×
☰ فهرست و مشخصات
کتاب الخمس و الأنفال

مقدمة الناشر ؛ ص : 3

مقدمة الناشر

باسمه تعالى

نحمد اللّه عز و جل أن وفق مؤسستنا (دار الفكر) الى طباعة مجموعة كبيرة من الكتب الاسلامية القيمة، خاصة الكتب الفقهية منها.

و الآن نقدم الى العلماء و طلبة العلوم كتاب «الخمس» من تأليف شيخنا الفقيه المجاهد آية اللّه العظمى المنتظري مد ظله. و تمتاز هذه الطبعة عن سابقتها بأن أضفنا اليها بحث الخمس من كتاب «ولاية الفقيه» من تأليف فقيهنا المعظم مد ظله لكي تكمل الفائدة بجمع مباحث الخمس في مكان واحد.

نسأله تعالى أن يوفقنا لنشر معالم الدين و آثار الفقهاء و المراجع المحترمين.

دار الفكر- قم المشرفة غرة رجب المرجب 1412 ه‍

3
کتاب الخمس و الأنفال

مقدمة المؤلف ؛ ص : 4

[مقدمة المؤلف]

المقدمة بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على خير خلقه محمد و آله الطاهرين المعصومين و اللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

و بعد، فيقول العبد المفتقر الى رحمه ربه الهادى حسينعلى المنتظرى النجف‌آبادى غفر الله له و لوالديه: لقد عاقتنى سوانح الدهر و عوائق الزمان مدّة ثلاث سنوات عن الاشتغال بالمباحث الفقهية في الحوزة العلمية و ذلك لحوادث مولمة مفجّعه حدثت في ايران عموما و في قم المقدسة خصوصا عقيب تصويب لوائح و قوانين مخالفة للشرع و لكيان الإسلام و المسلمين و منها قانون اعطاء الحرية المطلقة لمستشارى الولايات المتحدة الامر يكن في ايران و في خلال تلك الحوادث وقعت ابتلاءات كثيرة لكثير من العلماء الاعلام و الاساتذة الكرام و اخواننا المسلمين في جميع البلاد و سجن الزعيم الاعظم الامام الخمينى مرّة و نفى اخرى الى تركيا ثم منها الى العراق‌

4
کتاب الخمس و الأنفال

مقدمة المؤلف ؛ ص : 4

و قد سجنت انا و ولدى الاكبر الشيخ محمد على «1» مع عدّة من الفضلاء و الاصدقاء في سجن «قزل قلعة» في اليوم الاول من فروردين- 1345- و طالت مدّة سجن ولدي ثلاث سنوات بعد ما اوردوا عليه بمحضري و في غيابى انواع الشدائد و المحن و سجنت انا أيضا مرّات عديدة.

و بعد اللتيا و التى رجعت الى الحوزة العلمية و استدعى منى بعض الاصدقاء الشروع في بحث فقهى فشرعت في كتاب الخمس على ترتيب الخمس من العروة الوثقى في شهر رجب 1389 و قد قيّدت بالكتابة بعض ما سنح بخاطري شرحا أو نقدا- و المرجوّ ممن ينظر فيما كتبت ان ينظر فيه بعين الاغماض- و ان عثر فيه على اخطاء فليذكّر أو يردّها مراعيا للانصاف و متنحيا جانب الاعتساف فان الانسان محل النسيان و كفى بالمرء نبلا ان تعدّ معائبه- لا سيما و انه قد يذكر في بعض المباحث بعض الامور ايرادا و احتمالا لا اعتمادا و اعتقادا فالمتوقع في امثال هذه الموارد الانتقاد العلمى لا الخروج عن موازين البحث و الادب و من الله- تعالى- استمدّ و عليه التكلان، قال المصنف- قدس سرّه-:

______________________________
(1)- حجة الإسلام الشيخ محمد على المنتظرى، احد فضلاء الحوزة العلمية في قم و كان من ابرز المجاهدين و المناضلين في عصر الطاغوت.

تعرض للسجن و التعذيب مع ابيه آية الله المنتظرى، و كان في ايام الاعتقال مضربا للمثل في الصمود و المقاومة، و لقد سجن قبل انتصار الثورة الاسلامية في اكثر من بلد حيث كان يناضل ضد طاغوتها. و قد كان اكثر سعيه في تربية طلاب العلوم الدينية و تربية الكوادر المجاهدة و كان يحتفظ بروح ثورية شعبية و يعمل لصالح كل المستضعفين و يساعد كل حركات التحرر الاسلامية و العالمية، و لذا قال قائد الثورة و امام الامة في كتاب تعزيته الذى بعثه لأبيه آية الله المنتظرى بمناسبة استشهاد ولده (حجة الإسلام محمد المنتظرى): «... لقد اوقف محمدكم و محمدنا نفسه من اجل الهدف ... فلم يمنعه رادع عن هذا الطريق ...»

و قد استشهد في الحادثة المؤلمة التى وقعت ليلة الاحد (7 تير 1360) في مقر الحزب الجمهورى الاسلامى في تهران مع اكثر من اثنين و سبعين من النواب و كبار السياسيين و المفكرين الاسلاميين و منهم الشهيد آية الله الدكتور بهشتى، فسلام عليهم يوم ولدوا و يوم استشهدوا و يوم يبعثون أحياء. (الناشر).

5
کتاب الخمس و الأنفال

وجوب الخمس و البحث عن آية الخمس و معنى الغنيمة ؛ ص : 7

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ كتاب الخمس

[وجوب الخمس و البحث عن آية الخمس و معنى الغنيمة]

و هو من الفرائض (1)

______________________________
(1) وجوب الخمس في الجملة من ضروريات الإسلام و يدل عليه الكتاب و السنة و الاجماع قال الله- تعالى-:
«وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ وَ مٰا أَنْزَلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا يَوْمَ الْفُرْقٰانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعٰانِ وَ اللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ» «1»

صدّر- سبحانه و تعالى- كلامه بالبعث على العلم موجها خطابه الى عموم المؤمنين و اكّده بالآيتان بكلمة «انّ» للتنبيه على الاهتمام و العناية الخاصّة بالحكم المذكور فيه و علقه على «ما» الموصولة التى هى من المبهمات و فسّره بمبهم آخر للدلالة على التعميم و انه لا يختص بامر دون آخر بل كل ما انطبق عليه مفهوم الصلة و صدق عليه لفظ الشي‌ء فهو موضوع لهذا الحكم.

قال الراغب في المفردات: «الغنم معروف قال: وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنٰا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمٰا «2»، و الغنم اصابته و الظفر به ثم استعمل في كل‌

______________________________
(1)- سورة الانفال، الآية 41.

(2)- سورة الانعام، الآية 146.

7
کتاب الخمس و الأنفال

وجوب الخمس و البحث عن آية الخمس و معنى الغنيمة ؛ ص : 7

..........

______________________________
مظفور به من جهة العدي و غيرهم قال:
«وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ».

و عن خليل بن احمد في عين اللغة: «الغنم هو الفوز بالشي‌ء من غير مشقة».

و عن القاموس: «الغنم بالضم و المغنم و الغنيمة في اللغة ما يصيبه الانسان و يناله و يظفر به من غير مشقة».

و ربما قيل: «انّ الغنم ما يناله الانسان و يظفر به من غير مقابل يبذله في سبيله ضد الغرم اعنى ما يتحمله الانسان من خسر و ضرر بغير خيانة و جناية».

و في المنجد «غنم- غنما الشي‌ء: فاز به و ناله بلا بدل ... الغنم ج غنوم و الغنيم و الغنيمة ج غنائم: ما يؤخذ من المحاربين عنوة المكسب عموما، يقال:- غنيمة باردة- اي طيبة او بلا تعب و قولهم: الغنم بالغرم اي مقابل به».

اقول: لا يخفى ان الغنم لا يصدق على كل ما يظفر به الانسان و ان كان بتبديل ماله به بلا حصول ربح و فائدة فلا محالة يعتبر في صدقه خصوصية و لعل الخصوصية التى اشربت في معناه هو عدم الترقب و التوقع مستقيما فهو عبارة عما ظفر به الانسان بلا توقع لحصوله و تصدّ مستقيم لتحصيله و بعبارة اخرى النعمة الغير المترقبة.

فما يتصدى الانسان لتحصيله في الحرب مستقيما هو خذلان العدوّ و الغلبة عليه لا اغتنام الاموال، و كذلك الكنوز و المعادن و ما يحصل بالغوص نعم غير مترقبة بحسب العادة قد تحصل و قد لا تحصل، و ما يتصدى الانسان لتحصيله بحسب العادة في مكاسبه و حرفه اليومية هو امرار المعاش و رفع الحوائج اليومية فالزائد على ذلك نعمة غير مترقبة و لذا يأتى منّا فى باب ارباح المكاسب ان مقدار المئونة اليومية خارج تخصصا لا تخصيصا.

8
کتاب الخمس و الأنفال

وجوب الخمس و البحث عن آية الخمس و معنى الغنيمة ؛ ص : 7

..........

______________________________
و كيف كان فالظاهر انه لم يؤخذ في مفهوم الغنم خصوصية الحرب و القتال كما يعرف ذلك بملاحظة ضده اعنى الغرم- و قد اشتهر في الالسن «من له الغنم فعليه الغرم» و الغنيمة و المغنم أيضا من مشتقّاته فلا تختصّان بحسب اللغة بغنائم الحرب فقط، و لو سلّم كثرة استعمالهما في خصوصها بحيث صارتا حقيقة عرفية فلا يوجب ذلك هجر معناهما اللغوى.

هذا مضافا الى ان ظهورهما في خصوص غنائم الحرب لو سلّم لا يوجب ظهور الفعل الماضى في ذلك، و المذكور في الآية هو الفعل لا لفظ الغنيمة و المغنم.

و وقوع الآية في سياق آيات غزوة بدر لا يوجب التخصيص اذ المورد غير مخصّص و الا لوجب تخصيصها بغنائم غزوة بدر فقط- و لا مانع من ان يصير مورد خاص موجبا لنزول حكم كلى يشمله بعمومه بل هو المعمول في الكتاب العزيز- فعموم الموصول في قوله تعالى «أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ» محكّم.

و بالجملة فالاية بعمومها تشمل للمعادن و الكنوز و الغوص و ارباح المكاسب بل و الهبات و الجوائز أيضا، و قد نطقت بهذا العموم الاخبار المستفيضة الواردة في الابواب الآتية في مقام تفسير الآية كقوله في رواية وصايا النّبيّ (ص) لعليّ (ع): يا على ان عبد المطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن اجراها اللّه له في الإسلام (الى ان قال): و وجد كنزا فاخرج منه الخمس و تصدق به فانزل اللّه و اعلموا انما غنمتم من شي‌ء فان للّه خمسه «1».

و قوله- عليه السلام- في صحيحة على بن مهزيار الطويلة: فامّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام قال اللّه- تعالى- و اعلموا انما غنمتم من شي‌ء الاية، و الغنائم و الفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء و الفائدة يفيدها و الجائزة ... «2».

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

9
کتاب الخمس و الأنفال

وجوب الخمس و البحث عن آية الخمس و معنى الغنيمة ؛ ص : 7

..........

______________________________
و في رواية حكيم مؤذن بنى عيس عن ابى عبد اللّه- عليه السلام- قال قلت له: و اعلموا انما غنمتم من شي‌ء فان للّه خمسه و للرسول قال: هى و اللّه الافادة يوما بيوم الا ان أبى جعل شيعتنا من ذلك في حلّ ليزكوا
«1».

و عن الفقه الرضوي بعد ذكر الآية الشريفة «و كل ما افاده الناس فهو غنيمة لا فرق بين الكنوز و المعادن و الغوص ... و ربح التجارة و غلّة الضيعة و ساير الفوائد و المكاسب و الصناعات و المواريث و غيرها لان الجميع غنيمة و فائدة».

نعم لا ننكران ما ورد من هذا اللفظ باشتقاقاته في القرآن يكون مورده غنائم الحرب كهذه الآية و كقوله- تعالى- «فَكُلُوا مِمّٰا غَنِمْتُمْ حَلٰالًا طَيِّباً» «2»، و كقوله- تعالى- «سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلىٰ مَغٰانِمَ لِتَأْخُذُوهٰا ذَرُونٰا نَتَّبِعْكُمْ»، «وَ مَغٰانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهٰا»، «وَعَدَكُمُ اللّٰهُ مَغٰانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهٰا» «3»، «تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا فَعِنْدَ اللّٰهِ مَغٰانِمُ كَثِيرَةٌ» «4»، و لعلّ هذا أيضا صار موجبا لتوهم بعض المفسرين أو المتعرضين للآية الشريفة للاختصاص.

و لكن قد عرفت ان اللفظ بحسب اللغة موضوع للأعم كما يظهر بملاحظة ضده و استعمالهما في المكالمات العرفية، و المورد غير مخصّص، و الائمة- عليهم السلام- مضافا الى امامتهم و معرفتهم بالكتاب و السنّة اهل اللسان.

هذا مضافا الى ان الروايات المستفيضة بل المتواترة الواردة في‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 8.

(2)- سورة الانفال، الآية 69.

(3)- سورة الفتح، الآيات 15، 19، 20.

(4)- سورة النساء، الآية 94.

10
کتاب الخمس و الأنفال

الخمس و الانفال لمنصب الامامة ؛ ص : 11

[الخمس و الانفال لمنصب الامامة]

و قد جعلها اللّه- تعالى- لمحمد- صلى الله عليه و آله- و ذرّيته عوضا عن الزكاة اكراما لهم (1).

______________________________
الابواب المختلفة الدالة على كون موضوع الخمس اعم من مغانم الحرب كافية في اثبات المطلب لكون العترة احد الثقلين المأمور بالتمسّك بهما في الخبر المتواتر بين الفريقين.

هذا مضافا الى كون التعميم اجمالا من ضروريات فقه الشيعة الامامية و مما لم يختلف فيه احد منهم و ان اختلفوا في بعض الخصوصيات و في التحليل لشيعتهم بعد ثبوته، بل العامة أيضا يحكمون اجمالا بثبوت الخمس في المعادن و الكنوز كما سيأتي في محله.

ثم لا يخفى ان قوله «فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ» يحتاج الى تقدير كأن يقال مثلا: ثبت ان للّه خمسه فيكون «انّ» المفتوحة فاعلا للفعل المقدّر، هذا و تفصيل تفسير الآية يأتى في باب قسمة الخمس فانتظر.

و اما دلالة السنة و الاجماع على وجوب الخمس فيظهر لك في خلال المباحث الآتية.

(1) نعم الحوائج الشخصية لرسول الله- صلى اللّه عليه و آله- و ذرّيته و ما يتوقف عليه حفظ شئونهم من مصارف الخمس و الانفال قطعا و لكن الظاهر عدم كون الخمس و كذا الانفال ملكا لأشخاصهم و ان أشعر بذلك عبارة المتن و اكثر تعابير القوم بل هما متعلقان بحيثية الامامة و الحكومة الحقة لا بأن يكون حيثية الامامة حيثية تعليلية لتملك المتحيث بها بل تكون حيثية تقييدية، فالملك لنفس حيثية الامامة و الامارة اعنى ادارة شئون المسلمين غاية الامر انطباق العنوان على الرسول (ص) و اتحاده معه في حياته و على الائمة- عليهم السلام- بحسب اعصارهم.

و ادارة شئونهم الشخصيّة و رفع حوائج الذرية أيضا من جملة المصارف و من اهم مصالح المسلمين، و الملكية امر اعتبارى فكما يمكن اعتبارها للأشخاص يمكن اعتبارها للمقام و الحيثية بل للأمكنة الخاصة‌

11
کتاب الخمس و الأنفال

الخمس و الانفال لمنصب الامامة ؛ ص : 11

..........

______________________________
أيضا مثل المسجد و الحسينيّة و نحوهما.

و يشهد لما ذكرنا من كون الخمس ملكا للعنوان تسميته في رواية المحكم و المتشابه عن على- عليه السلام- بوجه الامارة، قال: و اما ما جاء في القرآن من ذكر معايش الخلق و اسبابها فقد اعلمنا- سبحانه- ذلك من خمسة اوجه: وجه الامارة و وجه العمارة و وجه الاجارة و وجه التجارة و وجه الصدقات- فاما وجه الامارة فقوله: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ» فجعل للّه خمس الغنائم ... «1».

و تشهد له أيضا رواية ابى على بن راشد قال: قلت لأبي الحسن الثالث- عليه السلام-: انّا نؤتى بالشي‌ء فيقال هذا كان لأبي جعفر- عليه السلام- عندنا فكيف نصنع؟ فقال: ما كان لأبي- عليه السلام- بسبب الامامة فهو لى، و ما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب الله و سنة نبيّه «2».

و الحاصل ان الخمس و كذا الانفال لرسول الله (ص) و للأئمة (ع) و لكن لا لأشخاصهم بل بما هم ائمة المسلمين و قادتهم و يكون الحيثية تقييدية فالموضوع للملكية نفس حيثية الامامة و الحكومة و الا فكيف يمكن القول بكون الإسلام- مع كونه دين المساواة و العدالة- قد شرّع فيه تمليك خمس اكثر اموال الناس و كذا جميع الانفال مع كثرتها لشخص واحد بما هو هو.

مع ان الانفال في اعتبار العرف و العقلاء في جميع الاعصار و الامصار املاك عموميّة تتعلق بالعموم و تصرف في المصالح العمومية، فالظاهر تنفيذ شريعة الإسلام لما يعتبره العرف و العقلاء قديما و حديثا مع‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 12.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 2 من ابواب الانفال، الحديث 6.

12
کتاب الخمس و الأنفال

الخمس و الانفال لمنصب الامامة ؛ ص : 11

..........

______________________________
جعل زمام اختيارها بيد الامام المعصوم العادل الذي لا يؤثر احدا بلا وجه و لو كان من اخص خواصه- الا ترى الى على (ع) كيف ردّ عقيلا حين استماح من برّ المسلمين صاعا مع شدّة فقره و كون صبيانه شعث الصدور غبر الالوان من فقرهم-.

و يتفرع على ما ذكرنا ان ما اخذه الامام (ع) بحقّ الامامة من الخمس و الانفال ينتقل الى الامام بعده لا الى ورّاثه كما صرّح بذلك في الرواية السابقة خلافا لما في الشرائع و الجواهر فراجع و سيأتي تفصيل لذلك في مبحث قسمة الخمس.

(تنبيه) لا يخفى ان ما ورد في روايات مستفيضة بل متواترة اجمالا من كون الدنيا و ما فيها للّه و لرسوله و للأئمة- عليهم السلام- أو كون الارض كلها لهم أيضا راجعة الى ما ذكرنا من كونها متعلقة بحيثية إمامتهم و حكومتهم و يراد بها في المقام ملكية طولية فمعنى ذلك انها مع كونها لملّاكها الشخصية يجوز للحكومة الحقة ان يتصرف فيها كيف يشاء و هو لا يشاء الا ما هو صلاح الإسلام و المسلمين و لا يراد قطعا كونها من املاكهم الشخصيّة، و الحكومة اولا و بالذات للّه- تعالى- و في طول ذلك للرسول و بعده للأئمة- عليهم السلام- و على هذا المدار يترتب ملكية الارض و ما فيها أيضا فتدبّر.

و يناسب في المقام نقل قصة ابن ابى عمير مع هشام، ففى المستدرك عن الكافى عن على بن ابراهيم عن السندى (السرى. كا) بن الربيع قال لم يكن ابن ابى عمير يعدل بهشام بن الحكم شيئا و كان لا يغبّ اتيانه ثم انقطع عنه و خالفه و كان سبب ذلك ان ابا مالك الحضرمى كان احد رجال هشام وقع بينه و بين ابن ابى عمير ملاحاة في شي‌ء من الامامة قال ابن ابى عمير: الدنيا كلها للإمام على جهة الملك و انه اولى بها من الذين هى في ايديهم، و قال ابو مالك: ليس كذلك، املاك الناس لهم‌

13
کتاب الخمس و الأنفال

الخمس و الانفال لمنصب الامامة ؛ ص : 11

..........

______________________________
الا ما حكم اللّه به للإمام من الفي‌ء و الخمس و المغنم فذلك له و ذلك أيضا قد بيّن اللّه للإمام- عليه السلام- اين يضعه و كيف يصنع به فتراضيا بهشام بن الحكم و صارا اليه فحكم هشام لأبي مالك على ابن ابى عمير فغضب ابن ابى عمير و هجر هشاما بعد ذلك.
«1».

و لا يخفى ان مالكية اللّه- تعالى- و مالكية الرسول و الائمة (ع) للدنيا و ما فيها لا تنافى مالكية اشخاص الملّاك بعد تصور الملكية الطولية.

فحال الناس بالنسبة الى ما في ايديهم من اموالهم بالقياس الى الله- تعالى- و الرسول و الأئمة- عليهم السلام- حال العبد الذي ملكه مولاه شيئا من امواله و رخّصه في ان يتصرف فيه كيف يشاء فهذا الشي‌ء يصير ملكا للعبد حقيقة و لكن لا على وجه ينقطع علاقته عن سيّده فان ماله لا يزيد عن رقبته فكما يصح اضافة هذا المال الى العبد يصح اضافته الى سيّده أيضا بل هو احق و اولى به من نفسه.

هذا على فرض ان نبحث على اساس الملكية الاعتبارية و الا فللّه- تعالى- سنخ آخر من الملكية اعنى الاحاطة القيّومية و الجدة الحقيقية للأشياء بما هو خالقها و مكونها و كونها بشراشر وجودها تعلّقى الذات به (تعالى)- و لعلّ نحوا من هذا السنخ أيضا ثبت للرسول و الأئمة- عليهم السلام- بما لهم حظ من الولاية التكوينية مضافا الى الولاية التشريعية المعبّر عنها بالحكومة و الامامة- و للبحث عن هذه المسائل مقام آخر.

______________________________
(1)- المستدرك ج 1 الباب 5 من ابواب الانفال، الحديث 2- الكافى ج 1 ص 409 كتاب الحجة.

14
کتاب الخمس و الأنفال

فصل فيما يجب فيه الخمس و هى سبعة اشياء ؛ ص : 15

و من منع منه درهما او أقلّ كان مندرجا في الظالمين لهم و الغاصبين لحقّهم بل من كان مستحلا لذلك كان من الكافرين، ففى الخبر عن ابى بصير قال: قلت لأبي جعفر- عليه السلام-: ما أيسر ما يدخل به العبد النار قال (ع): من اكل من مال اليتيم درهما و نحن اليتيم.

و عن الصادق- عليه السلام-: ان الله لا إله الا هو حيث حرّم علينا الصدقة انزل لنا الخمس فالصدقة علينا حرام و الخمس لنا فريضة و الكرامة لنا حلال، و عن ابى جعفر (ع): لا يحلّ لأحد ان يشترى من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقّنا «1»، و عن ابى عبد الله (ع): لا يعذر عبد اشترى من الخمس شيئا ان يقول يا رب اشتريته بمالى حتى يأذن له اهل الخمس «2»

[فصل فيما يجب فيه الخمس و هى سبعة اشياء]

فصل فيما يجب فيه الخمس و هى سبعة اشياء (1)

______________________________
(1) في المدارك: «هذا الحصر استقرائى مستفاد من تتبع الادلة الشرعية و ذكر الشهيد في البيان ان هذه السبعة كلها مندرجة في الغنيمة».

اقول: ادراج الحلال المختلط بالحرام و الأرض التى اشتراها الذّمى من المسلم في الغنيمة لا يخلو عن اشكال و لعل الخمس فيهما أيضا سنخ آخر و له مصرف آخر كما سيأتي، و اما الخمسة الاخر فهي باجمعها مندرجة تحت عنوان الغنيمة و تشملها الآية الشريفة بعمومها كما تساعد على ذلك اللغة و تشهد به الروايات الآتية فلا نتقيد في الحكم بوجوب‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1، 2، 4.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 3 من ابواب الانفال، الحديث 10.

15
کتاب الخمس و الأنفال

الاول: الغنائم المأخوذة من الكفار من اهل الحرب قهرا ؛ ص : 16

 

[الاول: الغنائم المأخوذة من الكفار من اهل الحرب قهرا]

[وجوب الخمس في غنائم الحرب]

الاول: الغنائم المأخوذة من الكفار من اهل الحرب قهرا بالمقاتلة معهم (1) بشرط ان يكون باذن الامام- عليه السلام- من

______________________________
الخمس بصدق عنوان الحرب أو المعدن أو الكنز مثلا و لا يجب ان نتعب انفسنا لإدراج مثل العنبر أو الملاحة في عنوان المعدن لا ثبات الخمس فيهما و لا نستوحش من ان يزداد العناوين عن السبعة حيث ان الموضوع في الحقيقة لوجوب الخمس في غير الحلال المختلط و ارض الذمى موضوع وحدانى اعنى ما صدق عليه قوله- تعالى- (ما غنمتم من شي‌ء) و لذا ترى بعض الروايات تذكر خمسة و بعضها اربعة و في صحيحة عبد الله بن سنان قال سمعت ابا عبد الله- عليه السلام- يقول: ليس الخمس الا في الغنائم خاصة
«1».

نعم لا ننكر ان لبعض المصاديق من الغنيمة حكما خاصّا كالنصاب في الكنز و المعدن و اخراج المؤونة السنوية في ارباح المكاسب و الحرف اليومية.

و لعلّ الحصر في صحيحة ابن سنان في مقابل ما يدخل في الملك بالشراء كما لو اشترى دارا او جارية أو نحو ذلك فانه لا خمس فيه إذ لا يعدّ غنيمة و عن التهذيب ان معناها ان الخمس ليس بظاهر القرآن الا في الغنائم خاصة و كيف كان فكون مورد الخمس اعم من غنائم الحرب من ضروريات فقه الشيعة الامامية.

(1) باجماع المسلمين و يقتضيه الكتاب و السنة المستفيضة بل المتواترة و منها رواية أبى بصير عن ابى جعفر (ع) قال: كل شي‌ء قوتل عليه على شهادة ان لا إله الا الله و أن محمدا رسول الله (ص) فان لنا خمسه ...

«2» و سيأتي الكلام فيما اخذت بغير المقاتلة من غيلة أو سرقة أو نحوهما و كذا ما اخذت بدون إذن الامام- عليه السلام-.

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

 

16
کتاب الخمس و الأنفال

حكم الخمس في الارضين ؛ ص : 17

[حكم الخمس في الارضين]

غير فرق بين ما حواه العسكر و ما لم يحوه و المنقول و غيره كالأراضى، و الاشجار و نحوها (1)

______________________________
(1) هل الخمس ثابت في جميع الغنائم و لو في الارضين و العقارات أو يختص بالمنقولات؟ المشهور هو الاول و اختار في الحدائق الثانى و هو الاقوى.

قال الشيخ في النهاية: «و ما لم يحوه العسكر من الارضين و العقارات و غيرها من انواع الغنائم يخرج منه الخمس و الباقى تكون للمسلمين قاطبة مقاتليهم و غير مقاتليهم.»‌

و في جهاد الشرائع «و اما ما لا ينقل فهو للمسلمين قاطبة و فيه الخمس و الامام مخيّر بين افراز خمسه لأربابه و بين ابقائه و اخراج الخمس من ارتفاعه».

و في كتاب الفي‌ء من الخلاف (المسألة 18): «ما لا ينقل و لا يحوّل من الدور و العقارات و الارضين عندنا ان فيه الخمس فيكون لأهله و الباقى لجميع المسلمين من حضر القتال و من لم يحضر فيصرف ارتفاعه الى مصالحهم، و عند الشافعى ان حكمه حكم ما ينقل و يحوّل، خمسه لأهل الخمس و الباقى للمقاتلة الغانمين، و به قال ابن الزبير، و ذهب قوم الى ان الامام مخيّر فيه بين شيئين بين ان يقسمه على الغانمين و بين ان يقفه على المسلمين ذهب اليه عمرو معاذ و الثورى و عبد الله بن المبارك، و ذهب ابو حنيفة و اصحابه الى ان الامام مخير فيه بين ثلاثة اشياء: بين ان يقسمه على الغانمين و بين ان يقفه على المسلمين و بين ان يقرّ اهلها عليها و يضرب عليهم الجزية باسم الخراج ... و ذهب مالك الى ان ذلك يصير وقفا على المسلمين بنفس الاستغنام و الأخذ من غير ايقاف الامام فلا يجوز بيعه و لا شرائه.

دليلنا: اجماع الفرقة و اخبارهم و روي ان النّبيّ (ص) فتح هوازن‌

17
کتاب الخمس و الأنفال

حكم الخمس في الارضين ؛ ص : 17

..........

______________________________
و لم يقسم ارضها بين الغانمين ... و روي ان عمر فتح قرى الشام فقال له بلال اقسمها بيننا فابى عمر ذلك و قال اللهم اكفنى شر بلال و ذريته ...

و روي ان عمر استشار عليّا (ع) في ارض السواد فقال على (ع) دعها عدّة للمسلمين ...» و قد ذكرناه بطوله لما فيه من فوائد:

منها ان خمس الارض مطرح للبحث عند العامة أيضا فالشافعى حكم بثبوت الخمس فيها و تقسيم البقية و اما سائر الاقوال فهل الموضوع لها جميع الارض أو ما بقى منها بعد التخميس؟ كل محتمل.

و منها ان الشيخ ادعى في المسألة اجماع الفرقة فهل هو ناظر فيه الى جميع المسألة حتى ثبوت الخمس في الارض أو النظر فيه الى حكم الارض من حيث التقسيم أو الايقاف أو كونه وقفا بنفس الاستغنام؟ فتدبّر.

و كيف كان فظاهر المشهور ثبوت الخمس في الارضين و العقارات أيضا- و استدلوا عليه بعموم الآية الشريفة و رواية ابى بصير عن ابى جعفر (ع) قال: كل شي‌ء قوتل عليه على شهادة ان لا إله الا اللّه و ان محمدا رسول اللّه فان لنا خمسه ... «1» بل باطلاق لفظ الغنيمة أو الغنائم في اخبار الباب و ان امكن الخدشة في الاخير بعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة بل في مقام عدّ ما فيه الخمس اجمالا، هذا.

و في الحدائق ما حاصله: «قد تتبعت ما حضرنى من كتب الاخبار فلم اقف فيها على ما يدل على دخول الارض و نحوها في الغنيمة التى يتعلّق بها الخمس». ثم ذكر ثلاث طوائف من الاخبار و اراد ان يستنتج منها العدم:

الاولى- ما ورد في تقسيم الغنيمة مثل صحيحة ربعى عن ابى عبد اللّه- عليه السلام- قال: كان رسول اللّه (ص) اذا اتاه المغنم اخذ صفوه و كان ذلك له ثم يقسم ما بقى خمسة اخماس و يأخذ خمسه ثم يقسم‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

18
کتاب الخمس و الأنفال

حكم الخمس في الارضين ؛ ص : 17

..........

______________________________
اربعة اخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه ...
«1» فمن امثال ذلك لا يستفاد حكم الارض اذ الارض و نحوها لا تقسّم بين المقاتلين قطعا.

الثانية- ما دلت على ان الارض المفتوحة عنوة في‌ء لجميع المسلمين من وجد و من سيوجد الى يوم القيامة و ان امرها الى الامام (ع) يقبلها أو يعمرها و يصرف حاصلها في مصالح المسلمين، و الظاهر منها ان ذلك حكم جميع الارض لا اربعة اخماسها.

الثالثة- ما ورد في عمل النّبيّ (ص) و الائمة (ع) «2» بالنسبة الى الارض المفتوحة عنوة و منها ارض خيبر و لم يتعرض في واحد منها لذكر التخميس مع بيان الزكاة في حاصلها و لو ثبت الخمس فيها لكان اولى بالذكر لتعلقه برقبة الارض فمنها ما في الكافى عن البزنطى قال ذكرنا له الكوفة (الى ان قال): و ما اخذ بالسيف فذلك الى الامام يقبّله بالذى يرى كما صنع رسول اللّه (ص) بخيبر قبّل سوادها و بياضها يعنى ارضها و نخلها ... و على المتقبلين سوى قبالة الارض العشر و نصف العشر في حصصهم ... «3».

اقول: لا يخفى ان الطائفة الاولى لا دلالة لها على المقصود اذ غاية الامر قصورها عن افادة التعميم لا انها صالحة لتقييد الآية و تخصيص الرواية، و اما الطائفتان الاخيرتان فدلالتهما واضحة و هما اخص موردا من الآية و الرواية- و اطلاق الخاص مقدم- بل في المستمسك ما حاصله ان ظاهر النصوص الاشارة الى الارض الخارجية الخراجية، و الحمل على المقدار الزائد على الخمس تجوز لا قرينة عليه انتهى.

و الحاصل ان الروايات الكثيرة الواردة في بيان حكم ارض الخراج‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 3.

(2)- الوسائل ج 11 الباب 72 من ابواب جهاد العدو.

(3)- الوسائل ج 11 الباب 72 من ابواب جهاد العدو، الحديث 1.

19
کتاب الخمس و الأنفال

حكم الخمس في الارضين ؛ ص : 17

..........

______________________________
و بيان سيرة النّبيّ (ص) و الائمة (ع) فيها مع كونها في مقام البيان ساكتة عن ثبوت الخمس فيها و هى اخص موردا من الآية و الرواية، بل لأحد أن يدّعى انصراف الآية عن مثل الاراضى التى هى في‌ء لعنوان المسلمين عموما كما نسب الى السيّد الاستاذ آية اللّه البروجردى- طاب ثراه- في تقريرات بحثه فان المخاطب بالخمس في الآية من حضر الحرب و جاهد و اغتنم و الاراضى ليست غنيمة و فائدة عائدة اليهم كما هو المفروض بل هى غنيمة للإسلام و عنوان المسلمين و الخطاب في قوله (غنمتم) للأشخاص المقاتلين لا الحيثيات و العناوين فتدبّر.

هذا مضافا الى ان الخمس كما بينا سابقا من الوظائف و الماليات المقررة في الإسلام كما ان الاراضى المفتوحة عنوة و الانفال كذلك، و ليس البناء في الحكومات العرفية على جعل الماليات على الماليات و ان اختلفت فيها المصارف و الجهات فالوظائف و الماليات انّما تقرّر على غنائم الافراد و فوائدهم لا على ما حصل في بيت المال و ان تشعبت مصارفه و كان لكل منها حساب على حدة- و الظاهر كون الماليات الشرعية على وزان الماليات العرفية- فتدبّر.

و يمكن ان يحمل على ذلك ما رواه ابو بصير عن ابى عبد الله- عليه السلام- قال: قلت له: اما على الامام زكاة؟ فقال: احلت يا ابا محمد اما علمت ان الدنيا و الآخرة للإمام يضعها حيث يشاء و يدفعها الى من يشاء ... «1» فيكون المراد أنّ ما هو ملك للإمام بما هو امام أي ما حصل في بيت المال لا يتعلق به زكاة و الا فيستبعد جدا عدم تعلق الزكاة بما هو ملك لشخص الامام- عليه السلام- اذا بلغ حد النصاب المقرّر فانه- عليه السلام- احد من المكلفين و عمومات التكاليف شاملة له فكما يجب عليه الصلاة يتعلق بما له الزكاة أيضا.

______________________________
(1)- اصول الكافى ج 1 باب ان الارض كلها للإمام، الحديث 4.

20
کتاب الخمس و الأنفال

ما يستثنى من الغنائم ؛ ص : 21

[ما يستثنى من الغنائم]

بعد اخراج المؤن التى انفقت على الغنيمة بعد تحصيلها بحفظ و حمل و رعى و نحوها منها (1) و بعد اخراج ما جعله الامام (ع) من الغنيمة على فعل مصلحة من المصالح (2)

و بعد استثناء صفايا الغنيمة كالجارية الرّوقة و المركب الفاره (3)

______________________________
(1) اما على القول بالاشاعة فواضح لكون الحفظ و نحوه بمصلحة جميع المال و قد وقع من قبل الامام أو نائبه احسانا فالتقسيط مطابق للعدل و الانصاف و اما على سائر الاقوال فالحكم باخراجها لا يخلو من اشكال إذ عليها يكون المال باجمعه ملكا للغانمين فعليهم حفظها كما في العين المرهونة و العبد الجانى، هذا- و اما التمسك للمقام بالاخبار الحاكمة بكون الخمس بعد المؤونة فاشدّ اشكالا اذ الظاهر منها مئونة التحصيل و بحسب تفسير الائمة (ع) مئونة الرجل و عياله و على أي حال فلا ترتبط بالمقام.

(2) لأنه بجعل الامام- عليه السلام- صار مستحقا للمجعول له فلا يدخل في ملك الغانمين و الظاهر من الآية الشريفة ثبوت الخمس فيما غنموه و حصل لهم و يشهد على ذلك أيضا قوله- عليه السلام- في مرسلة حماد الطويلة: «و له ان يسدّ بذلك المال جميع ما ينوبه من مثل اعطاء المؤلفة قلوبهم و غير ذلك ما ينوبه (مما ينوبه ظ)، فان بقى بعد ذلك شي‌ء اخرج الخمس منه» هذا.

و لا يبعد عدم وجوب الخمس على المجعول له أيضا من هذه الحيثية اذا كان من غير المقاتلين و ان تعلق به من حيث الاكتساب بعد اخراج مئونة السنة و سيأتي في مسألة السلب (المسألة 5) تتمة لذلك فانتظر.

(3) فيما وجدت من نسخ العروة «الجارية الورقة» و في المنجد:

شجرة ورقة: كثيرة الورق خضراء حسنة، و في رواية ابى بصير «1»

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 15.

21
کتاب الخمس و الأنفال

ما يستثنى من الغنائم ؛ ص : 21

و السيف القاطع و الدرع فانها للإمام- عليه السلام- (1) و كذا قطائع الملوك فانها أيضا له- عليه السلام- (2)

______________________________
«الجارية الروقة» و لعلها اصح و انسب. و الروقة بضم الراء: الجميل من الناس جدّا يقال: غلام روقة و جارية روقة و غلمان و جوار روقة.

و يقرب من ذلك الفراهة فيقال: مركب فاره و جارية فارهة اي حسناء مليحة.

(1) في مرسلة حماد الطويلة: و للإمام صفو المال ان يأخذ من هذه الاموال صفوها: الجارية الفارهة و الدابة الفارهة و الثوب و المتاع مما يحبّ أو يشتهى فذلك له قبل القسمة و قبل اخراج الخمس «1».

و في رواية ابى بصير عن ابى عبد الله (ع) قال: سألته عن صفو المال، قال: الامام يأخذ الجارية الروقة و المركب الفاره و السيف القاطع و الدرع قبل ان تقسم الغنيمة فهذا صفو المال «2».

و في صحيحة ربعى عن ابى عبد الله- عليه السلام- قال: كان رسول اللّه- صلى الله عليه و آله- اذا اتاه المغنم اخذ صفوه و كان ذلك له ثم يقسم ما بقى خمسة اخماس و يأخذ خمسه ... «3» و يشهد على الاستثناء الاعتبار العقلائى أيضا فان الصفايا من الانفال و قد عرفت ان الخمس و الانفال كلاهما للإمام بما انه امام اي لحيثية الامامة و الحكومة فكلاهما من الماليات و الميزانيات الاسلامية و لا يتعلق بالماليّات ماليّات.

(2) قد استفاضت النصوص على عدّها من الانفال و كونها للإمام- عليه السلام- ففى خبر داود بن فرقد قال ابو عبد الله- عليه السلام-: قطائع الملوك كلها للإمام «4» و في مرسلة حماد (في‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 4.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 15.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 3.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 6.

22
کتاب الخمس و الأنفال

اذا كان الغزو بغير اذن الامام ؛ ص : 23

[اذا كان الغزو بغير اذن الامام]

و اما اذا كان الغزو بغير اذن الامام (ع) فان كان في زمان الحضور و امكان الاستيذان منه فالغنيمة للإمام (ع) (1)

______________________________
عداد الانفال): و له صوافى الملوك- و في رواية سماعة: أو شي‌ء يكون للملوك فهو خالص للإمام
«1» و نحوها روايات اخر- و بعد كون القطائع من مصاديق الصوافى و الانفال كما هو الظاهر لمن تتبع الروايات يظهر حكمه مما سبق من عدم تعلق الخمس بالصفايا و بما للإمام.

(1) في كتاب الفي‌ء من الخلاف المسألة السادسة عشرة:

«اذا دخل قوم دار الحرب و قاتلوا بغير اذن الامام فغنموا كان ذلك للإمام خاصة و خالف جميع الفقهاء ذلك، دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم».

و في المنتهى: «اذا قاتل قوم من غير اذن الامام ففتحوا كانت الغنيمة للإمام ذهب إليه الشيخان و السيد المرتضى و اتباعهم و قال الشافعى: حكمها حكم الغنيمة مع إذن الامام لكنه مكروه و قال ابو حنيفة هى لهم و لا خمس و لا حمد ثلاثة اقوال: كقول الشافعى و ابى حنيفة و ثالثها لا شي‌ء لهم فيه».

و بالجملة المشهور نقلا و تحصيلا كونه باجمعه للإمام (ع) بل ادعى فيه عدم الخلاف بل الاجماع و لم يفرقوا بين زمان الحضور و الغيبة و استدلوا له بمرسلة العباس الوراق عن رجل سمّاه عن ابى عبد الله- عليه السلام- و ادّعوا انجبار ارساله بالشهرة قال: «إذا غزا قوم بغير اذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام، و اذا غزوا بامر الامام فغنموا كان للإمام الخمس» «2» و بمفهوم صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد الله (ع) السريّة يبعثها الامام فيصيبون غنائم كيف تقسم؟ قال: ان قاتلوا عليها مع امير امره الامام عليهم اخرج منها الخمس للّه و للرسول و قسّم بينهم اربعة اخماس، و ان لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كل‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 8.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 16.

23
کتاب الخمس و الأنفال

اذا كان الغزو بغير اذن الامام ؛ ص : 23

..........

______________________________
ما غنموا للإمام يجعله حيث احبّ
«1» لكن في دلالة الصحيحة اشكال لأن المفروض في السؤال ان السرية كانت بامر الامام- عليه السلام- فالتفصيل في الجواب لا محالة يكون في فرض السؤال و قد فصّل فيه بين القتال و عدمه لا بين الاذن و العدم فتدبّر، هذا.

و يظهر من النافع و المنتهى و المدارك الاشكال في المسألة بل تقوية المساواة بين المأذون فيه و غيره في لزوم الخمس و تقسيم البقية لعموم آيتى الغنيمة اعنى قوله- تعالى- «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ» و قوله:

«فَكُلُوا مِمّٰا غَنِمْتُمْ» و لخصوص حسنة الحلبى عن ابى عبد الله-

عليه السلام- في الرجل من اصحابنا يكون في لوائهم و يكون معهم فيصيب غنيمة، قال يؤدي خمسا و يطيب له «2» و لقوله- عليه السلام- في صحيحة على بن مهزيار الطويلة في عداد ما فيه الخمس: «و مثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله»، و لما في بعض اخبار التحليل من اباحتهم (ع) لشيعتهم نصيبهم من الفي‌ء و الغنائم الظاهر في عدم كون الجميع لهم مع أن الظاهر كون موردها زمان استيلاء الجائرين و عدم كون اغتنامهم باذن الأئمة- عليهم السلام-:

منها المروى عن العسكرى عن آبائه عن امير المؤمنين- عليهم السلام- انه قال لرسول الله (ص) قد علمت يا رسول اللّه انه سيكون بعدك ملك عضوض و جبر فيستولى على خمسى من السبى و الغنائم و يبيعونه فلا يحل لمشتريه لان نصيبى فيه فقد وهبت نصيبى منه لكل من ملك شيئا من ذلك من شيعتى ... «3».

اقول: و ربما اجيب عن عموم الآيتين بتخصيصها بمرسلة الوراق المنجبرة بعمل الاصحاب.

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 3.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 20.

24
کتاب الخمس و الأنفال

اذا كان الغزو بغير اذن الامام ؛ ص : 23

..........

______________________________
و عن رواية الحلبى بوجوب حملها بقرينة ما تقدم على التحليل منه- عليه السلام- لذلك الشخص او كونه مأذونا من قبله (ع) في تلك الغزوة.

و لكن لا يخفى ان الظاهر من الرواية وقوع السؤال عن الحكم الكلى و جواب الامام- عليه السلام- عنه و يبعد جدا حملها على التحليل او الاذن الشخصى، هذا.

و في الحدائق: «ان الظاهر من الاخبار و كلام الاصحاب ان ما يكون للإمام متى كان بغير اذنه انما هو ما يؤخذ على وجه الجهاد و التكليف بالاسلام كما كان يقع من خلفاء الجور لا ما اخذ جهدا و غلبة و غصبا».

و ردّ بأنه خلاف اطلاق النصوص و الفتاوى فان الغزاء يصدق و لو كان الهجوم لتوسعة المملكة او ازدياد الاموال فالتفصيل بلا وجه.

و في المتن فصّل كما ترى بين زمان الحضور و الغيبة فكأنه حمل رواية الوراق و كلام المشهور على صورة امكان الاستيذان كما في زمان الحضور ففى غيره يتبع اطلاق الآية و مقتضاه وجوب التخميس لكنه (قده) جعله هنا احوط و في المسأله الآتية قوّاه، هذا.

و لكن الظاهر ان لفظ الامام في باب الجهاد يشمل للحاكم الاسلامى في عصر الغيبة أيضا فيمكن الاستيذان منه، هذا مضافا الى ان حمل رواية الوراق و كلام الاصحاب على خصوص صورة امكان الاستيذان بلا وجه، و اطلاق الخاص محكّم على اطلاق العام.

نعم لو لم يصدق عنوان الغزاء كما اذا كان الهجوم من الخصم و لم يكن من المسلم الا الدفاع غير المشروط باذن الامام كان الحكم بثبوت الخمس و تملك البقية صحيحا فتدبر.

25
کتاب الخمس و الأنفال

اذا كان الغزو بغير اذن الامام ؛ ص : 23

..........

______________________________
و هنا احتمال آخر و هو التفصيل بين ما اذا وقع الغزاء في لواء حاكم الجور و بامره باسم الجهاد الاسلامى و بين ما اذا حمل قوم على قوم فغنموا من دون نظر الحاكم فيحمل مرسلة الوراق على الصورة الثانية فقط بقرينة حسنة الحلبى، و ما اشرنا اليه من الروايات الدالة على تحليل الخمس في المقام كرواية العسكرى- عليه السلام- و نحوها فيستفاد من ذلك تنفيذهم- عليهم السلام- للجهاد في لوائهم و لا سيما للدعاء الى الإسلام و بسطه و يكون المقصود من مرسلة الورّاق المنع عن الغزاء بدون اذن الحاكم و عدم تنفيذه حذرا من الهرج و المرج و انهم لو فعلوا ذلك لم يكن لهم حظّ في الغنيمة فيكون هذا الاحتمال بالعكس مما اختاره صاحب الحدائق، و لا يخفى قوة هذا الاحتمال فتدبر.

و قد تحصل مما ذكرنا ان المحتملات فيما اذا كان الغزاء و الاغتنام بغير اذن الامام- عليه السلام- خمسة:

الأول: ما اختاره المشهور من كونه للإمام باجمعه.

الثانى: كونه كسائر الغنائم يخمس و يقسم البقية.

الثالث: تفصيل صاحب الحدائق.

الرابع: تفصيل المنصف.

الخامس: ما ذكرناه من الاحتمال.

و الذى يقوى في النفس عاجلا قول المشهور لصراحة مرسلة الوراق المنجبرة بعمل الاصحاب و ضعف ما ينافيها دلالة او سندا كما لا يخفى و لو أبيت فالأقوى هو الاحتمال الخامس.

و الذي يسهّل الخطب ان اختيار الغنيمة مطلقا بيد الامام و لو كان الغزو باذنه فله صرف الجميع فيما يراه صلاحا للإسلام من الجعائل و النفل و نحوهما و ان لم يبق شي‌ء للتقسيم بين الفئة المقاتلة، فرتبة التقسيم متأخرة عن جميع المصارف اللازمة كما تشهد بذلك سيرة النّبيّ- صلى اللّه عليه‌

26
کتاب الخمس و الأنفال

اذا كان الغزو بغير اذن الامام ؛ ص : 23

..........

______________________________
و آله- في غنائم حنين و غيرها.

و بذلك يجمع بين قوله- تعالى-: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ» و بين قوله: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ الآية» بناء على كون المراد من الانفال في الآية الغنائم او الاعم منها و من الفي‌ء كما قيل من جهة ان الآية نزلت بعد ما وقع التخاصم بينهم بالنسبة الى غنائم بدر فارجعها اللّه في آية الانفال اليه و الى رسوله ثم حكم في آية الخمس بتخميسها و تقسيم البقية، فمقتضى الجمع بين الآيتين كون اختيار جميع الغنيمة بيد الرسول (ص) و بعده بيد الامام غاية الأمر أنه بعد ما اخرج منها ما اخرج مما رآه صلاحا يقسم البقية بعد تخميسها بين الفئة المقاتلة فليست آية الخمس ناسخة لآية الانفال كما قيل- اذ تخميس الغنيمة و تقسيم البقية عملا لا ينافى كون مالكها و المتصدى لأمرها هو اللّه و الرسول و يجوز للرسول صرف ما شاء منها فيما ينوبه و الرضخ منها لمن شاء فالتخميس و تقسيم البقية بين المقاتلين في الرتبة المتأخرة عن المصارف التى يراها الرسول (ص) او الامام صلاحا و على هذا فالانفال في اصطلاح القرآن اعم من الانفال المصطلحة في فقهنا لشمولها لغنائم الحرب أيضا فهي جمع نفل و هو الزيادة فحيث ان الغنائم و كذا الانفال المصطلحة تكون زائدة على الاملاك الشخصية سميت بالانفال، و لعلّ اللام في قوله «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ» للعهد اذ يراد بها غنائم بدر المتنازع فيها و في قوله «قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ» للاستغراق فتشمل الغنائم و الانفال المصطلحة أيضا و قد ظهر بما ذكرنا عدم الفرق عملا بين ما كان باذن الامام و غيره و انه في اختيار الامام يفعل فيه ما يراه صلاحا فتأمل، هذا.

و على ما اخترناه في المسألة وفاقا للمشهور يكون الغنيمة الحاصلة بغير اذنه- عليه السلام- من مصاديق الانفال المصطلحة فيكون في عصر‌

27
کتاب الخمس و الأنفال

حكم الفداء و الجزية و ما يؤخذ عند الدفاع ؛ ص : 28

و ان كان في زمن الغيبة فالاحوط اخراج خمسها من حيث الغنيمة خصوصا اذا كان للدعاء الى الإسلام، فما يأخذه السلاطين في هذه الازمنة من الكفار بالمقاتلة معهم من المنقول و غيره يجب فيه الخمس على الاحوط و ان كان قصدهم زيادة الملك لا الدعاء الى الإسلام.

[حكم الفداء و الجزية و ما يؤخذ عند الدفاع]

و من الغنائم التى يجب فيها الخمس: الفداء الذى يؤخذ من اهل الحرب، بل الجزية المبذولة لتلك السرية (1) بخلاف سائر افراد الجزية (2).

و منها أيضا ما صولحوا عليه و كذا ما يؤخذ منهم عند الدفاع معهم اذا هجموا على المسلمين في امكنتهم و لو في زمن الغيبة فيجب اخراج الخمس من جميع ذلك قليلا كان او كثيرا من

______________________________
الغيبة حكمها حكم سائر الانفال فلو قلنا بتحليل جميع الانفال للشيعة في عصر الغيبة كما هو بناء القوم كان الحكم في المقام أيضا حليّتها لهم و الاحوط الاستيذان من الحاكم أيضا، و على هذا الفرض فهل تخمس خمس الغنائم او خمس ارباح المكاسب كل محتمل و ان كان الاقوى هو الاول.

(1) اذا كانا بعد الهجوم و الغلبة كفداء الاسير فانه حينئذ بدل المغتنم فيصدق عليه الغنيمة بالمعنى الاخص، و كذا الكلام فيما صولحوا عليه بعد الغلبة.

و اما ما يؤخذ فداء او جزية او صلحا قبل ايجاف الخيل و الركاب فهو من الانفال و يكون للإمام و على فرض تحليله للشيعة في عصر الغيبة يشكل اجراء حكم الغنيمة بالمعنى الاخص عليه و ان كان احوط لاحتمال عدم دخالة وقوع الهجمة خارجا في صدقها و كفاية التهيؤ لها.

(2) اذا الجزية المتعارفة من مصاديق ماليات الإسلام و كذلك‌

28
کتاب الخمس و الأنفال

حكم ما اذا اغار المسلمون على الكفار و ما اخذ بالسرقة او الغيلة ؛ ص : 29

غير ملاحظة خروج مئونة السنة على ما يأتى في ارباح المكاسب و سائر الفوائد.

[حكم ما اذا اغار المسلمون على الكفار و ما اخذ بالسرقة او الغيلة]

(مسألة 1): اذا اغار المسلمون على الكفار فأخذوا اموالهم فالاحوط بل الاقوى اخراج خمسها من حيث كونها غنيمة و لو في زمن الغيبة فلا يلاحظ فيها مئونة السنة (1).

و كذا اذا اخذوا بالسرقة و الغيلة (2).

______________________________
الخمس و قد عرفت عدم تعلق الماليات بالماليات.

(1) قد عرفت انها من الانفال بعد صدق عنوانى الغزاء و الغنيمة و يجب تخميسها على فرض تحليلها للشيعة.

(2) حكم في الدروس بان ما سرق او اخذ غيلة فلآخذه، و ظاهره عدم وجوب خمس الغنيمة فيما اخذ بغير المقاتلة.

و عن الروضة و جماعة اخرى وجوبه و اختاره في الجواهر.

و استدل عليه باطلاق الآية و النصوص و ان دعوى اشتراط المقاتلة في اسم الغنيمة واضحة المنع.

و يرد عليه ان الغنيمة في الآية و ان فسرت بحسب النصوص بمطلق الفائدة فتشمل المقام أيضا، و لكن البحث هنا ليس في اصل وجوب الخمس بل في وجوبه بعنوان الغنيمة بالمعنى الاخص، و المستفاد من اخبار الباب كرواية ابى بصير عن ابى جعفر- عليه السلام- قال: كل شي‌ء قوتل عليه على شهادة ان لا إله الا اللّه و ان محمدا رسول الله (ص) فان لنا خمسه ... «1» و رواية الوراق السابقة و نحوهما كون الموضوع في المقام الغنيمة الحاصلة بالمقاتلة و الغزو لا مطلق ما حصل من الكافر و لا أقلّ كونه القدر المتيقن فيرجع في غيره الى عموم ما دل على كون الخمس بعد المؤونة المحمولة على مئونة السنة، هذا.

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

29
کتاب الخمس و الأنفال

حكم مال الناصبين ؛ ص : 30

نعم لو اخذوا منهم بالربا او بالدعوى الباطلة فالاقوى الحاقه بالفوائد المكتسبة فيعتبر فيه الزيادة عن مئونة السنة و ان كان الاحوط اخراج خمسه مطلقا.

[حكم مال الناصبين]

(مسألة 2): يجوز اخذ مال النّصاب اينما وجد (1)

______________________________
و لكن من المحتمل جدّا القاء العرف لخصوصية المقاتلة و الغزو و الحكم بكون الموضوع في المسألة مال الكافر اذا حصل بيد المسلم مجانا غاية الامر كون المقاتلة وسيلة طبيعية لذلك، و الوسيلة لا دخالة لها في الحكم.

و يشهد لذلك ما ورد في حكم مال الناصب بعد القاء الخصوصية حيث ان العرف لا يرى لخصوصية النصب دخلا في الحكم قطعا بل يستظهر من رواياته الآتية في المسألة التالية كون الموضوع و الملاك كونه غير محترم المال، و على هذا فالاحوط تخميس المال بلا اعتبار استثناء المؤونة، و مثل ذلك ما حصل بالدعوى الباطلة بلا تفاوت.

نعم ما اخذ بالربا يكون من قبيل ارباح المكاسب حيث انه يحل ربا الكافر للمسلم فهو نحو تجارة بينهما.

(1) نسبه في المستمسك الى المشهور و في الحدائق الى حكم الطائفة المحقّة سلفا و خلفا بكفر الناصب و نجاسته و جواز اخذ ماله بل قتله و يدلّ عليه صحيحة ابن ابى عمير عن حفص بن البخترى عن ابى عبد الله- عليه السلام- قال: خذ مال الناصب حيثما وجدته و ادفع إلينا الخمس- و نحوه خبر معلّى بن خنيس عن ابى عبد الله «1».

و خبر اسحاق بن عمار قال: قال ابو عبد الله (ع): مال الناصب و كل شي‌ء يملكه حلال لك الا امرأته فان نكاح اهل الشرك جائز و ذلك ان رسول الله (ص) قال لا تسبّوا اهل الشرك فان لكل قوم نكاحا و لو لا انا‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6، 7.

30
کتاب الخمس و الأنفال

حكم مال الناصبين ؛ ص : 30

..........

______________________________
نخاف عليكم ان يقتل رجل منكم برجل منهم و رجل منكم خير من الف رجل منهم و مأئة الف منهم لأمرناكم بالقتل لهم و لكن ذلك الى الامام
«1».

اقول: في تقريرات بحث السيد الاستاد آية الله البروجردى- طاب ثراه- ما حاصله «ان الثابت انما هو عدم احترام مال الحربى، و اما المرتد بقسميه فقد اعتصم ماله باسلامه قبل الارتداد، و اما المنتحل بالاسلام مع انكاره لبعض ما ثبت من الدين ضرورة فلا دليل أيضا على لحوقه بالكافر الحربى و حليّة ماله بل يشمله اطلاق قوله- تعالى-: «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» و قوله (ع) لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه- فهو و ان كان بحكم الكافر و لكن الإسلام و لو بالانتحال به حافظ لمال المنتحل و ان حكم بنجاسته بل بقتله- نعم وردت روايات دلت بظاهرها على اباحة مال الناصب و وجوب اخراج خمسه و لكن لم يعمل الاصحاب بظاهر الروايتين و اعرضوا عنهما سيما مع تعميم الناصب كما في بعض الروايات لكل من اعتقد الخلافة لغير على- عليه السلام- هذا مع احتمال ان يكون المراد حليّة مال الناصب لخصوص المخاطب او يكون المراد من الناصب شخصا خاصّا فتكون اللام للعهد فتكون الروايتان قاصرتين عن الدلالة على حليّة مال كل ناصب لكل شيعى».

و في آخر السرائر بعد نقل روايتى حفص و المعلّى قال: «الناصب المعنىّ في هذين الخبرين اهل الحرب لأنهم ينصبون الحرب للمسلمين و الا فلا يجوز اخذ مال مسلم و لا ذمى على وجه من الوجوه.»‌

و في الحدائق بعد نقل كلام ابن ادريس ما حاصله: «لا يخفى ما فيه اما اوّلا فان اطلاق الناصب على اهل الحرب خلاف المعروف لغة و عرفا و شرعا و اما ثانيا فان اطلاق المسلم على الناصب و انه لا يجوز اخذ‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 12 الباب 95 من ابواب ما يكتسب به، الحديث 1، 2.

31
کتاب الخمس و الأنفال

حكم مال الناصبين ؛ ص : 30

لكن الاحوط اخراج خمسه مطلقا (1).

______________________________
ماله من حيث الإسلام خلاف ما عليه الطائفة المحقة سلفا و خلفا من الحكم بكفر الناصب و نجاسته و جواز اخذ ماله بل قتله و انما الخلاف بينهم في مطلق المخالف هل يحكم باسلامه أم بكفره و هو نفسه ممن اختار القول بالكفر كما هو المشهور بين متقدمى اصحابنا ... فاذا حكم بكفر المخالف فكيف يحكم باسلام الناصب؟ ما هذا إلا غفلة».

اقول: و انت ترى تهافت كلماتهم في المسألة فقد ينسب جواز اخذ مال الناصب الى المشهور أو إلى الطائفة المحقة و قد يقال باعراض الاصحاب عن مضمون الروايتين، و تارة يحكم بكفر الناصب بل مطلق المخالف و اخرى يستدل لحرمة ماله بما دل على حرمة مال المسلم.

و كيف كان فالاقوى تعيّن العمل بمضمون روايات المسألة و عدم احراز الاعراض بنحو يضر بالاستدلال، و صرف عدم تعرض القدماء له في كتبهم الفتوائية لا يكفى في الحكم بالاعراض و لعله كان لجهة سياسية و قد اشرنا في المسألة السابقة الى القاء العرف لخصوصية النصب فيستفاد من الاخبار جواز اخذ مال الكافر و عدم حرمة ماله. و يشهد لذلك أيضا قوله في صحيحة على بن مهزيار الطويلة: و مثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله «1».

نعم يستثنى من ذلك الذّمى و المعاهد و المرتدّ بقسميه لما ورد في خصوصها من الاخبار. هذا و لكن الاحوط في كل مورد الاستيذان من الامام او الحاكم حذرا من الهرج و المرج كما اشير الى ذلك في رواية اسحاق بن عمار السابقة بالنسبة الى دمه حيث قال: «و لكن ذلك الى الامام».

(1) بل الاقوى كما يدل عليه روايتا حفص و المعلّى، و دعوى تقييد هما بما دل على كون الخمس بعد المؤونة مخالفة لظاهرهما جدّا.

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

32
کتاب الخمس و الأنفال

حكم مال البغاة ؛ ص : 33

[حكم مال البغاة]

و كذا الاحوط (1) اخراج الخمس مما حواه العسكر من مال البغاة اذا كانوا من النّصاب و دخلوا في عنوانهم و الّا فيشكل حليّة مالهم (2).

______________________________
و سيأتي منّا ان استثناء المؤونة اليومية يختص بالحرف اليوميّة المترقب منها تأمينها فلا دليل على استثنائها حتى في مثل الهبة و الجائزة أيضا كما يشهد لذلك اطلاق صحيحة ابن مهزيار الطويلة فانتظر.

(1) بل الاقوى كما مرّ.

(2) قال في الشرائع: «مسائل: الاولى لا يجوز سبى ذرارى البغاة و لا يملك نسائهم اجماعا. الثانية لا يجوز تملك شي‌ء من اموالهم التى لم يحوها العسكر سواء كانت ممّا ينتقل كالثياب و الآلات اولا ينتقل كالعقارات لتحقق الإسلام المقتضى لحقن الدم و المال، و هل يؤخذ ما حواه العسكر مما ينقل و يحوّل؟ قيل: لا لما ذكرناه من العلّة و قيل: نعم عملا بسيرة على- عليه السلام- و هو الاظهر».

و في الجواهر في ذيل المسألة الاولى: «اجماعا محصّلا و محكيا عن السرائر و غيره بل عن المنتهى نفى الخلاف فيه بين اهل العلم و عن التذكرة بين الامة لكن في المختلف و المسالك نسبته الى المشهور».

و قال في ذيل ما لم يحوها العسكر: «بلا خلاف اجده في شي‌ء من ذلك بل في المسالك هو موضع وفاق بل في صريح المنتهى و الدروس و محكى الغنية و السرائر الاجماع عليه بل يمكن دعوى القطع به بملاحظة ما وقع من امير المؤمنين- عليه السلام- في حرب اهل البصرة و النهر بعد الاستيلاء عليهم».

اقول: و يستدل على المسألتين بعد الاجماع بما رواه الصدوق ان الناس اجتمعوا الى امير المؤمنين- عليه السلام- يوم البصرة فقالوا يا امير المؤمنين اقسم بيننا غنائمهم قال: ايكم يأخذ أمّ المؤمنين في‌

33
کتاب الخمس و الأنفال

حكم مال البغاة ؛ ص : 33

..........

______________________________
سهمه؟
«1».

و بما رواه حفص عن جعفر عن ابيه عن جدّه عن مروان بن الحكم قال: لما هزمنا على (ع) بالبصرة رد على الناس اموالهم، من اقام بينة اعطاه، و من لم يقم بينة احلفه، قال: فقال له قائل: يا امير المؤمنين اقسم الفي‌ء بيننا و السبى، قال: فلما اكثروا عليه قال: ايكم يأخذ أمّ المؤمنين في سهمه فكفوا «2» هذا.

و لكن يظهر من كثير من الاخبار ان ذلك كان منّا من على- عليه السلام- عليهم كما منّ رسول الله- صلى الله عليه و آله- على اهل مكّة و انه (ع) اراد ان يقتدى به في ذلك بالنسبة الى شيعته لما كان يعلم من غلبة دولة الباطل عليهم و الّا كان له السبى و الاستغنام و اذا ظهر القائم- عليه السلام- سار فيهم بالسيف و السبى.

فمن ذلك ما رواه عبد الله بن سليمان قال: قلت لأبي عبد الله- عليه السلام-: ان الناس يروون ان عليّا- عليه السلام- قتل اهل البصرة و ترك اموالهم فقال: ان دار الشرك يحلّ ما فيها و ان دار الإسلام لا يحلّ ما فيها؟ فقال: ان عليّا (ع) انما منّ عليهم كما منّ رسول الله (ص) على اهل مكة، و انما ترك على (ع) لأنه كان يعلم انه سيكون له شيعة و ان دولة الباطل ستظهر عليهم فاراد ان يقتدى به في شيعته، و قد رأيتم آثار ذلك، هو ذا يسار في الناس بسيرة على (ع) و لو قتل على (ع) اهل البصرة جميعا و اتخذ اموالهم لكان ذلك له حلالا، لكنه منّ عليهم ليمن على شيعته من بعده «3».

و منها ما رواه الحسن بن هارون قال: كنت عند ابى عبد الله (ع) جالسا فسأله معلى بن خنيس أ يسير الامام «القائم» بخلاف سيرة على‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 11 الباب 25 من ابواب جهاد العدو، الحديث 7.

(2)- الوسائل ج 11 الباب 25 من ابواب جهاد العدو، الحديث 5.

(3)- الوسائل ج 11 الباب 25 من ابواب جهاد العدو، الحديث 6.

34
کتاب الخمس و الأنفال

حكم مال البغاة ؛ ص : 33

..........

______________________________
(ع)؟ قال: نعم، و ذلك ان عليّا سار بالمنّ و الكف لأنه علم ان شيعته سيظهر عليهم، و ان القائم «ع» اذا قام سار فيهم بالسيف و السبى، لأنه يعلم ان شيعته لن يظهر عليهم من بعده ابدا
«1» الى غير ذلك من الاخبار.

و يستفاد من الجواهر ان التقيّة جعلت الحكم عدم الجواز فلا يجوز السبى في زمان الهدنة الى ظهور صاحب الامر (ع).

اقول: العمدة في المسألتين، هو الاجماعات المدعاة و الا فيمكن القول بايكال الامر الى الامام او الحاكم فيعمل بما رآه صلاحا للإسلام و المسلمين.

هذا كله بالنسبة الى سبى النساء و الذرارى و الاموال التى لم يحوها العسكر.

و اما ما حواها العسكر فحيث ان المسألة مبتلى بها في عصرنا و كثرت الاسئلة منها ناسب ان ينقل فيها كلمات الاصحاب.

ففى كتاب الباغى من الخلاف (المسألة 17): «ما يحويه عسكر البغاة يجوز اخذه و الانتفاع به و يكون غنيمة يقسم في المقاتلة، و ما لم يحوه العسكر لا يتعرض له، و قال الشافعى: لا يجوز لأهل العدل ان يستمتعوا بدوابّ اهل البغى و لا بسلاحهم و لا يركبونها للقتال و لا يرمون بنشابهم حال القتال و لا في غير حال القتال، و متى حصل من ذلك شي‌ء عندهم كان محفوظا لأربابه، فاذا انقضت الحرب ردّ عليهم، و قال ابو حنيفة: يجوز الاستمتاع بدوابهم و بسلاحهم و الحرب قائمة فاذا انقضت كان ذلك ردّا عليهم، دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم ...»‌

و في باب قتال اهل البغى من النهاية: «و لا يجوز سبى الذرارى على حال و يجوز للإمام ان يأخذ من اموالهم ما حوى العسكر و يقسم على‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 11 الباب 25 من ابواب جهاد العدو، الحديث 3.

35
کتاب الخمس و الأنفال

حكم مال البغاة ؛ ص : 33

..........

______________________________
المقاتلة حسب ما قدمناه و ليس له ما لم يحوه العسكر».

و في الغنية: «و لا يغنم ممن اظهر الإسلام و من البغاة و المحاربين الا ما حواه العسكر من الاموال و الامتعة التى تخصهم ... كل ذلك بدليل الاجماع المشار اليه».

و في المختلف: «قال ابن ابى عقيل: يقسم اموالهم التى حواها العسكر ... و جوّز ابن الجنيد قسمة ما حواه العسكر أيضا و هو اختيار ابن البراج و ابى الصلاح».

و في المسالك: «القول بالجواز للأكثر و منهم المصنف و العلامة في المختلف و من حججهم سيرة على- عليه السلام- في اهل الجمل فانه قسّمه بين المقاتلين ثم ردّه على اربابه.» هذه بعض كلمات القائلين بالحلية و الجواز.

و اما كلمات النافين ففى المبسوط: «اذا انقضت الحرب بين اهل العدل و البغى اما بالهزيمة او بأن عادوا الى طاعة الامام و قد كانوا اخذوا الاموال و اتلفوا و قتلوا نظرت فكل من وجد عين ماله عند غيره كان احق به سواء كانوا من اهل العدل او اهل البغى لما رواه ابن عباس ان النّبيّ «ص» قال: المسلم اخ المسلم لا يحل دمه و ماله الا بطيبة من نفسه، و روى ان عليا لما هزم الناس يوم الجمل قالوا له يا امير المؤمنين الا تاخذ اموالهم؟ قال: لا لأنهم تحرّموا بحرمة الإسلام فلا يحل اموالهم في دار الهجرة، و روى ابو قيس ان عليا (ع) نادى من وجد ماله فليأخذه فمرّ بنا رجل فعرف قدرا يطبخ فيها فسألناه ان يصبر حتى ينضج فلم يفعل و رمى برجله فاخذها، و قد روى اصحابنا ان ما يحويه العسكر من الاموال فانه يغنم، و هذا يكون اذا لم يرجعوا الى طاعة الامام، فاما ان رجعوا الى طاعته فهم احقّ باموالهم.»‌

و قال السيد المرتضى (ره) في الناصريات بعد ما نقل عن الناصر تقسيم ما احتوت عليه عساكر اهل البغى: «هذا غير صحيح لان اهل‌

36
کتاب الخمس و الأنفال

حكم مال البغاة ؛ ص : 33

..........

______________________________
البغى لا يحوز غنيمة اموالهم و قسمتها كما تقسم اموال اهل الحرب، و لا اعلم خلافا بين الفقهاء في ذلك و مرجع الناس كلهم في هذا الموضع على ما قضى به امير المؤمنين (ع) في محاربى البصرة فانه منع من غنيمة اموالهم فلما رجع- عليه السلام- في ذلك قال: أيكم يأخذ عائشة في سهمه؟ و ليس يمنع ان يخالف حكم قتال اهل البغى لقتال اهل دار الحرب في هذا الباب كما يخالف في اننا لا نتبع مولّيهم و ان كان اتباع المولّى من باقى المحاربين جائزا، و انما اختلف الفقهاء في الانتفاع بدواب اهل البغى و بسلاحهم في حال قيام الحرب فقال الشافعى: لا يجوز ذلك، و قال ابو حنيفة: يجوز ما دامت الحرب قائمة ...».

و في السرائر بعد نقل كلمات الشيخ و السيد: «الصحيح ما ذهب اليه المرتضى و هو الذى اختاره و افتى به و الذى يدل على صحة ذلك ما استدل به (رض) و أيضا فاجماع المسلمين على ذلك و اجماع اصحابنا منعقد على ذلك ... و قول الرسول (ص) لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه و هذا الخبر قد تلقّته الامة بالقبول، و دليل العقل يعضده و يشيّده لان الاصل بقاء الاملاك على اربابها».

و في الدروس «و لا يجوز سبى نساء الفريقين و نقل الحسن ان للإمام ذلك ان شاء لمفهوم قول على (ع): انى مننت على اهل البصرة كما منّ رسول الله (ص) على اهل مكة، و قد كان لرسول الله ان يسبى فكذا للإمام و هو شاذّ، و لا يقسم اموالهم التى لم يحوها العسكر اجماعا.

و جوّز المرتضى قتالهم بسلاحهم على دوابّهم لعموم قوله- تعالى-: فَقٰاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّٰى تَفِي‌ءَ إِلىٰ أَمْرِ اللّٰهِ، و ما حواه العسكر اذا رجعوا الى طاعة الامام حرام أيضا، و ان اصرّوا فالاكثر على ان قسمته كقسمة الغنيمة و انكره المرتضى و ابن ادريس و هو الاقرب عملا بسيرة على- عليه السلام- في اهل البصرة فانه امر بردّ اموالهم فاخذت حتى القدور.»‌

اقول: انت ترى ان المسألة مختلف فيها و ان كلا من القائلين‌

37
کتاب الخمس و الأنفال

حكم مال البغاة ؛ ص : 33

..........

______________________________
بالجواز و القائلين بالمنع استدلوا فيها بالإجماع و بسيرة على (ع) في اصحاب الجمل و روى في المبسوط مراسيل بعضها يدل على الجواز و بعضها على المنع، و لا يخفى ان ادعاء الاجماع موهون بوجود الخلاف و بادعائه على الخلاف، و المرسل لا اعتماد عليه، فلو ثبت ان عليا (ع) قسّم اموالهم اولا ثم امر بردّها، دلّ ذلك على الجواز و الحلية و وقوع الرد منّا.

فالعمدة اذا اثبات التقسيم اولا من قبله- عليه السلام- و يستفاد هذا من اخبار كثيرة:

منها ما رواه في المختلف عن الحسن بن ابى عقيل «روى ان رجلا من عبد القيس قام يوم الجمل فقال: يا امير المؤمنين ما عدلت حين تقسم بيننا اموالهم و لا تقسم بيننا نسائهم و لا ابنائهم فقال له: ان كنت كاذبا فلا اماتك اللّه حتى تدرك غلام ثقيف و ذلك ان دار الهجرة حرمت ما فيها و دار الشرك احلت ما فيها فايّكم يأخذ امّه من سهمه؟

الحديث» قال في المختلف: «لنا ما رواه ابن ابى عقيل و هو شيخ من علمائنا تقبل مراسيله لعلمه و عدالته» و الظاهر من الخبر وقوع التقسيم باذن على (ع).

و في المستدرك «1» عن الدعائم: «روينا عن امير المؤمنين- عليه السلام- انه لمّا هزم اهل الجمل جمع كل ما اصاب في عسكرهم مما اجلبوا به عليه فخمّسه و قسّم اربعة اخماسه على اصحابه و مضى فلمّا صار الى البصرة قال اصحابه يا امير المؤمنين اقسم بيننا ذراريهم و اموالهم، قال:

ليس لكم ذلك قالوا: و كيف احللت لنا دمائهم و لم تحلل لناسبى ذراريهم؟ قال: حاربنا الرجال فقتلنا فاما النساء فلا سبيل لنا عليهن لأنهن مسلمات و في دار هجرة فليس لكم عليهن من سبيل و ما اجلبوا به عليكم و استعانوا به على حربكم و ضمّه عسكرهم و حواه فهو لكم و ما كان في‌

______________________________
(1)- المستدرك ج 2 الباب 23 من ابواب جهاد العدو، الحديث 1.

38
کتاب الخمس و الأنفال

حكم مال البغاة ؛ ص : 33

(مسألة 3): يشترط في المغتنم ان لا يكون غصبا من مسلم او ذمّى او معاهد او نحوهم ممن هو محترم المال

______________________________
دورهم فهو ميراث على فرائض الله ...»‌

و عن شرح الاخبار لصاحب الدعائم في حديث «و كان على- عليه السلام- قد اغنم اصحابه ما اجلب به اهل البصرة الى قتاله، اجلبوا به يعنى أتوا به في عسكرهم و لم يعرض لشي‌ء غير ذلك لورثتهم و خمّس ما اغنمه مما اجلبوا به عليه فجرت أيضا بذلك السنة».

و في حديث آخر: «فامر على (ع) مناديا ينادى ... و ما كان بالعسكر فهو لكم مغنم و ما كان في الدور فهو ميراث يقسم بينهم».

و عن كتاب الهداية للحسين بن حمدان في حديث طويل يذكر فيه محاجة اهل النهروان مع امير المؤمنين (ع): «قلت لنا يوم الجمل لا تقتلوهم مولّين ... و احللت لناسبى الكراع و السلاح و حرمت علينا سبى الذرارى ...

و قلت لنا بصفين اقتلوهم مدبرين ... و احللت لناسبى الكراع و السلاح و الذرارى فما العلة فيما اختلف فيه الحكمان الحديث» و لعل المتتبع يعثر على ازيد من ذلك.

و الظاهر ان اصل وقوع التقسيم في حرب الجمل قطعى مسلّم و يبعد جدّا وقوعه بدون اذن على- عليه السلام- فالرد اليهم وقع منّا منه (ع).

فالاظهر في المسألة الجواز و الاحوط دورانه مدار إذن الامام او الحاكم في كل عصر يجرى فيه بما يراه صلاحا، هذا.

و في المختلف بعد ما اختار الجواز استدل له بما رواه ابن ابى عقيل و قد مرّ، و بان البغاة عند بعض علمائنا كفار فجاز قسمة اموالهم، و بان بعض الشيعة جوّز سبى ذراريهم فاموالهم اولى، و بانه قول الاكثر فتعيّن المصير اليه، و بان عصمة النفس اولى من عصمة المال فاباحة المال اولى من اباحة النفس، و بما رواه الصادق عن ابيه- عليهما‌

39
کتاب الخمس و الأنفال

حكم ما اذا كان المغتنم غصبا ؛ ص : 40

و الا فيجب ردّه الى مالكه (1)

[حكم ما اذا كان المغتنم غصبا]

نعم لو كان مغصوبا من غيرهم من اهل الحرب لا بأس بأخذه (2) و اعطاء خمسه و ان لم يكن الحرب فعلا مع المغصوب منهم، و كذا اذا كان عند المقاتلين مال غيرهم من اهل الحرب بعنوان الامانة من وديعة او اجارة او عارية او نحوها. (3)

(مسألة 4): لا يعتبر في وجوب الخمس في الغنائم بلوغ النصاب عشرين دينارا فيجب اخراج خمسه قليلا كان او كثيرا على الأصحّ (4).

______________________________
السلام- قال: «من ضرب الناس بسيفه و دعاهم الى نفسه و في المسلمين من هو اعلم منه فهو ضال متكلف».

و اذا كان ضالا جاز قسمة امواله، و لا يخفى لك ما في اكثر هذه الادلة فتدبر.

(1) ان احرز ذلك قبل القسمة لأدلة احترام ماله عموما و لما يقتضيه بعض نصوص المسألة كما يأتى في محله. و اما اذا علم ذلك بعد القسمة و تفرق الغانمين فهل يردّ الى مالكه و يرجع الغانم بقيمته على الامام او يبقى في قسمة الغانم و يرد الامام قيمته الى مالكه؟ و جهان بل قولان و لعل الاول اظهر و اوفق للاعتبار و تفصيل المسألة في كتاب الجهاد.

(2) لعدم احترام المال فيرجع في جواز اخذه و وجوب تخميسه الى اطلاق الادلة.

(3) اذا لم يقتض الحيثية الاخلاقية رعاية الامانة.

(4) في الجواهر: «لصريح جماعة و ظاهر آخرين بل لا اعرف فيه خلافا سوى ما يحكى عن ظاهر غرية المفيد من اشتراط بلوغ عشرين دينارا و هو ضعيف جدّا لا نعرف له موافقا و لا دليلا» و اطلاق الادلة يقتضى عدم الاشتراط فتدبر.

40
کتاب الخمس و الأنفال

السلب من الغنيمة ؛ ص : 41

[السَلَب من الغنيمة]

(مسألة 5): السلب من الغنيمة فيجب اخراج خمسه على السالب (1).

______________________________
(1) في سيرة ابن هشام (ج 4 غزوة حنين) عن ابى قتادة ان رسول الله- صلى الله عليه و آله- قال يوم حنين- و هو من اشدّ حروبه- بعد ما وضعت
الْحَرْبُ أَوْزٰارَهٰا: «من قتل قتيلا فله سلبه» و عن أنس قال:

«لقد استلب ابو طلحة يوم حنين وحده عشرين رجلا.»‌

ثم اختلفوا بعد ذلك في ان ذلك منه (ص) كان لبيان حكم كلى او من باب الحكومة في مورد خاص ففى كل مورد يحتاج الى اذن الامام و جعله؟ ثم هل يتعلق به الخمس أم لا؟

ففى كتاب الفي‌ء من الخلاف (المسألة 8): «السلب لا يستحقه القاتل الا ان يشترط له الامام و به قال ابو حنيفة و مالك و قال الشافعى هو للقاتل و ان لم يشرط له الامام و به قال الاوزاعى و الثورى و احمد بن حنبل ...»‌

و قال في (المسألة 9): «اذا شرط له الامام السلب لا يحتسب عليه من الخمس و لا يخمّس و عند ابى حنيفة يحتسب عليه من الخمس و قال الشافعى لا يخمس و به قال سعد بن ابى وقاص و قال ابن عباس يخمس السلب قليلا كان او كثيرا و قال عمر: ان كان قليلا لا يخمس و ان كان كثيرا خمس ...»‌

اقول: العرف و الاعتبار و ان ايّدا كون القاتل اولى بالسلب و لكن لا اعتبار بذلك في قبال عمومات ادلة الغنيمة و ليس في كلامه (ص) ما يشهد لكونه في مقام بيان حكم كلى حتى يخصص به ادلة الغنيمة فتأمل، و قد نسب في الجواهر الى المشهور غير الاسكافى كونه تابعا لجعل الامام و اذنه و على هذا فيصير من مصاديق الجعائل و قد مر تقديمها على تخميس الغنيمة، هذا.

و لكن مع ذلك يفترق السلب عنها كما في الجواهر باندراجه تحت‌

41
کتاب الخمس و الأنفال

الثانى المعادن ؛ ص : 42

[الثانى المعادن]

[انواع المعادن]

«الثانى»:

المعادن (1) من الذهب و الفضة و الرصاص و الصفر و الحديد و الياقوت و الزبرجد و الفيروزج و العقيق و الزيبق و الكبريت و النفط و القير و السبخ و الزاج و الزرنيخ و الكحل و الملح

______________________________
اسم الغنيمة بالمعنى الاخص بالنسبة الى السالب فيشمله عموم آية الخمس و الروايات، و مثله ما ينفله الامام من الغنيمة لبعض المقاتلين زائدا على سهمه.

اللهم الا ان يقال بانصراف ادلة خمس الغنيمة بالمعنى الاخص عن مثله او يقال بان الظاهر من جعل الامام اياه للسالب جعل مجموعه لا اربعة اخماسه، و على هذا فالمتبع ظاهر الجعل فان كان ظاهرا في كونه له بلا خمس فهو و الا فعموم دليل تخميس الغنيمة و الفائدة محكّم، و قد عرفت منا و سيأتي مفصلا ان استثناء المؤونة اليومية انما هو في الحرف و المشاغل اليومية و ليس السلب منها فحكمه حكم الغنيمة بالمعنى الاخص فتدبر.

(1) تعلق الخمس بالمعادن بلا اشكال عندنا و لم يخالف فيه احد منا و يدل عليه مضافا الى عموم الآية الاخبار المستفيضة منها صحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر (ع) قال: «سألته عن معادن الذهب و الفضة و الصفر و الحديد و الرصاص فقال: عليها الخمس جميعا».

و صحيحة زرارة عن ابى جعفر (ع) قال: سألته عن المعادن ما فيها؟

فقال: كل ما كان ركازا ففيه الخمس، و قال: ما عالجته بمالك ففيه ما اخرج اللّه سبحانه منه من حجارته مصفى الخمس «1».

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

42
کتاب الخمس و الأنفال

انواع المعادن ؛ ص : 42

[الثانى المعادن]

[انواع المعادن]

«الثانى»:

المعادن (1) من الذهب و الفضة و الرصاص و الصفر و الحديد و الياقوت و الزبرجد و الفيروزج و العقيق و الزيبق و الكبريت و النفط و القير و السبخ و الزاج و الزرنيخ و الكحل و الملح

______________________________
اسم الغنيمة بالمعنى الاخص بالنسبة الى السالب فيشمله عموم آية الخمس و الروايات، و مثله ما ينفله الامام من الغنيمة لبعض المقاتلين زائدا على سهمه.

اللهم الا ان يقال بانصراف ادلة خمس الغنيمة بالمعنى الاخص عن مثله او يقال بان الظاهر من جعل الامام اياه للسالب جعل مجموعه لا اربعة اخماسه، و على هذا فالمتبع ظاهر الجعل فان كان ظاهرا في كونه له بلا خمس فهو و الا فعموم دليل تخميس الغنيمة و الفائدة محكّم، و قد عرفت منا و سيأتي مفصلا ان استثناء المؤونة اليومية انما هو في الحرف و المشاغل اليومية و ليس السلب منها فحكمه حكم الغنيمة بالمعنى الاخص فتدبر.

(1) تعلق الخمس بالمعادن بلا اشكال عندنا و لم يخالف فيه احد منا و يدل عليه مضافا الى عموم الآية الاخبار المستفيضة منها صحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر (ع) قال: «سألته عن معادن الذهب و الفضة و الصفر و الحديد و الرصاص فقال: عليها الخمس جميعا».

و صحيحة زرارة عن ابى جعفر (ع) قال: سألته عن المعادن ما فيها؟

فقال: كل ما كان ركازا ففيه الخمس، و قال: ما عالجته بمالك ففيه ما اخرج اللّه سبحانه منه من حجارته مصفى الخمس «1».

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

42
کتاب الخمس و الأنفال

انواع المعادن ؛ ص : 42

..........

______________________________
و وافقنا في المسألة بعض اهل الخلاف أيضا ففى الخلاف (المسألة 137): «المعادن كلها يجب فيها الخمس من الذهب و الفضة و الحديد ... و قال الشافعى: لا يجب في المعادن شي‌ء الا الذهب و الفضة فان فيهما الزكاة ... و قال ابو حنيفة: كلّما ينطبع مثل الحديد و الرصاص و الذهب و الفضة ففيه الخمس و ما لا ينطبع فليس فيه شي‌ء مثل الياقوت و الزمرد ... دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم و أيضا قوله- تعالى-: و اعلموا انما غنمتم ... و روى عن النّبيّ (ص) انه قال: في الركاز الخمس، و المعدن ركاز». و كيف كان فاصل ثبوت الخمس في المعادن بلا اشكال عندنا و انما المهم البحث عن فروع المسألة و المهم منها ثلاثة: الاول:

ما هو المراد من المعدن؟ الثانى: هل النصاب معتبر فيه أم لا؟ الثالث: من هو المالك للمعادن؟

اما الاول فلا يخفى ان المذكور في الروايات هى الذهب و الفضة و الصفر و الحديد و الرصاص و الملاحة و الكبريت و النفط.

و في مصباح الفقيه عن القاموس: «المعدن كمجلس منبت الجواهر من ذهب و نحوه لإقامة اهله فيه دائما اولا نبات اللّه- تعالى- اياه فيه، و مكان كل شي‌ء فيه اصله» و عن النهاية الاثيرية في حديث بلال بن الحرث «انه اقطعه معادن القبلية المعادن: التى يستخرج منها جواهر الارض كالذهب و الفضة و النحاس و غير ذلك واحدها المعدن، و العدن:

الاقامة، و المعدن: مركز كل شي‌ء و منه الحديث».

و في الحدائق «في المغرب: عدن بالمكان اذا اقام به و منه المعدن لما خلقه اللّه- تعالى- في الارض من الذهب و الفضة لان الناس يقيمون فيه الصيف و الشتاء ... و هو اعم من ان يكون منطبعا كالنقدين و الحديد و الرصاص و الصفر او غير منطبع كالياقوت و العقيق و الكحل و الفيروزج و البلور و نحوها او مائعا كالقير و النفط و الكبريت، و الظاهر ان مجمله ما خرج عن حقيقة الارضية و لو بخاصية زائدة عليها».

43
کتاب الخمس و الأنفال

انواع المعادن ؛ ص : 42

..........

______________________________
و في التذكرة و المنتهى: «المعادن هى كل ما خرج من الارض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة».

و في الحدائق «قال في البيان بعد عدّ جملة مما ذكرناه: و كل ارض فيها خصوصيّة يعظم الانتفاع بها كالنورة و المغرة، و قال في الدروس:

حتى المغرة و الجص و النورة و طين الغسل و حجارة الرحى».

هذه بعض كلماتهم في المقام و المستفاد من النهاية و القاموس ان المعدن اسم للمحل لا للحالّ فيه، و ان له معنى عاما اعنى مركز كل شي‌ء و معنى خاصا اعنى محلّ الجواهر و نحوها، و انه عند الاطلاق ينصرف الى المعنى الثانى.

و المستفاد من المغرب كون المعدن اسما للحال و يوافقه في ذلك اخبار الباب و كلمات الاصحاب أيضا و الظاهر كونه بحسب الوضع اسما للمحل ثم استعمل في الحال مجازا بعلاقة الحال و المحل ثم صار حقيقة عرفية او شرعية بكثرة الاستعمال و كيف كان فهو المراد في المقام لأنه الموضوع للخمس بلا اشكال.

و انما الاشكال في ان المراد به خصوص الذهب و الفضة او مطلق الجواهر او مطلق ما تكون في الارض و لو كان مائعا بشرط خروجه عن حقيقة الارضية او مطلق ما تكون فيها و اشتمل على خصوصيّة يعظم الانتفاع بها و تصيّره ذا قيمة و ان لم يخرج بها عن حقيقة الارضية؟ وجوه محتملة بالنظر البدوى، و لكن تخصيصه بخصوص النقدين بلا وجه و كذا بخصوص الجواهر و ان اشعر به القاموس و النهاية فان اخبار الباب مشتملة على مثل النفط و الكبريت و الملح أيضا فيتعين التعميم لغير الجواهر أيضا و يدور الامر بين الاحتمالين الاخيرين و يرجع البحث الى انه هل يعتبر في المعدن في باب الخمس مضافا الى اشتماله على خصوصية يعظم الانتفاع بها و يصير بها ذا قيمة ان يصير خارجا بتلك الخصوصية عن حقيقة الارضية و يتبدل بها صورته النوعية او لا يعتبر ذلك فيشمل مثل حجارة الرحى‌

44
کتاب الخمس و الأنفال

انواع المعادن ؛ ص : 42

بل و الجصّ و النورة و طين الغسل و حجر الرحى و المغرة و هى الطين الاحمر على الاحوط و ان كان الاقوى عدم الخمس فيها من حيث المعدنية بل هى داخلة في ارباح المكاسب فيعتبر فيها الزيادة عن مئونة السنة و المدار على صدق كونه معدنا عرفا و اذا

______________________________
و المغرة و الجص قبل احتراقه بل كل موضع خاص من الارض تشتمل على خاصية زائدة كحجر خاص و رمل خاص و تراب مخصوص غير محترق او مستعدّ لان يصنع منه ظروف خاصة و نحو ذلك؟ يستفاد من التذكرة و المنتهى الاول و من البيان و الدروس و المسالك الثانى و قد مر الجميع غير المسالك.

و في المسالك: «المعادن جمع معدن و هو هنا كل ما استخرج من الارض مما كان منها بحيث يشتمل على خصوصية يعظم الانتفاع بها و منها الملح و الجص و طين الغسل و حجارة الرحى و المغرة».

اقول: ما اختاره الشهيدان من العموم هو الموافق للعرف العام عندنا كما لا يخفى على من تتبع المحاورات العرفية فان ثبت كونه موافقا لعرف العرب أيضا في عصر صدور الاخبار فهو و الا فالاصل يقتضى عدم تعلق الخمس بعنوان المعدنية في الموارد المشكوكة بعد اجمال اللفظ و اقتضاء عمومات ادلة الحيازة لدخول الجميع في ملك الحائز و لذا حكم المصنف بان الاقوى عدم الخمس فيها من حيث المعدنية، و ادعاء الاجماع في بعض المصاديق كالمغرة مثلا كما في الجواهر ناسبا له الى التذكرة بلا وجه اذ لعل اجماع التذكرة راجع الى اصل المسألة لا الى المصاديق، و نحن نقطع بعدم تحقق الاجماع الكاشف عن آراء المعصومين- عليهم السلام- في امثال هذه المصاديق. نعم لا اشكال في ثبوت الخمس في الموارد المشكوكة من باب ارباح المكاسب بعد استثناء مئونة السنة، هذا.

45
کتاب الخمس و الأنفال

وجوب الخمس في المعادن الظاهرة ؛ ص : 46

شك في الصدق لم يلحقه حكمها فلا يجب خمسه من هذه الحيثية بل يدخل في ارباح المكاسب و يجب خمسه اذا زادت عن مئونة السنة من غير اعتبار بلوغ النصاب فيه.

[وجوب الخمس في المعادن الظاهرة]

و لا فرق في وجوب اخراج خمس المعدن بين ان يكون في ارض مباحة او مملوكة. (1)

و بين ان يكون تحت الارض او على ظهرها (2) و لا بين ان يكون

______________________________
و لكن لأحد ان يقول ان كل ارض اشتملت على خصوصية زائدة و صارت بها ذات قيمة تصير بحسب نظر العرف من الاملاك العمومية المتعلقة بالاجتماع كسائر المعادن فتصير من الانفال و زمام اختيارها بيد الامام، و سيأتي منّا ان من المحتمل كون الخمس في المعادن و كذا الكنوز ميزانية اسلامية جعلت بازاء حيازة ما هى من الاموال العمومية و على هذا فلا يبقى فرق بين ما تبدلت صورته النوعية و غيره بعد اشتماله على خصوصية زائدة ذات قيمة، و هذا هو المتداول أيضا في الحكومات العصرية المتداولة حيث يجعلون ميزانية لهذا السنخ من الاراضى و يصرفونها في المصالح العمومية، فالاحوط اداء الخمس في امثال ذلك اذا صدق عليها المعدن في عرفنا من دون استثناء المؤونة.

(1) لإطلاق الادلة.

(2) اذا طلاق المعدن يشمل المعادن الظاهرة أيضا مضافا الى دلالة صحيحة محمد بن مسلم الواردة في حكم الملّاحة و تفسيرها على ثبوت الخمس في الظاهرة منها و دخولها في المعدن موضوعا او حكما و لا يهمنا البحث الموضوعى بعد وضوح الحكم و القطع بعدم خصوصيّة الملح ففى الوسائل عن الشيخ باسناده عن محمد بن مسلم قال: سألت ابا جعفر (ع) عن الملاحة فقال: و ما الملّاحة؟ فقلت: ارض سبخة مالحة يجتمع فيه الماء فيصير ملحا، فقال: هذا المعدن فيه الخمس، فقلت: و الكبريت و النفط يخرج من الارض قال: فقال: هذا و اشباهه فيه الخمس، و رواه‌

46
کتاب الخمس و الأنفال

وجوب الخمس على الصبى و المجنون و الكافر ؛ ص : 47

[وجوب الخمس على الصبى و المجنون و الكافر]

المخرج مسلما او كافرا ذميا بل و لو حربيا (1) و لا بين ان يكون بالغا او صبيا، و عاقلا او مجنونا (2) فيجب على وليهما اخراج الخمس (3) و يجوز للحاكم الشرعى اجبار الكافر على دفع الخمس مما اخرجه (4) و ان كان لو اسلم

______________________________
الصدوق باسناده عنه الا ان فيه: فقال: مثل المعدن فيه الخمس
«1».

(1) لإطلاق الادلة بعد اختيار عموم ادلة الحيازة للكافر أيضا و الا فيكون الجميع للإمام و للبحث عنه محل آخر.

(2) لإطلاق الادلة، و الخمس من احكام الوضع فلا يشترط بشرائط التكليف نظير الجنابة و الضمان و نحوهما.

(3) يجب على الولي حفظ مال الصغير و المجنون و صرفه في ما يصلحهما قطعا، و يجب عليه أيضا تخليص ما لهما من الحق الثابت فيه بالاشاعة مقدمة لجواز التصرف كسائر الاموال المشتركه كما يجب عليه الاداء أيضا اذا طالبه ولى الخمس كالحاكم.

و اما اذا لم يطالب الحاكم و لم يرد التصرف في مالهما أيضا فهل يجب عليه اداء الخمس من مالهما كما يجب على الكبير تخميس ماله؟

لأحد ان يمنع ذلك فان الوجوب المتعلق بالكبير من سنخ التكاليف التعبدية حيث ان الثابت في الزكاة و الخمس حكمان مستقلان: حكم وضعى و حكم تكليفى تعبدى لا يمتثل الا مع القربة، و الصغير و المجنون لا يتعلق بهما تكليف تعبدى كى يمتثله وليّهما، و لا وجه لتعلقه ابتداء بوليهما و الا لتعلق جميع تكاليف الصغار و المجانين بوليّهما. اللهم الا ان يقال بوجوب تخميس ما لهما رعاية لحقوق الناس كما يجب عليه اداء ديونهما من مالهما فتأمل.

(4) فانّه ولى المستحقين فله استيفاء اموالهم و حقوقهم، و مجرد‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

47
کتاب الخمس و الأنفال

نصاب المعدن ؛ ص : 48

سقط عنه مع عدم بقاء عينه (1)

[نصاب المعدن]

و يشترط في وجوب الخمس في المعدن بلوغ ما اخرجه عشرين دينارا (2)

______________________________
عدم صحة العمل من الكافر لكونه قربيا لا يوجب عدم استيفاء حقوق الناس منه حيث ان للزكاة و الخمس جهتين: جهة حق و جهة تكليف و مثله المسلم الممتنع، و بأخذ الحاكم و تعيينه يسقط وجوب الاداء بانتفاء موضوعه، فان تعيين الحاكم يوجب تعيّن ما اخذه بعنوان الزكاة او الخمس و ليس في المال زكاتان او خمسان فيفترق المقام عما اذا أدّى المكلف بنفسه بنحو غير صحيح كالرياء و نحوه فانه يجب عليه الاداء ثانيا اذ لم يتعين ما دفعه اولا بعد كونه بوجه غير صحيح، نعم له اعادة ماله اذا كان عينه موجودة، هذا.

و لا يخفى ان الكافر الذمى و المعاهد يعامل معهما ما يقرره الامام او الحاكم في عقد الذمة و المعاهدة فربما يشترط عليهم الزكوات و الاخماس أيضا و ربما يكتفى بالجزية فقط فتدبر.

(1) اذ الإسلام يجبّ ما قبله و من راجع سيرة النّبيّ (ص) يظهر له انه لم يكن يطالب من اسلم جديدا بزكواته و اخماسه السابقة و تفصيل المسألة في باب الزكاة فراجع.

(2) في المسألة اقوال ثلاثة: الاول عدم اعتبار النصاب. الثانى:

اعتبار بلوغه عشرين دينارا. الثالث: اعتبار بلوغه دينارا. نسب الاول الى اكثر القدماء، و ظاهر الخلاف و السرائر الاجماع عليه.

ففى الخلاف (المسألة 141): «قد بيّنا ان المعادن فيها الخمس و لا يراعى فيها النصاب (الزكاة خ. ل) و به قال الزهرى و ابو حنيفة كالركاز سواء الا ان الكنوز لا يجب فيها الخمس الا اذا بلغت الحد الذى تجب فيه الزكاة ... دليلنا اجماع الفرقة».

و في السرائر: «اجماع اصحابنا منعقد على استثناء الكنوز و اعتبار المقدار فيها و كذلك الغوص و لم يستثنوا غير هذين الجنسين فحسب بل‌

48
کتاب الخمس و الأنفال

نصاب المعدن ؛ ص : 48

..........

______________________________
اجماعهم منعقد على وجوب اخراج الخمس من المعادن جميعها على اختلاف اجناسها قليلا كان المعدن او كثيرا ذهبا كان او فضة من غير اعتبار مقدار و هذا اجماع منهم بغير خلاف»، هذا.

و لكن كثيرا من القدماء لم يتعرضوا للنصاب في المعادن لا انهم تعرضوا لعدم اعتباره فراجع، و ادعاء الاجماع موهون بعدم تعرض كثير من القدماء للمسألة و ذهاب مثل الشيخ في نهايته و مبسوطه و ابى الصلاح الى الخلاف، و اطلاق اخبار الباب يجب ان يقيد بالمقيد منها.

فيدور الامر بين القولين الاخيرين فاختار الاول منهما الشيخ و كثير من المتأخرين و الاخير منهما ابو الصلاح و بكل منهما رواية.

فالأولى صحيحة البزنطى قال: سألت ابا الحسن- عليه السلام- عما اخرج المعدن من قليل او كثير هل فيه شي‌ء؟ قال: ليس فيه شي‌ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا «1».

و الثانية: رواية البزنطى عن محمد بن على بن ابى عبد اللّه عن ابى الحسن (ع) قال: سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد، و عن معادن الذهب و الفضة هل فيها زكاة؟ فقال: اذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس «2».

و ربما يرجح الاولى بكونها صحيحة و كون محمد بن على في الثانية مجهولا، و فيه ان الراوى عنه هو البزنطى و هو من اصحاب الاجماع مضافا الى كون الرواية بعينها مدركا لاعتبار الدينار في الغوص فتكون معمولا بها عندهم.

و قال الشيخ في التهذيب: «لا تضاد بين الخبرين لان الاول تناول حكم المعادن و الثانى حكم ما يخرج من البحر» و كأنه- رحمه اللّه- حمل جواب الامام (ع) على الصدر لأنه كان المهم في نظر السائل‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب ما يجب فيه الخمس.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

49
کتاب الخمس و الأنفال

نصاب المعدن ؛ ص : 48

..........

______________________________
حيث ابتدأ به، و هذا و ان كان مخالفا للظاهر و لكنه لا مناص عن ارتكابه بعد صراحة الصحيحة في عدم وجوب شي‌ء في أقلّ من عشرين دينارا، و ربما حمل الخبر الثانى على الاستحباب أيضا، هذا.

مضافا الى شذوذ القول الاخير حيث لم يقل به الا ابو الصلاح و كيف كان فالرجحان لخبر العشرين.

نعم ربما يوهن خبر العشرين احتمال صدورها تقية وفقا لفتوى الشافعى و من تبعه حيث افتوا بوجوب الزكاة في معدن الذهب و الفضة فقط و عدم وجوب شي‌ء في غيرهما فيكون المراد بالشي‌ء في كلام السائل هو الزكاة و يكون الموصول في قوله (ع) «حتى يبلغ ما يكون» فاعلا للفعل و اريد به الذهب و الفضة، هذا.

و لكن يرد على ذلك ان الحمل على التقية خلاف الاصل فلا يصار اليه الا عند الضرورة، و لو كان الموصول فاعلا للفعل و اريد به الذهب و الفضة كان الاولى ان يقول: «ما يكون فيه» بدل قوله: «ما يكون في مثله» فالظاهر ان جواب الامام (ع) صدر لبيان نصاب الخمس في المعادن مطلقا.

و يؤيد ذلك ان الاعتبار يقتضى كون المعدن و الكنز من واد واحد و كون الحكم فيهما على وزان واحد و قد روى البزنطى بنفسه عن ابى الحسن الرضا (ع) قال: سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز، فقال:

ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس «1» و لعل السؤال و الجواب في المسألتين وقعا في مجلس واحد فيصير حديث الكنز شاهدا على ارادة الخمس من لفظ الشي‌ء في حديث المعدن، كما ان الظاهر من قول السائل في حديث المعدن «من قليل او كثير» ان محط نظره في السؤال كان حدّ ما فيه الشي‌ء و نصابه لا اصل ثبوت الشي‌ء فيصير شاهدا على ان المسؤول عنه في خبر الكنز أيضا هو النصاب لا اصل الجنس و النوع فليس‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

50
کتاب الخمس و الأنفال

استثناء مئونة الاخراج في المعدن ؛ ص : 51

[استثناء مئونة الاخراج في المعدن]

بعد استثناء مئونة الاخراج و التصفية و نحوهما (1) فلا يجب اذا كان المخرج أقلّ منه و ان كان الاحوط اخراجه اذا بلغ دينارا بل مطلقا.

______________________________
المراد ان الكنز ان كان من جنس الذهب و الفضة ثبت فيه الخمس بل المراد تعيين النصاب، و بالجملة فكل من الخبرين شاهد على الآخر و رافع لا جماله من جهة فتدبر.

«تنبيه» هل النصاب في المقام هو خصوص العشرين دينارا او يكفى بلوغ المالية مأتى درهم؟ في المستمسك ما حاصله: ان مقتضى اطلاق السؤال عن المعدن عموم السؤال للفضة و الذهب و غيرهما و حينئذ فالمراد مما يكون في مثله الزكاة هى المالية لا العين، و المالية تختلف باختلاف النصاب الملحوظ و انه نصاب الذهب او الفضة او اقلهما او اكثرهما فيكون الكلام مجملا لكن قوله (ع) بعده «عشرين دينارا» رافع لهذا الاجمال فيتعين التقويم به و لو في معدن الفضة.

أقول: اى داع للإمام- عليه السلام- في ان يقول اولا كلاما مجملا محتملا لأربعة وجوه ثم يرفع اجماله و هل هو بصدد ايراد المعمّى و اللغز؟!

فالظاهر ان في قوله- عليه السلام- «حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة» دلالة على دخالة هذه الحيثية و ان الاعتبار و العناية ببلوغ نصاب الزكاة فيكون قوله «عشرين دينارا» واردا مورد المثال، و يشهد لذلك ورود مثل الجواب في حديث الكنز أيضا بلا اضافة قوله «عشرين دينارا» و قد مرّ ان الاعتبار يقتضى تشابه المعدن و الكنز في الحكم، فالاحوط التخميس اذا بلغ المعدن بحسب المالية أقلّ النصابين و لا سيما في غير الذهب و الفضة و في الذهب بالنسبة الى نصاب الذهب و في الفضة بالنسبة الى نصاب الفضة.

(1) في المدارك: هذا الحكم مقطوع به في كلام الاصحاب.

51
کتاب الخمس و الأنفال

استثناء مئونة الاخراج في المعدن ؛ ص : 51

..........

______________________________
و في الخلاف (المسألة 139): «وقت وجوب الخمس في المعادن حين الاخذ و وقت الاخراج حين التصفية و الفراغ منه و يكون المؤونة و ما يلزم عليه من اصله و الخمس فيما يبقى ... و اما احتساب النفقة من اصله فعليه اجماع الفرقة».

و في التذكرة «مسألة يعتبر النصاب بعد المؤونة لأنها وصلة الى تحصيله و طريق الى تناوله فكانت منهما كالشريكين، و قال الشافعى و احمد: المؤونة على المخرج لأنه زكاة، و هو ممنوع». و في المنتهى أيضا نحو ذلك بلا تفاوت.

اقول: هاهنا مسألتان: الاولى: اصل استثناء المؤونة. و الثانية:

كون اعتبار النصاب قبلها او بعدها.

اما الاولى، فاستدل عليها بالإجماع و بروايات استثناء المؤونة، و بان المستفاد من الاخبار الواردة في تفسير آية الخمس و غيرها ان موضوع الخمس في جميع الموارد: من الغنائم الحربية و المعادن و الكنوز و ارباح المكاسب و نحوها، هو عنوان الغنيمة، و ظاهر انه لا يصدق الاغتنام و الاستفادة الا بعد اخراج مئونة التحصيل.

اقول: تحصيل الاجماع في المسألة غير المعنونة في كلمات كثير من الاصحاب بنحو يكشف عن اقوال المعصومين- عليهم السلام- مشكل بل ممتنع و ان ادعاه في الخلاف كما مر، و اخبار استثناء المؤونة مفسرة بشهادة بعضها بمؤونة الرجل و عياله المستثناة في ارباح المكاسب فيبقى الدليل الاخير و الظاهر كفايته لإثبات المقصود‌

و اما المسألة الثانية، فتحصيل الاجماع او عدم الخلاف فيها اشكل حيث لم تعنون في كلمات الاصحاب، و نظر العلامة في التذكرة و المنتهى الى المسألة الاولى لا هذه المسألة كما يظهر من استدلاله و مما حكاه عن الشافعى و احمد في قبال مختاره.

52
کتاب الخمس و الأنفال

لو اخرج المعدن دفعات ؛ ص : 53

[لو اخرج المعدن دفعات]

و لا يعتبر في الاخراج ان يكون دفعة فلو اخرج دفعات و كان المجموع نصابا وجب اخراج خمس المجموع (1) و ان اخرج أقلّ

______________________________
فما في الجواهر في المسألة الثانية، من ان ظاهر التذكرة و المنتهى كونها مجمعا عليها بيننا حيث نسب الخلاف فيهما الى الشافعى و احمد، يظهر فساده، هذا.

و لا يخفى ان مختار المدارك في المسألة كون اعتبار النصاب قبل المؤونة و يظهر من حكاية الجواهر و المصباح لكلامه عكس ذلك فراجع و عليك في المنقولات بمراجعة مداركها مهما تمكنت من ذلك.

و بالجملة فادعاء الاجماع في المسألة بلا وجه.

و استدل الشيخ الانصارى- قدس سرّه- على اعتبار النصاب بعد المؤونة بان الظاهر من قوله «ليس فيه شي‌ء حتى يبلغ عشرين دينارا» هو وجوب الخمس في تمام العشرين اذا بلغ اليه و لا يتصور ذلك الا بأن تخرج المؤونة قبلا.

و يرد عليه ان مفهوم كلامه- عليه السلام- ان المعدن اذا بلغ عشرين دينارا ففيه شي‌ء و قد ظهر في المسألة الاولى ان اصل اخراج المؤونة بلا اشكال و حينئذ فقيد «بعد المؤونة» اما ان يرجع الى الشرط اعنى «اذا بلغ» او يرجع الى الجزاء اعنى «ففيه شي‌ء» و لازم الاول اعتبار النصاب بعد المؤونة و لازم الثانى اعتباره قبلها و لا مرجح لأحد الاطلاقين فيتعارضان و يرجع الى اطلاقات ثبوت الخمس في المعدن و مقتضاها اعتبار النصاب اولا حيث ان اصل اخراج المؤونة متيقن و اما كون اعتبار النصاب أيضا بعدها فمشكوك فيه فالاحوط ان لم يكن اقوى اعتبار النصاب قبل المؤونة فتدبر.

(1) هل يعتبر في الاخراج او المخرج بالكسر او المخرج بالفتح او المخرج منه اعنى المعدن، الوحدة او يضم بعضها الى بعض في بلوغ‌

53
کتاب الخمس و الأنفال

لو اشترك جماعة في المعدن ؛ ص : 54

من النصاب فاعرض ثم عاد و بلغ المجموع نصابا فكذلك على الاحوط. (1)

[لو اشترك جماعة في المعدن]

و اذا اشترك جماعة في الاخراج و لم يبلغ حصة كل واحد منهم النصاب و لكن بلغ المجموع نصابا فالظاهر وجوب خمسه. (2)

______________________________
النصاب فهنا فروع اربعة لا بد ان يبحث عنها:

اما الاول فنقول: الاخراج ان كان دفعة او دفعات بلا تخلل اهمال و اعراض بينها او مع الاعراض و لكن اعرض بعد عن اعراضه و عاد الى شغله الاول فالظاهر شمول اطلاق صحيح البزنطى لجميع هذه الصور.

و اما اذا كان العود بنحو عدّ عملا ابتدائيا مستأنفا بأن طال مدّة الاهمال حتى صدق تعدد الاخراج عرفا فاختار الشيخ الانصارى وفاقا للعلامة و جماعة عدم الضم و اعتبار النصاب في كل منهما بدعوى انصراف الصحيحة الى الدفعة او الدفعات في حكم الواحد و هو الاقوى لو عدّا استغنامين مستقلين هذا.

و لكن يمكن ان يدعى شمول اطلاق الصحيحة لهذا الصورة أيضا و القول بان الانصراف المدعى بدوى منشأه انس الذهن و انسباقه الى الشي‌ء المستخرج من المعدن المجتمع عنده حتى يبلغ النصاب فلو فرض اجتماع محصّل الاستخراجين المستقلين لديه لا يشك في شمول الصحيحة له فتدبر.

(1) بل على الاقوى اذا بدا له و اعرض عن اعراضه و عاد الى شغله الاول كما مر.

(2) هذا هو الفرع الثانى من الفروع الاربعة و قد مال الحدائق و الجواهر و الشيخ في خمسه الى ضم حصة الشركاء و كفاية بلوغ المجموع نصابا و تبعهم المصنف و لكن الظاهر عدم الضم و اعتبار النصاب في نصيب كل منهم سواء اشتركوا في الاستخراج او استقل كل منهم بالاخراج منه لان الظاهر من الاخبار كما اشرنا اليه ان وجوب الخمس في الموارد المختلفة من المعدن و غيره انما هو من جهة عنوان الغنيمة، و كل واحد‌

54
کتاب الخمس و الأنفال

لو تعدد الجنس المخرج من المعدن ؛ ص : 55

[لو تعدد الجنس المخرج من المعدن]

و كذا لا يعتبر اتحاد جنس المخرج فلو اشتمل المعدن على جنسين او ازيد و بلغ قيمة المجموع نصابا وجب اخراجه. (1)

[لو تعددت المعادن]

نعم لو كان هناك معادن متعددة اعتبر في الخارج من كل

______________________________
من المكلفين موضوع مستقل و استغنامه يلحظ مستقلا، و بعبارة اخرى ليس نفس المعدن موضوعا للخمس حتى يقال: بان المعدن في المقام واحد و يشمله الصحيحة و انما الموضوع استغنام الانسان من المعدن و استخراجه له بما انه استفادة من استفاداته، و كل فرد من الافراد مكلف مستقل.

و يشهد لذلك ان الظاهر عدم الفرق بين صورة الشركة و غيرها لعدم التفاوت في شمول اطلاق الصحيحة لهما على القول به، و من البعيد جدّا ان يقال انه اذا استخرج احد ما دون النصاب بقليل و اعرض ثم ذهب آخر و استخرج المتمم صار عمله موجبا لتعلق الخمس به و بالاول.

فان قلت: الشركة واحد تجارى عرفا فيمكن ان تتفاوت مع المتعدد.

قلت: فرق بين الشركة و بين جهة واحدة كعنوان الدولة و نحوها اذا الشركة ليست امرا واحدا يعتبر له المال بل المال يعتبر للمتعدد اعنى الشركاء بنسبة سهامهم و هذا بخلاف العناوين و الجهات فان المال يعتبر لنفس الجهة، هذا فتدبر.

و يمكن ان يستأنس للمسألة من باب الزكاة أيضا اذ يعتبر في نصابها نصيب كل واحد من الشركاء.

(1) هذا هو الفرع الثالث و وجهه واضح فان الموضوع للخمس ليس خصوص عنوان المعدن فضلا عن خصوص عنوان الذهب او الفضة او نحوهما بل الموضوع هو الاستغنام و في المقام الاستغنام من المعدن بما انه معدن بلا نظر الى خصوص جنسه فلا يضر بوحدة الموضوع تعدد جنس المخرج.

55
کتاب الخمس و الأنفال

لو تعددت المعادن ؛ ص : 55

منها بلوغ النصاب دون المجموع (1) و ان كان الاحوط كفاية بلوغ المجموع خصوصا مع اتحاد جنس المخرج منها سيما مع تقاربها بل لا يخلو عن قوة مع الاتحاد و التقارب. (2)

______________________________
(1) هذا هو الفرع الرابع من الفروع الاربعة فنقول: المعادن المتعددة اما متباعدة و اما متقاربة و على الثانى فاما ان تكون بحيث تعدّ عرفا معدنا واحدا اولا، و على جميع الصور فاما ان تتحد اجناسها او تختلف.

و قد مرّ آنفا ان تعدد الجنس في باب المعادن لا يوجب تعدد الموضوع اصلا، و تقارب المعدنين أيضا لا يوجب تفاوتا في الحكم اذا لم يصل الى حدّ يعدان معدنا واحدا، و حينئذ فنقول: ان عدّ المعدنان واحدا عرفا فلا اشكال في الضّم و كفاية بلوغ المجموع نصابا.

و اما اذا تعددا عرفا فهل يضم احدهما الى الآخر؟ يمكن ان يقال:

ان الموضوع للخمس هو المعدن و يعتبر في الموضوع الوحدة فكل منهما يعدّ موضوعا مستقلا و هو الظاهر من الصحيحة و نحوها.

كما يمكن ان يقال: ان الموضوع ليس نفس المعدن بما هو شي‌ء مركوز في الارض بل الموضوع في باب الخمس هو استخراجه و الاستغنام منه في مقابل الاستغنام من الكنز او من التجارة فما هو الموضوع في الباب هو الاستغنام المعدنى فمن استغنم استغناما معدنيا تعلق به الخمس اذا بلغ ما استغنمه عشرين دينارا فلا يتفاوت في ذلك وحدة المعدن و تعدده نظير ما تراه في باب الزكاة من ضم ما حصل للإنسان من الغلّات في قرية الى ما حصل له في اخرى اذا بلغ مجموعهما النصاب، فالنظر في المقام أيضا الى جنس المعدن و طبيعته لا الى كل فرد فرد منه فتدبر.

(2) قد عرفت ان اتحاد الجنس و تعدّده و كذا التقارب لا يوجبان تفاوتا في الحكم، و على هذا فان صار التقارب موجبا لعدّهما معدنا واحدا فلا اشكال في الضم و في غير هذه الصورة الاحوط ضمهما و كفاية بلوغ المجموع نصابا و ان كان الاوجه عدم الضم لتبادر الوحدة و لا سيما من‌

56
کتاب الخمس و الأنفال

لو اخرج خمس تراب المعدن قبل التصفية ؛ ص : 57

و كذا لا يعتبر استمرار التكون و دوامه فلو كان معدن فيه مقدار ما يبلغ النصاب فاخرجه ثم انقطع جرى عليه الحكم بعد صدق كونه معدنا. (1)

[لو اخرج خمس تراب المعدن قبل التصفية]

(مسألة 6): لو اخرج خمس تراب المعدن قبل التصفية فان علم بتساوى الاجزاء في الاشتمال على الجوهر او بالزيادة فيما اخرجه خمسا أجزأ (2) و الا فلا لاحتمال زيادة الجوهر فيما يبقى عنده.

______________________________
صحيحة النصاب فتأمل.

(1) لإطلاق الادلة، و في الجواهر عن كشف الغطاء الاستشكال فيه و كأنه لدعوى الانصراف. و فيه انه بدوى بلا وجه.

(2) في المدارك: «لو اخرج خمس تراب المعدن لم يجزه لجواز اختلافه في الجوهر و لو علم التساوى جاز.»‌

و استشكل في الجواز صاحب الجواهر بظهور ذيل صحيحة زرارة في تعلق الخمس بعد التصفية حيث قال (ع): «ما عالجته بمالك ففيه ما اخرج اللّه- سبحانه- منه من حجارته مصفى الخمس». قال: و لذا صرح الاستاد في كشفه بعدم الاجزاء.

و في خمس الشيخ أيضا: «الظاهر ان اول وقته بعد التصفية فيما يحتاج اليها لظاهر الصحيحة.»‌

و ناقضهم في مصباح الفقيه فقال: «فعلى هذا لو نقله الى آخر ببيع او صلح قبل التصفية لا يجب الخمس على احدهما امّا على الاول فلإخراجه عن ملكه قبل تعلّق الخمس به و اما على الثانى فلانتقاله اليه بسائر الاسباب غير الموجبة للخمس.»‌

اقول: الظاهر ورود النقض عليهم و الخمس يجب على المستخرج قطعا فيعلم من ذلك ان التصفية ليست شرطا للوجوب، و مراده- عليه السلام- في صحيحة زرارة هو ان الخمس يلحظ بالنسبة الى نفس الجوهر لا الى التراب و الحجر، او انه يتعلق بما خلص له بعد وضع المؤونة‌

57
کتاب الخمس و الأنفال

ما اخرجه السيل او الحيوان ؛ ص : 58

[ما اخرجه السيل او الحيوان]

(مسألة 7): اذا وجد مقدارا من المعدن مخرجا مطروحا في الصحراء فان علم انه خرج من مثل السيل او الريح او نحوهما او علم ان المخرج له حيوان او انسان لم يخرج خمسه (1) وجب عليه اخراج خمسه على الاحوط اذا بلغ النصاب (2) بل الاحوط ذلك

______________________________
فتدبر.

و لعل ما ذكرناه أيضا هو مراد الشهيد في المسالك حيث قال:

و المعتبر اخراج خمسه مخرجا ان لم يفتقر الى سبك و تصفية و الا اعتبر بعدها، هذا.

و لكن مع ذلك الاحوط التأخير الى ما بعد التصفية لاحتمال عدم صدق الاغتنام قبلها.

(1) سواء قصد حيازته و تملكه او لم يقصد او شك في ذلك غاية الامر ان في الصورة الاولى يكون التخميس بنظر الحاكم و يجرى في البقية حكم اللقطة.

(2) في الجواهر: «و في كشف الاستاد: لو وجد شيئا من المعدن مطروحا في الصحراء فاخذه فلا خمس. و لعله لظهور الادلة في اعتبار الاخراج و ان كان للنظر فيه مجال ... و قد يشهد له في الجملة ما صرّح به غير واحد من الاصحاب من ان المعدن ان كان ملك مالك فاخرجه مخرجه كان المعدن لصاحب الارض و عليه الخمس ... اذ لا فرق عند التأمل بين المطروح و بين ذلك.»‌

اقول: العرف يفرّق قطعا بين ما استخرج من المعدن و لو بمباشرة الغاصب و بين ما طرح في الصحراء بالسيل و نحوه فالتقطه احد و لا سيما اذا ذهب به السيل في مكان بعيد و التقط بعد فصل بعيد فهما بنظر العرف سنخان متفاوتان من الاستفادة و ليس انسباق الثانى الى الذهن من اخبار الباب مثل الاول فاذا شك في شمول الادلة له فالاصل يقتضى عدم ثبوت الخمس فيه بعنوان المعدن، و القاء الخصوصية مع احتمال دخالتها في الحكم بلا وجه، هذا.

58
کتاب الخمس و الأنفال

هل المعادن من الانفال؟ ؛ ص : 59

و ان شك في ان الانسان المخرج له اخرج خمسه أم لا. (1)

[هل المعادن من الانفال؟]

(مسألة 8): لو كان المعدن في ارض مملوكة فهو لمالكها و اذا اخرجه غيره لم يملكه، بل يكون المخرج لصاحب الارض (2) و عليه الخمس من دون استثناء المؤونة لأنه لم يصرف عليه مئونة.

______________________________
و لكن اصل وجوب التخميس بلا اشكال بناء على وجوبه في مطلق الفائدة و انما الاشكال في اجراء حكم المعدن عليه، و الاحوط ان لم يكن اقوى اجراء حكمه عليه فتدبر.

(1) بل لعله اقوى لاستصحاب العدم سواء قصد الواجد له لحيازته و تملكه او لم يقصد او شك في ذلك غاية الامر كون التخميس في الصورة الاولى بنظر الحاكم و يعامل مع اربعة اخماس الاخر معاملة اللقطة كما مر، و التمسك باليد التى يكون حدوثها معلوم الخلاف على الملكية الطلقة مشكل و للبحث عنه مقام آخر.

(2) يتوقف البحث في هذه المسألة و المسألة الآتية على البحث عن مالك المعادن بنحو الاطلاق و انها هل تكون من الانفال اولا، و محل البحث عنها و ان كان باب الانفال و لكن لا محيص لنا عن البحث عنها هنا فنقول: اختلف الاصحاب فيها.

فمنهم من أطلق كونها من الانفال و انها للإمام كالمفيد و الشيخ و سلار و القاضى و جمع آخر.

و منهم من أطلق كونها من المباحات الاصلية و ان الناس فيها شرع سواء كالمحقق و الشهيد و جماعة.

و منهم من فصّل و جعلها تابعة للملك فما في ارض الانفال تكون منها و ما في الملك الخاص لكل احد تتبعه و ما في الارض المفتوحة عنوة أيضا تتبعها، نسب الى الحلى و جمع آخر.

و استدل للقول الاول بروايات: ففى موثقة اسحاق بن عمار المروية في تفسير على بن ابراهيم قال: سألت ابا عبد الله- عليه السلام- عن الانفال فقال: ... و ما كان من الارض بخربة لم يوجف عليه بخيل‌

59
کتاب الخمس و الأنفال

هل المعادن من الانفال؟ ؛ ص : 59

..........

______________________________
و لا ركاب، و كل ارض لا ربّ لها، و المعادن منها، و من مات و ليس له مولى فماله من الانفال.

و في خبر ابى بصير المروى في تفسير العياشى عن ابى جعفر- عليه السلام- في عداد الانفال: منها المعادن و الآجام.

و في خبر داود بن فرقد المروى فيه عن ابى عبد الله (ع): و الآجام و المعادن «1».

و في المستدرك من كتاب عاصم بن حميد الحناط عن ابى بصير عن ابى جعفر- عليه السلام- انه قال: ... و لنا الانفال قال: قلت له: و ما الانفال؟ قال: المعادن منها و الآجام و كل ارض لا رب لها ... «2».

و ربما يخدش في اطلاق الموثقة التى هى اهمها باحتمال عود الضمير في «منها» الى الارض التى لا رب لها لا الى الانفال و كون كلمة «منها» صفة للمعادن لا خبرا لها، هذا مضافا الى ابدالها في بعض النسخ ب‍ «فيها» بل ربما قيل: ان جعل كلمة منها خبرا للمعادن يوجب جعل الواو للاستيناف لا للعطف و هو خلاف الظاهر.

و لكن يمكن ان يرد ذلك بان يجعل كلمة منها خبرا لقوله:

«و ما كان من الارض» و يجعل ما بعده عطفا عليه عطف المفرد على المفرد.

و كيف كان فالاخبار دلّت على كون المعادن من الانفال.

و يمكن ان يؤيد هذا القول بالاعتبار أيضا فان المعمول به في جميع الدول و الحكومات جعل ما لا ربّ لها خصوصا مثل المعادن و البحار و البرارى و القفاز من الاموال العمومية المرتبطة بالحكومات فهي تتصرف فيها و تجعل منافعها في مصالح الملّة، و قد جعل في شريعتنا سنخ هذه‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 20، 28، 32.

(2)- المستدرك ج 1 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 1.

60
کتاب الخمس و الأنفال

هل المعادن من الانفال؟ ؛ ص : 59

..........

______________________________
الامور للإمام (ع) و قد عرفت منا ان حيثية الامامة في هذه الامور و كذا في الخمس اعتبرت تقييدية لا تعليلية فهي لمقام الامامة و حيثيتها بما هى كذلك و هو عبارة اخرى عن كونها لحكومة المسلمين و هل يجوّز احد ان يجعل الإسلام الذى هو دين العدالة و الانصاف جميع المعادن و الاراضى و الآجام و البحار و نحوها لشخص واحد بشخصه و هل لا ينافى ذلك قوله- تعالى-
«كَيْ لٰا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيٰاءِ مِنْكُمْ»؟ فالانفال و منها المعادن ملك لحيثية الامامة و حكومة المسلمين. و تصرف قهرا في ادارة شئونهم و هذا عين المعمول به في ساير الحكومات غاية الامر ان الحكومة في قانون الإسلام عندنا حكومة عادلة عالمة بمصالح الإسلام و المسلمين و من اهمّ مصالحهم ادارة شئون نفسه كما لا يخفى.

و سنخ المعادن أيضا سنخ ساير ما لا ربّ لها كالآجام و المفاوز و الجبال و اراضى الموات و نحوها فالظاهر كونها أيضا من الانفال، و الملاك فيها عدم مالك خصوصى لها فكل ما لم يتعلق بشخص خاص يتعلق بالعموم و ان شئت قلت: بالامام بما انه امام بمعنى ان زمام امره بيده يتصرف فيه كيف يشاء و لا يشاء الامام العادل العالم الا ما تقتضيه مصالح الإسلام و المسلمين فتدبر.

(ان قلت): مقتضى الاطلاق كون المعادن الواقعة في الاملاك الخصوصية أيضا من الانفال و هو خلاف مقتضى الملكية.

(قلت): لا نسلّم ان مقتضى ملكية احد لأرض مثلا كونه مالكا لها من تخوم الارض الى عنان السماء اذ الملكية امر اعتبارى، و المعتبر لها هم العقلاء و حدود موضوعها سعة و ضيقا أيضا تابعة لاعتبارهم و هم لا يعتبرون الملكية في مثل الدار و نحوها الا لساحتها و مرافقها المحتاجة اليها في الاستفادة منها، و منها الفضاء الى حدّ خاص يتعلق بهذه الدار، و ليست المعادن الواقعة في تخوم هذه الدار و كذا الفضاء الخارج عن المتعارف معدودا من توابعها و مرافقها، و هل ترى عبور الطائرات مثلا في‌

61
کتاب الخمس و الأنفال

هل المعادن من الانفال؟ ؛ ص : 59

..........

______________________________
جوّ سماء البلدان اذا علت و لم تزاحم ساكنى الدور تصرفا في ملك الغير؟

لا، و لكن عبورها من جوّ مملكة بلا اذن من واليها يعدّ عرفا تعديا و تصرفا في سلطان الغير.

و كذا الكلام بالنسبة الى المياه و المعادن الواقعة تحت ملك الغير فلو فرض مثلا استخراج المعدن المتكون تحت دار الغير او بستانه في عمق الف متر مثلا بلا تصرف في ملكه بان جعل مدخل المعدن في خارج ملكه، او حفر قناة او بئر في الخارج بحيث تستفيد من الماء المتكون تحت ملكه فهل يعدّ هذا تصرفا في ملك الغير؟

بل لأحد ان يقول: ان الانسان لا يملك اعتبارا و تشريعا الا ما ملكه تكوينا او ورثه او انتقل اليه من مالكه كذلك فان نظام التشريع المعقول ما ينطبق على نظام التكوين.

فالانسان يملك تكوينا لأعضائه و جوارحه و قواه المنبثة فيها، و لأفعاله الصادرة عنها و بتبعها لنتيجة افعاله، فهو مالك لصنعه و احيائه و حيازته و بتبع ذلك لمصنوعه و محوزه و محياته، فمن احيا ارضا ميتة فهي له بما انها محياة فهو مالك لحيثية الاحياء و آثاره الحياة لكونها نتيجة لفعله و لازم ذلك انه اذا زالت حيثية الاحياء و آثاره زال ملكه و عادت الارض الى حالتها الا ولى اعنى كونها للّه- تعالى- يورثها من يشاء من عباده فانه الخالق و المالك لها بالملكية التكوينية.

و تشهد لما ذكرنا في الارضين صحيحتا معاوية بن وهب و ابى خالد الكابلى فراجع «1» و التفصيل في محله.

نعم للمالك ان ينقل ما ملكه من حيثية الاحياء او الصنع او نحوهما الى غيره باحدى النواقل الاختيارية من البيع و الهبة و نحوهما كما انه ينتقل الى وارثه قهرا و لكن لا ينتقل الى المشترى مثلا او الوارث الا ما كان‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 17 الباب 3 من ابواب احياء الموات، الحديث 1، 2.

62
کتاب الخمس و الأنفال

هل المعادن من الانفال؟ ؛ ص : 59

..........

______________________________
له فمالكيتهما أيضا تدور مدار حياة الارض مثلا فان زالت تزل قهرا.

و من ذلك يمكن الاشكال فيما افتى به بعض، من التفصيل بين تملك الارض بالاحياء و تملكها بالشراء و نحوه فاختاروا زوال الملكية بزوال الحياة في الاول دون الثانى.

وجه الاشكال ان اساس مالكية الارض نوعا هو الاحياء، و الشراء و الارث و نحوهما متفرعة عليه فكيف يزيد الفرع على الاصل نعم يصح ما ذكروه فيما اذا انتقل اليه رقبة الارض من ناحية الامام مثلا هذا.

و يستنتج من جميع ما ذكرنا ان من احيا ارضا فجعلها دارا او مزرعة فلا يملك الا نتيجة عمله فلا تسع ملكيته للمعدن او الكنز الواقع في جوفهما الا اذا استخرجه و احياه بذلك فان احياء المعدن هو كشفه و استخراجه فما لم يستخرج يبقى على حالته الاولى من كونه من الاملاك العموميّة و ان شئت قلت: للّه- تعالى- يورثه من يشاء، و ان شئت قلت: للإمام بما انه امام، كل هذه التعبيرات ترجع الى معنى واحد.

و بالجملة ليس احياء الارض احياء للمعدن بل هو باق بعد على اشتراكه نعم ليس لكل احد الورود في دار الغير بعنوان استخراج المعدن و انما يكون ذلك الى الامام فيراعى فيه ما هو الصلاح، هذا.

و لو تنزّلنا عن القول الاول في المعادن فالاظهر هو القول الثالث اعنى تبعية المعادن للأرض الواقعة فيها.

و المحقق في كتاب احياء الموات من الشرائع مع استشكاله في كون المعادن من الانفال قال: «لو احيا ارضا فظهر فيها معدن ملكه تبعا لها لأنه من اجزائها».

اقول: هل المعدن جزء من الارض المحياة و ليس جزءا من ارض المسلمين او ارض الامام؟! فان كانت الجزئية من الارض ملاكا للملكية التبعية كان مقتضاه عدّ المعدن الواقع في الانفال من الانفال أيضا و هو القول الثالث في المسألة.

63
کتاب الخمس و الأنفال

هل المعادن من الانفال؟ ؛ ص : 59

..........

______________________________
و اما القول الثانى فاستدل له في الجواهر بما حاصله: «ان المشهور نقلا و تحصيلا على ان الناس فيها شرع سواء، مضافا الى السيرة المستمرة في سائر الاعصار و الامصار في زمن تسلّطهم- عليهم السلام- و غيره على الاخذ منها بلا اذن حتى ما كان في الموات او في المفتوحة عنوة فانه و ان كان ينبغى ان يتبعهما الّا ان السيرة المزبورة العاضدة للشهرة المذكورة، و لقوله- تعالى-
«خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ»، و لشدّة حاجة الناس الى بعضها على وجه يتوقف عليه معاشهم نحو الماء و النار و الكلأ، يوجب الخروج عن ذلك.» انتهى ما ذكره في احياء الموات.

و استدل عليه في باب الانفال بالاصل و السيرة و اشعار اطلاق اخبار الخمس في المعادن ضرورة انه لا معنى لوجوبه على الغير و هى ملك للإمام.

اقول: ادعاء الشهرة مع مصير جمع كثير من الاساطين كالشيخ و المفيد و سلّار و غيرهم الى الخلاف بلا وجه، و السيرة المدّعاة تحققت في سائر الانفال أيضا فان اراضى الموات مثلا من الانفال قطعا و قد استمرّت السيرة في جميع الاعصار على احيائها و التصرف فيها. و وجهه عدم التزام عموم الناس بكونها من الانفال و عدم اعتنائهم بشأن الأئمة- عليهم السلام-، و الشيعة و هم القليلون من الناس لعلهم كانوا يستأذنون من الأئمة (ع) او لعلّهم وقفوا على تحليلهم لشيعتهم.

و قولنا: ان الموات و المعادن من الانفال لا نريد به ان الائمة (ع) يحبسون جميع الناس عن التصرف فيها و يحبسونها عنهم بل نريد به كما ذكرنا ان زمام امرها بايديهم فهي تحيى و يستفاد منها باذنهم و نظرهم بلا اجرة او باجرة حسب ما تقتضيه مصالح الإسلام و المسلمين.

كيف و الفرار من الهرج و المرج أيضا يستدعى جعل زمام الاملاك العموميّة بيد ولىّ المجتمع، فاتضح بذلك بطلان استدلاله (ره) بالآية الشريفة و بشدّة حاجة الناس الى المعادن حيث ان خلقها للناس‌

64
کتاب الخمس و الأنفال

هل المعادن من الانفال؟ ؛ ص : 59

..........

______________________________
و شدّة حاجتهم اليها لا ينافيان كونها من الانفال فان الانفال كما عرفت ليست من الاموال الشخصية للإمام- عليه السلام- بل هى من الاموال العمومية و لكن زمام امرها بيد الامام و هو لا يحبسها عند حاجة الناس اليها بل يراعى فيها ما يقتضيه مصالح المسلمين.

و كون المعادن من الانفال و باختيار الامام لا يوجب عدم استخراجها بل الامام العالم العادل يقطعها الى من يستخرجها و يستفيد منها بنحو لا يضر بالاسلام و المسلمين بل يفيدهم و يشدّ ازرهم.

الا ترى ان الموات من الاراضى و بطون الاودية و الجبال و الآجام جعلت كلّها من الانفال و للإمام مع انها مما يحتاج اليها الناس جدّا في طول القرون و الاعصار، فمعنى كونها للإمام ان زمام امرها بيده و هو يقطعها للناس بلا اجرة او باجرة حسب ما يراه مصلحة، فاى فرق بين المعادن و بين ما ذكر؟!.

و اما جعل الخمس على من استخرجها مع تحقق الشروط فاما ان يكون من قبل الائمة (ع) بعنوان العوض و حق الاقطاع فيكون نفس ذلك اذنا منهم في استخراجها بازاء تادية الخمس منها، او يكون حكما شرعيا الهيا ثابتا على فرض استخراجها بالاذن منهم و لو بسبب التحليل المطلق في عصر الغيبة.

و كونه بعنوان حق الاقطاع لا يقتضى اختصاص الامام- عليه السلام- به و عدم صرفه الى السادة كما توهم بل هو تابع لكيفية جعل الامام، مضافا الى ما يأتى منّا فى محله من احتمال كون الخمس بأجمعه حقا وحدانيا ثابتا للّه- تعالى- و في طوله للرسول و في طول ذلك للإمام مثل الانفال غاية الامر لزوم ادارة شئون السادة منه من ناحية الامام كما يشهد بذلك بعض الروايات الآتية في محلها فانتظر.

و بالجملة الاقوى كون المعادن من الانفال فهي لا تستخرج الا باذن الامام خصوصا او عموما، و في عصر الغيبة يكون زمام اختيار الانفال‌

65
کتاب الخمس و الأنفال

حكم المعدن في المفتوحة عنوة ؛ ص : 66

[حكم المعدن في المفتوحة عنوة]

(مسألة 9): اذا كان المعدن في معمور الارض المفتوحة عنوة التى هى للمسلمين فاخرجه احد من المسلمين ملكه (1) و عليه

______________________________
و منها المعادن بيد حاكم الإسلام بشرائطه كما ان زمام امر الخمس بأجمعه أيضا بيده.

و التحليل المطلق منهم- عليهم السلام- للأنفال لشيعتهم لا ينافى جواز دخالة الحاكم الشرعى في صورة بسط يده فان الظاهر كون مرادهم- عليهم السلام- التوسعة لشيعتهم في قبال خلفاء الجور.

و الحكومة العادلة العالمة بمصالح الإسلام و المسلمين ضرورية للمسلمين في جميع الاعصار لا محيص لهم عنها و لا يجوز التفوّه باهمال الإسلام لها و عدم الاهتمام بشأنها حيث ان بفقدانها يتفرق جمع المسلمين و يصدع شعبهم و يستولى عليهم الكفار و الاشرار و يبقى اكثر قوانين الإسلام مهمله معطّلة غير مجراة.

و الخمس انما يتعلق بمن استخرج المعادن بجعل اللّه- تعالى- او بجعل ولىّ الامر بعد كون تصرفه فيها باذنه خصوصا او عموما فتدبر.

نعم لا نأبى مع ذلك عن كون المالك الشخصى للأرض المملوكة احق باستخراج المعدن الموجود فيها ان تمكن من ذلك و كان استخراجه متوقفا على التصرف فيها و لكن يراعى فيه بخصوصه اذن الامام او الحاكم خصوصا او عموما كسائر الانفال، و لكن لو اخرجه غيره فصيرورته ملكا لمالك الارض قهرا مشكل جدّا لما عرفت من كونه بنفسه من الانفال، و تملكه يحتاج الى القصد مضافا الى اذن الامام.

(1) في الجواهر، القطع بملك المسلم اذا اخرجه منه قال:

«و لعله لأنه بنفسه في حكم الموات و ان كان في ارض معمورة منها بغرس او زرع».

اقول: الظاهر لزوم اذن ولى الامر خصوصا او عموما سواء قلنا بكونه من الانفال كما اخترناه او قيل بكونه تابعا للملك كما اختاره الجماعة و يظهر وجهه ممّا اسلفناه.

66
کتاب الخمس و الأنفال

حكم استخراج الكفار للمعادن ؛ ص : 67

الخمس

[حكم استخراج الكفار للمعادن]

و ان اخرجه غير المسلم ففى تملكه اشكال (1) و اما اذا كان في الارض الموات حال الفتح فالظاهر ان الكافر أيضا يملكه و عليه الخمس. (2)

[استيجار الغير لإخراج المعادن]

(مسألة 10): يجوز استيجار الغير لإخراج المعدن فيملكه المستأجر و ان قصد الاجير تملكه لم يملكه (3)

______________________________
(1) لا اشكال فيه ان اذن له ولى امر المسلمين نعم ذكر الشيخ في الخلاف (في المسألة 143): «الذمى اذا عمل في المعدن يمنع منه فان خالف و اخرج شيئا منه ملكه و يؤخذ منه الخمس ...».

اقول: لا وجه لمنعه الا اذا كان المعدن ملكا للمسلمين او للإمام و لم يأذن له ولىّ الامر و حينئذ فلا وجه للقول بملكه، و بالجملة لا يرى وجه للجمع بين المنع و بين ملكه له.

اللهم الا ان يقال: ان المعدن من المباحات و المشتركات و الذمى مالك تكوينا لفعله فيملك قهرا نتيجة فعله و لكن يجب على حاكم المسلمين منعه عن توسعة ماله و نطاقه حذرا من سيطرتهم و استيلائهم على المسلمين اقتصاديا و سياسيا كما نجده اليوم فتدبر.

(2) تفصيل المسألة موكول الى باب الانفال و ملخصه كما عرفت ان الانفال و منها المعادن للحكومة الاسلامية الحقة و زمام امرها بيد الحاكم فيجب ان يراعى فيها ما هو صلاح الإسلام و المسلمين و لعلّ صلاحهم في مورد اقتضى اقطاع الكفار للمعادن فان اقطعهم الامام العادل او نائبه فلا اشكال و الا فلا يملكون.

نعم هل يشمل عمومات باب احياء الموات لهم اولا؟ و هل مساغ هذه العمومات مساغ الحكم الشرعى او الاذن الحكومى؟ محل بحثه كتاب احياء الموات، و الظاهر عندى عاجلا ان مساغها مساغ الاذن و شمولها للكافر مشكل فراجع.

(3) قبل البحث في متن المسألة نقدّم البحث في امرين:

67
کتاب الخمس و الأنفال

حكم استخراج الكفار للمعادن ؛ ص : 67

..........

______________________________
«الامر الاول»: هل الحيازة للمباحات و كذا احياء الموات تقبل النيابة اولا؟ فنقول: قد عدّ المحقق في كتاب الوكالة من الشرائع في عداد ما لا تقبل النيابة «الالتقاط و الاحتطاب و الاحتشاش».

و لكنه قال في كتاب الشركة منه: «التاسعة اذا استأجر للاحتطاب او الاحتشاش او للاصطياد مدّة معيّنة صحت الاجارة و يملك المستأجر ما يحصل من ذلك في تلك المدّة».

و في الجواهر حكى عن جامع المقاصد الاستشكال عليه بانه على القول بعدم صحة التوكيل في الحيازة لا يتصور صحة الاجارة ثم قال: «قلت قد يمنع التلازم و يكون حينئذ ملك المباح في الفرض من توابع ملك العمل بالاجارة و هو غير التملك بالنيابة في الحيازة».

اقول: الاقوى قبول العناوين المذكورة للنيابة فانها من سنخ القبض القابل لها قطعا، و يشهد بذلك ارتكاز العرف و العقلاء أيضا، و الظاهر انه ليس للشرع تأسيس في هذا السنخ من الامور فيكفى فيها عدم ردعه عنها، هذا.

و اما التفكيك بين النيابة و الاجارة في النتيجة فمشكل و ان اختلفا في شمول دليل الحيازة، بيان ذلك: ان حقيقة النيابة تنزيل النائب نفسه منزلة المنوب عنه بحيث يسند العمل بعد التنزيل الى المنوب عنه لا النائب فعمل النائب هو التنزيل فقط و اما الحيازة مثلا فتسند الى المنوب عنه و يشمله عموم القاعدة المصطادة من النصوص اعنى «من حاز ملك».

و اما الاستيجار فيمكن ان يوجر الانسان نفسه على النيابة فيكون في الصحة تابعا لها و يمكن ان يوجر نفسه على نفس العمل اعنى الحيازة مثلا فتكون الحيازة حينئذ مسندة الى نفس الموجر لا المستأجر غاية الامر انّه صار مالكا لعمل الموجر بسبب عقد الاجارة.

و حيث ان المحوز نتيجة للعمل اعنى الحيازة فهو يصير ملكا لمن هو مالك للعمل فعلا كما يملك السيد نتيجة عمل عبده بتبع مالكيته‌

68
کتاب الخمس و الأنفال

حكم استخراج الكفار للمعادن ؛ ص : 67

..........

______________________________
لعمله.

و بالجملة لا يشمل قولنا «من حاز ملك» على هذا الفرض للمستأجر فان الحائز هو الموجر لا المستأجر غاية الامر ان عمومات باب الاجارة توجب تحقق العمل ملكا للمستأجر و بتبعه يملك المحوز أيضا و قد ثبت في باب الاجارة ان حقيقتها اضافة متعلقة بالعين بحيث يكون نتيجتها تحقق المنفعة من حين وجودها في ملك المستأجر اللهم الا ان يراد من قولنا «من حاز ملك» ان من ملك الحيازة ملك المحوز فتدبر.

«الامر الثانى»: هل يشترط في سببية الحيازة او الاحياء للملكية قصد الملكية او لا؟ مقتضى اطلاق الادلة كقوله: «من أحيا ارضا مواتا فهي له» و نحو ذلك العدم.

و ربما يستدل للاشتراط بوجهين: الاول ما افتى به الاصحاب تبعا للأخبار الخاصة من كون ما يوجد في جوف السمكة المبيعة ملكا للمشترى اذ لو كان نفس الحيازة كافية في تحقق الملكية كان مقتضاه كون ما يوجد في جوفه ملكا للبائع لحيازته له و عدم وقوع العقد عليه.

الثانى: انّه لو كان نفس الحيازة باطلاقها سببا للملكية كان مقتضاه مالكية الوكيل او الاجير الخاص لما حازه بنيّة الموكّل او المستأجر.

و يدفع الاول بأن ما يوجد في جوف السمكة لم تقع اليد عليه مستقلا بل تبعا و بلا توجه اليه فامّا ان يقال: بعدم كفاية الحيازة التبعية في حصول الملكية و اما ان يقال بتبعية في البيع أيضا حيث ان البائع باع كل ما حازه، و على اى حال فهو يصير بعد البيع ملكا للمشترى.

و يدفع الثانى اولا بان قبول الحيازة و نحوها للنيابة اول الكلام عند القوم، و ثانيا ان مالكية الموكل لما حازه الوكيل انما هو من جهة انّ العمل بعد قصد النيابة يصير عملا للمنوب عنه لا النائب، و مالكية المستأجر لما حازه الاجير انما هو من جهة مالكيته لعمله بالاجارة كما مر شرح ذلك فلا يستفاد من ذلك اشتراط قصد الملكية في حصولها.

69
کتاب الخمس و الأنفال

حكم استخراج الكفار للمعادن ؛ ص : 67

..........

______________________________
و بالجملة مقتضى اطلاق ادلة الحيازة و احياء الموات عدم اشتراط قصد التملك و ان افتى به الشيخ في المبسوط حيث قال: «اذا نزل قوم موضعا من الموات فحفروا فيه بئرا ليشربوا منها و يسقوا بهائمهم و مواشيهم منها مدّة مقامهم و لم يقصدوا التملك بالاحياء فانهم لا يملكونها لان المحيى لا يملك بالاحياء الا اذا قصد تملكه به.»‌

اقول: اعتبار الملكية الاعتبارية بيد الشرع و العقلاء، و الاعتبار الصحيح يبتنى عند العقلاء على حيثية تكوينية و هى في المقام نفس الحيازة التى هى التسلط التكوينى على الشي‌ء بحيث يتصرف فيه كيف يشاء بشرط ان لا يكون مسبوقا بملكية الغير. نعم يمكن ان يقال ان نفس الحيازة التكوينية تتوقف على القصد كما اختاره صاحب الجواهر.

فان قلت: الحيازة امر خارجى تكوينى و ليست من العناوين القصدية.

قلت: عنوان الحيازة انما تنتزع من التسلط الخارجى مع قصد بقائه و هو الموضوع لاعتبار الملكية الا ترى انه لا يعتبر الملكية لمن حوّل حجرا او حشيشا عن موضع من الطريق بقصد التمكن من عبوره فتدبر.

اذا عرفت هذا فنقول: الوجوه المتصورة بدوا في سببية الحيازة للملك ثلاثة:

الاول: ان تكون سببا لملك نفس الحائز مباشرة سواء قصد نفسه او غيره او لم يقصد. الثانى: ان تكون سببا لملك من كان مالكا لعمل الحيازة فيكون المحاز تابعا لها في الملكية تبعية الثمرة للشجرة و مصنوع العبد لصنعه. الثالث: ان تكون سببا لملك من قصد وقوعها له من النفس او الغير. و حيث اخترنا قبول الحيازة للنيابة و الاستيجار فالاحتمال الاول ساقط، و مقتضى الاحتمال الثالث وقوعها لمن قصد له و لو تبرعا، و الالتزام به مشكل فانه تصرف في سلطنة الغير بغير اذنه و الناس مسلّطون على انفسهم فيقوى الوجه الثانى و مقتضاه دخول المحاز في ملك نفسه ان لم‌

70
کتاب الخمس و الأنفال

حكم استخراج الكفار للمعادن ؛ ص : 67

(مسألة 11): اذا كان المخرج عبدا، كان ما اخرجه لمولاه و عليه الخمس (1).

______________________________
يكن اجيرا للغير و الا وقع في ملك المستأجر كما افتى به المصنف في المتن و هذا من غير فرق بين ان يقصد نفسه او المستأجر او غيرهما.

نعم يشترط في ذلك ان يكون متعلق الاجارة عمله الخاص الخارجى الواقع في زمان خاص او جميع اعماله الخارجية في زمان خاص، و اما اذا كان كليا في ذمته فلا محالة يكون انطباقه على الفرد متقوما بقصده فلو لم يقصد المستأجر لم يقع له، هذا.

و في حاشية الاستاذ المرحوم العلامة البروجردى- طاب ثراه- في كتاب الاجارة من العروة: «ان صرف كون عمله الخاص او جميع اعماله للمستأجر لا يجعله كأحد مخازنه الجمادية يكون كلما دخل فيه صار تحت استيلائه قهرا بل هو بعد انسان له عمل و ارادة و عناوين اعماله تابعة لإرادته ...»‌

اقول: نعم و لكنه باختياره و ارادته ملّك المستأجر عمله الخاص في زمان خاص فهو يوجد قهرا في ملك المستأجر نظير عمل العبد الذى يوجد في ملك مولاه.

فان قلت: العمل قبل وجوده ليس خاصا و مشخّصا بل هو كلى يتعين بالقصد فان الشي‌ء ما لم يوجد لم يتشخص.

قلت: نعم هو كذلك بالدقة الفلسفية و لكن الاعتبار بنظر العرف، و لهما بنظر هم تعيين متعلق الاجارة بحيث يتعين و يشخص و لا يوجد العمل الا في ملك المستأجر.

و الحاصل ان متعلق الاجارة ان كان جعل الموجر عمله الخاص للمستأجر كان هذا تابعا لجعله و قصده و ان كان مفاد الاجارة تمليك عمله الخاص للمستأجر كان مقتضاه وقوعه له قهرا بمقتضى عمومات الاجارة، و يترتب عليه مالكية المستأجر لنتيجة العمل أيضا.

(1) لأنه نتيجة عمله فتتبعه في الملكية، و المولى يملك رقبة‌

71
کتاب الخمس و الأنفال

لو عمل في المعدن قبل اخراج خمسه ؛ ص : 72

[لو عمل في المعدن قبل اخراج خمسه]

(مسألة 12): اذا عمل فيما اخرجه قبل اخراج خمسه عملا يوجب زيادة قيمته كما اذا ضربه دراهم او دنانير او جعله حليّا او كان مثل الياقوت و العقيق فحكّه فصّا مثلا اعتبر في اخراج خمس (الخمس ظ) مادّته (1) فيقوم حينئذ سبيكة او غير محكوك مثلا و يخرج خمسه، و كذا لو اتجر به فربح قبل ان يخرج خمسه ناويا الاخراج من مال آخر (2) ثم ادّاه من مال آخر.

و اما اذا اتّجر به من غير نية الاخراج من غيره فالظاهر ان الربح مشترك بينه و بين ارباب الخمس (3).

______________________________
العبد و قواه و اعماله.

(1) في المدارك: «لو لم يخرج من المعدن حتى عمله دراهم او دنانير او حليّا اعتبر في الاصل نصاب المعدن و يتعلق بالزائد حكم المكاسب.» و نحوه ما في المسالك و الجواهر.

و لا يخفى وجود تفاوت ما بين كلماتهم و بين كلام المصنف اذ المستفاد من عبارة المصنف تحقق العمل بعد الاخراج فيوجب تأخيرا ما في الاداء بخلاف عبارات القوم.

و كيف كان فالعمل و ان لم يوجب تأخير الخمس و لم يقع محرما و لكن على فرض تعلق الخمس بالعين بنحو الشركة، يجب في التخميس اعتبار المادة و الصورة معا اذا لم يقع العمل باذن الحاكم نعم في اعتبار النصاب لا يقوّم الا المادّة اللهم الا ان يقال بعدم تعلق الخمس الا بعد تحقق الاخراج فتكون الصورة الموجدة قبل تحققه ممحضة لنفسه و تدخل في المكاسب و اما الصورة الموجدة بعد تحققه فتقع بالنسبة الى الخمس ملكا لأرباب الخمس بلا استحقاق الاجرة لكون العمل فضوليّا فتدبر.

(2) لا دليل على كفاية نية الاخراج في خروج المال من الاشاعة فلا فرق بين هذه الصورة و الصورة الآتية بناء على الاشاعة و الشركة.

(3) ان اجازه الحاكم و الا فمقتضى القاعدة بطلان المعاملة‌

72
کتاب الخمس و الأنفال

لو شك في بلوغ المعدن النصاب ؛ ص : 73

[لو شك في بلوغ المعدن النصاب]

(مسألة 13): اذا شكّ في بلوغ النصاب و عدمه فالاحوط الاختبار. (1)

______________________________
بالنسبة الى الخمس على القول بالاشاعة فيرجع ولى امر الخمس الى المشترى و يرجع هو الى البائع مع الجهل او بقاء العين، هذا.

و مقتضى رواية الحرث بن حصيرة الازدى «1». حيث قال امير المؤمنين- عليه السلام- لصاحب الركاز الذى باعه و اخذ ثمنه: «ادّ خمس ما اخذت فان الخمس عليك فانك انت الذى وجدت الركاز و ليس على الآخر شي‌ء لأنه انما اخذ ثمن غنمه»، صحة المعاملة و كون الخمس على البائع متعلقا بالثمن الذى اخذه.

و يرد عليها مضافا الى ضعف السند انه لا يمكن تصحيح ذلك لا على الاشاعة و لا على سائر الوجوه اذ لا وجه لكون الثمن متعلقا للخمس اللهم الا ان يكون متعلق الخمس المالية السيّارة و هو بعيد.

و يمكن ان توجّه الرواية بتنفيذ على- عليه السلام- للمعاملة الواقعة بالنسبة الى الخمس، و لعل مراده (ع) بقوله مخاطبا للبائع «فان الخمس عليك» ان قراره بالاخرة عليه، هذا.

و لو باع ثم ادّى الخمس من مال آخر فهل يوجب ذلك صحة المعاملة بالنسبة الى الخمس مع الاجازة اللاحقة منه او بلا اجازة او لا يوجب الصحة اصلا؟ في المسألة وجوه مذكورة في مسألة من باع ثم ملك.

(1) اقول: استصحاب العدم يقتضى عدم بلوغ النصاب، و نظيره باب الزكاة و باب الحج في من شكّ في بلوغ ماله بحد الاستطاعة، و الشبهة في المقامات شبهة موضوعية فلا حد ان يقول: لا دليل على وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية بعد اطلاق ادلة الاصول و عمومها لما قبل الفحص أيضا و لا سيما الاستصحاب الذى هو من الاصول المحرزة فلو توقفنا في‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 6 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

73
کتاب الخمس و الأنفال

لو شك في بلوغ المعدن النصاب ؛ ص : 73

..........

______________________________
اجراء ادلة البراءة و لا سيما العقلية منها قبل الفحص فلا وجه للتوقف في اجراء الاستصحاب بعد عموم ادلته، و ادلة وجوب التعلم ترتبط بتعلّم الاحكام لا الموضوعات. و الشيخ- قدس سره- في الرسائل ادعى عدم الاشكال و عدم الخلاف في عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية التحريمية ثم نقل كلمات الاصحاب في الوجوبية منها.

و محصل ما ذكروه دليلا لوجوب الفحص فيها امران:

الاول: ما يستفاد من كلام صاحبى المعالم و القوانين، و حاصله ان الواجبات المشروطة بوجود شي‌ء كالحج بالنسبة الى الاستطاعة مثلا انّما يتوقّف وجوبها على وجود الشرط واقعا لا على العلم بوجوده فهي بالنسبة الى العلم مطلق لا مشروط.

الثاني: ما اشار اليه صاحب الجواهر (في مسألة الدراهم المغشوشة اذا توقف العلم بكون خالصها بحد النصاب على سبكها) و اختاره الشيخ في الرسائل و حاصله: انه اذا كان العلم بالموضوع المنوط به التكليف يتوقف كثيرا على الفحص بحيث لو اهمل الفحص لزم الوقوع في مخالفة التكليف كثيرا تعيّن حينئذ بحكم العقلاء اعتبار الفحص.

و اجيب عن الاول بان الشك في وجود الشرط يوجب الشك في وجود التكليف المشروط به فينفى بالاصل بل مقتضى استصحاب العدم نفى نفس الشرط.

و عن الثانى بان كون اجراء الاصول في مجاريها موجبا لحصول المخالفة كثيرا لا يقتضى ايجاب الاحتياط على من لا يعلم بتنجز التكليف عليه في خصوص المورد الذى هو محل ابتلائه.

اقول: موضوع الاصول العملية هو الشك و الظاهر ان المراد به ليس نفس الترديد بما هو صفة نفسانية بل يراد به التحيّر و عدم الحجة على الواقع كما ان العلم يراد به احراز الواقع و الحجة عليه، و لا يقال لمن شك فعلا و لكن يمكن له رفع شكّه بأدنى توجّه و فحص: انه متحير في وظيفته و‌

74
کتاب الخمس و الأنفال

الثالث: الكنز ؛ ص : 75

 

[الثالث: الكنز]

[معنى الكنز]

الثالث: الكنز (1) و هو المال المذخور في الارض او الجبل

______________________________
بعبارة اخرى من يكون علمه في كيسه و مفتاح علمه بيده لا يسمى شاكّا و متحيرا و لا يكون عدم علمه بالواقع عذرا له عند العقلاء و هذا من غير فرق بين الشبهات التحريمية و الوجوبية، و المسألة لم تكن معنونة في كلمات الاصحاب حتى يتمسك فيها بعدم الخلاف.

نعم يستفاد من الاخبار و عمل الائمة- عليهم السلام- عدم وجوب الفحص في باب الطهارة و النجاسة و اما سائر الموارد فالاحوط فيها هو الفحص و لا سيما في الشبهات الوجوبية فتدبر.

(1) بلا خلاف بين الفريقين قال في الخلاف (في المسألة 145 من الزكاة): «الركاز و هو الكنز المدفون يجب فيه الخمس بلا خلاف و يراعى عندنا فيه ان يبلغ نصابا يجب في مثله الزكاة و هو قول الشافعى في الجديد و قال في القديم: يخمّس قليله و كثيره و به قال مالك و ابو حنيفة، دليلنا اجماع الفرقة».

نعم في مصرفه عند العامة خلاف قال في الخلاف (في المسألة 151): «مصرف الخمس من الركاز و المعادن مصرف الفي‌ء و به قال ابو حنيفة و قال الشافعى و اكثر اصحابه: مصرفها مصرف الزكاة و به قال مالك و الليث بن سعد ...».

و كيف كان فثبوت الخمس في الكنز عندنا بلا اشكال و لا خلاف و يدل عليه الاخبار المستفيضة.

منها ما رواه الصدوق باسناده عن الحلبى انه سأل ابا عبد الله- عليه السلام- عن الكنز كم فيه؟ فقال: الخمس.

و منها ما رواه باسناده عن البزنطى عن ابى الحسن الرضا (ع) قال سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس.

و منها ما رواه باسناده عن حماد بن عمرو و انس بن محمد عن ابيه جميعا عن الصادق (ع) عن آبائه (ع) (في وصية النّبيّ لعلى) قال: يا على‌

 

75
کتاب الخمس و الأنفال

معنى الكنز ؛ ص : 75

..........

______________________________
ان عبد المطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن اجراها اللّه له في الإسلام ... و وجد كنزا فاخرج منه الخمس و تصدق به فانزل اللّه: و اعلموا انما غنمتم من شي‌ء فان للّه خمسه الآية
«1» الى غير ذلك من الاخبار.

نعم القدر المتيقن من الكنز هو الذهب و الفضة المسكوكان المذخوران في الارض قصدا، فيجب ان يبحث عن اعتبار هذه القيود في مسائل:

الاولى: هل يعتبر في حقيقته كون الادّخار عن قصد اولا؟ صرّح الشهيد الثانى في المسالك و الروضة باعتباره ففى الاول: «يعتبر في الادخار كونه مقصودا لتحقق الكنز فلا عبرة باستتار المال بالارض بسبب الضياع بل يلحق باللقطة و يعلم ذلك بالقرائن الحالية كالوعاء.» و في الروضة في تعريف الكنز «هو المال المذخور تحت الارض قصدا» و حكى عن كاشف الغطاء انه لم يعتبره بل فسّر الكنز بما كان من النقدين مذخورا بنفسه او بفعل فاعل.

و في مصباح الفقيه: ان اطلاق المذخور على العارى عن القصد مبنى على ضرب من التوسّع فلا يبعد ان يكون اطلاق الكنز عليه أيضا من هذا الباب، ثم قال: ان سلّمنا صدق الكنز عليه حقيقة فهو و الا فهو بحكمه كما يدل عليه قوله في صحيحة زرارة «كل ما كان ركازا ففيه الخمس» اذ لا يتوقف صدق اسم الركاز على القصد و الا لما صدق على المعادن.

اقول: يمكن ان ينسب اعتبار القصد الى كل من عرّف الكنز بانه المال المذخور تحت الارض بداهة ظهور كلمة المذخور في ذلك، و لعلّ لفظ الكنز أيضا يتبادر عنه ذلك الا ترى ان الناس اذا سمعوا ان فلانا وجد كنزا يتبادر الى اذهانهم كونه في وعاء من الجرّة و نحوها و ربما يسألون عن عددها، و المتبادر من لفظ الركاز هو المعدن حيث انه مركوز في‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

76
کتاب الخمس و الأنفال

معنى الكنز ؛ ص : 75

..........

______________________________
الارض و هى مركزه و منشأه.

و اما الكنز فلم ينشأ فيها بل دفن فيها بعدا، الا ترى انه لا يقال لما دخل في الذهن بالتعلّم: انه امر ارتكازى و انما يقال ذلك لما رسخ فيه و نشأ منه فلعل مراد النّبيّ- صلى الله عليه و آله- من قوله في الحديث المروى عنه «في الركاز الخمس» هو المعدن، و كذلك قول ابى جعفر (ع) في صحيحة زرارة «سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: كل ما كان ركازا ففيه الخمس». و فهم العامة و كذا الاصحاب منه الاعم منه و من الكنز لا حجية فيه.

و بالجملة فلا حد التشكيك في صدق لفظ الكنز لغير ما قصد دفنه و كذا صدق لفظ الركاز على الكنز مطلقا فلا يشمل الادلة لما استتر في الارض بسبب الضياع و نحوه فيجرى فيه حكم اللقطة.

اللّهم الّا ان يتمسك بتنقيح المناط بأن يقال: ان الانسان اذا توجّه الى ان الشارع حكم في مطلق المعادن بثبوت الخمس فيها و بكون النصاب فيها نصاب الزكاة ثم حكم في الكنز أيضا (مع اختلافه مع المعدن سنخا حيث ان احدهما مستقر في الارض تكوينا و الاخر مدفون فيها و معار) بثبوت الخمس و بعين النصاب بلا تفاوت بينهما، يتبادر الى ذهنه قهرا ان هذا السنخ من الاستغنام اعنى الاستغنام الحاصل بحفر الارض و اخراج الشي‌ء ذي القيمة منها حكمه كذا سواء كان الشي‌ء القيّم متكونا فيها او طاريا لها بالدفن او بالاستتار، و كما لا يتفاوت في المتكون فيها بين انحائه من جنس النقدين و غيرهما فكذلك في الطارى.

و بالجملة يستفاد ان الكنز و المعدن من واد واحد و حكمهما متشابه و حيث لا قصد في المعدن فلا يعتبر في الكنز أيضا، و حيث لا يتفاوت النقدان و غيرهما في المعدن لا تتفاوت في الكنز أيضا فبذلك يتضح حكم المسألة الثالثة الآتية أيضا. و كيف كان فالاحوط لو لم يكن اقوى عدم اعتبار القصد فتأمل.

77
کتاب الخمس و الأنفال

حكم المذخور في الجدار او الشجر ؛ ص : 78

[حكم المذخور في الجدار او الشجر]

او الجدار و الشجر (1)

[هل يعم الكنز غير النقدين؟]

و المدار الصدق العرفى سواء كان من الذهب او الفضّة المسكوكين او غير المسكوكين او غيرهما من الجواهر. (2)

______________________________
(1) هذا هى المسألة الثانية و هى انه هل يعتبر في الكنز كون المال مذخورا في الارض او يكون لفظ الارض المذكورة في كلمات اللغويين و الاصحاب مذكورة من باب المثال و الغلبة فلا فرق بينها و بين الجدار و الشجر و نحوهما؟ الظاهر عدم التفاوت بين متن الارض و بين مثل الجدار و السقف بل لعلّ المراد بالارض المذكورة في كلماتهم ما يعمهما كما هو المتبادر عرفا.

و اما مثل الشجر و الحطب فالحاقهما بالارض لا يخلو عن خفاء فان شك في صدق الكنز على المدفون فيهما كان مقتضى الاصل عدم اجراء حكم الكنز.

و في الجواهر عن كاشف الغطاء تخصيص الحكم بخصوص الارض.

و يرد عليه ان مثل الجدار و السقف يلحق بالارض قطعا و انما الاشكال في مثل الحطب و الشجر كما عرفت، و لعل تعميم بعض الاصحاب لهما بل الحاق ما يوجد في جوف الدابة و السمكة أيضا يكون من باب تنقيح المناط و لا يبعد تنقيحه كما عرفت نظيره فالاحوط هو الالحاق بل لا يخلو عن قوة.

(2) هذه هى المسألة الثالثة و هى انه هل يختص الكنز موضوعا او حكما بالذهب و الفضة المسكوكين او يعمهما و غير المسكوكين او يعم جميع الجواهر او الاعم منها؟

قال في التذكرة: «و يجب الخمس في كلّ ما كان ركازا و هو كلّ مال مذخور تحت الارض على اختلاف انواعه و به قال مالك و احمد و الشافعى في القديم لعموم قوله- عليه السلام-: و في الركاز الخمس و قول الباقر- عليه السلام-: كل ما كان ركازا ففيه الخمس ... و قال الشافعى في الجديد: لا يؤخذ الخمس الا من الذهب و الفضة لأنه زكاة‌

78
کتاب الخمس و الأنفال

هل يعم الكنز غير النقدين؟ ؛ ص : 78

..........

______________________________
فيجب الخمس في بعض اجناسه ...».

و في النهاية بعد ما ذكر اولا ثبوت الخمس في الكنوز قال:

«و الكنوز اذا كانت دراهم او دنانير يجب فيها الخمس فيما وجد منها اذا بلغ الى الحد الذي قدّمنا ذكره».

و في المبسوط: «و يجب أيضا في الكنوز التى توجد في دار الحرب من الذهب و الفضة و الدراهم و الدنانير».

و في الجواهر حكى عن كشف الغطاء أيضا التخصيص بالنقدين.

و في مصباح الفقيه عن المستند ما حاصله: «ان ظاهر اطلاق جماعة و صريح المحكى عن الاقتصاد و الوسيلة و التحرير و المنتهى و التذكرة و البيان و الدروس التعميم لعموم الادلة، و ظاهر الشيخ في النهاية و المبسوط و الجمل و السرائر و الجامع الاختصاص بكنوز الذهب و الفضة و نسبه بعض من تأخر الى ظاهر الاكثر و هو الاظهر لمفهوم صحيحة البزنطى.»‌

اقول: اراد بالصحيحة ما رواه الصدوق باسناده عن البزنطى عن الرضا- عليه السلام- قال: سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز فقال:

ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس «1».

و المحتملات في الحديث ثلاثة: الاول: ان يراد بها سؤالا و جوابا المقدار و النصاب و عن الرياض الاتفاق على ارادة المقدار منها، و قد أيّد ذلك بشهادة روايتين عليه:

الاولى: ما رواه في المقنعة قال: سئل الرضا (ع) من مقدار الكنز الذى يجب فيه الخمس فقال: ما يجب فيه الزكاة من ذلك بعينه ففيه الخمس و ما لم يبلغ حدّ ما تجب فيه الزكاة فلا خمس فيه «2».

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

79
کتاب الخمس و الأنفال

هل يعم الكنز غير النقدين؟ ؛ ص : 78

..........

______________________________
الثانية ما رواه البزنطى قال: سألت ابا الحسن- عليه السلام- عمّا اخرج المعدن من قليل او كثير هل فيه شي‌ء؟ قال: ليس فيه شي‌ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا
«1» بتقريب ان السائل و كذا المسؤول في الروايتين واحد و الجوابان أيضا متشابهان، و من السؤال في هذه الرواية و كذا الجواب يستفادان محط النظر هو المقدار فيصير ذلك قرينة على كون المراد في خبر الكنز أيضا ذلك، بل لعل السؤالين صدرا عن البزنطى في مجلس واحد.

اقول: الرواية الثانية شاهدة على المراد كما قرر و لكن رواية المقنعة يمكن ان يورد عليها اوّلا بالارسال، و ثانيا بحصول الظن المتاخم للعلم بانها ليست رواية مستقلة بل هى نفس رواية البزنطى و قد رواها المفيد بالنقل بالمعنى، و فهم المفيد ليس حجة لنا فافهم.

المحتمل الثانى: ان يراد بالرواية سؤالا و جوابا النوع و الجنس فيكون المراد ثبوت الخمس في نوع ثبت فيه الزكاة اعنى النقدين.

لا يقال: لو اريد النوع كان الاحسن ان يقول الامام- عليه السلام- «ما يجب الزكاة فيه» بدل قوله «في مثله».

فانه يقال: ما يجب فيه الزكاة عبارة عن النقدين المتمكّن من التصرف فيهما، و ما فيه الخمس عبارة عمّا دفن في الارض و لم يكن في معرض التصرف، فما فيه الخمس مماثل لما فيه الزكاة لا عينه.

المحتمل الثالث: ان يراد بالرواية النوع و المقدار معا و تقريبه كما في مصباح الفقيه: «ان المتبادر من اطلاق المثل ارادة المماثلة على الاطلاق اى في جميع الجهات التى لها دخل في موضوعية المثل للزكاة لا مقدار ماليته الذى هو امر اعتبارى لا دخل له في حقيقة المثل و لا في حكمه، و ما هو الموضوع للزكاة هو الذهب او الفضة المسكوكان مع‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

80
کتاب الخمس و الأنفال

هل يعم الكنز غير النقدين؟ ؛ ص : 78

..........

______________________________
بلوغهما الى المقدار الخاص، فاطلاق المماثلة يقتضى المماثلة في هذه الجهات الثلاثه اعنى حيثية الذهبية مثلا مع السكة و المقدار الخاص فالمقدار أيضا مقصود بالتشبيه و لكن مقدار نفس المثل الذى هو من مقومات موضوعيته لوجوب الزكاة لا مقدار قيمته»‌

و لا يخفى ان مقتضى الاحتمال الثانى و كذا الثالث اختصاص خمس الكنز بالذهب و الفضة بل مقتضى الثالث اعتبار المسكوكية أيضا.

و الظاهر عدم المانع من ان نلتزم باعتبارها ان ساعد الدليل و ان استشكل عليه في مصباح الفقيه بعدم معروفية القائل به او ندرته.

و كيف كان فالاحتمال الثالث من حيث هو اقوى الاحتمالات و لكن عرفت انه بلحاظ الصحيحة الاخرى من البزنطى يستفاد ان الغرض سؤالا و جوابا هو المقدار و النصاب فان وحدة السّائل و المسؤول و تشابه الجوابين من اقوى الشواهد على ارادة معنى واحد، و المراد في خبر المعدن بقرينة قول السائل «من قليل او كثير» و قول الامام- عليه السلام- «حتى يبلغ» هو المقدار قطعا فلا تدل الرواية على الاختصاص بالنقدين فيبقى اطلاق الكنز محكّما و قد فسّر بالمال المذخور فيشمل غير النقدين أيضا فتأمل.

اضف الى ذلك ما بيّناه من تنقيح المناط، فانك اذا توجهت الى انّ الشارع حكم في مطلق المعادن بثبوت الخمس فيها مع بلوغها الى نصاب خاص و حكم أيضا في الكنز مع اختلافه سنخا مع المعدن (حيث ان احدهما متكون في الارض و الآخر حادث فيها) بالخمس و بعين النصاب بلا تفاوت تطمئن بان مساغهما واحد، و كأنّ موضوع الحكم هو الاستغنام الخاص اعنى الاستغنام بحفر الارض و اخراج شي‌ء ذي قيمة منها، و حينئذ فكما لا فرق في المعدن بين النقدين و غيرهما فكذلك في الكنز، و لعلّه لذلك أيضا الحق الاصحاب بباب الكنز ما يوجد في بطن‌

81
کتاب الخمس و الأنفال

في اقسام الكنوز و مالكها ؛ ص : 82

[في اقسام الكنوز و مالكها]

و سواء كان في بلاد الكفار الحربيين او غيرهم او في بلاد الإسلام، في الارض الموات او الارض الخربة التى لم يكن لها مالك او في ارض مملوكة له بالاحياء او بالابتياع مع العلم بعدم كونه ملكا للبائعين، و سواء كان عليه اثر الإسلام أم لا ففى جميع هذه يكون ملكا لواجده (1) و عليه الخمس.

______________________________
الدابة او السمكة.

فالاحوط ان لم يكن اقوى عدم التفاوت بين النقدين و غيرهما من الجواهر كما في المتن، بل يمكن الحاق غير الجواهر أيضا اذا كان مذخورا من قديم الايام و كان ذا قيمة فتدبّر.

(1) لا يخفى ان وظيفة هذا الباب بيان تعلق الخمس بالكنز بعد الفراغ عن تملكه و اما شرائط تملكه فامر آخر و اخبار الباب أيضا ليست بصدد بيانها، و لكن لما كان الكنز ممتازا عن مثل المعدن و الغوص و كذا غنيمة دار الحرب حيث ان المعدن و الغوص غير مسبوقين بيد مالك اصلا و الغنيمة أيضا غير مسبوقة بيد مالك محترم و هذا بخلاف الكنز لاحتمال سبق يد المسلم عليه فاشبه اللقطة و المجهول المالك من هذه الجهة فلذلك تصدى القوم هنا للبحث عن شرائط تملكه أيضا.

فنقول: الصور المتصورة ثمانية: اذ الكنز امّا ان يوجد في دار الحرب او في دار الإسلام، و على التقديرين اما ان يكون عليه سكّة الإسلام و اثره أم لا، و على التقادير اما ان يوجد في ملك شخصى او في الامكنة العمومية من الانفال و المفتوحة عنوة.

يظهر من الاصحاب التسالم على ان ما يوجد في دار الحرب مطلقا و ما يوجد في دار الإسلام في الاملاك العمومية اذا لم يكن عليه اثر الإسلام يكون ملكا لواجده بلا تعريف و عليه الخمس و قد ادعى عدم خلافهم في ذلك، و سيأتي البحث أيضا عما يوجد في ملك شخصى في دار الإسلام.

و لكن وقع الخلاف فيما يوجد في الاملاك العمومية‌

82
کتاب الخمس و الأنفال

في اقسام الكنوز و مالكها ؛ ص : 82

..........

______________________________
في دار الإسلام اذا كان عليه اثره فيظهر من الخلاف (المسألة 148) كونها كالصور السابقة و نسب القول بكونها لقطة الى الشافعى، و في المبسوط اختار كونها لقطة و تبعه العلامة و الشهيدان بل نسب الى اكثر المتأخرين، و المحقق افتى في اللقطة من الشرائع كما في الخلاف و في الخمس منه كما في المبسوط.

و كيف كان فيمكن ان يستدل للقول الاوّل اعنى ما اختاره في الخلاف بوجوه:

الاوّل ان يقال: انّ الاخبار الواردة في المقام و ان كانت بصدد بيان وجوب الخمس في الكنز من دون ان يكون في مقام بيان مالك الاربع اخمس الباقية و لكن يظهر منها و من اخبار خمس المعدن و الغوص و نحوها ان مالكية واجدها و مستخرجها لما وجده امر مفروغ عنها بحيث لو لم يوجب عليه الخمس ملك جميعها، و ليس من وظائف الشارع بيان طرق تحصيل المال و الاستفادة حتى تتعرض له الادلة و انما هى امور عادية عقلائية يتصدى لها العقلاء حسب احتياجاتهم بحسب الازمنة و الامكنة و يكتفى من ناحية الشارع بعدم الردع عنها حيث ان عليه ان ينهى عنها و يمنعها اذا كانت ضارة باطلة، و قد كان تحصيل المال و الثروة من طرق استخراج المعادن و الكنوز و ما في البحار مما جرى عليه سيرة العقلاء خلفا عن سلف، و يستفاد من ايجاب الشارع للخمس فيها بلا تعرض لحكم البقية تنفيذه لعملهم و امضائه لطريقتهم غاية الامر جعل ميزانية اسلامية على هذه الانحاء من الاستفادات، و قد عدّت الكنوز في اخبار الباب في سياق المعادن و الغوص و نحوها من جهة ان مساق الجميع بنظر العرف واحد فهي كلها تعدّ بنظرهم مما لا مانع من اخذها و من المباحات التى يجوز تملكها و الاستفادة منها حيث انّ الشارع لا يرضى بتعطّل الاموال و عدم الاستفادة منها فان اللّه- تعالى- خلق لنا ما في الارض جميعا و بالجملة فالكنوز أيضا مثل المعادن تعدّ بنظر العرف مما لا مالك لها‌

83
کتاب الخمس و الأنفال

في اقسام الكنوز و مالكها ؛ ص : 82

..........

______________________________
و لا تعدّ عندهم من افراد مجهول المالك فان مجهول المالك بنظرهم امر لم ينقطع عنه علاقة المالك بعد فهو او وارثه موجود و الانسان بطبعه يشمئزّ من تصاحبه و يجدّ في طلب صاحبه، و اما الكنز فبسبب مرور الزمان عليه انقطع عنه لدى العرف علاقة المالك بالكلية و يرى من قبيل المباحات المغتنمة نظير الآثار الباقية في البلاد القديمة المعلومة كونها للمسلمين مثل بغداد و الكوفة حيث استقرت السيرة و لو من المتشرعة على تصاحبها حتى مع العلم بكونها للمسلمين.

و الحاصل ان الكنز و ان كان يفترق عن اخويه اعنى المعدن و الغوص بحسب الدقة و لكن العرف و العقلاء حتى المتشرعة منهم لا يفرقون بينها و يعدّون الجميع من قبيل ما لا صاحب لها، حيث انّ المالكية امر اعتبارى عقلائى، و مرور الدهور يوجب قطع علاقة المالك و عدم اعتبارها بنظرهم، و يستفاد من حكم الشارع في باب الكنوز و عدّه اياها في سياق المعادن و الغوص و نحوهما امضائه لذلك و عدم رعاية المالك فيها.

و هذا بخلاف باب اللقطة و مجهول المالك حيث انه راعى في جميع المراحل جهة المالك فحكم اولا بكراهة الالتقاط رعاية لاحتمال عثور المالك على ما فقده، و بعد الالتقاط أيضا حكم بالتعريف سنة ثم بعد اليأس أيضا خيّر الواجد بين حفظ المال عنده امانة للمالك و بين التصدق به او تملكه مع الضمان فيهما، فباب الكنز يفترق عن باب مجهول المالك و اللقطة موضوعا و حكما.

و مما ذكرنا يظهر جواز تملك الكنز و إن علم بالآثار و القرائن كون مالكه الاصلى من المسلمين فضلا عن صرف وجود اثر الإسلام الذى غايته حصول الظن منه بكون المالك مسلما، هذا و ما ذكرناه من البيان ملخص ما ذكره في مصباح الفقيه و ما ذكره الاستاد العلامة آية الله البروجردى- طاب ثراهما-.

و لنا ان نقول كما اشرنا اليه سابقا ان الكنوز و المعادن بنظر العرف‌

84
کتاب الخمس و الأنفال

في اقسام الكنوز و مالكها ؛ ص : 82

..........

______________________________
و العقلاء من الاملاك العمومية المعبّر عنها بالانفال فالنظر فيهما الى الامام- عليه السلام- و في غيبته الى الحكام العدول، و يستفاد من ادلة الخمس فيهما اذن الشارع او الامام في التصرف فيهما و الاستفادة منهما بشرط اداء هذه الميزانية المعينة فالخمس ميزانية اسلامية جعلت من ناحية الشرع او الامام بازاء الاستفادة منهما فتأمل.

الوجه الثانى ان يقال: كما في المدارك «ان الاصل في الاشياء الاباحة و التصرف في مال الغير انّما يثبت تحريمه اذا ثبت كون المال لمحترم او تعلق به نهى خصوصا او عموما و الكل هنا منتف.»‌

الوجه الثالث: ان يتمسك باستصحاب عدم جريان يد محترمة على المال فيجوز تملكه، و لا يعارض ذلك باستصحاب بقائه على ملك مالكه بعد قصد التملك اذ الشك فيه مسبب عن كون المالك محترم المال و بالاستصحاب الاول يندفع هذا الشك فتأمّل.

اقول: لا يخفى ان الوجه الاول يجرى حتى مع العلم بكون المالك الاصلى مسلما بخلاف الاخيرين.

و نوقش فيهما بان الاصل في مال الغير مطلقا هو الحرمة و عدم جواز التصرف فيه و لا تملكه الا ان يدل دليل على خلافه فكيف بما يوجد في ارض المسلمين حيث يحكم بحكم الغلبة بكون مالكه مسلما محترم المال ضرورة ان كل من يوجد في ارض المسلمين و بلاد هم محقون ماله و دمه ما لم يعلم تفصيلا بخلافه.

و ليس مبنى هذا الاصل عموم «الناس مسلّطون على اموالهم» او قوله- عليه السلام- في التوقيع: «لا يحلّ لأحد ان يتصرّف في مال غيره بغير اذنه» حتى يقال: ان هذه العمومات مخصصة بالنسبة الى الحربى قطعا فلا يجوز ان يتمسك بها في الشبهات المصداقية.

بل هو بنفسه اصل عقلائى ممضى في الشريعة من دون ابتناء على امثال هذه المراسيل، و بالجملة نفس كون المال للغير يقتضى حرمة‌

85
کتاب الخمس و الأنفال

في اقسام الكنوز و مالكها ؛ ص : 82

..........

______________________________
التصرف فيه من غير رضا المالك عقلا و نقلا لكونه ظلما و عدوانا الا ان يثبت الترخيص فيه من قبل مالك الملوك اللهم الا ان ينقطع علاقة المالك بالكلية باختياره كما في صورة الاعراض او بحكم العقلاء كما في صورة مرور الدهور كما هو مقتضى الوجه الاول فتدبر.

الوجه الرابع: صحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر- عليه السلام- قال: سألته عن الدار يوجد فيها الورق فقال: ان كانت معمورة فيها اهلها فهي لهم و ان كانت خربة قد جلا عنها اهلها فالذى وجد المال احق به.

و صحيحته الاخرى عن احدهما (ع) في حديث قال: و سألته عن الورق يوجد في دار فقال: ان كانت معمورة فهي لأهلها فان كانت خربة فانت احق بما وجدت «1».

فان ترك التفصيل في الروايتين يقتضى شمولهما لصورة كون الكنز في دار الإسلام و وجود اثر الإسلام عليه أيضا، و مقتضاهما كون الموجود في الخربة للواجد لا كونه لقطة.

و قوله- عليه السلام-: «فهي لهم» فيما اذا كانت الدار معمورة يحتمل ان يراد به احقية صاحب الدار بالكنز الموجد فيها من حيث ان مالكية الدار تستلزم مالكية ما يعدّ من اجزائها عرفا كالمعدن و الكنز و الماء و نحوها تبعا فلو وجد الكنز غيره أيضا وجب عليه ان يردّه الى صاحب الملك و ان كان من الكنوز القديمة غير المكنوزة من قبله.

و يحتمل ان يراد به الملكية الظاهرية بمقتضى اليد ما لم يعلم خلافه حيث ان اليد على الدار يد على ما فيها، و يؤيد الاحتمال الاوّل قوله- عليه السلام- في الفقرة الثانية: فالذى وجد المال احق به، هذا.

و نوقش في الاستدلال بالصحيحتين بأن مورد هما المال-

______________________________
(1)- الوسائل ج 17 الباب 5 من ابواب اللقطة، الحديث 1، 2.

86
کتاب الخمس و الأنفال

في اقسام الكنوز و مالكها ؛ ص : 82

..........

______________________________
المجهول المالك لا الكنز اذ ليس فيهما كون الورق الموجد مدفونا اللهم الا ان يقال: ان اطلاقهما بل و عمومهما بسبب ترك الاستفصال يشمل المدفون أيضا و لا سيّما مع ندرة كون الورق ملقى على الارض و لا سيّما في الخربة فتأمل.

و كيف كان فالعمدة هو الوجه الاول من الوجوه الاربعة المذكورة و مقتضاه وجوب الخمس و حلّية البقية للوجدان و إن علم بكون الكنز من اصله لمسلم اذا فرض صدق عنوان الكنز و لا سيما اذا كان عليه آثار القدمة فتدبر.

و اما القول الثانى: اعنى كونه لقطة فيمكن ان يستدل له أيضا بوجوه:

الاول: ان وجود المال في دار الإسلام مع وجود اثر الإسلام عليه امارة على كونه ضائعا من مسلم فيكون لقطة.

و فيه اولا ان وجود اثر الإسلام مع كونه في دار الإسلام لا يوجبان العلم بكونه لمسلم بل غايتهما الظن و هو لا يغنى عن الحق شيئا. و ثانيا انّ العلم بكونه لمسلم أيضا لا يقتضى جريان حكم اللقطة فضلا عن الظن به لمنع صدق المال الضائع على المدفون تحت الارض قصدا.

الثانى: قوله- عليه السلام- في التوقيع المروى: «لا يحل لأحد ان يتصرف في مال غيره بغير اذنه».

و فيه انه مخصّص بالنسبة الى الحربى فالتمسك به في صورة الشك تمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص.

الثالث: ان يقال: بان نفس كون المال للغير يقتضى احترامه و عدم التصرف فيه ما لم يحرز الترخيص و هو بنفسه اصل عقلائى و ليس مدركه التوقيع المذكور و امثاله.

و فيه ان هذا صحيح اذا لم ينقطع علاقة المالك بنظر العقلاء عن ماله و في مثل الكنوز و الآثار القديمة انقطع العلاقة بنظرهم و صارت كالمباحات الاصلية كما مر بيانه فراجع.

الرابع: موثقة محمد بن قيس عن ابى جعفر- عليه السلام- قال:

87
کتاب الخمس و الأنفال

في اقسام الكنوز و مالكها ؛ ص : 82

..........

______________________________
قضى على- عليه السلام- في رجل وجد ورقا في خربة ان يعرّفها فان وجد من يعرفها و الا تمتع بها. و موثقة اسحاق بن عمار قال: سألت ابا ابراهيم- عليه السلام- عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيه نحوا من سبعين درهما مدفونة فلم تزل معه و لم يذكرها حتى قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال: يسأل عنها اهل المنزل لعلهم يعرفونها قلت: فان لم يعرفوها؟

قال: يتصدق بها «1».

و اجيب عنهما بعدم ارتباطهما بباب الكنز اذ المراد به كما عرفت هو المال المدفون قصدا في اعماق الارض بحيث يعدّ بعد العثور عليه من قبيل مالا مالك له، و ليس في الرواية الاولى كون الورق مدفونا و اما في الثانية فالدراهم الموجدة و ان كانت مدفونة و لكن الدراهم التى يجدها النازل ببعض بيوت مكة في اوقات الحج ليست بحسب العادة من قبيل الكنز اذ العادة قاضية بان هذا الشخص لا يفحص عن عروق الارض و اعماقها بل الظاهر انه يجدها مدفونة في زاوية البيت و نحوها من المواضع بحيث يعلم عادة بانها للنازلين بهذا البيت.

و بالجملة الروايتان لا ترتبطان بباب الكنز و قد عرفت الاشكال في ارتباط صحيحتى محمد بن مسلم أيضا ببابه فالروايات الاربعة كلها اجنبية عن الباب و مرتبطة بالمال المجهول مالكه.

و التهافت بين موثقة محمد بن قيس و بين ذيل الصحيحتين يدفع بحمل الموثقة على الخربة التى لها مالك فوجوب التعريف و عدمه يدوران مدار وجود المالك و عدمه و لذا عقّب كلمة الخربة في صحيحة محمد بن مسلم الاولى بقوله: قد جلا عنها اهلها، فيعلم من ذلك ان الاعتبار بوجود الاهل و عدمه لا بالعمران و الخراب فتدبر، هذا.

و في المستمسك حمل موثقة اسحاق بن عمار على الكنز المعلوم‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 17 الباب 5 من ابواب اللقطة، الحديث 5، 3.

88
کتاب الخمس و الأنفال

لو وجد الكنز في الارض المبتاعة ؛ ص : 89

[لو وجد الكنز في الارض المبتاعة]

و لو كان في ارض مبتاعة مع احتمال كونه لأحد البائعين عرّفه المالك قبله (1) فان لم يعرفه فالمالك قبله و هكذا فان لم يعرفوه فهو للواجد و عليه الخمس.

______________________________
كونه لمسلم بقرينة كونه في ارض مكة و التزم بان الكنز اذا ظهر كونه لمسلم جرى عليه حكم اللقطة من غير فرق بين الجديد و القديم، و لكن الالتزام بذلك مشكل اذ قد عرفت ان القدمة ربما توجب عدّ المال عند العرف بلا مالك و من قبيل المباحات نظير الآثار الباقية القديمة من البلدان الاسلامية و غيرها.

(1) بلا خلاف اجده بيننا كما عن الجواهر و عن المنتهى الاجماع عليه عملا باليد السابقة فان اليد على الدار يد على ما فيها و هى امارة على الملكية ما لم ينكشف الخلاف مضافا الى دلالة الفقرة الاولى من صحيحتى محمد بن مسلم السّابقتين على ذلك بناء على ارتباطهما بباب الكنز فتأمّل.

و نوقش في اليد بانها لو تمت هنا لدلّت على كونه له من غير تعريف بل وجب الحكم به و لو لم تكن قابلة للادعاء كالصبى و المجنون و الميّت.

و اجاب عنها في مصباح الفقيه بان هذا النحو من اليد التبعية غير المستقلّة لا يتم ظهورها في الملكية الا بضميمة الادعاء خصوصا مع ظهور فعله و هو نقل الدار في عدم اطلاعه بما هو مدفون فيها، و ليس مستند حجية اليد الابناء العقلاء و امضاء الشارع له و هم لا يرون لليد السابقة غير الباقية فعلا- بالنسبة الى مثل هذه الاموال التى لم يحرز الاستيلاء عليها الا بالتبع- اعتبارا ازيد من قبول ادعائه للملكية، و بالجملة فرق بين اليد الفعلية و اليد السابقة لا سيما اذا كانت تبعية فتدبر.

نعم هنا شي‌ء آخر و هوان ما ذكر انما يصح فيما اذا احرز اليد السابقة بالنسبة الى الكنز بان علم كونه مدفونا في السّابق و اما اذ لم يحرز ذلك بان‌

89
کتاب الخمس و الأنفال

نصاب الكنز ؛ ص : 90

و ان ادعاه المالك السابق فالسابق اعطاه بلا بيّنة (1) و ان تنازع الملّاك فيه يجرى عليه حكم التداعى (2) و لو ادّعاه المالك السابق ارثا و كان له شركاء نفوه دفعت اليه حصّته و ملك الواجد الباقى و اعطى خمسه.

[نصاب الكنز]

و يشترط في وجوب الخمس فيه النصاب و هو عشرون دينارا. (3)

______________________________
احتمل تأخر الدفن الى زمان اللاحق فلا وجه لوجوب الرجوع الى المالك السابق، و ليس صرف احتمال كونه له موجبا لتعريفه له كما في اللقطة و الا لوجب التعريف لكل من يحتمل كونه له لا لخصوص المالك السابق هف لما عرفت من عدم اجراء حكم اللقطة و مجهول المالك على المدخور قصدا و لا سيما مع وجود آثار القدمة فيه و لا يخفى كون احتمال تأخر الدفن اكثر تمشيا في الايادى السابقة على السابق.

(1) لأنه مقتضى اليد‌

(2) الظاهر من هذه العبارة بقرينة السياق الملّاك الطولية مع ان الحكم في هذه الصورة ليس هو التداعى قطعا بل يقدم السابق على الاسبق كما افتى به المصنف أيضا فانه بالنسبة الى الاسبق بمنزلة الدليل بالنسبة الى الاصل حيث انه فعلى بالنسبة اليه و هو شأنى و بعبارة اخرى اللاحق بمنزلة المنكر و السابق بمنزلة المدعى فيجرى عليهما حكم المدعى و المنكر لا المتداعيين فيجب ان يحمل عبارة المصنف على الملّاك العرضية و التعبير بالتداعى أيضا وقع بنحو المسامحة فان التداعى انما يتحقق اذا كان كل منهما مدعيا بالنسبة الى شي‌ء واحد مع ان المالكين العرضيين المدعيين اذا كان لهما يد على الدار كان كل منهما مدعيا بالنسبة الى النصف المشاع الذى يكون تحت يد الآخر و منكرا بالنسبة الى ما يكون تحت يد نفسه فتدبر.

(3) لما مر في البحث عن عموم الكنز للذهب و الفضة و غيرهما من صحيحة‌

90
کتاب الخمس و الأنفال

نصاب الكنز ؛ ص : 90

..........

______________________________
البزنطى عن الرضا- عليه السلام- قال: سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس
«1».

و قد عرفت ان المحتملات في الصحيحة ثلاثة: الاول: ان يكون المراد بها سؤالا و جوابا المقدار.

الثانى: ان يراد بها النوع و الجنس.

الثالث: ان يراد بها كلاهما. و عرفت أيضا ان الاحتمال الثالث من حيث هو اقوى و لكن بالنظر الى صحيحته الاخرى الواردة في نصاب المعدن يقوى الاحتمال الاول فالرواية بصدد بيان النصاب قطعا.

و حينئذ فيقع البحث في ان النصاب المعتبر هنا هل هو نصاب الذهب مطلقا او الفضة مطلقا او الاقل قيمة من نصابيهما مطلقا او يعتبر الذهب بالذهب و الفضة بالفضة و غيرهما باقلّهما قيمة؟ في المسألة وجوه:

وجه الاول: جعل قوله- عليه السلام-: «عشرين دينارا» في صحيحة البزنطى الواردة في نصاب المعدن قرينة على كون المراد في المقام أيضا ذلك بقرينة وحدة السائل و المسؤول و تشابه الجوابين في الصحيحتين.

و وجه الثانى: ان نصاب الفضة احد مما يجب فيه الزكاة فتأمل.

و وجه الثالث: ان تعبير الامام- عليه السلام- في مقام الجواب بقوله: «ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس» يدل على ان الاعتبار ببلوغ نصاب الزكاة و انه تمام الموضوع للحكم و لذا احتملنا في باب المعدن أيضا كون الاعتبار بذلك و ان قوله: «عشرين دينارا» يكون من باب المثال.

و وجه الرابع: انه اذا القى الى العرف الحكم بأن المعدن او الكنز اذا كان بمقدار نصاب الزكاة و مماثلا له ففيه الخمس و توجّه الى ان نصاب الزكاة في الذهب عشرون دينارا و في الفضة مائتا درهم و ان‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

91
کتاب الخمس و الأنفال

لو وجد الكنز في ارض مستأجرة او مستعارة ؛ ص : 92

[لو وجد الكنز في ارض مستأجرة او مستعارة]

(مسألة 14): لو وجد الكنز في ارض مستأجرة أو مستعارة وجب تعريفهما و تعريف المالك أيضا (1).

______________________________
المعدن او الكنز يمكن ان يكون من جنس الذهب او الفضة و يمكن ان يكون من غيرهما، انسبق الى ذهنه قهرا اعتبار الذهب بمثله و الفضة بمثلها و غيرهما باحدهما.

فيكون المراد بالمماثلة قهرا المماثلة اجمالا الجامعة بين الحقيقة منها كما في النقدين و الحكمية كما في غير هما فتدبر.

و كيف كان فاظهر الوجوه هو الوجه الرابع و احوطها هو الثالث كما لا يخفى و اما الاوّل و الثانى فهما اضعف الوجوه و لا سيما الثانى بل هو احتمال محض.

(1) اقول: المسألة معنونة في كلمات القدماء بنحو آخر ففى الخلاف (مسألة 150): «اذا وجد ركازا في دار استأجرها فاختلف المكترى و المالك فادعى كل واحد منهما انه له كان القول قول المكترى مع يمينه و به قال الشافعى و قال المزنى القول قول المالك، دليلنا ان الظاهر انه للمكترى لان المالك لا يكرى دارا و له فيها دفين»‌

و في المبسوط: «اذا وجد في دار استأجرها ركاز فاختلف المكرى و المكترى في الملك كان القول قول المالك لان الظاهر انه ملكه».

و هكذا عنون المسألة في الشرائع أيضا.

و استدلّوا التقديم قول المالك باصالة يده و فرعية يد المستأجر نظير يد الموكل و الوكيل بل هى هى بالنسبة الى رقبة العين المستأجرة.

و في المسالك «ان الأصحّ تقديم قول المستأجر لأنه صاحب اليد حقيقة».

و الاقوى هو التفصيل بين المقامات و انحاء التسلطات فيقدم اليد الاقوى على غيره كما يقدم قول راكب الدابة على قائدها.

و كيف كان فالمسألة المعنونة في كلمات الاصحاب هى صورة كون يد المستأجر او المستعير فعلية.

92
کتاب الخمس و الأنفال

لو وجد الكنز في ارض مستأجرة او مستعارة ؛ ص : 92

فان نفياه كلاهما كان له (1) و عليه الخمس و ان ادعاه احدهما اعطى بلا بينة و ان ادعاه كل منهما ففى تقديم قول المالك وجه لقوة يده و الا وجه الاختلاف بحسب المقامات في قوة احدى اليدين.

______________________________
و اما ما في المتن فمقتضاه كون واجد الكنز شخصا ثالثا و قد حكم بكونه له ان نفياه، و اطلاق العبارة يشمل صورة كون الواجد له ذا يد غاصبة او كونه غير ذي يد اصلا بل يكون عاملا لأحدهما في الدار مثلا مع انه لا وجه لتعلق الكنز بهما لأنه من توابع الملك عرفا عند القوم نظير المعدن و الماء النابع فيه حيث انه ليس لغير المالك استخراجه و تصاحبه فتأمل.

لا يقال: السبب المملك للعين من الاحياء او الشراء او نحوهما قد تعلّق بالدار لا بما فيها من المعادن و المياه و الكنوز.

فانه يقال: نعم و لكنها تملك بتبعها عرفا حيث تعدّ جزءا منها و لا أقلّ من كون صاحبها اولى بها من غيره قال في الخلاف (مسألة 149): «اذا وجد ركازا في ملك مسلم او ذمى في دار الإسلام لا يتعرض له اجماعا و ان كان في دار الحرب فهو ركاز ...» و ظاهره بيان الحكم الوضعى و انه لا يملكه المتعرض له لا التكليفى فقط حتى يقال انه لو تعرض له نسيانا او عصيانا يصير ملكا له و ان كان ظاهر كلام الشيخ الانصارى (قده) في خمسه تملك الواجد له فتدبر.

(1) قد مر آنفا الاشكال في ذلك و انما يصح ذلك اذا انتقل الملك اليه و نفى الكنز المستأجر و المالك السابق و الا سبق في جميع الطبقات و الا فلو كان غاصبا او عاملا او نحوهما يقوى جدّا تعلق الكنز بمالك الدار فانه من توابع ملكه عرفا فتأمل، اذ من المحتمل كون الكنوز أيضا مثل المعادن و قد عرفت انها من الانفال و لها احياء مستقل فمن وجدها فكأنه احياها فيملكها باذن الامام او الحاكم و ليس احياء ارض الدار او البستان احياء للمعادن التى فيها حتى تتبعها نعم لا يجوز تكليفا الدخول في دار الغير بغير اذنه و لكنه لو دخل باذن او عصيانا فوجد معدنا‌

93
کتاب الخمس و الأنفال

حكم الكنوز المتعددة ؛ ص : 94

[حكم الكنوز المتعددة]

(مسألة 15): لو علم الواجد انه لمسلم موجود هو او وارثه في عصره مجهول ففى اجراء حكم الكنز او حكم مجهول المالك عليه وجهان (1) و لو علم انه كان ملكا لمسلم قديم فالظاهر جريان حكم الكنز عليه.

(مسألة 16): الكنوز المتعددة لكل واحد حكم نفسه في بلوغ النصاب و عدمه (2) فلو لم يكن آحادها بحد النصاب و بلغت

______________________________
او كنزا فهو احق به فراجع ما ذكرناه في باب المعادن (المسألة 8).

(1) قد مران مع وجود آثار القدمة يجرى حكم الكنز من التخميس و تملك البقية و ان علم بكونه لمسلم و احتمل وجود وارثه.

و اما اذا علم بانه دفن جديدا و نسيه مالكه المسلم او لم يتمكن من اخذه فالاوجه اجراء حكم مجهول المالك عليه لانصراف ادلة الكنز عن مثله.

و اما التمسك لذلك بموثقة اسحاق بن عمار قال سألت ابا ابراهيم- عليه السلام- عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيه نحوا من سبعين درهما مدفونة فلم تزل معه و لم يذكرها حتى قدم الكوفة كيف يصنع قال: يسأل عنها اهل المنزل لعلهم يعرفونها؟ قلت: فان لم يعرفوها قال يتصدق بها «1».

ففيه انه قد مرّ الاشكال في ارتباطها بباب الكنز اذ العادة قاضية بان النازل في بعض بيوت مكّة للحجّ و الزيارة لا يفحص عن عروق الارض و اعماقها فلم تكن الدراهم مذخورة بنحو يصدق عليها الكنز فتدبر.

(2) قد عرفت نظير المسألة في باب المعدن و هو الفرع الرابع من الفروع الاربعة فراجع و ملخّصه انه يمكن ان يقال باعتبار الوحدة في الموضوع عرفا فكل كنز يعدّ موضوعا مستقلا.

كما انه يمكن ان يقال ان الموضوع ليس نفس الكنز المركوز في‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 17 الباب 5 من ابواب اللقطة، الحديث 3.

94
کتاب الخمس و الأنفال

في الكنز الواحد لا يعتبر الاخراج دفعة ؛ ص : 95

بالضم لم يجب فيها الخمس، نعم المال الواحد المدفون في مكان واحد في ظروف متعددة يضم بعضه الى بعض فانه يعدّ كنزا واحدا و ان تعدد جنسها.

[في الكنز الواحد لا يعتبر الاخراج دفعة]

(مسألة 17): في الكنز الواحد لا يعتبر الاخراج دفعة بمقدار النصاب فلو كان مجموع الدفعات بقدر النصاب وجب الخمس و ان لم يكن كل واحد منها بقدره (1).

[اذا اشترى دابة و وجد في جوفها شيئا]

(مسألة 18): اذا اشترى دابة و وجد في جوفها شيئا فحاله حال الكنز الذى يجده في الارض المشتراة في تعريف البائع و في اخراج الخمس ان لم يعرفه (2).

______________________________
الارض بل الاستغنام الكنزى في مقابل الاستغنام التجارى و المعدنى و نحوهما الا ترى تطبيق النّبيّ (ص) آية الخمس على الكنز في قصة تخميس عبد المطلب للكنز الذى وجده
«1» فيعرف من ذلك ان الموضوع هو الاستفادة و الاستغنام الكذائى فلو كان له رأس مال و صرفه في استخراج معادن متعددة او كنوز متعددة و ان كانت غير متقاربة يصدق على عمله استغنام واحد نظير ضمّ محصول المزرعتين في باب الزكاة اذا بلغ مجموعهما النصاب.

فالاحوط بملاحظة ما ذكرنا هو الضمّ.

نعم مع الفصل الزمانى و عدّهما استغنامين مستقلين لا يضم احدهما الى الآخر فتدبر.

(1) قد عرفت نظير المسألة في باب المعدن و هو الفرع الاول من الفروع الاربعة فراجع و الكلام الكلام.

(2) اقول: المسألة كانت معنونة في كلمات القدماء من الاصحاب قال في المقنعة: «و ان ابتاع شاة او بعيرا او بقرة فذبح شيئا من ذلك فوجد في جوفه شيئا له قيمة عرّفه من ابتاع ذلك الحيوان منه فان‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

95
کتاب الخمس و الأنفال

اذا اشترى دابة و وجد في جوفها شيئا ؛ ص : 95

..........

______________________________
عرفه اعطاه و ان لم يعرفه اخرج منه الخمس و كان احق بالباقى، فان ابتاع سمكة فوجد في جوفها درة او سبيكة او ما اشبه ذلك اخرج منها الخمس و تملك الباقى.» و نحو ذلك عبارة النهاية في كتاب اللقطة.

و في المراسم: «و غير الطعام على ضربين: موجود تحت الارض و في بطون ما يذبح للأكل و السموك و الآخر يوجد على ظهر الارض فما وجده في بطون شي‌ء فان كان انتقل اليه بميراث او من بحر و ماء اخرج خمسه و الباقى ملكه و ان انتقل اليه بالشراء عرّف ذلك البائع فان عرفه ردّه اليه و الا اخرج خمسه و الباقى ملكه».

اقول: مقتضى القاعدة ان يجرى على ما يوجد في بطن الدابّة احكام اللقطة او مجهول المالك و لا سيما اذا كان عليه اثر الإسلام و يؤيّد الاول ما ورد فيما اودعه بعض اللصوص عند رجل حيث حكم فيه بحكم اللقطة «1».

و لكن ورد في المقام رواية صحيحة عن عبد اللّه بن جعفر الحميرى قال: كتبت الى الرجل- عليه السلام- اسأله عن رجل اشترى جزورا او بقرة للأضاحى فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم او دنانير او جوهرة لمن يكون ذلك؟ فوقّع- عليه السلام-: عرّفها البائع فان لم يكن يعرفها فالشي‌ء لك رزقك اللّه اياه «2». و حيث ان الرواية صحيحة رواها المشايخ الثلاثة و افتى بمضمونها الاصحاب تعين العمل بها.

و اطلاقها يشمل ما اذا كان على الدراهم و الدنانير اثر الإسلام و سكّته، و لعل حصر التعريف على البائع محمول على الغالب من عدم كون الدابة في غير حريم البائع و كون احتمال بلعها مال غيره ضعيفا لا يعتنى به العقلاء و لا خصوصية للبائع فالمراد به من كانت الدابة في اختياره و منه انتقل خارجا الى الرجل و لو كان غاصبا لها فضلا عن مثل الواهب و نحوه،

______________________________
(1)- الوسائل ج 17 الباب 18 من ابواب اللقطة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 17 الباب 9 من ابواب اللقطة.

96
کتاب الخمس و الأنفال

لو وجد شيئا في جوف سمكة ؛ ص : 97

و لا يعتبر فيه بلوغ النصاب (1)

[لو وجد شيئا في جوف سمكة]

و كذا لو وجد في جوف السمكة المشتراة مع احتمال كونها لبائعها (2) و كذا الحكم في غير الدابة و السمكة من سائر الحيوانات.

______________________________
و المراد به الجنس لا الشخص فيشمل البائع الاسبق فالاسبق أيضا لو احتمل كون البلع عنده و بهذا البيان يمكن تطبيق الصحيحة على القواعد هذا.

و اما الخمس فغير مذكور في الصحيحة مع كونها في مقام البيان و لكن قدماء اصحابنا افتوا به في كتبهم المعدّة لنقل الفتاوى المأثورة عن الائمة- عليهم السلام- كالمقنعة و النهاية و المراسم و الظاهر منهم عدم استثناء مئونة السنة فهل كان لهم نصّ في ذلك غير واصل إلينا او ادرجوه في مفهوم الكنز كما يؤيده ذكرهم له في بابه؟!

و لا يخفى ان ادراجه في مفهوم الكنز و كذا قياسه عليه مشكل، و مخالفة الاصحاب أيضا مع ذكرهم له في الكتب المشار اليها اشكل هذا.

و في السرائر ساوى بين ما يوجد في جوف الدابة و ما يوجد في بطن السمكة في وجوب تعريف البائع و في وجوب التخميس ان لم يعرفه و لكن بعد استثناء مئونة السنة قال: «لأنه من جملة الغنائم و الفوائد» هذا.

و لكن الاقوى ما عليه الاصحاب من وجوب التخميس لا لكونه من مصاديق الكنز بل لكونه من اظهر مصاديق ما غنمتم و لا يستثنى مئونة السنة لما سيأتي في محله من عدم استثنائها الا في الحرف و الاكتسابات اليومية كالصناعات و الزراعات و التجارات فافهم.

(1) لعدم كونه من مصاديق الكنز حتى يعتبر فيه نصابه.

(2) في المقنعة و النهاية فرّق بين الدابة و السمكة فلم يوجب التعريف في السمكة نعم لم يفرق بينهما في ذلك في المراسم و السرائر.

و الظاهر ان الفرق بينهما بحسب الاغلب حيث ان ما يوجد في‌

97
کتاب الخمس و الأنفال

النصاب في الكنز بعد اخراج مئونة الاخراج ؛ ص : 98

[النصاب في الكنز بعد اخراج مئونة الاخراج]

(مسألة 19): انما يعتبر النصاب في الكنز بعد اخراج مئونة الاخراج (1).

[اذا اشترك جماعة في كنز]

(مسألة 20): اذا اشترك جماعة في كنز فالظاهر كفاية بلوغ المجموع نصابا و ان لم يكن حصة كل واحد بقدره (2).

______________________________
جوف الدابّة يكون غالبا من المتملكات الضائعة كالدّراهم و نحوها و هذا بخلاف السمكة فان ما يوجد في جوفها يكون غالبا مما يتكون في بطنها او في البحر فلا وجه للتعريف حينئذ بل يكون لواجده اما لعدم دخوله في ملك البائع لعدم كونه قاصدا لحيازته كما قيل او لخروجه عن ملكه تبعا كما دخل فيه كذلك كما هو الظاهر فان القصد الى حيازة السمكة يستلزم القصد الى حيازة جميع اجزائها و ما يلحقها تبعا و بنحو المعنى الحرفى و كما تتبعها في الحيازة تتبعها في قصد البيع أيضا.

و بالجملة فهو يقصد البيع بالنسبة الى كل ما حازه و ملكه غاية الامر تفاوت القصد و اللحاظ المتعلق بالمجموع و بالاجزاء و اللواحق بحسب الاستقلال و التبعية.

نعم لو وجد في جوف السمكة شي‌ء مثل الدراهم و نحوها و احتمل كونها ملكا للبائع باحتمال عقلائى كما اذا صادها من حوض داره او بستانه الحقت بالدابة في وجوب التعريف كما ان الدابّة الوحشية المصيدة جديدا تلحق بالسمكة فتدبر.

و اما الخمس فقد عرفت ان الاقوى ثبوته في كليهما.

(1) الاحوط اعتبار النصاب قبل المؤونة كما في المعدن فراجع.

(2) هذا هو الفرع الثانى من الفروع الاربعة التى سبق ذكرها في المعدن و قد مرّ ان الاقوى اعتبار النصاب في نصيب كل واحد منهم اذ الموضوع للخمس ليس نفس المعدن او الكنز بما هو شي‌ء مركوز في الارض بل الموضوع له هو الاستغنام منه و كل واحد من السبعة او الخمسة التى منها الكنز يثبت فيه الخمس بما انه غنيمة و مشمول للآية الشريفة كما يشهد لذلك في المقام قوله (ص) في وصية النّبيّ (ص)

98
کتاب الخمس و الأنفال

الرابع: الغوص ؛ ص : 99

 

[الرابع: الغوص]

الرابع:

الغوص (1)

[معنى الغوص]

و هو اخراج الجواهر من البحر مثل اللؤلؤ و المرجان و غيرهما معدنيا كان او نباتيا لا مثل السمك و نحوه من الحيوانات.

______________________________
لعلى (ع) يا على ان عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن اجراها اللّه له في الإسلام ... و وجد كنزا فاخرج منه الخمس و تصدّق به فانزل اللّه و اعلموا انما غنمتم من شي‌ء فان للّه خمسه، و حيث ان كل فرد مكلف برأسه فاستغنام كل واحد من المكلفين موضوع مستقل للخمس و لا يضم استغنامه الى استغنام غيره كما هو كذلك في باب الزكاة أيضا فراجع.

(1) بلا خلاف فيه عند نابل ادعوا عليه اجماع الامامية و يشهد له جملة من النصوص فراجع الباب 3 و 7 من الوسائل.

منها ما رواه البزنطى عن محمد بن على بن أبي عبد الله عن ابى الحسن- عليه السلام- قال سألته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد و عن معادن الذهب و الفضة هل فيها زكاة؟ فقال اذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس.

و منها ما رواه ابن ابى عمير عن غير واحد عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: الخمس على خمسة اشياء: على الكنوز و المعادن و الغوص و الغنيمة و نسى ابن ابى عمير الخامس.

و بالجملة لا اشكال في اصل الحكم انما الاشكال في ان المذكور في بعض الاخبار عنوان الغوص و في بعضها ما يخرج من البحر و بينهما عموم من وجه لافتراقهما في غوص الشطوط و فيما يخرج بآلة بلا غوص فهل الاعتبار بعنوان الغوص و يحمل قيد البحر على الغالب او بالعكس او يكون كل منهما موضوعا مستقلا او يقيد كل منهما بالآخر فيكون الموضوع ما يخرج من البحر بالغوص فقط او يلقى كلتا الخصوصيتين و يكون الموضوع ما يخرج من الماء مطلقا باى سبب كان؟ في المسألة وجوه:

 

99
کتاب الخمس و الأنفال

معنى الغوص ؛ ص : 99

..........

______________________________
قال في المستمسك: «ان النصوص المشتملة على ذكر الغوص واردة في مقام الحصر و لا كذلك نصوص ما يخرج من البحر فيتعين ان تكون مقيدة لإطلاق غيرها».

اقول: انما يضر بالحصر اذا أضفنا الى الخمسة المذكورة في الرواية عنوانا آخر و جعلناها ستة و اما القاء الخصوصية من واحدة منها و جعل الموضوع عنوانا اوسع فلا يضر بالحصر، هذا.

و يظهر من الشرائع اختيار الوجه الرابع حيث جعل العنوان ما يخرج من البحر بالغوص و اختاره في مصباح الفقيه قال:

«لان مقتضى القاعدة عند دوران الامر بين كون الاطلاق جاريا مجرى الغالب او القيد كذلك اهمال الاطلاق لا القاء الخصوصية».

قلت: اولا ان ما ذكروه من القاعدة انما هو فيما اذا ورد دليلان جعل الموضوع في احدهما صرف الطبيعة و في الآخر الطبيعة المقيدة كالرقبة و الرقبة المؤمنة مثلا و علم من الخارج وحدة الحكم فحينئذ يقال بأظهرية التقييد لظهور ذكر القيد في دخالته في الموضوعية من باب ظهور فعل الفاعل المختار في كونه صادرا عنه لغايته الطبيعية، و الغاية الطبيعية لذكر القيد كونه دخيلا في الموضوع.

و الظاهر عدم جريان هذا البيان فيما اذا كان المذكور في كل دليل عنوان واحد بسيط غاية الامر تصادقهما في غالب المصاديق كما في المقام. و ثانيا لا نسلم كلية ما ذكره من القاعدة بل اللازم رعاية ما هو الاظهر بنظر العرف و هو يختلف بحسب المقامات فربما يكون الاظهر في مقام دخالة حيثية القيد و في مقام آخر عدم دخالته و القاء خصوصيته.

و كيف كان فالاظهر في المسألة هو الوجه الاخير فان الظاهر من اخبار الباب و لا سيما من جهة ذكر ما يخرج من البحر في رديف الكنوز و المعادن كون المراد منه ما يستفاد من قعر الماء في قبال ما يستفاد من قعر الارض.

100
کتاب الخمس و الأنفال

نصاب الغوص ؛ ص : 101

[نصاب الغوص]

فيجب فيه الخمس بشرط ان يبلغ قيمته دينارا فصاعدا (1) فلا خمس فيما ينقص من ذلك.

و لا فرق بين اتحاد النوع و عدمه (2) فلو بلغ قيمة المجموع دينارا وجب الخمس، و لا بين الدفعة و الدفعات فيضم بعضها الى بعض (3) كما ان المدار على ما اخرج مطلقا و ان اشترك فيه

______________________________
نعم القدر المتيقن منه صورة كون المستفاد من سنخ الجواهر لا مثل السمك و نحوه، و العرف يلقى خصوصية البحرية و كذا الغوصية قطعا فيشمل الحكم لما يستفاد من قعر الشطوط و لما يخرج بالآلات بلا غوص فتدبر.

و اما السمك و غيره من الحيوانات البحرية اذا صيدت بالغوص او مطلقا فقد حكى عن الشيخ و بعض معاصرى الشهيد الاول و صاحب المستند الحاقها بالغوص.

و لكن يرد على ذلك ان ابتلاء اصحاب الائمة- عليهم السلام- بالسّموك كان كثيرا و لو كان فيها الخمس بصرف اصطيادها لبان قطعا و كان مذكورا في كلمات الائمة (ع) و اصحابهم، فالظاهر ان حكم الغوص مقصور على سنخ الجواهر و نحوها و اما اصطياد الحيوانات البحرية فيكون من مصاديق الاكتسابات اليومية.

(1) كما هو المشهور شهرة محققة و يشهد له خبر محمد بن على السابق و عن غرية المفيدان النصاب عشرون دينارا و مستنده غير معلوم.

(2) لوضوح ان الملاك هو الاستغنام الحاصل بالغوص من غير دخالة لنوع ما يخرج.

(3) بشرط ان لا يكون بين الدفعتين فصل طويل يوجب عدّهما استغنامين مستقلين و الا فيشكل ضم بعضها الى بعض فان الموضوع للخمس هنا بحسب الظاهر هو الاستغنام الغوصى فاذا تعدد الموضوع اعتبر النصاب في كل فرد منه برأسه.

101
کتاب الخمس و الأنفال

حكم المخرج بالآلات من غير غوص ؛ ص : 102

جماعة لا يبلغ نصيب كل منهم النصاب (1) و يعتبر بلوغ النصاب بعد اخراج المؤن كما مر في المعدن (2)

[حكم المخرج بالآلات من غير غوص]

و المخرج بالآلات من دون غوص في حكمه على الاحوط (3) و اما لو غاص و شدّه بآلة فلا اشكال في وجوبه فيه، نعم لو خرج بنفسه على الساحل او على وجه الماء فاخذه من غير غوص لم يجب فيه من هذه الجهة (4) بل يدخل في ارباح المكاسب فيعتبر فيه مئونة السنة و لا يعتبر فيه النصاب.

(مسألة 21): المتناول من الغواص لا يجرى عليه حكم الغوص اذا لم يكن غائصا (5). و اما اذا تناول منه و هو غائص أيضا

______________________________
(1) قد عرفت الاشكال في امثال ذلك في بابى الكنز و المعدن حيث ان كل واحد من السبعة او الخمسة يثبت فيه الخمس من باب الغنيمة الواردة في الآية الشريفة و كل واحد من المكلفين موضوع على حده و مكلف برأسه و يكون استغنامه موضوعا مستقلا فراجع ما حررناه سابقا.

(2) مر في باب المعدن ان مئونة التحصيل مستثناة بلا اشكال و لكن الاحوط ان لم يكن اقوى اعتبار النصاب قبل المؤونة فراجع.

(3) قد عرفت ان الاقوى عدم دخالة خصوصية الغوص و ان الملاك هو الاستخراج و الاستفادة من الماء سواء كان بالغوص او بآلة و نحوها و كيف يمكن ان يقال بثبوت الخمس على من يخاطر بنفسه و يدخل في قعر الماء لاستخراج الجواهر و عدم وجوبه على من يخرج الجواهر من قعره بالآلات اضعافا مضاعفة من دون ان يخاطر بنفسه.

(4) الاحوط هو الوجوب فيه أيضا من هذه الجهة و سيأتي بيانه في مسألة العنبر (المسألة 27).

(5) حكمه حكم ما خرج بنفسه و قد مرّ آنفا و يأتى في المسألة 27 و لا يخفى ان مفروض المسألة ما اذا لم ينو الغائص حيازته و تملكه‌

102
کتاب الخمس و الأنفال

فروع للغوص ؛ ص : 103

فيجب عليه اذا لم ينو الغوّاص الحيازة و الا فهو له و وجب الخمس عليه.

[فروع للغوص]

(مسألة 22): اذا غاص من غير قصد للحيازة فصادف شيئا (1) ففى وجوب الخمس عليه وجهان (2) و الاحوط اخراجه.

[اذا اخرج بالغوص حيوانا و كان في بطنه شي‌ء من الجواهر]

(مسألة 23): اذا اخرج بالغوص حيوانا و كان في بطنه شي‌ء من الجواهر فان كان معتادا وجب فيه الخمس (3) و ان كان من باب الاتفاق بان يكون بلع شيئا اتفاقا فالظاهر عدم وجوبه (4) و ان كان احوط.

[الانهار العظيمة حكمها حكم البحر]

(مسألة 24): الانهار العظيمة كدجلة و النيل و الفرات حكمها حكم البحر بالنسبة الى ما يخرج منها بالغوص (5) اذا فرض تكوّن الجوهر فيها كالبحر.

[اذا غرق شي‌ء فاخرجه الغواص]

(مسألة 25): اذا غرق شي‌ء في البحر و اعرض مالكه عنه فاخرجه الغواص ملكه (6)

______________________________
و الا فهو له و عليه خمسه.

(1) و اخذه بنية الحيازة.

(2) من اطلاق الادلة و من دعوى انصرافها عن مثله و الاقوى هو الاول.

(3) اى خمس الغوص لإطلاق الادلة.

(4) اقول: اى فرق بين هذا الفرع و بين مسألة السمكة التى حكم فيها المصنف بوجوب الخمس وفاقا لقد ماء اصحابنا فراجع المسألة 18.

(5) مر وجهه و ان خصوصية البحرية ملقاة بنظر العرف.

(6) لما رواه الكلينى عن على بن ابراهيم عن ابيه عن النوفلى عن السكونى عن أبي عبد الله عن امير المؤمنين- عليهما السلام- (في حديث) قال: و اذا غرقت السفينة و ما فيها فاصابه الناس فما قذف به البحر على ساحله فهو لأهله و هم احق به و ما غاص عليه الناس و تركه صاحبه‌

103
کتاب الخمس و الأنفال

حكم المعادن الواقعة تحت الماء ؛ ص : 104

و لا يلحقه حكم الغوص على الاقوى (1) و ان كان من مثل اللؤلؤ و المرجان لكن الاحوط اجراء حكمه عليه.

[حكم المعادن الواقعة تحت الماء]

(مسألة 26): اذا فرض معدن من مثل العقيق او الياقوت او نحوهما تحت الماء بحيث لا يخرج منه الا بالغوص فلا اشكال في تعلق الخمس به لكنه هل يعتبر فيه نصاب المعدن او الغوص؟ وجهان و الاظهر الثانى (2).

______________________________
فهو لهم- و نحوه ما رواه الشيخ باسناده عن الشعيرى
«1».

و الظاهر اتحاد الروايتين اذ «الشعيرى» من القاب السكونى و لا بأس بسند الاولى، و بناء الاصحاب في الابواب المختلفة على العمل بروايات السكونى اذا صحّت الرواة عنه، و قوله «تركه صاحبه» يدل على اعراضه عنه و هل المعتبر هو الاعراض القلبى، و العملى كاشف عنه و امارة عليه، او العملى بنفسه؟ كل محتمل، اذ يمكن ان يقال: ان في صورة الاعراض العملى ينقطع عنه علاقة المالك عرفا و يصير بنظر العرف نظير المباحات الاصلية كما عرفت نظير ذلك في باب الكنوز و الآثار القديمة.

و يمكن ان يقال أيضا ان غرق المال مع عدم خروجه عقيبه يوجب عدّ المال عرفا في حكم التالف فيكون اخراجه بمنزلة اخراج المعدن و نحوه.

و كيف كان فاذا احرز الاعراض القلبى فلا اشكال في جواز التملك و يدلّ عليه الرواية قطعا فاشكال بعض محشىّ العروة فيه بلا وجه.

اللهم الا ان يقال ان الرواية و ان تمت سندا و دلالة و لكن اعراض الاصحاب عنها يسقطها عن الحجية، و ليس مضمونها مفتى به في كتب القدماء من اصحابنا فكأنهم اعرضوا عنها فراجع.

(1) لظهور النصوص و الفتاوى فيما يتكون في البحر و لم يتملك بعد و لكن الاحوط في مثل اللؤلؤ و المرجان اجراء حكم الغوص عليه.

(2) اقول: بل الاظهر هو الاول اذ الظاهر من روايات الغوص و‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 17 الباب 11 من ابواب اللقطة، الحديث 1، 2

104
کتاب الخمس و الأنفال

العنبر اذا اخرج بالغوص ؛ ص : 105

[العنبر اذا اخرج بالغوص]

(مسألة 27): العنبر اذا اخرج بالغوص جرى عليه حكمه (1) و ان اخذ على وجه الماء او الساحل ففى لحوق حكمه له وجهان و الاحوط اللحوق و احوط منه اخراج خمسه و ان لم يبلغ النصاب أيضا.

______________________________
ما يخرج من البحر اخراج ما يتكون و يحدث في قعر الماء على سطح ارضه لا ما يتكون في اعماق ارضه بحيث يتوقف العثور عليه على الحفر و الاستخراج فالمعادن المتكونة في اعماق اراضى البحار بحيث تحتاج الى الحفر يلحقها حكم المعادن كما تسمى بها عرفا.

نعم لو ثبت كون مثل الياقوت و الزبرجد المذكورين في خبر محمد بن على من قبيل المعادن الواقعة في اعماق البحر كما ادعاه في المستمسك كان لما ذكره المصنف وجه و لكن لم يثبت ذلك.

و ما تعارف اخراج الغواصين له انما هى الاشياء المتكونة تحت الماء على سطح ارض البحر لا المعادن المحتاجة الى الحفر و الاستخراج.

و لعل استظهار المصنف للوجه الثانى من جهة حمله معادن الذهب و الفضة المذكورة في رواية محمد بن على السابقة على المعادن الواقعة تحت الماء و قد ذكرت فيها في عداد ما يخرج بالغوص فراجع.

ثم لو فرض صدق الغوص على المعادن المستخرجة من اعماق ارض البحر و حكم بثبوت خمسه فيها فلم لا يحكم بثبوت خمس المعادن فيها أيضا بعد ما تعنونت بعنوانين يكون كل منهما موضوعا مستقلا للخمس؟.

(1) اصل ثبوت الخمس في العنبر بلا اشكال، و لا خلاف فيه عندهم و ذكروه في الكتب المعدة لنقل المسائل المأثورة عن الائمة- عليهم السلام- كالنهاية و نحوها و يدل عليه صحيحة الحلبى قال: سألت ابا عبد الله (ع) عن العنبر و غوص اللؤلؤ فقال: عليه الخمس ... «1».

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 7 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

105
کتاب الخمس و الأنفال

العنبر اذا اخرج بالغوص ؛ ص : 105

..........

______________________________
انما الاشكال في نصابه فيظهر من النهاية و جمع منهم عدم النصاب فيه، و عن غرية المفيدان نصابه عشرون دينارا: و عن كشف الغطاء انه من الغوص او بحكمه، و في الشرائع: «العنبر ان اخرج بالغوص روعى فيه مقدار دينار و ان جنى من وجه الماء او من السّاحل كان له حكم المعادن» هذا.

وجه القول الاول: اطلاق صحيحة الحلبى و لا دليل على تقييدها بالنسبة الى العنبر و ان قيدناها بالنسبة الى الغوص بسبب رواية محمد بن على.

و وجه الثانى: انهم بعد ما اتفقوا على ثبوت الخمس فيه و تسالموا على كون الموضوعات سبعة تعيّن الحاق العنبر بواحد منها، و الحاقه بالمعدن اولى لشباهته به حيث ان له مكانا مخصوصا و كل ما كان كذلك يطلق على مكانه الذى يوجد فيه انه معدنه، مع انه بناء على كونه نبع عين في البحر يكون من المعادن حقيقة، و اخذه من وجه الماء او الساحل القريب من معدنه الذى جرت العادة بانتقاله من معدنه اليه لا ينافى صدق اخذه من معدنه.

و وجه الثالث: ان يدّعى انه لا يأخذ الا من البحر بطريق الغوص او انّ ذكره في عداد الغوص في الصحيحة و في كلمات الاصحاب قديما و حديثا يدل على كونه ملحقا به بعد ما تسالموا على كون الموضوعات للخمس سبعة لا ازيد.

و وجه الرابع اعنى تفصيل الشرائع: ان المخرج بالغوص غوص حقيقة و غيره يشبه المعدن كما ذكرنا.

لا يقال: عطف الغوص عليه في الصحيحة يدل على المغايرة الكلية.

فانه يقال: يكفى في العطف مغايرة ما و هى حاصلة بعد ما ثبت ان بعضا منه يشبه المعدن و يكون بحكمه، هذا بعض ما قيل في المقام.

106
کتاب الخمس و الأنفال

الخامس المال الحلال المخلوط بالحرام ؛ ص : 107

 

[الخامس المال الحلال المخلوط بالحرام]

«الخامس» المال الحلال المخلوط بالحرام

[ملاك الاختلاط]

على وجه لا يتميز مع الجهل بصاحبه و بمقداره فيحل باخراج خمسه (1)

______________________________
اقول: اختلفوا في تفسير العنبر فقيل انه نبات في البحر، و قيل:

نبع عين فيه، و قيل: روث دابة بحرية، و قيل: انه يخرج من قعر البحر يأكله بعض دوابه لدسومته فيقذفه رجيعا فيطفو على الماء فتلقيه الريح الى السّاحل، و لعل القول الاخير شاهد جمع للأقوال الاخر.

و كيف كان فالظاهر من كلماتهم انه يؤخذ من وجه الماء او الساحل لا من قعر البحر و مع ذلك حكموا فيه بثبوت الخمس و تريهم يذكرونه في باب الغوص و في الصحيحة أيضا ذكر في رديفه فلعل المتأمل ينقدح في ذهنه ان الجواهر و الاشياء القيمة المستفادة من الماء موضوع للخمس سواء اخذ من قعر البحر بسبب الغوص او من وجه الماء او السّاحل كالعنبر، و ذكره بخصوصه انما هو من جهة ان الاشياء القيّمة البحرية غيره ثقيلة ترسب في الماء، و ما يكون خفيفا يطفو عليه كان منحصرا في العنبر بحسب الغالب، و على هذا فلو فرض خروج بعض الجواهر بسبب الموج و نحوه أيضا كان محكوما بحكمه.

و بالجملة ذكر العنبر و غوص اللؤلؤ معا في الصحيحة يوجب انتقال الذهن الى انهما موضوع وحدانى للخمس، و ما هو الجامع بينهما هو عنوان المستفاد البحرى من الاشياء القيّمة في قبال المستفاد الارضى من الكنوز و المعادن و على هذا فلا فرق بين ما يستفاد من قعر البحر و ما يستفاد من وجه الماء او الساحل و لا محالة يكون النصاب في العنبر و نحوه أيضا هو نصاب الغوص، هذا.

و لكن الاحوط مع ذلك تخميسه مطلقا لعدم ذكر النصاب له في الصحيحة و في كلمات الاصحاب فتدبّر.

(1) كما افتى به في النهاية و الغنية و الوسيلة و غيرها بل ادعى‌

 

107
کتاب الخمس و الأنفال

ملاك الاختلاط ؛ ص : 107

..........

______________________________
عليه الاجماع و الشهرة.

ففى النهاية: «و اذا حصل مع الانسان مال قد اختلط الحلال و الحرام و لا يتميز له و اراد تطهيره اخرج منه الخمس و حلّ له التصرف في الباقى».

و في الغنية في عداد ما فيه الخمس: «و في المال الذى لم يتميز حلاله من حرامه و في الارض التى يبتاعها الذمى بدليل الاجماع المتردّد.» نعم لم يذكره المفيد و ابن ابى عقيل و ابن الجنيد كما في المختلف، و في المدارك «المطابق للأصول وجوب عزل ما يتيقن انتفائه عنه و التفحص عن مالكه الى ان يحصل اليأس من العلم به فيتصدق به على الفقراء كما في غيره من الاموال المجهولة المالك».

و كيف كان فاستدل لوجوب الخمس في المقام بروايات:

الاولى: ما رواه في الخصال عن ابيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن عمار بن مروان قال: سمعت ابا عبد اللّه- عليه السلام- يقول: فيما يخرج من المعادن و البحر و الغنيمة و الحلال المختلط بالحرام اذا لم يعرف صاحبه و الكنوز الخمس «1» و الرواية لا بأس بها من حيث السند و من حيث الدلالة على اصل ثبوت الخمس فيه و على كون وزانه وزان غيره مصرفا.

نعم ربما يوهنها عدم ذكرها في الكتب الاربعة بل يظهر من المستند اختلاف نسخ الخصال أيضا حيث لم يجدها هو كذلك في نسخة خصاله فراجع.

الثانية: من اخبار الباب ما رواه الحسن بن زياد عن ابى عبد الله- عليه السلام- قال: ان رجلا اتى امير المؤمنين- عليه السلام- فقال: يا امير المؤمنين انى اصبت مالا لا اعرف حلاله من حرامه فقال له: اخرج‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

108
کتاب الخمس و الأنفال

ملاك الاختلاط ؛ ص : 107

..........

______________________________
الخمس من ذلك المال فان الله- عز و جل- قد رضى من ذلك المال بالخمس و اجتنب ما كان صاحبه يعلم
«1» هكذا في الوسائل عن التهذيب و لكن رواها في موضعين من التهذيب «2» و في الموضع الاول منه ذكر «يعمل» بدل قوله «يعلم» كما انه ذكر في الموضعين «قد رضى من المال» بدل قوله «قد رضى من ذلك المال».

الثالثة: ما رواه الكلينى عن على بن ابراهيم عن ابيه عن النوفلى عن السكونى عن ابى عبد الله- عليه السلام- قال: اتى رجل امير المؤمنين- عليه السلام- فقال انى كسبت مالا اغمضت في مطالبه حلالا و حراما و قد اردت التوبة و لا ادرى الحلال منه و الحرام و قد اختلط علىّ فقال امير المؤمنين- عليه السلام-: تصدق بخمس مالك فان اللّه رضى من الاشياء بالخمس و سائر المال (الاموال كا) لك حلال و رواه الشيخ أيضا عن الكلينى «3».

و رواه الصدوق أيضا عن السكونى الا انه قال: فقال علىّ- عليه السلام-: ... اخرج خمس مالك فان الله- عز و جل- قد رضى من الانسان بالخمس و ساير المال كله لك حلال. «4».

الرابعة ما رواه الصدوق مرسلا قال: جاء رجل الى امير المؤمنين- عليه السلام- فقال: يا امير المؤمنين اصبت مالا اغمضت فيه أ فلي توبة قال: ايتنى خمسه فاتاه بخمسه فقال: هو لك، ان الرجل اذا تاب تاب ماله معه «5». و الظاهر رجوع الضمير في قوله: «هو لك» الى المال لا الى الخمس المأتى به.

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 10 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(2)- التهذيب ج 4 من الطبعة الجديدة، ص 124 و 138.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 10 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

(4)- الفقيه ج 2 باب الدين و القروض، ص 62.

(5)- الوسائل ج 6 الباب 10 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

109
کتاب الخمس و الأنفال

ملاك الاختلاط ؛ ص : 107

..........

______________________________
الخامسة: ما رواه في المقنعة في باب زيادات الخمس مرسلا قال: و سئل ابو عبد الله- عليه السلام- عن رجل اكتسب مالا من حلال و حرام ثم اراد التوبة من ذلك و لم يتميّز له الحلال بعينه من الحرام فقال:

يخرج منه الخمس و قد تاب ان الله- تعالى- طهر الاموال بالخمس.

السادسة: موثقة عمار عن ابى عبد الله- عليه السلام- انه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل قال: لا الا ان لا يقدر على شي‌ء يأكل و لا يشرب و لا يقدر على حيلة فان فعل فصار في يده شي‌ء فليبعث بخمسه الى اهل البيت «1».

اقول: الظاهر رجوع روايتى الحسن بن زياد و السكونى الى رواية واحدة لتشابههما في السؤال و نقلهما لقضية واحدة اتفقت في زمن امير المؤمنين- عليه السلام- فيشكل الاعتماد على ما اختلفتا فيه من الخصوصيات و التعابير كما ان الظاهر أيضا رجوع مرسلتى الصدوق و المفيد اليهما و على فرض عدم الرجوع أيضا فلا حجية فيهما للإرسال فيبقى لنا من الروايات الاربعة ما اتفق في نقله الحسن بن زياد و السكونى.

و اما موثقة عمار فلم يذكر فيها موضوع المسألة نعم تصلح هى للتأييد فتدبر، هذا.

و يظهر من مصباح الفقيه ان في نسخته التى روى عنها رواية الحسن بن زياد كان «يعمل» بدل «يعلم» فانه قال بعد نقل الرواية ما حاصله: «ان في دلالتها على المدعى تأملا اذ يظهر من ذيلها انها وردت في من اصابه مال من شخص آخر لم يكن مباليا في كسبه بالحلال و الحرام فيحتمل ان يكون المراد بالخمس هو الخمس الذى قد رضى اللّه- تعالى- في كل مال استفاده من حيث كونه غنيمة لا من حيث كونه‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 10 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

110
کتاب الخمس و الأنفال

ملاك الاختلاط ؛ ص : 107

..........

______________________________
لا يعرف حلاله من حرامه و يمكن تطبيقه على القواعد بتنزيله على الغالب من عدم اصابة مال ذلك الشخص كله اليه و احتمال كون ما وصل اليه من حلاله او كون حلاله و حرامه باعتبار اشتماله على الربا و نحوه مما ورد العفو عنه كما في صحيحة الحلبى و غيرها هذا مع امكان ان يكون الحكم في الواقع فيما يؤخذ من مثل العامل و السارق اباحته للآخذ ما لم يعلم حرمته بالتفصيل» انتهى كلامه- رفع في الخلد مقامه-

اقول: قد عرفت ان رواية الحسن بن زياد ذكرت في موضعين من التهذيب و المذكور في احدهما كلمة «يعلم» لا «يعمل» فلا يثبت واحد منهما و لا دلالة في الرواية على كونها واردة في من اصابه المال من شخص آخر بل قد عرفت ان الظاهر رجوع هذه الرواية و رواية السكونى أيضا الى رواية واحدة، و الظاهر من الثانية حصول الاختلاط عند نفس السائل فراجع.

اللهم الا ان يقال انه ورد في صحيحة الحلبى الواردة في من ورث مالا ممن كان يربى: «فقال ابو جعفر- عليه السلام- ان كنت تعلم بأن فيه مالا معروفا ربا و تعرف اهله فخذ رأس مالك و ردّ ما سوى ذلك و ان كان مختلطا فكله هنيئا فان المال مالك و اجتنب ما كان يصنع صاحبه ...» «1». فيجعل تشابه ذيل هذه الرواية لذيل رواية الحسن بن زياد قرينة على كون المذكور فيها كلمة «يعمل» فيقوى بذلك ورودها في من اصابه المال من شخص آخر و كون الخمس المذكور فيها خمس الغنيمة.

و يؤيد ذلك تعليله- عليه السلام- بقوله: «فان اللّه قد رضى من المال بالخمس» اذ التعليل يجب ان يكون بامر مركوز معهود مسبوق اليه عقلا او شرعا، و ما هو المعهود في باب الخمس هو قوله- تعالى-: و اعلموا‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 12 الباب 5 من ابواب الربا، الحديث 3.

111
کتاب الخمس و الأنفال

ملاك الاختلاط ؛ ص : 107

..........

______________________________
انما غنمتم الآية، فلا ترتبط الرواية بخمس المال المختلط، هذا.

و لكن يمكن ان يقال بارجاع خمس المال المختلط أيضا الى خمس الغنيمة بان يقال: ان المستفاد من الاخبار الواردة في الربا المختلط بغيره و هى كثيرة «1» و كذا من موثقة سماعة الواردة في غير الربا هو ان الحرام اذا اختلط بالحلال و لم يتميز صاحبه و اراد من عنده المال ان يتخلص منه و يتوب ينتقل اليه قهرا و يصير مالكا له ففى الحقيقة الحرام المختلط ينصبغ بصبغة الحلّية بسبب الحلال المختلط به اذا اراد الرجل ان يتوب و يتخلص منه و لم يتمكن من ايصاله الى صاحبه، و يشعر بما ذكرنا قوله- عليه السلام- في مرسلة الصدوق السابقة «هو لك ان الرجل اذا تاب تاب ماله معه» بل قوله (ع) في رواية السكونى «تصدق بخمس مالك» او «اخرج خمس مالك» حيث اضاف المال الى الشخص، و لا بعد في تملك مال الغير قهرا او بالقصد اذا لم يمكن ايصاله اليه كما ترى نظيره في باب اللقطة و اذا انتقل المال الى الشخص يصير غنيمة له و يصير هذا القسم من الغنيمة بمقتضى اخبار الباب موضوعا مستقلا للخمس في قبال ساير الموضوعات، و لو لم ينتقل الحرام اليه كان مقتضى العلم الإجمالي الاجتناب عن جميع المال، فالحرام المختلط بالحلال بعد التوبة كأنه غنيمة جديدة و الخمس ميزانية اسلامية متعلقة بها فتأمل فان صدق الغنيمة الجديدة على جميع المال مشكل و انما الغنيمة الجديدة على الفرض خصوص الحرام في البين فلم يتعلق الخمس بجميع المال؟! اللهم الا ان يقال حيث ان مقتضى العلم الإجمالي الاجتناب عن الجميع صح اطلاق الغنيمة على الجميع بعد الحكم بحليته بالتوبة هذا.

و لنذكر موثقة سماعة المشار اليها و هى ما رواه في الكافى (كتاب‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 12 الباب 5 من ابواب الربا.

112
کتاب الخمس و الأنفال

ملاك الاختلاط ؛ ص : 107

..........

______________________________
المعيشة الباب 41) عن عدّة من اصحابنا عن احمد بن محمد عن ابن محبوب عن ابى ايوب عن سماعة قال: سألت ابا عبد الله- عليه السلام- عن رجل اصاب مالا من عمل بنى اميّة و هو يتصدق منه و يصل منه قرابته و يحج ليغفر له ما اكتسب و هو يقول
إِنَّ الْحَسَنٰاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئٰاتِ فقال:

ابو عبد الله- عليه السلام- ان: الخطيئة لا تكفّر الخطيئة و لكن الحسنة تحطّ الخطيئة ثم قال- عليه السلام: ان كان خلط الحلال بالحرام فاختلطا جميعا فلا يعرف الحلال من الحرام فلا بأس «1».

و قد تلخص مما ذكرناه ان الحرام المختلط بالحلال مع الجهل بصاحبه يمكن القول بانتقاله الى مالك الحلال قهرا تغليبا للحلية، و في الرتبة المتأخرة يتعلق بهذا المال المختلط الخمس من جهة انه احد مصاديق الغنيمة فيشمله الآية الشريفة فيكون و زان الخمس فيه و زان المعادن و الكنوز و نحو هما كما هو الظاهر من صحيحة عمار بن مروان فلا يصح ما في مصباح الفقيه من ان المراد بثبوت الخمس فيه هو ان الشارع جعل تخميسه بمنزلة تشخيص الحرام و ايصاله الى صاحبه فليس ثبوت الخمس فيه كثبوته في الكنز و نحوه في كونه بالفعل مملوكا لبنى هاشم و ان كان يوهمه خبر ابن مروان انتهى.

ثم لا يخفى ان مقتضى ما ذكر عدم الفرق بين ما علم مقداره تفصيلا او اجمالا و بين ما لم يعلم فانه مقتضى اطلاق الاخبار و ترك الاستفصال فيها و كذا بعض الفتاوى و به صرّح في الحدائق فيكون حكم الحرام المخلوط مطلقا هو الانتقال الى مالك الحلال ثم تخميس المال، و حكم الحرام المتميز التصدق به كما هو المستفاد من رواياته الواردة في الموارد المختلفة فان مواردها المال المتميّز.

قال في الحدائق «و لقائل ان يقول ان مورد تلك الاخبار الدالة‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 12 الباب 4 من ابواب ما يكتسب به، الحديث 2.

113
کتاب الخمس و الأنفال

ملاك الاختلاط ؛ ص : 107

..........

______________________________
على التصدق انما هو المال المتميز في حدّ ذاته لمالك مفقود الخبر، و الحاق المال المشترك به مع كونه مما لا دليل عليه قياس مع الفارق لأنه لا يخفى ان الاشتراك في هذا المال سار في كل درهم درهم و جزء جزء منه فعزل هذا القدر المعلوم للمالك المجهول ... لا يوجب استحقاق المالك المجهول له حتى يتصدق به عنه ...».

و اجاب عنه في مصباح الفقيه اولا: بان ورود الاخبار في المتميز لا ينافى دلالتها على حكم المختلط أيضا بالقاء الخصوصية.

و ثانيا: بان رواية على بن ابى حمزة الواردة في من اصاب مالا كثيرا في ديوان بنى اميّة «1» موردها المال الممتزج و لو بمال غير المالك المجهول اذ العادة قاضية بان مثل هذا الشخص لو لم يكن اصابه حلال خلطه بغيره فلا أقلّ من خلط بعض ما اكتسبه من الحرام ببعض.

و ثالثا: سلمنا ان اخبار التصدق قاصرة عن افادة حكم صورة الامتزاج و لكن اخبار الخمس أيضا منصرفة عن صورة العلم بمقدار الحرام انتهى.

اقول: قد عرفت ان مورد اخبار التصدق هو المال المتميز و مورد الخمس هو المال المختلط بالحلال فلا تمانع بين اخبار البابين و لا تماس لإحداهما بالاخرى، و القاء الخصوصية مع احتمال دخالتها بلا وجه، و مورد رواية ابن ابى حمزة هو الحرام المختلط بمثله فكان الجميع حراما فيمتاز عن المقام حيث حكمنا فيه بحليّة الحرام في البين تغليبا لجانب الحلية، و لا نسلم انصراف اخبار المقام عن المعلوم مقداره بعد اطلاق الروايات بل بعض الفتاوى و بعد الاشتراك في الملاك و هو اختلاط الحرام بالحلال بحيث لا يتميز فينصبغ بصبغة الحلّية بسبب الاختلاط به مع الجهل بصاحبه‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 12 الباب 47 من ابواب ما يكتسب به، الحديث 1.

114
کتاب الخمس و الأنفال

مصرف خمس المختلط بالحرام ؛ ص : 115

[مصرف خمس المختلط بالحرام]

و مصرفه مصرف ساير اقسام الخمس على الاقوى. (1)

______________________________
و تحقق التوبة من صاحب الحلال فتدبر.

و عليك بمراجعة اخبار التصدق بمجهول المالك في مظانّه فراجع الوسائل ج 12 الباب 47 من ابواب ما يكتسب به و الباب 15 من ابواب بيع الصرف و ج 17 الباب 7، 17، 18 من اللقطة و الباب 6 من ابواب ميراث الخنثى.

(1) كما هو الظاهر من خبر عمار بن مروان حيث عدّ فيه المال المختلط في عداد الكنوز و المعادن و نحوهما بل هو الظاهر من لفظ الخمس في ساير الاخبار أيضا بناء على كونه حقيقة شرعية في خصوص الخمس المصطلح و لا أقلّ من ثبوت الحقيقة عند المتشرعة في زمان الصادق- عليه السلام-.

و لا ينافى ذلك التعبير بالتصدق في رواية السكونى لإطلاقه على الخمس أيضا في بعض الاخبار كصحيحة على بن مهزيار الطويلة الواردة في الخمس كما قيل و ان لم يصح هذا عندى و تاتى في محله و لعدم وجود التعبير بالتصدق في الرواية بنقل الصدوق كما عرفت بل قد عرفت رجوع روايتى السكونى و الحسن بن زياد الى رواية واحدة لكونهما نقلا لقضية واحدة مع تشابه الالفاظ فيهما فلا حجية لما اختص به واحدة منهما، هذا.

و لكن يمكن ان يقال بعد ما ارتكز في اذهان المتشرعة بسبب الاخبار المتكثرة الواردة في المقامات المختلفة من اللقطة و ما اودعه اللصوص عند الانسان و غيرهما من الموارد وجوب التصدق بمجهول المالك عن قبل صاحبه حتى يستفيد منه فائدة اخروية، اذا ورد سؤال عن حكم المختلط و جواب من الامام- عليه السلام- باخراج الخمس و حلّية البقية يتبادر من السؤال قهرا السؤال عن مقدار ما يجب ان يتصدق به بعد الفراغ من اصله، و من الجواب تحديد ما يجب ان يتصدق به بمقدار خمس المال، فلو فرض عدم ثبوت تعبير الامام- عليه السلام- في الرواية بلفظ التصدق أيضا كان نفس الارتكاز الحاصل بالاخبار المتكاثرة قرينة على عدم ارادة‌

115
کتاب الخمس و الأنفال

مصرف خمس المختلط بالحرام ؛ ص : 115

..........

______________________________
الخمس المصطلح.

و بالجملة لا يوجد فرق بين الحرام المتميز و غيره في المصرف غاية الامران مالك الملوك الذى هو ولىّ الغائب و المجهول صالح الحرام المجهول غير المتميز بمقدار الخمس من المال المختلط.

و الانصاف قوة هذا الاحتمال لو منع ما استظهرناه من كون الحكم في الحرام المختلط بالحلال انتقاله الى مالك الحلال و انصباغه بصبغة الحلّية و ثبوت خمس الغنيمة فيه.

و اما على ما استظهرناه فلا اصطكاك لاخبار الباب باخبار التصدق في المال المجهول مالكه، فاخبار الباب تتصدى لبيان حكم المختلط و اخبار التصدق لبيان حكم المال الحرام المتميز، و الخمس في المقام أيضا من مصاديق خمس الغنيمة فتدبر.

و الحاصل ان مصرف هذا الخمس على ما استظهرناه من المبنى مصرف ساير اقسام الخمس و اما مع منع هذا المبنى و القول بعموم اخبار التصدق في حدّ نفسها او بالقاء الخصوصية للمال المختلط أيضا،

فالاحوط تطبيق الخمس في المقام على المصرفين بان يعطى باذن الفقيه للفقراء من السادة من دون ان يقصد خصوص عنوان الخمس المعهود او التصدق، و الاقوى جواز اعطاء الصدقات المندوبة و كذا الواجبة بعارض مثل المنذورة و الموصى بها و المظالم للفقراء من السادة و لو فرض المنع عن اعطاء غير الزكاة من الواجبات الاصلية.

هذا و لو قلنا كما يأتي في محله بان الخمس باجمعه حق وحدانى لمقام الامامة و بعموم لفظ التصدق او الصدقة لجميع سبل الخير كما لا يبعد و يشهد له آية مصرف الزكاة و اطلاق الصدقة على الوقف و قوله عون الضعيف صدقة و نحو ذلك انحل الاشكال بحذافيره اذ يصرف جميعا في مصالح المسلمين و شئون الامامة بعد تأمين فقراء السادة فتدبر.

116
کتاب الخمس و الأنفال

لو علم المقدار و لم يعلم المالك ؛ ص : 117

[لو علم المقدار و لم يعلم المالك]

و اما ان علم المقدار و لم يعلم المالك تصدّق به عنه. (1)

______________________________
(1) الوجوه المحتملة في المسألة اربعة: الاول: ان يحكم فيها أيضا بالخمس سواء كان المقدار المعلوم بقدره او أقلّ او اكثر اختاره في الحدائق تمسكا باطلاق اخبار الباب، و لا بعد فيه ان سلّم ما استظهرناه من كون الحكم في الحرام المختلط بالحلال انتقاله قهرا الى مالك الحلال بعد ما تاب و اراد استخلاص ماله تغليبا لجانب الحلّية و قد دلّ على ذلك اخبار باب الربا و موثقة سماعة و قد مرّت.

الثانى: التصدق به و هو مختار اكثر المتأخرين و استدل عليه باخبار التصدق في مال جهل مالكه و لا سيما خبر على بن ابى حمزة بعد ادعاء انصراف اخبار الخمس عنه و استبعاد الاكتفاء بالخمس مع العلم بالمقدار و كونه اكثر منه هذا، و قد مر ان مورد اخبار التصدق المال المتميّز او الحرام المختلط بمثله و يشكل القاء الخصوصية بعد احتمال دخالتها.

و اما اشكال صاحب الحدائق على هذا القول باشتراك المال و كون الافراز متوقفا على رضا الشريكين فيرد عليه ان اجازة الشارع الذى هو مالك الملوك لصاحب الحلال يكفى في صحة افرازه لو ساعد الدليل على ذلك اثباتا فالعمدة اثبات شمول اخبار التصدق للمقام و قد عرفت الاشكال فيه.

الثالث: ان يصرف المقدار المعلوم باجمعه في مصرف الخمس قلّ او كثر و وجهه دعوى استفادة ذلك من اخبار الخمس بتنقيح المناط نظرا الى ان الجهل بالمقدار انما يناسب تحديد المقدار بالخمس لا تخصيص مصرفه بارباب الخمس.

و الحاصل انه من المستبعد جدّا ان يفرّق بين المقامين بحسب المصرف فيصرف الحرام المختلط الى غير السادة ان علم مقداره و الى السادة ان جهل به فيعلم من اخبار الباب بتنقيح المناط ان مصرف الحرام المختلط بالحلال مطلقا هو مصرف الخمس غاية الامر انه مع الجهل بمقداره يكتفى بخمس المال و مع العلم به يصرف فيه ما علم قل او كثر،

117
کتاب الخمس و الأنفال

الاحوط ان يكون التصدق باذن المجتهد ؛ ص : 118

[الاحوط ان يكون التصدق باذن المجتهد]

و الاحوط ان يكون باذن المجتهد الجامع للشرائط. (1)

______________________________
فالجهل بالمقدار يوجب التحديد بالخمس لا انقلاب المصرف، و الانصاف قوة هذا الاحتمال لو منع ما استظهرناه من الاحتمال الاول.

الرابع: انه على تقدير زيادته على الخمس يصرف الخمس في مصرف الخمس و الزائد صدقة، و الظاهر ان وجهه ادعاء شمول اخبار الباب له بضميمة استبعاد حلّية الزائد لمالك الحلال فيصرف صدقة، هذا.

و لكن يرد عليه انه اما ان يتناوله اخبار الباب فمقتضاه حلّية البقية او اخبار الصدقة فيصرف الجميع صدقة فالجمع بينهما بلا وجه فتدبر.

و الاقوى في المسألة هو الوجه الاول و قد عرفت وجهه سابقا فراجع.

و الاحوط تطبيق المقدار المعلوم باجمعه على المصرفين كما مرّ و ان كان المقدار المعلوم أقلّ من الخمس اعطى بقدر الخمس كذلك.

(1) لأنه ولىّ الغائب و لأنه مقتضى الجمع بين ما دل على التصدق بمال لا يمكن ايصاله الى صاحبه و بين ما دل على كونه للإمام كقوله- عليه السلام- في رواية داود بن ابى يزيد «ماله صاحب غيرى» و في رواية محمد بن القاسم بن الفضيل «ما اعرفك لمن هو يعنى نفسه» فروى داود بن ابى يزيد عن ابى عبد الله- عليه السلام- قال: قال رجل:

انّى قد اصبت مالا و انّى قد خفت فيه على نفسى و لو اصبت صاحبه دفعته اليه و تخلصت منه، قال: فقال له ابو عبد اللّه «ع»: و اللّه ان لو اصبته كنت تدفعه اليه؟ قال: اى و اللّه، قال: فانا و اللّه ماله صاحب غيرى، قال:

فاستحلفه ان يدفعه الى من يأمره، قال: فحلف، فقال: فاذهب فاقسمه في اخوانك و لك الامن مما خفت منه، قال: فقسّمته بين اخوانى «1»

و روى محمد بن القاسم عن ابى الحسن- عليه السلام- في رجل كان في يده مال لرجل ميّت لا يعرف له وارثا كيف يصنع بالمال؟ قال:

ما اعرفك لمن هو يعنى نفسه «2».

______________________________
(1)- الوسائل ج 17 الباب 7 من ابواب اللقطة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 17 الباب 6 من ابواب ميراث الخنثى، الحديث 12.

118
کتاب الخمس و الأنفال

حكم ما اذا علم المالك و جهل المقدار ؛ ص : 119

[حكم ما اذا علم المالك و جهل المقدار]

و لو انعكس بان علم المالك و جهل المقدار تراضيا بالصلح و نحوه، و ان لم يرض المالك بالصلح ففى جواز الاكتفاء بالاقل او وجوب اعطاء الاكثر وجهان (1)

______________________________
و لعله يظهر لمن راجع اخبار المال المجهول مالكه و اخبار ميراث من لا وارث له انّهما من واد واحد و ان المصرف فيهما واحد و هو التصدق به و لكن الامام ولىّ امره فيجب ان يوصل المال اليه او يتصدق باذنه و بالجملة سنخ هذه الاموال التى لا يوجد لها صاحب بالخصوص يرجع فيها الى حاكم الإسلام كما يرجع فيها الى الحكومات العرفية و تعدّ من اموال الحكومة في جميع الممالك، و لعل المراد بالتصدق أيضا ليس خصوص الصرف الى الفقراء بل مطلق ما يسد به خلة الإسلام و المسلمين اعنى المصارف الثمانية المذكورة في الآية الشريفة للصدقات، و ظهور لفظ التصدق في عرفنا الحاضر في الخصوص لا يدل على كونه كذلك في عرف الشارع في صدر الإسلام.

(1) الوجوه المحتملة في المسألة كثيرة: الاول: ان يكتفى بالخمس كما عن التذكرة بتقريب ان المستفاد من قوله- عليه السلام- «ان الله رضى من المال بالخمس» ان الخمس تحديد شرعى للحرام الممتزج الذى جهل مقداره فان علم مالكه اعطاه و الا صرف في مصرف الخمس. و فيه نظر كما لا يخفى و في خبر عمار بن مروان «و الحلال المختلط بالحرام اذا لم يعرف صاحبه» و هذا يفسر الروايات الاخر.

الثانى: ان يكتفى بالاقل اذ مقتضى يده او يد مورثه على الكل ملكية الكل الا ما علم خلافه و لأصالة البراءة عن التكليف بدفع الازيد.

هذا مضافا الى استصحاب الملكية في بعض الصور كما اذا كان الكل لمورثه ثم باع بعضا منه و لم يقبضه و تردّد بين الاقل و الاكثر هذا و لكن لا يخفى انّ اليد امارة على الملكية بالنسبة الى الغير قطعا و اما بالنسبة الى نفس المستولى على الشي‌ء فلا يخلو عن شوب اشكال فتأمل و اما‌

119
کتاب الخمس و الأنفال

حكم ما اذا علم المالك و جهل المقدار ؛ ص : 119

..........

______________________________
اصل البراءة فلا يجدى في الحكم بكون المشكوك فيه مملوكا لنفسه.

الثالث: ان يحكم بوجوب دفع الاكثر ليحصل الجزم بالخروج عن عهدة التكليف المعلوم بالاجمال، و الانحلال في الاقل و الاكثر الاستقلالى انما يصح اذا حصل بعد التأمل انحلال حقيقى بحيث لم يبق العلم على اجماله.

الرابع: ان يعامل المقدار المشكوك فيه معاملة المال المردد بين شخصين من التنصيف او القرعة على الخلاف فيه.

وجه القول بالتنصيف اصطياد العموم مما ورد في الدينار المودع و الدرهم المتنازع فيه.

فالاول: ما رواه الصدوق باسناده عن السكونى عن الصادق عن ابيه- عليهما السلام- في رجل استودع رجلا دينارين فاستودعه آخر دينارا فضاع دينار منها قال يعطى صاحب الدينارين دينارا و يقسم الاخر بينهما نصفين و رواه الشيخ أيضا «1».

و الثانى: ما رواه الصدوق باسناده عن عبد اللّه بن المغيرة عن غير واحد من اصحابنا عن ابى عبد اللّه- عليه السلام- في رجلين كان معهما در همان فقال احدهما: الدرهمان لى و قال الآخر هما بينى و بينك فقال: اما الذى قال هما بينى و بينك فقد اقر بانّ احد الدرهمين ليس له و انه لصاحبه و يقسم الآخر بينهما و رواه الشيخ أيضا «2» بل التنصيف امر عقلائى يحكم به العقلاء أيضا في منازعاتهم.

و وجه القرعة ان التنصيف خلاف الاصل و خلاف الواقع هذا مضافا الى مخالفة رواية الدرهمين لما يقتضيه احكام باب القضاء اذ الظاهر كون الدرهمين في ايدى الرجلين فكل منهما ذو يد بالنسبة الى‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 13 الباب 12 من ابواب كتاب الصلح.

(2)- الوسائل ج 13 الباب 9 من ابواب كتاب الصلح.

120
کتاب الخمس و الأنفال

حكم ما اذا علم المالك و جهل المقدار ؛ ص : 119

..........

______________________________
واحد منهما مشاعا فمدّعى الدرهمين بالنسبة الى ما في يد الاخر مدّع و هو منكر فيجب ان يستحلف المنكر و بعد الحلف يعطى جميع الدرهم المتنازع فيه لا نصفه.

و كيف كان فيقتصر في الخبرين على موردهما و لا يتعدى منهما الى غيره فيكون المقام من مصاديق موضوع القرعة التى هى لكل امر مشكل.

نعم في خمس الشيخ الانصارى (قده) انها انما تجرى في مقدار دار الامر بين كون مجموعه له او لصاحبه لا فيما اذا احتمل الاشتراك بينهما على وجوه غير محصورة و الروايات يعمل بها في مواردها لعدم استنباط مناط منها على وجه القطع.

الخامس: ان يفصّل بين ما اذا كان الجهل بالمقدار من اول الامر فيكتفى بالاقل و بين ما اذا كان عالما به ابتداء ثم طرأ الجهل لأجل تقصيره بالتأخير فيجب الاكثر كما عن الشيخ البهائى و اختاره بعض محشىّ العروة اذا الحكم بسبب تعلّق العلم به آنا ما وصل الى المكلف و تنجز فصار بوجوده الواقعي ملازما لاستحقاق العقوبة و بعد النسيان و ان زال العلم و لكن احتماله احتمال للتكليف المنجز الموجب للعقوبة على فرض ثبوته فلا يجرى فيه البراءة اذ البراءة انما تجرى فيما اذا حصل بعد جريانها القطع بعدم العقوبة، و المفروض في المقام ان التكليف صار بسبب تعلق العلم به بوجوده الواقعي ملازما للتنجز و العقوبة.

و نظير المقام ما اذا تلف احد طرفى العلم الإجمالي بعد تحققه و تنجيزه للطرفين فانهم تسالموا ظاهرا على تنجز التكليف في الفرد الباقى على فرض انطباقه عليه مع ان العلم زال بتلف احد الطرفين فيعلم من ذلك ان حدوث العلم كاف في تنجيز متعلقه و لو بعد زواله.

نعم لو لم يكن التأخير بتقصير منه امكن القول بان زوال العلم يرفع التنجز أيضا فيدور التنجز مداره حدوثا و بقاء الا ترى انه لا يمكن الالتزام‌

121
کتاب الخمس و الأنفال

حكم ما اذا علم المالك و جهل المقدار ؛ ص : 119

..........

______________________________
بثبوت العقاب فيما اذا علم بالتكليف و تنجز في حقّه ثم نسى الاتيان به الى الابد مع عدم تفريطه في الامتثال.

السادس: ان يفصل بين ما اذا علم حرمة اعيان بعينها و شك في الزائد فينفى الزيادة باليد و الاصل و بين ما اذا تردد الامر بين متباينين احدهما اكثر عددا او قيمة من الآخر فيحكم بالتنصيف او القرعة كما اختاره بعض الاساتذة في حواشيه على العروة.

السابع: و هو الاحوط بل الاقوى في النظر ان يجمع بين الوجه الخامس و السادس فيفصّل بين اقسام الاقل و الاكثر و كذا بينه و بين المتباينين فيحكم: في الاول بالاقل الا اذا استولى على مال الغير عدوانا او علم بمقداره ابتداء و قصّر في ادائه فيحكم بالاكثر و يحكم في الثانى بالتنصيف.

وجه الاول نفى الزيادة باليد، و اليد حجة و امارة عقلائية على الملكية. ما لم تكن ظالمة و عادية، فلو كان استيلائه على مال الغير بالعدوان و شاع الحرام في ماله سقطت عن الحجية، و العلم أيضا منجّز مع التقصير في التأخير و ان زال اذ بعد ما صار التكليف منجزا بالعلم و قصر في العمل حتى زال فلا وجه للسقوط بعد ما تنجز التكليف بواقعه و شمول رفع النسيان لصورة التقصير مشكل.

و وجه التنصيف في الثانى اصطياد العموم من الروايتين السابقتين و لا سيما مع بناء العقلاء عليه أيضا في منازعاتهم و مرافعاتهم فيكون امرا عرفيا.

و مرادنا بالتنصيف تنصيف اعيان المتباينين بينهما فيملك كل واحد منهما نصفا من كل منهما فلا يلزم بقبول التقويم و تنصيف الزائد على المقدار المعلوم كما يظهر من حاشية الاستاذ المرحوم العلامة آية اللّه البروجردى (قده) فراجع.

122
کتاب الخمس و الأنفال

الاختلاط بالاشاعة ؛ ص : 123

الاحوط الثانى و الاقوى الاول اذا كان المال في يده (1) و ان علم المالك و المقدار وجب دفعه اليه.

[الاختلاط بالاشاعة]

(مسألة 28): لا فرق في وجوب اخراج الخمس و حلّية المال بعده بين ان يكون الاختلاط بالاشاعة او بغيرها كما اذا اشتبه الحرام بين افراد من جنسه او من غير جنسه. (2)

[لا فرق في حلّية البقية بين ان يعلم اجمالا زيادة مقدار الحرام او نقيصته عن الخمس]

(مسألة 29): لا فرق في كفاية اخراج الخمس في حلّية البقية في صورة الجهل بالمقدار و المالك بين ان يعلم اجمالا زيادة مقدار الحرام او نقيصته عن الخمس و بين صورة عدم العلم و لو اجمالا ففى صورة العلم الإجمالي بزيادته عن الخمس أيضا يكفى اخراج الخمس فانه مطهّر للمال تعبدا (3)

______________________________
(1) بل عرفت آنفا ان الاقوى هو التفصيل فان كان مرددا بين الاقل و الاكثر و لم يكن استيلائه على الحرام عدوانا و لم يعلم بمقداره ابتداء بنى على الاقل و ان كان استيلائه عليه عدوانا او علم بمقدار الحرام ابتداء ثم طرأ الجهل و النسيان بنى على الاكثر و ان كان مترددا بين المتباينين حكم بالتنصيف و اللّه العالم.

(2) لشمول النصوص لجميع الصور.

(3) عن المناهل كفاية اخراج الخمس في حلّيّة البقية و ان علم اجمالا بزيادته او نقيصته عن الخمس لإطلاق النصوص و الفتاوى و بذلك افتى المصنف أيضا كما ترى.

و لكن في الجواهر «لو اكتفى باخراج الخمس هنا لحلّ ما علم من ضرورة الدين خلافه اذا فرض زيادته عليه كما انه لو كلف به مع فرض نقيصته عنه وجب عليه بذل ماله الخاص له».

اقول: ان اخترنا شمول الاخبار لصورة العلم بالمقدار تفصيلا و ان زاد على الخمس كما اختاره في الحدائق و قرّبناه بكون الحكم في الحرام المختلط بالحلال مع الجهل بمالكه انتقاله قهرا الى مالك الحلال اذا اراد التوبة تغليبا لجانب الحليّة ثم تعلق الخمس به من باب الغنيمة اتضح‌

123
کتاب الخمس و الأنفال

لا فرق في حلية البقية بين ان يعلم اجمالا زيادة مقدار الحرام او نقيصته عن الخمس ؛ ص : 123

و ان كان الاحوط مع اخراج الخمس المصالحة مع الحاكم الشرعى أيضا بما يرتفع به يقين الشغل و اجراء حكم مجهول المالك عليه و كذا في صورة العلم الإجمالي بكونه انقص من الخمس و احوط من ذلك المصالحة معه بعد اخراج الخمس بما يحصل معه اليقين بعدم الزيادة.

______________________________
حكم المقام بطريق اولى.

و اما اذا منع شمولها لصورة العلم بالمقدار و منع ما قربناه أيضا فشمولها لصورة العلم الإجمالي أيضا مشكل لعدم التفاوت بين العلمين في الحجية، و اطلاق الاخبار محمول على الغالب من الجهل بالمقدار و خبر عمار بن مروان لا اطلاق له اصلا لعدم كونه في مقام البيان من هذه الجهات.

هذا مضافا الى ما ذكره الشيخ في خمسه في صورة الزيادة من ظهور التعليل الوارد في اخبار الباب (اعنى قوله فان اللّه قد رضى من المال بالخمس) في كفاية الخمس عن الزائد الواقعي لو ثبت لا عن الزائد المعلوم، و في صورة النقيصة من ظهوره في التخفيف فلا يناسبه الالزام بالاكثر و ان امكن الخدشة في ذلك بان مقتضى العلم بثبوت الحرام في المال مع عدم تميزه هو الاجتناب عن الجميع حتى يصل الحرام الى مالكه، فالحكم بكفاية الخمس في حلّية البقية يوجب التوسعة و التخفيف قطعا فتدبر.

و كيف كان فقد استظهرنا سابقا كفاية الخمس و لو مع العلم التفصيلى بالمقدار فضلا عن العلم الإجمالي و يدل عليه اطلاق بعض الاخبار و ترك الاستفصال فيها، و لو منع ذلك فهل يكتفى في المقام بالنسبة الى المقدار المشكوك فيه بالاقل او الاكثر او يعامل فيه معاملة المال المردد بين شخصين من التصنيف او القرعة او يفصل بين المقامات كما عرفت؟ في المسألة وجوه و قد عرفت الحق منها.

ثم هل يصرف ذلك صدقة مطلقا او في مصرف الخمس كذلك او يصرف مقدار الخمس خمسا و الزائد صدقة؟ وجوه أيضا كما مر فيما علم‌

124
کتاب الخمس و الأنفال

اذا علم قدر المال و لم يعلم صاحبه بعينه ؛ ص : 125

[اذا علم قدر المال و لم يعلم صاحبه بعينه]

(مسألة 30): اذا علم قدر المال و لم يعلم صاحبه بعينه لكن علم في عدد محصور ففى وجوب التخلص من الجميع و لو بارضائهم بأى وجه كان او وجوب اجراء حكم مجهول المالك عليه او استخراج المالك بالقرعة او توزيع ذلك المقدار عليهم بالسوية؟ وجوه اقواها الاخير (1)

______________________________
مقداره تفصيلا فراجع.

و الاحوط في صورة العلم بالنقيصة اخراج مقدار الخمس و في صورة العلم اجمالا بالزيادة اخراج الاقل الا اذا كانت يده عادية او سبق العلم بالمقدار و قصّر في ادائه فالاكثر و مع التباين التنصيف باذن الحاكم ثم تطبيق ما اخرج في جميع الصور باذن الحاكم على المصرفين.

(1) و يوجّه الاول بانه مقتضى كون الاداء غاية للضمان في حديث اليد، و نوقش فيه بلزوم الضرر، و اجيب بمعارضته بضرر المالك.

و يوجّه الثانى بعموم الامر بالصدقة في ما جهل مالكه، و يرد عليه ان الملاك في التصدق بالمال عدم امكان الايصال الى صاحبه لا الجهل به و لذا امر بالتصدق في خبر يونس بالنسبة الى مال الرفيق بمكة بعد المفارقة منه و عدم معرفة بلده حتى يوصل اليه «1».

و يوجّه الثالث و الرابع بما عرفت من الخلاف في المال المردد.

و الاقوى هو التفصيل فان كان استيلائه على مال الغير بالعدوان كان مقتضى حديث اليد وجوب تحصيل العلم بالفراغ و لو بدفع امثال المال الى الجميع لدى الامكان و لا يرفعه نفى الضرر لكونه ناشئا من تفريطه و سوء اختياره.

و بالجملة مقتضى قاعدة الضمان المعتضدة بقاعدة نفى ضرر المالك وجوب ايصال ماله اليه فيجب تحصيل مقدماته الوجودية‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 17 الباب 7 من ابواب اللقطة، الحديث 2.

125
کتاب الخمس و الأنفال

لو كان حق الغير في ذمته لا في ماله ؛ ص : 126

و كذا اذا لم يعلم قدر المال و علم صاحبه في عدد محصور فانه بعد الاخذ بالاقل كما هو الاقوى (1) او الاكثر كما هو الاحوط يجرى فيه الوجوه المذكورة.

[لو كان حق الغير في ذمته لا في ماله]

(مسألة 31): اذا كان حق الغير في ذمته لا في عين ماله فلا محل للخمس (2) و حينئذ فان علم جنسه و مقداره (3) و لم يعلم

______________________________
و العلمية و اما اذا لم يكن يده عدوانية كما اذا كان مال الغير عنده وديعة او امانة فامتزج بماله بفعل غيره من دون تعدّ او تفريط او لم يحصل له يد على مال الغير اصلا كما اذا اتى الريح مثلا بمال الغير فخلطته بماله فلا يجب عليه حينئذ بذل الازيد لعدم الضمان فيجرى التقسيم بين الاشخاص او القرعة و الاول اظهر كما عرفت.

(1) قد عرفت ان الاقوى هو التفصيل بين الاقل و الاكثر بشقوقه و بين المتباينين غاية الامران المتباينين هنا ينصّفان اولا بينه و بينهم فيملك هو نصفا من كل منهما و يقسّم النصف الآخر من كل منهما بين العدد المحصور على حسب الرؤوس و لا يلزم بقبول التقويم و توزيع المقدار المعلوم على العدد المحصور و الزائد عليه و عليهم على حسب الرؤوس كما يظهر من حاشية الاستاذ العلامة البروجردى (قده) ثم على فرض كون استيلائه على مال الغير بالعدوان يجب تحصيل العلم بالفراغ و لو بدفع امثال المال الى الجميع كما مر.

(2) لاختصاص النصوص بالمال المختلط و هو لا يصدق على ما في الذمة.

(3) الجنس و المقدار اما معلومان او مجهولان او الجنس معلوم و المقدار مجهول او بالعكس فالشقوق اربعة و في كل منها فالمالك اما معلوم بعينه او في عدد محصور او غير محصور فالصور اثنا عشر. و اما عدم العلم بالصاحب و لو في غير محصور مع العلم باشتغال الذمة فلا يمكن فرضه.

126
کتاب الخمس و الأنفال

لو كان حق الغير في ذمته لا في ماله ؛ ص : 126

صاحبه اصلا او علم في عدد غير محصور تصدق به عنه (1) باذن الحاكم او يدفعه اليه.

و ان كان في عدد محصور ففيه الوجوه المذكورة و الاقوى هنا أيضا الاخير (2).

و ان علم جنسه و لم يعلم مقداره بان تردّد بين الاقل و الاكثر اخذ بالاقل المتيقن (3) و دفعه الى مالكه ان كان معلوما بعينه و ان كان معلوما في عدد محصور فحكمه كما ذكر و ان كان معلوما في غير المحصور او لم يكن علم اجمالى أيضا (4) تصدق به عن

______________________________
(1) كما يقتضيه النصوص الواردة في الموارد المتفرقة اذ يظهر منها ان التصدق حكم مال لا يمكن ايصاله الى صاحبه. و يظهر في خصوص الدين ما رواه في الفقيه (باب ميراث المفقود) عن يونس عن ابن عون عن معاوية بن وهب عن ابى عبد الله- عليه السلام- في رجل كان له على رجل حق ففقده و لا يدرى اين يطلبه و لا يدرى أ حيّ هو أم ميّت و لا يعرف له وارثا و لا نسبا و لا ولدا فقال يطلب، قال: ان كان ذلك قد طال عليه فيتصدق به؟ قال يطلب، و قد روى في هذا خبر آخر ان لم تجد له وارثا و عرف الله منك الجهد فتصدق بها
«1»

و يمكن ان يقال بورود خبر هشام بن سالم الوارد في بقاء اجر الاجير عند المستأجر أيضا في الدين و مقتضاه جواز التملك كما في اللقطة فراجع «2».

(2) الاحوط هنا هو الوجه الاول مطلقا لقاعدة الشغل بل الاقوى فيما اذا كان بالعدوان كالإتلاف.

(3) الا اذا علم بالمقدار ابتداء و قصر في الاداء ثم طرأ النسيان فيتعين الاكثر لتنجز التكليف بالعلم به كما عرفت.

(4) لا يتصور عدم العلم الإجمالي مع العلم باشتغال الذمة غاية‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 17 الباب 6 من ابواب ميراث الخنثى، الحديث 2، 11.

(2)- الوسائل ج 17 الباب 6 من ابواب ميراث الخنثى، الحديث 1، 10.

127
کتاب الخمس و الأنفال

الامر في اخراج هذا الخمس الى المالك ؛ ص : 128

المالك باذن الحاكم او يدفعه اليه.

و ان لم يعلم جنسه و كان قيميا فحكمه كصورة العلم بالجنس اذ يرجع الى القيمة (1) و يتردّد فيها بين الاقل و الاكثر، و ان كان مثليّا ففى وجوب الاحتياط و عدمه وجهان. (2)

[الامر في اخراج هذا الخمس الى المالك]

(مسألة 32): الامر في اخراج هذا الخمس الى المالك كما في ساير اقسام الخمس (3) فيجوز له الاخراج و التعيين من غير

______________________________
الامر سعة دائرته تارة و ضيقها اخرى.

(1) لا نسلّم انتقال التالف او المتلف الى القيمة بصرف التلف اذ الظاهر من حديث اليد كون نفس المأخوذ باقيا على اليد و ليس معنى الضمان في الاتلاف أيضا اشتغال الذمة بالقيمة بل هو اعتبار خاص و متعلقه نفس العين فنفس العين ثابتة في عهدة الضامن.

نعم في مقام الاداء يؤدى القيمة من جهة كونها مرتبة نازلة من العين بعد تعذر ادائها بنفسها و لذا نستظهر تعيّن قيمة يوم الاداء.

هذا مضافا الى انه قد يشتغل الذمة بنفس الاجناس القيمية بسبب العقود فحكم القيمى على هذا حكم المثلى.

(2) الاقوى هو التفصيل فان كان اشتغال ذمته بسبب العدوان كالإتلاف عن عمد وجب الاحتياط و الا فالاظهر تنصيف المثلين المتردد بينهما فيعطى مثلا نصف منّ من الحنطة و نصف منّ من الشعير كما ورد نظيره في ميراث الخنثى المشكل حيث يعطى نصف ميراث الذكر و نصف ميراث الانثى و بهذا يراعى الاحتياط بالنسبة الى الطرفين معا و لا الزام بالتقويم و تنصيف الزائد على المقدار المعلوم كما في حاشية بعض الاساتذة.

(3) الاحوط بل الاقوى الرجوع الى الحاكم في جميع انواع الاخماس و سيأتي وجهه في محله مضافا الى ما عرفت في خصوص المقام من التطبيق على المصرفين باذن الحاكم.

128
کتاب الخمس و الأنفال

لو تبين المالك بعد اخراج الخمس ؛ ص : 129

توقف على اذن الحاكم كما يجوز دفعه من مال آخر (1) و ان كان الحق في العين.

[لو تبين المالك بعد اخراج الخمس]

(مسألة 33): لو تبين المالك بعد اخراج الخمس فالاقوى ضمانه (2) كما هو كذلك في التصدق عن المالك في مجهول المالك فعليه غرامته له حتى في النصف الذى دفعه الى الحاكم بعنوان انه للإمام- عليه السلام-.

______________________________
(1) من الاثمان دون غيرها من العروض على الاحوط.

(2) لليد و الاتلاف و يؤيده ما ورد في ضمان اللقطة و ضمان ما اودعه بعض اللصوص عند رجل بعد ما تصدق به «1».

و لا ينافيه كون صرفه في الخمس باذن الشارع كما لا ينافيه كون التصدق باذنه فان التخميس او التصدق ايصال اضطرارى موقّت و في ظرف عدم امكان الايصال حقيقة نظير بدل الحيلولة حيث ان ادائه اداء موقّت لما هو وجود تنزيلى للعين، و بادائه لا يزول العلاقه من نفس العين.

و الحاصل ان التصدق او التخميس نحو ايصال للمال الى مالكه موقّتا ليستفيد منه استفادة اخروية في ظرف كونه محروما من الاستفادات الدنيوية منه فاذا امكن ايصال المال اليه ليستفيد منه كيف يشاء وجب.

و كون التخميس حكما واقعيا ثانويا لا ظاهريّا لا ينافى التوقيت و عدم الاجزاء اذا ساعده الدليل كما في اللقطة.

ثم لو صح ما قربناه سابقا من انتقال الحرام المختلط الى مالك الحلال اذا اراد التوبة صح القول بالضمان أيضا نظير ضمان اللقطة على فرض تملكها فتدبر، هذا.

و لكن الانصاف ان ظهور قوله- عليه السلام- «ان اللّه قد رضى من الاشياء بالخمس و ساير المال لك حلال» في الخروج عن العهدة و الضمان ظهور قوى، نعم الضمان مطابق للاحتياط، و الفرق بين بابى‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 17 الباب 2، 18 من ابواب اللقطة.

129
کتاب الخمس و الأنفال

لو علم بعد اخراج الخمس ان الحرام ازيد من الخمس او أقل ؛ ص : 130

[لو علم بعد اخراج الخمس ان الحرام ازيد من الخمس او أقلّ]

(مسألة 34): لو علم بعد اخراج الخمس ان الحرام ازيد من الخمس او أقلّ لا يستردّ الزائد على مقدار الحرام في الصورة الثانية (1)

______________________________
الخمس و التصدق لا يخلو من اشكال.

و ما تراه في بعض الحواشى و في المستمسك من عدم الدليل على الضمان في غير اللقطة من موارد التصدق بمجهول المالك واضح البطلان اذا الضمان ثابت فيما اودعه بعض اللصوص أيضا بحكم النص فيمكن بعد ملاحظة باب اللقطة و هذا الباب القاء الخصوصية و اصطياد العموم بالنسبة الى جميع موارد التصدق، و بتنقيح المناط يلحق بها باب الخمس أيضا.

(1) لا اشكال في هذه المسألة بصورتيها عند من يكتفى بالخمس و لو مع العلم التفصيلى بالمقدار كصاحب الحدائق و لا عند من يكتفى به مع العلم الإجمالي بالزيادة او النقيصة كالمصنف نعم يقع الاشكال فيها عند من يقصر حكم الخمس على صورة الجهل بالمقدار و عدم العلم به لا تفصيلا و لا اجمالا.

ثم انه يستفاد مما ورد في اللّقطة و ما اودعه اللصوص من الضمان من دون اشعار بجواز استرداد الصدقة: ان الصدقة حيث وقعت لا تستردّ و لعل السّر فيه انها امر عبادى وقعت للّه- تعالى- فلا يجوز ابطالها فيمكن ان يستأنس حكم الخمس في المقام أيضا من ذلك الباب، فاسترداد الخمس في المقام لا يجوز و لو سلّم عدم الاكتفاء به و وجوب التصدق بالحرام بعد العلم به اجمالا، هذا.

و الظاهر من اخبار الباب و لا سيّما قوله في رواية السكونى «ان اللّه رضى من الاشياء بالخمس و ساير المال لك حلال» كفاية الخمس في حلّية المال مطلقا و ان انكشف الخلاف بالزيادة.

و اما ما في المستمسك من الاستدلال على الاجزاء بان الخمس حكم واقعى ثانوى و مقتضاه الاجزاء و ليس حكما ظاهريّا اذ الحكم الظاهرى لا بدّ ان يكون محتمل المطابقة للواقع و هنا يعلم بمخالفته للواقع‌

130
کتاب الخمس و الأنفال

لو علم بعد اخراج الخمس ان الحرام ازيد من الخمس او أقل ؛ ص : 130

و هل يجب عليه التصدق بما زاد على الخمس (1) في الصورة الاولى او لا؟

وجهان احوطهما الاوّل و اقواهما الثانى.

[لو كان الحرام معينا فخلطه عمدا]

(مسألة 35) لو كان الحرام المجهول مالكه معيّنا فخلّطه بالحلال ليحلّله بالتخميس خوفا من احتمال زيادته على الخمس فهل يجزيه اخراج الخمس او يبقى على حكم مجهول المالك؟ وجهان و الاقوى الثانى لأنه كمعلوم المالك حيث انّ مالكه الفقراء قبل التخليط (2).

______________________________
على كل حال، فيمكن ان يناقش فيه بان وجوب ايصال مال المالك الاصلى الى الفقراء او السادة واقعى ثانوى و اما القناعة بمقدار الخمس فيمكن ان يكون حكما ظاهريّا ثابتا في حال الجهل بالمقدار و هو محتمل المطابقة للواقع، هذا.

مضافا الى ما مر في المسألة السابقة من ان كونه واقعيّا ثانويا لا ينافى عدم الاجزاء كما في الضمان في باب اللقطة و ما اودعه اللصوص فتدبّر.

(1) لو فرض ان كشف الخلاف يوجب عدم الاجزاء كان مقتضاه التصدق بجميع المقدار المنكشف في كلتى صورتى الزيادة و النقيصة الا اذا فرض صرف الخمس الى مصرفه بقصد الاعم من الخمس و التصدق و قد جعلناه احوط.

(2) في خمس الشيخ الانصارى- قدس سره- ما حاصله: «ان المراد بالقسم الرابع ما كان الحرام مجهول القدر من اصله فلو علم قدر الحرام اوّلا ثم تصرف فيه و خلّطه مع ماله حتى نسيه او علم عين الحرام فتصرف فيه و اشتبه في ماله فجهل قدره فالظاهر أنّ حكمها حكم مجهول المالك فيجب التصدق لا الخمس لسبق الحكم به فلا يرتفع بعروض الاختلاط لكن لا يبعد دعوى اطلاق الاخبار و لعله لذا قال في كشف الغطاء: لو خلط الحرام مع الحلال عمدا خوفا من كثرة الحرام‌

131
کتاب الخمس و الأنفال

لو كان الحلال في المختلط متعلقا للخمس ؛ ص : 132

[لو كان الحلال في المختلط متعلقا للخمس]

(مسألة 36): لو كان الحلال الذى في المختلط مما تعلّق به الخمس وجب عليه بعد التخميس للتحليل خمس آخر للمال الحلال الذى فيه. (1)

______________________________
ليجتمع شرائط الخمس فيجتزى باخراجه فاخرجه عصى بالفعل و اجزا الاخراج، و فيه نظر اذ المقدار الخليط اذا حكم سابقا بكونه للفقراء باعتبار تميّزه فيصير كمعلوم المالك الخ».

اقول: قصر حكم الخمس على صورة الجهل من اول الامر يوجب حمل اخبار الباب على الفرد النادر اذا الغالب في الاختلاط كونه بعد التميّز و العلم فالاقوى اطلاق الاخبار لصورة كون الاختلاط و الاشتباه بعد العلم و التميز و لكنه مع ذلك لا يشمل الخلط العمدى بقصد التخميس لانصراف الاخبار عن هذه الصورة فتبقى على حكم مجهول المالك.

و اما ما ذكره الشيخ من التعليل و اشار اليه المصنف أيضا فهو عليل فان المال المجهول مالكه باق على ملك مالكه الاصلى ما لم يصرف في التصدق او الخمس خارجا على ما قرّبناه في المال المختلط من انتقال الحرام الى مالك الحلال فان انتقاله اليه على ذلك يكون بعد التوبة و قصد الاستخلاص لا بصرف حصول الاختلاط.

(1) صرح بذلك في الجواهر و في خمس الشيخ و استدل عليه بان تعدد الاسباب يقتضى ذلك، و لا ينافى ذلك قوله- عليه السلام- في رواية السكونى: «و ساير المال لك حلال» اذ المراد به الحلّية من جهة الاختلاط لا من كل جهة و لذا لو كان زكويّا لم يسقط زكاته.

و قال في مصباح الفقيه: «ان حمله على ارادته من حيث الاختلاط مع وروده في المال المجتمع بالكسب في الازمنة السابقة الذى يتعلق به خمس الاكتساب أيضا لا يخلو من بعد خصوصا مع ما فيه من التعليل».

اقول: قد عرفت سابقا ان خبر السكونى و خبر الحسن بن زياد يرجعان الى رواية واحدة لتشابههما في السؤال و الجواب و نقلهما لقضية واحدة اتفقت في زمن امير المؤمنين- عليه السلام-، و المذكور في خبر‌

132
کتاب الخمس و الأنفال

لو كان الحلال في المختلط متعلقا للخمس ؛ ص : 132

..........

______________________________
الحسن بن زياد كلمة «اصبت» لا «كسبت» و لا حجيّة في ما يختص به واحد من الخبرين هذا مضافا الى انه يظهر لمن تتبع اخبار خمس الارباح انه لم يكن في عصر النّبيّ (ص) و الائمة (ع) اسم من خمس الارباح الى عصر الصادقين- عليهما السلام- فلعله كان معفوا عنه في تلك الاعصار فافهم.

ثم على فرض ثبوت الخمس الآخر فهل يتعين تقديم خمس التحليل على خمس الارباح او يجوز العكس؟ وجهان و يظهر الثمرة لو انكرنا اتحاد الخمسين بحسب المصرف.

ثم انه على الاول فهل يتعلق خمس الارباح بالاربعة اخماس الباقية او كلما يحتمل حلّيته او ما علم بحلّيته او ينصّف خمس التفاوت بينه و بين ارباب الخمس؟ في المسألة وجوه.

و يمكن ان يستدل للأول بوجهين الاول: ان الحلال الثابت في البين مشترك بينه و بين ارباب الخمس اخماسا بناء على الاشاعة، و حكم الحلال المختلط بالحرام ان يخمّس و يكون الباقى لمالك الحلال سواء كان الحلال ملكا لواحد او مشتركا بين اثنين او اكثر فما نحن فيه نظير المال المشاع بين شخصين اذا اختلط بالحرام و بعد اخراج خمس الاختلاط يبقى الباقى بينه و بين ارباب الخمس اخماسا بمقتضى اخبار الباب.

الثانى: ان الحلال الثابت بالاكتساب و ان فرض كونه بحسب الواقع أقلّ من الاخماس الاربعة الباقية و لكن بعد اخراج خمس الاختلاط يصير جميع الاخماس الاربعة الباقية ملكا له و لا فرق في خمس الارباح بين ما حصل بالاكتساب او بنحو آخر من الفوائد القهرية كما سيأتي وجهه.

و يمكن ان يورد على الاول بأن الخمس الذى هو ميزانية اسلامية لا يتعلق به الخمس و بعبارة اخرى شمول ادلة خمس الاختلاط لصورة اختلاط الخمس بالحرام مشكل.

133
کتاب الخمس و الأنفال

لو كان الحرام المختلط في الحلال من الخمس او الزكاة او الوقف ؛ ص : 134

[لو كان الحرام المختلط في الحلال من الخمس او الزكاة او الوقف]

(مسألة 37): لو كان الحرام المختلط في الحلال من الخمس او الزكاة او الوقف الخاص او العام فهو كمعلوم المالك على الاقوى فلا يجزيه اخراج الخمس حينئذ.

[اذا تصرف في المال المختلط قبل اخراج الخمس بالاتلاف]

(مسألة 38): اذا تصرف في المال المختلط قبل اخراج الخمس بالاتلاف لم يسقط و ان صار الحرام في ذمته فلا يجرى عليه حكم ردّ المظالم على الاقوى (1) و حينئذ فان عرف قدر المال المختلط اشتغلت ذمته بمقدار خمسه.

______________________________
و على الثانى بان الفائدة القهرية و لو فرض تعلق الخمس به و لكن الخمس بعد المؤونة فلا يتعلق به فورا في عرض الحلال الواقعي الحاصل بالاكتساب فتأمل فان لنا فى استثناء المؤونة من الفوائد القهرية تأملا يأتي وجهه في محله، هذا و ادلة الوجوه الثلاثة الباقية واضحة.

و الاقوى عدم لزوم خمس التحليل بالنسبة الى القدر المتيقن من خمس الارباح على الاشاعة ثم الاحوط رعايته بالنسبة الى جميع البقية كما ان الاحوط رعاية خمس الارباح بالنسبة الى كل ما احتمل حلّيته في المال و عدم الاقتصار على متيقن الحلية و ان كان الاقوى جواز الاكتفاء به مع عدم التقصير اللهم الا ان يكون المتيقن أقلّ من الاربعة اخماس الباقية فيجب تخميس ذلك الاربعة فتدبر.

(1) في خمس الشيخ (قده): «لو تصرّف في المال المختلط بالحرام بحيث صار في ذمته تعلق الخمس بذمته. و لو تصرف في الحرام المعلوم فصار في ذمته وجب دفعه صدقة.»‌

اقول: و نوقش في ذلك بعدم كون الخمس في المقام متعلقا بالعين بنحو الاشاعة بصرف حصول الاختلاط فوزانه يخالف ساير الاخماس فالحرام في البين باق على ملك مالكه الاصلى غاية الأمر أنه بالتصدق او التخميس يصرف الى الفقراء او ارباب الخمس- بدلا عن المالك- هذا بناء على مذاق القوم و اما على ما قرّبناه فالحرام في البين ينتقل الى مالك الحلال و يتعلق بالمجموع خمس الغنيمة كما مر بيانه و لكن لا دليل‌

134
کتاب الخمس و الأنفال

اذا تصرف في المختلط قبل اخراج خمسه ؛ ص : 135

 

و ان لم يعرفه ففى وجوب دفع ما يتيقن معه بالبراءة او جواز الاقتصار على ما يرتفع به يقين الشغل وجهان (1) الاحوط الاول و الاقوى الثانى.

[اذا تصرف في المختلط قبل اخراج خمسه]

(مسألة 39): اذا تصرف في المختلط قبل اخراج خمسه ضمنه كما اذا باعه مثلا فيجوز لولى الخمس الرجوع عليه (2) كما يجوز له الرجوع على من انتقل اليه، و يجوز للحاكم ان يمضى معاملته فيأخذ مقدار الخمس من العوض اذا باعه بالمساوى قيمة او بالزيادة و اما اذا باعه باقلّ من قيمته فامضاؤه خلاف المصلحة، نعم لو اقتضت المصلحة ذلك فلا بأس.

[السادس: الارض التى اشتراها الذمى من المسلم]

السادس: الارض التى اشتراها الذمى من المسلم (3)

______________________________
على انتقاله اليه أيضا بصرف الاختلاط بل المتيقن انتقاله اليه اذا تاب و اراد التخلص منه.

و كيف كان فقبل التوبة و قبل التخميس يكون الحرام باقيا على ملك مالكه الاصلى فاذا اتلفه انتقل الى ذمته فيجرى عليه حكم المظالم كما اذا كان في ذمته من اوّل الامر.

(1) مرّ ان الاقوى هو التفصيل فان علم مقدار الحرام من اوّل الامر و قصّر في ادائه حتى طرأ النسيان وجب الاخذ بالاكثر و الّا فيكفى الاقل.

(2) لا فرق بين الاتلاف و بين التصرف بالمعاملات في انّ الحرام في البين قبل تخميس العين او التصدق باق على ملك مالكه الاصلى فيقع المعاملة بالنسبة الى حصّته فضوليّة نعم للحاكم اجازتها بما انّه ولىّ الغائب فان اجازها صار الثمن مختلطا و الّا بقى المثمن على اختلاطه و كان الثمن بين البائع و المشترى بحسب مقدار الحرام.

(3) «عند ابنى حمزة و زهرة و اكثر المتأخرين من اصحابنا بل في الروضة نسبته الى الشيخ و المتأخرين اجمع بل في المنتهى و التذكرة نسبته الى علمائنا بل في الغنية الاجماع عليه و هو بعد اعتضاده بما عرفت الحجة» كذا في الجواهر.

 

135
کتاب الخمس و الأنفال

السادس: الارض التى اشتراها الذمى من المسلم ؛ ص : 135

..........

______________________________
و في النهاية: «و الذمى اذا اشترى من مسلم ارضا وجب عليه فيها الخمس»‌

و في المبسوط: «و اذا اشترى ذمى من مسلم ارضا كان عليه فيها الخمس» و في الغنية: «و في المال الذى لم يتميّز حلاله من حرامه و في الارض التى يبتاعها الذمى بدليل الاجماع المتردّد». لكن قال في المختلف: «لم يذكر ذلك ابن الجنيد و لا ابن ابى عقيل و لا المفيد و لا سلّار و لا ابو الصلاح».

و الاصل في المسألة ما رواه الشيخ في التهذيب باسناده عن سعد بن عبد الله عن احمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن ابى ايوب ابراهيم بن عثمان عن ابى عبيدة الحذاء قال سمعت ابا جعفر- عليه السلام- يقول: ايّما ذمّى اشترى من مسلم ارضا فان عليه الخمس، و السند صحيح لا بأس به.

و في زيادات المقنعة عن الصادق- عليه السلام- قال: الذمى اذا اشترى من المسلم الارض فعليه فيها الخمس «1».

و هى مع ارسالها يمكن القول برجوعها الى الصحيحة و وقوع الوهم في النسبة الى الصادق- عليه السلام-.

و كيف كان فالظاهر من الحديث بالنظر البدوى و لا سيما من مرسلة المفيد تعلّق الخمس برقبة الارض و هو الظاهر من عبارتى النهاية و المبسوط و كذا الغنية و المتأخرين من اصحابنا، هذا.

و لكن التتبع يوجب التزلزل في ذلك ففى حاشية الحدائق المطبوعة جديدا: «نقل ابو عبيد في كتاب الاموال (ص 90) عن ابى حنيفة انه اذا اشترى الذمّى ارض عشر تحولت ارض خراج و قال ابو يوسف: يضاعف عليه العشر ... و روى بعضهم عن مالك انه قال:

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 9 من ابواب ما يجب فيه الخمس.

136
کتاب الخمس و الأنفال

السادس: الارض التى اشتراها الذمى من المسلم ؛ ص : 135

..........

______________________________
لا عشر عليه و لكنه يؤمر ببيعها لان في ذلك ابطالا للصدقة.»‌

و في المعتبر: «روى جماعة من الاصحاب انّ الذمى اذا اشترى ارضا من مسلم فان عليه الخمس ذكر ذلك الشيخان و من تابعهما و رواه الحسن بن محبوب ... و قال مالك: يمنع الذمى من شراء ارض المسلم اذا كانت عشرية لأنه تمنع الزكاة فان اشتروها ضوعف عليهم العشر فاخذ منهم الخمس و هو قول اهل البصرة و ابى يوسف و يروى عن عبيد الله بن الحسن العنبرى و ظاهر هذه الاقوال يقتضى ان يكون ذلك مصرف الزكاة عندهم لا مصرف خمس الغنيمة و قال الشافعى و احمد: يجوز بيعها من الذمى و لا خمس عليه و لا زكاة.»‌

و في المنتهى: «الذمى اذا اشترى ارضا من مسلم وجب عليه الخمس ذهب اليه علمائنا و قال مالك: يمنع الذمّى من الشراء اذا كانت عشريّة و به قال اهل المدينة و احمد في رواية فان اشتراه ضوعف العشر فوجب عليه الخمس و قال ابو حنيفة: تصير ارض خراج و قال الثورى و الشافعى و احمد في رواية اخرى: يصح البيع و لا شي‌ء عليه و لا عشر أيضا و قال محمد بن الحسن: عليه العشر، لنا ان في اسقاط العشر اضرارا بالفقراء فاذا تعرضوا لذلك ضوعف عليهم فاخرج الخمس و يؤيده ما رواه الشيخ عن ابى عبيدة الحذاء الحديث» و نحوه بتفاوت ما في التذكرة.

و في الخلاف عنون ثلاث مسائل متعاقبة متناسبة ففى المسألة (84) من الزكاة: «اذا اشترى الذمى ارضا عشرية وجب عليه فيها الخمس و به قال ابو يوسف فانه قال: عليه فيها عشران، و قال محمد: عليه عشر واحد و قال ابو حنيفة: تنقلب خراجية و قال الشافعى: لا عشر عليه و لا خراج، دليلنا اجماع الفرقة فانهم لا يختلفون في هذه المسألة و هى مسطورة لهم منصوص عليها روى ذلك ابو عبيدة الحذّاء»‌

و في المسالة (85): «اذا باع تغلبى و هم نصارى العرب ارضه من مسلم وجب على المسلم فيها العشر او نصف العشر و لا خراج عليه و قال‌

137
کتاب الخمس و الأنفال

السادس: الارض التى اشتراها الذمى من المسلم ؛ ص : 135

..........

______________________________
الشافعى: عليه العشر و قال ابو حنيفة: يؤخذ منه عشران، دليلنا ان هذه ملك قد حصل لمسلم و لا يجب عليه في ذلك اكثر من العشر و ما كان يؤخذ من الذمى من الخراج كان جزية فلا يلزم المسلم ذلك.»‌

و في المسألة (86): «ان اشترى تغلبى من ذمّى ارضا لزمته الجزية كما كانت تلزم الذمى و قال ابو حنيفة و اصحابه: عليه العشران و هذان العشران عندهم خراج يؤخذ باسم الصدقة و قال الشافعى: لا عشر عليه و لا خراج دليلنا ان هذا ملك قد حصل لذمّى فوجب عليه فيه الجزية كما يلزم في ساير اهل الذمة.»‌

و في الحدائق عن المنتقى: «و يعزى الى مالك القول بمنع الذمى من شراء الارض العشرية و انه اذا اشتراها ضوعف عليه العشر فيجب عليه الخمس و هذا المعنى يحتمل ارادته من هذا الحديث اما موافقة عليه او تقية فان مدار التقية على الرأى الظاهر لأهل الخلاف وقت صدور الحكم، و معلوم انّ رأى مالك كان هو الظاهر في زمن الباقر- عليه السلام-، و مع قيام هذا الاحتمال بل قربه لا يتجه التمسك بالحديث في اثبات ما قالوه.»‌

و كيف كان فهل نلتزم بثبوت الخمس في رقبة الارض تمسكا بظاهر الصحيحة و الاجماع المنقول و شهرة المتأخرين او نمنع ذلك بتقريب ان صدور الحديث من الامام- عليه السلام- في محيط كان البحث عن بيع الارض العشرية من الذمّى و عن كيفية المعاملة معه من اخذ الخراج او العشر او الخمس رائجا ظاهرا بينهم، يوجب التزلزل في الحكم لاحتمال صدور الحديث تقية او كون مراد الامام- عليه السلام- أيضا ثبوت الخمس (اى العشرين) في حاصل الارض بعنوان الزكاة وفقا لهم اذ لا بعد في كون حكم اللّه- تعالى- ذلك لئلا يرغب اهل الذمة في شراء اراضى المسلمين؟

كيف و عمدة الدليل على حجية الخبر بناء العقلاء و يمكن منع‌

138
کتاب الخمس و الأنفال

لا فرق بان تكون ارض مزرع او مسكن او دكان او خان ؛ ص : 139

[لا فرق بان تكون ارض مزرع او مسكن او دكان او خان]

سواء كانت ارض مزرع او مسكن او دكان او خان او غيرها (1) فيجب

______________________________
بنائهم على العمل به مع تلك القرائن.

اللهم الا ان يقال ان الحمل على التقية خلاف الاصل لا يصار اليه الا في صورة التعارض مع ان الموضوع في الحديث نفس الارض بنحو الاطلاق لا ما حصل بسبب الزراعة في الاراضى العشرية، و بالجملة موضوع الحكم في الحديث يخالف موضوع البحث عندهم، هذا.

و لكن بعد اللتيا و التى فثبوت الخمس في رقبة الارض محل اشكال لقرب احتمال ورود الحديث تقية او كون نظرهم- عليهم السلام- في هذه المسألة موافقا لهم و لا اجماع في المسألة، و لعل بعض المفتين فيها كالشيخ في الخلاف و العلامة في المنتهى و التذكرة أيضا كان ناظرا الى ثبوت الخمس في حاصل الارض لا في رقبتها فتدبر في عبارتيهما بل المستفاد من عبارة الخلاف كون موضوع البحث عند اصحابنا أيضا ما يحصل من الارض و انّهم حملوا الحديث أيضا عليه.

نعم للحاكم الاسلامى منع الذمى من شراء الارض و ساير المستغلات من المسلمين اذا كان ذلك مقدمة لاستيلائهم الاقتصادى و السياسى كما شوهد في فلسطين و له أيضا جعل الخمس على رقبة الارض اذا اشتراها و يصير من مصاديق الجزية و الاحوط التطبيق على المصرفين‌

(1) في المعتبر: «و الظاهر ان مراد الاصحاب ارض الزراعة لا المساكن» و نحو ذلك في المنتهى.

اقول: ان حمل الحديث على ما هو موضوع البحث عند العامة من حاصل الاراضى العشرية فلا محالة يكون المراد من الارض فيه ارض الزراعة.

و اما اذا منعنا ذلك و حملناه على ثبوت الخمس في رقبة الارض المشتراة فلا وجه لتخصيصه بذلك بل يشمل باطلاقه للأرض المشتراة لبناء‌

139
کتاب الخمس و الأنفال

مصرف خمس ارض الذمى ؛ ص : 140

فيها الخمس،

[مصرف خمس ارض الذمى]

و مصرفه مصرف غيره من الاقسام على الأصحّ (1).

[المنتقلة إلى الذمي من المسلم بغير الشراء]

و في وجوبه في المنتقلة اليه من المسلم بغير الشراء (2) من المعاوضات اشكال فالاحوط اشتراط مقدار الخمس عليه في

______________________________
المسكن و نحوه بل لأرض المسكن الفعلى أيضا اذ لوحظت الارض في الشراء مستقلة.

و ما تراه من الانصراف البدوى الى ارض الزراعة منشأه سبق الذهن الى ما هو موضوع البحث عند العامة، و قد فرضنا غمض العين عنه و إلا لصار اصل الحكم محل اشكال.

نعم يمكن منع شمول الحديث لما اذا اشترى الدار او المسكن بعنوان الدار و المسكن لاندكاك عنوان الارضية حينئذ كسائر اجزاء الدار مثلا من الاحجار و الاخشاب فان لفظ الدار موضوع لمجموع اعتبر فيه هيئة وحدانية اضمحلت فيها عناوين الاجزاء من الارض و غيرها فلا يصدق عرفا اشتراء الارض بعنوان الارضية.

اللهم الا ان يحكم بالمناط و ان المقصود من الحكم عدم تسلّط اهل الذمة على مستغلات المسلمين كما لا يبعد ذلك فتدبر.

(1) لا اشكال في ذلك بعد البناء على ثبوت الخمس في رقبة الارض اذ لفظ الخمس صار في عصر الصادقين- عليهما السلام- حقيقة في الخمس المعهود و لا أقلّ من انصراف اطلاقه الى ذلك.

و ما تراه من التزلزل في ذلك فمنشؤه سبق الذهن الى فتوى مالك و غيره من تضعيف الزكاة و قد فرضنا غض النظر عن ذلك و الّا لأشكل اصل الحكم و بالجملة بعد حمل الحديث على ثبوت الخمس في اصل الرقبة و الاعراض عما افتى به العامة في المسألة لا وجه للإشكال في المصرف فتدبر.

(2) في خمس الشيخ: «هل الحكم المذكور يختص بالشراء كما هو ظاهر المشهور او يعم مطلق المعاوضة كما اختاره كاشف الغطاء او مطلق الانتقال و لو مجانا كما هو ظاهر الشهيدين؟ فيه اشكال: من‌

140
کتاب الخمس و الأنفال

المنتقلة إلى الذمي من المسلم بغير الشراء ؛ ص : 140

عقد المعاوضة (1) و ان كان القول بوجوبه في مطلق المعاوضات لا يخلوه عن قوة. (2)

و انما يتعلق الخمس برقبة الارض دون البناء و الاشجار و النخيل اذا كانت فيه.

و يتخير الذمى بين دفع الخمس من عينها او قيمتها و مع عدم دفع قيمتها يتخير ولى الخمس بين اخذه و بين اجارته، و ليس له قلع الغرس و البناء (3).

بل عليه ابقائهما بالاجرة و ان اراد الذمى دفع القيمة و كانت مشغولة بالزرع او الغرس او البناء تقوّم مشغولة بها مع الاجرة فيؤخذ منه خمسها.

و لا نصاب في هذا القسم من الخمس، و لا يعتبر فيه نيّة القربة حين الاخذ (4) حتى من الحاكم بل و لا حين الدفع الى السّادة.

______________________________
اختصاص النص و الفتوى بالشراء و من عمومه عرفا لسائر المعاوضات، و من ان المناط هو الانتقال».

اقول: العمدة في التعميم القاء الخصوصية و تنقيح المناط القطعى فان تم و الا وجب الاقتصار على النص.

(1) يعنى الاقتصار في اخذ الخمس على صورة الاشتراط.

(2) في القوة تأمل نعم هو احوط بل الاحوط التعميم لمطلق الانتقال و لو مجانا.

(3) لنفى الضرر بعد ما كان الغرس و البناء عن حق و هو حاكم على قاعدة السلطنة.

(4) اذ ما يعتبر فيه القربة هو فعل المالك اعنى الاداء و ليس الحاكم نائبا عنه في ذلك و انما فعله الاخذ و الاستيفاء و لا فرق في ذلك بين المقام و ساير موارد الخمس ففى ساير الموارد أيضا يجوز للحاكم اخذ الخمس من الكافر و من غيره من الممتنعين بلا احتياج الى قصد القربة من‌

141
کتاب الخمس و الأنفال

المنتقلة إلى الذمي من المسلم بغير الشراء ؛ ص : 140

(مسألة 40): لو كانت الارض من المفتوحة عنوة و بيعت تبعا للآثار ثبت فيها الحكم (1) لأنها للمسلمين فاذا اشتراها الذمى وجب عليه الخمس و ان قلنا بعدم دخول الارض في المبيع (2) و ان المبيع هو الآثار و يثبت في الارض حق الاختصاص للمشترى و اما اذا قلنا بدخولها فيه فواضح، كما انه كذلك اذا باعها منه اهل الخمس بعد اخذ خمسها (3) فانهم مالكون لرقبتها و يجوز لهم بيعها.

(مسألة 41): لا فرق في ثبوت الخمس في الارض المشتراة بين ان تبقى على ملكية الذمّى بعد شرائه او انتقلت منه بعد الشراء الى مسلم آخر (4) كما لو باعها منه بعد الشراء او مات و انتقلت الى وارثه المسلم او ردّها الى البائع باقالة (5) او غيرها فلا يسقط الخمس بذلك بل الظاهر ثبوته أيضا لو كان للبائع خيار ففسخ بخياره.

______________________________
قبله و قد مر الاشارة الى ذلك في باب المعادن فراجع و لا دليل على خصوصية للمقام بالنسبة الى اخذ الحاكم.

(1) مر الاشكال في ذلك نعم لو بيعت مستقلة في اللحاظ في مورد يصح ذلك ثبت فيها الحكم.

(2) ان قلنا بذلك فلا اشكال في عدم ثبوت الحكم.

(3) مر في باب الغنائم تقوية عدم الخمس في الاراضى.

(4) قد يرى منافاة ذلك لما يأتى في محله من التحليل اذا انتقل الى المسلم ما فيه الخمس ممن لا يعتقده اللهم الا ان يراد جواز مطالبة الخمس من الذمّى و ان جاز للمسلم التصرف في جميع ما انتقل اليه.

(5) قد يشكل ذلك بناء على كون الاقالة فسخا من حين العقد بل و على كونها فسخا من حينها أيضا بدعوى ظهور النص في الشراء المستقر، هذا.

و لكن الاحوط ثبوت الخمس على القول به لصدق الشراء و حصول الملكية أيضا، و بذلك يظهر حكم الفسخ بالخيار أيضا اللهم الا ان يدعى انصراف الاشتراء الى خصوص اللازم منه.

142
کتاب الخمس و الأنفال

اذا اشترى الذمى الارض من المسلم و شرط عليه عدم الخمس ؛ ص : 143

[اذا اشترى الذمّى الارض من المسلم و شرط عليه عدم الخمس]

(مسألة 42): اذا اشترى الذمّى الارض من المسلم و شرط عليه عدم الخمس لم يصح و كذا لو اشترط كون الخمس على البائع، نعم لو شرط على البائع المسلم ان يعطى مقداره عنه فالظاهر جوازه.

[اذا اشتراها من مسلم ثم باعها منه او من مسلم آخر]

(مسألة 43): اذا اشتراها من مسلم ثم باعها منه او من مسلم آخر ثم اشتراها ثانيا وجب عليه خمسان خمس الاصل للشراء اوّلا و خمس اربعة اخماس (1) للشراء ثانيا.

[اذا اشترى الارض من المسلم ثم اسلم بعد الشراء]

(مسألة 44): اذا اشترى الارض من المسلم ثم اسلم بعد الشراء لم يسقط عنه الخمس (2) نعم لو كانت المعاملة مما يتوقف الملك فيه على القبض (3) فاسلم بعد العقد و قبل القبض سقط عنه (4) لعدم تمامية ملكه في حال الكفر.

[لو تملك ذمى من مثله بعقد مشروط بالقبض فاسلم الناقل]

(مسألة 45): لو تملك ذمى من مثله بعقد مشروط بالقبض فاسلم الناقل قبل القبض ففى ثبوت الخمس وجهان اقواهما الثبوت (5).

[اذا شرط البائع على الذمى ان يبيعها بعد الشراء من مسلم]

(مسألة 46): الظاهر عدم سقوطه اذا شرط البائع على

______________________________
(1) ان اجاز ولى الخمس بيع الذمى او قلنا بان الشراء ممن لا يعتقد الخمس يوجب التحليل للمشترى المسلم او قلنا بكون تعلق الخمس من قبيل حق الرهانة و نحوه تعلق الخمس الثانى أيضا بمجموع الارض لا اربعة اخماسها كما لا يخفى.

(2) على الاحوط اذا كانت الارض باقية بماليتها و اما لو تلفت عرفا قبل اسلامه كما اذا احاط بها الماء مثلا فسقطت من القيمة رأسا فالظاهر سقوط الخمس عنه لإطلاق حديث الجبّ.

(3) كالهبة المعوّضة مثلا.

(4) بناء على كون القبض ناقلا كما هو الظاهر و اما بناء على الكشف و تعميم الحكم لجميع الانتقالات فيمكن القول بثبوت الخمس.

(5) بناء على كون القبض ناقلا و تعميم الحكم لجميع الانتقالات.

143
کتاب الخمس و الأنفال

اذا اشترى المسلم من الذمى ارضا ثم فسخ ؛ ص : 144

الذمى ان يبيعها بعد الشراء من مسلم (1).

[اذا اشترى المسلم من الذمى ارضا ثم فسخ]

(مسألة 47): اذا اشترى المسلم من الذمى ارضا ثم فسخ باقالة او بخيار ففى ثبوت الخمس وجه لكن الاوجه خلافه حيث ان الفسخ ليس معاوضة. (2)

[من بحكم المسلم بحكم المسلم]

(مسألة 48): من بحكم المسلم بحكم المسلم (3)

[اذا بيع خمس الارض التى اشتراها الذمى عليه]

(مسألة 49): اذا بيع خمس الارض التى اشتراها الذمى عليه وجب عليه خمس ذلك الخمس الذى اشتراه و هكذا (4).

[السابع خمس ارباح المكاسب]

السابع:

ما يفضل عن مئونة سنته و مئونة عياله من ارباح التجارات و من ساير التكسبات من الصناعات و الزراعات و الاجارات حتى الخياطة و الكتابة و التجارة و الصيد و حيازة المباحات و اجرة العبادات الاستيجارية من الحج و الصوم و الصلاة و الزيارات و تعليم الاطفال و غير ذلك من الاعمال التى لها اجرة. (5)

[كلمات الاصحاب في خمس الارباح]

______________________________
(1) اذ لا وجه له الا دعوى انصراف النص عنه و هى ممنوعة نعم ربما يستشكل في اصل صحة الشرط لأنه خلاف سلطنة المشترى على ملكه.

(2) بل حلّ للعقد الاول و اعدام له فيرجع كل مال الى مالكه الاول بالسبب السابق.

(3) لإطلاق دليل التنزيل.

(4) لإطلاق الدليل و لكن ليس من هذا القبيل على الظاهر اداء القيمة خمسا و ان استلزم انتقال خمس العين اليه قهرا لعدم كونه معاملة جديدة فتأمل.

(5) اصل ثبوت الخمس في المقام اجمالا مما لا اشكال فيه عندنا و ان لم يوافقنا فيه احد من المخالفين و يدلّ عليه عموم الكتاب و الاجماع و الاخبار المستفيضة ان لم تكن متواترة.

144
کتاب الخمس و الأنفال

كلمات الاصحاب في خمس الارباح ؛ ص : 144

..........

______________________________
و التشكيك في دلالة الآية الشريفة باحتمال اختصاصها بغنائم الحرب بلا وجه، فان موردها و ان كان واقعة بدر و غنائمها و لكن المورد غير مخصص كيف و الا لوجب تخصيصها بخصوص غنائم بدر و لفظة الغنيمة عامّة لكل ما يغنم و يحصل من الفائدة ثم لو سلّم انصرافها الى غنائم الحرب فلا نسلّم انصراف فعلها اليها، و المذكور في الآية هو الفعل الماضى لا لفظ الغنيمة، و في رواياتنا أيضا ذكر الكنز و الارباح من مصاديق الآية الشريفة و لا شك ان الائمة- عليهم السلام- كانوا عارفين بلغة العرب و من اهل هذا اللسان.

و اما الاجماع فقد ادعاه في الخلاف و الغنية و غيرهما و الاولى نقل بعض عبارات الاصحاب هنا.

ففى الخلاف (مسألة 138): «يجب الخمس في جميع المستفاد من ارباح التجارات و الغلّات و الثمار على اختلاف اجناسها بعد اخراج حقوقها و مؤنها و اخراج مئونة الرجل لنفسه و مئونة عياله سنة و لم يوافقنا على ذلك احد من الفقهاء، دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم و طريقة الاحتياط تقتضى ذلك.»‌

و في الغنية: «و يجب الخمس أيضا في الفاضل عن مئونة الحول على الاقتصاد من كل مستفاد بتجارة او زراعة او صناعة او غير ذلك من وجوه الاستفادة اى وجه كان بدليل الاجماع المشار اليه و طريقة الاحتياط».

و في المنتهى: «الصنف الخامس ارباح التجارات و الزراعات و الصنائع و جميع انواع الاكتسابات و فواضل الاقوات من الغلات و الزراعات عن مئونة السنة على الاقتصاد و يجب فيها الخمس و هو قول علمائنا اجمع و قد خالف فيه الجمهور كافة، لنا قوله تعالى: و اعلموا انما غنمتم الآية.» و نحوه ما في التذكرة.

و في المختلف: «المشهور بين علمائنا ايجاب الخمس في ارباح‌

145
کتاب الخمس و الأنفال

كلمات الاصحاب في خمس الارباح ؛ ص : 144

..........

______________________________
التجارات و الصناعات و الزراعات و قال ابن الجنيد: فامّا ما استفيد من ميراث او كدّ بدن او صلة اخ او ربح تجارة او نحو ذلك فالاحوط اخراجه لاختلاف الرواية في ذلك و لو لم يخرجه الانسان لم يكن كتارك الزكاة التى لا خلاف فيها.»‌

اقول: الظاهر عدم المنافاة بين دعوى الاجماع في المنتهى و دعوى الشهرة في المختلف فان اصل الثبوت فيه بحسب الجعل الاوّلى اجماعى و انما خالف من خالف مثل ابن الجنيد و نحوه في وجوب اخراجه فعلا بسبب احتمال العفو و التحليل.

و الظاهر ان مراد ابن الجنيد من اختلاف الرواية و من قوله:

«لا خلاف فيها» أيضا ما هو المستفاد من اخبار التحليل في قبال اخبار اصل الثبوت فليس في اصل الثبوت خلاف لا نصّا و لا فتوى فتدبّر.

و في الانتصار: «و مما انفردت به الامامية القول بان الخمس واجب من جميع المغانم و المكاسب و مما استخرج من المعادن و الغوص و الكنوز و مما فضل من ارباح التجارات و الزراعات و الصناعات بعد المؤونة و الكفاية في طول السنة على اقتصاد.»‌

و في المقنعة: «و الخمس واجب في كل مغنم قال اللّه- عز و جل-: و اعلموا انما غنمتم ... و الغنائم كل ما استفيد بالحرب ... و كل ما فضل من ارباح التجارات و الزراعات و الصناعات عن المؤونة و الكفاية في طول السنة على الاقتصاد.»‌

و في النهاية: «و يجب الخمس أيضا في جميع ما يغنمه الانسان من ارباح التجارات و الزراعات و غير ذلك بعد اخراج مئونته و مئونة عياله.»‌

و في المراسم: «و فاضل ارباح التجارات و الزراعات و الصناعات عن المؤونة و كفاية طول عامه اذا اقتصد.»‌

و في الوسيلة: «و الفاضل من الغلّات عن قوت السنة بعد اخراج‌

146
کتاب الخمس و الأنفال

الاخبار الواردة في خمس الارباح ؛ ص : 147

..........

______________________________
الزكاة منها ... و فاضل المكاسب عما يحتاج اليه لنفقة سنته و ارباح التجارات.»‌

و في اشارة السبق: «و في كل ما فضل عن مئونة السنة من كل مستفاد بسائر ضروب الاستفادات من تجارة او صناعة او غيرهما.»‌

و في المعتبر: «الرابع ارباح التجارات و الصنائع و الزراعات و جميع الاكتسابات قال كثير من الاصحاب فيها الخمس بعد المؤونة على ما يأتى و قال ابن ابى عقيل: و قد قيل: الخمس في الاموال كلها حتى على الخياط و النجار و غلّة الدار و البستان و الصانع في كسب يده لان ذلك افادة من اللّه و غنيمة.»، هذا.

[الاخبار الواردة في خمس الارباح]

و اما الاخبار في المسألة فكثيرة مذكورة في الباب الثامن مما يجب فيه الخمس من الوسائل.

فالاولى ما رواه الشيخ باسناده عن سعد بن عبد الله عن ابى جعفر عن على بن مهزيار عن محمد بن الحسن الاشعرى قال: كتب بعض اصحابنا الى ابى جعفر الثانى- عليه السلام- اخبرنى عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و على الصنّاع و كيف ذلك؟ فكتب بخطه الخمس بعد المؤونة، و الرواية حسنة بمحمد بن الحسن.

الثانية: ما رواه الشيخ باسناده عن سعد بن عبد اللّه عن احمد بن محمد عن على بن مهزيار عن على بن محمد بن شجاع النيسابورى انه سأل ابا الحسن الثالث- عليه السلام- «عن رجل اصاب من ضيعته مأئة كرّ من الحنطة ما يزكّى فاخذ منه العشر عشرة اكرار و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّا و بقى في يده ستون كرّا ما الذى يجب لك من ذلك و هل يجب لأصحابه من ذلك شي‌ء؟ فوقّع: لى منه الخمس مما يفضل من مئونته.» و ابن شجاع مجهول سواء كان على بن محمد كما في الوسائل او محمد بن على كما في التهذيب فراجع.

147
کتاب الخمس و الأنفال

الاخبار الواردة في خمس الارباح ؛ ص : 147

..........

______________________________
و هل المراد بما ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ما صرف سابقا لتحصيل الحنطة الموجودة فيكون المراد كسر مئونة التحصيل و جبرانها، او ما يصرف فعلا لتحصيل الفائدة في السنوات الآتية حتى يعدّ امثال ذلك أيضا من المؤونة؟ فيه وجهان و لعل الاوّل اظهر.

ثم المراد بقول السائل: «و هل يجب لأصحابه من ذلك شي‌ء وجوب اعادة الزكاة و عدم الاعتداد بما اخذ منه من قبل خلفاء الجور، و الظاهر من جواب الامام- عليه السلام- عدم وجوب الاعادة فتدبر.

الثالثة: ما رواه الشيخ باسناده عن على بن مهزيار قال: «قال لى ابو على بن راشد: قلت له: امرتنى بالقيام بامرك و اخذ حقك فاعلمت مواليك بذلك فقال لى بعضهم: و اى شي‌ء حقه؟ فلم ادر ما اجيبه فقال:

يجب عليهم الخمس، فقلت: ففى اى شي‌ء؟ فقال: في امتعتهم و صنائعهم، قلت: و التاجر عليه و الصانع بيده؟ فقال: اذا امكنهم بعد مئونتهم».

و ابو على بن راشد كان ثقة جليلا من اصحاب الجواد و الهادى- عليهما السلام- و سند الشيخ الى ابن مهزيار صحيح و ابن مهزيار أيضا صحيح ثقة.

و لعل المراد بالامتعة محصولات التجارة بقرينة قول السائل في مقام السؤال الاستعجابى: «و التاجر عليه و الصانع بيده؟!» ثم هل يرجع قوله- عليه السلام-: «اذا امكنهم» الى اعتبار امر زائد على اخراج المؤونة او يرجع هو اليه و يكون قوله: «بعد مئونتهم» بمنزلة التفسير له؟

كل محتمل.

الرابعة: ما رواه الشيخ باسناده عن الريان بن الصلت قال: كتبت الى ابى محمد- عليه السلام-: ما الذى يجب علىّ يا مولاى في غلّة رحى ارض في قطيعة لى و في ثمن سمك و بردىّ و قصب ابيعه من اجمة هذه القطيعة؟ فكتب: يجب عليك فيه الخمس ان شاء اللّه. و الريان بن الصلت ثقة عند الرجاليين.

148
کتاب الخمس و الأنفال

الاخبار الواردة في خمس الارباح ؛ ص : 147

..........

______________________________
الخامسة: ما رواه الكلينى عن على بن ابراهيم عن ابيه عن ابن ابى عمير عن الحسين بن عثمان عن سماعة قال: سألت ابا الحسن- عليه السلام- عن الخمس فقال في كل ما افاد الناس من قليل او كثير.

و السند لا بأس به على الأصحّ.

الى غير ذلك من الاخبار و سيأتي بعضها في مسألة ثبوت الخمس في مطلق الفائدة و بعضها في مسألة استثناء المؤونة.

و هذه الاخبار بكثرتها ظاهرة بل صريحة في كونها في مقام بيان الوظيفة الفعلية للشيعة في وقت صدورها و اكثرها صادرة عن الرضا- عليه السلام- و من بعده من الائمة- عليهم السلام- فهم- عليهم السلام- كانوا يطالبونه و ينصبون لأخذه الوكلاء و قد استمرّت هذه السيرة و الطريقة في عصر الامام موسى بن جعفر و من بعده من الائمة المتأخرة- عليهم السلام- حتى في عصر النواب الاربعة كما شهد بذلك الاخبار و التواريخ فلا يمكن حمل الاخبار على اصل الجعل و التشريع حتى لا يعارضها اخبار التحليل فلا بد من بيان محمل او محامل لاخبار التحليل و سيأتي.

و كيف كان فاصل ثبوت الخمس في ارباح المكاسب اجمالا بلا اشكال كتابا و سنة و فتوى و انما يجب البحث عن جهات اربعة:

الاولى: الجواب عن اشكال ينقدح في المقام، الثانية: بيان محمل لاخبار التحليل، الثالثة هل الموضوع له مطلق الفائدة و لو حصلت قهرا او خصوص ما حصل بالكسب و التصدى كما يشعر به تمثيل الاصحاب نوعا بارباح التجارات و الصناعات و الزراعات؟ الرابعة: استثناء المؤونة.

اما الجهة الاولى: فلا يخفى ان الاخبار الدالة على هذا الخمس مرويّة عن الصادقين و من بعدهما من الائمة- عليهم السلام- بل اكثرها مروية عن الجواد و الهادى- عليهما السلام- من الائمة المتأخرين‌

149
کتاب الخمس و الأنفال

الاخبار الواردة في خمس الارباح ؛ ص : 147

..........

______________________________
و لا تجد في صحاحنا و لا صحاح العامة حديثا في هذا الباب مرويّا عن النّبيّ- صلى الله عليه و آله- و امير المؤمنين- عليه السلام-، اللهم الا بعض العمومات التى ربما يحتمل انطباقها عليه، و لم يضبط في التواريخ أيضا مطالبتهما لهذا الخمس من احد مع انه لو كان ثابتا في عصرهما كان مقتضى عموم الابتلاء به نقل التواريخ له و كثرة روايته بطرق الفريقين، و ليس هذا مما يخالفه حكومات الجور حتى يظن ذلك سببا لاختفائه، كيف و هو كان يوجب مزيد بيت المال و تقوية الجهات المالية، فلم صار هذا الحكم مهجورا عند العامة بحيث لم يفت به احد منهم و لم يتعرض لثبوته او اخذه احد من المؤرخين و لا يوجد في كتب على- عليه السلام- الى عمّاله اسم و لا رسم منه مع عموم الابتلاء به!؟ فهذه معضلة قوية في هذه المسألة، هذا.

و لكن مع ذلك لا يضر هذا الاشكال باصل الحكم بعد ما ثبت بعموم الكتاب و الاخبار الكثيرة بل الاجماع.

و لعلّ الحكم كان ثابتا في عصر النّبيّ (ص) بنحو الانشاء و لكن كان اجرائه موجبا للحرج بسبب الفقر العمومى او للاستيحاش لكونهم حديثى العهد بالاسلام فأخر اعلامه و اجرائه الى عصر الصادقين- عليهما السلام-.

و يمكن ان يقال أيضا ان هذا القسم من الخمس وظيفة و ميزانية حكومية جعلت من قبل الائمة المتأخرين (ع) حسب الاحتياج حيث كانت الزكوات و نحوها في اختيار خلفاء الجور و لذلك ترى الائمة (ع) محللين له تارة و مطالبين اخرى و للحكومة الحقة هذا النحو من الاختيار و قد احتملنا نحو ذلك في المعادن و الكنوز أيضا بناء على كونهما من الانفال و الاموال العمومية فيكون جعل الخمس فيهما من قبلهم- عليهم السلام- بعنوان حق الاقطاع و اجازة التصرف، و مقتضى ذلك جواز تجديد النظر للحكام بحسب مقتضيات الزمان و تزييد هذا الحق تارة و تنقيصه او تحليله‌

150
کتاب الخمس و الأنفال

الاخبار الواردة في خمس الارباح ؛ ص : 147

..........

______________________________
اخرى، هذا:

و لكن يبعّد هذا الاحتمال استدلالهم- عليهم السلام- في هذا الباب و كذا باب الكنز بالآية الشريفة و تطبيقهم الآية عليهما، اللهم الا ان يكون الاستدلال بها جدلا من باب اقناع من في قلبه ريب من سعة اختيارهم- عليهم السلام-، او يقال ان اصل جعل الميزانيات الاسلامية و الترخيص في اخذها من احكامه- تعالى- و لكن تعيين مصاديقها بيد حكام العدل حسب الاحتياجات و المقتضيات كما يمكن ان يدّعى نظيره في باب الزكاة فانه- تعالى- قال في كتابه العزيز «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» و لم يعين الموضوع و لكن وضع رسول اللّه (ص) بما انه حاكم اسلامى في عصره الزكاة على تسعة لكونها عمدة ثروة العرب في تلك الاعصار و عفى عما سواها بحق حكومته كما استفاض الاخبار المعبّرة بوضعه (ص) و عفوه «1» و لازم ذلك جواز ان يبدّل موضوع الزكاة حكّام الحق بحسب تبدّل الثروة العمومية و احتياج الازمان فتدبر، هذا.

و الذى يسهّل الخطب وجود نظائر المسألة من المسائل العامة البلوى مع اختفائها و حصول الاختلاف فيها بين الفريقين ككيفية الوضوء و خصوصيات الصلاة و نحوهما فتتبّع.

الجهة الثانية: قد عرفت ان الاخبار الدالة على ثبوت الخمس في الارباح اكثرها ظاهرة بل صريحة في بيان التكليف الفعلى و ان وظيفة الشيعة ادائه و كان الائمة- عليهم السلام- يطالبونه و ينصبون الوكلاء لأخذه فلا بدّ من بيان محمل لاخبار التحليل فنقول:

اما اجمالا فما دل على المطالبة و وجوب الاداء رويت عن موسى بن جعفر و من بعده من الائمة المتأخرين- عليهم السلام- و هى مستفيضة بل متواترة و اما اخبار التحليل فجميعها مروية عن الباقر و الصادق‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من ابواب ما تجب فيه الزكاة.

151
کتاب الخمس و الأنفال

الاخبار الواردة في خمس الارباح ؛ ص : 147

..........

______________________________
- عليهما السلام- إلا صحيحة على بن مهزيار عن ابى جعفر الثانى (ع)
«1» و لكن موردها صورة الاعواز و عدم امكان الاداء، و رواية اسحاق بن يعقوب عن صاحب الزمان- عليه السلام- «2» و فيها اجمال لكون الجواب ناظرا الى سؤال السائل و هو غير معلوم فلعلّه موضوع خاص مضافا الى ظهوره في المناكح خاصة بقرينة التعليل فعلى هذا يكون التحليل في زمان خاص او موضوع مخصوص و يتعين العمل بالاخبار الصادرة عن الائمة المتأخرة عن الصادقين- عليهما السلام- الدالة على وجوب الاداء.

و اما تفصيلا فاخبار التحليل منها ما يختص بحال الاعواز كصحيحة على بن مهزيار قال: قرأت في كتاب لأبي جعفر- عليه السلام- الى رجل يسأله ان يجعله في حلّ من مأكله و مشربه من الخمس فكتب بخطه:

من اعوزه شي‌ء من حقّى فهو في حلّ «3».

و لا يخفى كون الصحيحة بنفسها شاهدة على انّ البناء في عصر الامام الجواد- عليه السلام- كان على اداء الخمس و لذا استحلّ الرجل لنفسه فيعلم بذلك ان اخبار التحليل مع كثرتها و صدورها عن الصادقين- عليهما السلام- لم تكن معمولا بها في عصر الجواد (ع) و ظاهر جواب الامام تحليل حقه- عليه السلام- لخصوص المعوز فالتحليل في زمان خاص لموضوع مخصوص.

و منها ما يدل على تحليل المناكح كخبر ضريس الكناسى قال:

قال ابو عبد اللّه- عليه السلام-: أ تدري من اين دخل على الناس الزنا؟

فقلت: لا ادرى، فقال: من قبل خمسنا اهل البيت الّا لشيعتنا الا طيبين فانه محلّل لهم و لميلادهم «4» و خبر ابى خديجة عن أبي عبد الله‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 16.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 2.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 3.

152
کتاب الخمس و الأنفال

الاخبار الواردة في خمس الارباح ؛ ص : 147

..........

______________________________
- عليه السلام- قال: قال رجل و انا حاضر: حلّل لى الفروج ففزع ابو عبد الله فقال له رجل: ليس يسألك ان يعترض الطريق انما يسألك خادما يشتريها او امراة يتزوجها او ميراثا يصيبه او تجارة او شيئا اعطيه، فقال:

هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم و الغائب و الميت منهم و الحى و ما يولد منهم الى يوم القيامة فهو لهم حلال اما و اللّه لا يحل الا لمن احللنا له و لا و اللّه ما اعطينا احدا ذمة و ما عندنا لأحد عهد و لا لأحد عندنا ميثاق «1».

و لعل المراد بالميراث و التجارة و ما اعطيه أيضا خصوص الاماء و الفتيات بقرينة السؤال و لو اريد الاعم فيحمل على ما انتقل اليه ممن لا يعتقد الخمس او لا يخمس فلا يشمل الخمس المتعلق باموال نفسه.

و من هذا القبيل أيضا خبر الحرث بن المغيرة النضري عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت له: ان لنا اموالا من غلات و تجارات و نحو ذلك و قد علمت ان لك فيها حقا قال: فلم احللنا اذا لشيعتنا الا لتطيب ولادتهم وكل من والى آبائى فهو في حل مما في ايديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب. «2»

و خبر محمد بن مسلم عن احدهما (ع) قال: ان اشد ما فيه الناس يوم القيامة ان يقوم صاحب الخمس فيقول يا رب خمسى و قد طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم و لتزكو اولادهم «3» الى غير ذلك من الاخبار الناظرة الى تحليل المناكح و لو بلحاظ التعليلات الواردة فيها.

و منها ما يحمل على تحليل ما يشترى ممن لا يعتقد الخمس او من لا يخمس او على التحليل في زمان خاص كبعض ما ذكر و كرواية يونس بن يعقوب قال: كنت عند ابى عبد الله (ع) فدخل عليه رجل من القماطين فقال: جعلت فداك تقع في ايدينا الاموال و الارباح و تجارات نعلم ان‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 4.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 9.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 5.

153
کتاب الخمس و الأنفال

الاخبار الواردة في خمس الارباح ؛ ص : 147

..........

______________________________
حقك فيها ثابت و انا عن ذلك مقصرون فقال ابو عبد اللّه (ع): ما أنصفناكم ان كلفناكم ذلك اليوم
«1»، و ظهورها في التحليل في زمان خاص ظاهر كظهورها فيما تعلق به الخمس او حق آخر في يد الغير ثم انتقل اليه فلا تشمل ما تعلق به الحق في يده.

و منها ما دل على تحليل الفي‌ء و غنائم الحرب الواصلة الى الشيعة من ايدى المخالفين كصحيحة الفضلاء عن ابى جعفر (ع) قال: قال امير المؤمنين على بن أبي طالب (ع): هلك الناس في بطونهم و فروجهم لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا الا و ان شيعتنا من ذلك و آبائهم في حلّ «2» و خبر ابى حمزة عن ابى جعفر (ع) قال: ان اللّه جعل لنا اهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفي‌ء فقال- تعالى-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ ...» فنحن اصحاب الخمس و الفي‌ء و قد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا و اللّه يا ابا حمزة ما من ارض تفتح و لا خمس يخمس فيضرب على شي‌ء منه الا كان حراما على من يصيبه فرجا كان او مالا «3»

و قد كثرت الغنائم الحربية و الجوارى المسبيّة في تلك الازمنة و كثر ابتلاء الشيعة بها فاقتضت المصلحة تسهيل الامر على الشيعة و تحليلها لهم فعدم شمول هذه الاخبار لمثل ارباح المكاسب و ساير الموضوعات التى تعلق بها الخمس عند الانسان واضح جدّا.

و منها ما دل على تحليل الاراضى و الانفال ككثير من اخبار الباب فراجع «4».

و قد تحصّل لك ممّا ذكرناه ان اخبار التحليل سوى صحيحة ابن مهزيار و التوقيع انما رويت عن الصادقين (ع) و قد رويت عن الائمة‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 6.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 1.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 19.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال.

154
کتاب الخمس و الأنفال

الاخبار الواردة في خمس الارباح ؛ ص : 147

..........

______________________________
المتأخرة عنهما روايات كثيرة تدل بصراحتها على عدم التحليل و على مطالبة خمس الارباح و نصب الوكلاء لأخذه و استمرت سيرتهم على ذلك حتى في عصر النواب الاربعة فيجب حمل اخبار التحليل على التحليل في موضوعات خاصة او زمان خاص.

فمنها ما دل على تحليل الانفال من الاراضى و الانهار و الكنوز و نحوها.

و منها ما دل على تحليل المناكح و هى كثيرة كما يظهر من التعليلات الواردة فيها بطيب الولادة و نحوه.

و منها ما دل على تحليل المتاجر و الشراء ممّن لا يعتقد الخمس.

و منها ما دل على تحليل الفي‌ء و غنائم الحرب الواصلة الى الشيعة من ايدى المخالفين.

و منها ما دل على التحليل لمن اعوز.

و منها ما دل على التحليل في عصر علىّ- عليه السلام- او عصر الصادقين- عليهما السلام-.

و لعل المطالبة و اخذ الخمس في تلك الاعصار كانت على خلاف المصلحة لشدة التقية او لفقر الشيعة او لغير ذلك.

و كيف كان فلا تقاوم اخبار التحليل لتلك الاخبار المستفيضة بل المتواترة الصادرة عن الائمة المتأخرة (ع) الدالة على المطالبة و تعيين الوكلاء لأخذ خمس الارباح مع شهادة التواريخ أيضا بمضمونها فلنذكر هنا روايتين صريحتين في عدم التحليل عن الرضا- عليه السلام- و في ذلك ذكرى للذاكرين، فروى الكلينى عن محمد بن الحسن و على بن محمد جميعا عن سهل عن احمد بن المثنى عن محمد بن زيد الطبرى قال كتب رجل من تجار فارس من بعض موالى ابى الحسن الرضا- عليه السلام- يسأله الاذن في خمس فكتب اليه: بسم اللّه الرحمن الرحيم ان اللّه واسع كريم ضمن على العمل الثواب و على الضيق الهمّ‌

155
کتاب الخمس و الأنفال

الاخبار الواردة في خمس الارباح ؛ ص : 147

..........

______________________________
لا يحل مال الامن وجه احلّه اللّه ان الخمس عوننا على ديننا و على عيالنا و على موالينا و ما نبذله و نشترى من اعراضنا ممن نخاف سطوته فلا تزووه عنا و لا تحرموا انفسكم دعائنا ما قدرتم عليه فان اخراجه مفتاح رزقكم و تمحيص ذنوبكم و ما تمهدون لأنفسكم ليوم فاقتكم و المسلم من يفى للّه بما عهد اليه و ليس المسلم من اجاب باللسان و خالف بالقلب و السلام
«1» و بالاسناد عن محمد بن زيد قال: قدم قوم من خراسان على ابى الحسن الرضا- عليه السلام- فسألوه ان يجعلهم في حلّ من الخمس فقال ما امحل هذا تمحضونا المودّة بألسنتكم و تزوون عنّا حقا جعله اللّه لنا و جعلنا له و هو الخمس لا نجعل لأحد منكم في حلّ و رواهما الشيخ أيضا باسناده عن محمد بن زيد «2».

بقى الكلام في التوقيع المروى عن صاحب الزمان- عليه السلام- فربما يعتمد عليه في الحكم بالتحليل في عصر الغيبة بتوهم انه بتأخره عن جميع الاخبار يكون هو المتبع في هذه الاعصار، و قد استدل به صاحب الحدائق لتحليل سهم الامام- عليه السلام- في عصر الغيبة، و قد روى التوقيع في الاحتجاج و في الاكمال عن الكلينى.

ففى الاحتجاج: «محمد بن يعقوب الكلينى عن اسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمرى ان يوصل لى كتابا قد سألت فيه عن مسائل اشكلت علىّ فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان- عليه السلام-: اما ما سألت عنه ارشدك اللّه و ثبّتك و وقاك من امر المنكرين لى من اهل بيتنا ... و اما اموالكم فلا نقبلها الا لتطهروا فمن شاء فليصل و من شاء فليقطع ... و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتى عليكم و انا حجة اللّه و اما محمد بن عثمان العمرى‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 3 من ابواب الانفال، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 3 من ابواب الانفال، الحديث 3.

156
کتاب الخمس و الأنفال

الاخبار الواردة في خمس الارباح ؛ ص : 147

..........

______________________________
فرضى الله عنه و عن ابيه من قبل فانه ثقتى و كتابه كتابى ... و اما ما وصلتنا به فلا قبول عندنا الا لما طاب و طهر و ثمن المغنية حرام ... و اما المتلبسون باموالنا فمن استحلّ منها شيئا فاكله فانما يأكل النيران، و اما الخمس فقد ابيح لشيعتنا و جعلوا منه في حلّ الى وقت ظهور امرنا لتطيب ولادتهم و لا تخبث ...
«1».

و لا يخفى ان اسحاق بن يعقوب لم يذكر بمدح و لا قدح و انما عرّفوه بانه الراوى لهذا التوقيع و حيث ان التوقيع مروى عن الكلينى كان المناسب ذكره له في الكافى فعدم ذكره له يوجب نوع وهن فيه.

و يظهر من نفس هذا التوقيع مضافا الى الاخبار الاخر مثل توقيع الاسدى «2»

و نحوه ان صاحب الزمان- عليه السلام- أيضا كان يأخذ الاموال و يطالبها و لم يكن بحيث يعرض عنها و يحللها استغناء منها، فلعل الخمس المذكور في التوقيع كان قسما خاصّا منه اقتضت المصلحة تحليله كما يشعر بذلك تعليله- عليه السلام- بطيب الولادة فلعله كان مربوطا بخمس الغنائم و الجوارى المسبيّة و لا دليل على حمل اللام على الاستغراق بعد كون جوابه- عليه السلام- مسبوقا بسؤال السائل و هو غير مذكور و لا معلوم فيحتمل كون المسؤول عنه قسما خاصا من الخمس و اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

هذا مضافا الى انّ ظاهر التوقيع تحليل جميع الخمس حتى سهم السادة و هو المستفاد من جميع اخبار التحليل أيضا و لا يمكن الالتزام بذلك بعد ما حرّم عليهم الزكاة و جعل الخمس عوضا لهم منها.

اضف الى ذلك انّ رعاية مصالح جعل الخمس أيضا تقتضى عدم‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 16.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 3 من ابواب الانفال، الحديث 7.

157
کتاب الخمس و الأنفال

الاخبار الواردة في خمس الارباح ؛ ص : 147

..........

______________________________
التحليل الا في موارد خاصة مثل المناكح و نحوها تسهيلا للشيعة فان الخمس و الانفال كما عرفت سابقا ليس ملكا لشخص الامام المعصوم- عليه السلام- بان تكون حيثيّة الامامة حيثيّة تعليلية لتملك الشخص بل هما ملك لمنصب الامامة اعنى منصب زعامة المسلمين و ادارة شئونهم العامة و رفع نوائبهم فالمنصب اخذت تقييدية و الملك لنفس المنصب.

و الحكومة و الزعامة من الضروريات لاجتماعات المسلمين الى يوم القيامة كيف و دين الإسلام دين الحياة، و الحياة بلا امامة و سياسة لا تتصوّر حتى في الحيوانات فضلا عن الانسان، فالحكومة لازمة دائما، و الخمس من شئونها و ميزانياتها و لذا عبّر عنه في رواية المحكم و المتشابه عن عليّ- عليه السلام- بوجه الامارة قال: «فاما وجه الامارة فقوله: و اعلموا انما غنمتم من شي‌ء الآية» «1» كما ان الانفال أيضا من الاموال العمومية الراجعة الى الحكومات في جميع نظامات الحكومة في جميع الاعصار فالتحليل المطلق للخمس و كذا الانفال هدم لأساس الحكومة الاسلامية، و انت اذا راجعت الاقوال في حكم الخمس في زمان الغيبة (و قد انهاها في الحدائق الى اربعة عشر قولا) ترى هذه النكتة المشار اليها مغفولا عنها فكأنهم توهموا ان الخمس ملك لشخص الامام المعصوم- عليه السلام- و لذا افتى بعضهم بحفظ الخمس و ايداعه و الوصية به الى ان يصل الى الامام- عليه السلام-، و بعضهم بدفنه له، و بعضهم بالتحليل المطلق، و بعضهم بتحليل سهم الامام، و بعضهم حكموا بصرفه الى الفقراء و التصدق به من جهة تعذّر ايصاله الى صاحبه و بعضهم حكموا بصرفه فيما يعلم برضاه.

مع ان الخمس و الانفال كما عرفت ليسا ملكا لشخص الامام المعصوم بل لمنصب الامامة و الحكومة الذى يشغله و بعبارة اخرى هما من‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 12.

158
کتاب الخمس و الأنفال

حكم الخمس في مطلق الفائدة ؛ ص : 159

[حكم الخمس في مطلق الفائدة]

بل الاحوط ثبوته في مطلق الفائدة و ان لم تحصل بالاكتساب كالهبة و الهدية و الجائزة و المال الموصى به و نحوها بل لا يخلو عن قوة (1).

______________________________
اهم الميزانيات للحكومة الاسلامية. نعم مع ظهور الامام المعصوم يكون تصدى الحكومة من حقوقه، و المعارض له غاصب و لكن في عصر الغيبة يكون الملاك نظر الحاكم العادل الصالح العالم بالاسلام و العارف بمصالح المسلمين و اللازم تحصيل اذنه و الاستجازة منه. و سنعود الى تفصيل المسألة في باب قسمة الخمس و حكمه في عصر الغيبة فانتظر.

(1) هذه هى الجهة الثالثة من الجهات الاربعة المشار اليها و هى ان الموضوع في هذا القسم هو الارباح او مطلق الفائدة، و لا يخفى ان المحتملات اربعة:

الاول: اعتبار صدق التكسب اعنى القصد الى حصول المال و التصدى له مع اتخاذه مهنة و شغلا مستمرّا نسب الى المحقق جمال الدين الخونسارى في حاشيته على اللمعة.

الثانى: اعتبار التكسب مطلقا.

الثالث: عموم الحكم للتكسب و للفائدة الاتفاقية مع حصولها بالاختيار كالهبة و نحوها.

الرابع: عموم الحكم لكل فائدة و لو لم يتوسط الاختيار كالمواريث و نذر النتيجة و نحوهما.

و المذكور في كلمات اكثر القدماء من اصحابنا خصوص ما يستفاد بالاكتساب و التصدى لتحصيله مثل ارباح التجارات و الصناعات و الزراعات و لكن المستفاد من الآية و الاخبار اعم من ذلك و مما لا يتصدى لتحصيله سواء كان بالاختيار كالهبات و الجوائز او بغيره كالميراث الذى لا يحتسب بل مطلق الميراث فيشكل الامر في المقام.

توضيح ذلك ان المعمول و المتداول بين الناس ان يتوصل كل منهم بشغل من الاشغال لتأمين حوائجه اليومية فمنهم من يتوصل لتحصيل‌

159
کتاب الخمس و الأنفال

حكم الخمس في مطلق الفائدة ؛ ص : 159

..........

______________________________
المال بالانماء و التوليد كالزراع و مالكى الاغنام و الانعام، و منهم من يتوصل بنقل الاموال من مكان الى مكان آخر او بحفظها لوقت آخر فيبيعها باكثر مما اشتراها كالتاجر، و منهم من يتوصل بتغيير هيئة الاموال و العمل فيها بما يزداد به قيمتها كالصنّاع فهذه هى عمدة وجوه الاستفادة المتداولة بين الناس و قد اشير اليها في كلمات الاصحاب حيث عنونوا هذا القسم مما فيه الخمس بارباح التجارات و الصناعات و الزراعات.

نعم ربما يصل الى الانسان المال من دون تعب و تصدّ لتحصيله اما مع اختياره كالهبة و الجائزة و الصداق و عوض الخلع و المال الموصى به و نحوها او بلا اختياره كالميراث و نذر النتيجة على القول بصحته و لكنها فوائد قهرية نادرة و ليس بناء اقتصاد المجتمع عليها و لا يصدق عليها عنوان الاكتساب بل يشكل صدق عنوان الافادة و الاستفادة أيضا و بالجملة يشكل شمول تعبيرات القوم لها.

اللهم الا ان يحمل العناوين المذكورة في كلماتهم على المثال و يقال ان غرضهم مطلق الفوائد و لكنهم مثّلوا لها بالفوائد العمومية الحاصلة من الاشغال المتداولة و يؤيّد ذلك كلمة «غير ذلك» المذكورة في النهاية و الغنية بعد العناوين المذكورة و قد اوردنا عباراتهم في صدر المسألة فراجع.

و امّا الآية الشريفة فالمذكور فيها عنوان الغنم المضاف الى الفاعل فكل من صدق عليه انه غنم يصير مصداقا للآية و انكار صدق الغنيمة على مثل الجائزة و الهدية بل و الميراث الذى لا يحتسب مكابرة.

نعم يمكن التشكيك في صدقها على الميراث المعمولى حيث انه امر مترقّب مرجوّ الحصول فلا يصدق على الوارث انه غنم اذ عدم الترقب و الرجاء كأنه مأخوذ في صدق عنوان الغنم خصوصا في نسبته الى الفاعل.

و اما الاخبار فالهدية و الجائزة مذكورتان في كثير من اخبار الباب و الميراث الذى لا يحتسب مذكور في صحيحة على بن مهزيار و هنا‌

160
کتاب الخمس و الأنفال

حكم الخمس في مطلق الفائدة ؛ ص : 159

..........

______________________________
روايات تشمل بعمومها لجميع الفوائد فلنذكر اخبار الباب ثم نعود الى التوفيق بينها و بين كلمات الاصحاب.

فالاول: ما رواه السيد ابن طاوس في كتاب الطرف باسناده عن عيسى بن المستفاد عن ابى الحسن موسى بن جعفر عن ابيه (ع) ان رسول اللّه (ص) قال لأبي ذرو سلمان و المقداد (الى ان قال): و اخراج الخمس من كل ما يملكه احد من الناس حتى يرفعه الى ولى المؤمنين و اميرهم و من بعده من الائمة من ولده فمن عجز و لم يقدر الّا على اليسير من المال فليدفع ذلك الى الضعفاء من اهل بيتى من ولد الائمّة فمن لم يقدر على ذلك فلشيعتهم ممن لا يأكل بهم الناس و لا يريد بهم الّا اللّه ... «1» و عيسى بن المستفاد مضعّف عندهم.

الثانى: ما رواه في تحف العقول مرسلا عن الرضا (ع) في كتابه الى المأمون قال: و الخمس من جميع المال مرة واحدة «2» و لكن ليست هذه الجملة في نقل العيون.

الثالث: ما رواه الصفّار في بصائر الدرجات عن عمران بن موسى عن موسى بن جعفر- عليهما السلام- قال: قرأت عليه آية الخمس فقال:

ما كان للّه فهو لرسوله و ما كان لرسوله فهو لنا ثمّ قال: و اللّه لقد يسّر اللّه على المؤمنين ارزاقهم بخمسة دراهم جعلوا لربهم واحدا و اكلوا اربعة احلّاء ... «3» و عمران بن موسى مجهول.

الرابع: صحيحة على بن مهزيار السابقة قال: قال لى ابو على بن راشد: قلت له: امرتنى بالقيام بامرك و اخذ حقك فاعلمت مواليك بذلك فقال لى بعضهم: و اى شي‌ء حقه؟ فلم ادر ما اجيبه فقال: يجب‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 21.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 13.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

161
کتاب الخمس و الأنفال

حكم الخمس في مطلق الفائدة ؛ ص : 159

..........

______________________________
عليهم الخمس فقلت: ففى اى شي‌ء؟ فقال: في امتعتهم و صنائعهم (ضياعهم خ. ل) قلت: و التاجر عليه و الصانع بيده؟! فقال: اذا امكنهم بعد مئونتهم
«1»

و قد احتملنا سابقا ان يكون المراد بالامتعة محصولات التجارة بقرينة قول السائل في مقام السؤال الاستعجابى: «و التاجر عليه و الصانع بيده» و لكن الظاهر ان المتاع بحسب اللغة و الاستعمال كل ما يتمتع به في الحوائج فيشمل جميع لوازم الحياة و ان حصلت بالهبة و نحوها، و عن القاموس تفسيره بالمنفعة و السلعة و الاداة و كل ما تمتعت به من الحوائج، فتوهم في مصباح الفقيه كون المذكورات معانى متعددة و كون اللفظ مشتركا مع ان الظاهر كون الموضوع له هو الاخير فقط و الباقى من باب ذكر المصاديق، و لعل وجه سؤال السائل بعد ذلك عن خصوص التاجر و الصانع توهم ان التجارة و الصنعة حيث تستلزمان التعب و المشقّة لا توجبان الخمس و انما يتعلق بخصوص ما حصل مجّانا فاجاب الامام- عليه السلام- بايجابهما أيضا للخمس اذا امكنهم، و لا يخفى ان التجارة و الصنعة في تلك الاعصار كانتا مستلزمتين للتعب الشديد و لم يكن الربح المترتب عليهما الا أقلّ قليل.

الخامس: ما رواه الكلينى عن عدّة من اصحابنا عن احمد بن محمد بن عيسى عن يزيد قال كتبت: جعلت لك الفداء تعلّمنى ما الفائدة و ما حدّها رأيك ابقاك اللّه ان تمنّ على ببيان ذلك لكى لا اكون مقيما على حرام لا صلاة لى و لا صوم فكتب: الفائدة مما يفيد إليك في تجارة من ربحها و حرث بعد الغرام او جائزة «2» و يزيد هذا يظن كونه يزيد بن اسحاق بقرينة رواية احمد بن محمد بن عيسى عنه و قد وثقوه فراجع و يظهر من السؤال و كذا الجواب ان موضوع الخمس كان عنوان «الفائدة»‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7.

162
کتاب الخمس و الأنفال

حكم الخمس في مطلق الفائدة ؛ ص : 159

..........

______________________________
و لا يخفى عدم اعتبار المهنة و لا القصد و لا الاختيار في صدق هذا العنوان.

السادس: ما رواه الشيخ باسناده عن محمد بن على بن محبوب عن محمد بن الحسين عن عبد الله بن القاسم الحضرمى عن عبد اللّه بن سنان قال: قال ابو عبد اللّه- عليه السلام- على كل امرئ غنم او اكتسب الخمس مما اصاب لفاطمة- عليها السلام- و لمن يلى امرها من بعدها من ذرّيتها الحجج على الناس فذاك لهم خاصة يضعونه حيث شاءوا و حرم عليهم الصدقة حتى الخياط ليخيط ثوبا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق الا من احللناه من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة انه ليس من شي‌ء عند اللّه يوم القيامة اعظم من الزنا، انه ليقوم صاحب الخمس فيقول يا رب سل هؤلاء بما ابيحوا «1» و السند ضعيف بعبد الله بن القاسم و الظاهر ان عطف قوله «اكتسب» على قوله «غنم» من عطف الخاص على العام فتدبر، و قد مرّ ما يرتبط بحكم التحليل.

السابع: ما رواه ابن ادريس في آخر السرائر نقلا من كتاب محمد بن على بن محبوب عن احمد بن هلال عن ابن ابى عمير عن ابان بن عثمان عن ابى بصير عن أبي عبد الله- عليه السلام- قال: كتبت اليه في الرجل يهدى اليه مولاه و المنقطع اليه هدية تبلغ ألفي درهم او أقلّ او اكثر هل عليه فيها الخمس فكتب- عليه السلام- الخمس في ذلك، و عن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال انما يبيع منه الشي‌ء بمائة درهم او خمسين درهما هل عليه الخمس؟ فكتب اما ما اكل فلا و اما البيع فنعم هو كسائر الضياع «2» و السند مخدوش باحمد بن هلال.

الثامن: ما رواه الكلينى عن محمد بن يحيى عن سهل بن زياد عن محمد بن عيسى عن على بن الحسين بن عبد ربه‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 10.

163
کتاب الخمس و الأنفال

حكم الخمس في مطلق الفائدة ؛ ص : 159

..........

______________________________
قال سرّح الرضا- عليه السلام- بصلة الى ابى فكتب اليه ابى هل علىّ فيما سرّحت إليّ خمس؟ فكتب اليه: لا خمس عليك فيما سرّح به صاحب الخمس
«1» يظهر من الرواية انّ الصلة بحسب الطبع فيها الخمس و امر سندها سهل كما لا يخفى.

التاسع: ما رواه الشيخ باسناده عن محمد بن الحسن الصفار عن احمد بن محمد و عبد اللّه بن محمد جميعا عن على بن مهزيار قال:

كتب اليه ابو جعفر- عليه السلام- و قرأت انا كتابه اليه في طريق مكة قال: ان الذى اوجبت في سنتى هذه و هذه سنة عشرين و مأتين فقط لمعنى من المعانى اكره تفسير المعنى كله خوفا من الانتشار و سأفسّر لك بعضه ان شاء الله: ان موالى اسأل اللّه صلاحهم او بعضهم قصّروا فيما يجب عليهم فعلمت ذلك فاحببت ان اطهرهم و ازكيهم بما فعلت من امر الخمس في عامى هذا قال الله- تعالى-: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَ اللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبٰادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقٰاتِ وَ أَنَّ اللّٰهَ هُوَ التَّوّٰابُ الرَّحِيمُ، وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّٰهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ سَتُرَدُّونَ إِلىٰ عٰالِمِ الْغَيْبِ وَ الشَّهٰادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمٰا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، و لم اوجب عليهم ذلك في كل عام و لا اوجب عليهم الا الزكاة التى فرضها اللّه عليهم و انما اوجبت عليهم الخمس في سنتى هذه في الذهب و الفضة التى قد حال عليهما الحول و لم اوجب ذلك عليهم في متاع و لا آنية و لا دوابّ و لا خدم و لا ربح ربحه في تجارة و لا ضيعة الّا في ضيعة سأفسّر لك امرها تخفيفا منى عن موالىّ و منّا منى عليهم لما يغتال السلطان من اموالهم و لما ينوبهم في ذاتهم.

فاما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام قال اللّه- تعالى-: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 11 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

164
کتاب الخمس و الأنفال

حكم الخمس في مطلق الفائدة ؛ ص : 159

..........

______________________________
الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ وَ مٰا أَنْزَلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا يَوْمَ الْفُرْقٰانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعٰانِ وَ اللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ.

و الغنائم و الفوائد يرحمك اللّه فهي الغنيمة يغنمها المرء و الفائدة يفيدها و الجائزة من الانسان للإنسان التى لها خطر و الميراث الذى لا يحتسب من غير أب و لا ابن و مثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله و مثل مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب و ما صار الى موالىّ من اموال الخرّمية الفسقة فقد علمت ان اموالا عظاما صارت الى قوم من موالىّ فمن كان عنده شي‌ء من ذلك فليوصله الى وكيلى و من كان نائيا بعيد الشقّة فليعتمد لإيصاله و لو بعد حين فان نية المؤمن خير من عمله. فاما الذى اوجب من الضياع و الغلّات في كل عام فهو نصف السدس ممن كانت ضيعته تقوم بمؤونته و من كانت ضيعته لا تقوم بمؤونته فليس عليه نصف سدس و لا غير ذلك «1».

و الرواية صحيحة لا اشكال فيها سندا و ظهورها في التعميم أيضا واضح، و ايجاب نصف السدس على اصحاب الضياع كان تخفيفا منه- عليه السلام- لشيعته فان اختيار الخمس بسهميه و كذا الزكاة و غيرهما من الميزانيات الاسلامية بيده- عليه السلام- فانه ولىّ الامر بل هم اولى بالمؤمنين و اموالهم من انفسهم مثل النّبيّ- صلى الله عليه و آله- و لعل مراده- عليه السلام- بالخمس الذى اوجبه في سنة خاصة في الذهب و الفضة التى قد حال عليهما الحول كما قيل هو الزكاة حيث ان شيعته- عليه السلام- قصّروا في اداء زكاتهما و الزكاة تتعلق في كل سنة فصالح الامام (ع) في زكاتهما في السنوات المتعددة التى قصروا فيها على اداء خمسهما بعنوان الزكاة، و الشاهد على ذلك ذكر آية الزكاة و آية الصدقات و قوله- عليه السلام- بعد ذلك: «و لم اوجب عليهم ذلك في‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

165
کتاب الخمس و الأنفال

كلام حول فقه الرضا ؛ ص : 166

..........

______________________________
كل عام و لا اوجب عليهم الا الزكاة التى فرضها اللّه عليهم» و قوله:

«و لا ربح ربحه في تجارة» مع ان الربح مما يجب فيه الخمس المصطلح و يكون مشمولا لقوله بعد ذلك: «فاما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام» و وجه تخصيص الذهب و الفضة باخذ الزكاة ان خلفاء الوقت كانوا يأخذون الزكوات منهم من الاموال الظاهرة فقبلها الامام- عليه السلام- تخفيفا و اما الذهب و الفضة فلما لم تكونا من الاموال الظاهرة لم يكن لعمال الزكوات اليهما سبيل فطالب الامام زكاتهما تطهيرا لأموالهم و توسعة لفقراء الشيعة و ضعفائهم و حفظهم من الشدّة التى كان تنتظرهم بوفات الامام فان سنة عشرين و مأتين كانت سنة وفات الامام ابى جعفر الثانى- عليه السلام- و هذا هو الذى لم يحب- عليه السلام- انتشاره قبل وقوعه، و بما ذكرنا يرتفع الاشكالات الموردة على الصحيحة و يتعيّن العمل بمضمونها فتدبر.

[كلام حول فقه الرضا]

العاشر: ما عن الفقه الرضوى بعد ذكر الآية الشريفة قال: «و كل ما افاد الناس غنيمة و لا فرق بين الكنوز و المعادن و الغوص ... و ربح التجارة و غلّة الضيعة و ساير الفوائد و المكاسب و الصناعات و المواريث و غيرها لان الجميع غنيمة و فائدة».

و فقه الرضا كتاب وزين يستفاد من تتبعه ان مؤلّفه كان محيطا بفقه الشيعة الامامية و رواياتهم عالما باصوله و فروعه خبيرا بطرق الاجتهاد و الاستنباط، و ان كان يوجد فيه أيضا بعض ما لا يناسب فقهنا و قد اختلفت الاقوال في ماهيته، و قد ينسب الى ثامن الائمة- عليهم السلام-، و لكن يبعد ذلك، و اظن جدّا ان قسمة اوله و هى عمدته كتاب شرايع على بن الحسين بن موسى بن بابويه القمى الذى كان مرجعا لفقهائنا عند اعواز النصوص، و يشهد لذلك مضافا الى وجدانه اولا عند القميين في سفر الحج فاستنسخه قاضى أمير حسين- طاب ثراه- في سنى مجاورته لبيت اللّه الحرام ثم جاء به الى اصفهان فتلقاه المجلسيان- طاب‌

166
کتاب الخمس و الأنفال

كلام حول فقه الرضا ؛ ص : 166

..........

______________________________
ثراهما- بالقبول، انى قابلت موارد نقل الفقيه من رسالة ابيه مع فقه الرضا فوجدتها مطابقة له و هى على ما عددته احد و ثلاثون موردا، و من المحتمل ان ابن بابويه كان ينسب الى جده موسى فتوهم انه على بن موسى الرضا ثامن الائمة- عليهم السلام- فراجع، و القسمة الاخيرة منه المتضمنة للروايات لعلها قسمة من نوادر احمد بن محمد بن عيسى كما في المستدرك.

و كيف كان فالى هنا ذكرنا عشر روايات يستفاد منها كون الموضوع لهذا القسم من الخمس اعم من الارباح بل يمكن استفادة العموم أيضا من موثقة سماعة السابقة قال: سألت ابا الحسن- عليه السلام- عن الخمس فقال: في كل ما افاد الناس من قليل او كثير «1» بل و من صحيحة الاشعرى السابقة قال: كتب بعض اصحابنا الى ابى جعفر الثانى- عليه السلام- اخبرنى عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و على الصنّاع و كيف ذلك؟ فكتب بخطّه: الخمس بعد المؤونة «2»

اذ لا دليل على كون الطلب معتبرا في صدق الافادة و الاستفادة، الا ترى ان ابن الجنيد مع كونه عارفا بلغة العرب استعمل لفظ الاستفادة في مثل الميراث و الصلة في عبارته المتقدمة فقال: «فاما ما استفيد من ميراث او كد بدن او صلة اخ او ربح تجارة ...»‌

فتلخص من جميع ما ذكرنا ان المستفاد من الآية الشريفة و من روايات كثيرة ثبوت الخمس في مطلق الفائدة فتشمل باطلاقها للهدية و الجائزة بل و المواريث أيضا مضافا الى كون خصوص الهدية و الجائزة و الميراث غير المحتسب مذكورات في الروايات و لكن المذكور في كلمات جلّ الاصحاب كما مرّت خصوص ارباح التجارات‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

167
کتاب الخمس و الأنفال

كلام حول فقه الرضا ؛ ص : 166

..........

______________________________
و الصناعات و الزراعات، و حينئذ فهل يؤخذ بعموم الآية و الروايات و لا يعتنى بما هو الظاهر من كلماتهم او تحمل على قصد المثال، او يؤخذ بظاهر كلماتهم و يرفع اليد عمّا دلّ على ثبوت الخمس في مثل الهدية و الجائزة و الميراث باعراض الاصحاب بتقريب ان عدم تعرّضهم لمثل الميراث و اخويه في كتبهم المعدّة لنقل الفتاوى المأثورة عن الائمة- عليهم السلام- مع عموم الابتلاء بها يكشف كشفا قطعيا عن خروجها عندهم عن موضوع الخمس و عن تلقيهم ذلك من الائمة- عليهم السلام- يدا بيد.

و لذا ترى العلامة في التذكرة بعد ما حكى ثبوت الخمس في الميراث و الهبة و الهدية عن بعض اصحابنا قال: «و المشهور خلاف ذلك في الجميع».

و قال في السرائر: «ذكر بعض الاصحاب ان الميراث و الهدية و الهبة فيه الخمس ذكر ذلك ابو الصلاح الحلبى في كتاب الكافى الذى صنفه و لم يذكره احد من اصحابنا الا المشار اليه و لو كان صحيحا لنقل امثاله متواترا و الاصل براءة الذمة.»‌

و في مصباح الفقيه ما حاصله: «لا ينبغى الارتياب في عدم تعارفه بين المسلمين في زمان النّبيّ (ص) و لا بين الشيعة في عصر احد من الائمة- عليهم السلام- و الا امتنع عادة اختفاء مثل هذا الحكم اعنى وجوب صرف خمس المواريث بل و كذا العطايا مع عموم الابتلاء به على النساء و الصبيان فضلا عن صيرورته خلافيا او صيرورة خلافه مشهورا لو لم يكن مجمعا عليه فوقوع الخلاف في مثل المقام امارة قطعية على عدم معروفيته في عصر الائمة- عليهم السلام- بل و لا في زمان الغيبة الصغرى و الا لقضت العادة بصيرورته من ضروريات الدين لو كان في عصر النّبيّ- صلى الله عليه و آله- او المذهب لو كان في اعصار الائمة- عليهم السلام-»‌

اقول: بعد اللتيا و التى يمكن ان يقال: ان الغنيمة اسم لكل فائدة‌

168
کتاب الخمس و الأنفال

كلام حول فقه الرضا ؛ ص : 166

..........

______________________________
غير مترقبة او زائدة على ما يترقب فتشمل مثل الهدية و الجائزة الخطيرة و الربح الزائد على المؤونة.

و اما الميراث فحيث انه مما يقتضيه نظام الطبيعة بلا استثناء فهو امر مرجوّ الحصول و مترقب التحقق فلا يصدق عليه الغنيمة اللهم الا ان يكون مما لا يحتسب كما دل عليه صحيحة ابن مهزيار و كذلك ربح التجارة و الزراعة و الصناعة و ساير المشاغل الرسمية فحيث ان مقدار المؤونة منها مرجوّ مترقب لا يصدق عليه الغنيمة و الزائد على المؤونة مصداق لها فيكون خروج مئونة السنة من الارباح تخصّصا لا تخصيصا.

و السر في ذلك ان نظام المجتمع في جميع الاعصار كان مبتنيا على اختيار احد المشاغل الرسمية لتأمين حوائج الحياة فحصول مقدار المؤونة مما يقتضيه طباعها و مما يترقب و يرجى فلا يصدق الغنيمة الا على ما زاد عنها.

و لعلّ وزان الصداق أيضا وزان الميراث فانه امر يرجى حصوله بحسب نظام المجتمع بل يمكن ان يقال: انه عوض للبضع فلا يصدق عليه الغنيمة قطعا و هذا بخلاف عوض الخلع فانه من قبيل الهدية و الهبة فتأمل.

ثم لو ابيت الا عن صدق الغنيمة على الميراث أيضا امكن الاستدلال على عدم الخمس فيه بمفهوم الوصف في صحيحة ابن مهزيار حيث قيد الميراث فيها بالذى لا يحتسب، و بانه لو كان الخمس فيه ثابتا لاشتهر بين العوام فضلا عن الخواص لكثرة الابتلاء به لجميع الناس في جميع الاعصار.

بل يمكن ان يقال: ان الاغتنام انما يصدق مع تبدل الاموال و انتقالها و ما هو المتحقق في المواريث بنظر العرف هو تبدل الملّاك لا الاموال فالاموال ثابته باقية بحالها و انما المتبدل هم الملّاك بحسب ما يقتضيه نظام الوجود فافهم، هذا.

و اما رفع اليد عن العمومات و عن اخبار الجائزة و الهدية باعراض‌

169
کتاب الخمس و الأنفال

خروج المؤونة من باب التخصص لا التخصيص ؛ ص : 170

..........

______________________________
الاصحاب عنها فالالتزام به مشكل و لا سيما مع ما ترى في النهاية من عطف «غير ذلك» على العناوين الخاصة و في الغنية «او غير ذلك من وجوه الاستفادة اى وجه كان» و لا دليل على كون السين للطلب كما عرفت من ابن الجنيد اطلاق الاستفادة على الميراث و الصلة أيضا.

و بالجملة لا يحرز الاعراض بعد احتمال كون العناوين المذكورة من باب المثال و من جهة كونها من الافراد الغالبة التى يبتلى بها الناس دائما في طول الحياة بخلاف مثل الميراث و الجائزة الخطيرة فتدبّر.

و في خمس الشيخ الانصارى- قدس سره- ما حاصله: «المشهور كما قيل عدم وجوب الخمس في الميراث و الهبة ... و استدل لهم بالاصل و صحيحة ابن سنان ليس الخمس الا في الغنائم خاصة و امثالها مما دل على حصر الخمس في خمسة او اربعة و الكل كما ترى فالوجوب لا يخلو عن قوة وفاقا للمحكى عن الحلبى و عن المعتبر و اختاره في اللمعة و مال اليه في شرحها و هو ظاهر الاسكافى لكن من حيث الاحتياط». و قد اطلنا البحث في المسألة لكثرة الابتلاء به و لو حدث للقارئ الملال فالمرجوّ منه العفو و الاغماض.

الجهة الرابعة: في استثناء المؤونة، لا يخفى ان عموم الآية و الروايات يقتضى ثبوت الخمس في كل غنيمة و هى تشمل جميع الموضوعات السبعة او الخمسة بلا تفاوت بينها.

ثم انّ مئونة التحصيل مستثناة في جميع الموضوعات قطعا فان ما بازائها لا يسمى غنيمة فيكون خروجها بالتخصّص هذا مضافا الى اطلاق قوله- عليه السلام- في الروايات الآتية: «الخمس بعد المؤونة» و في خصوص الارباح قوله في رواية يزيد: «و حرث بعد الغرام» و في رواية على بن محمد بن شجاع النيسابورى: «و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّا».

[خروج المؤونة من باب التخصص لا التخصيص]

و اما مئونة الرّجل و عياله فلم يلتزموا باستثنائها في سائر الموارد و اما في المقام فيمكن ان يقال بخروجها بالتخصص أيضا حيث ان الانسان‌

170
کتاب الخمس و الأنفال

خروج المؤونة من باب التخصص لا التخصيص ؛ ص : 170

..........

______________________________
بحسب طبعه يختار واحدا من المشاغل الرسمية المتداولة من التجارة و الزراعة و الصناعة و نحوها لإدارة امر المعاش و تنظيمه، فالاستفادة بمقدار المعاش مما يرجى و يترقب قهرا فلا يسمّى ما بازائه غنيمة و انما الغنيمة ما زاد عنه و فضل حيث ان عدم الترقّب مما اشرب في معناها و لذا عدّ في صحيحة ابن مهزيار من مصاديقها: الجائزة التى لها خطر و الميراث الذى لا يحتسب من جهة ان الجائزة الحقيرة و الميراث المحتسب مما يترقبان في طول الحياة. و على هذا البيان يبقى عموم الآية بحاله، و لا محالة يختص خروج المؤونة تخصّصا بما يستفاد من المشاغل العمومية المتداولة او الجوائز الحقيرة الشائعة و لا يشمل الفوائد القهرية من الهبات و الجوائز الخطيرة فضلا عن مثل المعادن و الكنوز و غنائم الحرب.

هذا بناء على تسليم الخروج التخصصى و اما بناء على انكار ذلك بدعوى ان المستفاد بالتجارة و نحوها مصداق للغنيمة مطلقا فيكون خروج مئونة السّنة من باب التخصيص فلنذكر اخبار المسألة:

فالاول: ما رواه الكلينى عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد عن ابن ابى نصر قال: «كتبت الى ابى جعفر- عليه السلام-:

الخمس اخرجه قبل المؤونة او بعد المؤونة فكتب: بعد المؤونة.»‌

الثانى: ما رواه الكلينى باسناده عن ابراهيم بن محمد الهمدانى ان في توقيعات الرضا- عليه السلام- اليه: «ان الخمس بعد المؤونة» «1».

الثالث: رواية محمد بن الحسن الاشعرى السّابقة قال كتب بعض اصحابنا الى ابى جعفر الثانى- عليه السلام-: «اخبرنى عن الخمس اعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و على الصناع و كيف ذلك فكتب بخطه: الخمس بعد المؤونة» «2».

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 12 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2- 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

171
کتاب الخمس و الأنفال

خروج المؤونة من باب التخصص لا التخصيص ؛ ص : 170

..........

______________________________
و الظاهر كون المراد مئونة الشخص لا مئونة التحصيل اذ المفروض في السؤال تحقق الاستفادة و مقدار مئونة التحصيل لا يصدق عليه الاستفادة.

الرابع: قوله- عليه السلام- في رواية النيسابورى السابقة: «لى منه الخمس مما يفضل من مئونته». و الظاهر منه مئونة الشخص و كذا الآتية.

الخامس: قوله- عليه السلام- في رواية ابى على بن راشد: «اذا امكنهم بعد مئونتهم».

السادس: قوله- عليه السلام- في صحيحة ابن مهزيار الطويلة «ممن كانت ضيعته تقوم بمؤونته و من كانت ضيعته لا تقوم بمؤونته فليس عليه نصف سدس و لا غير ذلك».

السابع: ما رواه الشيخ باسناده عن على بن مهزيار قال: «كتب اليه ابراهيم بن محمد الهمدانى: اقرأنى علىّ (بن مهزيار) كتاب ابيك فيما اوجبه على اصحاب الضياع انه اوجب عليهم نصف السدس بعد المؤونة و انه ليس على من لم يقم ضيعته بمؤونته نصف السدس و لا غير ذلك فاختلف من قبلنا في ذلك فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المؤونة مئونة الضيعة و خراجها لا مئونة الرجل و عياله فكتب و قرأه على بن مهزيار: عليه الخمس بعد مئونته و مئونة عياله و بعد خراج السلطان» «1».

و الرواية ناظرة الى ذيل صحيحة ابن مهزيار الطويلة و من التعبير بالخمس هنا سؤالا و جوابا يفهم كون الحكم بنصف السدس في ذيل الصحيحة امرا موقتا.

الثامن: قوله- عليه السلام- في خمس فاكهة البستان التى‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

172
کتاب الخمس و الأنفال

وجه تقييد المؤونة بالسنة ؛ ص : 173

..........

______________________________
يأكلها العيال: «اما ما اكل فلا و اما البيع فنعم» هذه روايات المسألة.

[وجه تقييد المؤونة بالسنة]

اذا عرفت هذا فنقول: ان اخذنا باطلاق الاخبار الدالة على استثناء المؤونة و فهمنا منها التعميم لكلا قسمى المؤونة كان مقتضى اطلاقها خروج المؤونة بقسميها في جميع الموضوعات السبعة او الخمسة فيجب ان يتمسك لعدم استثناء مئونة السنة في مثل المعادن و الكنوز و نحوها بالإجماع او بأدلة اعتبار النصاب فتأمل (اذ لأحد أن يقول باعتباره بعد مئونة السنة كما قالوا باعتباره بعد مئونة التحصيل).

و اما اذا انكرنا اطلاقها و قلنا باجمالها حيث يتردد مفادها بين مئونة التحصيل و مئونة الشخص كان المرجع الاخبار الخاصة الدالة على استثناء مئونة الشخص و موردها كما ترى ارباح التجارة و الضيعة و نحوهما من المشاغل العمومية المتداولة فيجب ان يؤخذ في غيرها بعموم الآية حتى في مثل الجائزة و الهدية و الميراث ان قلنا بثبوت الخمس فيها.

نعم مئونة التحصيل مستثناة قطعا لعدم صدق الغنيمة على ما بازائها فتدبر. هذا بالنسبة الى اصل استثناء المؤونة.

و اما التقييد بالسنة فقد كان موجودا في اكثر كلمات الاصحاب كما مرّت و لكن الروايات خالية منه و لكن قد يقال في وجهه: ان التقييد بالسنة مقتضى الاطلاق المقامى و التبادر العرفى فان مئونة الشخص و عياله لدى العرف تقدّر بالسنين لا بالايام و الشهور و الفصول اذ لا انضباط لها بحسبها فانها تختلف فيها غاية الاختلاف فربّ وقت فيه ربح و لا مئونة و ربّ وقت بالعكس و منشأ ذلك اختلاف الاحوال الحادثة في السنة من الحرّ و البرد و المطر و غيرها و بحسبها يختلف الاحتياجات فاذا اراد العرف مقايسة المؤونة مع الربح يلاحظ في ذلك مجموع ربح السنة مع مجموع مصارفها.

فمئونة السنة هى التى تحدّ بها مئونة الشخص و عياله و يطلق وفاء كسبه او ضيعته بمؤونته بملاحظتها فيقال: زيد يملك مئونته او لا يملك‌

173
کتاب الخمس و الأنفال

وجه تقييد المؤونة بالسنة ؛ ص : 173

..........

______________________________
او يقدر عليها او لا يقدر و يراد ذلك بحسب السنة، و بناء العرف في محاسباتهم و كذا بناء جباة الماليات العرفية القانونية على ملاحظة السنة و اعتبارها.

و يشهد لذلك قوله- عليه السلام- في صحيحة على بن مهزيار الطويلة: «فاما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام (الى ان قال): فامّا الذى اوجب من الضياع و الغلّات في كل عام فهو نصف السدس ممن كانت ضيعته تقوم بمؤونته ...»‌

فان التقييد بالسنة و ان لم يصرّح به في المؤونة و لكن يستفاد من الحديث ان الغنيمة و الفائدة و بعبارة اخرى موضوع الخمس يلاحظ بحسب السنة و ينسب اليها فاذا قيست الى فائدة السنة مئونة الشخص فلا محالة تلحظ فيها السنة أيضا.

بل لا يخفى ان لحاظ السنة في الفائدة انما يكون بلحاظها في المؤونة و الّا فاىّ وجه للحاظها؟ اللّهم الا ان يقال بان لحاظها فيها يكون لجبر الخسارات بالارباح فتدبر.

فان قلت: اذا فرض ان للشخص ضيعة تفيده سنة دون سنة كما في المزارع التى تزرع سنة و تعطّل سنة ليكمل استعدادها للزراعة فلا يصدق فيها انها تفى بمؤونته الا اذا وفت بمؤونة السنتين فهل يعتبر السنة في هذا الفرض أيضا؟

قلت: لا دليل على اعتبارها في مثل الفرض فان التقييد بالسنة كان بسبب الاطلاق المقامى و التبادر العرفى و هو منصرف عن مثل الفرض و لا اجماع أيضا لانصراف كلمات المجمعين عن مثله اللهم الا ان يقال ان الحكم كان بحسب الاعم الاغلب و لا يلحظ في الاحكام الافراد النادرة فتدبر.

هذا بالنسبة الى اصل استثناء مئونة السنة و اما تحديد المؤونة و تعريفها فيأتى في المسائل الآتية.

174
کتاب الخمس و الأنفال

لا خمس في الميراث ؛ ص : 175

[لا خمس في الميراث]

نعم لا خمس في الميراث الا في الذى ملكه من حيث لا يحتسب فلا يترك الاحتياط فيه (1) كما اذا كان له رحم بعيد في بلد آخر (2) لم يكن عالما به فمات و كان هو الوارث له، و كذا لا يترك في حاصل الوقف الخاص (3) بل و كذا في النذور

و الاحوط (4) استحبابا ثبوته في عوض الخلع و المهر و مطلق الميراث حتى المحتسب منه و نحو ذلك.

[اذا علم ان مورّثه لم يؤد خمس ما تركه]

(مسألة 50): اذا علم ان مورّثه لم يؤد خمس ما تركه وجب اخراجه (5) سواء كانت العين التى تعلق بها الخمس موجودة فيها او كان الموجود عوضها (6) بل لو علم باشتغال ذمته بالخمس وجب

______________________________
(1) بل لا يخلو عن قوة و كذا في حاصل الوقف و في النذور.

(2) الملاك صدق عدم الاحتساب فيمكن فرضه في القريب و في البلد أيضا.

(3) و كذا العام مع القبض و التملك.

(4) لا يترك في عوض الخلع لاشتراكه مع الهدية و الجائزة في صدق الفائدة و الحصول باختيار نعم يمكن ان يقال بانه ليس مصداقا للغنيمة عند العرف فانه عوض عن فوات البضع الحلال نظير المهر الذى قلنا بانه عوض عن البضع و اخترنا عدم الخمس فيه فتأمل.

(5) لعدم المقتضى لسقوطه و كفى بالاستصحاب دليلا على بقائه، و ما دل على التحليل في ميراث يصيبه الانسان او تجارة او شي‌ء يقع في يده كروايات ابى خديجة و يونس بن يعقوب و حرث بن المغيرة «1» فالظاهر ان موردها مثل المناكح و الجوارى المسبية بايدى المخالفين او الاموال التى يصيبها الانسان ممن لا يعتقد الخمس و قد مرّ بيان ذلك و سنعود اليه أيضا في اواخر الكتاب.

(6) ان كانت المعاملة في اثناء السنة او تعقبها اجازة الحاكم و الا بطلت المعاملة بالنسبة الى مقدار الخمس على الاشاعة و جاز المطالبة‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 4، 6، 9.

175
کتاب الخمس و الأنفال

لا خمس فيما ملك بالخمس او الزكاة ؛ ص : 176

اخراجه من تركته مثل ساير الديون.

[لا خمس فيما ملك بالخمس او الزكاة]

(مسألة 51): لا خمس فيما ملك بالخمس او الزكاة او الصدقة المندوبة و ان زاد عن مئونة السنة (1)

______________________________
منه مع عدم التمكن من العين و صار نظير الفرض الذى بعده و كان العوض مشتركا بين الميت و بين من انتقل عنه.

هذا حكم صورة العلم و اما اذا شك في ان المورّث ادّى خمس المال أم لا ففى المسألة تفصيل و قد عنونها المصنف في المسألة الخامسة من ختام الزكاة و التفصيل يطلب هناك.

و اجماله ان المال المتعلق به الزكاة او الخمس ان كان موجودا بعينه او علم بانّ تلفه عند المورّث كان على وجه يضمنها فاستصحاب بقاء الزكاة او الخمس في العين او في ذمة المورّث يجرى بلا اشكال.

و اما اذا تلف العين و احتمل اداء المورّث لخمسه او زكاته قبل التلف فلا مجال لاستصحاب الذمة لعدم العلم باشتغالها، و استصحاب وجوب اداء الزكاة او الخمس على المورّث لا يثبت اشتغال ذمته، و موضوع تكليف الوارث هو دين المورّث و اشتغال ذمته لا صرف الحكم التكليفى المتوجه اليه فتدبر.

(1) في خمس الشيخ الانصارى «قده»: الاشكال في ثبوت الخمس في الزكاة او الخمس اذا فضل شي‌ء منهما عن مئونة السنة نظرا الى كونهما ملكا للفقراء و السادة فكأنه يدفع اليهم، ما يطلبونه فيشكل صدق الفائدة و نحو ذلك ما عن كاشف الغطاء.

اقول: كونهما ملكا للعنوانين لا يوجب عدم صدق الفائدة بالنسبة الى الشخص بعد ما قبضه و تملكه هذا.

و قد يستدل أيضا للمسألة بقوله- عليه السلام- في مرسلة حماد الطويلة الآتية: «و ليس في مال الخمس زكاة» «1» بتنقيح المناط.

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 8.

176
کتاب الخمس و الأنفال

لا خمس فيما ملك بالخمس او الزكاة ؛ ص : 176

..........

______________________________
اقول: بالدقة في الحديث و في غيره مما يشابهه يعلم ان المراد هو ان بيت المال قبل توزيعه و صرفه الى مصارفه لا يتعلق به الماليات الشرعية و هو المراد أيضا بقوله- عليه السلام- بعد ذلك: «و لذلك لم يكن على مال النّبيّ و الوالى زكاة» و الا فمن الواضح تعلّق الزكاة او الخمس بما ملكه شخص النّبيّ (ص) او الامام (ع) اذا بلغ النصاب المقرر فانهما أيضا من افراد المسلمين فيتعلق بهما من التكاليف و الاوضاع ما يتعلق بهم.

و بالجملة محطّ النظر في الحديث بيان عدم تعلق الزكاة بمال الخمس الذى هو للإمام و في اختياره بما هو امام فلا يرتبط بالخمس الذى قبضه احد من السادة و ملكه الا ترى ان الميزانيات المجتمعة بحساب وزارة المالية في الحكومات العرفية لا يتعلق بها الماليات و ان بقيت ما بقيت و لكنها بعد التوزيع و التقسيم بين الموظفين يشملهم المقررات المالية، هذا.

نعم يمكن الاستدلال للمسألة بما رواه الكلينى عن محمد بن يحيى عن سهل بن زياد عن محمد بن عيسى عن على بن الحسين بن عبد ربه قال: «سرّح الرضا- عليه السلام- بصلة الى ابى فكتب اليه ابى:

هل على فيما سرّحت إليّ خمس؟ فكتب اليه: لا خمس عليك فيما سرّح به صاحب الخمس» «1» اذ الظاهر انّه- عليه السلام- سرّح به من بيت المال اى الخمس بما انه خمس لا من ملكه الشخصى و يشير الى ذلك تعليق الفعل على عنوان صاحب الخمس، و صاحب الخمس هو الامام بما انه امام و الا فاىّ فرق بين صلة شخص الامام من ماله الشخصى و بين صلات غيره.

و بهذا البيان يظهر عدم ارتباط الحديث بباب الهدايا فان الهدية تمليك من المهدى الى المهدى اليه من ماله و اما المقام فهو من قبيل تطبيق العنوان المستحق على الشخص و المصرف فتدبر، هذا.

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 11 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

177
کتاب الخمس و الأنفال

ذا اشترى شيئا ثم علم ان البائع لم يؤد خمسه ؛ ص : 178

نعم لو نمت في ملكه ففى نمائها يجب كسائر النماءات (1)

[ذا اشترى شيئا ثم علم ان البائع لم يؤد خمسه]

(مسألة 52): اذا اشترى شيئا ثم علم ان البائع لم يؤد خمسه كان البيع بالنسبة الى مقدار الخمس فضوليا فان امضاه الحاكم رجع عليه بالثمن (2) و يرجع هو على البائع اذا ادّاه و ان لم يمض فله ان يأخذ مقدار الخمس من المبيع و كذا اذا انتقل اليه بغير البيع من المعاوضات و ان انتقل اليه بلا عوض يبقى مقدار خمسه على ملك اهله.

______________________________
و اما ما يتوهم من ان الزكاة او الخمس لا يعطى اكثر من مئونة السنة حتى يتعلق به الخمس ففيه اولا: ان الفقير في كل وقت له أن يأخذ بمقدار مئونة السنة و لكن سنة الخمس لا تلحظ بالنسبة الى كل فائدة فائدة بل تبدأ من اول الفائدة فيتصور الزيادة.

و ثانيا: ان ما يتقيد بالسنة سهم الفقراء و المساكين و اما ما يعطى للموظّفين في الحكومة الاسلامية او المستأجرين لعمل خاص من بيت المال فيمكن ان يكون ازيد من مئونة السنة فانه يعطى بمقدار قيمة العمل.

و قد تلخص مما ذكرنا عدم دليل يعتد به على نفى الخمس في الزكاة او الخمس الذى قبضه المستحق اذا زاد عن مئونة سنته الا رواية ابن عبد ربه فان سلّم دلالتها فهو و الا فالاحوط التخميس.

و اما الصدقة المندوبة فوزانها وزان الهبة و الهدية غاية الامر اشتراطها بالقربة فالظاهر كونها محكومة بحكمهما و قد عرفت ان الاحوط بل الاقوى ثبوت الخمس فيهما.

ثم انه لا وجه لتقييد الصدقة بالمندوبة اذ الصدقة الواجبة كالكفارات أيضا محكومة بحكمها فتدبر.

(1) ان حصل بالاستنماء و التوليد او قلنا بثبوت الخمس في مطلق الفائدة كما قويناه.

(2) الحكم مبنى على الاحتياط من ترتيب آثار الشركة و الا فلو قلنا بكون التعلق من قبيل الحق فامضاء الحاكم للمعاملة على فرض كونه‌

178
کتاب الخمس و الأنفال

حكم الزيادة المتصلة و المنفصلة ؛ ص : 179

[حكم الزيادة المتصلة و المنفصلة]

(مسألة 53): اذا كان عنده من الاعيان التى لم يتعلق بها الخمس او تعلق بها لكنه ادّاه فنمت و زادت زيادة متصلة او منفصلة وجب الخمس في ذلك النماء. (1)

______________________________
صلاحا لا يوجب الشركة في العوض و لا ثبوت حق فيه.

ثم ان الحاكم بعد الامضاء لا يتعين عليه ان يرجع الى المشترى بل له ان يرجع الى البائع أيضا بالثمن اخذه أم لا اذ الامضاء لا يستلزم رفع الضمان عنه، كما انه مع عدم الامضاء لا يتعين الرجوع الى المشترى بخمس العين بل له ان يطالب البائع بالبدل لتعاقب الايادى، و لو ادى البائع القيمة بعد البيع خرج عن كونه فضوليا و يصير من قبيل من باع ثم ملك، و يدل على صحة ذلك صحيحة البصرى قال: قلت لأبي عبد اللّه (ع): رجل لم يزكّ ابله او شاته عامين فباعها، على من اشتريها ان يزكيها لما مضى؟

قال: نعم تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها البائع او يؤدى زكاتها البائع «1» هذا و لكن لأحد ان ينكر دلالة الصحيحة على صحة البيع و انما تدل على ضمان كل منهما للخمس و هو المطابق لقاعدة تعاقب الايدى فتدبر.

(1) في المسالك: «لو زاد ما لا خمس فيه زيادة متصلة او منفصلة وجب الخمس في الزائد.»‌

اقول: الحكم في المنفصله واضح و اما في المتصلة فاطلاق الحكم بالوجوب فيها مبنى على وجوب الخمس في مطلق الفائدة و على تسليم صدقها على النماء مطلقا و قد عرفت ان الاول اقوى و لكن يمكن منع الثانى في الزيادة المتصلة اذا لم تكن مقصودة و لم تقابل بالمال فعلا فالسّمن في الغنم الذى لا يقصد الا لبنه و صوفه و النمو في الشجر الذى لا يقصد الا ثمره لا يصدق عليهما الفائدة عرفا اللهم الا اذا بدا له في بيعهما فحسب النماء و اخذ بازائه المال و الا فلا يعدّ الرجل في كل سنة نموّ غنمه و شجره غنيمة و فائدة بل فيما قصد السمن و النمو أيضا من اول الامر انما‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 12 من ابواب زكاة الانعام، الحديث 1.

179
کتاب الخمس و الأنفال

حكم الزيادة المتصلة و المنفصلة ؛ ص : 179

..........

______________________________
يحسب النمو فائدة و غنيمة اذا حان حين الاستفادة منه او بدل بمال فعلا فمن غرس الشجر لخشبه كالدلب و الخلاف فلا يعدّ نموّ الشجر في كل يوم او كل سنة غنيمة و انما يعدّه غنيمة و فائدة في سنة قطعه او حين بيعه و تبديله بمال فعلا و لو قبل سنة القطع.

و الحاصل ان النمو لا يعدّ غنيمة بصرف الحصول بل بعد ما حان وقت الاستفادة منه بالقطع او اتفق تبديله بمال آخر و لو قبل ذلك من غير فرق بين ما قصد نموّه و بين غيره.

نعم بعد ما فرض صدق الغنيمة و الفائدة يجب خمسه مطلقا بناء على وجوبه في مطلق الفائدة و الا ففى خصوص ما كان المقصود نفس النموّ دون ما اذا كان المقصود الثمر و الزيادة المنفصلة فقط، و الشاهد لما ذكرنا بناء العرف و العقلاء حيث ان حساب النموّ في كل يوم او كل سنة يوجب العسر بل هو مما يتعذر في مثل الاشجار فصار ذلك موجبا لعدم توجه الناس اليه و عدم عدّه من غنائمه و فوائده و انما يعد غنيمة بعد فعليته بالتبديل او بلوغ وقت القطع فافهم.

ثم لو سلّم صدق الفائدة على نمو كل يوم يوم فلا يجب تخميسه قطعا الا بعد الفعلية بالقطع او التبديل او بلوغ اوان القطع لما عرفت من عدم توجه الناس اليه و عدم تعارف حسابه كل يوم او كل سنة و ان شئت قلت الخمس و ان كان يتعلق بالنمو و لكن لا يجب ادائه و لا يضمنه الا بعد القطع او التبديل او بلوغ او ان القطع فتدبر.

فائدة- يتفرع على ما ذكرنا فرع يكثر الابتلاء به و هو ان الزارع (بعد ما نحكم باعتبار سنة واحدة لمجموع استفاداته و ان مبدئها حصول اول الفائدة كما سيأتي) اذا تمت سنته و كان له في جملة ما حصل له في اثناء السنة مزروعات لم يصل اوان الاستفادة منها مزروعات صيفية لا يستفاد منها الا بعد شهرين مثلا فهل تقوّم هذه المزروعات بقيمتها الفعلية و ان لا يعلم انتاجها بالاخرة او فسادها او يحسب بذرها و ما صرف فيها في اثناء‌

180
کتاب الخمس و الأنفال

في زيادة القيمة السوقية ؛ ص : 181

[في زيادة القيمة السوقية]

و اما لو ارتفعت قيمتها السوقية من غير زيادة عينية لم يجب خمس تلك الزيادة (1) لعدم صدق التكسب و لا صدق حصول الفائدة نعم لو باعها لم يبعد وجوب خمس تلك الزيادة من الثمن.

______________________________
السنة و امّا نموّها و وصولها الى الحالة الفعلية فلا يحسب فائدة الا اذا حان وقت الاستفادة منها او قوّمت بحالتها الفعلية و بدّلت بمال فعلا؟ في المسألة وجهان و لعل العرف كما ذكرنا يساعد على الثانى فان الزرع بعد ما زرع لمحصول خاص لا يعدّ نموّه فائدة و غنيمة الا اذا حصل انتاجه او عوض عنه بمال فعلا و لكن الاحوط هو الاول فتدبّر.

(1) كما عن المنتهى و التحرير و استجوده في الحدائق فعن المنتهى: «اما لو زادت قيمته السوقية من غير زيادة فيه و لم يبعه لم يجب فيه». و نحوه عن التحرير الا انه لم يقيده بعدم البيع، و في المسالك بعد عبارته السابقة: «و في الزيادة لارتفاع السوق نظر» و في خمس الشيخ:

«و اما زيادة القيمة فان باعها فالظاهر تعلق الخمس بالزائد على اشكال حيث انه في مقابل ماله فلا يحسب فائدة و ان لم يبعه فالظاهر عدم ثبوت الخمس فيه لان رغبة الناس امر اعتبارى لا يؤثر في العين و لا يوجب صدق الفائدة و الغنيمة.»‌

و كيف كان فالمال الذى ليس من مال التجارة و لا يراد الاسترباح بعينه بل بنتاجه او اجرته لا يعدّ زيادة القيمة السوقية فيه غنيمة و فائدة سواء ابقاه بحاله او باعه و بدّله من باب الاتفاق بمال آخر اذ البيع ليس الا تبديل مال بمال آخر لا زيادة في المال فمن ورث ملكا من ابيه و لم يقصد الا تجار به ثم باعه بعد سنين اتفاقا بمال كثير لا يصدق انه غنم زائدا على الميراث شيئا و المفروض عدم الخمس في اصل الملك و كذا لو بدّله من باب الاتفاق بملك آخر و كذا لو اشترى بستانا مثلا بثمن مخمّس و كان غرضه ابقائه و الانتفاع من ثماره ثم بدّله من باب الاتفاق ببستان آخر.

نعم لو اشترى الملك بمال مخمس ثم اتّفق بيعه بعد سنين بجنس‌

181
کتاب الخمس و الأنفال

في صور اشتراء الملك كالبستان مثلا ؛ ص : 182

..........

______________________________
الثمن الاول بزيادة صدق على الزائد بعد حصوله انه غنيمة جديدة فيجب الخمس فيه بناء على ثبوته في مطلق الفائدة كما قويناه نعم بناء على اعتبار صدق التكسب لا يجب في هذا الفرض أيضا.

و الحاصل انه يجب الفرق بين ما ملكه بغير معاوضة او بالمعاوضة مع التبديل بغير جنس الثمن الاول و بين ما ملكه بالمعاوضة ثم باعه بجنس الثمن الاول بزيادة و الفارق هو العرف حيث لا يحكم في الاول بحصول غنيمة جديدة و في الثانى يحكم بحصولها. و بما ذكرنا ظهر عدم صحة ما في المتن من اطلاق وجوب الخمس مع البيع فتدبر.

[في صور اشتراء الملك كالبستان مثلا]

(تنبيه) اذا اشترى بستانا بالف دينار وادى الثمن من الارباح المتدرجة غير المخمسة كما هو المتعارف كثيرا و كان من قصده ابقاء البستان و الانتفاع بثماره و منافعه لا الاتجار بعينه فاما ان تكون المعاملة بشخص النقد الغير المخمس و اما ان تكون بالثمن الكلى ناويا حين المعاملة تطبيقه على الشخص و اما ان تكون بالثمن الكلّى بلا نية خاصّة ثم اتفق ادائه من النقد المذكور. ثم اما ان يكون الشراء و اداء الثمن في اثناء سنة الربح و اما ان يكون بعدها فالصور ستة:

الاولى: ان تقع المعاملة بشخص النقد غير المخمس في اثناء السنة فالظاهر صحة المعاملة اذ التأخير الى السنة و ان كان من باب الارفاق بلحاظ المؤن الحادثة و لكن الظاهر جواز المعاملة و التجارة بالارباح الحادثة ما لم ينقض السنة و لازم ذلك كون الغنيمة المتعلقة للخمس نفس البستان فانه الغنيمة الحاصلة له في آخر السنة فيلحظ قيمته الفعلية قهرا و ان زادت على الثمن اضعافا مضاعفة.

و منه يظهر حكم الصورة الثانية و الثالثة أيضا لاشتراك الجميع في كون المعاملة في اثناء السنة و كون الغنيمة في آخر السنة هى نفس البستان.

الصورة الرابعة: ان تقع المعاملة شخص النقد غير المخمّس بعد‌

182
کتاب الخمس و الأنفال

في صور اشتراء الملك كالبستان مثلا ؛ ص : 182

..........

______________________________
انقضاء السنة و الظاهر حينئذ بناء على الاشاعة وقوع المعاملة بالنسبة الى مقدار الخمس فضوليا و بعد اجازة الحاكم يصير خمس البستان لأرباب الخمس و يكون بحسب النتيجة كالصور الثلاثة المتقدمة.

الخامسة: ان تقع المعاملة بعد السنة بالثمن الكلى بلا نية لأدائه من نقد خاص ثم اتفق ادائه من ربح السنة السابقة بلا تخميس فلا يخفى ان المعاملة وقعت لنفسه و يكون البستان باجمعه له و يضمن خمس الثمن لأرباب الخمس و لا يتعلق الخمس بارتفاع قيمته أيضا اذا لم يقصد الاتجار به. و مثل هذه الصورة في الحكم ما اذا اشتراه بالثمن الكلى ثم اداه تدريجا من ارباح سنين متعددة.

و لا يخفى انه ان ادّى خمس الثمن من مال مخمس فلا اشكال و اما ان اداه من ارباحه المتدرجة كان نفس الارباح أيضا متعلقة للخمس فيجب تخميس الربح اولا ثم تأدية خمس ثمن البستان من البقية فيكون مجموع ما يؤدّى بعنوان الخمس حينئذ ربع ثمن البستان.

الصورة السادسة: ان تقع المعاملة بعد السنة بالثمن الكلى مع نية ادائه من الربح غير المخمّس فهل تكون كالصورة الرابعة حكما او الخامسة و بعبارة اخرى هل نيّة الاداء من نقد خاص تضر بكلية الثمن او لا؟ في المسألة وجهان و كان بعض اعاظم الاساتذة- حفظه اللّه تعالى- يصرّ على كون هذا السنخ من المعاملات بحكم المعاملة بالثمن الشخصى و يستند في ذلك الى ان حمل الروايات الكثيرة الواردة في الابواب المختلفة كالزكاة و نحوها في حكم المعاملة بمال الغير و مال اليتيم او المجنون على صورة كون المعاملة بشخص الثمن حمل على فرد نادر فيجب حملها على الاعم منها و من صورة المعاملة بالثمن الكلى مع نية الاداء من مال الغير، و العرف أيضا يعدّون هذا السنخ من المعاملات من مصاديق التجارة بمال الغير، هذا.

و الاحتياط يقتضى ما ذكره فيكون حكم الصورة السادسة حكم‌

183
کتاب الخمس و الأنفال

هل تعتبر فعلية الربح او يكفى ظهوره؟ ؛ ص : 184

هذا اذا لم تكن تلك العين من مال التجارة و رأس مالها كما اذا كان المقصود من شرائها او ابقائها في ملكه الانتفاع بنمائها او نتاجها او اجرتها او نحو ذلك من منافعها.

[هل تعتبر فعلية الربح او يكفى ظهوره؟]

و اما اذا كان المقصود الاتجار بها فالظاهر وجوب خمس ارتفاع قيمتها بعد تمام السنة اذا امكن بيعها و اخذ قيمتها. (1)

______________________________
الرابعة.

و قد ظهر مما ذكرناه بطوله ان ما اشتهر عملا في مقام حساب اموال الناس من ان يحسب الاملاك المشتراة سابقا من البستان والد كان و الاراضى و نحوها بالثمن الذى وقعت المعاملة عليه بنحو الاطلاق فاسد بل يجب الاستفصال عن كيفية وقوع المعاملة عليها و لكثرة الابتلاء بالمسألة تعرضنا لها فتدبر.

(1) اصل وجوب الخمس في هذه الصورة بلا اشكال لصدق عنوان التكسب مضافا الى صدق الفائدة و انما الاشكال في انه هل يعتبر حصول الربح بالفعل ببيعه او يكفى صرف ظهوره مع امكان بيعه؟

ففى الحدائق: «و هل يكفى ظهور الربح في امتعة التجارة أم يحتاج الى البيع و الانضاض؟ وجهان و لعلّ الثانى هو الاقرب»‌

و في خمس الشيخ: «ثم ان الظاهر تعلق الوجوب بمجرد ظهور الربح من غير حاجة الى الانضاض لصدق الاستفادة بمجرد ذلك».

و في الجواهر: «ثم لا فرق في الربح بين النماء و التولّد و ارتفاع القيمة و لو للسّوق كما صرح به في الروضة و غيرها لصدق الربح و الفائدة»، و الظاهر منه أيضا كفاية مجرد الظهور بلا حاجة الى الانضاض.

و لكن في مصباح الفقيه: «و لا عبرة بزيادة القيمة السوقية لأنها امر اعتبارى لا يعدّ ربحا بالفعل و لذا يقال عرفا انه لو باعه بتلك القيمة كان يربح فمتى باعه باكثر من رأس ماله دخلت حينئذ في الارباح.» هذا.

و الذى يقوى في النفس عاجلا صحة ما في المتن من كفاية ظهور الربح اذا امكن بيعها و اخذ قيمتها بنحو يعدّ الربح مالا بالفعل.

184
کتاب الخمس و الأنفال

هل تعتبر فعلية الربح او يكفى ظهوره؟ ؛ ص : 184

..........

______________________________
و السرّ في ذلك ان الشي‌ء بعد ما قصد الاتجار به لا ينظر الى شخصيته و صورته النوعية بل الى ماليته و قيمته فاذا زادت المالية عدّت فائدة و غنيمة بالفعل لا بالقوة حتى يخدش في عموم الحكم لما بالقوة.

و يشهد لذلك بناء العقلاء من التجار و الكسبة في محاسباتهم العادية و جباة الماليات و الميزانيات المقررة في الاحكام العرفية القانونية فاذا خوطب التاجر بمحاسبة امواله في رأس كل سنة يحاسب امواله المعدّة للتجارة بقيمتها الفعلية لا بما اشتراها و الجباة أيضا يحاسبونها بالتقويم الفعلى و السرّ في ذلك كما عرفت عدم النظر في مال التجارة الى شخصيته بل الى ماليته و بهذا يفترق المقام عن الصورة السابقة التى لم يكن النظر فيها الى القيمة و المالية.

و يشهد لما ذكرنا أيضا ما اختاره المشهور في باب المضاربة من ان العامل يملك حصّته من الربح بصرف الظهور من غير توقف على الانضاض بل ادعى عليه اجماعنا و استدلّوا عليه بما رواه المشايخ الثلاثة بسند صحيح عن محمد بن قيس او محمد بن ميسر قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: رجل دفع الى رجل الف درهم مضاربة فاشترى اباه و هو لا يعلم؟ فقال: يقوّم فاذا زاد درهما واحدا اعتق و استسعى في مال الرجل «1» وجه الدلالة انّه لو لم يملك الحصة لم ينعتق ابوه.

و لا يرد الاعتراض بان المالية امر اعتبارى فكيف يملكها العامل اذا المراد شركته في نفس العين على حسب الحصة من المالية كما لا يخفى.

فتلّخص ممّا ذكرنا انّ الاحوط بل الاقوى كفاية ظهور الربح اذا عدّ ربحا و غنيمة بالفعل بأن كان تبديله بالقيمة سهل التناول.

نعم لو لم يتعارف بيعه و انضاضه الّا تدريجا و لم يتمكن من اداء‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 13 الباب 8 من ابواب المضاربة، الحديث 1.

185
کتاب الخمس و الأنفال

حكم نمو الاشجار و ثمرها ؛ ص : 186

[حكم نموّ الاشجار و ثمرها]

(مسألة 54): اذا اشترى عينا للتكسب بها فزادت قيمتها السوقية و لم يبعها غفلة او طلبا للزيادة ثم رجعت قيمتها الى رأس مالها او أقلّ قبل تمام السنة لم يضمن خمس تلك الزيادة لعدم تحققها في الخارج (1) نعم لو لم يبعها عمدا بعد تمام السنة و استقرار وجوب الخمس ضمنه (2).

[اذا عمر بستانا و غرس فيها اشجارا للانتفاع بثمرها و تمرها]

(مسألة 55): اذا عمر بستانا و غرس فيها اشجارا و نخيلا للانتفاع بثمرها و تمرها لم يجب الخمس في نموّ تلك الاشجار و النخيل (3) و اما ان كان من قصده الاكتساب باصل البستان فالظاهر وجوب الخمس في زيادة قيمته و في نموّ اشجاره و نخيله.

______________________________
القيمة ثم تنزلت القيمة لم يبعد القول بعدم ضمانه للارتفاع ما لم يفرط في التاخير فتدبّر.

(1) هذا التعليل ينافى ما سبق منه (قده) آنفا من كفاية امكان البيع و ما يأتى منه في ذيل المسألة من الحكم بالضمان و الاولى التعليل بأن عدم البيع غفلة او لطلب الزيادة ليس تفريطا للمال و تضييعا له و لا يضمن في اثناء السنة الا ما صدق عليه التضييع و التفريط فلو فرض كون عدم البيع في اثناء السنة بنحو يصدق عليه عنوان التضييع حكم بالضمان كما لا يخفى.

(2) مع صدق التفريط و الا فلا وجه للضمان كما اذا كان التأخير لعذر شرعى او عقلائى كالغفلة عن البيع او طلب الزيادة اذا كان عقلائيا و لم يتمكن من اداء القيمة.

(3) موضوع المسألة بشقّيه من مصاديق صدر المسألة الثالثة و الخمسين اعنى الزيادة المتصلة فلا يرى وجه لعنوانه بخصوصه كما انه لا وجه للحكم بعدم الخمس هنا في الشقّ الاول و الحكم بالوجوب هناك مطلقا.

و قد عرفت ان الاقوى في كلا الشقين ثبوت الخمس عند فعلية الفائدة بأن حان وقت قطعها او وقعت المعاملة عليها و اخذ ثمنها فراجع ما علّقناه‌

186
کتاب الخمس و الأنفال

اذا كان له انواع من الاكتساب و الاستفادة ؛ ص : 187

[اذا كان له انواع من الاكتساب و الاستفادة]

(مسألة 56): اذا كان له انواع من الاكتساب و الاستفادة كأن يكون له رأس مال يتجر به و خان يوجره و ارض يزرعها و عمل يد مثل الكتابة او الخياطة او النجارة او نحو ذلك يلاحظ في آخر السنة ما استفاده من المجموع من حيث المجموع فيجب عليه خمس ما حصل منها بعد خروج مئونته. (1)

______________________________
هناك.

(1) كان المناسب ذكر هذه المسألة و المسألة الستين و المسائل 72 و 73 و 74 متتالية متعاقبة لارتباطها و تناسبها معا كما لا يخفى و كيف كان فقد مرّ في الجهة الرابعة من الجهات الاربعة في خمس الارباح البحث عن استثناء المؤونة للشخص و عن اعتبار السنة فيها فراجع و حينئذ فيقع البحث في انه هل يعتبر لكل ربح حول بانفراده و يوزع المؤونة عليهما او يعتبر لمجموع الارباح المتعاقبة حول واحد؟ و النظر في هذه المسألة الى كيفية استثناء المؤونة و في المسألة (74) الى جبر الخسران و عدمه فلاحظ.

و كيف كان ففى الحدائق: «و لا يعتبر الحول في كل تكسب بل مبدأ الحول من حين الشروع في التكسب بانواعه فاذا تم الحول خمس ما بقى عنده» و نحوه ما عن الدروس و عن بعض آخر و لكن في الروضة:

«و لو حصل الربح في الحول تدريجا اعتبر لكل خارج حول بانفراده نعم توزع المؤونة في المدة المشتركة بينه و بين ما سبق عليهما و يختص بالباقى و هكذا» و نحوه ما عن المسالك.

اقول: قد يدّعى تعيّن القول الثانى فان مقتضى عموم الآية و الروايات كون كل غنيمة موضوعا مستقلا للخمس فملاحظة المجموع امرا واحدا و اعتبار سنة واحدة لها مخالفة لما هو الواقع و تحتاج الى عناية زائدة لا دليل عليها نظير ما مرّ في الكنز و المعدن من عدم ضم بعض المصاديق الى بعض في النصاب مع التعدّد عرفا هذا.

و لكن اعتبار الحول لكل ربح بانفراده و ملاحظة مئونة السنة‌

187
کتاب الخمس و الأنفال

اذا كان له انواع من الاكتساب و الاستفادة ؛ ص : 187

..........

______________________________
بالنسبة الى الجميع بنحو التوزيع يوجب الحرج الشديد و لا سيّما في من يربح كل يوم او كل ساعة ربحا جديدا فلا يمكن الالتزام به.

و الذى يقوى في النظر هو ان المستثنى اعنى مئونة الشخص بعد ما قيدت بالسنة و لو حظت بسبب ذلك امرا وحدانيّا فلا محالة يسرى الوحدة الى المستثنى منه أيضا فيكون الموضوع لهذا القسم من الخمس طبيعة ربح السنة بعد استثناء مئونة السنة منه.

و تشهد لذلك كيفية وضع الميزانيات السنوية في الحكومات المتعارفة حيث ان الموضوع عندهم صرف طبيعة المستفاد في السنة بعد ما اخرج منه عملا ما يحتاج اليه في حوائجه.

فالخمس في ارباح المكاسب ميزانية اسلامية سنوية وضعت لاستفاداتهم التدريجية السنوية.

و يمكن ان يستفاد من قوله- عليه السلام- في صحيحة على بن مهزيار السابقة: «فاما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام» حيث ان الظاهر منه كون هذا القسم من الخمس امرا سنويا لوحظ فيه جميع استفادات السنة و فوائدها امرا وحدانيا.

و لا فرق فيما ذكرنا بين وحدة طريق الاستفادة سنخا و تعددها فكما يضم ارباح التجارة الواحدة بعضها الى بعض فكذلك ارباح النوعين منها بل و ارباح التجارة و الزراعة او الصناعة بل و ارباح التجارة مثلا و الفوائد القهرية الحاصلة بلا تصدّ لتحصيلها مثل الهبة و الجائزة و نحوهما (على القول بثبوت الخمس فيها و استثناء المؤونة منها) لما عرفت من ان الظاهر من الاخبار و فتاوى الاصحاب بعد التأمل فيها هو ان هذا القسم من الخمس ميزانية سنوية وضعت على طبيعة غنيمة السنة بعد استثناء ما صرف منها في مئونة السنة من دون خصوصية لمستفاد خاص او استفادة خاصة، فالموضوع جنس الاستفادة و الفائدة المضافتين الى السنة دون كل فرد فرد و الارباح المتعددة في السنة موضوع وحدانى كما ان المستثنى من‌

188
کتاب الخمس و الأنفال

اذا كان له انواع من الاكتساب و الاستفادة ؛ ص : 187

(مسألة 57): يشترط في وجوب خمس الربح او الفائدة استقراره (1) فلو اشترى شيئا فيه ربح و كان للبائع الخيار لا يجب خمسه الا بعد لزوم البيع و مضىّ زمن خيار البائع.

(مسألة 58): لو اشترى ما فيه ربح ببيع الخيار فصار البيع لازما فاستقاله البائع فاقاله لم يسقط الخمس (2) الا اذا كان من شأنه ان يقيله كما في غالب موارد بيع شرط الخيار اذا ردّ مثل الثمن.

______________________________
ذلك اعنى مئونة السنة أيضا اعتبرت امرا وحدانيا و سنعود الى ذلك في المسائل الآتية أيضا فتدبر.

(1) اقول: النماء المنفصل في زمن الخيار ملك للمشترى بل و كذا الربح مع امكان البيع و اخذ الثمن بناء على كفاية ذلك و على جواز البيع في زمن الخيار كما لا يخلو عن وجه في غير الخيار المشروط بردّ الثمن.

و تزلزل ملكية اصل المبيع لا يوجب تزلزلا في ملكيتهما فالخمس ثابت فيهما بلا اشكال.

نعم يصح ما ذكره (قده) في النماء المتصل لكونه تابعا للعين في التزلزل، و كذا في مثل الهبة بناء على تعلق الخمس بها فانّها عقد جائز و الملكية فيها في معرض الزوال فيمكن ادعاء انصراف الادلة عنها ما لم يرتفع التزلزل.

و لو وقعت المعاملة الرابحة في عام و الاستقرار في عام لاحق فالظاهر انّ الربح للعام الاول لا عام الاستقرار فاعتباره بنحو الشرط المتأخر كما لا يخفى.

(2) اذ الاقالة فسخ البيع و حلّه من حينها لا من حينه فالملكية ثابتة غير متزلزلة في متن الواقع حتّى بعد الاقالة بالنسبة الى ما مضى فلا وجه لسقوط الخمس بعد استقراره بمضى السنة بل تقع الاقالة بالنسبة الى مقدار الخمس فضوليا نعم لو وقعت في السنة كشفت عن عدم تعلقه لكونها من قبيل المؤن المستثناة لوقوع الترغيب فيها شرعا و استحسانها عرفا و التقييد بالشأن في مثلها بلا وجه.

189
کتاب الخمس و الأنفال

الاحوط اخراج خمس رأس المال ؛ ص : 190

[الاحوط اخراج خمس رأس المال]

(مسألة 59): الاحوط اخراج خمس رأس المال اذا كان من ارباح مكاسبه فاذا لم يكن له مال من اول الامر فاكتسب او استفاد مقدارا و اراد ان يجعله رأس المال للتجارة و يتجر به يجب اخراج خمسه على الاحوط ثم الاتجار به. (1)

______________________________
(1) عن الغنائم انه قال: «لا اشكال في ان رأس المال و ما لا يعدّ للصرف و يدّخر للقنية كالفرش و الظروف و نفس الضيعة التى هى مستغلّ لها و امثال ذلك لا يحسب من المؤونة» و قال بعد ذلك: «و الظاهر ان تتميم رأس المال لمن احتاج اليه في المعاش من المؤونة كاشتراء الضيعة لأجل المستغلّ».

و في خمس الشيخ بعد ذلك بلا فصل: «و الظاهر انه لا يشترط التمكن من تحصيل الربح منه بالفعل فيجوز صرف شي‌ء من الربح في غرس الاشجار لينتفع بثمرتها و لو بعد سنين و كذلك اقتناء اناث اولاد الانعام».

اقول: ربما يحمل العبارة الاولى من الغنائم على صورة عدم الحاجة و الثانية على صورة الحاجة ليرفع التهافت بينهما.

و كيف كان ففى المسألة وجوه:

الاول: ان يقال ان المؤونة عبارة عمّا يصرف في ادارة امر المعاش من القوت و الملبس و المسكن و المركب و نحو ذلك، و رأس المال و كذا آلات الصناعة ليست من هذا القبيل فانها وسيلة لتحصيل المال و التوليد و بالجملة وسائل التوليد تباين مصارف الحياة سنخا و ان كان كل منهما محتاجا اليها اذ ليس صرف الاحتياج كافيا في صدق عنوان المؤونة اللهم الا ان يفرض احتياج الشخص في بقاء حياته او بحسب شأنه و عنوانه الى نفس وجود رأس المال بلا نظر الى كونه وسيلة لتحصيل المال مثل ان يكون بحسب روحياته بحيث لو لم يكن له مقدار من المال يتجر به يصير مريضا مختلّ الحواسّ لسبق اعتباره بذلك فتأمل.

الثانى: ان تحمل المؤونة على مطلق ما يتوقف عليه نظام معاده‌

190
کتاب الخمس و الأنفال

الاحوط اخراج خمس رأس المال ؛ ص : 190

..........

______________________________
او معاشه و يكون محتاجا اليه بحسب شأنه سواء كان للصرف او للتوليد و لكن يقيد بكون الاحتياج اليه فعليا و في هذه السنة فلا تشمل ما يصرف في غرس الاشجار او الزراعة للسنين الآتية.

الثالث: ان تحمل على كل ما يحتاج اليه لإدارة المعاد او المعاش و لو كان الاستفادة منه في المستقبل و في السنين الآتية فان ثبات الحياة و بقاء نظام المعاش على ان يصرف بعض المال فعلا في اصلاح الارض و البستان و غرس الاشجار و نحوها ليستفاد منها في السنين الآتية فهو محتاج فعلا الى صرف هذا المال و ان كان لا يبقى هو ليستفيد منه بنفسه فضلا عما اذا كان يبقى.

فان قلت: لا يرى العرف فرقا بين ادّخار عين الفائدة التى اكتسبها لان يصرفها في المستقبل في نفقته و بين ان يشترى بها ضيعة او يصرفها في اصلاح الارض او غرس الاشجار لان يعيش بها نفسه او اولاده في السنين الآتية فيصدق على كليهما غنيمة هذه السنة غير المصروفة في مئونتها.

قلت: قد عرفت سابقا انه ليس لنا دليل لفظى على تقييد المؤونة بالسنة و انما استفدنا ذلك بالإجماع المدعى و بالتعارف، و شمول الاجماع لمثل المقام مشكل، و صرف بعض الربح في اصلاح الارض و الاشجار للسنين الآتية أيضا ليس مخالفا للتعارف بل هو المتعارف بين اهل الحياة.

بل يمكن ان يقال: انه لو فرض في مقام ان تأمين مئونة خاصة لا يمكن الا بادّخار فوائد سنين متعاقبة كما اذا احتاج الى شراء دار او اداء دين او كفارة او غرامة و لا يمكن له ذلك الا بادخار الفوائد من سنين متعددة فلنا ان نلتزم في هذه الصورة بعدم تعلّق الخمس كما افتى بذلك الشيخ أيضا في خمسه و ان تكلف بادخاله في مئونة هذه السنة من جهة ان‌

191
کتاب الخمس و الأنفال

الاحوط اخراج خمس رأس المال ؛ ص : 190

..........

______________________________
حفظ الفائدة في كل سنة ليضمّ اليه الفوائد الآتية لازم شرعا او عرفا، و العمل بالواجب الشرعى او العادى اذا توقف على مال عدّ هذا المال من المؤونة عرفا ففى المقام أيضا يعدّ صرف المال لإصلاح الارض او الاشجار لتأمين المعاش في المستقبل امرا ضروريّا بحسب العرف و العادة فتدبر، هذا.

و لكن بعد اللتيا و التى يشكل عدّ رأس المال و آلات الصناعة و وسائل التوليد من المؤونة و ان احتاج اليها في هذه السنة فضلا عما يصرف لتحصيل الفائدة في السنين الآتية حيث ان الظاهر من المؤونة مصارف الحياة من القوت و الملبس و ما يكون من سنخهما لا مثل وسائل التوليد.

قال في الصحاح: «المؤونة تهمز و لا تهمز و هى فعولة و قال الفراء:

هى مفعلة من الاين و هو التعب و الشدّة و يقال: هو مفعلة من الاون و هو الخرج و العدل لأنه ثقل على الانسان.»‌

و في اقرب الموارد: «الثقل و الشدّة- و القوت فعولة من مأنت القوم اذا احتملت مئونتهم و قيل العدّة من مأنت له و قال الفراء: ...» و في المنجد: «القوت- الشدّة و الثقل».

فالمراد بالمئونة القوت و ما هو من سنخه او مطلق ثقل الحياة و لعل المعنى الثانى يشمل مثل رأس المال اذا احتاج اليه و لكن لا دليل على تعينه فهي مجملة و اذا كان المخصص مجملا منفصلا كان العام بالنسبة الى غير القدر المتيقن باقيا على حجيته فعموم قوله- تعالى-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ ...» محكم.

كيف و هل يتبادر من قوله- عليه السلام- في صحيحة ابن مهزيار الطويلة: «ممن كانت ضيعته تقوم بمؤونته» الا مثل القوت و الملبس و نحوهما مما يترقب تأمينها من عوائد الضيعة و هل يحتمل تعميمه لمثل رأس المال.

نعم يمكن ان يقال انه كما يتعارف تأمين مصارف الحياة من‌

192
کتاب الخمس و الأنفال

مبدأ السنة حال الشروع في الاكتساب ؛ ص : 193

[مبدأ السنة حال الشروع في الاكتساب]

(مسألة 60): مبدأ السنة التى يكون الخمس بعد خروج مئونتها حال الشروع في الاكتساب فيمن شغله التكسب و اما من لم يكن مكتسبا و حصل له فائدة اتفاقا فمن حين حصول الفائدة. (1)

______________________________
عوائد الضيعة كذلك يتعارف تعميرها و اصلاحها من عوائدها الفعلية لتستعدّ للزراعة في السنوات اللاحقة و لا يعدّ مثل ذلك في آخر السنة غنيمة فعلّية و قد مرّ انه احد المحتملين في قول السائل في رواية ابن شجاع النيسابورى: «و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّا» فراجع.

كما يمكن ان يقال: ان رأس المال اذا كان بمقدار لا يمكنه عرفا و عادة تأمين مصارف الحياة بدونه خرج عن كونه متعلقا للخمس و ان لم يصدق عليه عنوان المؤونة لقوله- عليه السلام- في صحيحة ابى على بن راشد السابقة في جواب قول السائل: و التاجر عليه و الصانع بيده؟: «اذا امكنهم بعد مئونتهم» فبالتقييد بالامكان يخرج مثله. هذا و لكن الظاهر ان اشكال المتن في خروج رأس المال في محله فيجب رعاية الاحتياط.

(1) الاقوال في المسألة اربعة: الاول ما في المتن وفاقا لما في الحدائق في عبارته المتقدمة حيث قال: «و لا يعتبر الحول في كل تكسب بل مبدأ الحول من حين الشروع في التكسب بانواعه فاذا تم الحول خمّس ما بقى عنده» و نحوه ما عن الدروس و اختاره الشيخ الانصارى (قده) أيضا في خمسه، قال ما حاصله: «الاظهر من الروايات و الفتاوى ان المراد بالعام هو العام الذى يضاف اليه الربح عرفا و يلاحظ المؤونة بالنسبة اليه و اما مبدأ حول المؤونة فيما يحصل بالاكتساب هو زمان الشروع في التكسب، و فيما لا يحصل بقصد و اختيار زمان حصوله، اما الاول فلان المتعارف وضع مئونة زمان الشروع في الاكتساب من الربح المكتسب فالزارع عام زراعته الشتوية من اول الشتاء و هو زمان الشروع في الزرع و اما الثانى فلان نسبة الازمنة السابقة اليه على السّواء فلا وجه لعدّ بعضها من سنته بل السنة من حين ظهوره. و الحاصل ان مبدأ الحول ما تعارف بين الناس في اضافة الربح اليه و اخراج مئونته من ذلك الربح فمثل الزارع و التاجر و الصانع‌

193
کتاب الخمس و الأنفال

مبدأ السنة حال الشروع في الاكتساب ؛ ص : 193

..........

______________________________
انمّا يأخذون من مستفادهم مئونة حول الاشتغال فتريهم ينفقون على الربح الموجود و يستدينون عليه بل قد يكون الربح في آخر السنة، و بالجملة فالمراد بالحول حول الربح و هو مختلف فقد يكون زمان ظهور الربح اوّل الحول و قد يكون وسطه و قد يكون آخره نعم لو لم يكن عرف فمبدأ الحول من حين وجود الفائدة» انتهى.

اقول: يرجع كلامه (قده) الى امرين: الاول: ان المتبادر من ادلّة استثناء مئونة السنة مئونة السنة التى يضاف اليها الربح عرفا و ليس للربح بما هو سنة و انما يضاف اليها بلحاظ الشغل المؤدى اليه من الزراعة و التجارة و نحوهما و يظهر ذلك جدّا في مثل الزراعة فيقال: «فلان ربح في هذه السنة في زراعته» و يكون المبدأ بنظرهم اول الشروع في الزراعة.

الثانى: ان المتعارف وضع مئونة زمان الشروع في الاكتساب من الربح المكتسب فمثل الزارع و التاجر و الصانع انما يأخذون من مستفادهم مئونة حول الاشتغال فتريهم ينفقون على الربح و يستدينون عليه مع انه قد يكون الربح في آخر السنة هذا.

و يرد على الاول ان سنة الربح و الفائدة غير سنة الزراعة و التجارة و كل منهما يبتدأ من حين حصوله فعام الزراعة يتبدأ من حين الشروع فيها و عام الربح يبتدأ من حين حصوله كما في الفائدة الاتفاقية بلا تفاوت بينهما فلا وجه لإسناد احدهما الى الآخر فتأمل.

و يرد على الثانى ان المتعارف خلاف ما ادّعاه بل المتعارف في مثل الزارع ادّخار ما حصّله من الحنطة و الشعير مثلا لصرفه في حوائجه اليومية الى السنة الآتية و كذلك المتعارف في التجار و الكسبة صرف الفوائد الحاصلة تدريجا في الحوائج اليومية الحادثة و اما الاستدانة على الزراعة و الكسب ثم صرف ما حصل في تأدية الدين السابق و الشروع في تجديد الاستدانة فانما يتحملها الضعفاء من الناس للاضطرار و تكون على خلاف ما يقتضيه الطبع و لعلّنا نسلّم كون اداء مثل هذا الدين‌

194
کتاب الخمس و الأنفال

مبدأ السنة حال الشروع في الاكتساب ؛ ص : 193

..........

______________________________
أيضا من المؤونه و لكن لا بلحاظ زمان الصرف بل بلحاظ كون نفس الاداء امرا واجبا عليه في اللاحق و سيأتي في محله.

القول الثانى: ان يجعل مبدأ السنة زمان ظهور الربح حكى عن الروضة و المدارك، و الدليل عليه هو الدليل للقول الثالث، و انما يعبّر بالظهور من يكتفى في مثل التجارة بظهور الربح و ان لم يحصّله فعلا بالبيع و اخذ الثمن و قد قوّينا ذلك وفاقا للمصنف فراجع آخر المسألة الثالثة و الخمسين. و بالجملة فالقول الثانى و الثالث يرجعان الى قول واحد فتدبر.

القول الثالث: ان يجعل المبدأ حصول الربح و اختاره في الجواهر و وجهه ان الربح هو الموضوع للخمس فما لم يحصل لم يوجد الخطاب بالخمس و بجواز استثناء المؤونة.

و المتعارف أيضا كما عرفت في مثل الزّراع ادّخار ما حصلوه من الزراعة بعد حصوله للصرف في الحوائج اليومية الحادثة الى السنة الآتية و كذلك المتعارف في التجار و الصناع و غيرهما صرف العوائد الحاصلة تدريجا في الحوائج اليومية الحادثة و هذا التعارف قرينة عرفية على المراد. و الحاصل ان المتبادر من النصوص و الفتاوى انما هو استثناء المؤونة التى من شأنها صرف الربح فيها و هى المؤونة المتاخرة عن حصول الربح و الفائدة فلا تفاوت في ذلك بين الارباح التدريجية و بين الفوائد الاتفاقيّة على القول بثبوت الخمس فيها و جواز استثناء المؤونة منها.

القول الرابع: ما قيل من انه كما ان مبدأ اليوم و الاسبوع و الشهر امر تكوينى بديهى فكذلك مبدأ السنة اذ لم يضرب في الشرع له حدّ و انما احاله الى ما هو المعروف عند الناس و المتداول بينهم و لا يضرّ فيه اختلاف المبدأ باختلاف اهل البلدان و المتداول بينهم حيث ان المبدأ عند بعض تحويل الشمس الى الحمل و عند آخر المحرم و عند ثالث امر آخر فيرجع في ذلك الى ما هو المتعارف في كل منطقة و بلد فاذا اتجر تاجر في البلاد الايرانية قبل يوم من التحويل مثلا و ربح فيها فيخرج منه مئونته من‌

195
کتاب الخمس و الأنفال

مبدأ السنة حال الشروع في الاكتساب ؛ ص : 193

..........

______________________________
التحويل السابق الى هذا التحويل لوقوع الربح في هذه السنة و لا معنى لإخراجها بالنسبة الى السنة الآتية لأنها غير السنة التى حصل فيها الربح نعم لو فرض الشروع في الكسب في سنة و ظهور الربح في سنة اخرى كما في غرس الاشجار للإثمار و تعبية الطين لتحصيل الظروف الصينية كان الاعتبار بالسنة التى حصل فيها الربح و لكن مبدأ السنة في كل منطقة ما هو المتداول بينهم في تعيين السنين و ضبط التواريخ، هذا.

و الظاهر ان هذا القول لا يخلو عن وجه و ان كان الاقوى جعل المبدأ ظهور الربح و حصوله و لكن بالنسبة الى السنة الاولى و اما السنون الآتية في مثل التجارة و الصناعة و الارباح التدريجية فيشرع كل منها من اليوم المماثل لأول السنة الاولى و ان لم يكن له تجارة و ربح في اول السنة الثانية فان الظاهر ان وزان الماليات السنوية الاسلامية وزان الماليات السنوية في الحكومات العادية، و لا يخفى ان المتعارف فيها ما ذكر فتدبر.

(تنبيهان): الاول: قد عرفت في المسألة السّادسة و الخمسين ان الواجب بالنظر البدوى ان يلخط لكل ربح حول مستقل و يوزّع المؤونة في المدّة المشتركة لصدق الغنيمة على كل ربح على حدة و لكن مرّان الالتزام بذلك يوجب الحرج الشديد و لا سيّما في من يربح كل يوم او كل ساعة شيئا جديدا فانه يستلزم ضبط الارباح بجزئياتها و المؤن الحادثة بخصوصيّاتها و توزيع المؤن عليها بنسبتها و هذا بنفسه يستوعب وقت الانسان برمّته و يصدّه عن السعى في حوائجه و اشغاله فبذلك يعلم ان موضوع الخمس في المقام ربح السنة و غنيمتها فجميع ارباح السنة تعدّ غنيمة واحدة مضافة الى السنة و لا سيّما بعد ما حققناه من ان المقدار المصروف في المؤونة لا يعدّ مصداقا للغنيمة اصلا و يكون خارجا تخصّصا، فالخمس في ارباح المكاسب ميزانية سنوية وضعت على طبيعة غنيمة السنة الصادقة على ما فضل من الارباح عن مئونة السنة هذا.

و لكن السنة كما قيل مفهوم كلّى صادق على اىّ وقت يفرض‌

196
کتاب الخمس و الأنفال

مبدأ السنة حال الشروع في الاكتساب ؛ ص : 193

..........

______________________________
من الزمان الى ان يحلّ مثله في القابل فمن اول المحرم الى اول المحرم سنة و من اول الصفر الى اول الصفر سنة و هكذا و ليس في الادلة ما يوجب عليه الالتزام بسنة خاصّة فالعقل يحكم بالتخيير في السنين المتداخلة و يساعده عمل العرف و سيرة المتشرعة أيضا فله ان يجعل اىّ وقت شاء و عند حصول اىّ ربح اراد مبدأ لحوله و يستوفى مؤنه الحادثة من ارباحه الجديدة بشرط ان يراعى تكليفه بالنسبة الى ما مضى من الارباح الباقية بالتخميس فعلا لكونه فاضلا عن مئونة السنة و لو لأجل استغنائه عنه بالربح الجديد، و لا يرجع ما ذكرنا الى جعل كل ربح موضوعا مستقلا بل الى التخيير بين السنوات المتداخلة بدوا و استمرارا فتدبر.

الثانى: هل يتعين توقيت السنة بالشهور القمرية او يتخير المكلف بينها و بين غيرها؟ وجه الاول، ان السنة المتعارفة المتداولة في عصر النّبيّ- صلى الله عليه و آله- و الائمة- عليهم السلام- و في اصطلاحاتهم هى السّنة القمرية فقوله- عليه السلام- في صحيحة ابن مهزيار الطويلة «ان الذى اوجبت في سنتى هذه و هذه سنة عشرين و مأتين فقط» الى قوله «فامّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام» لا يراد به الا السنة القمرية.

و وجه الثانى، ان الخمس كما عرفت مرارا ميزانية سنوية اسلامية وضعت على العوائد السنوية للناس بعد اخراج مئونتهم و ليس التقييد بالسنة مذكورا في الاخبار صريحا و انما التزمنا به من جهة ان مئونة الشخص لدى العرف تقدر بالسنين لا بالايام و الشهور و الفصول اذ لا انضباط لها بالنسبة اليها فاذا اراد العرف مقايسة المؤونة مع الربح يلاحظ في ذلك مجموع ربح السنة مع مجموع مصارفها، و على هذا فالمرجع في ذلك هو العرف و العمل المتداول بينهم و ذلك يختلف باختلاف البلدان و المناطق و لكل منطقة و بلد رسم خاص في تنظيم التواريخ و تعيين الاوقات و السنين و ليس للشارع في ذلك تحديد خاصّ و تشريع معيّن، و‌

197
کتاب الخمس و الأنفال

المراد بالمئونة ؛ ص : 198

[المراد بالمئونة]

(مسألة 61): المراد بالمئونة مضافا الى ما يصرف في تحصيل الربح (1) ما يحتاج اليه لنفسه و عياله في معاشه بحسب شأنه اللائق بحاله في العادة من المأكل و الملبس و المسكن و ما يحتاج اليه لصدقاته و زياراته و هداياه و جوائزه و اضيافه و الحقوق اللازمة له بنذر او كفارة او اداء دين أو أرش جناية او غرامة ما اتلفه عمدا او خطأ، و كذا ما يحتاج اليه من دابّة او جارية او عبد او اسباب او ظرف او فرش او كتب، بل و ما يحتاج اليه لتزويج اولاده أو ختانهم و نحو ذلك مثل ما يحتاج اليه في المرض و في موت اولاده او عياله الى غير ذلك مما يحتاج اليه في معاشه، و لو زاد على ما يليق بحاله مما يعدّ سفها و سرفا بالنسبة اليه لا يحسب منها. (2)

______________________________
كل يعمل على وفق ما هو المرسوم في بلاده.

و يؤيّد ذلك قوله- عليه السلام- في صحيحة ابن مهزيار الطويلة: «فاما الذى اوجب من الضياع و الغلّات في كل عام فهو نصف السدس ...».

بداهة ان فوائد الضياع و الغلّات تعتبر في كل عام بحسب السنين الشمسية لا القمرية كما لا يخفى، و الظاهران هذا الوجه هو الاقوى فتدبر.

(1) قد عرفت في صدر مسألة استثناء المؤونة في الارباح ان مئونة التحصيل خارجة تخصّصا و انه يستفاد ذلك من بعض اخبار الباب أيضا فراجع الجهة الرابعة.

(2) هل المراد بالمئونة خصوص المأكل و المشرب كما يدل عليه تفسير البعض لها بالقوت او مطلق ما يحتاج اليه الانسان في تأمين معاشه او معاده و جميع مصارف الحياة سواء صرف لشخصه او لعائلته او للواردين عليه و سواء كان واجبا او مستحبا او مباحا مثل الضيافات و الصلات و الزيارات و بناء الجسور و المساجد و نحوها؟

الاقوى هو الثانى فتشمل جميع ما ذكر في المتن و السّر في ذلك ان تصدّى الناس للمشاغل الرسمية من التجارة و الصناعة و الزراعة‌

198
کتاب الخمس و الأنفال

في كون رأس المال للتجارة مع الحاجة اليه من المؤونة اشكال ؛ ص : 199

[في كون رأس المال للتجارة مع الحاجة اليه من المؤونة اشكال]

(مسألة 62): في كون رأس المال للتجارة مع الحاجة اليه من المؤونة اشكال فالاحوط كما مر اخراج خمسه اوّلا و كذا في الآلات المحتاج اليها في كسبه مثل آلات النجارة للنجّار و آلات النساجة للنسّاج و آلات الزراعة للزراع و هكذا فالاحوط اخراج خمسها أيضا اوّلا. (1)

[لا فرق في المؤونة بين ما يصرف عينه و بين ما ينتفع به]

(مسألة 63): لا فرق في المؤونة (2) بين ما يصرف عينه

______________________________
و غيرها انما يكون لا دارة جميع هذه الشؤون، و على ذلك استقر بناء العقلاء و عملهم في جميع الاعصار و الامصار، و قد عرفت سابقا ان المقدار المصروف في هذه الامور لا يعدّ عرفا غنيمة و يكون خارجا بالتخصّص اذ قد اشرب في معناها خصوصية عدم الترقب و الرجاء فكلما يترقب بحسب العادة تأمينه من ناحية العوائد الحاصلة و يكون التصدى للمشاغل بلحاظ تأمينه لا يعدّ ما يصرف فيه غنيمة و انما يصدق عنوان غنيمة السنة على ما زاد عن مصارف الحياة نعم يعتبر كونه امرا عقلائيا و مشروعا فما يعدّ صرفه سفها او مستنكرا عادة او شرعا يجب تخميسه لكونه تضييعا للمال لا صرفا له في امر الحياة و نعم الكلام في المقام ما في الجواهر: من ان ايكال المؤونة و العيال الى العرف اولى من التعرّض الى بيانهما و تفصيلهما.

نعم لو شك في مورد في صدق المؤونة بسبب اجمال المفهوم وجب التمسك بعموم الآية و الاخبار بعد صدق عنوان الغنيمة و الفائدة.

و مما ذكرنا يظهر ان ما حكاه الشيخ عن المناهل من التفصيل بين ما كان لازما عليه شرعا او عادة و بين ما كان مخيّرا فيه في غير محله بعد ما كان صرف المال فيها امرا عقلائيا غير مستنكر و ان لم يصل الى حد اللزوم شرعا او عادة.

(1) مرّ الكلام في حكم رأس المال في المسألة التاسعة و الخمسين و لعل التكرار لبيان حكم الآلات و لا يخفى ان حكمها حكمه بلا تفاوت بينهما.

(2) لما مر من كون الجميع من مصارف الحياة و ممّا يترقب‌

199
کتاب الخمس و الأنفال

يجوز اخراج المؤونة من الربح ؛ ص : 200

فتتلف مثل المأكول و المشروب و نحوهما و بين ما ينتفع به مع بقاء عينه مثل الظروف و الفروش و نحوها فاذا احتاج اليها في سنة الربح يجوز شرائها من ربحها و ان بقيت للسنين الآتية أيضا. (1)

[يجوز اخراج المؤونة من الربح]

(مسألة 64): يجوز اخراج المؤونة من الربح و ان كان عنده مال لا خمس فيه بأن لم يتعلق به او تعلّق و اخرجه فلا يجب اخراجها من ذلك بتمامها و لا التوزيع و ان كان الاحوط التوزيع و الاحوط منه اخراجها بتمامها من المال الذى لا خمس فيه (2).

______________________________
و استقر البناء عملا على تأمينها من ناحية المشاغل الرسمية التى يتصدّى لها الانسان لتأمينها.

(1) يأتي شرحه في المسألة السّابعة و الستين فانتظر.

(2) لو كان له مال آخر لا يتعلق به الخمس او تعلق به و اخرجه ففى اخراج المؤونة منه او من الربح او التوزيع بالنسبة؟ وجوه اوسطها اوسطها وفاقا لأكثر من تعرّض للمسألة بل هو مقتضى اطلاق كل من عبّر عن هذا القسم بما يفضل من الارباح عن مئونة السنة.

و يشهد له اطلاق الاخبار الدالة على ان الخمس بعد المؤونة الشامل لصورتى وجود مال آخر و عدمه و لا سيّما بملاحظة ترك الاستفصال فيما اشتمل منها على السؤال.

و حكى عن المقدس الأردبيلي و المحقّق القمى انّهما اوجبا اخراجها من المال الآخر للاحتياط و لإطلاق ادله الخمس المقتصر في تخصيصها على صورة الحاجة و لان الاخراج من الربح يستلزم عدم الخمس في نحو ارباح السلاطين و الاكابر و زراعاتهم و ذلك ينافى حكمة شرع الخمس.

و اجيب بان الاحتياط غير واجب، و اطلاق المخصص بل عمومه الثابت بمقتضى ترك الاستفصال حاكم على اطلاق العام، و اللازم الذى ذكر لا مانع من الالتزام به.

فان قلت: اطلاق المخصص جار مجرى الغالب اعنى الاحتياج‌

200
کتاب الخمس و الأنفال

يجوز اخراج المؤونة من الربح ؛ ص : 200

..........

______________________________
الى الربح.

قلت: اولا الغلبة ممنوعة لكثرة وجود اموال اخر للتجار و الصنّاع و ارباب الضياع و لو بقدر يفى ببعض المؤونة و لا أقلّ نفس رأس المال او الضيعة و ثانيا الغلبة لا تسقط الاطلاق عن الحجية.

و عن الدروس و المسالك احتمال التوزيع بالنسبة عملا بالحقين و رعاية للعدل و الانصاف، هذا.

و لكن لا يخفى ان المال الآخر اما ان يكون مما يحتاج الى بقائه في تجارته و شغله كرأس المال وضيعته التى يحتاج اليها و آلات الصنعة و نحوها و اما ان لا يكون كذلك، و على الثانى فاما ان يكون ممّا لم يجر العادة بصرفه في المؤونة الا عند الضرورة كالضياع و العقار و كالزائد عن مقدار الحاجة من رأس المال و اما ان يكون ممّا جرت العادة بصرفه فيها كالفاضل عن مئونة السنة السابقة من الغلات و الثمار و نحوها و كالدار الموروثة التى جرت العادة بسكونتها و في جميع الصور تارة يكون محطّ البحث قبل الصرف فيبحث في انه هل يتعين تأمين المؤونة من هذه الامور او يجوز صرف الربح فيها؟ و تارة يكون بعد الصرف و انه اذا صرف احد هذه الاموال في المؤونة فهل يجوز جبرانها من الربح أم لا؟ فالصور ستة.

و العبارة المحكية عن المقدس الأردبيلي و المحقق القمى في المقام ليست مطلقة بل فيما اذا كان المال الآخر ممّا جرت العادة بصرفه في المؤونة.

قال الأردبيلي فيما حكى عنه: «الظاهران اعتبار المؤونة عن الارباح انما هو على تقدير عدم غيرها فلو كان عنده ما يؤمن به من الاموال التى تصرف في المؤونة عادة فالظاهر عدم اعتبارها فيما فيه الخمس».

و صرّح المحقق القمى أيضا باختصاص الاشكال بالمال الآخر المستعدّ للصرف دون مثل رأس المال.

و كيف كان فالاولى ان يقال: انه قبل الصرف لا يتعين صرف المال الآخر في المؤونة فله تأمين المؤونة من الربح سواء كان المال‌

201
کتاب الخمس و الأنفال

يجوز اخراج المؤونة من الربح ؛ ص : 200

و لو كان عنده عبد او جارية او دار او نحو ذلك مما لو لم يكن عنده كان من المؤونة لا يجوز احتساب قيمتها من المؤونة و اخذ مقدارها (1) بل يكون حاله حال من لم يحتج اليها اصلا.

______________________________
الآخر مما يصرف في المؤونة عادة أم لا، و يشهد له اطلاق الاخبار و كلمات الاصحاب بان الخمس بعد المؤونة.

و اما اذا فرض صرف المال الآخر في المؤونة فهل يجبر بالربح أم لا؟ الظاهر هو الجبران فيما اذا كان المال الآخر من قبيل رأس المال او مما لا يصرف في المؤونة عادة، اذ التصدى للمشاغل الرسمية لا يكون عادة الا لتأمين المؤن و الحوائج اليومية المتدرجة و ليس بناء الناس عملا على صرف خصوص الربح فيها بل يخلّطون الارباح و ساير الاموال في اثناء السنة و يؤمّنون الحوائج اليومية من مجموعها ثم يحسب في آخر السنة مجموع ما بقى و قد عرفت ان الموضوع للخمس في هذا القسم هو ربح السنة و غنيمتها و ان مقدار المؤونة منه لا يعد عرفا غنيمة و يكون خارجا بالتخصص.

بقى الكلام فيما اذا كان المال الآخر مما يصرف في المؤونة عادة كفواضل الاقوات و الأطعمة عن السنة السابقة و كالثياب و الدار الموروثتين اذا صرفتا في السنة اللاحقة فهل يوضع مقدارها من الارباح في آخر السنة اولا؟ فيه وجهان، و الجبران مشكل و الاحوط عدمه فانه نظير المقتّر على نفسه و نظير من رفع حوائجه اليومية من ناحية اخرى كالضيافات و الهبات و نحوهما فتدبر.

(1) في المستمسك: «لظهور المؤونة المستثناة فيما يحتاج اليه و مع وجود الامور المذكورة يكون مستغنيا و لان الظاهر من الاستثناء خصوص ما يصرف من الربح في المؤونة لا استثناء مقدارها و يفترق هذا الوجه عن الاول ان الاول يمنع من شراء دار اخرى للسكنى مثلا و الثانى لا يمنع من ذلك و ان كانا يشتركان في المنع من احتساب قيمة ما يجده من المؤن»‌

اقول: قد عرفت ان مقتضى اطلاق قوله: «الخمس بعد المؤونة»‌

202
کتاب الخمس و الأنفال

المناط في المؤونة ما يصرف فعلا لا مقدارها ؛ ص : 203

[المناط في المؤونة ما يصرف فعلا لا مقدارها]

(مسألة 65): المناط في المؤونة ما يصرف فعلا لا مقدارها فلو قتر على نفسه لم يحسب له (1) كما انه لو تبرّع بها متبرع لا يستثنى له مقدارها على الاحوط بل لا يخلو عن قوّة.

______________________________
بعد كون المراد ما يصرف خارجا في المؤونة، جواز تأمين جميع الحوائج من ناحية الارباح سواء كان واجدا لمثله أم لا و سواء كانت مما يتلف بصرفه كالأقوات و الثمار او مما لا يتلف كالدار و الثياب.

نعم لو صرف غير الربح في المؤونة فجواز جبرانه من الربح انما يجوز فيما اذا كان المال الآخر مما لا يصرف عادة في المؤونة و يشكل الجبران في غيره بلا تفاوت أيضا بين مثل الاقوات و بين الدور و الثياب.

و الظاهر ان مراد المصنف أيضا صورة عدم صرف الربح و ارادة الجبران فلا يخالف ما قويناه كما ان مراد صاحب الجواهر و الشيخ المتعرضين للمسألة أيضا هذه الصورة قال في الجواهر: «قد يقوى عدم احتساب ما عنده من دار و عبد و نحوه مما هو من المؤونة ان لم يكن عنده من الارباح لظهور المؤونة في الاحتياج و ارادة الارفاق فمع فرض استغنائه عن ذلك و لو بسبب انتقال بارث و نحوه مما لا خمس فيه و قد بنى على الاكتفاء به يتجه حينئذ عدم تقدير احتساب ذلك من المؤونة».

و في خمس الشيخ: «و لو تبرّع متبرع بمؤونة فالظاهر عدم وضع مقدار المؤونة لما سيجي‌ء من ان العبرة بما ينفقه فعلا بل كذلك لو اختار المؤونة كلا او بعضا من المال الآخر غير المخمس فليس له الاندار من الربح».

(1) كما عن كشف الغطاء و قواه في الجواهر، و في خمس الشيخ: «قد صرح العلامة و الشهيدان و المحقق الثانى بانه لو قتر حسب له بل استظهر في المناهل عدم الخلاف فيه و لعله لما مرّ في الاسراف من ان المستثنى هى المؤونة المتعارفة فالخمس انما يتعلق بما عداها ... و فيه اشكال لان الظاهر من المؤونة في الاخبار ما انفق بالفعل على غير وجه الاسراف و ليس المراد منه مقدار المؤونة المتعارفة حتى لا يتعلق بها الخمس سواء صرفت أم‌

203
کتاب الخمس و الأنفال

لو استقرض من ابتداء السنة لمئونته ؛ ص : 204

[لو استقرض من ابتداء السنة لمئونته]

(مسألة 66): اذا استقرض من ابتداء سنته لمئونته او صرف بعض رأس المال فيها قبل حصول الربح يجوز له وضع مقداره من الربح. (1)

[لو بقى ما اشتراه لمئونة السنة]

(مسألة 67): لو زاد ما اشتراه و ادّخره للمئونة من مثل الحنطة و

______________________________
لم تصرف ...» و الاقوى ما في المتن و المسألة واضحة.

(1) مرّ في المسألة الستين ان مبدأ السنة الاولى حصول الربح و مبدأ السنين اللاحقه في الارباح المتدرجة حلول مثله من قابل و ان لم يكن له ربح في اوّل السنة، و ان ارباح السنة تلحظ ربحا واحدا مضافا الى السنة و يستثنى منه مئونة السنة.

و في المسألة الرابعة و الستين ان البناء عملا في جميع الاعصار على تخليط الارباح و ساير الاموال في اثناء السنة و تأمين الحوائج اليومية من مجموعها ثم يحسب في آخر السنة مجموع ما بقى فلو فرض تأمين المؤونة من غير الارباح يجبر بالارباح في آخر السنة الا اذا كان المصروف مما جرت العادة بصرفه كفاضل الاقوات و على هذا فالحكم في المسألة واضح.

لا يقال: مرّ في المسألة السابقة ان المعتبر في المؤونة ما صرف فعلا لا مقدارها.

فانه يقال: نعم الاعتبار بما صرف فيها فعلا و لكن لا يلزم ان يكون المصروف فيها عين الربح و الفائدة فيجوز وضع المقدار المصروف من الربح الا فيما جرت العادة بصرفه كفاضل الاقوات.

و الحاصل ان المحتملات ثلاثة: الاول: ان يكون المستثنى مقدار المؤونة الاقتصادية و ان قتر على نفسه و لم يصرفه.

الثانى: مقدار ما صرف فيها فعلا و ان لم يكن المصروف فيها عين الربح.

الثالث: الربح المصروف فيها بنفسه و اوسط المحتملات اوسطها الا في مثل فاضل الاقوات فتدبر.

204
کتاب الخمس و الأنفال

لو استقرض من ابتداء السنة لمئونته ؛ ص : 204

الشعير و الفحم و نحوها مما يصرف عينه فيها يجب اخراج خمسه عند تمام الحول (1).

و اما ما كان مبناه على بقاء عينه و الانتفاع به مثل الفرش و الاوانى و الالبسة و العبد و الفرس و الكتب و نحوها فالاقوى عدم الخمس فيها (2)

______________________________
(1) اذا كان قد اشتراه مما يتعلق به الخمس كأرباح السنة و نحوها فلو اشتراه مما لا يتعلق به الخمس او تعلّق به و خمّسه فلا يجب تخميسه و ان بقى سنين، و الحاصل ان الفاضل عن مئونة السنة حكمه حكم اصل المال الذى اشتراه منه و ليس له بنفسه حكم على حدة.

(2) قال في المستمسك ما حاصله: «لاستصحاب عدمه، و في الجواهر الميل الى وجوب تخميسها لإطلاق ادلة الخمس المقتصر في تقييدها على المتيقن و هو مئونة السنة.

و فيه انها كانت من مئونة السنة و بعد خروجها عن ادلة وجوب الخمس لا دليل على دخوله فيها.

فان قلت: هى من مصاديق العام اعنى الربح و خروجها كان بسبب كونها مئونة السنة و قد خرجت عن ذلك فيشملها العام.

قلت: دليل استثناء المؤونة ظاهر في استثنائها مطلقا لا ما دام كونها مئونة فلاحظ قولهم «الخمس بعد المؤونة» فانه ظاهر في التخصيص الافرادى لا التقييد الاحوالى.

و في المستند اجاب عن الاشكال بان النصوص انما تضمنت استثناء المؤونة، و تخصيصها بمؤونة السنة كان بالتبادر و الاجماع و كلاهما مفقود في مفروض المسألة.

و فيه انه لا فرق في الاجماع و التبادر بين مفروض المسألة و غيره.

و يمكن ان يجاب أيضا بان دليل الخمس مختص في كل عام بفائدة ذلك العام كما هو ظاهر قوله- عليه السلام- «و اما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام» و الاعيان المذكورة في مفروض المسألة بعد‌

205
کتاب الخمس و الأنفال

لو استقرض من ابتداء السنة لمئونته ؛ ص : 204

..........

______________________________
انقضاء السنة و ان خرجت عن كونها مئونة السنة و لكنها ليست من فوائد العام اللاحق. كى يجب الخمس فيها و انما هى من فوائد العام السابق و المفروض عدم لزوم الخمس فيها في العام السابق.» انتهى ما في المستمسك.

اقول: فيه اولا ان ما حكاه عن الجواهر امر مستبعد جدّا و لم اجده فيه أيضا و انما يوجد فيه ما ينافى ذلك قال- قدس سرّه- في آخر خمس الارباح «المتجه الاكتفاء بما بقى من مؤن السنة الماضية مما كان مبنيّا على الدوام كالدار و العبد و نحوهما بالنسبة الى السنة الجديدة فليس له حينئذ احتساب ذلك و امثاله من الربح الجديد نعم لو تلفت او انتقلت ببيع و نحوه اتجه احتسابه لكن مع ادخال ثمن المبيع منها فما يريد ان يستجدّه فان نقص اكمل و ان اتفق انه ربح به دخل في الارباح التى يجب اخراج خمسها و كذا في كل ما يتخذه للقنية اذا اراد بيعه»‌

و ثانيا: انه اذا تردد الامر بين التخصيص و التقييد يكون التقييد الاحوالى بنظر العرف مقدما على التخصيص فانه تصرف في اصل الموضوع و هو خلاف الظاهر فقوله «الخمس بعد المؤونة» ظاهر في ان سبب الاخراج هو كونه مئونة فاذا انتفى السبب انتفى المسبب و بالجملة الخارج هو المؤونة بما هى مئونة ما دام كونها مئونة.

و ثالثا: ان ما ذكره اخيرا من اختصاص دليل الخمس بفائدة العام و استظهاره من الحديث ففيه ان الظاهر من الآية الشريفة وجوب الخمس في «أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ» و ليس فيها تقييد بالعام و السنة و اما قوله- عليه السلام- في الحديث «فهي واجبة عليهم في كل عام» فليس المراد منه تقييد الغنيمة بالعام بل المراد تعميم الوجوب بحسب الازمان في قبال قوله في صدر الحديث «ان الذى اوجبت في سنتى هذه» هذا و سيأتي في الحاشية الآية ما يفيد هنا.

و رابعا: ان ما ذكره في المستند جوابا للإشكال هو الحق‌

206
کتاب الخمس و الأنفال

لو استقرض من ابتداء السنة لمئونته ؛ ص : 204

..........

______________________________
في الجواب، و ردّه له غير وارد، بيان ذلك: انّك عرفت سابقا ان المرجع في تنظيم المعاش و مقايسة المؤن مع الارباح هو العرف و العقلاء و ان عمدة الدليل على التقييد بالسنة كان هو الاطلاق المقامى و التبادر العرفى حيث ان بناء العقلاء عملا على تقدير المؤن بالسنين و الاعوام لا بالشهور و الايام فالاعتبار بما هو المعمول و المتداول بينهم فان الكلام ملقى اليهم و انت ترى ان المعمول بينهم فيما يبقى عينه مثل الدور و الثياب تهيئته للأبد و التالى لا للسنة فقط فهي و ان كانت مئونة السنة أيضا و لكن لا تختص بالسنة فتكون ما دامت تصدق عليها عنوان المؤونة مصداقا للمستثنى و لا تشملها ادلة الخمس.

و ان شئت قلت: انه لما كان البناء عملا على تهيئته للتالى و يحكم به الضرورة العرفية تعدّ نفس تهيئته من مئونة هذه السنة و ان لم يستفد منه في هذه السنة فضلا عما اذا استفاد.

و بذلك يظهر الحكم في من يهيئ المنزل اللازم تدريجا في ظرف سنين متعددة فانه و ان لم يكن موردا للاستفادة في السنة الاولى و لكن نفس تهيئته تعدّ من المؤونة لكونه اقداما على امر ضرورى.

فان قلت: مقتضى ذلك عدم الخمس و ان ادّخر النقد و لم يصرفه في تهيئة الدار.

قلت: العرف يفرق بينهما فانه في صورة الادّخار يصدق الغنيمة غير المصروفة في المؤونة فيتعلق الخمس بخلاف ما اذا صرف فيما يحتاج اليه.

فان قلت: مقتضى ما ذكرت اخيرا عدم وجوب الخمس فيما اذا لم يكن المنزل محتاجا اليه في هذه السنة بل في السنة اللاحقة و لكن لا يمكن تهيئته الا في هذه السنة فان اعداده حينئذ يعدّ ضروريا.

قلت: لا نأبى ذلك و لذا نحكم في تهيئة جهاز البنت في السنين المتدرجة بكونها من المؤونة و ان لم يحتج اليه في هذه السنة فان نفس‌

207
کتاب الخمس و الأنفال

لو استقرض من ابتداء السنة لمئونته ؛ ص : 204

نعم لو فرض الاستغناء عنها فالاحوط اخراج الخمس منها و كذا في حلىّ النسوان اذا جاز وقت لبسهن لها (1)

______________________________
اعداده تعدّ من الضروريات العرفية.

و الحاصل ان الحاكم في باب المؤن و مصاديقها هو العرف و العقلاء و هم المرجع لذلك فتدبر.

(1) لما مرّ من انه اذا تردّد الامر بين التخصيص و التقييد كان التقييد بنظر العرف اسهل و ان قوله: «الخمس بعد المؤونة» ظاهر في ان سبب الاخراج هو كونه مئونة فاذا انتفى السبب انتفى المسبب فيشمله عموم قوله «ما غَنِمْتُمْ» هذا.

و لكن المسألة مع ذلك لا تخلو من اشكال لما عرفت سابقا من ان تصدى افراد الناس للمشاغل اليومية لما كان لرفع الحوائج التدريجية فلا محالة يكون تحصيل مقدار الحوائج امرا طبيعيا مترقّبا فلا يصدق على هذا المقدار الاغتنام و يكون خارجا بالتخصّص و اذا فرض عدم كون الامور المذكورة بلحاظ حالة شرائها و تحصيلها مصداقا للاغتنام عرفا ففى السنين اللاحقة أيضا بعد ارتفاع الاحتياج منها لا يصدق على الانسان بلحاظ هذه الحالة انه اغتنم و استفاد.

و الظاهر من الآية الشريفة ان الموضوع للخمس هو الغنم بالمعنى الفعلى الظاهر في الحدوث و التجدد. و لعل السيرة العملية في جميع الاعصار أيضا قد استقرّت على عدم حساب هذه الامور بعد ارتفاع الاحتياج اليها من مصاديق الغنيمة و الفائدة فالحكم بوجوب التخميس فيها مخالف للارتكاز فتدبر. نعم لو باعها و ربح فيها تعلق الخمس بربحها.

فرع: مما ذكرنا يظهر حكم مسألة اخرى يكثر الابتلاء بها و هى انه لو عوّض الدار التى اشتريها من ربح السنة في سنة اخرى فان عوّضها بدار اخرى بلا انضاض فالظاهر بقائها على ما كان من عدم تعلق الخمس بها اذ المؤونة المستثناة ليست هى الدار المخصوصة بشخصيتها بل هى بنوعيتها، و اما اذا باعها بنقد او متاع فهل يتعلق بعوضها‌

208
کتاب الخمس و الأنفال

لو استقرض من ابتداء السنة لمئونته ؛ ص : 204

..........

______________________________
الخمس مطلقا او لا يتعلق مطلقا او يفصّل بين ما اذا قصد اشتراء دار اخرى به و بين غيره؟ وجوه:

وجه الاول: ان عموم قوله- تعالى- «ما غَنِمْتُمْ» كان يشمل ثمن هذه الدار غاية الامر استثناء المؤونة و قد عرفت ان المتيقن في صورة الدوران بين التخصيص و التقييد هو التقييد فظاهر قوله: «الخمس بعد المؤونة» استثناء المؤونة بما هى مئونة ما دام كونها مئونة فاذا خرجت عن كونها مئونة ثبت فيها حكم الغنيمة، و لا يجوز صرف هذا الثمن ثانيا في المؤونة قبل ان يخمس اذ مئونة السنة اللاحقة على عهدة ربح هذه السنة لا ربح السنة السابقة.

و وجه الثانى: ان ثمن هذه الدار بعد ما خرج عن حكم الخمس لا دليل على دخوله فيه ثانيا فيستصحب حكم المخصص، او يقال ان الواجب في كل سنة تخميس غنيمة هذه السنة و ثمن الدار المفروضة ليس غنيمة هذه السنة فتأمل.

و وجه الثالث: ان الثمن فيما اذا قصد تبديله بدار اخرى لا يكون مقصودا بحياله فالنظر في الحقيقة تبديل دار بدار اخرى و الثمن له نقش الواسطة فقط، هذا.

و التحقيق ان يقال: ان قيل كما اشرنا اليه ان خروج المؤونة السنوية في الارباح من باب التخصص لا التخصيص بتقريب ان الغنيمة اشرب في معناها عدم الترقب و حيث ان تصدى كل احد لإحدى المشاغل الرسمية يكون لرفع الحوائج اليومية فيكون مقدارها مما يترقب فلا يصدق عليه الغنيمة كان مقتضى ذلك عدم كونه موضوعا للخمس اصلا و بعد تبديل المؤونة بالثمن في السنة اللاحقة أيضا لا يصدق على الانسان بلحاظه انه غنم و استفاد.

و اما اذا انكر ذلك فالحق تعلق الخمس به اذ المفروض على ذلك كونه غنيمة و بعد ما خرج عن كونها مئونة دخل في حكم الخمس،

209
کتاب الخمس و الأنفال

اذا مات المكتسب في اثناء الحول ؛ ص : 210

[اذا مات المكتسب في اثناء الحول]

(مسألة 68): اذا مات المكتسب في اثناء الحول بعد حصول الربح سقط اعتبار المؤونة في باقيه فلا يوضع من الربح مقدارها على فرض الحياة. (1)

[اذا لم يحصل له ربح في تلك السنة و حصل في السنة اللاحقة]

(مسألة 69): اذا لم يحصل له ربح في تلك السنة و حصل في السنة اللاحقة لا يخرج مئونتها من ربح السنة اللاحقة (2)

[مصارف الحج من مئونة عام الاستطاعة]

(مسألة 70): مصارف الحج من مئونة عام الاستطاعة (3) فاذا استطاع في اثناء حول حصول الربح و تمكّن من المسير بان صادف سير الرفقة في ذلك العام احتسب مخارجه من ربحه.

و اما اذا لم يتمكن حتى انقضى العام وجب عليه خمس ذلك الربح فان بقيت الاستطاعة الى السنة الآتية وجب و الا فلا، و لو تمكن و عصى حتى انقضى الحول فكذلك على الاحوط (4).

و لو حصلت الاستطاعة من ارباح سنين متعددة وجب الخمس فيما سبق على عام الاستطاعة و اما المقدار المتمم لها في تلك السنة فلا يجب خمسه اذا تمكن من المسير، و اذا لم يتمكن فكما سبق يجب اخراج خمسه.

______________________________
و قصد شراء دار اخرى به لا يخرجه عن حكمه لان مئونة هذه السنة على عهدة غنيمة هذه السنة لا غنيمة السنة السابقة و الاحوط هو التخميس و ان كان عدم الوجوب لا يخلو من وجه.

(1) لانتفاء موضوعها فيرجع الى عموم ادلّة الخمس.

(2) لما عرفت من اختصاص المؤونة المستثناة بمؤونة السنة لكنه لو استقرض لمئونة سنته السابقة و ليس له فعلا مال يصرف في ادائه فحيث ان اداء الدين واجب عليه شرعا يمكن ان يعدّ ادائه من مئونة السنة اللاحقة و سيأتي بيانه في المسألة الحادية و السبعين.

(3) بل من مئونة عام الاتيان به و صرف الربح فيه خارجا و الظاهر ان المصنف أيضا موافق لما ذكرنا و لكن عبّر بما لا يصح.

(4) بل الاقوى و كذا الكلام في المقدار المتمّم اذا عصى و لم يسرفانه‌

210
کتاب الخمس و الأنفال

اداء الدين من المؤونة ؛ ص : 211

[اداء الدين من المؤونة]

(مسألة 71): اداء الدين من المؤونة (1) اذا كان في عام حصول الربح او كان سابقا و لكن لم يتمكن من ادائه الى عام حصول الربح.

و اذا لم يؤدّ دينه حتى انقضى العام فالاحوط اخراج الخمس اوّلا و اداء الدين مما بقى.

______________________________
يصير من مصاديق المقتّر على نفسه و بذلك يظهر الاشكال على توقف المصنف هنا مع حكمه في المسألة الخامسة و الستين بانه لو قتّر لم يحسب له.

(1) الاحوط ان يقال: ان الدين في نفسه لا حكم له بل هو تابع لما صرف فيه فان صرف في مئونة السنة للاكتساب او لنفسه كان ادائه من المؤونة بل له وضع مقداره في آخر السنة مراعى بالاداء اذ لو فرض الابراء لم يخرج مقداره من الربح.

و ان صرف في غير مئونة السنة لم يكن من المؤونة من غير فرق بين المقارن و السابق و بين ان يبقى المصروف فيه و ان يتلف و ان يتمكن من ادائه من مال آخر اولا فان الذى يستثنى من الغنيمة هى مئونة السنة لا غير، هذا.

و لكن الاقوى ان يفصل فنقول: الاستدانة اما ان تقع في سنة الربح او قبلها او بعدها فهنا ثلاث مسائل:

الاولى: ان تقع بعدها و لا اشكال في عدم اخراجه من الربح لتعلق الخمس قبله.

الثانية: ان تقع في سنة الربح فنقول: ان صرف في مئونة السنة للاكتساب او للشخص ادّى من الربح بل يجوز وضع مقداره مراعى بالاداء لما عرفت سابقا من عدم تعيّن صرف نفس الربح في المؤونة و ان المتعارف و المعمول خارجا تأمين المؤونة من مجموع رأس المال و الارباح و ساير الاموال فله اندار ما صرف في المؤونة من الربح اللّهم الا في بعض الاشياء كفاضل الاقوات على اشكال فيه.

211
کتاب الخمس و الأنفال

اداء الدين من المؤونة ؛ ص : 211

..........

______________________________
و ان صرف الدين في شراء ضيعة و نحوها مما لا يكون من المؤونة فان بقيت الى آخر السنة لم يكن ادائه من المؤونة و وجهه واضح. نعم لو تنزّلت الضيعة بحسب القيمة و قد قصد بشرائها التجارة امكن القول بجبران خسارتها من الربح و سيأتي في محله.

و ان تلفت الضيعة في اثناء السنة فان قصد بها التجارة امكن القول بالجبران أيضا. و ان لم يقصد بها التجارة فان كان له مال آخر يصرف في الدين فالظاهر عدم كون ادائه من المؤونة لكونه كالضيعة التالفة التى لا تجبر بالربح اذا لم تكن من قبيل رأس المال للتجارة، و ان لم يكن له مال آخر يصرف في الدين فالظاهر جواز ادائه في اثناء السنة من الربح لوجوبه عليه شرعا و عدم امكان الاداء من غيره. و المؤونة عبارة عما يحتاج اليه الانسان بحسب وضعه الفعلى عرفا او شرعا و لذا حكمنا بكون مصارف الحج من المؤونة. نعم لا يجوز وضع مقداره في آخر السنة اذ المفروض ان المؤونة هنا نفس الاداء و تخليص الذّمة فيكون حينئذ كالمقترّ على نفسه.

فان قلت: الاداء واجب عليه شرعا سواء كان له مال آخر أم لا فان كان الوجوب الشرعى سببا لصدق المؤونة فلم يفرّق بين الصورتين؟ مع ان الظاهر كون الصورتين نظير صورة تلف الضيعة في اثناء السنة و سيأتي في المسألة الثالثة و السبعين ان تلف غير رأس المال لا يجبر بالربح.

قلت: الفارق هو العرف الحاكم في تشخيص مصاديق المؤونة فانه اذا فرض اشتغال ذمّته بثمن الضيعة و لم يمكن له التخلّص منه الا من ناحية الارباح عدّ صرف المال فيه من اهمّ المؤن و الحوائج و لا يعدّ تضييعا و صرفا للمال فيما لا ينبغى.

و بما ذكرنا يعرف الاشكال على صاحب الجواهر حيث اعتبر الحاجة في الدين المقارن و صرّح بعدم اعتبارها في الدين السّابق لصيرورة‌

212
کتاب الخمس و الأنفال

اداء الدين من المؤونة ؛ ص : 211

..........

______________________________
وفائه من الحاجة.

وجه الاشكال كما اشار اليه الشيخ ان الوفاء اذا فرض كونه من مصاديق الحاجة فاىّ فرق بين المقارن و السابق في ذلك؟ بل المقارن اولى بالصدق.

المسألة الثالثة: ان تكون الاستدانة في السنين السابقة فنقول: ان كانت لصرفه في مئونة عام الربح و صرف فيها كان كالمقارن بلا تفاوت و كذلك ان كانت لصرفه في مئونة عام الاستدانة و لكن بقى مئونة لعام الربح أيضا كما اذا اشترى به دارا لسكناه و بقى الحاجة اليها في سنة الربح أيضا.

و اما اذا لم يكن كذلك فان لم يكن له مال آخر يصرف فيه فعلا فالظاهر كون ادائه عرفا من مئونة سنة الربح سواء كان مصروفا في مئونة السنة السابقة او في شراء ضيعة و نحوها اذا فرض تلف الضيعة و بقاء دينها في ذمته و ذلك لما عرفت من ان تخليص الذّمة من اهم المؤن و الحوائج عرفا، و كون وفائه من مئونة السنة السابقة لا ينافى كونه من مؤن هذه السنة أيضا اذا بقى الدين الى هذه السنة نظير مصارف الحج فيمن عصى في سنة الاستطاعة و أخّره و كذا العمل بالنذور و الكفارات اذا اخرها، الا ترى انه لو خربت داره في سنة و لم يعمرها الى ان دخلت السنة اللاحقة كان تعميرها من مؤن السنة اللاحقة مع انه لو عمرها في السنة السابقة أيضا كان معدودا من مؤنها، و حيث ان المؤونة هنا هو عنوان الاداء و العمل بالواجب خارجا فلو لم يحصل الاداء لا يجوز وضع مقداره في آخر السنة بل يكون نظير المقتّر على نفسه، هذا.

و اما اذا كان له مال آخر يصرف في الدين السابق الذى لم يكن لمئونة سنة الربح مع عدم بقاء مقابله فهل يجوز صرف الربح فيه أم لا؟

وجهان: من ان تخليص الذّمة من اهم المؤن، و من ان المستثنى هو مئونة السنة لا مؤن السنين السابقة و المفروض عدم احتياجه الى تخليص الذمة من خصوص‌

213
کتاب الخمس و الأنفال

متى حصل الربح و كان زائدا على مئونة السنة ؛ ص : 214

و كذا الكلام في النذور و الكفارات. (1)

[متى حصل الربح و كان زائدا على مئونة السنة]

(مسألة 72): متى حصل الربح و كان زائدا على مئونة السنة تعلّق به الخمس (2)

______________________________
الربح و هذا ان لم يكن اقوى فلا ريب في كونه احوط، و الفارق بين صورة وجود مال آخر و عدمه هو العرف المحكم في هذه المقامات، و السرّ فيه احتياجه في تخليص الذّمة الى صرف الربح في الثانى دون الاول.

و مما ذكرنا يعرف ان ما في كلام الشيخ و كذا المصنف من التفصيل في الدين السابق بين التمكن من ادائه سابقا و عدمه في غير محلّه اذ لو فرض كونه متمكّنا سابقا و لكن عصى و لم يؤدّ الى السنة اللاحقة و لم يبق له مال آخر يصرف في الدين فهل لا يعدّ تخليص ذمته المتوقفة على صرف الربح من حوائجه و مؤنه فعلا فتدبر.

و قد تلخص مما ذكرنا ان الاحوط ان لا يعتبر للدين حكم بنفسه بل يلحظ تابعا لما صرف فيه فان صرف في مئونة سنة الربح للاكتساب او لنفسه وضع مقداره من الربح مراعى بالاداء و الا فلا.

و لكن الاقوى هو التفصيل فان صرف في مئونة سنة الربح وضع مقداره من الربح مراعى و الّا فان لم يبق ما قابله و لم يكن له مال آخر يصرف في ادائه كان ادائه من المؤونة و الا فلا و هذا من غير فرق بين المقارن و السابق و ما تمكن من ادائه سابقا و غيره.

(1) النذور و الكفارات من مئونة سنة الاتيان بها و صرف المال فيها خارجا مثل الحج كما عرفت.

(2) كما نسب الى المشهور و يقتضيه اطلاق الادلة، و في السرائر بعد ما حكم بوجوب اخراج الخمس من المعادن و الكنوز فورا قال ما حاصله:

«و اما ما عدى الكنوز و المعادن من ساير الاستفادات و الارباح فلا يجب فيها الخمس بعد حصولها بل بعد مئونة المستفيد و مئونة من يجب عليه مئونته سنة هلالية فاذا فضل بعد نفقته طول سنته شي‌ء اخرج منه الخمس‌

214
کتاب الخمس و الأنفال

متى حصل الربح و كان زائدا على مئونة السنة ؛ ص : 214

..........

______________________________
و لا يجب عليه ان يخرج منه الخمس بعد حصوله له و اخراج ما يكون بقدر نفقته لان الاصل براءة الذمة، بل اجماعنا منعقد بغير خلاف انه لا يجب الا بعد مئونة الرجل طول سنته، و أيضا فالمؤونة لا يعلمها و لا يعلم كيفيتها الا بعد مضى سنته لأنه ربما ولد الاولاد او تزوج الزوجات او انهدمت داره و مسكنه او ماتت دابّته او اشترى خادما او دابّة يحتاج اليها و القديم- تعالى- ما كلّفه الا بعد هذا جميعه و لا اوجب عليه شيئا الا فيما يفضل عن هذا جميعه طول سنته.»‌

و اجيب اولا بان عبارته غير صريحة في اعتبار الحول فلعله اراد ما تسالم القوم عليه من جواز التأخير ارفاقا فلا يخالف المشهور.

و ثانيا بان ما تضمنته الفتاوى و الادلة من كون الخمس بعد المؤونة لا يراد به البعدية الزمانية و الا كان اللازم بعد مضىّ السنة تخميس جميع الربح حتى مقدار ما صرف منه في المؤونة بل المراد تحديد موضوع الخمس بذلك و ان مقدار المؤونة منه مستثنى نظير ما ورد في الميراث من كونه بعد الوصيّة و الدين و ارادة كلا الامرين توجب استعمال اللفظ في معنيين فليس لنا دليل على التقييد بالحول فيبقى اطلاق الادلة سالما، هذا.

و لكن لأحد أن يقول ان ادعاء الشهرة في المسألة مع عدم كونها معنونة في كلمات القدماء من اصحابنا بلا وجه، و المتبادر من بعض الاخبار بل و كثير من الفتاوى تعلق الخمس بالباقى بعد المؤونة خارجا فاذا قيدت بالسنة صار مقتضاه تعلق الخمس بما بقى بعد مئونة السنة، و المستفاد من قوله- عليه السلام- في صحيحة ابن مهزيار الطويلة: «فاما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام» ان الخمس في المقام ميزانية سنوية.

و يؤيّد ذلك ما ذكرنا سابقا من ان الظاهر من الادلة كون الخمس ميزانية سنوية اسلامية على وزان الميزانيات السنوية في الحكومات العاديّة و لذا يلحظ جميع ارباح السنة بمنزلة ربح واحد مضافا الى السنة‌

215
کتاب الخمس و الأنفال

متى حصل الربح و كان زائدا على مئونة السنة ؛ ص : 214

و ان جاز له التأخير في الاداء الى آخر السنة (1) فليس تمام الحول شرطا في وجوبه و انما هو ارفاق بالمالك لاحتمال تجدّد مئونة اخرى زائدا على ما ظنّه، فلو اسرف او اتلف ماله في اثناء الحول لم يسقط الخمس، و كذا لو وهبه او اشترى بغبن حيلة في اثنائه.

______________________________
و يستثنى منه مئونة السنة و يلحظ حول واحد للجميع و يجبر الخسران في بعض التجارات بالربح في الاخرى و يتصرف في الربح في اثناء السنة بالتصرفات الناقلة حتى مع العلم بالزيادة على المؤونة و لا يقسّط ربح الربح في اثناء السنة اخماسا على الربح الى غير ذلك من الآثار هذا.

و لكن مع ذلك كله فالقول بكون التعلق مقيدا بالحول قول بلا دليل قطعى، و لعل اطلاق الآية و الروايات و لا سيّما قوله (ع) في رواية حكيم الواردة في تفسير الآية: «هى و اللّه الافادة يوما بيوم» يقتضى عدم التقييد، و الارفاق في تأخير الخمس و جواز التصرفات و عدم تقسيط الربح لا ينافى تعلق الخمس من اول الامر على الزائد عن المؤونة في متن الواقع و كيف كان فالامر سهل و طريقة الاحتياط واضحة فان التأخير الى السنة جائز بلا اشكال كما سيأتي آنفا فتدبر.

(1) في الشرائع: «و لكن يؤخر ما يجب في ارباح التجارات احتياطا للمكتسب».

و في الجواهر: «كما صرّح به جماعة بل لا اجد فيه خلافا بل الظاهر الاجماع عليه بل قد يشعر به صحيح ابن مهزيار الطويل».

اقول: لا يخفى ان مسألة عدم اعتبار الحول في خمس الارباح و مسألة جواز التأخير ارفاقا ليستا معنونتين في كتب القدماء من اصحابنا فيما رأيت و انما تعرّض لهما المتأخرون فتحقق الاجماع او الشهرة الفتوائية فيهما بنحو يكشفان عن صدور الحكم عن المعصومين- عليهم السلام- و تلقّى الاصحاب اياه يدا بيد ممنوع، و الشهرة بين المتأخرين بل اجماعهم في مسألة لا يكشف عن فتوى الائمة- عليهم السلام-.

نعم يمكن ان يقال: ان المتبادر من الاخبار الدالة على وجوب‌

216
کتاب الخمس و الأنفال

متى حصل الربح و كان زائدا على مئونة السنة ؛ ص : 214

..........

______________________________
اخراج هذا الخمس بعد مئونته و مئونة عياله هو وجوب الاخراج بعد ما هو المؤونة خارجا لا المؤونة المقدرة بحسب الذهن و التقدير فانظر الى مكاتبة البزنطى: «قال كتبت الى ابى جعفر- عليه السلام-: الخمس اخرجه قبل المؤونة او بعد المؤونة؟ فكتب بعد المؤونة.»
«1» فهل يستفاد منها اخراج الخمس بعد المؤونة الخارجية او المؤونة بحسب التقدير و الفرض؟ و على هذا فيستفاد من هذه الاخبار بضميمة ما استفدنا منه تقييد المؤونة بالسنة كما مرّ في محلّه ان جواز تأخير الاداء لهذا الخمس الى السنة كأنه امر مفروغ عنه عند الشارع، بل ربما يستفاد من هذه الاخبار في هذا الخمس و عدم جواز التعجيل و التقديم أيضا، و اذا استفدنا من تلك الاخبار جواز التأخير الى السنة استفدنا منها أيضا بالملازمة العادية جواز التصرف في الارباح الحاصلة بالتصرفات الناقلة في ضمن ساير امواله و عدم وجوب افرازها فلا محالة لا يجب أيضا تقسيط ارباحها اخماسا كما يؤيد ذلك السيرة العملية و قاعدة نفى الحرج فان في المنع عن التصرف فيها و المعاملة معها معاملة المال المشترك خصوصا في الارباح التدريجية اليومية حرجا شديدا لا يمكن الالتزام به.

ثم ان تعليلهم التأخير بالاحتياط للمكتسب يوجب عدم جواز التأخير مع العلم بعدم تجدد مئونة او خسارة اللهم الا ان يراد بذلك كونه حكمة للحكم لا علّة، هذا.

و قد ظهر بما ذكرنا فساد ما نقله في الجواهر من تبعية ربح خمس الربح له و ان كان له تاخير الاداء الى تمام الحول فلو ربح اولا ستمائة و كانت مئونته منها مأئة فاخذها و اتجر بالباقى فربح خمسمائة كان تمام الخمس مائتان و ثمانون: مأئة من الربح الاول و يتبعها نمائها من الربح الثانى و هو مأئة أيضا فيكون الباقى من الربح الثانى أربعمائة و خمسها‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 12 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

217
کتاب الخمس و الأنفال

متى حصل الربح و كان زائدا على مئونة السنة ؛ ص : 214

[لو تلف بعض امواله مما ليس من مال التجارة]

(مسألة 73): لو تلف بعض امواله مما ليس من مال التجارة او سرق او نحو ذلك لم يجبر بالربح و ان كان في عامه اذ ليس محسوبا من المؤونة. (1)

______________________________
ثمانون فيكون المجموع مأتين و ثمانين.

و يظهر من الجواهر ارتضائه أيضا مع وضوح فساد ذلك اذ يلزم ان يحسب كل تاجر في سنته كل واحدة من معاملاته و ربحها و خمس ربحها و ربح خمس ربحها و هكذا فيختل نظام التجارة و المعاملات فلو فرض عدم اعتبار السنة في خمس الارباح فلا اشكال لنا في جواز تاخيره الى آخر السنة و جواز المعاملة بمجموع المال و الارباح الحاصلة و يحسب في آخر السنة خمس المجموع بعد المؤونة.

نعم يصح ما ذكروه في المعاملات الواقعة بعد السنة على القول بالشركة و الاشاعة فتدبر.

(1) في خمس الشيخ- قدس سرّه- بعد ما قرّب جبر الخسران في التجارة باقسامها قال: «و اما التالف من المال فلا يجبر بالربح قطعا لان التلف لا يمنع صدق الاستفادة على الربح، و جبر التالف ليس من المؤونة».

فهو (قده) فرّق بين الخسران و التلف و لم يفرّق في التلف بين ان يكون في رأس المال او في غيره، و علّل عدم الجبر في باب التلف بصدق الاستفادة و عدم كون الجبر من المؤونة، و بعبارة اخرى علّل التخميس بوجود المقتضى و عدم المانع.

و اما المصنّف فكما ترى فرّق في التلف بين ان يكون في رأس المال او في غيره و تعرّض للأول في المسألة الآتية المتعرضة لحكم الخسارات و تعرض للثانى في هذه المسألة و حكم فيه بعدم الجبر و كان عليه في مقام التعليل التعرض لكلتا العلّتين فان صرف عدم المانع للتخميس لا يقتضى الحكم بثبوته مع عدم المقتضى له و العمدة في المقام اثبات المقتضى.

218
کتاب الخمس و الأنفال

متى حصل الربح و كان زائدا على مئونة السنة ؛ ص : 214

..........

______________________________
توضيح ذلك ان تحقيق هذه المسألة و تاليها يتوقف على بيان امر قد اشرنا اليه في المسألة السادسة و الخمسين و هو انه و ان كان الظاهر من الادلة بالنظر البدوى ملاحظة كل ربح و فائدة موضوعا مستقلّا للخمس و جعل سنة مستقلة له و توزيع المؤن الحادثة في المدة المشتركة بنسبة الارباح و لكن الالتزام بذلك يقتضى العسر و الحرج الشديد و لا سيما فيمن يربح كل يوم بل كل ساعة ربحا جديدا اذ يوجب رعاية ذلك و الاشتغال بحسابه تعطيل جميع الاشغال و الاعمال و هو امر مرغوب عنه شرعا.

فالحق ان يقال: ان المؤونة المستثناة بعد ما قيدت بالسنة و لو حظت بسبب ذلك امرا وحدانيا سرى وحدتها الى المستثنى منه أيضا فيكون الموضوع لهذا القسم من الخمس طبيعة استفادة السنة بعد اخراج مئونة السنة منها فيكون جميع ما يستفاد من اوّل السنة الى آخرها كمستفاد واحد يخرج الخمس مما فضل منه عن المؤونة فالخمس في هذا القسم ميزانية سنوية اسلامية على وزان الميزانيات السنوية في الحكومات المتعارفة.

و يمكن ان يستفاد ذلك من قوله- عليه السلام- في صحيحة ابن مهزيار الطويلة: «فاما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام».

و على هذا فلا يفرق في ذلك بين انواع الاستفادات و اقسام طرق الاستفادة فكما يضم ارباح التجارة الواحدة بعضها الى بعض فكذلك ارباح النوعين منها بل و ارباح التجارة مع الزراعة و الصناعة و نحوهما اذا الموضوع طبيعة استفادة السنة بلا دخالة لهذه الخصوصيات، و النظر في مقام الحكم بالاستفادة او الخسران الى مجموعها مضافة الى السنة.

بل على فرض كون الموضوع في هذا القسم مطلق الفائدة لا خصوص ما يحصل بالاكتساب كما قواه المصنف و اخترناه أيضا و اختيار استثناء المؤونة من الجميع كما عليه القوم على اشكال فيه مرّ في محله يلحظ مجموع فائدة السنة و غنيمتها امرا وحدانيا مضافة الى السنة فيقال: «فلان ربح في هذه السنة او خسر فيها»، و لا يخفى عدم صدق فائدة السنة الا بعد جبر‌

219
کتاب الخمس و الأنفال

لو تلف بعض امواله مما ليس من مال التجارة ؛ ص : 218

[هل يجبر الخسران بالربح أم لا؟]

(مسألة 74): لو كان له رأس مال و فرّقه في انواع من التجارة فتلف رأس المال او بعضه من نوع منها فالاحوط (1) عدم جبره بربح تجارة اخرى (2) بل و كذا الاحوط عدم جبر خسران نوع بربح اخرى (3) لكن الجبر لا يخلو عن قوة خصوصا في الخسارة.

نعم لو كان له تجارة و زراعة مثلا فخسر في تجارته او تلف

______________________________
التالفات و تدارك الخسارات من غير فرق بين انواع الاستفادات و الفوائد و اقسام التالفات و الخسارات فمثل المصنف القائل بتعلق الخمس بمطلق الفائدة و جعل سنة واحدة للجميع و استثناء مئونة السنة منها لا يصحّ له ان يفرّق بين التلف و الخسارة و لا بين اقسام التلف و انواع الخسارات.

نعم يصح ذلك لمن يخصّص موضوع هذا القسم من الخمس بخصوص الاكتسابات او يجعل لكل ربح و فائدة سنة مستقلة و يجعله موضوعا مستقلا فتدبر.

ثم لو فرض الشك في بعض الصور في جواز الجبر و عدمه كان مرجعه الى الشك في صدق الموضوع اعنى استفادة السنة او فائدتها مع تحقق التلف او الخسارة بازائها، و المرجع حينئذ هى البراءة كما لا يخفى.

(1) الاقوى في جميع فروض المسألة هو الجبر و قد مرّ وجهه في المسألة السابقة و لكن الاحوط رعاية ما ذكره بعض اعاظم الاساتذة من كون الميزان في الجبر و عدمه هو استقلال رأس المال و كونه ذا حساب مستقل و عدمه، فلو كان له رأس مال جعله في شعب يجمعها شعبة مركزية بحسب المحاسبات و الدخل و الخرج و الدفتر يجبر النقص و ان كانت الانواع مختلفة و لو كان له رأس مال آخر مستقل غير مربوط بالآخر من حيث رأس المال و الجمع و الخرج و المحاسبات لم يجبر به نقص الآخر و ان كان الاتجار بنوع واحد و كذا الحال في التجارة و الزراعة.

(2) يعنى من نوع آخر.

(3) يعنى من نوع آخر‌

220
کتاب الخمس و الأنفال

الخمس بجميع اقسامه متعلق بالعين ؛ ص : 221

رأس ماله فيها فعدم الجبر لا يخلو عن قوة خصوصا في صورة التلف و كذا العكس.

و اما التجارة الواحدة فلو تلف بعض رأس المال فيها و ربح الباقى فالاقوى الجبر، و كذا في الخسران و الربح في عام واحد في وقتين سواء تقدم الربح او الخسران (1) فانه يجبر الخسران بالربح.

[الخمس بجميع اقسامه متعلق بالعين]

(مسألة 75): الخمس بجميع اقسامه متعلق بالعين (2).

______________________________
(1) قد عرفت سابقا ان مبدأ السنة الاولى: هو حصول الربح الاول فالخسران قبله لا يجبر بالربح المتأخر.

(2) قبل البحث عن كيفية التعلق في المقام نقدّم البحث عن كيفية تعلق الزكاة فنقول: المحتملات في المسألة كثيرة:

الاول: ان يكون الثابت هو الحكم التكليفى المحض باخراج المقدار المعيّن من المال من دون تعلق حق بالذمة او بالعين الخارجى، و الظاهر عدم القائل به، و ظاهر الروايات و الفتاوى أيضا خلافه.

الثانى: ان يكون من قبيل منذور التصدق فان حقيقة النذر تمليك العمل للّه- تعالى- او عقد بين الناذر و بين الله يتعقّبه وجوب الوفاء و هو حكم تكليفى ينتزع منه حكم وضعى اعنى استحقاق الفقير لان يدفع اليه هذا المال لا الملكية الفعلية فما لم يدفع المال بقصد التقرب لا يخرج عن ملك مالكه و انما يصير ملكا للفقير بدفعه اليه.

و بعبارة اخرى المتوجه الى المكلف حكم تكليفى بدفع شي‌ء من ماله الى الفقير و لكن يتولد من هذا الحكم التكليفى حكم وضعى متعلق بالمال و هو ملك الفقير لان يملكه بدفعه اليه.

و مما يستشهد به لعدم الملكية الفعلية اضافة الاموال اليهم في قوله تعالى- «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» و اطلاق الصدقة على ما يدفع في الآيات و الروايات و الفتاوى، و اتحاد سياق الروايات الواردة في الزكوات الواجبة و المندوبة بل اشتمال بعضها على كليها بمساق واحد و لا تتصور الملكية الفعلية في المندوبات، و اشتراط قصد القربة في الصحة و لو كان المال‌

221
کتاب الخمس و الأنفال

الخمس بجميع اقسامه متعلق بالعين ؛ ص : 221

..........

______________________________
بنفسه للفقير لم يتعقل بقاء التكليف مع وصول ماله اليه و لو بدون القربة.

الثالث ان يتعلق الحق بالذمة محضا بلا تعلق بالمال نسب الى الشافعى و عن ابن حمزة أيضا نسبته الى بعض اصحابنا و لكن لم يعرف القائل به في اصحابنا بل حكى اجماعهم على خلافه، و المحكى عن الشافعى في الخلاف أيضا خلاف ذلك.

ففى الخلاف (مسألة 28): «اذا حال على المال الحول فالزكاة تجب في عين المال ... و به قال الشافعى في الجديد و هو اصح القولين عند اصحابه و به قال ابو حنيفة، و القول الثانى تجب في ذمة رب المال و العين مرتهنة بما في الذمة فكان جميع المال رهنا بما في الذمة ...»‌

و كيف كان فالظاهر أنّ المسألة من المسائل التفريعية الاستنباطية و ليست من المسائل الاصلية المأثورة فليست الشهرة و لا الاجماع فيها كاشفين عن قول المعصومين- عليهم السلام-.

نعم الظاهر من الآيات و الروايات كما سيأتي فرض الزكاة و كذا الخمس في اموال الناس لا في ذممهم، و الاصل أيضا يقتضى عدم اشتغال الذمة مضافا الى انه لو قلنا باشتغالها كان مقتضاه وجوب الاداء و ان تلف النصاب باجمعه بعد التعلق و قبل امكان الاداء و لا يلتزم بذلك احد مضافا الى ما رواه ابن ابى عمير عن بعض اصحابنا عن ابى عبد الله- عليه السلام- في الرجل يكون له ابل او بقر او غنم او متاع فيحول عليها الحول فتموت الابل و البقر و الغنم و يحترق المتاع قال: ليس عليه شي‌ء «1» اذ الظاهر ان المراد صورة تلف المال بلا تأخير او تفريط و لذا قال «فتموت» و لم يقل «ثم تموت».

الرابع: ان يكون تعلقه بالعين من قبيل حق الرهانة و مقتضاه ثبوت الحق في الذمة مع كون العين باجمعها وثيقة له فلا يجوز التصرف فيها ما لم‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 12 من ابواب زكاة الانعام، الحديث 2.

222
کتاب الخمس و الأنفال

الخمس بجميع اقسامه متعلق بالعين ؛ ص : 221

..........

______________________________
يؤد الحق و قد عرفت من الخلاف نقله عن الشافعى.

الخامس: ان يكون من قبيل حق غرماء الميت المتعلق بالتركة فليس ذمة الشخص مشغولة بل العين بنفسها مورد للحق من غير ان يكون متقوما بها ففى الحقيقة ذمة العين مشغولة بحق الفقير و الحق امر كلّى ظرفه ذمة العين في قبال ذمة الشخص في ساير الديون فيجوز ابرائها بما يقع مصداقا لهذا الكلى و لو من مال آخر و يكون نفس الواجب لا بدلا منه.

السادس: ان يكون من قبيل حق الجناية المتعلق بالعبد الجانى خطأ حيث لا يشتغل ذمة المولى بشي‌ء و لا يخرج العبد أيضا عن ملك مولاه نعم هو مخير بين دفع نفس العبد ليسترقوه و بين دفع القيمة ففى الحقيقة يكون حق اولياء المقتول هو الجامع بين نفس العبد و قيمته فلو فك العبد فهو و الا اخذوا العبد و استرقوه و بالاسترقاق يصير ملكا لهم و بعبارة اخرى الحق لا يقوم بشخص العين بل بماليتها الجامعة بين العين و القيمة فلا يملك الورثة شيئا بالفعل بل يملكون ان يملكوا العين او القيمة.

السابع: ان يكون من قبيل حق الزوجة في الاشجار و الابنية حيث لا شركة لها في نفس اعيانها بل في ماليتها الثابتة فيها بنحو الاعتبار و لذا يجوز دفع القيمة، هذا ما قالوه.

و لكن لا يخفى ان موضوع الحق لو كان ماليّة هذا الشي‌ء فهي امر اعتبارى قائم بنفس هذا الشي‌ء فلا يمكن ادائها الا باداء نفس هذا الشي‌ء فلا يجزى القيمة.

ثم لا نرى فرقا بين باب الجناية و باب ميراث الزوجة فيما يرتبط بالمقام نعم يوجد الفرق بينهما و بين حق الغرماء حيث ان حق الغرماء قائم بمجموع التركة فلو فرض تلف بعضها وجب اداء الحق باجمعه من الباقى و هذا بخلاف حق الجناية و حق الزوجة فانهما قائمان بجميع المال بنحو التوزيع فلو تلف البعض سقط من الحق بالنسبة. فالظاهر ان الزكاة و الخمس ليسا من قبيل حق الغرماء بل لو فرض فهما من قبيل حق الجناية‌

223
کتاب الخمس و الأنفال

الخمس بجميع اقسامه متعلق بالعين ؛ ص : 221

..........

______________________________
او حق الزوجة و يكون ذمة المال الخارجى مشغولة بالحق الكلى و لكن بنحو التوزيع و يجوز ابرائها بما يقع مصداقا له كما في ساير الذمم و لذا يجزى القيمة فتدبر.

الثامن: ان تتعلق الزكاة او الخمس بالعين على نحو الشركة و الاشاعة بان يكون للفقير في كل جزء منها بالفعل جزء مشاع و مقتضاها كون القسمة برضاهما و عدم جواز التصرف لأحد الشريكين الا برضى الآخر و تبعية النماء للملك و كون المالك لدى التفريط ضامنا لمنفعة سهم الفقير و ان لم يستوفها الى غير ذلك من احكام الشركة الا ان يدل دليل تعبدى على الخلاف.

التاسع: ان يكون من قبيل الكلى الخارجى كما في بيع صاع من الصبرة الخارجية و هذا أيضا نحو من الشركة و لكنها لا تقتضى منع المالك عن التصرف فيما زاد عن مقدار الفريضة، هذا ما ذكروه.

و لكن لا يخفى ان الكلى بكليته ليس امرا خارجيا و ان تقيد بامر خارجى بل هو امر ثابت في الذمة، و الجمع بين الكلية و الخارجية جمع بين المتهافتين اذ ما يوجد في الخارج هو الشخص لا غير.

نعم الكلى قد يكون مطلقا كالحنطة مثلا و قد يكون مقيدا كحنطة هذا البلد او هذه المزرعة و كصاع من هذه الصبرة و القيود و ان كثرت لا يوجب خروج الكلى عن الكلية و عن كونها في الذمة فتدبر، هذا.

و استدل للشركة في العين اعم من الاشاعة و الكلى في المعين بوجوه:

الاول: ظواهر النصوص الكثيرة المشتملة على لفظة «في» الظاهرة في الظرفية لنفس الواجب كقوله (ع) في الغنم: «في كل اربعين شاة شاة» و في الذهب «في كل اربعين مثقالا مثقال» و في الغلات «فيما سقت السماء العشر» الى غير ذلك من التعبيرات.

الثانى: الاخبار المستفيضة المتضمنة ان اللّه- عز و جل- فرض‌

224
کتاب الخمس و الأنفال

الخمس بجميع اقسامه متعلق بالعين ؛ ص : 221

..........

______________________________
للفقراء في مال الاغنياء ما يسعهم او فرض في اموال الاغنياء اقوات الفقراء او ان الله اخرج من اموال الاغنياء بقدر ما يكتفى به الفقراء الى غير ذلك.

الثالث: موثقة ابى المعزا عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال ان اللّه- تبارك و تعالى- اشرك بين الاغنياء و الفقراء في الاموال فليس لهم ان يصرفوا الى غير شركائهم «1».

الرابع: مصححة بريد بن معاوية قال سمعت ابا عبد اللّه- عليه السلام- يقول: بعث امير المؤمنين (ع) مصدقا من الكوفة الى باديتها فقال له ... فاذا اتيت ماله فلا تدخله الا باذنه فان اكثره له ... فاصدع المال صدعين ثم خيّره اىّ الصدعين شاء ... و لا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق اللّه في ماله ... «2».

الخامس: رواية على بن ابى حمزة عن ابيه عن ابى جعفر (ع) قال سألته عن الزكاة تجب على في مواضع لا تمكننى ان اؤديها قال: اعزلها فان اتجرت بها فانت لها ضامن و لها الربح و ان تويت في حال ما عزلتها من غيران تشغلها في تجارة فليس عليك شي‌ء فان لم تعزلها فاتجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح و لا وضيعة عليها «3».

السادس: صحيحة عبد الرحمن البصرى قال قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: رجل لم يزكّ ابله او شاته عامين فباعها، على من اشتراها ان يزكيها لما مضى؟ قال: نعم تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها البائع او يؤدّى زكاتها البائع. «4»

فهذه عمدة ما يستدل به على الشركة و لا يخفى ان اكثرها دالّ‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 14 من ابواب زكاة الانعام، الحديث 1.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 52 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 12 من ابواب زكاة الانعام، الحديث 1.

225
کتاب الخمس و الأنفال

الخمس بجميع اقسامه متعلق بالعين ؛ ص : 221

..........

______________________________
على الاشاعة بل عرفت منّا ان الكلى في المعين ليس امرا خارجيا بل هو امر ذمّى و ان تقيد بقيد خارجى كبيع صاع كلى من حنطة اصفهان مثلا فالشركة لا تتحقق الا بنحو الاشاعة.

و كيف كان فقد اجيب عن الوجه الاول، اولا: بامكان حمل كلمة «في» على السببية دون الظرفية نظير قولهم: في قتل الخطأ الدية و في العين نصف الدية و نحو ذلك، و يؤيده عدم تعقل الظرفية الحقيقية في نحو قوله «في خمس من الابل شاة» و حمله على ارادة جزء مشاع من المجموع مساو لقيمة شاة يوجب كون الشاة بدلا عن الواجب لا نفسه و هو خلاف الظاهر.

و ثانيا: بانه يظهر من ملاحظة كثير من النصوص كون الظرف لغوا و كون كلمة «في» متعلقة بفعل ظاهر او مقدر مثل يجب او فرض او نحو هما لا مستقرّا ليكون مدخول «في» ظرفا لنفس الواجب ففى صحيحة الفضلا عنهما- عليهما السلام-: «فرض اللّه عز و جل الزكاة مع الصلاة في الاموال و سنّها رسول الله (ص) في تسعة اشياء ... و كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي‌ء عليه فيه فاذا حال الحول وجب عليه» و في خبر ابن الطيار قال: سألت ابا عبد الله (ع) عما تجب فيه الزكاة فقال في تسعة اشياء: الذهب و الفضة ...، و خبره الآخر عن أبي عبد الله (ع) ان الزكاة انما تجب جميعها في تسعة اشياء خصّها رسول اللّه (ص) بفريضتها فيها و هى الذهب و الفضة الحديث، و في خبر زرارة عن أبي عبد اللّه (ع) جعل رسول اللّه (ص) الصدقة في كل شي‌ء انبتت الارض الا ما كان في الخضر، و في خبر اسحاق بن عمار قلت لأبي عبد اللّه (ع): السخل متى تجب فيه الصدقة قال اذا اجذع، و في خبر الخثعمى عن ابى عبد اللّه (ع) ان رسول اللّه (ص) جعل في كل اربعين اوقية اوقية.

فهذه النصوص و امثالها تشهد بان المظروف ليس نفس الواجب بل فرضها و جعلها، بل هذا هو المراد في مثل قوله «في القتل خطأ الدية» فيكون‌

226
کتاب الخمس و الأنفال

الخمس بجميع اقسامه متعلق بالعين ؛ ص : 221

..........

______________________________
الظرف لغوا متعلقا بفعل مقدر و لا نحمله على السببية حتى يقال بكونها مجازا لا يصار اليه.

و بالجملة محط النظر في الاخبار الكثيرة المشتملة على الظرفية شرح ما يجب ادائه بعنوان الزكاة و الصدقة لا بيان ما هو ملك للفقراء فعلا فتكون الظرفية من قبيل ظرفية موضوع الحق للحق لا من قبيل ظرفية الكل للجزء.

و يشهد لما ذكرنا ما في نصوص كثيرة من التعبير بقوله «عليه الزكاة» كقوله (ع) في رواية سماعة في الدين «ليس عليه فيه زكاة حتى يقبضه فاذا قبضه فعليه الزكاة» و قول (ع) في ذيل صحيحة الفضلاء «كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي‌ء عليه فيه فاذا حال عليه الحول وجب عليه» اذ لو كان الزكاة في نفس المال لم يكن معنى لكونه على المالك.

و ظاهر كونها على المالك و ان كان استقرارها في ذمّته و لكن مضافا الى بطلان هذا الاحتمال في نفسه كما مر نقول ان مقتضى الجمع بين هذا التعبير المتضمن لكون الزكاة على الشخص و التعبيرات السابقة المتضمنة لكون الزكاة في المال او لوضعها و جعلها فيه، و النصوص المتضمنة لفرضها على الاشخاص كقوله (ع) في صحيحة عبد الله بن سنان:

«ان اللّه قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ففرض عليكم من الذهب و الفضة الحديث»، و النصوص الكثيرة المتضمنة لكون الزكاة على المال او لوضعها عليه كقوله في رواية الفضل عن الرضا (ع) «و الزكاة على الحنطة و الشعير الحديث» و في رواية زرارة عن احدهما (ع): «الزكاة على تسعة اشياء‌

على الذهب و الفضة الحديث» و في صحيحة الفضلاء «انما الصدقات على السائمة الراعية» و في رواية الحضرمى «وضع رسول اللّه (ص) الزكاة على تسعة اشياء» و نحوها رواية ابى بصير و الحسن بن شهاب، و كذلك ما اشتمل على الجمع بين «على» و «في» كقوله‌

227
کتاب الخمس و الأنفال

الخمس بجميع اقسامه متعلق بالعين ؛ ص : 221

..........

______________________________
(ع) في رواية زرارة «انما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذى يقتنيها فيه الرجل فاما ما سوى ذلك فليس فيه شي‌ء» هو اختيار الاحتمال الثانى من المتحملات التسعة السابقة اعنى كون التعلق من قبيل منذور التصدق فيكون الثابت حكما تكليفيا متوجها الى الاشخاص بحيث ينتزع منه حكم وضعى متعلق بالمال اعنى كونه موضوعا لحق الفقراء و استحقاقهم لان يدفع اليهم حصّة منه و المال بعد باق على ملك مالكه و انما يخرج عن ملكه بدفعه صدقة.

نعم مقتضى ذلك كون الاجتزاء بالقيمة على خلاف القاعدة و كذلك الشركة في الربح على ما هو مقتضى خبر ابى حمزة السابقة فتدبر.

و لأجل ذلك ربما يختار من بين المحتملات التسعة الاحتمال السابع اعنى كون التعلق من قبيل ميراث الزوجة و كون المتعلق للزكاة مالية الشي‌ء لا خصوصيته فرارا من هذين الاشكالين.

اقول: قد عرفت سابقا ان المتعلق ان كان مالية هذا الشي‌ء بخصوصه فماليته امر اعتبارى قائم به فلا ينطبق على القيمة التى هى امر آخر، اللهم الا ان يقال كما عرفت: ان الحق امر كلى يعتبر كون ذمّة هذا المال بخصوصه مشغولة به كما في حق غرماء الميت بالنسبة الى تركته فيجوز ابرائها بما يقع مصداقا له كما في ذمم الاشخاص فبذلك ينحلّ اشكال الاجتزاء بالقيمة و يبقى اشكال الشركة في الربح بحاله كما لا يخفى.

هذا كله فيما يرتبط بالجواب عن الوجه الاول من الوجوه المستدل بها على الشركة في العين.

و يجاب عن الثانى بان الفرض للفقراء في اموال الاغنياء كما يصدق مع الشركة الحقيقية يصدق مع الملكية الشأنية و كون اموالهم موضوعا لحق الفقراء، و سيأتي ما يرد على الالتزام بالشركة فبملاحظتها يجب رفع اليد عما ربما يوهم الشركة بالنظر البدوى.

228
کتاب الخمس و الأنفال

الخمس بجميع اقسامه متعلق بالعين ؛ ص : 221

..........

______________________________
و اما الثالث اعنى موثقة ابى المعزا فالانصاف ان ظهورها في الشركة بل خصوص الاشاعة واضح، اللهم الا ان يقال بقرينة الادلة الاخرى ان المراد بالشركة هنا عدم كون المال باجمعه خالصا له بحيث يتصرف فيه كيف يشاء و هذا يجتمع مع الملكية الشأنية للفقراء أيضا فتأمل.

و بذلك يجاب عن مصححة بريد أيضا و لا سيّما مع ظهور ذيلها اعنى قوله «حتى يبقى ما فيه وفاء لحق اللّه في ماله» في كون المال باجمعه له و كون الزكاة حقّا متعلقا به.

و اما الخامس اعنى ما في رواية ابن ابى حمزة من انه اذا اتّجر بها في جملة ماله فلها الربح بقسطها، فيرد عليه اولا انه خلاف القاعدة من جهة الحكم بلزوم المعاملة بمال الغير من دون الاذن و الاجازة في خصوص صورة الاستفادة و ثانيا: انها معارضة بصحيحة عبد الرحمن الدالّة على عدم لزوم الثمن و تتبع السّاعى لنفس العين اللهم ان يجمع بينهما بالتخيير بين تتبع الساعى لنفس العين و بين تنفيذ البيع و اخذ الثمن فتدبر.

و اما السادس اعنى صحيحة عبد الرحمن فهي على خلاف المطلوب ادلّ اذ ظاهرها صحة البيع على تقدير ان يؤدى البائع زكاته و كون ما يؤدّيه نفس الزكاة لا بدلها مع ان مقتضى الشركة بطلان البيع و على فرض تعقب الاجازة من الحاكم وقوع بعض الثمن بدلا عن الزكاة، هذا.

ثم انه يرد على الالتزام بالشركة امور: الاول: اضافة الاموال الى الملّاك في قوله- تعالى-: خذ من اموالهم صدقة.

الثانى: اطلاق لفظ الصدقة على ما يؤدّى زكاة.

الثالث: اتحاد سياق الروايات الواردة في الزكوات الواجبة و المندوبة بل الجمع بينهما في بعضها بوزان واحد مع عدم تصوير الشركة في المندوبات.

الرابع: اشتراط قصد القربة في الصحة مع ان مقتضى الشركة‌

229
کتاب الخمس و الأنفال

الخمس بجميع اقسامه متعلق بالعين ؛ ص : 221

..........

______________________________
حصول البراءة بوصول المال الى صاحبه و لو بدون القربة.

الخامس: ظهور النصّ و الفتوى في جواز اخراج الزكاة من غير العين، و دعوى كون المثل من باب ضمان العين ببدله يرد عليها اولا، انه خلاف المعهود من ضمان القيمى بقيمته دون مثله و ثانيا، بان ظاهر النص و الفتوى كون ما يؤدّى بنفسها زكاة لا بدلا عنها فقوله- عليه السلام- في صحيحة عبد الرحمن السابقة «او يؤدّى زكاتها البائع» ظاهر في ان ما يؤديه البائع من غير المبيع هى بنفسها زكاة و كذا ما دل على جواز اداء المقرض زكاة القرض و ما دل على احتساب الدين من الزكاة و ما دل على اشتراط اخراج الزكاة على المشترى.

السادس: ان مقتضى الشركة وقوع البيع بالنسبة الى مقدار الزكاة فضوليا و على فرض اجازة الحاكم وقوع مقدارها من الثمن زكاة و هذا خلاف ما يدلّ عليه صحيحة عبد الرحمن الحاكمة بالخيار بين ان يؤخذ الزكاة من العين المبيعة و بين ان يؤديها البائع اللهم الا ان يقال بانه بعد ما حكم الشارع بجواز الاداء من مال آخر تعبدا يصير المقام من قبيل من باع ثم ملك و في مثله نلتزم بالصحة بلا احتياج الى اجازة لا حقة فتدبر.

السّابع: ان الشركة تقتضى تبعية النماء للعين و ضمان المالك له و ان لم يستوفه مع ان ظاهر النص و الفتوى و السيرة العملية في جميع الاعصار خلافه.

اما النص فكصحيحة عبد الرحمن فان اقتصار الامام- عليه السلام- بل السائل على ذكر زكاة العين مع كونها في مقام بيان الوظيفة لمن يزك ابله او شاته عامين و عدم خلو الابل و الشاة في عامين عن مثل الولد و الصوف و اللبن و الابل عن الاجرة غالبا و ان لم يستوف نمائه يستفاد منه قطعا عدم تبعية النماء.

و اما الفتوى فلا تك ترى الاصحاب يصرّحون بانه لو مضى على النصاب احوال متعددة لم يلزمه الا زكاة واحدة و لا يتعرضون لحكم النماء‌

230
کتاب الخمس و الأنفال

الخمس بجميع اقسامه متعلق بالعين ؛ ص : 221

..........

______________________________
اصلا، و اما السيرة فواضحة هذا.

و يرد على خصوص الاشاعة ان مقتضاها عدم جواز التصرف الا باذن الشريك و كون القسمة متوقفة على رضاهما معا مع وضوح ان افراز حق الفقراء بيد المالك كما دل عليه جميع ما ورد في اخراج الزكاة و عزلها فراجع.

و قد تحصل لك من جميع ما ذكرنا ان الالتزام بالشركة بقسميه من الاشاعة و الكلى في المعيّن مشكل و الالتزام بالحكم التكليفى المحض او الذمة المحضة اشكل و لعل الظاهر كون التعلق من قبيل منذور التصدق او من قبيل حق الجناية او ميراث الزوجة فتدبر. هذا كله فيما يتعلق بباب الزكاة.

و اما الخمس، فالظاهر كون اصل تعلقه بالعين بلا اشكال و في خمس الشيخ «المظنون عدم الخلاف في ذلك» و يدل عليه ظاهر الآية الشريفة و الروايات المتضمنة لوجوب خمسه او الخمس فيه او منه او عليه.

ثم ان ظاهر لفظ الخمس و ان كان خصوص الاشاعة لكون اللفظ موضوعا للكسر المشاع و لكن المتبادر مما ذكر فيه لفظة «على» كقوله (ع) في مرسلة ابن ابى عمير: «الخمس على خمسة اشياء: على الكنوز و المعادن ...» كونه حقا مفروضا على العين بل يمكن ادعاء ظهور ما ذكر فيه لفظة «في» في ذلك أيضا كقوله (ع) في رواية عمار بن مروان «فيما يخرج من المعادن و البحر ... الخمس» اذ المتبادر من الظرفية تباين الظرف و المظروف فتأمل.

بل يبعد الاشاعة وجهان آخران أيضا الاول: كون الزكاة و الخمس من واد واحد و كونهما كرضيعى لبان و يشهد لذلك كون الخمس عوضا عن الزكاة كما صرح به في بعض الاخبار و لذا نلتزم في باب الخمس بكثير من احكام الزكاة مع عدم الدليل فيه بالخصوص.

231
کتاب الخمس و الأنفال

يتخير المالك بين دفع خمس العين او دفع قيمته ؛ ص : 232

[يتخيّر المالك بين دفع خمس العين او دفع قيمته]

و يتخيّر المالك بين دفع خمس العين او دفع قيمته من مال آخر نقدا او جنسا (1)

______________________________
الثانى: جريان بعض ما اوردناه اخيرا على القول بالشركة في باب الخمس أيضا كاشتراط قصد القربة في الصحة و جواز الاخراج من غير العين و كون الاخراج بيد المالك.

و بالجملة الالتزام بالاشاعة لا يخلو من اشكال و لكن الاحوط اجراء احكامها الا فيما ثبت خلافه فتدبر.

(1) كما استظهره الشيخ في خمسه مستظهرا من حاشية المدقق الخونسارى نسبته الى مذهب الاصحاب و يمكن ان يستدل له بوجهين:

الاول: الحاقه بباب الزكاة و قد وردت الروايات فيها على الاجتزاء بالقيمة فراجع «1» و وجه الالحاق كونه كما مرّ عوضا عن الزكاة و كون كليهما من الميزانيات الاسلامية العمومية فهما كرضيعى لبان، و لا يخفى ان الاصحاب تعرضوا لكثير من الاحكام في باب الزكاة و لم يتعرضوا لها في الخمس اعتمادا على ذلك و لعل السيرة العملية أيضا استقرت في جميع الاعصار حتى اعصار الائمة- عليهم السلام- على التخميس بالقيمة و ارسال القيم بمحضر الائمة- عليهم السلام- و نوّابهم في عصر الحضور و الغيبة و لم يكن البناء على ارسال الاعيان التى تعلق بها الخمس بكثرتها و شتاتها و المعمول في الميزانيات العرفية العمومية أيضا دفع القيم لا الاعيان كما لا يخفى.

الثانى: اخبار خاصة واردة في موارد مخصوصة كقول علىّ (ع) في رواية الازدى لصاحب الركاز الذى باعه و اخذ ثمنه: «ادّ خمس ما اخذت» «2» و رواية ابى سيّار الذى ولّى الغوص فجاء الى الصادق (ع) بخمسه ثمانين الف درهم «3» و مصححة ريان بن الصلت المتضمنة‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 14 من ابواب زكاة النقدين.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 6 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 12.

232
کتاب الخمس و الأنفال

يتخير المالك بين دفع خمس العين او دفع قيمته ؛ ص : 232

..........

______________________________
لوجوب الخمس في ثمن السمك و القصب و البردى الذى باعه من اجمة قطيعته
«1» و خبر ابى بصير المروى عن السرائر في الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال يبيع منه الشي‌ء هل عليه الخمس؟ فكتب (ع) اما ما اكل فلا و اما البيع فنعم «2».

فان قلت: مفاد اكثر هذه الروايات جواز المعاملة على ما استفيد و دفع الخمس من الثمن لا جواز دفع القيمة.

قلت: المستفاد منها عدم تعين الدفع من العين و لا تفاوت قطعا بين الثمن و القيمة بل الثانى اولى بالجواز هذا.

و لكن يرد على الاستدلال برواية الازدى اولا بضعف السند و ثانيا بان صحة المعاملة و تعلق الخمس بالثمن لا يلائمان الاشاعة و لا ساير الوجوه من وجوه تعلق الخمس بالعين فلعل عليا- عليه السلام- انفذ المعاملة في مورد الدعوى و حكم بتخميس الثمن بمقتضى حكومته فلا يستفاد منه حكم كلى.

و على الاستدلال برواية ابى سيّار ان عمل ابى سيّار ليس من الحجج الشرعية و تقرير الامام (ع) له غير معلوم.

و اما الاخيرتان فموردهما ارباح السنة و لا يستفاد منهما جواز المعاملة بعد السنة، و المعاملة على الربح في اثناء السنة مقطوع الجواز بعد جواز التاخير و عدم وجوب العزل و لا الضمان قطعا و قد مر في محله ان الموضوع للخمس في الارباح هو مجموع ارباح السنة فيعد مجموع الارباح العرضية و الطولية ربحا واحدا مضافا الى السنة.

فالعمدة في الاستدلال على جواز دفع القيمة هو الوجه الاول فتدبر.

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 9.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 10.

233
کتاب الخمس و الأنفال

لا يجوز التصرف في العين قبل اداء الخمس ؛ ص : 234

[لا يجوز التصرف في العين قبل اداء الخمس]

و لا يجوز له التصرف في العين قبل اداء الخمس (1) و ان ضمنه في ذمته (2)

______________________________
ثم لا يخفى ان الاجتزاء في القيمة بغير الاثمان المتداولة مشكل الا اذا رآه الحاكم صلاحا.

و في حاشية بعض الاساتذة العظام الاشكال في دفع القيمة في الحرام المخلوط بالحلال و هو في محله و لا يخفى لك وجهه و لا سيما اذا اخترنا فيه التصدق لا التخميس فالاحوط فيه الاقتصار على العين او التبديل باذن الحاكم.

(1) انما يصح ذلك في الارباح بعد تمام الحول و استقراره اذ في اثنائه يجوز التصرف و الاتجار فيها الا بنحو الاسراف و التبذير و قد مرّ تفصيله في المسألة الثانية و السبعين.

(2) لعدم الدليل على انتقاله الى الذمة بمجرد ضمانه، و في الجواهر حكم في باب المعدن بان له ضمانه على ان يؤدّيه من مال آخر. و قال في مسألة جواز تاخير خمس الارباح: «نعم لو ضمنه و جعله في ذمته جاز له ذلك لكن ليس في الادلة هنا تعرض لبيان ان له ضمانه مطلقا او بشرط الملاءة او الاطمينان من نفسه بالاداء او غير ذلك بل لا تعرض فيها لأصل الضمان، و جواز التأخير اعم من ذلك» و لكن موضوع كلامه في الارباح الضمان في اثناء الحول و لا احتياج اليه حينئذ اصلا كما مر.

و في خمس الشيخ «جواز التصرف في الاعيان الخمسية مع ضمان الخمس مستدلا عليه بسيرة الناس و بانه مقتضى الجمع بين ما مر من الاخبار الدالة على جواز المعاملة و بين ما ورد في بعض الاخبار من انه لا يحل لأحد أن يشترى من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقنا».

و لكن يرد على ذلك اولا ما مرّ من الاشكال في الاخبار السابقة و عمدتها كانت مصححة ريان و خبر ابى بصير و قد عرفت الاشكال في شمولهما لما بعد الحول.

234
کتاب الخمس و الأنفال

لو اتلف الخمس بعد استقراره ؛ ص : 235

[لو اتلف الخمس بعد استقراره]

و لو اتلفه بعد استقراره ضمنه (1) و لو اتّجر به قبل اخراج الخمس (2) كانت المعاملة فضوليّة بالنسبة الى مقدار الخمس (3)

______________________________
و ثانيا: ان الظاهر منها صورة عدم الضمان لجهل السائل بوجوب الخمس فلو سلّم دلالة الاخبار على جواز المعاملة و لو بعد الحول فالاولى ان تحمل كما قيل على صورة الاداء خارجا و تحمل الطائفة الثانية على صورة عدم الاداء فيكون الاداء من مال آخر بمنزلة الاجازة اللاحقة في تصحيح المعاملة السابقة فيصير من قبيل من باع ثم ملك بناء على صحته و عدم الاحتياج الى اجازة لاحقة فتأمل.

(1) لقاعدة الا تلاف و قد مرّان الاستقرار في ارباح السنة انما يتحقق بعد الحول، اللهم الا ان يكون تبذيرا او اسرافا فيتحقق الضمان و لو في السنة بناء على كون جواز التأخير الى آخر السنة للإرفاق كما هو المشهور.

(2) و بعد استقراره الذى لا يتحقق في الارباح الا بعد انقضاء السنة كما مرّ.

(3) بناء على القول بالشركة في العين او كون الحق قائما بالعين بما انها مضافة الى هذا المالك الخاص و ملك له، و اما لو قيل بالحق قائما بالعين مطلقا كما احتمل في حق الجناية بل هو مختار الاكثر فيه فلا يكون التصرف الناقل منافيا له اذ ذو الحق يتبع العين اينما وجدها، نعم للمشترى الخيار مع الجهل، و يظهر من صحيحة عبد الرحمن السابقة صحة المعاملة على العين الزكوية و اخذ زكاتها من المشترى، و ظاهرها عدم الاحتياج الى اجازة لاحقة فراجع «1» و اشتراك الخمس في اكثر الاحكام للزكاة يقتضى حمله عليها في ذلك.

و لكن مقتضى رواية ابى بصير عن ابى جعفر (ع) قال: لا يحل لأحد ان يشترى من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقنا، و روايته الاخرى‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 12 من ابواب زكاة الانعام، الحديث 1.

235
کتاب الخمس و الأنفال

لو اتلف الخمس بعد استقراره ؛ ص : 235

فان امضاه الحاكم الشرعى اخذ العوض (1) و الا رجع بالعين بمقدار الخمس ان كانت موجودة و بقيمته (2) ان كانت تالفة و يتخير في اخذ القيمة بين الرجوع على المالك او على الطرف المقابل الذى اخذها و اتلفها (3).

هذا اذا كانت المعاملة بعين الربح و امّا اذا كانت في الذمّة و دفعها عوضا فهي صحيحة (4) و لكن لم تبرأ ذمته بمقدار الخمس و

______________________________
عنه (ع) قال: سمعته يقول: من اشترى شيئا من الخمس لم يعذره اللّه، اشترى ما لا يحل له
«1» عدم جواز التصرف و لا النقل، و حينئذ فهل تخص الصحيحة بموردها اعنى الزكاة او يقال: لا نسلّم ان اخذ الزكاة من المشترى يدل على صحة المعاملة بل مقتضى تعاقب الايدى الغاصبة جواز رجوع الحاكم الى كل من المتعاملين امضى المعاملة أم لا، و بقيت العين أم لا؟ و لواديها البائع صارت المسألة من مصاديق من باع ثم ملك و لا يبعد صحّته و عدم الاحتياج الى اجازة لاحقة فتدبر.

(1) بناء على كون المستحق نفس العين اما لو كان حقا فالامضاء لا يوجب الشركة في العوض و لا ثبوت حق فيه الا ان يصالح على ذلك، ثم انه لا يتعين في صورة الامضاء الرجوع الى البائع بل له الرجوع الى كل من المتعاملين لما مرّ من تعاقب الايدى كما انه في صورة عدم الامضاء أيضا لا يتعين الرجوع الى المشترى و اخذ العين بل له ان يرجع الى البائع أيضا.

(2) ان كان قيميا و بمثله ان كان مثليا، و الاحوط له المصالحة مع المشترى لاحتمال التحليل في حقه.

(3) بل و ان تلف عنده بآفة سماوية لضمان اليد غاية الامر رجوعه الى البائع مع الجهل.

(4) قد مرّ في بعض فروع المسألة الثالثة و الخمسين ما كان يصر عليه بعض اعاظم الاساتذة- ايّده الله تعالى و حفظه- من انه لو كان حين‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4 و 5.

236
کتاب الخمس و الأنفال

يجوز التصرف في بعض الربح ما دام مقدار الخمس منه باقيا ؛ ص : 237

يرجع الحاكم به ان كانت العين موجودة و بقيمته (1) ان كانت تالفة مخيرا حينئذ بين الرجوع على المالك او الاخذ أيضا.

[يجوز التصرف في بعض الربح ما دام مقدار الخمس منه باقيا]

(مسألة 76): يجوز له ان يتصرف في بعض الربح ما دام مقدار الخمس منه باقيا في يده مع قصده اخراجه من البقية (2) اذ شركة ارباب الخمس مع المالك انما هى على وجه الكلى في المعيّن (3) كما ان الامر في الزكاة أيضا كذلك و قد مرّ في بابها.

______________________________
المعاملة عازما لإبراء الذمة بهذا المال بخصوصه ففى اصل الصحة اشكال لكونه في حكم المعاملة بشخص المال فراجع.

(1) ان كان قيميا و بمثله ان كان مثليا.

(2) مقتضى الاشاعة عدم جواز التصرف اصلا الا بعد الاخراج او الاستيذان من الحاكم و يترتب عليها أيضا كون تلف البعض منهما بالنسبة، و مقتضى الكلى في المعين جواز التصرف في البعض ما دام مقدار الخمس باقيا سواء قصد اخراجه من البقية أم لا و يترتب عليه كون تلف البعض من المالك فقط.

و امّا اذا لم نقل بالملكية و اخترنا الحق فقط فيمكن ان يكون الحق قائما بالعين باجمعها كما يمكن ان يقال بمناسبة الحكم و الموضوع ان مقدار الخمس منها مثقل بالحق و متعهد به و حيث ان الاحوط كما عرفت اجراء احكام الاشاعة الا فيما ثبت خلافه فالتصرف لا يجوز احتياطا الا بعد الاخراج او الاستيذان.

(3) قد مرّ سابقا ان الكلى امر ذمّى لا خارجى اذ ما في الخارج هو الشخص ليس الّا، و تقييد الكلّى بقيد خارجى لا يوجب خارجيته كما اذا باع صاعا من حنطة اصفهان مثلا فالشركة في العين لا يتصور الا بالاشاعة اللهم الا ان يقال نعم هذا صحيح بحسب الدقة العقلية و لكن لما كان تحقق الكلى بعين تحقق افراده و المبيع الذمّى انما يراد خارجيته فاذا صار الافراد محصورة في محيط خاص كالصبرة الخارجية كان الصاع المبيع‌

237
کتاب الخمس و الأنفال

اذا حصل الربح في ابتداء السنة او في اثنائها ؛ ص : 238

[اذا حصل الربح في ابتداء السنة او في اثنائها]

(مسألة 77): اذا حصل الربح في ابتداء السنة او في اثنائها فلا مانع من التصرّف فيه بالاتّجار (1) و ان حصل منه ربح لا يكون ما يقابل خمس الربح الاول منه لأرباب الخمس.

______________________________
كأنه امر خارجى بين الاصوع الخارجية فتدبر.

(1) مرّ بيان ذلك في (المسألة الثانية و السبعين) و محصل ذلك ان المستفاد من الاخبار و الفتاوى و السيرة العملية كون خمس الارباح ميزانية سنوية اسلامية نظير الميزانيات السنوية في الحكومات العادية كما يشهد بذلك استثناء مئونة السنة و قوله (ع) في صحيحة ابن مهزيار «فاما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام».

و لا يلحظ كل ربح موضوعا مستقلا بل لا يمكن ذلك في الارباح المتدرجة يوما فيوما بل ساعة فساعة اذ ملاحظة كل منها مستقلا ثم تقسيط الربح الثانى على راس المال و على الربح الاول و هكذا ثم تقسيط المؤونة السنوية على جميع الارباح بالنسبة يستلزم استيعاب وقت كثير و استخدام محاسب دقيق و هذا غير لازم قطعا، و لو كان كل ربح موضوعا مستقلا لوجب ضبطه و ثبته بخصوصه ثم ملاحظة ما يصرف منه في المؤونة ثم عزل باقيه او عزل الخمس منه او الاتجار به مع رأس المال ثم حساب ما يوازيه من ربح الربح و هكذا و هذا ربما يوجب اختلال نظام المعاش.

فالظاهر ان جميع ارباح السنة تعدّ ربحا واحدا مضافا الى السنة والى اصل رأس المال و لا يجب العزل و لا محاسبة ربح الربح و لا تقسيط المؤونة و انما يتصرف في المال بارباحه و يحاسب جميع الارباح في آخر السنة و تضاف الى اصل رأس المال و يخمس ما زاد منها عن مئونة السنة كما استقر عليه السيرة العملية فافهم.

هذا و صاحب الجواهر نسب الى قائل مشعرا باختياره انه يقسّط ربح الربح على اخماسه فيظهر منه جعل كل ربح موضوعا مستقلا قال:

«فلو ربح اولا مثلا ستمائة و كانت مئونته منها مأئة فاتجر بالباقى فربح‌

238
کتاب الخمس و الأنفال

ليس للمالك ان ينقل الخمس الى ذمته ثم التصرف فيه ؛ ص : 239

بخلاف ما اذا اتجر به بعد تمام الحول فانه ان حصل ربح كان ما يقابل الخمس من الربح لأربابه (1) مضافا الى اصل الخمس فيخرجهما اولا ثم يخرج خمس بقيته ان زادت على مئونة السنة.

[ليس للمالك ان ينقل الخمس الى ذمته ثم التصرّف فيه]

(مسألة 78): ليس للمالك ان ينقل الخمس الى ذمته ثم التصرّف فيه كما اشرنا اليه (2) نعم يجوز له ذلك بالمصالحة مع الحاكم و حينئذ فيجوز له التصرف فيه و لا حصّة له من الربح اذا اتجر به، و لو فرض تجدّد مؤن له في اثناء الحول على وجه لا يقوم بها الربح انكشف فساد الصلح.

[يجوز تعجيل اخراج الخمس اذا حصل الربح في اثناء السنة]

(مسألة 79): يجوز له تعجيل اخراج خمس الربح اذا حصل في اثناء السنة و لا يجب التأخير الى آخرها فان التأخير من باب الارفاق كما مرّ (3) و حينئذ فلو اخرجه بعد تقدير المؤونة بما يظنه فبان

______________________________
خمسمائة كان تمام الخمس مائتان و ثمانون: مأئة من الربح الاول و يتبعها نمائها من الربح الثانى و هو مأئة أيضا فيكون الباقى من الربح الثانى أربعمائة و خمسها ثمانون فيكون المجموع مأتين و ثمانين»، و لا يخفى ما فيه كما عرفت.

(1) بناء على الاشاعة او الكلى في المعين على مذاق القوم و قد عرفت ان الاحوط اجراء احكام الاشاعة و يتوقف على امضاء ولى الخمس، و اما اذا جعلنا الواجب من قبيل الحقوق فلا وجه لان يلحقه ربح و لو بالامضاء.

(2) ظاهر المصنف بقرينة قوله «و لو فرض تجدد مؤن له ...» فرض المسألة في اثناء الحول و قد مرّ منه في المسألة السابقة جواز التصرف حينئذ و عدم كون ما يقابل خمس الربح الاول منه لأرباب الخمس و مرّ منا الوجه في ذلك و على هذا فلا احتياج الى النقل الى الذمة و لا المصالحة مع الحاكم بل لا وجه لهما اصلا.

(3) المسألة لا تخلو عن شوب اشكال و قد مرّ البحث عنها في‌

239
کتاب الخمس و الأنفال

يجوز تعجيل اخراج الخمس اذا حصل الربح في اثناء السنة ؛ ص : 239

بعد ذلك عدم كفاية الربح لتجدّد مؤن لم يكن يظنّها كشف ذلك عن عدم صحته خمسا (1) فله الرجوع به على المستحق مع بقاء عينه لا مع تلفها في يده الا اذا كان عالما بالحال فان الظاهر ضمانه

______________________________
(المسالة الثانية و السبعين) فراجع.

(1) لو اجزنا التعجيل فعجل في الاداء ثم انكشف تجدّد مئونة اخرى فهل يكشف ذلك عن عدم التعلق واقعا بمقدارها فيجوز له ارجاع ما دفعه خمسا مطلقا او مع وجود عينه او علم الآخذ كما حكموا بنظيره في باب الزكاة او يقع خمسا فلا يجوز ارجاعه فيكون الظن و تخمين المؤونة مأخوذا موضوعا لا طريقا؟ في المسألة وجهان.

و يوجّه الاول بان الظاهر من مئونة السنة المستثناة ما هى المؤونة بحسب الواقع و نفس الامر لا بحسب التخمين فالتخمين يكون طريقا محضا.

و يوجّه الثانى بان الظاهر من لفظ الاحتياط (في تعليلهم جواز التاخير بالاحتياط للمكتسب) عدم جواز الارجاع لو انكشف الخلاف اذ الظاهر منه ما يقابل الخسارة و هى انما تتحقق مع عدم جواز الرجوع اللهم الا ان يقال ان الاحتياط في مقابل تعسّر الاسترداد لا في مقابل الخسارة فتأمل.

و الاقرب هو الوجه الاول لما عرفت من ظهور لفظ المؤونة، و تعبير الاصحاب بلفظ الاحتياط ليس من الحجج الشرعية هذا.

و في المسالك: «لو عجل الاخراج فزادت المؤونة لم يرجع بها على المستحق مع عدم علمه بالحال و تلف العين و في جواز رجوعه عليه مع بقاء العين او علمه بالحال نظر و قد تقدم مثله في الزكاة الا ان عدم الرجوع هنا مطلقا متوجه».

و في الجواهر أيضا قوى عدم الرجوع مطلقا قال: «لاحتمال كون المعتبر عند ارادة التعجيل تخمين المؤونة و ظنّها و ان لم يصادف الواقع».

240
کتاب الخمس و الأنفال

اذا اشترى بالربح قبل اخراج الخمس جارية ؛ ص : 241

حينئذ (1).

[اذا اشترى بالربح قبل اخراج الخمس جارية]

(مسألة 80): اذا اشترى بالربح قبل اخراج الخمس (2) جارية لا يجوز وطؤها (3) كما انه لو اشترى به ثوبا لا تجوز الصلاة فيه و لو اشترى به ماء للغسل او الوضوء لم يصحّ و هكذا.

نعم لو بقى منه بمقدار الخمس في يده و كان قاصدا لإخراجه منه جاز و صحّ (4) كما مرّ نظيره.

[مصارف الحج الواجب اذا استطاع]

(مسألة 81): قد مرّ ان مصارف الحج الواجب اذا استطاع

______________________________
(1) الظاهر هو الضمان مطلقا لإطلاق ضمان اليد اللهم الا ان يصدق الغرور بالنسبة الى الآخذ، و صدق التسليط المجانى مشكل و لا سيما مع جهل الدافع فتأمل و تفصيل المسألة في كتاب الزكاة.

(2) بعد استقراره بانقضاء الحول.

(3) سواء قلنا في الخمس بالشركة او بالحق اذ الظاهر ان الحق قائم بالمال بما انه مضاف الى هذا المالك و ملك له لا مطلقا كما يدل عليه رواية ابى بصير عن ابى جعفر- عليه السلام-: لا يحل لأحد ان يشترى من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقنا، و روايته الاخرى عنه (ع) قال: سمعته يقول: من اشترى شيئا من الخمس لم يعذره اللّه اشترى ما لا يحل له «1» و على هذا فلا يجوز له التصرف في مال الخمس و لا ولاية له على تبديله بمال آخر.

(4) بناء على ما سبق من المصنف من كون التعلق بنحو الكلى في المعين و لا فرق في ذلك بين ان يقصد الاخراج من البقية أم لا اذ الخصوصيات ملك له و مقدار الكلى أيضا باق فلم يتصرف في ملك الغير، و لكن لما كان هذا المبنى عندنا فاسدا و قلنا ان الاحوط اجراء احكام الاشاعة كان مقتضاها عدم جواز التصرف اصلا حتى يخرج الخمس.

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4 و 5.

241
کتاب الخمس و الأنفال

لو جعل الغوص او المعدن مكسبا له كفاه اخراج خمسهما ؛ ص : 242

في عامّ الربح (1) و تمكّن من المسير (2) من مئونة تلك السنة و كذا مصارف الحج المندوب و الزيارات.

و الظاهر ان المدار على وقت إنشاء السفر فان كان إنشائه في عام الربح فمصارفه من مئونته ذهابا و ايابا و ان تمّ الحول في اثناء السفر فلا يجب اخراج خمس ما صرفه في العام الآخر (3) في الاياب او مع المقصد و بعض الذهاب.

[لو جعل الغوص او المعدن مكسبا له كفاه اخراج خمسهما]

(مسألة 82): لو جعل الغوص او المعدن مكسبا له كفاه اخراج خمسهما اولا و لا يجب عليه خمس آخر من باب ربح المكسب بعد اخراج مئونة سنته (4).

______________________________
(1) بل و ان استطاع سابقا لما مرّ من كون مصارف الحج من مئونة سنة الاتيان به خارجا من غير فرق بين اوقات الاستطاعة.

(2) و سار.

(3) انما يصحّ هذا بالنسبة الى المصارف التى من شأنها البقاء كما اذا اشترى او استاجر دابة او سيارة او طائرة للسفر المذكور اما في مثل النقود و الماكولات و نحوهما فالظاهر وجوب الخمس فيما بقى منها بعد انقضاء الحول و يحسب مصارف الاياب من مئونة السنة اللاحقة.

(4) في المسألة وجهان: من تعدد العناوين و الجهات و اختلاف شرائطها و لواحقها كالنصاب في المعدن و الكنز و الغوص و استثناء مئونة السنة في الارباح فيتعدد الحكم بتعدد العناوين و الجهات.

و من ان الظاهر من الآية الشريفة و الروايات الواردة في تفسيرها في باب الارباح و الكنز كون الجميع موضوعا للخمس بما انّها من مصاديق «ما غَنِمْتُمْ» الوارد في الآية الشريفة فليس هنا عناوين متعددة بل عنوان واحد و هى الغنيمة و ان اختلف المصاديق في بعض الشرائط و الاحكام.

و الاقوى هو الوجه الثانى و يشهد له ظهور ما دل على ثبوت الخمس‌

242
کتاب الخمس و الأنفال

المرأة التى تكتسب في بيت زوجها ؛ ص : 243

[المرأة التى تكتسب في بيت زوجها]

(مسألة 83): المرأة التى تكتسب في بيت زوجها و يتحمّل زوجها مئونتها يجب عليها خمس ما حصل لها من غير اعتبار اخراج المؤونة اذ هى على زوجها الا ان لا يتحمّل (1).

[الظاهر عدم اشتراط التكليف و الحريّة في الكنز و ...]

(مسألة 84): الظاهر عدم اشتراط التكليف و الحريّة في الكنز و الغوص و المعدن و الحلال المختلط بالحرام و الارض التى يشتريها الذمّى من المسلم فيتعلق بها الخمس (2) و يجب على الوليّ و السيّد اخراجه.

______________________________
في العناوين الخاصة في ثبوت خمس واحد مع كونها في مقام البيان لكل ما يجب في هذا الموضوع كصحيحة الحلبى عن أبي عبد اللّه (ع) في الرجل من اصحابنا يكون في لوائهم و يكون معهم فيصيب غنيمة قال: يؤدى خمسا و يطيب له
«1» و رواية حفص عن ابى عبد الله- عليه السلام- قال:

خذ مال الناصب حيثما وجدته و ادفع إلينا الخمس «2» و يشهد لذلك أيضا ما رواه في تحف العقول عن الرضا (ع) في كتابه الى المأمون قال:

و الخمس من جميع المال مرة واحدة «3». و يؤيده أيضا ما ورد من قوله (ع): «لا ثنيا في صدقة» بناء على اطلاق الصدقة على الخمس كما ادعاه بعضهم او كون الزكاة و الخمس من واد واحد و كرضيعى لبان فتدبر.

(1) اذ المراد بالمئونة المستثناة ما يصرف فعلا من الربح لا مقدارها و المفروض هنا عدم الصرف من الربح و قد مر بيان ذلك في (المسألة الخامسة و الستين) فراجع.

(2) في الشرائع: «الخمس يجب في الكنز سواء كان الواجد له حرّا او عبدا صغيرا او كبيرا و كذا المعادن و الغوص».

و في المدارك في شرح العبارة: «و ربما لاح من العبارة اعتبار‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 13.

243
کتاب الخمس و الأنفال

الظاهر عدم اشتراط التكليف و الحرية في الكنز و ؛ ص : 243

..........

______________________________
التكليف و الحرية في غير هذا الانواع الثلاثة و هو مشكل على اطلاقه فان مال المملوك لمولاه فيتعلق به خمسه نعم اعتبار التكليف في الجميع متّجه».

و في المنتهى: الخمس يجب في نفس المخرج من المعدن ...

و يستوى في ذلك الصغير و الكبير عملا بالعموم».

و فيه أيضا «و يجب الخمس في الكنز على من وجده من مسلم او ذمى و حرّ او عبد و صغير او كبير و ذكر او انثى و عاقل او مجنون.»‌

و فيه أيضا: «الصبى و المجنون يملكان اربعة اخماس الركاز و الخمس الباقى لمستحقه يخرجه الولي عنهما عملا بالعموم».

و في خمس الشيخ- قدّس سره- «الظاهر انه لا خلاف في عدم اشتراط البلوغ و العقل في تعلق الخمس بالمعادن و الكنوز و الغوص و قد ادعى ظهور الاتفاق في الاخيرين في المناهل، و عن ظاهر المنتهى في الاول و تبعه في الغنائم و يدل عليه اطلاق الاخبار».

هذا بعض كلماتهم في المقام و لكن لا يخفى ان المسألة غير معنونة في كتب القدماء من اصحابنا المعدة لنقل الفتاوى المأثورة عن الائمة- عليهم السلام- كالمقنع و الهداية و النهاية و الغنية و نحوها فلا اجماع في البين و لا شهرة فيجب التمسك بالادلة فنقول:

امّا اجمالا فمقتضى اطلاق الاخبار و كذا الفتاوى مع كونها في مقام البيان و عدم تعرضها لاشتراط الحرية و التكليف هو العموم، و ظاهر الادلة كون العناوين اسبابا و الحكم من سنخ الوضع فلا يعتبر فيه شرائط التكليف من غير فرق بين الموضوعات بل عرفت منا مرارا ان موضوع الخمس في الحقيقة موضوع وحدانى اعنى «ما غَنِمْتُمْ» المذكور في الآية الشريفة.

و اما تفصيلا فنقول: اما الغنيمة فالظاهر من الروايات اخراج الخمس منها اولا ثم تقسيمها بين من حضر القتال حتى الاطفال، و يدل‌

244
کتاب الخمس و الأنفال

الظاهر عدم اشتراط التكليف و الحرية في الكنز و ؛ ص : 243

..........

______________________________
على العموم فيها أيضا قوله (ع) في رواية ابى بصير عن ابى جعفر (ع) كل شي‌ء قوتل عليه على شهادة ان لا إله الا الله و ان محمدا رسول اللّه فان لنا خمسه، و على العموم فيها و في المعادن و الغوص و الكنوز اطلاق قوله (ع) في مرسلة حماد الطويلة: «الخمس من خمسة اشياء: من الغنائم و من الغوص و الكنوز و من المعادن و الملاحة- و نحوها المرفوعة و غيرها- و على العموم في الاربعة و الحلال المختلط رواية عمار بن مروان قال: سمعت ابا عبد اللّه- عليه السلام- يقول: فيما يخرج من المعادن و البحر و الغنيمة و الحلال المختلط بالحرام اذا لم يعرف صاحبه و الكنوز الخمس.

بل يدل على العموم في المعادن و الغوص و الكنوز اكثر رواياتها المعبر فيها بقوله «فيه الخمس» او «عليه الخمس» كصحيحة زرارة عن ابى جعفر (ع) قال: سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال كل ما كان ركازا ففيه الخمس، و صحيحة البزنطى عن الرضا (ع) قال: سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس، و رواية محمد بن على عن ابى الحسن- عليه السلام- قال: سألته عما يخرج من البحر (الى ان قال): اذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس الى غير ذلك من الروايات فان الظاهر من الروايات كون هذه الموضوعات بانفسها اسبابا لثبوت الخمس من دون تعرّض لواجدها اللهم الا ان يمنع الاطلاق في بعض هذه الروايات بعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة فتأمل بل يمكن ان يقال في هذه الثلاثة بالخصوص انها لما كانت من الانفال و الاموال العمومية و كان اختيارها بيد الامام كان الخمس فيها مجعولا من قبل الائمة (ع) من قبيل حق الاقطاع فلا تفاوت فيها بين من وجدها و لعله لذا خصها بعض الاصحاب بالذكر فتأمل. و يشهد للعموم في الحلال المختلط مضافا الى ما مرّ ان الخمس فيه انما شرّع لتطهير المال من الحرام الموجود فيه و اخراج بدله منه و ليس فيه شائبة تكليف اصلا فلو فرض منع العموم‌

245
کتاب الخمس و الأنفال

الظاهر عدم اشتراط التكليف و الحرية في الكنز و ؛ ص : 243

و في تعلّقه بارباح مكاسب الطفل اشكال (1) و الاحوط اخراجه بعد بلوغه.

______________________________
في غيره فلا محيص عن القول به فيه.

و اما ارض الذمى فربما يشكل العموم فيه بان قوله- عليه السلام- في صحيحة الحذاء «ايما ذمّى اشترى من مسلم ارضا فان عليه الخمس» ظاهر في التكليف فلا يشمل غير المكلف.

و اجيب بان موضع الاستعلاء ان كان فعلا اقتضى التكليف مثل «عليك ان تقوم» و ان كان عينا اقتضى الوضع مثل عليه دين و على اليد ما اخذت، و المقام من قبيل الثانى هذا.

و لكن لازم ذلك ثبوت الخمس في الذمة لا في العين و حيث لا نقول به فيتعيّن حمل الكلام على معنى قوله عليه فيها الخمس كما صرح به في مرسلة المقنعة فيراد به التكليف و لكن مرّ في محله ان تعلق الخمس ليس بنحو التكليف المحض بل التكليف المستتبع للوضع او المترتب عليه اللهم الا ان يفصل بين الموضوعات و قد ورد نحو هذا التعبير في ساير الموضوعات أيضا كقوله في خبر الحرث الازدى في الكنز «ادّ خمس ما اخذت فان الخمس عليك» و في خبر الريان في غلة الرحى و نحوها «يجب عليك فيه الخمس» الى غير ذلك من الاخبار فتدبر.

و الذى يسهل الخطب في ارض الذمى ما مرّ منا من كون الخمس فيها متعلقا بفائدة الارض لا برقبتها فهو العشر المضاعف فراجع. و قد تلخص مما ذكرنا عدم اشتراط التكليف و الحرية في الكنز و الغوص و المعدن و الحلال المختلط نعم يشكل الحكم في ارض الذمى.

(1) من اطلاق النصوص و الفتاوى و معاقد الاجماع بل قيل ان تصريحهم باشتراط الكمال في الزكاة و اهمالهم له هنا كالصريح في عدم اشتراطه هنا.

و في خمس الشيخ «انه يفهم من استدلال العلماء لوجوب الخمس في الكنز و المعدن و الغوص بانها اكتسابات فتدخل تحت الآية ثم‌

246
کتاب الخمس و الأنفال

الظاهر عدم اشتراط التكليف و الحرية في الكنز و ؛ ص : 243

..........

______________________________
تعميم الوجوب فيها للصبى و المجنون ثم دعواهم الاجماع على وجوب الخمس في مطلق الاكتسابات عدم الفرق في ارباح المكاسب بين البالغ و غيره»‌

و يدل عليه اطلاق موثقة سماعة قال سألت ابا الحسن- عليه السلام- عن الخمس فقال: في كل ما افاد الناس من قليل او كثير.

و من اطلاق قوله (ع): «ليس على مال اليتيم في الدين و المال الصامت شي‌ء» على ما قيل و لكن لا يخفى ان الرواية بقرينة قوله (ع) بعد هذه العبارة «فاما الغلّات فعليها الصدقة واجبة» مخصوصة بباب الزكاة و لا سيما مع كثرة وقوع هذا التعبير فيها فراجع مع انه لو فرض ثبوت الاطلاق كان مقتضاه نفى الخمس في جميع الموضوعات لا خصوص الارباح.

نعم يمكن ان يقال: ان اكثر اخبار الارباح ليس فيها اطلاق بنحو يشمل غير المكلف و لا سيما مع ما احتملناه من كون خمس الارباح وظيفة حكومية جعلت من قبل الائمة المتأخرة- عليهم السلام- حسب الاحتياج بعد تصاحب حكام الجور للميزانيات الاسلامية من الزكوات و نحوها، و قد يستأنس ذلك من بعض التعبيرات الواقعة في الاخبار كقوله (ع) في رواية الهمدانى «اقرأنى علىّ كتاب ابيك فيما اوجبه على اصحاب الضياع انه اوجب عليهم نصف السدس ...» «1» هذا و اما الآية الشريفة فهي و ان فسرت في الاخبار بما يعم الارباح و لكن لما كانت مشتملة على الخطاب فالقول بعمومها لغير المكلفين مشكل، نعم لو قيل بان المتبادر منها كون الاغتنام مطلقا سببا لثبوت الخمس لا الاغتنام الحاصل لخصوص المخاطب البالغ امكن الاستدلال بها فتدبر.

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

247
کتاب الخمس و الأنفال

فصل في قسمة الخمس ؛ ص : 249

فصل في قسمة الخمس

249
کتاب الخمس و الأنفال

يقسم الخمس ستة اسهم ؛ ص : 250

فصل: في قسمة الخمس و مستحقّه

[يقسّم الخمس ستة اسهم]

(مسألة 1): يقسّم الخمس ستة اسهم على الأصحّ (1): سهم

______________________________
(1) كما نسب الى المشهور، و في مجمع البيان: «ذهب اليه اصحابنا» و في الانتصار و الغنية الاجماع عليه و عن الامالى انه من دين الامامية و استدلوا عليه مضافا الى الاجماع المدعى و الشهرة المحققة بظاهر الآية و باخبار مستفيضة‌

[تفسير آية الخمس 251]

قال اللّه- تعالى-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ وَ مٰا أَنْزَلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا يَوْمَ الْفُرْقٰانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعٰانِ وَ اللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ «1» و قد مرّ في اول كتاب الخمس بيان صدر الآية فراجع. و امّا قوله: «فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ ...» ففيه بالنظر البدوى احتمالان:

الاول: ان يكون المراد التقسيم و التسهيم فيكون المراد تقسيم الخمس على ستة اسهم كما عليه المشهور او خمسة اسهم بجعل سهم الله و الرسول واحدا كما نسب الى بعض و يدل على هذا الاحتمال ظواهر كثير من الاخبار.

الثانى: ان يراد به الترتيب في الاختصاص فيكون الخمس حقّا وحدانيا ثابتا باجمعه للّه- تعالى- و في طوله باجمعه للرسول و في طول الرسول لذى القربى اعنى الامام بتقريب ان الخمس كما يأتى ميزانية للحكومة الاسلامية المعبر عنها في لسان الشرع بالامامة، و الحكومة اوّلا و بالذات للّه- تعالى- (ان الحكم الا للّه) و قد جعلها اللّه لرسوله و فوّضها اليه بقوله «النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» و فوّضها الرسول- صلى الله عليه و آله- الى ذي القربى فقال في يوم الغدير: أ لست اولى بكم من أنفسكم قالوا: بلى فقال: «من كنت مولاه فهذا علىّ مولاه».

فميزانية الحكومة تختص بمن له الحكومة و الولاية على مراتبه و تشهد لهذا الاحتمال ظواهر اخبار اخر كما يأتى كما يشهد له أيضا ظاهر‌

______________________________
(1)- سورة الانفال، الآية 41.

250
کتاب الخمس و الأنفال

تفسير آية الخمس 251 ؛ ص : 250

..........

______________________________
نفس الآية اوّلا من جهة ان اللام كما يظهر منها الاختصاص يظهر منها كمال الاختصاص و الاستقلال فيه و ثانيا من جهة ان تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر فتقديم قوله
«لِلّٰهِ» على قوله «خُمُسَهُ» يدل على اختصاص الخمس باجمعه باللّه- تعالى- هذا.

و اما قوله: وَ الْيَتٰامىٰ و ما بعده فحيث لم يدخل عليها لام الملك و الاختصاص فلا اختصاص للخمس بهم و ليس ملكا لهم و انما هى من قبيل المصارف له و انما ذكرت بخصوصها اهتماما بشأنها و اشعارا بانهم من لواحق الحكومة و توابعها و ان ادارة امورهم من شئون الحكومة و الامامة و لعل في عدم ذكر اللام مضافا الى ما ذكر نكتة اخرى أيضا و هى شدّة اتصالهم بالرّسول و بذى القربى فتدل الآية على اعتبار انتسابهم اليهما و سيأتي البحث عن ذلك في محله.

كما انه يمكن ان يقال على الاحتمال الاول اعنى التقسيم و التسهيم ان عدم ذكر اللام في العناوين الثلاثة كان لهذه النكتة او للدلالة على انهم و ان كانوا مالكين للسهام الثلاثة و لكنهم من فروع الرّسالة و الامامة فيكون المتصدى للتقسيم فيهم هو الرسول او الامام و لا استقلال لهم في الاخذ و هو المعهود عملا في عصر النّبيّ و الائمة- عليهم السلام-، و اما ما في بعض الكلمات من عدم فرض التملك للعناوين ففساده يظهر لمن راجع العرف و العقلاء فان الملكية امر اعتبارى يعتبره العقلاء و كما يمكن ان تعتبر للأشخاص يمكن ان تعتبر للعناوين و الجهات بل للأماكن و المشاهد فيعتبر شي‌ء ملكا للمسجد او للكعبة او نحوهما و يكون المتصدى للتصرف فيه من جعل متوليا لها فتدبر.

و اما قوله- تعالى- «وَ لِذِي الْقُرْبىٰ» ففيه بالنظر البدوى احتمالات ثلاث: الاول: ان يكون المراد اقارب من تعلق به الخمس فاريد بيان ان من مصارف الخمس صلة القربى و الرحم و نظيره في القرآن كثير كقوله- تعالى-: «وَ آتَى الْمٰالَ عَلىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ

 


251
کتاب الخمس و الأنفال

تفسير آية الخمس 251 ؛ ص : 250

..........

______________________________
وَ الْمَسٰاكِينِ» «1» و قوله: «وَ بِالْوٰالِدَيْنِ إِحْسٰاناً وَ بِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْجٰارِ ذِي الْقُرْبىٰ وَ الْجٰارِ الْجُنُبِ ...» «2» و قوله: «إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسٰانِ وَ إِيتٰاءِ ذِي الْقُرْبىٰ» «3» الى غير ذلك من الآيات الكثيرة: و الظاهر انه لم يقل بهذا الاحتمال في هذا المقام فيما اعرف احد من الخاصة و لا العامّة.

الثانى: ان يكون المراد مطلق اقارب النّبيّ- صلى اللّه عليه و آله- اعنى المنتسبين الى هاشم او المطلب و قد اختار هذا الاحتمال فقهاء العامة و نسب الى ابن الجنيد من الخاصة أيضا.

الثالث: ان يراد به خصوص الامام- عليه السلام- و انما ذكر مفردا للإشعار بذلك حيث ان الامام في كل زمان شخص واحد و قد اشار اللّه- تعالى- بذلك الى ان المستحق للإمامة بعد الرسول هو ذو القربى منه و قد اختار هذا القول اصحابنا الامامية و ادعوا عليه الاجماع و لم ينسب الخلاف فيه الا الى ابن الجنيد، و قد دلّت عليه اخبارنا الواردة عن الائمة- عليهم السلام- و قد امرنا رسول الله- صلى اللّه عليه و آله- بالتمسك بهم كالتمسك بالقرآن في حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين و سيأتي بعضها.

و اما قوله- تعالى- «وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ» فالمشهور بين اصحابنا اختصاص العناوين في الآية بمن كان من آل الرسول (ص) و ادعى بعضهم عليه الاجماع و به روايات نذكرها في موضعها و اما العامة فقالوا بعمومها لجميع يتامى المسلمين و مساكينهم و ابناء سبيلهم و وافقهم في الجملة ابن الجنيد منّا.

و يمكن ان يستشهد للتعميم بوجهين: الاول: ان الآية و ان كانت‌

______________________________
(1)- سورة البقرة، الآية 177.

(2)- سورة النساء، الآية 36.

(3)- سورة النحل، الآية 90.

252
کتاب الخمس و الأنفال

الاقوال في تقسيم الخمس ؛ ص : 253

..........

______________________________
بحسب اللفظ عامّة تشمل جميع الغنائم و لكن موردها بحسب النزول غزوة بدر و هى في السنة الثانية من الهجرة و في ذلك الوقت لم يكن لبنى هاشم فيمن اسلم منهم ايتام و مساكين و ابن سبيل يوزع عليهم الغنيمة و لكن كثرت الاصناف الثلاثة في غيرهم من المسلمين و لا سيما المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم و اموالهم فكيف يراد بالعناوين الثلاثة خصوص بنى هاشم؟!

الثانى: مماثلة آية الفي‌ء المذكورة في سورة الحشر لهذه الآية في الالفاظ و الخصوصيات مع ان الفي‌ء عندنا من الانفال المختصة بالامام و لا تقسيم فيه و لا تسهيم و لا اختصاص لمصرفه ببنى هاشم الا ترى الى قوله- تعالى- بعد الآية بلا فصل: «لِلْفُقَرٰاءِ الْمُهٰاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيٰارِهِمْ وَ أَمْوٰالِهِمْ ...» و مورد نزولها اموال بنى النضير و يذكر الروايات و التواريخ ان رسول الله (ص) قسمها بين المهاجرين و ثلاثة نفر او اثنين من الانصار و لم يكن في البين تعيّن لبنى هاشم هذا و لكن في رسالة الامام الصادق- عليه السلام- التى نقلها تحف العقول تفسير آية الفي‌ء الثانية المشتملة على التسهيم بغنائم خيبر التى اوجف عليها بالخيل و الركاب. «1» فيقع الاشكال في انه لم قسّم جميعه كما هو ظاهر الآية لا خمسه فافهم و سنعود الى بيان المسألة في محلها، هذه خلاصة ما يرتبط بالآية.

[الاقوال في تقسيم الخمس]

و اما اخبار الباب فقبل التعرض لها نتعرض لبعض الاقوال فنقول:

قال في الخلاف (المسألة 37 من كتاب الفي‌ء): «عندنا ان الخمس يقسم ستة اقسام: سهم لله و سهم لرسوله و سهم لذى القربى فهذه الثلاثة اسهم كانت للنبى (ص) و بعده لمن يقوم مقامه من الائمة و سهم لليتامى و سهم للمساكين و سهم لأبناء السبيل من آل محمد‌

______________________________
(1)- المستدرك ج 1 الباب 5 من ابواب الانفال.

253
کتاب الخمس و الأنفال

الاقوال في تقسيم الخمس ؛ ص : 253

..........

______________________________
- صلى الله عليه و آله- لا يشركهم فيه غيرهم، و اختلف الفقهاء في ذلك فذهب الشافعى الى ان خمس الغنيمة يقسم على خمسة اسهم: سهم لرسول الله (ص) و سهم لذى القربى و سهم لليتامى و سهم للمساكين و سهم لأبناء السبيل فاما سهم رسول الله (ص) فيصرف في مصالح المسلمين و اما سهم ذي القربى فانه يصرف الى ذوى القربى على ما كان يصرف اليهم على عهد النّبيّ (ص) على ما نبينه فيما بعد. و ذهب ابو العالية الرباحى الى ان الخمس من الغنيمة و الفي‌ء مقسوم على ستة اسهم: سهم للّه و سهم لرسوله و سهم لذى القربى و سهم لليتامى و سهم للمساكين و سهم لأبناء السبيل. و ذهب مالك الى ان خمس الغنيمة و اربعة اخماس الفي‌ء مفوض الى اجتهاد الامام ليصرفه الى من رأى ان يصرفه اليه. و ذهب ابو حنيفة الى ان خمس الغنيمة و اربعة اخماس الفي‌ء يقسم على ثلاثة اسهم: سهم لليتامى و سهم للمساكين و سهم لأبناء السبيل ... دليلنا اجماع الفرقة المحقة و اخبارهم ...»‌

و قال في الخلاف (المسألة 39): «عندنا ان سهم ذي القربى للإمام و عند الشافعى لجميع ذي القربى ... دليلنا اجماع الفرقة».

و قال فيه (المسألة 41): «الثلاثة اسهم التى هى لليتامى و المساكين و ابناء السبيل من الخمس يختص بها من كان من آل الرسول (ص) دون غيرهم و خالف جميع الفقهاء في ذلك و قالوا انها لفقراء المسلمين و ايتامهم و ابناء سبيلهم دون من كان من آل الرسول خصوصا دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم ...»‌

و في المختلف: «المشهور ان الخمس يقسم ستة اقسام ...

ذهب اليه الشيخان و السيد المرتضى و ابن الجنيد و ابن البراج و باقى علمائنا و نقل عن بعضهم انه يقسم خمسة اقسام».

و فيه أيضا: «المشهور ان ذا القربى الامام خاصة ... و نقل السيد المرتضى عن بعض علمائنا ان سهم ذي القربى لا يختص بالامام‌

254
کتاب الخمس و الأنفال

الاقوال في تقسيم الخمس ؛ ص : 253

..........

______________________________
- عليه السلام- بل هو لجميع قرابة رسول الله (ص) من بنى هاشم و رواه ابن بابويه في كتاب المقنع و كتاب من لا يحضره الفقيه و هو اختيار ابن الجنيد».

و فيه أيضا «المشهور ان المراد باليتامى و المساكين و ابن السبيل في آية الخمس من قرابة النّبيّ (ص) من بنى هاشم خاصة ذهب اليه الشيخان و ابن ابى عقيل و ابو الصلاح و باقى فقهائنا الا ابن الجنيد ...»‌

و كيف كان فالمشهور بيننا بل كاد أن يكون اجماعا ان الخمس يقسم ستة اسهم و قيل و لم يعرف قائله: انه يقسم خمسة اقسام بحذف سهم اللّه و استدل له بصحيحة ربعى بن عبد الله عن ابى عبد الله- عليه السلام- قال: كان رسول الله (ص) اذا اتاه المغنم اخذ صفوه و كان ذلك له ثم يقسم ما بقى خمسة اخماس و يأخذ خمسه ثم يقسم اربعة اخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه ثم قسم الخمس الذى اخذه خمسة اخماس يأخذ خمس الله لنفسه ثم يقسم الاربعة اخماس بين ذوى القربى و اليتامى و المساكين و ابناء السبيل يعطى كل واحد منهم حقّا و كذلك الامام أخذ كما أخذ الرسول- صلى اللّه عليه و آله- «1».

و يرد عليه اولا ان المدّعى حذف سهم اللّه و الرواية تدل على حذف سهم الرسول.

و ثانيا بانه نقل فعل منه (ص) فلعله كان يفعل ذلك توفيرا على ساير المستحقين و لا ينافى ذلك قوله: «و كذلك الامام أخذ» اذ يحتمل ان المراد كونه مثله في اخذ صفو المال و الخمس لا في القسمة المذكورة.

و ثالثا بامكان الحمل على التقية لموافقته لكثير من العامة.

و كيف كان فلا يقاوم الحديث لظاهر الآية و صريح ساير اخبار الباب الدالة على تقسيم الخمس ستة اسهم فلنتعرّض لبعضها.

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 3.

255
کتاب الخمس و الأنفال

الاقوال في تقسيم الخمس ؛ ص : 253

..........

______________________________
فالاولى مرسلة حماد الطويلة و حيث ان الحديث متضمن لمسائل كثيرة من مسائل الخمس نذكره بطوله بلا تقطيع و قد رواه الكلينى و الشيخ- قدس سرّهما- ففى الكافى اواخر كتاب الحجة: «على بن ابراهيم بن هاشم عن ابيه عن حماد بن عيسى عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح- عليه السلام- قال: «الخمس من خمسة اشياء: من الغنائم و الغوص و من الكنوز و من المعادن و الملّاحة يؤخذ من كل هذه الصنوف الخمس فيجعل لمن جعله اللّه- تعالى- و يقسم الاربعة الاخماس بين من قاتل عليه و ولى ذلك، و يقسّم بينهم الخمس على ستة اسهم: سهم للّه و سهم لرسول اللّه و سهم لذى القربى و سهم لليتامى و سهم للمساكين و سهم لأبناء السبيل، فسهم اللّه و سهم رسول اللّه لأولي الامر من بعد رسول اللّه (ص) وراثة فله ثلاثة اسهم: سهمان وراثة و سهم مقسوم له من اللّه و له نصف الخمس كملا و نصف الخمس الباقى بين اهل بيته: فسهم ليتاماهم و سهم لمساكينهم و سهم لأبناء سبيلهم يقسم بينهم على الكتاب و السنة (على الكفاف و السعة- يب) ما يستغنون به في سنتهم فان فضل عنهم شي‌ء فهو للوالى و ان عجز او نقص عن استغنائهم كان على الوالى ان ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به و انما صار عليه ان يمونهم لان له ما فضل عنهم.

و انما جعل اللّه هذا الخمس خاصة لهم دون مساكين الناس و ابناء سبيلهم عوضا لهم من صدقات الناس تنزيها من اللّه لهم لقرابتهم برسول اللّه (ص) و كرامة من اللّه لهم عن اوساخ الناس فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن ان يصيّرهم في موضع الذّل و المسكنة و لا بأس بصدقات بعضهم على بعض، و هؤلاء الذين جعل اللّه لهم الخمس هم قرابة النّبيّ- صلى اللّه عليه و آله- الذين ذكرهم اللّه فقال: «وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» و هم بنو عبد المطلب انفسهم الذكر و الانثى ليس فيهم من اهل بيوتات قريش و لا من العرب احد، و لا فيهم و لا منهم في هذا الخمس من مواليهم، و قد تحلّ صدقات الناس لمواليهم و هم و الناس سواء.

256
کتاب الخمس و الأنفال

الاقوال في تقسيم الخمس ؛ ص : 253

..........

______________________________
و من كانت امّه من بنى هاشم و ابوه من ساير قريش فان الصّدقات تحلّ له و ليس له من الخمس شي‌ء لان اللّه- تعالى- يقول
«ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ» و للإمام صفو المال ان يأخذ من هذه الاموال صفوها: الجارية الفارهة و الدابة الفارهة و الثوب و المتاع بما يحبّ او يشتهى فذلك له قبل القسمة و قبل اخراج الخمس، و له ان يسدّ بذلك المال جميع ما ينوبه من مثل اعطاء المؤلّفة قلوبهم و غير ذلك (من صنوف يب) ما ينوبه فان بقى بعد ذلك شي‌ء اخرج الخمس منه فقسمه في اهله و قسّم الباقى على من ولى ذلك و ان لم يبق بعد سدّ النوائب شي‌ء فلا شي‌ء لهم. و ليس لمن قاتل شي‌ء من الارضين و لا ما غلبوا عليه الا ما احتوى عليه العسكر، و ليس للأعراب من القسمة شي‌ء و ان قاتلوا مع الوالى لان رسول الله (ص) صالح الاعراب ان يدعهم في ديارهم و لا يهاجروا على انه ان دهم رسول اللّه (ص) من عدوه دهم ان يستنفرهم فيقاتل بهم و ليس لهم في الغنيمة نصيب و سنة جارية فيهم و في غيرهم.

و الارضون التى اخذت عنوة بخيل و رجال فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها و يحييها و يقوم عليها على ما يصالحهم الوالى على قدر طاقتهم من الحق: النصف او الثلث او الثلثين و على قدر ما يكون لهم صلاحا و لا يضرّهم فاذا اخرج منها ما اخرج بدأ فاخرج منه العشر من الجميع مما سقت السماء او سقى سيحا و نصف العشر مما سقى بالدوالى و النواضح فاخذه الوالى فوجّهه في الجهة التى وجّهها اللّه على ثمانية اسهم: لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ، ثمانية اسهم يقسم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا ضيق و لا تقتير، فان فضل من ذلك شي‌ء ردّ الى الوالى و ان نقص من ذلك شي‌ء و لم يكتفوا به كان على الوالى ان يمونهم من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنوا. و يؤخذ بعد ما بقى من العشر فيقسم بين الوالى و بين شركائه الذين هم عمال الارض و اكرتها فيدفع اليهم‌

257
کتاب الخمس و الأنفال

الاقوال في تقسيم الخمس ؛ ص : 253

..........

______________________________
انصبائهم على ما صالحهم عليه و يؤخذ الباقى فيكون بعد ذلك ارزاق اعوانه على دين اللّه و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد و غير ذلك مما فيه مصلحة العامّة، ليس لنفسه من ذلك قليل و لا كثير.

و له بعد الخمس الانفال، و الانفال كل ارض خربة قد باد اهلها و كل ارض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و لكن صالحوا صلحا و اعطوا بايديهم على غير قتال، و له رءوس الجبال و بطون الاودية و الآجام و كل ارض ميتة لا ربّ لها و له صوافى الملوك ما كان في ايديهم من غير وجه الغصب لان الغصب كله مردود، و هو وارث من لا وارث له يعول من لا حيلة له، و قال: ان اللّه لم يترك شيئا من صنوف الاموال الا و قد قسّمه و اعطى كل ذي حق حقه: الخاصة و العامة و الفقراء و المساكين و كل صنف من صنوف الناس فقال: لو عدّل في الناس لاستغنوا ثم قال: ان العدل احلى من العسل و لا يعدل الا من يحسن العدل، قال: و كان رسول اللّه (ص) يقسّم صدقات البوادى في البوادى و صدقات اهل الحضر في اهل الحضر و لا يقسم بينهم بالسوية على ثمانية حتى يعطى اهل كل سهم ثمنا و لكن يقسمها على قدر من يحضره من اصناف الثمانية على قدر ما يقيم كل صنف منهم يقدّر لسنته، ليس في ذلك شي‌ء موقوت و لا مسمّى و لا مؤلف، انما يضع ذلك على قدر ما يرى و ما يحضره حتى يسدّ كل فاقة كل قوم منهم و ان فضل من ذلك فضل عرضوا المال جملة الى غيرهم.

و الانفال الى الوالى و كل ارض فتحت في ايام النّبيّ (ص) الى آخر الابد و ما كان افتتاحا بدعوة اهل الجور و اهل العدل (ما كان افتتاحا بدعوة النّبيّ- صلى اللّه عليه و آله- من اهل الجور و اهل العدل، يب) لان ذمّة رسول اللّه (ص) في الاولين و الآخرين ذمّة واحدة لان رسول اللّه (ص) قال: المسلمون اخوة تتكافى دمائهم و يسعى بذمّتهم ادناهم، و ليس في مال الخمس زكاة لان فقراء الناس جعل ارزاقهم في اموال الناس‌

258
کتاب الخمس و الأنفال

الاقوال في تقسيم الخمس ؛ ص : 253

..........

______________________________
على ثمانية اسهم فلم يبق منهم احد و جعل للفقراء قرابة الرسول نصف الخمس فاغناهم به عن صدقات الناس و صدقات النّبيّ (ص) و ولىّ الامر فلم يبق فقير من فقراء الناس و لم يبق فقير من فقراء قرابة رسول اللّه الّا و قد استغنى فلا فقير و لذلك لم يكن على مال النّبيّ (ص) و الوالى زكاة لأنه لم يبق فقير محتاج و لكن عليهم اشياء تنوبهم من وجوه و لهم من تلك الوجوه كما عليهم».

و قد روى الحديث الشيخ أيضا بسند آخر الى حماد مع تفاوت يسير في متنه.

و لا يضرّ الارسال بالرواية بعد كون المرسل مثل حماد الذى هو ممن اجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه و بعد كون الرواية مدار فتاوى الاصحاب في الابواب المختلفة حيث ان الرواية مشتملة على مسائل مختلفة من ابواب متفرقة و على جميعها العمل.

و محطّ النظر في الرواية كيفية تقسيم الامام و صرفه للماليات و الميزانيات الاسلامية من الاخماس و الزكوات و خراج الاراضى و الانفال بعد فرض كونه حاضرا مبسوط اليد و متصديا للحكومة الاسلامية و بعبارة اخرى المنظور في الرواية كما يظهر لمن تدقق فيها بيان كيفية تقسيم الميزانيات بحسب التشريع الاوّلى و مع قطع النظر عما حصل في عصر الائمة- عليهم السلام- من انقطاع ايديهم عن الحكومة و شئونها، فالاستدلال بالرواية لتتميم حوائج الذريّة من سهم الامام- عليه السلام- في عصر الغيبة او عدم بسط اليد مع كون الوجوه المجتمعة أقلّ قليل و كون بعض المصارف اهم بمراتب مشكل جدا كما لا يخفى.

و عدم ذكره- عليه السلام- لخمس الارباح مع كونه في مقام الاستقصاء و كون خمس الارباح مما يعمّ به البلوى في عصر الكاظم- عليه السلام- يوجب نوع وهن في حكم خمس الارباح، و لا ينتقض بالمال المخلوط و ارض الذّمى فان الخمس فيهما لعله من سنخ آخر كما عرفت في‌

259
کتاب الخمس و الأنفال

الاقوال في تقسيم الخمس ؛ ص : 253

..........

______________________________
محله هذا.

و في قوله- عليه السلام- في حكم سهام الذريّة: «فان فضل عنهم شي‌ء فهو للوالى و ان عجز او نقص عن استغنائهم كان على الوالى ان ينفق من عنده» احتمالان:

الاول: ان يكون المراد كون الزيادة لنفسه و في حكم سهم الامام و كون التتميم أيضا من سهم الامام.

الثانى ان يكون المراد رجوع الزيادة اليه لان يحفظ لهم و يصرف في حوائجهم في الازمنة الآتية كما انّ التتميم أيضا يكون مما حفظ لهم من سهامهم لا من سهم الامام، و الاحتمال الثانى و ان كان بعيدا في نفسه و لكن يقربه وقوع مثل هذا التعبير في الرواية في تقسيم الزكاة أيضا حيث قال: «فان فضل من ذلك شي‌ء ردّ الى الوالى و ان نقص من ذلك شي‌ء و لم يكتفوا به كان على الوالى ان يمونهم من عنده بقدر سعتهم» مع ان الظاهر عدم كون المراد تتميم حوائج اهل الزكاة من سهم الامام- عليه السلام- فتأمل.

هذا بعض ما يرتبط بمرسلة حماد الطويلة و كيف كان فهي مما يدل على تقسيم الخمس ستة اسهم.

الثانية: ما رواه الشيخ باسناده عن الصفار عن احمد بن محمد عن بعض اصحابنا رفع الحديث قال «الخمس من خمسة اشياء (الى ان قال):

فاما الخمس فيقسم على ستة اسهم: سهم للّه و سهم للرسول (ص) و سهم لذى القربى و سهم لليتامى و سهم للمساكين و سهم لأبناء السبيل فالذى لله فلرسول اللّه (ص) فرسول اللّه احقّ به فهو له خاصة و الذى للرسول هو لذوى القربى و الحجة في زمانه فالنصف له خاصة و النصف لليتامى و المساكين و ابناء السبيل من آل محمد- عليهم السلام- الذين لا تحلّ لهم الصدقة و لا الزكاة عوّضهم اللّه مكان ذلك بالخمس فهو يعطيهم على قدر كفايتهم فان فضل منهم شي‌ء فهو له و ان نقص عنهم و لم يكفهم اتمّه لهم‌

260
کتاب الخمس و الأنفال

الاقوال في تقسيم الخمس ؛ ص : 253

..........

______________________________
من عنده كما صار له الفضل كذلك يلزمه النقصان» و لا يخفى كون الرواية مضافا الى ارسالها مقطوعة فيشكل حجيّتها.

الثالثة: ما رواه الشيخ باسناده عن سعد بن عبد اللّه عن احمد بن الحسن بن على بن فضال عن ابيه عن ابن بكير عن بعض اصحابه عن احد هما- عليهما السلام- في قول اللّه- تعالى-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ ...»

قال خمس اللّه للإمام و خمس الرسول للإمام و خمس ذوى القربى لقرابة الرسول الامام و اليتامى يتامى الرسول و المساكين منهم و ابناء السبيل منهم فلا يخرج منهم الى غيرهم «1» الى غير ذلك من الاخبار.

و بالجملة المشهور بيننا تقسيم الخمس ستة اسهم متساوية و كون ثلاثة اسهم منه للإمام و الثلاثة الباقية للأصناف الثلاثة و هذا هو المستفاد من الاخبار المذكورة.

و لكن اسّس احد الاعلام في كتابه المسمّى بذخائر الامامة في تفسير الآية الشريفة اساسا آخر و ايّده بروايات متفرقة فلنذكره باختصار بشرح و توضيح و تأييد منّا.

و حاصل ما ذكره انّ الخمس حق وحداني راجع الى حيث السلطنة و الامارة و هى قائمة باللّه- تعالى- بالاصالة، و برسوله بالخلافة، و بذى القربى المراد منه الامام بعد الرّسول بالخلافة عنه، و بالفقيه في زمن الغيبة بالنيابة فلا وجه للقسمة و لا لكيفيتها.

و توضيح ذلك هو ان الامارة و الحكومة لا تثبت لأحد على احد فان الناس بحسب الخلقة كلهم احرار مستقلّون لا تسلّط لأحد منهم على غيره تكوينا، نعم اللّه جلّ جلاله يتسلّط على جميع الموجودات و منها الانسان بحسب التكوين و هو مالك لهم بالملكية الحقيقية و بمقتضى ذلك يتسلط عليهم تشريعا أيضا بمعنى انّ له ان يحكم فيهم‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 2.

261
کتاب الخمس و الأنفال

الاقوال في تقسيم الخمس ؛ ص : 253

..........

______________________________
و عليهم و يجب عليهم اطاعته بحكم العقل و الوجدان، فالحكومة اوّلا و بالذات ثابتة للّه- تعالى- (ان الحكم الّا للّه) و بمقتضى جعله- تعالى- الخلافة لآدم و غيره من الانبياء يثبت الولاية التشريعية لهم قال الله- تعالى-
«يٰا دٰاوُدُ إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّٰاسِ بِالْحَقِّ» «1» ففرّع جواز الحكم على خلافة اللّه- تعالى- و يعبّر عن هذا المقام بالخلافة و الامارة و الحكومة و الامامة و نحوها و كان نبيّنا- صلى اللّه عليه و آله- واجدا لهذا المقام مضافا الى النبوة و الرسالة بمقتضى قوله- تعالى- «النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» و قد فوضه (ص) بامر اللّه- تعالى- لعلى- عليه السلام- و بعده لأولاده الكرام، و هم جعلوا هذا المقام في غيبتهم للعلماء باللّه الامناء على حلاله و حرامه.

اذ الحكومة و الولاية من ضروريات حياة البشر فلا يمكن اهمالها في الشريعة الكاملة الباقية، و قد جعل اللّه- تعالى- لهذا المقام و لإدارة شئونه ميزانيات رسمية و منها الخمس و الانفال.

فالخمس عبارة عن حق الامارة و هو باجمعه ثابتة اوّلا و بالذات للّه- تعالى- و في المرتبة المتأخرة للرسول بما انه خليفة اللّه في الحكومة و في طوله للإمام بما انه خليفة الرسول فليس هنا ملكية خاصة و لا تقسيم بل هو حق وحدانى ثابت باجمعه للّه و في طوله للرسول و في طول الرسول للإمام على حسب الطولية في الحكومة، و مثله الانفال أيضا و ليست الامامة حيثية تعليلية حتى يثبت الخمس و الانفال بسبب الامامة لشخص الرسول و الامام بل هى في المقام حيثية تقييدية فيكون الخمس و الانفال لنفس الحيثية كما ترى في الميزانيات الرسمية حيث يقال انها للحكومة و الدولة و نحوهما هذا.

و يشهد لما ذكرنا سياق الآية الشريفة و اخبار كثيرة.

______________________________
(1)- سورة ص، الآية 26.

262
کتاب الخمس و الأنفال

الاقوال في تقسيم الخمس ؛ ص : 253

 

..........

______________________________
اما الآية فاوّلا من جهة انه- تعالى- ادخل لام الاختصاص على اسمه الشريف و على كل من الرسول و ذي القربى دون الثلاثة الاصناف الباقية، و اللام ظاهرة في الاختصاص الكامل و الملكية المستقلة فيظهر من ذلك ثبوت الاختصاص التام لجميع الخمس له- تعالى- مستقلا و لرسوله مستقلا و لذى القربى كذلك و لا محالة يكون ذلك طولية مترتبة، و اما الاصناف الاخر فلا اختصاص لهم و انما هم مصارف محضة فيرتزقون من ميزانية الحكومة لكونهم من بيتها و بهذا يفترقون عن ساير الفقراء حيث انهم يرتزقون من اموال الناس و صدقاتهم.

و ثانيا من جهة ان تقديم ما حقّه التأخير يفيد الحصر فتقديم قوله- تعالى- «لِلّٰهِ» على قوله «خُمُسَهُ» يدلّ على اختصاص جميع الخمس باللّه و لو كان المراد التسهيم لقال فان خمسه للّه و لرسوله فتدبر.

ثم لو فرض ظهور الآية في التقسيم كان مقتضاه التقسيم اثلاثا لا اسداسا فيجعل سهم للّه و سهم لرسوله و سهم لذى القربى و الاصناف الثلاثة التابعة له المسانخة اياه من جهة الانتساب الى النّبيّ هذا.

و اما الاخبار الشاهدة لما ذكرناه من كون الخمس حقا وحدانيا ثابتا لحيثية الامامة و الحكومة فكثيرة نذكر بعضها:

الاوّل: ما رواه السيد المرتضى في المحكم و المتشابه نقلا من تفسير النعمانى باسناده عن على- عليه السلام- قال: و اما ما جاء في القرآن من ذكر معايش الخلق و اسبابها فقد اعلمنا سبحانه ذلك من خمسة اوجه:

وجه الامارة و وجه العمارة و وجه الاجارة و وجه التجارة و وجه الصدقات، فاما وجه الامارة فقوله- تعالى-: و اعلموا انما غنمتم من شي‌ء فان للّه خمسه و للرسول و لذى القربى و اليتامى و المساكين، فجعل للّه خمس الغنائم ... «1» فانظر انه- عليه السلام- سمى الخمس وجه الامارة ثم‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 12.

 

263
کتاب الخمس و الأنفال

الاقوال في تقسيم الخمس ؛ ص : 253

..........

______________________________
صرّح بكونه للّه- تعالى- و ليس المراد مالكيته التكوينية فانها لا تختص بالخمس فالمراد كونه للّه تشريعا و انه المرجع في صرفه باجمعه و لو كان له السدس فقط لم يحسن نسبة الجميع اليه.

الثانى: ما رواه الصدوق في الفقيه باسناده عن السكونى عن جعفر بن محمد عن ابيه عن آبائه- عليهم السلام- قال: قال على- عليه السلام-: الوصية بالخمس لان اللّه- عز و جل- قد رضى لنفسه بالخمس ... «1» و ظهوره في كون جميع الخمس للّه- تعالى- غير خفى.

الثالث: ما رواه الصفار في بصائر الدرجات عن عمران بن موسى عن موسى بن جعفر (ع) قال: قرأت عليه آية الخمس فقال: ما كان للّه فهو لرسوله و ما كان لرسوله فهو لنا ثم قال: و اللّه لقد يسّر اللّه على المؤمنين ارزاقهم بخمسة دراهم جعلوا لربهم واحدا و اكلوا اربعة احلّاء «2» يظهر من الرواية كون جميع الخمس للربّ و كونه للرسول و للأئمة في طوله، هذا.

و الاخبار الدالة على كون الخمس باجمعه للّه- تعالى- المعبّر فيها عنه بخمس اللّه كثيرة من طرق الفريقين يجدها المتتبع في مظانّها.

و احتمال كون الاضافة الى اللّه- تعالى- بلحاظ كون تشريعه من ناحيته- تعالى- خلاف الظاهر.

الرابع: قوله- عليه السلام- في رواية ابن شجاع النيسابورى:

«... لى منه الخمس مما يفضل من مئونته» «3» فاسند- عليه السلام- جميع الخمس الى نفسه.

الخامس: رواية ابى على بن راشد: قلت له: امرتنى بالقيام بامرك و اخذ حقّك فاعلمت مواليك بذلك فقال لى بعضهم: و اى شي‌ء‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 13 الباب 9 من كتاب الوصايا، الحديث 3.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

264
کتاب الخمس و الأنفال

الاقوال في تقسيم الخمس ؛ ص : 253

..........

______________________________
حقّه؟ فلم أدر ما اجيبه، فقال: يجب عليهم الخمس ...
«1» فجعل- عليه السلام- الخمس بتمامه حقا لنفسه.

السادس: قول الرضا- عليه السلام- في تفسير الآية: «الخمس للّه و الرسول و هو لنا» «2». فاسند- عليه السلام- جميع الخمس الى انفسهم.

السابع: قوله- عليه السلام- في آخر مرسلة حماد الطويلة في مقام التعليل لعدم الزكاة في مال الخمس: «و لذلك لم يكن على مال النّبيّ و الوالى زكاة» فجعل جميع الخمس مالا للنبى و الوالى مع كون هذه المرسلة بعينها متعرضة للتقسيم اسداسا فيجب توجيه التقسيم كما يأتي بنحو لا ينافى ذيل الرواية فتأمل.

الثامن: قوله- عليه السلام- في تفسير الآية: «هم قرابة رسول اللّه (ص) و الخمس للّه و للرسول و لنا» «3».

التاسع: صحيحة البزنطى عن الرضا- عليه السلام- قال: سئل عن قول الله عز و جل: و اعلموا انما غنمتم الآية فقيل له: فما كان للّه فلمن هو؟ فقال: لرسول اللّه (ص) و ما كان لرسول اللّه فهو للإمام، فقيل له:

أ فرأيت ان كان صنف من الاصناف اكثر و صنف أقلّ ما يصنع به؟ قال:

ذاك الى الامام أ رأيت رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- كيف يصنع أ ليس انما كان يعطى على ما يرى؟ كذلك الامام «4» فالرواية صريحة في ان مرجع المال هو الامام و انه يقسمه على ما يرى و لا يجب التسهيم و التقسيم اخماسا او اسداسا فتأمل.

العاشر: قوله- عليه السلام- على كل امرئ غنم او اكتسب‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 18.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 5.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 2 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 1.

265
کتاب الخمس و الأنفال

الاقوال في تقسيم الخمس ؛ ص : 253

..........

______________________________
الخمس مما اصاب لفاطمة و لمن يلى امرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس فذاك لهم خاصة يضعونه حيث شاءوا ...
«1». و الظاهر ان فاطمة:- عليها السلام- ذكرت تشريفا لها و المراد بامرها امر الامامة حيث ان انتساب الائمة- عليهم السلام- الى الرسول و كونهم ذوى قرباه كان بواسطة فاطمة و الا فأى امر لفاطمة- عليها السلام- يليها الائمة- عليهم السلام-؟

و بالجملة فظاهر كثير من روايات الخمس و كذا الانفال ان الجميع للإمام- عليه السلام- و الظاهر ان الامامة لو حظت حيثية تقييدية لا تعليلية فالمراد كونهما لنفس مناصب الامامة و الحكومة.

و من جملة الاخبار في باب الانفال قول على- عليه السلام- في ما رواه في المحكم و المتشابه عن النعمانى: «ثم ان للقائم بامور المسلمين بعد ذلك الانفال التى كانت لرسول اللّه ...» «2». بل جميع اخبار التحليل بكثرتها أيضا شاهدة لما ذكرناه اذ يستفاد منها انه- عليه السلام- هو المرجع الوحيد في الخمس و انه له باجمعه و ان الاصناف الثلاثة من باب المصرف.

و يشهد لما ذكرنا أيضا انه- تعالى- جعل الفي‌ء لنفس المصارف المذكورة في آية- الخمس بسياق واحد بلا تفاوت فقال- عز و جل-: «مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ- كَيْ لٰا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيٰاءِ مِنْكُمْ- وَ مٰا آتٰاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مٰا نَهٰاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا، وَ اتَّقُوا اللّٰهَ إِنَّ اللّٰهَ شَدِيدُ الْعِقٰابِ لِلْفُقَرٰاءِ الْمُهٰاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيٰارِهِمْ وَ أَمْوٰالِهِمْ ...» «3».

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 19.

(3)- سورة الحشر. الآية 7، 8.

266
کتاب الخمس و الأنفال

الاقوال في تقسيم الخمس ؛ ص : 253

..........

______________________________
فهو سبحانه ذكر نفسه و الرسول و ذا القربى مع لام الاختصاص و الاصناف الثلاثة بدونها و علّل بان المقصود من هذا التشريع عدم تجمع الاموال عند الاغنياء و عدم تداولهم لها فيما بينهم ثم ذكر بلا فصل من مصارفه فقراء المهاجرين.

و مورد نزول الآية اموال بنى النضير المتحصلة بلا قتال، و يذكر التواريخ و الروايات ان رسول اللّه (ص) قسّمها بين المهاجرين دون الانصار الا ثلاثة او اثنين منهم كانوا فقراء من جهة ان الانصار كانوا متمكنين من ديارهم و اموالهم و المهاجرين قد اخرجوا منها و انت تعلم ان الفي‌ء من الانفال التى حكمنا بكونها للإمام، فيعلم من ذلك كله.

اوّلا: ان الخمس و الانفال كلاهما من اموال الامام بما هو امام اى من اموال الامامة و الحكومة لا من امواله الشخصية و الا فينافى ذلك للتعليل بعدم كون المال ممّا يتداوله الاغنياء.

و ثانيا: ان اموال الحكومة و ان كانت للامة و للمسلمين و لكن زمام اختيارها بيد الامام الحاكم فيصرفها فيما يرى صلاحا.

و ثالثا: ان المراد بالاصناف الثلاثة و ان كان خصوص آل الرسول على ما وردت به الاخبار و لكنهم ذكروا بالخصوص تشريفا و اشعارا بانهم من لواحق الحكومة فيجب ادارة شئونهم من ميزانية الحكومة و لكن لا اختصاص لهم بالمال و لذا صرفه النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- في فقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم و اموالهم و في بعض الانصار.

و الحاصل ان تشابه السياق في آيتى الخمس و الفي‌ء بلا تفاوت مع اختصاص الفي‌ء بالامام و عدم انقسامه ستة اسهم و مع ذكر فقراء المهاجرين من مصارفه يصير شاهدا على ان ذكر العناوين الستة في الآية ليس بلحاظ التسهيم و التقسيم بسهام متساوية بل يكون اختيار المال بيد الامام و هو يصرفه فيما يراه صلاحا.

267
کتاب الخمس و الأنفال

الاقوال في تقسيم الخمس ؛ ص : 253

..........

______________________________
فان قلت: ما ذكرت من كون الخمس و كذا الانفال حقا وحدانيا راجعا الى الامام- عليه السلام- يخالف ما دل من الاخبار المستفيضة على تقسيم الخمس ستة او خمسة اسهم و ان النّبيّ (ص) و كذا الامام يقسمه كذلك، بل المستفاد من مرسلة حماد و مرفوعة احمد بن محمد تقسيم الخمس بسهام متساوية حيث حكم فيهما بعد تقسيمه ستة اسهم بان للإمام نصف الخمس كملا و النصف الباقى بين الاصناف الثلاثة الباقية.

قلت: المرسلة و المرفوعة و ان دلتا بحسب الصدر على التقسيم بالسهام المتساوية و لكن ذكر فيهما بعد ذلك ان الامام يقسم بين الاصناف الثلاثة ما يستغنون به في سنتهم فان فضل شي‌ء كان للوالى و ان نقص كان عليه ان ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به فيعلم من ذلك عدم ثبوت التسهيم بل ذكروا بعنوان المصرفية فقط.

و يشهد لذلك اولا وقوع التعبير بالسهام في مرسلة حماد بالنسبة الى الزكاة أيضا مع ان المصارف الثمانية في باب الزكاة مصارف محضة و لا يتعين فيها التسهيم.

و ثانيا عدّ الخمس باجمعه في آخر مرسلة حماد مالا للنبى و الوالى فراجع. و لعل اصرارهم- عليهم السلام- على التعبير بالسهام كان في مقام الالزام و الجدل حيث ان الفتوى الرائج في عصر موسى بن جعفر (ع) و بعده كان فتوى ابى حنيفة و هو قائل بسقوط حقّ النّبيّ (ص) و حقّ ذي القربى بعد وفات رسول اللّه- صلى الله عليه و آله- فيقسم الخمس عنده ثلاثة اسهم للأصناف الثلاثة و جميع فقهاء العامة و منهم ابو حنيفة يقولون بالتعميم في الاصناف و لا يخصّونها بالسادات فيصير نتيجة ذلك محرومية الائمة- عليهم السلام- و كذا السّادة بل كان هذا مدار عملهم بعد وفات رسول الله (ص) بلا فصل روى عن ابى بكر انه منع بنى هاشم من الخمس و قال: «انما لكم ان يعطى فقيركم و يزوج ايّمكم و يخدم من لا خادم له منكم».

268
کتاب الخمس و الأنفال

الاقوال في تقسيم الخمس ؛ ص : 253

..........

______________________________
و بالجملة العامة باجمعهم يقولون بالتعميم في الاصناف الثلاثة و ابو حنيفة يسقط بعد وفات الرسول سهم الرسول و سهم ذي القربى و فتواه كان مدار العمل في عصر الائمة- عليهم السلام- و انما اشتهر فتوى مالك و الشافعى و احمد بعد الاصطلاح على المذاهب الاربعة في القرون المتأخرة فاراد الائمة- عليهم السلام- اثبات حقهم بقدر الامكان بظاهر الآية على مذاق العامة حيث حكموا بظهورها في التقسيم فليس مرادهم- عليهم السلام- اثبات تعيّن التقسيم بل الجدل و الالزام بقصد حفظ الواقع مهما امكن و بيان انه اذا فرض الاخذ بما تحكمون به من التقسيم كان مقتضاه ثبوت حقّ لنا.

و الحاصل ان مقتضى الجمع بين ما دلّ على كون جميع الخمس حقا للإمام و انه حق الامارة و بين اخبار التقسيم حمل اخبار التقسيم على الجدل و نحوه من المحامل و يشهد لذلك نفس اخبار التقسيم أيضا حيث دلّت على كون الزائد من سهم الاصناف الثلاثة ثابتا لهم- عليهم السلام- و قد افتى بهذا المضمون كثير من اصحابنا فينتفى التقسيم و التسهيم المتساوى.

فان قلت: قوله: «فان فضل عنهم شي‌ء فهو للوالى» يحتمل فيه امران: الاول: كون الزائد من سهم السادة لهم- عليهم السلام- مثل سهم الامام.

الثانى: كون الزائد راجعا اليهم ليحفظوه فيصرف في الازمنة الآتية في نفس السادة و لعل الثانى اظهر حيث وقع نظير هذا التعبير في المرسلة في الزكاة أيضا كما مرّ، و الظاهر ان المراد حفظ الزائد من الزكاة لآتية الفقراء كما انه اذا نقصت الزكاة الفعلية استكملت بالزكوات المذخورة من السنوات السابقة.

قلت: لا نسلّم تعيّن الاحتمال الثانى حتى في باب الزكاة أيضا و لو سلّم تعينه فيها لا نسلّم تعيّنه في باب الخمس كيف و مفروض البحث‌

269
کتاب الخمس و الأنفال

توضيح و تكميل ؛ ص : 270

..........

______________________________
في مرسلة حماد وجود امام مبسوط اليد و رجوع جميع الاموال الشرعية اليه و كونه المتصدّى لتقسيمها و وضعها في مواضعها المقررة، و لا يصح في الحكمة جعل نصف الخمس الثابت في الامور السبعة للفقراء من بنى هاشم مع انه اكثر من الزكاة المجعولة في التسعة اضعافا مضاعفة و الحال ان فقراء بنى هاشم أقلّ من فقراء غيرهم بمراتب فكيف من الاصناف الثمانية التى جعلت مصارف للزكاة كيف و يكفى خمس بلد من البلاد الكبيرة كطهران مثلا لجميع السادة الفقراء فكيف يصح جعل نصف خمس ثروة العالم بكثرتها لهم في الشريعة الاسلامية التى هى اكمل الشرائع و اتمّها.

فيعلم من ذلك كله انه ليس لبنى هاشم بالنسبة الى الخمس ملكية و اختصاص و انما هم مصارف محضة، و الخمس كما قلنا باجمعه حق وحدانى جعل لتأمين شئون الحكومة الاسلامية التى ثبتت اوّلا و بالذات للّه- تعالى- و من قبله للرسول و في المرتبة المتأخرة للإمام و من قبله للفقيه بشرائطه.

و عليك بالتدبّر التام في سياق آيتى الخمس و الفي‌ء و في تعبيرات اخبار الخمس و الانفال و في معنى كلمات الامام و الامامة و الامارة و الوالى و القائم بامور المسلمين و نحوها يظهر لك صحة ما قلناه.

[توضيح و تكميل]

توضيح و تكميل: المعروف بين اصحابنا الامامية وجوب الزكاة في تسعة اصناف و وجوب الخمس في سبعة و ذكروا من السبعة المعادن و ارباح المكاسب بشعبها المتفرقة و لا يخفى كثرة المعادن المستخرجة و عوائدها و كذا ارباح المكاسب بشعبها في جميع الاعصار و لا سيما في هذه الازمان فخمس هذه الاموال و بعبارة اخرى خمس ثروة العالم و عوائدها ثروة عظيمة موفورة لا تحصى بالملايين و ما فوقها.

و اما الاموال الزكوية فهي بنفسها أقلّ من مواضيع الخمس بمراتب، و الزكاة المفروضة عليها أيضا أقلّ من الخمس فانها العشر او نصفه‌

270
کتاب الخمس و الأنفال

توضيح و تكميل ؛ ص : 270

..........

______________________________
او ربعه او ما يقرب من ذلك، و ذكروا ان نصف الخمس في جميع الموارد للفقراء من بنى هاشم لا يشركهم فيه غيرهم، و ذكروا للزكاة مصارف ثمانية منها الفقراء و منها سبل الخير كلها كإحداث المساجد و المعاهد العلمية و المستشفيات و الطرق و القناطر و تهيئة العدّة و العدّة للجهاد و نحو ذلك من المصارف العمومية المتوقفة على صرف ارقام كثيرة من الاموال.

و ذكروا ان زكوات بنى هاشم يجوز صرفها في انفسهم و انما يحرمون من زكوات غيرهم، و انت ترى ان عدد بنى هاشم بالنسبة الى غيرهم في غاية القلة و لا سيما في صدر الإسلام و حين تشريع هذه الاحكام حيث كانوا افرادا معدودة.

فعلى مذاق القوم شرّع نصف الخمس مع كثرته موضوعا و مقدارا للفقراء من بنى هاشم مع قلتهم و لا يشركهم فيه غيرهم و شرّع الزكاة مع قلّتها بالنسبة الى الخمس موضوعا و مقدارا لان يصرف في مصارف ثمانية منها فقراء غير السادة مع كثرتهم اضعافا مضاعفة و مع ذلك يشركهم فقراء السادة في زكاة السادة و في بعض ساير المصارف و لا سيما سبل الخير بسعتها و كثرة شعبها فهل لا يعدّ هذا ظلما و زورا في عالم الجعل و التشريع؟! و لا سيما مع ملاحظة ما تدل عليه اخبار كثيرة و منها مرسلة حماد الطويلة التى نقلناها بطولها من ان اللّه- تعالى- جعل للفقراء في اموال الاغنياء ما يكفيهم و لو لا ذلك لزادهم و انما يؤتون من منع من منعهم حقهم، حيث يستفاد من ذلك ان الجعل و التشريع كان على حساب و ميزان، فعلى هذا يتعين اختيار ما قلناه من ان الخمس حق وحدانى ثابت لحيثية الحكومة الاسلامية المعبّر عنها بالامامة، و للإمام ان يصرفه في مصالح المسلمين و منها ادارة شئون الفقراء، غاية الامر تعيّن ادارة شئون الاصناف الثلاثة من السادة من هذه الميزانية المنسوبة الى الحكومة مستقيما رفعا لشأنهم لأنهم من اهل بيت النبوة و الامامة، و المرء يكرم في بيته و عائلته.

271
کتاب الخمس و الأنفال

توضيح و تكميل ؛ ص : 270

..........

______________________________
و لو ابيت ذلك قلنا ان نشيّد ما ذكرناه بطريق آخر، و ملخصه ان خمس المال المخلوط كما فصّلناه في محله ليس من سنخ خمس الغنائم بل هو من قبيل الصدقات في الاموال التى لا يعرف صاحبها فلا تختص ببنى هاشم. و خمس ارض الذمى أيضا من قبيل الزكوات لا الاخماس فان الخمس لا يتعلق برقبة الارض بل بما يحصل منها. فهو في الحقيقة هو العشر و لكن ضوعف على الذمى مجازاة فراجع ما حررناه في المسألة.

و المعادن و الكنوز و ما في قعر البحار أيضا من الانفال المختصة بالامام و بعبارة اخرى من الاموال العمومية التى زمام اختيارها بيد الامام، فالامام- عليه السلام- بما انه امام و حاكم اجاز للتصرف في هذه الاموال العمومية بازاء اداء الخمس منها فالخمس فيها من قبيل حقّ الاقطاع و التقبيل المجعول من ناحية المالك فلا يرتبط الخمس فيها ببنى هاشم بل هو باجمعه لمنصب الامامة و الحكومة و بعبارة اخرى من الاموال العمومية فيجب ان يصرف في المصالح العمومية.

و اما خمس الارباح فقد عرفت في صدر المسألة انه مع كثرة الابتلاء به مما لم يتداول في عصر النّبيّ (ص) و الائمة المتقدمة (ع) و ليس منه في التواريخ و روايات الفريقين اسم و لا رسم و ليس منه ذكر في اخبار التقسيم و التسهيم اصلا و انما حدث في اعصار الائمة المتأخرة فيقرب جدّا كونه من الميزانيات المرسومة من قبل الائمة المتأخرة- عليهم السلام- لا حساس الاحتياج اليها بعد انقطاع ايديهم من الميزانيات الاسلامية الاصلية و للإمام و الحاكم وضع هذا القبيل من الامور بحسب الاحتياجات الطارية كما كان للنبى لقوله- تعالى-: «النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ». فهذا الخمس أيضا يختص بالامام و لذا عبر عنه في رواياته بما يدل على اختصاصه به كقوله- عليه السلام- في رواية ابن شجاع النيسابورى: «لى منه الخمس مما يفضل من مئونته» و في رواية ابى على بن راشد: «قلت له: امرتنى‌

272
کتاب الخمس و الأنفال

توضيح و تكميل ؛ ص : 270

..........

______________________________
بالقيام بامرك و اخذ حقك الحديث» و غير ذلك من الاخبار فراجع
«1».

و في الحدائق عن المنتقى في مقام الجواب عن الإشكال الواردة على صحيحة ابن مهزيار: احتمال اختصاص هذا الخمس بالامام و استظهاره من بعض اخبار الباب و من جماعة من القدماء.

و في الجواهر عن الكفاية و الذخيرة الميل الى اختصاص الخمس مطلقا بالامام.

و في اواخر الخمس من الجواهر في المسألة الرابعة قال: «بل لو لا وحشة الانفراد عن ظاهر اتفاق الاصحاب لأمكن دعوى ظهور الاخبار في ان الخمس جميعه للإمام و ان كان يجب عليه الانفاق منه على الاصناف الثلاثة الذين هم عياله و لذا لو زاد كان له و لو نقص كان الاتمام عليه من نصيبه و حلّلوا منه من ارادوا».

فتحصل الى هنا ان خمس المال المخلوط و خمس ارض الذّمى ليسا من سنخ ساير الاخماس و لذا لم يتعرض لهما في اكثر الاخبار الحاصرة، و خمس الكنوز و المعادن و الغوص و الارباح أيضا يختص بالامام فيبقى خمس مغانم الحرب للتقسيم و التسهيم بسهام ستة.

و لا يخفى انها تمتاز عن ساير الاموال بوقوعها من اول الامر في اختيار الرسول او الامام بسبب الظفر على الاعداء فلعلّ تأمين شئون السادة منها دون الزكوات و ساير الميزانيات كان لرفع التهمة عنه- صلى اللّه عليه و آله- بان يتوهم الحدثاء في الإسلام ان اصراره (ص) على اخذ الزكوات و ساير الميزانيات الاسلامية يكون لتأمين عائلته و عشيرته فحرمهم منها لذلك، و التعبير بالاوساخ في الزكوات أيضا كان لاشمئزاز عائلته منها و عدم اصرارهم للشركة فيها و الا فاى فرق بين الزكوات و بين الاخماس الماخوذة من الناس و لم صار الاولى اوساخا دون الثانية؟!

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس.

273
کتاب الخمس و الأنفال

توضيح و تكميل ؛ ص : 270

..........

______________________________
اللهم الا ان يفرق بينهما كما قيل بان الزكوات تؤخذ من الناس مستقيما للفقراء و المساكين لجعلها لهم كذلك فلذا سميت اوساخا و اما الاخماس فجعلت اولا و بالذات باجمعها للّه- تعالى- كما بيّناه ثم من ناحيته- تعالى- ينتقل الى الرسول و ذي القربى و ذوى الحاجة من بنى هاشم بتبع انتقال الحكومة منه- تعالى- الى الرسول و ذي القربى ففقراء الناس عيال للناس و فقراء بنى هاشم عائلة اللّه و من شئون الامامة و الحكومة الاسلامية.

نعم يبقى هنا اشكال ربما يتفوّه به و هو ان الميز بين بنى هاشم و غيرهم خلاف ما يقتضيه طبع الإسلام و روحه من المساوات بين الطبقات و العناصر و هدم اساس الامتيازات العنصرية و الشعبية، هذا.

و لكن اكرام الرجل في عشيرته و عائلته امر عرفى يقبله روح الاجتماع و احترام ذرية الرسول (ص) و اقربائه يعدّ احتراما له فاى مانع من ان يجب ادارتهم من الميزانية الموضوعة لإدارة الحكومة الاسلامية من جهة انهم من اغصان شجرة النبوة و الحكومة الالهية و هذا ميز دنيوى و الا فان اكرم الناس عند اللّه أتقاهم.

ثم لا يخفى انا و ان بيّنا اختصاص التقسيم و التسهيم بخصوص خمس الغنائم و لكن بعد اللتيا و التى يمكن ان يورد على ما ذكرناه ان مرسلة حماد الطويلة المتعرضة لتقسيم الخمس ستة اسهم ذكر في صدرها ان الخمس من خمسة اشياء: من الغنائم و الغوص و الكنوز و المعادن و الملاحة، و نحوها مرفوعة احمد بن محمد و كذا ما رواه في المحكم و المتشابه عن تفسير النعمانى عن على- عليه السلام- فيفهم منها جريان التقسيم في جميع هذه الموضوعات لا في خصوص مغانم الحرب و على هذا فالتخلّص عن الاشكالات الموردة مشكل جدّا و عليك بالتأمّل التام. و قد خرجنا في هذه المسألة عن طور الاختصار لأهميتها و كثرة الابتلاء بها و اللّه العالم.

274
کتاب الخمس و الأنفال

توضيح و تكميل ؛ ص : 270

للّه- سبحانه- و سهم للنّبى- صلى الله عليه و آله- و سهم للإمام- عليه السلام-.

و هذه الثلاثة الآن لصاحب الزمان (1)- ارواحنا له الفداء و عجل اللّه تعالى فرجه-

و ثلاثة للأيتام و المساكين و ابناء السبيل (2).

______________________________
(1) كما يقتضيه اخبار المسألة ففى مرسلة حماد الطويلة: «فسهم اللّه و سهم رسول اللّه لأولي الامر من بعد رسول اللّه (ص) وراثة و له ثلاثة اسهم: سهمان وراثة و سهم مقسوم له من اللّه و له نصف الخمس كملا».

و في صحيحة البزنطى عن الرضا- عليه السلام- في تفسير الآية:

«فقيل له فما كان للّه فلمن هو؟ فقال: لرسول الله و ما كان لرسول الله فهو للإمام» و نحوها المرفوعة و مرسلة ابن بكير و غيرهما من الاخبار بل عرفت منا سابقا ان الخمس باجمعه للإمام و لكن عليه تأمين حوائج الذريّة.

و لعل ظاهر تعبير المصنف كون سهم الامام او الخمس ملكا شخصيّا لصاحب الامر- عليه السلام- و كون حيثية الامامة حيثية تعليلية فبسببها يملك بشخصه نصف الخمس او تمامه و لكن قد عرفت منا مرارا ان الظاهر كون الحيثية تقييدية، فالخمس و كذا الانفال ملك لمنصب الحكومة و الامامة.

نعم الحكومة عندنا تكون لصاحب الزمان- عليه السلام- و لكن نصب الفقهاء العدول من قبله لان يتصدوها في عصر الغيبة فهم المرجع في صرف الخمس و ساير الميزانيات الاسلامية و ليست من الاملاك الثابتة لشخصه- عليه السلام- حتى يحفظ له او يحصّل رضاه في صرفه فتدبر.

(2) من الهاشميين على المشهور بين اصحابنا خلافا للعامّة حيث عمموا الاصناف الثلاثة للهاشميين و غيرهم و وافقهم في الجملة ابن الجنيد منّا قال في الخلاف (المسألة 41): «الثلاثة اسهم التى هى لليتامى و المساكين و ابناء السبيل من الخمس يختص بها من كان من آل‌

275
کتاب الخمس و الأنفال

توضيح و تكميل ؛ ص : 270

..........

______________________________
الرسول (ص) دون غيرهم و خالف جميع الفقهاء في ذلك ... دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم».

و في المختلف: «المشهور انّ المراد باليتامى و المساكين و ابن السبيل في آية الخمس من قرابة النّبيّ (ص) من بنى هاشم خاصّة ذهب اليه الشيخان و ابن ابى عقيل و ابو الصلاح و باقى فقهائنا الا ابن الجنيد فانه قال: و اما سهام اليتامى و المساكين و ابن السبيل و هى نصف الخمس فلأهل هذه الصفات من ذوى القربى و غيرهم من المسلمين اذا استغنى عنها ذوو القربى و لا يخرج عن ذوى القربى ما وجد منهم محتاج اليها الى غيرهم».

و كيف كان فاستدلوا للمسألة بعد الاجماع المدعى و الشهرة باخبار مستفيضة ففى مرسل حماد: «و نصف الخمس الباقى بين اهل بيته فسهم ليتاماهم و سهم لمساكينهم و سهم لأبناء سبيلهم»، و في مرفوعة احمد بن محمد: «و النصف لليتامى و المساكين و ابناء السبيل من آل محمد الذين لا تحلّ لهم الصدقة و لا الزكاة عوّضهم اللّه مكان ذلك بالخمس»، و في مرسلة ابن بكير: «و اليتامى يتامى الرسول و المساكين منهم و ابناء السبيل منهم فلا يخرج منهم الى غيرهم» «1»، و مثل ذلك خبر سليم بن قيس عن على (ع) «2»، و المروى في المحكم و المتشابه عن على- عليه السلام-، و خبر محمد بن مسلم عن احدهما و منهال بن عمرو عن على بن الحسين «3»، هذا.

و لكن لا يخفى وجود الضعف في سند بعضها لو لا الجميع، اللهم الا ان يجبر بالشهرة المحققة و الاجماع المنقول.

و كيف كان فالمسألة واضحة بحسب موازين الاستدلال و لكن‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 4، 7.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 12، 13، 20.

276
کتاب الخمس و الأنفال

توضيح و تكميل ؛ ص : 270

..........

______________________________
يبقى الجواب عن الاشكالات السابقة التى حررناها.

و اجمال ذلك انه ربما يستشكل اوّلا: بان الموضوع في آية الخمس و ان كان بحسب اللفظ عاما و لكن موردها غزوة بدر و هى في السنة الثانية من الهجرة و في ذلك الوقت لم يكن لبنى هاشم فيمن اسلم منهم ايتام و مساكين و ابن سبيل يوزّع عليهم الغنيمة و لكن كثرت هذه العناوين في غيرهم من المسلمين و لا سيما في المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم و اموالهم فكيف يراد بالعناوين الثلاثة خصوص بنى هاشم؟! و في رسالة الامام الصادق- عليه السلام- في الغنائم و وجوب الخمس لأهله التى نقلها بطولها في تحف العقول قال في تقسيم غنائم بدر: «فخمس رسول الله (ص) الغنيمة التى قبض بخمسة اسهم فقبض سهم الله لنفسه يحيى به ذكره و يورث بعده و سهما لقرابته من بنى عبد المطلب و انفذ سهما لايتام المسلمين و سهما لمساكينهم و سهما لابن السبيل من المسلمين في غير تجارة «1».

و ثانيا: بان آية الخمس تماثل آية الفي‌ء في الخصوصيات و الالفاظ و ذكر المصارف الستة مع ان الفي‌ء عندنا من الانفال المختصة بالامام فيصرفه فيما يشاء و فيمن يشاء من بنى هاشم و غيرهم و لذا ذكر بعد الآية بلا فصل قوله- تعالى-: «لِلْفُقَرٰاءِ الْمُهٰاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيٰارِهِمْ وَ أَمْوٰالِهِمْ» و موردها اموال بنى النضير و يذكر الروايات و التواريخ ان رسول اللّه- صلى الله عليه و آله- قسّمها بين المهاجرين و ثلاثة او اثنين من الانصار و لم يكن في البين تعين لبنى هاشم.

و العجب من بعض المفسّرين كصاحب مجمع البيان مثلا انه خصّص الاصناف الثلاثة في آية الفي‌ء أيضا ببنى هاشم و فسّرها بهم و نقل اخبار التخصيص هناك.

______________________________
(1)- المستدرك ج 1 الباب 5 من ابواب الانفال.

277
کتاب الخمس و الأنفال

اشتراط الايمان في الاصناف الثلاثة ؛ ص : 278

[اشتراط الايمان في الاصناف الثلاثة]

و يشترط في الثلاثة الاخيرة الايمان (1)

______________________________
و ثالثا: ان المعروف بين اصحابنا وجوب الزكاة في تسعة و وجوب الخمس في سبعة و منها المعادن و الارباح بكثرتها و وفورها، و الواجب في الاموال الزكوية هو العشر او نصفه او ربعه او ما يقرب من ذلك و هذا أقلّ من الخمس بمراتب مع ان فقراء غير السادة و محاويجهم اكثر من السادة اضعافا مضاعفة فكيف شرّع نصف الخمس مع كثرته موضوعا و مقدارا للفقراء من السادة مع قلّتهم بالنسبة و لا يشركهم فيه غيرهم و شرّع الزكاة مع قلتها موضوعا و مقدارا للمصارف الثمانية و منها سبل الخير و المشاريع العامّة بشعبها و فقراء غير السادة بكثرتهم و مع ذلك يشركهم فيها فقراء السادة بالنسبة الى المشاريع العامّة و زكوات السادة؟! فهل لا يعدّ هذا ظلما و زورا في مرتبة الجعل و التشريع؟!

و رابعا: ان تخصيص السادة بالخمس باعتذار ان الزكاة من اوساخ اموال الناس اعتبار للامتيازات العنصرية و النسبيّة المخالفة لروح الإسلام او ليس القرآن الكريم و الاخبار المتواترة المأثورة حاربت هذه الامتيازات؟

ثم اذا فرض اخذ الاموال من الناس من قبل حاكم الإسلام فلم سمى الزكوات اوساخا دون غيرها؟ هذا.

و لكن قد عرفت منّا تأسيس اساس آخر غير ما عليه القوم و به يدفع عمدة الاشكالات الموردة فراجع ما حررناه و تامل فيه تخلص منها.

(1) في الغنية: «و لا بد فيهم من اعتبار الايمان او حكمه و ذلك بدليل الاجماع الماضى ذكره». و في الجواهر: «لا اجد فيه خلافا محققا».

هذا و ربما استدل له بقاعدة الاشتغال، و بان الخمس كرامة لا يستحقها غير المؤمن، و بانه عوض للزكاة المعتبر فيها الايمان بالإجماع و الاخبار المستفيضة بل المتواترة اجمالا، و بقوله- عليه السلام- في رواية ابراهيم الاوسى: «ان اللّه- تعالى- حرّم اموالنا و اموال شيعتنا على عدونا ...» «1».

و يرد على الاول عدم جريانها في قبال عموم الكتاب و السنّة،

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

278
کتاب الخمس و الأنفال

اشتراط الفقر ؛ ص : 279

[اشتراط الفقر]

و في الايتام الفقر (1)

و في ابناء السبيل الحاجة في بلد التسليم (2) و ان كان غنيا في بلده.

______________________________
و على الثانى بان الانتساب الى النّبيّ (ص) يكفى في استحقاق الكرامة، و على الاخير بضعف السند و اشتمالها على ما لا يمكن الالتزام به من جعل الزكاة في الصرر و طرحها في البحر. اللهم الا ان يحمل هذا على نوع من المبالغة.

نعم وضوح الحكم في باب الزكاة بسبب الاجماع و الاخبار الكثيرة «1» و كون الزكاة و الخمس كرضيعى لبان مضافا الى عدم الخلاف في المسألة يكفى في الاستدلال فتدبر و عليك بمراجعة اخبار الباب في الزكاة.

(1) كما هو المشهور و يدل عليه فقرات من مرسلة حماد و مرفوعة احمد بن محمد بل يستفاد منها ان ثبوت الخمس للأصناف الثلاثة بملاك واحد و هو كونهم فقراء آل الرسول (ص) و ان انتسابهم الى النّبيّ- صلى اللّه عليه و آله- صار سببا لمنعهم من الزكاة و جعل الخمس عوضا منها بحيث لو لا انتسابهم اليه- صلى الله عليه و آله- استحقوا من الزكاة.

و المقابلة في الآية الشريفة و الروايات بين اليتامى و بين المساكين ليست لعدم اعتبار الفقر في اليتامى بل لإظهار شدّة العناية بهم هذا.

و لكن في المبسوط و السرائر: «و اليتامى و ابناء السبيل منهم يعطيهم مع الفقر و الغنى لان الظاهر يتناولهم»، و الجواب ما عرفت فتدبر.

(2) يظهر وجهه مما عرفت في اليتامى بل الظاهر ان المستفاد من لفظ «ابن السبيل» كون الشخص منقطعا عن غير السبيل فلا يطلق على واجد الزاد و الراحلة او المتمكن من الاستفادة من امواله الموجودة في بلده بالبيع او الاستقراض بلا تعب و نصب.

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من ابواب المستحقين للزكاة.

279
کتاب الخمس و الأنفال

لا يعتبر في المستحقين العدالة ؛ ص : 280

و لا فرق بين ان يكون سفره في طاعة او معصية (1)

[لا يعتبر في المستحقين العدالة]

و لا يعتبر في المستحقين العدالة (2) و ان كان الاولى ملاحظة المرجّحات.

______________________________
(1) للإطلاق و لكن مقتضى بدلية الخمس عن الزكاة المستفادة من الروايات و المتسالم عليها بين الاصحاب هو اعتبار الطاعة في السفر و قد اعتبرها المصنف أيضا في باب الزكاة لما رواه الشيخ عن على بن ابراهيم في تفسيره عن العالم- عليه السلام- من قوله: «و ابن السبيل ابناء الطريق الذين يكونون في الاسفار في طاعة اللّه فيقطع عليهم و يذهب مالهم»
«1» فالاحوط ان لم يكن اقوى اعتبار عدم كون السفر في معصية.

نعم لو تاب منها و افتقر في رجوعه فلا يبعد جواز اعطائه لا نقلا به طاعة اذ المراد منها عدم المعصية فقط لا خصوص اطاعة الامر المنحصر في الوجوب و الاستحباب.

(2) ينبغى التعرض لحكم المسألة في الزكاة حتى يعرف منه باب الخمس فنقول: قال في الانتصار: «و مما انفردت به الامامية القول بان الزكاة لا تخرج الى الفسّاق و ان كانوا معتقدى الحق و اجاز باقى الفقهاء ان تخرج الى الفساق و اصحاب الكبائر دليلنا على صحة مذهبنا الاجماع المتردد و طريقة الاحتياط و اليقين ببراءة الذّمة».

و في زكاة الغنية: «و يجب ان يعتبر فيمن تدفع الزكاة اليه من الاصناف الثمانية الا الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ و الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا الايمان و العدالة ...

بدليل الاجماع المتكرر».

و في النهاية: «و لا يجوز ان يعطى الزكاة من اهل المعرفة الا اهل الستر و الصلاح فاما الفسّاق و شراب الخمور فلا يجوز ان يعطوا منها شيئا».

و في الخلاف (المسألة 3 من كتاب قسمة الصدقات): «الظاهر من مذهب اصحابنا ان زكاة الاموال لا تعطى الا العدول من اهل الولاية دون الفسّاق منهم و خالف جميع الفقهاء في ذلك و قالوا: اذا اعطى الفاسق‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

280
کتاب الخمس و الأنفال

لا يعتبر في المستحقين العدالة ؛ ص : 280

..........

______________________________
برئت ذمّته و به قال قوم من اصحابنا دليلنا طريقة الاحتياط».

و في المختلف نقل عن الشيخ في المبسوط و الجمل و الاقتصاد و عن ابى الصلاح و ابن حمزة أيضا اعتبار العدالة و عن ابن الجنيد انه لا يجوز اعطاء شارب خمرا و مقيم على كبيرة منها شيئا، انتهى.

و كيف كان فترى ان المشهور بينهم اعتبار العدالة في مستحق الزكاة بل ادعى عليه الاجماع في الانتصار و الغنية و لكن يظهر من عبارة الخلاف نفى اجماع الاصحاب في المسألة.

و على هذا فالاعتماد في المسألة على الاجماع مشكل فلا بد من اقامة الدليل على اعتبار العدالة او اجتناب الكبائر و ليس في اخبارنا ما يدل على اعتبارهما. و عموم لفظ الفقراء و المساكين في الآية و كذا اطلاقات اكثر الروايات المتعرضة لمصرف الزكاة و لا سيما ما ورد منها في جواب الاسئلة بلا استفصال عن تحقق العدالة او اجتناب الكبائر ينفى اعتبارهما و معها لا مجال لقاعدة الشغل و الاحتياط كما في كلام الشيخ و السيّد.

ففى كلام الصادق- عليه السلام- لزرارة: «فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فاعطه دون الناس» «1» و في رواية ابراهيم الاوسى عن الرضا- عليه السلام-: «اذا دفعتها الى شيعتنا فقد دفعتها إلينا»، و في رواية الفضلاء عن ابى جعفر و ابى عبد الله- عليهما السلام-:

«موضع الزكاة اهل الولاية»، و في رواية ضريس قال: «سأل المدائنى ابا جعفر- عليه السلام- فقال: ان لنا زكاة نخرجها من اموالنا ففى من ننفقها؟ فقال في اهل ولايتك»، و في رواية ابن ابى يعفور: «قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام- ما تقول في الزكاة لمن هى؟ قال فقال: هى لأصحابك» «2» و في رواية احمد بن حمزة قال قلت لأبي الحسن- عليه السلام-: رجل من مواليك له قرابة كلهم يقول بك و له زكاة أ يجوز له‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 5 من ابواب المستحقين للزكاة.

281
کتاب الخمس و الأنفال

لا يعتبر في المستحقين العدالة ؛ ص : 280

..........

______________________________
ان يعطيهم جميع زكاته؟ قال نعم
«1» و لا يخفى ان تحقق العدالة في جميع القرابة و لا سيما في النساء و الضعفة بعيد جدّا الى غير ذلك من الروايات التى لا يستفاد منها اعتبار ازيد من الايمان و الولاية، هذا.

و يمكن ان يستدل لاعتبار العدالة او اجتناب الكبائر بامور:

الاول: الاجماع، و قد عرفت منعه.

الثانى: قاعدة الاشتغال، و قد مرّ عدم جريانها في قبال العمومات و الاطلاقات.

الثالث: ما دل من الآيات و الروايات على النهى عن الموادّة لمن يحادّ اللّه و رسوله و التعاون على الاثم و العدوان و الركون الى الظالمين و اعانتهم و لو في مثل بناء المساجد.

و فيه ان البحث في اعتبار خصوص وصف العدالة او اجتناب الكبائر فلا نابى عن المنع اذا فرض انطباق احد العناوين المحرمة مثل التعاون على الاثم و اعانة الظالم و نحوهما فتدبر.

الرابع: رواية ابى خديجة عن أبي عبد اللّه (في تقسيم الزكاة): و ان لم يكن له عيال و كان وحده فليقسّمها في قوم ليس بهم بأس اعفّاء عن المسألة الحديث «2».

و فيه ان عدم البأس اعم من العدالة و لعله لإخراج مثل المخالف او المتجاهر فافهم.

الخامس: رواية محمد بن سنان عن الرضا- عليه السلام- في بيان علة الزكاة: «مع ما فيه من الزيادة و الرأفة و الرحمة لأهل الضعف و العطف على اهل المسكنة و الحثّ لهم على المواساة و تقوية الفقراء و المعونة لهم على امر الدين» «3» و فيه ان المعونة على امر الدين احد مصارف الزكاة‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 15 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 14 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 7.

282
کتاب الخمس و الأنفال

لا يعتبر في المستحقين العدالة ؛ ص : 280

..........

______________________________
و لكن لا يتعين صرفها فيها قطعا مضافا الى ان ذلك غير اعتبار العدالة في الآخذ.

السّادس: ما رواه الشيخ باسناده عن محمد بن عيسى عن داود الصرمى قال: سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا؟ قال: لا «1» و فيه مع اضمار الرواية و عدم العلم بالمسؤول انها تختص بشارب الخمر فقط، و التعدّى منه الى مطلق مرتكبى الكبائر مشكل فضلا عن مطلق الذنوب، و لو سلم فالظاهر دلالتها على حرمان من صار مثل شرب الخمر او غيره من الذنوب امرا عاديا له بحيث يعرف بهذه الصفة لا مطلق من صدر عنه المعصية و لو مرّة في الخفاء، و لعل هذا أيضا مراد ابن الجنيد في العبارة المنقولة عنه في المختلف.

السابع: ما رواه في العلل بسند فيه ارسال عن بشر بن بشار قال:

قلت للرجل يعنى ابا الحسن- عليه السلام-: ما حدّ المؤمن الذى يعطى من الزكاة؟ قال: يعطى المؤمن ثلاثة آلاف ثم قال: او عشرة آلاف و يعطى الفاجر بقدر لان المؤمن ينفقها في طاعة اللّه و الفاجر في معصية اللّه «2».

و لا يخفى ان الرواية تدلّ على عدم اعتبار العدالة و جواز اعطاء الفاجر، نعم يستفاد منها عدم جواز الاعطاء لمن يصرفها في معصية الله، و لعل المنع عن اعطاء شارب الخمر في الرواية السابقة أيضا يكون لذلك حيث ان المعتاد لشرب الخمر يظهر من حاله انه يصرف ما يجده فيما اعتاده كما هو حال ساير المعتادين.

و بذلك يظهر انه لو فرض ان الفاجر اذا اعطى عشرة آلاف من الزكاة تنبّه و جعلها رأس مال للتجارة مثلا و ترك الفجور و العصيان و ان المؤمن لو اعطى عشرة آلاف طغى ان رآه استغنى و صرفها في المصارف‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 17 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 17 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

283
کتاب الخمس و الأنفال

لا يعتبر في المستحقين العدالة ؛ ص : 280

و الاولى ان لا يعطى لمرتكبى الكبائر خصوصا مع التجاهر (1)

______________________________
المحرمة انعكس الامر بمقتضى التعليل.

و كيف كان فليس الفجور و عدم العدالة سببا للحرمان و انما السبب كونه بحيث يصرفها في معصية اللّه و نحن نلتزم بذلك حيث ان دفع الزكاة اليه في هذه الصورة يوجب صدق التعاون على الاثم المحرّم بنصّ القرآن.

و قد تحصّل مما ذكرنا عدم اشتراط العدالة في مستحق الزكاة.

كيف؟! و انها وضعت لسدّ خلة الفقراء و ابناء السبيل و غيرهم من ذوى الحاجات على وجه لو لم يقصّر الناس في ادائها لاستغن‌ى الجميع بها كما هو مقتضى الروايات مع ان العدالة لو كانت شرطا لزم منه حرمان جلّ الفقراء و ابناء السبيل اذ الغالب فيهم عدم الاتصاف بها كما لا يخفى.

نعم لو كان اعطاء الزكاة الى الفاسق اعانة له على فسقه او كان منعه عنها ردعا له عن المعصية لم يجز اعطائه، هذا كله في باب الزكاة.

و اما الخمس فلم يتعرض لاعتبارها فيه من تعرض له في باب الزكاة و لكن الظاهر كونهما من واد واحد و مقتضى بدليته عنها ان يعتبر فيه كلما يعتبر فيها و انما تركوا التعرض لها و لغيرها من الشروط اعتمادا على ما ذكروه في باب الزكاة و قد تبين عدم اعتبار العدالة في باب الزكاة فكذلك الخمس فتدبر.

(1) لا دليل على هذا العنوان نعم قد عرفت في رواية داود الصرمى النهى عن اعطاء الزكاة لشارب الخمر. و المتبادر منه المدمن له و المعتاد به بحيث يعرف بهذا العنوان و يطلق عليه شارب الخمر و لعل المنع من ذلك من جهة ان الغالب فيه صرف ما يجده فيما اعتاده، هذا.

و لكن الاحوط عدم اعطائه له و لا لكل من اعتاد كبيرة اخرى الا اذا رجع و تاب.

و يمكن ان يستدل لذلك بقوله في رواية ابى خديجة: «فليقسّمها في قوم ليس بهم بأس اعفّاء عن المسألة» اذ اىّ باس افضح من كونه‌

284
کتاب الخمس و الأنفال

لا يجب البسط على الاصناف ؛ ص : 285

بل يقوى عدم الجواز اذا كان في الدفع اعانة على الاثم (1) و لا سيّما اذا كان في المنع الردع عنه، و مستضعف كل فرقة ملحق بها (2).

[لا يجب البسط على الاصناف]

(مسألة 2): لا يجب البسط على الاصناف بل يجوز دفع تمامه الى احدهم (3).

______________________________
متجاهرا بالعصيان نعم لو كان اعطائه له موجبا لتنبهه و ردعه امكن القول بالجواز.

(1) لما تضمنه الكتاب و السنة من النهى عن التعاون على الاثم، و لكن في صدق الاعانة بمجرد الاتيان بالمقدمة المشتركة من دون قصد ترتب المعصية عليها اشكال و ليطلب التفصيل من محله.

نعم لو كان في المنع ردع عن المعصية كما اذا توقف العصيان على اعطائه مع الانحصار فيه وجب المنع قطعا اذ يستفاد مما دلّ على وجوب النهى عن المنكر وجوب الحيلولة بينه و بين فاعله باىّ نحو كان.

(2) بل هو منها لصدق اسمها عليه فيشمله حكمها.

(3) كما هو المشهور نقلا و تحصيلا خصوصا بين المتأخرين بل نسب الى الفاضلين و من تأخر عنهما، كذا في الجواهر.

و لكن في الشرائع «هل يجوز ان يخصّ بالخمس طائفة؟ قيل نعم و قيل لا و هو الاحوط».

و عن المبسوط «و الخمس اذا اخذه الامام ينبغى ان يقسمه ستة اقسام ... و على الامام ان يقسم هذه السهام بينهم على قدر كفايتهم و مئونتهم في السنة على الاقتصاد و لا يخصّ فريقا منهم بذلك دون فريق بل يعطي جميعهم على ما ذكرناه من قدر كفايتهم».

و عن ابى الصلاح «يلزم من وجب عليه الخمس اخراج شطره للإمام و الشطر الآخر للمساكين و اليتامى و ابناء السبيل لكل صنف ثلث الشطر».

285
کتاب الخمس و الأنفال

لا يجب البسط على الاصناف ؛ ص : 285

..........

______________________________
و قوّى في الحدائق وجوب البسط و اطال في استضعاف ما نسب الى المشهور و على اى حال فالظاهر عدم كون المسألة من المسائل الاصلية المأثورة و لذا لا تراها معنونة في كتب القدماء المعدّة لنقل تلك المسائل كالمقنع و الهداية و النهاية و نحوها فتحصيل الشهرة بين المتأخرين غير مفيد فضلا عن نقلها.

و استدل لوجوب البسط بظاهر الآية الشريفة و ما مثلها من الاخبار بتقريب ان اللام للملك و العطف بالواو يقتضى التشريك، و ارادة الجنس من اليتامى و المساكين كابن السبيل و كما في الزكاة لتعذر استيعاب الافراد لا يقتضى صرف الآية عن ظاهرها من هذه الجهة بحمل اللام على ارادة بيان محض المصرف فان ارادة الجنس في اليتامى و المساكين لا تنافى وجوب التشريك و التسهيم بين الاصناف كيف؟

و الإجازة صرف مجموع الخمس حتى سهم الامام أيضا فيمن عداه من الاصناف الثلاثة هذا مضافا الى ان البسط يوجب القطع بالفراغ عما اشتغلت به الذمة فيجب هذا.

و استدل للمشهور اولا: بالسيرة المستمرة في جميع الاعصار.

و ثانيا بصحيحة البزنطى عن الرضا (ع) ... أ فرأيت ان كان صنف من الاصناف اكثر و صنف أقلّ ما يصنع به؟ قال: ذاك الى الامام أ رأيت رسول الله (ص) كيف يصنع أ ليس انما كان يعطى على ما يرى كذلك الامام «1».

فان قلت مفاد الصحيحة عدم وجوب التسوية بين الاصناف لا عدم وجوب التسهيم بينهم.

قلت: لو كان مفاد اللام و العطف بالواو هو التشريك كما قالوا لزمه التسوية بين الاسهم الثلاثة او بين الاشخاص فانها مقتضى الشركة‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 1.

286
کتاب الخمس و الأنفال

لا يجب البسط على الاصناف ؛ ص : 285

..........

______________________________
فالرواية تدل على عدم التشريك و ارادة محض المصرفية فتدبر.

و ثالثا: بان الخمس جعلت للأصناف الثلاثة من بنى هاشم عوضا عن الزكاة كما نطقت به الاخبار و لا يجب البسط على الاصناف في باب الزكاة بلا خلاف بين الاصحاب كما دل عليه اخبار كثيرة و منها مرسلة حماد الطويلة السابقة و منها صحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمى او حسنته عن ابى عبد الله (ع) ... كان رسول الله (ص) يقسم صدقة اهل البوادى في اهل البوادى و صدقة اهل الحضر في اهل الحضر و لا يقسمها بينهم بالسوية و انما يقسمها على قدر ما يحضرها منهم و ما يرى و ليس في ذلك شي‌ء موقت موظّف و انما يصنع ذلك بما يرى على قدر من يحضرها منهم «1». هذا.

و التعبير بالسهام الستة في اخبار كثيرة لا يدل على وجوب البسط كما لا يدل التعبير بالسهام الثمانية في باب الزكاة على ذلك اذ المراد بذلك محض المصرف و انها لا تصرف الى غير هذه الاصناف كقوله:

«انما الخلافة لقريش». و حيث اشترطنا في الاصناف الثلاثة الفقر و الاحتياج كما مر في محله صار مرجعها الى مصرف واحد و هم المحتاجون من بنى هاشم فملاك الاستحقاق في الطوائف الثلاث قرابتهم من رسول الله (ص) و احتياجهم في مئونتهم كما نطق بذلك مرسلة حماد الطويلة حيث قال فيها: «و جعل للفقراء قرابة الرسول نصف الخمس فاغناهم به عن صدقات الناس ...».

و ليس لخصوص العناوين الثلاثة دخل في الحكم كما يشهد بذلك عدم وجود ابن السبيل في كثير من الاحيان فلو كان الخمس الواصل بيد من يتولى صرفه اليهم وافيا بمؤونة جميع الفقراء من قرابة الرسول (ص) وجب بسطه على الجميع و اذا تعذر ذلك و لم يف الا بمؤونة‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 38 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

287
کتاب الخمس و الأنفال

لا يجب البسط على الاصناف ؛ ص : 285

..........

______________________________
البعض وجب صرفه في البعض منهم بلا تفاوت بين الاصناف لاتحاد ملاك الاستحقاق، هذا ما قيل في المقام.

و التحقيق في المسألة ان يقال: ان المستفاد من الاخبار كصحيحة البزنطى و كذا المرسلة و المرفوعة السابقتين و غيرهما هو ان الخمس باجمعه يدفع الى الامام و هو يؤمّن حوائج الذريّة منه و يشهد لذلك ما بيناه مرارا و شهد به الاخبار من كون الخمس باجمعه حقا وحدانيا و ميزانية اسلامية و اختياره بيد الحاكم الاسلامى و حيث ان الحكومة الاسلامية و لو ببعض شئونها لا تتعطل في عصر من الاعصار فاختيار الخمس باجمعه بيد الحاكم الاسلامى في جميع الاعصار نعم له ان يجيز لبعض الافراد في بعض الاحيان ايصاله الى مصرفه.

و على هذا فالبحث عن وجوب البسط تارة يرجع الى البحث عن وظيفة الحاكم و اخرى عن وظيفة من اجيز له الايصال بنفسه.

اما في الاول فحيث ان البناء على ايصال جميع الاخماس الى الحاكم فعليه ان يتوجه الى جميع الفقراء من الذريّة مهما امكن و يقسم بينهم ما جمع عنده بقدر ما يستغنون به في سنتهم بقدر الامكان كما هو مفاد مرسلة حماد، و لا يجب البسط على الاصناف في كل خمس يدفع اليه حيث ان ضبط كل خمس يدفع اليه بخصوصه ثم تسهيم نصفه بسهام ثلاث مما يتعسر او يتعذر و يعلم كونه مرغوبا عنه شرعا بعد ما يحصل الغرض بجعل جميع الاخماس في صندوق واحد و توزيعها بين المحتاجين حسب احتياجاتهم.

و بالجملة فعلى الامام او الحاكم رعاية جميع المحتاجين من الذرية و غيرهم بمقدار سعته و سعة نطاق حكومته فحرمان البعض مع احتياجه و التمكن من تموينه يخالف وظيفة الحكومة و لكن تشطير كل خمس بخصوصه أيضا غير واجب عليه قطعا فراجع مرسلة حماد الطويلة‌

288
کتاب الخمس و الأنفال

لا يجب استيعاب افراد كل صنف ؛ ص : 289

[لا يجب استيعاب افراد كل صنف]

و كذا لا يجب استيعاب افراد كل صنف بل يجوز الاقتصار على واحد (1) و لو اراد البسط لا يجب التساوى بين الاصناف او الافراد.

______________________________
و تدبّرها حيث ان محط البحث فيها صورة بسط يد الحاكم و وصول جميع الاخماس اليه، هذا.

و اما من اجيز له الايصال بنفسه فهو تابع لمقدار ما اجيز له من قبل الحاكم و الظاهر ان الحاكم لا يجب عليه الامر بالتشطير بين الاصناف فانها مصارف محضة كما في باب الزكاة حيث عرفت مرارا انهما في اكثر الاحكام كرضيعى لبان.

و نفس تفاوت العناوين في كثرة الافراد و قلتها و في كثرة الوجود و ندرته مما يشهد بعدم تعين التسهيم و التشريك و كون المراد محض المصرفية فتدبر.

(1) في الشرائع «و لا يجب استيعاب كل طائفة بل لو اقتصر من كل طائفة على واحد جاز».

و في المدارك «هذا هو المعروف من مذهب الاصحاب لان المراد من اليتامى و المساكين في الآية الشريفة الجنس كابن السبيل كما في آية الزكاة لا العموم اما لتعذر الاستيعاب او لان الخطاب للجميع بمعنى ان الجميع يجب عليهم الدفع الى جميع المساكين بان يعطى كل بعض بعضا و يدل عليه أيضا ما رواه الشيخ». ثم ذكر صحيحة البزنطى السابقة.

و لا يخفى ان المسألة مثل سابقتها غير معنونة في كتب القدماء من الاصحاب فلا اجماع فيها و لا شهرة قدمائية.

و عمدة ما ذكروه لعدم وجوب الاستيعاب السيرة و صحيحة البزنطى السابقة و حمل اليتامى و المساكين على الجنس و محض المصرفية كابن السبيل و كما في باب الزكاة و تعسر الاستيعاب بل تعذره في الاغلب‌

289
کتاب الخمس و الأنفال

مستحق الخمس من انتسب الى هاشم بالابوة ؛ ص : 290

[مستحق الخمس من انتسب الى هاشم بالابوّة]

(مسألة 3): مستحق الخمس من انتسب الى هاشم بالابوّة فان انتسب اليه بالامّ لم يحلّ له الخمس (1) و تحلّ له الزكاة.

______________________________
للأغلب لقلة المال و كثرة الذريّة و انتشارهم في البلاد.

و التحقيق ما ذكرناه في المسألة السابقة من التفصيل بين وظيفة الامام و وظيفة من اجيز له الايصال بنفسه.

و الاحوط لمن اجيز له ذلك رعاية الاهم فالاهم و رعاية من حضر البلد مع سعة المال و امكان البسط و اما استيعاب جميع الافراد فغير واجب عليه قطعا فتدبر.

(1) كما نسب الى المشهور بل الى عامة اصحابنا عدا المرتضى (ره) و في المختلف نسبه الى المبسوط و النهاية ثم قال: «و اختاره ابن ادريس و ابن حمزة و ذهب السيد المرتضى الى ان ابن البنت ابن حقيقة و من اوصى بمال لولد فاطمة دخل فيه اولاد بنيها و اولاد بناتها حقيقة ...

و الاقرب الاول، لنا انه انما يصدق الانتساب حقيقة اذا كان من جهة الاب عرفا فلا يقال تميمى الا لمن انتسب الى تميم بالاب و لا حارثى الا لمن انتسب الى حارث بالاب و يؤيده قول الشاعر:

بنونا بنو ابنائنا و بناتنا- بنوهن ابناء الرجال الأباعد.

و ما رواه حماد بن عيسى قال رواه بعض اصحابنا عن العبد الصالح ابى الحسن الاول (ع): و من كانت امه من بنى هاشم و ابوه من ساير قريش فان الصدقة تحلّ له و ليس له من الخمس شي‌ء لان اللّه يقول:

ادعوهم لآبائهم، و لأنه احوط.

احتج السيد المرتضى بان الاصل في الاطلاق الحقيقة و قد ثبت اطلاق الاسم في قوله (ص) في الحسن و الحسين (ع): هذان ابناى امامان قاما او قعدا»، هذا.

و يلوح من هذه العبارة ان نسبة الخلاف الى السيد- قدس سره- كانت من جهة قوله بان ابن البنت ابن حقيقة لا من جهة عنوانه لنفس هذه‌

290
کتاب الخمس و الأنفال

مستحق الخمس من انتسب الى هاشم بالابوة ؛ ص : 290

..........

______________________________
المسألة بخصوصها.

و كيف كان فعمدة الدليل في المسألة امر ان ذكرهما العلامة:

الاول: مرسلة حماد و لا يضر الارسال بعد نقل المشايخ لها و كون المرسل اعنى حماد من اصحاب الاجماع و كون الرواية معمولا بها عند الاصحاب في الابواب المختلفة و منها المقام.

نعم ربما يوهن الاستدلال اشتمالها على التعليل بقوله- تعالى-: «ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ» مع كون المراد به امرا آخر لا يرتبط بالمقام فتدبر.

الثانى: ان المناط هو الانتساب الى هاشم و الموضوع للحكم هو عنوان الهاشمى كما يشهد بذلك قول الصادق (ع) في موثقة زرارة «لو كان العدل ما احتاج هاشمى و لا مطلبى الى صدقة». و لفظ بنى هاشم أيضا لم يلحظ فيه المعنى الاضافى ليكون تابعا لصدق الابن على ابن البنت و عدمه بل المعنى الاسمى كبنى تميم و بنى اسد و نحوهما فالمراد به القبيلة و العشيرة الخاصة و انما تمتاز العشائر و القبائل بالآباء لا بالامهات فمن كان ابوه من بنى تميم و امه من بنى اسد مثلا يقال له تميمى لا اسدى و لا أقلّ من انصرافه عنه عند الاطلاق.

و لذا ترى كثيرا ممن قال بصدق الابن حقيقة على ابن البنت في باب المواريث و الوقف كالشيخ في الخلاف و ابن زهرة و الحلّى و الشهيدين على ما حكى عنهم اختاروا هنا اختصاص الخمس بمن انتسب بالاب.

بل الظاهر ان نظر الباحثين في باب المواريث و الوقف عن كون ولد الولد ولدا حقيقة الى انّ صدق عنوان الولد و الابن هل يقدح فيه الواسطة أم لا من غير فرق في ذلك بين ابن الابن و ابن البنت، و الخلاف هنا في ان الانتساب بسبب الامّ هل يكفى أم لا مع وضوح كفاية الانتساب و لو بالوسائط فلا يرتبط ما ذكروه في المواريث و الوقف بالمقام.

291
کتاب الخمس و الأنفال

مستحق الخمس من انتسب الى هاشم بالابوة ؛ ص : 290

..........

______________________________
و بالجملة النزاع في المقام في كفاية الانتساب بسبب الام و عدمها بعد وضوح عدم قدح الواسطة و هناك في قدح الواسطة و عدمه في صدق العنوان حقيقة فتدبر.

فان قلت: يظهر من بعض الاخبار ان موضوع الحكم في المقام آل محمد او اهل بيته او قرابته او ذريته او نحو ذلك من العناوين الصادقة على المنتسبين بالام قطعا.

قلت من المقطوع به كما يستفاد من الاخبار ان موضوع الخمس من تحرم عليه الصدقة، و الموضوع لذلك جميع بنى هاشم و ان كان عباسيا او حارثيا او لهبيا كما ثبت في محله فلعل ذكر الآل او الاهل او الذرية من جهة ارادة الاهتمام بشأنهم من بين بنى هاشم و الا فالموضوع الاصلى هو عنوان الهاشمى و ما يرادفه كبنى هاشم، هذا.

و في الحدائق ما ملخصه: «المشهور بين الاصحاب (رض) انه يعتبر في الطوائف الثلاث انتسابهم الى هاشم بالابوة و ذهب السيد المرتضى (رض) الى انه يكفى في الاستحقاق الانتساب بالامّ و منشأ هذا الخلاف ان اولاد البنت اولاد حقيقة او مجازا فالمرتضى و من تبعه على الاول و المشهور الثانى» ثم نقل عن جماعة موافقة السيد في ذلك ثم قال:

«و انت خبير بان جملة من هؤلاء المذكورين و ان لم يصرحوا في مسألة الخمس بما نقلناه عن السيد المرتضى الا انهم في مسائل الميراث و الوقف و نحوها لما صرحوا بان ولد البنت ولد حقيقة اقتضى ذلك اجراء حكم الولد الحقيقى عليه في جميع الاحكام التى من جملتها جواز اخذ الخمس و تحريم اخذ الزكاة و مسائل الميراث و الوقوف و نحوها لان مبنى ذلك كله على كون المنتسب بالام ابنا حقيقيا فكل من حكم بكونه ابنا حقيقيا يلزمه ان يجرى عليه هذه الاحكام بل الخلاف المنقول هنا عن السيد انما بنوا فيه على ما ذكره في مسائل الميراث و الوقوف و نحوها من حكمه بان ابن البنت ابن حقيقة».

292
کتاب الخمس و الأنفال

مستحق الخمس من انتسب الى هاشم بالابوة ؛ ص : 290

..........

______________________________
ثم نقل جملة من عبارات القوم في المواريث و الوقف ثم قال:

«و الظاهر عندى هو مذهب السيد».

و استدل عليه بالآيات الواردة في باب النكاح و المواريث المذكور فيها الولد او الابن او البنت او الاب او الام المنطبقة على ولد الابن و ولد البنت و كذا الجد و الجدة للأب و الام بلا خلاف و كذا الاخبار الكثيرة المتعرضة لكون الحسنين و الائمة (ع) من ابناء رسول اللّه (ص) و ذريته و انتسابهم اليه و افتخارهم بذلك و الاحتجاج لذلك بالآيات القرآنية و اصرّ على كون الاطلاق بنحو الحقيقة لعدم كون الاطلاق المجازى مما ينكره المخالفون و عدم كونه سببا للافتخار.

و استدل أيضا بالاخبار المتضمنة لكون الخمس لآل محمد او ذريته او عترته او ذوى قرابته او اهل بيته من الالفاظ التى لا تناكر في دخول المنتسب بالام فيها.

و اجاب عما ذكر من كون الملاك في الانتساب هو الاب فقط بدلالة جملة من الاخبار على صحة نسبتهم- عليهم السلام- بل جميع الذرية اليه (ص) بان يقال: «محمدىّ» كما يقال: «علوىّ» كقول ابى جعفر (ع) في رواية عبد الرحيم القصير: «و الله يا عبد الرحيم ما لمحمدى فيها نصيب غيرنا» و قوله (ع) في خبر آخر: «اللّه بيننا و بين من هتك سرّنا و جحدنا حقنا و افشى سرّنا و نسبنا الى غير جدّنا».

و اجاب عما في مرسلة حماد في المقام اولا بموافقته لأهل الخلاف و الرشد في خلافهم و ثانيا بمخالفته للكتاب و الاخبار الكثيرة و قال في ضمن بعض كلامه: «ان وجه المخالفة في هذه الرواية الموجب لطرحها ناشئ من امرين احدهما دلالتها على نفى الابنية عن ولد البنت و قد عرفت من الآيات و الروايات المتقدمة ثبوتها و ثانيهما ان المستفاد مما قدمناه من الاخبار ان من انتسب اليه (ص) بامّه فهو من آله و كل من كان من آله حرمت عليه الصدقة» هذا.

293
کتاب الخمس و الأنفال

لا فرق بين ان يكون علويا او عقيليا او عباسيا ؛ ص : 294

[لا فرق بين ان يكون علويّا او عقيليّا او عباسيّا]

و لا فرق بين ان يكون علويّا او عقيليّا او عباسيّا (1) و ينبغى

______________________________
اقول: قد عرفت ان صدق الابن على ابن البنت حقيقة لا يلازم استحاقه للخمس في المقام و ان محطّ البحث في باب المواريث و الوقوف غير محط البحث في المقام، و مرسلة حماد مما اشتهر العمل بها في المقام حتى من قبل من اصر على كون ولد البنت ولدا حقيقة فتكون مشمولة لقوله (ع) «خذ بما اشتهر بين اصحابك» و عنوان بنى هاشم و الهاشمى ينصرف قطعا عن المنتسب بالام.

كيف و لو كان الانتساب الى بنى هاشم من قبل الام موجبا لحرمة الصدقة و اباحة الخمس لاشتهر ذلك من الصدر الاوّل و استقرت السيرة عملا على ضبط النسبة و حفظها و اعطاء الخمس اليهم كما جرى العادة على ضبطها من طرف الاب و كان لذلك دفاتر مخصوصة و نقباء مخصوصون.

مع ان الانتساب بالام لو كان يكفى لكفى و لو كان بوسائط، فمن كان احدى جدّاته العالية و لو في المرتبة العاشرة فما فوقها من بنى هاشم كان مستحقا للخمس و محروما من الزكاة.

و هذا يستلزم كون اكثر المسلمين من مصارف الخمس اذ قلما يوجد رجل لم يكن احدى جداته العالية و لو في مرتبة العشرين مثلا من بنى هاشم و مع الشك أيضا يجب حرمانه عن الزكاة و الخمس معا للعلم الإجمالي بحرمانه عن احدهما و لا يظن بصاحب الحدائق الالتزام بذلك اللهم الا ان يجرى استصحاب عدم الانتساب فتدبر.

(1) يظهر من التواريخ ان ولد هاشم كان منحصرا في عبد المطلب و اولاد عبد المطلب و ان كانوا عشرة او احد عشر او اثنى عشر و لكن من بقى نسله منهم اربعة: ابو طالب و العباس و الحارث و ابو لهب، و بذلك يظهر الاشكال على المتن حيث اقتصر على ما ذكر.

و في الجواهر «لا خلاف في استحقاق الجميع الخمس بل الاجماع محصل و منقول عليه».

294
کتاب الخمس و الأنفال

تقديم الاتم علقة بالنبى(ص) على غيره ؛ ص : 295

[تقديم الاتم علقة بالنبىّ (ص) على غيره]

تقديم الاتم علقة بالنبىّ (ص) على غيره او توفيره كالفاطميين (1).

[لا يصدق من ادّعى النسب الّا بالبينة]

(مسألة 4): لا يصدق من ادّعى النسب (2) الّا بالبينة او الشياع المفيد للعلم (3)

______________________________
و يدل عليه الاخبار الكثيرة التى علّق فيها استحقاق الخمس و الحرمان من الزكاة على عنوان الهاشمى او بنى هاشم، و صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) «لا تحل الصدقة لولد العباس و لا لنظرائهم من بنى هاشم» تدل على المطلوب بضميمة ما دل من النص و الاجماع على التلازم بين استحقاق الخمس و الحرمان من الصدقة.

و اما ما في بعض الاخبار من كون الخمس لذرية النّبيّ (ص) او آله او اهل بيته او لفاطمة و ذريتها فيحمل على ارادة الاهتمام بشأنهم او الاشعار بكونهم سببا اصليا للتشريع فتدبر.

(1) عن الدروس «و ينبغى توفير الطالبيين على غيرهم و ولد فاطمة (ع) على الباقين» و عن كشف الغطاء: «ليس بالبعيد تقديم الرضوى ثم الموسوى ثم الحسينى و الحسنى و تقديم كل من كانت علاقته بالأئمة اكثر»، لكن لا يخفى ان ما ذكراه انما يصح على فرض عدم تحقق مرجح آخر اهمّ.

(2) لأصالة عدم الحجية و في الجواهر عن كشف الغطاء انه يصدّق ان لم يكن متّهما كمدعى الفقر.

و فيه اولا انه مع الفارق لكون المقيس عليه مطابقا للأصل في الاغلب.

و ثانيا منع الحكم في المقيس عليه أيضا و ان ادعى افتاء المشهور به و استقرار السيرة عليه و استفادته من بعض الاخبار و محل البحث عنه كتاب الزكاة.

(3) بل يكفى الوثوق كما في الفقر و يشهد له مضافا الى وضوحه مرسلة يونس عن بعض رجاله عن ابى عبد اللّه- عليه السلام- قال: سألته‌

295
کتاب الخمس و الأنفال

الاحتيال في الدفع الى مجهول الحال ؛ ص : 296

و يكفى الشياع و الاشتهار في بلده (1)

[الاحتيال في الدفع الى مجهول الحال]

نعم يمكن الاحتيال (2) في الدفع الى مجهول الحال بعد معرفة

______________________________
عن البينة اذا اقيمت على الحق أ يحلّ للقاضى ان يقضى بقول البينة اذا لم يعرفهم من غير مسألة فقال: خمسة اشياء يجب على الناس ان يأخذوا فيها بظاهر الحكم: الولايات و التناكح و المواريث و الذبائح و الشهادات فاذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته و لا يسأل عن باطنة، و رواه الصدوق نحوه و ذكر الانساب مكان المواريث و رواه الشيخ الا انه قال:

بظاهر الحال «1».

(1) ظاهر العبارة حجية الشياع و الشهرة في البلد موضوعا و ان لم يفد العلم و لا الوثوق و ليس ببعيد دعوى ذلك في الانساب و الاوقاف و نحوها لاستقرار السيرة على ذلك عملا و لو لا ذلك اشكل اثبات الانساب و الاوقاف و نحوها بالبينة او العلم و صار ذلك سببا لحرمان اكثر السادة من الخمس اذ تحصيل العلم و الوثوق الشخصى او اقامة البينة على اتصال نسب كل واحد منهم الى هاشم في هذه الاعصار مع كثرة الوسائط و عدم حفظ الانساب غير ميسور و لو ابيت فالظاهر كفاية الظن للانسداد الصغير.

(2) كما في الجواهر و علله بان المدار في ثبوت الموضوع على علم الوكيل دون الموكل ما لم يعلم الخلاف.

ثم قال: «لكن الانصاف انه لا يخلو من تأمل».

اقول لعل وجهه ان الوكيل لا استقلال له بل هو وجود تنزيلى للموكل فالمدار علمه لا علم الوكيل فلذا لا يكفى مع العلم بالخلاف قطعا، هذا.

و لكن الظاهر كفاية علم الوكيل ما لم يعلم الخلاف بعد جواز التوكيل و كون الوكيل ثقة اذ حصول العلم و الوثوق الشخصى للموكل في كل مورد يصرفه الوكيل غير ميسور، و اطلاق ما دل على جواز التوكيل و منها‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 18 الباب 22 من ابواب كيفية الحكم، الحديث 1.

296
کتاب الخمس و الأنفال

حكم الدفع الى واجب النفقة ؛ ص : 297

عدالته (1) بالتوكيل على الايصال الى مستحقه على وجه يندرج فيه الاخذ لنفسه أيضا و لكن الاولى بل الاحوط عدم الاحتيال المذكور.

[حكم الدفع الى واجب النفقة]

(مسألة 5): في جواز دفع الخمس الى من يجب عليه نفقته اشكال خصوصا في الزوجة فالاحوط (2) عدم دفع خمسه اليهم بمعنى الانفاق عليهم (3) محتسبا مما عليه من الخمس اما دفعه اليهم لغير النفقة الواجبة مما يحتاجون اليه مما لا يكون واجبا عليه كنفقة من يعولون و نحو ذلك فلا بأس به كما لا بأس بدفع خمس غيره اليهم و لو للإنفاق مع فقره حتى الزوجة اذا لم يقدر على انفاقها.

______________________________
الخبر الآتى ينفى اشتراط علم الموكل.

(1) بل يكفى كونه ثقة و يدل عليه اخبار منها ما رواه شهاب بن عبد ربه قال: قلت لأبي عبد الله (ع): انى اذا وجبت زكاتى اخرجتها فادفعها منها الى من اثق به يقسمها قال: نعم لا بأس بذلك اما انه احد المعطين. «1».

(2) بل الاقوى كما جزم به الشيخ في خمسه لعموم التعليل الوارد في نصوص عدم جواز دفع الزكاة اليهم ففى صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى عبد الله (ع) قال: «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الاب و الام و الولد و المملوك و المرأة و ذلك انهم عياله لازمون له». و في حديث العلل عن ابى عبد الله (ع) انه قال: «خمسة لا يعطون من الزكاة: الولد و الوالدان و المرأة و المملوك، لأنه يجبر على النفقة عليهم» «2».

و لما يستفاد من النصوص و الفتاوى من بدلية الخمس عن الزكاة و كونهما كرضيعى لبان لا يفترقان الا في المستحق، و حكم بقية المسألة يعلم بالمراجعة الى باب الزكاة.

(3) و كذا التمليك لهم لنفقة انفسهم.

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 35 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 13 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 4.

297
کتاب الخمس و الأنفال

حكم دفع الازيد من مئونة سنة ؛ ص : 298

[حكم دفع الازيد من مئونة سنة]

(مسألة 6): لا يجوز دفع الزائد على مئونة السنة لمستحق واحد و لو دفعة على الاحوط (1).

[حكم الخمس في عصر الغيبة]

(مسألة 7): النصف من الخمس الذى للإمام- عليه السلام- امره في زمان الغيبة راجع الى نائبه و هو المجتهد الجامع للشرائط (2) فلا بد من الايصال اليه او الدفع الى المستحقين باذنه.

______________________________
(1) كما عن الدروس و المسالك و قواه في الجواهر بل قال:

«لا اجد فيه خلافا» و لعله لما دل عليه المرسلة و المرفوعة من ان الوالى يقسم بينهم على الكفاف و السعة ما يستغنون به في سنتهم فان فضل عنهم شي‌ء كان له، هذا.

و لكن استشكل على ذلك الشيخ «ره» في خمسه بان محط النظر في المرسلة و المرفوعة صورة كون الامام مبسوط اليد و اجتماع جميع الاخماس لديه فلعله حينئذ يقتصر على الكفاية لئلا يحصل الاعواز و يدخل النقص على بعض المستحقين فيكون حيفا عليهم و لذا صرّح في المرسلة بتقسيم الزكاة أيضا كذلك فلا يتعدى الحكم الى غير الامام و لذا صرّح في المناهل بتقوية جواز الاعطاء فوق الكفاية انتهى.

اقول: العمدة في المنع كما قيل عدم ثبوت اطلاق يقتضى جواز الاعطاء زائدا على مئونة السنة و لعل صاحب المناهل الحق المقام بباب الزكاة مع ان الحكم فيها أيضا محل تامّل.

و الذى يسهّل الخطب ان الاقوى كما سيجي‌ء ان في زمان الغيبة أيضا يكون اختيار جميع الخمس بيد الحاكم و يجب عليه ان يراعى جميع المحتاجين بقدر وسعه و سعة نطاق حكومته فليس الحكم في المرسلة و المرفوعة مخصوصا بامام الاصل بل يشمل كل حاكم بالحق فتدبر‌

(2) قال الشيخ الطوسى (ره) في النهاية: فاما في حال الغيبة فقد رخصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم مما يتعلق بالاخماس و غيرها فيما لا بدّلهم منه من المناكح و المتاجر و المساكن فاما ما عدا ذلك فلا يجوز له‌

298
کتاب الخمس و الأنفال

حكم الخمس في عصر الغيبة ؛ ص : 298

..........

______________________________
التصرف فيه على حال و ما يستحقونه من الاخماس في الكنوز و غيرها في حال الغيبة فقد اختلف قول اصحابنا فيه و ليس فيه نص معين الا ان كل واحد منهم قال قولا يقتضيه الاحتياط فقال بعضهم، انه في حال الاستتار جار مجرى ما يبيح لنا من المناكح و المتاجر. و قال قوم: انه يجب حفظه ما دام الانسان حيّا فاذا حضرته الوفاة وصّى به الى من يثق به من اخوانه المؤمنين ليسلّمه الى صاحب الامر- عليه الصلاة و السلام- اذا ظهر و يوصى به هو حسب ما اوصى به اليه الى ان يصل الى صاحب الامر. و قال قوم:

يجب دفنه لان الارضين تخرج كنوزها عند قيام القائم. و قال قوم: يجب ان يقسم الخمس ستة اقسام فثلاثة اقسام للإمام يدفن او يودع عند من يوثق بامانته و الثلاثة الاقسام الاخر تفرق على مستحقه من ايتام آل محمد و مساكينهم و ابناء سبيلهم و هذا مما ينبغى ان يكون العمل عليه ... و لو ان انسانا استعمل الاحتياط و عمل على احد الاقوال المتقدم ذكرها من الدفن او الوصاية لم يكن مأثوما فامّا التصرف فيه على ما تضمّنه القول الاول، فهو ضد الاحتياط و الاولى اجتنابه حسب ما قدّمناه» انتهى كلام النهاية.

و الغرض من نقله بطوله ان يظهر لك كون المسألة اختلافية عند القدماء أيضا و انه لا اجماع فيها و لا شهرة فيجب ان يعمل فيها بما تقتضيه القواعد.

و قد صرح بالاختلاف في المقنعة أيضا فقال: «قد اختلف اصحابنا في حديث الخمس عند الغيبة و ذهب كل فريق منهم فيه الى مقال ...»‌

و قد انهى الاقوال في الحدائق الى اربعة عشر:

الاول: عزله جميعا و الوصية به من ثقة الى آخر الى وقت ظهوره- عليه السلام- و اليه ذهب المفيد في المقنعة و استدل عليه بان الخمس حق وجب لصاحبه لم يرسم فيه قبل غيبته فوجب حفظه الى وقت ايابه و يجرى ذلك مجرى الزكاة التى يعدم عند حلولها مستحقها فلا يجب عند‌

299
کتاب الخمس و الأنفال

حكم الخمس في عصر الغيبة ؛ ص : 298

..........

______________________________
عدم ذلك سقوطها بل يجب حفظها بالنفس او الوصية الى من يقوم بايصالها الى مستحقها (ثم قال): «و ان ذهب ذاهب الى ما ذكرناه في شطر الخمس الذى هو خالص للإمام (ع) و جعل الشطر الآخر لأيتام آل محمد (ص) و ابناء سبيلهم و مساكينهم على ما جاء في القرآن لم يبعد اصابته الحق في ذلك بل كان على صواب».

الثانى: القول بالتحليل و سقوطه مطلقا نسبه في المختلف الى سلار و في الحدائق الى الفاضل الخراسانى و شيخه المحدث الصالح البحرانى و جملة من المعاصرين.

اقول: الدقة في عبارة المراسم توجب الاطمينان بعدم كونه قائلا بالتحليل في باب الخمس قال فيها: و الانفال له أيضا و هى كل ارض فتحت ... فليس لأحد ان يتصرف في شي‌ء من ذلك الا باذنه فمن تصرف فيه باذنه فله اربعة اخماس المستفاد منها و للإمام الخمس و في هذا الزمان فقد احلّونا مما يتصرف فيه من ذلك كرما و فضلا لنا خاصة».

و انت ترى ان كلامه- قدس سره- في حكم الانفال لا الخمس فذكر اوّلا ان التصرف في الانفال لا يجوز الا باذنه- عليه السلام- و يترتب عليه بعد التصرف المأذون فيه حكم الخمس و حيث كان يوهم ذلك انه لا يجوز لنا التصرف في الانفال في زمان الغيبة لعدم الاذن فيه ذكر ثانيا انهم (ع) احلّونا في هذا الزمان التصرف فيه كرما و هذا لا يدل على رفع حكم الخمس المترتب عليه.

الثالث: القول بدفنه جميعا نقله في المقنعة و النهاية عن بعض الاصحاب استنادا الى الخبر المذكور في المقنعة من ان الارض تظهر كنوزها عند ظهور الامام (ع) و انه اذا قام دلّه اللّه على الكنوز فيأخذها من كل مكان.

الرابع: دفع النصف الى الاصناف الثلاثة و اما حقه- عليه السلام- فيودع او يدفن و هو مذهب الشيخ في النهاية.

300
کتاب الخمس و الأنفال

حكم الخمس في عصر الغيبة ؛ ص : 298

..........

______________________________
الخامس: كسابقه بالنسبة الى حصة الاصناف و صرفها عليهم و اما حقه (ع) فيجب حفظه الى ان يوصل اليه و هو مذهب ابى الصلاح و ابن البراج و ابن ادريس و استحسنه العلامة في المنتهى و اختاره في المختلف.

و شدّد ابو الصلاح في المنع من التصرف في ذلك فقال ما حاصله: «فان اخل المكلف بما يجب عليه من الخمس و الانفال كان عاصيا للّه سبحانه و مستحقا لعاجل اللعن و آجل العقاب و لا رخصة في ذلك بما ورد من الحديث فيها لان فرض الخمس و الانفال ثابت بنص القران و الاجماع من الامة و لإجماع آل محمد (ع) على ثبوته و كيفية استحقاقه و حمله اليهم و قبضهم اياه و مدح مؤديه و ذم المخل به و لا يجوز الرجوع عن هذا بشاذ الاخبار».

السادس: دفع حصة الاصناف اليهم و كذا حصته- عليه السلام- تتميما لهم، استقر به في المختلف و نقله عن جملة من علمائنا و هو اختيار المحقق في الشرائع و المشهور بين المتأخرين من اصحابنا.

و استدل عليه في المختلف بالاحاديث الدالة على اباحة البعض للشيعة حال حضورهم فانها تقتضى اولوية اباحة انسابهم (ع) مع الحاجة حال غيبة الامام لاستغنائه و احتياجهم و لما سبق من ان حصتهم لو قصرت عن حاجتهم لكان على الامام الاتمام من نصيبه حال ظهوره فان وجوب هذا حال ظهوره يقتضى وجوبه حال غيبته (ع) فان الواجب من الحقوق لا يسقط بغيبة من عليه الحق.

اقول: عمدة دليلهم للتتميم المرسلة و المرفوعة المتقدمتان و قد عرفت ان محط النظر فيهما صورة بسط يد الامام و اجتماع جميع الاخماس لديه و قد تضمن المرسلة نحو ذلك في قسمة الزكاة أيضا و ان عليه الاتمام مع اعوازها فشمولها لعصر الغيبة و عدم بسط اليد مشكل، كيف! و الواجب عليه كان هو التتميم بما انه حاكم و مرجع للوجوه الشرعية و الناس عياله‌

301
کتاب الخمس و الأنفال

حكم الخمس في عصر الغيبة ؛ ص : 298

..........

______________________________
و لم يكن واجبا على شخصه (ع) حتى لا يسقط و لو لم يكن متصديا للحكومة في الظاهر، و لو سلّم لوجب التتميم بالنسبة الى غير السادة أيضا فتدبر.

السابع: صرف النصف الى الاصناف الثلاثة و اما حصته (ع) فيجب ايصالها مع الامكان و الا فتصرف الى الاصناف و مع تعذر الايصال و عدم حاجة الاصناف تباح للشيعة و هو اختيار صاحب الوسائل.

الثامن: صرف حصة الاصناف اليهم و اباحة حصته- عليه السلام- للشيعة و هو ظاهر المدارك و المحدث الكاشانى في الوافي و المفاتيح و استقر به في الحدائق.

التاسع: صرف حصة الاصناف اليهم و صرف حصته- عليه السلام- في مواليه العارفين و هو اختيار ابن حمزة قال في الوسيلة:

«و الصحيح عندى انه يقسم نصيبه على مواليه العارفين بحقه من اهل الفقر و الصلاح و السداد».

و لعله لما في مرسلة حماد من ان على الوالى ان يمونهم من عنده اذا نقص حقهم من الزكاة، و لما فيها أيضا من قوله (ع) «و هو وارث من لا وارث له يعول من لا حيلة له»، و لما رواه محمد بن يزيد عن ابى الحسن الاول (ع) قال: «من لم يستطع ان يصلنا فليصل فقراء شيعتنا»، و في مرسلة الصدوق عن الصادق (ع) «من لم يقدر على صلتنا فليصل صالحى موالينا ...» «1».

و يرد على الاستدلال بالمرسلة ما مرّ من كون محط النظر فيها صورة كون الامام مبسوط اليد و على الاخيرتين بظهورهما في الصلات المندوبة نعم لو اختار ابن حمزة صرف الخمس في مواليهم بعد العجز عن السادة او عدم احتياجهم امكن الاستدلال له بقوله (ص) في رواية عيسى بن المستفاد بعد ايجاب الخمس من كل ما يملكه احد: «... فمن عجز و لم‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 50 من ابواب الصدقة، الحديث 3، 1

302
کتاب الخمس و الأنفال

حكم الخمس في عصر الغيبة ؛ ص : 298

..........

______________________________
يقدر الاعلى اليسير من المال فليدفع ذلك الى الضعفاء من اهل بيتى من ولد الائمة فمن لم يقدر على ذلك فلشيعتهم ممن لا يأكل بهم الناس ...»‌

«1». العاشر: تخصيص التحليل بخمس الارباح فانه باجمعه للإمام (ع) و اما ساير ما فيه الخمس فهو مشترك بينه (ع) و بين الاصناف اختاره في المنتقى حملا لاخبار التحليل على خصوص خمس الارباح.

اقول: حمل جميع اخبار التحليل على خصوص خمس الارباح مشكل و لا سيما ما اشتمل منها على تحليل السبى و الفروج و لكن القول بكون خمس الارباح باجمعه للإمام امر استظهرناه سابقا من بعض اخبار الباب فراجع.

الحادي عشر: عدم اباحة شي‌ء بالكلية حتى من المناكح و المساكن و المتاجر التى جمهور الاصحاب على تحليلها بل ادعى الاجماع على اباحة المناكح و هو مذهب ابن الجنيد فانه قال: و تحليل من لا يملك جميعه عندى غير مبرئ من وجب عليه حق منه لغير المحلل، لان التحليل انما هو فيما يملكه المحلل لا فيما لا يملك و انما اليه ولاية قبضه و تفريقه في الاهل الذين سمّاه اللّه لهم» انتهى و لا يخفى ضعفه.

الثاني عشر: قصر اخبار التحليل على جواز التصرف في المال الذى فيه الخمس قبل اخراج الخمس منه بان يضمن الخمس في ذمته و هو اختيار المجلسى.

الثالث عشر: صرف حصة الاصناف عليهم و التخيير في حصته (ع) بين الدفن و الوصية على الوجه المتقدم وصلة الاصناف مع الاعواز باذن الفقيه و هو اختيار الدروس.

الرابع عشر: صرف النصف الى الاصناف الثلاثة وجوبا او‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 21.

303
کتاب الخمس و الأنفال

حكم الخمس في عصر الغيبة ؛ ص : 298

..........

______________________________
استحبابا و حفظ نصيب الامام و جواز صرف العلماء اياه في المستحقين من الاصناف و هو اختيار البيان.

هذه هى الاقوال المذكورة في الحدائق و يضاف الى ذلك قولان آخران للمتأخرين:

الاول: صرف حصة الاصناف اليهم و التصدق بنصيب الامام (ع) من قبله لما يستفاد من اخبار التصدق بالمال المجهول مالكه ان الملاك في وجوب التصدق عدم امكان ايصال المال الى صاحبه و ان عرفه بشخصه كما في رواية يونس الواردة فيمن بقى عنده بعض المتاع من رفيق له بمكة بعد ما رحل الى منزله و لا يعرف بلده «1» و قد قوى هذا القول في الجواهر و مصباح الفقيه.

الثانى: صرف حصة الاصناف اليهم و صرف حصة الامام (ع) فيما يعلم برضاه او يوثق به من تتميم نصيب الذرية او اعانة فقراء الشيعة او ادارة الحوزات العلمية و ما فيه تشييد مبانى الدين بتقريب ان التصدق بالمال الذى لا يمكن ايصاله الى صاحبه انما يجوز اذا لم يعلم بما يرتضيه المالك و اما اذا علم برضاه في مصرف خاص فلا يجوز التعدى عنه فلو كان مال شخص عند زيد مثلا و لم يمكنه ايصاله اليه و لكن كان لصاحب المال اهل بيت فقراء او دار مشرفة الى الخراب فهل يرضى صاحبه بان يتصدق بماله و لا يصرف في عائلته او تعمير داره، و نحن نعلم من سيرة الائمة- عليهم السلام- في اعصارهم ان تتميم حوائج الذرية و اعانة فقراء الشيعة و اقامة دعائم الدين و ترويج الشرع الاقدس كانت من اهم الامور عندهم فالواجب علينا صرف مال الامام فيما نعلم قطعا بكونه مهتما به و يختلف ذلك باختلاف المقامات فالتخصيص بفقراء الذرية كما في كلام كثير من المتاخرين بلا وجه بعد ما يوجد امور ربما تكون اهم عنده بمراتب و‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 17 الباب 7 من ابواب اللقطة، الحديث 2.

304
کتاب الخمس و الأنفال

حكم الخمس في عصر الغيبة ؛ ص : 298

..........

______________________________
حينئذ فاذا احرز المالك رضاه (ع) بصرف ماله في جهة معيّنة جاز له تولّى ذلك بلا مراجعة الى الفقيه فان ادلة ولاية الفقيه و نيابته عن الامام لا تشمل نفس المنوب عنه اللهم الا ان يقال بان الفقيه ابصر بمصالح الدين و بما يرتضيه الائمة (ع).

اقول: يبقى على هذا الوجه نكتة و هو ان صرف رضاية المالك قلبا بصرف ماله في جهة خاصة لا تخرج المعاملات الواقعة على ماله عن الفضولية ما لم يكن في البين اذن مالكى او شرعى و قد صرّح بهذه النكتة الشيخ (ره) في مكاسبه فراجع.

هذه اقوالهم في المسألة و انت ترى بناء الجميع على كون الخمس بالطبع منصّفا بنصفين و كون النصف للأصناف الثلاثة و النصف الآخر لشخص الامام و من امواله الشخصية بحيث يكون حيثية الامامة حيثية تعليلية لذلك و لكن قد مرّ منا مرارا ان الخمس باجمعه حق وحدانى و ميزانية اسلامية جعلت لمقام الامامة و الامارة و الحكومة و نحوها من التعبيرات فمنصب الامامة لو حظ تقييديا و المال لنفس الحيثية و كذلك الانفال.

و المتصدى لأخذهما و صرفهما في شئون الحكومة حاكم الإسلام عن حق و هو النّبيّ (ص) و بعده الامام المعصوم و في غيبته الفقيه العادل العالم بمصالح الإسلام و المسلمين و يجب صرفهما في المصالح العمومية الراجعة الى الحكومة غاية الامران المحتاجين من بنى هاشم جعلوا من الموظفين من هذه الميزانة اكراما لهم حيث انهم من اهل بيت النبوة.

و بالجملة الخمس باجمعه حق وحدانى ثابت لمنصب الامامة و امره راجع الى حاكم المسلمين و امامهم و لا يعنى بالامامة الا الحكومة غاية الامران الحكومة مع وجود المعصومين (ع) حقّ طلق لهم لكونهم اعلم الناس و اعدلهم و في زماننا يصير امر الخمس و كذا الانفال راجعا الى من يليق بتصدى الحكومة الاسلامية، و الحكومة امر ضرورى‌

305
کتاب الخمس و الأنفال

حكم الخمس في عصر الغيبة ؛ ص : 298

..........

______________________________
لحياة البشر لا يجوز اهمالها و تعطيلها اصلا و على هذا فليس للناس الاستبداد في صرف الخمس بل يجب عليهم ايصاله باجمعه الى الحاكم، و على الحاكم رعاية ما هو اهم المصارف و اوجبها و يكون نظره هو المتبع بعد ما صار حاكما منصوبا من قبل الامام- عليه السلام- و لو بنحو العموم كما صار الامام منصوبا من قبل النّبيّ (ص) و النّبيّ من قبل اللّه- تعالى-.

و عدم كون الحكام الاسلامية اللائقة الصالحة لتصديها مبسوطى اليد لا ينافى تصديهم لشئونها و صرف الميزانيات في مصارفها اللازمة بمقدار القدرة وسعة نطاق الحكومة كما كان عليه عمل الائمة- عليهم السلام-.

و من اهم المصارف الذى يجب عقلا و شرعا تهيئة الوسائل لتوسعة نطاق الحكومة الدينية التى ببركتها يقام العدل و تجرى قوانين الإسلام بين الامة فافهم و تدبّر.

بقى هنا امران يجب ان ينبه عليهما: الاول: بيان محمل لاخبار التحليل و قد عرفت البحث عن ذلك مفصلا في الجهة الثانية من الجهات الاربع التى تعرضنا لها في باب خمس الارباح فراجع و قد مرّ هناك ان مفاد الاخبار تحليل الخمس باجمعه فالقول بثبوت حصة الاصناف الثلاثة و تحليل خصوص حصة الامام قول بلا دليل كما لا يخفى.

الثانى: قد عرفت منافى الجهة الاولى من الجهات الاربع ان خمس الارباح لا تجد منه اسما في الصدر الاول، و الاخبار المروية فيه صادرة عن الائمة المتأخرين و لا تجد في صحاحنا و لا صحاح العامة حديثا فيها مرويا عن النّبيّ (ص) و الائمّة المتقدمين، و لم يضبط أيضا في التواريخ مطالبة النّبيّ (ص) و امير المؤمنين (ع) لهذا الخمس مع انه لو كان لبان و نقل لكثرة الابتلاء به فلأجل ذلك احتملنا كون هذا القسم من الخمس مرسوما من قبل الائمة المتاخرين بحق الامامة و الحكومة من جهة احساس الاحتياج بعد حرمانهم من الزكاة و ساير الميزانيات‌

306
کتاب الخمس و الأنفال

حكم الخمس في عصر الغيبة ؛ ص : 298

و الاحوط له الاقتصار على السادة ما دام لم يكفهم النصف الآخر (1).

______________________________
الاسلامية بسبب استيلاء خلفاء الجور فعلى هذا يكون هذا الخمس حكما موسميا و يكون اثباته في عصرنا مشكلا جدّا.

اللهم الا ان يقال ان كونه مرسوما من قبل الائمة المتاخرين لا يلازم كونه محدودا بزمان خاص، و اطلاق الجعل محكّم ما لم يثبت تحديده او رفعه نظير جعل الامام الصادق- عليه السلام- في مقبولة عمر بن حنظلة الفقهاء حكاما و قضاة فانه مع كونه امرا مجعولا من قبله (ع) بحق الحكومة و الامامة يكون متبعا في هذه الاعصار أيضا اذ للإمام جعل امر بنحو الاطلاق كما له جعله محدودا و لا سيّما ان ملاك جعله و وضعه هو احتياج الشيعة و حرمانهم و هذا الملاك باق في عصرنا فان ادارة شئونهم لا يمكن بدون ان يوجد ميزانية واسعة فتدبر.

(1) كما اختاره في الشرائع و استقر به في المختلف و هو المشهور بين المتاخرين على ما قيل و قد عرفت ان العمدة في ذلك المرسلة و المرفوعة الدالتان على انه ان فضل من الاصناف شي‌ء كان للإمام و ان نقص عنهم و لم يكفهم اتمه لهم من عنده بتقريب ان وجوب هذا حال ظهوره (ع) يقتضى الوجوب في حال الغيبة أيضا.

و يرد عليه اولا: ان محط النظر في المرسلة و المرفوعة صورة كون الامام مبسوط اليد و اجتماع جميع الاخماس لديه بحيث يقدر على سدّ خلّة الجميع فلا تدلان على كون الوظيفة ذلك فيما اذا حصل أقلّ قليل من الاخماس لدى الحاكم.

و ثانيا: ان المرسلة قد تعرضت لنحو ذلك في تقسيم الزكاة أيضا و انه ان نقصت عن الاصناف الثمانية كان على الوالى ان يمونهم من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنوا فلم لا يصرف نصيبه (ع) في سدّ خلّة ساير الفقراء؟

و ثالثا: انه كما يجب على الامام سدّ خلة الفقراء من الذريّة‌

307
کتاب الخمس و الأنفال

الاحوط دفع حصة الاصناف الى الفقيه ؛ ص : 308

[الاحوط دفع حصة الاصناف الى الفقيه]

و اما النصف الآخر الذى للأصناف الثلاثة فيجوز للمالك دفعه اليهم بنفسه (1) لكن الاحوط فيه أيضا الدفع الى المجتهد او باذنه لأنه اعرف بمواقعه و المرجحات التى ينبغى ملاحظتها.

______________________________
و غيرهم يجب عليه امور اخر ربما تكون اهم بمراتب كإعلاء كلمة الإسلام و حفظ نظام المسلمين و الدفاع عن شئونهم، هذا.

و قد مرّ منا مرارا ان الخمس و كذا الانفال ليسا لشخص الامام بل لمقام الامامة و الحكومة الحقة، و الحكومة لا تتعطل في عصر من الاعصار بل يجب تثبيتها و حفظها مهما امكن فيجب ان يصرف الخمس في تثبيت الحكومة الدينية و توسعة نطاقها و الشؤون المربوطة بها و الميسور لا يترك بالمعسور فيجب على الفقيه الصالح للحكومة الاسلامية ان يراعى اهم المصالح و انفعها و ذلك يختلف بحسب المقتضيات و الاحوال فتدبر.

(1) قد مر في حكم الخمس في حال الغيبة ستة عشر اقوال و كلهم تعرضوا لنصيب الاصناف أيضا فمن قائل بتحليله أيضا للشيعة و قائل بوجوب حفظه حتى يصل الى الامام (ع) و قائل بوجوب دفنه حتى يصل اليه و قائل بتقسيمه بينهم و هم الاكثر.

و لا يخفى ان تحليل حقهم يوجب حرمانهم عن الحق الذى جعله الله- تعالى- لهم عوضا عن الزكاة فيلزم حرمانهم عن العوض و المعوض و هذا الاشكال بعينه يرد على الحفظ و الدفن أيضا مضافا الى استلزامهما لجعل المال في معرض الخطر و التلف.

ثم ان جعل صاحب الحق محروما عن حقه مع كمال احتياجه اليه معتذرا بغيبة من يتولّى التقسيم يوجب الظلم العظيم على صاحب الحق و لا يرضى به الشارع قطعا فيجب صرف حصة الاصناف اليهم.

و هل يجوز للمالك صرفه فيهم بنفسه او بجب دفعه الى المجتهد او الاستيذان منه؟ وجهان: من اطلاق الادلة و ان الاصل يقتضى عدم الاشتراط.

308
کتاب الخمس و الأنفال

حكم نقل الخمس من البلد ؛ ص : 309

[حكم نقل الخمس من البلد]

(مسألة 8): لا اشكال في جواز نقل الخمس من بلده الى غيره (1) اذا لم يوجد المستحقّ فيه بل قد يجب (2) كما اذا لم يمكن حفظه مع ذلك او لم يكن وجود المستحقّ فيه متوقعا بعد ذلك و لا ضمان حينئذ عليه لو تلف (3) و الاقوى جواز النقل مع وجود

______________________________
و من انه كان وظيفة للإمام و كان الواجب في عصره (ع) ايصال جميع الخمس اليه كما هو المستفاد من النصوص و الفتاوى و منها المرسلة و المرفوعة و صحيحة البزنطى فيكون من وظائف نائبه أيضا و لم يعهد في اعصار الائمه- عليهم السلام- صرف الناس سهم الاصناف مباشرة بل كانوا يوصلون الخمس باجمعه الى الامام- عليه السلام-.

و الاصل أيضا يقتضى ذلك اذ لم يثبت ولاية المالك على الامام و على قبيله في مقام الافراز و التقسيم فاصالة الاشتغال تقتضى مراجعة الفقيه و الاطلاق المشار اليه ممنوع، هذا.

مضافا الى ما مرّ منا من ان المستفاد من الاخبار كون الخمس باجمعه حقا وحدانيا راجعا الى الحكومة الاسلامية و لذا عبر عنه في رواية المحكم و المتشابه بحق الامارة فالمرجع فيه من يصلح للحكومة الحقة غاية الامر انّ عليه ان يتكفل من هذه الميزانية الخاصة فقراء السادة لانتسابهم الى بيت النبوّة فالاحوط ان لم يكن اقوى ايصال الخمس باجمعه الى الفقيه او الاستيذان منه للصرف.

(1) للأصل و لجواز مثله في الزكاة بالاخبار الواردة فيها مضافا الى ان امر الخمس باجمعه الى الحاكم كما مرّ فامر تقسيمه و نقله أيضا اليه و هو يراعى ما هو الاصلح.

(2) لتوقف ايصال الحق الى اهله عليه.

(3) للأصل و لظاهر التعليل في نصوص نفى الضمان في الزكاة في نظيره فراجع «1». نعم سيجي‌ء من المصنف الاشكال في انعزال‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 39 من ابواب المستحقين للزكاة.

309
کتاب الخمس و الأنفال

حكم نقل الخمس من البلد ؛ ص : 309

المستحقّ أيضا (1)

______________________________
الخمس بصرف العزل ما لم يصل الى مستحقه فلعل المفروض في المقام ما اذا نقل جميع المال او مقدار الخمس بعد تلف الباقى او كان العزل باذن الفقيه فتدبر.

(1) كما في المسالك و المدارك للأصل و شمول عناوين الاصناف لمن في البلد و غيره و لحمله على باب الزكاة و قد افتى فيها جمع من الاصحاب بالجواز لإطلاق بعض النصوص كصحيحة هشام بن الحكم عن ابى عبد الله (ع) في الرجل يعطى الزكاة يقسّمها أ له ان يخرج الشي‌ء منها من البلدة التى هو فيها الى غيرها فقال: لا باس به «1» و غيرها من الاخبار فراجع، هذا.

و لكن في الشرائع: «لا يحل حمل الخمس الى غير بلده مع وجود المستحق» و عن بعض آخر نحو ذلك.

و ربما يستدل لذلك بمنافاته للفورية و باستلزامه تاخير الحق مع عدم رضا المستحق بذلك و طلبه و بكونه تغريرا للمال و تعريضا له للتلف.

و يمكن ان يجاب اولا بالنقض بما لو حمل الخمس الى مجلس آخر او محلة اخرى مع حضور المستحق لديه اذ لا شبهة في جواز ذلك خصوصا لطلب الاستيعاب او الاشد حاجة.

و ثانيا بالحل بعدم الدليل على الفورية الحقيقية خصوصا اذا كان التاخير لغرض راجح شرعا او عرفا مضافا الى ان النقل قد لا يتوقف على مدة ازيد مما يتوقف عليه البسط في البلد، و المستحق ليس هو الشخص الحاضر من الاصناف بل العنوان المنطبق على الحاضر و غيره بوزان واحد و ولى امره الحاكم و هو قد يرضى بالتاخير او النقل لكونه اصلح، و كون النقل دائما مستلزما للتغرير بالمال ممنوع مضافا الى جبران ذلك بالضمان‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 37 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

310
کتاب الخمس و الأنفال

حكم نقل الخمس من البلد ؛ ص : 309

لكن مع الضمان لو تلف (1) و لا فرق بين البلد القريب و البعيد (2) و ان كان الاولى القريب الا مع المرجح للبعيد.

(مسألة 9): لو اذن الفقيه في النقل لم يكن عليه ضمان (3) و لو مع وجود المستحقّ. و كذا لو وكّله في قبضه عنه بالولاية العامّة ثم اذن في نقله (4).

(مسألة 10): مئونة النقل على الناقل في صورة الجواز (5) و من الخمس في صورة الوجوب (6).

______________________________
كما في باب الزكاة حيث افتى كثير من اصحابنا بجواز نقلها مطلقا مع الضمان جمعا بين النصوص فراجع، هذا.

و الحق ما اشرنا اليه من ان امر الخمس باجمعه الى الحاكم فامر نقله أيضا اليه و هو يراعى ما هو الاصلح فافهم.

(1) كما يقتضيه النصوص الواردة في نظيره في باب الزكاة و الملاك فيهما واحد هذا. و لكن لو كان النقل باذن الحاكم او طلبه ففى الضمان اشكال بل الاقوى العدم كما يأتى.

(2) لإطلاق ما دل على الجواز و قد مرّ ان العمدة نظر الحاكم.

(3) للأصل و قصور نصوص الضمان الواردة في باب الزكاة عن شمول المورد فراجع و لكن الاحوط الضمان الا ان يكون مع الطلب.

(4) اذ بالقبض عنه حينئذ حصل الاداء الواجب و ليس على الامين ضمان ما لم يفرط من غير فرق بين الحاكم و وكيله.

(5) اذ لا وجه لكونه على الخمس بعد عدم كونه لمصلحته.

(6) لا يخلو من اشكال اذ ايصال المال الى مستحقه واجب على المالك و المفروض توقفه عليها و التمسك لنفى الوجوب عليه بدليل نفى الضرر مشكل اذ من المحتمل كونه حكما حكوميّا صادرا عن النّبيّ (ص) بحكومته متبعا في سنخ مورده لا حكما شرعيا يستفاد منه قاعدة فقهية‌

311
کتاب الخمس و الأنفال

حكم نقل الخمس من البلد ؛ ص : 309

(مسألة 11): ليس من النقل لو كان له مال في بلد آخر فدفعه فيه للمستحقّ عوضا عن الذى عليه في بلده، و كذا لو كان له دين في ذمّة شخص في بلد آخر فاحتسبه خمسا، و كذا لو نقل قدر الخمس من ماله الى بلد آخر فدفعه عوضا عنه.

(مسألة 12): لو كان الذى فيه الخمس في غير بلده فالاولى دفعه هناك و يجوز نقله الى بلده مع الضمان (1).

(مسألة 13): ان كان المجتهد الجامع للشرائط في غير بلده جاز نقل حصة الامام اليه (2) بل الاقوى جواز ذلك و لو كان المجتهد الجامع للشرائط موجودا في بلده أيضا بل الاولى النقل اذا كان من في بلد آخر افضل او كان هناك مرجح آخر.

(مسألة 14): قد مرّ انه يجوز للمالك ان يدفع الخمس من مال آخر له نقدا او عروضا (3) و لكن يجب ان يكون بقيمته الواقعية

______________________________
كلية و لذا لا ترى الاصحاب موسّعين لنطاقه في جميع الابواب. نعم لو كان وجوب النقل بسبب امر الحاكم مع وجود المستحق في بلده امكن القول بكون المؤونة على الحاكم لكونها حينئذ امرا زائدا عما يقتضيه امتثال طبيعة الواجب و قد حمّله الحاكم عليه فافهم.

(1) قد عرفت ان امر الخمس باجمعه الى الحاكم فامر نقله أيضا اليه و هو يراعى ما هو الاصلح.

(2) مرّ ان امر الخمس باجمعه و كذا امر نقله الى الحاكم و مع التعدد يكون امره الى اصلحهم للحكومة الشرعية و مع التساوى يتخير.

و حكم الدوران بين حاكم البلد و غيره مع التساوى حكم الدوران بين فقير البلد و غيره و الاحوط حينئذ ان يكون النقل بالاذن و لا ضمان معه.

(3) مرّ البحث عنه في المسألة الخامسة و السبعين و مرّ ان الدفع من غير الاثمان المتعارفة مشكل بل في خمس الحرام المخلوط يتعين دفع العين على الاحوط الا مع اذن الفقيه.

312
کتاب الخمس و الأنفال

حكم نقل الخمس من البلد ؛ ص : 309

فلو حسب العروض بازيد من قيمتها لم تبرأ ذمّته و ان قبل المستحق و رضى به.

(مسألة 15): لا تبرأ ذمّته من الخمس الا بقبض المستحق او الحاكم سواء كان في ذمّته او في العين الموجودة و في تشخيصه بالعزل اشكال (1).

______________________________
(1) من ان المستفاد من التعبيرات الواردة في الاخبار كقوله (ع):

«ادّ خمس ما اخذت» «1» و قوله: «فليبعث بخمسه الى اهل البيت» «2» و قوله: «فليوصله الى وكيلى» «3» و نحو ذلك و كذا من السيرة العملية على افراز المالكين لأخماسهم و عرضهم لها على الائمة (ع) و اخذ هم و تقرير هم لهم على ذلك، ان للمالك الولاية على افراز الخمس و عزله و لذا حكى عن المستند حكاية الاجماع على ذلك مستظهرا له مما ذكر.

و يشهد له ظاهر كلماتهم في مسألة جواز النقل حيث ان المستفاد منها تعيّن المنقول لكونه خمسا و يؤيّد ذلك بل يدل عليه الروايات الكثيرة الدالّة على جواز العزل في الزكاة و تعيّن المعزول لكونه زكاة حيث انهما من واد واحد و يشتركان في كثير من الاحكام.

و من ان الاصل في المال المشترك او الثابت في الذمة عدم انقسامه و عدم تعيّنه ما لم يصل الى صاحبه، و الخروج عنه في باب الزكاة بدليل لا يقتضى حمل الخمس عليه، و لا دلالة للتعبيرات المذكورة على ما ذكر فانها نظير قولك «ادّ دينك»‌

نعم ربما يستفاد من الروايات و السيرة العملية ان امر التقسيم و الايصال الى المالك و لا يحتاج في التقسيم الى مراجعة الحاكم، و لكن تعيّن المفروز بهذا القصد لكونه خمسا و ان لم يصل بعد الى الحاكم‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 6 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 10 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

313
کتاب الخمس و الأنفال

اذا كان في ذمة المستحق دين جاز له احتسابه خمسا ؛ ص : 314

[اذا كان في ذمّة المستحقّ دين جاز له احتسابه خمسا]

(مسألة 16): اذا كان في ذمّة المستحقّ دين جاز له احتسابه خمسا (1) و كذا في حصّة الامام (ع) اذا اذن المجتهد.

______________________________
او المصرف امر آخر لا دليل عليه، و العمدة في المسألة هى الجرأة على الحاق الباب بباب الزكاة و طريق الاحتياط واضح فتدبر.

(1) الاحتساب في باب الزكاة جائز بلا خلاف و يدل عليه اخبار كثيرة منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: «سألت ابا الحسن الاول- عليه السلام- عن دين لى على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه و هم مستوجبون للزكاة هل لى ان ادعه فاحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال: نعم» «1» و الظاهر منها و من غيرها من الاخبار عدم الاحتياج الى اعلام المديون و قبوله.

و يظهر من استدلال الجواهر حيث قال: «لأنه احد امواله و مقبوض للمدفوع اليه فهو احد افراد الايتاء المأمور به» انه على طبق القاعدة و يشمله العمومات.

و لكن ربما يقال: ان الاحتساب ايقاع لا تمليك و لذا لا يتوقف على القبول و لا على القول بجواز تمليك ما في الذمة و على هذا فجوازه في باب الخمس يتوقف على احد امور:

الاول: ان يكون اللام للمصرف لا للملك فيصرف الخمس في ابراء ذمة المصرف. و فيه انه خلاف ظاهر اللام.

الثانى: ان تكون للملك و لكن المالك لما كان هو الطبيعة فالمالك و الفقيه بحسب ولايته على المال يصرفه في مصالح الطبيعة و منها ابراء الذمة لبعض افرادها. و فيه ان ثبوت هذه الولاية المطلقة لا دليل عليه و انما الثابت هو الولاية على تطبيق الطبيعة على الفرد و دفع ملكه اليه.

الثالث: البناء على صحة عزل الخمس في المال الذى في الذمة و بعد تطبيق المستحق على صاحب الذمة يسقط المال قهرا. و فيه ما عرفت‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 46 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

314
کتاب الخمس و الأنفال

اذا اراد المالك ان يدفع العوض نقدا او عروضا ؛ ص : 315

[اذا اراد المالك ان يدفع العوض نقدا او عروضا]

(مسألة 17): اذا اراد المالك ان يدفع العوض نقدا او عروضا (1) لا يعتبر فيه رضا المستحق او المجتهد بالنسبة الى حصة الامام (ع) (2) و ان كانت العين التى فيها الخمس موجودة لكن الاولى اعتبار رضاه خصوصا في حصة الامام (ع).

[لا يجوز للمستحق ان يأخذ من باب الخمس و يرده على المالك]

(مسألة 18): لا يجوز للمستحق ان يأخذ من باب الخمس و يرده على المالك (3) الّا في بعض الاحوال كما اذا كان عليه

______________________________
من الاشكال في العزل في المال الخارجى فكيف فيما في الذمة، و على هذا فالاجتزاء بالاحتساب مشكل، و حمله على باب الزكاة نوع قياس. نعم بناء على ثبوت ولاية الفقيه لو اذن للمالك بتعيين الخمس فيما له في الذمة و تعيين الفقير فيمن عليه المال سقط قهرا عملا بمقتضى الولاية.

اقول: قد مرّ سابقا ان عدم ذكر اللام في الاصناف الثلاثة احسن شاهد على عدم الملكية و كونهم مصارف محضة و عرفت أيضا ان امر الخمس باجمعه الى الامام قطعا و في عصر الغيبة الى الفقيه الصالح للحكومة و مع اذنه يصح الاحتساب قطعا.

مضافا الى ان القاء الخصوصية من اخبار باب الزكاة و تسريتها الى المقام امر يساعده العرف و الاعتبار حيث ان كلّ من راجعها يستفيد منها ان الغرض صرف المال في هذه المصارف باى نحو كان و الاصناف الثلاثة في المقام أيضا ليست الا مصارف محضة فراجع الاخبار في ذلك الباب و تدبرها.

(1) مرّ الاشكال في غير الاثمان المتعارفة.

(2) اذ ما دل على جواز دفع العوض من السيرة و الاخبار و الالحاق بباب الزكاة تدل على جوازه مطلقا و ان الامر بيد المالك و ليس من قبيل المعاملة حتى يتوقف على رضاية الطرفين.

(3) تقدم عن المصنف البحث عن ذلك في الزكاة في المسألة السادسة عشرة من الختام، و وجهه ان المستفاد من الاخبار الكثيرة‌

315
کتاب الخمس و الأنفال

اذا انتقل الى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ص : 316

مبلغ كثير و لم يقدر على ادائه بان صار معسرا و اراد تفريغ الذمّة فحينئذ لا مانع منه اذا رضى المستحقّ بذلك (1).

[اذا انتقل الى الشخص مال فيه الخمس ممّن لا يعتقد وجوبه]

(مسألة 19): اذا انتقل الى الشخص مال فيه الخمس ممّن لا يعتقد وجوبه كالكافر و نحوه لم يجب عليه اخراجه فانّهم- عليهم السلام- اباحوا لشيعتهم ذلك سواء كان من ربح تجارة او غيرها و سواء كان من المناكح و المساكن و المتاجر او غيرها. (2)

______________________________
المتعرضة لغرض تشريع الزكاة و الخمس و منها مرسلة حماد الطويلة هو ان اللّه- تعالى- جعل الزكاة و الخمس بنحو لو ادّيا لم يبق فقير من فقراء الناس من السادة و غيرهم و لو كان بحسب الجعل و التشريع جائزا للفقيران يأخذ الزكاة او الخمس و يرده على المالك كان مقتضاه جواز ان يصرف الزكوات و الاخماس في عدة معدودة كذلك و يحرم ساير الفقراء و هذا خلاف غرض التشريع.

نعم لا نأبى جواز ذلك للحاكم الاسلامى اذا رأى الرد الى المالك من المصارف و لا سيما في الخمس الذى قد عرفت انه ميزانية اسلامية وضعت لمقام الحكومة و زمام امره بيد الحاكم.

(1) في الاستثناء تأمل الا اذا فرض عدّ الردّ عرفا من المؤن و المخارج العرفية لهذا الفقير نظير الهبات و الجوائز المعمولة المتعارفة، و اعسار المالك لا يوجب جواز تضييع الحقوق و انما يوجب انظاره الى اليسار نعم قد عرفت جواز ذلك للحاكم اذا رآه صلاحا فتدبر.

(2) قد اشتهر في كلام الاصحاب تحليل المناكح و المساكن و المتاجر في عصر الغيبة، و في كلام بعضهم تحليل المناكح فقط و يظهر من ابى الصلاح انكار التحليل مطلقا. ثم على فرض الثبوت فهل يراد به تحليل الانفال او الخمس أو هما معا وهل يعم حصة الاصناف أيضا او يختص بحصة الامام ثم ما هو المراد من العناوين المذكورة؟ فالاولى نقل بعض الكلمات ثم تحقيق المسألة فنقول:

316
کتاب الخمس و الأنفال

اذا انتقل الى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ص : 316

..........

______________________________
قال في المقنعة: «و اعلم ارشدك اللّه ان ما قدمته في هذا الباب من الرخصة في تناول الخمس و التصرف فيه انما ورد في المناكح خاصة للعلة التى سلف ذكرها في الآثار عن الائمة- عليهم السلام- لتطيب ولادة شيعتهم و لم يرد في الاموال، و ما اخرته عن المتقدم مما جاء في التشديد في الخمس و الاستبداد به فهو مختص بالاموال».

و في النهاية: «فاما في حال الغيبة فقد رخصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم مما يتعلق بالاخماس و غيرها فيما لا بدّلهم منه من المناكح و المتاجر و المساكن فاما ما عدا ذلك فلا يجوز له التصرف فيه على حال».

و نحو ذلك في المبسوط أيضا و في التهذيب «امّا الغنائم و المتاجر و المناكح و ما يجرى مجراها مما يجب للإمام فيه الخمس فانهم (ع) قد اباحوا لنا ذلك و سوغوا لنا التصرف فيه ... و اما اراضى الخراج و اراضى الانفال و التى قد انجلى اهلها عنها فانا قد ابحنا أيضا التصرف فيها ما دام الامام مستترا فاذا ظهر يرى هو في ذلك رأيه».

فالمفيد تعرض للتحليل في خصوص الخمس و خصوص المناكح و الشيخ عمّمه للخمس و الانفال و للمناكح و المتاجر و المساكن و ظاهر كليهما عدم الفرق بين سهم الامام و سهم السادة.

و في المراسم: «و الانفال له أيضا و هى كل ارض فتحت ...

فليس لأحد ان يتصرف في شي‌ء من ذلك الّا باذنه فمن تصرف فيه باذنه فله اربعة اخماس المستفاد منها و للإمام الخمس و في هذا الزمان فقد احلّونا مما يتصرف فيه من ذلك كرما و فضلا لنا خاصة»، و ظاهر كلامه تحليل الانفال لا الخمس كما لا يخفى على من دقق النظر فيه و قد مرّ في مبحث حكم الخمس في عصر الغيبة (المسألة 7).

و في المختلف: «قال ابن ادريس: و قد رخصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم مما يتعلق بالاخماس و غيرها مما لا بدّ لهم من المناكح و المتاجر و المساكن».

317
کتاب الخمس و الأنفال

اذا انتقل الى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ص : 316

..........

______________________________
و في الشرائع: «الثالثة يثبت اباحة المناكح و المساكن و المتاجر في حال الغيبة و ان كان ذلك باجمعه للإمام او بعضه و لا يجب اخراج حصة الموجودين من ارباب الخمس منه».

و في التذكرة: «قد اباح الائمة- عليهم السلام- لشيعتهم المناكح و المساكن و المتاجر حال ظهور الامام و غيبته لعدم امكان التخلص من المآثم بدون الاباحة و ذلك من اعظم انواع الحاجة».

و في المنتهى «قد اباح الائمة- عليهم السلام- لشيعتهم المناكح في حالتى ظهور الامام و غيبته و عليه علمائنا اجمع (الى ان قال):

مسألة و الحق الشيخ المساكن و المتاجر» و هذه الكلمات باطلاقها تشمل الخمس و الانفال معا هذا.

و لكن في المختلف عن ابى الصلاح ما حاصله: «و يلزم من تعين عليه شي‌ء من اموال الانفال ان يصنع فيه ما بيّناه من شطر الخمس لكون جميعها حقا للإمام فان اخلّ المكلف بما يجب عليه من الخمس و الانفال كان عاصيا للّه- سبحانه- و مستحقا لعاجل اللعن و آجل العقاب و لا رخصة في ذلك بما ورد من الحديث فيها لان فرض الخمس و الانفال ثابت بنص القرآن و الاجماع من الامة و لا جماع آل محمد على ثبوته و كيفية استحقاقهم و حمله اليهم و قبضهم اياه و مدح مؤدّيه و ذم المخل به و لا يجوز الرجوع عن هذا بشاذ الاخبار». فهو (قده) انكر الرخصة في الخمس و الانفال معا مطلقا بلا استثناء شي‌ء و عدّ جميع اخبار التحليل و الترخيص من شواذ الاخبار.

و فيه عن ابن الجنيد: «و تحليل ما لا يملك جميعه عندى غير مبرئ لمن وجب عليه حق منه لغير المحلل لان التحليل انما هو مما يملكه المحلل لا مما لا ملك له و انما اليه ولاية قبضه و توقيته و تفرقه في اهله الذين سماه الله- تعالى- لهم». فهو (قده) انكر تحليل حصة الاصناف مطلقا، هذه بعض كلماتهم في اصل المسألة.

318
کتاب الخمس و الأنفال

اذا انتقل الى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ص : 316

..........

______________________________
و اما تفسير العناوين الثلاثة فلا تجده في كلمات القدماء و تعرض له المتأخرون كالدروس و المسالك و حاشية الشهيد على القواعد و صاحب الحدائق و غيرهم على اختلاف فيها.

ففى المناكح تفسيران: الاول: الجوارى المسبية من دار الحرب و ان كانت باجمعها للإمام اذا اغتنمت بغير اذنه او بعضها مع الاذن فيجوز شرائها و وطؤها. الثانى: ثمن السرارى او مهور الزوجات من الربح او ساير ما فيه الخمس.

و في المساكن ثلاثة تفاسير: الاول: مسكن يغتنم من الكفار الثانى: مسكن يتخذ في الارض المختصّة بالامام كأرض الموات و رءوس الجبال و نحوهما و هذا من الانفال. الثالث: ما اتخذ بثمن فيه الخمس من الربح و غيره.

و في المتاجر اربعة تفاسير: الاول: ما يشترى من الغنائم الحربية في حال الغيبة. الثانى: ما يكتسب من الارض و الاشجار المختصة بالامام و هذا يرجع الى الانفال. الثالث: ما يشترى ممن لا يعتقد الخمس من الكفار و اهل الخلاف. الرابع: ما يشترى ممن لا يخمس و ان اعتقده.

و ليس في النصوص التى بايدينا اسم من هذه العناوين الثلاثة بخصوصها الا في المرسل المروى عن غوالى اللئالى «سئل الصادق- عليه السلام- فقيل له: يا ابن رسول الله ما حال شيعتكم فيما خصكم اللّه به اذا غاب غائبكم و استتر قائمكم فقال- عليه السلام-: ما انصفناهم ان اخذناهم و لا احببناهم ان عاقبناهم بل نبيح لهم المساكن لتصح عباداتهم و نبيح لهم المناكح لتطيب ولادتهم و نبيح لهم المتاجر ليزكو اموالهم» «1» و السند ضعيف و الشهرة غير ثابتة و لا سيّما في غير المناكح اذ الشهرة المعتبرة اعتمادا و جبرا هى اشتهار المسألة بين القدماء من اصحابنا بحيث‌

______________________________
(1)- المستدرك ج 1 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 3.

319
کتاب الخمس و الأنفال

اذا انتقل الى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ص : 316

..........

______________________________
يكشف عن كونها متلقاة عن الائمة- عليهم السلام- و ثبوته في المقام مشكل فالواجب مراجعة ساير الاخبار و الادلة.

و ظاهر من تعرض لتحليل العناوين الثلاثة اختصاص التحليل بها في الخمس و الانفال مع ان تحليل بعض الانفال للشيعة و لا سيّما مثل الاراضى و الجبال و ما يتبعهما من الانهار و المعادن و الآجام و جواز احيائها و حيازتها في عصر الغيبة و عدم بسط الحكومة الحقة كأنه امر مفروغ عنه كما يدل عليه مضافا الى السيرة العملية الثابتة المستقرة حتى في اعصار ظهور الائمة- عليهم السلام- و مضافا الى لزوم العسر و الحرج بدونه بل اختلال النظام لشيعتهم المرغوب عنه عندهم (ع) قطعا الاخبار الكثيرة الصادرة عنهم و لا سيما ما ورد في باب احياء الموات و سيأتي في مبحث الانفال توضيح لذلك، اللهم الا ان تفسر العناوين الثلاثة بحيث تشمل جميع ذلك فتدبر.

و كيف كان فنقول: اما تحليل المناكح بالتفسير الاول فيدل عليه اكثر اخبار التحليل منها خبر الفضيل عن ابى عبد اللّه- عليه السلام- «قال امير المؤمنين (ع) لفاطمة (ع): احلّى نصيبك من الفي‌ء لآباء شيعتنا ليطيبوا ثم قال ابو عبد الله (ع) انا احللنا امهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا» «1».

و منها خبر ضريس الكناسى قال: قال: ابو عبد الله (ع): «أ تدري من اين دخل على الناس الزنا فقلت لا ادرى فقال من قبل خمسنا اهل البيت الا لشيعتنا الاطيبين فانه محلل لهم و لميلادهم» «2».

و منها خبر ابى خديجة عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «قال رجل و انا حاضر:

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 10.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 3.

320
کتاب الخمس و الأنفال

اذا انتقل الى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ص : 316

..........

______________________________
حلّل لى الفروج ففزع ابو عبد اللّه (ع) فقال له رجل: ليس يسألك ان يعترض الطريق انما يسألك خادما يشتريها او امرأة يتزوجها او ميراثا يصيبه او تجارة او شيئا اعطيه فقال: هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم و الغائب و الميت منهم و الحىّ و ما يولد منهم الى يوم القيامة فهو لهم حلال ...»
«1» الى غير ذلك من الاخبار و الظاهر من الجميع تحليل الجميع لا خصوص حصة الامام كما لا يخفى و اعتراض ابن الجنيد ساقط بعد ما فصلناه من كون الخمس باجمعه حقا وحدانيا يكون زمام امره بيد الامام.

نعم هنا اشكال يتوجه على ما دل منها على تحليل خصوص الخمس و هو ان الظاهر وقوع تلك الحروب بغير اذن الائمة- عليهم السلام- فيكون الغنائم باجمعها لهم فلم خصّص التحليل فيها بالخمس؟ و لعل هذه الاخبار من اقوى الشواهد على قول من انكر كون المغنوم بغير الاذن باجمعه له (ع) فراجع المسألة في محلها.

اللهم الا ان يقال: ان تلك الحروب لما كانت سببا لبسط الإسلام فالائمة- عليهم السلام- رخصوا في اصلها كما يشهد بذلك ادعية السجاد «ع» لجيوش المسلمين و يشهد له أيضا حسنة الحلبى عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في الرجل من اصحابنا يكون في لوائهم و يكون معهم فيصيب غنيمة قال يؤدى خمسا و يطيب له.

و حكمه- عليه السلام- في هذه الرواية بالخمس لا ينافى ما قدمناه من التحليل اذ الظاهر ان موضوع التحليل هو ما وصل الى ايدى الشيعة من قبل المخالفين كما يشهد بذلك الاخبار السابقة فلا تشمل صورة مباشرة الشيعى بنفسه للاغتنام فتدبر.

و اما التفسير الثانى للمناكح اعنى ثمن السرية و مهر الزوجة فان كانا من الارباح في اثناء السنة فعدم الخمس فيهما واضح و لا وجه لذكرهما بالخصوص بعد كون المستثنى مطلق المؤونة بل لا وجه لتخصيصهما بالشيعة و زمان الغيبة بل لا وجه لان يعبر فيهما بالتحليل بعد‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 4.

321
کتاب الخمس و الأنفال

اذا انتقل الى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ص : 316

..........

______________________________
كون الحق متعلقا بعد المؤونة.

و ان كانا من غير الارباح او منها بعد السنة فلا دليل على تحليلهما، و شمول النصوص السابقة و ساير اخبار التحليل لهما مشكل اذ الظاهر كون محط النظر فيها السرارى و الاموال المغنومة التى كثرت في تلك الاعصار و كثر ابتلاء الشيعة بها فلا تعرض لها لما تعلق به الخمس عند نفس الانسان من الارباح و غيرها، هذا مضافا الى ان حرمة مهر الزوجة لا توجب بطلان النكاح و خبث الولادة فلا يناسبه التعليل بطيب الولادة المذكورة في كثير من الاخبار.

و اما التفسير الاول للمساكن، اعنى ما اغتنم من الكفار فان كان بغير اذن الامام كان من الانفال و الا كان للمسلمين و قد قربنا في محله عدم الخمس في الاراضى و لكن اختيارها بيد الامام و كيف كان فلو كان المتصدى لاغتنامها و تقسيمها الدول الجائرة من المخالفين فالظاهر حلية التصرف فيها لمن انتقل اليه من الشيعة لما ثبت في محله من اجازتهم- عليهم السلام- لشيعتهم التصرف فيما ينتقل اليهم من قبل سلاطين الجور بعنوان الحكومة اذا لم يكن حراما معلوما تنفيذا لتصرفاتهم فيما يرجع الى الشيعة و قد دل على ذلك مضافا الى الشهرة و الاجماعات المنقولة الاخبار المستفيضة فراجع.

و اما التفسير الثانى للمساكن، فمرجعه الى الانفال و الظاهر كما عرفت كون حلية التصرف في مثل الاراضى و الجبال و ما يتبعهما حين الغيبة و عدم بسط الحكومة الحقة مفروغا عنها للأخبار و السيرة العملية و لزوم الحرج بل اختلال النظام بدونها من غير فرق بين المساكن و غيرها فالتخصيص بالمساكن بلا وجه.

و اما التفسير الثالث للمساكن فان كانت من الارباح في اثناء السنة فهي من المؤونة و الا فلا دليل على تحليلها كما مر نظيره في المناكح.

و اما التفسير الاول للمتاجر اعنى اشتراء المغانم الحربية فيدل‌

322
کتاب الخمس و الأنفال

اذا انتقل الى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ص : 316

..........

______________________________
على جوازه اخبار: الاول رواية ابى خديجة التى مرت في المناكح اللهم الا ان تحمل جميع فقراتها على خصوص المناكح بقرينة قول السائل «حلّل لى الفروج» فتدبر.

الثانى: خبر يونس بن يعقوب قال: «كنت عند ابى عبد اللّه- عليه السلام- فدخل عليه رجل من القماطين فقال: جعلت فداك تقع في ايدينا الاموال و الارباح و تجارات نعلم ان حقك فيها ثابت و انا عن ذلك مقصرون فقال ابو عبد الله- عليه السلام-: ما أنصفناكم ان كلفناكم ذلك اليوم».

و الظاهر كون موضوع السؤال اعم من مغانم الحرب فيشمل بعمومه الثابت بترك الاستفصال للتفسير الثانى و الثالث بل الرابع أيضا على احتمال اذ يحتمل أيضا ان يقال بانصرافه عما يشترى ممّن يعتقد الخمس و الحق.

و اما ما تعلق به الخمس عند نفس الشيعى من الارباح و غيرها فانصراف موضوع السؤال عنه واضح جدا اذ الظاهر من الرواية كون تعلق الحق قبل وقوع المال في يده، و الظاهر ان مراده- عليه السلام- بقوله «ذلك اليوم» زمان عدم بسط الحكومة الحقة و كون الشيعة محتاجين في نظام حياتهم الى معاشرة المخالفين و المعاملة معهم بالبيع و الشراء و نحوهما فتشمل الرواية لزمان الغيبة أيضا.

الثالث: صحيحة الحرث بن المغيرة عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: «قلت له: ان لنا اموالا من غلات و تجارات و نحو ذلك و قد علمت ان لك فيها حقا قال: فلم احللنا اذا لشيعتنا الا لتطيب ولادتهم و كل من والى آبائى فهو في حل مما في ايديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب» و الرواية و ان كان لها ظهور ما في التحليل المطلق حتى بالنّسبة الى الخمس الذى تعلق بالمال عند نفس الانسان و لكن وجب حملها على ما تعلق به الحق عند الغير ثم انتقل الى الانسان جمعا بينها و بين الاخبار‌

323
کتاب الخمس و الأنفال

اذا انتقل الى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ص : 316

..........

______________________________
المستفيضة الصادرة عن الائمة المتاخرة (ع) الدالة على ثبوت الخمس في الارباح و المطالبة به و قد مرّ التفصيل في مبحث خمس الارباح فراجع.

و اما التفسير الثانى للمتاجر، فمضافا الى شمول اطلاق خبرى يونس و الحرث له فتأمل مرجعه الى الانفال و قد مرّ الاشارة الى تحليلها حين عدم بسط الحكومة الحقة و سيأتي تفصيله في مبحث الانفال.

و اما التفسير الثالث للمتاجر، فيدل على تحليله خبر يونس و الحرث لما عرفت من كون الموضوع فيهما اعم من مغانم الحرب، هذا مضافا الى استقرار السيرة العملية على معاشرة الشيعة للكفار و المخالفين و معاملتهم معهم حتى في اعصار الائمة- عليهم السلام- مع عدم التزامهم بخمس الارباح و نحوها و مضافا الى لزوم الحرج الشديد لو بنى على التحريم و وجوب التخميس لما وصل الى ايدى الشيعة من قبلهم و يظهر من لحن اخبار التحليل برمّتها اشفاق الائمة- عليهم السلام- و رأفتهم بالنسبة الى شيعتهم و كونهم بصدد تسهيل الامر عليهم حين استيلاء الدول الجائرة عليهم و ابتلائهم بالمعاملة معهم و مع اشياعهم و اتباعهم فتتبع.

و اما التفسير الرابع للمتاجر، اعنى التحليل في الاشتراء ممّن لا يخمس و ان اعتقده فيظهر من عبارة السرائر و بعض آخر فعن السرائر «و المراد بالمتاجر ان يشترى الانسان مما فيه حقوقهم و يتجر في ذلك و لا يتوهم متوهم انه اذا ربح في ذلك المتجر شيئا لا يخرج منه الخمس»، و عن الروضة أيضا الالتزام به، و يمكن ان يستدل له باطلاق خبرى يونس و الحرث بل و لزوم الحرج الشديد لو بنى على التحريم لعدم التزام اكثر الشيعة عملا على تخميس الارباح و غيرها فلو بنى على عدم المعاملة معهم او تخميس ما وصل الى اليد من قبلهم لوقعت الشيعة المتعبدون في الحرج الشديد. و مذاق الائمة- عليهم السلام- و سيرتهم على تسهيل الامر لشيعتهم المتعبدين.

و لكن مع ذلك الاحوط هو التخميس لما عرفت من انصراف‌

324
کتاب الخمس و الأنفال

اذا انتقل الى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ص : 316

..........

______________________________
الخبرين بحكم الغلبة الى ما وصل الى الشيعة من ايدى المخالفين و لا يعلم كون الشيعة في اعصار الائمة (ع) تاركين لوظيفة التخميس. هذا مضافا الى ان الجمع بين الخبرين و بين خبر ابى بصير عن ابى جعفر (ع) قال «لا يحل لأحد ان يشترى من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقنا» و خبره الآخر عنه (ع) قال: سمعته يقول «من اشترى شيئا من الخمس لم يعذره اللّه اشترى ما لا يحلّ له» و خبر اسحاق بن عمار قال: سمعت ابا عبد الله (ع) يقول «لا يعذر عبد اشترى من الخمس شيئا ان يقول يا رب اشتريته بمالى حتى يأذن له اهل الخمس» يقتضى حمل الاولين على الاشتراء ممن لا يعتقد، اللهم الا ان يحمل الاخبار الاخيرة بقرينة اخبار التحليل للشيعة على عدم التحليل للمخالفين و عدم كونهم معذورين في اشتراء حقوق الائمة- عليهم السلام- كما يشعر بعدم التحليل لهم بعض اخبار التحليل أيضا فراجع.

و قد تلخص مما ذكرنا دلالة النصوص على تحليل الشيعة من الخمس الثابت فيما يكون بايدى غيرهم ممن لا يعتقد الخمس اذا انتقل اليهم سواء كان من العناوين الثلاثة المذكورة او غيرها فتدبر.

325
کتاب الخمس و الأنفال

اذا انتقل الى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ص : 316

 

فصل في الانفال

قد سبق منا البحث عن الانفال و عن مالكها اجمالا و عن كون المعادن منها في المسألة الثامنة من خمس المعادن و لكن حيث جرت العادة بالبحث عنها في ذيل كتاب الخمس فنحن نبحث عنها هنا فنقول:

لا بد ان نتعرض للمسألة في فصلين:

الفصل الاول: في ماهية الانفال و تعدادها و الاستدلال عليها،

[آية الأنفال]

قال الله- تعالى- في اول سورة الانفال: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ، قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّٰهَ وَ أَصْلِحُوا ذٰاتَ بَيْنِكُمْ وَ أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ».

[الأنفال لغة و اصطلاحا]

فالانفال جمع نفل بالتحريك و السكون و هو الزيادة و لذا يطلق النفل و النافلة على التطوع لزيادته على الفريضة، و قال اللّه- تعالى-:

«وَ وَهَبْنٰا لَهُ إِسْحٰاقَ وَ يَعْقُوبَ نٰافِلَةً» «1» اى زيادة على ما سأله او لكون ولد الولد زيادة على الولد.

و تطلق الانفال على غنائم الحرب و على الاموال التى لا مالك لها بالخصوص كالبحار و القفار و الآجام و الاودية و نحوها، و ربما يقال:

______________________________
(1)- سورة الانبياء الآية 72.

 

328
کتاب الخمس و الأنفال

الأنفال لغة و اصطلاحا ؛ ص : 328

 

اطلاقها على غنائم الحرب لان المسلمين فضلوا بها على سائر الامم او لزيادتها على ما قصد من الحرب فان المقصود منها الظفر على الاعداء و استيصالهم فالاموال المغنومة زيادة على اصل الفرض منها، و اطلاقها على ما لا مالك له بالخصوص لكونها للرسول و الامام زيادة على مالهما من سهم الخمس.

و لكن الاظهر اطلاقها عليهما بملاك واحد، فان الاموال على قسمين: بعضها له مالك مخصوص و يكون ملكا للشخص و بعضها ليس كذلك بل يكون من الاموال العمومية الباقية على الاشتراك فهي زائدة على الاموال الشخصية المتعلقة بالاشخاص.

و كيف كان فغنائم الحرب أيضا من الانفال بحسب اللغة بل بحسب القرآن أيضا حيث ان مورد نزول آية الانفال على ما روى في غنائم بدر و ان لم تطلق في الفقه عليها، و يظهر من سياق الآية انه كان هناك تخاصم في امر الانفال فسألوا رسول الله (ص) لقطع الخلاف و الخصومة و يشهد بذلك قوله: «وَ أَصْلِحُوا ذٰاتَ بَيْنِكُمْ وَ أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ»

ففى مجمع البيان عن ابن عباس «ان النّبيّ (ص) قال يوم بدر:

من جاء بكذا فله كذا و من جاء باسير فله كذا فتسارع الشبان و بقى الشيوخ تحت الرايات فلما انقضى الحرب طلب الشبان ما كان قد نفلهم النّبيّ (ص) به فقال الشيوخ: كنا ردأ لكم و لو وقعت عليكم الهزيمة لرجعتم إلينا و جرى بين ابى اليسر و سعد بن معاذ كلام فنزع اللّه- تعالى- الغنائم منهم و جعلها لرسوله يفعل بها ما يشاء فقسمها بينهم بالسوية و قال عبادة بن الصامت اختلفنا في النفل و سائت فيه اخلاقنا فنزعه الله- تعالى- من ايدينا فجعلها الى رسوله فقسمه بيننا على السواء».

و في رسالة الامام الصادق- عليه السلام- المروية في تحف العقول ما حاصله: «انه لما كان يوم بدر قال رسول الله «ص» من قتل قتيلا فله كذا و من اسر اسيرا فله من غنائم القوم كذا و كذا فلما هزم الله‌

 

329
کتاب الخمس و الأنفال

الأنفال لغة و اصطلاحا ؛ ص : 328

المشركين و جمعت غنائمهم قال رجل من الانصار انى قتلت قتيلين لى بذلك البينة و اسرت اسيرا فأعطنا ما اوجبت على نفسك يا رسول الله فقام سعد بن عبادة فقال يا رسول الله ما منعنا ان نصيب مثل ما اصابوا جبن من العدو و لا زهادة في الآخرة و المغنم و لكنا تخوفنا ان بعد مكاننا منك فيميل إليك من جند المشركين و انك ان تعط هؤلاء القوم ما طلبوا يرجع سائر المسلمين ليس لهم من الغنيمة شي‌ء ثم جلس فقام الانصارى فقال مثل مقالته الاولى ثم جلس يقول كل منهما ثلاث مرات فانزل اللّه يسئلونك عن الانفال و الانفال اسم جامع لما اصابوا يومئذ ... فلما قدم رسول اللّه (ص) المدينة انزل اللّه عليه «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ ...»

و روى التخاصم بينهم في تفسير على بن ابراهيم أيضا فراجع.

و لعل اللام في قوله: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ» لام العهد فيراد بها غنائم بدر المسئول عنها و اللام في قوله: «قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ» لام الاستغراق فتشمل للغنائم و لغيرها من الاملاك العمومية المعبر عنها في الفقه بالانفال.

و لا تنافى بين جعل الغنائم في هذه الآية لله و الرسول و بين جعل خمسها للّه و للرسول و لذى القربى و فروعه في آية الخمس الظاهر في كون البقية لهم اذ ولايتها لرسول اللّه و للإمام بعده ينفل منها ما يشاء و يصرف منها ما يشاء فيما ينوبه ثم يخرج منها الخمس و يتفضل عليهم بتقسيم البقية بينهم فهو المتولى لأمرها و ليس لهم الاعتراض على ما فعل ففى صحيحة زرارة قال: الامام يجرى و ينفل و يعطى ما يشاء قبل ان تقع السهام، و قد قاتل رسول الله (ص) بقوم لم يجعل لهم في الفي‌ء نصيبا و ان شاء قسم ذلك بينهم «1».

و كيف كان فالانفال للّه- تعالى- بالذات و لرسوله بجعلها له‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 2.

330
کتاب الخمس و الأنفال

انواع الأنفال ؛ ص : 331

 

و للإمام بعده لا لشخصه بل لمقامه فليست الامامة حيثية تعليلية لتملك شخص الامام بل حيثية تقييدية فالملك لنفس مقام الامامة نظير ما هو المعمول من عدّ الاموال العمومية ملكا للدولة و الحكومة فالملك للإمام بما هو امام و يصرفه في مصالح الامامة و الامة و ادارة شئونهم و ليس ملكا شخصيا له- عليه السلام-.

كيف! و هل يجوّز أحد أن يجعل الإسلام الذى هو دين العدالة و الانصاف جميع البحار و القفار و المعادن و الآجام و جميع قطائع الملوك و صفايا الغنيمة و ميراث من لا وارث له لشخص واحد بشخصه؟ و ان كان اعزّ خلق اللّه و هل لا ينافى هذا حقيقة الإسلام و روحه المنعكسة في قوله:

- تعالى- «كَيْ لٰا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيٰاءِ مِنْكُمْ»؟

و يؤيد ما ذكرنا ان الفقهاء مع ذكرهم الارضين من الانفال يذكرونها في المشتركات أيضا فراجع.

و يشير الى ما ذكرنا ما عن رسالة المحكم و المتشابه عن تفسير النعمانى عن على- عليه السلام- بعد ما ذكر الخمس و ان نصفه للإمام ثم قال: «ان للقائم بامور المسلمين بعد ذلك الانفال التى كانت لرسول الله (ص) ...» «1». فجعل فيه الانفال للقائم بامور المسلمين و ظاهره كونه له بما انه قائم بامورهم فهي ملك لمنصب الامامة.

و كيف كان فلنتعرض للأنفال و هى امور:

[انواع الأنفال]

الاول الارض التى تملك بغير قتال

سواء انجلى عنها اهلها او سلموها للمسلمين طوعا بلا خلاف اجده بل الظاهر انه اجماع كذا في الجواهر، و يدل عليه اخبار كثيرة.

منها صحيحة حفص بن البخترى او حسنته عن ابى عبد الله- عليه السلام- قال: «الانفال ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب او قوم‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 19.

 

331
کتاب الخمس و الأنفال

الاول الارض التى تملك بغير قتال ؛ ص : 331

صالحوا او قوم اعطوا بايديهم و كل ارض خربة و بطون الاودية فهو لرسول الله- صلى الله عليه و آله و سلم- و هو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء «1».

و منها مرسلة حماد الطويلة التى مرت بتمامها في قسمة الخمس و فيها «و له (اى للإمام) بعد الخمس الانفال، و الانفال كل ارض خربة باد اهلها و كل ارض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و لكن صالحوا صلحا و اعطوا بايديهم على غير قتال» «2».

و منها صحيحة محمد بن مسلم او حسنته عن ابى عبد الله (ع) انه سمعه يقول: ان الانفال ما كان من ارض لم يكن فيها هراقة دم او قوم صولحوا و اعطوا بايديهم، و ما كان من ارض خربة او بطون او دية فهذا كله من الفي‌ء و الانفال للّه و للرسول، فما كان للّه فهو للرسول يضعه حيث يحبّ و نحوها صحيحته الاخرى «3».

و منها موثقة زرارة عن ابى عبد الله (ع) قال: قلت له: ما يقول الله: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ» و هى كل ارض جلا اهلها من غير ان يحمل عليها بخيل و لا رجال و لا ركاب فهي نفل للّه و للرسول «4».

و منها موثقة سماعة قال سألته عن الانفال ... قال: و منها البحرين لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب «5».

و منها خبر الحلبى عن ابى عبد اللّه (ع) قال: سألته عن الانفال فقال: ما كان من الارضين باد اهلها ... قال: الفي‌ء ما كان من اموال لم‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 4.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 10 و 12.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 9.

(5)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 8.

332
کتاب الخمس و الأنفال

الاول الارض التى تملك بغير قتال ؛ ص : 331

يكن فيها هراقة دم او قتل، و الانفال مثل ذلك هو بمنزلته «1».

و منها مرفوعة احمد بن محمد عن بعض اصحابنا و فيها: و ما كان من فتح لم يقاتل عليه و لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب ... و ليس لأحد فيه شي‌ء الا ما اعطاه هو منه ... «2».

و منها ما رواه العياشى عن زرارة عن ابى جعفر- عليه السلام- قال: الانفال ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب «3» الى غير ذلك من الاخبار.

و لا يخفى ان المذكور في اكثرها الارض و في بعضها مطلق كصحيحة حفص و خبر الحلبى و المرفوعة و ما رواه العياشى عن زرارة فهل يحمل المطلق فيها على المقيد او يقال انهما مثبتان و لا تنافى بينهما فيؤخذ بالاطلاق؟

ففى المستمسك: «و اطلاق بعضها كالمصحح و ان كان يشمل الارض و غيرها لكنه مقيد بما هو مقيد بها الوارد في مقام الحصر و التحديد». و لكن الظاهر الاقوى الاخذ بالاطلاق و في خمس الشيخ الانصارى «نسبه بعض المتاخرين الى الاصحاب» و يدل عليه صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد الله (ع): السرية يبعثها الامام فيصيبون غنائم كيف يقسم؟ قال: ان قاتلوا عليها مع امير امره الامام عليهم اخرج منها الخمس للّه و للرسول و قسم بينهم اربعة اخماس و ان لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام يجعله حيث احب «4».

و يؤيد ذلك الاعتبار أيضا فان التخميس و تقسيم البقية انما‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 11.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 17.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 23.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 3.

333
کتاب الخمس و الأنفال

الاول الارض التى تملك بغير قتال ؛ ص : 331

يكون بين الغانمين بمقتضى الآية الشريفة، و لا يتوجه خطاب غنمتم الى عدّة خاصة الا اذا كان احراز الغنيمة مستندا الى عملهم و تصديهم للقتال فما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب يستوى نسبته الى جميع المسلمين فيصير الى القائم بامورهم و هو الامام من غير فرق في ذلك بين الارض و غيره فتدبر.

الثانى من الانفال، الارضون الموات

سواء ملكت ثم خربت و باد اهلها او لم يجر عليها ملك كالمفاوز، و الظاهر انه مما لا خلاف فيه و عن الخلاف و الغنية الاجماع على ان الموات للإمام و نحوهما عن جامع المقاصد و عن التنقيح نسبته الى اصحابنا و عن المسالك انه موضع وفاق و في الرياض انه لا خلاف فيه بيننا كذا في خمس الشيخ الانصارى- قدس سره-.

و في احياء الموات من الخلاف (المسألة 3): «الارضون الموات للإمام خاصة لا يملكها احد بالاحياء الا ان يأذن له الامام، و قال الشافعى من احياها ملكها اذن له الامام او لم يأذن، و قال ابو حنيفة لا يملك الا باذن و هو قول مالك، و هذا مثل ما قلناه الا انه لا يحفظ عنهم انهم قالوا: هى للإمام خاصة بل الظاهر انهم يقولون: لا مالك لها دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم و هى كثيرة و روى عن النّبيّ (ص) انه قال: ليس للمرإ الا ما طابت به نفس امامه، و انما تطيب نفسه اذا اذن فيه».

و في احياء الموات من الغنية «قد بينا فيما مضى ان الموات من الارض للإمام القائم مقام النّبيّ (ص) خاصة و انه من جملة الانفال يجوز له التصرف فيه بانواع التصرف و لا يجوز لأحد ان يتصرف فيه الا باذنه و يدل على ذلك اجماع الطائفة و يحتج على المخالف بما رووه من قوله (ص):

ليس لأحدكم الا ما طابت به نفس امامه».

و يدل على المسألة اخبار كثيرة مرّ بعضها في القسم الاول.

و منها قوله في مرسلة حماد السابقة: «و له بعد الخمس الانفال،

334
کتاب الخمس و الأنفال

الثانى من الانفال، الارضون الموات ؛ ص : 334

و الانفال كل ارض خربة باد اهلها ... و كل ارض ميتة لا رب لها ... «1».

و منها مرفوعة احمد بن محمد و فيها «و بطون الاودية و رءوس الجبال و الموات كلها هى له و هو قوله تعالى: يسألونك عن الانفال ...».

و منها ما رواه العياشى عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله قال:

سألته عن الانفال، قال: هى القرى التى قد جلى اهلها و هلكوا فخربت فهي للّه و للرسول «2».

و منها ما رواه أيضا عن ابى ابراهيم (ع) قال: سألته عن الانفال فقال: كل ما كان من ارض باد اهلها فذلك الانفال فهو لنا «3».

و منها ما رواه أيضا عن داود بن فرقد عن ابى عبد الله (ع) (في حديث) قال: قلت: و ما الانفال؟ قال: بطون الاودية و رءوس الجبال و الآجام و المعادن، و كل ارض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، و كل ارض ميتة قد جلا اهلها، و قطائع الملوك «4» الى غير ذلك من الاخبار.

و الظاهر من اطلاقها عدم الفرق بين الموات في بلاد الإسلام و بلاد الكفر فكما يملك الامام الاول يملك الثانى أيضا.

و قد أطلق في بعض الاخبار كون الارض الخربة او الميتة من الانفال و قيد في بعضها ببياد الاهل او جلائهم فهل يحمل المطلق على المقيد او يقال انّهما مثبتان و لا تنافى بينهما كما مرّ نظيره في القسم الاول؟ قد يقال بالاول و انه يراد بالقيد الاحتراز عن الخربة التى لها مالك معروف اذ فيها تفصيل فان كان ملكها بغير الاحياء كالشراء و الارث و نحوهما تبقى ملكا له و لا ترجع ملكا للإمام و ان صارت خربة، قالوا و من‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 4.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 24.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 26.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 32.

335
کتاب الخمس و الأنفال

الثانى من الانفال، الارضون الموات ؛ ص : 334

هذا القبيل عامر الارض المفتوحة عنوة اذا خربت لان مالكها معلوم و هم المسلمون و قد ملكوها بالفتح لا بالاحياء، نعم لو كان ملكها بالاحياء ثم خربت ففى بقائها على ملكه او زوال ملكه عنها و رجوعها الى الامام كما كان قبل الاحياء قولان مشهوران في كتاب احياء الموات و سنتعرض للمسألة عند التعرض لحكم الانفال في عصر الغيبة فانتظر. ثم ان الموات بالفتح و الضم كسحاب و غراب و اختلف كلماتهم في معناه ففى الصحاح «الموات أيضا الارض التى لا مالك لها من الآدميين و لا ينتفع بها احد» و في مفتاح الكرامة حكى ذلك عن الصحاح و المصباح ثم قال «و اقتصر في القاموس على الاول» و في النهاية: «الموات: الارض التى لم تزرع و لم تعمر و لا جرى عليها ملك احد» و لا يخفى عدم شمول ما في النهاية لما عرض عليها الموت، و في احياء الموات من الشرائع: «و اما الموات فهو الذى لا ينتفع به لعطلته اما لانقطاع الماء عنه او لاستيلاء الماء عليه او لاستيجامه او غير ذلك من موانع الانتفاع» و في مفتاح الكرامة حكى ذلك عن النافع و جامع الشرائع و التحرير و الدروس و اللمعة و المسالك و الروضة و الكفاية أيضا.

و عن التذكرة «هى الارض الخربة الدارسة التى باد اهلها و اندرس رسمها».

اقول: الحق اخذ معناه من العرف و اللغة و اصل الموات الموت و هو ضد الحياة و المتبادر منه عطلة الارض و خرابها بحيث لا ينتفع بها و ان بقيت بعض رسوم العمارة و آثار الانهار و يشمل الموات بالاصالة و بالعرض و اما بواد الاهل و جلائهم فكونه مأخوذا في مفهومه فلا يخلو من اشكال و ان قلنا باعتباره في جواز تصرفها و احيائها و لم يؤخذ هذا في تعريف الشرائع أيضا فلاحظ.

نعم لا يكفى مطلق العطلة بانقطاع الماء او استيلائه موقتا بل لا بد من ان يكون على وجه يعد مواتا عرفا.

336
کتاب الخمس و الأنفال

الثالث من الانفال الارض التى لا رب لها ؛ ص : 337

الثالث من الانفال الارض التى لا رب لها

و ان كانت عامرة بالاصالة لا من معمّر فان الظاهر كونها من الانفال و للإمام أيضا و يدل عليه بعض الاخبار.

فروى على بن ابراهيم في تفسيره بسند موثق عن اسحاق بن عمار قال: سألت ابا عبد الله (ع) عن الانفال فقال: هى القرى التى قد خربت و انجلى اهلها فهي للّه و للرسول، و ما كان للملوك فهو للإمام، و ما كان من الارض بخربة لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، و كل ارض لا رب لها، و المعادن منها، و من مات و ليس له مولى فماله من الانفال «1» هكذا في الوسائل و لكن في التفسير المطبوع «و ما كان من ارض الجزية لم يوجف عليها» و لعله اصح كما لا يخفى و كيف كان فقوله: كل ارض لا رب لها» يشمل الموات و العامر معا.

و روى العياشى في تفسيره عن ابى بصير عن ابى جعفر- عليه السلام- قال: لنا الانفال، قلت: و ما الانفال؟ قال: منها المعادن و الآجام، و كل ارض لا رب لها، و كل ارض باد اهلها فهو لنا «2»

و روى في المستدرك من كتاب عاصم بن حميد الحناط عن ابى بصير عن ابى جعفر- عليه السلام- قال: قلت له: و ما الانفال؟ قال:

المعادن منها و الآجام و كل ارض لا رب لها و لنا ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب و كانت فدك من ذلك «3» هذا.

و يؤيد هذه الاخبار الاخبار الدالة على ان الارض كلها للإمام.

لا يقال: يحمل المطلق في هذا الاخبار على المقيد في قوله في المرسلة «و كل ارض ميتة لا رب لها» فانه يقال: الظاهر ورود الوصف مورد الغالب اذا الغالب في الارض التى لا رب لها كونها ميتة و في مثله يلغو‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 20.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 28.

(3)- المستدرك ج 1 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 1.

337
کتاب الخمس و الأنفال

الرابع: رءوس الجبال و بطون الاودية و كذا الآجام ؛ ص : 338

القيد و لا يحمل المطلق عل المقيد نظير قوله تعالى: «وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ».

و يشهد للمسألة أيضا ما مرّ من كون المراد بالانفال الاموال التى لا تتعلق بالاشخاص بل تكون من الاموال العمومية فيكون زمام اختيارها بيد الحاكم الحق و هو المراد من كون الانفال للإمام لا كونها اموالا لشخصه- عليه السلام- فتدبّر.

الرابع: رءوس الجبال و بطون الاودية و كذا الآجام

جمع اجمة بالتحريك و هى الشجر الكثير الملتف كما عن القاموس او الارض المملوءة من القصب و نحوه كما عن الروضة و الرياض و يدل على كونها من الانفال اخبار كثيرة ففى مرسلة حماد الطويلة في عداد الانفال التى للإمام: «و له رءوس الجبال و بطون الاودية و الآجام» «1» و في مرفوعة احمد بن محمد: «و بطون الاودية و رءوس الجبال و الموات كلها هى له» «2» و في خبر داود بن فرقد عن ابى عبد الله (ع): «قلت: و ما الانفال؟ قال:

بطون الاودية و رءوس الجبال و الآجام و المعادن ...» «3» و في خبر محمد بن مسلم: «و بطون الاودية و رءوس الجبال» «4» و في صحيحتى محمد بن مسلم «او بطون اودية» «5» و في خبر ابى بصير: «منها المعادن و الآجام» «6» و ضعف السند في بعضها لا يقدح بعد اشتهار الاخذ بمضمونها هذا.

مضافا الى ما مرّ من ان الملاك في الانفال التى للإمام كون‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 4.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 17.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 32.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 22.

(5)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 10 و 12.

(6)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 28.

338
کتاب الخمس و الأنفال

الخامس: سيف البحار ؛ ص : 339

الملك من الاموال العمومية الغير المتعلقة بالاشخاص فهي اموال عمومية متعلقة بالدولة الاسلامية و زمام اختيارها بيد الامام و هى له.

و قد عرفت ان اساس الملكية للأشخاص هو الصناعة و العمل فلا يختص بهم الا ما حصل بصنعهم و عملهم او انتقل اليهم بالمعاملات او الميراث ممن حصل له بصنعه و عمله و لو بوسائط، فرءوس الجبال و بطون الاودية الباقية بطبعها و كذا الآجام العامرة من غير معمّر باقية على ملك الحكومة و الدولة الاسلامية فهي للإمام بما انه امام اى ملك لمنصب الامامة و مقامها فيستفيد منها و يصرفها في مصالح الامامة و الامة فتدبر.

و مقتضى ما ذكرنا و كذا اطلاق الاخبار عمومها لما في الاراضى المفتوحة عنوة او في خلال الاراضى المحياة الشخصية فما قد يتوهم من اختصاصها بما في اراضى الامام ممنوع.

لا يقال: بين اخبار الباب و بين ما دل على كون المفتوحة عنوة للمسلمين عموم من وجه فلم يقدم اخبار الباب في مورد الاجتماع؟

فانه يقال: لا ينتقل الى المسلمين بالغلبة الا ما احياها الكفار و صارت ملكا لهم فيبقى مواتها و جبالها و اوديتها و عمارها بلا معمر كالآجام على اشتراكها فتكون للإمام.

نعم لو استأجمت عمار المفتوحة عنوة او الاراضى الشخصية او جرى السيل فصارت اودية فالظاهر ان حكمها حكم المحياة التى عرضها الموت مع العلم بمالكها و المشهور انه ان كانت المالكية ثبتت بغير الاحياء فهي تبقى و ان كانت بالاحياء فعلى قولين.

و يمكن ان يقال في الاول ان الشجر و القصب من فوائد الارض و توابعها عرفا كالأعشاب فهي تحدث في ملك مالك الارض و لا وجه لخروج الارض عن ملكه بذلك و على فرض الشك تستصحب الملكية.

الخامس: سيف البحار

بالكسر اى ساحلها ذكره في الشرائع و لا دليل عليه بخصوصه نعم لما كان الغالب عليه كونه مواتا فان البحر و كذا‌

339
کتاب الخمس و الأنفال

السادس: قطائع الملوك و صفاياهم ؛ ص : 340

الانهار العظيمة لها جزر و مدّ فيبقى ساحلها مواتا لذلك فيكون من مصاديق ارض الموات و هو محتمل في عبارة الشرائع أيضا بان يكون عطفا على المفاوز التى ذكرها مثالا للموات.

السادس: قطائع الملوك و صفاياهم

ففى الشرائع: «و اذا فتحت دار الحرب فما كان لسلطانهم من قطائع و صفايا فهي للإمام اذا لم تكن مغصوبة من مسلم او معاهد و كذا له ان يصطفى من الغنيمة ما شاء من فرس او ثوب او جارية او غير ذلك ما لم يجحف».

اقول: المراد بقطائع الملوك الاراضى المختصة بهم و لا محالة تشتمل على مزايا و تعميرات مخصوصة و بصفاياهم الاشياء ذات القيم العالية الغالية المنتخبة الموجودة لهم في دور هم او مقر سلطنتهم.

و يدل على كونهما من الانفال و للإمام اخبار كثيرة (المذكورة في الوسائل ج 6 في الباب الاول من ابواب الانفال) كقوله- عليه السلام- في مرسله حماد الطويلة: «و له صوافى الملوك ما كان في ايديهم من غير وجه الغصب لان الغصب كله مردود» (4) و صحيحة داود بن فرقد قال ابو عبد الله (ع): «قطائع الملوك كلها للإمام و ليس للناس فيها شي‌ء (6) و موثقة سماعة قال: سألته عن الانفال فقال: كل ارض خربة او شي‌ء يكون للملوك فهو خالص للإمام و ليس للناس فيها سهم (8) و ما رواه على بن ابراهيم في تفسيره عن اسحاق بن عمار قال: سألت ابا عبد الله- عليه السلام- عن الانفال فقال: ... و ما كان للملوك فهو للإمام (20) و ما رواه العياشى عن الثمالى عن ابى جعفر- عليه السلام- قال: سمعته يقول في الملوك الذين يقطعون الناس قال: هو من الفي‌ء و الانفال و اشباه ذلك (30) و عنه أيضا عن ابى جعفر (ع) قال: ما كان للملوك فهو للإمام (31) و عن داود بن فرقد عن ابى عبد الله (ع) قال: قلت و ما الانفال؟ قال ...

و قطائع الملوك (32).

و يستفاد من خبر الثمالى ان المراد بقطائع الملوك ما يقطعونها‌

340
کتاب الخمس و الأنفال

السادس: قطائع الملوك و صفاياهم ؛ ص : 340

من الاراضى لخواصهم و حواشيهم او تكون اعم منها و ممّا يقطعونها لأنفسهم.

و لعل السّرّ في ذلك ان الاقطاعات على غير وجه الغصب كان في الاراضى القيمة التى هى بالطبع من الاموال العمومية فيرجعها الامام الى اصلها و يصادرها بنفع الامة و هذا هو المراد من كونها للإمام.

و اما ما ذكره في الشرائع من ان للإمام ان يصطفى من الغنائم صفوها ففى المنتهى «ذهب اليه علمائنا اجمع، روى الجمهور ان رسول الله (ص) كان يصطفى من الغنائم الجارية و الفرس و ما اشبههما في غزوة خيبر و غيرها».

و يدل على ذلك من الاخبار صحيحة ربعى عن ابى عبد الله- عليه السلام- قال: كان رسول اللّه (ص) اذا اتاه المغنم اخذ صفوه و كان ذلك له ثم يقسم ما بقى خمسة اخماس و يأخذ خمسه ... و كذلك الامام اخذ كما اخذ الرسول (ص) «1».

و صحيحة ابى الصباح قال: قال ابو عبد اللّه (ع) نحن قوم فرض الله طاعتنا لنا الانفال و لنا صفو المال ... «2»

و قوله عليه السلام في مرسلة حماد الطويلة: «و للإمام صفو المال ان يأخذ من هذه الاموال صفوها: الجارية الفارهة و الدابة الفارهة و الثوب و المتاع مما يحب او يشتهى فذلك له قبل القسمة و قبل اخراج الخمس ...» «3» و خبر ابى بصير عن ابى عبد الله- عليه السلام- قال:

سألته عن صفو المال؟ قال: الامام يأخذ الجارية الروقة و المركب الفاره و السيف القاطع و الدرع قبل ان تقسم الغنيمة فهذا صفو المال «4».

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 3.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 2 من ابواب الانفال، الحديث 2.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 4.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 15.

341
کتاب الخمس و الأنفال

السادس: قطائع الملوك و صفاياهم ؛ ص : 340

و مرسلة المقنعة عن الصادق- عليه السلام- قال: نحن قوم فرض اللّه طاعتنا في القرآن، لنا الانفال، و لنا صفو المال يعنى بصفوها ما احب الامام من الغنائم و اصطفاه لنفسه قبل القسمة من الجارية الحسناء و الفرس الفاره و الثوب الحسن و ما اشبه ذلك من رقيق او متاع على ما جاء به الاثر عن السادة- عليهم السلام- «1».

و روى في المستدرك من كتاب عاصم بن حميد الحناط عن ابى بصير عن ابى جعفر- عليه السلام- انه قال: و لنا الصفى قال: قلت له: و ما الصفى؟ قال: الصفى من كل رقيق و ابل يبتغى افضله ثم يضرب بسهم «2».

و لا يخفى ان قطائع الملوك و صفاياهم و صفايا الغنائم اشياء نفيسة قيّمة يرغب فيها الجميع و يتنافسون و يتخاصمون في اقتنائها فيشكل تقسيمها بين الغانمين اذ يوجب ذلك التشاجر بينهم و يثير بينهم الاحقاد و الضغائن مضافا الى انه ربما يكون المصلحة في ابقائها في خزائن الدولة الاسلامية لتكون ذخرا ليوم حاجة الدولة و الامة فجعلت للإمام و بيده ليصرفها في مصالح الامامة و الامة بما يراه صلاحا و يقطع بذلك جذور التشاجر و التخاصم فتدبر، هذا.

و في المدارك بعد قول المصنف «ما لم يجحف» قال: «هذا القيد مستغن عنه بل كان الاولى تركه».

اقول: القيد مذكور في معقد اجماع المنتهى أيضا و لكن مع ذلك يتعين تركه و لا سيما بالنسبة الى الامام المعصوم و قد عرفت في اول بحث الانفال ان مقتضى آية الانفال بضميمة الاخبار الواردة في تفسيرها كون الغنيمة باجمعها للّه و الرسول و بعده للإمام القائم مقامه فله ان يأخذ منها‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 21.

(2)- المستدرك ج 1 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 1.

342
کتاب الخمس و الأنفال

السابع من الانفال: ما يغنمه المقاتلون بغير اذن الامام ؛ ص : 343

ما شاء و ان يسدّ بها جميع ما ينوبه فان بقى بعد ذلك شي‌ء اخرج منه الخمس و قسم البقية كما في مرسلة حماد و اجماع المنتهى بالنسبة الى اصل المسألة لا هذا القيد و الا فمحل منع جدّا.

السابع من الانفال: ما يغنمه المقاتلون بغير اذن الامام

على المشهور بل في الخلاف (المسألة 16 من كتاب الفي‌ء) ادعى عليه اجماع الفرقة و اخبارهم و استدلوا عليه بمرسلة الورّاق و قد مرّ منا البحث عن المسألة في خمس الغنائم فراجع.

الثامن: المعادن

كما عن جماعة خلافا لآخرين و قد مرّ البحث عنها في خمس المعادن (المسألة 8) و عرفت ان الاقوى كونها من الانفال فراجع.

التاسع: ميراث من لا وارث له

في المنتهى: «ذهب علمائنا اجمع الى انه يكون للإمام خاصة ينقل الى بيت ماله».

و في الخلاف (المسألة 1 من كتاب الفرائض): «ميراث من لا وارث له و لا مولى نعمة لإمام المسلمين سواء كان مسلما او ذميا و قال جميع الفقهاء ان ميراثه لبيت المال و هو لجميع المسلمين، دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم». و نحوه بتفصيل في المسألة 14 و زاد «و أيضا فلا خلاف ان للإمام ان يخص به قوما دون قوم ...»‌

و يدل على المسألة اخبار كثيرة: منها صحيح محمد بن مسلم عن ابى جعفر (ع) قال: من مات و ليس له وارث من قرابته و لا مولى عتاقه قد ضمن جريرته فماله من الانفال «1».

و منها صحيح محمد الحلبى عن ابى عبد الله (ع) في قول اللّه- تعالى- «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ» قال: من مات و ليس له مولى فماله من الانفال «2» و منها صحيحة الآخر عن ابى عبد اللّه (ع) قال: من مات‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 17 الباب 3 من ابواب ولاء ضمان الجريرة و الامامة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 17 الباب 3 من ابواب ولاء ضمان الجريرة و الامامة، الحديث 3.

343
کتاب الخمس و الأنفال

التاسع: ميراث من لا وارث له ؛ ص : 343

و ترك دينا فعلينا دينه و إلينا عياله، و من مات و ترك مالا فلورثته، و من مات و ليس له موالى فماله من الانفال «1».

و منها خبر ابان بن تغلب قال ابو عبد اللّه- عليه السلام-: من مات لا مولى له و لا ورثة فهو من اهل هذه الآية يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ «2»

و منها خبر حمزة بن حمران عن ابى عبد الله- عليه السلام- و فيه «و ان كان الميت لم يتوال الى احد حتى مات فان ميراثه لإمام المسلمين الحديث» «3».

و منها خبر محمد بن القاسم بن الفضيل عن ابى الحسن- عليه السلام- في رجل صار في يده مال لرجل ميت لا يعرف له وارثا كيف يصنع بالمال؟ قال: ما اعرفك لمن هو يعنى نفسه «4».

و منها مرسلة حماد الطويلة و فيها «و هو وارث من لا وارث له يعول من لا حيلة له» «5». الى غير ذلك من الاخبار.

نعم هنا اخبار اخر ربما ترى معارضة لما ذكر فمنها ما رواه معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (ع) قال: سمعته يقول: من اعتق سائبة فليتوال من شاء، و على من والى جريرته وله ميراثه، فان سكت حتى يموت اخذ ميراثه فجعل في بيت مال المسلمين اذا لم يكن له ولى «6» و نحوها رواية سليمان بن خالد «7».

و في الوسائل «هذا محمول على ان المراد ببيت مال المسلمين‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 17 الباب 3 من ابواب ولاء ضمان الجريرة و الامامة، الحديث 4.

(2)- الوسائل ج 17 الباب 3 من ابواب ولاء ضمان الجريرة و الامامة، الحديث 8.

(3)- الوسائل ج 17 الباب 3 من ابواب ولاء ضمان الجريرة و الامامة، الحديث 11.

(4)- الوسائل ج 17 الباب 3 من ابواب ولاء ضمان الجريرة و الامامة، الحديث 13.

(5)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 4.

(6)- الوسائل ج 17 الباب 3 من ابواب ولاء ضمان الجريرة و الامامة، الحديث 9.

(7)- الوسائل ج 17 الباب 1 من ابواب ولاء ضمان الجريرة و الامامة، الحديث 3.

344
کتاب الخمس و الأنفال

التاسع: ميراث من لا وارث له ؛ ص : 343

بيت مال الامام لأنه متكفل باحوالهم او على التقية او على التفضل من الامام و الاذن في اعطاء ماله للمحتاجين من المسلمين»‌

و في الجواهر: «لعل في نقله الى بيت المال اشعارا بان المأخوذ بحق الامامة غير باقى اموال الامام الحاصلة له بكسب و نحوه و لذا قال في محكى الغنية و السرائر: اذا مات الامام انتقل الميراث الى الامام لا الى غيره من ورثته بل عن الاول اجماع الطائفة عليه».

و في ميراث الغنية «فان عدم جميع هؤلاء الورّاث فالميراث للإمام فان مات انتقل الى من يقوم مقامه في الامامة دون من يرث تركته ... كل ذلك بدليل الاجماع».

و في السرائر بعد ما ذكر ولاء الامامة و ميراثه قال: «فاما اذا مات الامام انتقل الى الامام الذى يقوم بامر الامة مقامه دون ورثته الذين يرثون تركته».

اقول: مما حكينا من كلماتهم يقرب الى ذهنك ما نصرّ عليه من ان الانفال ليست ملكا لشخص الامام بل لمنصب الامامة و لا محالة تصرف في مصالح الامامة و الامة و لا يوجد فرق اساسى بين كون المال للإمام بما هو امام و بين كونه للمسلمين و انما الفارق بينهما نحو اعتبار لا يوجب فرقا اساسيّا في مقام العمل فان ولى المسلمين و من يتولى صرف مالهم أيضا هو الامام، و ما للإمام أيضا لا يصرف في مصارفه الشخصية الا أقلّ قليل و لو بقى منه شي‌ء ينتقل الى الامام بعده لا الى وارثه. و لذا ترى المفيد في المقنعة تارة يقول «ميراثه لبيت المال» و اخرى يقول «ميراثه لإمام المسلمين خاصة يضعه فيهم حيث يرى».

و هل ينقدح في ذهن احد انّ اللّه- تعالى- جعل جميع البحار و المفاوز و الآجام و المعادن و ميراث من لا وارث له و خمس جميع الاموال او عشرها لشخص خاص بشخصه؟! فمعنى كون المال للإمام كونه لحيثية الامامة نظير ما هو المعمول في جميع البلاد من عدّ ما لا يتعلق بالاشخاص‌

345
کتاب الخمس و الأنفال

التاسع: ميراث من لا وارث له ؛ ص : 343

ملكا للحكومة و الدولة و قد مرّ في اوائل الخمس خبر ابى على بن راشد قال: قلت لأبي الحسن الثالث- عليه السلام- انّا نؤتى بالشي‌ء فيقال: هذا كان لأبي جعفر- عليه السلام- عندنا فكيف نصنع؟ فقال:

ما كان لأبي- عليه السلام- بسبب الامامة فهو لى، و ما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب اللّه و سنة نبيّه «1» هذا.

و من الاخبار المعارضة في الباب خبر ابى بصير عن ابى عبد الله- عليه السلام- قال: السائبة ليس لأحد عليها سبيل فان والى احدا فميراثه له و جريرته عليه و ان لم يوال احدا فهو لا قرب الناس لمولاه الذى اعتقه «2» و في الوسائل: «ذكر الشيخ انه أيضا غير معمول عليه و يحتمل التفضل منهم- عليهم السلام-».

و من الاخبار المتوهم معارضتها خبر خلاد السندى عن ابى عبد الله- عليه السلام- قال: كان على- عليه السلام- يقول في الرجل يموت و يترك مالا و ليس له احد: اعط المال همشاريجه، هكذا في الوسائل عن الكافى و نحوه عن الشيخ عن خلاد عن السرى يرفعه الى امير المؤمنين، و يحتمل التصحيف في احدهما كما لا يخفى «3»

و خبر داود عمن ذكره عن ابى عبد الله- عليه السلام- قال:

مات رجل على عهد امير المؤمنين- عليه السلام- لم يكن له وارث فدفع امير المؤمنين ميراثه الى همشهريجه (همشيريجه خ).

قال في الاستبصار بعد نقل الخبرين: «انه ليس فيهما ما ينافى ما تقدم لان الذى تضمناه حكاية فعل و لعل ذلك فعل لبعض الاستصلاح لأنه اذا كان المال له خاصة جاز له ان يعمل به ما شاء و يعطى من شاء».

و اعلم ان فقهائنا فيما رأيت أخذوا بما عرفت من الاخبار من كون‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من ابواب الانفال، الحديث 6.

(2)- الوسائل ج 17 الباب 3 من ابواب ولاء ضمان الجريرة و الامامة، الحديث 10.

(3)- الوسائل ج 17 الباب 4 من ابواب ولاء ضمان الجريرة و الامامة، الحديث 1 و 2.

346
کتاب الخمس و الأنفال

التاسع: ميراث من لا وارث له ؛ ص : 343

ميراث من لا وارث له للإمام و انه يعمل فيه ما يشاء و حملوا الخبرين الاخيرين على حكاية فعل منه- عليه السلام- صدر عنه تفضلا و تبرعا على اختلافهم في التعبيرات.

و مع ذلك اختلفوا في حكمه في عصر الغيبة.

ففى الخلاف (المسألة 15 من الفرائض): «و ان لم يوجد وجب حفظه له عندنا كما يحفظ سائر امواله».

و في الفقيه «و متى كان الامام غائبا فماله لأهل بلده».

و في المقنعة: «و من مات و خلف تركة في يد انسان لا يعرف له وارثا جعلها في الفقراء و المساكين».

و في النافع: «و مع غيبته يقسّم في الفقراء».

و في الشرائع: «و ان كان غائبا قسم في الفقراء و المساكين.»‌

و في القواعد: «و ان كان غائبا حفظه له او صرف في المحاويج».

و في اللمعة: «و مع غيبته يصرف في الفقراء و المساكين».

و في الدروس: «و ان كان غائبا قال جماعة من الاصحاب يحفظ له بالوصاية او الدفن الى حين ظهوره و الاظهر جواز قسمته في الفقراء و المساكين».

و في الجواهر احتمل كونه من الانفال التى ثبت تحليلهم اياها للشيعة ثم قال: «الاصل البقاء و مصرفه الصدقة به عنه كغيره من المال المتعذر وصوله الى صاحبه»، ثم قال اخيرا «فالاولى ايصاله الى نائب الغيبة المامون فيصرفه على حسب ما يراه من المصلحة التى تظهر له من احوال سيده و مولاه».

اقول: لا دليل على ما ذكروه من صرفه في الفقراء و المساكين الا توهم دلالة الخبرين الحاكيين لفعل امير المؤمنين- عليه السلام-، او توهم كون المقام من قبيل المال المتعذر ايصاله الى صاحبه فيتصدق به‌

347
کتاب الخمس و الأنفال

العاشر: ذكر المفيد في المقنعة من الانفال، البحار و المفاوز ؛ ص : 348

عنه كما في الجواهر، و الاول ممنوع اذا المفروض رفع تعارضهما مع الاخبار الاول بحملهما على حكاية فعل لا الزام في الاخذ به و ليس فيهما اسم من زمان الغيبة و عدم امكان الايصال الى الامام، و بطلان الثانى واضح اذ بنائه على كون المال لشخص الامام فيتصدق به عنه و قد عرفت فساده.

و الحاصل ان اساس كلمات الاصحاب و اقوالهم في باب الخمس و الانفال كونهما لشخص الامام المعصوم- سلام اللّه عليه- و عدم ايجابهم تاسيس الحكومة الاسلامية المجرية لأحكام الإسلام و حدوده في عصر الغيبة و ان طال زمانها او عدم احتياجها الى الماليات و الميزانيات المشرعة في الإسلام لشئون الامامة و اصلاح الامة و رفع حاجاتهم و سدّ خلّاتهم.

ثم اى فرق بين سهم الامام و ميراث من لا وارث له و سائر الانفال بعد كون الجميع للإمام حتى خصوا ميراث من لا وارث له بالصرف في الفقراء؟! ثم على فرض الاخذ بالخبرين فلم أطلق الاصحاب و لم يخصوه بفقراء البلد كما في الخبرين؟.

العاشر: ذكر المفيد في المقنعة من الانفال، البحار و المفاوز

و عن ابى الصلاح أيضا ذكر البحار، اما المفاوز فالظاهر كونها من مصاديق الموات و اما البحار فقالوا لا دليل عليها و قالوا: لعلهما اخذاه مما دل على ان الدنيا كلها للّه و لرسول الله و لنا، او ان الدنيا و الآخرة للإمام يضعها حيث يشاء و يدفعها الى من يشاء، او ان اللّه اقطع آدم الدنيا فما كان لآدم فلرسول الله و ما كان لرسول الله فهو للأئمة- عليهم السلام- «1».

او خبر حفص عن ابى عبد اللّه (ع) قال: ان جبرئيل كرى برجله خمسة انهار لسان الماء يتبعه: الفرات و دجلة و نيل مصر و مهران و نهر بلخ فما سقت او سقى منها فللإمام، و البحر المطيف بالدنيا و هو افسيكون «2»

______________________________
(1)- اصول الكافى ج 1 ص 409 باب ان الارض كلها للإمام، الحديث 7.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 18.

348
کتاب الخمس و الأنفال

الفصل الثانى: في حكم الانفال و تملكها و التصرف فيها ؛ ص : 349

 

الى غير ذلك من الاخبار.

اقول: لا شك ان البحار من الانفال اذ قد مرّ منّا مرارا ان الملاك في كون الشي‌ء من الانفال كونها من الاموال العمومية غير المتعلقة بالاشخاص، و عدم ذكر البحار في اخبار الباب لعدم الابتلاء بها كثيرا في عصر الائمة- عليهم السلام- و اما في عصرنا فهي مما تهتم بها جميع الدول و تستفيد كثيرا من صيدها و جواهرها و معادنها و الطرق البحرية فيها، و ليس معنى كون الانفال او الدنيا للإمام كونها لشخصه بل كونها لمقام الامامة و لإدارة شئون المسلمين بل الناس جميعا (خلق لكم ما في الارض جميعا «1» غاية الامر كون زمام اختيارها بيد الامام ليقطع بدخالته فيها جذور التخاصم و الفساد و يستفاد منها بصلاح الامامة و الامة‌

و بذلك يظهر ان الفضاء أيضا بلحاظ الطرق الجوية في اختيار الامام و يمكن عدها من الانفال و كذا الشطوط و الانهار الكبيرة بل و المياه الواقعة تحت الارض و يشمل جميع ذلك ما مر من كون الدنيا باجمعها له- عليه السلام- فما ذكر في الاخبار من الانفال يكون من باب المثال.

الفصل الثانى: في حكم الانفال و تملكها و التصرف فيها

و لا سيما في عصر الغيبة و نتعرض لذلك في ضمن مسائل:

المسألة الاولى: لا يخفى ان المالك لجميع الاموال و الاملاك اولا و بالذات هو اللّه- تعالى

- فهو يملكنا و يملك جميع الاشياء و الاموال بالملكية الحقيقية و الواجدية التكوينية و الاحاطة القيوميّة و هى بشراشر ذاتها و عمق وجوداتها تعلقى الذات به- تعالى-، هذه هى حقيقة الملكية و اما ملكنا للأشياء فملكية اعتبارية محضة يعتبرها العقلاء و يعتبرها الشرع المقدس في موضوعات خاصّة و شروط مخصوصة.

______________________________
(1)- سورة البقرة، الآية 29.

 

349
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة الاولى: لا يخفى ان المالك لجميع الاموال و الاملاك اولا و بالذات هو الله - تعالى ؛ ص : 349

و لعل اساس الملكية الاعتبارية أيضا مرتبة من الملكية التكوينية فان نظام التشريع الصحيح هو الذى ينطبق على نظام التكوين، فالانسان مالك لقواه و لجهاز فاعليته و بتبع ذلك لنفس فعله مالكية تكوينية في طول مالكية اللّه- تعالى- لكل شي‌ء، و بتبع مالكيته تكوينا لأفعال نفسه يملك محصول افعاله و نتائج اعماله من احياء الاراضى و حيازة المباحات و آثار صنعه في الاشياء و المواد الاولية فيملك المحياة و المحوز و المصنوع تبعا فيستفيد منها شخصا او يعامل عليها او يهبها او يورثها ورثته.

و لازم ذلك عدم مالكيته لما لم يقع تحت صنعه و فعله كالبحار و القفار و الآجام و الاودية و الجبال و المعادن و نحوها بل و غنائم الحرب فهي لله- تعالى- و قد جعلها في طول ذلك للرسول (ص) فالانفال للّه و الرسول بمقتضى الكتاب و السنة و الاجماع بل العقل و جعلت بعد الرسول (ص) بمقتضى الاخبار الكثيرة المتواترة للإمام القائم مقامه يفعل فيها ما يراه صلاحا للإمامة و الامة و قد مرّ كثير من الاخبار فراجع.

فما في خبر حريز عن محمد بن مسلم قال: سمعت ابا عبد الله- عليه السلام- يقول و سئل عن الانفال فقال: كل قرية يهلك اهلها او يجلون عنها فهي نفل للّه- عز و جل- نصفها يقسم بين الناس و نصفها لرسول الله (ص) فما كان لرسول اللّه فهو للإمام «1» و نحوه ما رواه العياشى عن حريز «2» و من المحتمل اتحادهما و سقط محمد بن مسلم من الثانى، يجب تاويله بارادة القسمة تفضلا او حمله على التقية كما احتمله في الحدائق او طرحه لمخالفتها للأخبار الكثيرة و الاجماعات.

و حمل آية الانفال على التشريك بين اللّه و رسوله فيصرف سهم الله في الناس و يختص بالرسول سهمه مخالف للإجماع و الاخبار مضافا الى ما في خبر معاذ عن ابى عبد الله- عليه السلام- قال: «و ما كان للّه‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 7.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 25.

350
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة الثانية: لا يجوز عقلا و شرعا التصرف في مال الامام من الخمس و الانفال الا باذنه ؛ ص : 351

من حق فانما هو لوليه «1».

و الذى يسهّل الخطب هو ما ذكرناه مرارا من ان الفي‌ء و الانفال ليست لشخص الامام بل هى اموال عمومية جعلت لمنصب الامامة و لا محالة تصرف في مصالح الامامة و الامة، فمصالح الامة من مصارفها و لعل المراد بالنصف في الخبرين شطر من المال لا خصوص النصف نظير ما ذكرناه في باب الخمس من ان سهم السّادة ليس نصف الاخماس بل الخمس حق وحدانى للإمام و لكنه يسد به خلّتهم، و ترى نظير ذلك في آية الفي‌ء في سورة الحشر حيث ذكر فيها اليتامى و المساكين و ابن السبيل و بعدها فقراء المهاجرين مع ان الفي‌ء بمقتضى الاخبار و الفتاوى كله للرسول و بعده للإمام فراجع ما حرّرناه في قسمة الخمس.

المسألة الثانية: لا يجوز عقلا و شرعا التصرف في مال الامام من الخمس و الانفال الا باذنه

فانه مقتضى كون المال للغير و في اختياره و لو تصرف متصرف كان غاصبا و لو حصل له فائدة تابعة للملك كانت للإمام من غير فرق بين الحضور و الغيبة، و لو ثبت منهم التحليل لشخص او في عصر او مطلقا كان اذنا منهم فيخرج موضوعا.

و حينئذ فيقع البحث في انه ثبت التحليل في الخمس و الانفال مطلقا او في الغيبة فقط او في المناكح و المساكن و المتاجر او في المناكح خاصة او ثبت في الانفال و سهمه من الخمس دون سهم الاصناف الثلاثة او لم يثبت اصلا؟ وجوه بل اقوال.

و قبل الورود في البحث نقول: قد مرّ منا ان الخمس مالية و ميزانية اسلامية عبر عنه في رواية المحكم و المتشابه بوجه الامارة و قد شرّع لإدارة شئون الامامة و الحكومة الاسلامية و من شئونها سدّ خلة السادة الذين هم من اغصان شجرة الرسالة.

______________________________
(1)- اصول الكافى ج 1 ص 537 باب صلة الامام، الحديث 3.

351
کتاب الخمس و الأنفال

حكومة اسلامية مجرية لأحكام الإسلام و حدوده ؛ ص : 352

و الانفال اموال عمومية خلقها اللّه- تعالى- للبشر و جعلها في اختيار الامام ليستفيد منها على وجه العدل في مصالح الامامة و الامة، و لا غنى للبشر في حياتهم و مماتهم منها بل يبتنى عليها اساس حياتهم و بقائهم.

فلو قيل: بان في عصر الغيبة لا يجب على المسلمين تأسيس‌

حكومة اسلامية مجرية لأحكام الإسلام و حدوده

بل هو عصر الهرج و المرج و ان طال الزمان، و الإسلام اهمل الناس فيه حتى يظهر الولي المنتظر- عجل الله تعالى في فرجه- فلا محالة كان على الائمة- عليهم السلام- ان يحلّلوا الانفال لجوامع البشر و لا أقلّ للمسلمين و بالاخص لشيعتهم اذ لا يمكن بقائهم و اعاشتهم بدونها. نعم لا يصح تحليلهم لسهم السادة بعد ما حرموا من الزكاة و عوضهم الله عنها بالخمس.

و اما اذا قلنا بان الإسلام الذى هو الدين الكامل و الكافل لسعادة الدارين لا يهمل الناس في الهرج و المرج و لو ساعة، و الحكومة لا بد منها في ادامة الحياة و اجراء احكام الإسلام و حدوده في الابواب المختلفة و تامين العدالة الاجتماعية كما في نهج البلاغة: «انه لا بد للناس من امير برّ او فاجر يعمل في امرته المؤمن و يستمتع فيها الكافر و يبلغ الله به الاجل و يجمع به الفي‌ء و يقاتل به العدو و تأمن به السبل و يؤخذ به للضعيف من القوى حتى يستريح برّ و يستراح من فاجر» (الخطبة 40).

و في كتاب سليم بن قيس الهلالى عن على- عليه السلام- «و الواجب في حكم اللّه و حكم الإسلام على المسلمين بعد ما يموت امامهم او يقتل ضالا كان او مهتديا مظلوما كان او ظالما حلال الدم او حرام الدم ان لا يعملوا عملا و لا يحدثوا حدثا و لا يقدموا يدا و لا رجلا و لا يبدءوا بشي‌ء قبل ان يختاروا لأنفسهم اماما عفيفا عالما ورعا عارفا بالقضاء و السنة يجمع امرهم و يحكم بينهم و يأخذ للمظلوم من الظالم و يحفظ اطرافهم‌

352
کتاب الخمس و الأنفال

حكومة اسلامية مجرية لأحكام الإسلام و حدوده ؛ ص : 352

و يجبى فيئهم و يقيم حجهم و جمعتهم و يجبى صدقاتهم ...» «1».

فلا محالة يوجد في كل عصر و لو في عصر الغيبة من يصلح للحكومة و لإجراء احكام الإسلام و حدوده و يجب طاعته بعد تصديه و القدر المتيقن منه الفقيه العادل الشجاع المدبر العارف بحوادث الزمان و حوائج الانسان القادر على اجراء حدود الإسلام و احكامه، و الاخبار الدالة على ولايته كثيرة مذكورة في محلها و من جملتها ما في تحف العقول عن السبط الشهيد- سلام اللّه عليه-: «ذلك بان مجارى الامور و الاحكام على ايدى العلماء باللّه الامناء على حلاله و حرامه» و قال اللّه- تبارك و تعالى-: «أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لٰا يَهِدِّي إِلّٰا أَنْ يُهْدىٰ فَمٰا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ» «2» و عن كتاب سليم بن قيس عن على «قال رسول اللّه «ص»: ما ولت امة قط امرها رجلا و فيهم اعلم منه الا لم يزل امرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا الى ما تركوا» «3».

كيف؟! و فقهائنا- رضوان اللّه عليهم- ذكروا أمورا سمّوها امورا حسبية و قالوا انها امور ضرورية لا يجوز اهمالها كالتصرف في اموال اليتامى و الغيّب و القصّر فجعلوا الفقيه العادل القدر المتيقن ممن يجوز له التصرف في هذه الامور فنقول: هل يكون اهمال مال الصبى او السفيه او الغائب مقطوع الفساد و لا يكون اهمال الجوامع الاسلامية مقطوع الفساد فاهملوا مع الهرج و المرج و سلطة الطواغيت عليهم حتى يظهر صاحب الامر عج و ليس لنا بالنسبة الى ادارة شئونهم وظيفة اصلا؟!

فاذا ظهر لك لزوم تاسيس الحكومة الاسلامية باىّ نحو امكن و الميسور منه لا يترك بالمعسور و ما لا يدرك كله لا يترك كله فلا محالة تحتاج هذه الحكومة الى الماليات و الميزانيات و تكون مرجعا في المشاجرات‌

______________________________
(1)- بحار الأنوار ج 8 ص 555 من الطبع القديم.

(2)- سورة يونس، الآية 35.

(3)- كتاب سليم بن قيس، ص 118.

353
کتاب الخمس و الأنفال

فالانفال محللة في عصر الغيبة للمسلمين او للشيعة ؛ ص : 354

و المخاصمات فيجب ان يجعل الخمس الذى هو وجه الامارة و كذا ساير الميزانيات الاسلامية في اختيارها و يجعل الانفال التى هى اموال عمومية تحت سلطتها لتستفيد منها في مصالح الحكومة و الامة فان الملاك الذى اوجب جعلها في اختيار الامام- عليه السلام- في عصر ظهوره يوجب جعلها في اختيار نوابه و الا لما تيسر له ادارة شئون الحكومة و اجراء العدالة الاجتماعية و قطع جذور الاختلاف و التشاجر.

نعم الائمة الاثنا عشر- سلام الله عليهم- كانوا معصومين و النواب ليسوا بمعصومين و لكن عمال الحكومة على وزان واحد فربما يعصون و ربما يخطئون و لكن وجود الحكومة الناقصة اولى من الهرج و المرج و ما لا يدرك كله لا يترك كله.

فالانفال محللة في عصر الغيبة للمسلمين او للشيعة

و لكن للحكومة الحقة النظر فيها و التصدى لتقسيمها او الاستنتاج منها بنفع الإسلام و المسلمين و يجب لا محالة على الناس اطاعتها و اجراء اوامرها و اى فرق بين سهم الامام الذى افتوا بايصاله الى الفقيه و بين الانفال مع كون كليهما للإمام لا لشخصه بل لمنصب امامته و حكومته؟ فتدبر. هذه خلاصة نظرنا في جميع الانفال و كذا جميع الميزانيات الاسلامية في عصر الغيبة.

اذا عرفت هذا فنقول: قد مرّ منا في المسألة الاخيرة من كتاب الخمس نقل بعض الاقوال في تحليل المناكح و المساكن و المتاجر و تفسيرها فيما يرتبط بباب الخمس فالآن نذكر الاقوال فيما يرتبط بالانفال و لا محالة يتكرر بعضها فاعتذر للقراء الكرام و ارجو منهم ان يرجعوا في تفسير العناوين الثلاثة الى ما ذكرنا هناك.

فعن عوالى اللئالى سئل الصادق- عليه السلام- فقيل له يا بن رسول الله ما حال شيعتكم فيما خصكم اللّه به اذا غاب غائبكم و استتر قائمكم فقال (ع): ما انصفناهم ان آخذناهم و لا احببناهم ان عاقبناهم‌

354
کتاب الخمس و الأنفال

فالانفال محللة في عصر الغيبة للمسلمين او للشيعة ؛ ص : 354

بل نبيح لهم المساكن لتصح عباداتهم و نبيح لهم المناكح لتطيب ولادتهم و نبيح لهم المتاجر ليزكو اموالهم «1» و السند ضعيف و لا يوجد العناوين الثلاثة في خبر الا في هذا المرسل.

و في النهاية: «فاما في حال الغيبة فقد رخصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم مما يتعلق بالاخماس و غيرها فيما لا بد لهم منه من المناكح و المتاجر و المساكن فاما ما عدا ذلك فلا يجوز له التصرف فيه على حال» و نحو ذلك في المبسوط أيضا.

و في التهذيب: «اما الغنائم و المتاجر و المناكح و ما يجرى مجراها مما يجب للإمام فيه الخمس فانهم- عليهم السلام- قد اباحوا لنا ذلك و سوغوا لنا التصرف فيه ... و اما اراضى الخراج و اراضى الانفال و التى قد انجلى اهلها عنها فانا قد ابحنا أيضا التصرف فيها ما دام الامام- عليه السلام- مستترا فاذا ظهر يرى هو- عليه السلام- في ذلك رأيه».

و قال سلار في المراسم: «و الانفال له أيضا و هى كل ارض فتحت ... فليس لأحد ان يتصرف في شي‌ء من ذلك الا باذنه فمن تصرف فيه باذنه فله اربعة اخماس المستفاد منها و للإمام الخمس و في هذا الزمان فقد احلّونا مما يتصرف فيه من ذلك كرما و فضلا لنا خاصة». و ظاهر كلامه تحليل الانفال لا الخمس كما لا يخفى.

و في السرائر: «و اما في حال الغيبة و زمانها ... فقد رخصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم مما يتعلق بالاخماس و غيرها مما لا بدّ لهم منه من المناكح و المتاجر و المساكن ... فاما ما عدا الثلاثة فلا يجوز التصرف فيه على حال».

و في الشرائع: «يثبت اباحة المناكح و المساكن و المتاجر في حال الغيبة و ان كان ذلك باجمعه للإمام او بعضه و لا يجب اخراج‌

______________________________
(1)- المستدرك ج 1 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 3.

355
کتاب الخمس و الأنفال

فالانفال محللة في عصر الغيبة للمسلمين او للشيعة ؛ ص : 354

حصة الموجودين من ارباب الخمس منه».

و في الجهاد منه «و ما كان مواتا وقت الفتح فهو للإمام خاصة و لا يجوز احيائه الا باذنه ان كان موجودا ... و يملكها المحيى عند عدمه من غير اذن».

و في النافع قال بعد ذكر الانفال: «لا يجوز التصرف فيما يختص به مع وجوده الا باذنه، و في حال الغيبة لا بأس بالمناكح، و الحق الشيخ المساكن و المتاجر».

و في التذكرة «قد اباح الائمة- عليهم السلام- لشيعتهم المناكح و المساكن و المتاجر حال ظهور الامام و غيبته لعدم امكان التخلص من المآثم بدون الاباحة و ذلك من اعظم انواع الحاجة».

و في الجهاد منه: «الارض الخربة و الموات و رءوس الجبال و بطون الاودية و الآجام من الانفال يختص بها الامام ليس لأحد التصرف فيها الا باذنه حال ظهوره و يجوز للشيعة حال الغيبة التصرف فيها لأنهم اباحوا شيعتهم ذلك».

و في المنتهى: «قد اباح الائمة- عليهم السلام- لشيعتهم المناكح في حالتى ظهور الامام و غيبته و عليه علمائنا اجمع ... و الحق الشيخ المساكن و المتاجر».

و في الجهاد منه: «قد بينا ان الارض الخربة و الموات و رءوس الجبال و بطون الاودية و الآجام من الانفال يختص بها الامام ليس لأحد التصرف فيها الا باذنه ان كان ظاهرا و ان كان غائبا جاز للشيعة التصرف فيها بمجرد الاذن منهم- عليهم السلام-».

و لا يخفى ان ما ذكرناه من العبارات بعضها يختص بالانفال و بعضها يعم الخمس و الانفال معا.

و لكن في المختلف عن ابى الصلاح ما حاصله: «و يلزم من تعين عليه شي‌ء من اموال الانفال ان يصنع فيه ما بيناه من شطر الخمس لكون‌

356
کتاب الخمس و الأنفال

فالانفال محللة في عصر الغيبة للمسلمين او للشيعة ؛ ص : 354

جميعها حقا للإمام فان اخل المكلف بما يجب عليه من الخمس و الانفال كان عاصيا للّه- سبحانه- و مستحقا لعاجل اللعن و آجل العقاب و لا رخصة في ذلك بما ورد من الحديث فيها لان فرض الخمس و الانفال ثابت بنص القرآن و الاجماع من الامة و لإجماع آل محمد على ثبوته و كيفية استحقاقهم و حمله اليهم و قبضهم اياه و مدح مؤدّيه و ذم المخلّ به و لا يجوز الرجوع عن هذا بشاذ الاخبار». فهو- قدس سره- انكر الرخصة في الخمس و الانفال مطلقا.

و في المقنعة «و ليس لأحد ان يعمل في شي‌ء مما عددناه من الانفال الا باذن الامام العادل فمن عمل فيها باذنه فله اربعة اخماس المستفاد منها و للإمام الخمس و من عمل فيها بغير اذنه فحكمه حكم العامل فيما لا يملكه بغير اذن المالك من ساير المملوكات».

و فيها أيضا: «و الانفال على ما قدمناه للإمام خالصة ان شاء قسمها و ان شاء وهبها و ان شاء وقفها ليس لأحد من الامة نصيب فيها و لا يستحقها من غير جهته».

و في الدروس: «و الاشبه تعميم اباحة الانفال حال الغيبة كالتصرف في الارضين الموات و الآجام و ما يكون بها من معدن و شجر و نبات لفحوى رواية يونس و الحرث نعم لا يباح الميراث إلا لفقراء بلد الميت».

و في الروضة: «و المشهور ان هذه الانفال مباحة حال الغيبة فيصح التصرف في الارض المذكورة بالاحياء و اخذ ما فيها من شجر و غيره نعم يختص ميراث من لا وارث له بفقراء بلد الميت و جيرانه للرواية و قيل بالفقراء مطلقا لضعف المخصص و هو قوى و قيل مطلقا كغيره».

و في الحدائق: «ظاهر المشهور هنا هو تحليل ما يتعلق من الانفال بالمناكح و المساكن و المتاجر خاصة و انّ ما عدا ذلك يجرى فيه الخلاف على نحو ما تقدم في الخمس و ظاهر جملة من متأخرى المتاخرين القول‌

357
کتاب الخمس و الأنفال

فالانفال محللة في عصر الغيبة للمسلمين او للشيعة ؛ ص : 354

بالتحليل في الانفال مطلقا و هو الظاهر من الاخبار».

اقول: قد اطلنا الكلام بنقل الاقوال و حصل للقراء الكرام الملل و لكن المسألة عامة البلوى و قد مرّ منا اجمالا ان الانفال اموال عمومية خلقت لرفع حوائج البشر غاية الامر جعل اختيارها بيد الامام ليوزعها بالنحو الاصلح الاعدل فلا يتصور عدم تحليلهم (ع) في عصر الغيبة للمسلمين و لا أقلّ لشيعتهم المتمسكين باذيالهم و لا سيما بالنسبة الى الاراضى و المعادن و الآجام المتوقف عليها حياة البشر و اصحابنا و ان خص اكثرهم التحليل بخصوص المناكح و المساكن و المتاجر و لكن: لا يظن بهم منع تحليل الاراضى و المعادن و نحوهما.

و العجب من ابى الصلاح المنكر للتحليل مطلقا بل و المفيد الغير المتعرض لتحليل الاراضى و نحوها، و ادلة تخميس المعدن و احياء الاراضى الميتة من اوضح الدلائل على التحليل، هذا.

مضافا الى السيرة القطعية المستمرة من عصر الائمة- عليهم السلام- على التصرف في الانفال من غير ردع.

و في الكافى بسند صحيح عن عمر بن يزيد قال: رأيت مسمعا بالمدينة و قد كان حمل الى ابى عبد الله (ع) تلك السنة مالا فردّه ابو عبد الله (ع) فقلت له: لم ردّ عليك ابو عبد الله (ع) المال الذى حملته اليه؟ قال: فقال لى: انى قلت له حين حملت اليه المال: انى كنت ولّيت البحرين الغوص فاصبت أربعمائة الف درهم و قد جئتك بخمسها بثمانين الف درهم و كرهت ان احبسها عنك و ان اعرض لها و هى حقّك الذى جعله اللّه- تبارك و تعالى- في اموالنا، فقال: او ما لنا من الارض و ما اخرج اللّه منها الا الخمس يا ابا سيار؟ ان الارض كلها لنا فما اخرج اللّه منها من شي‌ء فهو لنا، فقلت له: و انا احمل إليك المال كله؟

فقال: يا ابا سيّار قد طيبناه لك و احللناك منه فضمّ إليك مالك، و كل ما في ايدى شيعتنا من الارض فهم فيه محلّلون حتى يقوم قائمنا فيجيبهم‌

358
کتاب الخمس و الأنفال

فالانفال محللة في عصر الغيبة للمسلمين او للشيعة ؛ ص : 354

طسق ما كان في ايديهم و يترك الارض في ايديهم، و اما ما كان في ايدى غيرهم فان كسبهم من الارض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الارض من ايديهم و يخرجهم صغرة، قال عمر بن يزيد: فقال لى ابو سيّار: ما ارى احدا من اصحاب الضياع و لا ممن يلى الاعمال يأكل حلالا غيرى الا من طيّبوا له ذلك «1».

و الارض المحللة في الحديث يحتمل ان يراد به مطلق الارض و يحتمل ان يراد خصوص مثل البحرين مما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب كما مرّ في موثقة سماعة.

و في الوسائل بسند صحيح عن عمر بن يزيد قال: سمعت رجلا من اهل الجبل يسأل ابا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل اخذ ارضا مواتا تركها اهلها فعمرها و كرى انهارها و بنى فيها بيوتا و غرس فيها نخلا و شجرا، قال: فقال ابو عبد اللّه- عليه السلام-: كان امير المؤمنين- عليه السلام- يقول: من أحيا ارضا من المؤمنين فهي له و عليه طسقها يؤديه الى الامام في حال الهدنة فاذا ظهر القائم- عليه السلام- فليوطن نفسه على ان تؤخذ منه «2».

و يستفاد من الخبرين الشريفين تحليل الاراضى للشيعة و انه ليس بنحو التمليك و الا لما اخذ الطسق و لما اخذت منه عند الظهور.

و عن يونس بن ظبيان او المعلى بن خنيس قال: قلت لأبي عبد اللّه: ما لكم من هذه الارض؟ فتبسّم ثم قال: ان اللّه بعث جبرئيل و امره ان يخرق بابهامه ثمانية انهار في الارض منها سيحان و جيحان و هو نهر بلخ، و الخشوع و هو نهر الشاش و مهران و هو نهر الهند و نيل مصر و دجلة و الفرات فما سقت السماء او استقت فهو لنا و ما كان لنا فهو لشيعتنا و ليس لعدونا منه شي‌ء الا ما غصب عليه و ان ولينا لفى اوسع فيما بين ذه الى ذه‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 12.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 13.

359
کتاب الخمس و الأنفال

فالانفال محللة في عصر الغيبة للمسلمين او للشيعة ؛ ص : 354

يعنى بين السماء و الارض ثم تلا هذه الآية «قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا (المغصوبين عليها) خٰالِصَةً يَوْمَ الْقِيٰامَةِ» بلا غصب «1» الى غير ذلك من الاخبار الواردة في الاراضى و مضافا الى التعليل بطيب الولادة الواردة في تحليل الخمس و غيره من حقوقهم التى يبتلى بها الشيعة و يعسر عليهم الاعاشة بدونها و لا سيما في المنتقلة اليهم من قبل من لا يعتقد بحقوقهم- عليهم السلام- و قد مرّ كثير منها في البحث عن خمس ارباح المكاسب فراجع.

و في صحيحة ابى بصير و زرارة و محمد بن مسلم كلهم عن ابى جعفر- عليه السلام- قال: قال امير المؤمنين على بن أبي طالب: هلك الناس في بطونهم و فروجهم لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا الا و ان شيعتنا من ذلك و آبائهم في حل «2».

و في خبر حارث بن المغيرة عن ابى عبد الله- عليه السلام- قال: قلت له: ان لنا اموالا من غلات و تجارات و نحو ذلك و قد علمت ان لك فيها حقا؟ قال: فلم احللنا اذا لشيعتنا الا لتطيب ولادتهم و كل من والى آبائى فهو في حلّ مما في ايديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب «3».

و في خبره الآخر عن ابى جعفر- عليه السلام-: «و ان الناس ليتقلبون في حرام الى يوم القيامة ... اللهم انا قد احللنا ذلك لشيعتنا «4».

و في خبر داود الرقى عن ابى عبد الله- عليه السلام- قال:

سمعته يقول: الناس كلهم يعيشون في فضل مظلمتنا الا انا احللنا شيعتنا من ذلك «5»

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 17.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 1.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 9.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 14.

(5)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 7.

360
کتاب الخمس و الأنفال

فالانفال محللة في عصر الغيبة للمسلمين او للشيعة ؛ ص : 354

و كون الارض او الدنيا لهم- عليهم السلام- اما بمعنى كون زمام اختيارها بايديهم لإمامتهم و كونهم اولياء الامور من قبل اللّه- تعالى- كما مرّ شرحه.

او لأنهم بمقاماتهم العالية و وجوداتهم الكاملة عصارة الكون و خلاصة الخلقة فهم غاية الخلقة و ثمرة شجرة الطبيعة فصاحب البستان اذا غرس في بستانه اشجارا عديدة من انواع مختلفه فهدفه الاصلى الثمرات الحلوة المجنية منها و يصح له ان يقول ما عمّرت البستان و لا غرست الاشجار و سقيتها الا لهذه الثمرات العالية الغالية فالبستان و الاشجار و الامور المتعلقة بها و الملازمة لها انما اوجدها من اجل الثمرات الحلوة العالية و هذا معنى لولاك لما خلقت الافلاك فتدبر.

و في الجواهر عن كشف الغطاء «و كل شي‌ء يكون بيد الامام- عليه السلام- مما اختص به او اشترك بين المسلمين يجوز اخذه من يد حاكم الجور بشراء او غيره من الهبات و المعاوضات و الاجارات لأنهم احلوا ذلك للإمامية من شيعتهم».

ثم قال في الجواهر: «اما غير الشيعة فهو محرم عليهم اشد تحريم و ابلغه و لا يدخل في املاكهم شي‌ء» لكن في الحواشى المنسوبة للشهيد على القواعد عند قول العلامة: «و لا يجوز التصرف في حقه بغير اذنه و الفائدة حينئذ له» قال: «و لو استولى غيرنا من المخالفين عليها فالاصح انه يملك لشبهة الاعتقاد كالمقاسمة و تملك الذمى الخمر و الخنزير فحينئذ لا يجوز انتزاع ما يأخذه المخالف من ذلك كله و كذا ما يؤخذ من الآجام و رءوس الجبال و بطون الاودية لا يحل انتزاعه من آخذه و ان كان كافرا و هو ملحق بالمباحات المملوكة بالنية لكل متملك، و آخذه غاصب تبطل صلاته في اول وقتها حتى يرده» و فيه بحث لإمكان منع شمول ما دل على وجوب مجازاتهم على اعتقادهم و دينهم لمثل ذلك من استباحة تمليك الاموال و نحوه» انتهى.

361
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة الثالثة: في تقسيم الارضين و حكمها اجمالا ؛ ص : 362

اقول: لا يترك العمل بما نسب الى الشهيد بالنسبة الى غير الكافر الحربى فيراعى احترام اموالهم اذ عليه كان بناء الائمة و اصحابهم في مقام العمل كما هو ظاهر لمن اطلع على سيرتهم و هو المطابق لصلاح الإسلام و المسلمين كما لا يخفى وجهه.

المسألة الثالثة: في تقسيم الارضين و حكمها اجمالا

على المشهور بين الاصحاب فالارض اما موات و اما عامرة و كل منهما اما ان تكون كذلك بالاصالة او بالعرض فهذه اربعة اقسام.

فالموات بالاصالة من الانفال فتكون ملكا للإمام كما مرّ و كذا العامر بالاصالة.

و اما الموات بالعرض فان كانت العمارة السابقة اصلية او من معمر و باد اهلها فهي أيضا للإمام و ان كانت من معمر و لم يبد ففى بقائها على ملك معمرها او خروجها عن ملكه او يفصل بين ما كان الملك بغير الاحياء فالاول او بالاحياء فالثاني؟ وجوه سيأتي تفصيله.

و اما العامر بالعرض فان كانت بنفسها فهي أيضا للإمام و ان كانت بالاحياء من معمر فهي له و يملكها المحيى و حينئذ فان كان مسلما فلا تخرج عن ملكه الا بالمعاملات او الميراث او صيرورتها مواتا على الاختلاف فيه و كذا الذمى و ان اختلفوا في مالكيته للرقبة كما يأتى.

و ان كان المالك لها كافرا محاربا فان اخذت منه بغير حرب و عنوة فهي للإمام و كذا ان صولح عليها على ان تكون للإمام و ان صولح عليها على ان تكون ملكا للمسلمين او اغتنمت عنوة فهي للمسلمين بما هم مسلمون و تكون في اختيار الامام يصرف حاصلها في مصالح المسلمين.

و قد مرّ منا انه لا يوجد فرق اساسى بين كون الارض للإمام بما هو امام و بين كونها للمسلمين بما هم مسلمون و انما الفرق بالاعتبار فقد يعتبر المالك مقام الامامة و قد يعتبر عنوان المسلمين و لكن في كلا القسمين‌

362
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة الرابعة: قد مر ان الموات بالاصالة من الارضين ؛ ص : 363

يكون اختيارها بيد الامام و تصرف في مصالح المسلمين و مصارف شخص الامام أيضا من مصالح المسلمين و لذلك ترى في رواية البزنطى و صفوان عن الرضا- عليه السلام- انه قال: من اسلم طوعا تركت ارضه في يده ... و ما لم يعمروه منها اخذه الامام فقبّله ممن يعمره و كان للمسلمين ... و ما اخذ بالسيف فذلك الى الامام يقبله بالذى يرى كما صنع رسول الله (ص) بخيبر، و نحوه ما في صحيحة البزنطى «1» فجعل فيهما الموات للمسلمين و ما اخذت عنوة بيد الامام.

المسألة الرابعة: قد مرّ ان الموات بالاصالة من الارضين

و كذا الخربة التى باد اهلها للإمام و هو بضم الميم و فتحها و يسمّى أيضا ميتة و موتانا بفتح الميم و الواو، و الموتان بضم الميم و سكون الواو: الموت الذريع و بفتح الميم و سكون الواو: عمى القلب.

و الاولى في معنى الموات و الاحياء الرجوع الى العرف لعدم كونهما حقيقة مخترعة من قبل الشارع، و قد مرّ بعض ما قيل في تعريف الموات في القسم الثانى من الانفال فراجع.

و احياء الموات جائز اجمالا بالنص و الاجماع بل هو مستحب لما فيه من السعى في تحصيل الرزق المأمور به في قوله تعالى-: «فَامْشُوا فِي مَنٰاكِبِهٰا وَ كُلُوا مِنْ رِزْقِهِ» و من اخراج العاطل من العطلة المشتملة على تضييع المال، و عن جابر عن النّبيّ- صلى اللّه عليه و آله-: «من احيا ارضا ميتة فله فيه اجر و ما اكله العوافى منها فهي صدقة» «2»

و عن انس عنه- صلى الله عليه و آله- انه قال: «ما من مسلم يغرس غرسا او يزرع زرعا فيأكل منه انسان او طير او بهيمة الا كانت له صدقة» «3».

______________________________
(1)- الوسائل ج 11 الباب 72 من ابواب جهاد العدوّ، الحديث 1 و 2.

(2)- المسالك، احياء الموات.

(3)- الترمذى ج 2- التاج الجامع للأصول ج 2 ص 230.

363
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة الرابعة: قد مر ان الموات بالاصالة من الارضين ؛ ص : 363

و يدل على الجواز الاخبار الكثيرة بل المتواترة اجمالا من طرق الفريقين منها صحيحة زرارة و محمد بن مسلم و ابى بصير و فضيل و بكير و حمران و عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى جعفر و ابى عبد الله- عليهما السلام- قالا: قال رسول الله- صلى اللّه عليه و آله-: من احيا ارضا مواتا فهي له و مثله صحيحة زرارة عن ابى جعفر- عليه السلام- «1» و منها صحيحة محمد بن مسلم او حسنته قال: سمعت ابا جعفر- عليه السلام- يقول: ايما قوم احيوا شيئا من الارض و عمروها فهم احق بها و هى لهم، و مثله صحيحة محمد بن مسلم الى قوله «احق بها» «2».

و منها موثقة محمد بن مسلم قال: سألت ابا عبد اللّه- عليه السلام- عن الشراء من ارض اليهود و النصارى فقال: ليس به باس قد ظهر رسول اللّه- صلى الله عليه و آله- على اهل خيبر فخارجهم على ان يترك الارض في ايديهم يعملونها و يعمرونها فلا ارى بها بأسا لو أنك اشتريت منها شيئا، و ايما قوم احيوا شيئا من الارض و عملوها فهم احق بها و هى لهم «3».

و منها صحيحة ابى بصير قال: سألت ابا عبد الله- عليه السلام- عن شراء الارضين من اهل الذمة فقال: «لا بأس بان يشتريها منهم اذا عملوها و احيوها فهي لهم و قد كان رسول الله- صلى الله عليه و آله- حين ظهر على خيبر و فيها اليهود خارجهم على ان يترك الارض في ايديهم يعملونها و يعمرونها «4».

و منها موثقة السكونى عن ابى عبد الله- عليه السلام- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه و آله-: من غرس شجرا او حفر واديا بديّا لم‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 17 الباب 1 من ابواب احياء الموات، الحديث 5 و 6.

(2)- الوسائل ج 17 الباب 1 من ابواب احياء الموات، الحديث 4 و 3.

(3)- الوسائل ج 11 الباب 71 من ابواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

(4)- الوسائل ج 17 الباب 4 من ابواب احياء الموات، الحديث 1.

364
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة الرابعة: قد مر ان الموات بالاصالة من الارضين ؛ ص : 363

يسبقه اليه احد او أحيا ارضا ميتة فهي له قضاء من اللّه و رسوله «1».

و في موطأ مالك (ج 2 كتاب القضاء) عن عروة بن الزبير أن رسول الله- صلى الله عليه و آله- قال: «من احيا ارضا ميتة فهي له و ليس لعرق ظالم فيه حق» و نحوه في البخارى (ج 2 كتاب الوكالة) و مثله في ابى داود عن عروة و عن سعيد بن زيد و في الترمذى عن سعد بن زيد.

و روى في ابى داود (ج 2 كتاب الخراج و الفي‌ء) عن عروة قال:

اشهد ان رسول الله (ص) قضى ان الارض ارض اللّه و العباد عباد اللّه و من احيا مواتا فهو احق به.

و عن سمرة عن النّبيّ (ص) قال: من احاط حائطا على ارض فهي له.

و في تذكرة العلامة «عن سمرة انّ النّبيّ (ص) قال: عادى الارض للّه و لرسوله ثم هى لكم منى ايّها المسلمون- يريد بذلك ديار عاد و ثمود- و روى انه قال: موتان الارض للّه و لرسوله ثم هى لكم منى» و في البخارى (ج 2 كتاب الوكالة) عن النّبيّ- صلى اللّه عليه و آله-: من اعمر ارضا ليست لأحد فهو احق. الى غير ذلك من اخبار الفريقين و سيأتي بعضها.

و لا يخفى اطلاق الاخبار لعصر الحضور و لعصر الغيبة معا. فان قلت: قد مر منكم اخبار كثيرة تدل على ان الموات بالاصل و كذا الخربة التى باد اهلها من الانفال و هى للإمام و مقتضى ذلك عدم جواز التصرف فيها بغير اذنه فكيف الجمع بين تلك الاخبار و بين الاخبار المجوزة للإحياء و المرغبة فيه؟

قلت: جواز الاحياء و الترغيب فيه لا ينافى اشتراطه بشروط كالاستيذان و عدم سبق الغير اليها بالتحجير و عدم الاضرار بالغير و عدم‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 17 الباب 2 من ابواب احياء الموات، الحديث 1.

365
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة الرابعة: قد مر ان الموات بالاصالة من الارضين ؛ ص : 363

كونها مرفقا و حريما لملك الغير الى غير ذلك و قد قيد اصحابنا الامامية الاحياء باذن الامام.

ففى الخلاف (المسألة 3): «الارضون الموات للإمام خاصة لا يملكها احد بالاحياء الا ان يأذن له الامام، و قال الشافعى: من احياها ملكها اذن له الامام او لم يأذن، و قال ابو حنيفة لا يملك الا باذن و هو قول مالك و هذا مثل ما قلناه الا انه لا يحفظ عنهم انهم قالوا: هى للإمام خاصة بل الظاهر انهم يقولون: لا مالك لها، دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم و هى كثيرة و روى عن النّبيّ (ص) انه قال: ليس للمرإ الا ما طابت به نفس امامه و انما تطيب نفسه اذا اذن فيه»‌

اقول: قد مرّ منا ان الانفال ليست لشخص الامام بشخصه بل هى اموال عمومية خلقت لنفع الانسان و يتنافس فيها قهرا فجعلت بيد الامام ليقطع بذلك جذور الاختلاف و التشاجر فلا يجوز لأحد أن يتصرف فيها الا باذنه، و من قال من اهل الخلاف بالاحتياج الى الاذن و بعدم المالك لها لعلهم يريدون الاذن من الامام و عدم كونها ملكا لشخصه فلا خلاف لنا معهم في هذه المسألة بل في تعيين الامام هذا.

و في المبسوط «الارضون الموات عندنا للإمام خاصة لا يملكها احد بالاحياء الا ان يأذن له الامام».

و في التذكرة بعد ذكر الموات: «و هذه للإمام عندنا لا يملكها احد و ان احياها ما لم يأذن له الامام و اذنه شرط في تملك المحيى لها عند علمائنا و وافقنا ابو حنيفة على انه لا يجوز لأحد احيائها الا باذن الامام لما رواه العامة عن النّبيّ- صلى الله عليه و آله- انه قال: ليس للمرإ الا ما طابت به نفس امامه و من طريق الخاصة حديث الباقر السابق الذى حكى فيه ما وجده في كتاب على (ع) و لان للإمام مدخلا في النظر في ذلك فان من يحجر ارضا و لم يبنها طالبه بالبناء و الترك فافتقر ذلك الى‌

366
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة الرابعة: قد مر ان الموات بالاصالة من الارضين ؛ ص : 363

اذنه كمال بيت المال، و قال مالك: ان كان قريبا من العمران في موضع يتشاح الناس فيه افتقر الى اذن الامام و الا لم يفتقر و قال الشافعى احياء الموات لا يفتقر الى اذن الامام و به قال ابو يوسف و محمد» و من عبارة التذكرة أيضا يستفاد ما نصرّ اليه من عدم كون الانفال لشخص الامام بل من بيت المال.

و في المنتهى «قد بيّنا ان الارض الخربة و الموات و رءوس الجبال و بطون الاودية و الآجام من الانفال يختص بها الامام ليس لأحد التصرف فيها الا باذنه ان كان ظاهرا و ان كان غائبا جاز للشيعة التصرف فها بمجرد الاذن منهم- عليهم السلام-».

و في الشرائع بعد ذكر الموات: «فهو للإمام لا يملكه احد و ان احياه ما لم يأذن له الامام و اذنه شرط فمتى اذن ملكه المحيى له اذا كان مسلما و لا يملكه الكافر».

و في المسالك: «اذا كان الامام حاضرا فلا شبهة في اشتراط اذنه في احياء الموات فلا يملك بدونه اتفاقا».

و في جامع المقاصد: «لا ريب انه لا يجوز احياء الموات الا باذن الامام و هذا الحكم مجمع عليه عندنا» الى غير ذلك من كلماتهم.

هذه بعض كلمات الاصحاب في المقام و هل ارادوا بذلك توقف الاحياء و التصرف على الاذن كما هو مقتضى كون المال للإمام و لا يحل لأحد ان يتصرف في مال غيره بغير اذنه «1» او ان جواز الاحياء يستفاد من الاخبار الكثيرة التى مرّت و انما المتوقف على الاذن مالكية المحيى لها؟

ثم على الثانى فهل المراد من الاذن في كلماتهم الاذن في الاحياء او الاذن في التملك بتقريب ان الاخبار دلت على جواز الاحياء و لكن تملك الرقبة يتوقف على الاذن في خصوص التملك بان يبيعها او يهبها او نحو‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 3 من ابواب الانفال، الحديث 6.

367
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة الرابعة: قد مر ان الموات بالاصالة من الارضين ؛ ص : 363

ذلك؟ كل محتمل. هذا.

و لكن لا يخفى ان ظاهر الاخبار السابقة هو جواز الاحياء و حصول الملكية به و حملها على الجواز بشرط تحصيل الاذن خلاف الظاهر فلعل الاخبار وردت بمنظور الاذن فتكون متعرضة لحكم ولائى صدر عن النّبيّ و الائمة- عليهم السلام- من باب اعمال الحكومة الشرعية لا لحكم فقهى نظير ما احتمل في قوله- صلى الله عليه و آله-: «لا ضرر و لا ضرار».

و يؤيد ذلك قوله في موثقة السكونى التى مرّت: «قضاء من الله و رسوله» فان الحكم الفقهى هو حكم اللّه، و الرسول واسطة في الابلاغ و ليس قضاء منه، و كذا قوله في رواية عروة: «اشهد ان رسول اللّه قضى ان الارض ارض اللّه و العباد عباد الله و من احيا ارضا مواتا فهو احق به» و كذا قوله في رواية سمرة «عادى الارض للّه و لرسوله ثم هى لكم منّى ايها المسلمون» اذ لو كان حكما فقهيا كانت من اللّه لهم لا من الرسول (ص).

و بالجملة يكون وزان اخبار الباب وزان اخبار التحليل الواردة في الخمس و الانفال فلا تنافى كون الارض للأئمة بل التحليل متفرع على كونها لهم- عليهم السلام- هذا.

و يدل على اشتراط اذن الامام في الاحياء مضافا الى ما مر من الاخبار الكثيرة الدالة على كون الارض له و لا يحل لأحد ان يتصرف في مال غيره بغير اذنه، الشهرة المحققة و الاجماعات المنقولة و قول النّبيّ- صلى الله عليه و آله- على ما رواه العامة: «ليس للمرء الا ما طابت به نفس امامه» (الخلاف المسألة 3)، بل و اخبار تحليل الارض للشيعة التى منها صحيحتا عمر بن يزيد «1» الماضيتين في المسألة الثانية و صحيحة الكابلى الآتية «2». فان التحليل منهم- عليهم السلام- فرع كون‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 12 و 13.

(2)- الوسائل ج 17 الباب 3 من ابواب احياء الموات، الحديث 2.

368
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة الخامسة: هل الاحياء في الموات يوجب ملكية رقبة الارض ؛ ص : 369

الارض باختيارهم و توقف التصرف فيها على اذنهم هذا.

و لكن مرّ منّا ان الارض و المعادن و غيرهما من الاموال العموميّة خلقت لإعاشة البشر و يتوقف حياتهم عليها و سعادتهم في الدارين فلو قيل بان في عصر الغيبة لا يجب على المسلمين تاسيس حكومة اسلامية مجرية لأحكام الإسلام و حدوده بل هو عصر الهرج و المرج و الاسر في ايدى الطواغيت و ان طال الزمان حتى يظهر الولي المنتظر- عجل اللّه تعالى فرجه- فلا محالة حلّل الائمة- عليهم السلام- الانفال لجميع البشر و لا أقلّ للمسلمين و بالاخص لشيعتهم اذ لا يمكن حياتهم و بقائهم بدونها و قد دلت الاخبار الكثيرة على تحليلهم حقوقهم في الارض و غيرها لشيعتهم ليطيبوا.

و اما اذا قلنا بضرورة الحكومة للبشر و ان الإسلام و الائمة- عليهم السلام- ما تركوا المسلمين يعانون الهرج و المرج او الاسر في ايدى الطواغيت فلا محالة يكون اختيار الاموال التى كانت بايديهم من قبل الله- تعالى- و الرسول بايدى من يجوز له تصدى الحكومة الاسلامية و يكون منصوبا من قبلهم بنحو العموم، و القدر المتيقن منه الفقيه العادل العارف بحوادث زمانه القادر على اجراء احكام اللّه و حدوده فان الملاك الذى اوجب جعلها في اختيار الامام يوجب جعلها في اختيار نوابه و الا لما تيسّر له ادارة شئون الحكومة و اجراء العدالة الاجتماعية و قطع جذور الاختلاف فالانفال محلّلة في عصر الغيبة للمسلمين او للشيعة قطعا و لكن للحكومة الحقة النظر فيها و التصدى لتقسيمها او الانتفاع منها بنفع الإسلام و المسلمين و يجب لا محالة على المسلمين اطاعتها فتدبر.

المسألة الخامسة: هل الاحياء في الموات يوجب ملكية رقبة الارض

او لا يوجب الا احقّية المحيى من غيره نظير ما قالوا في التحجير؟

ظاهر اللام في قوله: «فهي له» الوارد في اكثر اخبار الباب كونها لام الملك فانها و ان وضعت لمطلق الاختصاص و لكن الاختصاص الكامل‌

369
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة الخامسة: هل الاحياء في الموات يوجب ملكية رقبة الارض ؛ ص : 369

عبارة عن الملكية، و بالجملة فرق بين مطلق الاختصاص و الاختصاص المطلق فالاول اعم و الثانى ينصرف الى خصوص الملكية و هى المشهور بين اصحابنا الامامية بل بين فقهاء الفريقين يظهر لمن تتبع كلماتهم في هذا الباب و في الابواب المختلفة و لا سيما البيع اذ لا بيع الا في ملك و كذا الوقف هذا.

و لكن في تهذيب الشيخ «1»: «فاما الارضون فكل ارض تعين لنا انها مما قد اسلم اهلها عليها فانه يصح لنا التصرف فيها بالشراء منهم و المعاوضة و ما يجرى مجراهما، و اما اراضى الخراج و اراضى الانفال و التى قد انجلى اهلها عنها فانا قد ابحنا أيضا التصرف فيها ما دام الامام- عليه السلام- مستترا فاذا ظهر يرى هو في ذلك رأيه فنكون نحن في تصرفنا غير آثمين ...»‌

فان قال قائل: ان جميع ما ذكرتموه انما يدل على اباحة التصرف لكم في هذه الارضين و لم يدل على انه يصح لكم تملكها بالشراء و البيع، فاذا لم يصح الشراء و البيع فما يكون فرعا عليه أيضا لا يصح مثل الوقف و النحلة و الهبة و ما يجرى مجرى ذلك.

قيل له: انا قد قسمنا الارضين فيما مضى على ثلاثة اقسام: ارض يسلم اهلها عليها فهي تترك في ايديهم و هى ملك لهم فما يكون حكمه هذا الحكم صحّ لنا شرائها و بيعها.

و اما الارضون التى تؤخذ عنوة او يصالح اهلها عليها فقد ابحنا شرائها و بيعها لان لنا في ذلك قسما لأنها اراضى المسلمين و هذا القسم أيضا يصح الشراء و البيع فيه على هذا الوجه.

و اما الانفال و ما يجرى مجراها فليس يصح تملكها بالشراء و البيع و انما ابيح لنا التصرف حسب».

______________________________
(1)- التهذيب ج 4 ص 144 باب زيادات الخمس و الانفال (الباب 39 من كتاب الزكاة).

370
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة الخامسة: هل الاحياء في الموات يوجب ملكية رقبة الارض ؛ ص : 369

و قال في الاستبصار بعد ذكر بعض اخبار الاحياء: «الوجه في هذه الاخبار و ما جرى مجراها مما اوردنا كثيرا منها في كتابنا الكبير ان من احيا ارضا فهو اولى بالتصرف فيها دون ان يملك تلك الارض لان هذه الارضين من جملة الانفال التى هى خاصة للإمام الا ان من احياها اولى بالتصرف فيها اذا ادى واجبها للإمام» ثم استدل لذلك بصحيحة ابى خالد الآتية «1».

و قال في النهاية (باب بيع المياه و المراعى): «و الارضون على اقسام اربعة: منها ارض الخراج ... و منها ارض الصلح ... و منها ارض من اسلم عليها طوعا ... و منها ارض الانفال و هى كل ارض انجلى اهلها عنها من غير قتال و الارضون الموات و رءوس الجبال و الآجام و المعادن و قطائع الملوك فهذه كلها خاصة للإمام و يقبلها من شاء بما اراد و يهبها و يبيعها ان شاء حسب ما اراد، و من احيا ارضا ميتة كان املك بالتصرف فيها من غيره و ان كانت الارض لها مالك معروف كان عليه ان يعطى صاحب الارض طسق الارض و ليس للمالك انتزاعها من يده ما دام هو راغبا فيها و ان لم يكن لها مالك و كانت للإمام وجب على من احياها ان يؤدّى الى الامام طسقها و لا يجوز للإمام انتزاعها من يده الى غيره الا ان لا يقوم بعمارتها كما يقوم غيره و لا يقبل عليها ما يقبله الغير، و متى اراد المحيى الارض من هذا الجنس الذى ذكرناه ان يبيع شيئا منها لم يكن له ان يبيع رقبة الارض و جاز له ان يبيع ماله من التصرف فيها».

و في النهاية أيضا (باب احكام الارضين): «الضرب الرابع كل ارض انجلى اهلها عنها او كانت مواتا فاحييت او كانت آجاما و غيرها مما لا يزرع فيها فاستحدثت مزارع فان هذه الارضين كلها للإمام خاصة و ليس لأحد معه فيها نصيب و كان له التصرف فيها بالقبض و الهبة‌

______________________________
(1)- الاستبصار ج 3 الباب 72 ص 108.

371
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة الخامسة: هل الاحياء في الموات يوجب ملكية رقبة الارض ؛ ص : 369

و البيع و الشراء حسب ما يراه من النصف او الثلث او الربع و جار له أيضا بعد انقضاء مدة القبالة نزعها من يد من قبله اياها و تقبيلها لغيره الا الارضين التى احييت بعد مواتها فان الذى احياها اولى بالتصرف فيها ما دام يقبلها بما يقبلها غيره فان ابى ذلك كان للإمام أيضا نزعها من يده و تقبيلها لمن يراه».

فهذا الشيخ الطوسى خرّيت الفقه ينكر تملك رقبة الارض الموات بالاحياء في تهذيبه و استبصاره و نهايته.

و قال ابن زهرة في الغنية (كتاب الجهاد): «و اما ارض الانفال و هى كل ارض اسلمها اهلها من غير حرب او جلوا عنها و كل ارض مات مالكها و لم يخلف وارثا بالقرابة و لا بولاء العتق، و بطون الاودية و رءوس الجبال و الآجام و قطائع الملوك من غير جهة غصب و الارضون الموات فللإمام خاصة دون غيره و له التصرف فيها بما يراه من بيع او هبة او غيرهما و ان يقبلها بما يراه و على المتقبل بعد حق القبالة».

و في احياء الموات من الغنية: «قد بينا فيما مضى ان الموات من الارض للإمام القائم مقام النّبيّ (ص) خاصة و انه من جملة الانفال يجوز له التصرف فيه بانواع التصرف و لا يجوز لأحد أن يتصرف فيه الا باذنه و يدل على ذلك اجماع الطائفة و يحتج على المخالف بما رووه من قوله (ع): من احيا ارضا ميتة فهي له و قوله: من احاط حائطا على ارض فهي له، و المراد بذلك ما ذكرنا من كونه احق بالتصرف لأنه لا يملك رقبة الارض بالاذن في احيائها».

فالشيخ و ابن زهرة يصرحان بان الارض الموات للإمام و ان له ان‌

372
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة الخامسة: هل الاحياء في الموات يوجب ملكية رقبة الارض ؛ ص : 369

يبيعها او يهبها و لا محالة يصير المشترى او الموهوب له حينئذ مالكا لرقبتها و لكن صرف احيائها لا يوجب ملكية رقبتها و ليس للمحيى بيعها بل يجب عليه طسقها و يكون احق بها من غيره الا ان يترك احيائها او اداء طسقها نعم صرح الشيخ في النهاية بانه: «جاز له ان يبيع ماله من التصرف فيها».

و اما الاخبار فعن الكافى و التهذيب بسند صحيح عن ابى خالد الكابلى عن ابى جعفر- عليه السلام- قال: وجدنا في كتاب على- عليه السلام- ان الارض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين، انا و اهل بيتى الذين اورثنا اللّه الارض و نحن المتقون و الارض كلها لنا، فمن احيا ارضا من المسلمين فليعمرها و ليؤدّ خراجها الى الامام من اهل بيتى و له ما اكل منها، فان تركها اواخر بها فاخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و احياها فهو احق بها من الذى تركها فليؤدّ خراجها الى الامام من اهل بيتى و له ما اكل منها حتى يظهر القائم- عليه السلام- من اهل بيتى بالسيف فيحويها و يمنعها و يخرجهم منها كما حواها رسول اللّه (ص) و منعها الا ما كان في ايدى شيعتنا فانه يقاطعهم على ما في ايديهم و يترك الارض في ايديهم «1».

فيستفاد من الصحيحة ان الارض للإمام و في اختياره و انه اجاز للمسلمين و بالاخص لشيعته احيائها و ان عليهم خراجها و مقتضى ذلك ان لا يملكوا رقبتها بل يكون المحيى احق بها من غيره.

و عن التهذيب بسند صحيح عن عمر بن يزيد قال: سمعت رجلا من اهل الجبل يسأل ابا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل اخذ ارضا مواتا تركها اهلها فعمرها و كرى انهارها و بنى فيها بيوتا و غرس فيها نخلا و شجرا، قال: فقال ابو عبد اللّه: كان امير المؤمنين- عليه السلام- يقول: من احيا ارضا من المؤمنين فهي له و عليه طسقها يؤديه الى الامام في حال‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 17 الباب 2 من ابواب احياء الموات، الحديث 2.

373
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة الخامسة: هل الاحياء في الموات يوجب ملكية رقبة الارض ؛ ص : 369

الهدنة، فاذا ظهر القائم فليوطّن نفسه على ان تؤخذ منه «1».

فمفاد الصحيحة ان الارض للإمام و ان للمؤمن احيائها، و مع تصريحها بانها لمن احياها صرح بأن عليه طسقها و ان للإمام ان يأخذها منه فيستفاد منها عدم مالكية المحيى لرقبتها بل هو احق بها من غيره.

و قد مرّ في المسألة الثانية الصحيحة الاخرى لعمر بن يزيد عن ابى سيار مسمع بن عبد الملك عن ابى عبد الله- عليه السلام- و فيها: «يا ابا سيار إن الارض كلها لنا فما اخرج اللّه منها من شي‌ء فهو لنا، فقلت له: و انا احمل إليك المال كله؟ فقال: يا ابا سيار قد طيبناه لك و احللناك منه فضم إليك مالك، و كل ما في ايدى شيعتنا من الارض فهم فيه محلّلون حتى يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في ايديهم و يترك الارض في ايديهم و اما ما كان في ايدى غيرهم فان كسبهم من الارض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الارض من ايديهم و يخرجهم صغرة، قال عمر بن يزيد: فقال لى ابو سيّار: ما ارى احدا من اصحاب الضياع و لا ممن يلى الاعمال يأكل حلالا غيرى الا من طيبوا له ذلك «2».

فيستفاد منها كون الارض للإمام و انه احلها للشيعة و لكن له اخذ طسقها و استرداد اصلها فلا يمكون لا محالة رقبتها. نعم احتملنا في هذه الصحيحة كون المراد بالارض ارض البحرين المذكورة في الصدر و هى مما لم يوجف عليها و تكون للإمام أيضا.

و كيف كان فمحصل هذه الصحاح الثلاثة التى افتى بمضمونها الشيخ و ابن زهرة في كتابيهما الموضوعين لنقل الاصول المتلقاة عن المعصومين- سلام اللّه عليهم اجمعين- ان الارض الموات للإمام وفاقا لسائر الاخبار الكثيرة الحاكمة بانها من الانفال او للإمام و قد مرّ منّا كرارا ان‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 13.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 12.

374
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة الخامسة: هل الاحياء في الموات يوجب ملكية رقبة الارض ؛ ص : 369

المراد به الامام بما هو امام ففى الحقيقة هى لإمامة المسلمين و حكومتهم و يستفاد منها في مصالح الامامة و الامة و قد مرّ ان وظائف الامامة و الحكومة لا تتعطل بغيبة الامام فيتصدى لها نوابه الواجدون لشروط النيابة و القدر المتيقن منه المستفاد من الكتاب و السنة الفقيه العادل العارف بحوادث الزمان القادر على اجراء حدود الإسلام و احكامه فان رأى الصلاح في بيع رقبة الارض او هبته صارت ملكا للمشترى او الموهوب له و الا فيقبلها من يحييها و يأخذ منه طسقها، و لو تركها و اخربها قبلها غيره، و لو رأى المصلحة في اخذها بعد انقضاء مدة المتقبل اخذها و لا محالة يشترى آثار المحيى فيها، و المحيى باحيائها يصير مالكا لحيثية الاحياء الذى هو محصول فاعليته و قواه، و لا يملك رقبة الارض بمقتضى هذه الصحاح الحاكمة بالطسق و جواز استرداد الارض، نعم يمكن ان يقال بملكيتها تبعا لملكية آثار الاحياء فيجوز بيعها كذلك و كذا وقفها و هبتها و نحو ذلك.

نظير ما نقول في الاراضى المفتوحة عنوة التى هى للمسلمين اجماعا و مع ذلك تدل اخبار على جواز بيعها ففى خبر ابى بردة قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام- كيف ترى في شراء ارض الخراج؟ قال: و من يبيع ذلك! هى ارض المسلمين، قال: قلت يبيعها الذى هى في يده، قال: و يصنع بخراج المسلمين ما ذا؟ ثم قال: لا بأس اشترى حقه منها و يحوّل حق المسلمين عليه و لعله يكون اقوى عليها و املى بخراجهم منه «1».

و في الحقيقة يكون البيع متعلقا بحقه في الارض اعنى حيثية احيائه و ان تعلقت ظاهرا بالارض و قد مرّ منا كون ارض الخراج التى هى للمسلمين و كون ارض الامام على وزان واحد و لا يوجد بينهما فرق اساسى فراجع آخر المسألة الثالثة، هذا.

______________________________
(1)- الوسائل ج 11 الباب 71 من ابواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

375
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة الخامسة: هل الاحياء في الموات يوجب ملكية رقبة الارض ؛ ص : 369

و يؤيد ما ذكرناه من ملكية حيثية الاحياء دون الرقبة ما مرّ منا من ان التشريع الصحيح المعقول ما يكون على طبق نظام التكوين، فاساس الملكية الاعتبارية، هو نحو من الملكية التكوينية، و الانسان لا يملك تكوينا الّا قواه و جهاز فاعليته و بتبع ذلك لفعله و صنعه فما هو محصول مالكية الانسان لقواه و جهاز فاعليته تكوينا هو حيثية الاحياء و آثار الحياة دون رقبة الارض و لازم ذلك زوال مالكيته بزوال آثار الحياة فتدبر جيدا.

فان قلت: ما ذكرت من عدم ملكية الرقبة بالاحياء مخالف لظاهر اللام في قوله «فهي له» او «فهي له» فانها و ان وضعت لمطلق الاختصاص و لكنها تنصرف الى الفرد الاكمل منه و هو الملكية.

قلت: نعم و لكن الصحاح الثلاثة الماضية في عدم الملكية اظهر اذ مطالبة الطسق و جواز استرداد الارض من ناحية الامام تدلان على بقاء الرقبة على ملك الامام، و في صحيحة عمر بن يزيد الاولى: «من احيا ارضا من المؤمنين فهي له و عليه طسقها يؤديه الى الامام» فالجمع بين اللام و الطسق يدفع ظهور اللام في الملكية فتحمل على الاحقية المذكورة في كثير من اخبار الفريقين و ان شئت قلت: الملكية حاصلة و لكن بالنسبة الى آثار الاحياء و تنسب الى الارض تبعا لاتحادهما وجودا كما في اراضى الخراج.

و يشهد بما ذكرنا ان من اصرح ما ذكروه دليلا على تملك الارض بالاحياء صحيحة محمد بن مسلم المروى بطرق كثيرة المشتملة على قوله- عليه السلام-: «ايما قوم احيوا شيئا من الارض و عملوها فهم احق بها و هى لهم» «1» و بالرجوع الى طرق الحديث و متنه يظهر كون الجميع قطعة من حديث سئل فيه عن شراء ارض اليهود و النصارى‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 17 الباب 1 من ابواب احياء الموات، الحديث 4.

376
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة الخامسة: هل الاحياء في الموات يوجب ملكية رقبة الارض ؛ ص : 369

فاجاب- عليه السلام-: «ليس به بأس قد ظهر رسول الله- صلى الله عليه و آله- على اهل خيبر فخارجهم على ان يترك الارض في أيديهم يعملونها و يعمرونها فلا ارى بها بأسا لو أنك اشتريت منها شيئا و ايما قوم احيوا ...» «1» و نحوها صحيحة ابى بصير «2» و لا شك ان خيبر كانت مفتوحة عنوة او صلحا على ان تكون اراضيه للمسلمين فانتقل اراضيهم الى المسلمين اجماعا. فلم يكن لليهود الا عملهم الاحيائى و آثاره و هو المشترى منهم لا رقبة الارض.

فان قلت: انكار ملكية رقبة الارض في احياء الموات مضافا الى مخالفته للمشهور مخالف لضرورة الفقه اذ يوجب ذلك عدم جواز بيع الارض و صلحها وهبتها و وقفها.

قلت: مضافا الى ان مخالفة المشهور غير عزيزة في الفقه بعد قيام الدليل كما في مسألة نجاسة البئر التى انقلب فيها فتوى المشهور نقول: ان المحيى يملك عمله الاحيائى و آثار الاحياء في الارض و بعبارة اخرى الارض المحياة بما هى محياة، و البيع و الوقف و نحوهما تتعلق بذلك و لا مانع منه كما مر في كلام الشيخ في النهاية و التزموا بذلك في الاراضى المفتوحة عنوة أيضا كالعراق و نحوها.

بل قد يقال فيها بملكية الارض تبعا للآثار بحيث تبقى ببقائها و تزول بزوالها فلا اشكال.

و لعل المشهور أيضا لم يريدوا بالملكية ازيد من ذلك و أيضا فهم قد صرحوا كما عرفت باعتبار اذن الامام فلعلهم ارادوا بذلك اذنه في التملك و قد مرّ ان للإمام تمليك الرقبة اذا رآه صلاحا.

بل لنا ان نلتزم بذلك في المفتوحة عنوة أيضا.

______________________________
(1)- الوسائل ج 11 الباب 71 من ابواب جهاد العدو، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 17 الباب 4 من ابواب احياء الموات، الحديث 1.

377
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة الخامسة: هل الاحياء في الموات يوجب ملكية رقبة الارض ؛ ص : 369

و ما ورد من انها للمسلمين و انها لا تباع و لا توهب يمكن ان يكون بنحو القضية الشخصية ناظرا الى خصوص الاراضى المفتوحة عنوة في الصدر الاول كسواد العراق و نحوه لا الى بيان حكم كلى لكل ما يفتح عنوة الى يوم القيامة فتأمّل فان التحقيق في ذلك يتوقف على تتبع اكثر.

فان قلت: لو كان اساس الملكية الاعتبارية كما تقول نحوا من الملكية التكوينية فكيف يجوز للإمام او الحاكم بيع رقبة الارض و كيف تصير ملكا للمشترى مع انه لم يعمل عملا فيها.

قلت: المشترى يحصّل الثمن بقواه و فاعليته او حصل له بالوراثة من ابيه مثلا و ابوه حصله بفاعليته فبالاخرة يكون اساس مالكيته للثمن فاعلية نفسه او مورثه و الوراثة قانون طبيعى موافق لنظام الحياة، و الارض تصير بدلا عن الثمن الذى ملكه، و المعاملات امور ضرورية للبشر إذ لا يمكن لكل شخص تحصيل جميع المحاويج بصنعه مباشرة فلا بد له من تبديل بعض نتائج صنعه و عمله بنتائج صنع الآخرين اما بلا واسطة او بواسطة النقود و الاثمان فتدبر.

فان قلت: بعد اللتيا و التى انكار ملكية الرقبة مخالف للسيرة العملية من اعصار الائمة- عليهم السلام- الى هذا العصر في جميع البلاد الاسلامية من معاملة الملكية مع رقبة الارض و اجراء المعاملات و الوقف عليها.

قلت: مضافا الى النقض بالاراضى المفتوحة عنوة كأراضى العراق و السورية و مصر و مكّة و نحوها فانها أيضا يعامل عليها معاملة الملكية و لا يتوجه اصلا الى كونها ملكا للمسلمين، ان اجراء المعاملات عليها كما مرّ يصح بلحاظ الآثار المملوكة المتحدة مع الارض وجودا نعم تظهر الثمرة فيما اذا خربت الارض و بادت آثار الحياة كما لا يخفى.

و لا فرق في جميع ما ذكرنا بين الموات الواقع في بلاد الإسلام او في بلاد الكفر لاشتراكهما في كونهما من الانفال.

378
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة الخامسة: هل الاحياء في الموات يوجب ملكية رقبة الارض ؛ ص : 369

و ممّا ذكرنا في اراضى الانفال يعلم اجمالا حكم اراضى الخراج اعنى المفتوحة عنوة أيضا اذ لا يوجد عندنا فرق اساسى بينهما كما عرفت و التفصيل في محله فراجع.

هذا و يتفرع على ما ذكرنا انه لو خرب المسجد المبنى في الارض المحياة من الانفال او المفتوحة عنوة و لو بظلم ظالم بحيث زالت آثاره و حيطانه امكن القول بخروجه عن المسجدية و ارتفاع احكامه من حرمة التنجيس و مكث الجنب و وجوب التطهير و نحو ذلك إذ لا وقف الا في ملك فالمحيى لا يقف و لا يجعل مسجدا الا ما ملكه من حيثية الاحياء و آثاره و لم يملك رقبة الارض الا تبعا للآثار فمسجديتها كانت بتبعها فاذا زالت الآثار انعدم موضوع المسجد و العرف أيضا لا يراه بعد الخراب مسجدا و الاحكام للمسجد بالفعل و بقاء حق الاولوية بالنسبة الى الارض لو سلم لا يوجب بقاء عنوان المسجدية.

و لو وقف دارا او حماما او خانا او بستانا فخربت و زال عناوينها زالت الوقفية لارتفاع الملكية هذا مضافا الى ان الوقف تحبيس الاصل و تسبيل الثمرة كما يستفاد من النبوي و بخراب الدار و زوال الآثار يرتفع الاصل و الثمرة فاى شي‌ء يبقى وقفا؟ فان العرصة لم تصر وقفا الّا تبعا للآثار المملوكة.

و التأبيد في الوقف مضافا الى عدم الدليل عليه الا ادعاء الاجماع مشروط ببقاء الموضوع.

و عن غيبة الشيخ الطوسى انه اذا قام القائم ... و يوسع الطريق الاعظم فيصير ستين ذراعا و يهدم كل مسجد على الطريق «1» فتأمل.

نعم لو اشترى رقبة الارض من الامام ثم وقفها لم يجر ما ذكرنا و لتحقيق المسألة مقام آخر.

______________________________
(1)- البحار ج 13 من الطبع القديم باب سيره و اخلاقه.

379
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة السادسة: هل يعتبر في المحيى ان يكون مسلما ؛ ص : 380

المسألة السادسة: [هل يعتبر في المحيى ان يكون مسلما]

بناء على كون الاحياء في الارض الموات سببا لملكية الرقبة كما هو المشهور فهل يعتبر في ذلك كون المحيى مسلما أم لا؟

ففى الشرائع: «و اذنه شرط فمتى اذن ملكه المحيى له اذا كان مسلما و لا يملكه الكافر، و لو قيل يملكه مع اذن الامام كان حسنا».

و في الخلاف (المسألة 4- احياء الموات) «اذا اذن الامام للذمى في احياء ارض الموات في بلاد الإسلام فانه يملك بالاذن و به قال ابو حنيفة، و قال الشافعى: لا يجوز للإمام ان يأذن له فيه فان اذن له فاحياها لم يملك دليلنا قوله- عليه السلام-: من احيا ارضا ميتة فهي له، و قوله: من احاط حائطا على الارض فهي له، و هذا عام للجميع.»‌

و في التذكرة: «اذا اذن الامام لشخص في احياء الارض الموات ملكها المحيى اذا كان مسلما و لا يملكها الكافر بالاحياء و لا باذن الامام في الاحياء، فان اذن الامام فاحياها لم يملك عند علمائنا و به قال الشافعى».

و في جامع المقاصد: «و كذا يشترط كون المحيى مسلما فلو احياه الكافر لم يملك عند علمائنا و ان كان الاحياء باذن الامام» و ظاهرهما اجماع الاصحاب على عدم مالكية الكافر بالاحياء و ان اذن له الامام.

لكن في جامع المقاصد بعد ذلك: «و الحق ان الامام لو اذن له في الاحياء للتملك قطعنا بحصول الملك له و انما البحث في ان الامام هل يفعل ذلك أم لا نظرا الى ان الكافر اهل له أم لا؟ و الذى يفهم من الاخبار و كلام الاصحاب العدم».

و في الدروس في شرائط التملك بالاحياء: «ثانيها ان يكون المحيى مسلما فلو احياها الذمى باذن الامام ففى تملكه نظر: من توهم اختصاص ذلك بالمسلمين، و النظر في الحقيقة في صحة اذن الامام له في الاحياء للتملك اذ لو اذن كذلك لم يكن بدّ من القول بملكه و اليه‌

380
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة السادسة: هل يعتبر في المحيى ان يكون مسلما ؛ ص : 380

ذهب الشيخ نجم الدين».

و في الروضة «و في ملك الكافر مع الاذن قولان و لا اشكال فيه لو حصل انما الاشكال في جواز اذنه له نظرا الى ان الكافر هل له اهلية ذلك؟ أم لا».

اقول: ان كان المراد بالامام الامام المعصوم كما هو الظاهر فلا اشكال في حصول الملك مع اذنه في التملك بل يمكن القول بذلك مع اذن الحاكم العدل أيضا اذا رأى ذلك صلاحا للإسلام و المسلمين و ان كان فرضه نادرا، و لكن محط البحث ليس صورة الاذن في التملك بل في ان الاحياء الذى هو سبب للملكية شرعا بمقتضى اخبار الاحياء و فتوى الاصحاب هل يكفى فيه اذن الامام او يشترط فيه مع ذلك كون المحيى مسلما.

و كيف كان فقد عرفت من التذكرة و جامع المقاصد الاجماع على عدم ترتب الملكية على احياء الكافر و ان اذن له الامام فيه.

و ربما يستدل على ذلك بما مرّ من قوله- صلى اللّه عليه و آله- على ما رواه العامة: «عادىّ الارض للّه و لرسوله ثم هى لكم منّى ايها المسلمون».

و في صحيحة الكابلى عن ابى جعفر عن على- عليهما السلام-:

«و الارض كلها لنا فمن أحيا ارضا من المسلمين فليعمرها و ليؤدّ خراجها الى الامام من اهل بيتى و له ما اكل منها، فان تركها و اخربها فاخذها رجل من المسلمين من بعده ...» «1».

و في صحيحة عمر بن يزيد: «كان امير المؤمنين- عليه السلام- يقول: من احيا ارضا من المؤمنين فهي له» «2». فالاذن من رسول اللّه و من امير المؤمنين- عليهما السلام- صدر للمسلمين او للمؤمنين فلا يعم‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 17 الباب 3 من ابواب احياء الموات، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 13.

381
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة السادسة: هل يعتبر في المحيى ان يكون مسلما ؛ ص : 380

الكافر هذا.

و لكن الاجماع ممنوع لوجود الخلاف و مقتضى اطلاق اكثر نصوص الاحياء التى مرت و كذا اكثر الفتاوى حصول الملكية بالاحياء مطلقا سواء كان المحيى مسلما او كافرا غاية الامر اشتراط اذن الامام او الحاكم لما مرّ بل مورد موثقة محمد بن مسلم و صحيحة ابى بصير خصوص الذّمى ففى موثقة محمد بن مسلم قال: سألت ابا عبد اللّه- عليه السلام- عن الشراء من ارض اليهود و النصارى فقال: ليس به بأس، قد ظهر رسول اللّه (ص) على اهل خيبر فخارجهم على ان يترك الارض في ايديهم يعملونها و يعمرونها فلا ارى بها بأسا لو أنك اشتريت منها شيئا و ايما قوم احيوا شيئا من الارض و عملوها فهم احق بها و هى لهم «1».

و في صحيحة ابى بصير قال: سألت ابا عبد الله- عليه السلام- عن شراء الارضين من اهل الذمة فقال: لا بأس بان يشتريها منهم اذا عملوها و احيوها فهي لهم و قد كان رسول اللّه (ص) حين ظهر على خيبر و فيها اليهود خارجهم على ان يترك الارض في ايديهم يعملونها و يعمرونها. «2»

و موردهما و ان كان اراضى الخراج و لكن تفريع قوله: «فهي لهم» على صرف الاحياء في المورد يدل على سببية الاحياء للملكية مطلقا و لو كان المحيى من اهل الذمة اذ تخصيص المورد لا يجوز قطعا، و التخصيص بالمسلمين او المؤمنين فيما مرّ من كلام النّبيّ و امير المؤمنين- عليهما السلام- من قبل مفهوم اللقب و اثبات الشي‌ء لا ينفى ما عداه مضافا الى ما اتفقوا عليه من ملك المسلمين لما يفتحونه عنوة من العامر في ايدى الكفار و لو كان ملكوه بالاحياء و لو ان احيائهم غير مملك لوجب ان يكون‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 11 الباب 71 من ابواب جهاد العدو، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 17 الباب 4 من ابواب احياء الموات، الحديث 1.

382
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة السادسة: هل يعتبر في المحيى ان يكون مسلما ؛ ص : 380

باقيا على ملك الامام هذا.

و لكن قد مرّ منّا ان خيبر كانت مفتوحة عنوة او صلحا على ان تكون للمسلمين فملكية رقبة الارض لا تحصل فيها بالاحياء قطعا فتحمل اللام في الموثقة و الصحيحة على مطلق الاحقيّة و الاختصاص فلا يبقى دليل على اذنهم في احياء الموات الذى هو للإمام فضلا عن صيرورة رقبته ملكا لهم بذلك. و لو قيل بدلالة مطلقات اخبار الاحياء بنفسها على الاذن فاللازم حملها بحسب القواعد على ما مرّ مما دلّ على الاذن للمسلمين حملا للمطلق على المقيد اللهم الا ان يحمل القيد على نكتة اخرى كإظهار العناية و الاهتمام الخاص بخصوص المسلمين هذا.

و الذى يسهل الخطب ما مرّ في المسألة الخامسة مفصلا من الاشكال في حصول ملكية الرقبة بصرف الاحياء و لو من مسلم نعم تحصل الملكية لو ملكه الامام و ملكية آثار الاحياء كما مرّ مرارا امر يقتضيه نظام التكوين بلا تفاوت بين المسلم و الكافر اذ كل منهما يملك قواه و جهاز فاعليته فيملك قهرا آثار فعله و التشريع موافق للتكوين و يدل عليه في خصوص الكافر الصحيحتان فتدبر، هذا.

و في الروضة بعد قول المصنف «و يتملكه من احياه مع غيبة الامام» قال: «سواء في ذلك المسلم و الكافر لعموم من احيا ارضا ميتة فهي له و لا يقدح في ذلك كونها للإمام على تقدير ظهوره لان ذلك لا يقصر عن حقه من غيرها كالخمس و المغنوم بغير اذنه فانه بيد الكافر و المخالف على وجه الملك حال الغيبة و لا يجوز انتزاعه منه فهنا اولى».

و في جامع المقاصد: «و لا يخفى ان اشتراط اذن الامام- عليه السلام- انما هو مع ظهوره اما مع غيبته فلا و الا لامتنع الاحياء و هل يملك الكافر بالاحياء في حال الغيبة وجدت في بعض الحواشى المنسوبة الى شيخنا الشهيد على القواعد في بحث الانفال من الخمس انه يملك به و يحرم انتزاعه منه و هو محتمل، و يدل عليه ان المخالف و الكافر‌

383
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة السابعة: لو خربت الارض المحياة ؛ ص : 384

يملكان في زمان الغيبة حقهم من الغنيمة و لا يجوز انتزاعه من يد من هو في يده الا برضاه و كذا القول في حقهم- عليهم السلام- من الخمس عند من لا يرى اخراجه بل حق باقى اصناف المستحقين للخمس بشبهة اعتقاد حل ذلك فالارض الموات اولى، و من ثم لا يجوز انتزاع ارض الخراج من المخالف و الكافر و لا يجوز اخذ الخراج و المقاسمة الا بامر سلطان الجور و هذه الامور متفق عليها، و لو باع احد ارض الخراج صح باعتبار ما ملك فيها و ان كان كافرا و حينئذ فيجرى العمومات مثل قوله- عليه السلام-: من احيا ارضا ميتة فهي له، على ظاهرها في حال الغيبة و يقصر التخصيص على حال ظهور الامام- عليه السلام- فيكون اقرب الى الحمل على ظاهرها، و هذا متجه قوى متين».

اقول: مرّ ان الانفال ليست ملكا لشخص الامام المعصوم بل لمنصب الامامة و حكومة المسلمين، و ليس عصر الغيبة عصر الهرج و المرج فلا تتعطل فيه وظائف الامامة و ميزانيّاتها فلا محالة تتصدى لها نواب الامام و لهم من الاختيارات في شئون الحكومة ما كان له- عليه السلام- و ان لم يكن لهم عصمته و مقاماته العالية فهم على وزان عمّاله غير المعصومين فلهم اجازة الاحياء بالنسبة الى الكفار أيضا اذا رأوه صلاحا للإسلام و المسلمين.

و اما اذا لم تتشكل الحكومة الاسلامية بأى سبب كان فالظاهر ان صلاح الإسلام و المسلمين مراعاة ما ذكره العلمان الشريفان كما لا يخفى وجهه.

المسألة السابعة: لو خربت الارض المحياة

فان اعرض اهلها عنها رجعت ملكا للإمام و حكمها حكم سائر الموات، و ان باد اهلها و هلكوا جميعا فهي أيضا للإمام و قد مرّ عدّها من الانفال و به وردت الاخبار اما لرجوعها بالخراب الى اصلها او لكونها ميراث من لا وارث له، و ان لم يثبت الاعراض و لم يبد الاهل و كان مالكها مجهولا فمقتضى القواعد على القول‌

384
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة السابعة: لو خربت الارض المحياة ؛ ص : 384

بملكية الرقبة كونها في حكم مجهول المالك و حكمه عند الاصحاب التصدق به، و الاحوط بل الاقوى ان يكون باذن المجتهد الجامع للشرائط لأنه ولى الغائب و لأنه مقتضى الجمع بين ما دل على التصدق بمال لا يمكن ايصاله الى صاحبه و بين ما دل على كونه للإمام كقوله- عليه السلام- في رواية داود بن ابى يزيد: «ماله صاحب غيرى» و في رواية محمد بن القاسم بن الفضيل: «ما اعرفك لمن هو يعنى نفسه».

«1». و يمكن ان يقال: ان المال المجهول مالكه و ميراث من لا وارث له من واد واحد و مرجعهما الى حاكم الإسلام كما يرجع فيهما الى الحكومات العرفية في جميع الممالك و لعل المراد بالتصدق أيضا ليس خصوص الصرف الى الفقراء بل مطلق ما يسدّ به خلّة الإسلام و المسلمين اعنى المصارف الثمانية المذكورة في آية الزكاة، و ظهور لفظ التصدق في عرفنا في الاخص لا يدل على كونه كذلك في عرف الشارع في صدر الإسلام.

و بما ذكرنا يظهر صحة ما في الشرائع في المقام حيث قال: «و ان لم يكن لها مالك معروف فهي للإمام».

و في الجواهر: «للجهل به او لهلاكه و كانت ميتة اجماعا محكيا عن ظاهر السرائر و التذكرة و جامع المقاصد و صريح المفاتيح في الثانى و الخلاف في الاول».

اذ ليس معنى كونها للإمام كونها ملكا لشخصه كما مرّ بل المراد كونها من الاموال العمومية الراجعة الى الحكومة فيكون اختيارها بيد الامام و هذا صادق في الانفال و في مجهول المالك كليهما و بذلك يظهر عدم‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 17 الباب 7 من ابواب اللقطة، الحديث 1 و الباب 6 من ابواب ميراث الخنثى و ما اشبهه، الحديث 12.

385
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة السابعة: لو خربت الارض المحياة ؛ ص : 384

صحة تفصيل المسالك قال: «لكن الحكم هنا مقيد بما لو كانت ميتة اذ لو كانت حية فهي مال مجهول المالك و حكمه خارج عن ملكيته للإمام بالخصوص فاما اذا كانت ميتة و الحال انها كانت في الاصل مملوكة ثم جهل مالكها فهي للإمام».

و ان لم يثبت الاعراض و كان مالكها معلوما فهل تخرج بصيرورتها خرابا عن ملكه و ترجع الى اصله او لا تخرج او يفصل بين ملكها بالاحياء فالاول او بغيره فالثاني؟ وجوه، قالوا: و من هذا القبيل اراضى الخراج اذا ماتت للعلم بصاحبها و هو عنوان المسلمين و قد حصلت لهم بغير الاحياء.

و كيف كان ففى الشرائع: «و كل ارض جرى عليها ملك المسلم فهي له او لورثته بعده» و ظاهرها الاطلاق و ان ماتت و كان ملكها بالاحياء.

و لكن قال بعد ذلك: «و ان لم يكن لها مالك معروف فهي للإمام و لا يجوز احيائها الا باذنه و لو بادر مبادر فاحياها من دون اذنه لم يملك و ان كان الامام غائبا كان المحيى احق بها ما دام قائما بعمارتها فلو تركها فبادت آثارها و احياها غيره ملكها و مع ظهور الامام يكون له رفع يده عنها».

و مقتضاه ارتفاع حق الاول بصيرورتها مواتا ان ملكها بالاحياء اللهم الا ان يريد بتركها الاعراض عنها.

ثم لا يخفى وجود التنافى بين ملكها بالاحياء و بين جواز رفع الامام يد المحيى عنها اللهم الا ان يريد بالملكية ملكية الآثار لا الرقبة كما فصلناه في المسألة الخامسة.

و في المبسوط: «فاما الذى جرى عليه ملك المسلم فمثل قوى المسلمين التى خربت و تعطلت فانه ينظر فان كان صاحبه معينا فهو احق بها و هو في معنى العامر و ان لم يكن معينا فانه يملك بالاحياء لعموم الخبر و عند قوم لا يملك».

386
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة السابعة: لو خربت الارض المحياة ؛ ص : 384

و قال أيضا فيما خرب من بلاد الشرك: «و اما الذى جرى عليه ملك فانه ينظر فان كان صاحبه معينا فهو له و لا يملك بالاحياء بلا خلاف».

فهو يحكم ببقاء الخراب على ملك صاحبه مسلما كان او كافرا و ظاهره العموم و لو لما ملك بالاحياء و نحوه في الجواهر «عن المهذب و السرائر و الجامع و التحرير و الدروس و جامع المقاصد» و اختاره في اللمعة أيضا.

و لكن قوى في المسالك و الروضة التفصيل و مال اليه في التذكرة و عن الكفاية انه اقرب و عن المفاتيح انه اوفق بالجمع بين الاخبار و في جامع المقاصد: «هذا القول مشهور بين الاصحاب» فالاصحاب بين قولين:

الاول البقاء على ملك صاحبها مطلقا. الثانى: التفصيل بين ما ملكت بالاحياء و غيره.

و الاولى نقل عبارة التذكرة فانها اول ما يرى فيها التفصيل قال فيها: «لو لم تكن الارض التى في بلاد الإسلام معمورة في الحال و لكنها كانت قبل ذلك معمورة جرى عليها ملك مسلم فلا يخلو اما ان يكون المالك معينا او غير معين فان كان معينا فاما ان ينتقل اليه بالشراء او العطية و شبهها او بالاحياء فان ملكها بالشراء و شبهه لم تملك بالاحياء قال ابن عبد البر: اجمع العلماء على ان ما عرف بملك مالك غير منقطع انه لا يجوز احيائه لأحد غير اربابه، و ان ملكها بالاحياء ثم تركها حتى دثر و عادت مواتا فعند بعض علمائنا و به قال الشافعى و احمد انه كالأول لا يصح لأحد احيائه و لا يملك بالاحياء و العمارة بل يكون للمالك او لورثته لقوله (ع): «من احيا ارضا ميتة في غير حق مسلم فهو احق بها»، و لأنها ارض يعرف مالكها فلم تملك بالاحياء كالتى ملكت بشراء او بعطية و لقوله (ع): «و ليس لعرق ظالم حق» ... و قال مالك: يصح احيائها و يكون الثانى المحيى لها احق بها من الاول لان هذه ارض اصلها مباح‌

387
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة السابعة: لو خربت الارض المحياة ؛ ص : 384

فاذا تركها حتى عادت الى ما كانت عليه صارت مباحة كما لو اخذ ماء من دجلة ثم رده اليها و لان العلة في تملك هذه الارض الاحياء و العمارة فاذا زالا زالت العلة فيزول المعلول و هو الملك فاذا احياها الثانى فقد اوجد سبب الملك فيثبت الملك له كما لو التقط شيئا ثم سقط من يده وضاع عنه فالتقطه غيره فان الثانى يكون احق و لا باس بهذا القول عندى».

و كيف كان فاستدلوا للقول الاول بالإجماع الذى حكاه في التذكرة و بعموم اخبار الاحياء، و بقوله: ليس لعرق ظالم حق، و باصالة بقاء الملك، و بانها ارض يعرف مالكها فلا تملك بالاحياء، و بان اسباب الملك مضبوطة و ليس منها الحراث، و بصحيحة سليمان بن خالد قال: سألت ابا عبد اللّه- عليه السلام- عن الرجل يأتي الارض الخربة فيستخرجها و يجرى انهارها و يعمرها و يزرعها ما ذا عليه؟ قال: الصدقة، قلت: فان كان يعرف صاحبها؟ قال: فليؤدّ اليه حقه. «1». و رواها في الوسائل عن الشيخ بسند صحيح عن الحلبى عن ابى عبد الله- عليه السلام- أيضا و لكن لم اجد رواية الحلبى في التهذيب و الاستبصار فيما تفحصت من مظانها فراجع هذا.

و يجاب عن الاجماع بان حاكيه ابن عبد البر لا العلامة فليس اجماع اصحابنا، و اما اخبار الاحياء فنلتزم بموجبها و لكنها تدل على ملك الثانى أيضا بل هو اقوى لأنه سبب طار فيرفع الاول كما يدل عليه الصحيحان الآتيان، و كون المحيى الثانى ظالما اول الكلام، و الاستصحاب منقطع بالصحيحين الآتيين الحاكمين بان الاحياء بعد الخراب مملك للثانى، و بذلك يظهر الجواب عما بعده أيضا و الحق في خبر سليمان مجمل فكما يحتمل كونه الارض او اجرتها يحتمل كونه غيرهما من الوسائل الباقية منه في الارض او تسطيح الارض او بعض‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 17 الباب 3 من ابواب احياء الموات، الحديث 3.

388
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة السابعة: لو خربت الارض المحياة ؛ ص : 384

المروز الباقية مثلا او شي‌ء في ذمة المحيى الثانى، و لا دلالة في لفظ «صاحبها» لصدق المشتق على من قضى أيضا بل جواز تصرف الثانى و عدم ردعه عنه يدل على عدم كونها ملكا للأول فعلا و الا لما جاز احيائها فتأمل.

و يستدل للثانى مضافا الى عمومات الاحياء و الى ما ذكره في التذكرة لقول مالك بصحيحة ابى خالد الكابلى عن ابى جعفر عن على- عليهما السلام- و قد مرّت في المسألة الخامسة و فيها: «و الارض كلها لنا فمن احيا ارضا من المسلمين فليعمرها و ليؤدّ خراجها الى الامام من اهل بيتى و له ما اكل منها، فان تركها و اخربها فاخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و احياها فهو احق بها من الذى تركها فليؤدّ خراجها الى الامام من اهل بيتى و له ما اكل منها» «1».

و صحيحة معاوية بن وهب قال: سمعت ابا عبد الله- عليه السلام- يقول: ايما رجل اتى خربة بائرة فاستخرجها و كرى انهارها و عمرها فان عليه فيها الصدقة، فان كانت ارض لرجل قبله فغاب عنها و تركها فاخربها ثم جاء بعد يطلبها فان الارض للّه و لمن عمرها «2».

فالصحيحتان صريحتان في احقية الثانى و حملهما على صورة اعراض الاول مشكل و ان احتملوه اذ الظاهر من الحكم باحقية الثانى عدم اعراض الاول عنها و لا سيما في الصحيحة الثانية فان طلبه بعد يدل على عدم اعراضه.

و مورد الاولى و ان كان مالكية الاول بالاحياء و لكن الثانية اعم فالجمع بينهما و بين صحيحة سليمان بن خالد بحملهما على صورة كون مالكية الاول بالاحياء و صحيحة سليمان على صورة كونها بغيره جمع‌

______________________________
(1)- الوسائل ج 17 الباب 3 من ابواب احياء الموات، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 17 الباب 3 من ابواب احياء الموات، الحديث 1.

389
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة السابعة: لو خربت الارض المحياة ؛ ص : 384

تبرعى لا شاهد له.

مضافا الى ان مالكية الاول و لو كانت بغير الاحياء مباشرة و لكنها بالاخرة تنتهى الى الاحياء بان اشتراها او ورثها ممن احياها و لو بوسائط فهذه الاسباب فرع على الاحياء و لا يزيد الفرع على الاصل و قد اشار الى هذا صاحب الجواهر أيضا.

اللهم الا ان تكون مالكية الاول بشراء الرقبة من الامام مثلا فيراد بالصاحب في صحيحة سليمان من انتقل اليه الرقبة من الامام بالشراء و نحوه و لو بوسائط.

و يؤيّد ذلك ما مرّ في المسألة الخامسة من التشكيك في كون الاحياء بنفسه موجبا لملكية الرقبة و انما الذى يوجبها انتقال الرقبة اليه من الامام بالشراء و نحوه.

و المسألة ليست اجماعية كما يتوهم لما عرفت من انّ اصل ملكية الرقبة بالاحياء مما منعه الشيخ و ابن زهرة في كتابيهما المعدّين لنقل الاصول المتلقاة عن المعصومين (ع) و يساعده الصحاح الثلاث فراجع.

و في المسالك ما حاصله: «و اعلم ان القائلين بعدم خروجها عن ملك الاول اختلفوا: فذهب بعضهم الى عدم جواز احيائها و لا التصرف فيها مطلقا الا باذن الاول كغيرها من الاملاك و ذهب الشيخ في المبسوط و المصنف في كتاب الجهاد و الاكثر الى احيائها و صيرورة الثانى احق بها لكن لا يملكها بذلك بل عليه ان يؤدّى طسقها الى الاول او وارثه و لم يفرقوا في ذلك بين المنتقلة بالاحياء و غيره، و في الدروس وجوب استيذان المحيى من المالك فان امتنع فالحاكم فان تعذر الامران جاز الاحياء و على المحيى طسقها للمالك و حاولوا في هذين القولين الجمع بين الاخبار بحمل احقية الثانى في الاخبار الصحيحة على احقية الانتفاع بها بسبب الاحياء و ان لم يكن مالكا و وجوب الطسق من خبر سليمان بن‌

390
کتاب الخمس و الأنفال

المسألة السابعة: لو خربت الارض المحياة ؛ ص : 384

خالد، و في قيود الشهيد مراعاة لحق المالك و حق الاخبار، و اما القول الاول ففيه اطراح الاخبار الصحيحة و لو كان خبر سليمان في قوة تلك الاخبار المعتبرة لكان الجمع حسنا لكن قد عرفت ما فيه»، هذا.

و تفصيل هذه المسائل في كتاب احياء الموات و انما تعرضنا لبعضها هنا استطراد لشدة الاحتياج اليها. و اعلم ان بعضا مما تعرضنا له في الخمس و الانفال انما ذكرناها بنحو الاحتمال لتصير موردا للبحث و التحقيق، و الجزم بها يحتاج الى تبتع و تحقيق اكثر و نرجو من اللّه- تعالى- ان يرشدنا الى سواء السبيل و ان يعجّل في فرج مولانا صاحب العصر و الزمان ليخلّصنا من تراكم الشبهات و الجهالات و السلام على جميع اخواننا المؤمنين و رحمة الله و بركاته.

العبد المفتقر الى رحمة ربّه حسينعلى المنتظرى النجف‌آبادى- غفر اللّه له و لوالديه.

391
کتاب الخمس و الأنفال

تتمة في مبحث الخمس للمصنف نقلا من كتابه دراسات في ولاية الفقيه ؛ ص : 393

[تتمة في مبحث الخمس للمصنف نقلا من كتابه دراسات في ولاية الفقيه]

[تنبيه للقرّاء الكرام]

قد مرّ في مقدمة الناشر أن هذا الطبع من كتاب الخمس يمتاز عن سابقه بأنّه مشتمل على بحث الخمس من كتاب دراسات في ولاية الفقيه أثر المؤلف مدّ ظلّه لكي تكمل الفائدة بجمع مباحث الخمس قال هناك:

الفصل الثاني [من المجلد الثالث من كتاب «ولاية الفقيه»] في الخمس

و فيه أيضا جهات من البحث:

الجهة الاولى: في بيان مفهوم الخمس و تشريعه:

قال في المقاييس:

«و الخمس: واحد من خمسة. يقال: خمست القوم: أخذت خمس أموالهم أخمسهم.» «1».

و في لسان العرب:

«و الخمس و الخمس و الخمس: جزء من خمسة، يطّرد ذلك في جميع هذه الكسور عند بعضهم، و الجمع أخماس. و الخمس: أخذك واحدا من خمسة، تقول: خمست‌

______________________________
(1)- معجم مقاييس اللغة 2/ 217.

393
کتاب الخمس و الأنفال

الجهة الاولى: في بيان مفهوم الخمس و تشريعه: ؛ ص : 393

مال فلان و خمسهم يخمسهم بالضم خمسا: أخذ خمس أموالهم ... و في حديث عديّ بن حاتم: ربعت في الجاهلية و خمست في الإسلام، يعني قدت الجيش في الحالين، لأن الأمير في الجاهلية كان يأخذ الربع من الغنيمة و جاء الإسلام فجعله الخمس و جعل له مصارف.» «1»

و ذكر نحو ذلك ابن الاثير في النهاية. «2»

و هذا مما يؤيد ما سنذكره من كون الخمس حق الإمارة و كونه حقا وحدانيا تحت اختيار الحاكم. هذا بحسب اللغة.

و أمّا شرعا فالخمس ضريبة مالية تعادل واحدا من خمسة جعلها في الشرع على أمور يأتي بيانها. و كونه حقيقة شرعية ممنوع بل اللفظ استعمل بمعناها اللغوي.

و ثبوت الخمس إجمالا من ضروريات الإسلام، و يدل عليه الكتاب و السنّة و الإجماع:

قال اللّه- تعالى-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ وَ مٰا أَنْزَلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا يَوْمَ الْفُرْقٰانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعٰانِ وَ اللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ.» «3»

صدّر- سبحانه و تعالى- كلامه بالبعث على العلم اهتماما بالحكم المذكور في الآية، و أكّده بالإتيان بحرف التأكيد، و علّقه على الموصول الذي هو من المبهمات و يدل على العموم بعموم صلته، و فسّره بمبهم آخر للدلالة على التعميم، فكل ما انطبق عليه مفهوم الصلة و صدق عليه لفظ الشي‌ء فهو موضوع لهذا الحكم.

و اختلفت كلمات أهل اللغة في معنى الغنم بمشتقاته، فيظهر من بعضها اختصاصها بما أصيب به بالحرب، و من بعضها عمومها لكل ما يستفيده الإنسان و يفوز به من الأموال، و الظاهر أن المراد بها ما يفوز به الإنسان من غير مشقة،

______________________________
(1) لسان العرب 6/ 70.

(2) النهاية 2/ 79.

(3) سورة الأنفال (8)، الآية 41.

394
کتاب الخمس و الأنفال

الجهة الاولى: في بيان مفهوم الخمس و تشريعه: ؛ ص : 393

فتكون في الحقيقة نعمة غير مترقبة، سواء أصيب به بالحرب أم بغيرها، فيكون إطلاق الكلمة على غنائم الحرب من باب إطلاق المطلق على أظهر أفراده:

قال في المقاييس:

«الغين و النون و الميم أصل صحيح واحد يدلّ على إفادة شي‌ء لم يملك من قبل، ثم يختص به ما أخذ من مال المشركين بقهر و غلبة.» «1»

أقول: لعل قوله: «يختص به» يراد به غلبة إطلاقه عليه لا الاختصاص بنحو يهجر إطلاقه على المطلق.

و في القاموس:

«و المغنم و الغنيم و الغنيمة و الغنم بالضم: الفي‌ء ... و الفوز بالشي‌ء بلا مشقة.» «2»

و في النهاية:

«قد تكرر فيه ذكر الغنيمة و الغنم و المغنم و الغنائم، و هو ما أصيب من أموال أهل الحرب و أوجف عليه المسلمون بالخيل و الركاب ... و منه الحديث: «الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة.» إنما سماه غنيمة لما فيه من الأجر و الثواب، و منه الحديث:

«الرهن لمن رهنه، له غنمه و عليه غرمه.» «3»

أقول: ما رواه من الحديثين يشهدان بأن مفهوم اللفظ أعمّ من غنائم الحرب، كما لا يخفى.

و في لسان العرب:

«و الغنم: الفوز بالشي‌ء من غير مشقة، و الاغتنام: انتهاز الغنم، و الغنم و الغنيمة و المغنم: الفي‌ء.» «4»

و عن خليل بن أحمد في عين اللغة:

______________________________
(1) معجم مقاييس اللغة 4/ 397.

(2) قاموس اللغة/ 783.

(3) النهاية لابن الأثير 3/ 389.

(4) لسان العرب 12/ 445.

395
کتاب الخمس و الأنفال

الجهة الاولى: في بيان مفهوم الخمس و تشريعه: ؛ ص : 393

«الغنم هو الفوز بالشي‌ء من غير (في غير خ. ل) مشقة.» «1»

و في مفردات الراغب:

«الغنم معروف، قال: وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنٰا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمٰا، و الغنم: إصابته و الظفر به ثم استعمل في كل مظفور به من جهة العدى و غيرهم.» «2»

أقول: و الظاهر أنه أحسن ما قيل في المقام. و ربما قيل:

«الغنم ما يناله الإنسان و يظفر به من غير مقابل يبذله في سبيله، ضدّ الغرم و هو ما يتحمله الإنسان من خسر و ضرر بغير خيانة و جناية.»‌

و لا يصدق الغنم على كل ما يظفر به الإنسان و إن كان بتبديل ماله به بلا حصول فائدة، فلا محالة يعتبر في صدقه خصوصية، و الظاهر أن الخصوصية التي اشربت في معناه هو المجانية و عدم الترقب، فهو عبارة عما ظفر به الإنسان بلا توقع لحصوله و تصدّ مستقيم لتحصيله، و بعبارة أخرى: النعمة غير المترقبة.

فما يتصدى الإنسان لتحصيله في الحروب هو خذلان العدوّ و الغلبة عليه، لا اغتنام الأموال، فهو نعمة غير مترقبة، و كذلك ما يحصل بالظفر بالكنز و المعدن و بالغوص نعم غير مترقبة بحسب العادة قد تحصل و قد لا تحصل. و ما يتصدى الإنسان لتحصيله في مكاسبه و حرفه اليومية بحسب العادة هو ما يعيش به و يرفع به حاجاته اليومية، فالزائد على ذلك نعمة غير مترقبة، و لذا قلنا في باب أرباح المكاسب إن مقدار المؤونة اليومية خارج تخصّصا لا تخصيصا.

و كيف كان فالظاهر أنه لم يؤخذ في مفهوم الغنم خصوصية الحرب و القتال كما يعرف ذلك بملاحظة ضده أعني الغرم. و الغنيمة و المغنم أيضا من مشتقاته، فلا تختصان بمغانم الحرب. و لو سلّم ذلك فيهما بسبب كثرة الاستعمال فلا نسلّم ظهور الفعل في ذلك، فالآية تشمل بإطلاقها غنائم الحرب و غيرها. و وقوع الآية في سياق آيات غزوة البدر لا يوجب التخصيص، إذ المورد غير مخصص و إلا لوجب اختصاص‌

______________________________
(1) عين اللغة 4/ 426.

(2) مفردات الراغب/ 378.

396
کتاب الخمس و الأنفال

الجهة الاولى: في بيان مفهوم الخمس و تشريعه: ؛ ص : 393

الخمس بغنائم بدر فقط، و لا مانع من أن يصير مورد خاص موجبا لنزول حكم كلي يشمله بعمومه و إطلاقه، بل هو المتعارف في آيات الكتاب العزيز.

و بالجملة، فالآية الشريفة بعمومها تشمل المعادن و الكنوز و الغوص و أرباح المكاسب بل و الهبات و الجوائز أيضا، و قد نطقت بهذا العموم الأخبار المستفيضة الواردة في تفسيرها في الأبواب المختلفة:

1- ففي حديث وصايا النبي «ص» لعلي «ع»: «يا علي، إن عبد المطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن أجراها اللّه له في الإسلام. (إلى أن قال:) و وجد كنزا فأخرج منه الخمس و تصدق به فأنزل اللّه: و اعلموا أنما غنمتم من شي‌ء فأنّ للّه خمسه. الآية.» «1»

2- و في صحيحة علي بن مهزيار الطويلة، عن أبي جعفر الثاني «ع»: «فأما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام، قال اللّه- تعالى-: «و اعلموا أنما غنمتم من شي‌ء فأنّ للّه خمسه. الآية». فالغنائم و الفوائد- يرحمك اللّه- فهي الغنيمة يغنمها المرء و الفائدة يفيدها و الجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، و الميراث الذي لا يحتسب ...» «2»

3- و في رواية حكيم مؤذن بني عيس، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قلت له:

«وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ»؟ قال: «هي و اللّه الإفادة يوما بيوم إلا أن أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلّ ليزكوا.» «3»

4- و في باب الغنائم و الخمس من فقه الرضا:

«و قال- جلّ و علا: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ» ... و كل ما أفاده الناس فهو غنيمة، لا فرق بين الكنوز و المعادن و الغوص و مال الفي‌ء الذي لم يختلف فيه و هو ما ادعي فيه الرخصة، و هو ربح التجارة، و غلّة‌

______________________________
(1) الوسائل 6/ 345، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

(2) الوسائل 6/ 50- 349، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

(3) الوسائل 6/ 381، الباب 4 من أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام، الحديث 8.

397
کتاب الخمس و الأنفال

الجهة الاولى: في بيان مفهوم الخمس و تشريعه: ؛ ص : 393

الضيعة و سائر الفوائد، من المكاسب و الصناعات و المواريث و غيرها، لأن الجميع غنيمة و فائدة من رزق اللّه- تعالى-، فإنه روي أن الخمس على الخيّاط من إبرته و الصانع من صناعته، فعلى كل من غنم من هذه الوجوه مالا فعليه الخمس.» «1»

أقول: قوله: «و هو ربح التجارة» الظاهر زيادة الضمير فيه كما لا يخفى.

و قال المحقق في المعتبر بعد ذكر الآية الشريفة:

«و الغنيمة اسم للفائدة، و كما يتناول هذا اللفظ غنيمة دار الحرب بإطلاقه يتناول غيرها من الفوائد.» «2»

و المحقق «ره» مضافا إلى كونه فقيها عرب أصيل عارف بلغة العرب.

أقول: و يمكن أن يحمل على ذلك أيضا صحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصة.» «3»

فتحمل الغنائم فيها على المعنى الأعم لا خصوص غنائم الحرب، و يكون الحصر في قبال ما يملكه الإنسان بالاشتراء و نحوه بلا ربح، بل و الأرباح بمقدار تصرف في مئونة السنة أيضا، بناء على ما أشرنا إليه من عدم صدق الغنيمة عليه و كون خروجها تخصصا لا تخصيصا. هذا.

و يحتمل في الصحيحة أن يكون الحصر فيها بالإضافة إلى الفي‌ء و الأنفال، و محطّ النظر فيها خصوص ما يصل إلى المسلمين من أموال الكفّار، فيكون المراد أن ما يصل إليهم من أموال الكفّار لا تخمس إلا الغنائم التي تقسم بين المقاتلين، و أما الفي‌ء و الأنفال فكلّها للإمام و لا خمس فيها خلافا لما عن الشافعي و غيره من ثبوت الخمس في الفي‌ء أيضا كما يأتي في محلّه.

و أما الخمس في الحلال المختلط بالحرام و الأرض التي اشتراها الذمي فسيأتي‌

______________________________
(1) فقه الرضا/ 293.

(2) المعتبر/ 293.

(3) الوسائل 6/ 338، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

398
کتاب الخمس و الأنفال

الجهة الاولى: في بيان مفهوم الخمس و تشريعه: ؛ ص : 393

منّا المناقشة في كونهما من الخمس المصطلح، و الصحيحة ناظرة إلى الخمس المصطلح. هذا.

و قد يقال:

«إنه قد ورد أن رسول اللّه «ص» قسّم أموال غزوة أهل بدر بسير على أميال من بدر.» «1»

و ظاهره تقسيم الجميع.

و روي عن ابن عباس و ابن الزبير و زيد بن ثابت أن سورة الأنفال نزلت بالمدينة. «2»

و عن عبادة بن الصامت قال:

«سلمنا الأنفال للّه و رسوله، و لم يخمّس رسول اللّه «ص» بدرا و نزلت بعد: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ» فاستقبل رسول اللّه «ص» بالمسلمين الخمس فيما كان من كل غنيمة بعد بدر.» «3»

و عن أبي عبيد:

«لم يخمّس رسول اللّه «ص» غنائم بدر.» «4»

و في تفسير علي بن إبراهيم:

«فلم يخمّس رسول اللّه «ص» ببدر و قسّمه بين أصحابه ثم استقبل يأخذ الخمس بعد بدر.» «5»

فيظهر بذلك كله عدم كون غنائم بدر موردا لآية الخمس.

أقول: يرد على ذلك أولا: أن ظاهر آية الخمس كونها نازلة في بدر و في يوم‌

______________________________
(1) الأمّ للشافعيّ 4/ 65، تفريق القسم فيما أوجف عليه الخيل و الركاب: و سيرة ابن هشام 2/ 297.

(2) الدرّ المنثور 3/ 158.

(3) الدرّ المنثور 3/ 187.

(4) تفسير القرطبي 8/ 9.

(5) تفسير عليّ بن إبراهيم (القمّى) 1/ 235، في تفسير سورة الأنفال (- ط. أخرى 1/ 255).

399
کتاب الخمس و الأنفال

الجهة الاولى: في بيان مفهوم الخمس و تشريعه: ؛ ص : 393

حادثته، لأنه المراد بيوم الفرقان يوم التقى الجمعان في الآية الشريفة كما وردت به أخبار، اللهم إلا أن يقال إن قوله: و ما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان إشارة إلى نزول آية الأنفال لا آية الخمس.

و ثانيا: أن ما ذكر من الأخبار أخبار آحاد عارضها أخبار أخر:

فعن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة الأنفال؟ قال: «نزلت في بدر.» «1»

و ظاهرها تمام السورة.

و عن أمير المؤمنين «ع» قال: «كان لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر، و كان رسول اللّه «ص» أعطاني شارفا من الخمس يومئذ.» «2»

أقول: الشارف: الناقة المسنة.

و في الرسالة المنسوبة إلى الإمام الصادق «ع» بعد ذكر نزول آية الأنفال في بدر قال: «فلما قدم رسول اللّه «ص» المدينة أنزل اللّه عليه: «و اعلموا أنما غنمتم ... فخمّس رسول اللّه «ص» الغنيمة التي قبض بخمسة أسهم فقبض سهم اللّه لنفسه ... فهذا يوم بدر و هذا سبيل الغنائم التي أخذت بالسيف ...» «3» و ظاهره تخميس غنيمة بدر.

و ثالثا: لعل عدم تخميس النبي «ص» لغنائم بدر على فرض صحته كان من جهة عدم الاحتياج إليه و عدم وجود مصرفه في ذلك اليوم، و لكن اللّه- تعالى- أراد بإنزال الآية الشريفة تفهيمهم بأن الخمس ثابت بحسب التشريع لئلا يتوقع المقاتلون في الوقائع الآتية تقسيم جميع الغنيمة.

و رابعا: أن عدم تخميس مغانم بدر لا يدل على عدم ثبوت الخمس في سائر مغانم الحروب، فتدبّر.

______________________________
(1) الدرّ المنثور 3/ 158.

(2) تفسير القرطبي 8/ 9، عن مسلم في صحيحه.

(3) تحف العقول/ 341.

400
کتاب الخمس و الأنفال

الجهة الثانية: فيما يجب فيه الخمس: ؛ ص : 401

الجهة الثانية: فيما يجب فيه الخمس:

قال المحقق في خمس الشرائع:

«فيما يجب فيه، و هو سبعة: الأول: غنائم دار الحرب مما حواه العسكر و ما لم يحوه من أرض و غيرها، ما لم يكن غصبا من مسلم أو معاهد، قليلا كان أو كثيرا.

الثاني: المعادن، سواء كانت منطبعة كالذهب و الفضة و الرصاص، أو غير منطبعة كالياقوت و الزبرجد و الكحل، أو مائعة كالقير و النفط و الكبريت ...

الثالث: الكنوز، و هو كل مال مذخور تحت الأرض ...

الرابع: كل ما يخرج من البحر بالغوص كالجواهر و الدرر ...

الخامس: ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله من أرباح التجارات و الصناعات و الزراعات.

السادس: إذا اشترى الذمّي أرضا من مسلم وجب فيها الخمس ...

السابع: الحلال إذا اختلط بالحرام و لا يتميز وجب فيه الخمس.» «1»

و قال في المدارك:

«هذا الحصر استقرائي مستفاد من تتبع الأدلة الشرعية، و ذكر الشهيد في البيان أن هذه السبعة كلها مندرجة في الغنيمة.» «2»

أقول: إدراج الحلال المختلط بالحرام و الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم في عنوان الغنيمة لا يخلو من إشكال، و لعل الخمس فيهما أيضا سنخ آخر و له مصرف آخر كما‌

______________________________
(1) الشرائع 1/ 179- 181 (طبعة أخرى 1/ 133).

(2) المدارك/ 335.

401
کتاب الخمس و الأنفال

الأول: غنائم دار الحرب: ؛ ص : 402

سيأتي، و أما الخمسة الأخر فهي مندرجة تحت عنوان الغنيمة و تشملها الآية الشريفة بعمومها كما مرّ، و لا نتقيد بصدق العناوين الخاصة بعد صدق عنوان الغنيمة عليها.

و بالجملة، فموضوع الخمس المصطلح هو أمر واحد تعرّض له الكتاب العزيز، و الملاك في جميع الموارد هو صدق هذا العنوان أعني قوله: «ما غَنِمْتُمْ» بمفهومه العام، فتدبّر.

و تفصيل البحث في الخمس يطلب من الكتب الفقهية، و قد طبع منّا في سالف الزمان أيضا كتاب في الخمس و الأنفال، و إنما نتعرض هنا للموضوعات السبعة بنحو الإجمال فنقول:

الأول: غنائم دار الحرب:

و يدل على ثبوت الخمس فيها إجمالا الكتاب و السنّة و إجماع المسلمين. و قد مرّ البحث في الآية الشريفة إجمالا.

و من السنّة قوله «ع» في صحيحة عبد اللّه بن سنان السابقة، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة.» «1» و المتيقن منها غنائم الحرب.

و خبر أبي بصير، عن أبي جعفر «ع»، قال: «كل شي‌ء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا رسول اللّه «ص» فإن لنا خمسه ...» «2»

و مرسلة حماد الطويلة، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح «ع»، قال:

«الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم و الغوص، و من الكنوز، و من المعادن و الملاحة. الحديث.» «3»

______________________________
(1) الوسائل 6/ 338، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(2) الوسائل 6/ 339، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

(3) الوسائل 6/ 339، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

402
کتاب الخمس و الأنفال

الأول: غنائم دار الحرب: ؛ ص : 402

إلى غير ذلك من الأخبار و منها صحيحة ربعي الآتية. «1»

و بالجملة ثبوت الخمس إجمالا في غنائم الحرب مما لا إشكال فيه، من غير فرق بين القليل منها و الكثير، فلا يعتبر فيها نصاب.

و ظاهر المشهور ثبوت الخمس حتى في الأراضي التي لا تقسم عندنا بين الغانمين بل تبقى للمسلمين، فقد لا حظت آنفا عبارة الشرائع في الخمس و قال في الجهاد منه:

«و أما ما لا ينقل فهو للمسلمين قاطبة و فيه الخمس، و الإمام مخيّر بين إفراز خمسه لأربابه و بين إبقائه و إخراج الخمس من ارتفاعه.» «2»

و قال الشيخ في كتاب الفي‌ء من الخلاف (المسألة 18):

«ما لا ينقل و لا يحوّل من الدور و العقارات و الأرضين عندنا إن فيه الخمس، فيكون لأهله و الباقي لجميع المسلمين من حضر القتال و من لم يحضر فيصرف ارتفاعه إلى مصالحهم، و عند الشافعي أن حكمه حكم ما ينقل و يحوّل: خمسه لأهل الخمس و الباقي للمقاتلة الغانمين، و به قال ابن الزبير ...» «3»

و بذلك أفتى الشيخ في النهاية و المبسوط أيضا، فراجع. «4»

و استدل لذلك بعموم الآية و عموم رواية أبي بصير التي مرت. «5»

و خالف في ذلك صاحب الحدائق فقال ما حاصله:

«قد تتبعت ما حضرني من كتب الأخبار فلم أقف فيها على ما يدل على دخول الأرض و نحوها في الغنيمة التي يتعلق بها الخمس.» «6»

ثم ذكر ثلاث طوائف من الأخبار و أراد أن يستنتج منها عدم الخمس فيها:

الأولى: ما وردت في تقسيم الغنيمة، مثل صحيحة ربعي، عن أبي عبد اللّه «ع»،

______________________________
(1) الوسائل 6/ 356، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 3.

(2) الشرائع 1/ 322 (- طبعة أخرى/ 245).

(3) الخلاف 2/ 333.

(4) النهاية/ 198؛ و المبسوط 1/ 235 و 236.

(5) الوسائل 6/ 339، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

(6) الحدائق 12/ 325.

403
کتاب الخمس و الأنفال

الأول: غنائم دار الحرب: ؛ ص : 402

قال: «كان رسول اللّه «ص» إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس و يأخذ خمسه ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه ...» «1»

فمن أمثال هذه الروايات لا يستفاد حكم الأرض قطعا، إذ الأرض لا تقسم بين المقاتلين قطعا، بل لعل المستفاد منه أن الخمس إنما يثبت فيما يقسم.

الثانية: ما دلت على أن الأرض المفتوحة عنوة في‌ء لجميع المسلمين من وجد و من سيوجد إلى يوم القيامة و أن أمرها إلى الإمام يقبلها أو يعمرها و يصرف حاصلها في مصالح المسلمين.

و الظاهر منها أن ذلك حكم جميع الأرض لا أربعة أخماسها.

الثالثة: ما ورد في بيان عمل النبي «ص» و الإمام بالنسبة إلى الأرض المفتوحة عنوة و منها أرض خيبر، و لم يتعرض في واحدة منها للتخميس مع بيان الزكاة في حاصلها، و لو ثبت الخمس فيها لكان أولى بالذكر لتعلقه برقبة الأرض.

فمن هذه الروايات ما عن الكافي بسنده، عن صفوان و البزنطي، قالا: ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج و ما سار فيها أهل بيته، فقال: «من أسلم طوعا تركت أرضه في يده ... و ما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالذي يرى، كما صنع رسول اللّه «ص» بخيبر: قبّل سوادها و بياضها، يعني أرضها و نخلها ... و على المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف العشر في حصصهم، الحديث.» «2» و نحوه صحيحة البزنطي، عن الرضا «ع» «3».

أقول: لا يخفى أن الطائفة الأولى لا دلالة لها على المقصود، إذ غاية الأمر قصورها عن إفادة التعميم لا أنها صالحة لتقييد الآية و الرواية، و أما الطائفتان الأخيرتان فدلالتهما واضحة، و هما أخصّ موردا من الآية و الرواية- و إطلاق الخاص مقدم-، بل في المستمسك:

«أن ظاهر النصوص الإشارة إلى الأرض الخارجية الخراجية، فالموضوع نفس‌

______________________________
(1)- الوسائل 6/ 356، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 3.

(2)- الوسائل 11/ 120، الباب 72 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

(3)- الوسائل 11/ 120، الباب 72 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

404
کتاب الخمس و الأنفال

الأول: غنائم دار الحرب: ؛ ص : 402

الأرض، و الحمل على المقدار الزائد على الخمس تجوّز لا قرينة عليه.» «1»

و الحاصل أن الروايات الكثيرة الواردة في بيان حكم أرض الخراج و بيان سيرة النبي «ص» فيها مع كونها في مقام البيان ساكتة عن ثبوت الخمس فيها و هي أخص موردا من الآية و الرواية.

بل لأحد أن يدعي انصراف الآية الشريفة عن مثل الأراضي التي هي في‌ء لعنوان المسلمين عموما، كما يظهر من تقريرات بحث السيد الأستاذ آية اللّه العظمى البروجردى- طاب ثراه- في الخمس «2»، فإن الخطاب فيها متوجه إلى خصوص من غنم بشخصه أو حضر الحرب و جاهد و اغتنم، و الأراضي ليست غنيمة عائدة إليهم كما هو المفروض، بل هي غنيمة للإسلام و عنوان المسلمين، و ظاهر الخطاب في قوله: «غَنِمْتُمْ» كونه للأشخاص الغانمين لا للحيثيات و العناوين، فتدبّر.

بل يظهر من بعض أن لفظ الغنيمة منصرف إلى خصوص المنقولات، قال الماوردي: «و أما الأموال المنقولة فهي الغنائم المألوفة.» «3»

هذا مضافا إلى أنه لم يعهد من الخلفاء و من أمير المؤمنين «ع» تخميس أراضي العراق و غيرها من الأراضي التي فتحت عنوة، و لا تخميس خراجها و عوائدها السنوية، و لو كان هذا لبان و أثبته المؤرخون.

و إلى أن الخمس كما يأتي بيانه من الضرائب و الماليات المقررة في الإسلام لمنصب الإمامة و الحكومة الحقة، كما أن الأراضي المفتوحة عنوة أيضا تكون من هذا القبيل و تكون تحت اختيار الحكومة الإسلامية و إمام المسلمين كما مرّ في خبر صفوان و البزنطي «4».

و لم يعهد في الحكومات المتعارفة جعل الضرائب على الضرائب و الأموال العامة الواقعة تحت اختيار الحكومة و إن اختلفت فيها المصارف و الجهات. و إنما توضع‌

______________________________
(1)- المستمسك 9/ 444.

(2)- زبدة المقال/ 16.

(3)- الأحكام السلطانية/ 138.

(4)- الوسائل 11/ 120، الباب 72 من أبواب جهاد العدو ...، الحديث 1.

405
کتاب الخمس و الأنفال

الأول: غنائم دار الحرب: ؛ ص : 402

الضرائب على غنائم الناس و فوائدهم بنفع بيت المال.

و يشهد لذلك قوله «ع» في مرسلة حماد الطويلة، عن العبد الصالح «ع»:

«و ليس في مال الخمس زكاة لأن فقراء الناس جعل أرزاقهم في أموال الناس ... و لذلك لم يكن على مال النبي «ص» و الوالي زكاة.» «1»

و يمكن أن يحمل على ذلك أيضا ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

قلت له: أما على الإمام زكاة؟ فقال: «أحلت يا أبا محمد؟ أما علمت أن الدنيا و الآخرة للإمام يضعها حيث يشاء و يدفعها إلى من يشاء؟ الحديث.» «2»

فيكون المراد أن ما هو ملك للإمام بما أنه إمام أي ما حصل في بيت مال المسلمين لا يتعلق به زكاة، و إلا فيستبعد جدّا عدم تعلق الزكاة بما هو ملك لشخص الإمام «ع» إذا بلغ النصاب المقرر، فإنه «ع» أحد من المكلفين، و عمومات التكليف تشمله، فكما تجب عليه الصلاة في أوقاتها الخمسة فكذلك تتعلق الزكاة بأمواله الشخصية أيضا إذا بلغت النصاب المقرر. هذا.

و في كتاب الخراج ليحيى بن آدم القرشي قال:

«و قال بعض الفقهاء: الأرض لا تخمّس لأنها في‌ء و ليست بغنيمة لأن الغنيمة لا توقف، و الأرض إن شاء الإمام وقفها و إن شاء قسمها كما يقسم الفي‌ء فليس في الفي‌ء خمس و لكنه لجميع المسلمين ...» «3». هذا.

و قد عثرت بعد ما كتبت المسألة على أخبار ربما يستفاد منها تخميس رسول اللّه «ص» لأراضي خيبر أو عوائدها و خيبر كانت مفتوحة عنوة:

ففي سيرة ابن هشام:

«قال ابن إسحاق: و كانت المقاسم على أموال خيبر على الشق و نطاة و الكتيبة، فكانت الشق و نطاة في سهمان المسلمين، و كانت الكتيبة خمس اللّه و سهم‌

______________________________
(1)- الوسائل 6/ 359، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.

(2)- الكافي 1/ 408، كتاب الحجة، باب أنّ الأرض كلّها للإمام، الحديث 4.

(3)- الخراج/ 20.

406
کتاب الخمس و الأنفال

الأول: غنائم دار الحرب: ؛ ص : 402

النبي «ص» و سهم ذوي القربى و اليتامى و المساكين (و ابن السبيل- الطبري.)

و طعم أزواج النبي «ص» و طعم رجال مشوا بين رسول اللّه «ص» و بين أهل فدك بالصلح ... فأخبرني ابن شهاب أنّ رسول اللّه «ص» افتتح خيبر عنوة بعد القتال و كانت خيبر مما أفاه اللّه- عزّ و جلّ- على رسول اللّه «ص» خمّسها رسول اللّه «ص» و قسمها بين المسلمين.» «1»

و روى صدر الحديث الطبري أيضا «2»، و روى خبر ابن شهاب أبو عبيد أيضا «3».

و لكن يمكن أن يقال: إن الظاهر مما ذكر تقسيم رسول اللّه «ص» نفس أراضي خيبر لا تقسيم عوائدها فقط، فلعل التخميس على فرض صحة الرواية كان ثابتا عند التقسيم لا مطلقا لما عرفت من أنه لم يعهد التخميس في أراضي العراق و نحوها، و لعل الحكم الشرعي في بادي الأمر كان تقسيم الأراضي أيضا أو تخيير الإمام بينه و بين وقفها للمسلمين ثم نسخ بعد ذلك على ما يشهد به الروايات و العمل كما يأتي.

قال أبو عبيد:

«فقد تواترت الآثار في افتتاح الأرضين عنوة بهذين الحكمين: أما الأول منهما فحكم رسول اللّه «ص» في خيبر و ذلك أنه جعلها غنيمة فخمسها و قسمها ... و أما الحكم الآخر فحكم عمر في السواد و غيره، و ذلك أنه جعله فيئا موقوفا على المسلمين ما تناسلوا و لم يخمّسه، و هو الرأي الذي أشار به عليه علي بن أبي طالب و معاذ بن جبل.» «4»

هذا مضافا إلى أن المستفاد من صحيحة صفوان و البزنطي الماضية و نحوها عدم التقسيم لأراضي خيبر و لم يذكر فيها الخمس أيضا.

______________________________
(1)- سيرة ابن هشام 3/ 363 و 371.

(2)- تاريخ الطبري 3/ 1588 (طبعة ليدن).

(3)- الأموال/ 70.

(4)- الأموال/ 75.

407
کتاب الخمس و الأنفال

الثاني مما فيه الخمس: المعادن: ؛ ص : 408

و في البخاري أيضا بسنده، عن عبد اللّه، قال: «أعطى رسول اللّه «ص» خيبر اليهود أن يعملوها و يزرعوها و لهم شطر ما يخرج منها.» «1»

فليس فيه أيضا اسم من التقسيم و لا الخمس، و لعل إعطاءه «ص» سهما من عوائدها إلى أزواجه و عائلته قد عبّر عنه الأصحاب بالخمس وهما منهم أنه كان من باب التخميس المصطلح، و قد يعبّر عن سهم النبي و سهم ذي القربى في باب الفي‌ء أيضا بالخمس توهما منهم على وجوب تخميس الفي‌ء خمسة أسهم حذفا لسهم اللّه.

و يأتي تتمة لذلك في فصل الفي‌ء و مصرفه، فتدبرّ.

فإن قلت: في صحيح مسلم عن رسول اللّه «ص»: «و أيّما قرية عصت اللّه و رسوله فإن خمسها للّه و لرسوله ثم هي لكم.» «2»

و رواه أحمد أيضا في المسند. «3» و ظاهر الحديث أيضا تقسيم الأرض و تخميسها.

قلت: يمكن أن يحمل الحديث أيضا على تقسيم الفي‌ء، فتكون القرية مفتوحة صلحا، أو يراد تقسيم أموال القرية التي حواها العسكر فتخمس و تقسم البقية بين المقاتلين، فتأمّل.

الثاني مما فيه الخمس: المعادن:

من الذهب و الفضة و الرصاص و الصفر و الحديد و الياقوت و الزبرجد و الفيروزج و العقيق و الزيبق و النفط و الكبريت و القير و الملح و نحو ذلك.

و لا إشكال عندنا في تعلق الخمس بها. و يدل على ذلك مضافا إلى عموم الآية‌

______________________________
(1)- صحيح البخاري 2/ 76، باب مشاركة الذّمي و المشركين في المزارعة.

(2)- صحيح مسلم 3/ 1376، كتاب الجهاد و السير، باب حكم الفي‌ء، الحديث 1756.

(3)- مسند أحمد 2/ 317.

408
کتاب الخمس و الأنفال

الثاني مما فيه الخمس: المعادن: ؛ ص : 408

الشريفة كما مرّ، الأخبار المستفيضة:

1- كصحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر «ع»، قال: سألته عن معادن الذهب و الفضة و الصفر و الحديد و الرصاص، فقال: «عليها الخمس جميعا.» «1»

2- و صحيحة زرارة، عن أبي جعفر «ع» قال: سألته عن المعادن ما فيها؟

فقال: «كل ما كان ركازا ففيه الخمس.» و قال: «ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج اللّه- سبحانه- منه من حجارته مصفى الخمس.» «2»

3- و صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الكنز كم فيه؟ قال:

الخمس. و عن المعادن كم فيها؟ قال: الخمس. و عن الرصاص و الصفر و الحديد و ما كان من المعادن كم فيها؟ قال: «يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب و الفضة.» «3»

4- و صحيحة محمد بن مسلم الأخرى، قال: «سألت أبا جعفر «ع» عن الملاحة، فقال: و ما الملاحة؟ فقلت: أرض سبخة مالحة يجتمع فيه الماء فيصير ملحا، فقال: هذا المعدن فيه الخمس. فقلت: و الكبريت و النّفط يخرج من الأرض؟ قال: فقال: هذا و أشباهه فيه الخمس.» «4»

إلى غير ذلك من الأخبار، فراجع الوسائل: الباب الثالث مما يجب فيه الخمس.

و وافقنا في المسألة بعض فقهاء السنة أيضا:

ففي زكاة الخلاف (المسألة 137):

«المعادن كلها يجب فيها الخمس من الذهب و الفضة و الحديد و الصفر و النحاس و الرصاص و نحوها مما ينطبع و مما لا ينطبع كالياقوت و الزبرجد و الفيروزج و نحوها،

______________________________
(1)- الوسائل 6/ 342، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 343، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 342، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

(4)- الوسائل 6/ 343، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

409
کتاب الخمس و الأنفال

الثاني مما فيه الخمس: المعادن: ؛ ص : 408

و كذلك القير و الموميا و الملح و الزجاج و غيره.

و قال الشافعي: لا يجب في المعادن شي‌ء إلّا الذهب و الفضة، فإن فيهما الزكاة، و ما عداهما ليس فيه شي‌ء، انطبع أ و لم ينطبع.

و قال أبو حنيفة: كل ما ينطبع مثل الحديد و الرصاص و الذهب و الفضة ففيه الخمس، و ما لا ينطبع فليس فيه شي‌ء ...

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم، و أيضا قوله- تعالى-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ ... و روي عن النبي «ص» أنه قال: «في الركاز الخمس» و المعدن ركاز.» «1»

و في خراج أبي يوسف القاضي:

«قال أبو يوسف: في كل ما أصيب من المعادن من قليل أو كثير الخمس، و لو أنّ رجلا أصاب في معدن أقلّ من وزن مأتي درهم فضة أو أقل من وزن عشرين مثقالا ذهبا فإن فيه الخمس، ليس هذا على موضع الزكاة، إنما هو على موضع الغنائم، و ليس في تراب ذلك شي‌ء، إنما الخمس في الذهب الخالص و في الفضة الخالصة و الحديد و النحاس و الرصاص ... و ما استخرج من المعادن سوى ذلك من الحجارة مثل الياقوت و الفيروزج و الكحل و الزيبق و الكبريت و المغرة فلا خمس في شي‌ء من ذلك، إنما ذلك كله بمنزلة الطين و التراب ... قال: و أما الركاز فهو الذهب و الفضة الذي خلقه اللّه- عز و جل- في الأرض يوم خلقت، فيه أيضا الخمس ... قال أبو يوسف: و حدثني عبد اللّه بن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن جده، قال: كان أهل الجاهلية إذا عطب الرجل في قليب جعلوا القليب عقله، و إذا قتلته دابة جعلوها عقله، و إذا قتله معدن جعلوه عقله، فسأل سائل رسول اللّه «ص» عن ذلك. فقال «ص»: «العجماء جبار، و المعدن جبار، و البئر جبار، و في الركاز الخمس.» فقيل له: و ما الركاز؟ يا رسول اللّه! فقال: الذهب و الفضة الذي خلقه اللّه في الأرض يوم خلقت.» «2»

______________________________
(1)- الخلاف 1/ 319.

(2)- الخراج/ 21 و 22.

410
کتاب الخمس و الأنفال

الثاني مما فيه الخمس: المعادن: ؛ ص : 408

أقول: الجبار بالضم: الهدر. و الركاز بالكسر من الركز بمعنى الثبات، فتخصيصه بالذهب و الفضة بلا وجه إلا أن يكونا من باب المثال، و الظاهر أن الركاز بمفهومه يشمل المعدن و الكنز كليهما، بل صدق مفهوم الثبات في المعدن أقوى و أشدّ. و قوله في الحديث: «خلقه اللّه في الأرض يوم خلقت» أيضا ظاهر في المعدن.

و في نهاية ابن الأثير:

«الركاز عند أهل الحجاز كنوز الجاهلية المدفونة في الأرض، و عند أهل العراق:

المعادن. و القولان تحتملهما اللغة، لأن كلا منهما مركوز في الأرض، أي ثابت» «1»

و في كتاب الأموال لأبي عبيد:

«و قد اختلف الناس في معنى الركاز: فقال أهل العراق: هو المعدن و المال المدفون كلاهما، و في كل واحد منهما الخمس. و قال أهل الحجاز: الركاز هو المال المدفون خاصة، و هو الذي فيه الخمس. قالوا: فأما المعدن فليس بركاز و لا خمس فيه، إنما فيه الزكاة فقط.» «2»

و قد مرت صحيحة زرارة، عن أبي جعفر «ع»، قال: سألته عن المعادن ما فيها؟

فقال: «كل ما كان ركازا ففيه الخمس.» «3» و ظاهرها إرادة المعدن من الركاز.

و في سنن البيهقي بسنده، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه «ص»: «الركاز:

الذهب الذي ينبت في الأرض.» «4» و هذا أيضا ينطبق على المعدن.

و لكن في صحيح البخاري:

«قال مالك و ابن إدريس: الركاز دفن الجاهلية، في قليله و كثيره الخمس، و ليس المعدن بركاز.» «5»

______________________________
(1)- النهاية 2/ 258.

(2)- الأموال/ 422.

(3)- الوسائل 6/ 343، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

(4)- سنن البيهقي 4/ 152، كتاب الزكاة، باب من قال المعدن ركاز فيه الخمس.

(5)- صحيح البخاري 1/ 262، باب في الركاز الخمس.

411
کتاب الخمس و الأنفال

الثاني مما فيه الخمس: المعادن: ؛ ص : 408

و لم يعلم وجه ما ذكره، اللهم إلا أن يقال: إن النبي «ص» كان يتكلّم بلغة الحجاز. هذا.

و حديث الخمس في الركاز- على ما قيل- مروي عن ابن عباس و أبي هريرة و جابر و عبادة بن الصامت و أنس بن مالك عن النبي «ص». رواه البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة و مالك و أحمد و البيهقي. راجع كتاب الزكاة من البخاري باب في الركاز الخمس، و الحدود من مسلم باب جرح العجماء و المعدن و البئر جبار، و الزكاة من البيهقي «1»، و راجع أيضا ديات الوسائل «2».

و الخمس عندنا ثابت في جميع المعادن: المنطبعة و غيرها و الجامدة و المائعة، فنفي الخمس عن الياقوت و أمثاله بلا وجه.

و قد شرحنا مفهوم المعدن و حكينا كلمات أهل اللغة فيه في كتاب الخمس «3».

و محصل ما اخترناه أن المراد به مطلق ما تكوّن في الأرض و لو كان مائعا إذا اشتمل على خصوصية يعظم الانتفاع بها و تصيّره ذا قيمة و إن لم يخرج بها عن حقيقة الأرضية كبعض الأحجار القيّمة.

و هل يعتبر في خمس المعدن النصاب؟ في المسألة أقوال ثلاثة: الأول: عدم اعتباره. الثاني: اعتبار بلوغه عشرين دينارا. الثالث: اعتبار بلوغه دينارا. نسب الأول إلى أكثر القدماء، و ظاهر الخلاف و السرائر الإجماع عليه، و اختار بعض الأصحاب و منهم الشيخ في النهاية الثاني، و آخر الثالث، و بكل من الأخيرين رواية، فراجع كتاب الخمس «4».

و هاهنا إشكال ينبغي الالتفات إليه، و هو أن الأقوى عندنا على ما يأتي بيانه و يستفاد من بعض الأخبار كون المعادن من الأنفال، و الأنفال تكون بأجمعها‌

______________________________
(1)- صحيح البخاري 1/ 262؛ و صحيح مسلم 3/ 1334؛ و سنن البيهقي 4/ 152.

(2)- الوسائل 19/ 203، الباب 32 من أبواب موجبات الضمان.

(3)- كتاب الخمس/ 43 و ما بعدها.

(4)- كتاب الخمس/ 48 و ما بعدها.

412
کتاب الخمس و الأنفال

الثاني مما فيه الخمس: المعادن: ؛ ص : 408

للإمام بما أنه إمام المسلمين، و ظاهر الأخبار الدالة على وجوب الخمس في المعدن كون الباقي بعد الخمس لمن أخرجه فكيف الجمع بين هذين الأمرين؟

و يمكن أن يجاب عن ذلك أولا: بأن جعل الخمس فيها لعله كان من قبل النبي «ص» و الأئمة «ع» بما هم أئمة، و حكما سلطانيا بعنوان حق الاقطاع، فيكون نفس ذلك إذنا منهم- عليهم السلام- في استخراج المعادن بازاء تأدية الخمس من حاصلها.

و ثانيا: باحتمال كون التخميس حكما شرعيا إلهيا ثابتا لمن أخرج المعادن بإذنهم- عليهم السلام- و لو بالتحليل المطلق في عصر الغيبة. و كون الخمس بعنوان حق الإقطاع لا يقتضي اختصاص الإمام- عليه السلام- به و عدم صرف نصفه إلى السادة كما توهم، إذ هو تابع لكيفية جعل الإمام إياه.

هذا مضافا إلى ما يأتي منّا من احتمال كون الخمس بأجمعه مطلقا حقا وحدانيا ثابتا للإمام كما يدلّ عليه بعض الأخبار و يعبّر عنه بحق الإمارة غاية الأمر أن إدارة أمر فقراء بني هاشم تكون من وظائف الإمام و من شئونه بما أنهم من أغصان شجرة النبوة و الإمامة، فتدبّر. هذا.

و تحليل الأئمة «ع» الأنفال لشيعتهم في عصر الغيبة لا ينافي جواز دخالة الحاكم الشرعي فيها مع بسط يده، إذ الظاهر أن التحليل صدر عنهم توسعة للشيعة عند عدم بسط اليد للحكومة الحقة و عدم تصرفها فيها بنفسها.

و على هذا فإذا فرض تصرف الحكومة الحقة في المعادن و استخراجها لها مباشرة فالظاهر عدم تعلق الخمس بها حينئذ، إذ الخمس كما عرفت ضريبة إسلامية، و مورده هو ما يغنمه الناس فلا يتعلق بما يغنمه الدولة و الحكومة بنفسها، و سيأتي لذلك تفصيل في مبحث الأنفال.

413
کتاب الخمس و الأنفال

الثالث مما فيه الخمس: الكنز: ؛ ص : 414

الثالث مما فيه الخمس: الكنز:

و هو المال المذخور في الأرض أو الجدار أو الجبل، سواء كان من الذهب أو الفضة أو غيرهما من الجواهر، و لا خلاف في ثبوت الخمس فيه إجمالا بين الفريقين:

قال الشيخ في زكاة الخلاف (المسألة 145):

«الركاز هو الكنز المدفون، يجب فيه الخمس بلا خلاف. و يراعى عندنا فيه أن يبلغ نصابا يجب في مثله الزكاة، و هو قول الشافعي في الجديد، و قال في القديم: يخمّس قليله و كثيره، و به قال مالك و أبو حنيفة. دليلنا إجماع الفرقة ...» «1»

نعم، في مصرف خمس الكنز و المعادن عند فقهاء السنة خلاف: قال في الخلاف (المسألة 151):

«مصرف الخمس من الركاز و المعادن مصرف الفي‌ء، و به قال أبو حنيفة. و قال الشافعي و أكثر أصحابه: مصرفها مصرف الزكاة، و به قال مالك و الليث بن سعد.

و قال المزني و ابن الوكيل من أصحاب الشافعي: مصرف الواجب في المعدن مصرف الصدقات، و أما مصرف حق الركاز فمصرف الفي‌ء.» «2» هذا.

و يدل على ثبوت الخمس في الكنز- مضافا إلى عدم الخلاف فيه و صدق الغنم في الآية- أخبار مستفيضة:

منها صحيحة الحلبي أنه سأل أبا عبد اللّه «ع» عن الكنز، كم فيه؟ فقال:

«الخمس ...» «3»

و منها صحيحة البزنطي، عن أبي الحسن الرضا «ع»، قال: سألته عما يجب فيه‌

______________________________
(1)- الخلاف 1/ 321.

(2)- الخلاف 1/ 322.

(3)- الوسائل 6/ 345، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

414
کتاب الخمس و الأنفال

الرابع مما فيه الخمس: الغوص: ؛ ص : 415

الخمس من الكنز، فقال: «ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس.» «1»

و هل المراد بالمثلية، المثلية في الجنس أو المقدار أو كليهما؟ وجوه ذكرناها في كتاب الخمس، فراجع «2».

و هاهنا أمر ينبغي الإشارة إليه، و هو أنه من المحتمل جدا كون الكنز أيضا مثل المعدن من الأنفال، أعني الأموال العامة التي تكون بأجمعها تحت اختيار الإمام.

و الحكم بالتخميس إما أن يكون إذنا من قبل الأئمة «ع» في استخراجه و يكون الخمس حكما سلطانيا بعنوان حق الإقطاع، أو يكون حكما شرعيا إلهيا ثابتا على من استخرجه بإذن الإمام.

و كيف كان فللإمام أو الحاكم الشرعي عند بسط اليد منع الأشخاص عن استخراجه. و لو استخرجه الإمام أو الحاكم الشرعي بنفسه فلا خمس فيه. فوزانه وزان المعدن على ما مرّ. و يساعد ذلك الاعتبار العقلائي و السيرة الجارية في جميع البلاد أيضا، فتدبّر.

الرابع مما فيه الخمس: الغوص:

و هو إخراج الجواهر من البحر بلا خلاف فيه عندنا.

و يشهد له، مضافا إلى صدق الغنم في الآية، النصوص:

ففي خبر البزنطي، عن محمد بن علي بن أبي عبد اللّه، عن أبي الحسن «ع»، قال:

سألته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد، و عن معادن الذهب و الفضة‌

______________________________
(1)- الوسائل 6/ 345، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث.

(2)- كتاب الخمس/ 79 و ما بعدها.

415
کتاب الخمس و الأنفال

الخامس مما فيه الخمس: ما يفضل عن مئونة السنة: ؛ ص : 416

هل فيها زكاة؟ فقال: «إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس.» «1»

و في صحيحة الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه «ع» عن العنبر و غوص اللؤلؤ، فقال: عليه الخمس.» «2» إلى غير ذلك من الأخبار.

و نصاب الغوص دينار كما هو المشهور شهرة محققة، و يدلّ عليه رواية محمد بن علي.

الخامس مما فيه الخمس: ما يفضل عن مئونة السنة:

من أرباح التجارات و الصناعات و الزراعات.

و ثبوت الخمس فيه إجمالا مما لا إشكال فيه عند أصحابنا و إن لم يوافقنا فقهاء السنة.

و يدلّ عليه عموم الكتاب و إجماع أصحابنا و الروايات المستفيضة إن لم تكن متواترة.

أما الكتاب فواضح، لصدق قوله: «ما غَنِمْتُمْ»، على ما مرّ من بيان مفاده.

و في الانتصار:

«و مما انفردت به الإمامية القول بأن الخمس واجب من جميع المغانم و المكاسب، و مما استخرج من المعادن و الغوص و الكنوز، و مما فضل من أرباح التجارات و الزراعات و الصناعات بعد المؤونة و الكفاية في طول السنة على اقتصاد.» «3»

و قال الشيخ في زكاة الخلاف (المسألة 138):

«يجب الخمس في جميع المستفاد من أرباح التجارات و الغلات و الثمار على‌

______________________________
(1)- الوسائل 6/ 343، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

(2)- الوسائل 6/ 347، الباب 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(3)- الجوامع الفقهية/ 155 (طبعة أخرى/ 113).

416
کتاب الخمس و الأنفال

الخامس مما فيه الخمس: ما يفضل عن مئونة السنة: ؛ ص : 416

اختلاف أجناسها بعد إخراج حقوقها و مؤنها، و إخراج مئونة الرجل لنفسه و مئونة عياله سنة، و لم يوافقنا على ذلك أحد من الفقهاء. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم، و طريقة الاحتياط تقتضي ذلك.» «1»

و في الغنية:

«و يجب الخمس أيضا في الفاضل عن مئونة الحول على الاقتصاد من كل مستفاد بتجارة أو زراعة أو صناعة أو غير ذلك من وجوه الاستفادة أيّ وجه كان، بدليل الإجماع المشار إليه و طريقة الاحتياط.» «2»

و قال العلامة في المنتهى:

«الصنف الخامس: أرباح التجارات و الزراعات و الصنائع و جميع أنواع الاكتسابات و فواضل الأقوات من الغلات و الزراعات عن مئونة السنة على الاقتصاد. و يجب فيها الخمس، و هو قول علمائنا أجمع، و قد خالف فيه الجمهور كافة، لنا قوله- تعالى-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ. الآية.» «3»

و ذكر نحو ذلك في التذكرة أيضا، فراجع «4». إلى غير ذلك من كلمات الأصحاب في المقام، فراجع كتاب الخمس منّا. «5»

و أما الأخبار في المسألة فكثيرة ذكرها في الوسائل في الباب الثامن مما يجب فيه الخمس، فلنذكر بعضها:

1- موثقة سماعة، قال: سألت أبا الحسن «ع» عن الخمس، فقال: «في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير.» «6»

2- و في صحيحة علي بن مهزيار الطويلة، قال: كتب إليه أبو جعفر «ع» (إلى‌

______________________________
(1)- الخلاف 1/ 319.

(2) الجوامع الفقهية/ 507 (- طبعة أخرى/ 569).

(3) المنتهى 1/ 548، و الآية من سورة الأنفال (8) الآية 41.

(4) التذكرة 1/ 253.

(5) كتاب الخمس/ 145 و ما بعدها.

(6) الوسائل 6/ 350، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

417
کتاب الخمس و الأنفال

الخامس مما فيه الخمس: ما يفضل عن مئونة السنة: ؛ ص : 416

أن قال): «فأما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام. قال اللّه- تعالى-: و اعلموا أنما غنمتم من شي‌ء فأنّ للّه خمسه. الآية. فالغنائم و الفوائد- يرحمك اللّه- فهي الغنيمة يغنمها المرء و الفائدة يفيدها، و الجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، و الميراث الذي لا يحتسب من غير أب و لا ابن، و مثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله، و مثل مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب، و ما صار إلى قوم من موالي من أموال الخرّمية الفسقة. فقد علمت أن أموالا عظاما صارت إلى قوم من موالي، فمن كان عنده شي‌ء من ذلك فليوصله إلى وكيلي، و من كان نائيا بعيد الشقة فليتعمد لإيصاله و لو بعد حين. الحديث.» «1»

و الرواية من الروايات الجامعة في الباب و قد شرحناها في كتاب الخمس، فراجع «2».

و لعل تقييد الجائزة بالتي لها خطر و الميراث بالذي لا يحتسب يشهدان بما مر منّا من اشتراط عدم الترقب في صدق عنوان الغنيمة.

3- و في صحيحة أخرى لعلي بن مهزيار قال: قال لي أبو علي بن راشد: قلت له:

أمرتني بالقيام بأمرك و أخذ حقك، فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: و أيّ شي‌ء حقه؟ فلم أدر ما أجيبه؟ فقال: «يجب عليهم الخمس.» فقلت: ففي أيّ شي‌ء؟

فقال: «في أمتعتهم و صنائعهم (ضياعهم خ. ل).» قلت: و التاجر عليه و الصانع بيده؟

فقال: «إذا أمكنهم بعد مئونتهم.» «3»

و أبو علي بن راشد اسمه الحسن، بغدادي ثقة من أصحاب الجواد و الهادي- عليهما السلام-، و كان وكيلا للإمام الهادي- عليه السلام-، فالظاهر عود الضمير في قوله: «قلت له» إليه- عليه السلام-.

4- حسنة محمد بن الحسن الأشعري، قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني «ع»: أخبرني عن الخمس، أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من‌

______________________________
(1)- الوسائل 6/ 349، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

(2)- كتاب الخمس/ 165.

(3) الوسائل 6/ 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

418
کتاب الخمس و الأنفال

الخامس مما فيه الخمس: ما يفضل عن مئونة السنة: ؛ ص : 416

جميع الضروب و على الصنّاع، و كيف ذلك؟ فكتب «ع» بخطه: «الخمس بعد المؤونة» «1»

5- و في خبر محمد بن علي بن شجاع النيسابوري أنه سأل أبا الحسن الثالث «ع» عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مأئة كرّ ما يزكّى، فأخذ منه العشر عشرة أكرار، و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا، و بقي في يده ستون كرا، ما الذي يجب لك من ذلك؟ و هل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي‌ء؟ فوقّع: «لي منه الخمس مما يفضل من مئونته.» «2»

و محمد بن علي بن شجاع مجهول.

6- و في صحيحة الريّان بن الصلت أو حسنته، قال: كتبت إلى أبي محمد «ع»: ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلّة رحى أرض في قطيعة لي و في ثمن سمك و بردىّ و قصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب «ع»: «يجب عليك فيه الخمس إن شاء اللّه- تعالى-.» «3»

7- و في خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه و المنقطع إليه هديّة تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر، هل عليه فيها الخمس؟ فكتب «ع»: الخمس في ذلك. و عن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال إنما يبيع منه الشي‌ء بمائة درهم أو خمسين درهما، هل عليه الخمس؟ فكتب «ع»: أما ما أكل فلا، و أما البيع فنعم هو كسائر الضياع. «4»

و في السند ضعف باحمد بن هلال.

8- و في خبر عبد اللّه بن سنان، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «على كل امرئ غنم أو‌

______________________________
(1)- الوسائل 6/ 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

(3)- الوسائل 6/ 351، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 9.

(4)- الوسائل 6/ 351، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 10.

419
کتاب الخمس و الأنفال

الخامس مما فيه الخمس: ما يفضل عن مئونة السنة: ؛ ص : 416

اكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة- عليها السلام- و لمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس، فذاك لهم خاصة يضعونه حيث شاءوا و حرّم عليهم الصدقة، حتى الخياط ليخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق إلا من أحللناه من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة، إنه ليس من شي‌ء عند اللّه يوم القيامة أعظم من الزنا، إنه ليقوم صاحب الخمس فيقول: يا ربّ سل هؤلاء بما أبيحوا.» «1»

و في سند الرواية ضعف.

إلى غير ذلك من الروايات المستفاد منها ثبوت الخمس في الفوائد اليومية بعد إخراج المؤونة له و لعياله و هي كثيرة. و ظاهر أكثرها أو صريحها كونها في مقام بيان الوظيفة الفعلية للشيعة، و أكثرها صادرة عن الأئمة المتأخرين، و هم كانوا يطالبون الخمس من شيعتهم و ينصبون الوكلاء لمطالبته و أخذه، و استمرّت هذه السيرة حتى في عصر النوّاب الأربعة للإمام الثاني عشر «ع»، فلا مجال لأن يحمل هذه الأخبار على أصل الجعل و التشريع و يقال إنه لا يعارضها أخبار التحليل بل تحكّم عليها.

و خمس الأرباح ماليّة كثيرة ضخمة جدا و تتغيّر بحسب منابع الثروة و الأصقاع و الأزمان. و سيجي‌ء كون الخمس و لا سيما خمس الأرباح حقا وحدانيا يكون تحت اختيار إمام المسلمين، و لو طولب و جبي في كل عصر بنظام صحيح لسدّ به كثير من الحاجات و الخلّات.

نعم، يقع البحث هنا في أمور ذكرناها في كتاب الخمس و لنشر هنا إلى أمور ثلاثة:

الأمر الأول: في الإشارة إلى إشكال وقع في خمس الأرباح و الجواب عنه:

إن الأخبار الدالة على هذا الخمس مرويّة عن الصادقين- عليهما السلام- و من‌

______________________________
(1) الوسائل 6/ 351، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8.

420
کتاب الخمس و الأنفال

الخامس مما فيه الخمس: ما يفضل عن مئونة السنة: ؛ ص : 416

بعدهما من الأئمة «ع»، بل أكثرها مروية عن الجواد و الهادي- عليهما السلام- من الأئمة المتأخرين، و لا تجد في صحاحنا و لا صحاح السنّة حديثا في هذا الباب مرويّا عن النبي «ص» أو أمير المؤمنين «ع»، اللهم إلا بعض العمومات التي ربما يحتمل انطباقها عليه، و لم يضبط في التواريخ أيضا مطالبتهما «ع» لهذا الخمس من أحد، مع أنه لو كان ثابتا مشرّعا في عصرهما كان مقتضى عموم الابتلاء به نقل الرواة و المؤرخين له من طرق الفريقين.

و ليس هذا مما يخالفه حكومات الجور حتى يظن ذلك سببا لاختفائه كيف؟! و هو كان يوجب مزيد بيت المال و تقوية الجهات المالية.

فلم صار هذا الحكم مهجورا عند فقهاء السنة و رواتهم بحيث لم يفت به أحد منهم و لم يتعرض لثبوته أو مطالبته و أخذه أحد من أهل الحديث و التاريخ؟!

و لم لا يوجد في كتب النبي «ص» و كتب أمير المؤمنين «ع» إلى العمّال و جباة الأموال اسم و لا رسم من خمس الأرباح، مع أنه لو كان لنقل لعموم الابتلاء به، إذ يعمّ الحكم كل تاجر و كاسب و صانع و زارع و عامل؟!

نعم، في رواية ابن طاوس بإسناده، عن عيسى بن المستفاد، عن موسى بن جعفر، عن أبيه «ع»: «أن رسول اللّه «ص» قال لأبي ذرّ و سلمان و المقداد ... و إخراج الخمس من كل ما يملكه أحد من الناس حتى يرفعه إلى وليّ المؤمنين و أميرهم.» «1»

و لكن فيه مضافا إلى ضعف السند أن هذا غير خمس الأرباح، و لعله كان مندوبا إليه من باب صلة الإمام، فتأمّل.

و قد يقال: إنما في بعض كتب النبي «ص» و عهوده من أخذ الخمس من المغانم كقوله «ص» في كتابه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن: «و أمره أن يأخذ من المغانم خمس اللّه و ما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار. الحديث.» «2»

______________________________
(1) الوسائل 6/ 386، الباب 4 من أبواب الأنفال و ...، الحديث 21.

(2) سيرة ابن هشام 4/ 242.

421
کتاب الخمس و الأنفال

الخامس مما فيه الخمس: ما يفضل عن مئونة السنة: ؛ ص : 416

و قوله لوفد عبد القيس: «و أن تعطوا من المغنم الخمس.» «1»

و في كتابه «ص» لملوك حمير: «و آتيتم الزكاة و أعطيتم من المغانم خمس اللّه و سهم النبيّ و صفيّه.» «2»

و في كتابه «ص» لصيفي بن عامر سيد بني ثعلبة: «من أسلم منهم و أقام الصلاة و آتى الزكاة و أعطى خمس المغنم و سهم النبي «ص» و الصفيّ فهو آمن بأمان اللّه.» «3»

إلى غير ذلك مما في كتب النبي «ص» و عهوده للوفود، لا يمكن أن يراد بالخمس فيها خمس مغانم الحرب لنهيه «ص» عن الإغارة و نهب الأموال، و كون أمر الحروب بيده «ص»، فلا محالة يراد بالخمس فيها خمس الأرباح و الاستفادات اليومية.

و لكن يمكن أن يورد على ذلك أولا: بأنّا لا نسلّم عدم إجازة الحرب من قبله «ص»، إذ قتال الكفار لدعوتهم إلى الإسلام لم يكن منهيّا عنه، و يشهد لذلك ذكر الصفي أيضا في بعض هذه الأخبار و هو ما كان يصطفى من غنائم الحرب.

قال في النهاية:

«الصفيّ: ما كان يأخذه رئيس الجيش و يختاره لنفسه من الغنيمة قبل القسمة و يقال له: الصفية و الجمع: الصفايا، و منه حديث عائشة: كانت صفية «رض» من الصفيّ.» «4»

و في مرسلة حماد الطويلة: «و للإمام صفو المال أن يأخذ من هذه الأموال صفوها الجارية الفارهة و الدابة الفارهة.» «5» و نحوها أخبار اخر.

و ثانيا: أن خمس الركاز أيضا مما أمر به النبي «ص» و يصدق عليه المغنم أيضا، و أما خمس الأرباح فلو كان واجبا في عصره و تعارف مطالبته و أخذه لذاع و شاع‌

______________________________
(1) صحيح البخاري 1/ 20، باب أداء الخمس من الإيمان.

(2) فتوح البلدان/ 82.

(3) الإصابة 2/ 197.

(4) النهاية لابن الأثير 3/ 40.

(5) الوسائل 6/ 365، الباب 1 من أبواب الأنفال و ...، الحديث 4.

422
کتاب الخمس و الأنفال

الخامس مما فيه الخمس: ما يفضل عن مئونة السنة: ؛ ص : 416

ذكره في المحاورات و الكتب و لم يكن يخفى و يهمل إلى عصر الصادقين «ع»، فهذه معضلة قوية ينبغي الالتفات إليها و التحرّي لحلّها، هذا.

و لكن مع ذلك لا يضرّ هذا الإشكال بأصل الحكم بعد ما ثبت بعموم الكتاب و إجماع الفرقة المحقة و الأخبار المستفيضة كما مرّ.

و لعل الحكم ثبت في عصر النبي «ص» بنحو الاقتضاء و الإنشاء المحض، و لكن لما كان تنفيذه و إجراؤه موجبا للحرج بسبب الفقر النوعي أو لاستيحاش المسلمين منه لكونهم حديثي العهد بالإسلام، أو كونه «ص» مظنة للتهمة حيث إن الخمس كان بنفع شخصه و أهل بيته فلأجل ذلك أخرت فعليته و تنفيذه إلى عصر الأئمة- عليهم السلام-.

و أحكام الإسلام تدريجية و ربما اخرت فعلية بعضها حتى إلى عصر ظهور الإمام المنتظر لعدم تحقق شرائطها قبل ذلك.

و يمكن أن يقال أيضا: إن هذا الخمس ضريبة سلطانية وضعها الأئمة المتأخرون من العترة الطاهرة بما هم أئمة العباد و ساسة البلاد شرعا حسب الاحتياج في أعصارهم، حيث إن الزكوات و الأموال العامة و سائر الضرائب الإسلامية قد انحرفت عن مسيرها الأصلي و صارت تحت اختيار خلفاء الجور و عمّا لهم، و لذلك ترى الأئمة- عليهم السلام- محللين له تارة و مطالبين له أخرى.

و قد احتملنا نظير ذلك في خمس المعادن و الكنوز أيضا بناء على كونهما من الأنفال و كون الخمس فيهما بعنوان حق الإقطاع و إجازة التصرف فيهما.

و مقتضى ذلك جواز تجديد النظر في ذلك بحسب مقتضيات الزمان و الشرائط.

و لكن يبعّد هذا الاحتمال استدلالهم- عليهم السلام- لهذا الخمس و كذا لخمس الكنز بالآية الشريفة و تطبيقهم الآية عليهما. اللهم إلّا أن يكون الاستدلال بها وقع جدلا لإقناع من في قلبه مرض و ريب من سعة اختيارهم- عليهم السلام-، أو يراد بذكر الآية تثبيت الحكم إنشاء و اقتضاء و إن كانت فعليته من قبلهم- عليهم السلام-.

423
کتاب الخمس و الأنفال

الخامس مما فيه الخمس: ما يفضل عن مئونة السنة: ؛ ص : 416

و كيف كان فلا إشكال في أصل الحكم. و ربما يؤيده ما دلّ من الأخبار الواردة من طرق الفريقين على حرمة الزكاة على بني هاشم و تعويضهم منها بالخمس، فكما أن موضوعات الزكاة كانت أمورا مستمرة سنوية وجب أن يكون للخمس الذي هو عوض عنها أيضا موضوع مستمر سنوي و ليس هو إلّا أرباح المكاسب، إذ غنائم الحرب و المعادن و الكنوز و نحوها أمور اتفاقية قد لا تتحقق في سنوات متلاحقة فيلزم من ذلك حرمان بني هاشم في كثير من الأحيان، فتدبّر.

الأمر الثاني: في ذكر أخبار التحليل و الجواب عنها:

لا يخفى أن هنا أخبارا كثيرة يستفاد منها تحليل الخمس إجمالا. و ليس مفاد ما دلّ على ثبوت الخمس في الأرباح و غيرها مجرّد الجعل و التشريع اقتضاء و إنشاء حتى يحكم بحكومة أخبار التحليل عليها و عدم المعارضة بينهما. بل قد عرفت أن أكثرها ظاهرة أو صريحة في بيان الحكم الفعلي و أن الأئمة «ع» كانوا يطالبونه و يعيّنون الوكلاء لمطالبته أو كانوا يأمرون بأدائه، فلا بد من بيان محمل لأخبار التحليل:

أما إجمالا، فنقول: إن ما دلّ على المطالبة و وجوب الأداء رويت عن موسى بن جعفر «ع» و من بعده من الأئمة المتأخرين- عليهم السلام-، و هي مستفيضة بل لعلها متواترة أفتى بمضمونها الأصحاب.

و أما أخبار التحليل فمرويّة عن الإمامين الهمامين: الباقر و الصادق- عليهما السلام- إلا صحيحة علي بن مهزيار عن أبي جعفر الثاني «ع» و لكن موردها صورة الإعواز و عدم إمكان الأداء.

و التوقيع المروي عن صاحب الزمان «ع»، و فيه إجمال، لكون الجواب فيه ناظرا إلى سؤال السائل و هو غير معلوم، فلعله كان في مورد خاص، مضافا إلى ظهوره في المناكح خاصة بقرينة التعليل فيه بطيب الولادة، فعلى هذا يكون التحليل في زمان خاص أو موضوع خاص و يتعين العمل بالأخبار الصادرة عن الأئمة المتأخرين عن‌

424
کتاب الخمس و الأنفال

الخامس مما فيه الخمس: ما يفضل عن مئونة السنة: ؛ ص : 416

الصادقين «ع» الدالة على وجوب الأداء و فعليته.

و أما تفصيلا، فأخبار التحليل منها ما يختص بحال الإعواز بالنسبة إلى حق الإمام فقط.

كصحيحة علي بن مهزيار، قال: قرأت في كتاب لأبي جعفر «ع» من رجل يسأله أن يجعله في حلّ من مأكله و مشربه من الخمس، فكتب بخطه: «من أعوزه شي‌ء من حقي فهو في حلّ.» «1»

و المراد بأبي جعفر هنا بقرينة الراوي هو أبو جعفر الثاني، أعني جواد الأئمة «ع».

و لا يخفى أن هذه الصحيحة بنفسها شاهدة على أن البناء و العمل في عصر الإمام الجواد «ع» كان على أداء الخمس و لذا استحلّ الرجل لنفسه، فيعلم بذلك أن أخبار التحليل مع كثرتها و صدورها عن الصادقين «ع» لم تكن بإطلاقها موردا للعمل في عصره «ع»، و ظاهر الجواب هو التحليل لخصوص المعوز لا مطلقا، بل لعل التحليل وقع للمعوز في عصره فقط.

و منها ما يدل على تحليل المناكح لشيعتهم:

1- كخبر ضريس الكناسي، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: أ تدري من أين دخل على الناس الزنا؟ فقلت: لا أدري، فقال: «من قبل خمسنا أهل البيت إلا لشيعتنا الأطيبين، فإنه محلل لهم و لميلادهم.» «2»

2- و خبر أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال رجل و أنا حاضر: حلّل لي الفروج، ففزع أبو عبد اللّه «ع»، فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق، إنما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيه، فقال: «هذا لشيعتنا حلال: الشاهد منهم و الغائب، و الميّت منهم و الحيّ و ما يولد‌

______________________________
(1) الوسائل 6/ 379، الباب 4 من أبواب الأنفال و ...، الحديث 2.

(2) الوسائل 6/ 379، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 3.

425
کتاب الخمس و الأنفال

الخامس مما فيه الخمس: ما يفضل عن مئونة السنة: ؛ ص : 416

منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال، أما و اللّه لا يحلّ إلا لمن أحللنا له، و لا و اللّه ما أعطينا أحدا ذمة و ما عندنا لأحد عهد (هوادة) و لا لأحد عندنا ميثاق.» «1»

و لعل المراد بالميراث و التجارة و ما أعطيه بقرينة السؤال خصوص الإماء و الفتيات.

و لو أريد الأعم فيحمل على خصوص ما انتقل إليه ممن لا يعتقد الخمس أو لا يخمّس، إذ الظاهر من الحديث تعلق حق الإمام به قبل أن ينتقل إليه فلا يشمل الخمس المتعلق بأموال نفسه قطعا، بل يشكل هذا الحمل أيضا لمعارضته بخبر أبي بصير عن أبي جعفر «ع»، قال: سمعته يقول: «من اشترى شيئا من الخمس لم يعذره اللّه، اشترى ما لا يحل له.» «2» و خبره الآخر عنه «ع»، قال: «لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقنا.» «3»

فالمتيقن من الرواية خصوص الإماء و الفتيات المغنومة المنتقلة إليه بالشراء أو بالميراث أو نحوهما.

3- و مما ورد في المناكح أيضا خبر محمد بن مسلم، عن أحدهما «ع»، قال: «إن أشدّ ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول: يا ربّ خمسي، و قد طيّبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم و لتزكو أولادهم.» «4»

و لعل مرسل العياشي أيضا قطعة من هذا الحديث فيحمل إطلاقه على المناكح أيضا. «5»

4- و خبر الحارث بن المغيرة النصري، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قلت له: إن لنا أموالا من غلّات و تجارات و نحو ذلك، و قد علمت أن لك فيها حقا، قال: «فلم‌

______________________________
(1) الوسائل 6/ 379، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 4.

(2) الوسائل 6/ 338، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

(3) الوسائل 6/ 337، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

(4) الوسائل 6/ 380، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 5.

(5) الوسائل 6/ 386، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 22.

426
کتاب الخمس و الأنفال

الخامس مما فيه الخمس: ما يفضل عن مئونة السنة: ؛ ص : 416

أحللنا إذا لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم، و كل من والى آبائي فهو في حل مما في أيديهم من حقنا، فليبلغ الشاهد الغائب.» «1».

إلى غير ذلك من الأخبار الناظرة إلى المناكح بلحاظ التعليلات الواردة فيها، فتأمّل.

و منها ما يحمل على تحليل ما يشترى ممن لا يعتقد الخمس أو من لا يخمس في زمان خاص:

كبعض ما ذكر، و كرواية يونس بن يعقوب، قال: كنت عند أبي عبد اللّه «ع» فدخل عليه رجل من القمّاطين فقال: جعلت فداك، تقع في أيدينا الأموال و الأرباح و تجارات نعلم أن حقك فيها ثابت و أنّا عن ذلك مقصرون، فقال أبو عبد اللّه «ع»: «ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم». «2»

و ظهورها في التحليل في زمان خاص ظاهر، كظهورها فيما تعلق به الخمس أو حق آخر في يد الغير ثم انتقل إليه، فلا تشمل ما تعلق به الحق في يده.

و منها ما دل على تحليل الفي‌ء و غنائم الحرب الواصلة إلى الشيعة من أيدي المخالفين:

كصحيحة الفضلاء، عن أبي جعفر «ع»، قال: «قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «ع»: «هلك الناس في بطونهم و فروجهم لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا، الا و إن شيعتنا من ذلك و آباءهم في حلّ.» و رواه الصدوق أيضا مثله إلا أنه قال: «و أبناءهم» «3».

إذ الظاهر أن المشار إليه لقوله: «من ذلك» الحق الثابت عند الناس إذا وصل إلى الشيعة.

______________________________
(1)- الوسائل 6/ 381، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 9.

(2)- الوسائل 6/ 380، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 6.

(3)- الوسائل 6/ 379، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 1.

427
کتاب الخمس و الأنفال

الخامس مما فيه الخمس: ما يفضل عن مئونة السنة: ؛ ص : 416

و خبر أبي حمزة، عن أبي جعفر «ع»، قال: «إن اللّه جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفي‌ء فقال- تبارك و تعالى-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ.» فنحن أصحاب الخمس و الفي‌ء، و قد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا. و اللّه يا أبا حمزة ما من أرض تفتح و لا خمس يخمس فيضرب على شي‌ء منه إلا كان حراما على من يصيبه فرجا كان أو مالا. الحديث.» «1»

و قد كثرت الغنائم الحربية و الجواري المسبية في تلك الأعصار و كثر ابتلاء الشيعة بها فاقتضت المصلحة تسهيل الأمر على الشيعة و تحليلها لهم فعدم شمول هذه الأخبار لمثل أرباح المكاسب و سائر الموضوعات التي تعلق بها الخمس عند الإنسان واضح جدا.

و منها ما دلّ على تحليل الأراضي و الأنفال، ككثير من أخبار الباب، فراجع و يأتي بحثه في فصل الأنفال. «2»

بقي الكلام في التوقيع المروي في الإكمال و الاحتجاج، عن الكليني، عن إسحاق بن يعقوب، عن صاحب الزمان «ع»:

ففي الاحتجاج: محمد بن يعقوب الكليني، عن إسحاق بن يعقوب، قال: سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ، فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان- عليه السلام-: ... و أما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئا فأكله فإنما يأكل النيران. و أما الخمس فقد أبيح لشيعتنا و جعلوا منه في حلّ إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم و لا تخبث.» «3»

و إسحاق بن يعقوب لم يذكر بمدح و لا قدح.

______________________________
(1)- الوسائل 6/ 385، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 19.

(2) راجع المسألة الثانية من الجهة الرابعة من فصل الأنفال في الجزء التالي من الكتاب.

(3)- الوسائل 6/ 383، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 16.

428
کتاب الخمس و الأنفال

الخامس مما فيه الخمس: ما يفضل عن مئونة السنة: ؛ ص : 416

و يظهر من هذا التوقيع بنفسه أن صاحب الأمر «ع» أيضا كان يطالب الأموال و يأخذها و لم يكن حلّلها بالكلية استغناء منها، فلعل الخمس المذكور في التوقيع كان نوعا خاصا منه اقتضت المصلحة تحليله كما يشعر بذلك التعليل بطيب الولادة، فلعله كان مرتبطا بخمس الغنائم و الجواري المسبية من قبل حكّام الجور المبتلى بها الشيعة في عيشتهم. و لا دليل على حمل اللام على الاستغراق بعد كون جوابه «ع» مسبوقا بالسؤال، و السؤال غير مذكور و لا معلوم، فلعل المسؤول عنه كان نوعا خاصا من الخمس، و اللام للعهد و الإشارة اليه، و إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

هذا مضافا إلى أن ظاهر الكلام في التوقيع و غيره تحليل جميع الخمس حتى سهم السادة منه، و هو المستفاد من سائر أخبار التحليل أيضا.

و لا يمكن الالتزام بذلك بعد ما حرم الصدقة عليهم و جعل الخمس عوضا عنها.

و بالجملة، فصحيحة علي بن مهزيار كان موضوعه من أعوز، و التوقيع أيضا فيه إجمال، و أما غيرهما من أخبار التحليل المذكورة في الباب الرابع من أبواب الأنفال من الوسائل فجميعها صادرة عن الإمامين الهمامين الباقر و الصادق «ع» إلا رواية واحدة عن تفسير الإمام حاكية لتحليل أمير المؤمنين «ع». «1»

و إذا شاهدنا الأئمة المتأخرين عنهما «ع» يحكمون بوجوب الخمس في الأرباح و يطالبونه و يأخذونه كلا أو بعضا فلا محالة يجب أن تحمل أخبار التحليل على موضوعات خاصة أو زمان خاص:

فمنها ما تدل على تحليل المناكح و الجواري المسبية المبتلى بها في تلك الأعصار، حفظا لطيب الولادات.

و منها ما تدل على تحليل الفي‌ء و غنائم الحرب الواصلة إلى الشيعة من أيدي‌

______________________________
(1) الوسائل 6/ 385، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 20.

429
کتاب الخمس و الأنفال

الخامس مما فيه الخمس: ما يفضل عن مئونة السنة: ؛ ص : 416

المخالفين، و قد كثرت الغنائم الحربية و الجواري المسبية في تلك الأعصار و كثر ابتلاء الشيعة بها.

و منها ما تحمل على تحليل ما يشترى ممن لا يعتقد الخمس أو لا يخمّس.

و منها ما تحمل على التحليل في زمان خاص.

و منها ما تدل على تحليل الأراضي و الأنفال.

فلا يستفاد من هذه الأخبار تحليل خمس أرباح المكاسب و سائر الموضوعات التي يتعلق بها الخمس عند المكلف، فتدبّر. و إن شئت التفصيل فراجع ما ذكرناه في كتاب الخمس «1». هذا.

1- و روى الصدوق بإسناده، عن عبد اللّه بن بكير، عن أبي عبد اللّه «ع» أنه قال: «إني لآخذ من أحدكم الدرهم و إني لمن أكثر أهل المدينة مالا، ما أريد بذلك إلا أن تطهروا.» «2»

2- و روى الكليني بإسناده، عن محمد بن زيد الطبري، قال: كتب رجل من تجّار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا «ع» يسأله الإذن في الخمس، فكتب إليه: «بسم اللّه الرحمن الرحيم. إن اللّه واسع كريم، ضمن على العمل الثواب و على الضيق الهمّ، لا يحل مال إلا من وجه أحلّه اللّه، إن الخمس عوننا على ديننا و على عيالنا و على موالينا و ما نبذله و نشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته، فلا تزووه عنّا و لا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه، فإن إخراجه مفتاح رزقكم و تمحيص ذنوبكم، و ما تمهدون لأنفسكم ليوم فاقتكم، و المسلم من يفي للّه بما عهد إليه، و ليس المسلم من أجاب باللسان و خالف بالقلب. و السلام.» «3»

3- و بالإسناد، عن محمد بن زيد، قال: قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا «ع» فسألوه أن يجعلهم في حلّ من الخمس، فقال «ع»: «ما أمحل هذا؟!

______________________________
(1) كتاب الخمس/ 151 و ما بعدها.

(2) الوسائل 6/ 337، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

(3) الوسائل 6/ 375، الباب 3 من أبواب الأنفال ...، الحديث 2.

430
کتاب الخمس و الأنفال

الخامس مما فيه الخمس: ما يفضل عن مئونة السنة: ؛ ص : 416

تمحضونا المودّة بألسنتكم و تزوون عنّا حقّا جعله اللّه لنا و جعلنا له و هو الخمس، لا نجعل، لا نجعل، لا نجعل لأحد منكم في حلّ. «1»

و رواهما الشيخ أيضا بإسناده، عن محمد بن زيد مثله. «2»

4- و روى الكليني و الشيخ عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، قال: كنت عند أبي جعفر الثاني «ع» إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل- و كان يتولّى له الوقف بقم- فقال: يا سيّدي، اجعلني من عشرة آلاف درهم في حلّ، فإني قد أنفقتها.

فقال له: أنت في حلّ. فلما خرج صالح قال أبو جعفر «ع»: «أحدهم يثب على أموال آل محمد و أيتامهم و مساكينهم و فقرائهم و أبناء سبيلهم فيأخذها ثم يجي‌ء فيقول: اجعلني في حلّ، أ تراه ظن أني أقول: لا أفعل، و اللّه ليسألنهم اللّه يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا.» «3»

و الشيخ في الاستبصار بعد نقل أخبار التحليل و الأخبار الثلاثة الأخيرة قال:

«فالوجه في الجمع بين هذه الروايات ما كان يذهب إليه شيخنا «ره»، و هو أنه ما ورد من الرخصة في تناول الخمس و التصرف فيه إنما ورد في المناكح خاصة للعلة التي سلف ذكرها في الآثار عن الأئمة «ع» لتطيب ولادة شيعتهم، و لم يرد في الأموال، و ما ورد من التشدّد في الخمس و الاستبداد به فهو يختص بالأموال.» «4»

هذا.

مضافا إلى أن الخمس و كذا الأنفال ليسا ملكا لشخص الإمام المعصوم كما قد يتوهم، بل هما لمنصب الإمامة أعني منصب زعامة المسلمين و إدارة شئونهم العامة، و الإمامة و الزعامة من الضروريات لمجتمع المسلمين في جميع الأعصار، و الخمس من أهمّ الميزانيات و الضرائب المشرعة لها و لذا عبّر عنه في رواية المحكم و المتشابه عن أمير المؤمنين «ع» بوجه الإمارة «5».

كما أن الأنفال أيضا أموال عامة راجعة إلى الحكومات في جميع النظامات‌

______________________________
(1) الوسائل 6/ 376، الباب 3 من أبواب الأنفال ...، الحديث 3.

(2) الوسائل 6/ 376، الباب 3 من أبواب الأنفال ...، الحديث 3.

(3) الوسائل 6/ 375، الباب 3 من أبواب الأنفال ...، الحديث 1.

(4) الاستبصار 2/ 60، كتاب الزكاة، الباب 32، ذيل الحديث 11.

(5) الوسائل 6/ 341، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 12.

431
کتاب الخمس و الأنفال

الخامس مما فيه الخمس: ما يفضل عن مئونة السنة: ؛ ص : 416

و منها نظام الإسلام.

فالتحليل المطلق للخمس و الأنفال هدم لأساس الإمامة و الحكومة الحقة، فلا محالة يجب أن تحمل أخبار التحليل كما عرفت على موضوعات خاصة أو زمان خاص أو شرائط خاصة.

و لعل تحليل الأنفال العامة كالأراضي و الآجام و نحوهما للشيعة كان يختص بعصر استبدّ بها حكّام الجور و أياديهم، و احتاج بعض الشيعة إليها و لم يتيسر لهم الاستيذان من أئمة العدل و نوّابهم، و إلا فإطلاق سراح الأنفال مطلقا و عدم السماح لتحديدها و تقسيمها على وفق موازين العدل و الإنصاف يوجب استبداد جمع بها و حرمان المستحقين الضعفاء منها كما هو المشاهد في أعصارنا. و هذا أمر مرغوب عنه شرعا كما لا يخفى على من عرف مذاق الشرع المبين، فتدبّر.

الأمر الثالث: في أن الموضوع في هذا القسم من الخمس هل هو الأرباح أو مطلق الفائدة؟

لا يخفى أن المحتملات فيه أربعة: الأول: اعتبار صدق التكسب، أعني القصد إلى حصول المال و التصدي لذلك مطلقا، نسب إلى المشهور.

الثاني: اعتبار ذلك مع اتخاذه مهنة و حرفة مستمرة، كما نسب إلى المحقق الخونساري في حاشيته على شرح اللمعة.

الثالث: عموم الحكم للتكسب و للفائدة الاتفاقية أيضا مع حصولها بالاختيار كالهبة و الجائزة.

الرابع: عموم الحكم و لو للفائدة غير الاختيارية كالمواريث و نحوها.

و المذكور في كلمات أكثر القدماء من أصحابنا خصوص ما يستفاد بالاكتساب كأرباح التجارات و الصناعات و الزراعات.

و لكن المستفاد من الآية الشريفة و الأخبار هو الأعمّ من ذلك و مما لا يتصدى لتحصيله، سواء كان بالاختيار كالهبات و الجوائز أو بغيره كالميراث الذي لا يحتسب بل مطلقا على قول.

432
کتاب الخمس و الأنفال

الخامس مما فيه الخمس: ما يفضل عن مئونة السنة: ؛ ص : 416

توضيح ذلك أن المتعارف بين الناس أن يتوصل كل منهم بشغل من الأشغال لرفع حاجاته اليومية. فمنهم من يتوصل بالتوليد و الإنتاج كالزرّاع، و منهم من يتوصل بنقل الأموال كالتجّار، و منهم من يتوصل بتغيير صور الأمتعة و العمل عليها بما يزيد في قيمتها كالصنّاع.

فهذه هي عمدة وجوه الاستفادة المتعارفة بين الناس و قد تعرّض لها الأصحاب في كلماتهم.

نعم، قد يحصل للإنسان المال من دون تعب و تصدّ لتحصيله إما مع الاختيار كالهبات و الجوائز و الصداق و عوض الخلع و نحوها أو بلا اختيار له كالميراث و نذر النتيجة على القول بصحته، و لكنها فوائد اتفاقية نادرة و ليس بناء اقتصاد الناس عليها و لا يصدق عليها الاكتساب و يشكل شمول كلمات الأصحاب لها.

اللهم إلا أن يحمل العناوين المذكورة في كلماتهم على المثال و يقال إن غرضهم بيان مطلق الفوائد اليومية غير العناوين الخاصة التي مرت من الغنائم و المعادن و الكنوز و الغوص التي لها أحكام خاصة.

و يؤيد ذلك كلمة «غير ذلك» المذكورة في النهاية و الغنية بعد عناوين التجارة و الصناعة و الزراعة.

و كيف كان فقد نسب إلى المشهور عدم ثبوت الخمس في الفوائد الاتفاقية، و لكن الأقوى هو الثبوت في مثل الهدية و الجائزة.

و يدل على ذلك، مضافا إلى عموم الآية الشريفة لصدق الغنيمة عليها، أخبار مستفيضة:

1- ففي صحيحة علي بن مهزيار، عن أبي جعفر الثاني «ع»- بعد الحكم بوجوب الخمس في الغنائم و الفوائد- قال: «فالغنائم و الفوائد- يرحمك اللّه- فهي الغنيمة يغنمها المرء و الفائدة يفيدها، و الجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، و الميراث الذي لا يحتسب من غير أب و لا ابن، و مثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله، و مثل مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب.

الحديث.» «1»

______________________________
(1) الوسائل 6/ 50- 349، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

433
کتاب الخمس و الأنفال

الخامس مما فيه الخمس: ما يفضل عن مئونة السنة: ؛ ص : 416

و تقييد الجائزة بالتي لها خطر لعله من جهة أن الجائزة الحقيرة تصرف فورا فلا تبقى إلى السنة. و من تقييد الميراث يستفاد عدم الخمس في المواريث المتعارفة التي تحتسب كما يأتي بيانه.

2- و في موثقة سماعة قال: سألت أبا الحسن «ع» عن الخمس، فقال: «في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير.» «1» بناء على عموم اللفظ للفوائد الاتفاقية أيضا كما لا يبعد.

3- و في صحيحة علي بن مهزيار، عن أبي علي بن راشد، عنه «ع»، قال: «يجب عليهم الخمس.» فقلت: ففي أيّ شي‌ء؟ فقال: «في أمتعتهم و صنائعهم. الحديث.» «2»

بتقريب أن المتاع بحسب اللغة و الاستعمال يراد به كل ما يتمتع به في الحاجات فيعمّ جميع لوازم المعيشة و إن حصلت بالهبة و نحوها.

و في القاموس:

«و المتاع: المنفعة و السلعة و الأداة و ما تمتعت به من الحوائج، ج: أمتعة». «3»

و الظاهر أن الموضوع له هو الأخير و الباقي من قبيل المصاديق له.

4- و في خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه و المنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر هل عليه فيها الخمس؟ فكتب «ع»: «الخمس في ذلك.» «4»

أقول: في سند الرواية أحمد بن هلال، و فيه كلام.

5- و في خبر عبد اللّه بن سنان، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «على كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة «ع» و لمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس. الحديث.» «5»

______________________________
(1) الوسائل 6/ 350، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

(2) الوسائل 6/ 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

(3) قاموس اللغة/ 508.

(4) الوسائل 6/ 351، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 10.

(5) الوسائل 6/ 351، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8.

434
کتاب الخمس و الأنفال

الخامس مما فيه الخمس: ما يفضل عن مئونة السنة: ؛ ص : 416

بناء على عدم كون الترديد من الراوي. و في سند الرواية ضعف كما لا يخفى على أهله.

6- و في خبر أحمد بن محمد بن عيسى، عن يزيد، قال: كتبت: جعلت لك الفداء تعلمني ما الفائدة و ما حدّها؟ رأيك- أبقاك اللّه- أن تمنّ عليّ ببيان ذلك لكي لا أكون مقيما على حرام لا صلاة لي و لا صوم، فكتب: «الفائدة مما يفيد إليك في تجارة من ربحها و حرث بعد الغرام أو جائزة.» «1»

و يزيد هذا يظن كونه يزيد بن إسحاق بقرينة رواية أحمد بن محمد بن عيسى عنه، و قد وثقوه.

7- و في رواية علي بن الحسين بن عبد ربّه، قال: سرّح الرضا «ع» بصلة إلى أبي، فكتب إليه أبي: هل عليّ فيما سرّحت إليّ خمس؟ فكتب إليه: «لا خمس عليك فيما سرّح به صاحب الخمس.» «2»

يظهر من الرواية أن الصلة بالطبع فيها الخمس. و في سند الرواية سهل بن زياد، و الأمر فيه سهل.

8- و في تحف العقول، عن الرضا «ع» في كتابه إلى المأمون قال: «و الخمس من جميع المال مرة واحدة.» «3» و لكن ليست هذه الجملة في نقل العيون.

9- و في رواية عيسى بن المستفاد، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عن أبيه «ع» أن رسول اللّه «ص» قال: «... و إخراج الخمس من كل ما يملكه أحد من الناس حتى يرفعه إلى وليّ المؤمنين و أميرهم. الحديث.» «4»

______________________________
(1) الوسائل 6/ 350، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7.

(2) الوسائل 6/ 354، الباب 11 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

(3) الوسائل 6/ 341، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 13.

(4) الوسائل 6/ 386، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 21.

435
کتاب الخمس و الأنفال

الخامس مما فيه الخمس: ما يفضل عن مئونة السنة: ؛ ص : 416

10- و في فقه الرضا بعد ذكر الآية الشريفة قال:

«و كل ما أفاده الناس فهو غنيمة، لا فرق بين الكنوز و المعادن و الغوص ... و هو ربح التجارة و غلّة الضيعة و سائر الفوائد من المكاسب و الصناعات و المواريث و غيرها، لأن الجميع غنيمة و فائدة.» «1»

هذا مضافا إلى أنه إذا كان ما يحصل للإنسان بتعب و مشقة موردا للمالية و الضريبة فما يحصل له مجانا و بلا تعب أولى بذلك و أحق، فهذا أمر يحكم به العقل و الاعتبار العرفي.

و بالجملة، قد تحصل لك أن المستفاد من الآية الشريفة و الأخبار المستفيضة ثبوت الخمس في مطلق الفائدة.

و لكن المذكور في كلمات الأصحاب خصوص أرباح التجارات و الصناعات و الزراعات، فهل يؤخذ بعموم الآية و مفاد الروايات المذكورة و تحمل كلماتهم على قصد المثال و بيان المنابع المتعارفة لتحصيل المال، أو يؤخذ بظاهر كلماتهم و يرفع اليد عمّا دلّ على ثبوت الخمس في مثل الهدية و الجائزة و الميراث بإعراض الأصحاب، بتقريب أن عدم تعرّضهم لمثل الميراث و الهدية و الجائزة في كتبهم المعدّة لنقل الفتاوى المأثورة عن الأئمة «ع» مع عموم الابتلاء بها يكشف كشفا قطعيا عن خروجها عندهم عن موضوع الخمس و أنهم تلقوا ذلك عن الأئمة يدا بيد.

قال في السرائر:

«قال بعض أصحابنا إن الميراث و الهدية و الهبة فيه الخمس، ذكر ذلك أبو الصلاح الحلبي في كتاب الكافي الذي صنفه، و لم يذكره أحد من أصحابنا إلا المشار إليه، و لو كان صحيحا لنقل نقل أمثاله متواترا، و الأصل براءة الذمة.» «2»

و في مصباح الفقيه ما حاصله:

______________________________
(1) فقه الرضا/ 294.

(2) السرائر/ 114.

436
کتاب الخمس و الأنفال

الخامس مما فيه الخمس: ما يفضل عن مئونة السنة: ؛ ص : 416

«لا ينبغي الارتياب في عدم تعارفه بين المسلمين في زمان النبي «ص» و لا بين الشيعة في عصر أحد من الأئمة «ع»، و إلا امتنع عادة اختفاء مثل هذا الحكم أعني وجوب صرف خمس المواريث، بل و كذا العطايا مع عموم الابتلاء به، على النساء و الصبيان من المسلمين فضلا عن صيرورته خلافيا أو صيرورة خلافه مشهورا لو لم يكن مجمعا عليه، فوقوع الخلاف في مثل المقام أمارة قطعية على عدم معروفيته في عصر الأئمة «ع» بل و لا في زمان الغيبة الصغرى، و إلا لقضت العادة بصيرورته من ضروريات الدين لو كان في عصر النبي «ص» أو المذهب لو كان في أعصار الأئمة «ع».» «1»

أقول: قد عرفت في أوائل بحث الخمس أن الغنيمة اسم لكل فائدة غير مترقبة أو زائدة على ما يترقب، فتشمل مثل الهدية و الجائزة الخطيرة بلا إشكال. و تعرضت لها الأخبار أيضا.

و أما الميراث فحيث إنه مما يقتضيه نظام التكوين لكل أحد بلا استثناء فيمكن أن يقال إنه أمر مترقب و مرجوّ الحصول و مقطوع التحقق، فلا يصدق عليه الاغتنام إلا فيما لا يحتسب كما دلّ على ذلك صحيحة ابن مهزيار.

بل يمكن أن يقال إن الاغتنام إنما يصدق في تبديل الأموال و نقلها، و ما هو المتبدل في المواريث إنما هو الملّاك لا الأموال فكأن الأموال و العقارات باقية على حالها و في مكانها و إنما تبدّل ملاكها بحسب ما اقتضاه نظام التكوين، فتأمّل.

ثم لو أبيت إلا عن صدق الغنيمة على الميراث أمكن الاستدلال على عدم الخمس في ما يحتسب منه بمفهوم الوصف في الصحيحة و بأنه لو كان الخمس ثابتا فيه لاشتهر غاية الاشتهار بين العوام أيضا فضلا عن الخواص لكثرة الابتلاء به في جميع البلاد و في جميع الأعصار.

و لعل وزان الصداق أيضا وزان الميراث، فإنه أمر يرجى حصوله بحسب نظام‌

______________________________
(1) مصباح الفقيه/ 129.

437
کتاب الخمس و الأنفال

السادس مما فيه الخمس على ما قالوا: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم: ؛ ص : 438

المجتمع. بل يمكن أن يقال إنه عوض عن الزوجية و البضع، حيث إن الزوجة تجعل نفسها تحت سلطنة الزوج بإزائه و تسلب حريتها بذلك فلا يصدق عليه الاغتنام.

و من هذا القبيل أيضا عوض الخلع، فإنه بإزاء رفع اليد عن السلطة المملوكة.

هذا مضافا إلى أنه لو ثبت فيهما الخمس لاشتهر و بان لكثرة الابتلاء بهما و لا سيما بالصداق. هذا.

و أما رفع اليد عن العمومات و الأخبار المستفيضة الدالة على ثبوت الخمس في الهبة و الهدية و الجائزة و الميراث الذي لا يحتسب باستناد إعراض الأصحاب عنها فالالتزام به مشكل، لعدم ثبوت الإعراض، و إنما الثابت هو عدم تعرض الأكثر، و لعلهم ذكروا عناوين التجارة و الصناعة و الزراعة من باب المثال و من باب ذكر المصاديق الغالبة التي يزاولها الأكثر، و لذا قد عطف بعضهم عليها كلمة: «و غير ذلك.»‌

و كيف كان فالأقوى فيها ثبوت الخمس، وفاقا لأبي الصلاح و استحسنه في اللمعة و مال إليه في شرحها و قواه الشيخ الأعظم في خمسه بل لعله الظاهر من المعتبر أيضا، فتدبّر.

ثم لا يخفى أن من مصاديق الفوائد التي قوينا فيها الخمس ما إذا اشترى شيئا للقنية لا للتجارة، ثم اتفق أن باعه بأكثر مما اشتراه به، فالزائد على الثمن يكون من فوائد سنة البيع فيثبت الخمس فيما زاد منها على مئونة السنة، بل لأحد أن يدرج هذا في عنوان التكسب أيضا، إذ حين الشراء و إن لم يكن قاصدا للنماء و الزيادة و لكنه قصدها حين ما باعه و يكفي هذا في صدق عنوان التكسب. بل قد يقال بذلك في مثل الهبة أيضا بتقريب أن قبولها نوع من التكسب، فتأمّل.

السادس مما فيه الخمس على ما قالوا: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم:

«عند ابني حمزة و زهرة و أكثر المتأخرين من أصحابنا، بل في الروضة نسبته إلى‌

438
کتاب الخمس و الأنفال

السادس مما فيه الخمس على ما قالوا: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم: ؛ ص : 438

الشيخ و المتأخرين أجمع، بل في المنتهى و التذكرة نسبته إلى علمائنا، بل في الغنية الإجماع عليه، و هو- بعد اعتضاده بما عرفت- الحجة.» كذا في الجواهر. «1»

و في نهاية الشيخ:

«و الذمي إذا اشترى من مسلم أرضا وجب عليه فيها الخمس.» «2»

و في المبسوط:

«و إذا اشترى دمي من مسلم أرضا كان عليه فيها الخمس.» «3»

و في الغنية:

«و في المال الذي لم يتميز حلاله من حرامه، و في الأرض التي يبتاعها الذمي بدليل الإجماع المتردد.» «4» هذا.

و لكن في المختلف:

«لم يذكر ذلك ابن الجنيد و لا ابن أبي عقيل و لا المفيد و لا سلّار و لا أبو الصلاح.» «5»

فالمسألة مختلف فيها. و الأصل في المسألة ما رواه الشيخ بسند صحيح، عن أبي عبيدة الحذاء، قال: سمعت أبا جعفر «ع» يقول: «أيّما ذمي اشترى من مسلم أرضا فإن عليه الخمس.» و رواه الصدوق أيضا بإسناده، عن الحذاء «6».

و في زيادات المقنعة عن الصادق «ع» قال: «الذمي إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس.» «7» و هي مع إرسالها يحتمل رجوعها إلى الصحيحة و وقوع الوهم في النسبة إلى الصادق «ع».

و الظاهر من الحديث و لا سيما المرسلة تعلق الخمس برقبة الأرض، و هو الظاهر من النهاية و المبسوط و غيرهما. و لكن التتبع يوجب التزلزل في المسألة:

______________________________
(1) الجواهر 16/ 65.

(2) النهاية/ 197.

(3) المبسوط 1/ 237.

(4) الجوامع الفقهية/ 507 (طبعة أخرى/ 569).

(5) المختلف/ 203.

(6) الوسائل 6/ 352، الباب 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(7) الوسائل 6/ 352، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

439
کتاب الخمس و الأنفال

السادس مما فيه الخمس على ما قالوا: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم: ؛ ص : 438

1- ففي خراج أبي يوسف:

«قال أبو يوسف: و كل أرض من أرض العشر اشتراها نصراني تغلبي فإن العشر يضاعف عليه كما يضاعف عليهم في أموالهم التي يختلفون بها في التجارات، و كل شي‌ء يجب على المسلم فيه واحد فعلى النصراني التغلبي اثنان. قال: و إن اشترى رجل من أهل الذمة سوى نصارى بني تغلب أرضا من أرض العشر فإن أبا حنيفة قال: أضع عليها الخراج ... و أنا أقول أن يوضع عليها العشر مضاعفا فهو خراجها ... قال أبو يوسف: حدثني بعض أشياخنا أن الحسن و عطاء قالا في ذلك العشر مضاعفا، قال أبو يوسف: فكان قول الحسن و عطاء أحسن عندي من قول أبي حنيفة.» «1»

2- و في كتاب الأموال لأبي عبيد:

«أخبرني محمد، عن أبي حنيفة، قال: إذا اشترى الذمي أرض عشر تحوّلت أرض خراج، قال: و قال أبو يوسف: يضاعف عليه العشر ... قال أبو عبيد: و كان سفيان بن سعيد يقول: عليه العشر على حاله ... و روى بعضهم عن مالك أنه قال: لا عشر عليه و لكنه يؤمر ببيعها لأن في ذلك إبطالا للصدقة، و كذلك يروى عن الحسن بن صالح أنه قال: لا عشر عليه و لا خراج.» «2»

3- و في المغني لابن قدامة الحنبلي:

«قال حرب: سألت أحمد عن الذمي يشتري أرض العشر؟ قال: لا أعلم شيئا و أهل المدينة يقولون في هذا قولا حسنا: يقولون: لا يترك الذمي يشتري أرض العشر، و أهل البصرة يقولون قولا عجبا: يقولون: يضاعف عليهم، و قد روى عن احمد انهم يمنعون من شرائها، اختارها الخلّال و هو قول مالك و صاحبه فإن اشتروها ضوعف عليهم العشر فأخذ منهم الخمس.» «3» هذا.

4- و الشيخ «ره» عنون في الخلاف ثلاث مسائل متعاقبة متناسبة فقال في المسألة‌

______________________________
(1) الخراج/ 121.

(2) الأموال/ 116- 118.

(3) المغني 2/ 576.

440
کتاب الخمس و الأنفال

السادس مما فيه الخمس على ما قالوا: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم: ؛ ص : 438

«84»: من الزكاة:

«إذا اشترى الذمي أرضا عشرية وجب عليه فيها الخمس، و به قال أبو يوسف فإنه قال: عليه فيها عشران. و قال محمد: عليه عشر واحد. و قال أبو حنيفة: تنقلب خراجية. و قال الشافعي: لا عشر عليه و لا خراج. دليلنا إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في هذه المسألة، و هي مسطورة لهم منصوص عليها، روى ذلك أبو عبيدة الحذاء، قال: سمعت أبا جعفر «ع» يقول: أيّما ذمي اشترى من مسلم أرضا فإن عليه الخمس.» «1»

و في المسألة «85»:

«إذا باع تغلبي و هم نصارى العرب أرضه من مسلم وجب على المسلم فيها العشر أو نصف العشر، و لا خراج عليه. و قال الشافعي: عليه العشر. و قال أبو حنيفة:

يؤخذ منه عشران. دليلنا أن هذه ملك قد حصل لمسلم و لا يجب عليه في ذلك أكثر من العشر، و ما كان يؤخذ من الذمي من الخراج كان جزية، فلا يلزم المسلم ذلك.» «2»

و في المسألة «86»:

«إن اشترى تغلبي من ذمي أرضا لزمته الجزية كما كانت تلزم الذمي. و قال أبو حنيفة و أصحابه: عليه العشران. و هذان العشران عندهم خراج يؤخذ باسم الصدقة. و قال الشافعي: لا عشر عليه و لا خراج. دليلنا أن هذا ملك قد حصل لذمي فوجب عليه فيه الجزية كما يلزم في سائر أهل الذمة.» «3»

5- و قال العلامة في المنتهى:

«الذمي إذا اشترى أرضا من مسلم وجب عليه الخمس. ذهب إليه علماؤنا.

و قال مالك: يمنع الذمي من الشراء إذا كانت عشرية، و به قال أهل المدينة و أحمد في رواية. فإن اشتراه ضوعف العشر فوجب عليه الخمس. و قال أبو حنيفة: تصير‌

______________________________
(1) الخلاف 1/ 300.

(2) الخلاف 1/ 300.

(3) الخلاف 1/ 300.

441
کتاب الخمس و الأنفال

السادس مما فيه الخمس على ما قالوا: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم: ؛ ص : 438

أرض خراج. و قال الثوري و الشافعي و أحمد في رواية أخرى: يصح البيع و لا شي‌ء عليه و لا عشر أيضا. و قال محمد بن الحسن: عليه العشر. لنا أن في إسقاط العشر إضرارا بالفقراء، فإذا تعرضوا لذلك ضوعف عليهم فأخرج الخمس. و يؤيده ما رواه الشيخ عن أبي عبيدة الحذاء. الحديث.» «1»

و نحو ذلك في التذكرة أيضا. «2»

و تعرض للمسألة و نقل الأقوال المحقق في المعتبر أيضا، فراجع. «3»

6- و في منتقى الجمان بعد نقل الصحيحة قال:

«قلت: ظاهر أكثر الأصحاب الاتفاق على أن المراد من الخمس في هذا الحديث معناه المعهود، و للنظر في ذلك مجال. و يعزى إلى مالك القول بمنع الذمي من شراء الأرض العشرية و أنه إن اشتراها ضوعف العشر فيجب عليه الخمس، و هذا المعنى يحتمل إرادته من الحديث إما موافقة عليه أو تقية على الرأي الظاهر لأهل الخلاف وقت صدور الحكم. و معلوم أن رأي مالك كان هو الظاهر في زمن الباقر «ع».

و مع قيام هذا الاحتمال بل قربه لا يتّجه التمسك بالحديث في إثبات ما قالوه، و ليس هو بمظنّة بلوغ حد الإجماع ليغنى عن طلب الدليل فإن جمعا منهم لم يذكروه أصلا و صرّح بعضهم بالتوقف فيه ...» «4»

أقول: ولادة مالك على ما في مقدمة الموطأ كانت في 95 من الهجرة، و في هذه السنة أيضا بدأت إمامة الباقر «ع» على ما في أصول الكافي، «5» و وفاة الإمام «ع» كانت في 114 فلم يكن مالك في عصر إمامته «ع» أهلا لأن يظهر فتواه و يتقى منه. نعم، هذه الفتوى كانت ظاهرة قبل ذلك عن الحسن و عطاء كما مرّ بل كان‌

______________________________
(1) المنتهى 1/ 549.

(2) التذكرة 1/ 253.

(3) المعتبر/ 293.

(4) منتقى الجمان 2/ 443.

(5) الموطّأ، أواخر المقدمة؛ و أصول الكافي 1/ 466 و 469.

442
کتاب الخمس و الأنفال

السادس مما فيه الخمس على ما قالوا: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم: ؛ ص : 438

هذا عمل النبي «ص» و كذا الخليفة الثاني كما يأتي عن قريب.

و كيف كان فهل نلتزم بثبوت الخمس في رقبة الأرض تمسكا بظاهر الصحيحة و الإجماع المنقول و شهرة المتأخرين من أصحابنا، أو نمنع ذلك بتقريب أن صدور الحديث من الإمام «ع» في جوّ كان البحث عن بيع الأرض العشرية من الذمّي و عن كيفية المعاملة معه من أخذ الخراج أو العشر أو الخمس ظاهرا بينهم يوجب التردد في الحكم لاحتمال صدور الحديث تقية أو كون مراد الإمام- عليه السلام- أيضا ثبوت الخمس أي العشرين في حاصل الأرض بعنوان الزكاة وفقا لهم و لما حكي عن النبي «ص». إذ لا بعد في كون الحكم ذلك لئلا يرغب أهل الذمة في شراء أراضي المسلمين، بل أنس ذهن الراوي بالحكم الشائع في ذلك الجو يوجب انسباق ذلك من كلام الإمام أيضا. فيمنع بذلك ظهور الصحيحة في خمس الرقبة.

كيف؟! و عمدة الدليل على حجية الخبر بناء العقلاء، و يمكن منع بنائهم على العمل مع تلك القرائن الموجبة لعدم الظهور أو عدم إرادته.

و لعل نظر بعض المفتين في المسألة كالشيخ في الخلاف و العلامة في المنتهى و التذكرة أيضا كان إلى ثبوت الخمس في حاصل الأرض لا في رقبتها، فتأمل في العبارات التي مرت، بل الظاهر من عبارة الخلاف كون موضوع البحث عند أصحابنا أيضا هو حاصل الأرض العشرية و أنهم حملوا الصحيحة أيضا على ذلك.

نعم للحاكم الإسلامي منع الذمي من شراء الأرض و سائر العقارات من المسلمين إذا كان هذا مقدمة لاستيلائهم الاقتصادي و السياسي كما شوهد ذلك في فلسطين، و له أيضا جعل الخمس على رقبة الأرض إذا فرض اشتراؤها و يصير هذا نحو جزية عليهم. هذا.

و ليس جعل الخمس في حاصل أراضي الكفّار أمرا غريبا يستوحش منه، بل له سابقة في سيرة النبي «ص» و الخلفاء:

ففي خبر محمد بن مسلم، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع» أ رأيت ما يأخذ هؤلاء من‌

443
کتاب الخمس و الأنفال

السابع مما فيه الخمس: ؛ ص : 444

هذا الخمس من أرض الجزية و يأخذ من الدهاقين جزية رءوسهم؛ أما عليهم في ذلك شي‌ء موظّف؟ فقال: «كان عليهم ما أجازوا على أنفسهم، و ليس للإمام أكثر من الجزية؛ إن شاء الإمام وضع ذلك على رءوسهم و ليس على أموالهم شي‌ء، و إن شاء فعلى أموالهم و ليس على رءوسهم شي‌ء» فقلت: «فهذا الخمس؟» فقال: «إنما هذا شي‌ء كان صالحهم عليه رسول اللّه «ص».» «1»

و روى الصدوق، قال: قال الرضا «ع»: «إن بني تغلب أنفوا من الجزية و سألوا عمر أن يعفيهم، فخشى أن يلحقوا بالروم فصالحهم على أن صرف ذلك عن رءوسهم و ضاعف عليهم الصدقة، فعليهم ما صالحوا عليه و رضوا به إلى أن يظهر الحق.» «2»

و قد ظهر مما ذكرناه بطوله الإشكال في خمس رقبة الأرض التي اشتراها الذمّيّ من المسلم، بل الثابت هو الخمس في حاصلها بعنوان الزكاة، و على ذلك تحمل الصحيحة و كثير من كلمات الأصحاب أيضا، فليس في المسألة إجماع و لا شهرة مقنعة، و الظاهر من كلمة الأرض في تلك الأعصار كان أراضي الزراعة و التنمية لا مثل أراضي الدور و الدكاكين و نحوها لعدم الاهتمام فيها بأرضها، فتدبّر.

السابع مما فيه الخمس:

الحلال المختلط بالحرام على وجه لا يتميز مع الجهل بصاحبه و بمقداره، فيحلّ بإخراج خمسه:

و قد أفتى بذلك في النهاية و الغنية و غيرهما بل ادعي عليه الإجماع و الشهرة:

قال في النهاية:

«و إذا حصل مع الإنسان مال قد اختلط الحلال بالحرام و لا يتميز له، و أراد تطهيره‌

______________________________
(1) الوسائل 11/ 114، الباب 68 من أبواب جهاد العدوّ ...، الحديث 2.

(2) الوسائل 11/ 116، الباب 68 من أبواب جهاد العدوّ ...، الحديث 6.

444
کتاب الخمس و الأنفال

السابع مما فيه الخمس: ؛ ص : 444

أخرج منه الخمس و حلّ له التصرف في الباقي.» «1»

و في الغنية في عداد ما فيه الخمس:

«و في المال الذي لم يتميز حلاله من حرامه، و في الأرض التي يبتاعها الذمي، بدليل الإجماع المتردد.» «2»

نعم، لم يذكره المفيد و ابن أبي عقيل و ابن الجنيد، كما في المختلف.

و قال في المدارك:

«المطابق للأصول وجوب عزل ما يتيقن انتفاؤه عنه و التفحص عن مالكه إلى أن يحصل اليأس من العلم به فيتصدق به على الفقراء، كما في غيره من الأموال المجهولة المالك.» «3»

و كيف كان فقد استدلوا لوجوب الخمس في المقام بروايات، فلنذكر بعضها:

1- صحيحة عمار بن مروان، المروية عن الخصال، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «فيما يخرج من المعادن و البحر و الغنيمة و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه و الكنوز الخمس.» «4»

و الرواية لا بأس بها سندا و دلالة. و ظاهر الخمس فيها، هو الخمس المصطلح، نعم ربما يوهنها عدم ذكرها في الكتب الأربعة.

2- ما رواه الشيخ بسنده، عن الحسن بن زياد، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

«إن رجلا أتى أمير المؤمنين «ع» فقال: يا أمير المؤمنين، إني أصبت مالا لا أعرف حلاله من حرامه؟

فقال له: أخرج الخمس من ذلك المال، فإن اللّه- عزّ و جلّ- قد رضي من ذلك المال بالخمس،

______________________________
(1) النهاية/ 197.

(2) الجوامع الفقهية/ 507 (طبعة أخرى/ 569).

(3) المدارك/ 339.

(4) الوسائل 6/ 344، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

445
کتاب الخمس و الأنفال

السابع مما فيه الخمس: ؛ ص : 444

و اجتنب ما كان صاحبه يعلم.» «1»

هكذا في الوسائل، و لكن الشيخ رواها في موضعين من التهذيب ذكر في الموضع الأول «يعمل» بدل قوله: «يعلم»، و في الموضعين «قد رضي من المال» بدل قوله: «قد رضي من ذلك المال.» «2»

3- ما رواه المشايخ الثلاثة بسند لا بأس به، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»: ففي الفقيه: «روى السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»، عن أبيه، عن آبائه «ع»، قال: «أتى رجل عليا «ع» فقال: إني كسبت مالا أغمضت في طلبه حلالا و حراما، فقد أردت التوبة و لا أدري الحلال منه و لا الحرام فقد اختلط عليّ؟ فقال علي «ع»: أخرج خمس مالك، فإن اللّه- عزّ و جلّ- قد رضي من الإنسان بالخمس، و سائر المال كله لك حلال.» «3»

و رواه الكليني أيضا إلا أنه قال: «فقال أمير المؤمنين «ع»: «تصدق بخمس مالك، فإن اللّه- جلّ اسمه- رضي من الأشياء بالخمس، و سائر الأموال لك حلال.» «4» و رواه الشيخ أيضا بسنده عن الكليني. «5»

و الظاهر رجوع روايتي السكوني و الحسن بن زياد إلى رواية واحدة، لتشابههما في السؤال و نقلهما لواقعة واحدة اتفقت في زمان أمير المؤمنين «ع». و يبعد تعدد الواقعة.

و على هذا فيشكل الاعتماد على ما اختلفتا فيه من الخصوصيات.

و هل تحمل الروايتان على المال الذي أصابه الإنسان من شخص آخر بالوراثة أو الاشتراء أو نحوهما و قد اختلط مال ذلك الشخص إجمالا و لكن يحتمل كون المال المنتقل إليه بأجمعه من الحلال فيكون حلالا له و يحمل الخمس فيه على خمس الأرباح و الفوائد كما قد يحتمل، أو يراد المال الذي قد اختلط عند نفسه أو عند غيره و لكن المختلط قد انتقل إليه فيكون الخمس للتحليل؟ وجهان، و لعل الثاني هو الأظهر.

______________________________
(1) الوسائل 6/ 352، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(2) التهذيب 4/ 124 و 138، كتاب الزكاة، الباب 35 و 39.

(3) الفقيه 3/ 189، كتاب المعيشة، باب الدين و القرض، الحديث 3713.

(4) الكافي 5/ 125 (ط. القديم من الفروع 1/ 363)، كتاب المعيشة، باب المكاسب الحرام، الحديث 5.

(5) الوسائل 6/ 353، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

446
کتاب الخمس و الأنفال

السابع مما فيه الخمس: ؛ ص : 444

و يحتمل فيهما أيضا أن يراد حلية المال المختلط أو المشتبه بسبب توبة الشخص و يكون الخمس فيه أيضا من قبيل خمس الفوائد، و لا بعد في أن يحل المال المختلط أو المشتبه و ينصبغ الحرام في البين بصبغة الحلية بسبب التوبة، كما يشهد بذلك الأخبار المستفيضة الواردة في المال المختلط بالربا، فراجع الوسائل الباب الخامس من أبواب الربا. «1» و كذلك موثقة سماعة فيمن أصاب مالا من عمل بني أميّة. «2»

و يشهد بذلك أيضا مرسلة الصدوق في المقام، و قد فصّلنا البحث في ذلك في كتاب الخمس، فراجع. «3»

4- مرسلة الصدوق، قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين «ع» فقال:

يا أمير المؤمنين، أصبت مالا أغمضت فيه، أ فلي توبة؟ قال: ايتني خمسه، فأتاه بخمسه، فقال: «هو لك، إن الرجل إذا تاب تاب ماله معه.» «4»

و الظاهر كونها مشيرة إلى نفس الواقعة المذكورة في روايتي السكوني و الحسن بن زياد، فيجري فيها ما مضى فيهما.

5- موثقة عمّار الساباطى، عن أبي عبد اللّه «ع» أنه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل؟ قال: «لا، إلّا أن لا يقدر على شي‌ء يأكل و لا يشرب و لا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شي‌ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت.» «5»

أقول: الظاهر أن المراد بالخمس فيه هو الخمس المصطلح و لكن المورد في الحديث هو المال المشتبه لا المختلط، إذ المنتقل إليه لا يعلم بوجود الحرام فيه، فالخمس فيه هو خمس الأرباح، فتأمل.

______________________________
(1) الوسائل 12/ 430.

(2) الوسائل 12/ 59، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.

(3) كتاب الخمس/ 110 و ما بعدها.

(4) الوسائل 6/ 353، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

(5) الوسائل 6/ 353، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

447
کتاب الخمس و الأنفال

السابع مما فيه الخمس: ؛ ص : 444

فالعمدة في المسألة هو صحيحة عمار بن مروان و معتبرة السكوني. و عمدة الإشكال في المسألة هو أن الحكم الشرعي في المال الذي لا يعرف صاحبه أو لا يمكن إيصاله إلى صاحبه كاللقطة و ما أودعه اللصوص عند الإنسان و غير ذلك هو التصدق به كما نطقت بذلك الأخبار في الموارد المختلفة.

و من البعيد جدا كون المصرف هو التصدق فيما إذا علم مقدار الحرام، و الخمس المصطلح فيما إذا لم يعلم مقداره. فيحتمل قويا كون مصرف الخمس في المقام هو مصرف الصدقات، غاية الأمر أن المقدار لما كان مجهولا فاللّه- تعالى-، مالك الأملاك و وليّ الغائب، صالح الحرام الموجود في البين بالخمس.

و يؤيد ذلك قوله «ع» في خبر السكوني بنقل الكليني: «تصدق بخمس مالك.»‌

و الكليني ذكر روايات الخمس في أواخر كتاب الحجة من الكافي، لكونه عنده من حقوق الإمامة، و لكنه ذكر خبر السكوني الذي مرّ في كتاب المعيشة من الفروع، فيظهر بذلك أنه لم يجعل الخمس في المال المختلط من قبيل الخمس المصطلح.

و في حاشية الفروع عن مرآة العقول قال: «و اختلفوا في أنه خمس أو صدقة، و الأخير أشهر.» «1»

و ليس لفظ الخمس حقيقة شرعية في الخمس المصطلح المعهود كما قد يتوهم، بل يراد به جزء من الأجزاء الخمسة. نعم، قرينة السياق في صحيحة عمّار بن مروان ربما تشهد بإرادة الخمس المصطلح. هذا.

و لو قيل بأن الخمس المصطلح بأجمعه حق وحدانيّ لمنصب الإمامة كما سيأتي بيانه، و أن مصرف الصدقة مطلقا هو جميع المصارف الثمانية التي منها جميع سبل الخير لا خصوص الفقراء و المساكين كما لا يبعد، و يشهد له آية مصرف الصدقات، و كذا إطلاق الصدقة على الأوقاف العامّة، و قوله «ع»: «كل معروف صدقة» «2»، و قوله «ع»: «عونك للضعيف من أفضل الصدقة» «3»، و نحو ذلك من الاستعمالات، انحلّ‌

______________________________
(1) الكافي 5/ 125، كتاب المعيشة، باب المكاسب الحرام، ذيل خبر السكوني.

(2) الوسائل 6/ 321، الباب 41 من أبواب الصدقة، الحديث 1 و 2.

(3) تحف العقول/ 414.

448
کتاب الخمس و الأنفال

السابع مما فيه الخمس: ؛ ص : 444

الإشكال من رأسه، إذ يصرف الجميع في مصالح الإسلام و المسلمين و شئون الإمامة و الحكومة، و منها فقراء المسلمين و فقراء بني هاشم، فتأمل، لبقاء الإشكال إن منعنا إعطاء الصدقة لبني هاشم، اللّهم إلا أن يقال باختصاص ذلك بالزكاة الواجبة.

449
کتاب الخمس و الأنفال

الجهة الثالثة: في مصرف الخمس: ؛ ص : 450

الجهة الثالثة: في مصرف الخمس:

1- قال الشيخ في كتاب الفي‌ء من الخلاف (المسألة 37):

«عندنا أن الخمس يقسّم ستة أقسام: سهم للّه و سهم لرسوله و سهم لذي القربى، فهذه الثلاثة أسهم كانت للنبي «ص» و بعده لمن يقوم مقامه من الأئمة، و سهم لليتامى و سهم للمساكين و سهم لأبناء السبيل من آل محمد «ص» لا يشركهم فيه غيرهم.

و اختلف الفقهاء في ذلك: فذهب الشافعي إلى أن خمس الغنيمة يقسم على خمسة أسهم: سهم لرسول اللّه «ص» و سهم لذي القربى و سهم لليتامى و سهم للمساكين و سهم لأبناء السبيل، فأمّا سهم رسول اللّه «ص» فيصرف في مصالح المسلمين، و أما سهم ذي القربى فإنه يصرف إلى ذوي القربى على ما كان يصرف إليهم على عهد النبي «ص» على ما نبينه فيما بعد.

و ذهب أبو العالية الرياحي إلى أن الخمس من الغنيمة و الفي‌ء مقسوم على ستة أقسام: سهم للّه- تعالى-، و سهم لرسوله، و سهم لذي القربى، و سهم لليتامى، و سهم للمساكين، و سهم لأبناء السبيل. و ذهب مالك إلى أن خمس الغنيمة و أربعة أخماس الفي‌ء مفوض إلى اجتهاد الإمام ليصرفه إلى من رأى أن يصرفه إليه.

و ذهب أبو حنيفة إلى أن خمس الغنيمة و أربعة أخماس الفي‌ء يقسم على ثلاثة أسهم:

سهم لليتامى و سهم للمساكين و سهم لأبناء السبيل. هذا الذي رواه عنه الحسن بن زياد اللؤلؤي ...

دليلنا إجماع الفرقة المحقة و أخبارهم، و أيضا قوله- تعالى-: فأنّ للّه خمسه و للرسول. الآية.» «1»

______________________________
(1) الخلاف 2/ 340.

450
کتاب الخمس و الأنفال

الجهة الثالثة: في مصرف الخمس: ؛ ص : 450

2- و فيه أيضا (المسألة 38):

«سهم ذي القربى ثابت لم يسقط بموت النبي «ص»، و هو لمن قام مقامه. و قال الشافعي: سهم ذي القربى ثابت و هو خمس الخمس يصرف إلى أقاربه الغني و الفقير منهم و يستحقونه بالقرابة. و قال أبو حنيفة: سهم ذي القربى سقط بموت النبي «ص» ... دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم، و أيضا قوله- تعالى-: و لذي القربى ...» «1»

3- و فيه أيضا (المسألة 39):

«عندنا أن سهم ذي القربى للإمام، و عند الشافعي لجميع ذي القربى يستوي فيه القريب و البعيد و الذكر و الأنثى ... دليلنا إجماع الفرقة.» «2»

4- و فيه أيضا (المسألة 41):

«الثلاثة أسهم التي هي لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من الخمس، يختص بها من كان من آل الرسول «ص» دون غيرهم، و خالف جميع الفقهاء في ذلك و قالوا: إنها لفقراء المسلمين و أيتامهم و أبناء سبيلهم دون من كان من آل الرسول خصوصا. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم.» «3»

5- و في خراج أبي يوسف القاضي:

«و أما الخمس الذي يخرج من الغنيمة فإن محمد بن السائب الكلبي حدثني عن أبي صالح، عن عبد اللّه بن عباس: أن الخمس كان في عهد رسول اللّه «ص» على خمسة أسهم: للّه و للرسول سهم، و لذي القربى سهم، و لليتامى و المساكين و ابن السبيل ثلاثة أسهم، ثم قسمه أبو بكر و عمر و عثمان على ثلاثة أسهم، و سقط سهم الرسول و سهم ذوي القربى، و قسم على الثلاثة الباقية، ثم قسمه علي بن أبي طالب على ما قسمه عليه أبو بكر و عمر و عثمان. و قد روي لنا عن عبد اللّه بن عباس أنه قال:

عرض علينا عمر بن الخطاب أن نزوّج من الخمس أيّمنا و نقضي منه عن مغرمنا،

______________________________
(1) الخلاف 2/ 341.

(2) الخلاف 2/ 343.

(3) الخلاف 2/ 344.

451
کتاب الخمس و الأنفال

الجهة الثالثة: في مصرف الخمس: ؛ ص : 450

فأبينا إلا أن يسلمه لنا، و أبى ذلك علينا.

قال: و أخبرني محمد بن اسحاق، عن أبي جعفر (عن جعفر خ. ل)، قال: قلت له:

ما كان رأي علي في الخمس؟ قال: كان رأيه فيه رأي أهل بيته و لكنه كره أن يخالف أبا بكر و عمر ...

قال: و حدثني عطاء بن السائب أن عمر بن عبد العزيز بعث بسهم الرسول و سهم ذوي القربى إلى بني هاشم.» «1»

6- و في تفسير القرطبي:

«قال مالك: هو موكول إلى نظر الإمام و اجتهاده فيأخذ منه من غير تقدير و يعطي منه القرابة باجتهاد، و يصرف الباقي في مصالح المسلمين، و به قال الخلفاء الأربعة و به عملوا و عليه يدلّ قوله «ص»: مالي مما أفاء اللّه عليكم إلّا الخمس، و الخمس مردود عليكم.» «2»

7- و في المغني لابن قدامة الحنبلي:

«الفصل الرابع أن الخمس يقسم على خمسة أسهم، و بهذا قال عطاء و مجاهد و الشعبي و النخعي و قتادة و ابن جريج و الشافعي. و قيل يقسم على ستة: سهم للّه، و سهم لرسوله ...

و روى ابن عباس أن أبا بكر و عمر قسما الخمس على ثلاثة أسهم، و نحوه حكي عن الحسن بن محمد بن الحنفية، و هو قول أصحاب الرأي: قالوا: يقسم الخمس على ثلاثة: اليتامى و المساكين و ابن السبيل، و أسقطوا سهم رسول اللّه «ص» بموته و سهم قرابته أيضا.

و قال مالك: الفي‌ء و الخمس واحد يجعلان في بيت المال، قال ابن القاسم: و بلغني عمن أثق به أن مالكا قال: يعطي الإمام أقرباء رسول اللّه «ص» على ما يرى، و قال الثوري و الحسن: يضعه الإمام حيث أراه اللّه- عزّ و جلّ-. و لنا قول اللّه‌

______________________________
(1) الخراج/ 19- 21.

(2) تفسير القرطبي 8/ 11.

452
کتاب الخمس و الأنفال

الجهة الثالثة: في مصرف الخمس: ؛ ص : 450

- تعالى-: «و اعلموا أنما غنمتم. الآية.» «1»

أقول: ما في كلام الشيخ و غيره من أصحابنا من كون الأسهم الثلاثة حتى سهم ذي القربى في عصر النبي «ص» للنبي «ص» يشهد لما سنبينه من كون الأسهم الثلاثة بل الستة حقا للإمامة و الإمارة، حيث إن منصب الإمامة في عصر النبي «ص» كان له نفسه و كانت الإمامة قائمة به «ص». و لازم ذلك انتقال هذه السهام منه «ص» إلى الإمام بعده و هكذا.

و ما أفتى به أبو حنيفة و أتباعه من سقوط السهام الثلاثة بموته «ص» يكون على أساس ما حكوه من عمل الخلفاء بعده «ص». و يشاهد من له ثقافة من خلفه يد السياسة قهرا، و إلّا فأيّ وجه لسقوط حق ذي القربى بموت النبي «ص».

و ما أفتى به مالك من جعل الخمس و الفي‌ء في بيت المال و إعطاء الإمام منه أقرباء الرسول «ص» يرجع الى ما سنبيّنه من كون الخمس بأجمعه حقا وحدانيا يكون في اختيار إمام المسلمين، و وزانه وزان الفي‌ء و الأنفال، غاية الأمر أن الإمام يسدّ به خلّات الأصناف الثلاثة من السادة بما أنهم من بيت الوحي و الإمامة، فتدبّر.

و كيف كان فتقسيم الخمس ستة أسهم نسب إلى المشهور، و في مجمع البيان:

«ذهب إليه أصحابنا.» و في الانتصار و الخلاف و الغنية الإجماع عليه، و عن الأمالي أنه من دين الإمامية.

و استدلوا عليه- مضافا إلى الإجماع المدعى و الشهرة المحققة- بظاهر الآية و بأخبار مستفيضة:

______________________________
(1) المغني 7/ 300.

453
کتاب الخمس و الأنفال

بيان مفاد الآية الشريفة: ؛ ص : 454

بيان مفاد الآية الشريفة:

قال اللّه- تعالى-: «و اعلموا أنما غنمتم من شي‌ء فأنّ للّه خمسه و للرسول و لذي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل. الآية» «1».

و قد مرّ في أوّل البحث بيان صدر الآية، فراجع.

و أما قوله: «فأنّ للّه خمسه ...» ففيه بالنظر البدوي احتمالان:

الأوّل: أن يراد به التقسيم و التسهيم، فيكون المراد تقسيمه ستة أسهم، كما عليه المشهور من أصحابنا، أو خمسة أسهم بجعل سهم اللّه و الرسول واحدا كما قال به بعض، و يدلّ على هذا الاحتمال ظواهر كثير من الأخبار أيضا.

الثاني: أن يراد به الترتيب في الاختصاص، بتقريب أن الخمس بأجمعه حق وحداني جعله اللّه- تعالى- لمنصب الإمامة و الحكم، و حيث إن الحكم يكون أولا و بالذات للّه- تعالى-، مالك الملك و الملكوت (إن الحكم إلّا للّه) «2» و قد جعله اللّه تعالى للرسول بقوله: «النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم» «3» و جعله النبي «ص» لذي القربى كما يشهد بذلك قوله «ص» في غدير خم: «من كنت مولاه فعليّ مولاه» «4» فلا محالة يكون الخمس بأجمعه أولا و بالذات للّه- تعالى-، و في طول ذلك بأجمعه للرسول، و بعده لمن قام مقامه من ذوي قرباه، إماما بعد إمام، على ما هو معتقدنا في الإمامة.

و أما قوله: «و اليتامى» و ما بعده فحيث لم يدخل عليه لام الملك و الاختصاص فلا اختصاص للخمس بهم و ليس ملكا لهم، و إنما يكونون من قبيل المصارف، و قد‌

______________________________
(1) سورة الأنفال (8)، الآية 41.

(2) سورة الأنعام (6)، الآية 57، و سورة يوسف (12)، الآية 40 و 67.

(3) سورة الأحزاب (33)، الآية 6.

(4) راجع الغدير 1/ 9 و ما بعدها، و هذا الجزء من كلام النبي «ص» في ص 11.

454
کتاب الخمس و الأنفال

بيان مفاد الآية الشريفة: ؛ ص : 454

ذكروا في الآية اهتماما بشأنهم و إشعارا بأنهم من شئون الحكومة و من لواحقها.

و لعل في عدم ذكر اللام مضافا إلى ذلك نكتة أخرى أيضا، و هي الإشارة إلى شدّة اتّصالهم بالرسول و بذي القربى، فتدلّ الآية على اعتبار انتسابهم إليهما، فتدبّر.

و أما قوله- تعالى-: «وَ لِذِي الْقُرْبىٰ» ففيه بالنظر البدوي ثلاث احتمالات:

الأول: أن يراد به أقارب من تعلق به الخمس، نظير قوله- تعالى-: «وَ آتَى الْمٰالَ عَلىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ.» «1»

و الظاهر أنه لم يقل بهذا الاحتمال في هذا المقام فيما أعرف أحد من الخاصة و لا العامة.

الثاني: أن يراد به أقارب النبي «ص» من قريش أو من بني هاشم أو بني هاشم و بني المطلب مطلقا، و اختار هذا فقهاء السنّة و نسب إلى ابن الجنيد من فقهائنا أيضا.

الثالث: أن يراد به خصوص الإمام «ع»، و قد ذكر مفردا للإشعار بذلك، حيث إن الإمام في كل عصر شخص واحد، و قد أشعر اللّه- تعالى- بهذا التعبير إلى أن المستحق لمنصب الإمامة بعد الرسول هو ذو القربى منه، و هذا الاحتمال هو ظاهر أصحابنا الإمامية و عليه دلت رواياتنا، و قد مرّت عبارة الخلاف في ذلك و لم ينسب الخلاف فيه إلا إلى ابن الجنيد من أصحابنا.

و حيث إن الأصناف الثلاثة لا يراد بها عندنا إلا من انتسب إلى النبي «ص» كما يأتي فلا محالة لا يراد بذي القربى مطلق من يتقرب به حذرا من التكرار، فالمراد به من له قرابة خاصة و هو الإمام بعده، فتأمل.

و أما قوله- تعالى-: «وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ»، فالمشهور بين أصحابنا اختصاصها بمن كان من آل الرسول «ص»، و ادعى بعضهم عليه الإجماع.

______________________________
(1) سورة البقرة (2) الآية 177.

455
کتاب الخمس و الأنفال

بيان مفاد الآية الشريفة: ؛ ص : 454

و أما فقهاء السنة فقالوا بعمومها لجميع يتامى المسلمين و مساكينهم و أبناء سبيلهم، و وافقهم في الجملة ابن الجنيد منّا.

و استدل أصحابنا على ذلك بعد الإجماع المدعى و الشهرة المحققة بأخبار مستفيضة:

منها قوله «ع» في مرسلة ابن بكير، عن أحدهما «ع»: «و اليتامى يتامى الرسول و المساكين منهم و أبناء السبيل منهم، فلا يخرج منهم إلى غيرهم.» «1»

و منها قوله في مرسلة حماد الطويلة، عن العبد الصالح «ع»: «و نصف الخمس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم، و سهم لمساكينهم، و سهم لأبناء سبيلهم. الحديث.» «2» إلى غير ذلك من الأخبار، فراجع.

و يمكن أن يقرب التعميم بوجهين: الأول: أن مفاد الآية و إن كان عاما لكن موردها غزوة بدر الواقعة في السنة الثانية من الهجرة، و في ذلك الوقت لم يكن لمن أسلم من بني هاشم أيتام و مساكين و أبناء سبيل يوزع عليهم خمس الغنيمة و لكن كثرت الأصناف الثلاثة من غيرهم و لا سيما من المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم. اللّهم إلّا أن يقال إن التشريع وقع بلحاظ الأعصار اللاحقة لا عصر النزول فقط.

الثاني: مماثلة آية الفي‌ء المذكورة في سورة الحشر «3» لهذه الآية في الألفاظ و الخصوصيات، و الفي‌ء عندنا من الأنفال المختصة بالإمام و لا تقسيم و لا تسهيم فيه، نعم للإمام صرفه في الأصناف الثلاثة مطلقا كما صرفه رسول اللّه «ص» في الفقراء المهاجرين الّذين أخرجوا من ديارهم و في بعض الأنصار. هذا.

و في أخبارنا أيضا ما يدلّ على التعميم: ففي الرسالة المنسوبة إلى الإمام الصادق «ع» المروية في تحف العقول قوله: «فخمّس رسول اللّه «ص» الغنيمة التي قبض‌

______________________________
(1) الوسائل 6/ 356، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 2.

(2) الوسائل 6/ 358، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.

(3) سورة الحشر (59)، الآية 7.

456
کتاب الخمس و الأنفال

الروايات المتعرضة لمصرف الخمس: ؛ ص : 457

بخمسة أسهم، فقبض سهم اللّه لنفسه يحيي به ذكره و يورث بعده، و سهما لقرابته من بني عبد المطلب، فأنفذ سهما لأيتام المسلمين و سهما لمساكينهم و سهما لابن السبيل من المسلمين في غير تجارة، فهذا يوم بدر. الحديث.» «1»

الروايات المتعرضة لمصرف الخمس:

و أما الروايات المتعرضة لمصرف الخمس فكثيرة يظهر من بعضها تقسيمه ستة أسهم و من بعضها تقسيمه خمسة أسهم، و قد تعرضنا لها بالتفصيل في كتاب الخمس، فراجع «2». و لنذكر هنا نماذج:

1- مرسلة حماد الطويلة المشتملة على أحكام كثيرة، رواها الكليني و الشيخ:

ففي أواخر كتاب الحجة من أصول الكافي: «علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح «ع»، قال: الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم و الغوص و من الكنوز و من المعادن و الملاحة يؤخذ من كل هذه الصنوف الخمس فيجعل لمن جعله اللّه- تعالى- له و يقسم الأربعة الأخماس بين من قاتل عليه و ولي ذلك.

و يقسم بينهم الخمس على ستة أسهم: سهم للّه و سهم لرسول اللّه و سهم لذي القربى و سهم لليتامى و سهم للمساكين و سهم لأبناء السبيل، فسهم اللّه و سهم رسول اللّه «ص» لأولي الأمر من بعد رسول اللّه «ص» وراثة فله ثلاثة أسهم: سهمان وراثة و سهم مقسوم له من اللّه، و له نصف الخمس كملا.

و نصف الخمس الباقي بين أهل بيته: فسهم ليتاماهم و سهم لمساكينهم و سهم لأبناء سبيلهم يقسم بينهم على الكتاب و السنة (على الكفاف و السعة- التهذيب.) ما يستغنون به في سنتهم، فإن فضل عنهم شي‌ء فهو للوالي، و إن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده‌

______________________________
(1) تحف العقول/ 341.

(2) كتاب الخمس/ 255 و ما بعدها.

457
کتاب الخمس و الأنفال

الروايات المتعرضة لمصرف الخمس: ؛ ص : 457

بقدر ما يستغنون به، و إنما صار عليه أن يمونهم لأن له ما فضل عنهم. الحديث.» «1»

و الرواية مع إرسالها قد عمل بفقراتها الأصحاب في الأبواب المختلفة، و حماد ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه. «2»

و محط النظر في الرواية بيان كيفية تقسيم الإمام و صرفه للأموال و الضرائب الإسلامية من الأخماس و الزكوات و خراج الأراضي و الأنفال بعد فرض كونه مبسوط اليد و متصديا للحكومة الإسلامية و كونه بحيث يجتمع عنده الضرائب.

فالاستدلال بها لتتميم حاجات الذرّيّة من سهم الإمام في عصر الغيبة أو عدم بسط اليد مع كون الوجوه المجتمعة أقل قليل و كون بعض المصارف أهمّ بمراتب مشكل جدّا كما لا يخفى.

و عدم تعرض الرواية لخمس الأرباح مع كونها في مقام الاستقصاء و كون خمس الأرباح في عصر الإمام الكاظم- عليه السلام- مما تعم به البلوى يوجب نوع وهن و إشكال في خمس الأرباح، فتدبّر.

2- و نظير هذه المرسلة في موارد الخمس و تقسيمه ستة أسهم و تتميم حق السادة إن نقص مرفوعة أحمد بن محمد التي رواها الشيخ، فراجع. «3»

3- ما رواه الشيخ بسند موثوق به، عن عبد اللّه بن بكير، عن بعض أصحابه، عن أحدهما «ع» في قول اللّه- تعالى-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ ...» قال: «خمس اللّه للإمام، و خمس الرسول للإمام، و خمس ذوي القربى لقرابة الرسول: الإمام. و اليتامى يتامى الرسول، و المساكين منهم، و أبناء السبيل منهم، فلا يخرج منهم إلى غيرهم.» «4»

و عبد اللّه بن بكير ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه. «5»

______________________________
(1) أصول الكافي 1/ 539، كتاب الحجة، باب الفي‌ء و الأنفال ...؛ و الوسائل 6/ 358، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.

(2) تنقيح المقال 1/ 367.

(3) الوسائل 6/ 359، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 9.

(4) الوسائل 6/ 356، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 2.

(5) تنقيح المقال 2/ 171.

458
کتاب الخمس و الأنفال

الروايات المتعرضة لمصرف الخمس: ؛ ص : 457

4- و في الدرّ المنشور: «و أخرج ابن المنذر من طريق أبي مالك، عن ابن عباس، قال: كان رسول اللّه «ص» يقسم ما افتتح على خمسة أخماس: فأربعة أخماس لمن شهده و يأخذ الخمس خمس اللّه فيقسمه على ستة أسهم: فسهم للّه، و سهم للرسول، و سهم لذي القربى، و سهم لليتامى، و سهم للمساكين، و سهم لابن السبيل. الحديث.» «1»

5- صحيحة ربعي بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «كان رسول اللّه «ص» إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس و يأخذ خمسه، ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه. ثم قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس:

يأخذ خمس اللّه- عزّ و جلّ- لنفسه. ثم يقسم الأربعة أخماس بين ذوي القربى و اليتامى و المساكين و أبناء السبيل يعطي كل واحد منهم حقا. و كذلك الإمام يأخذ كما أخذ الرسول «ص».» «2»

و مفاد الصحيحة نقل ما كان يصنعه النبي «ص» في الغنيمة و في الخمس لا مرّة بل بالاستمرار، و لعله كان يصنع ذلك في الخمس توفيرا على سائر المستحقين.

و لا ينافي ذلك قوله «ع»: «و كذلك الإمام»، اذ لعل المماثلة كان في أخذ الصفو و الخمس، لا في جميع الجهات.

و ظاهر هذه الصحيحة عموم الأصناف الثلاثة و عدم اختصاصها بالذرية.

و الحمل على التقاة مشكل، إذ يبعد جدا نسبة خلاف الواقع إلى النبي «ص» بداعي التقاة. هذا و لكن يشكل مقاومة الصحيحة لظاهر الآية و صريح الأخبار و الفتاوى الدالة على ستة أسهم، فتأمل. هذا.

______________________________
(1) الدرّ المنثور 3/ 186.

(2) الوسائل 6/ 356، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 3.

459
کتاب الخمس و الأنفال

الخمس حق واحداني ثابت لمنصب الإمامة: ؛ ص : 460

الخمس حق واحداني ثابت لمنصب الإمامة:

و لكن قد مرّ منّا في تفسير الآية الشريفة احتمال آخر قوي في نفسه، و هو أن يراد بها الترتيب في الاختصاص لا التقسيم و التسهيم، بتقريب أن الخمس حق واحداني جعل لمنصب الإمامة و الحكم. و حيث إن الحكم يكون أولا و بالذات للّه- تعالى-، و من قبله- تعالى- جعل للرسول حق الحكم، و من قبل الرسول «ص» جعل لذي القربى في غدير خم فلا محالة يكون الخمس بأجمعه أولا و بالذات للّه- تعالى-، و في الرتبة المتأخرة يكون بأجمعه للرسول بما أنه خليفة اللّه في الحكم، و بعده للإمام القائم مقامه. و مثله الأنفال أيضا.

لا أقول: إنهما لشخص الإمام، بل أقول: إنهما لمنصب الإمامة، نظير ما يحكم على الأموال العامة أنها للدولة و الحكومة. و أما الأصناف الثلاثة فلا ملكية لها و لا اختصاص بل هي مصارف له، و لذا لم يدخل عليها اللام لا في آية الخمس و لا في آية الفي‌ء.

و يشهد لهذا الاحتمال سياق الآية و أخبار كثيرة:

أما الآية فأولا من جهة أنه- تعالى- أدخل لام الاختصاص على اسمه الشريف و على كل من الرسول و ذي القربى، دون الأصناف الثلاثة، و ظاهر اللام الاختصاص التام و الملكية المستقلة.

و مقتضى ذلك اختصاص جميع الخمس باللّه- تعالى- مستقلا و بالرسول كذلك و بذي القربى كذلك و لا محالة يكون ذلك طولية مترتبة.

و أما الأصناف الآخر فلا اختصاص بهم و لا ملكية لهم و إنما هم مصارف محضة، فيرتزقون من ميزانية الحكومة و الإمامة لكونهم من بيتها و من شئونها، و بذلك يفترقون عن سائر الفقراء، حيث إنهم يرتزقون من أموال الناس و صدقاتهم.

460
کتاب الخمس و الأنفال

و يشهد لهذا الاحتمال سياق الآية و أخبار كثيرة: ؛ ص : 460

و ثانيا من جهة أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، و على هذا فتقديم قوله:

«للّه» على قوله: «خمسه» مما يظهر منه اختصاص جميع الخمس باللّه.

ثم لو فرض ظهور الآية في التقسيم كان مقتضاه التقسيم أثلاثا لا أسداسا فيجعل سهم للّه و سهم لرسوله و سهم لذي القربى و الأصناف الثلاثة التابعة له المسانخة له من جهة الانتساب إلى النبي «ص».

و أما الأخبار الظاهرة في كون الخمس حقا واحدانيا ثابتا لمنصب الإمامة فكثيرة نذكر بعضها:

الأول: ما رواه السيّد المرتضى في المحكم و المتشابه، نقلا عن تفسير النعماني بإسناده عن علي «ع»، قال: «و أما ما جاء في القرآن من ذكر معايش الخلق و أسبابها فقد أعلمنا- سبحانه- ذلك من خمسة أوجه: وجه الإمارة و وجه العمارة و وجه الإجارة و وجه التجارة و وجه الصدقات.

فأما وجه الإمارة فقوله- تعالى-: و اعلموا أنما غنمتم من شي‌ء فأنّ للّه خمسه و للرسول و لذي القربى و اليتامى و المساكين فجعل للّه خمس الغنائم ... الحديث» «1»

فانظر أنه- عليه السلام- سمّى الخمس بأجمعه وجه الإمارة ثم صرّح بكونه للّه- تعالى-، و ليس المقصود مالكيته تكوينا فإنها لا تختص بالخمس بل المقصود كونه للّه تشريعا، و لو كان له السدس فقط لم يحسن نسبة الجميع إليه، فصح ما قلنا من كون الخمس بأجمعه حقا واحدانيا ثابتا لمن له الحكم و الأمر. و الحكم للّه- تعالى- و لرسوله و لمن قام مقامه على سبيل الترتيب.

و قد يسمّى الأموال العامة الواقعة تحت اختيار الإمام بمال اللّه كما في نهج البلاغة: «يخضمون مال اللّه خضمة الإبل نبتة الربيع.» «2» هذا.

و لكن في صحة روايات الكتاب كلام مرّ في بعض المباحث السابقة.

______________________________
(1) الوسائل 6/ 341، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 12.

(2) نهج البلاغة، فيض/ 51؛ عبده 1/ 30؛ لح/ 49، الخطبة 3.

461
کتاب الخمس و الأنفال

و يشهد لهذا الاحتمال سياق الآية و أخبار كثيرة: ؛ ص : 460

الثاني: ما رواه الصدوق في الفقيه بإسناده، عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه «ع»، قال: قال علي «ع»: «الوصية بالخمس، لأن اللّه- عزّ و جلّ- قد رضي لنفسه بالخمس.» «1»

يظهر منه أن الخمس بأجمعه للّه- تعالى-. نعم لأحد أن يقول: إن المراد بالخمس هنا ليس هو الخمس المصطلح بل ما يوصى به في القربات.

الثالث: ما رواه الصفار في بصائر الدرجات، عن عمران بن موسى، عن موسى بن جعفر «ع»، قال: قرأت عليه آية الخمس فقال: «ما كان للّه فهو لرسوله، و ما كان لرسوله فهو لنا»، ثم قال: «و اللّه لقد يسّر اللّه على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم جعلوا لربّهم واحدا و أكلوا أربعة أحلّاء.» «2»

يظهر من الرواية أن الخمس حق واحداني جعل للرب، و يكون للرسول و للإمام في طوله لا في عرضه، فتأمل.

و الأخبار الدالة على كون الخمس بأجمعه للّه- تعالى- المعبر فيها عنه بخمس اللّه كثيرة من طرق الفريقين يجدها المتتبع في مظانها. و احتمال كون الإضافة إليه- تعالى- بلحاظ تشريعه من ناحيته أو كونه واقعا في سبيل قربه و مرضاته كسائر القربات خلاف الظاهر، فتأمّل.

الرابع: قوله- عليه السلام- في رواية ابن شجاع النيسابوري التي مرّت: «لي منه الخمس مما يفضل من مؤنته.» «3» فأضاف الإمام «ع» جميع الخمس إلى نفسه.

الخامس: صحيحة أبي علي بن راشد، قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك و أخذ حقك، فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: و أيّ شي‌ء حقه؟ فلم أدر ما أجيبه، فقال: «يجب عليهم الخمس.» فقلت: ففي أيّ شي‌ء؟ فقال: «في أمتعتهم‌

______________________________
(1) الوسائل 13/ 361، الباب 9 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 3.

(2) الوسائل 6/ 338، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

(3) الوسائل 6/ 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

462
کتاب الخمس و الأنفال

و يشهد لهذا الاحتمال سياق الآية و أخبار كثيرة: ؛ ص : 460

و صنائعهم. الحديث.» «1»

يظهر منها أن الخمس بأجمعه حق للإمام. و أبو علي بن راشد بغدادي ثقة و كان وكيلا للإمام الهادي «ع» «2».

السادس: قول الرضا «ع» في تفسير آية الخمس: «الخمس للّه و الرسول، و هو لنا.» «3»

فجعل جميع الخمس لأنفسهم.

السابع: قوله «ع» في آخر مرسلة حماد الطويلة في مقام التعليل لعدم الزكاة في مال الخمس: «و ليس في مال الخمس زكاة، لأن فقراء الناس ... و لذلك لم يكن على مال النبي «ص» و الوالي زكاة.» «4» فجعل جميع الخمس للنبي «ص» و الوالي مع كون هذه المرسلة بعينها متعرضة للتقسيم أسداسا فيجب توجيه التقسيم كما يأتي بيانه، فتأمّل.

الثامن: خبر محمد بن مسلم، عن أبي جعفر «ع» في قول اللّه- عزّ و جلّ-:

«وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ» قال: «هم قرابة رسول اللّه «ص» و الخمس للّه و للرسول و لنا.» «5»

التاسع: صحيحة البزنطي، عن الرضا «ع» قال: سئل عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ. الآية.» فقيل له: فما كان للّه فلمن هو؟ فقال:

لرسول اللّه «ص»، و ما كان لرسول اللّه «ص» فهو للإمام. فقيل له: أ فرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر و صنف أقلّ ما يصنع به؟ قال: «ذاك إلى الإمام، أ رأيت رسول اللّه «ص» كيف يصنع، أ ليس إنما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الإمام.» «6»

______________________________
(1) الوسائل 6/ 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

(2) تنقيح المقال 3/ 27 من فصل الكنى.

(3) الوسائل 6/ 361، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 18.

(4) الوسائل 6/ 359، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.

(5) الوسائل 6/ 357، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 5.

(6) الوسائل 6/ 362، الباب 2 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 1.

463
کتاب الخمس و الأنفال

و يشهد لهذا الاحتمال سياق الآية و أخبار كثيرة: ؛ ص : 460

فالصحيحة صريحة في أن مرجع المال بأجمعه هو الإمام «ع» و أنه يقسمه على ما يرى و لا يجب التقسيم أسداسا أو أخماسا، فتأمّل.

العاشر: خبر ابن سنان، قال: قال أبو عبد اللّه: «على كل امرئ غنم أو اكتسب:

الخمس مما أصاب لفاطمة «ع» و لمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس، فذاك لهم خاصة يضعونه حيث شاءوا.» «1»

و الظاهر أن المراد بأمر فاطمة أمر الإمامة و الولاية، و إنما ذكرت هي لكونها صدف درر الإمامة- عليها و عليهم السلام-.

و بالجملة فظاهر كثير من أخبار الخمس و كذا الأنفال أن الجميع حق وحداني ثابت للإمام بما هو إمام، أي لوحظت الإمامة حيثية تقييدية لا تعليلية، فالمال لمنصب الإمامة لا لشخص الإمام و لذا ينتقل منه إلى الإمام بعده لا إلى ورثته كما يدلّ على ذلك ما رواه الصدوق بإسناده عن أبي علي بن راشد، قال: قلت لأبي الحسن الثالث «ع» إنا نؤتى بالشي‌ء فيقال: هذا كان لأبي جعفر «ع» عندنا فكيف نصنع؟ فقال «ع»: «ما كان لأبي «ع» بسبب الإمامة فهو لي، و ما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب اللّه و سنة نبيّه.» «2»

و مما يشهد أيضا لكون الخمس حقا وحدانيا ثابتا للإمام بما أنه إمام أخبار التحليل بكثرتها، إذ يستفاد منها أنه «ع» هو المرجع الوحيد في الخمس و أنه بأجمعه له و أن الأصناف الثلاثة من باب المصرف.

و يشهد لذلك أيضا أنه- تعالى- جعل الفي‌ء أيضا في آية الفي‌ء المذكورة في سورة الحشر لنفس المصارف الستة المذكورة في آية الخمس بلا تفاوت بينهما، فهو‌

______________________________
(1) الوسائل 6/ 351، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8.

(2) الوسائل 6/ 374، الباب 2 من أبواب الأنفال ...، الحديث 6.

464
کتاب الخمس و الأنفال

و يشهد لهذا الاحتمال سياق الآية و أخبار كثيرة: ؛ ص : 460

- سبحانه- ذكر نفسه و الرسول و ذا القربى مع لام الاختصاص، و الأصناف الثلاثة بدونها مع اختصاص الفي‌ء بالإمام و عدم وجوب تقسيمه ستة أسهم، و سيأتي البحث في آية الفي‌ء في الفصل الرابع.

و الكليني «قده» لم يعقد في فروع الكافي بحثا في الخمس و الأنفال و إنما تعرض لرواياتهما في آخر كتاب الحجة من الأصول «1»، فيظهر بذلك أنه جعلهما من حقوق الإمامة و شئونها، فتدبّر.

فإن قلت: ما ذكرت من كون الخمس بأجمعه حقا وحدانيا للإمام ينافي ما دلّ من الأخبار المستفيضة على تقسيم الخمس ستة أسهم أو خمسة أسهم، و أن النبي «ص» كان يقسمه كذلك و كذلك الإمام. بل المستفاد من مرسلة حماد الطويلة و مرفوعة أحمد بن محمد هو التقسيم بسهام متساوية؛ حيث حكم فيهما بعد تقسيمه ستة أسهم بأن للإمام نصف الخمس كملا و النصف الباقي للأصناف الثلاثة الباقية. و هذا هو المفتى به لأصحابنا في الأعصار المختلفة.

قلت: صدر المرسلة و كذا المرفوعة و إن دلّ على التقسيم بسهام متساوية، و لكن ذكر فيهما بعد ذلك أن الإمام يقسم بين الأصناف الثلاثة ما يستغنون به في سنتهم، فإن فضل شي‌ء كان للوالي، و إن نقص كان عليه أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به، فيعلم بذلك عدم تعين التسهيم، نعم على الإمام أن يمون أهل الحاجة.

و يشهد لذلك أولا: وقوع التعبير بثمانية أسهم في مرسلة حماد بالنسبة إلى الزكاة أيضا، مع أن المصارف الثمانية في باب الزكاة مصارف محضة، و لا يتعين فيها التسهيم عندنا.

و ثانيا: عدّ الخمس بأجمعه في آخر المرسلة مالا للنبي و الوالي كما مرّ.

______________________________
(1) أصول الكافي 1/ 538. كتاب الحجة، باب الفي‌ء و الأنفال ...

465
کتاب الخمس و الأنفال

و يشهد لهذا الاحتمال سياق الآية و أخبار كثيرة: ؛ ص : 460

و لعل اصرار الإمام «ع» على التعبير بالسهام كان في مقام الإلزام و الجدل، حيث إن الفتوى الرائج في عصر الإمام موسى بن جعفر «ع» و بعده كان فتوى أبي حنيفة، و هو كان قائلا بسقوط حق النبي «ص» و حق ذي القربى بعد وفاة النبي «ص»، فيقسم الخمس عنده ثلاثة أسهم للأصناف الثلاثة. و فقهاء السنة جميعا كانوا يقولون بالتعميم في الأصناف الثلاثة لغير السادة أيضا. و قد أنتج ذلك حرمان أئمتنا «ع» و السادة الأطياب عن حقهم المشروع لهم. بل كان هذا مدار عمل الخلفاء بعد وفاة النبي «ص» كما مر فيما حكيناه في نقل الأقوال عن خراج أبي يوسف «1»، فأراد أئمتنا «ع» إثبات حقهم بقدر الإمكان بظاهر الآية الشريفة على مذاق فقهاء السنة حيث حملوها على التقسيم و التسهيم.

و الحاصل أن مقتضى الجمع بين ما دلّ على كون جميع الخمس حقا للإمام بما أنه إمام، و بين أخبار التقسيم هو حمل أخبار التقسيم على الجدل و الإلزام أو نحو ذلك من المحامل، و الالتزام بكون الخمس بأجمعه للإمام، و على هذا كان عمل أئمتنا «ع» فهم كانوا يطالبون الخمس بأجمعه جملة واحدة، و هكذا كان يصنع وكلاؤهم.

و يشهد لذلك نفس أخبار التقسيم أيضا، حيث دلت على أن الزائد عن مئونة السنة للأصناف الثلاثة كان للإمام و كان يرجع إليه. و قد أفتى بهذا المضمون كثير من أصحابنا فينتفي ملكية الأصناف الثلاثة و ثبوت التقسيم المتساوي قهرا، فتدبّر.

و المفروض في مرسلة حماد وجود إمام مبسوط اليد و رجوع جميع الأخماس و الزكوات و غيرهما من الأموال الشرعية إليه، و حينئذ فيكفي في أعصارنا خمس بلد من البلاد الكبيرة كطهران مثلا لفقراء جميع السادة، فكيف يجعل نصف خمس ثروة العالم بكثرتها لهم.

______________________________
(1) الخراج/ 19.

466
کتاب الخمس و الأنفال

توضيح و تكميل: ؛ ص : 467

فيعلم بذلك كله أنه ليس للأصناف الثلاثة بالنسبة إلى الخمس ملكية و اختصاص، بل الخمس بأجمعه حق وحداني ثابت للإمام، نعم عليه أن يمون منه فقراء السادة، فهم ذكروا بعنوان المصارف فقط نظير ذكر الأصناف الثلاثة و ذكر فقراء المهاجرين في سورة الحشر بعد آية الفي‌ء مع وضوح أن الفي‌ء يختص بالإمام بما هو إمام كما يأتي بيانه.

توضيح و تكميل:

المعروف بين أصحابنا الإمامية وجوب الزكاة في تسعة أشياء و وجوب الخمس في سبعة، و ذكروا من السبعة المعادن بكثرتها و أرباح المكاسب بشعبها. و لا يخفى كثرة المعادن المستخرجة و عوائدها، و كذا أرباح المكاسب بشعبها المختلفة في جميع الأعصار و لا سيما في هذه الأزمان، فالخمس ثروة عظيمة موفورة لا تحصى بالمليارات فما فوقها.

و أما الأموال الزكوية التسعة فهي بنفسها أقل من مواضيع الخمس بمراتب، و الزكاة المفروضة عليها أيضا أقل من الخمس فإنها العشر أو نصف العشر أو ربع العشر.

و ذكروا ان نصف الخمس في جميع الموارد لفقراء السادة لا يشركهم فيه غيرهم، و ذكروا للزكاة مصارف ثمانية على ما في القرآن منها الفقراء و منها سبل الخير كلها كإحداث المساجد و المعاهد العلمية و المستشفيات و الطرق و القناطر و تهيئة العدّة و العدّة للجهاد و نحو ذلك من المصارف المهمة العامة المتوقفة على صرف أموال كثيرة.

و ذكروا أن زكوات بني هاشم يجوز صرفها في أنفسهم، و أنت ترى أن عدد بني هاشم بالنسبة إلى غيرهم في غاية القلة و لا سيما في صدر الإسلام و حين تشريع هذه الأحكام.

467
کتاب الخمس و الأنفال

توضيح و تكميل: ؛ ص : 467

فعلى مذاق القوم شرّع نصف الخمس كملا مع كثرته موضوعا و مقدارا للفقراء من بني هاشم مع قلتهم جدّا و لا يشركهم فيه غيرهم، و شرّع الزكاة مع قلتها جدّا بالنسبة إلى الخمس موضوعا و مقدارا لأن تصرف في مصارف ثمانية منها جميع سبل الخير التي يستفيد منها الجميع حتى السادة و منها جميع الفقراء حتى فقراء السادة بالنسبة إلى زكاة أموال السادة، فهل لا يعدّ هذا الجعل و التشريع ظلما و زورا مخالفا للعقل و الحكمة، لا يوجد فيه التعادل و التناسب أصلا؟! و لا سيما مع ملاحظة ما في أخبار كثيرة من أن اللّه- تعالى- جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يسعهم و لو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم، حيث يستفاد من هذه الروايات أن الجعل و التشريع كان على حساب الحاجات و الخلات.

و على هذا فيتعين ما قلناه من أن الخمس حق وحداني جعل لمنصب الإمامة و الحكم و تحت اختيار الإمام، و أن له أن يصرفه في جميع ما يراه من مصالح نفسه و مصالح المسلمين، و منها أيضا إدارة عيشة الفقراء، كما جعلت الزكاة و سائر الضرائب الإسلامية أيضا تحت اختياره، غاية الأمر أنه يتعين عليه أن يمون فقراء بني هاشم من تلك الضريبة المنسوبة إلى الإمامة و الإمارة رفعا لشأنهم لأنهم من أهل بيت النبوة و الإمامة، و المرء يكرم في بيته و عائلته.

قال الإمام الخميني- مدّ ظلّه- في كتاب البيع من أبحاثه:

«و بالجملة من تدبر في مفاد الآية و الروايات يظهر له أن الخمس بجميع سهامه من بيت المال، و الوالي ولي التصرف فيه، و نظره متبع بحسب المصالح العامة للمسلمين، و عليه إدارة معاش الطوائف الثلاث من السهم المقرر ارتزاقهم منه حسب ما يرى. كما أن أمر الزكوات بيده في عصره يجعل السهام في مصارفها حسب ما يرى من المصالح. هذا كله في السهمين. و الظاهر أن الأنفال أيضا لم تكن ملكا لرسول اللّه و الأئمة- صلوات اللّه عليهم أجمعين- بل لهم ملك التصرف، و بيانه يظهر مما تقدم.» «1» هذا.

______________________________
(1) كتاب البيع 2/ 495.

468
کتاب الخمس و الأنفال

الورود في المسألة من طريق آخر: ؛ ص : 469

الورود في المسألة من طريق آخر:

و لو أبيت ما ذكرناه فلنا أن نشيّد المطلب بطريق آخر، و محصله: أن خمس المال المخلوط بالحرام لعلّه يكون من قبيل الصدقات كما مرّ بيانه.

و خمس أرض الذمي أيضا يكون من قبيل الزكوات و يكون متعلقا بحاصل الأرض لا رقبته كما مرّ.

و المعادن و الكنوز و ما في قعر البحار أيضا حيث إنها من الأنفال المختصة بالإمام فالخمس فيها من قبيل حق الإقطاع المجعول من ناحية الإمام لمن تصرف في ملكه و استخرجه، فلا يرتبط ببني هاشم بل هو بأجمعه للإمام بما هو إمام، أي للإمامة و الحكومة الحقّة.

و أما خمس الأرباح فقد عرفت فيما مرّ احتمال كونه من الضرائب المرسومة من قبل الأئمة المتأخرين «ع» لإحساس الاحتياج إليه بعد انقطاع أيديهم من الزكوات و الضرائب الإسلامية المشروعة من قبل اللّه- تعالى-، فهو أيضا يختص بالإمام، و لذا أضافه في رواية ابن شجاع النيسابوري إلى نفسه بقوله «ع»: «لي منه الخمس مما يفضل من مئونته»، و عدّ في صحيحة أبي علي بن راشد حقّا له «ع». «1»

و في الحدائق نقلا عن المنتقى في مقام الجواب عن الإشكالات الواردة على صحيحة علي بن مهزيار الطويلة: احتمال اختصاص هذا الخمس بالإمام و استظهاره من بعض أخبار الباب و من جماعة من القدماء، فراجع. «2»

و يظهر من المحقق السبزواري في الكفاية و الذخيرة الميل إلى كون الخمس بأجمعه للإمام. «3»

______________________________
(1) الوسائل 6/ 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2 و 3.

(2) الحدائق 12/ 356.

(3) الكفاية/ 44؛ و الذخيرة/ 486.

469
کتاب الخمس و الأنفال

الورود في المسألة من طريق آخر: ؛ ص : 469

و في أواخر الخمس من الجواهر في المسألة الرابعة قال:

«بل لو لا وحشة الانفراد عن ظاهر اتفاق الأصحاب لأمكن دعوى ظهور الأخبار في أن الخمس جميعه للإمام «ع» و إن كان يجب عليه الإنفاق منه على الأصناف الثلاثة الذين هم عياله، و لذا لو زاد كان له «ع»، و لو نقص كان الإتمام عليه من نصيبه، و حللوا منه من أرادوا.» «1»

و على هذا فلا يبقى للتقسيم و التسهيم إلّا خمس مغانم الحرب. و موضوعه منتف في أعصارنا.

و لا يخفى أن مغانم الحرب تمتاز عن سائر الأموال بوقوعها من أول الأمر في اختيار الرسول أو الإمام بسبب الظفر على العدوّ، و ليست من قبيل الضرائب التي تؤخذ من الناس، فلعلّ رفع خلات بني هاشم منها دون الزكوات و سائر الضرائب المأخوذة من الناس كان لرفع التهمة عنه «ص» بأن يتوهم الحدثاء في الإسلام أن إصراره «ص» على أخذ الزكوات و سائر الضرائب يكون لتموين عائلته و عشيرته فحرّمها لهم.

و التعبير بالأوساخ في الزكوات على فرض صحته أيضا كان لاشمئزاز عائلته منها و عدم إصرارهم على الاستفادة منها، و إلّا فأيّ فرق بين الزكوات و بين الأخماس المأخوذة من الناس؟ و لم صارت الأولى أوساخا دون الثانية؟

اللهم إلّا أن يفرّق بينهما بأن الزكوات تؤخذ من الناس مباشرة باسم الفقراء و المساكين بداعي تطهير الناس كما يدلّ عليه قوله- تعالى-: «تطهّرهم و تزكّيهم بها.» «2»

فلذلك سمّيت أوساخا، و أما الأخماس فجعلت أولا و بالذات بأجمعها للّه- تعالى- كما بيّناه، و من ناحيته- تعالى- ينتقل إلى الرسول و ذي القربى و ذوي الحاجة من بني هاشم بتبع انتقال الحكومة منه- تعالى- إلى الرسول و إلى ذي القربى. ففقراء الناس عيال للناس، و فقراء بني هاشم عيال اللّه و من شئون الإمامة و الحكومة الإسلامية، و بين الاعتبارين فرق واضح، فتأمّل.

______________________________
(1) الجواهر 16/ 155.

(2) سورة التوبة (9)، الآية 103.

470
کتاب الخمس و الأنفال

الورود في المسألة من طريق آخر: ؛ ص : 469

نعم يبقى هنا إشكال ربما يتفوه به، و هو أن الميز بين بني هاشم و بين غيرهم خلاف ما يقتضيه طبع الإسلام و روحه من المساواة بين الطبقات و العناصر و هدم أساس الامتيازات العنصرية و الشعبية. هذا.

و لكن إكرام الرجل في عشيرته و عائلته أمر عقلائي عرفي يقبله روح الاجتماع، و احترام ذرية الرسول «ص» و أقربائه يعدّ احتراما له «ص»، فأيّ مانع من أن يسدّ خلاتهم من أموال الحكومة الإسلامية لكونهم من أغصان شجرة النبوة؟

471
کتاب الخمس و الأنفال

الجهة الرابعة: في حكم الخمس في عصر الغيبة: ؛ ص : 472

الجهة الرابعة: في حكم الخمس في عصر الغيبة:

قال الشيخ الطوسي- قدّس سرّه- في النهاية:

«فأما في حال الغيبة فقد رخّصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم مما يتعلق بالأخماس و غيرها فيما لا بدّ لهم منه من المناكح و المتاجر و المساكن. فأما ما عدا ذلك فلا يجوز له التصرف فيه على حال.

و ما يستحقونه من الأخماس في الكنوز و غيرها في حال الغيبة فقد اختلف قول أصحابنا فيه، و ليس فيه نص معين إلّا أن كل واحد منهم قال قولا يقتضيه الاحتياط: فقال بعضهم: إنه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح و المتاجر.

و قال قوم: إنه يجب حفظه ما دام الإنسان حيّا، فإذا حضرته الوفاة وصّى به إلى من يثق به من إخوانه المؤمنين ليسلّمه إلى صاحب الأمر إذا ظهر، أو يوصي به حسب ما وصّى به إليه إلى أن يصل إلى صاحب الأمر «ع».

و قال قوم: يجب دفنه، لأن الأرضين تخرج كنوزها عند قيام القائم «ع».

و قال قوم: يجب أن يقسم الخمس ستة أقسام: فثلاثة أقسام للإمام يدفن أو يودع عند من يوثق بأمانته. و الثلاثة أقسام الأخر يفرّق على مستحقيه من أيتام آل محمد و مساكينهم و أبناء سبيلهم.

و هذا مما ينبغي أن يكون العمل عليه، لأن هذه الثلاثة أقسام مستحقها ظاهر و إن كان المتولي لتفريق ذلك فيهم ليس بظاهر، كما أن مستحق الزكاة ظاهر و إن كان المتولي لقبضها و تفريقها ليس بظاهر. و لا أحد يقول في الزكاة إنه لا يجوز تسليمها إلى مستحقيها.

472
کتاب الخمس و الأنفال

الجهة الرابعة: في حكم الخمس في عصر الغيبة: ؛ ص : 472

و لو أن إنسانا استعمل الاحتياط و عمل على أحد الأقوال المقدم ذكرها من الدفن أو الوصاية لم يكن مأثوما. فأما التصرف فيه على ما تضمنه القول الأول فهو ضد الاحتياط، و الأولى اجتنابه حسب ما قدمناه.» «1»

أقول: و الغرض من نقل كلامه بطوله أن يظهر لك كون المسألة خلافية عند القدماء أيضا و أنه لا إجماع فيها و لا شهرة، فيجب أن يعمل فيها بما تقتضيه القواعد.

و قد صرّح بالاختلاف في المقنعة أيضا فقال:

«قد اختلف قوم من أصحابنا في ذلك عند الغيبة، و ذهب كل فريق منهم فيه إلى مقال فمنهم من يسقط فرض إخراجه لغيبة الإمام ...» «2»

و قد أنهى الأقوال في الحدائق إلى أربعة عشر: «3» الأول: عزل الخمس جميعا و الوصية به من ثقة إلى آخر إلى وقت ظهور الإمام «ع»، و إليه ذهب المفيد.

الثاني: القول بالتحليل و سقوطه مطلقا، نسب إلى سلار و الفاضل الخراساني و جمع من الأخباريين. و لكن الدقة في عبارة المراسم توجب الاطمينان بأن مورد حكمه بالتحليل هو الأنفال لا الخمس، فراجع. «4»

الثالث: القول بدفنه جميعا، نقله في المقنعة و النهاية عن بعض الأصحاب استنادا إلى ما رواه في المقنعة من أن الأرض تظهر كنوزها عند ظهور الإمام «ع».

الرابع: دفع النصف إلى الأصناف الثلاثة، و النصف الذي له «ع» يودع أو يدفن، و هو مذهب الشيخ في النهاية.

الخامس: كسابقه بالنسبة إلى حصة الأصناف، و أما حقه «ع» فيحفظ إلى أن يصل اليه، استصوبه في المقنعة و اختاره أبو الصلاح و ابن البراج و ابن إدريس و استحسنه العلامة في المنتهى و اختاره في المختلف.

______________________________
(1) النهاية/ 200.

(2) المقنعة/ 46.

(3) الحدائق 12/ 437 و ما بعدها.

(4) الجوامع الفقهية/ 582 (طبعة أخرى/ 644).

473
کتاب الخمس و الأنفال

الجهة الرابعة: في حكم الخمس في عصر الغيبة: ؛ ص : 472

السادس: دفع حصة الأصناف إليهم و كذا حصة الإمام تتميما لهم، استقر به في المختلف و نقله عن جملة من علمائنا و هو اختيار المحقق في الشرائع و المشهور بين المتأخرين من أصحابنا و عمدة دليلهم للتتميم مرسلة حماد و مرفوعة أحمد المتقدمتان.

السابع: صرف النصف إلى الأصناف، و أما حصة الإمام فتوصل إليه مع الإمكان و إلا فتصرف إلى الأصناف الثلاثة و مع تعذر الإيصال و عدم حاجة الأصناف تباح للشيعة، و هو اختيار صاحب الوسائل.

الثامن: صرف النصف إلى الأصناف و إباحة حصة الإمام للشيعة فيسقط إخراجها، و هو ظاهر المدارك و المحدث الكاشاني في الوافي و المفاتيح و استقر به في الحدائق.

التاسع: صرف النصف إلى الأصناف و صرف حصته في مواليه العارفين، و هو اختيار ابن حمزة.

العاشر: تخصيص التحليل بخمس الأرباح لكونه بأجمعه للإمام، و أما خمس سائر ما فيه الخمس فهو مشترك بينه و بين الأصناف، اختاره في المنتفى حملا لأخبار التحليل على خصوص خمس الأرباح.

أقول: حمل جميع أخبار التحليل على خصوص خمس الأرباح مشكل و لا سيما ما اشتمل منها على تحليل السبي و الفروج.

الحادي عشر: عدم إباحة شي‌ء بالكلية حتى من المناكح و المساكن و المتاجر التي جمهور الأصحاب على تحليلها، بل ادعي إجماعهم على إباحة المناكح، و هو الظاهر من أبي الصلاح الحلبي في الكافي.

الثاني عشر: قصر أخبار التحليل على جواز التصرف في المال الذي فيه الخمس قبل إخراج الخمس منه بأن يضمن الخمس في ذمته، و هو مختار المجلسي «ره».

الثالث عشر: صرف حصة الأصناف إليهم و التخيير في حصة الإمام بين الدفن و الوصية على الوجه المتقدم وصلة الأصناف مع الإعواز بإذن الفقيه، و هو مذهب الشهيد في الدروس.

474
کتاب الخمس و الأنفال

الجهة الرابعة: في حكم الخمس في عصر الغيبة: ؛ ص : 472

الرابع عشر: صرف حصة الأصناف إليهم وجوبا أو استحبابا و حفظ نصيب الإمام إلى حين ظهوره، و جواز صرف العلماء إياه في المستحقين من الأصناف، و هو اختيار البيان.

فهذه أربعة عشر قولا في المسألة ذكرها في الحدائق.

و هنا قولان آخران للمتأخرين من أصحابنا:

الأول: صرف حصة الأصناف إليهم، و التصدق بحصة الإمام من قبله، لما يستفاد من أخبار التصدق بالمال المجهول مالكه من أن الملاك في وجوب التصدق هو عدم إمكان إيصال المال إلى صاحبه و إن كان يعرفه بشخصه كما في رواية يونس عن الرضا «ع» فيمن بقي عنده بعض المتاع من رفيق له بمكة بعد ما رحل إلى منزله و لا يعرف بلده فقال «ع»: «إذا كان كذا فبعه و تصدق بثمنه.» «1» و قد قوّى هذا القول في الجواهر و مصباح الفقيه. «2»

الثاني: صرف حصة الأصناف إليهم و صرف حصة الإمام فيما يعلم برضاه أو يوثق به من تتميم نصيب الذرية أو إعانة فقراء الشيعة أو إدارة الحوزات العلمية و كل ما فيه تشييد مباني الدين المبين.

بتقريب أن التصدق بالمال الذي لا يمكن إيصاله إلى صاحبه إنما يجوز إذا لم يعلم بما يرتضيه المالك، و أما إذا أحرز رضاه بالصرف في مصرف خاص و لم يحرز رضاه بغيره أو أحرز عدمه فلا يجوز التعدي عنه، فلو كان مال زيد عند عمرو مثلا و لم يمكنه إيصاله إليه و لكن كان لصاحب المال أهل بيت فقراء أو دار مشرفة إلى الخراب فهل يرضى صاحبه بأن يتصدق بماله و لا يصرف في عائلته أو تعمير داره؟ و نحن نعلم من سيرة الأئمة «ع» في أعصارهم أن تتميم إعاشة الذرية و إعانة فقراء الشيعة و إقامة دعائم الدين و ترويج الشرع المبين كانت من أهمّ الأمور عندهم، فالواجب علينا صرف مال الإمام «ع» فيما نعلم قطعا باهتمامه به. و يختلف ذلك باختلاف المقامات.

______________________________
(1) الوسائل 17/ 357، الباب 7 من أبواب اللقطة، الحديث 2.

(2) الجواهر 16/ 177؛ و مصباح الفقيه/ 158- 159.

475
کتاب الخمس و الأنفال

الجهة الرابعة: في حكم الخمس في عصر الغيبة: ؛ ص : 472

فالتخصيص بفقراء الذرية كما في كلام كثير من المتأخرين بلا وجه بعد ما يوجد هنا أمور ربما تكون أهم عنده بمراتب. و المفروض في المرسلة و المرفوعة الدالتين على تتميم نصيب الذرية و التوسعة عليهم هو صورة بسط يد الإمام و اجتماع جميع الضرائب و الأموال العامة لديه و إدارته لجميع الخلات، فلا يستفاد منهما حكم صورة تزاحم المصارف و كون بعضها أهمّ من التوسعة على الذرية بمراتب.

و على هذا فإذا أحرز من عنده مال الإمام «ع» رضاه بصرف ماله في جهة خاصة جاز له التصدي لذلك بلا رجوع إلى الفقيه، و كون الفقيه وليّا على الغائب لا يشمل المقام، إذ أدلة ولاية الفقيه بنيابته عن الإمام «ع» في الأمور العامة الحسبية و ولايته على الغائب تنصرف عن الولاية على نفس الإمام «ع». اللّهم إلا أن يقال بان الفقيه أبصر بمصالح الدين و بما يرتضيه الأئمة «ع».

أقول: تبقى على هذا الوجه نكتة و هي أن مجرد رضا المالك قلبا بصرف ماله في جهة خاصة لا يخرج المعاملات الواقعة على ماله عن الفضولية ما لم يكن في البين إذن مالكي أو شرعي أو إجازة لاحقة، إذ اللازم استناد العقد إلى المالك بحيث يقال باع ملكه مثلا، و لا يتحقق هذا إلّا بإذنه أو إجازته، و قد أشار إلى هذه النكتة الشيخ الأنصاري- قدّس سرّه- في أول مبحث الفضولي من مكاسبه و إن قوى هو كفاية الرضا، فراجع. «1»

ثم نقول: هذه أقوال أصحابنا في حكم الخمس في عصر الغيبة. و ضعف بعضها واضح كالقول بوجوب دفن الجميع أو حصة الامام إلى أن يظهر الإمام و يستخرجه، أو عزله و حفظه و إيداعه إلى أن يصل إليه و نحو ذلك مما يوجب ضياع المال و تلفه و حرمان مستحقيه و تعطيل مصارفه الضرورية، و كالقول بالتحليل المطلق و لا سيما بالنسبة إلى سهام الأصناف مع حرمانهم عن الزكاة أيضا.

______________________________
(1) راجع المكاسب/ 124 (ط. أخرى 8/ 156- 157).

476
کتاب الخمس و الأنفال

الجهة الرابعة: في حكم الخمس في عصر الغيبة: ؛ ص : 472

و لا يخفى ابتناء أكثر هذه الأقوال على كون الخمس بالطبع منصّفا بنصفين و كون النصف ملكا للأصناف الثلاثة و النصف الآخر لشخص الإمام المعصوم و من أمواله الشخصية بحيث يجب أن يحفظ ليوصل إليه أو يتصدق به عنه أو يتصرف فيما أحرز رضاه به. و لكن قد مرّ منّا مرارا أن الخمس بأجمعه حق وحداني جعل لمنصب الإمامة و الحكومة الحقة، فهو مال للإمام بما أنه إمام لا لشخصه، و حيثية الإمامة لو حظت تقييدية لا تعليلية، و نحوه الأنفال أيضا و المتصدي لأخذهما و صرفهما في شئون الإمامة و الحكومة من له حق الحكم، و هو النبي «ص» في عصره الشريف، و بعده للإمام المعصوم، و في غيبته للفقيه العادل العالم بمصالح الإسلام و المسلمين. و إن شئت قلت: إنهما أموال عامة جعلتا شرعا في اختيار ممثّل المجتمع و من له حق الحكم عليهم، و إذنه و إجازته مصححان للمعاملات الواقعة عليهما، فمعنى كونهما للإمام هو أن الإمام وليّ التصرف فيهما و بيده اختيارهما، و مصرفهما المصالح العامة على ما يشخّصها الإمام العادل. و من أهم المصالح إدارة عائلة شخص الإمام أيضا و حفظ شئونه، كما أن تموين الأصناف الثلاثة أيضا من أظهر وظائفه، فتدبّر.

و حيث إن الإمامة و الحكومة لا تتعطل شرعا، و لا يجوز تعطيل شئونها و وظائفها و لو في عصر الغيبة كما بيّناه بالتفصيل في هذا الكتاب فلا محالة لا يجوز حذف النظام المالي المقرر لها و تعطيله بالكلية. و الخمس و الأنفال من أهمّ المنابع المالية للحكومة الإسلامية فلا مجال لتحليلهما المطلق، أو إيجاب حفظهما و الإباء عن صرفهما في مصارفهما المقررة، أو استبداد الناس في صرفهما بلا رجوع إلى من ثبت له الحكم و لو في بلد خاص أو منطقة خاصة.

و عدم بسط يد الفقهاء الصالحين للحكومة و عدم استقرار الحكومة المطلقة لهم لا ينافي وجوب تصديهم لبعض شئونها الممكنة و صرف الأموال المقررة في مصارفها بقدر سعة نطاق الحكم كما استقرّ على ذلك عمل أئمتنا «ع».

و من أهم المصارف الواجبة عقلا و شرعا حفظ الحوزات العلمية الدينية و ترويج الشرع المبين و تهيئة المقدمات و الوسائل لتحقيق الحكومة الصالحة الدينية و توسعة‌

477
کتاب الخمس و الأنفال

الجهة الرابعة: في حكم الخمس في عصر الغيبة: ؛ ص : 472

نطاقها التي ببركتها يرجى إقامة العدل في البلاد و تنفيذ قوانين الإسلام بين الأمة و لو في منطقة خاصة. هذا.

و هل يمكن الالتزام بأن اللّه- تعالى- جعل خمس أموال الناس أو عشرها بكثرتها و جميع الأموال التي ليس لها مالك خاص كأرض الموات و الآجام و الأودية و الجبال و المعادن و البحار و نحوها لشخص خاص و لو كان معصوما بحيث يعدّ من أمواله الشخصية يتصرف فيها كيف يشاء بلا لحاظ لمصالح الأمة و ينتقل إلى ورثته نظير ما دخل في ملكه بنشاطه و صنعه أو بالوراثة من مورّثه؟ لا أظن ذلك، فتدبّر.

و قد اقتبسنا كثيرا مما ذكرناه هنا في الزكاة و الخمس مما كتبناه سابقا في البابين و قد طبع الكتابان في السنين السابقة. و لأجل ذلك أدرجنا البحث فيهما هنا، فإن شئت التفصيل فراجع إليهما.

478