريد مجرّد الرد على بعض العامّة المانعين منها حينئذ.

و حملها على استواء الطّرفين بعيد، و في العبارة فساد، فان ضمير (كانت) للأوقات و هو اسمها، و (أحد الخمسة) خبرها، و المفرد لا يخبر به عن الجمع كما لا يخفى.

قوله: (إلّا عند تضيق الحاضرة).

(2) أي: فتقدّم الحاضرة لانتفاء الصلاحيّة حينئذ، و هو شامل لما إذا تضيّقت الحاضرة خاصّة، و ما إذا تضيقتا معا.

و قد اختلف كلام الأصحاب في الفرض الثّاني، فاختار ابن إدريس تقديم‌

______________________________
(1) الكافي 3: 180 حديث 1، 2، التهذيب 3: 320 حديث 994- 1000، الاستبصار 1: 469 باب وقت الصلاة على الميت.

429
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الخامس: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 429

..........

______________________________
الحاضرة مطلقا
«1»، و قطع به المصنّف في المختلف «2» و قال الشّيخ في المبسوط «3» بتقديم الجنازة، و جعله في الذّكرى محتملا لضيق وقت الاختيار «4»، فيكون من الأعذار المسوغة للوقت الثّاني- بناء على مذهبه- و للضيق مطلقا، و يكون تقديم الجنازة جاريا مجرى إنقاذ الغير من الهلاك و نحوه مع ضيق الوقت و عدم إمكان الإيماء، فعلى هذا لا يقطع لوقوع الخلاف في المسألة.

و خرّج- هو ما إذا أمكن دفن الميّت قبل الصّلاة عليه، ثم تؤدى الحاضرة، ثم يصلّى على القبر- تقديم الحاضرة، لأنّه إنّما يفوت به تقديم صلاة الجنازة على الدّفن، و هو جيّد لا غبار عليه.

لكن لو تضيق الوقت على وجه لا يمكن معه ذلك، بأن لا يسع إلا الدفن مجرّدا عن الصّلاة أو الحاضرة، فوجوب تقديم أحكام الجنازة لا بأس حينئذ، لأن حرمة المسلم ميّتا كحرمته حيّا، و فساده المقتضي للمثلة و الإهانة لا قضاء له بخلاف الحاضرة، و رواية هارون بن حمزة، عن الصّادق عليه السّلام: «إذا دخل وقت المكتوبة فابدأ بها قبل الصّلاة على الميّت، إلّا أن يكون مبطونا، أو نفساء أو نحو ذلك» «5»، كالصريحة في ذلك، و ليس في رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السّلام ما ينافيه «6»، نعم لو أمكن الجمع بين الدّفن و الإيماء لليوميّة و تدارك الصّلاة على القبر لم يكن القول به بعيدا من الصواب.

و لو اتّسع الوقتان تخير عند المصنّف، و مال في الذّكرى الى استحباب تقديم الحاضرة «7»، و في رواية علي بن جعفر ما يشهد له، و عبارة الكتاب خالية من الدّلالة على شي‌ء منهما لما عرفت من معنى الصّلاحيّة سابقا، و من هذا يعلم حكم باقي الصّلوات‌

______________________________
(1) السرائر: 81.

(2) المختلف: 121.

(3) المبسوط 1: 185.

(4) الذكرى: 62.

(5) التهذيب 3: 320 حديث 994.

(6) التهذيب 3: 320 حديث 996، قرب الاسناد: 99.

(7) الذكرى: 62.

430
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الخامس: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 429

و لو اتسع وقتها و خيف على الميت لو قدمت صلّي عليه أولا، و ليست الجماعة شرطا و لا العدد، بل لو صلّى الواحد أجزأ و إن كان امرأة.

و يشترط حضور الميت لا ظهوره، فلو دفن قبل الصلاة عليه صلّي عليه يوما و ليلة على رأي، (1) و لو قلع صلّي عليه مطلقا. (2)

______________________________
مع الجنازة.

قوله: (فلو دفن قبل الصّلاة صلّي عليه يوما و ليلة على رأي).

(1) لأصحابنا في هذه المسألة أقوال:

الأول: التحديد بيوم و ليلة لميّت لم يصل عليه، أو مصلّ فاته الصّلاة و إن صلّى عليه غيره، و هو ظاهر كلام الأكثر «1»، و ظاهر عبارة المصنّف هنا أنّ ذلك لمن لم يصل عليه.

الثاني: التحديد بثلاثة أيّام «2».

الثالث: التحديد بتغير صورته، ذهب اليه ابن الجنيد «3».

الرابع: لا تحديد، و خصّه في المختلف بمن لم يصل عليه «4»، أما غيره فلا يجوز، و في البيان أطلق الحكم فيهما و نفى التحديد «5»، و أكثر النّصوص تشهد له، و ليس فيها ما يدلّ على شي‌ء من المذاهب السّالفة، و لا بأس بمختار المختلف لأن فيه جمعا بين الأخبار بأن تحمل أخبار الصّلاة بعد الدّفن على من لم يصل عليه، و غيرها على من صلّي عليه، و على هذا فتكون الصلاة على من لم يصل عليه واجبة لبقاء وقتها.

قوله: (و لو قلع صلّي عليه مطلقا).

(2) أي لو قلع من لم يصلّ عليه، و هو يقتضي بقاء شي‌ء منه صلّي عليه من غير تحديد لزوال المانع بالظّهور، و لو صار رميما ففي الحكم تردد، و لو كان قد صلّي عليه‌

______________________________
(1) منهم: المفيد في المقنعة: 38، و الشيخ الطوسي في الخلاف 1: 170 مسألة 83 كتاب الجنائز، و ابن البراج في المهذب 1: 132.

(2) قاله سلار في المراسم: 80.

(3) نقله عنه في المختلف: 120.

(4) المختلف: 120.

(5) البيان: 29.

431
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الخامس: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 429

نعم تقديم الصلاة على الدفن واجب إجماعا، و المسبوق يكبّر مع الامام ثم يتدارك بعد الفراغ، (1) فان خاف الفوات و الى التكبير، (2) فان رفعت الجنازة أو دفنت أتم و لو على القبر. (3)

______________________________
فهل يثنّى؟ يعلم حكمه مما سبق.

قوله: (و المسبوق يكبر مع الامام ثم يتدارك بعد الفراغ).

(1) يجوز الائتمام في أثناء صلاة الجنازة كاليوميّة و لو بين تكبيرتين، و لا ينتظر تكبير الإمام لإطلاق الشرعيّة، و نقل فيه الشيخ الإجماع «1»، فيأتي بالفائت بعد الفراغ كاليوميّة.

قوله: (فان خاف الفوات والى التكبير).

(2) لقول الصّادق عليه السّلام في رواية الحلبي: «فليقض ما بقي متتابعا» «2»، و هي و إن كانت مطلقة، إلا أنّها منزلة على عدم إمكان الإتيان بالدّعاء لقول النّبي صلّى اللَّه عليه و آله: «ما أدركتم فصلوا، و ما فاتكم فاقضوا» «3».

قوله: (فان رفعت الجنازة أو دفنت أتم و لو على القبر).

(3) لرواية القلانسي عن رجل، عن الصّادق عليه السّلام: «يتم التكبير و هو يمشي معها، فإذا لم يدرك التكبير كبر عند القبر، فإن أدركهم و قد دفن كبر على القبر» «4»، قال في الذّكرى: و هذا يشعر بالاشتغال بالدّعاء، إذ لو والى لم يبلغ الحال إلى الدّفن «5»، و ما قاله حق، لكن لو كان مشيهم إلى غير سمت القبلة، أو بحيث يفوت به شرط الصّلاة لم يبعد القول بوجوب موالاة التّكبير.

______________________________
(1) الخلاف 1: 169 مسألة 82 كتاب الجنائز.

(2) الفقيه 1: 102 حديث 471، التهذيب 3: 200 حديث 463، الاستبصار 1: 482 حديث 1865.

(3) سنن البيهقي 4: 44.

(4) التهذيب 3: 200 حديث 462، الاستبصار 1: 481 حديث 1862 و فيهما: عن أبي جعفر عليه السّلام مع اختلاف الراوي فيهما.

(5) الذكرى: 63.

432
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الخامس: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 429

و لو سبق الإمام بتكبيرة فصاعدا استحب إعادتها مع الامام. (1) و إذا تعددت الجنائز تخيّر الإمام في صلاة واحدة على الجميع، و تكرار الصلاة على كل واحدة أو على كل طائفة.

و لو حضرت الثانية بعد التلبّس تخيّر بين الإتمام و استئناف الصلاة على الثانية، و بين الابطال و الاستئناف عليهما. (2)

______________________________
قوله: (و لو سبق الإمام بتكبيرة فصاعدا استحب إعادتها مع الامام).

(1) مقتضاه عدم انقطاع القدوة بذلك، و هو حقّ كاليوميّة، لكن في استحباب الإعادة لو كان متعمّدا إشكال لأنها ركن، فزيادتها كنقصانها، أمّا لو كبّر ظانا تكبير الإمام أو ناسيا، فانّ الاستحباب ثابت ليدرك فضل الجماعة، و لا إثم هنا بخلاف العامد.

قوله: (و لو حضرت الثّانية بعد التلبّس تخيّر بين الإتمام و استئناف الصلاة على الثّانية، و بين الابطال و الاستئناف الصّلاة عليهما).

(2) هذا قول معظم الأصحاب «1»، استنادا إلى رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السّلام في قوم كبروا على جنازة تكبيرة أو تكبيرتين، و وضعت معها اخرى، قال: «إن شاءوا تركوا الاولى حتّى يفرغوا من التّكبير على الأخيرة، و إن شاءوا رفعوا الأولى و أتموا التّكبير على الأخيرة، كل ذلك لا بأس به» «2».

قال في الذّكرى: و الرّواية قاصرة عن إفادة المدّعى، إذ ظاهرها أن ما بقي من تكبير الاولى محسوب للجنازتين، فإذا فرغ من تكبير الاولى تخيروا بين تركها بحالها حتّى يكملوا التكبير على الأخيرة، و بين رفعها من مكانها و الإتمام على الأخيرة، و ليس في هذا دلالة على إبطال الصّلاة على الاولى بوجه، مع تحريم قطع العبادة الواجبة «3».

قلت: ما ذكره من عدم دلالة الرّواية على قطع الصّلاة واضح- و كذا تحريم‌

______________________________
(1) منهم: الصدوق في المقنع: 21، و الفقيه 1: 103، و الشيخ في المبسوط 1: 185، و ابن إدريس في السرائر:

82.

(2) الكافي 3: 190 حديث 1، التهذيب 3: 327 حديث 1020.

(3) الذكرى: 63.

433
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المطلب الخامس: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 429

و الأفضل تفريق الصلاة على الجنائز المتعددة، و تجزئ الواحدة (1)

______________________________
القطع- لعموم: (و لا تبطلوا)
«1»، إن لم يكن في المسألة إجماع، فإن كثيرا من عبارات الأصحاب متضمنة للقطع، إلّا أن ذلك لا يعد إجماعا، و توقفه في الحكم يشعر بعدم الظفر به، نعم لو خيف على الجنائز جاز القطع جزما.

و أما ما ذكره من التّشريك بين الجنازتين فيما بقي من التكبير، فغير مستفاد من الرّواية أصلا، بل كما يحتمله يحتمل الإكمال على الاولى، و الاستئناف على الثّانية، و لما فهم من ظاهر الرّواية التشريك استشكله بعدم تناول النيّة للثانية، و صحة العمل متوقفة على النيّة، ثم احتمل الاكتفاء بإحداث النيّة من الآن، و ما ذكره مبني على ما قد عرف ضعفه، و إن كانت عبارة ابن الجنيد «2»، و تأويل الشيخ «3»، و رواية جابر:

«إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كبر إحدى عشرة، و سبعا، و ستا» «4»، بالحمل على حضور جنازة أخرى، موافقين لما ذكره.

و الّذي يقتضيه النّظر عدم القطع إلّا عند الضّرورة ان لم يكن فيه خروج عن الإجماع، و متى قلنا بالتّشريك، فهل يفرق كون إحدى الصّلاتين واجبة و الأخرى مندوبة أم لا؟ ظاهر كلامه عدم الفرق، و هو يتم إذا قلنا باعتبار إحداث النيّة من الآن.

قوله: (و تجزئ الواحدة).

(1) ظاهر إطلاق العبارة عدم الفرق بين استواء الصّلاة بالنسبة إليهما في الوجوب و النّدب و عدمه، فيجمع في النيّة بين الوجهين بالتّقسيط كما احتمله في التّذكرة «5»، و يشكل بأنّ فعلا واحدا لا يكون واجبا و مستحبّا.

و يلوح من الذّكرى «6»، الميل إلى الاكتفاء بنية الوجوب، و لا أستبعده تغليبا لجانب الأقوى. و لا يلزم من عدم الاكتفاء بنية الوجوب في النّدب استقلالا عدم‌

______________________________
(1) محمد (ص): 33.

(2) حكاه في الذكرى: 64.

(3) التهذيب 3: 316 ذيل الحديث رقم 981.

(4) التهذيب 3: 316 حديث 981، الاستبصار 1: 474 حديث 1838.

(5) التذكرة 1: 50.

(6) الذكرى: 64.

434
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الدفن ؛ ج 1، ص : 435

فينبغي أن يجعل رأس الميت الأبعد عند ورك الأقرب، و هكذا صفا مندرجا، ثم يقف الإمام في وسط الصف. (1)

[الفصل الرابع: في الدفن]

الفصل الرابع: في الدفن و الواجب فيه على الكفاية شيئان:

الأول: دفنه في حفيرة تحرس الميت عن السباع، و تكتم رائحته

______________________________
الاكتفاء بها تبعا، كما في مندوبات الصّلاة و غيرها.

قوله: (فينبغي أن يجعل رأس الميّت الأبعد عند ورك الأقرب، و هكذا صفا مدرجا، ثم يقف الامام وسط الصّف).

(1) هذا إذا كانوا رجالا فقط، فلو كان معهم نساء جعل رأس المرأة الأولى عند ألية الرجل الأخير، و رأس الثانية عند رأس الاولى، إلى آخرهن، ثم يقوم الامام وسط الرّجال، روى ذلك كلّه عمّار بن موسى، عن الصّادق عليه السّلام «1»، و لا منافاة بين هذا و بين ما تقدم من مراعاة جعل صدر المرأة عند وسط الرّجل لأن ذلك مع اتحاد الرّجل.

و قول المصنّف سابقا: (فان كان عبدا وسط بينهما) بيان للمرتبة في المذكورين، و لا دلالة فيه على كيفية الصّف، نعم قد يقال: الغرض من ذلك مراعاة القرب من الامام، و ذلك يفوت بالصّف مدرجا.

قال في الذّكرى في التفريع: لا فرق في التّدريج إذا كان المجتمعون صنفا واحدا بين صفّ النّساء و الرّجال، و الأحرار و العبيد، و الماء و الأطفال، و الظاهر أنّه يجعلهم صفين كتراص البناء، لئلّا يلزم الانحراف عن القبلة، و إن كان ظاهر الرّواية أنّه صف واحد «2»، و في هذا الكلام شي‌ء.

قوله: (الفصل الرّابع في الدّفن: و الواجب فيه على الكفاية شيئان: دفنه في حفرة تحرس الميّت عن السّباع، و تكتم رائحته عن النّاس).

______________________________
(1) الكافي 3: 174 حديث 2، التهذيب 3: 322 حديث 1004، الاستبصار 1: 472 حديث 1872.

(2) الذكرى: 63.

435
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الدفن ؛ ج 1، ص : 435

عن الناس. (1)

و الثاني: استقبال القبلة به بأن يضجع على جانبه الأيمن. (2)

و المستحب وضع الجنازة على الأرض عند الوصول الى القبر، (3)

______________________________
(1) المراد بحراستها الميّت عن السّباع كونها بحيث يعسر نبشها غالبا، و هاتان الصّفتان متلازمتان في الغالب، و لو قدر انفكاك إحداهما عن الأخرى، فلا بدّ من مراعاتهما كما نبّه عليه في الذّكرى
«1»، لعدم حصول الغرض من الدّفن إلّا بذلك.

قوله: (و استقبال القبلة به بأن يضجع على جانبه الأيمن).

(2) لفعل النّبي صلّى اللَّه عليه و آله، و دفنه كذلك، و عليه الصّحابة و التّابعون و قد ذكر هذه الكيفيّة معظم الأصحاب «2»، و عن ابن حمزة استحباب الاستقبال حينئذ للأصل «3»، و يدفعه ما سبق. و يجب كون الحفرة مما يجوز التصرف به لذلك، إمّا بكونها مباحة، أو مرخّصا فيها من قبل المالك، خالية من ميّت آخر حيث يحرم النّبش.

و هل يجوز الدفن في ملك الميّت مع عدم رضى الوارث، أو كونه صغيرا فيكون من المستثنيات كمؤن التّجهيز، أم لا؟

لا أعلم تصريحا بذلك نفيا و لا إثباتا، و لا أستبعد مع تعذّر غيره الجواز.

و يسقط الاستقبال مع اشتباه القبلة، و عند تعذره كمن مات في بئر و تعذر إخراجه.

قوله: (و المستحب وضع الجنازة على الأرض عند الوصول إلى القبر).

(3) لخبر محمّد بن عجلان، عن الصّادق عليه السّلام: «لا تفدحه بقبره، و لكن ضعه دون قبره بذراعين أو ثلاث، و دعه حتّى يتأهب للقبر» «4»، فدحه الدين: أثقله، ذكره في الصّحاح «5».

و ليكن وضعه عند رجلي القبر، و المرأة قدامه ممّا يلي القبلة، و هو مقتضى قول المصنّف: (و أخذ الرّجل من عند رجلي القبر، و المرأة مما يلي القبلة)، لأن أخذه من‌

______________________________
(1) الذكرى: 64.

(2) منهم: الشيخان في المقنعة: 12 و المبسوط 1: 184 و ابن بابويه في الهداية: 27 و الفقيه 1: 108 و ابن البراج في المهذب 1: 63.

(3) الوسيلة: 60.

(4) التهذيب 1: 313 حديث 909.

(5) الصحاح 1: 390 مادة (فدح).

436
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الدفن ؛ ج 1، ص : 435

و أخذ الرجل من عند رجلي القبر، و المرأة ممّا يلي القبر، و إنزاله في ثلاث دفعات، و سبق رأسه (1) و المرأة عرضا، و تحفّي النازل، و كشف رأسه، و حل أزراره، (2)

______________________________
هناك يقتضي سبق الوضع، و قد استفيد ذلك كلّه من الاخبار
«1»، و يظهر من المنتهى إجماع علمائنا عليه «2».

قوله: (و إنزاله في ثلاث دفعات و سبق رأسه).

(1) في العبارة تجوّز، فان المراد نقله في ثلاث دفعات و إنزاله في الثّالثة، و ليكن سابقا برأسه، قال المفيد: كما سبق الى الدّنيا من بطن امّه «3»، قال في الذّكرى: و لم يزد ابن الجنيد في وضعه على مرّة «4»، و هو ظاهر المعتبر «5»، عملا بمدلول الحديث.

لما روى عبد الصّمد بن هارون، رفع الحديث قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السّلام: «إذا أدخل الميّت القبر، إن كان رجلا سلّ سلًا، و المرأة تؤخذ عرضا، فإنه أستر» «6».

قوله: (و تحفّي النازل، و كشف رأسه، و حل أزراره).

(2) لخبر أبي بكر الحضرمي، عن الصّادق عليه السّلام: «لا تنزل القبر و عليك عمامة، و لا قلنسوة، و لا رداء، و لا حذاء و حلّ أزرارك»، قلت: فالخف، قال:

«لا بأس بالخف في وقت الضّرورة و التقية» «7».

و يستحب أن يكون متطهرا، لقول الصّادق عليه السّلام: «توضأ إذا أدخلت الميّت القبر» «8».

______________________________
(1) الكافي 3: 193 حديث 4، 5، التهذيب 1: 316 حديث 915، 916، 919.

(2) المنتهى 1: 459.

(3) المقنعة: 12.

(4) الذكرى: 65.

(5) المعتبر 1: 298.

(6) التهذيب 1: 325 حديث 950.

(7) الكافي 3: 192 حديث 3، التهذيب 1: 313 حديث 911، الاستبصار 1: 213 حديث 751.

(8) التهذيب 1: 321 حديث 934.

437
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الدفن ؛ ج 1، ص : 435

و كونه أجنبيا إلّا المرأة، (1) و الدعاء عند إنزاله، و حفر القبر قامة أو الى

______________________________
و في الذّكرى أسند ذلك الى المصنّف، و المحقق، و قال: انّه في سياق خبر محمّد ابن مسلم و الحلبي عنه عليه السّلام
«1»، و كأنه لم يقطع بكون الأمر به من كلام الامام عليه السّلام.

و يستحب الدّعاء عند معاينة القبر بالمأثور، و يجوز تعدد النازل، و يتعين مع الحاجة، و لا عبرة بكونه وترا عندنا للنّص «2».

قوله: (و كونه أجنبيّا إلا المرأة).

(1) لأنه يورث قسوة القلب، و من قسا قلبه بعد من ربه، قال الصّادق عليه السّلام:

«أنها كم أن تطرحوا التراب على ذوي الأرحام فإن ذلك يورث القسوة في القلب، و من قسا قلبه بعد من ربّه» «3»، و لا فرق بين الابن و الأب، و إن كان خبر عبد اللَّه العنبري «4»، عن الصّادق عليه السّلام يقتضي خفة كراهيّة نزول الابن.

أمّا المرأة ففي خبر السّكوني، عن الصّادق عليه السّلام: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: مضت السنة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أن المرأة لا يدخلها قبرها إلا من كان يراها في حال حياتها» «5»، و الزّوج أولى من المحرم لما ذكر في الصّلاة و الغسل، و مع التّعذّر فامرأة صالحة، ثم أجنبيّ صالح، و إن كان شيخا فهو أولى- قاله في التّذكرة- «6»، يدخل يده من قبل كتفها، و آخر يدخل يده تحت حقويها، حكاه في الذكرى «7»، عن ابن حمزة «8».

قوله: (و حفر القبر قامة أو إلى الترقوة).

______________________________
(1) الذكرى: 65.

(2) الكافي 3: 193 حديث 4.

(3) الكافي 3: 199 حديث 5، التهذيب 1: 319 حديث 928.

(4) التهذيب 1: 320 حديث 930.

(5) الكافي 3: 193 حديث 5، التهذيب 1: 325 حديث 948.

(6) التذكرة 1: 52.

(7) الذكرى: 66.

(8) الوسيلة: 60.

438
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الدفن ؛ ج 1، ص : 435

الترقوة، (1) و اللّحد مما يلي القبلة، (2) و حل عقد الكفن من عند رأسه و رجليه، (3)

______________________________
(1) إجماعا منّا، و أكثر الأخبار الى الترقوة
«1»، و لا يعمق فوق ثلاث أذرع، لخبر السّكوني، عن الصّادق عليه السّلام عن النّبي صلّى اللَّه عليه و آله «2»، و لو تعذر الحفر لصلابة الأرض و نحوها وجب نقله الى ما يمكن حفره، فان تعذّر أجزأ البناء عليه إذا حصل به مقصود الدّفن، و لا يجزئ اختيارا لانه خلاف المعهود.

قوله: (و اللحد مما يلي القبلة).

(2) أي: يستحب اللحد عندنا، لقوله صلّى اللَّه عليه و آله: «اللّحد لنا، و الشق لغيرنا» «3». و المراد باللّحد: أنّه إذا بلغ الحافر أرض القبر حفر في حائطه مكانا يوضع فيه الميّت، و ليكن ممّا يلي القبلة استحبابا، قاله الأصحاب. و يستحب كونه واسعا مقدار ما يجلس فيه.

و هذا في غير الرخوة، أمّا فيها فيستحبّ الشّق خوفا من انهدامه، و لو عمل حينئذ شبه اللّحد من بناء في قبلته، فقد قال في المعتبر: إنّه أفضل «4»، و حكاه في الذّكرى عن ظاهر ابن الجنيد «5».

قوله: (و حل عقد الكفن من عند رأسه و رجليه).

(3) رواه إسحاق بن عمّار «6»، و أبو بصير، عنه عليه السّلام «7»، و في خبر حفص بن البختري «8»، و غيره عنه عليه السّلام: «يشق الكفن من عند رأسه» «9».

و ردّه في المعتبر لمخالفته لما عليه الأصحاب، و لأن فيه إفسادا للمال على وجه لم تثبت شرعيته «10».

______________________________
(1) الكافي 3: 165 باب حد حفر القبر، الفقيه 1: 107 حديث 498، التهذيب 1: 451 حديث 1469.

(2) الكافي 3: 66 حديث 4، التهذيب 1: 451 حديث 1466.

(3) سنن ابن ماجة 1: 496 حديث 1554.

(4) المعتبر 1: 296.

(5) الذكرى: 65.

(6) التهذيب 1: 457 حديث 1492.

(7) التهذيب 1: 450 حديث 1463.

(8) التهذيب 1: 458 حديث 1493.

(9) الكافي 3: 196 حديث 9.

(10) المعتبر 1: 301.

439
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الدفن ؛ ج 1، ص : 435

و جعل شي‌ء من تربة الحسين عليه السّلام معه، (1)

______________________________
و يمكن حمل الشّق على إرادة حل العقدة ليبدو وجهه، فكأنه شق عنه مجازا.

قوله: (و جعل شي‌ء من تربة الحسين عليه السّلام معه).

(1) تبركا بها، و تيمّنا، و احترازا من العذاب، و هو كاف في الاستحباب.

قال في المنتهى: روي أن امرأة كانت تزني، و تضع أولادها فتحرقهم بالنّار خوفا من أهلها، و لم يعلم بها غير أمّها، فلما ماتت دفنت، فانكشف التّراب عنها و لم تقبلها الأرض، فنقلت عن ذلك الموضع إلى غيره فجرى لها ذلك، فجاء أهلها إلى الصّادق عليه السّلام و حكوا له القصة، فقال لامّها: «ما كانت تصنع هذه في حياتها من المعاصي؟» فأخبرته بباطن أمرها، فقال عليه السّلام: «إنّ الأرض لا تقبل هذه، لأنها كانت تعذب خلق اللَّه بعذاب اللَّه، اجعلوا في قبرها شيئا من تربة الحسين عليه السّلام» ففعل ذلك، فسترها اللَّه تعالى «1» و نحوه قال في التذكرة «2».

و في الذّكرى أسند القول بذلك إلى الشّيخين، قال: و لم نعلم مأخذه «3»، و أسند الرّواية إلى نقل المصنّف، فكأنّه لم يثبت عنده سندها، إلا أن روايات السّنن مبنيّة على المسامحة، فيقبل فيها الخبر الضّعيف، خصوصا إذا اشتهر مضمونه.

قال: و الأحسن جعلها تحت خدّه، كما قاله المفيد في المقنعة «4»، و في الغرية:

في وجهه، و كذا في اقتصاد الشّيخ «5»، و قيل: تلقاء وجهه، و قيل: في الكفن، و في المختلف الكل جائز «6».

و يستحب أن تجعل له و سادة من تراب و نحوه، و يجعل خلف ظهره مدرة و شبهها لئلا يستلقي، و هما مرويان عن الصّادق عليه السّلام «7»، قال في التّذكرة: و يدنى من‌

______________________________
(1) المنتهى 1: 461.

(2) التذكرة 1: 52.

(3) الذكرى: 66.

(4) لم نجده في المقنعة و نقل عنه في المختلف: 121.

(5) الاقتصاد: 250.

(6) المختلف: 121.

(7) الفقيه 1: 108 حديث 500.

440
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الدفن ؛ ج 1، ص : 435

و تلقينه (1) و الدعاء له، (2) و شرج اللبن، (3)

______________________________
الحائط لئلا ينكب
«1».

قوله: (و تلقينه).

(1) أي: يستحب أن يلقّنه الملحد له الشّهادتين، و أسماء الأئمة عليهم السّلام، قال في الذّكرى: و به اخبار تكاد تبلغ التواتر، كخبر ابن عجلان، عن الصّادق عليه السّلام:

«يلقنه الشّهادتين، و يذكر له ما يعلم واحدا واحدا» «2»، و خبر محفوظ الإسكاف، عنه عليه السّلام: «ليكن أعقل من ينزل قبره عند رأسه، و ليكشف عن خدّه الأيمن حتّى يفضي به إلى الأرض، و يدني فاه إلى سمعه، و يقول: اسمع افهم، ثلاثا» «3» الحديث «4».

قوله: (و الدّعاء له).

(2) لخبر الحلبي عن الصّادق عليه السّلام يقول: «بسم اللَّه و في سبيل اللَّه، و على ملّة رسول اللَّه، اللّهمّ عبدك نزل بك و أنت خير منزول به، إلى آخره» «5».

و كذا يستحبّ قراءة الفاتحة و الإخلاص، و المعوذتين و آية الكرسي لخبر محمّد بن عجلان، عن الصّادق عليه السّلام «6»، و كذا يستحب الدّعاء عند وضع اللّبن، و عند الخروج من القبر.

قوله: (و شرج اللّبن).

(3) المراد به: بناؤه و تنضيده، أي: جعل بعضه فوق بعض، و إن سواه بالطين كان ندبا، لما روي أن النّبي صلّى اللَّه عليه و آله رأى في قبر ابنه خللا، فسوّاه بيده ثم قال:

«إذا عمل أحدكم عملا فليتقن» «7»، و في خبر إسحاق بن عمّار، عن الصّادق‌

______________________________
(1) التذكرة 1: 52.

(2) التهذيب 1: 313 حديث 909.

(3) الكافي 3: 195 حديث 5، التهذيب 1: 317 حديث 923.

(4) الذكرى: 66.

(5) الكافي 3: 194 حديث 1، التهذيب 1: 315 حديث 915.

(6) التهذيب 1: 313 حديث 909.

(7) الكافي 3: 262 حديث 45.

441
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الدفن ؛ ج 1، ص : 435

و الخروج من قبل رجلي القبر، (1) و إهالة الحاضرين التراب بظهور الأكف مسترجعين، (2)

______________________________
عليه السّلام: «تضع الطّين و اللبن»
«1».

قوله: (و الخروج من قبل رجل القبر).

(1) احتراما للميّت، و لقول الباقر عليه السّلام: «من دخل القبر فلا يخرج إلا من قبل الرّجلين» «2»، و لما روي أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله قال: «إنّ لكلّ بيت بابا، و باب القبر من قبل الرّجلين» «3».

قوله: (و إهالة الحاضرين التراب بظهور الأكف مسترجعين).

(2) في القاموس: إهالة التّراب: صبّه «4»، و يستحبّ كونه بظهور الأكف، لمرسلة محمّد بن الأصبغ، عن الكاظم عليه السّلام انّه فعل كذلك «5»، و أقلّه ثلاث حثيات باليدين جميعا لفعل النّبي صلّى اللَّه عليه و آله «6»، و لما روي عن الباقر عليه السّلام انّه حثا على ميّت مما يلي رأسه ثلاثا بكفيه «7».

و يستحبّ الدّعاء، قال الصّادق عليه السّلام: «إذا حثوت التّراب على الميّت، فقل: اللّهم ايمانا بك، و تصديقا بكتابك، هذا ما وعد اللَّه و رسوله، و صدق اللَّه و رسوله. و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يقول: من حثا على ميّت، و قال هذا القول، أعطاه اللَّه بكلّ ذرّة حسنة» «8».

و يستحبّ أن يقولوا في هذا الحال: إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ، و هو معنى قوله:

(مسترجعين)، يقال: رجع و استرجع في المصيبة إذا قال ذلك. و لا يهيل ذو الرّحم، لورود النّهي عنه «9» معلّلا بأنّه يورث قسوة القلب.

______________________________
(1) التهذيب 1: 454 حديث 1492.

(2) الكافي 3: 193 حديث 4، التهذيب 1: 316 حديث 917.

(3) الكافي 3: 193 حديث 5، التهذيب 1: 316 حديث 918.

(4) القاموس 4: 71- 72 مادة (هيل).

(5) التهذيب 1: 318 حديث 925.

(6) سنن البيهقي 3: 410.

(7) التهذيب 1: 319 حديث 927.

(8) التهذيب 1: 319 حديث 926.

(9) الكافي 3: 199 حديث 5، التهذيب 1: 319 حديث 928.

442
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الدفن ؛ ج 1، ص : 435

و رفع القبر أربع أصابع (1) و تربيعه، و صب الماء عليه من قبل رأسه ثم يدور عليه، و صب الفاضل على وسطه، (2)

______________________________
قوله: (و رفع القبر أربع أصابع).

(1) اختلف الأصحاب و الاخبار في كونها مفرجات أو مضمومات «1»، و في بعض الأخبار شبر «2»، و هو يقوي التّفريج لأنّه أقرب إليه، و الكل جائز، و يكره أن يرفع أكثر من ذلك، قال في المنتهى و هو فتوى العلماء «3».

و يستحبّ تسطيحه بإجماعنا، و ورود النّص عليه «4»، و يكره التّسنيم، و كذا يستحب أن توضع له علامة من حجر أو خشبة ليزار و يترحم عليه، و ليكن عند رأسه، لفعل النّبي صلّى اللَّه عليه و آله ذلك بقبر عثمان بن مظعون، و قال: «أعلم بها قبر أخي، و أدفن إليه من مات من اهله» «5».

قوله: (و تربيعه و صبّ الماء عليه من قبل رأسه ثم يدور عليه، و صب الفاضل على وسطه).

(2) أي: يستحبّ أن يكون مربّعا لخبر محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام «6». و كذا يستحبّ صب الماء على القبر بادئا بالرّأس، ثم يدور الى أن ينتهي إليه لقول الصّادق عليه السّلام: «السنة في رش الماء على القبر أن يستقبل القبلة، و يبدأ من عند الرأس إلى الرّجلين، ثم يدور على القبر من الجانب الآخر، ثم يرش على وسط القبر» «7».

و هل الابتداء بالصّب من جهة القبلة أم لا؟ ليس في الرّواية و كلام الأصحاب تعيين للكيفية، فبأي الجانبين بدأ جاز، و ليكن الصّب متّصلا كما يفهم من الرّواية،

______________________________
(1) الكافي 3: 199 باب تربيع القبر، التهذيب 1: 315، 320، 321 حديث 916، 932، 934.

(2) علل الشرائع 307 حديث 2 باب 255، التهذيب 1: 469 حديث 1538، قرب الاسناد: 72.

(3) المنتهى 1: 462.

(4) التهذيب 1: 459 حديث 1497، سنن البيهقي 4: 2.

(5) سنن ابن ماجة 1: 498 حديث 1561.

(6) التهذيب 1: 315، 458 حديث 916، 1494.

(7) التهذيب 1: 320 حديث 931 باختلاف يسير.

443
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الدفن ؛ ج 1، ص : 435

و وضع اليد عليه و الترحم، (1) و تلقين الولي بعد الانصراف مستقبلا للقبر و القبلة بأرفع صوته، (2)

______________________________
و حكاه في الذّكرى عن الصّدوق
«1».

قوله: (و وضع اليد عليه و الترحم).

(1) و لتكن مؤثرة مفرجة الأصابع لقول الباقر عليه السّلام: «إذا حثي عليه التّراب و سوي قبره فضع كفك على قبره عند رأسه، و فرج أصابعك، و اغمز كفك عليه بعد ما ينضح بالماء» «2»، و عن الباقر عليه السّلام انّه قال بعد أن وضع كفّه على القبر: «اللّهم جاف الأرض عن جنبيه، و أصعد إليك روحه، و لقه منك رضوانا، و أسكن قبره من رحمتك ما تغنيه به عن رحمة من سواك» «3»، ثم مضى. و حكى في الذّكرى، عن الصّدوق قال: متى زار قبره دعا به مستقبل القبلة «4»، و على ذلك عمل الأصحاب «5».

قوله: (و تلقين الولي بعد الانصراف مستقبلا للقبر و القبلة بأرفع صوته).

(2) استحباب تلقين الوليّ له، أو من يأمره بعد انصراف النّاس عند جميع علمائنا، و هو مرويّ عن الباقر و الصّادق عليهما السّلام، و في الخبرين: «أن أحد الملكين يقول لصاحبه: انصرف بنا عن هذا فقد لقن حجته» «6»، و ليس فيهما تعرض لكيفية الوقوف، و ما ذكره المصنّف من استقبال القبلة و القبر هو قول ابن إدريس «7».

و حكى في الذّكرى عن ابن البرّاج، و الشّيخ يحيى بن سعيد استدبار القبلة‌

______________________________
(1) الذكرى: 67، و انظر: الفقيه 1: 109.

(2) التهذيب 1: 457 حديث 1490.

(3) التهذيب 1: 319 حديث 927.

(4) الذكرى: 68، و انظر: الفقيه 1: 109.

(5) منهم: الشيخ الطوسي في المبسوط 1: 187 و ابن البراج في المهذب 1: 63، و المحقق في المعتبر 1: 302 و الشهيد في الدروس: 13.

(6) الكافي 3: 201 حديث 11، الفقيه 1: 109 حديث 501، العلل 308 حديث 1 باب 257، التهذيب 1: 321، 459 حديث 935، 1496.

(7) السرائر: 33.

444
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الدفن ؛ ج 1، ص : 435

و التعزية و أقلّها الرؤية له قبل الدفن و بعده. (1)

______________________________
و استقبال القبر
«1»، و هو أدخل في المراد، لأن وجه الميّت إلى القبلة، فإذا استدبرها كان متوجّها إليه، و الكلّ جائز.

و ليكن ذلك بأرفع صوته، قاله الأصحاب، و مع التقيّة يقوله سرا. و لا فرق في هذا الحكم بين الصغير و الكبير على الظاهر، كما في الجريدتين، لإطلاق الخبر، و التعليل بدفع السّؤال لا ينافيه، كما في عموم كراهة المشمّس، و إن كان المحذور إنّما يتولد على وجه مخصوص.

قوله: (و التعزية و أقلّها الرّؤية له قبل الدفن و بعده).

(1) التعزية: تفعلة من العزاء، و هو الصّبر، و المراد بها الحمل على الصّبر، و التسلّي عن المصاب بإسناد الأمر الى اللَّه عزّ و جلّ، و نسبته إلى عدله و حكمته، و التّذكير بما و عد اللَّه على الصّبر، مع الدّعاء للميّت و المصاب، و هي مستحبّة إجماعا لقوله عليه السّلام:

«من عزّى مصابا فله مثل أجره» «2»، و قال عليه السّلام: «التعزية تورث الجنّة» «3».

و يجوز فعلها قبل الدّفن إجماعا، و بعده من غير كراهة عند أكثر العلماء للعموم، بل قال الشيخ: إنّها أفضل بعد الدّفن «4»، و يشهد له قول الصّادق عليه السّلام:

«التّعزية لأهل المصيبة بعد ما يدفن» «5»، و لاشتغالهم بميّتهم قبله، و لأن الجزع يكثر بعده، لأنه وقت المفارقة، و تستحبّ تعزية جميع أهل المصيبة، كبيرهم و صغيرهم، و يتأكّد من ضعف عن تحمّل المصيبة، و لا فرق بين الرّجل و المرأة لقوله عليه السّلام:

«من عزى ثكلى كسي بردا في الجنّة» «6»، لكن يكره للرّجل تعزية المرأة الشّابة خوفا من الفتنة.

______________________________
(1) الذكرى: 68، و الجامع للشرائع: 55، و المهذب 1: 64.

(2) الكافي 3: 205 حديث 2، سنن ابن ماجة 1: 511 حديث 1602، سنن الترمذي 2: 268 حديث 1079.

(3) ثواب الأعمال 235 حديث 1.

(4) الخلاف 1: 170 مسألة 91 كتاب الجنائز.

(5) الكافي 3: 204 حديث 2.

(6) مسكن الفؤاد: 116، سنن الترمذي 2: 269 حديث 1082.

445
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الدفن ؛ ج 1، ص : 435

..........

______________________________
و الظّاهر أنّه لأحد للتعزية لعدم الظفر بقاطع في التوقيت، و نقل الصّدوق عن الباقر عليه السّلام: «أنّه يصنع للميّت مأتم ثلاثة أيّام»
«1» لا يقتضي التحديد بها في التعزية، نعم لو أدت إلى تجديد حزن قد نسي كان تركها أولى.

و يستحبّ صنع الطعام لأهل الميّت و بعثه إليهم إجماعا إعانة لهم، و جبرا لقلوبهم، و لأمر النّبي صلّى اللَّه عليه و آله فاطمة عليها السلام ان تأتي أسماء بنت عميس، عند قتل جعفر بن أبي طالب، و أن تصنع لهم طعاما ثلاثة أيّام «2».

و يكره الأكل عندهم لقول الصّادق عليه السّلام: «إنّه من عمل الجاهليّة» «3»، و هو يشعر بكراهية الجلوس عندهم للتعزية يومين و ثلاثة أيّام، كما اختاره الشيخ في المبسوط «4»، و نقل فيه الإجماع، و أنكره ابن إدريس «5»، و يمكن أن يقال: إن الأمر بعمل المأتم ثلاثة أيّام يقتضي عدم الكراهيّة، لأن المراد به اجتماع النّساء في المصيبة، كما دلّ عليه كلام أهل اللّغة.

و ليس في التّعزية شي‌ء موظف، بل أقله أن يرى المعزي صاحب المصيبة، و هو المراد من قول المصنّف: «و أقلّها الرؤية» و ليقل ما روي عن الصّادق عليه السّلام انّه قال في تعزية قوم: «جبر اللَّه وهنكم، و أحسن عزاكم، و رحم متوفّاكم» «6»، و هذا في غير تعزية الذّمي، فيقول في تعزيته لقريبه الكافر إن قلنا بالجواز: أخلف اللَّه عليك، و لا نقص عددك، قاصدا به كثرة الجزية، و بقريبه المسلم: و غفر لميّتك، و في عكسه:

أعظم اللَّه أجرك، و أخلف عليك أي: كان اللَّه خليفة عليك. و في المنتهى لا يجوز تعزية الكفّار و المخالفين للحق «7».

______________________________
(1) الفقيه 1: 116 حديث 545.

(2) الكافي 3: 217 حديث 1، الفقيه 1: 116 حديث 549.

(3) الفقيه 1: 116 حديث 548.

(4) المبسوط 1: 189.

(5) السرائر: 34.

(6) الفقيه 1: 110 حديث 506.

(7) المنتهى 1: 465.

446
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الخامس: في اللواحق ؛ ج 1، ص : 447

[الفصل الخامس: في اللواحق]

الفصل الخامس: في اللواحق (1) راكب البحر مع تعذّر البر يثقّل أو يوضع في وعاء بعد غسله و الصلاة عليه ثم يلقى في البحر. (2)

و لا يدفن في مقبرة المسلمين غيرهم إلّا الذميّة الحامل من مسلم، و يستدبر بها

______________________________
قوله: (الفصل الخامس: في اللّواحق).

(1) و المراد بها متمّمات ما سبق.

قوله: (راكب البحر مع تعذّر البرّ يثقّل أو يوضع في وعاء بعد غسله و تكفينه و الصّلاة عليه، ثم يلقى في البحر).

(2) المراد بالتعذّر ما يشق معه الوصول الى البّر عادة، و لو رجي بعد زمان قصير لا يفسد فيه الميّت، ففي وجوب الصّبر و جواز المسارعة إلى الإلقاء في البحر تردّد، و ينبغي أن يراد بالبحر ما يعم الأنهار العظيمة كالنيل.

و متى تحقق تعذر البر تخيّر المكلف بين ربط شي‌ء ثقيل كحجر في رجليه، كما ورد في الحديث «1»، و الظاهر أنّه يجوز في غيرهما، ثم يلقى في الماء مستقبلا كما يدفن في البرّ، و بين أن يجعل في إناء ثقيل كالخابية «2»، للخبر عن الصّادق عليه السّلام «3»، لا نحو الصّندوق الّذي يبقى على وجه الماء، لعدم صدق اسم الدّفن عليه. و يجب الاستقبال حين إلقائه، كما سبق، و هذا كلّه بعد تغسيله، و تكفينه، و تحنيطه، و الصّلاة عليه، كما هو معلوم، و لا يخفى أن الوعاء و آلة التثقيل من أصل التركة لأنّهما من جملة مؤن التّجهيز.

قوله: (و لا يدفن في مقبرة المسلمين غيرهم إلا الذمية الحامل من مسلم و يستدبر بها القبلة).

______________________________
(1) الفقيه 1: 96 حديث 441، التهذيب 1: 339 حديث 995، الاستبصار 1: 251 حديث 761.

(2) الخابية: الحبّ، الصحاح 1: 46 مادة (خبأ).

(3) الكافي 3: 213 حديث 1، الفقيه 1: 96 حديث 441، التهذيب 1: 339 حديث 995، الاستبصار 1: 215 حديث 761.

447
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الخامس: في اللواحق ؛ ج 1، ص : 447

القبلة. (1)

و يكره فرش القبر بالساج بغير ضرورة، (2)

______________________________
(1) لا يجوز أن يدفن في مقبرة المسلمين غيرهم من الكفّار على اختلاف أنواعهم، كما لا يجوز تغسيلهم و تكفينهم و غيرهما من الأحكام السّالفة، و كذا أطفالهم بإجماع العلماء، و يجب في مواراة الكافر لدفع تأذي المسلمين بجيفته، أن لا يقصد به الدّفن.

و يستثني من ذلك الذّمية الحامل من مسلم بنكاح بأن يسلّم عليها، أو يعقد عليها، أما مطلقا أو متعة على اختلاف الرأيين، أو بملك اليمين، أو بشبهة، و كذا الحربية لو أسلم عليها أو وطئها بشبهة، فإنّه يجب دفنها في مقبرة المسلمين لحرمة الولد، إذ لو سقط لوجب دفنه، فلا تسقط حرمته في جوف امّه، و لقول الرّضا عليه السّلام في الأمة الكتابية تحمل من المسلم ثم تموت مع ولدها: «يدفن معها» «1»، و الأصل في الدّفن الحقيقة شرعا، فلا يرد طعن صاحب المعتبر «2»، بأنّه لا دلالة فيها.

و يجب أن يستدبر بها القبلة على جانبها الأيسر ليكون وجه الجنين إلى القبلة على جانبه الأيمن، لأن وجهه إلى ظهرها و هو المقصود بالدّفن، قال في التذكرة: و هو وفاق «3».

و هل يجب ذلك في الكافرة الحامل من زنى المسلم؟ ظاهر العبارة نعم، لأن الحمل من المسلم يعمّه اعتبارا بكونه ولدا لغة، و لهذا يحكم بتحريمه على الزاني إذا كان أنثى، و فيه تردّد لعدم اللحاق شرعا، و قد سبق مثله في تغسيل ولد الزّنى الطّفل، و كذا باقي الأحكام.

قوله: (و يكره فرش القبر بالساج لغير ضرورة).

(2) السّاج خشب معروف، و لا تختص الكراهيّة بهذا الصّنف، بل يكره كلّما أشبهه، و يجوز فعله عند الضّرورة كنداوة الأرض، قاله الأصحاب، و لمكاتبة علي بن بلال بالجواز «4»، و إن كانت مقطوعة لاعتضادها بفتوى الأصحاب، أما وضع الفرش و المخدة و نحوها فلا نصّ عندنا فيه، و الاعراض عنه هو الموافق لأحكام هذا الباب، أمّا إطباق‌

______________________________
(1) التهذيب 1: 334 حديث 980.

(2) المعتبر 1: 292.

(3) التذكرة 1: 56.

(4) الكافي 3: 197 حديث 1، التهذيب 1: 456 حديث 1488.

448
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الخامس: في اللواحق ؛ ج 1، ص : 447

و إهالة ذي الرحم، و تجصيص القبور (1) و تجديدها، (2)

______________________________
اللحد بالساج و نحوه فلا بأس به.

قوله: (و تجصيص القبور).

(1) أي: يكره ذلك، و حكى في التّذكرة الإجماع على الكراهية «1»، و قد روي عن الكاظم عليه السّلام: «لا يصلح البناء على القبر، و لا الجلوس، و لا تجصيصه، و لا تطيينه» «2»، و حكى في الذّكرى، عن الشّيخ: أن المكروه تجصيصه بعد الاندراس لا ابتداء «3»، لما روي أن الكاظم عليه السّلام أمر بعض مواليه بتجصيص قبر ابنة له ماتت، و كتب اسمها على لوح و جعله في القبر «4»، و فيه جمع ظاهر، و في المنتهى حمل الأمر بالتجصيص في هذا الحديث على التطيين، و حكم بكراهة التجصيص مطلقا و التطيين بعد اندراسها لا ابتداء «5»، و في قول الشّيخ قوة، خصوصا إذا كان المراد به دوام تميزه ليزار و يترحم عليه.

قوله: (و تجديدها).

(2) أي: بعد اندراسها، فقد روي أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال: «من جدد قبرا، أو مثل مثالا فقد خرج من الإسلام» «6»، و هو منزل على قصد مخالفة الشارع بهذا الفعل استحلالا، أو على المبالغة في الزّجر مجازا، أي: هو على حد ذلك.

و قد روي الحديث بلفظ (حدد) بالحاء المهملة، أي: سنم، و بالخاء المعجمة من الخد، و هو الشّق، فان شق القبر يتضمّن النّبش المحرم، و روي جدث بالجيم و التّاء المثلثة و هو قريب من الشّق، لأن الحدث القبر، فيكون معنى جدث القبر جعله جدثا لميّت آخر، و هو يستلزم النّبش و التّنزيل «7»، كما سبق.

______________________________
(1) التذكرة 1: 56.

(2) التهذيب 1: 461 حديث 1503، الاستبصار 1: 217 حديث 767.

(3) الذكرى: 68، و النهاية: 44.

(4) الكافي 3: 202 حديث 3، التهذيب 1: 461 حديث 1501، الاستبصار 1: 217 حديث 768.

(5) المنتهى 1: 463.

(6) الفقيه 1: 120 حديث 579، التهذيب 1: 459 حديث 1497.

(7) التهذيب 1: 459 ذيل حديث 1497.

449
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الخامس: في اللواحق ؛ ج 1، ص : 447

و المقام عندها، و التظليل عليها، (1) و دفن ميّتين في قبر واحد، (2) و النقل إلّا الى أحد المشاهد، (3)

______________________________
و لا يخفى أن كراهية التجصيص و التجديد فيما عدا قبور الأنبياء و الأئمّة عليهم السّلام، لإطباق السّلف و الخلف على فعل ذلك بها و لأن فيه تعظيما لشعائر اللَّه عزّ و جلّ، و لفوات كثير من المقاصد الدّينيّة بترك ذلك.

قوله: (و المقام عندها و التظليل عليها).

(1) أي: يكره ذلك، لما فيه من إظهار السخط لقضاء اللَّه، و الاشتغال عن مصالح المعاد و المعاش، و ظني أنّه إذا تعلق بشي‌ء من ذلك غرض صحيح كالإقامة عندها لتلاوة القرآن، و دوام الاتعاظ بها، و الاعراض عن زهرة الحياة الدنيا، و التّظليل لدفع أذى نحو الحرّ و البرد حين التّلاوة لا يعد مكروها و لا يحضرني الآن تصريح به.

قوله: (و دفن ميتين في قبر).

(2) أي: يكره ذلك اختيارا أما في حال الضّرورة فلا بأس، و هذا إذا كان دفنهما ابتداء، أما إذا دفن أحدهما، ثم أريد نبشه و دفن آخر فيه، فقد قال في المبسوط:

يكره «1»، و الأصحّ المنع، لسبق حق الأول و تحريم النّبش، نعم لو كان الدّفن في أزج «2»، متسع جاز لانتفاء الأمرين، إذ لا يعد ذلك نبشا في العادة، و كرهه في التّذكرة «3».

قوله: (و النقل إلا الى أحد المشاهد).

(3) أي: يكره نقل الميّت عن بلد موته لمنافاته التّعجيل المأمور به، و على ذلك إجماع العلماء، و هذا في غير مشاهد الأئمة عليهم السّلام، فيستحب النّقل إليها و عليه عمل الإماميّة من زمن الأئمة عليهم السّلام الى زماننا فكان إجماعا، قاله في التّذكرة «4». و لو كان هناك مقبرة بها قوم صالحون، أو شهداء استحب النّقل إليها لتناله بركتهم و بركة‌

______________________________
(1) المبسوط 1: 187.

(2) الأزج: نوع من الأبنية فيه طول القاموس المحيط 1: 177 «أزج».

(3) التذكرة 1: 56.

(4) التذكرة 1: 56.

450
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الخامس: في اللواحق ؛ ج 1، ص : 447

..........

______________________________
زيارتهم، قاله في الذّكرى
«1»، أمّا الشّهيد فالأولى دفنه حيث قتل، لقوله صلّى اللَّه عليه و آله: «ادفنوا القتلى في مصارعهم» «2».

و يستحبّ جمع الأقارب في مقبرة، لأن النّبي صلّى اللَّه عليه و آله لما دفن عثمان بن مظعون قال: «أدفن إليه من مات من أهله» «3»، و يقدم الأب، ثم من يليه في الفضل و الذكر على الأنثى، ذكره في الذّكرى «4»، و الظاهر أن المراد تقديمه إلى القبلة.

و لو دفن الميّت لم يجز نقله و إن كان إلى المشاهد لتحريم النّبش: لإطلاق تحريم النبش، قال في التّذكرة: و سوغه بعض علمائنا «5»، قال الشّيخ: و قد وردت رواية بجواز نقله إلى بعض مشاهد الأئمة عليهم السّلام سمعناه مذاكرة «6»، و حكى في الذّكرى عن ابن حمزة كراهية النّقل، و عن ابن الجنيد جوازه «7»، لصلاح يراد بالميّت، و ما رواه الصّدوق عن الصّادق عليه السّلام: «من أنّ موسى عليه السّلام استخرج عظام يوسف عليه السّلام من شاطئ النيل و حمله الى الشام» «8»، قد يدلّ على الجواز، لأن الظاهر أنّه عليه السّلام ذكره مقرّرا له، كحديث «ذكري على كلّ حال حسن «9»».

و لأن غرض الشّفاعة بالمجاورة و نيل البركة بعد الوفاة أمر مطلوب، كما ينبّه عليه ما روي: «أنّ موسى عليه السّلام لما حضرته الوفاة سأل اللَّه أن يدنيه من الأرض‌

______________________________
(1) الذكرى: 65.

(2) دعائم الإسلام 1: 238، سنن ابن ماجة 1: 486 حديث 1516، سنن الترمذي 3: 131 باختلاف في الجميع.

(3) الذكرى: 65.

(4) الذكرى: 65.

(5) التذكرة 1: 56.

(6) المبسوط 1: 187.

(7) نقله في الذكرى: 65 و انظر: الوسيلة: 62.

(8) الفقيه 1: 123 حديث 594.

(9) التهذيب 1: 27 حديث 68.

451
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الخامس: في اللواحق ؛ ج 1، ص : 447

و الاستناد الى القبر، و المشي عليه. (1)

و يحرم نبش القبر، (2) و نقل الميت بعد دفنه،

______________________________
المقدسة
«1»»، فعلى هذا القول بجواز النّقل لا يخلو من قرب، لكن يشترط أن لا يبلغ الميّت حالة يلزم من نقله هتكه و مثلته، بأن يصير متقطعا و نحوه.

قوله: (و الاستناد إلى القبر و المشي عليه).

(1) أي: يكره كلّ منهما، لأن حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيّا، و نقل ذلك في التّذكرة عن علمائنا، و أكثر أهل العلم «2»، و قد روي عن النّبي صلّى اللَّه عليه و آله أنّه قال: «لان يجلس أحدكم على جمر فتحرق ثيابه، و تصل النّار الى بدنه أحبّ اليّ من أن يجلس على قبر «3»»، و المراد به المبالغة في الزّجر.

و لا ينافي ذلك ما رواه الصّدوق، عن الكاظم عليه السّلام: «إذا دخلت المقابر فطأ القبور، فمن كان مؤمنا استروح إلى ذلك، و من كان منافقا وجد ألمه «4»»، لإمكان أن يراد الدّخول لأجل الزّيارة.

قوله: (و يحرم نبش القبر).

(2) تحريم النّبش في الجملة إجماعي، و استثني مواضع:

أ: إذا صار الميّت رميما اتفاقا، و يختلف ذلك باختلاف الأهوية و الترب، و مع الشّك يرجع فيه إلى أهل الخبرة، فلو ظن ذلك و ظهر بقاؤه وجب طمّه كما كان، و لا فرق في جواز النّبش بعد صيرورته رميما بين كون النّبش لدفن غيره، أو لمصلحة أخرى، و لا بين كون ذلك في المسبلة أو المملوكة للغير إذا أعارها للدفن، و متى علم صيرورته رميما لم يجز تصويره بصورة المقابر في الأرض المسبلة لأنه يمنع من الهجوم على الدّفن فيه.

ب: إذا دفن في أرض مغصوبة أو مشتركة و لم يأذن الشّريك فانّ للمالك‌

______________________________
(1) صحيح البخاري 2: 113.

(2) التذكرة 1: 56.

(3) صحيح مسلم 2: 666 حديث 96، و مسند أحمد: 2: 311- 312، و سنن ابن ماجة 1: 499 حديث 1566، و سنن البيهقي 4: 79.

(4) الفقيه 1: 115 حديث 539.

452
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الخامس: في اللواحق ؛ ج 1، ص : 447

..........

______________________________
قلعه لتحريم شغل مال الغير و إن أدى الى هتك الميّت، كذا قال في الذّكرى
«1»، لأن حق الآدمي مبني على الضيق، و هو واضح إذا أمكن نقله إلى موضع مباح، أما مع التعذّر ففيه نظر. و لا ريب أن الأفضل للمالك ترك القلع بعوض أو مجانا.

و لو أستعير للدفن جاز الرّجوع قبل الطم لا بعده، لأن النّبش محرم، و لأن الدّفن مؤبد إلى أن يبلى الميّت. و لو دفن الميّت في أرض ثم بيعت، ففي المبسوط: انّه يجوز للمشتري نقل الميّت و الأفضل تركه، لأنه لا دليل يمنع من ذلك «2»، و هو يتم إذا كانت مغصوبة، كما نبّه عليه المصنّف.

ج: لو كفن في مغصوب جاز نبشه لطلب المالك، و لا يجب عليه أخذ القيمة عندنا، نعم يستحبّ، و الفرق بأنّ تقويم المدفن غير ممكن بخلاف الثوب ضعيف لأن إجارة البقعة زمانا يعلم فيه بلى الميت ممكن، و ذكر في الذّكرى احتمال و هو أنّه إذا أدى النّبش إلى هتك الميّت بظهور ما ينفر منه لم ينبش لبقاء حرمته «3»، و لهذا الاحتمال وجه، و يجي‌ء في الأرض المغصوبة و نحوها.

د: لو وقع في القبر ماله قيمة عادة جاز النّبش لأخذه، للنّهي عن إضاعة المال، و لو ابتلع الميّت مالا لغيره في حال حياته فهل يشق جوفه بعد الموت لأخذه؟ قولان:

أحدهما: لا، و هو مختار الخلاف لبقاء حرمة المسلم «4».

و الثّاني: يشق لإيصال الحق إلى مستحقه «5».

و احتمل في الذّكرى تقييده بعدم ضمان الوارث «6»، فان قلنا: لا يشق، أخذ من تركته جزما، و هذا بخلاف ما لو ابتلع مال نفسه، و متى بلى و انتفت المثلة جاز النّبش مطلقا كما صرّح به في التّذكرة «7».

______________________________
(1) الذكرى: 76.

(2) المبسوط 1: 188.

(3) الذكرى: 76.

(4) الخلاف 1: 171 مسألة 94 كتاب الجنائز.

(5) قاله العلامة في التذكرة 1: 56.

(6) الذكرى: 76.

(7) التذكرة 1: 56.

453
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الخامس: في اللواحق ؛ ج 1، ص : 447

و شقّ الرجل الثوب على غير الأب و الأخ، (1) و يشق بطن الميتة لإخراج الولد الحي ثم يخاط، (2)

______________________________
ه‍: النّبش للشهادة على عينه للأمور المترتبة على موته من اعتداد زوجته، و قسمة تركته، و حلول ديونه الّتي عليه، و براءة كفيله و نحو ذلك، و هذا إنّما يكون إذا لم يعلم تغير صورته بحيث لا يعرف.

و: لو دفن بغير غسل، أو إلى غير القبلة لم ينبش وفاقا للشّيخ «1»، و يظهر من التّذكرة القول بنبشه «2»، و أولى بعدم النّبش لو دفن بغير كفن لحصول الستر بالدّفن، و أولى منه لو دفن بغير صلاة لإمكانها على القبر، و كذا لو كفن في حرير و نحوه بخلاف المغصوب لأن حقّ اللَّه سبحانه و تعالى أوسع من حق الآدمي.

قوله: (و شق الرّجل الثوب على غير الأب و الأخ).

(1) أي: يحرم ذلك، أمّا الأب و الأخ فيجوز له الشق عليهما، و على ذلك فتوى الأصحاب، و في بعض الأخبار ذكر الامّ معهما «3»، و تقييد المصنّف الحكم بالرّجل يدلّ على أنّ المرأة ليست كذلك، و في النّهاية للمصنّف أنّه يجوز لها ذلك على جميع الأقارب «4»، قال في الذّكرى: و في الخبر إيماء إليه «5».

قوله: (و يشق بطن الميتة لإخراج الولد الحي، ثم يخاط).

(2) توصلا إلى بقاء حياة الولد، فإن حرمة حياته أعظم من حرمة أمّه الميتة، و لأمر الصّادق «6»، و الكاظم «7» عليهما السّلام، و ليكن ذلك من الجانب الأيسر، أسنده في التّذكرة إلى علمائنا «8»، و الأخبار خالية عنه، قال في الذّكرى: و من ثم أطلق في‌

______________________________
(1) الخلاف 1: 171 مسألة 95 كتاب الجنائز.

(2) التذكرة 1: 56.

(3) التهذيب 8: 325 حديث 1207.

(4) نهاية الأحكام 2: 290.

(5) الذكرى: 72.

(6) الكافي 3: 155، 206 حديث 2، 1 و 2، التهذيب 1: 343 حديث 1006.

(7) الكافي 3: 155 حديث 1، التهذيب 1: 343 حديث 1004.

(8) التذكرة 1: 57.

454
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الخامس: في اللواحق ؛ ج 1، ص : 447

و لو انعكس أدخلت القابلة يدها و قطعته و أخرجته. (1)

و الشهيد يدفن بثيابه، و ينزع عنه الخفان و ان أصابهما الدم، (2)

______________________________
الخلاف
«1».

و يجب أن يخاط الموضع لحرمة الميّت، و به رواية عن ابن أبي عمير «2»، موقوفة على ابن أذينة، فلذلك نفاها في المعتبر «3» لعدم الضّرورة، و كون المصير إلى البلى و الأوّل أقوى، لأن الراويين من العظماء، و مثل ذلك لا يقال عن غير توقيف، و كون حرمة الميّت كحرمة الحيّ يرشد إليه، و لا يشترط في ذلك كون الولد بحيث يعيش عادة.

قوله: (و لو انعكس أدخلت القابلة يدها و قطعته و أخرجته).

(1) أي: لو مات ولد الحامل في بطنها و هي حيّة، أدخلت القابلة يدها و أخرجته، و ذكر القابلة اعتبارا بالغالب، فان غير القابلة من النّساء كالقابلة في الجواز، و تقطيعه إنّما يجوز إذا تعذر إخراجه بدونه، و الأصل في ذلك ما روي عن الصّادق عليه السّلام:

«أن أمير المؤمنين عليه السّلام قال في المرأة يموت في بطنها الولد فيتخوّف عليها: لا بأس أن يدخل الرّجل يده فيقطعه و يخرجه، إذا لم يتفق له النّساء «4»»، و لضعف الرّواية- فإن الرّاوي لها وهب- عدل في المعتبر إلى وجوب التوصّل إلى إسقاطه ببعض العلاج، فان تعذّر، فالأرفق في إخراجه، ثم الأرفق «5»، و هذا لا ينافي الرّواية، لأن الظاهر أن الأمر بالتقطيع فيها للخوف على الام.

و يشترط العلم بحياة الجنين في المسألة الأولى، و بموته في الثانية، فلو شك وجب الصّبر، و يتولى الأمرين النّساء، ثم محارم الرّجال، ثم الأجانب، و يقدم الزّوج على غيره من الرّجال المحارم.

قوله: (و الشّهيد يدفن بثيابه و ينزع عنه الخفان و إن أصابهما الدّم).

(2) أمّا دفنه بثيابه فمما أجمع عليه المسلمون، و لا فرق بين أن يصيبها الدّم أو لا،

______________________________
(1) الذكرى: 43 و الخلاف: 1: 170 مسألة 92 كتاب الجنائز.

(2) التهذيب 1: 344 حديث 1007.

(3) المعتبر 1: 316.

(4) الكافي 3: 155، 206 حديث 3، ذيل حديث 2، التهذيب 1: 344 حديث 1008 و فيه: لم ترفق.

(5) المعتبر 1: 316.

455
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الخامس: في اللواحق ؛ ج 1، ص : 447

سواء قتل بحديد أو غيره. (1)

______________________________
و من الثّياب السّراويل فيدفن معه مطلقا على الأصحّ، و كذا العمامة و القلنسوة، و قال المفيد
«1»، و ابن الجنيد «2»: تنزع السّراويل إلا أن يصيبه دم، و إطلاق الأمر بدفنه بثيابه «3» حجة لنا.

أما الخفان فيجب نزعهما، و كذا سائر الجلود و الحديد، لأمر النّبي صلّى اللَّه عليه و آله في قتلي أحد أن ينزع عنهم الجلود و الحديد «4»، لعدم دخولها في مسمّى الثّياب عرفا، و جمع من الأصحاب على أنّه إن أصاب شيئا من ذلك الدم يدفن «5»، و مستنده رواية زيد بن علي عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السّلام «6» و هي ضعيفة فان طريقها رجال الزّيدية.

قوله: (سواء قتل بحديد أو غيره).

(1) من صدم أو لطم و نحو ذلك، و سواء قتل بسلاح نفسه أو غيره، سواء كان صغيرا أو كبيرا، ذكرا أو أنثى، حرّا أو عبدا لإطلاق الأخبار، و الجنب كغيره على الأصحّ، و كذا الحائض و النّفساء لخروجه عن التّكليف، و من ثم غير الشّهيد لو كان جنبا لا يغسل غسلين، و قول ابن الجنيد «7»، و المرتضى «8» بتغسيل الجنب، لأن الملائكة غسلت حنظلة بن الراهب لأنه خرج جنبا «9» ضعيف، لعدم دلالته على الوجوب علينا، بل و لا على الجواز.

______________________________
(1) المقنعة: 12.

(2) حكاه العلامة في المختلف: 45.

(3) الكافي 3: 210، 211، 212 حديث 1 و 2 و 5، الفقيه 1: 96، 97 حديث 445، 446، 447.

(4) سنن البيهقي 4: 14.

(5) منهم: المفيد في المقنعة: 12، و ابن حمزة في الوسيلة: 54، و سلار في المراسم: 45.

(6) الكافي 3: 211 حديث 4، الفقيه 1: 97 حديث 449، التهذيب 1: 332 حديث 972.

(7) حكاه المحقق في المعتبر 1: 310، و العلامة في المختلف: 46.

(8) قاله في شرح الرسالة و نقله عنه المحقق في المعتبر 1: 310.

(9) الفقيه 1: 97 حديث 448.

456
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الخامس: في اللواحق ؛ ج 1، ص : 447

و مقطوع الرأس يبدأ في الغسل برأسه ثم ببدنه في كل غسلة، (1) و يوضع مع البدن في الكفن بعد وضع القطن على الرقبة و التعصيب، فإذا دفن تناول المتولي الرأس مع البدن، و المجروح بعد غسله تربط جراحاته بالقطن و التعصيب، و الشهيد الصبي أو المجنون كالعاقل، (2) و حمل ميّتين على جنازة بدعة. (3)

و لا يترك المصلوب على خشبة أكثر من ثلاثة أيام، ثم ينزل و يدفن بعد تغسيله و تكفينه و الصلاة عليه. (4)

______________________________
قوله: (و مقطوع الرّأس يبدأ في الغسل برأسه، ثم ببدنه في كل غسلة).

(1) كغيره لوجوب التّرتيب في الغسل، و بينونة الرّأس لا تقتضي سقوطه.

قوله: (و الشّهيد الصّبي، أو المجنون كالعاقل).

(2) أي: الصّبي كالبالغ، و المجنون كالعاقل في تعلق الأحكام السّابقة، و المستند إطلاق الأخبار، و قد نقل قتل أطفال في بدر و أحد، و قتل طفل الحسين عليه السّلام بالطف، و لم ينقل في شي‌ء من ذلك غسل.

قوله: (و حمل ميّتين على جنازة بدعة).

(3) أي: على سرير واحد، و ظاهر البدعة التّحريم لأن كلّ بدعة ضلالة، و المشهور الكراهة، و في مكاتبة الصّفار الصّحيحة إلى العسكري عليه السّلام النّهي عن حمل الرّجل و المرأة على سرير واحد «1»، و هي محمولة على الكراهية لضعفها بكونها مكاتبة و أصالة البراءة، و حينئذ فتكون كراهة الجمع بين الرّجل و المرأة في الحمل أشد، لتصريح الأصحاب بالكراهة مطلقا.

قوله: (و لا يترك المصلوب على خشبته أكثر من ثلاثة، ثم ينزل، و يدفن بعد تغسيله و تكفينه و الصّلاة عليه).

(4) روى السّكوني عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: «لا تقروا المصلوب بعد ثلاثة أيّام حتّى ينزل و يدفن» «2».

______________________________
(1) التهذيب 1: 454 حديث 1480.

(2) الكافي 3: 216 حديث 3، التهذيب 1: 335 حديث 981.

457
جامع المقاصد في شرح القواعد1

تتمة ؛ ج 1، ص : 458

[تتمة]

تتمة:

يجب الغسل على من مس ميتا من الناس بعد برده بالموت و قبل تطهيره بالغسل، (1)

______________________________
قوله: (تتمة: يجب الغسل على من مسّ ميّتا من النّاس بعد برده بالموت، و قبل تطهيره بالغسل).

(1) لما كان وجوب غسل المسّ من لوازم تغسيل الميّت غالبا، كان بيان أحكامه كالمتمّم لأحكام الأموات، و القول بوجوب غسل المس هو المشهور بين الأصحاب، و عليه دلّت الأخبار، مثل خبر حريز، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام: «من غسّل ميّتا فليغتسل» قلت: فان مسّه؟ قال: «فليغتسل» «1» و خبر معاوية بن عمّار عنه عليه السّلام: إذا مسّه و هو سخن قال: «لا غسل عليه، فإذا برد فعليه الغسل»، قلت:

البهائم و الطير إذا مسّها، أ عليه الغسل؟ قال: «لا، ليس هذا كالإنسان» «2» و في معناه خبر محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام «3»، و خبر عبد اللَّه بن سنان، عن الصّادق عليه السّلام: «يغتسل الّذي غسل الميّت، و إن غسل الميّت إنسان بعد موته و هو حار فليس عليه غسل، و لكن إذا مسه، أو قبّله و قد برد فعليه الغسل، و لا بأس أن يمسّه بعد الغسل و يقبله» «4» و هذه كلّها و غيرها «5» دالة على الوجوب، و في بعضها التّصريح بأن مسّه قبل البرد لا يوجب غسلا «6»، و إنّ تغسيله حينئذ جائز، و الظاهر أن إطلاق وجوب الغسل على الغاسل خرج مخرج الغالب، إذ لا بد له من مسّه غالبا، و خلاف المرتضى «7» ضعيف.

______________________________
(1) الكافي 3: 160 حديث 1، التهذيب 1: 108 حديث 283، الاستبصار 1: 99 حديث 321.

(2) التهذيب 1: 429 حديث 1367.

(3) الكافي 3: 160 حديث 2، التهذيب 1: 428 حديث 1364.

(4) الكافي 3: 160 حديث 3، التهذيب 1: 108 حديث 284.

(5) للمزيد راجع الوسائل 2: 927 باب 1 من أبواب غسل الميت.

(6) الكافي 3: 160 حديث 3، التهذيب 1: 108، 429 حديث 284، 1367.

(7) نقل قوله في المعتبر 1: 351.

458
جامع المقاصد في شرح القواعد1

تتمة ؛ ج 1، ص : 458

و كذا القطعة ذات العظم منه. (1) و لو خلت من العظم أو كان الميت من غير الناس أو منهم قبل البرد وجب غسل اليد خاصة، (2)

______________________________
قوله: (و كذا القطعة ذات العظم منه).

(1) أي: من الميّت من النّاس، و مثله القطعة المبانة من الحيّ مع العظم، لمرسلة أيّوب ابن نوح، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام، قال: «إذا قطع من الرّجل قطعة فهي ميّتة، فإذا مسّه إنسان، فكلّ ما كان فيه عظم فقد وجب على من مسّه الغسل، و إن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه» «1».

و نقل الشّيخ الإجماع على ذلك «2»، و توقف في المعتبر لضعف الرّواية بالإرسال «3»، و عدم تحقق الإجماع.

و جوابه: أن ضعفها تجبره الشهرة، و الإجماع يكفي فيه شهادة الواحد، و عند ابن الجنيد يجب الغسل بمسّ القطعة من الحيّ ما بينه و بين سنة «4».

قوله: (و لو خلت من العظم، أو كان الميّت من غير النّاس، أو منهم قبل البرد وجب غسل اليد خاصّة).

(2) أمّا عدم وجوب الغسل في هذه المواضع الثّلاثة ففي الأخبار السّابقة ما يدلّ عليه، و أمّا وجوب غسل اليد في القطعة الخالية من العظم فظاهر مع الرّطوبة، لما سبق في أحكام النّجاسات من نجاسة ميّت الآدمي، و بدونها عند المصنّف لما سبق أيضا من أن الميّت ينجس الملاقي له مطلقا، إلا أنّه سيأتي في كلامه عن قريب ما يخالف ذلك، و قد سبق أن المعتمد خلافه.

و أمّا ميتة غير الآدمي ممّا له نفس فان نجاسته إنّما تتعدى مع الرّطوبة كما سبق أيضا في كلام المصنّف فلا بدّ من تقييدها هنا بالرطوبة، و الأصحّ أيضا أن الميّت إنّما ينجس بعد البرد، فلا ينجس الملاقي له حينئذ مطلقا للأصل و الاستصحاب، و عند المصنّف انّه نجس و إن لم يبرد لأنه ميّت. و ظاهر عدم كلية الكبرى.

______________________________
(1) الكافي 3: 212 حديث 4.

(2) الخلاف 1: 164 مسألة 25 كتاب الجنائز.

(3) المعتبر 1: 352.

(4) حكاه العلامة عنه في المختلف: 28.

459
جامع المقاصد في شرح القواعد1

تتمة ؛ ج 1، ص : 458

و لا تشترط الرطوبة هنا. (1)

و الظاهر ان النجاسة هنا حكمية، فلو مسّه بغير رطوبة ثم لمس رطبا لم ينجس. (2)

______________________________
قوله: (و لا تشترط الرّطوبة هنا).

(1) المشار إليه ب‍ (هنا) هو ما سبق من وجوب الغسل بمسّ الميّت، و ليس هو من متمّمات حكم هذه المسائل الثلاث بدليل السياق، فان المطلوب بيان أحكام المسّ، و أيضا فإن قوله: (و الظّاهر أن النّجاسة هنا حكمية.) يقتضي عدم تعدي النّجاسة مع اليبوسة، فلو كان المراد عدم اشتراط الرّطوبة في المسائل الثلاث تدافعا.

و المراد أنّ وجوب الغسل بمسّ الميّت المذكور لا تشترط فيه رطوبة واحد من المحلّ الملاقي و ما يلاقيه من بدن الميّت، إذ ليس الحكم مقصورا على العضو الملاقي، بل هو شامل لجميع البدن، فلا وجه لاشتراط الرطوبة، لاستلزامه قصر الحكم على محلّها، و لإطلاق النصوص، و وجوب الغسل بالمس من غير تقييد بالرّطوبة، و إلى هذا المعنى ترشد عبارة المنتهى «1».

قوله: (و الظاهر أنّ النّجاسة هنا حكمية، فلو مسّه بغير رطوبة ثم لمس رطبا لم ينجس).

(2) المشار إليه ب‍ (هنا) قبل التأمل الصادق يحتمل أن يكون بدن الماس، فيكون التقدير: و الظاهر أن نجاسة بدن الماس حكمية، و يحتمل أن يكون بدن الميّت فيكون التّقدير: و الظاهر أن نجاسة بدن الميّت حكمية و يكون التّعرض إلى تحقيق نجاسته بكونها حكمية في هذا الباب لكونه من متمّمات أحكامه.

و قبل الخوض في بيان الأصح من الاحتمالين، لا بدّ من بيان معنى النّجاسة الحكمية، و إن كان قد سبق العلم بها عند بيان أقسام العينيّة في أحكام النّجاسات، و أقسامها ثلاثة:

الأوّل: ما يكون المحلّ الّذي قامت به معها طاهرا لا ينجس الملاقي له و لو بالرّطوبة، و يحتاج زوال حكمها إلى مقارنة النّية لمزيلها.

______________________________
(1) المنتهى 1: 128.

460
جامع المقاصد في شرح القواعد1

تتمة ؛ ج 1، ص : 458

..........

______________________________
الثّاني: ما لا يكون له جرم و لا عين يشار إليهما، و ينجس الملاقي له مع الرّطوبة كالبول اليابس في الثّوب.

الثّالث: ما يقبل التطهير و هو بدن الميّت. و يقابلها العينيّة بالمعاني الثلاثة كما سبق.

إذا تقرّر هذا، فالّذي فهمه الشارح ولد المصنّف من العبارة هو الاحتمال الثّاني «1»، و كذا الفاضل السيّد عميد الدّين، و ليس بجيد، أمّا أوّلا: فلأن كون نجاسة الميّت عينية أولا، موضعه باب النّجاسات، و قد تقدم حكمه هناك، و الّذي يجب أن يبحث عنه في باب المس هو نجاسة بدن الماس، و أما ثانيا: فلعدم صحّة العبارة على تقدير إرادة أي معنى كان من معاني الحكمية.

أمّا الأوّل: فلأن القول بأن نجاسة بدن الميّت كنجاسة بدن الجنب قول ضعيف عند الأصحاب، إذ هو قول المرتضى «2»، و عليه يتخرج عدم وجوب غسل المسّ، و على هذا التّقدير يلزم أن يكون مقابل الظاهر في كلام المصنّف، هو أنّ نجاسة بدن الميّت عينيّة خبثيّة، و هو باطل عند المصنّف، لأنّه يرى أنّ نجاسة الميّت عينيّة كما سبق في باب النّجاسات و يختار وجوب غسل المسّ، فكيف يكون خلاف الظّاهر عنده؟.

و كذا على تقدير إرادة الثّالث، إذ يلزم على هذا التّقدير أن يكون مقابل الظاهر كون نجاسة الميّت كنجاسة الكلب و الخنزير، و هو معلوم الفساد، و أمّا المعنى الثّاني فظاهر عدم إرادته و عدم مطابقته.

و أيضا فلا يستقيم ما فرعه على كون النّجاسة حكمية من أنّه لو مسّه بغير رطوبة ثم لمس رطبا لم ينجس على شي‌ء من التقديرات.

أما على الأوّل: فلأنه لا فرق في عدم تنجس الملاقي بين توسط الرّطوبة و عدمها.

و أمّا على الأخيرين: فلأن النّجاسة العينيّة أيضا كذلك، فان لامسها بغير‌

______________________________
(1) إيضاح الفوائد 1: 66.

(2) نقله عن مصباحه فخر المحققين في إيضاح الفوائد 1: 66، و المحقق في المعتبر 1: 348.

461
جامع المقاصد في شرح القواعد1

تتمة ؛ ج 1، ص : 458

و لو مسّ المأمور بتقديم غسله بعد قتله أو الشهيد لم يجب الغسل (1)

______________________________
رطوبة لا يتنجّس الملاقي له مطلقا، فلا يكون ذلك متفرعا على كون النّجاسة حكمية.

و العجب أن ولد المصنّف في أوّل كلامه جعل القول بأن نجاسة الميّت، حكمية، و ظاهره أنّ المذكور في العبارة مختار المرتضى «1»، و أنّه اختار استحباب غسل المسّ، ثم حقق آخرا أن نجاسته حكمية بالمعنى الثّالث، و لم ينظر إلى أنّ مقابل الظاهر في العبارة ما هو، و من القائل به.

و عند التأمل يظهر فساده، و أنّه لا قائل به، فعلى هذا أصحّ الاحتمالين هو الأوّل، فيكون معنى العبارة أن نجاسته حكمية حدثية، فلو مسّ الميّت بغير رطوبة ثم لمس رطبا لم ينجس لعدم المقتضي، إذ النّجاسة العينيّة لا تتعدى إلا مع الرّطوبة، و هذا خلاف ما سبق منه في أحكام النّجاسات، لكنه نفس ما ذكره في المنتهى «2».

و التّحقيق: أنّ نجاسة الميّت، إن قلنا: أنّها تتعدّى و لو مع اليبوسة، كما ذكره المصنّف سابقا، فنجاسة الماس عينية بالنّسبة إلى العضو الّذي وقع به المسّ، حكمية بالنّسبة إلى جميع البدن، فلا بدّ من غسل العضو، ثم الغسل.

و إن قلنا: إنها إنما تتعدى مع الرّطوبة- و هو الأصحّ- فمعها تثبت النّجاستان، و بدونها تثبت نجاسة واحدة، و هي الشّاملة لجميع البدن.

قوله: (و لو مسّ المأمور بتقديم غسله بعد قتله، أو الشّهيد لم يجب الغسل).

(1) أما الأوّل: فلصدق الغسل فيه، و المسّ بعده لا يوجب غسلا لقول الصّادق عليه السّلام في خبر عبد اللَّه بن سنان: «و لا بأس بمسّه بعد الغسل» «3»، و قد سبق الكلام فيه.

و أما الثّاني: فلأن في بعض الأخبار وجوب الغسل بمسّه قبل أن يغسل «4»،

______________________________
(1) اختاره في المصباح كما نقله عنه في المعتبر 1: 351.

(2) المنتهى 1: 128.

(3) الكافي 3: 160 حديث 3، التهذيب 1: 108 حديث 284 و فيهما: (أن يمسه).

(4) الكافي 3: 160 حديث 1- 3، التهذيب 1: 108، 428 حديث 283 و 284، 1364- 1369.

462
جامع المقاصد في شرح القواعد1

تتمة ؛ ج 1، ص : 458

بخلاف من يمم، و من سبق موته قتله، و من غسّله كافر، (1) و لو كمل غسل الرأس فمسّه قبل إكمال الغسل لم يجب الغسل، (2) و لا فرق بين كون الميت مسلما أو كافرا. (3)

______________________________
و في بعضها وجوبه بسبب تغسيله
«1»، و ذلك يقتضي قصر الوجوب على ماسّ من يجب تغسيله، و المطلق من الأخبار يحمل على المقيد، و لأصالة البراءة و عدم تحقق ناقل.

قوله: (بخلاف من يمم، و من سبق موته قتله، و من غسله كافر).

(1) لعدم حصول الغسل، إذ الإطلاق محمول على الغسل المعتبر شرعا حال الاختيار، و كذا من غسل فاسدا، و من فقد في غسله أحد الخليطين، و الميمم عن إحدى الغسلات.

قوله: (و لو كمل غسل الرّأس فمسه قبل إكمال الغسل لم يجب الغسل).

(2) لأن الظّاهر أنّ وجوب الغسل تابع لمسّه نجسا للدّوران، و قد حكم بطهارة الرّأس حينئذ، لأن النّجاسة العينيّة لا تشترط في طهارة أجزاء محلها طهارة الباقي، و نجاسة الميّت و إن لم تكن عينيّة محضة إلا انّها عينيّة ببعض الوجوه، فإنّها تتعدى مع الرّطوبة، و أيضا فقد صدق كمال الغسل بالإضافة إلى الرّأس، و لأصالة البراءة من وجوب الغسل، و لا قاطع يقتضيه، و يمكن الوجوب لصدق المسّ قبل الغسل ما بقي جزء و للاستصحاب، و تبعية الغسل للمس حال النّجاسة غير معلوم، و الدوران ضعيف، و لا ريب أن الوجوب أحوط.

قوله: (و لا فرق بين كون الميّت مسلما أو كافرا).

(3) أي: في وجوب الغسل بمسّه لأن نجاسته أغلظ، و لصدق المسّ قبل الغسل، إذ المانع من تغسيله كفره. و يحتمل عدم الوجوب بمسّه لأن قولهم: قبل تطهيره بالغسل إنّما يتحقّق في ميّت يقبل التطهير، و الأوّل أقوى، تمسّكا بمفهوم الموافقة، و لا فرق في ذلك بين أن يغسل الكافر، أو لا.

و اعلم أن المصنف لم يذكر تعيين محلّ المسّ الّذي يلزم به الغسل من الحي‌

______________________________
(1) الكافي 3: 161 حديث 8، التهذيب 1: 108 حديث 283، 284.

463
جامع المقاصد في شرح القواعد1

المقصد العاشر: في التيمم ؛ ج 1، ص : 464

 

[المقصد العاشر: في التيمم]

المقصد العاشر: في التيمم: و فصوله أربعة:

[الأول: في مسوغاته]

الأول: في مسوغاته: و يجمعها شي‌ء واحد، و هو العجز عن استعمال الماء، (1) و للعجز أسباب ثلاثة:

______________________________
و الميّت، فان المسّ لبدن الميّت إن كان بالظفر أو الشّعر أو السن أو العظم الموضح من الحي، هل يجب الغسل بجميع ذلك، أم لا؟.

فيه تردد، ينشأ من الشّك في صدق اسم المسّ على المسّ بشي‌ء منها و عدمه، و لعل المسّ بالشّعر لا يوجب شيئا بخلاف الظفر و العظم، نظرا إلى المعهود في التّسمية، و في السن تردد.

و لو مسّ الحي شيئا من هذه من الميّت ففي وجوب الغسل تردّد، و الظاهر الوجوب في العظم و الظفر بخلاف الشعر، و في السن تردد.

و لو انفصل أحدهما من حي أو ميّت قطع بنفي الوجوب في الشّعر و الظفر، و كذا في السّن للشك في المقتضي.

أمّا العظم المجرّد، فقد ذهب شيخنا الشّهيد إلى وجوب الغسل بمسه لدوران الغسل معه وجودا و عدما «1»، و لم يفرّق بين اتصاله و انفصاله، و الفرق ظاهر، فانّ مسّ الميّت إنّما يراد به مسّ بعض بدنه و هو صادق في العظم، و لا حاجة إلى الدّوران، و أمّا بعد الانفصال فحديث القطعة «2» لا يتناوله، و لا يصدق مسّ الميّت بمسه، نعم يمكن الاحتجاج باستصحاب الحكم بوجوب الغسل بمسّه حال الاتصال إلى حال الانفصال، و لا يرد أن هذا إنّما يتم في عظم الميّت لانتفاء القائل بالفرق.

قوله: (المقصد العاشر في التيمّم:

و فصوله أربعة:

الأوّل: في مسوغاته: و يجمعها شي‌ء واحد هو العجز عن استعمال الماء).

(1) التيمم لغة: القصد «3»، و شرعا: استعمال الصّعيد و ما في حكمه مشروطا‌

______________________________
(1) الذكرى: 79.

(2) الكافي 3: 212 حديث 4، التهذيب 1: 429 حديث 1369، الاستبصار 1: 100 حديث 325.

(3) الصحاح 5: 2064 مادة (يمم).

 

464
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: عدم الماء ؛ ج 1، ص : 465

[الأوّل: عدم الماء]

الأوّل: عدم الماء، و يجب معه الطلب غلوة سهم في الحزنة، و سهمين في السهلة من الجهات الأربع إلّا أن يعلم عدمه. (1)

______________________________
بالنية لإباحة الصّلاة، و لما كان العجز عن استعمال الشي‌ء صادقا مع العجز عن تحصيل ذلك الشي‌ء كان ما ذكره المصنّف ضابطا لجواز التيمّم صحيحا.

و المراد بالعجز: ما يحصل معه مشقّة لا يتحمل مثلها عادة، أو تترتّب عليه المؤاخذة شرعا، كما في خوف عطش محترم، و إزالة النجاسة.

قوله: (الأوّل: عدم الماء، و يجب معه الطلب غلوة سهم في الحزنة، و سهمين في السّهلة من الجهات الأربع، إلّا أن يعلم عدمه).

(1) عد من أسباب العجز عن استعمال الماء عدمه و هو صحيح، لقوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا) «1»، لكن قال: (و يجب معه الطلب)، فيرد عليه أن عدم الماء الّذي به يتحقّق العجز عن الاستعمال شرعا إنّما يكون بعد الطلب.

فان قيل: أراد بعدم الماء عدم حضوره عنده، مع عدم العلم بوجوده قريبا منه.

قلنا: هذا لا يصدق به العدم المسوغ، فلا يعد من أسباب العجز، و قد كان الأولى: و يتحقق بالطلب الى آخره.

و لا ريب أنّ طلب الماء شرط لجواز التيمّم، لظاهر قوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً)، و عدم الوجدان إنّما يكون بعد الطلب، و لما روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال: «يطلب الماء في السّفر إن كانت الحزونة فغلوة، و إن كانت السّهولة فغلوتين» «2»، و لإجماع الأصحاب.

و الواجب طلبه في رحله و أصحابه، و في مقدار غلوة سهم، و هي مقدار رمية من الرامي المعتدل و الآلة المعتدلة من الجهات الأربع، بحيث يستوعبها إن كانت الأرض حزنة أي: غير سهلة، لاشتمالها على نحو الأشجار و العلو و الهبوط، و في مقدار غلوتين كذلك إن كانت سهلة، و لو اختلف في ذلك توزع الحكم بحسبها، و لا يلزم طلبه ما دام‌

______________________________
(1) المائدة: 6.

(2) التهذيب 1: 202 حديث 586 باختلاف يسير، الاستبصار 1: 165 حديث 571.

465
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: عدم الماء ؛ ج 1، ص : 465

و لو أخلّ بالطلب حتى ضاق الوقت تيمم و صلّى، و لا إعادة و ان كان مخطئا إلّا أن يجد الماء في رحله أو مع أصحابه فيعيد، (1)

______________________________
في الوقت، خلافا لصاحب المعتبر
«1»، تعويلا على حسنة زرارة، عن أحدهما عليهما السّلام «2».

و الظاهر أن المراد بها تحديد زمان الطّلب لا مقداره، لأن الطلب قبل الوقت لا يجزئ لعدم توجّه الخطاب حينئذ، إلا إذا بقي في مكانه و لم يتجدد له شكّ مع معارضتها بغيرها «3».

و لو علم عدم الماء في بعض الجهات سقط الطلب فيه، أو مطلقا فلا طلب لانتفاء الفائدة، و تحقق الشرط و هو عدم الماء، و لو علمه أو ظنه في الزائد على النّصاب، كخضرة و قرية وجب قصده قطعا و لو بأجرة، لوجوب تحصيل شرط الواجب المطلق، إلا مع المشقة الشّديدة.

و تجوز الاستنابة في الطلب، و ينبغي اشتراط عدالة النّائب و يحتسب لهما، لأن إخبار العدل يثمر الظن، و متى فات بالطلب غرض مطلوب، كما في الخطاب و الصائد، لم يبعد القول بسقوط الطلب للضرورة، و يجب طلب التراب لو فقده، حيث يجب التيمم، لأنه شرط المطلق.

قوله: (و لو أخل بالطلب حتى ضاق الوقت تيمّم و صلّى، و لا إعادة و إن كان مخطئا، إلّا أن يجد الماء في رحله أو مع أصحابه فيعيد).

(1) خالف الشّيخ في ذلك، فحكم بأنّ من أخل بالطلب و تيمّم و صلّى فتيمّمه و صلاته باطلان للمخالفة «4»، و ردّه المصنّف و غيره بتحتم التيمّم عند ضيق الوقت «5»، و امتثال المأمور به يقتضي الإجزاء، أمّا لو كان تيمّمه مع السّعة فكلام الشّيخ متجه.

______________________________
(1) المعتبر 1: 393.

(2) الكافي 3: 63 حديث 2، التهذيب 1: 192 حديث 555.

(3) الكافي 3: 64 حديث 3، التهذيب 1: 202 حديث 587، الاستبصار 1: 165 حديث 572.

(4) النهاية: 48.

(5) المختلف: 47، و انظر: المعتبر 1: 393.

466
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: عدم الماء ؛ ج 1، ص : 465

و لو حضرت اخرى جدد الطلب ما لم يحصل علم العدم بالطلب السابق. (1)

______________________________
و استثني من الأوّل ما لو وجد الماء في رحله أو مع أصحابه الباذلين، فإنّه تجب الإعادة لورود الخبر بذلك عن الصّادق عليه السّلام
«1»، و ضعف سنده مدفوع بالشّهرة، نبه عليه في الذّكرى «2»، و ظاهر كلامه في المنتهى دعوى الإجماع على ذلك «3»، و الحق بذلك ما لو وجد الماء في الفلوات لأنّه جعل مناط الإعادة وجدانه في محل الطلب.

و الّذي يقتضيه النظر أنّ ضيق الوقت إن كان موجبا للانتقال إلى طهارة الضّرورة يجزئ مطلقا و لا تجب الإعادة و إلّا فلا، إلّا أنّه لا سبيل الى رد الحديث المشهور و مخالفة أكثر الأصحاب، فعلى هذا لو كان الماء موجودا عنده فأخل باستعماله حتى ضاق الوقت، فهل يتيمّم و يؤدّي، أم يتطهر به و يقضي؟ ظاهر إطلاق الشّيخ بطلان التيمّم «4»، و الصّلاة قبل الطلب للفاقد يقتضي الثّاني بطريق أولى، و كلام المصنّف يقتضي الأوّل، و قد صرح به في المنتهى «5».

و الّذي يقتضيه النظر استعمال الماء لانتفاء شرط التيمّم، و هو عدم الوجدان، و لم يثبت أنّ فوات الأداء سبب لمنع استعمال الماء، و يطرد ذلك فيما لو ضاق الوقت عن إزالة النّجاسة و ستر العورة و فعل شي‌ء من الواجبات كقراءة السّورة، و تسبيح الرّكوع، و السّجود و التّشهد، و نحو ذلك، و إن كان بعض هذه الأمور قد يخالف بعضا في الحكم.

و يقرب منه ما لو وهب الماء، أو أراقه في الوقت، أو دخل الوقت و هو متطهر فأحدث باختياره، نعم لو كان الماء بعيدا عنه بحيث لو سعى اليه لخرج الوقت فتيمّم و صلّى مع الضّيق فلا إعادة عليه لعدم صدق الوجدان حينئذ.

قوله: (و لو حضرت أخرى جدد الطلب ما لم يحصل علم العدم بالطلب السّابق).

(1) و لم يتجدّد شكّ بعده لعدم فائدة الطلب حينئذ، و الظاهر أنّ المراد بالعلم في‌

______________________________
(1) الكافي 3: 65 حديث 10، التهذيب 1: 212 حديث 616.

(2) الذكرى: 22.

(3) المنتهى 1: 138.

(4) النهاية: 48.

(5) المنتهى 1: 138.

467
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: عدم الماء ؛ ج 1، ص : 465

و لو علم قرب الماء منه وجب السعي إليه ما لم يخف ضررا، أو فوت الوقت، (1) و كذا يتيمم لو تنازع الواردون و علم انّ النوبة لا تصل اليه إلّا بعد فوات الوقت. (2)

______________________________
هذا و نظائره الجزم المستفاد من العادات، و هل يكفي الظّن القوي؟ لا يبعد الاكتفاء به، لأن مناط أكثر الشرعيات الظّن، و قد يشهد لذلك تضاعيف كلام الأصحاب، مثل مسألة تنازع الواردين، و مثل قوله في الذّكرى: و تجوز النيابة في الطلب لحصول الظّن
«1»، و غير ذلك.

قوله: (و لو علم قرب الماء منه وجب السّعي إليه ما لم يخف ضررا، أو فوت الوقت).

(1) المراد بالقرب: ما يعد قربا عادة، بحيث لا يحصل بالسّعي إليه مشقّة كثيرة، و يكفي في خوف الضّرر قول العارف، و شهادة القرائن، و لا فرق في خوف الضرر بينه و بين غيره كما سيأتي.

أمّا خوف فوت الوقت، فالظّاهر أنّه لا يكفي فيه إخبار العارف لاشتغال الذمّة يقينا باستعمال الماء، فلا يسقط التّكليف به إلّا بيقين يعارضه، و لو أخلّ بالسّعي حتّى ضاق الوقت فتيمّم و صلّى أثم قطعا، و الظّاهر الاجزاء لصدق الامتثال.

قوله: (و كذا يتيمّم لو تنازع الواردون و علم أن النوبة لا تصل إليه إلّا بعد فوات الوقت).

(2) ظاهر العبارة أنّه يتيمّم لذلك مع السّعة و يصلّي، و هو مشكل بناء على أنّ العذر إذا كان مرجو الزوال إنّما يجوز التيمّم مع الضّيق، و العلم بأن النّوبة لا تصل إليه إلا بعد خروج الوقت- على تقدير حصوله- لا يقتضي عدم جواز حصول الماء بطريق آخر لإمكان حصوله ببيع، أو هبة، و نحو ذلك، و ربما ظهر بطلان علمه الأوّل في ثاني الحال، و هذا أوجه، و قد نبه عليه في المنتهى «2».

______________________________
(1) الذكرى: 22.

(2) المنتهى 1: 137.

468
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الأول: عدم الماء ؛ ج 1، ص : 465

و لو صب الماء في الوقت تيمم و أعاد، و لو صبّه قبل الوقت لم يعد. (1)

______________________________
قوله: (و لو صبّ الماء في الوقت تيمّم و أعاد، و لو صبّه قبل الوقت لم يعد).

(1) أمّا الحكم الثّاني: فظاهر لعدم توجه الخطاب إليه حينئذ باستعمال الماء، فلم يكن مفرطا، و مثله ما لو وهبه، أو مرّ بماء فلم يتطهّر به، أو كان متطهّرا فأحدث سواء علم أن ظنّ وجود غيره أم لا، و هل يفرق بين ما إذا وجبت الطّهارة عليه لفائتة، أو منذورة، و نحو ذلك، أم لا؟ لا أعلم في ذلك تصريحا.

و يمكن أن يقال: الوقت يتناول ما ذكر، لأن كلّ صلاة واجبة تقتضي وقتا إلا انّه بعيد، لأن المتبادر من الوقت هو المضروب للصّلاة، و هو وقت الأداء.

و أمّا الحكم الأوّل: فلأنه بعد دخول الوقت مخاطب بفعل الصّلاة بالطهارة المائية لأنه متمكّن منها، فإذا تيمّم و صلّى بعد الإراقة لم يخرج عن العهدة، إذ لم يأت بالمأمور به على وجهه، فتجب الإعادة عند التّمكن، و هو يتم إن لم يكن مأمورا بالتيمّم و الصّلاة عند آخر الوقت، أمّا مع الأمر به فيتعيّن الإجزاء.

فان قيل: الإجزاء بالنّسبة إلى الأمر بالتيمّم، أمّا بالنسبة إلى الأمر بالطّهارة المائية- و هو الأمر الأوّل- فلا، فيبقى في عهدته.

قلنا: هذا يتم إن لم يكن التيمم بدلا من الطّهارة المائية، إذ لا يعقل وجوب البدل و المبدل منه معا مع ثبوت البدليّة، فإنّه لا معنى لها حينئذ، و لانتقاضه بالإراقة في الوقت مع ظنّ وجود غيره ثم يظهر الخطأ، فإنّه لاقتضاء حينئذ، مع أن الدّليل ينساق هنا، و اختار في التّذكرة عدم القضاء «1»، و هو ظاهر اختيار الذكرى «2»، و فيه قوّة، و الإعادة أحوط.

و إذا قلنا بالإعادة فالواجب إعادة ما أراق الماء في وقتها، واحدة كانت أو متعدّدة. و يحتمل إعادة العصر أيضا بالإراقة في وقت الاختصاص بالظهر لوجوبها عند الفراغ بغير فصل، و هو حينئذ مقطوع بطهارته.

______________________________
(1) التذكرة 1: 66.

(2) الذكرى: 110.

469
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الثاني: الخوف على النفس أو المال ؛ ج 1، ص : 470

[الثاني: الخوف على النفس أو المال]

الثاني: الخوف على النفس أو المال (1)

______________________________
و لو ظنّ عدم دخول الوقت فأراقه، ثم تبيّن الدخول فلا قضاء، و كذا عكسه و إن أثم، و إنّما يأثم و يجب القضاء إذا علم أو ظنّ عدم غيره، فلو ظن وجود ماء آخر فتبيّن العدم فلا شي‌ء.

و في حكم الإراقة مروره على نحو نهر، و تمكنه من الشراء، و قبول الهبة، و حدثه لو كان متطهرا، أو جنابته عمدا إذا كان عنده ماء يكفيه للوضوء خاصّة، و هبته الماء للطهارة، بخلاف الشرب فإنّه يجوز على ما يأتي.

و لا تصحّ الهبة هنا لعدم قبول العين للنقل، و مثلها نحو البيع و الصّلح، و على القول بالإعادة يعيد هنا كلّ صلاة بقي هذا الماء في وقتها، مع تمكنه من استعادته، لتوجّه الخطاب باستعماله، و الظاهر أنّ الصوم كالصّلاة في ذلك لاشتراطه بالطهارة، و لم أجد به تصريحا.

قوله: (الثّاني: الخوف على النّفس، أو المال).

(1) لم يقيّد النّفس بكونها نفسه أو مطلقا، و كذا المال، لكن ظاهر قوله بعد: (أو عطش رفيقه.) أن المراد نفسه و ماله، و قد كان الأولى له التعميم، لأن الخوف على مطلق النّفس المحترمة، و المال المحترم سواء كان ذلك له أم لغيره.

و المراد بالمحترم: ما لم يهدر إتلافه، فالمرتد، و الخنزير و الكلب العقور، لا يعد الخوف عليه عذرا في التيمّم، و الخوف على البضع له و لغيره كالخوف على النّفس بل أحرى، و مثله الخوف على العرض و إن لم يخف على البضع، و الخوف على الصّبي كالمرأة، بل لو خيف على الدّابة أمكن ذلك.

و لا فرق في الخوف بين أن يكون في طريقه حين ذهابه إلى الماء مثلا، أو بعد مفارقته من لا يستقلّ بالدفع عنه، و خوف الحبس ظلما عذر، و منه المطالبة بحق هو عاجز عن أدائه، إما لعدم تمكنه من إثبات العجز، أو لتغلب المطالب. و لو خاف القتل قصاصا مع رجاء العفو بالتأخير، إما بالدّية أو مجانا فالظاهر أنّه عذر لأن حفظ النّفس مطلوب.

و لا فرق في المال بين القليل و الكثير على الظاهر، لإطلاق الأمر بإصلاحه،

470
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الثاني: الخوف على النفس أو المال ؛ ج 1، ص : 470

من لص أو سبع أو عطش (1) في الحال، أو توقعه في المال، (2)

______________________________
و عند تأمل ما قلناه يظهر قصور العبارة، لأن ظاهرها حصر أقسام السّبب الثّاني فيما ذكره.

قوله: (من لصّ أو سبع، أو عطش).

(1) الجار متعلق بالخوف، فهو ظرف لغو، أي الخوف على نفسه أو مطلقا من لصّ أو سبع أو عطش، و كذا الخوف على الطرف، و الخوف على ماله أو مطلقا من أحد الثّلاثة كذلك، و الخوف من السّبع على المال إذا أريد بالنّفس الإطلاق في مثل إتلاف الحيوان بعض آلته، أو إلقاء ما على ظهره من خوفه.

و خوف العطش أعمّ من الخوف على النّفس، أو على شي‌ء من الأطراف، أو خوف مرض يحدث أو يزيد، أو خوف ضعف يعجز معه عن مزاولة أمور السّفر، لأن ذلك كلّه ضرر، و لقول الصّادق عليه السّلام: «لا آمره أن يغرر بنفسه، فيعرض له لص أو سبع «1»».

قوله: (في الحال أو توقعه في المال).

(2) الجار و المجرور الأوّلين صفة لعطش، فهو ظرف مستقر و متعلقة محذوف وجوبا، أي: أو عطش كائن في الحال، و يمكن ربطهما بالجميع، فإنّه قد يتصوّر بتوجّه المكلّف إلى الماء علم اللص به، فيجمع اللصوص و يعرضون لهم بعد أيام، أو في موضع مخوف جدا، أو تعسر فيه المدافعة، و نحو ذلك، إلا أنّ تطبيق هذا في السّبع لا يخلو من تكلف.

و يجب في قوله: (أو توقعه) أن يقرأ بالرفع، لأنه معطوف على الخوف، أي:

الخوف من العطش، أو من أحد هذه في الحال، أو توقعه في المال. و لا يخفى أنّ توقع العطش مآلا باخبار العارف أو باستفادته من العادة، أو من قرائن الأحوال عذر في التيمّم لأنّه ضرر، و هو منفي بالحديث «2».

و لو كان عنده ماء ان طاهر و نجس، و هو محتاج إلى الشّرب لم يجز شرب‌

______________________________
(1) الكافي 3: 65 حديث 8.

(2) الكافي 5: 292 حديث 2، الفقيه 3: 45 حديث 154، التهذيب 7: 164 حديث 727، سنن ابن ماجة 2: 784 حديث 2340، 2341، مسند أحمد 1: 313.

471
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الثاني: الخوف على النفس أو المال ؛ ج 1، ص : 470

أو عطش رفيقه، (1) أو حيوان له حرمة، أو مرض أو شين سواء استند في معرفة ذلك الى الوجدان أو قول عارف و ان كان صبيا أو فاسقا، (2)

______________________________
النّجس و ادخار الطاهر للطهارة، لأن شرب النّجس حرام، و للطهارة المائية بدل، فيصار إليه لثبوت الحاجة، و قد صرّح بذلك المصنّف
«1» و غيره «2».

قوله: (أو عطش رفيقه).

(1) هذا مستدرك، لأن ذكره عطش الحيوان الّذي له حرمة يغني عنه، بل لو أريد بخوف العطش سابقا ما يكون أعم من عطشه و عطش غيره مما له حرمة لأغنى عن الجميع.

قوله: (أو مرض أو شين، سواء استند في معرفة ذلك إلى الوجدان، أو قول عارف و إن كان صبيا أو فاسقا).

(2) خوف المرض المجوّز للتيمّم يتحقق بخوف حدوثه، و كذا زيادته و بطء برئه، سواء اختص بعضو أو عمّ جميع البدن، و لو تمكن من الإسخان و اندفع به الخوف لم يجز التيمّم، و لو افتقر إلى عوض وجب بذله إذا كان مقدورا و إن كثر، و لو كان الضّرر يسيرا كالصداع، و وجع الضرس.

و في المنتهى: و الحمى الحارة «3»، فعند المصنّف لا يجوز التيمّم، و نقله عن الشّيخ و هو بعيد، لأنّ ذلك ضرر ظاهر، و ربما بلغ حدّا يشق تحمله مشقة شديدة مع أنّه لا يوثق في المرض بالوقوف على الحد اليسير، مع أن ضرر المذكورات أشد من ضرر الشّين، و قد أطبقوا على جواز التيمّم لخوفه، و الّذي يظهر من الذّكرى جواز التيمّم لذلك «4»، و فيه قوّة.

و لو كان الخوف جبنا ففيه إشكال ينشأ من انتفاء السّبب المجوز، و من أنّه لا يأمن خللا في عقله و هو أشدّ ضررا، و إليه ذهب في الذّكرى «5»، و فيه قوة.

______________________________
(1) المنتهى 1: 135.

(2) منهم: المحقق في المعتبر 1: 368.

(3) المنتهى 1: 136.

(4) الذكرى: 22.

(5) الذكرى: 22.

472
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الثاني: الخوف على النفس أو المال ؛ ج 1، ص : 470

و لو تألم في الحال و لم يخش العاقبة توضأ. (1)

______________________________
و لا فرق في ذلك بين متعمّد الجنابة و غيره على الأصح لإطلاق النّصوص
«1»، و إباحة السّبب، و نفي الضّرر.

و اختار المفيد و جماعة عدم جواز التيمّم حينئذ و إن خاف على نفسه «2»، و الشّيخ في النّهاية جوّزه عند خوف التّلف، و أوجب الإعادة «3»، و المستند أخبار لا دلالة فيها «4»، مع معارضتها بأقوى منها، و أظهر دلالة، و قبولها التأويل.

و قد أطلق الأصحاب جواز التيمّم لخوف الشّين، و هو: ما يعلو بشرة الوجه و غيره من الخشونة المشوهة للخلقة، و ربّما بلغت تشقق الجلد و خروج الدّم.

و ينبغي تقييد المجوّز بكونه فاحشا، كما فعله في المنتهى «5»، لقلة ضرر ما سواه، و يرجع في خوف الضّرر إلى الظّن المستفاد من الوجدان، باعتبار العادة، أو العلامات، أو قول العارف الثقة، و الأقرب إلحاق غير الثقة به إذا كان بحيث يركن إليه في مثل ذلك، و منه الذّمي إذا لم يتهمه في أمر الدّين و ظن صدقه، و الصّبي و المرأة كغيرهما، و لا يشترط التعدد كالخبر لحصول الظّن بقول الواحد.

قوله: (و لو تألم في الحال و لم يخش العاقبة توضأ).

(1) لانتفاء الضّرر عادة، و لا فرق في التألم بين كونه من حرّ أو برد أو قبح رائحة الماء كالكبريتي، أو لمرض في البدن و نحو ذلك، و لو كان الألم شديدا جدّا لا يتحمل مثله في العادة فقد صرّح في المنتهى، بجواز التيمّم له «6» و هو قريب للضّرر.

و هذا كلّه إذا لم يخش العاقبة، أي: لم يخف حدوث مرض أو زيادته، و لا فرق في ذلك بين الوضوء و الغسل، و عليه يحمل ما روي أنّ الصّادق عليه السّلام اغتسل في ليلة باردة و هو شديد الوجع «7»، و قول المصنّف: (توضأ) خرج مخرج المثال.

______________________________
(1) الفقيه 1: 56 باب التيمم، التهذيب 1: 196 حديث 566- 568، الاستبصار 1: 161 حديث 557.

(2) المقنعة: 8.

(3) النهاية: 46.

(4) الكافي 3: 68 حديث 2، 3، الفقيه 1: 59 حديث 219، الاستبصار 1: 162 حديث 561- 563.

(5) المنتهى 1: 135.

(6) المصدر السابق.

(7) التهذيب 1: 198 حديث 575- 576، الاستبصار 1: 162 حديث 563- 564.

473
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الثالث: عدم الوصلة ؛ ج 1، ص : 474

[الثالث: عدم الوصلة]

الثالث: عدم الوصلة، بأن يكون في بئر و لا آلة معه. (1) و لو وجده بثمن وجب شراؤه، و ان زاد عن ثمن المثل أضعافا كثيرة (2)

______________________________
و متى خشي العاقبة لم يجز استعمال الماء لوجوب حفظ النّفس، فان استعمله حينئذ ففي الإجزاء نظر أقربه العدم، لعدم الإتيان بالمأمور به، فيبقى في العهدة.

قوله: (الثّالث: عدم الوصلة، بأن يكون في بئر و لا آلة معه).

(1) لو قال: كأن يكون في بئر و لا آلة معه كان أولى، لأن ظاهر العبارة الحصر و ليس بجيّد، و المراد بالآلة نحو الدّلو و الحبل، و لو كان معه ثياب يمكنه ربط بعضها ببعض بحيث يصل إلى ماء البئر ثم يعصرها و يتوضأ بماء ينفصل منها وجب و إن نقصت قيمتها، لأنه متمكّن، و كذا لو احتاج في ذلك إلى شقّ الثّوب، و قد نبّه على ذلك في المنتهى «1»، نعم لا بد من التقييد بعدم لحوق الضّرر بذلك.

قوله: (و لو وجده بثمن وجب شراؤه و إن زاد عن ثمن المثل أضعافا كثيرة).

(2) لوجوب تحصيل شرط الواجب المطلق بحسب الإمكان، و لأمر أبي الحسن عليه السّلام بشراء ماء الوضوء بألف درهم لمن يجدها «2»، من غير تقييد بمساواة ثمن المثل.

و قال ابن الجنيد: لا يجب مع الزّيادة للضرر، و لجواز التيمّم مع الخوف على المال «3».

و جوابه: أن الفرض عدم الضّرر بالشراء.

و الفرق بين الخوف على المال و موضع النّزاع بالنّص تارة، و بكون بذل العوض في الشّراء مقدمة الواجب، بخلاف الخوف، لأن ذلك ضرر مقارن، و لما يلزم من الإهانة بنهب المال، بخلاف ما يبذله المكلّف باختياره.

و لو لزم من الشراء الإجحاف بالمال و تلف مقدار عظيم منه لم يجب، و ان كان‌

______________________________
(1) المنتهى 1: 137.

(2) الكافي 3: 74 حديث 17، الفقيه 1: 23 حديث 71، التهذيب 1: 406 حديث 1276.

(3) نقله عنه في التذكرة 1: 60.

474
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الثالث: عدم الوصلة ؛ ج 1، ص : 474

ما لم يضرّ به في الحال، فلا يجب و ان قصر عن ثمن المثل. (1) و لو لم يجد الثمن فهو فاقد، (2)

______________________________
قادرا دفعا للضرر، نصّ عليه في الذّكرى
«1» و غيرها «2».

و المراد بثمن المثل: ما يقتضيه الزّمان و المكان لا أجرة تحصيل الماء و نقله، لأنه متقوم بنفسه.

و لو بذل بثمن غير مجحف إلى أجل يقدر عليه عند الحلول فقد صرّحوا بالوجوب، لأن له سبيلا إلى تحصيل الماء. و يشكل بأنّ شغل الذّمة بالدين الموجب للمذلة مع عدم الوثوق بالوفاء وقت الحلول، و تعريض نفسه لضرر المطالبة، و إمكان عروض الموت له مشغول الذّمة ضرر عظيم، و نمنع وجود السبيل إلى الماء، إذ المراد به ما لا ضرر فيه. و في حكمه الاقتراض للشّراء. و تقدم النفقة على شراء ماء الطّهارة، أما الدّين ففيه نظر يعرف مما تقدم.

قوله: (ما لم يضر به في الحال، فلا يجب و إن قصر عن ثمن المثل).

(1) المتبادر من (الحال) هو الزّمان الحاضر، و ينبغي أن يراد به حاله، أي حال نفسه، فيجعل اللام عوضا عن المضاف إليه ليعم الضرر الحاضر و المتوقع، باعتبار الاحتياج إلى المال المبذول للماء في مستقبل الزمان، حيث لا يتجدد مال عادة، فإنه لا يجب الشّراء في الموضعين، لأنا سوغنا ترك استعمال الماء لحاجته في الشّرب، فترك بذله أولى، فيكون حينئذ موافقا لما ذكره المصنّف في التّذكرة «3» و غيره «4».

و لو وجد بعض الماء فالقول في شراء الباقي كما سبق، و لو أمكن الاكتساب لتحصيل ثمن الماء وجب، لأن الواجب المطلق يجب تحصيل شرطه بحسب المقدور.

قوله: (و لو لم يجد الثمن فهو فاقد).

(2) و كذا لو وجده و وجد الماء و امتنع مالكه من بذله بعوض و غيره، و لا يجوز مكابرته عليه لانتفاء الضّرورة، بخلاف الطّعام في المجاعة.

______________________________
(1) الذكرى: 22.

(2) البيان: 33.

(3) التذكرة 1: 63.

(4) منهم: الشهيد في الذكرى: 22.

475
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الثالث: عدم الوصلة ؛ ج 1، ص : 474

و كما يجب شراء الماء يجب شراء الآلة لو احتاج إليها. (1) و لو وهب منه الماء أو أعير الدلو وجب القبول، بخلاف ما لو وهب الثمن أو الآلة. (2)

______________________________
قوله: (و كما يجب شراء الماء يجب شراء الآلة لو احتاج إليها).

(1) و لو دار الحال بين شرائها و استئجارها تخير، و لو تعذّر الشراء و أمكن الاستئجار تعيّن، كل ذلك من باب المقدّمة.

قوله: (و لو وهب منه الماء، أو أعير الدّلو وجب القبول، بخلاف ما لو وهب الثّمن أو الآلة).

(2) لو بذل ماء الطّهارة للفاقد وجب عليه القبول لابتناء نحو ذلك عرفا على المسامحة، و عدم ثبوت المنّة فيه عادة، و لم يجز له التيمّم لأنه قادر على استعمال الماء، و لو أُعير الدّلو فكذا يجب القبول لمثل ما قلناه.

هذا إذا كان قادرا على الحبل أو نحوه بأن كان عنده أو بذل له، و لو بذل له أحدهما و هو عاجز عن الآخر لم يجب القبول لعدم الفائدة. و مثله لو وجد أحدهما يباع و هو فاقد للآخر و ما يقوم مقامه، فإنّه لا يجب عليه الشّراء، و عبارة الكتاب مطلقة.

و هذا بخلاف ما لو بذل له ثمن الماء فإنه لا يجب القبول على الأصح، لأن هبة المال ممّا يمتن به في العادة، و تحصل به للنّفس غضاضة و امتهان، و ذلك من أشدّ أنواع الضّرر على نفوس الأحرار، و لا أثر لقلته في ذلك لعدم انضباط أحوال النّاس، فربما عدّ بعضهم القليل كثيرا، بل مناط الحكم كون الجنس مما يمتن به عادة، كما لا نفرق بين قلة الماء و كثرته في وجوب القبول اعتبارا بالجنس.

و قال الشّيخ: يجب القبول في هبة الثّمن لوجوب تحصيل الشرط «1».

قلنا: نمنع الوجوب هاهنا لما فيه من الضّرر، و كذا القول في هبة الآلة فتوى و دليلا، و يجي‌ء على قول الشّيخ الوجوب. هذا كله إذا كان البذل و الهبة على وجه التبرّع، فلو نذر ذلك لمعين، أو لمن يندرج فيه المعيّن فوجوب القبول حينئذ متّجه، و متى قلنا بوجوب القبول فامتنع لم تصحّ ما دام الماء باقيا في يد المالك المقيم على البذل.

______________________________
(1) المبسوط 1: 31.

476
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الثالث: عدم الوصلة ؛ ج 1، ص : 474

و لو وجد بعض الماء وجب شراء الباقي، فإن تعذّر تيمم و لا يغسل بعض الأعضاء. (1)

و غسل النجاسة العينية عن الثوب و البدن أولى من الوضوء مع القصور عنهما، (2)

______________________________
قوله: (و لو وجد بعض الماء وجب شراء الباقي، فإن تعذر تيمّم، و لا يغسل بعض الأعضاء).

(1) كما يجب على فاقد الماء تحصيله بشراء و نحوه، كذا يجب على واجد البعض شراء الباقي لتوقف الواجب عليه، و لأن أبعاض الواجب واجبة، فإن تعذّر تيمّم.

و لا يغسل بعض الأعضاء عندنا لأن الطّهارة لا يعقل تبعضها، لأن المانع- و هو الحدث- أمر واحد لا يرتفع إلا بمجموع الطّهارة، و لا يستعمل البعض و يتيمّم عن باقي الأفعال، لانحصار الطّهارة في الأقسام الثّلاثة، و الملفقة ليست أحدها، و هذا بخلاف ما لو كان عليه طهارتان، كما في غسل غير الجنابة من الأغسال. فوجد من الماء ما يكفي إحداهما، فإنه يستعمله، و يتيمّم عن الأخرى.

قوله: (و غسل النّجاسة العينيّة عن البدن و الثّوب أولى من الوضوء مع القصور عنهما).

(2) كأنه احترز بالعينيّة عن الحكمية، إذ لا يعقل تقديم إزالتها على الوضوء و الغسل، و هو احتراز غير محتاج إليه لعدم توهم إرادتها، و لأن مزيلها لا يقال له في عرفهم غسل مع أن للعينية إطلاقات، فربما أوهم معنى آخر.

و لا فرق بين البدن و الثّوب في تقديم غسل النّجاسة عنهما على الطّهارة، بشرط كون النّجاسة غير معفو عنها، و الثّوب ممّا يحتاج إلى لبسه في الصّلاة، إما لعدم الساتر، أو لضرورة البرد و نحوه بنزعه، و ذكر الوضوء خرج مخرج المثال فان الغسل كذلك.

و المراد بالأولويّة: استحقاق التّقديم لا الأفضليّة، لشهادة الاستعمال كذلك كثيرا، و ما سيأتي من حكم المخالفة يعين ذلك، و إنّما وجب تقديم غسل النّجاسة حينئذ لأن الطّهارة المائية لها بدل، و إزالة النّجاسة لا بدل لها، ففيه جمع بين الواجبين،

477
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الثالث: عدم الوصلة ؛ ج 1، ص : 474

فان خالف ففي الإجزاء نظر. (1)

______________________________
و حكى المصنّف في ذلك الإجماع في التّذكرة
«1».

فلو كان معه ثوب يمكنه الاستغناء عنه حال الصّلاة و يحتاج الى لبسه في غيرها، و يخاف تعدي نجاسته إلى ما يضرّ به من ثياب و غيرها، فالظاهر تقديمه لمثل ما قلناه، و لم أجد به تصريحا، إلا أنّ إطلاق العبارة لا يأباه.

و لا يخفى أنّ محلّ التّقديم ما إذا وجد ما يتيمم به، فلو فقده فالواجب تقديم الطّهارة لانتفاء البدل حينئذ، و اشتراط الصّلاة بالطّهارة على كل حال، بخلاف إزالة النّجاسة.

قوله: (فان خالف ففي الإجزاء نظر).

(1) ينشأ من أنّه منهي عن المأتي به لأنه مأمور بغسل النّجاسة، و الأمر بشي‌ء يستلزم النّهي عن ضدّه، و النّهي في العبادة يدل على الفساد.

و في المقدّمة القائلة: بأنّ الأمر بالشي‌ء يستلزم النّهي عن ضده على الإطلاق نظر، لأنه إنّما يستلزم النّهي عن ضدّه العام، و هو مطلق الترك الّذي هو النّقيض عند أهل النّظر، لا مطلق الأضداد الخاصّة كما هو مقرر في الأصول، فلا يتم الدليل.

و لأن إزالة المانع أولى من تحصيل أحد الشرطين اللذين على البدل بعينه، كذا قيل و فيه نظر أيضا، لأنا نقول بموجبه، لكن لا يلزم عدم إجزاء المأتي به، و هو المطلوب بالاستدلال.

و من أنّه تطهر بماء مملوك مباح فيصح، كذا قيل و فيه نظر لمنع كليّة الكبرى، و الأصحّ عدم الإجزاء لأنه عبارة عن الإتيان بالمأمور به على الوجه المأمور به، و لم يحصل لأن الفرض أنّه مأمور بالتيمّم لا بالطّهارة بالماء، فيبقى في عهدة التّكليف.

و كذا القول فيمن يخاف ضررا بيّنا باستعمال الماء إذا استعمله و أعرض عن التيمّم، و بهذا البيان تظهر شدّة ضعف أحد وجهي النّظر. و في التّذكرة هاهنا قال:

و في الاجزاء إشكال، أقربه ذلك إن جوّز وجود المزيل في الوقت، و إلا فلا «2»، و هو حق إن أراد التجويز عادة، لا مطلق التّجويز عقلا، فهو كمن أراق الماء في الوقت.

______________________________
(1) التذكرة 1: 67.

(2) التذكرة 1: 64.

478
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: فيما يتيمم به و يشترط كونه أرضا إما ترابا أو حجرا أو مدرا طاهرا ؛ ج 1، ص : 479

[الفصل الثاني: فيما يتيمم به و يشترط كونه أرضا إمّا ترابا أو حجرا أو مدرا طاهرا]

الفصل الثاني: فيما يتيمم به و يشترط كونه أرضا إمّا ترابا أو حجرا أو مدرا طاهرا، (1)

______________________________
قوله: (الفصل الثّاني: فيما يتيمّم به: و يشترط كونه أرضا، إمّا ترابا، أو حجرا، أو مدرا طاهرا خالصا).

(1) أمّا اشتراط كون ما يتيمّم به أرضا، فلقوله تعالى (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً) «1»، و لقول الصّادق عليه السّلام عليه السّلام: «إنّما هو الماء و الصّعيد» «2» و إنّما للحصر، و الصّعيد هو وجه الأرض، على أحد التّفسيرين «3»، فيتناول الحجر بأنواعه من برام و رخام و غيرهما و كذا الحصى، نصّ عليه في المنتهى «4».

و يؤيده قوله تعالى (فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً) «5»، و على هذا فيجوز التيمّم به اختيارا، خلافا للشّيخ «6» و جماعة «7»، حيث اشترطوا في استعماله فقد التّراب.

و المدر- محركة- قطع الطين اليابس، أو العلك الّذي لا رمل فيه، قاله في القاموس «8».

و يشترط كونه طاهرا إجماعا، لقوله تعالى «فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً» «9». قال المفسّرون: معناه: الطاهر «10»، و لقوله عليه السّلام: «و ترابها طهورا» «11» و لان النّجس لا يعقل كونه مطهّرا.

______________________________
(1) المائدة: 6.

(2) التهذيب 1: 188 حديث 540، الاستبصار 1: 155 حديث 534.

(3) الصحاح 2: 298 «صعد»، مجمع البحرين 3: 85 «صعد».

(4) المنتهى 1: 141.

(5) الكهف: 39.

(6) النهاية: 49.

(7) منهم: سلار في المراسم: 53، و ابن إدريس في السرائر: 26 و ابن حمزة في الوسيلة: 64.

(8) القاموس (مدر) 2: 131.

(9) النساء: 43، المائدة: 6.

(10) منهم: الطبرسي في مجمع البيان 2: 52.

(11) الكافي 3: 66 حديث 3، الفقيه 1: 60 حديث 223.

479
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: فيما يتيمم به و يشترط كونه أرضا إما ترابا أو حجرا أو مدرا طاهرا ؛ ج 1، ص : 479

خالصا مملوكا أو في حكمه، (1) فلا يجوز التيمم بالمعادن (2) و لا الرماد (3) و لا النبات

______________________________
قوله: (مملوكا أو في حكمه).

(1) لامتناع التّصرف في المغصوب شرعا، فلا يصحّ التيمّم به للنّهي المقتضي للفساد، و يندرج في حكم المملوك المأذون فيه صريحا و ضمنا في الاذن في التّصرف، و فحوى في الإذن في الدّخول و الجلوس، و نحو ذلك عموما و خصوصا، و بشاهد الحال كالصحاري المملوكة حيث لا ضرر على المالك، و لم يتحقّق نهيه عنها، و المسبل، و مباح الأصل، و المستأجر مملوك المنفعة، و في حكمه المستعار، و يندرجان في المأذون فيه.

و لو حبس المكلّف في مكان مغصوب و لم يجد ماء مباحا، أو لزم من استعماله إضرار بالمكان تيمّم بترابه الطّاهر و إن وجد غيره، لأن الإكراه أخرجه عن النّهي، فصارت الأكوان مباحة لامتناع التّكليف بما لا يطاق، إلا ما يلزم منه ضرر زائد على أصل الكون، و من ثم جاز له أن يصلّي، و ينام، و يقوم.

و حقّ الغير يتدارك بلزوم الأجرة بخلاف الطّهارة بماء المكان المغصوب، لأنه يتضمّن إتلافا غير مأذون فيه و لا تدعو إليه ضرورة، نعم لو ربط في ماء مغصوب و تعذر عليه الخروج، و لم يلزم من الاغتسال به زيادة إتلاف أمكن القول بالجواز، و لم أظفر في ذلك بتصريح، لكن عبارة الذّكرى «1» تشعر بجواز التيمّم بالمغصوب، حيث تجوز الصّلاة.

قوله: (فلا يجوز التيمّم بالمعادن كالكحل، و الزّرنيخ، و تراب الحديد).

(2) و نحو ذلك، لعدم وقوع اسم الأرض عليها.

قوله: (و لا الرماد).

(3) سواء كان رماد الخشب أو التّراب لعدم تسميته أرضا، و مثله النبات المنسحق و غيره.

______________________________
(1) الذكرى: 22.

480
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: فيما يتيمم به و يشترط كونه أرضا إما ترابا أو حجرا أو مدرا طاهرا ؛ ج 1، ص : 479

المنسحق كالأشنان و الدقيق، و لا بالوحل، (1) و لا النجس، و لا الممتزج بما منع منه مزجا يسلبه إطلاق الاسم، (2) و لا المغصوب.

و يجوز بأرض النورة، (3)

______________________________
قوله: (و لا بالوحل).

(1) و هو بتسكين الحاء و فتحها: الطين الرقيق، نصّ عليه في القاموس «1»، و الظّاهر أنّ مطلق الطّين لا يجوز التيمم به لمفهوم قول الصّادق عليه السّلام: «إذا كنت في حال لا تقدر إلّا على الطين فتيمّم به» «2»، و في معناه صحيحة رفاعة عنه عليه السّلام «3»، و موثقة زرارة عن الباقر عليه السّلام «4»، نعم لو كانت الأرض مبتلّة على وجه لا يبلغ البلل صيرورة التّراب طينا جاز التيمّم به.

قوله: (و لا الممتزج بما منع منه مزجا يسلبه إطلاق الاسم).

(2) كالممتزج بنحو الدّقيق و الأشنان لسلب اسم الأرض عنه، و مقتضى عبارة الذّكرى انّه إن كان الخليط بحيث يرى أو يسلب به اسم التّراب لا يجوز التيمم «5»، فعلى هذا لا يجوز التيمّم بالتّراب، و المدر المخلوط بالتبن كثيرا بحيث يرى متميزا، أما القليل فلا بأس لعسر الانفكاك عنه.

و في المنتهى: و لو اختلط التّراب بما لا يعلق باليد كالشّعير جاز التيمّم منه، لأن التّراب موجود فيه، و الحائل لا يمنع من التصاق التّراب باليد فكان سائغا «6»، هذا كلامه، و كأنه يرى أنه إذا أمرّ يده على وجه يصل التّراب إلى جميع بطنها حال الضّرب أجزأ، و فيه تردّد ينشأ من عدم تسمية الخليط ترابا.

قوله: (و يجوز بأرض النّورة و الجص).

(3) المراد قبل إحراقهما لوقوع اسم الأرض عليهما، و عدم تناول المعدن لهما،

______________________________
(1) القاموس 4: 64 مادة (وحل).

(2) الكافي 3: 67 حديث 1، التهذيب 1: 189 حديث 543، الاستبصار 1: 156 حديث 539.

(3) التهذيب 1: 189 حديث 546، الاستبصار 1: 156 حديث 539.

(4) التهذيب 1: 189 حديث 545، الاستبصار 1: 156 حديث 538.

(5) الذكرى: 21.

(6) المنتهى 1: 142.

481
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: فيما يتيمم به و يشترط كونه أرضا إما ترابا أو حجرا أو مدرا طاهرا ؛ ج 1، ص : 479

و الجص، و تراب القبر، (1) و المستعمل، (2) و الأعفر، و الأسود، و الأبيض، و الأحمر، و البطحاء، و سحاقة الخزف، و المشوي، و الآجر، و الحجر. (3)

______________________________
و بالجواز رواية عن أمير المؤمنين عليه السّلام
«1»، و منع ابن إدريس من التيمّم بهما لكونهما معدنا «2»، و شرط الشّيخ في النّهاية في جواز التيمّم بهما فقد التّراب «3» و هما ضعيفان، أمّا بعد الإحراق فلا يجوز خلافا للمرتضى «4» للاستحالة، فإنّهما حينئذ بمنزلة الرماد.

قوله: (و تراب القبر).

(1) لأنّه أرض، سواء تكرر النّبش أم لا، لأنّ الأصل الطّهارة، نعم لو علم حصول نجاسة فيه لم يجزئ، و لا يضر اختلاطه باللحم و العظم من دون مخالطة شي‌ء من النّجاسات، إلّا أن يعلم أن الميّت نجس، و بعض العامة منع مما علم نبشه لمخالطته صديد الموتى و لحومهم، و توقف فيما جهل حاله «5».

قوله: (و المستعمل).

(2) إجماعا منّا لبقاء الاسم و عدم رفع الحدث، و فسّر بالممسوح به، و المتساقط عن محلّ الضّرب بنفسه أو بالنّفض، أمّا المضروب عليه فليس بمستعمل إجماعا، فإنه كالماء المغترف منه.

قوله: (و الأعفر، و الأسود، و الأحمر، و الأبيض، و البطحاء، و سحاقة الخزف، و الآجر، و الحجر).

(3) يجوز التيمّم بجميع أنواع التّراب لصدق اسم الصّعيد عليها، و الأعفر: هو الّذي لا يخلص بياضه بل تشوبه حمرة، و الأحمر و منه- الأرمني- الذي يتداوى به، و الأبيض هو الّذي يؤكل سفها، و البطحاء مسيل واسع فيه دقاق الحصى، أو التّراب اللّين في مسيل الماء، و يجوز التيمم بذلك كلّه لصدق اسم الأرض عليه.

______________________________
(1) التهذيب 1: 187 حديث 539.

(2) السرائر: 26.

(3) النهاية: 49.

(4) قاله في المصباح، كما نقله عنه المحقّق في المعتبر 1: 375.

(5) المجموع 2: 216، و المغني لابن قدامة 1: 293.

482
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: فيما يتيمم به و يشترط كونه أرضا إما ترابا أو حجرا أو مدرا طاهرا ؛ ج 1، ص : 479

و يكره السبخ و الرمل، (1) و يستحب من العوالي. (2)

و لو فقد التراب تيمم بغبار ثوبه، أو عرف دابته، أو لبد السرج،

______________________________
و امّا سحاقة الخزف و الآجر فيبني الجواز فيهما على عدم الخروج بالطبخ عن الأرض، و قد توقف فيه المصنّف في المنتهى
«1» و ظاهر كلام ابن الجنيد خروجهما عن الأرض «2»، فلا يجوز التيمم بهما عنده، و الأصحّ الجواز و منع ما ادّعاه من الخروج، و سحاقة الحجر كالحجر.

قوله: (و يكره السبخ و الرّمل).

(1) السبخة، بالتّحريك و التسكين الأرض المملحة النشاشة «3»، و في جواز التيمّم بها قولان: أشهر هما الجواز «4» لأنّها أرض، و لو علاها الملح لم تجزئ حتى يزيله، أمّا الرمل فيجوز عندنا على كراهية.

قوله: (و يستحب من العوالي).

(2) لبعدها عن النّجاسة، و يكره من المهابط عند علمائنا أجمع، قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «لا وضوء من موطإ» «5» قال النّوفلي: يعني ما تطأ عليه برجلك، ذكره في المنتهى «6».

قوله: (و لو فقد التّراب تيمّم بغبار ثوبه، أو عرف دابته، أو لبد السّرج).

(3) إذا فقد التّراب و ما في معناه تيمّم بغبار أحد الثلاثة بأن ينفضه حتّى يعلوه الغبار، إلّا أن يتلاشى بالنفض فيضرب عليه، فما لا غبار عليه لا يجزئ التيمّم عليه، و ليتخير «7» أكثرها غبارا إن لم يمكن جمع ما فيها، و ذكر الثلاثة لكونها مظنته لا للحصر،

______________________________
(1) المنتهى 1: 141.

(2) نقله عنه في المختلف: 48.

(3) القاموس المحيط (سبخ) 1: 261.

(4) نسب المحقق في المعتبر 1: 374 كراهية التيمم بالسبخة إلى علمائنا ما عدا ابن الجنيد حيث قال بعدم الجواز. و كذلك فعل العلامة في المختلف: 48.

(5) الكافي 3: 62 حديث 5، التهذيب 1: 186 حديث 537.

(6) المنتهى 1: 141.

(7) في نسخة «ن»: و ليتخذ.

483
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: فيما يتيمم به و يشترط كونه أرضا إما ترابا أو حجرا أو مدرا طاهرا ؛ ج 1، ص : 479

و لو لم يجد إلّا الوحل تيمم به. (1)

و لو لم يجد إلّا الثلج فان تمكن من وضع يده عليه باعتماد حتى ينتقل من الماء ما يسمى به غاسلا وجب و قدمه على التراب، (2) و إلّا تيمم به بعد فقد التراب. (3)

______________________________
فلو كان معه بساط عليه غبار تيمّم به، لقول الصّادق عليه السّلام: «فان كان في ثلج فلينفض لبد سرجه فليتيمّم من غباره، أو شي‌ء مغبّر»
«1».

و الشيخ قدم غبار عرف الدابة و السّرج على الثّوب «2»، و ابن إدريس عكس «3»، و هما ضعيفان، إذ التيمّم إنّما هو بالغبار، و لا عبرة بمحله.

و يجب تحصيل التّراب كالماء و لو بشراء، أو استئجار، أو اتهاب و نحو ذلك.

قوله: (و لو لم يجد إلّا الوحل تيمّم به).

(1) إن أمكن تجفيف الوحل بوجه تعيّن، و لو بأن يضرب عليه ثم يدع يديه حتّى يجف ما عليهما، و حينئذ فيقدمه على الغبار لأنه تراب، فيفركه على شي‌ء ثم يضرب عليه، و إن تعذر ذلك لم يجز التيمّم به إلّا بعد فقد الغبار، لقول الباقر و الصّادق عليهما السّلام بعد ذكر التيمّم بالغبار إذا لم يجد إلا الطين: انّه يتيمّم منه «4».

قوله: (و لو لم يجد إلّا الثّلج فان تمكن من وضع يده عليه باعتماد حتى ينتقل من الماء ما يسمّى به غاسلا وجب، و قدمه على التّراب).

(2) لا إشكال في هذا الحكم، لأنّ المتمكّن من الطّهارة المائية لا يجزئه التيمّم، و لقول الصّادق عليه السّلام في صحيحة محمّد بن مسلم و قد سأله عن الرّجل يجنب في السّفر و لا يجد إلّا الثّلج، قال: «يغتسل بالثّلج، أو بماء النّهر» «5» و لو تمكن من إذابته بالإسخان أو بتكسيره فكذلك.

قوله: (و إلا تيمّم به بعد فقد التّراب).

(3) المراد فقد التّراب و ما في معناه من حجر و رمل، و كذا الغبار و الوحل، و معنى‌

______________________________
(1) التهذيب 1: 189 حديث 546، الاستبصار 1: 156 حديث 539.

(2) النهاية: 49.

(3) السرائر: 26.

(4) التهذيب 1: 189 حديث 545، 546، 551.

(5) التهذيب 1: 191 حديث 550.

484
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: فيما يتيمم به و يشترط كونه أرضا إما ترابا أو حجرا أو مدرا طاهرا ؛ ج 1، ص : 479

..........

______________________________
العبارة انّه إذا لم يتمكّن من وضع يديه على الثّلج حتّى ينتقل من الماء ما يسمّى به غاسلا تيمّم به، و التيمّم في عبارته يحتمل أمرين:

أحدهما: أن يمسح وجهه و جميع أعضاء الوضوء، أو الغسل به و يكون إطلاق التيمّم عليه مجازا، و هو مختار الشّيخين «1»، و إليه ذهب في المختلف «2» و غيره «3».

و الثّاني: أن يمسح وجهه و يديه بنداوته بعد الضّرب، كما يظهر من المرتضى «4»، و سلّار «5»، و مستند ذلك ما رواه محمّد بن مسلم في الصّحيح، قال:

سألت أبا عبد اللَّه عليه السّلام عن الرّجل يجنب في السّفر فلا يجد إلّا الثّلج، أو ماء جامدا، قال: «هو بمنزلة الضّرورة، يتيمّم و لا أرى أن يعود إلى هذه الأرض الّتي توبق دينه» «6»، و الحديث يحتمل أمرين:

أحدهما: أن يراد بقوله عليه السّلام: «هو بمنزلة الضّرورة يتيمم» تيممه بالثّلج، و يؤيد هذا قول السّائل: فلا يجد إلا الثّلج، أو ماء جامدا، و حينئذ فيكون التيمّم به محتملا لمسح أعضاء الطّهارة به، مجازا عن التيمّم الحقيقي، للاشتراك في المسح، كما يحتمل مسح أعضاء التيمّم به بعد الضّرب عليه.

الثّاني: أن يراد بقوله عليه السّلام: «يتيمّم»: التيمّم بالتّراب، على معنى أنّ السّائل أراد أنّ الجنب لم يجد ما يغتسل به إلّا الثّلج، أو ماء جامدا، و لم يرد أنّ التّراب ليس بموجود، و يؤيد هذا المعنى قوله عليه السّلام: «هو بمنزلة الضّرورة»، بل المتبادر إلى الفهم هو هذا المعنى، و على تقدير احتمال الحديث فلا دلالة فيه على التيمّم بالثّلج بحال سوى ما أراده المصنّف تبعا للشّيخين و ما يظهر من كلام المرتضى.

و احتج المصنّف أيضا بأنّ المتطهر يجب عليه مماسة أعضاء الطّهارة بالماء و إجراؤه عليها، فإذا تعذّر الثّاني وجب الأوّل، إذ لا يلزم من سقوط أحد الواجبين لعذر‌

______________________________
(1) المفيد في المقنعة: 8، و الطوسي في المبسوط 1: 31.

(2) المختلف: 49.

(3) المنتهى 1: 143، و التحرير 1: 22.

(4) قاله في المصباح، كما نقله عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 1: 536.

(5) المراسم: 53.

(6) التهذيب 1: 191 حديث 553، الاستبصار 1: 158 حديث 544.

485
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: فيما يتيمم به و يشترط كونه أرضا إما ترابا أو حجرا أو مدرا طاهرا ؛ ج 1، ص : 479

و لو لم يجد ماء و لا ترابا طاهرا، فالأقوى سقوط الصلاة أداء و قضاء. (1)

______________________________
سقوط الآخر، و فيه نظر، لأنه إن أراد وجوب المماسة من حيث هي كذلك فممنوع، أو لكونها جزءا من مفهوم الغسل الّذي هو عبارة عن المماسة مع الجريان، فمسلم، لكن إنّما يجب مع إمكان الجزء الآخر، لأن وجوبه إنّما هو حال كونه جزءا لا مطلقا.

و الأصحّ أنّه إن لم يمكن استعمال الثّلج في الوضوء و الغسل بحيث يتحقّق به الغسل المشتمل على الجريان، و لم يجد شيئا آخر يتيمّم به فهو فاقد الطهورين، و هو مختار ابن إدريس «1».

قوله: (و لو لم يجد ماء و لا ترابا طاهرا فالأقوى سقوط الصّلاة أداء و قضاء).

(1) أي: لو لم يجد ماء طاهرا، و لا ترابا طاهرا، حذف من الأوّل لدلالة الثّاني عليه، فانّ وجود النّجس كعدمه، و كذا المشتبه به، لأنّ المطهّر لا بد أن يكون طاهرا، و ليس المراد ظاهر اللّفظ، لأن سقوط الصّلاة إنّما يتحقق إذا فقد المطهر بأنواعه من ماء و تراب، و غبار و وحل، و كأنّه اعتمد على ما أسلفه آنفا.

إذا عرفت ذلك، فسقوط الأداء هو ظاهر مذهب أصحابنا، لأن الطّهارة شرط للصّلاة مطلقا لقوله عليه السّلام: «لا صلاة إلا بطهور» «2» و قد تعذّرت، فيسقط التّكليف بها لامتناع التّكليف بما ليس بمقدور، و يلزم من سقوط التّكليف بالشرط سقوط المشروط، و إلّا فإن بقي الاشتراط لزم تكليف ما لا يطاق، و إن انتفى خرج المشروط مطلقا عن كونه مشروطا مطلقا، و هو باطل.

أما سقوط القضاء فللأصحاب فيه قولان:

أحدهما- و هو الأصحّ، و اختاره المصنّف «3» و جماعة- «4»: السّقوط لانتفاء المقتضي، فإنّ القضاء إنّما يجب بأمر جديد و لم يثبت، و لأنّ الأداء لم يتحقق وجوبه، فلا يجب القضاء بطريق أولى.

______________________________
(1) السرائر: 26.

(2) الفقيه 1: 22 حديث 67، التهذيب 2: 140 حديث 545.

(3) التذكرة 1: 63، المختلف: 149.

(4) منهم: المحقق في الشّرائع 1: 49، و فخر المحققين في الإيضاح 1: 68.

486
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثاني: فيما يتيمم به و يشترط كونه أرضا إما ترابا أو حجرا أو مدرا طاهرا ؛ ج 1، ص : 479

..........

______________________________
و الثّاني- و اختاره شيخنا الشّهيد-
«1»: وجوب القضاء، و هو الظّاهر من عبارة الشّيخ في المبسوط «2» لقوله عليه السّلام: «من فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته» «3» و هو شامل لصورة النّزاع لأن (من) من أدوات العموم.

و أجاب عنه في المختلف بأنّ المراد: من فاتته صلاة يجب عليه أداؤها فليقضها، إذ من لا يجب عليه الأداء لا يجب عليه القضاء كالصّبي و المجنون «4». و فيه نظر، لأنّ القضاء قد يجب على من لا يجب عليه الأداء، كما في النّائم و شارب المرقد على وجه، و المسافر في الصّوم.

و يمكن استفادة اعتبار الوجوب عليه من قوله: (فريضة) لأن فعيلا بمعنى المفعول، أي: مفروضة و هي الواجبة، و يبعد أن يراد وجوبها على غيره، بأن يكون التّقدير من فاتته صلاة مفروضة على غيره، لأن ذلك خلاف الظّاهر من حيث أنّ المتبادر غيره، و أنّه يحتاج إلى زيادة التّقدير.

فان قيل: يمكن أن يراد بفريضة ما من شأنها أن تكون فريضة، فيتناول صورة النزاع.

قلنا: و إن أمكن، إلا أنّ السّابق إلى الفهم هو ما قلناه مع استغنائه عن زيادة التّقدير، و إمكان إرادته غير كاف في وجوب القضاء لإمكان العدم، و الأصل براءة الذّمة، و بما حققناه يظهر ضعف ما ذكره المصنّف آخرا في المختلف معترضا به على الجواب الّذي حكيناه عنه سابقا، من أن وجوب القضاء معلّق على الفوات مطلقا، و التخصيص بوجوب الأداء لم يدل اللّفظ عليه، و إخراج الصّبي و المجنون بدليل خاصّ «5».

______________________________
(1) الذكرى: 23.

(2) المبسوط 1: 31.

(3) الكافي 3: 435 حديث 7، التهذيب 3: 162 حديث 350.

(4) المختلف: 53.

(5) المختلف: 53.

487
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في كيفيته ؛ ج 1، ص : 488

[الفصل الثالث: في كيفيته]

الفصل الثالث: في كيفيته:

و تجب فيه النيّة المشتملة على الاستباحة- دون رفع الحدث فيبطل معه- و التقرب، و إيقاعه لوجوبه أو ندبه (1)

______________________________
قوله: (الفصل الثّالث: في كيفيته و تجب فيه النيّة المشتملة على الاستباحة دون رفع الحدث فيبطل معه، و التقرب و إيقاعه لوجوبه أو ندبه).

(1) وجوب النيّة في التيمّم بإجماع علماء الإسلام إلا من شذّ «1»، و يدلّ عليه مع ذلك ظاهر الآية «2» و الحديث «3»، و لا ريب في اعتبار قصد الاستباحة لامتناع حصولها بدون النيّة دون الرّفع، فلو اقتصر عليه لم يصحّ لامتناع حصوله بالتيمّم، و إلّا لما بطل إلّا به، و الإجماع على أنّ المتيمّم إذا تمكن من استعمال الماء تطهر عن الحدث السّابق.

و يحتمل الصّحة لاستلزامه الاستباحة، فيدخل تحت النيّة، و هو ضعيف. و لو ضمّه إلى الاستباحة لغا و صحت النيّة، و ظاهر قوله في الكتاب: (فيبطل معه) عدم الصّحة هنا أيضا.

و في الذّكرى: لو نوى رفع المانع من الصّلاة صحّ و كان في معنى الاستباحة «4»، و هو عجيب، فانّ المانع هو الحدث، أعني النّجاسة الحكمية الّتي إنّما ترتفع بالوضوء أو الغسل، نعم يرتفع به المنع من الصّلاة لحصول الإباحة به، و كأنه أراد بالمانع المنع.

و أعجب منه قوله في البيان: لا رفع الحدث فيبطل، إلا أن يقصد به رفع ما مضى «5»، فان الفرض أنّه غير دائم الحدث ليكون له حدث ماض و غيره، و لو فرضناه دائم الحدث لم يكن التيمّم رافعا لدثه الماضي و لا غيره، و في قواعده حاول كون التيمّم رافعا للحدث مطلقا «6»، و هو غير واضح، و ما بيّن به ضعيف لا يحصل مطلوبه.

______________________________
(1) مثل الأوزاعي و الحسن بن صالح، انظر: المغني لابن قدامة 1: 286.

(2) المائدة: 6.

(3) التهذيب 4: 186 حديث 519، أمالي الشيخ الطوسي 2: 231.

(4) الذكرى: 107.

(5) البيان: 36.

(6) القواعد و الفوائد 1: 92.

488
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في كيفيته ؛ ج 1، ص : 488

مستدامة الحكم حتى يفرغ، (1) و وضع اليدين على الأرض، (2)

______________________________
و اعتبار نية التقرب و الوجوب أو النّدب ظاهر كما في الوضوء و الغسل، و يعتبر مع ذلك نيّة البدليّة عن الوضوء أو الغسل على الأصح، لأنّ وقوعه بدلا من الوضوء أو الغسل إنّما يكون بالنية، لقوله عليه السّلام: «و إنّما لكل امرئ ما نوى»
«1»، و يسقط اعتبار البدليّة في مواضع نادرة:

الأوّل: التيمّم للجنازة.

الثّاني: التيمّم للنّوم لمشروعيّتهما مع وجود الماء، فلا يعقل فيهما معنى البدليّة.

الثّالث: التيمّم لخروج الجنب و الحائض من المسجدين لعدم شرعيّة المائية لو تمكن منها كما سبق. و هنا شي‌ء، و هو أنّه حيث لم يعتبر البدليّة في التيمّم في هذه المواضع فلا دليل يدل على وجوب ضربة واحدة أو ضربتين، لأنّ مناط ذلك البدلية، إلا أن يقال: يناط الحكم هنا بالحدث، فإذا كان أكبر فضربتان، و إلا فواحدة.

قوله: (مستدامة الحكم حتّى يفرغ).

(1) قد تقدم تفسير الاستدامة حكما، و دليل اعتبارها، و ذلك آت هنا.

قوله: (و وضع اليدين على الأرض).

(2) أجمع الأصحاب على اعتبار الضّرب في التيمّم، و الرّوايات مصرحة به، مثل قول النّبي صلّى اللَّه عليه و آله لعمّار لما تمعّك بالتّراب، و قد أجنب: «أفلا صنعت كذا»، ثم أهوى بيديه على الأرض، فوضعهما على الصّعيد «2»، و في رواية زرارة عن الباقر عليه السّلام: «فضرب بيديه الأرض» «3» و في رواية ليث المرادي عن الصّادق عليه السّلام: «تضرب بكفّيك على الأرض» «4» و غير ذلك من الاخبار «5».

و اختلاف الأخبار و عبارات الأصحاب في التعبير بالضّرب و الوضع يدل على أنّ المراد بهما واحد، فلا يشترط في حصول مسمّى الضّرب كونه بدفع و اعتماد كما هو‌

______________________________
(1) صحيح البخاري 1: 2، سنن أبي داود 2: 262 حديث 2201.

(2) الفقيه 1: 57 حديث 212، السرائر: 473.

(3) الكافي 3: 61 حديث 1 و فيه: (بيده)، التهذيب 1: 207 حديث 601، الاستبصار 1: 170 حديث 590.

(4) التهذيب 1: 209 حديث 608، الاستبصار 1: 171 حديث 596.

(5) راجع الكافي 3: 61 باب صفة التيمم، التهذيب 1: 207 باب صفة التيمم، الاستبصار 1: 170- 171.

489
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في كيفيته ؛ ج 1، ص : 488

ثم مسح الجبهة بهما من القصاص الى طرف الأنف مستوعبا لها. (1)

______________________________
المتعارف، لكن يشترط مقارنة النيّة له، لأنّه أوّل أفعال التيمّم.

و المصنّف أهمل ذكر المقارنة هنا، و خيّر في غير هذا الكتاب بين مقارنتها للضّرب و ابتداء المسح «1». و يشكل بأنّ الضّرب أول الأفعال الواجبة، فتأخير النيّة تأخير لها عن أول العبادة. و لو وضع اليدين ثم نوى، فالظاهر عدم الإجزاء لعدم المقارنة للوضع حينئذ.

و يجب في الوضع كونه ببطن اليدين- لأنه المعهود- بغير حائل، و مع الضّرورة يجزئ الضّرب بالظهور، و يجب وضع اليدين معا، فلو وضع واحدة ثم وضع الأخرى لم يجزئ لأن المفهوم من «أهوى بيديه على الأرض»، و «اضرب بكفيك» كونهما دفعة.

قوله: (ثم مسح الجبهة بهما من القصاص الى طرف الأنف مستوعبا لها).

(1) قد يشعر عطف مسح الجبهة على ما قبله ب‍ (ثم) الدالة على التّرتيب و التّراخي، بأن فعل النية و استدامة حكمها سابق على المسح، و ليس ثم شي‌ء من أفعال التيمّم يتصور مقارنتها له إلا الضّرب، فيكون دالّا على ما قلناه، إلّا أنّ فيه خفاء و غموضا، و مسح الجبهة من قصاص الشّعر في مقدّم الرّأس إلى طرف الأنف الأعلى، و هو الّذي يلي آخر الجبهة متفق على وجوبه بين الأصحاب، و الأخبار الكثيرة دالة عليه، مثل قول الصّادق عليه السّلام في موثق زرارة: «ثم مسح بهما جبهته و كفّيه مرّة واحدة» «2».

و لا يجب استيعاب الوجه على المشهور، لدلالة الاخبار على مسح الجبهة، و نقل المرتضى في النّاصرية إجماع الأصحاب عليه «3»، و قال علي بن بابويه: يجب مسح الوجه جميعه «4»، و به روايات أكثرها ضعيفة الإسناد «5»، و قد أعرض عنها الأصحاب، نعم مسح الجبينين- و هما المحيطان بالجبهة يتصلان بالصّدغين- واجب، لوجوده في بعض‌

______________________________
(1) التذكرة 1: 63.

(2) الكافي 3: 61 حديث 1، التهذيب 1: 207 حديث 601، الاستبصار 1: 170 حديث 590.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 224.

(4) المقنع: 9.

(5) التهذيب 1: 207 حديث 598 و 500، الاستبصار 1: 170 حديث 591 و 592.

490
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في كيفيته ؛ ج 1، ص : 488

ثم ظاهر الكف الأيمن من الزند الى طرف الأصابع مستوعبا لها، ثم الأيسر كذلك، (1)

______________________________
الأخبار المتضمّنة تتميم البيان
«1» و الزّيادة غير المنافية مقبولة، و لعدم مفصل محسوس بينهما و بين الجبهة.

و كذا الحاجبين وفاقا للصّدوق، و قد حكى به رواية «2»، و لأنه لا بدّ من إدخال جزء من غير محلّ الفرض من باب المقدّمة فبملاحظته يقرب من ذلك، و إن لم يكن عينه، و لا يبعد إطلاق الجبهة في الأخبار على ذلك تجوزا.

و يجب كون المسح ببطن الكفين إلا لضرورة، قال في الذّكرى: من نجاسة أو غيرها «3»، فحينئذ يمسح بظهر ما تعذر المسح ببطنه، و يعتبر كونهما معا لظاهر الأخبار، و يجب أن يبدأ في المسح بالأعلى، فلو نكس فالأقرب عدم الإجزاء، صرّح به جمع من المتأخّرين «4»، إمّا للحمل على الوضوء، و هو بعيد، و إمّا تبعا لتتميم البيان، و في الدّلالة ضعف، إلا أنّ الاحتياط طريق البراءة.

و يجب استيعاب محل الفرض، و يدلّ عليه قوله: (مستوعبا لها) أي: للجبهة بناء على أنّ الواجب مسحها، و نصبه على الحال، فلو أخل بجزء لم يأت بالمأمور به على وجهه، فيجب تداركه و ما بعده ما لم يطل الفصل فتفوت الموالاة.

قوله: (ثم ظاهر الكفّ الأيمن من الزّند إلى أطراف الأصابع مستوعبا، ثم الأيسر كذلك).

(1) يجب في مسح اليمنى أن يكون ببطن اليسرى، و كذا في اليسرى يجب مسحها ببطن اليمنى إلّا لضرورة، و لا يجب استيعاب اليدين من المرفقين، لدلالة النّص‌

______________________________
(1) التهذيب 1: 211 حديث 613 و 614، الاستبصار 1: 171 حديث 593.

(2) الفقيه 1: 57 حديث 212.

(3) الذكرى: 109.

(4) منهم: الشهيد في الذكرى: 109.

491
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في كيفيته ؛ ج 1، ص : 488

و لو نكس استأنف على ما يحصل معه الترتيب. (1)

______________________________
عليه
«1»، و فتوى أكثر الأصحاب به «2»، خلافا لعليّ بن بابويه «3»، و الاستدلال كما سبق في الوجه، بل يجب المسح من الزند باتّفاق الأصحاب.

و يجب البدأة بالزند في المسح إلى رؤوس الأصابع في مسح اليدين جميعا، و إدخال جزء من غير محلّ الفرض من باب المقدّمة.

و يجب تقديم اليمنى على اليسرى بإجماعنا، و لتتميم البيان، كما يجب تقديم الجبهة على اليمنى، و هو مستفاد من العطف بثم في الموضعين. و لا يخفى أنّ استيعاب محلّ الفرض بالمسح واجب كما سبق في الجبهة، و المشار إليه في قوله: (كذلك) هو قوله:

(من الزند إلى أطراف الأصابع مستوعبا): أي ثم ظاهر الكف الأيسر من الزند إلى أطراف الأصابع مستوعبا.

و لا يجب في مسح الأعضاء المسح بجميع بطن الكفّ، للأصل، و لقول الباقر عليه السّلام في قصة عمّار: «ثم مسح جبينه بأصابعه» «4» و لما دلّ عطف الأفعال من الضّرب و مسح الجبهة و اليمنى و اليسرى ب‍ (ثم) على وجوب التّرتيب و اعتباره في التيمّم عطف.

قوله: (و لو نكس استأنف ما يحصل معه التّرتيب).

(1) أي: وجوبا و إن لم يتعمّد، لأنّه لم يأت بالمأمور به على وجهه و هو إجماع علمائنا.

و ينبغي تقييد الاكتفاء باستئناف ما يحصل معه التّرتيب بعدم طول الزّمان كثيرا بحيث يفوت الموالاة، فإنّه حينئذ يجب الاستئناف من رأس.

و تجب الموالاة أيضا، و أسنده في الذّكرى إلى الأصحاب «5»، و صرّح به في‌

______________________________
(1) الكافي 3: 61، التهذيب 1: 207 باب صفة التيمم، الاستبصار 1: 170.

(2) منهم: الشيخ في المبسوط 1: 33 و النهاية: 49، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 136، و ابن البراج في المهذب 1: 47، و سلار في المراسم: 54.

(3) المقنع: 9.

(4) الفقيه 1: 57 حديث 212.

(5) الذكرى: 105.

492
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في كيفيته ؛ ج 1، ص : 488

و لو أخلّ ببعض الفرض أعاد عليه و على ما بعده. (1)

و يستحب نفض اليدين بعد الضرب قبل المسح. (2)

______________________________
التّذكرة
«1»، و إن أهمله هنا، و ممّا يدلّ عليه العطف بالفاء في قوله تعالى (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ) «2» لدلالتها على التعقيب في مسح الوجه، و يلزم فيما عداه ذلك لعدم القائل بالفصل، و لفعل النّبي صلّى اللَّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام لوجوب التّأسي، و في الدلالة شي‌ء، و المرجع في ذلك هو الإجماع. و المراد بالموالاة هنا هي المتابعة عرفا لعدم تصوّر معنى آخر، نعم لا يضر الفصل اليسير الّذي لا يخلّ بصدق التوالي عرفا.

قوله: (و لو أخلّ ببعض الفرض أعاد عليه و على ما بعده).

(1) إذ لم يأت بالمأمور به، و لا فرق بين كون الإخلال عمدا أو سهوا، إلا أنّه يشترط عدم الإخلال بالموالاة. و لو شك في الإخلال ببعض الأفعال فإن كان قبل الفراغ أتى بالمشكوك فيه و بما بعده لعدم تحقق الامتثال، و إن كان بعد الفراغ لم يلتفت لعموم قول الصادق عليه السّلام: «إذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشككت فشكك ليس بشي‌ء» «3».

قوله: (و يستحب نفض اليدين بعد الضّرب قبل المسح).

(2) للأخبار الدّالة على أنّه صلّى اللَّه عليه و آله نفض يديه بعد الضّرب «4»، و كذا الأئمة عليهم السّلام، و لأن فيه تحرزا من تشويه الخلقة، و قال الشّيخ: ينفضهما و يمسح إحداهما بالأخرى «5»، و اعتبر ابن الجنيد علوق التّراب باليدين ليمسح به «6»، و أخبار النفض حجة عليه، و كذا تجويز التيمّم بالحجر، و لا دلالة في الآية، لأن الصّعيد وجه الأرض و هو شامل للحجر، فيمتنع أن يكون (من) في الآية للتبعيض.

______________________________
(1) التذكرة 1: 64.

(2) النساء: 43.

(3) التهذيب 2: 352 حديث 1459.

(4) الكافي 3: 61 حديث 1، التهذيب 1: 211، 212 حديث 613، 614، الاستبصار 1: 171 حديث 593 و للمزيد راجع الوسائل 2: 975 باب 11 من أبواب التيمم.

(5) المبسوط 1: 33.

(6) حكاه عنه في المختلف: 51.

493
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في كيفيته ؛ ج 1، ص : 488

و يجزئه في الوضوء ضربة واحدة، و في الغسل ضربتان. (1)

______________________________
قوله: (و يجزئه في الوضوء ضربة واحدة، و في الغسل ضربتان).

(1) أي: إذا كان التيمّم بدلا من الوضوء أجزأ ضربة واحدة، و إذا كان بدلا من الغسل لم يجزئ إلّا ضربتان، و هذا هو المشهور بين الأصحاب خصوصا المتأخّرين، و اجتزأ المرتضى «1» و جماعة «2» بضربة واحدة في الجميع، و أوجب علي بن بابويه ضربتين فيهما «3»، و الأخبار مختلفة، ففي بعضها ضربة «4»، و في البعض الآخر ضربتان «5»، فجمع الأصحاب بينها بتخصيص الضّربة ببدل الوضوء، و الضربتين ببدل الغسل، لأن العكس بعيد و مرجوح، فإنّ الأكثر يناسب الطّهارة الكبرى، و ربّما أيدوه بما رواه زرارة في الصحيح، عن الباقر عليه السّلام، قلت: كيف التيمّم؟ قال: «هو ضرب واحد للوضوء و الغسل من الجنابة تضرب بيديك مرّتين ثم تنفضهما، نفضة للوجه، و مرّة لليدين» «6»، بأن نزل على تمام الكلام عند قوله عليه السّلام: «هو ضرب واحد للوضوء» فيكون معناه وحدة الضّرب للوضوء.

و الابتداء بقوله: «و الغسل من الجنابة.» لبيان الضّربتين في الغسل و فيه بعد و تكلف، و ليس المراد بقوله: «تضرب بيديك مرّتين» توالي الضّرب، كما يشعر به قوله: «ثم تنفضهما.»، و كيف كان فالمذهب هو المشهور، لأنّ فيه جمعا بين الأخبار، و باقي الأقوال تستلزم اطراح بعضها.

إذا تقرّر هذا فعلى المشهور لا تكفي ضربة واحدة في بدل الغسل جزما، أمّا في بدل الوضوء فهل يجزئ ضربتان؟ ظاهر كلامهم في الجمع بين الاخبار أن الواجب ضربة فلا تشرع الثّانية، نعم بطلان التّيمم بها غير ظاهر لكن يأثم، و لعلّ تعبير المصنّف بقوله: «و يجزئه في الوضوء ضربة» دون أن يقول: «و تجب ضربة» إلى غير ذلك من‌

______________________________
(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 224.

(2) حكاه العلامة في المختلف: 50 عن ابن الجنيد و ابن أبي عقيل.

(3) حكاه عنه في المختلف: 50.

(4) الكافي 3: 61 حديث 1، التهذيب 1: 207 حديث 601 الاستبصار 1: 170 حديث 590.

(5) التهذيب 1: 209، 210 حديث 608 و 609 و 610.

(6) التهذيب 1: 210 حديث 611، الاستبصار 1: 172 حديث 599.

494
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في كيفيته ؛ ج 1، ص : 488

و يتكرر التيمم لو اجتمعا، (1)

______________________________
العبارات للإشعار بهذا المعنى.

قوله: (و يتكرر التيمّم لو اجتمعا).

(1) أي: الوضوء و الغسل و ذلك في غير الجنابة، لأن المبدل منه القوي إذا كان متعدّدا، فالبدل الضعيف أولى بالتعدّد، و ما رواه عمّار عن الصّادق عليه السّلام «1»، و أبو بصير، من أنّ تيمّم الجنب و الحائض سواء «2» لا ينافي هذا الحكم، لأن المراد سواء في الكيفيّة بالنّظر إلى كون كلّ منهما بدلا من الغسل، على أنّ التسوية لا تفيد العموم، فعلى هذا يجب على الحائض تيمم للغسل و آخر للوضوء، و كذا أمثالها. و لو وجدت ماء لإحدى الطهارتين استعملته و تيمّمت عن الآخرى، و لو كفى للغسل لم يجز صرفه إلى الوضوء.

و لو اجتمع حدث الجنابة مع غيره من الأحداث الكبرى، فنوى بالتيمّم استباحة الصّلاة من حدث الجنابة، أو البدليّة من غسلها، فالظاهر أنّه يجزئ عن تيمّم آخر و يباح له الدخول في الصّلاة كما في الغسل، و يظهر من عبارته اعتبار التعرض الى تعيين الحدث الآخر احتياطا، حتّى أنّ التيمّم للجنابة إذا انفردت، ظاهر عبارته أن تيمّمها لا يجزئ عن الحدث الأصغر إلا مع التعيين، بل الأحداث الصغرى إذا اجتمع بعضها مع بعض ظاهر عبارته انّها كذلك، و هو مشكل لأن الاستباحة من حدث يقتضي الاستباحة من غيره لأن المانع و المنع واحد، و إلا لتعددت الطّهارة، أو لجاز تعدّدها كما سبق تحقيقه في باب الوضوء.

و لو نوى الاستباحة من غير حدث الجنابة إذا اجتمع مع غيره من الأحداث الكبرى، فهل يجزئ- على القول باجزاء الغسل عن غير الجنابة- عنه؟ يحتمل ذلك لأنّ التيمّم كالغسل، و لان المانع و هو الحدث الّذي يطلب رفعه لما كان أمرا واحدا فالمنع أمر واحد، فحيث نوى الاستباحة من واحد من الأحداث وجب أن يحصل له، فيزول المنع المترتّب عليه و على غيره لأنه واحد. و يحتمل العدم، لأن التيمّم طهارة ضعيفة، مع انتفاء‌

______________________________
(1) الفقيه 1: 58 حديث 215، التهذيب 1: 212 حديث 617.

(2) الكافي 3: 65 حديث 10، التهذيب 1: 212 حديث 616.

495
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في كيفيته ؛ ج 1، ص : 488

و يسقط مسح المقطوع دون الباقي، (1) و لا بد من نقل التراب، فلو تعرض لمهب الريح لم يكف، (2)

______________________________
النص على ذلك، و عدم تصريح الأصحاب به، فيتعيّن الوقوف مع اليقين.

قوله: (و يسقط مسح المقطوع دون الباقي).

(1) لأن وجوب المسح لو تعلق بمحلّ معدوم لزم تكليف ما لا يطاق، فلو قطعت اليد من تحت الزند سقط مسح ما قطع، و وجب مسح ما بقي، إذ «لا يسقط الميسور بالمعسور» «1»، و لو قطعت من فوقه سقط مسح الجميع.

و لو قطعت من مفصل الزند، فهل يجب مسح ما بقي من المفصل أم لا. كما لو قطعت اليد من المرفق في الوضوء؟ تردد المصنّف في المنتهى «2» نظرا الى أن الغاية هل تدخل، أم لا؟ ثم اختار السّقوط لزوال محل الفرض و هو الكف. و يرد عليه أن الزند إن كان غاية، و قلنا: إن الغاية تدخل لم يزل محل الفرض كلّه بالقطع المذكور، بل يبقى منه شي‌ء، و لا ريب أنّ مسحه أحوط.

و لو كان له إصبع زائدة أو كف أو يد فكالوضوء، و حيث قلنا بوجوب مسحها فلا يجزئ الضرب و المسح بها، و متى حصل القطع فالظاهر أنّه يمسح وجهه بالتراب.

و يحتمل أن يضرب بما بقي من الذّراع و يمسح به لأنه أقرب الى الضرب باليدين، و لو بقي من محل الضرب شي‌ء فلا إشكال.

قوله: (و لا بدّ من نقل التّراب، فلو تعرض لمهب الريح لم يكف).

(2) المراد بنقله: كونه بحيث إذا أريد نقله أمكن ليمكن الضّرب عليه، فلا يجزئ التعرّض لمهبّ الرّيح و إن كان فيه تراب لعدم إمكان الضّرب عليه، و المتبادر من نقل التّراب هنا أخذه لمحلّ الضّرب ليمسح به، كما هو مذهب بعض العامة «3»، و ابن الجنيد «4» منّا، و الإجماع على خلافه، فلا يستقيم حمل العبارة إلّا على ما ذكرناه، و فيه من‌

______________________________
(1) عوالي اللآلي 4: 58 حديث 205.

(2) المنتهى 1: 148.

(3) المجموع 2: 235، الوجيز 1: 21، فتح العزيز (بهامش المجموع) 2: 319.

(4) نقله في المختلف: 50.

496
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في كيفيته ؛ ج 1، ص : 488

و لو يممه غيره مع القدرة لم يجز، و يجوز مع العجز. (1)

و لو كان على وجهه تراب فردده بالمسح لم يجز، و لو نقله من سائر أعضائه جاز. (2)

______________________________
التّكلف ما لا يخفى.

قوله: (و لو يممه غيره مع القدرة لم يجز، و يجوز مع العجز).

(1) أما الحكم الأوّل: فظاهر قوله تعالى (فَتَيَمَّمُوا) و فعل الغير لا يعد فعلا حقيقة، و قد سبق مثله في الوضوء و الغسل.

و أمّا الحكم الثّاني: فلوجوب التوصّل إلى فعل الطّهارة بحسب الممكن كما في الطّهارتين، فيجب حينئذ أن يضرب الصّحيح بيدي العليل، ثم يمسح بهما إن أمكن، لظاهر قوله عليه السّلام: «فاتوا منه بما استطعتم» «1» و لو تعذّر ذلك ضرب بيديه و مسح بهما، و يتولى العليل النية لقدرته عليها، و لو نويا كان أولى.

و حكى في الذّكرى عن ابن الجنيد أنّه قال: يضرب الصّحيح بيديه، ثم يضرب بهما يدي العليل، ثم قال: و لم نقف على مأخذه «2».

قوله: (و لو كان على وجهه تراب، فردّده بالمسح لم يجز و لو نقله من سائر الأعضاء جاز).

(2) إنّما لم يجز ترديد التّراب على وجهه لأن الضّرب واجب و لم يأت به، و أمّا جواز نقله من سائر أعضائه فلا يستقيم على ظاهره، لما عرفت من وجوب الضّرب في التيمّم عندنا، و إنّما يتأتى ذلك على مذهب الشّافعي «3» الّذي يشترط لصحة التيمّم نقل التّراب، فلا بدّ من حمل العبارة على نقل التّراب من سائر أعضائه و جمعه في موضع ليضرب عليه، و قد كان ينبغي حذف هذه العبارة لما فيها من الاحتياج الى التكلف البعيد، و إيهام ظاهرها.

______________________________
(1) صحيح البخاري 7: 117، صحيح مسلم 2: 975 حديث 412 و 4: 1830 حديث 1337، سنن النسائي 5: 111، سنن ابن ماجة 1: 3 حديث 2.

(2) الذكرى: 109.

(3) الوجيز 1: 21، فتح العزيز (بهامش المجموع) 2: 318.

497
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الثالث: في كيفيته ؛ ج 1، ص : 488

و لو معّك وجهه في التراب لم يجز إلّا مع العذر، (1) و ينزع

______________________________
قوله: (و لو معّك وجهه في التّراب لم يجز إلّا مع العذر).

(1) لأن الضّرب باليدين و المسح بهما واجب باتّفاقنا، و النّصوص بذلك من طرقنا كثيرة، أمّا مع العذر فيجوز، إذ «لا يسقط الميسور بالمعسور» «1» فيقارن بالنيّة مسح جبهته بمحلّ الضّرب، و من العذر أن يكون باليد جراحة و نحوها، و منه القطع كما سبق.

و ليست نجاسة اليدين- و إن تعذرت إزالتها- عذرا في الضّرب بالجبهة، بل و لا في الضّرب و المسح بظهر الكفّين، بل يتعيّن الضّرب و المسح بهما تمسّكا بالإطلاق، لكن لو كانت نجاستهما متعدّية أمكن كونها عذرا حينئذ، لئلا يتنجس بها التّراب فيضرب بالظهر، فان عمّت فبالجبهة، و عبارة الذكرى: و لو ربطت يد المكلّف فهو عذر «2».

و يحتمل في الموضعين كونه عاجزا عن الطّهارة فيؤخر الصّلاة، كما لو عجز في الوضوء أو الغسل عن عضو فصاعدا و لم يمكنه التيمّم، و لو عمّت النّجاسة جميع الأعضاء فإن كانت متعدّية فلا تيمّم، و لو أمكن تجفيفها فلا إشكال في الوجوب.

و لو كانت نجاسة محل الضّرب يابسة لا تتعدّى إلى التّراب، و نجاسة محلّ المسح متعدّية ففي صحّة التيمّم تردد من عدم التنصيص على مثله، و من أنّ طهارة المحل شرط مع الإمكان لا مطلقا، و اعتبار عدم التعدّي في محلّ الضّرب لئلا يخرج التّراب بتعدي النجاسة إليه عن كونه طيبا.

و ظاهر عبارة الذّكرى «3» أن الحائلة كالمتعديّة. و فيه نظر، لجواز المسح على الجبيرة، و خصوصيّة النّجاسة لا أثر لها في المنع إلّا إذا تعدّت، نعم لو أمكن إزالة الجرم تعيّن و لو بنجاسة أخرى كالبول.

و اعلم أنّ المصنّف أهمل اشتراط طهارة محلّ الأفعال من الضّرب و المسح و لا بدّ منه، و يبعد أن لا يرى اشتراط الطّهارة فيها و إن تمكن من إزالة النّجاسة.

قوله: (و نزع خاتمه).

______________________________
(1) عوالي اللآلي 4: 58 حديث 205.

(2) الذكرى: 109.

(3) الذكرى: 109.

498
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 499

خاتمه (1) و لا يخلل أصابعه. (2)

[الفصل الرابع: في الأحكام]

الفصل الرابع: في الأحكام.

لا يجوز التيمم قبل دخول الوقت إجماعا، و يجوز مع التضيق، (3)

______________________________
(1) يجب ذلك في حال الضّرب، و كذا في حال المسح بالإضافة إلى الممسوح دون الماسح.

قوله: (و لا تخلل أصابعه).

(2) أي: لا يستحبّ، لأن المسح على الظّاهر، لكن يستحبّ تفريجها في الضّرب للوجه و الكفين، نصّ عليه الأصحاب، و كذا لا يخلّل شعره بطريق أولى لعدم الفائدة.

قوله: (الفصل الرابع: في الأحكام: لا يجوز التيمّم قبل دخول الوقت إجماعا، و يجوز مع التضيق).

(3) المتبادر من الوقت هو المحدود شرعا، و هو وقت الأداء، لأن الدّخول حقيقة إنّما يسند إليه، و اللام فيه للعهد الذهني، فتكون العبارة في قوة: لا يجوز التيمّم قبل دخول الوقت في الموقتة إلى آخره أمّا غيرها فيتيمم لها عند إرادة فعلها، كما ذكره في الاستسقاء، لكن ذكر الخسوف بخصوصها مع كونها مؤقتة قد يشعر بخلاف ذلك.

و يمكن أن يراد بالوقت ما هو أعمّ من وقت الأداء، فيكون التّمثيل بالخسوف و الاستسقاء و الفائتة للنّوعين، و اختصّ من النّوع الأوّل الخسوف لأنّها أخفى من غيرها.

و ينبغي أن يراد بعدم جواز التيمّم قبل دخول الوقت ما إذا تيمّم لفعل الفريضة قبل وقتها، أمّا تيمّمه لمطلق الفعل، أو للكون على طهارة مثلا مع فقد الماء فيجوز على احتمال في الثّاني.

و أمّا جواز التيمّم مع التّضيق، بل وجوبه، فإنه و إن كان إجماعيا إلا أنّه لشدة ظهوره غني عن البيان، إذ لولاه لزم الإخلال بالصّلاة. و المراد بالتضيق: أن لا يبقى من الوقت سوى مقدار فعل الصّلاة و ما لا بدّ منه فيها.

499
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 499

و في السعة خلاف أقربه الجواز مع العلم باستمرار العجز، و عدمه مع عدمه. (1)

______________________________
قوله: (و في السّعة خلاف أقربه الجواز مع العلم باستمرار العجز و عدمه مع عدمه).

(1) أي: عن استعمال الماء، و المراد بالعلم المستفاد من العادات المتكررة، أو المستفاد بقرائن الأحوال، أو المستند إلى قول عارف و نحو ذلك، و ما اختاره المصنّف هو ما عليه أكثر المتأخّرين «1».

و قيل بوجوب مراعاة التضيق مطلقا، و ذهب إليه الأكثر كالشّيخين «2» و المرتضى «3» و أبي الصّلاح «4» و ابن إدريس «5» و غيرهم «6» لظاهر حسنة زرارة عن أحدهما عليهما السّلام قال: «إذا لم يجد المسافر ماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم، و ليصل آخر الوقت» «7»، و الأمر للوجوب، و لصحيحة محمّد بن مسلم قال: سمعته يقول: «إذا لم تجد الماء فأخر التيمّم إلى آخر الوقت، فان فاتك الماء لم يفتك التّراب» «8» و بيانه كالأوّل.

و يعارض بالأخبار الدالة على عدم إعادة الصّلاة إذا وجد الماء في الوقت و قد صلّى بتيمم، مثل رواية معاوية بن ميسرة عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام في الرجل في السّفر لا يجد الماء، ثم صلّى، ثم أتي بالماء و عليه شي‌ء من الوقت أ يمضي على صلاته، أم يتوضأ و يعيد الصّلاة؟ قال: «يمضي على صلاته، فان ربّ الماء ربّ التّراب» «9» و هو عام لعدم الاستفصال، و ليس حمل هذه الأخبار على ظن الضيق فتبين السعة بأولى من‌

______________________________
(1) منهم: و الشهيد في اللمعة: 26، و العلامة الحلي في المختلف: 53 و التذكرة 1: 64.

(2) المفيد في المقنعة: 8، و الطوسي في النهاية: 47.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 225.

(4) الكافي في الفقه: 136.

(5) السرائر: 26.

(6) كابن البراج في المهذب 1: 47.

(7) الكافي 3: 63 حديث 2، التهذيب 1: 192 حديث 555، الاستبصار 1: 159 حديث 548 و في الجميع:

(. و ليصل في آخر الوقت).

(8) التهذيب 1: 203 حديث 588 و فيه: (لا تفتك الأرض) الاستبصار 1: 160 حديث 554 و فيه: (لم تفتك الأرض).

(9) التهذيب 1: 195 حديث 564، الاستبصار 1: 160 حديث 554.

500
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 499

و يتيمم للخسوف بالخسوف، و للاستسقاء بالاجتماع في الصحراء، (1) و للفائتة بذكرها. (2) و لو تيمم لفائتة ضحوة جاز أن يؤدي الظهر في أول الوقت

______________________________
حمل تلك على استحباب التأخير، بل الترجيح هنا نظرا إلى إطلاق الآية و الأصل، و عموم أفضلية أول الوقت مع الاعتضاد بمثل قوله صلّى اللَّه عليه و آله: «أينما أدركتني الصّلاة تيممت و صلّيت»
«1»، و هو صريح في الدلالة على الجواز مع السّعة مطلقا.

و إلى هذا القول ذهب ابن بابويه «2» و المصنّف في المنتهى «3» و قوة دليله ظاهرة، إلّا أنّ القول بالتّفصيل أولى، لأنّ فيه مع الجمع بين الأدلّة عملا بكل من القولين، فالمصير إليه أظهر.

قوله: (و للاستسقاء بالاجتماع في الصّحراء).

(1) لأنّ ذلك وقت فعلها و لا يتوقف على اصطفافهم، قال في الذّكرى: و الأقرب جوازه بإرادة الخروج إلى الصّحراء لأنّه كالشّروع في المقدّمات «4»، و فيما قاله قوة، لأنّ السّعي إلى الصّلاة بعد حضور وقتها حقه أن يكون على طهارة.

و احتمل الجواز بطلوع الشّمس في اليوم الثّالث، لأن السبب الاستسقاء، و هذا وقت الخروج فيه. و هو بعيد، لأنّه لو سلم أنّ هذا هو الوقت، فلا بد من مراعاة التضيق إذا رجي زوال العذر، و بهذا يظهر أنّ العمل بالأوّل أقوى.

قوله: (و للفائتة بذكرها).

(2) لأنّه وقتها، و لا يراعى الضيق هنا على القول بأنّ القضاء موسع لما فيه من التّعزير بالقضاء، و لأن السّعة هنا غير مستفادة من تحديد الوقت، بل من عدم الفوريّة.

قوله: (و لو تيمّم لفائتة ضحوة جاز أن يؤدي الظهر في أول وقتها، على إشكال).

______________________________
(1) سنن البيهقي 1: 222، مسند أحمد 2: 222.

(2) المقنع: 8، الفقيه 1: 60.

(3) المنتهى 1: 140.

(4) الذكرى: 106.

501
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 499

على اشكال. (1).

______________________________
(1) ذكر الضحوة على طريق التمثيل، فان التيمّم للفائتة قبل دخول شي‌ء من أوقات الحاضرة- أي وقت كان- كذلك، و مثله ذكر الفائتة لأنّ التيمّم للكسوف أو لنافلة كالاستسقاء، و مطلق الصّلاة أيضا هكذا، و كذا القول في التقييد بالظهر، و احترز بأدائها في أوّل وقتها عن فعلها في آخره بهذا التيمّم فإنّه يجوز قطعا، لأن تيمما واحدا يجوز أن يصلّى به عدّة صلوات عندنا.

و حكى ولد المصنّف قولا بأنّه لا يجوز فعلها في آخر الوقت بهذا التيمّم، و علله بأنّ التيمّم للصّلاة قبل وقتها لا يصحّ إجماعا، فحين إيقاع هذا التيمّم لا يكون مبيحا لصلاة الظهر، و لا تصحّ نية إباحتها به، و كذا عند آخر الوقت لعدم صفة زائدة فيه «1».

و ليس بشي‌ء، لأن عدم ترتّب إباحة الظّهر عليه لعدم دخول وقتها لا يقتضي عدم ترتّبها مطلقا كما في الطّهارة المائية، نعم على القول بأن التيمّم إنّما يبيح صلاة واحدة يتجه ذلك.

إذا تقرر ذلك، فاعلم أنّه في مسألة الكتاب لا إشكال في جواز فعل الظّهر في أوّل وقتها على القول بصحة التيمّم مع السعة مطلقا، و كذا إذا كان العذر غير مرجوّ الزوال على القول بالتّفصيل، أما إذا كان العذر مرجو الزوال على هذا القول، أو مطلقا على القول بوجوب مراعاة التضيق فهو موضع الاشكال، و إطلاق المصنّف منزّل على ما إذا كان العذر مرجوّ الزّوال بناء على ما اختاره سابقا.

و منشأ الاشكال من أن المقتضي لوجوب التّأخير- و هو إمكان استعمال الماء- موجود، و المانع منتف، إذ ليس إلّا كون التيمّم صحيحا و هو غير صالح للمانعية، و من احتمال كون المقتضي لوجوب التّأخير هو عدم صحّة التيمّم مع السّعة إذا رجي زوال العذر، و هو منتف هنا للحكم بصحّته لصلاة آخرى، فينتفي وجوب التّأخير.

و الحاصل: إن منشأ الاشكال راجع الى الشّك في المقتضي لوجوب التأخير من الأمرين المذكورين، فان دلّ دليل على كونه هو الأوّل لم يجز فعلها في أوّل الوقت، و إن كان الثّاني جاز.

______________________________
(1) إيضاح الفوائد 1: 70.

502
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 499

و لا تشترط طهارة البدن عن النجاسة، و لو تيمم و على بدنه نجاسة جاز، (1) و لا يعيد ما صلّاه بالتيمم في سفر أو حضر (2)

______________________________
و الأظهر هو الأوّل لقوله عليه السّلام: «فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم و ليصل»
«1»، أمر بالطلب ما دام في الوقت، و اشترط في فعل الصّلاة خوف فوات الوقت لأنّه اشترط ذلك في فعل التيمّم و في فعل الصّلاة، و لا يلزم من انتفاء التأخير بالنسبة إلى التيمّم لسبق فعله انتفاؤه بالنسبة إلى فعل الصّلاة استصحابا لما كان، و كذا قوله عليه السّلام: «فان فاتك الماء لم يفتك التّراب» «2» يدل على أنّ التّأخير للطمع في الماء، و مختار المصنّف في التذكرة «3» الجواز، و هو قول الشيخ في المبسوط «4».

قوله: (و لا تشترط طهارة البدن عن النّجاسة، فلو تيمّم و على بدنه نجاسة جاز).

(1) النّجاسة إن كانت في محلّ التيمّم فازالتها شرط لصحته قطعا، و ليس في عبارة المصنّف في هذا الباب ما يتعلق بذلك نفيا و لا إثباتا، و قوله هنا: (فلو تيمّم و على بدنه نجاسة) يقتضي أن يكون في غير محلّ التيمّم، و إطلاق عبارته يقتضي جواز التيمّم مع نجاسة غير محلّ الفرض، سواء كان العذر مرجو الزّوال أم لا، و قد سبق في كلامه في باب الاستنجاء ما يخالف ذلك، و قد حققنا المسألة هناك.

قوله: (و لا يعيد ما صلاه بالتيمّم في سفر أو حضر).

(2) لأنّه أتى بالمأمور به على وجهه لأنّه المفروض فيجزئ، و الإعادة تحتاج إلى دليل.

و قال بعض العامّة بوجوب إعادة ما صلّاه بالتيمّم لفقد الماء حضرا «5».

______________________________
(1) الكافي 3: 63 حديث 2، التهذيب 1: 192، 203 حديث 555، 589، الاستبصار 1: 159، 165 حديث 548، 574.

(2) الكافي 3: 63 حديث 1، التهذيب 1: 203 حديث 588، الاستبصار 1: 165 حديث 573 و في الجميع، (لم تفتك الأرض).

(3) التذكرة 1: 53.

(4) المبسوط 1: 30.

(5) المجموع 2: 305.

503
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 499

تعمّد الجنابة أو لا، (1) منعه زحام الجمعة أو لا، (2) تعذّر عليه إزالة النجاسة عن بدنه أو لا. (3)

______________________________
قوله: (تعمّد الجنابة أو لا).

(1) أي: سواء تعمّد الجنابة في حال عجزه عن الغسل فتيمّم و صلّى، أم لم يكن كذلك بأن كانت جنابته لا عن عمد، و قيل بوجوب إعادة المتعمّد «1»، و الأصحّ العدم لتحقّق الامتثال و عموم الأخبار «2»، و قد سبق التّنبيه عليه.

و يجب أن يستثني منه ما إذا تعمّد الجنابة بعد دخول الوقت و هو غير طامع في الماء للغسل، فإنّه بمنزلة من أراق الماء في الوقت، و قد سبق في كلام المصنّف وجوب الإعادة عليه.

قوله: (منعه زحام الجمعة أو لا).

(2) أي: و سواء منعه زحام الجمعة عن الخروج للإتيان بالطهارة المائية فتيمّم، أو لم يكن تيممه لذلك لا إعادة عليه لتحقّق الامتثال المقتضي للاجزاء، و الإعادة بأمر جديد، و قال الشيخ: يعيد «3». و كذا الممنوع بزحام عرفة تعويلا على رواية السّكوني، عن أمير المؤمنين عليه السّلام «4»، و فيه ضعف.

قوله: (تعذّر عليه إزالة النّجاسة عن بدنه أو لا).

(3) أي: و سواء تعذّر عليه إزالة النّجاسة عن بدنه لعدم الماء فتيمّم و صلّى، أو لم يكن تيمّمه لذلك، فإنّه لا يعيد على الأصحّ لمثل ما قلناه، و قال الشّيخ بإعادة المتيمّم ذي النّجاسة على بدنه أو ثوبه إذا لم يجد ماء يغسلها به، و لم يتمكّن من نزع الثوب و الصّلاة عاريا «5»، تعويلا على رواية عمّار، عن الصّادق عليه السّلام «6»، و عمّار ضعيف، و الأصحّ عدم الإعادة.

______________________________
(1) المبسوط 1: 30.

(2) الكافي 3: 63، و الفقيه 1: 57 الحديث 213، و المحاسن: 372.

(3) المبسوط 1: 31.

(4) التهذيب 1: 185 حديث 534، الاستبصار 1: 81 حديث 254.

(5) المبسوط 1: 35.

(6) التهذيب 1: 407 حديث 1279 و 2: 224 حديث 886، الاستبصار 1: 169 حديث 587.

504
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 499

و يستباح به كل ما يستباح بالمائية، (1)

______________________________
و اقتصر في عبارة الكتاب على ذكر نجاسة البدن، لأنّ نجاسة الثّوب إذا تعذّر نزعه كنجاسة البدن، و لأنه إذا وجبت الإعادة لنجاسة البدن، فلنجاسة الثّوب أولى.

و اعلم أنّ المصنّف قال في المنتهى: إنّ ظاهر كلام الشّيخ تعلّق الإعادة بذي النّجاسة المتيمّم عند غسل النّجاسة، سواء وجد الماء للطّهارة أم لا، لأنّه قال: ثم يعيد إذا غسل الموضع، لأن المؤثر هو وجود النّجاسة و قد زالت «1».

قلت: لا دلالة في عبارة الشيخ هذه على ما ادّعاه في المنتهى، لأن ظاهر قوله بوجوب الإعادة التّعليل بكونه قد صلّى بتيمم مع النّجاسة، و الّا لم يكن لذكر المسألة في باب التّيمم وجه أصلا، إذ ليست من أحكامه حينئذ، بل من أحكام النّجاسات، فإذا زال أحدهما انتفى الأمران من حيث هما كذلك، فحينئذ وجبت الإعادة إلا أن يكون الشيخ يرى وجوب الإعادة بالصّلاة مع النّجاسة مطلقا و إن كانت الطهارة مائية، و ليس في كلامه في باب النّجاسات دلالة على ذلك، لأنه احتج على وجوب إعادة ذي النّجاسة الّذي لا يتمكن من إزالتها بحديث عمّار المتضمّن للتيمّم، و ظاهر هذا أنّ الإعادة للأمرين معا لا لخصوص النّجاسة.

قوله: (و يستباح به كلّ ما يستباح بالمائية).

(1) من صلاة، و طواف، و دخول المساجد حتّى المسجدين و الكعبة، و مسّ كتابة القرآن، و الصّوم كما سبق، و منع ولد المصنّف من استباحة المساجد به للجنب «2» لقوله تعالى (وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا) «3»، جعل غاية التّحريم الغسل فلا يزول بالتيمّم، و إلّا لم تكن الغاية غاية، و كذا مسّ كتابة القرآن له معلّلا بعدم فرق الآية بينهما هنا، و هو ضعيف.

أمّا الأوّل: فهو معارض بقوله صلّى اللَّه عليه و آله: «يا أبا ذر يكفيك الصّعيد عشر سنين» «4»، فإن إطلاقه يقتضي الاكتفاء به في العبادات المشروطة بالطّهارة،

______________________________
(1) المنتهى 1: 154.

(2) حكاه العاملي في المفتاح 1: 27 عنه في شرح الإرشاد (مخطوط).

(3) النساء: 43.

(4) الفقيه 1: 59 حديث 221، التهذيب 1: 194، 199 حديث 561، 578.

505
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 499

و تنقضه نواقضها، و التمكن من استعمال الماء، (1)

______________________________
للقطع بأنّه لا يراد الاكتفاء به في الصّلاة في البيت دون دخول المسجد، و الصّلاة مع النّبي صلّى اللَّه عليه و آله، و لظاهر قول الصّادق عليه السّلام: «التّراب أحد الطّهورين»
«1»، و لأنّ التيمّم يبيح الصّلاة التي هي أعظم من دخول المساجد، مع اشتراطها بالطهارة الصّغرى و الكبرى، فإباحته لدخول المساجد بطريق أولى، و لإطلاق الحثّ على فعل الصّلاة في المسجد.

و ليس التمسّك بإطلاق ما ذكره من الغاية بأولى من التمسّك بهذا الإطلاق، و على هذا فذكر الاغتسال في الآية خرج مخرج الغالب، أو أنّه هو الأصل، لأن التيمّم إنّما يكون عند الضّرورة.

و أمّا مسّ كتابة القرآن فظاهر، لأنّ التيمّم طهارة بالكتاب و السّنة لقوله تعالى:

(وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) «2»، أي: بالأمور السّابقة و التيمّم أحدها، و قوله عليه السّلام:

«هو أحد الطّهورين». و يجي‌ء على قوله عدم جواز الطواف للجنب أيضا إذا تيمّم لاستلزامه دخول المسجد، و لم يصرّح بحكم الحائض و النّفساء و نحوهما.

قوله: (و تنقضه نواقضها و التمكن من استعمال الماء).

(1) لا ريب في انتقاض التيمّم بنواقض كل من الطّهارتين لأنّه طهارة ضعيفة لا ترفع الحدث إنّما تفيد إباحة الصّلاة و نحوها، فإذا حصل شي‌ء من الأحداث الكبرى و الصّغرى بطلب الإباحة الحاصلة بالتيمّم، و استمر حكم الحدث، و تزيد نواقض التيمّم على نواقضهما التمكّن من استعمال الماء في الطّهارة الّتي تيمّم عنها.

و المراد بالتمكّن: أن لا يكون مانع حسيّ و لا شرعيّ، فلو وجد الماء و له مانع من استعماله، كمتغلب نزل على نهر فمنع من وروده، أو كان في بئر و لا وصلة له إليه، أو كان به مرض يخشى عليه من الماء، أو يخشى حدوث المرض، أو كان الماء بيد من لا يبذله أصلا، أو بعوض غير مقدور، أو توهم وجود الماء ثم ظهر الخطأ، أو تمكن من استعماله في الوضوء و هو متيمّم عن الجنابة، فإن تيمّمه في جميع هذه المواضع لا ينتقض لعدم‌

______________________________
(1) التهذيب 1: 197 حديث 571، الاستبصار 1: 161 حديث 557 و الحديث فيهما مقارب.

(2) المائدة: 6.

506
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 499

..........

______________________________
التمكّن، و عدم صدق الوجدان.

و كذا لو كان متيمّما عن الطّهارتين فتمكن من إحداهما خاصّة، فإن تيمّمها ينتقض دون الأخرى، فلو كفى الماء للغسل تعيّن تيمّمه للانتقاض، و إلا فتيمّم للوضوء إن كفى له، و عبارة الكتاب مطلقة كما ترى، و تنقيحها بما ذكرناه.

بقي هنا شي‌ء، و هو أنّه هل يشترط لانتقاض التيمّم مضي مقدار زمان الطّهارة المائية متمكّنا من فعلها، أم بمجرّد وجود الماء و التمكّن من استعماله ينتقض التيمّم، و إن لم يمض مقدار زمان الطّهارة؟ إطلاق عبارة الكتاب يقتضي الثّاني، و إن كان المتبادر منها أنّ التمكّن من استعمال الماء في الطّهارة هو النّاقض.

و يشهد للثاني إطلاق الاخبار، مثل قول أبي جعفر عليه السّلام و قد سئل أ يصلي الرّجل بتيمّم واحد صلاة اللّيل و النّهار كلها؟: «نعم ما لم يحدث، أو يصب ماء» «1»، و غيره «2». و يشهد للأول أن التّكليف بالطهارة المائية في وقت لا يسعها تكليف بما لا يطاق، و المقتضي للنقض هو التمكّن من فعلها لا مطلق التمكّن للقطع بأنه لو علم من أوّل الأمر أنّه لا يتمكّن من فعلها لا ينتقض تيمّمه.

فان قيل: توجّه الخطاب بالطّهارة المائية ينافي بقاء التيمّم، و لعدم الجزم بالنيّة على هذا التّقدير.

قلنا: توجّه الخطاب إنما هو بحسب الظاهر، فإذا تبيّن فوات شرطه انتفى ظاهرا و باطنا، و الجزم بالنيّة إنّما يجب بحسب الممكن، و لولاه لم يتحقّق الجزم في شي‌ء من نيات العبادات، لعدم علم المكلّف ببقائه إلى آخر العبادة على صفات التّكليف.

و التّحقيق: إنّ الخطاب- ظاهرا- بفعل الطّهارة المائية يراعى بمضي زمان يسعها، فان مضى ذلك المقدار تبين استقرار الوجوب ظاهرا و باطنا، و إلّا تبيّن العدم فيكون كاشفا، و هذا هو المختار.

و المراد بقوله عليه السّلام: «أو يصب ماء» كونه بحيث يتمكّن من استعماله‌

______________________________
(1) الكافي 3: 63 حديث 4، التهذيب 1: 200 حديث 580، الاستبصار 1: 163، 164 حديث 565، 570.

(2) التهذيب 1: 201 حديث 582 و 583 و 385، الاستبصار 1: 163 حديث 567 و 568.

507
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 499

فلو وجده قبل الشروع بطل، فان عدم استأنف. و لو وجده بعد التلبس بتكبيرة الإحرام استمر. (1)

______________________________
في الطّهارة، للقطع بأنّ إصابته و هو محتاج إلى شربه كلا إصابة، فعلى ما اخترناه لو تلف الماء قبل إتمام الطّهارة فالتيمّم بحاله، فيجب أن يقيد قوله: (فلو وجده قبل الشّروع بطل، فان عدم استأنف) بما إذا مضى مقدار زمان استعماله في الطّهارة متمكّنا من فعلها.

قوله: (و لو وجده بعد التّلبس بتكبيرة الإحرام استمرّ).

(1) سواء كان في فرض أو نفل و هو الأصحّ، لعموم قوله تعالى (وَ لٰا تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ) «1»، و لما رواه محمّد بن حمران، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام في المتيمّم يؤتى بالماء حين يدخل في الصّلاة، قال: «يمضي في الصّلاة» «2».

و لا يرد على الاستدلال بالآية أنّ النّهي عن إبطال العمل مشروط بصحّته، و الصّحة إنّما تتحقّق مع الشّرط، لمنع اشتراط الصّلاة حينئذ بالطّهارة المائية، و ليس هذا كانقطاع دم المستحاضة في أثناء الصّلاة، لأن المقتضي للبطلان هو وجود الحدث الّذي لم يتطهّر عنه، و قد كان معفوا عنه بالدّوام فزال العفو بالانقطاع، بخلاف ما نحن فيه، لأن الحدث قد أبيحت الصّلاة منه، و الأصل البقاء، و المبطل هو التمكّن من المائية و هو غير متحقّق.

و قال الشّيخ في النّهاية: يرجع ما لم يركع «3»، لقول أبي عبد اللَّه عليه السّلام:

«إن كان لم يركع فلينصرف و ليتوضأ، و إن كان قد ركع فليمض في صلاته» «4».

و قال ابن الجنيد: يرجع ما لم يركع الركعة الثانية «5»، لرواية زرارة الدّالة على الإبطال إذا كان قد صلّى ركعة، و على عدمه مع صلاة ركعتين «6».

______________________________
(1) محمد (ص): 33.

(2) التهذيب 1: 203 حديث 590، الاستبصار 1: 166 حديث 575.

(3) النهاية: 48.

(4) الكافي 3: 64 حديث 5، التهذيب 1: 204 حديث 591، الاستبصار 1: 166 حديث 576.

(5) نقله عنه في المختلف: 51.

(6) الفقيه 1: 58 حديث 214، الاستبصار 1: 167 حديث 580.

508
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 499

و هل له العدول الى النفل؟ الأقرب ذلك، (1) و لو كان في نافلة استمر ندبا، (2) فان فقد بعده ففي النقض نظر، (3)

______________________________
و قال سلّار: يرجع ما لم يقرأ
«1».

و شهرة القول الأوّل ترجع العمل بروايته، و ظاهر الآية يعيّن العمل به.

قوله: (و هل له العدول إلى النّفل؟ الأقرب ذلك).

(1) وجه القرب أنّ فيه الجمع بين عدم قطع الفريضة و إبطالها، و بين أدائها بأكمل الطّهارتين، و قد شرع مثله فيما هو دون ذلك، كما في المحافظة على فضيلة الجماعة.

و يحتمل عدم الجواز لأنه في معنى الابطال المنهي عنه، لأنّ النافلة يجوز قطعها و هو أقوى، فإنّ الجمع المدّعى غير واضح، و جواز القطع في موضع الدليل لا يقتضي الجواز مطلقا، و القياس باطل.

قوله: (و لو كان في نافلة استمرّ ندبا).

(2) لأنّ ترك الاستفصال في رواية محمّد بن حمران «2»، يقتضي عموم «3» النّافلة، و للاستصحاب. و يحتمل تعيّن القطع هنا، لأنّ إبطال النّافلة غير ممنوع منه، فيتحقّق التمكّن من استعمال الماء.

قوله: (فان فقده بعده ففي النّقض نظر).

(3) الضّمير يعود إلى الوجدان، أي: فان فقده بعد الوجدان، و لا بدّ من كون الفقدان قبل الفراغ و التمكّن من فعل الطهارة. و ينشأ النّظر من أنّ التمكّن لم يتحقّق لأنّ المنع الشّرعي بمنزلة المنع الحسي بل أقوى، و لأن التيمّم لم ينتقض مع وجود الماء، فبعد فقده أولى، و لأنّ صحة أداء الصّلاة يقتضي عدم ثبوت المنع من فعلها، و هو أمر مشترك بين جميع الصلوات، و من أنّ صحّة التيمّم مشروطة بعدم التمكّن من استعمال الماء، و حيث انتفى الشرط انتفت الصحّة.

______________________________
(1) المراسم: 54.

(2) التهذيب: 1: 203 حديث 590، الاستبصار 1: 166 حديث 575.

(3) في «ع»: عدم.

509
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 499

و في تنزل صلاة الميت منزلة التكبير نظر، (1) و ان أوجبنا الغسل ففي إعادة الصلاة إشكال، (2)

______________________________
و عدم فساده بالنسبة إلى الصّلاة التي كان فيها للإذن بإتمامها حذرا من قطع العمل، أما غيرها فلا مانع من بطلانه بالنسبة إليه. و هو ضعيف، لأنّ الإذن بإتمام ما هو فيها يقتضي بقاء الإباحة، و اجتماع الصحّة و الفساد في طهارة واحدة معلوم البطلان، و الأصحّ عدم النّقض، فرضا كانت أو نفلا.

قوله: (و في تنزّل الصّلاة على الميّت منزلة التكبير نظر).

(1) لو يمّم الميّت بدلا من غسله، هل تنزّل الصّلاة عليه منزلة التكبير للإحرام من المتيمّم لصلاة أخرى، فلا يبطل تيمّمه و لا يجب الغسل، أم لا؟ فيه نظر عند المصنّف، ينشأ: من أنّه طهارة صحيحة قد ترتّب عليها بعض أحكامها، فلا يحكم بفسادها- و في كبرى القياس منع- و أن امتثال المأمور به يقتضي الإجزاء، و الإعادة بأمر جديد لأنّها على خلاف الأصل، و لا ربط له بالمدعى إذ ليس المتنازع فيه الإعادة، بل فساد البدل و الإتيان بالمبدل منه، و إن سلم فالأمر بالغسل الصّحيح باق، و امتناع توجّهه إلى المكلّف عند عدم الإمكان لا يقتضي السّقوط مطلقا.

و من أن التيمّم طهارة ضروريّة شرعت لتعذّر الغسل و قد زال العذر، و الوقت صالح له، فانّ محله باق ما لم يدفن، و لأنّه ميت لم يغسل على الوجه المعتبر قبل الدّفن و لا مانع شرعا، و كل ميّت كذلك يجب تغسيله، و المقدّمتان قطعيّتان، و هذا هو الأصحّ:

و مثله ما لو يمّم عن بعض الغسلات، أو غسّل فاسدا، أو خلا غسله من الخليط.

قوله: (فإن أوجبنا الغسل ففي إعادة الصّلاة إشكال).

(2) ينشأ من أنّ الصّلاة مشروطة بالطّهارة، و الاكتفاء بالتيمّم في محلّ الضّرورة و قد زالت. و فيه نظر لمنع الاشتراط، إذ الواجب التّرتيب، و هو إنّما يكون عند التمكّن، و إن سلم فالشرط أحد الأمرين، إمّا الغسل مع إمكانه أو التيمّم عند تعذّره و قد حصل، و لأن إيجاب الغسل يقتضي إعادة ما بعده تحصيلا للتّرتيب، و هو ممنوع.

و من أنّ امتثال المأمور به على الوجه المطلوب يقتضي الاجزاء و الإعادة بأمر جديد و لم يثبت، و لا يلزم من طريان الفساد على التيمّم للتمكّن من مبدله فساد واجب‌

510
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 499

و يجمع بين الفرائض بتيمم واحد. (1) و لو تيمم ندبا لنافلة دخل به في الفريضة. (2)

و يستحب تخصيص الجنب بالماء المباح أو المبذول، و ييمم الميت، و يتيمم المحدث، (3)

______________________________
آخر قد حكم بصحّته إلّا بدليل، و لم يثبت.

قوله: (و يجمع بين الفرائض بتيمّم واحد).

(1) لقول الباقر عليه السّلام و قد سئل يصلّي الرّجل بتيمّم واحد صلاة اللّيل و النّهار كلّها؟: «نعم، ما لم يحدث أو يصب الماء» «1»، خلافا للشّافعي من العامّة «2».

قوله: (و لو تيمّم ندبا لنافلة دخل به في الفريضة).

(2) لأنّ النفل كالفرض في الافتقار إلى الطّهارة، فاستباحته تقتضي زوال المنع كالفريضة، و لأنّ التيمّم يبيح ما يبيحه مبدله كما سبق بيانه، فلا يفرق فيه بين نية الفرض و النّفل كالمبدل.

و كذا القول في مسّ كتابة القرآن، و قراءة شي‌ء من العزائم للجنب، و من في حكمه، و اللبث في المساجد لهما و غير ذلك، فإذا نوى استباحة شي‌ء منها استباح الباقي بخلاف استباحة نحو العزائم، و اللبث في المساجد لماس الميّت، إذ لا يحرم عليه ذلك على الأصحّ في اللبث في المساجد كما سبق.

قوله: (و يستحبّ تخصيص الجنب بالماء المباح، أو المبذول، و ييمّم الميّت و يتيمّم المحدث).

(3) لرواية التفليسي، عن الرّضا عليه السّلام في القوم يكونون في السّفر فيموت منهم ميّت و معهم جنب، و معهم ماء قليل قدر ما يكفي أحدهم، أيهم يبدأ به؟ قال:

«يغتسل الجنب و يترك الميّت» «3».

و قال الشّيخ: إن كان ملكا لأحدهم اختص به، و إن لم يكن ملكا لأحدهم‌

______________________________
(1) الكافي 3: 63 حديث 4، التهذيب 1: 200 حديث 580، الاستبصار 1: 163، 164 حديث 565، 570.

(2) الأم 1: 47، مختصر المزني: 7، شرح فتح القدير 1: 121.

(3) التهذيب 1: 110 حديث 287، الاستبصار 1: 102 حديث 331.

511
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 499

..........

______________________________
تخيروا في استعمال من شاء منهم لأنّها فروض قد اجتمعت و لا أولوية لأحدهما، و لا دليل يقتضي التخصيص، فوجب التخيير
«1».

و لاختلاف الرّوايات في التّرجيح، ففي رواية محمّد بن علي، عن بعض أصحابنا قال: قلت: الجنب و الميّت يتفقان في مكان و لا يكون الماء إلّا بقدر ما يكفي أحدهما، أيهما أولى أن يغتسل بالماء؟ قال: «يتيمّم الجنب، و يغسل الميّت» «2» و يؤيّدها أنّ غسله خاتمة طهارته فينبغي إكمالها، و الحي قد يجد الماء فيغتسل.

و أيضا القصد في غسل الميّت التّنظيف و لا يحصل بالتيمّم، و في الحي الدّخول في الصّلاة و هو حاصل به، و قد تقدّمت رواية التفليسي بترجيح الجنب، و يؤيّدها أنّه متعبد بالغسل مع وجود الماء، و الميّت قد خرج عن التّكليف بالموت، و لأنّ الطّهارة من الحيّ تبيح فعل العبادات على الوجه الأكمل بخلاف الميّت. و ما ذكره ضعيف، لأن رواية التفليسي أرجح من الأخرى، فإنها مقطوعة مع اعتضادها بصحيحة عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن الصّادق عليه السّلام «3»، فالمعتمد استحباب تخصيص الجنب.

و هذا إذا لم يكن الماء ملكا لأحدهم، فإنه حينئذ لا يجوز له إيثار غيره به لوجوب الطّهارة به عليه عينا.

أمّا إذا كان مبذولا مطلقا، أو مع مالك يسمح ببذله، أو مباحا و استووا في إثبات اليد عليه، أو مشتركا في الملك بين من سوى وارث الميّت الطفل، إذا ضاق الوقت في هذين القسمين فإن الأفضل تخصيص الجنب به.

و لو كان في الوقت سعة لم يجز للمالك، و لا لذي الأولوية في المباح بذله لرجاء إكماله بما يكفي للطّهارة، نعم لو كان في غير وقت صلاة جاز، لكن يلزم القول بتخصيص الميّت حينئذ، بناء على وجوب غسل الجنابة لغيره. و لو بذل للأحوج بنذر أو وصيّة و نحوهما تعين صرفه للجنب، فإنه أولى، لما قلناه.

______________________________
(1) الخلاف 1: 24 مسألة 119 كتاب الطهارة.

(2) التهذيب 1: 110 حديث 288، الاستبصار 1: 102 حديث 332 باختلاف يسير.

(3) الفقيه 1: 59 حديث 222، التهذيب 1: 109 حديث 285، الاستبصار 1: 101 حديث 329.

512
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 499

و لو انتهوا الى ماء مباح و استووا في إثبات اليد فالملك لهم، (1)

______________________________
و لو اجتمع الجنب و المحدث فالجنب أولى للخبر
«1»، و لو كفى للمحدث خاصة فهو أولى، و لو لم يكف واحدا منهما فالأولوية للجنب «2»، و لو فضل منه فضلة لا تكفي الأخر، فالظاهر أن الجنب أولى، و ظاهر التّذكرة أولويّة المحدث هنا «3»، و هو بعيد.

و لو اجتمع الميّت و المحدث فأولوية الميّت أقرب لشدّة حاجته، و لمقطوعة علي بن محمّد السّابقة «4»، و الجنب مع الحائض و قسيميها، و ماس الميّت لا نصّ فيه، فيحتمل أولويّته للاكتفاء بغسله في استباحة الصّلاة و هو قريب، و لو قلنا بتوقّف حلّ الوطء على الغسل في الحائض و قسيميها أمكن أولويتهن، نظرا الى قضاء حقّ اللَّه تعالى، و حقّ الزّوج.

و في المحدث مع أحد الأربعة تردّد من ضعف حدثه بالنسبة إلى حدثهم، و من استفادته الاستباحة باستعمال الماء دونهم، و العطشان أولى من الجميع قطعا، و ذو النّجاسة أولى ممن عدا الميّت لعدم البدل، و في الميّت معه تردّد منشؤه يعلم ممّا سبق، و لم يرجّح في التّذكرة شيئا، و الظاهر أن ذا النّجاسة إنّما يقدم مع تمكن الباقين من التيمّم، و لم أجد به تصريحا، لكن تعليلهم يرشد إليه.

قوله: (و لو انتهوا إلى ماء مباح، و استووا في إثبات اليد فالملك لهم).

(1) و ذلك لعدم الأولويّة، و لو استووا في الوصول إليه من دون إثبات اليد فالأولويّة لهم، فلو تمانعوا فالمانع آثم، و في المعتبر «5»، و التّذكرة «6»: يملكه القاهر، و استشكله في الذّكرى «7»، بإزالة أولويّة غيره، و هي في معنى الملك، و هذا مطّرد في كلّ أولويّة كالتحجير، و تعشيش الطائر في ملك شخص، و كلامه متجه.

إذا عرفت هذا فان كان الماء يكفي جميعهم فلا بحث، و ينتقض تيممهم لو‌

______________________________
(1) التهذيب 1: 109 حديث 285، الاستبصار 1: 101 حديث 329.

(2) على القول بوجوب استعمال الجنب ما يجده من الماء و إن كان قليلا لا يكفي غسل كل الجسم.

(3) التذكرة 1: 67.

(4) التهذيب 1: 110 حديث 228، الاستبصار 1: 102 حديث 332.

(5) المعتبر 1: 407.

(6) التذكرة 1: 67.

(7) الذكرى: 23.

513
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 499

و كل واحد أولى بملك نفسه. (1)

و يعيد المجنب تيممه بدلا من الغسل لو نقضه بحدث أصغر. (2) و يتيمم من لا يتمكن من غسل بعض أعضائه و لا مسحه، (3)

______________________________
كانوا متيممين بأوّل وصولهم، و لو قصر فحكمه معلوم ممّا سبق، و انتقاض التيمّم حينئذ غير واضح.

قوله: (و كلّ واحد أولى بملك نفسه).

(1) و لا يجوز له إيثار غيره به إن كفى طهارته، و إن قصر ففيه تفصيل سبق بيانه.

قوله: (و يعيد المجنب تيمّمه بدلا من الغسل لو نقضه بحدث أصغر).

(2) أجمع علماء الإسلام إلّا شاذا على أنّ التيمّم لا يرفع الحدث و إنّما يفيد الإباحة، فلو تيمّم الجنب ثم نقض تيمّمه بحدث أصغر أعاد التيمّم بدلا من الغسل، لبطلان التيمّم بالحدث الطارئ، و حدث الجنابة باق، فلا حكم للحدث الأصغر معه.

و قال المرتضى: إنّ المجنب إذا تيمّم، ثم أحدث حدثا أصغر و وجد ماء يكفيه للوضوء توضأ به، لأن حدثه الأوّل قد ارتفع، و جاء ما يوجب الصّغرى و قد وجد من الماء ما يكفيه لها، فيجب عليه استعماله و لا يجزئه تيمّمه، فعلى هذا لو لم يجد ماء للوضوء تيمّم بدلا منه «1»، و ضعفه ظاهر.

قال في الذّكرى: و يمكن أن يريد بارتفاع حدثه استباحة الصّلاة، و أن الجنابة لم تبق مانعة منها، فلا ينسب إلى مخالفة الإجماع «2»، و كيف حملنا كلامه فهو ضعيف، إذ لا يلزم من الاستباحة زوال حدث الجنابة بل هو باق، فإذا بطلت الاستباحة تعلّق الحكم به.

قوله: (و يتيمّم من لا يتمكّن من غسل بعض أعضائه و لا مسحه).

(3) لجرح و غيره، و لا يجزئه الجمع بين غسل الصّحيح و التيمّم عن غيره، لأنّ الطّهارة لا تتبعض، لأن تفصيل الطّهارة في الآية إلى الوضوء، و الغسل، و التيمّم يقطع الشّركة بينهما، فلا يتلفّق من نوعين منها طهارة واحدة.

______________________________
(1) لم نجد قول المرتضى في كتبه المتوفرة لدنيا و لكن حكى قوله في الذكرى: 112، و العلامة في المختلف: 55، و قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة 1: 63 (. ما عدا السيد في شرح الرسالة.).

(2) الذكرى: 112.

514
جامع المقاصد في شرح القواعد1

الفصل الرابع: في الأحكام ؛ ج 1، ص : 499

و من يصلّي على الجنازة مع وجود الماء ندبا، و لا يدخل به في غيرها. (1)

______________________________
و قال الشّيخ: يحتاط بغسل الصّحيح و التيمّم
«1»، فيمكن اعتبار مراعاة التّرتيب على قوله: بأن يتيمّم في محلّ غسل المريض أو مسحه.

و لا ريب في ضعفه، و اعلم أن هذا الحكم لا يتمشى على ظاهره، لأن الجرح الّذي لا لصوق عليه، و الكسر الّذي لم يوضع عليه جبيرة، إذا تضرّر بالماء يكفي غسل ما حوله، كما نصّوا عليه، و وردت به الأخبار «2»، فكيف يجوز العدول عنه الى التيمّم؟

و يمكن الجمع بينهما، بأن يكون الّذي يسقط غسله، و لا ينتقل بسببه إلى التيمّم ما إذا كان الجرح و نحوه في بعض العضو، فلو استوعب عضوا كاملا وجب الانتقال إلى التيمّم.

و يمكن الجمع بأنّ ما ورد النّص بغسل ما حوله مع تعذر غسله- و هو الجرح و القرح و الكسر لا ينتقل عنه إلى التيمّم بمجرّد تعذر غسله و إن كثر بخلاف غيره، كما لو كان تعذّر الغسل لمرض آخر، فإنه ينتقل إلى التيمّم هنا، إلا أنّ عبارات الأصحاب تأبى ذلك، لأنّ المصنّف قال في التّذكرة: الطّهارة عندنا لا تتبعض، فلو كان بعض بدنه صحيحا و بعضه جريحا تيمّم، و كفاه عن غسل الصّحيح «3».

و ظاهر هذه العبارة الإطلاق، فيكون الجمع الأوّل قريبا من الصواب، لأن اغتفار عضو كامل في الطّهارة بعيد.

قوله: (و من يصلّي على الجنازة ندبا مع وجود الماء، و لا يدخل به في غيرها).

(1) أي: يتيمّم حينئذ على الأصحّ للرواية «4»، و إنّما لم يدخل به في غيرها لأنّ شرعيّة التيمّم مع وجود الماء مقصور على مواضع مخصوصة.

______________________________
(1) الخلاف 1: 21 مسألة 105 كتاب التيمم.

(2) الكافي 3: 32 حديث 1- 4.

(3) التذكرة 1: 66.

(4) الكافي: 3: 178 حديث 5، الفقيه 1: 107 حديث 495، التهذيب 3: 203 حديث 477.

 

515