تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
تتمة القاعدة الأولى في العبادات ؛ ج 7، ص : 5
الجزء السابع
[تتمة القاعدة الأولى في العبادات]
كتاب الحجّ و العمرة
5
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
أما المقدمة ففيها مسائل: ؛ ج 7، ص : 7
و فيه مقدّمة و مقاصد.
أمّا المقدّمة ففيها مسائل:
مسألة 1:
الحجّ لغة: القصد «1»، و لهذا سمّي الطريق محجّة، لأنّه يوصل إلى المقصود.
و قال الخليل: الحجّ: كثرة القصد إلى من تعظّمه «2».
و سمّي الحجّ حجّا، لأنّ الحاجّ يأتي قبل الوقوف بعرفة إلى البيت ثم يعود إليه لطواف الزيارة ثم ينصرف إلى منى ثم يعود إليه لطواف الوداع.
و فيه لغتان: بفتح الحاء و كسرها «3».
و أمّا في عرف الشرع فقال الشيخ رحمه اللّٰه: إنّه كذلك إلّا أنّه اختصّ بقصد البيت الحرام لأداء مناسك مخصوصة عنده متعلّقة بزمان مخصوص «4».
و قال ابن إدريس: الحجّ في الشريعة: القصد إلى مواضع مخصوصة لأداء مناسك مخصوصة عندها متعلّقة بزمان مخصوص ليدخل الوقوف بعرفة
______________________________
(1) الصحاح 1: 303، القاموس المحيط 1: 182.
(2) العين 3: 9.
(3) العين 3: 9.
(4) المبسوط- للطوسي- 1: 296، الجمل و العقود (ضمن الرسائل العشر): 223.
7
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 2: ؛ ج 7، ص : 8
و المشعر و منى «1».
و هو غير وارد على الشيخ رحمه اللّٰه، لأنّ
كلّ واحد من الوقوفين قد يسقط بصاحبه، و كذا قصد منى مع بقاء حقيقة الحجّ، بخلاف
قصد البيت، فإنّه لا يصدق مسمّى الحجّ إلّا به.
و قال بعض العامّة: الحجّ في الشرع اسم لأفعال
مخصوصة «2».
و ما ذكرناه أولى، لأنّ التخصيص أولى من النقل
[1].
و أمّا العمرة فهي في اللغة عبارة عن الزيارة «4»، و في الشرع
عبارة عن زيارة البيت الحرام لأداء مناسك عنده، و لا تختص المبتولة بزمان، بخلاف
المتمتّع بها، فإنّ وقتها وقت الحجّ.
و النسك بإسكان السين: اسم لكلّ عبادة، و
بضمّها: اسم للذبح، و المنسك موضع الذبح، و قد يراد به موضع العبادة.
مسألة 2:
الحجّ فريضة من فرائض الإسلام و من أعظم
أركانه بالنصّ و الإجماع.
قال اللّٰه تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى
النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ
فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ «5» قال ابن
عباس: من كفر باعتقاده أنّه غير واجب «6».
و سأل علي بن جعفر أخاه الكاظم عليه السلام،
عن قوله تعالى:
وَ مَنْ كَفَرَ قال: قلت: و من لم
يحجّ منّا فقد كفر؟ قال: «لا، و لكن من
______________________________
[1]
في النسخ الخطية «ط، ف، ن»: النسخ، بدل النقل.
______________________________
(1)
السرائر: 118.
(2) المغني و الشرح الكبير 3: 164.
(4) القاموس المحيط 2: 95.
(5) آل عمران: 97.
(6) المغني و الشرح الكبير 3: 164.
8
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 3: ؛ ج 7، ص : 9
قال ليس هذا هكذا فقد
كفر» «1».
و قال تعالى وَ أَتِمُّوا
الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ «2».
و ما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّٰه عليه
و آله، قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلّا اللّٰه و أنّ محمّدا رسول
اللّٰه و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و صوم شهر رمضان و حجّ البيت) «3» ذكر فيها
الحجّ.
و عن ابن عباس قال: خطبنا رسول اللّٰه صلّى
اللّٰه عليه و آله، فقال: (يا أيّها الناس إن اللّٰه كتب عليكم الحجّ) فقام الأقرع
بن حابس فقال: أ في كلّ عام يا رسول اللّٰه؟ فقال: (لو قلتها لوجبت و لو وجبت لم
تعملوا بها، الحجّ مرّة فمن زاد فتطوّع) «4».
و من طريق الخاصة: ما رواه الحلبي- في الصحيح-
عن الصادق عليه السلام، قال: «إذا قدر الرجل على ما يحجّ به ثم دفع ذلك و ليس له
شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام» «5».
و عن ذريح المحاربي- في الصحيح- عن الصادق
عليه السلام، قال:
«من مات و لم يحجّ حجّة الإسلام و لم تمنعه من
ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحجّ أو سلطان يمنعه فليمت يهوديّا أو
نصرانيّا» «6».
و قد أطبقت الأمّة كافّة على وجوب الحجّ على
جامع الشرائط في العمر مرّة واحدة.
مسألة 3:
و الحجّ فيه ثواب عظيم و أجر جزيل.
______________________________
(1)
الكافي 4: 265- 266- 5، التهذيب 5: 16- 48، الإستبصار 2: 149- 488.
(2) البقرة: 196.
(3) سنن الترمذي 5: 5- 2609، سنن البيهقي 4:
81، مسند أحمد 2: 93، 120.
(4) سنن البيهقي 4: 326، المستدرك- للحاكم-
2: 293.
(5) التهذيب 5: 18- 54.
(6) الكافي 4: 268- 1، الفقيه 2: 273- 1333،
التهذيب 5: 462- 1610.
9
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 3: ؛ ج 7، ص : 9
روى معاوية بن عمّار-
في الصحيح- عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام: «أنّ رسول
اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله لقيه أعرابي، فقال له: يا رسول اللّٰه إنّي خرجت
أريد الحجّ ففاتني، و إنّي رجل ميّل [1]، فمرني أن أصنع في مالي ما أبلغ به مثل
أجر الحاج، قال: فالتفت إليه رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله، فقال له: انظر
إلى أبي قبيس فلو أنّ أبا قبيس لك ذهبة حمراء أنفقته في سبيل اللّٰه ما بلغت به
مبلغ الحاج».
ثم قال: «إنّ الحاج إذا أخذ في جهازه لم يرفع
شيئا و لم يضعه إلّا كتب اللّٰه له عشر حسنات و محي عنه عشر سيّئات و رفع له عشر
درجات، فإذا ركب بعيره لم يرفع خفّا و لم يضعه إلّا كتب له مثل ذلك، فإذا طاف
بالبيت خرج من ذنوبه، فإذا سعى بين الصفا و المروة خرج من ذنوبه، فإذا وقف بعرفات
خرج من ذنوبه، فإذا وقف بالمشعر الحرام خرج من ذنوبه، فإذا رمى الجمار خرج من
ذنوبه».
قال: «فعدّد رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و
آله كذا و كذا موقفا إذا وقفها الحاج خرج من ذنوبه، ثم قال: أنّى لك أن تبلغ ما
بلغ [2] الحاج».
قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: «و لا تكتب
عليه الذنوب أربعة أشهر، و تكتب له الحسنات إلّا أن يأتي بكبيرة» «3».
و في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن الصادق
عليه السلام، قال:
«الحاج يصدرون على ثلاثة أصناف: فصنف يعتقون
من النار، و صنف يخرج من ذنوبه كيوم ولدته امّه، و صنف يحفظ في أهله و ماله، فذاك
أدنى ما يرجع به الحاج» «4».
______________________________
[1]
في الكافي: يعني كثير المال.
[2] في المصدر: «يبلغ».
______________________________
(3)
التهذيب 5: 19- 20- 56، و في الكافي 4: 258- 25 صدرها بتفاوت.
(4) التهذيب 5: 21- 59.
10
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 4: ؛ ج 7، ص : 11
و في الصحيح عن
معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام، قال:
«قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله:
الحجّ و العمرة تنفيان الفقر و الذنوب كما ينفي الكير [1] خبث الحديد» قال معاوية:
فقلت له: حجّة أفضل أو عتق رقبة؟
قال: «حجّة أفضل» قلت: فثنتين؟ قال: «فحجّة
أفضل» قال معاوية:
فلم أزل أزيده و يقول: «حجّة أفضل» حتى بلغت
ثلاثين رقبة، قال:
«حجّة أفضل» «2».
و عن الصادق عليه السلام قال: «الحاج و
المعتمر وفد اللّٰه إن سألوه أعطاهم، و إن دعوه أجابهم، و إن شفعوا شفّعهم، و إن
سكتوا بدأ بهم [2]، و يعوّضون بالدرهم ألف ألف درهم» «4».
مسألة 4:
و العمرة واجبة- كالحجّ في وجوبه و هيئة
وجوبه- على من يجب عليه الحجّ عند علمائنا أجمع- و به قال علي عليه السلام، و عمر
و ابن عباس و زيد بن ثابت و ابن عمر و سعيد بن المسيّب و سعيد بن جبير و عطاء و
طاوس و مجاهد و الحسن البصري و ابن سيرين و الشعبي و الثوري و إسحاق و الشافعي في
الجديد، و أحمد في إحدى الروايتين «5»- لقوله تعالى وَ أَتِمُّوا
الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ «6» و الأمر للوجوب، و العطف بالواو يقتضي
التشريك في الحكم.
و ما رواه العامة: أنّ النبي صلّى اللّٰه عليه
و آله، جاء إليه رجل فقال:
______________________________
[1]
الكير كير الحدّاد، و هو زقّ أو جلد غليظ ذو حافات. الصحاح 2: 811 «كير».
[2] في المصدر و نسخة بدل: «ابتدأهم».
______________________________
(2)
التهذيب 5: 21- 60.
(4) الكافي 4: 255- 14، التهذيب 5: 24- 71.
(5) المغني 3: 174، الشرح الكبير 3: 165،
الوجيز 1: 111، فتح العزيز 7: 47- 48، المجموع 7: 7، حلية العلماء 3: 230.
(6) البقرة: 196.
11
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 4: ؛ ج 7، ص : 11
أوصني، قال: (تقيم
الصلاة و تؤتي الزكاة و تحجّ و تعتمر) «1».
و قال عليه السلام: (الحجّ و العمرة فريضتان) «2».
و من طريق الخاصة: عن زرارة- في الصحيح- عن
الباقر عليه السلام، قال: «العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحجّ، لأنّ اللّٰه
تعالى يقول وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ» «3» و الأخبار
في ذلك متواترة.
و قال الشافعي في القديم و أحمد في الرواية
الثانية: إنّ العمرة ليست واجبة- و هو مروي عن ابن مسعود، و به قال مالك و أبو ثور
و أصحاب الرأي- لما رواه جابر: أنّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله سئل عن العمرة أ
واجبة هي؟ قال:
(لا، و أن تعتمر فهو أفضل) «4».
و لأنّه نسك غير مؤقّت فلم يكن واجبا كالطواف
المجرّد «5».
و الحديث نقله الترمذي عن الشافعي أنّه ضعيف
لا تقوم بمثله الحجّة، و ليس في العمرة شيء ثابت بأنّها تطوّع «6».
و قال ابن عبد البرّ: روي ذلك بأسانيد لا تصح
و لا تقوم بمثلها الحجة.
______________________________
(1)
أوردها ابنا قدامة في المغني 3: 175، و الشرح الكبير 3: 166.
(2) المستدرك- للحاكم- 1: 471، سنن الدار
قطني 2: 284- 217، سنن البيهقي 4:
350.
(3) التهذيب 5: 433- 1502.
(4) سنن الترمذي 3: 270- 931، و فيه: (.. و
أن تعتمروا ..).
(5) المغني 3: 174، الشرح الكبير 3: 165،
فتح العزيز 7: 47- 48، الحاوي الكبير 4:
34، المجموع 7: 7، حلية العلماء 3: 230،
التفريع 1: 352، الكافي في فقه أهل المدينة: 171- 172، مقدّمات ابن رشد: 304.
(6) سنن الترمذي 3: 271 ذيل الحديث 931، و
راجع: المغني 3: 175، و الشرح الكبير 3: 166.
12
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 5: ؛ ج 7، ص : 13
ثم نحمله على
المعهود، و هي العمرة التي قضوها حين أحصروا في الحديبية، أو على العمرة التي
اعتمروها مع حجّتهم مع النبي صلّى اللّٰه عليه و آله، فإنّها لم تكن واجبة على من
اعتمر، أو نحمله على من زاد على العمرة الواحدة.
و قياسهم باطل بالفرق، فإنّ الإحرام شرط في
العمرة و ليس شرطا في الطواف.
مسألة 5:
و لا فرق بين أهل مكة و غيرهم في وجوبها عليهم
بإجماع علمائنا، لعموم الأدلّة، فالقرآن عمّم الحكم في الحجّ و العمرة على الجمع
المعرّف بلام الجنس، و الأخبار دالّة على العموم أيضا.
و قال أحمد: ليس على أهل مكة عمرة، و قال: كان
ابن عباس يرى العمرة واجبة و يقول: يا أهل مكة ليس عليكم عمرة، إنّما عمرتكم
طوافكم بالبيت «1»، و به قال عطاء و طاوس «2».
قال عطاء: ليس أحد من خلق اللّٰه إلّا عليه
حجّ و عمرة واجبان لا بدّ منهما لمن استطاع إليهما سبيلا إلّا أهل مكة، فإنّ عليهم
حجّة، و ليس عليهم عمرة من أجل طوافهم بالبيت «3».
و لأنّ ركن العمرة و معظمها الطواف بالبيت و
هم يفعلونه، فأجزأ عنهم «4».
و هو غلط، لأنّه قول مجتهد مخالف لعموم
القرآن، فلا يكون حجّة، و ستأتي مباحث العمرة بعد ذلك إن شاء اللّٰه تعالى.
______________________________
(1)
المغني 3: 176، الشرح الكبير 3: 166.
(2) المغني 3: 176، الشرح الكبير 3: 166.
(3) المغني 3: 176، الشرح الكبير 3: 166.
(4) المغني 3: 176، الشرح الكبير 3: 166.
13
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
المقصد الأول ؛ ج 7، ص : 15
و أمّا المقاصد فيشتمل الأول منها على فصول
[المقصد الأول]
الفصل الأول في كيفية الوجوب
مسألة 6:
الحجّ يجب بأصل الشرع مرّة واحدة، و كذا العمرة، و لا يجب أزيد منها و هو قول عامّة أهل العلم «1».
و حكي عن بعض الناس أنّه قال: يجب في كلّ سنة مرّة «2». و هو خلاف النصّ:
قال اللّٰه تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ «3» و مقتضى الأمر لا يقتضي التكرار، فإيجابه مخالفة له.
و ما رواه العامّة في حديث ابن عباس، و قد سبق «4».
و عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله، فقال: (يا أيّها الناس قد فرض اللّٰه عليكم الحجّ فحجّوا) فقال رجل: أ كلّ عام يا رسول اللّٰه؟ فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله: (لو
______________________________
(1) المغني و الشرح الكبير 3: 165، المجموع 7: 9، فتح العزيز 7: 3، حلية العلماء 3:
231.
(2) حلية العلماء 3: 232، المجموع 7: 9.
(3) آل عمران: 97.
(4) سبق في المسألة 2.
15
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 6: ؛ ج 7، ص : 15
قلت: نعم، لوجبت و
لما استطعتم) ثم قال: (ذروني ما تركتكم فإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم و
اختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، و إذا نهيتكم عن
شيء فدعوه) «1».
و من طريق الخاصة: ما رواه الحلبي- في الحسن-
عن الصادق عليه السلام، قال: «إذا تمتّع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة
العمرة» «2».
و قال الصادق عليه السلام، في رجل أعتق عشيّة
عرفة عبدا له، قال:
«يجزئ عن العبد حجّة الإسلام، و يكتب للسيد أجران
[1]: ثواب العتق و ثواب الحجّ» «4».
و لا خلاف بين المسلمين كافّة في ذلك، و لا
عبرة بقول من شذّ من العامّة.
إذا عرفت هذا، فما زاد على ذلك مستحب إلّا ما
يجب بسبب، كالنذر و شبهه، و الإفساد و القضاء، و كما يجب الإحرام بحجّ أو عمرة
لدخول مكة على ما يأتي، و الاستئجار، و سيأتي.
و ما ورد في أخبارنا من وجوبه على أهل الجدة
[2] في كلّ عام «6»، فمحمول على وجوبه على البدل، على معنى أنّه إذا لم يفعله
في أول عام تمكّنه، وجب عليه في ثاني العام و الثالث و هكذا، كما نقول: إنّ خصال
الكفّارة كلّها واجبة على هذا المنهاج.
______________________________
[1]
في النسخ الخطية و الطبعة الحجرية: أجرين.
[2] الجدة: الغنى و كثرة المال. مجمع
البحرين 3: 155 «وجد».
______________________________
(1)
صحيح مسلم 2: 975- 1337.
(2) الكافي 4: 533- 1، التهذيب 5: 433-
1503، الاستبصار 2: 325- 1150.
(4) الفقيه 2: 265- 1289.
(6) راجع: الكافي 4: 265- 266، الأحاديث 5 و
6 و 8 و 9، و التهذيب 5:
16- 46- 48، و الاستبصار 2: 148- 149- 486-
488.
16
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 7: ؛ ج 7، ص : 17
و أيضا فإنّ السند لا
يخلو من ضعف، فإنّ الحديث الذي رواه حذيفة بن منصور عن الصادق عليه السلام، قال:
«أنزل اللّٰه فرض الحجّ على أهل الجدة في كلّ عام» «1» في طريقه
محمد بن سنان و فيه قول.
مسألة 7:
قد بيّنّا أنّ الواجب بأصل الشرع مرّة واحدة
في الحجّ و العمرة، و ما عداها مستحب مندوب إليه إلّا لعارض يقتضي وجوبه،
كالاستئجار و غيره ممّا تقدّم ذكره، و يتكرّر الوجوب بتكرّر السبب.
و ليس من العوارض الموجبة: الردّة و الإسلام
بعدها، فمن حجّ أو اعتمر ثم ارتدّ ثم عاد إلى الإسلام لم يلزمه الحجّ عند علمائنا،
و به قال الشافعي «2»، خلافا لأبي حنيفة «3».
و مأخذ الخلاف: أنّ الردّة عنده «4» محبطة للعمل،
و عندنا و عند الشافعي «5» أنّها إنّما تحبطه بشرط أن يموت عليها.
قال اللّٰه تعالى وَ مَنْ يَرْتَدِدْ
مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كٰافِرٌ «6» الآية.
و أحمد وافق أبا حنيفة في المسألة لكن لا من
جهة هذا المأخذ «7».
مسألة 8:
و وجوب الحجّ و العمرة على الفور لا يحلّ
للمكلّف بهما تأخيره عند علمائنا أجمع- و به قال علي عليه السلام، و مالك و أحمد و
المزني و أبو يوسف «8»، و ليس لأبي حنيفة فيه نصّ «9»، و من
أصحابه من قال: هو
______________________________
(1)
الكافي 4: 266- 6، التهذيب 5: 16- 46، الاستبصار 2: 148- 486.
(2) المجموع 7: 9، فتح العزيز 7: 5.
(3) المجموع 7: 9، فتح العزيز 7: 5.
(4) المجموع 7: 9، فتح العزيز 7: 5.
(5) المجموع 7: 9، فتح العزيز 7: 5.
(6) البقرة: 217.
(7) كما في فتح العزيز 7: 5.
(8) مقدّمات ابن رشد 1: 288، الكافي في فقه
الإمام أحمد 1: 467، المغني 3: 196، الشرح الكبير 3: 182، الحاوي الكبير 4: 24،
المجموع 7: 102 و 103، فتح العزيز 7: 31، تحفة الفقهاء 1: 380، بدائع الصنائع 2:
119، الهداية- للمرغيناني- 1: 134.
(9) كما في الحاوي الكبير 4: 24، و المجموع
7: 103.
17
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 8: ؛ ج 7، ص : 17
قياس مذهبه «1»- لقوله
تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ «2» الآية،
مقتضاه الأمر، و هو للفور عند بعضهم «3».
و ما رواه العامّة عن ابن عباس عن النبي صلّى
اللّٰه عليه و آله، أنّه قال:
تعجّلوا الحجّ فإنّ أحدكم لا يدري ما يعرض له «4».
و عن علي عليه السلام عن رسول اللّٰه صلّى
اللّٰه عليه و آله، أنّه قال:
من وجد زادا و راحلة تبلّغه البيت فلم يحج فلا
عليه أن يموت يهوديّا أو نصرانيّا [1].
و من طريق الخاصة: ما رواه الحلبي- في الصحيح-
عن الصادق عليه السلام، قال: «إذا قدر الرجل على ما يحجّ به ثم دفع ذلك و ليس له
شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام» «6».
و لأنّها عبادة لها وقت معلوم لا يفعل في
السنة إلّا مرّة واحدة، فيجب على الفور كالصوم.
و قال الشافعي: إنّه لا يجب على الفور، بل
يجوز له تأخيره إلى أيّ وقت شاء- و نقله العامّة عن ابن عباس و جابر و أنس، و من
التابعين: عطاء و طاوس، و من الفقهاء: الأوزاعي و الثوري- لأنّ فريضة الحجّ نزلت
سنة ست من الهجرة، و قيل: سنة خمس، و أخّره النبي صلّى اللّٰه عليه و آله من غير
مانع، فإنّه خرج إلى مكة سنة سبع لقضاء العمرة و لم يحج، و فتح مكة سنة
______________________________
[1]
سنن الترمذي 3: 176- 812 و فيه: (ملك) بدل (وجد) و أوردها كما في المتن، الماوردي
في الحاوي الكبير 4: 24.
______________________________
(1)
الحاوي الكبير 4: 24.
(2) آل عمران: 97.
(3) إحكام الفصول في أحكام الأصول: 102،
الإحكام في أصول الأحكام 1: 387، أصول السرخسي 1: 26.
(4) مسند أحمد 1: 314، و أوردها الماوردي في
الحاوي الكبير 4: 24.
(6) التهذيب 5: 18- 54.
18
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 9: ؛ ج 7، ص : 19
ثمان، و بعث الحاج
سنة تسع، و حجّ هو عليه السلام سنة عشر، و عاش بعدها ثمانين يوما، ثم قبض صلّى
اللّٰه عليه و آله «1».
و الجواب: المنع أوّلا من تمكّنه من الحجّ،
فإنّه عليه السلام أحرم بالعمرة عام الحديبية فأحصر «2».
و ثانيا بالمنع من تأخير النبي عليه السلام عن
عام الوجوب، فإنّ الآية نزلت- و هي قوله تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى
النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا «3» الآية- سنة
تسع «4»، و قيل: سنة عشر «5»، فبادر رسول اللّٰه
صلّى اللّٰه عليه و آله بالحجّ من غير تأخير.
مسألة 9:
الحجّ واجب على كلّ جامع للشرائط الآتية، من
ذكر و أنثى و خنثى.
و إن كان أعمى فإن افتقر إلى قائد و تمكّن من
تحصيله و الاستعانة به على حجّة إمّا بإجارة أو غيرها، وجب عليه الحجّ بنفسه، و
ليس له أن يستأجر من يحجّ عنه- و به قال الشافعي و أحمد «6»- لعموم
الآية «7» و الأخبار.
و قال أبو حنيفة: لا يلزمه فرض الحجّ بنفسه،
فإن استأجر من يحجّ عنه، جاز- و روى الكرخي عنه أنّه لا حجّ عليه «8»- لأنّ الحجّ
عبادة تعلّقت
______________________________
(1)
الحاوي الكبير 4: 24- 25، فتح العزيز 7: 31، المجموع 7: 102 و 103، المغني 3: 196،
الشرح الكبير 3: 182، حلية العلماء 3: 243.
(2) كما في الحاوي الكبير 4: 25.
(3) آل عمران: 97.
(4) كما في الحاوي الكبير 4: 25.
(5) كما في الحاوي الكبير 4: 25.
(6) الحاوي الكبير 4: 14، المجموع 7: 85،
الوجيز 1: 110، فتح العزيز 7: 27، حلية العلماء 3: 240.
(7) آل عمران: 97.
(8) فتح العزيز 7: 27.
19
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 10: ؛ ج 7، ص : 20
بقطع مسافة، فوجب أن
لا تلزم الأعمى كالجهاد «1».
و هو خطأ، لأنّ العمى ليس فيه أكثر من فقد
الهداية بالطريق و مواضع النسك، و الجهل بذلك لا يسقط وجوب القصد، كالبصير يستوي
حكم العالم به و الجاهل إذا وجد دليلا، فكذا الأعمى.
و لأنّه فقد حاسّة، فلم يسقط بها فرض الحجّ
بنفسه، كالأصمّ.
مسألة 10:
مقطوع اليدين أو الرّجلين إذا استطاع التثبّت
على الراحلة من غير مشقّة إمّا مع قائد أو معين إن احتاج إليه و وجده، أو بدونهما
إذا استغنى عنهما، وجب عليه الحجّ- و به قال الشافعي «2»- لعموم قوله
تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ «3» الآية، و غيرها من
الأدلّة.
و قال أبو حنيفة: لا يلزمه كالأعمى «4». و الخلاف
فيهما [1] واحد.
مسألة 11:
المحجور عليه للسفه يجب عليه الحجّ كغيره مع
الشرائط، للعموم، إلّا أنّه لا يدفع المال إليه، لأنّه ممنوع من التصرّف فيه،
لتبذيره، بل يخرج الولي معه من ينفق عليه بالمعروف و يكون قيّما عليه.
و لو احتاج إلى زيادة نفقة لسفره، كان الزائد
في ماله ينفق القيّم عليه منه، بخلاف الصبي و المجنون إذا أحرم بهما الولي، فإنّ
نفقتهما الزائدة بالسفر في مال الولي- خلافا للشافعي في أحد القولين «6»- لأنّه لا
وجوب عليهما، و إذا زال عذرهما، لزمهما حجة الإسلام، بخلاف المبذّر.
و لو شرع السفيه في حجّ الفرض أو في حجّ نذره
قبل الحجر بغير إذن
______________________________
[1]
أي في الأعمى و مقطوع اليدين أو الرجلين.
______________________________
(1)
المبسوط- للسرخسي- 4: 154، بدائع الصنائع 2: 121، الهداية- للمرغيناني- 1:
134، تحفة الفقهاء 1: 384، فتح العزيز 7:
27.
(2) الحاوي الكبير 4: 14- 15، المجموع 7:
85.
(3) آل عمران: 97.
(4) الحاوي الكبير 4: 15، المجموع 7: 85.
(6) فتح العزيز 7: 27.
20
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 12: ؛ ج 7، ص : 21
الولي، لم يلزمه أن
يحلله، و يلزمه أن ينفق عليه إلى أن يفرغ، لأنّه شرع في واجب عليه، فلزمه الإتمام.
و لو شرع في حجّ تطوّع ثم حجر الحاكم عليه،
فكذلك، لأنّه بدخوله فيه وجب عليه الإكمال.
أمّا لو شرع فيه بعد الحجر، فإن استوت نفقته
سفرا و حضرا، أو كان يتكسّب في طريقه بقدر حاجته، لم يكن له أن يحلله، و إن زادت
نفقة السفر و لم يكن له كسب، كان له إحلاله.
مسألة 12:
الحجّ و العمرة إنّما يجبان بشروط خمسة في
حجّة الإسلام و عمرته: التكليف و الحرّية و الاستطاعة و مئونة سفره و مئونة عياله
و إمكان المسير.
و شرائط النذر و شبهه من اليمين و العهد
أربعة: التكليف و الحرّية و الإسلام و إذن الزوج و المولى.
و شرائط حجّ النيابة ثلاثة: الإسلام، و
التكليف، و أن لا يكون عليه حجّ واجب بالأصالة أو بالنذر المضيّق أو الاستئجار
المضيّق أو الإفساد.
و لو وجب عليه الحجّ وجوبا مستقرّا فعجز عن
أدائه و لو مشيا صحّ أن يكون نائبا عن غيره.
و شرط المندوب أن لا يكون عليه حجّ واجب، و
إذن الولي- كالزوج و المولى و الأب- على من له عليه ولاية، كالزوجة و العبد و
الولد، و سيأتي تفصيل ذلك كلّه إن شاء اللّٰه تعالى.
21
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
الفصل الثاني في تفصيل هذه الشرائط ؛ ج 7، ص : 23
الفصل الثاني في تفصيل هذه الشرائط
و فيه مطلبان:
[المطلب] الأول: في شرائط حجة الإسلام
. و فيه مباحث:
[البحث] الأول: البلوغ و العقل
مسألة 13:
لا خلاف بين العلماء كافة في أنّ الصبي لا يجب عليه الحجّ، لفقد شرط التكليف فيه.
و ما رواه العامة عن علي عليه السلام، قال: (قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، و عن الصبي حتى ينبت [1]، و عن المعتوه حتى يعقل) «2».
و من طريق الخاصة: ما رواه مسمع بن عبد الملك عن الصادق عليه السلام، قال: «لو أنّ غلاما حجّ عشر سنين ثم احتلم كانت عليه فريضة
______________________________
[1] في المصدر: حتى يشب.
______________________________
(2) سنن الترمذي 4: 32- 1423، و أوردها عنه ابنا قدامة في المغني 3: 165، و الشرح الكبير 3: 166- 167.
23
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 14: ؛ ج 7، ص : 24
الإسلام» «1».
و عن شهاب قال: سألته عن ابن عشر سنين يحجّ،
قال: «عليه حجّة الإسلام إذا احتلم، و كذلك الجارية عليها الحجّ إذا طمثت» «2» فلو كان
الصبي من أهل الحج لسقطت الإعادة عنه بعد بلوغه.
مسألة 14:
الصبي إن كان مميّزا، صحّ إحرامه و حجّه إذا
أذن له الولي.
و الأقرب: أنّه ليس للولي أن يحرم عن المميّز.
و للشافعية وجهان «3».
و إن كان غير مميّز، جاز لوليّه أن يحرم عنه،
و يكون إحرامه شرعيا.
و إن فعل ما يوجب الفدية، كان الفداء على
الولي.
و أكثر الفقهاء على صحة إحرامه و حجّه إن كان
مميّزا، و إن كان غير مميّز، أحرم عنه وليّه، فيصير محرما بذلك، و به قال الشافعي
و مالك و أحمد، و هو مروي عن عطاء و النخعي «4».
لما رواه العامة عن النبي صلّى اللّٰه عليه و
آله أنه مرّ بامرأة و هي في محفّتها، فقيل لها: هذا رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه
و آله، فأخذت بعضد صبيّ كان معها و قالت: أ لهذا حجّ؟ قال: (نعم و لك أجر) «5».
و من طريق الخاصة: ما رواه عبد اللّٰه بن
سنان- في الصحيح- عن الصادق عليه السلام، قال: سمعته يقول: «مرّ رسول اللّٰه
برويثة [1] و هو
______________________________
[1]
رويثة: موضع بين مكة و المدينة على ليلة منها. معجم البلدان 3: 105.
______________________________
(1)
التهذيب 5: 6- 15، الاستبصار 2: 146- 477، و الكافي 4: 278- 18.
(2) الكافي 4: 276- 8، التهذيب 5: 6- 14،
الإستبصار 2: 146- 476.
(3) الحاوي الكبير 4: 209، الوجيز 1: 123،
فتح العزيز 7: 421، المجموع 7: 23.
(4) الحاوي الكبير 4: 206، فتح العزيز 7:
421، حلية العلماء 3: 233- 234، المجموع 7: 22- 23، بداية المجتهد 1: 319، المغني
3: 208، الشرح الكبير 3: 169.
(5) موطّإ مالك 1: 422- 244، و أوردها
الماوردي في الحاوي الكبير 4: 206.
24
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 14: ؛ ج 7، ص : 24
حاج، فقامت إليه
امرأة و معها صبي لها، فقالت: يا رسول اللّٰه أ يحجّ عن مثل هذا؟ قال: «نعم و لك
أجره» «1».
و لأنّ الحجّ عبادة تجب ابتداء بالشرع عند
وجود مال، فوجب أن ينوب الولي فيها عن الصغير، كصدقة الفطر.
و قال أبو حنيفة: إحرام الصبي غير منعقد، و لا
فدية عليه فيما يفعله من المحظورات، و لا يصير محرما بإحرام وليّه، لقوله عليه
السلام: (رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ) «2».
و لأنّ كلّ من لا يلزمه الحج بقوله لا يلزمه
بفعله، كالمجنون، و لأنّها عبادة على البدن، فوجب أن لا ينوب الكبير فيها عن
الصغير، كالصوم و الصلاة، و لأنّ الإحرام سبب يلزم به حكم، فلم يصح من الصبي،
كالنذر «3».
و الجواب: القول بموجب الحديث، فإنّ الصبي لا
يجب عليه الحجّ، و هو معنى رفع القلم عنه، و ذلك لا يقتضي نفي صحته منه.
و القياس باطل، مع أنّا نقول بموجب العلّة،
فإنّ الحج لا يلزمه بفعله كما لا يلزمه بقوله، و إنّما يلزمه بإذن وليّه.
و الفرق ظاهر، فإنّ الجنون مرجوّ الزوال عن
المجنون في كلّ وقت، فلم يجز أن يحرم عنه وليّه، لجواز أن يفيق فيحرم بنفسه، و
أمّا البلوغ فغير مرجوّ إلّا في وقته، فجاز أن يحرم عنه وليّه، إذ لا يرجى بلوغه
في هذا الوقت حتى يحرم بنفسه.
و لأنّ الصبي يقبل منه الإذن في دخول الدار و
قبول الهدية منه إذا كان
______________________________
(1)
التهذيب 5: 6- 7- 16، الإستبصار 2: 146- 147- 478.
(2) أورده الماوردي في الحاوي الكبير 4:
206.
(3) الحاوي الكبير 4: 206، المغني 3: 208،
الشرح الكبير 3: 169، بداية المجتهد 1:
319، فتح العزيز 7: 420.
25
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 15: ؛ ج 7، ص : 26
رسولا فيها، بخلاف
المجنون فافترقا.
و الفرق: أنّ الصلاة لا تجوز فيها النيابة عن
الحي، بخلاف الحج.
و وافقنا أبو حنيفة على أنّه يجنّب ما يجتنبه
المحرم «1»، و من جنّب ما يجتنبه المحرم كان إحرامه صحيحا، و النذر
لا يجب به شيء، بخلاف مسألتنا.
مسألة 15:
الصبي المميّز لا يصحّ حجّة إلّا بإذن وليّه،
فإذا كان مراهقا مطيقا، أذن له الولي في الإحرام، و إن كان طفلا غير مميّز، أحرم
عنه الولي.
فإن أحرم الصبي المميّز بغير إذن وليّه، لم
يصحّ إحرامه، لأنّ الصبي ممنوع من التصرّف في المال، و الإحرام يتضمّن إنفاق المال
و التصرّف فيه، لأنّ الإحرام عقد يؤدّي إلى لزوم مال، فجرى مجرى سائر أمواله و
سائر عقوده التي لا تصحّ إلّا بإذن وليّه، و هو أصحّ وجهي الشافعية، و الثاني: أنّ
إحرامه منعقد، كإحرامه بالصلاة «2».
و الفرق: أنّ إحرام الصلاة لا يتضمّن إنفاق
المال، و إحرام الحجّ يتضمّنه، فعلى الثاني للولي تحليله و ليس له الإحرام عنه، و
على الأول للولي أن يحرم عنه- و هو أحد وجهي الشافعية «3»- لأنّه
مولّى عليه، و الثاني: المنع، لاستقلاله بعبادته «4».
مسألة 16:
أولياء الأطفال على ثلاثة أقسام: أنساب و
أمناء الحكّام و أوصياء الآباء، فالأنساب إمّا آباء و أجداد لهم أو أمّ أو غيرهم.
و الآباء و الأجداد للآباء لهم ولاية الإحرام
بإجماع من سوّغ الحجّ
______________________________
(1)
المغني 3: 208، الشرح الكبير 3: 170.
(2) الحاوي الكبير 4: 207، الوجيز 1: 123،
فتح العزيز 7: 421، المهذّب- للشيرازي- 1: 202، المجموع 7: 22، حلية العلماء 3:
233.
(3) فتح العزيز 7: 421.
(4) فتح العزيز 7: 421.
26
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 16: ؛ ج 7، ص : 26
للصبيان- و هو قول
علمائنا أجمع، و به قال الشافعي «1»- لأنّ للأب و الجدّ للأب ولاية المال
على الطفل، فكان له ولاية الإذن في الحجّ.
و لا يشترط في ولاية الجدّ عدم الأب، و هو أحد
وجهي الشافعية تخريجا ممّا إذا أسلم الجدّ، و الأب كافر، يتبعه الطفل على رأي «2».
و أمّا الأم فقال الشيخ رحمه اللّٰه: إنّ لها
ولاية بغير تولية، و يصحّ إحرامها عنه، لحديث المرأة التي سألت النبي صلّى اللّٰه
عليه و آله عن ذلك «3».
و هو أحد قولي الشافعية، و الثاني: المنع، و
هو ظاهر كلام أحمد «4».
و أمّا من عدا هؤلاء من الأنساب الذكور و
الإناث فلا يصحّ إذنهم، و لا ولاية لهم في الحجّ و الإحرام، كما أنّه لا ولاية لهم
في المال، و ليس لأمناء الحكّام الإذن.
و قال الشيخ رحمه اللّٰه: الأخ و ابن الأخ و
العمّ و ابن العمّ إن كان وصيّا أو له ولاية عليه وليها، فهو بمنزلة الأب، و إن لم
يكن وليّا و لا وصيّا، فلا ولاية له عليه، و هو و الأجنبي سواء «5».
و هذا القول يعطي أنّ لأمين الحاكم الولاية،
كما في الحاكم، لأنّ قوله: أو له ولاية عليه وليها، لا مصرف له إلّا ذلك.
و الشافعية اتّفقوا على ثبوت الولاية للأب و
الجدّ للأب، و على انتفائها عمّن لا ولادة فيه و لا تعصيب، كالإخوة للأم و الأعمام
للأم و العمّات من الأب و الام، و الأخوال و الخالات من قبل الأب و الام و إن كانت
لهم ولاية في
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 421، المجموع 7: 24، الحاوي الكبير 4: 207.
(2) فتح العزيز 7: 421، المجموع 7: 24.
(3) المبسوط- للطوسي- 1: 329.
(4) الحاوي الكبير 4: 208، فتح العزيز 7:
421، المجموع 7: 25، حلية العلماء 3:
234، المغني 3: 209، الشرح الكبير 3: 170.
(5) المبسوط- للطوسي- 1: 328- 329.
27
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 16: ؛ ج 7، ص : 26
الحضانة.
و أمّا من عدا هذين القسمين فقد اختلفوا على
ثلاثة مذاهب بناء على اختلافهم في معنى إذن الأب و الجدّ له.
أحدها: أنّ المعنى في إذن الأب و الجدّ له:
استحقاق الولاية على ماله، فعلى هذا لا يصحّ إذن الجدّ من الام و لا إذن الأخ و
العمّ، لأنّهم لا يستحقّون الولاية عليه في ماله.
و أمّا الأم و الجدّة فالصحيح من مذهب الشافعي
أنّه لا ولاية لها عليه بنفسها، فلا يصحّ إذنها له.
و على قول بعض الشافعية: إنّها تلي عليه
بنفسها، فعلى هذا يصحّ إذنها له، لقوله عليه السلام لام الصبي: (و لك أجره) و
معلوم أنّ الأجر ثبت لها لإذنها له و نيابتها عنه.
الثاني: أنّ المعنى في إذن الأب و الجدّ ما
فيه من الولادة و العصبة، فعلى هذا يصحّ إذن سائر الآباء و الأمّهات، لوجود
الولادة فيهم.
الثالث: أنّ المعنى في إذن الأب و الجدّ وجود
التعصيب فيهما، فعلى هذا يصحّ إذن سائر العصبات من الإخوة و الأعمام و أولادهما، و
لا يصحّ إذن الام و لا الجدّ لها، لعدم التعصيب.
و أمّا أمناء الحكّام فقد اتّفقوا على أنّه لا
يصح إذنهم، لاختصاص ولايتهم بماله دون بدنه، فكانوا فيما سوى المال كالأجانب.
و لهم وجه آخر بعيد: الصحة، لأنّهم يتصرّفون
في المال.
و أمّا أوصياء الآباء فلهم وجهان في صحة
إذنهم:
أحدهما: الصحة كالآباء لنيابتهم عنه.
و الثاني- و هو الأصحّ عندهم- أنّ إذنهم لا
يصحّ كامناء الحكّام «1».
______________________________
(1)
الحاوي الكبير 4: 207- 208.
28
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 17: ؛ ج 7، ص : 29
مسألة 17:
الصبي إن كان مراهقا مميّزا يطيق على الأفعال،
أذن له الولي فيها، فإذا أذن له، فعل الحجّ بنفسه، كالبالغ.
و إن كان طفلا لا يميّز، فإن صحّ من الطفل من
غير نيابة، كالوقوف بعرفة و المبيت بمزدلفة، أحضره الولي فيهما، و إن لم يصحّ من
الطفل إلّا بنيابة الولي عنه، فهو كالإحرام يفعله الولي عنه.
قال جابر: خرجنا مع النبي صلّى اللّٰه عليه و
آله حجّاجا و معنا النساء و الصبيان، فأحرمنا عن الصبيان فلبّينا عن الصبيان و
رمينا عنهم «1».
و يجرّد الصبي من ثيابه إذا قرب من الحرم- و
روى علماؤنا من فخ «2»- و إن صحّ منه بمعونة الولي، فإذا أحرم الولي عن الطفل،
جاز.
و هل يجوز أن يكون الولي محرما؟ للشافعية
وجهان:
أحدهما: المنع، فليس للولي أن يحرم عن الطفل
إلّا أن يكون حلالا، لأنّ من كان في نسك لا يصحّ أن يفعله عن غيره.
و الثاني: يصح إحرام الولي عنه و إن كان
محرما- و لا فرق بين أن يكون عليه حجّة الإسلام أو قد حجّ عن غيره، و غيره- لأنّ
الولي ليس يتحمّل الإحرام عنه فيصير به محرما حتى يمتنع من فعله إذا كان محرما، و
إنّما يعقد الإحرام عن الصبي، فيصير الصبي محرما، فجاز أن يفعل الولي ذلك و إن كان
محرما «3».
و الأخير أقرب.
فعلى الأول يقول عند الإحرام: اللّٰهم إنّي قد
أحرمت عن ابني، و على هذا يجوز أن يكون غير مواجه للصبي بالإحرام و لا مشاهد له
إذا كان الصبي
______________________________
(1)
سنن ابن ماجة 2: 1010- 3038، و أورده ابنا قدامة في المغني 3: 209، و الشرح الكبير
3: 170- 171 نقلا عن سنن سعيد بن منصور.
(2) الكافي 4: 303- 2، الفقيه 2: 265- 1292،
التهذيب 5: 409- 1421.
(3) الحاوي الكبير 4: 209.
29
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 17: ؛ ج 7، ص : 29
حاضرا في الميقات. و
على قول آخر: إنّه لا يشترط حضوره.
و على الثاني يقول عند الإحرام: اللّٰهم إنّي
قد أحرمت بابني، و على هذا لا يصحّ أن يكون غير مواجه للصبي بالإحرام، فإذا فعل
ذلك، صار الصبي محرما دون الولي، فيلبسه ثوبين، و يجنّبه ما يجتنبه المحرم، و على
وليّه أن يحضره الوقوف بالموقفين و منى ليشهدها بنفسه.
و أمّا الرمي فإن أمكن من وضع الحصى في كفّه و
رميها في الجمرة من يده، فعل، و إن عجز الصبي عن ذلك، أحضره الجمار و رمى الولي
عنه، و يستحب للولي أن يضع الحصى في كفّ الصبي و أخذها من يده.
قال ابن المنذر: كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم
يرى الرمي عن الصبي الذي لا يقدر على الرمي، و به قال عطاء و الزهري و مالك و
الشافعي و إسحاق «1».
و أمّا الطواف و السعي فعلى وليّه أن يحمله و
يطوف به و يسعى، و عليه أن يتوضّأ للطواف و يوضّئه.
فإن كانا غير متوضّئين، لم يجزئه الطواف.
و إن كان الصبي متطهّرا و الولي محدثا، لم
يجزئه أيضا، لأنّ الطواف بمعونة الولي يصحّ، و الطواف لا يصحّ إلّا بطهارة.
و إن كان الوليّ متطهّرا و الصبي محدثا، لم
يجزئه أيضا، لأنّ الطواف بمعونة الولي يصحّ، و الطواف لا يصحّ إلّا بطهارة.
و إن كان الوليّ متطهّرا و الصبي محدثا،
فللشافعية وجهان:
أحدهما: لا يجزئ، لأنّ الطواف بالصبي أخصّ منه
بالولي، فإذا لم يجز أن يكون الولي محدثا فأولى أن لا يكون الصبي محدثا.
و الثاني: أنّه يجزئ، لأنّ الصبي إذا لم يكن
مميّزا ففعل الطهارة لا يصحّ منه، فتكون طهارة الولي نائبة عنه، كما أنّه لمّا لم
يصح منه الإحرام صحّ إحرام الوليّ عنه «2».
______________________________
(1)
المغني 3: 209، الشرح الكبير 3: 171.
(2) الحاوي الكبير 4: 209.
30
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 18: ؛ ج 7، ص : 31
و يصلّي الوليّ عنه
ركعتي الطواف إن لم يكن مميّزا، و إن كان مميّزا صلّاهما بنفسه.
و لو أركبه الولي دابّة ليطوف به، وجب أن يكون
الوليّ معه سائقا أو قائدا، لأنّ الصبي غير مميّز و لا قاصد، و الدابّة لا تصحّ
منها عبادة.
و يرمل به في موضع الرمل.
و للشافعية في الرمل به وجهان «1».
مسألة 18:
لو كان على الولي طواف، حمل الصبي و طاف به، و
نوى بطوافه ما يختص به، و ينوي بطواف الصبي طوافه.
و قال الشافعي: يجب عليه أن يطوف عن نفسه
أوّلا ثم يطوف بالصبي ثانيا، فينوي الطواف عن نفسه دون الصبي ثم يطوف بالصبي ناويا
عنه.
فإن نوى الطواف عن الصبي دون نفسه فله قولان:
أحدهما: أن يكون على الولي الحامل دون الصبي
المحمول، لأنّ من وجب عليه ركن من أركان الحجّ فتطوّع به عن نفسه أو عن غيره،
انصرف إلى واجبة، كالحجّ عن نفسه.
و الثاني: أنّه يكون عن الصبي المحمول دونه،
لأنّ الحامل كالآلة للمحمول، فكان ذلك واقعا عن المحمول دون الحامل.
و إن نوى الطواف عن نفسه و عن الصبي المحمول،
أجزأه عن طوافه.
و هل يجزئ عن الصبي؟ وجهان مخرّجان من
القولين.
و إن لم تكن له نية، انصرف إلى طواف نفسه،
لوجوده على الصفة الواجبة عليه، و عدم القصد المخالف له «2».
و قد بيّنّا نحن الصحيح عندنا.
مسألة 19:
مئونة حجّ الصبي و نفقته الزائدة في سفره تلزم
الولي، مثل
______________________________
(1)
الحاوي الكبير 4: 210.
(2) الحاوي الكبير 4: 210.
31
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 20: ؛ ج 7، ص : 32
آلة سفره و اجرة
مركبة و جميع ما يحتاج إليه في سفره ممّا كان مستغنيا عنه في حضره- و هو ظاهر مذهب
الشافعي، و به قال مالك و أحمد «1»- لأنّ الحجّ غير واجب على الصبي،
فيكون متبرّعا، و سببه الولي، فيكون ضامنا.
و ليس للولي صرف مال الطفل في ما لا يحتاج
إليه و هو غير محتاج حال صغره إلى فعل الحج، لوجوبه عليه حال كبره، و عدم إجزاء ما
فعله في صغره عمّا يجب عليه في كبره.
و له قول آخر: إنّه في مال الصبي، لأنّ ذلك من
مصلحته كاجرة معلّمه و مئونة تأديبه، و لأنّ الحجّ يحصل له، فكان كما لو قبل له
النكاح يكون المهر عليه «2».
و الفرق ظاهر، فإنّ التعلّم الذي إن فاته في
صغره قد لا يدركه في كبره، و يخالف النكاح، فإنّ المنكوحة قد تفوت، و الحج يمكن
تأخيره.
مسألة 20:
يحرم على الصبي كلّ ما يحرم على البالغ من
محظورات الإحرام، لأنّ إحرامه شرعي على ما تقدّم، فتترتّب عليه أحكامه، لا بمعنى
أنّه مخاطب بالتحريم و أنّ العقاب يترتّب على فعله، بل بمعنى أنّ الولي يجنّبه
جميع ما يجتنبه المحرم.
فإن فعل الصبي شيئا من المحظورات فإن وجب به
الفداء على البالغ في حالتي عمده و خطئه كالصيد، وجب عليه الجزاء، لأنّ عمد الصبي
كخطإ البالغ.
و يجب في مال الصبي، لأنّه مال وجب بجنايته،
فوجب أن يجب في
______________________________
(1)
الحاوي الكبير 4: 210، فتح العزيز 7: 423، المجموع 7: 30، حلية العلماء 3:
235، الكافي في فقه أهل المدينة: 169،
التفريع 1: 353، المغني 3: 210، الشرح الكبير 3: 172.
(2) الحاوي الكبير 4: 210، فتح العزيز 7:
423، المجموع 7: 30، حلية العلماء 3:
235.
32
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 20: ؛ ج 7، ص : 32
ماله، كما لو استهلك
مال غيره.
و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني: أنّه يجب
في مال الولي- و هو الذي نصّ عليه الشافعي في الإملاء- لأنّ الولي هو الذي ألزمه
الحجّ بإذنه، فكان ذلك من جهته و منسوبا إلى فعله «1» و إن اختلف
حكم عمده و سهوه في البالغ، كالطيب و اللبس، فإن فعله الصبي ناسيا، فلا فدية فيه،
لأنّها لا تجب في حق البالغ ففي الصبي أولى.
و إن فعله عمدا، قال الشيخ رحمه اللّٰه:
الظاهر أنّه تتعلّق به الكفّارة على وليّه.
و إن قلنا: لا يتعلّق به شيء، لما روي عنهم
عليهم السلام من أنّ «عمد الصبي و خطأه واحد» «2» و الخطأ في
هذه الأشياء لا تتعلّق به كفّارة من البالغين، كان قويّا «3».
و للشافعي قولان مبنيان على اختلاف قوله في
عمد الصبي هل يجري مجرى الخطأ أو مجرى العمد من العاقل؟ على قولين:
أحدهما: أنّه يجري مجرى الخطأ، فلا فدية فيه،
كالبالغ الناسي.
و الثاني: أنّه عمد صحيح، فالفدية واجبة «4».
و أين تجب؟ على الوجهين:
أحدهما: أنّه على الصبي، لأنّ الوجوب بسبب ما
ارتكبه.
و أصحّهما في مال الولي- و به قال مالك- لأنّه
الذي أوقعه و غرّر بماله «5».
______________________________
(1)
الحاوي الكبير 4: 210- 211، فتح العزيز 7: 245، المجموع 7: 32.
(2) التهذيب 10: 233- 920.
(3) المبسوط- للطوسي- 1: 329.
(4) الحاوي الكبير 4: 211، فتح العزيز 7:
424، المجموع 7: 31.
(5) الحاوي الكبير 4: 211، فتح العزيز 7:
425، المجموع 7: 32.
33
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 21: ؛ ج 7، ص : 34
لكن لو طيّبه الولي
كانت الفدية في ماله لا [1] في مال الصبي وجها واحدا «2».
هذا كلّه إذا أحرم بإذن الولي، و إن أحرم بغير
إذنه، فلا فدية، و هو أحد وجهي الشافعية.
و لهم آخر: أنّه يجوز إحرامه، فالفدية في ماله «3».
مسألة 21:
إذا وجبت الفدية في مال الصبي، فإن كانت
مترتّبة، فحكمها حكم كفّارة القتل، و إلّا فهل يجزئ أن يفتدي بالصوم في الصغر؟
للشافعية وجهان مبنيان على أنّه إذا أفسد
الحجّ هل يجزئه قضاؤه في الصغر؟
و ليس [2] للولي و الحال هذه أن يفدي عنه
بالمال، لأنّه غير متعيّن.
و لهم وجه آخر: أنّه إذا أحرم به الأب أو
الجدّ، فالفدية في مال الصبي، فإن أحرم به غيرهما فهي عليه «5».
مسألة 22:
لو وطأ الصبي في الفرج ناسيا، لم يكن عليه شيء،
و لا يفسد حجّه، كالبالغ سواء.
و إن كان عمدا، قال الشيخ رحمه اللّٰه: على ما
قلناه من أنّ عمده و خطأه سواء لا يتعلّق به أيضا فساد الحجّ.
و لو قلنا: إنّ عمده عمد، لعموم الأخبار في من
وطأ عامدا في الفرج من أنّه يفسد حجّه، فقد فسد حجّه، و عليه الإتمام، و لزمه
القضاء.
قال: و الأقوى الأول، لأنّ إيجاب القضاء
يتوجّه إلى المكلّف و هذا
______________________________
[1]
كلمة «لا» حرّفت في النسخ الخطية و الحجرية إلى «أو» و ما أثبتناه هو الصحيح.
[2] كلمة «ليس» صحّفت في النسخ الخطية و
الطبعة الحجرية إلى «ان» و ما أثبتناه هو الصحيح.
______________________________
(2)
الحاوي الكبير 4: 211، المجموع 7: 33.
(3) فتح العزيز 7: 425، المجموع 7: 32.
(5) فتح العزيز 7: 425- 426، المجموع 7: 33.
34
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 22: ؛ ج 7، ص : 34
ليس بمكلّف «1».
و قالت الشافعية: إذا جامع ناسيا أو عامدا و
قلنا: إنّ عمده خطأ، ففي فساد حجّه قولان، كالبالغ إذا جامع ناسيا.
و الأظهر أنّه لا يفسد.
و إن قلنا: إنّ عمده عمد، فسد حجّه.
و إذا فسد فهل عليه القضاء؟ فيه قولان:
أحدهما: لا، لأنّه ليس أهلا لوجوب العبادات
البدنية.
و أصحّهما: نعم، لأنّه إحرام صحيح، فيوجب
إفساده القضاء، كحجّ التطوّع «2».
إذا عرفت هذا، فإن أوجبنا القضاء فإنّه لا
يجزئه حالة الصبا، بل يجب عليه بعد بلوغه.
و للشافعي قولان في إجزاء القضاء قبل البلوغ:
أصحّهما: نعم، اعتبارا بالأداء.
و الثاني: لا- و به قال مالك و أحمد- لأنّه
فرض و الصبي ليس أهلا لأداء فرض الحج «3».
و على هذا القول لو لم يقض حتى بلغ، نظر في ما
أفسده، إن كانت بحيث لو سلمت عن الإفساد، أجزأت عن حجة الإسلام، فإن بلغ قبل فوات
الوقوف، أجزأ القضاء عن حجة الإسلام، و إن كانت لا تجزئ لو سلمت عن الإفساد، لم
تجزئ عن حجة الإسلام، و عليه أن يبدأ بحجة الإسلام ثم يقضي «4».
______________________________
(1)
المبسوط- للطوسي- 1: 329.
(2) فتح العزيز 7: 426، الحاوي الكبير 4:
211، المجموع 7: 34- 35.
(3) فتح العزيز 7: 426، المجموع 7: 35، حلية
العلماء 3: 234- 235.
(4) فتح العزيز 7: 426، المجموع 7: 35- 36.
35
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 23: ؛ ج 7، ص : 36
فإن نوى القضاء
أوّلا، قالت الشافعية: انصرف إلى حجة الإسلام «1».
و فيه إشكال.
و على تقدير تجويز القضاء في الصّغر لو شرع
فيه و بلغ قبل الوقوف، انصرف إلى حجة الإسلام، و عليه القضاء «2».
و إذا فسد حجّه و أوجبنا القضاء، وجبت
الكفّارة أيضا، و إن لم نوجب القضاء، ففي الكفّارة للشافعية وجهان، و الأصحّ
عندهم: الوجوب «3».
و إذا وجبت الكفّارة فهي على الولي أو في مال
الصبي؟ فيه الخلاف «4».
مسألة 23:
لو فعل الولي في الصبي ما يحرم على الصبي
مباشرته، كما لو طيّبه أو ألبسه مخيطا أو حلق رأسه، فإن فعل ذلك لحاجة الصبي، كما
لو طيّبه تداويا، فالأقرب أنّه كمباشرة الصبي، لأنّه وليّه، و قد فعل شيئا
لمصلحته، فيكون ما ترتّب عليه لازما للصبي.
و هو أصحّ وجهي الشافعية، و الثاني: أنّ
الفدية على الولي، لأنّ المباشرة وقعت منه «5».
و الأقرب الأول
مسألة 24:
أجمع علماء الأمصار على أنّ الصبي إذا حجّ في
حال صغره، و العبد إذا حجّ في حال رقّه، ثم بلغ الصبي و عتق العبد، وجب عليهما حجة
الإسلام إذا جمعا الشرائط.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على ذلك إلّا
من شذّ عنهم ممّن لا يعدّ قوله خلافا «6».
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 427، المجموع 7: 36.
(2) فتح العزيز 7: 427، المجموع 7: 36.
(3) فتح العزيز 7: 427، المجموع 7: 36- 37.
(4) فتح العزيز 7: 427، المجموع 7: 37.
(5) فتح العزيز 7: 430، المجموع 7: 34.
(6) المغني 3: 203، الشرح الكبير 3: 167.
36
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 25: ؛ ج 7، ص : 37
و به قال ابن عباس و
عطاء و الحسن البصري و النخعي و الثوري و مالك و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و
أصحاب الرأي «1».
لما رواه العامة عن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه
عليه و آله، أنّه قال: (إنّي أريد أن اجدّد في صدور المؤمنين عهدا: أيّما صبي حجّ
به أهله فمات أجزأت عنه، فإن أدرك فعليه الحج، و أيّما مملوك حجّ به فمات أجزأت
عنه، فإن أعتق فعليه الحجّ) «2».
و من طريق الخاصة: ما رواه مسمع بن عبد الملك
عن الصادق عليه السلام، قال: «لو أنّ غلاما حجّ عشر سنين ثم احتلم، كانت عليه
فريضة الإسلام، و لو أنّ مملوكا حجّ عشر حجج ثم أعتق، كانت عليه فريضة الإسلام إذا
استطاع إليه سبيلا» «3».
و لأنّ الحج عبادة بدنية فعلها قبل وقت
وجوبها، فلا تقع مجزئة، كما لو صلّى قبل الوقت.
مسألة 25:
لو حجّ الصبي أو العبد فبلغ أو أعتق في أثناء
الحجّ، فإن كان زوال العذر بعد الوقوف بالمشعر الحرام لم تجزئهما عن حجّة الإسلام-
و هو قول العلماء- لأنّ معظم العبادة وقع حالة النقصان.
و ما رواه معاوية بن عمّار عن الصادق عليه
السلام، قال: قلت له:
مملوك أعتق يوم عرفة، قال: «إذا أدرك أحد
الموقفين فقد أدرك الحج» «4» دلّ بمفهومه على عدم إدراكه للحج إذا لم
يدركهما معتقا.
و لا فرق بين أن يكون وقت الوقوف باقيا و لم
يقف فيه أو قد فات، و هو
______________________________
(1)
المغني 3: 203، الحاوي الكبير 4: 244، المجموع 7: 57، بدائع الصنائع 2:
120.
(2) أورده ابنا قدامة في المغني 3: 203، و
الشرح الكبير 3: 167 نقلا عن سعيد في سننه.
(3) الكافي 4: 278- 18، التهذيب 5: 6- 15.
(4) الفقيه 2: 265- 1290، التهذيب 5: 5- 13،
الاستبصار 2: 148- 485.
37
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 25: ؛ ج 7، ص : 37
قول أكثر الشافعية «1».
و قال ابن سريج: إذا بلغ و وقت الوقوف باق،
يجزئه عن حجة الإسلام و إن لم يعد إلى الموقف «2».
و إن بلغ الصبي أو أعتق العبد قبل الوقوف
بالمشعر فوقف به أو بعرفة معتقا و فعل باقي الأركان، أجزأ عن حجة الإسلام، و كذا
لو بلغ أو أعتق و هو واقف عند علمائنا أجمع- و به قال ابن عباس، و هو مذهب الشافعي
و أحمد و إسحاق «3»- لما قدّمناه في الحديث عن الصادق «4» عليه
السلام.
و قال الحسن البصري في العبد: يجزئ «5».
و قال مالك: لا يجزئهما. و هو قول ابن المنذر «6».
و قال أصحاب الرأي: لا يجزئ العبد، فأمّا
الصبي فإن جدّد إحراما بعد احتلامه قبل الوقوف أجزأه، و إلّا فلا، لأنّ إحرامهما
لم ينعقد واجبا، فلا يجزئ عن الواجب، كما لو بقيا على حالهما «7».
و يعارض: بأنّه أدرك الوقوف حرّا بالغا،
فأجزأه، كما لو أحرم تلك الساعة، و لا خلاف في أنّ الصبي لو بلغ أو العبد لو أعتق
بعرفة و هما غير محرمين فأحرما و وقفا بعرفة و قضيا المناسك، فإنّه يجزئهما عن
حجّة الإسلام.
و نقل عن ابن عباس أنه إذا أعتق العبد بعرفة
أجزأت عنه حجّته، و إن
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 429، الحاوي الكبير 4: 246، المجموع 7: 58، حلية العلماء 3:
360.
(2) فتح العزيز 7: 429، الحاوي الكبير 4:
246، المجموع 7: 58، حلية العلماء 3:
360.
(3) فتح العزيز 7: 429، المجموع 7: 58، حلية
العلماء 3: 360، الحاوي الكبير 4:
246، المغني 3: 204، الشرح الكبير 3: 168.
(4) تقدّم آنفا.
(5) المغني 3: 204، الشرح الكبير 3: 168.
(6) المغني 3: 204، الشرح الكبير 3: 168،
حلية العلماء 3: 360.
(7) المغني 3: 204، الشرح الكبير 3: 168.
38
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 26: ؛ ج 7، ص : 39
أعتق بجمع، لم تجزئ
عنه «1».
و قد تلخّص من هذا أنّ مالكا شرط في الصبي و
العبد وقوع جميع الحجّ في حالة التكليف «2»، و أبو حنيفة لا
يعتدّ بإحرام الصبي «3».
و لا يجب عليه إعادة السعي لو كان قد سعى عقيب
طواف القدوم قبل البلوغ- و هو أحد وجهي الشافعيّة «4»- لأنّه لا
بأس بتقدّم السعي كتقدّم الإحرام.
و أصحّهما عندهم: وجوب الإعادة، لوقوعه في
حالة النقص، و يخالف الإحرام، فإنّه يستدام بعد البلوغ، و السعي لا استدامة له «5».
و الأصل براءة الذمة.
و قد بنى الشافعية الوجهين على أنّه إذا وقع
حجّه عن حجّة الإسلام فكيف تقدير إحرامه؟ هل تبيّن انعقاده في الأصل فرضا أو نقول
بأنّه انعقد نفلا ثم انقلب فرضا؟ فإن قلنا بالأول، فلا حاجة إلى الإعادة، و إن
قلنا بالثاني فلا بدّ منها «6».
مسألة 26:
إذا أجزأ حجّهما عن حجّة الإسلام بأن يدركا
أحد الموقفين كاملين، لم يكن عليهما دم مغاير لدم الهدي.
و للشافعية طريقان، أظهرهما: أنّه على قولين:
أحدهما: نعم، لأنّ إحرامه من الميقات ناقص،
لأنّه ليس بفرض.
و أصحّهما: لا، لأنّه أتى بما في وسعه، و لم
تصدر منه إساءة «7».
______________________________
(1)
كما في المغني 3: 204، و الشرح الكبير 3: 168.
(2) كما في فتح العزيز 7: 429.
(3) فتح العزيز 7: 429.
(4) فتح العزيز 7: 429، الحاوي الكبير 4:
246، المجموع 7: 58- 59.
(5) فتح العزيز 7: 429، الحاوي الكبير 4:
246، المجموع 7: 58- 59.
(6) فتح العزيز 7: 429، المجموع 7: 60.
(7) فتح العزيز 7: 429، المجموع 7: 59.
39
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 27: ؛ ج 7، ص : 40
و بنى بعضهم القولين
على أصل التبيّن، فإن قلنا به، فلا دم عليه، و إن قلنا بانعقاد إحرامه نفلا ثم
انقلب فرضا، لزم الدم «1».
و الطريق الثاني: أنّه لا دم عليه «2».
و هذا الخلاف عندهم فيما إذا لم يعد بعد
البلوغ إلى الميقات، فإن عاد إليه، لم يلزمه الدم بحال، لأنّه أتى بالممكن أوّلا و
أخيرا، و بذل ما في وسعه «3».
و قد بيّنّا مذهبنا في ذلك.
مسألة 27:
لو بلغ الصبي أو أعتق العبد قبل الوقوف أو في
وقته و أمكنهما الإتيان بالحجّ، وجب عليهما ذلك، لأنّ الحجّ واجب على الفور، فلا
يجوز لهما تأخيره مع إمكانه كالبالغ الحرّ، خلافا للشافعي «4».
و متى لم يفعلا الحجّ مع إمكانه، فقد استقرّ
الوجوب عليهما، سواء كانا موسرين أو معسرين، لأنّ ذلك وجب عليهما بإمكانه في
موضعه، فلم يسقط بفوات القدرة بعده.
مسألة 28:
المجنون لا يجب عليه الحجّ بالإجماع، لأنّه
ليس محلّا للتكليف، لما رواه العامة عن علي عليه السلام أنّ رسول اللّٰه صلّى
اللّٰه عليه و آله، قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، و عن الصبي
حتى ينبت، و عن المعتوه حتى يعقل) [1].
و من طريق الخاصة: ما رواه محمد بن يحيى
الخثعمي، قال: سأل
______________________________
[1]
سنن الترمذي 4: 32- 1423، و أوردها عنه ابنا قدامة في المغني 3: 165، و الشرح
الكبير 3: 166- 167، و فيها: (حتى يشب) بدل (حتى ينبت).
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 429- 430.
(2) فتح العزيز 7: 430، المجموع 7: 59.
(3) فتح العزيز 7: 430، المجموع 7: 59.
(4) الحاوي الكبير 4: 24، المجموع 7: 102 و
103، حلية العلماء 3: 243.
40
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 28: ؛ ج 7، ص : 40
حفص الكناسي أبا عبد
اللّٰه عليه السلام- و أنا عنده- عن قول اللّٰه عزّ و جلّ:
وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ
مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا «1» ما يعني بذلك؟ قال:
«من كان صحيحا في بدنه مخلّى سربه، له زاد و
راحلة فهو ممّن يستطيع الحجّ» «2» و المجنون غير صحيح، فلا يندرج تحت
الخطاب.
إذا عرفت هذا، فلو حجّ حالة جنونه، لم يجزئه
إجماعا.
و لو أحرم به الوليّ، صحّ إحرامه كالطفل، فإن
عاد عقله قبل الوقوف بالمشعر الحرام فوقف به، أجزأه عن حجّة الإسلام، و إن كان بعد
الوقوف، لم يجزئه، و وجب عليه إعادة الحجّ مع إفاقته و كمال الشرائط.
و لو كان المجنون يعتوره أدوارا، فإن وسع
الوقت في نوبة العقل لأداء الحجّ من بلده و إكماله و عوده، وجب عليه الحجّ، لأنّه
عاقل مكلّف مستطيع، و إن قصر الوقت عن ذلك، سقط عنه الوجوب، و حكم المجنون حكم
الصبي غير المميّز في جميع ما تقدّم.
و لو خرج الوليّ بالمجنون بعد ما استقرّ فرض
الحجّ عليه و أنفق عليه من ماله، فإن لم يفق حتى فات الوقوف غرم له الولي زيادة
نفقة السفر، و إن أفاق و أحرم و حجّ، فلا غرم عليه، لأنّه قضى ما وجب عليه.
و شرطت الشافعية إفاقته عند الإحرام و الوقوف
و الطواف و السعي «3»، و لم يتعرّضوا لحالة الحلق، و قياس كونه منسكا عندهم
اشتراط الإفاقة كسائر الأركان «4».
و حكم المغمى عليه حكم المجنون لا يجب عليه
الحجّ، و لا يحرم عنه غيره على إشكال- و به قال الشافعي و أبو يوسف و محمد «5»- لأنّه ليس
أهلا
______________________________
(1)
آل عمران: 97.
(2) الكافي 4: 267- 2، التهذيب 5: 3- 2.
(3) فتح العزيز 7: 428، المجموع 7: 38.
(4) فتح العزيز 7: 428، المجموع 7: 38.
(5) المغني 3: 211، الشرح الكبير 3: 173،
المجموع 7: 38، حلية العلماء 3: 235، بدائع الصنائع 2: 161.
41
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
البحث الثاني: في شرط الحرية ؛ ج 7، ص : 42
للخطاب حالة الإغماء.
و قال أبو حنيفة: يحرم عنه رفيقه، فيصير محرما بإحرامه استحسانا «1».
و قد علم من ذلك أنّ التكليف شرط الوجوب دون الصحة، إذ يصح من غير المكلّف.
البحث الثاني: في شرط الحرّية
مسألة 29:
لا خلاف بين علماء الأمصار أنّ الحرّية شرط في وجوب الحجّ و العمرة، و قد سبق البحث في ذلك.
و يصح من العبد الحجّ بإذن مولاه، و لا يجزئه عن حجّة الإسلام بعد عتقه لو وجبت عليه إلّا أن يدرك أحد الموقفين معتقا على ما تقدّم.
و ليس له أن يحرم بحجّ أو عمرة إلّا بإذن مولاه بلا خلاف، لأنّ منافعه مستحقّة لمولاه، و يجب عليه صرف زمانه في إشغاله، فلا يجوز أن يفوّت حقوق مولاه الواجبة عليه بالتزام ما ليس بلازم عليه، فإن أحرم بغير إذن مولاه، لم ينعقد إحرامه.
و للسيّد منعه منه. و لا يلزمه الهدي و لا بد له، لأنّ إحرامه لم ينعقد، و لأنّه لا يملك أن يحرم، لقوله تعالى عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْءٍ «2».
و لما رواه الشيخ عن آدم عن أبي الحسن عليه السلام قال: «ليس على المملوك حجّ و لا جهاد، و لا يسافر إلّا بإذن مالكه» «3» و النهي في العبادة يدلّ
______________________________
(1) المغني 3: 211، الشرح الكبير 3: 173، المجموع 7: 38، حلية العلماء 3: 235، بدائع الصنائع 2: 161.
(2) النحل: 75.
(3) التهذيب 5: 4- 5.
42
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 30: ؛ ج 7، ص : 43
على الفساد.
و قال أحمد: إنّ إحرامه ينعقد صحيحا، لأنّه
عبادة بدنية يصحّ من العبد الدخول فيها بغير إذن سيّده.
و لسيّده أن يحلّله- في إحدى الروايتين عنه-
لأنّ في بقائه عليه تفويتا لحقّه من المنافع بغير إذنه، فلم يلزم ذلك سيّده كالصوم
المضرّ ببدنه، و إذا حلّله منه، كان حكمه حكم المحصر.
و الثانية: ليس له تحليله، لأنّه لا يملك
التحلّل من تطوّعه فلم يملك تحليل عبده. و الأول أصح، لأنّه التزم التطوّع باختيار
نفسه، فنظيره أن يحرم عبده بإذنه، و في مسألتنا يفوت حقّه الواجب بغير اختياره «1».
مسألة 30:
لو أذن السيد في الإحرام فأحرم، انعقد إحرامه،
و صحّ إجماعا، لما رواه إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه السلام، قال: سألته عن أمّ
الولد تكون للرجل يكون قد أحجّها أ يجوز [1] ذلك عنها من حجّة الإسلام؟
قال: «لا» قلت: لها أجر في حجّتها؟ قال: «نعم» «3».
إذا عرفت هذا، فهل لسيّده بعد إذنه الرجوع؟ إن
لم يكن قد أحرم كان له الرجوع قطعا، و إن كان المملوك قد تلبّس بالإحرام، لم يكن
للمولى الرجوع فيه و لا تحليله، لأنّه إحرام انعقد صحيحا فلم يكن له إبطاله
كالصلاة، و به قال الشافعي و أحمد، لأنّه عقد لازم عقده بإذن سيده فلم يكن لسيده
منعه، كالنكاح «4».
و قال أبو حنيفة: له تحليله، لأنّه ملك منافع
نفسه، فكان له الرجوع،
______________________________
[1]
في التهذيب و الاستبصار: أ يجزئ.
______________________________
(1)
المغني 3: 205، الشرح الكبير 3: 173.
(3) الفقيه 2: 265- 1288، التهذيب 5: 5- 10،
الاستبصار 2: 147- 482.
(4) فتح العزيز 8: 22، المجموع 7: 45،
الحاوي الكبير 4: 251، المغني 3:
205- 206، الشرح الكبير 3: 173.
43
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
فروع: ؛ ج 7، ص : 44
كالمعير يرجع في
العارية «1».
و الفرق ظاهر، فإنّ العارية ليست لازمة، و لو
أعاره شيئا ليرهنه فرهنه، لم يكن له الرجوع فيه.
فروع:
[الأول]
أ- لو أذن له سيّده في الإحرام ثم رجع و علم
العبد رجوعه قبل الإحرام، بطل إحرامه، و صار كمن لم يؤذن له.
و لو لم يعلم حتى أحرم فهل للمولى تحليله؟ قال
الشيخ رحمه اللّٰه:
الأولى أن نقول: ينعقد إحرامه، غير أنّ للسيّد
منعه منه، و قد قيل: إنّه لا ينعقد إحرامه أصلا «2».
و للعامّة في أنّه هل يكون حكمه حكم من أحرم
بإذن سيّده؟ وجهان «3».
[الثاني]
ب- لو باعه سيّده بعد ما أحرم فحكم مشتريه في
تحليله حكم بائعه سواء، لأنّه اشتراه مسلوب المنفعة، فأشبه بيع الأمة المزوّجة أو
المستأجرة، فإن علم المشتري بذلك، فلا خيار له، لأنّه دخل على علم، فأشبه ما لو
اشترى معيبا علم بعيبه.
و إن لم يعلم، فله فسخ البيع، لأنّه يتضرّر
بمضيّ العبد في الحجّ، لفوات منافعه و عجزه عن تحليله [1]، و هو نقص يوجب الردّ،
إلّا في إحرام يكون لسيّده تحليله، فلا يملك الفسخ، لأنّه يمكنه رفع الضرر عنه.
[الثالث]
ج- إذا باعه مولاه في إحرام له تحليله فيه، لم
يكن ذلك تحليلا له و لا مقتضيا لذلك، و يكون حكم المشتري حكمه في جواز التحليل،
فإن أمره
______________________________
[1]
في النسخ الخطية: تحلله
______________________________
(1)
فتح العزيز 8: 23، المجموع 7: 45، الحاوي الكبير 4: 251، المغني 3: 205، الشرح
الكبير 3: 173.
(2) المبسوط- للطوسي- 1: 327.
(3) المغني 3: 206، الشرح الكبير 3: 173.
44
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 31: ؛ ج 7، ص : 45
البائع بالمضيّ في
إحرامه و إتمام حجّه بعد البيع، لم يعتدّ بهذا الأمر و إن كان في زمن خياره، و لو
أمره المشتري، لم يكن له تحليله و لا لبائعه و إن كان في زمن خياره.
مسألة 31:
لو أحرم العبد بغير إذن سيّده ثم أعتقه قبل
الموقفين، لم يجزئه إحرامه، و وجب عليه الرجوع إلى الميقات و الإحرام منه إن
أمكنه، و إن لم يمكنه، أحرم من موضعه، فإن فاته المشعر الحرام، فقد فاته الحجّ.
و إن أحرم بإذن سيّده، لم يلزمه الرجوع إلى
الميقات، لأنّ إحرامه صحيح منعقد، فإن أدرك المشعر الحرام بعد العتق فقد أدرك حجّة
الإسلام، و إن لم يدركه معتقا، لم يجزئه، و كان عليه الحجّ مع الشرائط.
و إذا أحرم بغير إذن سيّده ثم أفسد الحجّ، لم
يتعلّق به حكم، لأنّ إحرامه غير منعقد.
و إن أحرم بإذن سيّده ثم أفسده، لزمه المضيّ
في فاسدة، كالحرّ، و ليس لسيّده إخراجه منه، لأنّه ليس له منعه من صحيحه فلم يكن
له منعه من فاسدة.
و قالت العامّة: إن كان إحرامه بغير إذن
سيّده، كان له تحليله منه، لأنّه يملك تحليله من صحيحه فالفاسد أولى «1».
و الحقّ ما قلناه.
مسألة 32:
إذا أفسد العبد حجّه، فإن كان مأذونا فيه، وجب
عليه القضاء و المضيّ فيه، كالحرّ، لأنّه حجّ صحيح و إحرام معتدّ به، فيترتّب عليه
أحكامه.
و يصحّ القضاء في حال رقّه، لأنّه وجب في حال
الرقّ فيصحّ به، كالصلاة و الصيام، و ليس لسيّده منعه من القضاء، لأنّ إذنه في
الحجّ الأول
______________________________
(1)
المغني 3: 207، الشرح الكبير 3: 175.
45
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 33: ؛ ج 7، ص : 46
إذن في موجبه و
مقتضاه، و من مقتضياته القضاء لما أفسده.
و إن لم يكن الأول [1] مأذونا فيه، كان للمولى
منعه من القضاء، لأنّه يملك منعه من الحجّ الذي شرع فيه بغير إذنه فكذلك قضاؤه، و
هو قول بعض العامّة «2».
و قال بعضهم: لا يملك منعه من قضائه، لأنّه
واجب، و ليس للسيّد [2] منعه من الواجبات «4».
و هو خطأ، لأنّا نمنع وجوبه، بل نمنع صحته
فضلا عن وجوبه.
مسألة 33:
إذا أفسد العبد الحجّ و لزمه القضاء، فأعتقه
مولاه، فإن كان عتقه بعد الوقوف بالمشعر الحرام، كان عليه أن يتمّ هذه الحجّة، و
يلزمه حجّة الإسلام و حجّة القضاء، و يجب عليه البدأة بحجّة الإسلام ثم يأتي بحجّة
القضاء، و كذلك إذا بلغ و عليه قضاء، و لا يقضي قبل حجّة الإسلام، فإن فعل حجّة
الإسلام بقي عليه حجّة القضاء، و إن أحرم بالقضاء، انعقد بحجّة الإسلام، لأنّها
آكد، و كان القضاء في ذمّته، قاله الشيخ «5» رحمه اللّٰه، و هو
مذهب العامة «6».
ثم قال الشيخ: و إن قلنا: لا يجزئ عن واحد
منهما، كان قويّا «7».
و أطلق.
و الوجه: ما قوّاه الشيخ إن كان قد استطاع أو
استقرّ الحجّ في ذمّته، و إلّا فالوجه: الإجزاء عن القضاء.
______________________________
[1]
أي: الحجّ الأول.
[2] في الطبعة الحجرية: لسيّده.
______________________________
(2)
المغني 3: 207، الشرح الكبير 3: 175.
(4) المغني 3: 207، الشرح الكبير 3: 175.
(5) المبسوط- للطوسي- 1: 327- 328.
(6) المغني 3: 207، الشرح الكبير 3: 175.
(7) المبسوط- للطوسي- 1: 328.
46
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 34: ؛ ج 7، ص : 47
و إن أعتق قبل الوقوف
بالمشعر، فلا فصل بين أن يفسد بعد العتق أو قبله، فإنّه يمضي في فاسدة، و لا تجزئه
الفاسدة عن حجّة الإسلام، و يلزمه القضاء في القابل، و يجزئه القضاء عن حجّة
الإسلام، لأنّ ما أفسده لو لم يفسده لكان يجزئه عن حجّة الإسلام و هذه قضاء عنها.
مسألة 34:
إذا أحرم العبد بإذن مولاه فارتكب محظورا
يلزمه به الدم، كالتطيّب و اللبس و حلق الشعر و تقليم الأظفار و اللمس بشهوة و
الوطء في الفرج أو في ما دونه و قتل الصيد أو أكله، ففرضه الصوم، و ليس عليه دم،
كالمعسر.
و إن تحلّل بحصر عدوّ، فعليه الصوم، و لا
يتحلّل قبل فعله، كالحرّ.
قال الشيخ رحمه اللّٰه: و لسيّده منعه منه،
لأنّه فعله بغير إذنه، و إن ملّكه سيّده هديا ليخرجه فأخرجه، جاز، و إن أذن له
فصام، جاز أيضا، و إن مات قبل الصيام، جاز لسيّده أن يطعم عنه «1».
و قالت العامّة: ليس للسيّد أن يحول بينه و
بين الصوم مطلقا «2».
و الوجه: ذلك إن أذن له في الإحرام، لأنّه صوم
وجب عليه، فأشبه صوم رمضان.
و إن ملّكه السيد هديا و أذن له في إهدائه و
قلنا: إنه يملكه، فهو كالواجد للهدي لا يتحلّل إلّا به، و إن قلنا: لا يملكه،
ففرضه الصيام.
و إن أذن له سيّده في تمتّع أو قران، فعليه
الصيام بدلا عن الهدي الواجب.
و قال بعض العامّة: على سيّده تحمّل ذلك عنه،
لأنّه بإذنه، فكان على من أذن فيه، كما لو فعله النائب بإذن المستنيب «3».
و ليس بجيّد، لأنّ الحجّ للعبد و هذا من
موجباته فيكون عليه، كالمرأة
______________________________
(1)
المبسوط- للطوسي- 1: 328.
(2) المغني 3: 206، الشرح الكبير 3: 174.
(3) المغني 3: 207، الشرح الكبير 3: 174.
47
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 35: ؛ ج 7، ص : 48
إذا حجّت بإذن زوجها،
بخلاف النائب فإنّ الحجّ للمنوب، فموجبه عليه.
و عندنا أنّ للسيّد الخيار بين أن يأمره
بالصوم أو يهدي عنه.
و إن تمتّع أو قرن بغير إذن سيّده، لم يعتدّ
به.
و قالت العامّة: إنّ عليه الصوم «1».
و إن أفسد حجّه، فعليه أن يصوم كذلك، فإنه لا
مال له، فهو كالمعسر من الأحرار.
مسألة 35:
إذا نذر العبد الحجّ، فلا يخلو إمّا أن يكون
مولاه قد أذن له في النذر أو لا، فإن كان قد أذن له، فلا يخلو النذر إمّا أن يكون
مقيّدا بوقت أو مطلقا، فإن كان مقيّدا بوقت، وجب عليه الوفاء به مع قدرته، و لا
يجوز لمولاه منعه منه، لأنّه واجب عليه، و كان كما لو أذن له في الإحرام و تلبّس
به.
و هل يجب على مولاه دفع ما يحتاج إليه العبد
زائدا عن نفقة الحضر؟
الأقرب: المنع، لأصالة البراءة.
و يحتمل وجوبه، كالإذن في الدّين.
و لو قدر العبد على المشي، لم يجب على المولى
بذل الراحلة.
و لو كان مطلقا، أو مقيّدا و فرّط العبد، أو
المولى يمنعه عن المبادرة حتى صار قضاء، فالأقرب: عدم وجوبه على الفور، لأنّ حقّ
السيّد مضيّق، و النذر المطلق و قضاء النذر المقيّد غير مضيّق، لأصالة البراءة.
فلو شرع العبد و بادر معجّلا فأحرم بغير إذن
مولاه، فالأقرب أنّه ليس للمولى تحليله، لأنّه إحرام حجّ أذن له فيه مولاه، فلم
يملك تحليله، كما لو تلبّس بالإحرام بعد إذن مولاه.
و إن لم يكن مولاه قد أذن له في النذر،
فالمشهور بين علمائنا: عدم انعقاده، لأنّ أوقاته مستحقّة للمولى.
______________________________
(1)
المغني 3: 207، الشرح الكبير 3: 174.
48
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
البحث الثالث: في الاستطاعة ؛ ج 7، ص : 49
و قال بعض العامة: يصحّ نذره، لأنّه مكلّف، فانعقد نذره، كالحرّ، و لسيده منعه من المضيّ فيه، لما فيه من تفويت حقّ سيّده الواجب، فيمنع منه، كما لو لم ينذر «1».
و روي عن أحمد أنّه لا يمنع من الوفاء به، لما فيه من أداء الواجب «2».
و اختلف أصحابه على قولين:
أحدهما: أنّ ذلك على الكراهية دون التحريم.
و الثاني: التحريم، لأنّه واجب فلم يملك منعه كسائر الواجبات «3».
و هو غلط، لأنّا نمنع وجوبه.
فإن أعتق، وجب عليه الوفاء بما نذره بإذن مولاه، و في غيره الخلاف.
و تقدّم حجّة الإسلام مع وجوبها، و إطلاق النذر أو تقييده بزمان متأخّر عن الاستطاعة.
البحث الثالث: في الاستطاعة
مسألة 36:
الاستطاعة شرط في وجوب الحجّ و العمرة، بإجماع العلماء و بالنصّ:
قال اللّٰه تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا «4» دلّ بمفهومه على سقوطه عن غير المستطيع.
و لا نعلم في ذلك خلافا، و لقضاء الضرورة بقبح تكليف غير القادر.
إذا عرفت هذا، فنقول: الاستطاعة المشترطة في الآية هي الزاد و الراحلة، بإجماع علمائنا، و به قال الحسن البصري و مجاهد و سعيد بن جبير و الشافعي و أحمد و إسحاق «5».
______________________________
(1) المغني 3: 206، الشرح الكبير 3: 174.
(2) المغني 3: 206، الشرح الكبير 3: 174.
(3) المغني 3: 206، الشرح الكبير 3: 174.
(4) آل عمران: 97.
(5) المغني 3: 168، الشرح الكبير 3: 178.
49
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 36: ؛ ج 7، ص : 49
قال الترمذي: و العمل
عليه عند أهل العلم «1».
لما رواه العامّة أنّ النبي صلّى اللّٰه عليه
و آله، سئل ما السبيل؟ قال:
(الزاد و الراحلة) «2».
و من طريق الخاصة: ما رواه محمد بن يحيى
الخثعمي، قال: سأل حفص الكناسي الصادق عليه السلام- و أنا عنده- عن قول اللّٰه عزّ
و جلّ وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ
إِلَيْهِ سَبِيلًا قال: ما يعني بذلك؟ قال:
«من كان صحيحا في بدنه مخلّى سربه، له زاد و
راحلة، فهو ممّن يستطيع الحجّ» «3».
و لأنّها عبادة تتعلّق بقطع مسافة بعيدة، و
اشترط لوجوبها الزاد و الراحلة، كالجهاد.
و قال عكرمة: الاستطاعة هي الصحة «4».
و قال الضحّاك: إن كان شابّا فليؤاجر نفسه
بأكله و عقبه [1] حتى يقضي نسكه «6».
و قال مالك: إن كان يمكنه المشي و عادته سؤال
الناس، لزمه الحجّ، لأنّ هذه الاستطاعة في حقّه، فهو كواجد الزاد و الراحلة «7».
و ليس بجيّد، لأنّ هذا فعل شاقّ، فليس استطاعة
و إن كان عادة،
______________________________
[1]
منصوب بنزع الخافض.
______________________________
(1)
سنن الترمذي 3: 177 ذيل الحديث 813، و حكاه عنه ابنا قدامة في المغني 3: 168، و
الشرح الكبير 3: 178.
(2) سنن الترمذي 5: 225- 2998، سنن الدار
قطني 2: 217 و 218- 11 و 12، سنن البيهقي 4: 327 و 330، المستدرك- للحاكم- 1: 442.
(3) الكافي 4: 267- 2، التهذيب 5: 3- 2،
الإستبصار 2: 139- 454.
(4) المغني 3: 168، الشرح الكبير 3: 178.
(6) المغني 3: 168، الشرح الكبير 3: 178.
(7) بداية المجتهد 1: 319، المغني 3: 168،
الشرح الكبير 3: 178.
50
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 37: الراحلة إنما هي شرط في حق البعيد عن مكة، ؛ ج 7، ص : 51
و الشارع اعتبر عموم
الأحوال دون خصوصها، كما في مشقّة السفر، فإنّها غير معتبرة، بل المظنّة و إن كانت
المشقّة منتفية.
مسألة 37: الراحلة إنّما هي شرط في حقّ
البعيد عن مكة،
و أمّا أهل مكة فلا تشترط الراحلة فيهم، و كذا
من كان بينه و بين مكة [مكان] [1] قريب لا يحتاج إلى الراحلة، و إنّما تعتبر
الراحلة في حقّه، لأنّها مسافة قريبة يمكنه المشي إليها فلزمه، كالسعي إلى الجمعة،
و لو لم يتمكّن من المشي، اشترط في حقّه وجود المحمولة، لأنّه عاجز عن المشي،
فأشبه البعيد.
و أمّا الزاد فلا بدّ من اشتراطه في حقّ
القريب و البعيد، فإن لم يجد زادا لم يلزمه الحج، لعجزه «2».
مسألة 38: الراحلة شرط في الحجّ للقادر على
المشي و العاجز عنه،
و به قال الشافعي «3»، لقوله عليه
السلام لمّا سئل عن تفسير السبيل: (زاد و راحلة) «4».
و يعتبر راحلة مثله، فإن كان يستمسك على
الراحلة من غير محمل و لا يلحقه ضرر و لا مشقّة شديدة، فلا يعتبر في حقّه إلّا
وجدان الراحلة لحصول الاستطاعة معها، و إن كان لا يستمسك على الراحلة بدون المحمل
أو يجد مشقّة عظيمة، اعتبر مع وجود الراحلة وجود المحمل، و لو كان يجد مشقّة عظيمة
______________________________
[1]
زيادة يقتضيها السياق.
______________________________
(2)
المغني 3: 170، الشرح الكبير 3: 179.
(3) فتح العزيز 7: 10.
(4) سنن الدار قطني 2: 218- 13، سنن البيهقي
4: 330.
51
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
فروع: ؛ ج 7، ص : 52
في ركوب المحمل،
اعتبر في حقّه الكنيسة [1].
و لا فرق بين الرجل و المرأة في ذلك.
و قال بعض الشافعية: إنّ المحمل معتبر في حقّ
المرأة مطلقا «2».
و ليس بمعتمد، و الستر يحصل بالملحفة.
فروع:
أ- لا يشترط وجود عين الزاد و الراحلة،
بل المعتبر التمكّن منهما تملّكا أو استئجارا.
ب- إنّما يشترط الزاد و الراحلة في حقّ
المحتاج إليهما لبعد المسافة،
أمّا القريب فيكفيه اليسير من الأجرة بنسبة
حاجته، و المكّي لا تعتبر الراحلة في حقّه، و يكفيه التمكّن من المشي.
ج- إذا وجد شقّ محمل و وجد شريكا يجلس في
الجانب الآخر،
لزمه الحجّ، فإن لم يجد الشريك و لم يتمكّن
إلّا من مئونة الشقّ، سقط عنه الحجّ مع حاجته إلى المحمل، و إن تمكّن من المحمل
بتمامه، احتمل وجوب الحجّ، لأنّه مستطيع، و عدمه، لأنّ بذل الزيادة خسران لا مقابل
له.
د- القريب إلى مكة إذا شقّ عليه المشي أو
الركوب بغير محمل،
اشترطت الراحلة و المحمل في حقّه، كالبعيد، و
لا يؤمر بالزحف «3» و إن أمكن.
ه- يجب شراء الراحلة و المحمل مع الحاجة
إليهما أو استيجارهما بثمن المثل و أجرته،
فإن زاد فإن لم يتمكّن من الزيادة، سقط الحج،
و إن تمكّن منها، وجب، لأنّه مستطيع.
______________________________
[1]
بهامش «ن»: يريد بها المحفّة.
______________________________
(2)
فتح العزيز 7: 11، المجموع 7: 67.
(3) الزحف: المشي. لسان العرب 9: 129.
52
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 39: الزاد شرط في وجوب الحج، لعدم التمكن بدونه ؛ ج 7، ص : 53
و قيل: لا يجب «1». و ليس
بمعتمد.
مسألة 39: الزاد شرط في وجوب الحجّ، لعدم التمكّن
بدونه.
و المراد منه أن يملك ما يبلغه إلى الحجّ إمّا
عين الزاد أو ثمنه مع وجود بائعه بقدر كفايته مدّة سفره و عوده إلى وطنه، سواء كان
له أهل و عشيرة يأوي إليهم أو لم يكن، و هو أحد وجهي الشافعية «2».
و الثاني لهم: أنّه لا يشترط في حقّ من لا أهل
له و لا عشيرة مئونة الإياب، لأنّ البلاد بالنسبة إليه متساوية «3».
و ليس بجيّد، لأنّ النفوس تطلب الأوطان.
و لا فرق أيضا بين أن يملك في بلدته مسكنا أو
لا.
و خصّص الجويني الوجهين بمن له ملك في البلد «4».
و يجري الوجهان لهم في الراحلة «5».
و لهم وجه آخر ضعيف عندهم: أنّه لا يعتبر
مئونة الإياب مطلقا «6».
إذا عرفت هذا، فالمشترط في الراحلة و الزاد
راحلة مثله و زاد مثله، لتفاوت الأشخاص في خشونة العيش و نعومته، فيعتبر في حقّ
الرفيع زيادة على ما يحتاج إليه غيره ممّا يناسبه.
مسألة 40: يشترط أن يكون الزاد و الراحلة
فاضلين عن نفقته
و نفقة من تلزمه نفقته مدّة ذهابه و رجوعه و
دست ثوب يليق به.
و هل يشترط أن يكونا فاضلين عن مسكنه و عبده
الذي يحتاج إلى خدمته لعجزه أو لمنصبه؟ الوجه: ذلك، كما في الكفّارة، و هو أظهر
وجهي الشافعيّة.
______________________________
(1)
كما في شرائع الإسلام 1: 226، و راجع: المبسوط- للطوسي- 1: 300.
(2) المهذب- للشيرازي- 1: 204، فتح العزيز
7: 13، المجموع 7: 68.
(3) المهذب- للشيرازي- 1: 204، فتح العزيز
7: 13، المجموع 7: 68.
(4) فتح العزيز 7: 13.
(5) فتح العزيز 7: 13، المجموع 7: 68.
(6) فتح العزيز 7: 13، المجموع 7: 68.
53
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 41: كما تعتبر قدرته على المطعوم و المشروب ؛ ج 7، ص : 54
و الثاني: لا يشترط،
بل يباعان في المئونة- و به قال مالك- لأنّ الاستطاعة في الخبر [1] مفسّرة بالزاد
و الراحلة و هو واجد لهما «2».
و الوجه: الأول، لحاجته إلى المسكن و العبد،
فأشبها ثياب بدنه.
فعلى هذا إذا كانت الدار مستغرقة لحاجته و
كانت سكنى مثله و العبد عبد مثله، لم يبع شيئا منهما، و إن كانت الدار فاضلة عن
حاجته و أمكن بيع بعضها أو كانت نفيسة أو العبد كذلك و أمكن شراء أدون منه ممّا
تندفع به حاجته، احتمل وجوب البيع و الاقتصار على الأدون، و عدمه، كما في الكفّارة.
و ربما يفرّق بين الحجّ و الكفّارة بأنّ الحجّ
لا بدل له و العتق في الكفّارة له بدل.
إذا ثبت هذا، فالزاد الذي يشترط القدرة عليه
هو ما يحتاج إليه في ذهابه و عوده من مأكول و مشروب و كسوة، فإن كان يملك ذلك أو
وجده يباع بثمن المثل في الغلاء و الرخص أو بزيادة يسيرة لا تجحف بماله، لزمه
شراؤه، و إن كانت تجحف بماله، لم يلزمه شراؤه و إن تمكّن على إشكال، كما قلنا في
شراء الماء للوضوء، و إذا كان يجد الزاد في كلّ منزل، لم يلزمه حمله، و إن لم يجده
كذلك، لزمه حمله.
و أمّا الماء و علف البهائم فإن كان يوجد في
المنازل التي ينزلها على حسب العادة، فلا كلام، و إن لم يوجد، لم يلزمه حمله من
بلده و لا من أقرب البلدان إلى مكة كأطراف الشام و نحوها، لما فيه من عظم المشقة و
عدم جريان العادة به، و لا يتمكّن من حمل الماء لدوابّه في جميع الطريق، و الطعام
بخلاف ذلك.
مسألة 41: كما تعتبر قدرته على المطعوم و
المشروب
و التمكّن من
______________________________
[1]
في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق، و الطبعة الحجرية: الحر. و هي تصحيف، و
الصحيح ما أثبتناه.
______________________________
(2)
فتح العزيز 7: 13.
54
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 42: يعتبر أن تكون هذه الأشياء التي ذكرناها فاضلة عما يحتاج إليه ؛ ج 7، ص : 55
حمله من بلده كذا
تعتبر قدرته على الآلات و الأوعية التي يحتاج إليها كالغرائر [1] و نحوها، و أوعية
الماء من القرب و غيرها، و جميع ما يحتاج إليه، كالسّفرة و شبهها، لأنّه ممّا لا
يستغني عنه، فأشبه علف البهائم.
و كذا يشترط وجود راحلة تصلح لمثله على ما
بيّنّا إمّا بشراء أو بأجرة لذهابه و عوده، و يجد ما يحتاج إليه من آلتها التي
تصلح لمثله.
فإن كان ممّن يكفيه الرحل و القتب و لا يخشى
السقوط، أجزأ وجود ذلك، و إن كان ممّن لم تجر عادته بذلك و يخشى السقوط عنهما،
يعتبر وجود محمل و ما أشبهه ممّا لا مشقّة في ركوبه و لا يخشى السقوط عنه، لأنّ
الراحلة إنّما اعتبرت في حقّ القادر على المشي لدفع المشقّة عنه، فيجب أن يعتبر
هنا ما تندفع به المشقّة.
و إن كان ممّن لا يقدر على خدمة نفسه و القيام
بأمره، اعتبرت القدرة على من يخدمه، لأنّه من سبيله.
مسألة 42: يعتبر أن تكون هذه الأشياء التي
ذكرناها فاضلة عمّا يحتاج إليه
لنفقة عياله الذين تلزمه مؤونتهم في سفره
ذاهبا و عائدا، لما رواه العامة عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله، أنّه قال: (كفى
بالمرء إثما أن يضيع من يقوت) «2».
و من طريق الخاصة: ما رواه أبو الربيع الشامي،
قال: سئل أبو عبد اللّٰه عليه السلام عن قول اللّٰه عزّ و جلّ وَ لِلّٰهِ
عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فقال: «ما
يقول الناس؟» قال: فقيل له: الزاد و الراحلة، قال: فقال أبو عبد اللّٰه عليه
السلام: «قد سئل أبو جعفر عليه السلام عن هذا، فقال: هلك الناس إذن، لئن كان كلّ
من له زاد و راحلة قدر ما يقوت
______________________________
[1]
الغرائر جمع، واحدتها، غرارة، و هي الجوالق. لسان العرب 5: 18.
______________________________
(2)
سنن أبي داود 2: 132- 1692، سنن البيهقي 7: 467 و 9: 25، المعجم الكبير- للطبراني-
12: 382- 13414، مسند أحمد 12: 160.
55
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
تذنيب: لو احتاج إلى النكاح و خاف على نفسه العنت، ؛ ج 7، ص : 56
عياله و يستغني به عن
الناس ينطلق فيسلبهم إيّاه لقد هلكوا إذن» فقيل له: ما السبيل؟ قال: فقال: «السعة
في المال إذا كان يحجّ ببعض و يبقى بعض لقوت عياله، أ ليس قد فرض اللّٰه الزكاة،
فلم يجعلها إلّا على من ملك مائتي درهم» «1».
و لأنّ النفقة متعلّقة بحقوق الآدميّين و هم
أحوج و حقّهم آكد.
و يشترط أيضا أن تكون فاضلة عمّا يحتاج هو و
أهله إليه من مسكن و خادم و ما لا بدّ منه من ثياب و غيرها، و أن يكون فاضلا عن
قضاء دينه، لأنّ قضاء الدّين من حوائجه الأصلية، و تتعلّق به حقوق الآدميّين فهو
آكد، و لهذا منع الخمس مع تعلّق حقوق الفقراء من ذوي القربى به، و حاجتهم إليها،
فالحجّ الذي هو خالص حقّ اللّٰه تعالى أولى.
و لا فرق بين أن يكون الدّين لآدمي معيّن أو
من حقوق اللّٰه تعالى، كزكاة في ذمّته أو كفّارات و شبهها.
و لا فرق أيضا بين أن يكون الدّين حالّا أو
مؤجّلا محلّه قبل عرفة أو بعدها في منع الوجوب، لأنّه غير موصوف بالاستطاعة.
و للشافعية في وجوب الحجّ على المديون إذا كان
الدّين يحلّ بعد عرفة وجهان:
أحدهما كما قلناه.
و الثاني: الوجوب، لأنّ الدّين المؤجّل غير
مستحقّ عليه قبل حلوله «2».
و هو ممنوع.
تذنيب: لو احتاج إلى النكاح و خاف على نفسه
العنت،
قدّم الحجّ، لأنّه واجب و النكاح تطوّع، و
يلزمه الصبر.
______________________________
(1)
الكافي 4: 267- 3، الفقيه 2: 258- 1255، التهذيب 5: 2- 3- 1، الإستبصار 2: 139-
453.
(2) الحاوي الكبير 4: 13.
56
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
تذنيب آخر: لو حج من تلزمه هذه الحقوق و ضيعها، ؛ ج 7، ص : 57
و قال بعض العامّة: يقدّم النكاح، لأنّه واجب عليه، و لا غنى به عنه، فهو كنفقته «1».
و نمنع الوجوب.
و لو لم يخف العنت، قدّم الحجّ إجماعا.
تذنيب آخر: لو حجّ من تلزمه هذه الحقوق و ضيّعها،
قال بعض العامة: يصح حجّة، لأنّها متعلّقة بذمّته، فلا تمنع صحة فعله «2».
و فيه نظر، لأنّه مأمور بصرف المال إلى نفقة العيال مثلا، فإذا صرفه في غيره، كان قد فعل المنهي عنه، و النهي يدلّ على الفساد في العبادات.
البحث الرابع: المئونة.
و يشترط أن يكون له مال يصرفه في مئونة سفره ذهابا و عودا، و مئونة عياله الذين تلزمه نفقتهم على الاقتصاد.
و هل يشترط الرجوع إلى كفاية من مال أو حرفة أو صناعة في وجوب الحجّ بعد وجدان ما ذكر؟ قال الشيخ: نعم «3».
فلو كان له زاد و راحلة و نفقة له و لعياله بقدر ذهابه و عوده و جميع ما تقدّم و ليس له ما يرجع إليه من مال أو ملك أو صناعة و حرفة يرجع إليها عند عوده من حجّه، سقط عنه فرض الحجّ- و به قال أبو العباس بن سريج من الشافعية «4»- خوفا من فقره و حاجته إلى المسألة، و في ذلك أعظم مشقّة.
______________________________
(1) المغني 3: 172، الشرح الكبير 3: 180.
(2) المغني 3: 173، الشرح الكبير 3: 180.
(3) المبسوط- للطوسي- 1: 297، الخلاف 2: 245، المسألة 2.
(4) الحاوي الكبير 4: 13، فتح العزيز 7: 14، حلية العلماء 3: 236، المهذّب- للشيرازي- 1: 204، المجموع 7: 73.
57
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
فروع: ؛ ج 7، ص : 58
و لرواية أبي الربيع الشامي عن الباقر [1] عليه السلام.
و قال أكثر علمائنا: لا يشترط الرجوع إلى كفاية «2»- و هو قول الشافعي «3»- و هو المعتمد، لأنّه مستطيع بوجود الزاد و الراحلة و نفقته و نفقة عياله ذهابا و عودا.
و رواية أبي الربيع لا حجّة فيها على ما قالوه، و المشقّة ممنوعة، فإنّ اللّٰه هو الرزّاق.
فروع:
أ- لو كان له عقار يحتاج إليه لسكناه أو سكنى عياله،
أو يحتاج إلى أجرته لنفقة نفسه أو نفقة عياله، أو سائمة يحتاجون إليها، لم يلزمه الحجّ.
و لو كان له شيء من ذلك فاضل عن حاجته، لزمه بيعه و صرفه في الحجّ.
و لو كان مسكنه واسعا يكفيه للسكنى بعضه، وجب بيع الفاضل و صرفه في الحجّ إذا كان بقدر الاستطاعة.
و كذا لو كان له كتب يحتاج إليها، لم يلزمه بيعها في الحجّ، و لو استغنى عنها، وجب البيع.
و لو كان له بكتاب نسختان يستغني بإحداهما، وجب بيع الفاضل.
و لو كان له دار نفيسة أو عبد نفيس أو كتب نفيسة و أمكنه بيعها و شراء أقلّ من ثمنها و كان مسكن مثله أو عبد مثله و الحجّ بالفاضل عن مئونته من ثمنها، فالأقرب وجوب البيع و شراء الأدون ممّا تقوم به كفايته.
______________________________
[1) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في صدر المسألة 42.
______________________________
(2) منهم: ابن إدريس في السرائر: 118، و المحقّق في المعتبر: 329، و شرائع الإسلام 1:
228، و المختصر النافع: 76، و الفاضل الآبي في كشف الرموز 1: 325- 326.
(3) الحاوي الكبير 4: 13، المهذب- للشيرازي- 1: 204، المجموع 7: 73، فتح العزيز 7: 14.
58
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
ب - لو كان له دين على باذل له يكفيه للحج، لزمه، ؛ ج 7، ص : 59
ب- لو كان له دين
على باذل له يكفيه للحجّ، لزمه،
لأنّه مستطيع، و لو كان على معسر أو تعذّر
استيفاؤه أو كان مؤجّلا، لم يلزمه الحجّ، لعدم الاستطاعة.
ج- لو كان له رأس مال يتّجر به و ينفق من
ربحه و لو صرفه في الحج لبطلت تجارته، وجب عليه الحج
- و هو أصحّ وجهي الشافعية، و به قال أبو
حنيفة «1»- لأنّه واجد.
و الثاني للشافعية: أنّه لا يكلّف الصرف إليه-
و به قال أحمد- لئلّا يلتحق بالمساكين، و كالعبد و المسكن «2».
و ليس بجيّد، لأنّ العبد و المسكن يحتاج
إليهما في الحال، و هذا إمساك ذخيرة للمستقبل.
د- لو لم يجد الزاد و وجد الراحلة و كان
كسوبا يكتسب ما يكفيه و قد عزل نفقة أهله مدّة ذهابه و عوده،
فإن كان السفر طويلا، لم يلزمه الحجّ، لما في
الجمع بين السفر و الكسب من المشقّة العظيمة، و لأنّه قد ينقطع عن الكسب لعارض
فيؤدّي إلى هلاك نفسه.
و إن كان السفر قصيرا، فإن كان تكسّبه في كلّ
يوم بقدر كفاية ذلك اليوم من غير فضل، لم يلزمه الحجّ، لأنّه قد ينقطع عن كسبه في
أيّام الحجّ فيتضرّر.
و إن كان كسبه في كلّ يوم يكفيه لأيّامه، لم
يلزمه الحجّ أيضا، للمشقّة، و لأنّه غير واجد لشرط الحجّ، و هو أحد وجهي الشافعية،
و الثاني:
الوجوب- و به قال مالك- مطلقا «3».
ه- لو كان له مال فباعه نسيئة عند قرب وقت
الخروج
إلى أجل يتأخّر
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 14.
(2) فتح العزيز 7: 14.
(3) فتح العزيز 7: 14- 15.
59
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 43: لو كان له مال يكفيه لذهابه و عوده دون نفقة عياله، ؛ ج 7، ص : 60
عنه، سقط الفور في
تلك السنة عنه، لأنّ المال إنّما يعتبر وقت خروج الناس، و قد يتوسّل المحتال بهذا
إلى دفع الحجّ.
مسألة 43: لو كان له مال يكفيه لذهابه و
عوده دون نفقة عياله،
سقط عنه فرض الحجّ، لما تقدّم من الأمر
بالنفقة على العيال، و لأنّ نفقة العيال تتعلّق بالفاضل عن قوته، و فرض الحجّ [1]
يتعلّق بالفاضل عن كفايته، فكان الإنفاق على العيال أولى من الحجّ.
و المراد بالعيال هنا من تلزمه النفقة عليه
دون من تستحب.
مسألة 44: لو لم يكن له زاد و راحلة أو كان
و لا مئونة له لسفره أو لعياله،
فبذل له باذل الزاد و الراحلة و مئونته ذاهبا
و عائدا و مئونة عياله مدّة غيبته، وجب عليه الحجّ عند علمائنا، سواء كان الباذل
قريبا أو بعيدا، لأنّه مستطيع للحجّ.
و لأنّ الباقر و الصادق عليهما السلام سئلا
عمّن عرض عليه ما يحجّ به فاستحيى من ذلك، أ هو ممّن يستطيع إلى ذلك سبيلا؟ قال:
«نعم» «2».
و للشافعي قولان في وجوب الحجّ إذا كان الباذل
ولدا:
أحدهما: الوجوب، لأنّ الابن يخالف غيره في باب
المنّة.
و الثاني: عدم الوجوب، لأنّه لا يلزمه القبول،
لاشتماله على المنّة.
و إن لم يكن ولدا، لم يجب القبول «3».
و قال أحمد: لا يجب الحجّ مطلقا، سواء بذل له
الركوب و الزاد أو بذل له مال، لأنّه غير مالك للزاد و الراحلة و لا لثمنهما، فسقط
عنه فرض الحجّ «4».
______________________________
[1]
في «ف، ن» زيادة: على الكفاية.
______________________________
(2)
الكافي 4: 266- 267- 1، التهذيب 5: 3- 4- 3 و 4، الاستبصار 2: 140- 455 و 456.
(3) الوجيز 1: 111، فتح العزيز 7: 45- 46.
(4) المغني 3: 169، الشرح الكبير 3: 181.
60
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
فروع: ؛ ج 7، ص : 61
و نمنع ثبوت المنّة و
عدم الملك المشروط في الاستطاعة.
فروع:
[الأول]
أ- لو بذل له مال يتمكّن به من الحجّ و يكفيه
في مئونته و مئونة عياله، لم يجب عليه القبول، سواء كان الباذل له ولدا أو أجنبيا،
لاشتماله على المنّة في قبول الطاعة.
و لأنّ في قبول المال و تملّكه إيجاب سبب يلزم
به الفرض، و هو:
القبول، و ربما حدثت عليه حقوق كانت ساقطة،
فيلزمه صرف المال إليها من وجوب نفقة و قضاء دين.
و لأنّ تحصيل شرط الوجوب غير واجب، كما في
تحصيل مال الزكاة.
[الثاني]
ب- لو وجد بعض ما يلزمه الحجّ به و عجز عن
الباقي فبذل له ما عجز عنه، وجب عليه الحجّ، لأنّه ببذل الجميع مع عدم تمكّنه من
شيء أصلا يجب عليه فمع تمكّنه من البعض يكون الوجوب أولى.
[الثالث]
ج- لو طلب من فاقد الاستطاعة إيجار نفسه
للمساعدة في السفر بما تحصل به الاستطاعة، لم يجب القبول، لأنّ تحصيل شرط الوجوب
ليس بواجب.
نعم لو آجر نفسه بمال تحصل به الاستطاعة أو
ببعضه إذا كان مالكا للباقي، وجب عليه الحجّ.
و كذا لو قبل مال الهبة، لأنّه صار الآن مالكا
للاستطاعة.
[الرابع]
د- قال ابن إدريس من علمائنا: إنّ من يعرض
عليه بعض إخوانه ما يحتاج إليه من مئونة الطريق يجب عليه الحجّ بشرط أن يملّكه ما
يبذل له و يعرض عليه، لا وعدا بالقول دون الفعل، و كذا فيمن حجّ به بعض إخوانه «1».
______________________________
(1)
السرائر: 121.
61
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
الخامس ؛ ج 7، ص : 62
و التحقيق أن نقول:
البحث هنا في أمرين:
الأول: هل يجب على الباذل بالبذل الشيء
المبذول أم لا؟
فإن قلنا بالوجوب أمكن وجوب الحج على المبذول
له، لكن في إيجاب المبذول بالبذل إشكال أقربه عدم الوجوب.
و إن قلنا بعدم وجوبه، ففي إيجاب الحجّ إشكال،
أقربه: العدم، لما فيه من تعليق الواجب بغير الواجب.
الثاني: هل بين بذل المال و بذل الزاد و
الراحلة و مئونته و مئونة عياله فرق أم لا؟ الأقرب: عدم الفرق، لعدم جريان العادة
بالمسامحة في بذل الزاد و الراحلة و المؤن بغير منّة كالمال.
[الخامس]
ه- لو وهب المال، فإن قبل، وجب الحجّ، و إلّا
فلا، و لا يجب عليه قبول الاتّهاب، و كذا الزاد و الراحلة، لأنّ في قبول عقد الهبة
تحصيل شرط الوجوب و ليس واجبا.
[السادس]
و- لا يجب الاقتراض للحجّ إلّا أن يحتاج إليه
و يكون له مال بقدره يفضل عن الزاد و الراحلة و مئونته و مئونة عياله ذهابا و
عودا، فلو لم يكن له مال، أو كان له ما يقصر عن ذلك، لم يجب عليه الحجّ، لأصالة
البراءة، و لأنّ تحصيل شرط الوجوب ليس واجبا.
[السابع]
ز- لو كان له ولد له مال، لم يجب عليه بذله
لأبيه في الحجّ و لا إقراضه له، سواء كان الولد كبيرا أو صغيرا، و لا يجب على الأب
الحجّ بذلك المال.
و قال الشيخ رحمه اللّٰه: و قد روى أصحابنا
أنّه إذا كان له ولد له مال، وجب أن يأخذ من ماله ما يحجّ به، و يجب عليه إعطاؤه «1».
و نحن نحمل ما رواه الشيخ على الاستحباب.
[الثامن]
ج- لو حجّ فاقد الزاد و الراحلة ماشيا أو
راكبا، لم يجزئه عن حجّة
______________________________
(1)
الخلاف 2: 250، المسألة 8.
62
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 45: ؛ ج 7، ص : 63
الإسلام، لأنّ الحج
على هذه الحالة غير واجب عليه، فلم يكن ما أوقعه واجبا عليه، فإذا حصل شرط الوجوب
الذي هو كالوقت له، وجب عليه الحجّ، لأنّ الفعل أوّلا كان فعلا للواجب قبل وقته،
فلم يكن مجزئا كالصلاة.
مسألة 45:
لا تباع داره التي يسكنها في ثمن الزاد و
الراحلة، و لا خادمه و لا ثياب بدنه و لا فرس ركوبه بإجماع العلماء، لأنّ ذلك ممّا
تمسّ الحاجة إليه، و يجب عليه بيع ما زاد على ذلك من ضياع و عقار و غير ذلك من
الذخائر و الأثاث التي له منها بدّ إذا حصلت الاستطاعة معه.
مسألة 46:
لو [1] فقد الاستطاعة فغصب مالا فحجّ به، أو
غصب حمولة فركبها حتى أوصلته، أثم بذلك، و عليه أجرة الحمولة و ضمان المال، و لم
يجزئه عن الحجّ.
أمّا لو كان واجدا للزاد و الراحلة و المئونة
فغصب و حجّ بالمغصوب، أجزأه ذلك- و به قال الشافعي «2»- لأنّ الحجّ
عبادة بدنيّة، و المال و المحمولة يرادان للتوصّل إليه، فإذا فعله لم يقدح فيه ما
يوصل به إليه.
نعم لو طاف أو سعى على الدابة المغصوبة، لم
يصحّا.
و لو وقف عليها فالأقوى: الصحّة، لأنّ الواجب
هو الكون في الموقف و قد حصل.
و قال أحمد: إذا حجّ بالمال المغصوب، لم يصح،
و كذا لو غصب حمولة فركبها حتى أوصلته «3»، لأنّ الزاد و الراحلة من شرائط الحجّ
و لم يوجد على الوجه المأمور به، فلا يخرج به عن العهدة.
و ليس بجيّد، لأنّ الشرط [2] ليس تملّك عين
الزاد و الراحلة، بل هما أو
______________________________
[1]
في النسخ الخطية: و لو، بدل مسألة: لو.
[2] في الطبعة الحجرية: لأنّ شرط الحج، بدل
لأنّ الشرط.
______________________________
(2)
المجموع 7: 62.
(3) المجموع 7: 62.
63
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 47: ؛ ج 7، ص : 64
ثمنهما، و البحث في
القادر.
مسألة 47:
الفقير الزمن لا يجب عليه الحجّ إجماعا، فلو
بذل له غيره الحجّ عنه بأن ينوبه، لم يجب عليه أيضا- و به قال مالك و أبو حنيفة «1»- لقوله عليه
السلام: (السبيل زاد و راحلة) «2».
و لأنّ الحجّ عبادة بدنيّة فوجب أن لا يجب
عليه ببذل الغير النيابة عنه فيها، كالصلاة و الصوم.
و لأنّ العبادات ضربان:
منها: ما يتعلّق بالأبدان، فتجب بالقدرة
عليها، كالصلاة و الصيام.
و منها: ما يتعلّق بالأموال، فيعتبر في وجوبها
ملك المال، كالزكاة، و لم يعهد في الأصول وجوب عبادة ببذل الطاعة [1].
و قال الشافعي: يجب، لما روي أنّ امرأة من
خثعم قالت: يا رسول اللّٰه إنّ فريضة اللّٰه في الحجّ على عباده أدركت أبي شيخا
كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة، فهل ترى أن أحجّ عنه؟ فقال: (نعم) فقالت:
أو ينفعه؟ فقال: (أ رأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أ كان ينفعه؟) فقالت:
نعم، قال: (فدين اللّٰه أحقّ أن يقضى) «4».
وجه الدلالة: أنّها بذلت الطاعة لأبيها،
فأمرها رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله بالحجّ عنه من غير أن يجري للمال ذكر،
فدلّ على أنّ الفرض وجب ببذل الطاعة.
______________________________
[1]
قوله: ببذل الطاعة، أي بالتقرّب إلى اللّٰه تعالى بالنيابة عنه في الحج، فلم يجب
على النائب. هامش «ن».
______________________________
(1)
بداية المجتهد 1: 319- 320، الحاوي الكبير 4: 9، المجموع 7: 101.
(2) سنن الدار قطني 2: 218- 13، سنن البيهقي
4: 330.
(4) صحيح مسلم 2: 973- 1334، سنن ابن ماجة
2: 971- 2909، سنن البيهقي 4:
328 بتفاوت و اختصار.
64
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
تنبيه: ؛ ج 7، ص : 65
و لأنّ المغصوب [1]
الموسر يجب عليه الحجّ بالاستنابة للغير بالمال، و هذا في حكمه، لأنّه قادر على
فعل الحجّ عن نفسه فلزمه، كالقادر بنفسه «2».
و الحديث لا يدلّ على الوجوب، و لهذا شبّهه
عليه السلام بالدّين مع أنّ الولد لا يجب عليه قضاء ما وجب على أبيه من الدّين، بل
يستحب له، فكذا هنا.
و نمنع وجوب الاستنابة على المعضوب، و سيأتي «3» إن شاء
اللّٰه.
تنبيه:
شرط الشافعية في وجوب الحجّ ببذل الطاعة سبعة
شرائط، ثلاثة في الباذل:
أ- أن يكون الباذل من أهل الحجّ، فيجمع البلوغ
و العقل و الحرّية و الإسلام، لأنّ من لا يصح منه أداء الحجّ عن نفسه لا تصح منه
النيابة فيه عن غيره.
ب- أن لا تكون عليه حجة الإسلام ليصحّ إحرامه
[2] بالحجّ عن غيره.
ج- أن يكون واجدا للزاد و الراحلة، لأنّه لمّا
كان ذلك معتبرا في المبذول له كان اعتباره في الباذل أولى، إذ ليس حال الباذل أوكد
في إلزام الفرض من المبذول له.
و بعض الشافعية لا يعتبر هذا الشرط في بذله
للطاعة و إن اعتبره في فرض نفسه، لأنّه التزم الطاعة باختياره، فصار كحجّ النذر
المخالف للفرض بالأصالة.
______________________________
[1]
المعضوب: الزمن الذي لا حراك به. النهاية- لابن الأثير- 3: 251.
[2] في «ف»: الإحرام.
______________________________
(2)
الحاوي الكبير 4: 9، فتح العزيز 7: 46، المهذب- للشيرازي- 1: 205، المجموع 7: 97 و
101.
(3) يأتي في المسألة 99.
65
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
تنبيه: ؛ ج 7، ص : 65
و أربعة في المبذول
له:
أ- أن يكون المبذول له واثقا بطاعة الباذل
عالما أنّه متى أمره بالحجّ امتثل أمره، لأنّ قدرة الباذل قد أقيمت مقام قدرته،
فافتقر إلى الثقة بطاعته.
ب- أن يكون الفرض غير ساقط عنه.
ج- أن يكون معضوبا آيسا من أن يفعل بنفسه.
د- أن لا يكون له مال، لأنّ ذا المال يجب عليه
الحجّ بماله.
فإذا اجتمعت الشروط نظر في الباذل، فإن كان من
غير ولد و لا والد، ففي لزوم الفرض ببذله وجهان:
أحدهما- و هو الصحيح عندهم و نصّ عليه
الشافعي-: أنّه كالولد في لزوم الفرض ببذل طاعته، لكونه مستطيعا للحجّ في الحالين.
و الثاني: أنّ الفرض لا يلزمه ببذل غير ولده،
لما يلحقه من المنّة في قبوله، و لأنّ حكم الولد مخالف لغيره في القصاص و حدّ
القذف و الرجوع في الهبة، فخالف غيره في بذل الطاعة.
و إذا كملت الشرائط التي يلزم بها فرض الحج
ببذل الطاعة فعلى المبذول له الطاعة أن يأذن للباذل أن يحجّ عنه، لوجوب الفرض
عليه، و إذا أذن له و قبل الباذل إذنه فقد لزمه أن يحجّ عنه متى شاء، و ليس له
الرجوع بعد القبول.
إذا تقرّر هذا فعلى المبذول له أن يأذن و على
الباذل أن يحجّ.
فإن امتنع المبذول له من الإذن فهل يقوم
الحاكم مقامه في الإذن للباذل؟ وجهان:
أحدهما: القيام فيأذن للباذل في الحجّ، لأنّ
الإذن قد لزمه، و متى امتنع من فعل ما وجب عليه قام الحاكم مقامه في استيفاء ما
لزمه، كالديون.
و الثاني- و هو الصحيح عندهم-: أنّ إذن الحاكم
لا يقوم مقام إذنه، لأنّ البذل كان لغيره، فإن أذن المبذول له قبل وفاته، انتقل
الفرض عنه إلى
66
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
البحث الخامس: في إمكان المسير ؛ ج 7، ص : 67
الباذل، و إن لم يأذن حتى مات، لقي اللّٰه تعالى و فرض الحجّ واجب عليه.
فلو حجّ الباذل بغير إذن المبذول له، كانت الحجّة واقعة عن نفسه، لأنّ الحجّ عن الحي لا يصحّ بغير إذنه، و كان فرض الحجّ باقيا على المبذول له «1».
و هذا كلّه ساقط عندنا.
البحث الخامس: في إمكان المسير
و يشتمل على أمور أربعة: الصحة، و التثبّت على الراحلة، و أمن الطريق في النفس و البضع و المال، و اتّساع الوقت، فالنظر هنا في أربعة:
النظر الأول: الصحة
مسألة 48:
أجمع علماء الأمصار في جميع الأعصار على أنّ القادر على الحجّ بنفسه الجامع لشرائط وجوب حجّة الإسلام يجب عليه إيقاعه مباشرة، و لا تجوز له الاستنابة فيه، فإن استناب غيره لم يجزئه، و وجب عليه أن يحجّ بنفسه.
فإن مات بعد استطاعته و استنابته و استقرار الحجّ في ذمّته، وجب أن يخرج عنه اجرة المثل من صلب ماله، لأنّ ما فعله أوّلا لم يفده براءة ذمّته، فيكون بمنزلة التارك للحجّ بعد استقراره في الذمّة من غير إجارة.
أمّا المريض مرضا لا يتضرّر بالسفر و الركوب فإنّه كالصحيح يجب عليه مباشرة الحجّ بنفسه، فإن وجد مشقّة أو احتاج إلى ما يزيد على مئونة سفر الصحيح مع عجزه عنه، سقط عنه فرض المباشرة، و لو احتاج إلى الدواء
______________________________
(1) الحاوي الكبير 4: 10- 11، المهذب- للشيرازي- 1: 205، المجموع 7: 95 و 96 و 100، فتح العزيز 7: 46.
67
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 49: ؛ ج 7، ص : 68
فكالزاد.
مسألة 49:
المريض الذي يتضرّر بالركوب أو بالسفر إن كان
مرضه لا يرجى زواله و كان مأيوسا من برئه لزمانة أو مرض لا يرجى زواله أو كان
معضوبا نضو [1] الخلقة لا يقدر على التثبّت على الراحلة إلّا بمشقّة غير محتملة أو
كان شيخا فانيا و ما أشبه ذلك إذا كان واجدا لشرائط الحج من الزاد و الراحلة و
غيرهما، لا تجب عليه المباشرة بنفسه إجماعا، لما فيه من المشقّة و الحرج و قد قال
تعالى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «2».
و لما رواه العامة عن النبي صلّى اللّٰه عليه
و آله، قال: (من لم تمنعه من الحج حاجة أو مرض حابس أو سلطان جائر فمات فليمت
يهوديّا أو نصرانيّا) «3».
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «من
مات و لم يحجّ حجّة الإسلام و لم تمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق معه
الحجّ أو سلطان يمنعه فليمت يهوديّا أو نصرانيا» «4».
و هل تجب عليه الاستنابة؟ قال الشيخ: نعم «5»، و به قال
في الصحابة: علي عليه السلام، و في التابعين: الحسن البصري، و من الفقهاء: الشافعي
و الثوري و أحمد و إسحاق «6».
لما رواه العامة عن علي عليه السلام أنّه سئل
عن شيخ يجد الاستطاعة،
______________________________
[1]
أي: مهزولا. لسان العرب 15: 330.
______________________________
(2)
الحج: 78.
(3) حلية الأولياء 9: 251، سنن الدارمي 2:
28.
(4) الكافي 4: 268- 1، الفقيه 2: 273- 1333،
التهذيب 5: 17- 49.
(5) المبسوط- للطوسي- 1: 299، الخلاف 2:
248، المسألة 6.
(6) الحاوي الكبير 4: 8، فتح العزيز 7: 44،
المجموع 7: 94 و 100، المغني 3: 181، الشرح الكبير 3: 183، تفسير القرطبي 4: 151.
68
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 49: ؛ ج 7، ص : 68
فقال: «يجهّز من يحجّ
عنه» «1».
و لحديث الخثعمية «2».
و من طريق الخاصة: ما رواه معاوية بن عمّار-
في الصحيح- عن الصادق عليه السلام قال: «إنّ عليّا عليه السلام رأى شيخا لم يحج
قطّ و لم يطق الحجّ من كبره، فأمر أن يجهّز رجلا فيحجّ عنه» «3».
و لأنّها عبادة تجب بإفسادها الكفّارة فجاز أن
يقوم غير فعله مقام فعله فيها، كالصوم إذا عجز عنه.
و قال بعض علمائنا: لا تجب الاستنابة «4»، و به قال
مالك، لأنّ الاستطاعة غير موجودة، لعدم التمكّن من المباشرة، و النيابة فرع الوجوب
و الوجوب ساقط، لعدم شرطه، فإنّ اللّٰه تعالى قال مَنِ اسْتَطٰاعَ و هذا غير
مستطيع.
و لأنّها عبادة لا تدخلها النيابة مع القدرة
فلا تدخلها مع العجز، كالصوم و الصلاة «5».
و نمنع عدم الاستطاعة، لأنّ الصادق عليه
السلام فسّرها بالزاد و الراحلة «6»، و هي موجودة، و القياس ضعيف، و هذا
القول لا بأس به أيضا.
قال مالك: و لا يجوز أن يستأجر من يحجّ عنه في
حال حياته، فإن وصّى أن يحجّ عنه بعد وفاته، جاز «7».
______________________________
(1)
تفسير القرطبي 4: 151، المغني 3: 182، الشرح الكبير 3: 184.
(2) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في الصفحة
64، الهامش (4).
(3) التهذيب 5: 14- 38.
(4) قاله ابن إدريس في السرائر: 120.
(5) الحاوي الكبير 4: 9، المجموع 7: 100،
المغني 3: 181، الشرح الكبير 3: 183، تفسير القرطبي 4: 150.
(6) الكافي 4: 268- 5.
(7) الحاوي الكبير 4: 9، الكافي في فقه أهل
المدينة: 133، تفسير القرطبي 4: 150- 151.
69
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 50: ؛ ج 7، ص : 70
و قال أبو حنيفة: إن
قدر على الحجّ قبل زمانته، لزمه الحجّ، و إن لم يقدر عليه، فلا حجّ عليه «1».
مسألة 50:
لو لم يجد هذا المريض الذي لا يرجى برؤه مالا
يستنيب به، لم يكن عليه حجّ إجماعا، لأنّ الصحيح لو لم يجد ما يحجّ به لم يجب عليه
فالمريض أولى، و إن وجد مالا و لم يجد من ينوب عنه لم يجب عليه أيضا، لعدم تمكّنه
من الاستئجار.
و عن أحمد روايتان في إمكان المسير هل هو من
شرائط الوجوب أو من شرائط لزوم السعي، فإن قلنا: من شرائط لزوم السعي، ثبت الحجّ
في ذمّته يحجّ عنه بعد موته، و إن قلنا: من شرائط الوجوب، لم يجب عليه شيء «2».
و هذا ساقط عندنا.
مسألة 51: المريض الذي لا يرجى برؤه لو
استناب من حجّ عنه ثم عوفي،
و المعضوب إذا تمكّن من المباشرة بعد أن أحجّ
عن نفسه، وجب عليه أن يحجّ بنفسه مباشرة.
قال الشيخ رحمه اللّٰه: لأنّ ما فعله كان
واجبا في ماله و هذا يلزمه في نفسه «3».
و به قال الشافعي و أصحاب الرأي و ابن المنذر،
لأنّ هذا بدل إياس فإذا برأ تبيّنّا أنّه لم يكن مأيوسا منه، فلزمه الأصل كالآيسة
إذا اعتدت بالشهور ثم حاضت لا تجزئها تلك العدّة «4».
______________________________
(1)
الحاوي الكبير 4: 8- 9.
(2) المغني 3: 182، الشرح الكبير 3: 184.
(3) المبسوط- للطوسي- 1: 299.
(4) الأم 2: 114 و 123، المهذّب- للشيرازي-
1: 206، المغني 3: 182، الشرح الكبير 3: 184.
70
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 52: ؛ ج 7، ص : 71
و قال أحمد و إسحاق:
لا يجب عليه حجّ آخر، لأنّه فعل المأمور به، فخرج عن العهدة، كما لو لم يبرأ، و
لأنّه أدّى حجة الإسلام بأمر الشارع، فلم يلزمه حجّ ثان، كما لو حجّ بنفسه، و
لإفضائه إلى إيجاب حجّتين و ليس عليه إلّا حجّة واحدة «1».
و نمنع فعله للمأمور به، و الفرق بينه و بين
عدم البرء ظاهر، و نمنع أداء حجّة الإسلام بل بدلها المشروط بعدم القدرة على
المباشرة، و نمنع أنّه ليس عليه إلّا حجّة واحدة.
إذا عرفت هذا، فلو عوفي قبل فراق النائب من
الحجّ، قال بعض العامة: لم يجزئه الحجّ، لأنّه قدر على الأصل قبل تمام البدل
فلزمه، كالصغيرة و من ارتفع حيضها إذا حاضتا قبل تمام عدّتهما بالشهور، و
كالمتيمّم إذا رأى الماء في صلاته.
و يحتمل الاجزاء، كالمتمتّع إذا شرع في الصيام
ثم قدر على الهدي، و المكفّر إذا قدر على الأصل بعد الشروع في البدل، و إن برأ قبل
إحرام النائب، لم يجزئه بحال «2».
و هذا كلّه ساقط عندنا.
مسألة 52:
المريض إذا كان مرضه يرجى زواله و البرء منه،
و المحبوس و نحوه إذا وجد الاستطاعة و تعذّر عليه الحجّ، يستحب أن يستنيب، قاله
الشيخ «3» رحمه اللّٰه.
و منع منه الشافعي و أحمد، فإن استناب غيره،
لم يجزئه كالصحيح، سواء برأ من مرضه أو لم يبرأ، لأنّه يرجو القدرة على الحجّ
بنفسه، فلم تكن
______________________________
(1)
المغني 3: 182- 183، الشرح الكبير 3: 184.
(2) المغني 3: 183، الشرح الكبير 3: 185.
(3) المبسوط- للطوسي- 1: 299.
71
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 52: ؛ ج 7، ص : 71
له الاستنابة، و لا
يجزئه إن فعل، كالفقير «1».
و قال أبو حنيفة: يجوز له ان يستنيب، و يكون
ذلك مراعى، فإن قدر على الحج بنفسه، لزمه، و إلّا أجزأه ذلك، لأنّه عاجز عن الحج
بنفسه، فأشبه المأيوس من برئه «2».
و فرّق الشافعية بأنّ المأيوس عاجز على
الإطلاق، آيس من القدرة على الأصل فأشبه الميت، و لأنّ النصّ إنّما ورد في الحجّ
عن الشيخ الكبير و هو ممّن لا يرجى منه مباشرة الحج، فلا يقاس عليه إلّا ما يشابهه «3».
و المعتمد: ما قاله الشيخ، لقول الباقر عليه
السلام: «كان علي عليه السلام يقول: لو أنّ رجلا أراد الحجّ فعرض له مرض أو خالطه
سقم فلم يستطع الخروج، فليجهّز رجلا من ماله ثم ليبعثه مكانه» «4» و هو عام.
و لأنّه غير قادر على الحجّ بنفسه، فجاز له
الاستنابة، كالمعضوب.
إذا ثبت هذا، فلو استناب من يرجو القدرة على
الحجّ بنفسه ثم صار مأيوسا من برئه، فعليه أن يحجّ عن نفسه مرّة أخرى، لأنّه استناب
في حال لا تجوز الاستنابة فيها، فأشبه الصحيح.
قال الشيخ: و لأنّ تلك الحجّة كانت عن ماله و
هذه عن بدنه «5».
و لو مات سقط الحج عنه مع الاستنابة و بدونها،
لأنّه غير مستطيع للحجّ.
و للشافعي وجهان مع الاستنابة:
______________________________
(1)
المهذّب- للشيرازي- 1: 206، المجموع 7: 94 و 116، فتح العزيز 7: 40، حلية العلماء
3: 246، الحاوي الكبير 4: 14، المغني 3: 184، الشرح الكبير 3: 185.
(2) المبسوط- للسرخسي- 4: 152، المغني 3:
184، الشرح الكبير 3: 185، الحاوي الكبير 4: 14، حلية العلماء 3: 246.
(3) راجع: المغني 3: 182، و الشرح الكبير 3:
185.
(4) الكافي 4: 273- 4، التهذيب 5: 14- 15-
40.
(5) المبسوط- للطوسي- 1: 299.
72
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 53: ؛ ج 7، ص : 73
أحدهما: عدم الإجزاء،
لأنّه استناب و هو غير مأيوس منه، فأشبه ما إذا برأ.
و الثاني: الإجزاء، لأنّا تبيّنّا أنّ المرض
كان مأيوسا منه حيث اتّصل الموت به «1».
مسألة 53:
قد بيّنّا أنّ من بذل طاعة الحج لغيره لا يجب
على ذلك الغير القبول، خلافا للشافعي حيث أوجب القبول و الإذن للمطيع في الحجّ
عنه.
و لو مات المطيع قبل أن يأذن له، فإن كان قد
أتى من الزمان ما يمكنه فعل الحجّ فيه، استقرّ في ذمّته، و إن كان قبل ذلك، لم يجب
عليه، لأنّه قد بان أنّه لم يكن مستطيعا.
و هل يلزم الباذل ببذله؟ قال: إن كان قد أحرم
لزم المضيّ فيه، و إلّا فلا، لأنّه لا يجب عليه البذل، فلا يلزمه به حكم، لأنّه
متبرّع به «2».
و هذه كلّها ساقطة عندنا، لأنّها مبنية على
وجوب الحج بالطاعة، و هو باطل، لأنّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله سئل ما يوجب
الحجّ؟ فقال: (الزاد و الراحلة) «3».
و لو كان على المعضوب حجّتان: منذورة و حجة
الإسلام، جاز له أن يستنيب اثنين في سنة واحدة، لأنّهما فعلان متباينان لا ترتيب
بينهما، و لا يؤدّي ذلك إلى وقوع المنذورة دون حجّة الإسلام، بل يقعان معا، فأجزأ
ذلك، بخلاف ما إذا ازدحم الفرضان على واحد.
______________________________
(1)
الحاوي الكبير 4: 14، المهذّب- للشيرازي- 1: 206، المجموع 7: 116، فتح العزيز 7:
42.
(2) فتح العزيز 7: 45 و 46، المجموع 7: 95 و
96، الحاوي الكبير 4: 11.
(3) سنن الترمذي 3: 177- 813، سنن ابن ماجة
2: 967- 2896، سنن الدار قطني 2:
215- 3.
73
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
تذنيبان: ؛ ج 7، ص : 74
و للشافعي وجهان «1».
تذنيبان:
الأول: قال الشيخ: المعضوب إذا وجب عليه حجّة بالنذر أو بإفساد حجّه، وجب عليه أن يحجّ غيره عن نفسه، و إن برأ فيما بعد، وجب عليه الإعادة «2».
و فيه نظر.
الثاني: يجوز استنابة الصرورة و غير الصرورة على ما يأتي «3».
مسألة 54:
يجوز للصحيح الذي قضى ما عليه من حجّة الإسلام أن يستنيب في حجّ التطوّع و إن تمكّن من مباشرة الحجّ بنفسه عند علمائنا- و به قال أبو حنيفة و أحمد في إحدى الروايتين «4»- لأنّها حجّة لا تلزمه بنفسه، فجاز أن يستنيب فيها، كالمعضوب.
و قال الشافعي: لا يجوز- و هو الرواية الثانية عن أحمد- لأنّه غير آيس من الحجّ بنفسه قادر عليه، فلم يجز أن يستنيب فيه كالفرض «5».
و هو خطأ، للفرق، فإنّ الفرض لم يؤدّه مباشرة و هنا قد أدّاه، فافترقا.
و لو لم يكن قد حجّ حجّة الإسلام، جاز له أن يستنيب أيضا في حجّ التطوّع، سواء وجب عليه الحجّ قبل ذلك أو لا، و سواء تمكّن من أداء الواجب أو لا، لعدم المنافاة بينهما.
و لو كان قد أدّى حجّة الإسلام و عجز عن الحجّ بنفسه، صحّ أن يستنيب
______________________________
(1) فتح العزيز 7: 36، المهذب- للشيرازي- 1: 207.
(2) المبسوط- للطوسي- 1: 299.
(3) يأتي في المسألة 84.
(4) المبسوط- للسرخسي- 4: 152، المغني 3: 185، الشرح الكبير 3: 211، المجموع 7: 116.
(5) المجموع 7: 116، المغني 3: 185، الشرح الكبير 3: 212.
74
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 55: ؛ ج 7، ص : 75
في التطوّع، لأنّ ما
جازت الاستنابة في فرضه جازت في نفله، كالصدقة.
مسألة 55:
يجوز الاستئجار على الحجّ، و به قال مالك و
الشافعي و ابن المنذر و أحمد في إحدى الروايتين «1»، و منع في
الرواية الأخرى منه و من الاستئجار على الأذان و تعليم القرآن و الفقه و نحوه ممّا
يتعدّى نفعه و يختصّ فاعله أن يكون من أهله القربة «2».
و جوّز ذلك كلّه الشافعي و مالك، لأنّ النبي
صلّى اللّٰه عليه و آله قال:
(أحقّ ما أخذتم عليه أجرا كتاب اللّٰه) «3».
و أخذ أصحاب النبي صلّى اللّٰه عليه و آله
الجعل على الرقية بكتاب اللّٰه، و أخبروا النبي صلّى اللّٰه عليه و آله بذلك
فصوّبهم.
و لأنّه تجوز النفقة عليه فجاز الاستئجار عليه
كبناء المساجد و القناطر «4».
و احتجّ المانعون: بأنّ عبادة بن الصامت كان يعلّم
رجلا القرآن، فأهدى له قوسا، فسأل النبي صلّى اللّٰه عليه و آله عن ذلك، فقال له:
(إن سرّك أن تتقلّد قوسا من نار فتقلّدها) «5».
و قال النبي صلّى اللّٰه عليه و آله لعثمان بن
أبي العاص: (و اتّخذ مؤذّنا لا يأخذ على أذانه أجرا) «6».
______________________________
(1)
الكافي في فقه أهل المدينة: 166، المنتقى- للباجي- 2: 271، الام 2: 124، فتح
العزيز 7: 49، الحاوي الكبير 4: 14 و 257، المجموع 7: 120 و 139، المغني و الشرح
الكبير 3: 186.
(2) المغني 3: 186، الشرح الكبير 3: 185،
فتح العزيز 7: 49.
(3) صحيح البخاري 3: 121، سنن البيهقي 1:
430.
(4) الام 2: 124، فتح العزيز 3: 198 و 7:
49، المجموع 3: 127 و 7: 120 و 139، الحاوي الكبير 4: 257، المدوّنة الكبرى 1: 62
و 4: 419، الكافي في فقه أهل المدينة: 166 و 374 و 375، المغني و الشرح الكبير 3:
186.
(5) أورده ابن قدامة في المغني 3: 186، و في
سنن البيهقي 6: 125، و مسند أحمد 5: 315، و تفسير القرطبي 1: 335 بتفاوت.
(6) سنن أبي داود 1: 146- 531، سنن الترمذي
1: 409- 410- 209، سنن النسائي 2: 23، سنن البيهقي 1: 429، المستدرك- للحاكم- 1:
199، مسند أحمد 4:
21.
75
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 55: ؛ ج 7، ص : 75
و لأنّها عبادة يختص
فاعلها أن يكون من أهل القربة، فلم يجز أخذ الأجرة عليها، كالصلاة و الصوم.
و الرقية قضية في عين، فتختص بها.
و أمّا بناء المساجد فلا يختص فاعله أن يكون
من أهل القربة، و يجوز أن يقع قربة و غير قربة، فإذا وقع بأجرة لم يكن قربة و لا
عبادة، و لا يصح هنا أن يكون غير عبادة، و لا يجوز الاشتراك في العبادة، فمتى فعله
من أجل الأجرة خرج عن كونه عبادة، فلم يصح.
و لا يلزم من جواز أخذ النفقة جواز أخذ
الأجرة، كالقضاء و الشهادة و الإمامة يؤخذ عليها الرزق من بيت المال، و هو نفقة في
المعنى، و لا يجوز أخذ الأجرة عليها «1».
و نمنع أنّه إذا فعل من أجل أخذ الأجرة خرج عن
كونه عبادة، و إنّما يتحقّق ذلك لو لم يقصد سوى أخذ الأجرة، أمّا إذا جعله جزءا
لمقصود فلا.
و فائدة الخلاف: أنّه متى لم يجز أخذ الأجرة
عليها فلا يكون إلّا نائبا محضا، و ما يدفع إليه من المال يكون نفقة لطريقة، فلو
مات أو أحصر أو مرض أو ضلّ الطريق، لم يلزمه الضمان لما أنفق، لأنّه إنفاق بإذن
صاحب المال، قاله أحمد «2»، فأشبه ما لو أذن له في سدّ بثق فانفتق و لم
ينسد.
و إذا ناب عنه آخر، فإنّه يحجّ من حيث بلغ
النائب الأول من الطريق، لأنّه حصل قطع هذه المسافة بمال المنوب عنه، فلم يكن عليه
الإنفاق دفعة اخرى، كما لو خرج بنفسه فمات في بعض الطريق، فإنّه يحجّ عنه من حيث
انتهى، و ما فضل معه من المال ردّه إلّا أن يؤذن له في أخذه، و ينفق على نفسه
______________________________
(1)
المغني 3: 186- 187، الشرح الكبير 3: 186.
(2) المغني 3: 187، الشرح الكبير 3: 186.
76
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
النظر الثاني: التثبت على الراحلة ؛ ج 7، ص : 77
بقدر الحاجة من غير
إسراف و لا تقتير، و ليس له التبرّع بشيء منه إلّا أن يؤذن له في ذلك.
و على القول بجواز الاستئجار للحجّ يجوز أن
يدفع إلى النائب من غير استئجار، فيكون الحكم فيه على ما مضى.
و إن استأجره ليحجّ عنه أو عن ميت، اعتبرت فيه
شرائط الإجارة من معرفة الأجرة و عقد الإجارة، و ما يأخذه أجرة له يملكه و يباح له
التصرّف فيه و التوسّع في النفقة و غيرها، و ما فضل فهو له.
و إن أحصر أو ضلّ الطريق أو ضاعت النفقة منه،
فهو في ضمانه، و الحجّ عليه، و إن مات، انفسخت الإجارة، لأنّ المعقود عليه تلف
فانفسخ العقد، كما لو ماتت البهيمة المستأجرة، و يكون الحجّ أيضا من موضع بلغ إليه
النائب.
و ما يلزمه من الدماء فعليه، لأنّ الحجّ عليه.
النظر الثاني: التثبّت على الراحلة
التثبّت على الراحلة شرط في وجوب الحجّ،
فالشيخ الهمّ و المعضوب الذي لا يتمكّن من الاستمساك على الراحلة لا يجب عليه
الحجّ.
و كذا لو كان يتثبّت على الراحلة لكن بمشقّة
عظيمة، يسقط عنه فرض عامه، لقوله عليه السلام: (من لم يحبسه مرض أو حاجة ظاهرة أو
سلطان جائر و لم يحج فليمت إن شاء يهوديّا أو نصرانيّا) «1».
إذا عرفت هذا، فمقطوع اليدين أو الرّجلين إذا
أمكنه الثبوت على الراحلة من غير مشقّة شديدة يجب عليه مباشرة الحجّ، و لا تجوز
الاستنابة.
و لو احتاج المعضوب إلى حركة عنيفة يعجز عنها،
سقط في عامه، فإن
______________________________
(1)
سنن البيهقي 4: 334.
77
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
النظر الثالث: أمن الطريق ؛ ج 7، ص : 78
مات قبل التمكّن،
سقط.
النظر الثالث: أمن الطريق
و هو شرط في وجوب الحجّ، فلو كان الطريق مخوفا
أو كان فيه مانع من عدوّ و شبهه، سقط فرض الحجّ في ذلك العام و إن حصلت باقي الشرائط،
عند علمائنا- و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين «1»- لأنّ
اللّٰه تعالى إنّما فرض الحجّ على المستطيع و هذا غير مستطيع.
و لأنّ هذا يتعذّر معه فعل الحجّ، فكان شرطا،
كالزاد و الراحلة.
و لأنّ حفص الكناسي سأل الصادق عليه السلام عن
قول اللّٰه عزّ و جلّ:
وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ
مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا «2» ما يعني بذلك؟ قال:
«من كان صحيحا في بدنه، مخلّى سربه، له زاد و
راحلة فهو ممّن يستطيع الحج» «3».
و قال أحمد في الرواية الأخرى: إنّه ليس شرطا
للوجوب، بل هو شرط لزوم السعي، فلو كملت شرائط الحج ثم مات قبل وجود هذا الشرط،
حجّ عنه بعد موته، و إن أعسر قبل وجوده، بقي في ذمته، لأنّ النبي عليه السلام لمّا
سئل ما يوجب الحج؟ قال: (الزاد و الراحلة) «4» و هذا له زاد و
راحلة.
و لأنّ هذا عذر يمنع نفس الأداء، فلم يمنع
الوجوب، كالعضب.
و لأنّ إمكان الأداء ليس شرطا في وجوب
العبادات بدليل ما لو طهرت الحائض أو بلغ الصبي أو أفاق المجنون و لم يبق من وقت
الصلاة ما يمكن
______________________________
(1)
بدائع الصنائع 2: 123، الحاوي الكبير 4: 13، المهذب- للشيرازي- 1: 204، الوجيز 1:
109، فتح العزيز 7: 17، المغني 3: 166، الشرح الكبير 3: 195.
(2) آل عمران: 97.
(3) الكافي 4: 267- 2، التهذيب 5: 3- 2،
الاستبصار 2: 139- 454.
(4) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في المسألة
36.
78
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 56: ؛ ج 7، ص : 79
أداؤها فيه «1».
و ليس بجيّد، لأنّ تكليف الخائف بالسعي تكليف
بالمنهي عنه، فإنّ اللّٰه تعالى قال وَ لٰا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى
التَّهْلُكَةِ «2» و هو قبيح.
و المراد بقوله عليه السلام: (الزاد و
الراحلة) ليس على إطلاقه، بل مع حصول باقي الشرائط قطعا.
و نمنع الوجوب في حقّ المعضوب، و قد تقدّم «3».
و للفرق: بأنّ المعضوب يتمكّن من الاستنابة،
بخلاف المتنازع، فإنّه غير متمكّن من الاستئجار، فإنّ الأجير لا يتمكّن المضيّ مع
الخوف.
مسألة 56:
أمن الطريق على النفس و البضع و المال شرط في
وجوب الحجّ، فلو خاف على نفسه من سبع أو عدوّ في الطريق، لم يلزمه الحجّ، و لهذا
جاز التحلّل عن الإحرام بمثل ذلك على ما يأتي في باب الإحصار، و قد تقدّم الخلاف
فيه.
هذا إذا لم يجد طريقا سواه، فإن وجد طريقا آخر
آمنا، لزمه سلوكه و إن كان أبعد إذا وجد النفقة المحتاج إليها في سلوكه و اتّسع
الزمان، و هو قول الشافعية «4».
و لهم وجه آخر: إنّه لا يلزمه، كما لو احتاج
إلى بذل مئونة زائدة في ذلك الطريق «5».
و ليس بجيّد، لأنّه مستطيع، و ليس للطريق
ضابط.
مسألة 57:
لو كان في الطريق بحر، و كان له في البرّ طريق
آخر، فإن استويا في الأمن، تخيّر في سلوك أيّهما شاء، و إن اختصّ أحدهما بالأمن
دون
______________________________
(1)
المغني 3: 166- 167، الشرح الكبير 3: 195.
(2) البقرة: 195.
(3) تقدّم في المسألة 47.
(4) فتح العزيز 7: 17، المجموع 7: 81.
(5) فتح العزيز 7: 17، المجموع 7: 81.
79
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 57: ؛ ج 7، ص : 79
الآخر، تعيّن الآمن،
لأنّه مستطيع، و لو استويا في عدم الأمن، سقط فرض الحجّ في ذلك العام، لانتفاء شرط
الوجوب، و لا تجب الاستنابة على ما تقدّم.
و لو خاف من ركوب البحر و لا طريق آمنا سواه،
سقط الفرض في ذلك العام، و لو لم يخف من ركوبه، وجب عليه الحجّ.
و للشافعي قولان:
أحدهما قوله في المختصر: لم يبن لي أن أوجب
ركوب البحر.
و نصّ في الأم على أنّه لا يجوز.
و قال في الإملاء: إن كان أكثر عيشه في البحر،
وجب، فانقسم أصحابه قسمين: أحدهما أثبت الخلاف في المسألة، و الثاني نفاه.
و للمثبتين طريقان:
أحدهما: أنّ المسألة على قولين مطلقا:
أحدهما: أنّه يلزمه الركوب، للظواهر المطلقة
في الحجّ.
و الثاني: لا يلزمه، لما فيه من الخوف و
الخطر.
و أظهرهما: أنّه إن كان الغالب منه الهلاك
إمّا باعتبار خصوص ذلك البحر، أو لهيجان الأمواج في بعض الأحوال، لم يلزم الركوب،
و إن كان الغالب فيه السلامة، فقولان:
أظهرهما: اللزوم، لسلوك طريق البرّ عند غلبة
السلامة.
و الثاني: المنع، لأنّ عوارض البحر عسرة
الدفع.
و على هذا فلو اعتدل الاحتمال فيلحق بغلبة
السلامة أو بغلبة الهلاك، تردّد فيه الشافعية «1».
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 17- 18، و راجع: المهذب- للشيرازي- 1: 204، و المجموع 7: 83، و
مختصر المزني: 62.
80
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 57: ؛ ج 7، ص : 79
و أمّا النافون
للخلاف فلهم طرق:
أحدها: القطع بعدم اللزوم و حمل نصّه في
الإملاء على ما إذا ركبه لبعض الأغراض، فصار أقرب إلى الشط الذي يلي مكة.
و الثاني: القطع باللزوم.
و الثالث: أنّه إن كان الغالب الهلاك، لم
يلزم، و إن كان الغالب السلامة، لزم، و اختلاف القولين محمول على حالين، و به قال
أبو حنيفة و أحمد «1».
و الرابع: تنزيل القولين على حالين من وجه
آخر: إن كان الرجل ممّن اعتاد ركوب البحر كالملّاحين و أهل الجزائر، لزمه، و إلّا
فلا، لصعوبته عليه.
و نقل الجويني عن بعض الشافعية: اللزوم عند
جرأة الراكب، و عدمه عند استشعاره.
و من الشافعية من قال: لا يجب على المستشعر، و
في غيره قولان.
و منهم من قال: يجب على غير المستشعر، و فيه
قولان.
و على القول بعدم وجوب ركوبه هل يستحب؟ فيه
وجهان لهم:
أحدهما: لا، لما فيه من التغرير بالنفس.
و أظهرهما: نعم، كما يستحب ركوبه للغزو.
و الوجهان فيما إذا كان الغالب السلامة، أمّا
إذا كان الغالب الهلاك، فيحرم الركوب، نقله الجويني، و حكى تردّد الشافعية فيما
إذا اعتدل الاحتمال.
و إذا لم نوجب الركوب، فلو توسّط البحر هل له
الانصراف أم عليه التمادي؟ فيه قولان مبنيان على القولين في المحصر إذا أحاط
العدوّ به من
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 19، المغني 3: 167.
81
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 58: ؛ ج 7، ص : 82
الجوانب هل يجوز له
التحلّل؟ إن قلنا: له التحلّل، فله الانصراف، و إن قلنا: لا- لأنّه لا يستفيد
الخلاص- فليس له الانصراف.
و الوجهان فيما إذا استوى ما بين يديه و ما
خلفه في غالب الظنّ، فإن كان فيما بين يديه أكثر، لم يلزمه التمادي، و إن كان
أقلّ، لزم.
قالوا: هذا في حقّ الرجل، أمّا المرأة ففيها
خلاف بينهم مرتّب على الرجل، و أولى بعدم الوجوب، لأنّها أشدّ تأثّرا بالأهوال، و
لأنّها عورة و ربما تنكشف للرجال، لضيق المكان، و إذا قلنا بعدم الوجوب فنقول بعدم
الاستحباب أيضا.
و منهم من طرّد الخلاف.
و ليست الأنهار العظيمة- ك «جيحون»- في معنى
البحر، لأنّ المقام فيها لا يطول، و الخطر فيها لا يعظم «1».
مسألة 58:
المرأة كالرجل متى خافت على نفسها أو المكابرة
على فرجها سقط الفرض عنها، فإن احتاجت إلى المحرم و تعذّر، سقط الفرض عنها أيضا،
لعدم استطاعتها بدونه.
و ليس المحرم شرطا في وجوب الحجّ عليها مع
الاستغناء عنه، عند علمائنا، و به قال ابن سيرين و مالك و الأوزاعي و الشافعي و
أحمد في إحدى الروايات «2».
قال ابن سيرين: تخرج مع رجل من المسلمين لا
بأس به «3».
و قال مالك: تخرج مع جماعة النساء «4».
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 18- 22، المجموع 7: 83- 85.
(2) المغني 3: 192، الشرح الكبير 3: 201،
بداية المجتهد 1: 322، المجموع 8:
343، بدائع الصنائع 2: 123.
(3) المغني 3: 192، الشرح الكبير 3: 201.
(4) الموطّأ 1: 426 ذيل الحديث 254،
المنتقى- للباجي- 3: 82، المغني 3: 192، الشرح الكبير 3: 201، معالم السنن- للخطّابي-
2: 276، الحاوي الكبير 4: 363، المجموع 8: 343.
82
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 58: ؛ ج 7، ص : 82
و قال الشافعي: تخرج
مع حرة مسلمة ثقة «1».
و قال الأوزاعي: تخرج مع قوم عدول تتّخذ سلّما
تصعد عليه و تنزل، و لا يقربها رجل إلّا أنّه يأخذ رأس البعير و تضع رجلها [1] على
ذراعه «3».
قال ابن المنذر: تركوا القول بظاهر الحديث، و
اشترط كلّ واحد منهم شرطا لا حجّة معه عليه «4».
و الأصل في ذلك: أنّ النبي صلّى اللّٰه عليه و
آله فسّر الاستطاعة بالزاد و الراحلة «5» و قال لعدي بن حاتم: (يوشك أن تخرج
الظعينة [2] من الحيرة يوم تؤمّ البيت لا جوار معها لا تخاف إلّا اللّٰه) [3] رواه
العامّة «8».
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام:
«من كان صحيحا في بدنه، مخلّى سربه، له زاد و راحلة، فهو ممّن يستطيع الحج» «9».
______________________________
[1]
في جميع النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق، و الطبعة الحجرية و المصدر: رجله.
و الصحيح ما أثبتناه بدلالة السياق.
[2] أصل الظعينة: الراحلة التي يرحل و يظعن
عليها، أي يسار. و قيل للمرأة: ظعينة، لأنّها تظعن مع الزوج حين ظعن، أو لأنّها
تحمل على الراحلة إذا ظعنت. النهاية- لابن الأثير- 3:
157.
[3] ورد في هامش «ن» هذه الحاشية: قلت: هذا
إخبار منه صلوات اللّٰه عليه بالمغيبات كما هو جاري عادته، لأنّ الحيرة لم تفتح في
أيام حياته بل بعد انتقاله الى اللّٰه تعالى، و هذا إيماء إلى زمان القائم عليه
السلام.
______________________________
(1)
الحاوي الكبير 4: 363، المجموع 8: 343، معالم السنن- للخطّابي- 2: 276، المغني 3:
192، الشرح الكبير 3: 201.
(3) المغني 3: 192، الشرح الكبير 3: 201.
(4) المغني 3: 192، الشرح الكبير 3: 201.
(5) أورده ابنا قدامة في المغني 3: 192، و
الشرح الكبير 3: 201.
(8) أورده ابنا قدامة في المغني 3: 192، و
الشرح الكبير 3: 201، و بتفاوت في سنن الدار قطني 2: 222- 28.
(9) الكافي 4: 267- 2، التهذيب 5: 3- 2،
الاستبصار 2: 139- 454.
83
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 58: ؛ ج 7، ص : 82
و عن أبي بصير عن
الصادق عليه السلام، قال: سألته عن المرأة تحجّ بغير وليها، قال: «نعم إذا كانت
امرأة مأمونة تحجّ مع أخيها المسلم» «1».
و في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج عن
الصادق عليه السلام، قال: سألته عن المرأة تحجّ بغير محرم، فقال: «إذا كانت مأمونة
و لم تقدر على محرم فلا بأس بذلك» «2».
و لأنّه سفر واجب، فلا يشترط فيه المحرم،
كالمسلمة إذا تخلّصت من أيدي الكفّار.
و قال أحمد في رواية أخرى: المحرم من السبيل،
و إنّ المرأة الموسرة إذا لم يكن لها محرم لا يجب عليها الحجّ- و به قال الحسن
البصري و النخعي و إسحاق و ابن المنذر و أصحاب الرأي- فلو لم يكن محرم لم يجز لها
الخروج إلّا أن يكون بينها و بين مكة مسير ما دون ثلاثة أيام، لما رواه أبو هريرة
قال:
قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله: (لا
يحلّ لامرأة تؤمن باللّه و اليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلّا و معها ذو محرم) «3».
و لأنّها أنشأت سفرا في دار الإسلام، فلم يجز
بغير محرم، كحجّ التطوّع «4».
و الحديث مخصوص بالمتخلّصة من أيدي الكفّار،
فيكون مخصوصا بالحجّ، لاشتراكهما في الوجوب.
و يحمل أيضا على السفر في غير الحجّ الواجب.
______________________________
(1)
التهذيب 5: 400- 401- 1393.
(2) التهذيب 5: 401- 1394.
(3) صحيح مسلم 2: 977- 420، سنن البيهقي 5:
227.
(4) المغني 3: 192- 193، الشرح الكبير 3:
201- 202، معالم السنن- للخطّابي- 2:
276، بداية المجتهد 1: 322، بدائع الصنائع
2: 123، النتف 1: 204، أحكام القرآن- للجصّاص- 2: 24.
84
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
تذنيبات: ؛ ج 7، ص : 85
و نمنع اشتراط المحرم
في حجّ التطوّع، فإنّ الزوج إذا أذن لزوجته في الحجّ، جاز لها المضيّ فيه و إن لم
يصحبها.
تذنيبات:
المحرم عند المشترطين له هو الزوج أو من تحرم
عليه على التأبيد إمّا بنسب أو بسبب مباح كأبيها و ابنها و أخيها من نسب أو رضاع،
لما رووه عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله أنّه قال: (لا يحلّ لامرأة تؤمن باللّه
و اليوم الآخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلّا و معها أبوها أو ابنها
أو زوجها أو ذو محرم منها) «1» «2».
قال أحمد: و يكون زوج أمّ المرأة محرما لها
يحجّ بها، و يسافر الرجل مع أمّ ولد جدّه، فإذا كان أخوها من الرضاعة خرجت معه «3».
و قال في أمّ امرأته: يكون محرما لها في حجّ
الفرض دون غيره «4».
و أمّا من لا تحرم عليه مؤبّدا فليس بمحرم،
كعبدها و زوج أختها، لأنّهما غير مأمونين عليها، و لا تحرم عليهما مؤبّدا، فهما
كالأجنبي، قاله أحمد «5».
و قال الشافعي: عبدها محرم لها، لأنّه مباح له
النظر إليها، فكان محرما لها، كذي رحمها «6».
و هو غلط، فإنّا نمنع إباحة نظره إليها، و
سيأتي [1].
و أمّا أمّ الموطوءة بشبهة أو المزني بها أو
ابنتها فليس بمحرم لهما، لأنّ تحريمهما بسبب غير مباح، فلم يثبت به حكم المحرمية،
كالتحريم الثابت باللعان، و ليس له الخلوة بهما و لا النظر إليهما كذلك.
______________________________
[1]
يأتي في كتاب النكاح، المقدمة الثامنة من مقدّماته.
______________________________
(1)
صحيح مسلم 2: 977- 1340، سنن الترمذي 3: 472- 1169.
(2) المغني 3: 193- 194، الشرح الكبير 3: 203-
204.
(3) المغني 3: 194، الشرح الكبير 3: 204.
(4) المغني 3: 194، الشرح الكبير 3: 204.
(5) المغني 3: 194، الشرح الكبير 3: 204،
الكافي في فقه الإمام أحمد 1: 470.
(6) المهذب- للشيرازي- 2: 36، المغني 3:
194، الشرح الكبير 3: 204.
85
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 59: ؛ ج 7، ص : 86
قال أحمد: و الكافر
ليس محرما للمسلمة و إن كانت ابنته «1».
و قال أبو حنيفة و الشافعي: هو محرم لها،
لأنّها محرّمة عليه على التأبيد «2».
و قول أحمد لا بأس به في كافر يعتقد حلّها،
كالمجوسي.
و قال أحمد: يشترط في المحرم أن يكون بالغا
عاقلا، لأنّ الصبي لا يقوم بنفسه قبل الاحتلام فكيف يخرج مع امرأة، و لأنّ المقصود
بالمحرم حفظ المرأة، و لا يحصل إلّا من البالغ العاقل «3».
و نفقة المحرم في الحجّ عليها، لأنّه من
سبيلها، فكان عليها نفقته كالراحلة، فعلى هذا يعتبر في استطاعتها أن تملك زادا و
راحلة لها و لمحرمها، فإن امتنع محرمها من الحجّ معها مع بذلها له نفقته، فهي كمن
لا محرم لها.
و هل تلزمه إجابتها إلى ذلك؟ عن أحمد روايتان «4».
و الصحيح: أنّه لا يلزمه الحجّ معها، لما في
الحجّ من المشقّة الشديدة و الكلفة العظيمة، فلا يلزم أحدا لأجل غيره، كما لم
يلزمه أن يحجّ عنها إذا كانت مريضة.
و لو مات محرم المرأة في الطريق، قال أحمد:
إذا تباعدت، مضت فقضت الحجّ «5».
مسألة 59:
لا يجوز للرجل منع زوجته الموسرة من حجّة
الإسلام إذا حصلت الشرائط، عند علمائنا- و به قال النخعي و إسحاق و أبو ثور و أحمد
و أصحاب الرأي و الشافعي في أصحّ قوليه «6»- لما رواه العامة عن
النبي صلّى
______________________________
(1)
المغني 3: 194، الشرح الكبير 3: 205.
(2) المغني 3: 194، الشرح الكبير 3: 205.
(3) المغني 3: 194، الشرح الكبير 3: 205-
206.
(4) المغني 3: 195، الشرح الكبير 3: 206،
الكافي في فقه الإمام أحمد 1: 470.
(5) المغني 3: 195، الشرح الكبير 3: 206،
الكافي في فقه الإمام أحمد 1: 470.
(6) المغني 3: 195، الشرح الكبير 3: 176،
الكافي في فقه الإمام أحمد 1: 470، الحاوي الكبير 4: 363، المهذب- للشيرازي- 1:
242، المجموع 8: 327، الهداية- للمرغيناني- 1: 135.
86
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 59: ؛ ج 7، ص : 86
اللّٰه عليه و آله
قال: (لا تمنعوا إماء اللّٰه عن مساجد اللّٰه) «1».
و من طريق الخاصة: رواية محمد بن مسلم- في
الصحيح- عن الباقر عليه السلام، قال: سألته عن امرأة لم تحجّ و لها زوج و أبى أن
يأذن لها في الحجّ فغاب زوجها فهل لها أن تحجّ؟ قال: «لا طاعة له عليها في حجّة
الإسلام» «2».
و لأنّه فرض، فلم يكن له منعها منه، كالصوم و
الصلاة الواجبين.
و قال الشافعي في الآخر: له منعها منه، لأنّ
الحجّ على التراخي «3».
و هو ممنوع.
إذا عرفت هذا، فيستحب أن تستأذنه في ذلك، فإن
أذن و إلّا خرجت بغير إذنه.
و أمّا حجّ التطوّع فله منعها.
قال ابن المنذر: أجمع كلّ من يحفظ عنه من أهل
العلم أنّ له منعها من الخروج إلى حجّ التطوّع، لأنّ حقّ الزوج واجب، فليس لها
تفويته بما ليس بواجب، كالسيد مع عبده «4».
و لما رواه إسحاق بن عمّار عن الرضا عليه
السلام، قال: سألته عن المرأة
______________________________
(1)
صحيح البخاري 2: 7، صحيح مسلم 1: 327- 136، سنن أبي داود 1: 155- 565 و 566، سنن
البيهقي 3: 132، المعجم الكبير- للطبراني- 12: 363- 13350 و 425- 13565، مصنّف ابن
أبي شيبة 2: 383، مسند أبي عوانة 2: 59، مسند الحميدي 2: 431- 432، مسند احمد 2:
438.
(2) التهذيب 5: 400- 1391، الإستبصار 2:
318- 1126.
(3) الحاوي الكبير 4: 363، المهذب-
للشيرازي- 1: 242، المجموع 8: 327 و 328، المغني 3: 195، الشرح الكبير 3: 176،
الهداية- للمرغيناني- 1: 135.
(4) المغني 3: 195، الإجماع- لابن المنذر-
16- 135.
87
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
تذنيب: ؛ ج 7، ص : 88
الموسرة قد حجّت حجّة الإسلام تقول لزوجها: حجّني من مالي، أ له أن يمنعها من ذلك؟ قال: «نعم و يقول لها: حقّي عليك أعظم من حقّك عليّ في هذا» «1».
و أمّا الحجّة المنذورة، فإن كانت قد نذرت الحجّ المعيّن بزمان معيّن حالة خلوّها من الزوج، أو قيّدت النذر بزمان معيّن بإذنه لو كانت مزوّجة به، فإنّه ليس له منعها منه، لأنّه واجب عليها، فأشبه حجّة الإسلام.
و إن نذرت حال الزوجية به، فإن أذن لها في النذر و كان مطلقا، فالوجه: أنّه يجوز له منعها في ذلك العام، لأنّه واجب مطلق.
و يحتمل عدم المنع، لأنّه أداء الواجب.
تذنيب:
حكم العبد حكم المزوّجة، فإن أعتق فكالمطلّقة بائنا، و الأمة المزوّجة يشترط في حجّها التطوّع و نذره إذن المولى و الزوج.
مسألة 60:
المعتدة عدّة رجعية كالزوجة، لأنّ للزوج الرجوع في طلاقها و الاستمتاع بها، و الحجّ يمنعه عن ذلك لو راجع، فيقف على إذنه.
و لأنّ الصادق عليه السلام قال: «المطلّقة إن كانت صرورة، حجّت في عدّتها، و إن كانت حجّت، فلا تحجّ حتى تقضي عدّتها» «2».
و لها أن تخرج في حجّة الإسلام من غير إذن الزوج، لأنّ الزوجة لها ذلك فالمطلّقة أولى، لقول أحدهما عليهما السلام: «المطلّقة تحجّ في عدّتها» «3».
أمّا التطوّع فليس لها ذلك إلّا بإذنه، لما تقدّم.
و لما رواه معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام، قال: «لا تحجّ
______________________________
(1) التهذيب 5: 400- 1392، و الفقيه 2: 268- 1307.
(2) التهذيب 5: 402- 1399، الاستبصار 2: 318- 1125.
(3) التهذيب 5: 402- 1398، الاستبصار 2: 317- 1124، و الفقيه 2: 269- 1311.
88
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 61: ؛ ج 7، ص : 89
المطلّقة في عدّتها» «1» و حملناه
على التطوّع، جمعا بين الأدلّة.
أمّا المطلّقة طلاقا بائنا فإنّها تخرج في
الواجب و التطوّع من غير إذن الزوج، لانقطاع سلطنته عليها و صيرورته أجنبيا لا
اعتبار بإذنه.
و أمّا المعتدّة عدّة الوفاة فإنّها تخرج في
حجّ الإسلام عند علمائنا، لانقطاع العصمة.
و لما رواه زرارة- في الصحيح- قال: سألت
الصادق عليه السلام عن التي يتوفّى عنها زوجها أ تحجّ في عدّتها؟ قال: «نعم» «2».
و قال أحمد: لا يجوز لها أن تخرج، و تقدّم
ملازمة المنزل على الحجّ، لأنّه يفوت «3».
و الحقّ: اتّباع النقل.
مسألة 61:
لو كان في الطريق عدوّ يخاف منه على ماله، سقط
فرض الحجّ، عند علمائنا- و به قال الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين «4»- لأنّ بذل
المال تحصيل لشرط الوجوب و هو غير واجب، فلا يجب ما يتوقّف عليه.
و في الرواية الأخرى عن أحمد: أنّه لا يسقط
فرض الحجّ، و يجب أن يستنيب «5».
و ليس بمعتمد.
و لا فرق بين أن يكون المال قليلا أو كثيرا.
و يحتمل أن يقال بالوجوب مع القلّة إذا لم
يتضرّر.
______________________________
(1)
التهذيب 5: 401- 1396، الاستبصار 2: 317- 1122.
(2) الفقيه 2: 269- 1312، و التهذيب 5: 402-
1401 بتفاوت يسير فيه.
(3) المغني 3: 196، الشرح الكبير 3: 177،
الكافي في فقه الإمام أحمد 1: 470.
(4) فتح العزيز 7: 24، المجموع 7: 81- 82،
الحاوي الكبير 4: 13، المغني 3:
166.
(5) المغني 3: 166- 167.
89
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 61: ؛ ج 7، ص : 89
و لو لم يندفع العدوّ
إلّا بمال أو خفارة، قال الشيخ رحمه اللّٰه: لا يجب، لأنّه لم تحصل التخلية «1».
و لو قيل بالوجوب مع إمكان الدفع من غير
إجحاف، أمكن، لأنّه كأثمان الآلات.
و لو بذل باذل المطلوب فانكشف العدوّ، لزمه
الحجّ، و ليس له منع الباذل، لتحقّق الاستطاعة.
أمّا لو قال الباذل: أقبل المال و ادفع أنت،
لم يجب.
و لا فرق بين أن يكون الذي يخاف منه مسلمين أو
كفّارا.
و لو تمكّن من محاربتهم بحيث لا يلحقه ضرر و
لا خوف فهو مستطيع.
و يحتمل عدم الوجوب، لأنّ تحصيل الشرط ليس
بواجب.
أمّا لو خاف على نفسه أو ماله من قتل أو جرح
أو نهب، لم يجب.
و لو كان العدوّ كفّارا و قدر الحاج على
محاربتهم من غير ضرر، استحب قتالهم، لينالوا ثواب الجهاد و الحجّ معا، أمّا لو
كانوا مسلمين، فإنّه لا يستحب الحجّ، لما فيه من قتل المسلم، و ليس محرّما.
و لو كان على المراصد من يطلب مالا، لم يلزمه
الحجّ.
و كره الشافعية بذل المال لهم، لأنّهم يحرضون
بذلك على التعرّض للناس «2».
و لو بعثوا بأمان الحجيج و كان أمانهم موثوقا
به، أو ضمن لهم أمير [ما يطلبونه] [1] و أمن الحجيج، لزمهم الخروج.
و لو وجدوا من يبذرقهم [2] بأجرة و لو
استأجروا لأمنوا غالبا، احتمل وجوب
______________________________
[1]
في النسخ الخطية و الحجرية: فانطلقوا به. و هي تصحيف، و ما أثبتناه من فتح العزيز.
[2] البذرقة، فارسي معرّب: الخفارة. لسان
العرب 10: 14.
______________________________
(1)
المبسوط- للطوسي- 1: 301.
(2) فتح العزيز 7: 24، المجموع 7: 82.
90
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 62: ؛ ج 7، ص : 91
الاستئجار- و هو أحد
وجهي الشافعية «1»- لأنّ بذل الأجرة بذل مال [بحقّ] [1] و المبذرق أهبة
الطريق، كالراحلة و غيرها.
و يحتمل عدم الوجوب- و هو الوجه الثاني
للشافعية «3»- لأنّه خسران لدفع الظلم، فأشبه التسليم إلى الظالم.
مسألة 62:
يشترط لوجوب الحجّ وجود الزاد و الماء في
المواضع التي جرت العادة بحمل الزاد و الماء منها، فإن كان العام عام جدب و خلا
بعض تلك المنازل عن أهلها أو انقطعت المياه، لم يلزمه الحجّ، لأنّه إن لم يحمل
معه، خاف على نفسه، و إن حمله، لحقته مئونة عظيمة.
و كذلك الحكم لو كان يوجد الزاد و الماء فيها
لكن بأكثر من ثمن المثل و هو القدر اللائق في ذلك المكان و الزمان.
و إن وجدهما بثمن المثل، لزم التحصيل، سواء
كانت الأسعار رخيصة أو غالية إذا و في ماله.
و يحمل منها قدر ما جرت العادة به في طريق مكة
كحمل الزاد من الكوفة و الماء مرحلتين أو ثلاثا إذا قدر عليه و وجد آلات الحمل.
و أمّا علف الدواب فيشترط وجوده في كلّ مرحلة.
و يشترط أيضا في الوجوب: وجود الرفقة إن احتاج
إليها، فإن حصلت له الاستطاعة و حصل بينه و بين الرفقة مسافة لا يمكنه اللحاق أو
يحتاج أن يتكلّف إمّا بمناقلة [2] أو بجعل منزلين منزلا، لم يلزمه الحج تلك السنة،
فإن بقي حالته في إزاحة العلّة إلى السنة المقبلة، لزمه، و إن مات قبل ذلك لا يجب
أن يحجّ عنه، فإن فاتته السنة المقبلة و لم يحج، وجب حينئذ أن يحجّ
______________________________
[1]
في النسخ الخطية و الحجرية: يخفّ. و هي تصحيف، و ما أثبتناه من فتح العزيز.
[2] مناقلة من النقيل: ضرب من السير، و هو
المداومة عليه. الصحاح 5: 1834.
______________________________
(1)
الوجيز 1: 109، فتح العزيز 7: 25، المجموع 7: 82.
(3) المصادر في الهامش (1).
91
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
النظر الرابع: في اتساع الوقت ؛ ج 7، ص : 92
عنه، و لو احتاج إلى حركة عنيفة يعجز عنها، سقط في عامه، فإن مات قبل التمكّن، سقط.
النظر الرابع: في اتّساع الوقت
مسألة 63:
اتّساع الوقت شرط في الوجوب، و هو أن يكمل فيه هذه الشرائط و الزمان يتّسع للخروج و لحوق المناسك، فلو حصلت الشرائط و قد ضاق الوقت بحيث لو شرع في السير لم يصل إلى مكة، لم يجب الحج في ذلك العام عند علمائنا- و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين «1»- لأنّ اللّٰه تعالى إنّما فرض الحجّ على المستطيع و هذا غير مستطيع، و لأنّ هذا يتعذّر معه فعل الحج، فكان شرطا، كالزاد و الراحلة.
و قال أحمد في الرواية الثانية: إنّه ليس شرطا في الوجوب، و إنّما هو شرط للزوم الحج، لأنّه عليه السلام فسّر الاستطاعة بالزاد و الراحلة «2».
و هو ضعيف و قد سلف «3».
و لو مات حينئذ، لم يقض عنه، و لو علم الإدراك لكن بعد طيّ المنازل و عجزه عن ذلك، لم يجب، و لو قدر، وجب.
تتمّة تشتمل على مسائل:
الأولى: هذه الشرائط التي ذكرناها منها ما هو شرط في الصحة و الوجوب، و هو: العقل، لعدم الوجوب على المجنون و عدم الصحة منه، و منها ما هو شرط في الصحة دون الوجوب، و هو: الإسلام، فإنّ الكافر يجب عليه الحج و غيره من فروع العبادات عند علمائنا أجمع، و به قال الشافعي في
______________________________
(1) الحاوي الكبير 4: 16، المجموع 7: 88- 89، فتح العزيز 7: 29، المغني 3:
166، الشرح الكبير 3: 195، الكافي في فقه الإمام أحمد 1: 466.
(2) المغني 3: 166- 167، الشرح الكبير 3: 195، الكافي في فقه الإمام أحمد 1: 466، المجموع 7: 89، فتح العزيز 7: 30.
(3) راجع: بداية مبحث أمن الطريق.
92
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 64: ؛ ج 7، ص : 93
أحد الوجهين.
و في الآخر: إنّه غير واجب عليه. و جعل
الإسلام شرطا في الوجوب.
و به قال أبو حنيفة «1».
لنا: عموم قوله تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى
النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ «2» و العارض- و هو الكفر- لا يصلح للمانعية،
كما لا يمنع من الخطاب بالإسلام.
و احتجاج أبي حنيفة: بأنّ الكافر إمّا أن يجب
عليه حال كفره أو بعد إسلامه، و الأول باطل، لأنّه لو وجب عليه، لصحّ منه، و إلّا
لزم التكليف بالمحال، و الثاني باطل، لقوله عليه السلام: (الإسلام يجبّ ما قبله) «3».
و هو غلط، لأنّ الوجوب حالة الكفر يستلزم
الصحة العقلية، أمّا الشرعية فإنّها موقوفة على شرط هو قادر عليه و هو: الإسلام،
فكان كالمحدث المخاطب بالصلاة.
إذا عرفت هذا، فلو أحرم و هو كافر، لم يصح
إحرامه، فإذا أسلم قبل فوات الوقوف بالمشعر، وجب عليه الرجوع إلى الميقات و إنشاء الإحرام
منه، و إن لم يتمكّن، أحرم من موضعه، و لو أسلم بعد فوات الوقوف بالمشعر، وجب عليه
في المقبل.
مسألة 64:
المرتدّ إذا كان قد حجّ حالة إسلامه ثم حصل
الارتداد بعد قضاء مناسكه، لم يعد الحجّ بعد التوبة- و به قال الشافعي «4»- لما رواه
العامّة من قوله صلّى اللّٰه عليه و آله، لمّا سئل أحجّتنا هذه لعامنا أم للأبد؟
فقال:
(للأبد) «5».
______________________________
(1)
شرح البدخشي 1: 207- 208، المجموع 3: 4 و 7: 19، بدائع الصنائع 2: 120.
(2) آل عمران: 97.
(3) أورده الماوردي في الحاوي الكبير 14:
313، و في مسند أحمد 4: 199 و 204 و 205، و دلائل النبوة- للبيهقي- 4: 351، و
الطبقات الكبرى- لابن سعد- 7: 497 بتفاوت.
(4) فتح العزيز 7: 5، المجموع 7: 9.
(5) أورده الماوردي في الحاوي الكبير 4: 6.
93
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
تذنيب: ؛ ج 7، ص : 94
و من طريق الخاصة:
قول الباقر عليه السلام: «من كان مؤمنا فحجّ ثم أصابته فتنة فكفر ثم تاب يحسب له
كلّ عمل صالح عمله و لا يبطل منه شيء» «1».
و لأنّه أوقع الحجّ بشروطه، فخرج عن العهدة،
لعدم وجوب التكرّر.
و تردّد الشيخ رحمه اللّٰه، و قوّى الإعادة «2» و جزم بها
أبو حنيفة «3»، لقوله تعالى وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمٰانِ فَقَدْ
حَبِطَ عَمَلُهُ «4».
و هو ممنوع، فإنّ الإحباط مشروط بالموافاة.
تذنيب:
المخالف إذا حجّ على معتقده و لم يخلّ بشيء
من أركان الحجّ، لم تجب عليه الإعادة، لأنّ الصادق عليه السلام سئل عن رجل حجّ و
هو لا يعرف هذا الأمر ثم منّ اللّٰه عليه بمعرفته و الدينونة به تجب عليه حجّة
الإسلام أو قد قضى فريضة؟ قال: «قد قضى فريضة، و لو حجّ كان أحبّ إليّ» «5». الحديث.
[تذنيب] آخر:
لو أحرم ثم ارتدّ ثم عاد إلى الإسلام، كان
إحرامه باقيا و بنى عليه.
و للشافعي وجهان: أحدهما: الإبطال «6».
و ليس بجيّد، لأنّ الإحرام لا يبطل بالموت و
الجنون، فلا يبطل بالردّة.
و منها: ما هو شرط في الوجوب دون الصحة، و هو:
البلوغ و الحرّية و الاستطاعة و إمكان المسير، لأنّ الصبي و المملوك و من ليس معه
زاد و لا راحلة
______________________________
(1)
التهذيب 5: 459- 460- 1597.
(2) المبسوط- للطوسي- 1: 305.
(3) فتح العزيز 7: 5، المجموع 7: 9.
(4) المائدة: 5.
(5) الكافي 4: 275- 4، الفقيه 2: 263- 1281،
التهذيب 5: 10- 25، الاستبصار 2: 146- 475.
(6) المهذب- للشيرازي- 1: 242، المجموع 8:
354، حلية العلماء 3: 233.
94
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 65: ؛ ج 7، ص : 95
و ليس بمخلّى السرب و لا يمكنه المسير لو تكلّفوا الحج لصحّ منهم و إن لم يكن واجبا عليهم و لا يجزئهم عن حجّة الإسلام.
مسألة 65:
جامع الشرائط إذا قدر على المشي، كان المشي أفضل من الركوب مع عدم الضعف عن أداء الفرائض، و لو خاف الضعف عن إكمال الفرائض و استيفاء الشرائط و الدعاء، كان الركوب أفضل، لقول الصادق عليه السلام: «ما عبد اللّٰه بشيء أشدّ من المشي و لا أفضل» «1».
و سئل الصادق عليه السلام عن فضل المشي، فقال: «الحسن بن علي عليهما السلام قاسم ربّه ثلاث مرّات حتى نعلا و نعلا و ثوبا و ثوبا و دينارا و دينارا، و حجّ عشرين حجّة ماشيا على قدمه» «2».
و قد روي أنّ الصادق عليه السلام سئل: الركوب أفضل أم المشي؟
فقال: «الركوب أفضل من المشي لأنّ رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله ركب» «3».
و هو محمول على التفصيل الذي ذكرناه، لما روي عنه عليه السلام أيّ شيء أحبّ إليك نمشي أو نركب؟ فقال: «تركبون أحبّ إليّ، فإنّ ذلك أقوى على الدعاء و العبادة» «4».
تذنيب:
لو نذر أن يحجّ حجّة الإسلام ماشيا، وجب عليه الوفاء به مع القدرة، لأنّه نذر في طاعة، و لو عجز عن المشي، وجب الركوب.
و لو نذر أن يحجّ ماشيا غير حجّة الإسلام، فإن قيّده بوقت، تعيّن مع القدرة، فإن عجز في تلك السنة، احتمل وجوب الركوب مع القدرة، و عدمه، للعجز عن النذر فيسقط، و لو لم يكن مقيّدا، توقّع المكنة.
______________________________
(1) التهذيب 5: 11- 28، الاستبصار 2: 141- 460.
(2) التهذيب 5: 11- 12- 29، الاستبصار 2: 141- 142- 461.
(3) التهذيب 5: 12- 31، الاستبصار 2: 142- 463.
(4) التهذيب 5: 12- 32، الإستبصار 2: 142- 464.
95
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 66: ؛ ج 7، ص : 96
مسألة 66:
إذا كملت شرائط الحج فأهمل، أثم، فإن حجّ في
السنة المقبلة، برئت ذمته، و يجب عليه المبادرة على الفور و لو مشيا.
و إن مات، وجب أن يخرج عنه حجّة الإسلام و
عمرته من صلب المال، و لا تسقط بالموت عند علمائنا أجمع- و به قال الحسن و طاوس و
الشافعي «1»- لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّ امرأة سألت النبي صلّى
اللّٰه عليه و آله عن أبيها مات و لم يحج، قال: (حجّي عن أبيك) «2».
و من طريق الخاصة: ما رواه سماعة بن مهران،
قال: سألت الصادق عليه السلام عن الرجل يموت و لم يحج حجّة الإسلام و لم يوص بها و
هو موسر، فقال: «يحجّ عنه من صلب ماله لا يجوز غير ذلك» «3».
و لأنّه حقّ استقرّ عليه تدخله النيابة فلم
يسقط بالموت كالدّين.
و قال أبو حنيفة و مالك: تسقط بالموت، فإن
وصّى بها، فهي من الثلث- و به قال الشعبي و النخعي- لأنّها عبادة بدنية تسقط
بالموت، كالصلاة «4».
و الفرق: أنّ الصلاة لا تدخلها النيابة.
مسألة 67:
و في وجوب الاستئجار من البلد الذي وجب على
الميت الحج فيه إمّا من بلده أو من الموضع الذي أيسر فيه قولان:
أحدهما هذا، و به قال الحسن البصري و إسحاق و
مالك في النذر «5».
و الثاني: أنّه يجب من أقرب الأماكن إلى مكة و
هو الميقات- و به قال
______________________________
(1)
مختصر المزني: 62، فتح العزيز 7: 31، المهذب- للشيرازي- 1: 206، المجموع 7: 109 و
112، الحاوي الكبير 4: 16، حلية العلماء 3: 244، المغني 3: 198، الشرح الكبير 3:
196.
(2) سنن النسائي 5: 117، المعجم الكبير-
للطبراني- 18: 284- 272.
(3) التهذيب 5: 15- 41.
(4) حلية العلماء 3: 244، المغني 3: 198،
الشرح الكبير 3: 196، الكافي في فقه أهل المدينة: 133، التفريع 1: 315.
(5) المغني 3: 198، الشرح الكبير 3: 196.
96
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
تذنيبات: ؛ ج 7، ص : 97
الشافعي «1»- و هو
الأقوى عندي، لأنّ الواجب أداء المناسك في المشاعر المخصوصة، و لهذا لو خرج بنيّة
التجارة ثم جدّد نيّة الحجّ عند المواقيت، أجزأه فعله، فعلمنا أنّ قطع المسافة غير
مطلوب للشرع.
و لما رواه حريز بن عبد اللّٰه عن الصادق عليه
السلام، قال: سألته عن رجل أعطى رجلا حجّة يحجّ عنه من الكوفة فحجّ عنه من البصرة،
قال: «لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّه» «2».
و سأل علي بن رئاب، الصادق عليه السلام عن رجل
أوصى أن يحجّ عنه حجّة الإسلام فلم يبلغ جميع ما ترك إلّا خمسين درهما، قال: «يحجّ
عنه من بعض المواقيت الذي وقّت رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله من قرب» «3» و لم يستفصل
الإمام عليه السلام في الجواب هل يمكن أن يحجّ بها من أبعد من الميقات أم لا؟
احتجّ الآخرون: بأنّ الحجّ وجب على الميّت من
بلده فوجب أن ينوب عنه منه، لأنّ القضاء يكون على وفق الأداء، كقضاء الصلاة و
الصيام «4».
و نحن نمنع الوجوب من البلد، و إنّما ثبت
اتّفاقا، و لهذا لو اتّفق له اليسار في الميقات، لم يجب عليه الرجوع إلى بلده
لإنشاء الإحرام منه، فدلّ على أنّ قطع المسافة ليس مرادا للشارع.
تذنيبات:
لو كان له موطنان، قال الموجبون للاستنابة من
بلده: يستناب من أقربهما «5». فإن وجب عليه الحجّ بخراسان و مات ببغداد،
أو وجب عليه
______________________________
(1)
المغني 3: 198، الشرح الكبير 3: 196.
(2) التهذيب 5: 415- 1445.
(3) الاستبصار 2: 318- 1128، و التهذيب 5:
405- 1411.
(4) المغني 3: 198- 199، الشرح الكبير 3:
197.
(5) المغني 3: 196، الشرح الكبير 3: 197.
97
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
تذنيبات: ؛ ج 7، ص : 97
ببغداد فمات بخراسان،
قال أحمد: يحجّ عنه من حيث وجب عليه لا من حيث موته «1».
و يحتمل أن يحجّ عنه من أقرب المكانين، لأنّه
لو كان حيّا في أقرب المكانين لم يجب عليه الحجّ من أبعد منه فكذا نائبه.
فإن خرج للحجّ فمات في الطريق، حجّ عنه من حيث
مات، لأنّه أسقط بعض ما وجب عليه، فلم يجب ثانيا، و كذا إن مات نائبه استنيب من
حيث مات كذلك.
قال أحمد: و لو أحرم بالحج ثم مات، صحّت
النيابة عنه فيما بقي من النسك، سواء كان إحرامه لنفسه أو لغيره، لأنّها عبادة
تدخلها النيابة، فإذا مات بعد فعل بعضها، قضي عنه باقيها، كالزكاة «2».
و لو لم يخلّف تركة تفي بالحج من بلده، حجّ
عنه من حيث تبلغ، و إن كان عليه دين لآدمي، تحاصّا، و يؤخذ للحجّ حصّته فيستأجر
بها من حيث تبلغ.
و لو أوصى أن يحجّ عنه و لم تبلغ النفقة، قال
أحمد: يحجّ عنه من حيث تبلغ النفقة للراكب من غير مدينته، لقوله عليه السلام: (إذا
أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) «3».
و لأنّه قدر على أداء بعض الواجب فلزمه،
كالزكاة «4».
و عنه رواية اخرى أنّ الحجّ يسقط عمّن عليه
دين، لأنّ حقّ الآدمي المعيّن أولى بالتقديم «5».
______________________________
(1)
المغني 3: 199، الشرح الكبير 3: 197.
(2) المغني 3: 199، الشرح الكبير 3: 198،
الكافي في فقه الإمام أحمد 1: 471.
(3) صحيح البخاري 9: 117، مسند أحمد 2: 508.
(4) المغني 3: 199، الشرح الكبير 3: 198.
(5) المغني 3: 200، الشرح الكبير 3: 199.
98
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 68: ؛ ج 7، ص : 99
و هو باطل، لقوله
عليه السلام: (دين اللّٰه أحقّ أن يقضى) «1».
و لو أوصى بحجّ تطوّع بثلث ماله فلم يف الثلث
بالحج من بلده، حجّ به من حيث يبلغ.
و يستناب عن الميت ثقة بأقلّ ما يوجد إلّا أن
يرضى الورثة بزيادة أو يكون قد أوصى بشيء فيجوز ما أوصى به ما لم يزد على الثلث.
مسألة 68:
إذا أوصى أن يحجّ عنه فإمّا أن يكون بحجّ واجب
أو مندوب، أو لا يعلم وجوبه و ندبه، فإن كان بواجب فلا يخلو إمّا أن يعيّن قدرا أو
لا، و إن عيّن فإن كان بقدر اجرة المثل، أخرجت من الأصل، و إن زادت عن اجرة المثل،
أخرجت أجرة المثل من الأصل و الباقي من الثلث، و إن لم يعيّن، أخرجت أجرة المثل من
أصل المال.
و إن كان مندوبا، اخرج ما يعيّنه من الثلث إن
عيّن قدرا، و إلّا اجرة المثل، و إن لم يعلم، اخرج من الثلث اجرة المثل أو ما
عيّنه، حملا للإطلاق على الندب، لأصالة البراءة.
و لو أوصى بالحجّ عنه دائما، حجّ عنه بقدر ثلث
ماله إمّا مرّة واحدة أو أزيد.
و لو أوصى بالحجّ و لم يبلغ الثلث قدر ما يحجّ
عنه من أقرب الأماكن و لم يوجد راغب فيه و كان عليه دين، صرف في الدّين، فإن فضل
منه فضلة أو لم يكن دين، فالأولى الصدقة به، لخروجه بالوصية عن ملك الورثة.
و يحتمل صرفه إلى الميراث، لأنّه لمّا تعذّر
الوجه الموصى به رجع إلى الورثة كأنّه لا وصية.
مسألة 69:
من مات قبل الحجّ فإمّا أن يكون قد وجب عليه
الحجّ أو
______________________________
(1)
صحيح البخاري 3: 46، صحيح مسلم 2: 804- 155، المعجم الكبير- للطبراني- 12: 15-
12332.
99
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 69: ؛ ج 7، ص : 99
لا، فإن كان قد وجب
عليه الحجّ فإمّا أن يكون قد استقرّ عليه أو لا، فإن كان قد استقرّ عليه أوّلا ثم
أهمل و تمكّن من الإتيان به و لم يفعل، وجب عليه القضاء، لما رواه الحلبي- في
الصحيح- عن الصادق عليه السلام قال:
«يقضى عن الرجل حجّة الإسلام من جميع ماله» «1».
و إن لم يكن قد استقرّ عليه بل حال ما تحقّق
الوجوب أدركته الوفاة، فإنّه يسقط عنه فرض الحجّ، و لا يجب الاستئجار، و كذا لو لم
يجب عليه الحج لم يجب الاستئجار، لكن يستحب فيهما خصوصا الأبوين، رواه العامة «2»، لأنّ
النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله أمر أبا رزين فقال: (حجّ عن أبيك و اعتمر) «3».
و من طريق الخاصة: ما رواه عمّار بن عمير،
قال: قلت للصادق عليه السلام: بلغني عنك أنّك قلت: لو أنّ رجلا مات و لم يحج حجة
الإسلام فأحجّ عنه بعض أهله أجزأ ذلك عنه، فقال: «أشهد على أبي أنّه حدّثني عن
رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله أنّه أتاه رجل فقال: يا رسول اللّٰه إنّ أبي
مات و لم يحج حجّة الإسلام، فقال: حجّ عنه فإنّ ذلك يجزئ عنه» «4».
و في الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال: سألت
أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل مات و لم يكن له مال و لم يحج حجة الإسلام
فأحجّ عنه بعض إخوانه هل يجزئ عنه؟ أو هل هي ناقصة؟ فقال: «بل هي حجة تامة» «5».
و لو أراد أن يحج عن أبويه، قال أحمد: ينبغي
أن يقدّم الحج عن الام، لأنّها مقدّمة في البرّ.
______________________________
(1)
التهذيب 5: 403- 404- 1405.
(2) المغني 3: 200، الشرح الكبير 3: 199.
(3) سنن النسائي 5: 117، سنن الترمذي 3:
270- 930، سنن ابن ماجة 2:
970- 2906، سنن البيهقي 4: 329، مسند أحمد
4: 10.
(4) التهذيب 5: 404- 1407.
(5) التهذيب 5: 404- 1408.
100
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 70: ؛ ج 7، ص : 101
قال أبو هريرة: جاء
رجل إلى النبي صلّى اللّٰه عليه و آله، فقال: من أحقّ الناس بحسن صحابتي؟ قال:
(أمّك) قال: ثمّ من؟ قال: (أمّك) قال: ثمّ من؟ قال: (أبوك) «1».
و لو كان الحج واجبا على الأب دونها، بدأ به،
لأنّه واجب فكان أولى من التطوّع «2».
مسألة 70:
من وجب عليه الحج فخرج لأدائه فمات في الطريق،
فإن لم يفرّط بالتأخير بل خرج حالة وجوب الحج، لم يجب إخراج شيء من تركته في
الحج، سواء دخل الحرم و أحرم أو لا.
و إن كان الحج قد استقرّ في ذمّته بأن وجب
عليه الحج في سنة فلم يخرج فيها و أخّر إلى سنة أخرى فخرج فمات في الطريق، فإن كان
قد أحرم و دخل الحرم فقد أجزأه عمّا وجب عليه، و سقط الحج عنه، سواء كان وجب عليه
الحج عن نفسه أو عن غيره بأن استؤجر للحج فمات بعد الإحرام و دخول الحرم، و تبرأ
أيضا ذمّة المنوب، و إن مات قبل ذلك، وجب أن يقضى عنه من صلب ماله.
و قال أحمد: يستأجر عنه عمّا بقي من أفعاله «3». و لم يفصّل
كما فصّلناه.
و نحن اعتمدنا في ذلك على ما رواه الخاصة عن
أهل البيت عليهم السلام:
روى بريد بن معاوية العجلي- في الصحيح- عن
الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل خرج حاجّا و معه جمل و نفقة و زاد فمات في
الطريق، فقال: «إن كان صرورة فمات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة
______________________________
(1)
صحيح البخاري 8: 2، صحيح مسلم 4: 1974- 2548.
(2) المغني و الشرح الكبير 3: 200.
(3) المغني 3: 199، الشرح الكبير 3: 198،
الكافي في فقه الإمام أحمد 1: 471.
101
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
تذنيب: ؛ ج 7، ص : 102
الإسلام، و إن مات
قبل أن يحرم و هو صرورة جعل جمله و زاده و نفقته في حجة الإسلام، فإن فضل من ذلك
شيء فهو لورثته» قلت: أ رأيت إن كانت الحجة تطوّعا فمات في الطريق قبل أن يحرم
لمن يكون جمله و نفقته و ما تركه؟ قال:
«لورثته إلّا أن يكون عليه دين فيقضى دينه، أو
يكون أوصى بوصية فينفذ ذلك لمن أوصى و يجعل ذلك من الثلث» «1».
تذنيب:
استقرار الحج في الذمّة يحصل بالإهمال بعد
حصول الشرائط بأسرها و مضيّ زمان جميع أفعال الحجّ، و يحتمل مضيّ زمان يتمكّن فيه
من الإحرام و دخول الحرم.
[تذنيب] آخر:
الكافر يجب عليه الحج على ما تقدّم، و لا يصح
منه قبل الإسلام، فإن وجد الاستطاعة حالة الكفر فلم يحج و مات، أثم، و لم يقض عنه،
و لو أسلم، وجب عليه الإتيان به إن استمرّت الاستطاعة، و لو فقدت بعد إسلامه، لم
يجب عليه بالاستطاعة السابقة حال كفره، و لو فقد الاستطاعة بعد الإسلام و مات قبل
عودها، لم يقض عنه، و لو أحرم حال كفره، لم يعتد به، و أعاده بعد الإسلام، و لو
استطاع المرتدّ حال ردّته، وجب عليه و صحّ منه إن تاب، و لو مات اخرج من صلب تركته
و إن لم يتب على إشكال.
مسألة 71:
من وجب عليه حجة الإسلام فنذر الإتيان بها صحّ
نذره، لأنّ متعلّقه طاعة، و لا يجب عليه الإتيان بحجة اخرى، و فائدة النذر: وجوب
الكفّارة لو أهمل.
و لو نذر حجّة أخرى وجب عليه النذر مغايرا
لحجة الإسلام.
و لو أطلق النذر و لم ينو حجة الإسلام و لا
المغايرة، وجب عليه حجّ آخر غير حجة الإسلام، و لا تجزئ إحداهما عن الأخرى.
و قال بعض علمائنا: إن حجّ و نوى النذر أجزأ
عن حجة الإسلام، و إن
______________________________
(1)
التهذيب 5: 407- 1416.
102
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 72: ؛ ج 7، ص : 103
نوى حجة الإسلام، لم
يجز عن النذر «1»، لما رواه رفاعة بن موسى- في الصحيح- عن الصادق عليه
السلام، قال: سألته عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّٰه هل يجزئه ذلك عن حجة
الإسلام؟ قال: «نعم» «2».
و لا دلالة فيه، لاحتمال أن يقصد بالنذر حجة
الإسلام.
مسألة 72:
لو نذر الحجّ ماشيا، انعقد نذره، و وجب المشي
إلى بيت اللّٰه تعالى، و أداء المناسك، فلو احتاج إلى عبور نهر عظيم في سفينة،
قيل:
يقوم في السفينة «3».
و الوجه: الاستحباب.
و لو ركب طريقه بأسرها مختارا، قضاه إلّا أن
يكون معذورا بعجز و شبهه، فيركب و لا شيء عليه.
و لا يسقط عنه الحج لأنّ نذر الحج ماشيا نذر
للمركّب فيستلزم نذر أجزائه، و بالعجز عن البعض لا يسقط الباقي، لما رواه رفاعة بن
موسى- في الصحيح- عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت
اللّٰه، قال: «فليمش» قلت: فإنّه تعب، قال: «فإذا تعب ركب» «4».
و لو ركب البعض مختارا و مشى البعض، قال بعض
علمائنا: يجب القضاء ماشيا، لإخلاله بالصفة «5».
و قال بعضهم: يقضي و يمشي في القضاء ما ركبه و
يركب فيه ما مشاة أوّلا «6».
______________________________
(1)
النهاية: 205.
(2) التهذيب 5: 13- 35، و الكافي 4: 277-
12.
(3) القائل هو الشيخ الطوسي في النهاية: 205
و 566، و المبسوط 1: 303، و المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 1: 231.
(4) التهذيب 5: 403- 1402، الاستبصار 2:
150- 492.
(5) ابن إدريس في السرائر: 357.
(6) الشيخ الطوسي في المبسوط 1: 303، و
النهاية: 565- 566.
103
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 73: ؛ ج 7، ص : 104
و لو عجز عن المشي،
قال بعض علمائنا: يركب و يسوق بدنة «1»، لما رواه ذريح المحاربي، قال: سألت
أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل حلف ليحجنّ ماشيا، فعجز عن ذلك فلم يطقه، قال:
«فليركب و ليسق الهدي» «2».
و قال بعض علمائنا: يركب و لا هدي عليه «3».
و قال بعضهم: إن كان النذر مطلقا، توقّع
المكنة، و إن كان مقيّدا، سقط، للعجز عن فعل ما نذره «4».
مسألة 73:
لو مات و عليه حجة الإسلام و اخرى منذورة
مستقرّتان، وجب أن يخرج عنه من صلب ماله اجرة الحجّتين، لأنّهما كالدّين.
و للشيخ- رحمه اللّٰه- قول: إنّ حجّة الإسلام
تخرج من أصل المال، و ما نذره من الثلث «5»، لوجوب تلك بالأصالة
و وجوب هذه بالعرض، لأنّها كالمتبرّع بها، فأشبهت الندب.
و لما رواه ضريس بن أعين، أنّه سأل الباقر
عليه السلام عن رجل عليه حجّة الإسلام و نذر في شكر ليحجّنّ رجلا، فمات الرجل الذي
نذر قبل أن يحجّ حجّة الإسلام و قبل أن يفي للّٰه بنذره، فقال: «إن كان ترك مالا،
حجّ عنه حجّة الإسلام من جميع ماله، و يخرج من ثلثه ما يحج به عنه للنذر، و إن لم
يكن ترك مالا إلّا بقدر حجّة الإسلام، حجّ عنه حجّة الإسلام في ما ترك، و حجّ عنه
وليّه النذر، فإنّما هو دين عليه» «6».
______________________________
(1)
الشيخ الطوسي في النهاية: 205، و المبسوط 1: 303.
(2) التهذيب 5: 403- 1403، الاستبصار 2:
149- 490.
(3) الشيخ المفيد في المقنعة: 69، و ابن
إدريس في السرائر: 121 و 357.
(4) كما في شرائع الإسلام 1: 231.
(5) المبسوط- للطوسي- 1: 306.
(6) التهذيب 5: 406- 1413.
104
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
تذنيب: ؛ ج 7، ص : 105
قال الشيخ: قوله عليه
السلام: «فليحجّ عنه وليّه ما نذر» على جهة التطوّع و الاستحباب دون الفرض و
الإيجاب «1».
و الوجه: ما تقدّم.
تذنيب:
لو أوصى بحجّ و غيره من الطاعات، فإن كان فيها
واجب، قدّم، و لو كان الجميع واجبا و قصرت التركة، بسطت على الجميع بالحصص، فإن لم
يمكن الاستئجار بما جعل في نصيب الحج، صرف في الباقي.
و قال بعض علمائنا: يقدّم الحجّ «2»، لأولويته،
و للرواية [1].
و الوجه: ما قلناه.
[تذنيب] آخر:
لو أوصى أن يحجّ عنه عن كلّ سنة بمال معيّن،
فلم يسع ذلك القدر للحجّة، جعل مال سنتين لسنة، و لو قصرا، جعل نصيب ثلاث سنين، و
هكذا، لما رواه إبراهيم بن مهزيار، قال: كتب إليه علي بن محمد الحصيني [2] أنّ ابن
[عمّي] [3] أوصى أن يحجّ عنه بخمسة عشر دينارا في كلّ سنة فليس يكفي، فما تأمر في
ذلك؟ فكتب عليه السلام «يجعل حجّتين حجّة، فإنّ اللّٰه تعالى عالم بذلك» «6».
مسألة 74:
لو كان عنده وديعة و مات صاحبها و عليه حجّة
الإسلام و عرف أنّ الورثة لا يؤدّون الحجّة عنه، فليستأجر من يحجّ عنه، و ليدفع
الوديعة في الإجارة بأجرة المثل، لأنّه مال خارج عن الورثة، و يجب صرفه في الحجّ،
______________________________
[1]
أي: رواية ضريس بن أعين، التي تقدّمت آنفا.
[2] في التهذيب: الحضيني.
[3] في النسخ الخطية و الحجرية: عمر. و ما
أثبتناه من المصدر.
______________________________
(1)
التهذيب 5: 406 ذيل الحديث 1413.
(2) القاضي ابن البرّاج في المهذّب 2: 112.
(6) الكافي 4: 310 باب بعد باب الحج، الحديث
2، التهذيب 5: 408- 1418.
105
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 75: ؛ ج 7، ص : 106
فليصرف فيه.
و لما رواه بريد العجلي- في الصحيح- عن الصادق
عليه السلام، قال: سألته عن رجل استودعني مالا فهلك و ليس لولده شيء و لم يحجّ
حجّة الإسلام، قال: «حجّ عنه، و ما فضل فأعطهم» «1».
إذا ثبت هذا، فإنّما يسوغ له ذلك بشروط:
أ- علمه بأنّ الورثة لا يحجّون عنه إذا دفع
المال إليهم.
ب- أمن الضرر، فلو خاف على نفسه أو ماله، لم
يجز له ذلك.
ج- أن لا يتمكّن من الحاكم، فإن تمكّن منه بأن
يشهد له عدلان عنده بذلك أو بغير ذلك من الأسباب بثبوت الحج في ذمّته و امتناع
الورثة من الاستئجار، لم يجز له الاستقلال به، و لو عجز عن إثبات ذلك عند الحاكم،
جاز له الاستبداد بالاستئجار.
مسألة 75:
إذا نذر الحجّ مطلقا، لم يتعيّن الفور، بل
يجوز التأخير إلى أن يغلب على الظنّ الوفاة لو لم يفعله، فإن مضى زمان يمكنه فيه
فعل الحجّ و لم يفعله حتى مات، وجب أن يقضى عنه من أصل التركة، لأنّه قد وجب عليه
بالنذر، و استقرّ بمضيّ زمان التمكّن، و لا يسقط عنه بعدم وجوب الفورية.
أمّا لو منعه مانع عن الفورية، فإنّه يصبر حتى
يزول المانع فإن مات قبل زوال المانع، لم يجب القضاء عنه، لفوات شرط الوجوب، و هو:
القدرة.
و لو عيّن الوقت فأخلّ مع القدرة، قضي عنه. و
إن منعه عارض- كمرض أو عدوّ- حتى مات، لم يجب قضاؤه عنه.
و لو نذر الحجّ أو أفسد حجّا و هو معضوب،
فالأقرب وجوب الاستنابة، كحجّة الإسلام.
______________________________
(1)
الكافي 4: 306- 6، الفقيه 2: 272- 1328، التهذيب 5: 416- 1448.
106
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 76: ؛ ج 7، ص : 107
مسألة 76:
لا يجوز لمن وجب عليه الحجّ و استقرّ أن يحجّ
تطوّعا و لا نذرا لم يتضيّق وقته، فإن أحرم بتطوّع، قال الشيخ رحمه اللّٰه: يقع عن
حجّة الإسلام «1». و به قال الشافعي و أحمد، و هو قول ابن عمر و أنس، لأنّه
أحرم بالحجّ و عليه فرضه فوقع عن فرضه كالمطلق «2».
و قال مالك و الثوري و أبو حنيفة و إسحاق و
ابن المنذر: يقع ما نواه. و هو رواية أخرى عن أحمد «3».
و التحقيق أن نقول: إن كان قد وجب عليه و
استقرّ، لم يجزئه عن أحدهما.
أمّا عن حجّ الإسلام: فلأنّه لم ينوه.
و أمّا عن حجّ التطوّع: فلأنّه لم يحصل شرطه،
و هو: خلوّ الذمّة عن حجّ واجب.
و إن كان الحجّ لم يجب عليه، وقع عن التطوّع.
تذنيب:
لو كان عليه حجّة منذورة فأحرم بتطوّع، لم
يصح.
و هل يقع عن المنذورة؟ الأقرب: المنع، لأنّ
المنذورة واجبة، فهي كحجّة الإسلام.
و قال أحمد: يقع عن المنذورة، لأنّها واجبة،
فهي كحجّة الإسلام «4».
[تذنيب] آخر:
العمرة كالحجّ فيما ذكرنا، لأنّها أحد
النسكين، فأشبهت الآخر.
مسألة 77:
لو نذر الحجّ فإن أطلق الزمان، صحّ النذر،
سواء كان قد
______________________________
(1)
المبسوط- للطوسي- 1: 302.
(2) الحاوي الكبير 4: 22، حلية العلماء 3:
249، المغني 3: 202، الشرح الكبير 3:
209، الكافي في فقه الإمام أحمد 1: 472.
(3) الحاوي الكبير 4: 22، حلية العلماء 3:
249، المغني 3: 202، الشرح الكبير 3:
209، الكافي في فقه الإمام أحمد 1: 472.
(4) المغني 3: 202، الشرح الكبير 3: 209.
107
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
تذنيب: ؛ ج 7، ص : 108
استقرّ عليه حجّة
الإسلام أو لا، لعدم الفورية فيه على الأقوى.
و إن قيّد النذر بزمان، فإن لم يكن جامعا
لشرائط حجّة الإسلام، انعقد نذره و إن كان صرورة.
ثمّ إن استطاع بعد ذلك ففي وجوب تقديم حجّة الإسلام
نظر أقربه:
المنع، لأنّ الزمان قد استحق صرفه بالنذر إلى
غير حجّة الإسلام، فلو قدّم حجّة النذر، أجزأ إن لم نوجب تقديم حجّة الإسلام، و إن
أوجبنا التقديم، احتمل البطلان و وقوع الحجّ عن حجّة الإسلام على ما تقدّم البحث
فيه.
و مع إطلاق الزمان في النذر لو كان مستطيعا،
وجب أن يبدأ بحجّة الإسلام، و كذا لو تجدّدت الاستطاعة قبل فعل المنذورة.
تذنيب:
لو أحرم بالمنذورة من عليه حجّة الإسلام فوقعت
عن حجة الإسلام- كما اختاره بعض علمائنا «1»- لم تسقط المنذورة-
و هو قول ابن عمر و أنس و عطاء و أحمد «2»- لأنّها حجّة واحدة، فلا تجزئ عن
حجّتين، كما لو نذر حجّتين فحجّ واحدة.
و قال أحمد في رواية أخرى عنه: إنّها تجزئ عن
المنذورة، لأنّه قد أتى بالحجّة ناويا بها نذره، فأجزأته، كما لو كان ممّن أسقط
فرض الحجّ عن نفسه، و هذا كما لو نذر صوم يوم قدوم فلان، فقدم في يوم من رمضان،
فنواه عن فرضه و نذره «3». و هو قول ابن عباس و عكرمة «4».
و روى سعيد بإسناده عن ابن عباس و عكرمة
أنّهما قالا في رجل نذر أن يحجّ و لم يكن حجّ الفريضة، قال: يجزئ لهما جميعا «5».
و سئل عكرمة عن ذلك، فقال: يقضي حجّة عن نذره
و عن حجّة الإسلام، أ رأيتم لو أنّ رجلا نذر أن يصلّي أربع ركعات فصلّى العصر أ
ليس
______________________________
(1)
راجع: النهاية- للطوسي-: 205.
(2) المغني 3: 203، الشرح الكبير 3: 208.
(3) المغني 3: 203، الشرح الكبير 3: 209.
(4) المغني 3: 203، الشرح الكبير 3: 209.
(5) المغني 3: 203، الشرح الكبير 3: 209.
108
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
المطلب الثاني: في شرائط باقي أقسام الحج ؛ ج 7، ص : 109
ذلك يجزئه من العصر و من النذر؟
قال: و ذكرت قولي لابن عباس، فقال: أصبت و أحسنت «1».
و قد روى علماؤنا مثل ذلك عن الصادق «2» عليه السلام، و قد سلف «3».
المطلب الثاني: في شرائط باقي أقسام الحج.
و فيه بحثان:
[البحث] الأول:
في شرائط حجّ النذر و شبهه
مسألة 78:
يشترط في انعقاد النذر و اليمين و العهد: التكليف و الحرّية و الإسلام و إذن الزوج خاصة، فلا ينعقد نذر الصبي و إن كان مراهقا، و لا المجنون المطبق، و لا من يأخذه أدوارا إذا وقع حالة جنونه، و لا السكران و لا المغمى عليه و لا الساهي و لا الغافل و لا النائم و لا العبد إلّا بإذن مولاه، فإن أذن له في النذر، لم يكن له منعه، و لا الزوجة إلّا بإذن الزوج، و مع إذنه في النذر ليس له منعها منه. و للأب حلّ يمين الولد.
و لو نذر الكافر، لم ينعقد نذره و إن أسلم.
و لا يشترط في النذر شرائط حجّة الإسلام، لأنّ غير المستطيع بالزاد و الراحلة ينعقد نذره، و كذا المريض، و إذا صحّ النذر، وجب الوفاء به إن قيّده بوقت، و إلّا لم يجب الفور.
نعم لو تمكّن بعد وجوبه و مات، لم يأثم، و يقضى من صلب التركة.
و لو كان عليه حجّة الإسلام، قسّمت التركة بينهما، لتساويهما في الوجوب، و لو اتّسعت لإحداهما خاصّة، قدّمت حجّة الإسلام، لأنّ وجوبها بالأصالة. و لو لم يتمكّن من أدائها و مات، سقط النذر.
______________________________
(1) المغني 3: 203، الشرح الكبير 3: 209.
(2) الكافي 4: 277- 12، التهذيب 5: 13- 35.
(3) سلف في المسألة 71.
109
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
البحث الثاني: في شرائط النيابة ؛ ج 7، ص : 110
و لو قيّده بوقت
فأخلّ به مع القدرة، أثم، و قضي عنه- لو مات- من صلب المال، و لو أخلّ لا مع
القدرة لمرض و عدوّ و شبههما، سقط.
و لو نذر أو أفسد و هو معضوب، قيل: وجبت
الاستنابة «1».
البحث الثاني: في شرائط النيابة
مسألة 79:
يشترط في النائب: كمال العقل و إسلام النائب و
المنوب عنه و عدم شغل ذمّته بحجّ واجب، فلا تصح نيابة المجنون و لا الصبي غير
المميّز، لارتفاع تحقّق القصد منهما.
و لو كان الصبي مميّزا، قيل «2»: لا يصح أن
يكون نائبا، لأنّه ليس بمكلّف، فلا تصحّ منه العبادة و لا نيّة القربة، و لأنّه
يعلم من نفسه أنّه غير مكلّف و لا مؤاخذ بما يصدر عنه، فلا تحصل الثقة بأفعاله.
و قيل «3»: تصحّ، لأنّ حجّه عن
نفسه صحيح فكذا عن غيره.
و يحتمل الفرق، لأنّ الصحة لا تقتضي الإجزاء
فجاز أن تكون النيابة غير مجزئة، كما لا تجزئ المباشرة عن حجّة الإسلام.
مسألة 80:
الإسلام شرط في النائب، فلو حجّ الكافر عن
غيره الكافر أو المسلم، لم يصح، سواء استؤجر أو استنيب من غير إجارة، أو تطوّع
بالتبرّع، لأنّه لا تصحّ منه نية القربة التي هي شرط في صحة الفعل.
و كذا هو شرط في المنوب عنه، فليس للمسلم أن
يحجّ عن الكافر، لقوله تعالى مٰا كٰانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا
أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كٰانُوا أُولِي قُرْبىٰ «4».
و لأنّ ثواب الحج مقارن للتعظيم و الإجلال، و
هو ممتنع في حقّ الكافر،
______________________________
(1)
القائل هو الشيخ الطوسي في المبسوط 1: 299.
(2) كما في شرائع الإسلام 1: 232.
(3) كما في شرائع الإسلام 1: 232.
(4) التوبة: 113.
110
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 81: ؛ ج 7، ص : 111
لاستحقاقه في الآخرة
الخزي و العذاب و الاستخفاف، و إذا انتفى استحقاق الثواب، انتفى ملزومه و هو صحة
الفعل عنه.
مسألة 81:
قال الشيخ رحمه اللّٰه: لا يجوز لأحد أن يحجّ
عن غيره إذا كان مخالفا له في الاعتقاد، إلّا أن يكون أباه، فإنّه يجوز له أن يحجّ
عنه «1».
و منع ابن إدريس هذا الاستثناء، و قال: لا
يجوز أن يحجّ عن المخالف سواء كان أباه أو غيره «2».
و الشيخ- رحمه اللّٰه- عوّل على ما رواه وهب
بن عبد ربه- في الصحيح- عن الصادق عليه السلام، قال: قلت له: أ يحجّ الرجل عن
الناصب؟ قال: «لا» قلت: فإن كان أبي؟ قال: «إن كان أبوك [1] فنعم» «4» و الاحتجاج
بالرواية أولى.
و لاشتمال ذلك على البرّ بالأبوين.
إذا عرفت هذا، فالرواية مخصوصة بالناصب، و هو
الذي يتظاهر بالعداوة لأهل البيت عليهم السلام، و قول الأصحاب أعمّ، لأنّ الذي
يستحقّ به الثواب الدائم هو الإيمان، فغير المؤمن لا يستحقّ ثوابا.
أمّا المخالف فيجوز أن ينوب عن المؤمن، و يجزئ
عن المنوب إذا لم يخلّ بركن، لأنّها تجزئ عنه، و لا تجب عليه الإعادة لو استبصر،
فدلّ ذلك على أنّ عبادته معتبرة في نظر الشرع يستحقّ بها الثواب إذا رجع إلى
الإيمان إلّا الزكاة، لأنّه دفعها إلى غير مستحقّها.
و يدلّ على ذلك كلّه: ما رواه بريد بن معاوية
العجلي عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل حجّ و هو لا يعرف هذا الأمر، ثم
منّ اللّٰه عليه
______________________________
[1]
«أبوك» مرفوعا على تقدير: كان أبوك ناصبا. و في المصدر: «أباك».
______________________________
(1)
المبسوط- للطوسي- 1: 326، النهاية: 280.
(2) السرائر: 149.
(4) الكافي 4: 309 (باب الحج عن المخالف)
الحديث 1، التهذيب 5: 414- 1441.
111
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 82: ؛ ج 7، ص : 112
بمعرفته و الدينونة
به، عليه حجّة الإسلام أو قد قضى فريضته؟ فقال: «قد قضى فريضته، و لو حجّ لكان
أحبّ إليّ».
قال: و سألته عن رجل و هو في بعض هذه الأصناف
من أهل القبلة ناصب منذ برهة «1» منّ اللّٰه عليه بمعرفة هذا الأمر
يقضي حجّة الإسلام؟ فقال:
«يقضي أحبّ إليّ» و قال: «كلّ عمل عمله و هو
في حال نصبه و ضلالته ثم منّ اللّٰه عليه و عرّفه الولاية، فإنّه يؤجر عليه إلّا
الزكاة، فإنّه يعيدها، لأنّه قد وضعها في غير مواضعها، لأنّها لأهل الولاية، و
أمّا الصلاة و الحجّ و الصيام فليس عليه قضاء» «2».
مسألة 82:
يشترط في النائب خلوّ ذمّته عن حجّ واجب عليه
بالأصالة أو بالنذر أو الاستئجار أو الإفساد، فلو وجب عليه حجّ بسبب أحد هذه، لم
يجز له أن ينوب عن غيره إلّا بعد أداء فرضه، لما رواه العامة عن ابن عباس أنّ رسول
اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله سمع رجلا يقول: لبّيك عن شبرمة، فقال رسول اللّٰه
صلّى اللّٰه عليه و آله: (من شبرمة؟) قال: قريب لي، قال: (حججت قطّ؟) قال: لا،
قال: (فاجعل هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة) «3».
و من طريق الخاصة: ما رواه سعد بن أبي خلف- في
الصحيح- عن الكاظم عليه السلام، قال: سألته عن الرجل الصرورة يحجّ عن الميت؟
قال: «نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحجّ به عن
نفسه، فإن كان له ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتى يحجّ من ماله، و هي تجزئ
عن الميت إن كان للصرورة مال و إن لم يكن له مال» «4».
______________________________
(1)
في المصدر: متدين، بدل منذ برهة.
(2) التهذيب 5: 9- 23، الاستبصار 2: 145-
472.
(3) سنن ابن ماجة 2: 969- 2903، سنن أبي
داود 2: 162- 1811، المغني 3: 201.
(4) الكافي 4: 305- 2، التهذيب 5: 410- 411-
1427، الاستبصار 2:
319- 320- 1131.
112
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 83: ؛ ج 7، ص : 113
و لأنّ ذمّته مشغولة
بصرف الزمان في الحجّ عن نفسه فلا يجوز صرفه في غيره، لاستلزامه ترك الواجب،
لتضادّهما.
مسألة 83:
لو وجب عليه حجّ الإسلام و استقرّ بأن مضى
زمان يمكنه إيقاعه فيه فأهمل، أو لم يستقرّ بأن كملت الشرائط في ذلك العام فحجّ عن
غيره استئجارا أو نيابة، لم يصح حجّه عن غيره، و لا تقع النية عن نفسه، بل يقع
باطلا، قاله الشيخ «1» رحمه اللّٰه- و به قال أبو بكر بن عبد العزيز، و هو مروي
عن ابن عباس «2»- لأنّ الحجّ لا يقع عن نفسه، لعدم نيّته، و لا عن غيره،
لوجوب صرف هذا الزمان إلى حجّه، فكان صرفه إلى حجّ غيره منهيا عنه، و النهي في
العبادات يدلّ على الفساد.
و لأنّه لمّا كان من شرط طواف الزيارة تعيين
النيّة، فمتى نواه لغيره لم يقع لنفسه، و لهذا لو طاف حاملا لغيره و لم ينو لنفسه،
لم يقع عن نفسه.
و لرواية سعد، فإنّ قول الكاظم عليه السلام:
«فإن كان له ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتى يحجّ من ماله» «3».
و لما رواه إبراهيم بن عقبة، قال: كتبت إليه
أسأله عن رجل صرورة لم يحجّ قطّ حجّ عن صرورة لم يحجّ قطّ أ تجزئ كلّ واحد منهما
تلك الحجة عن حجة الإسلام أو لا؟ بيّن لي ذلك يا سيدي إن شاء اللّٰه، فكتب عليه
السلام:
«لا يجوز ذلك» «4».
قال الشيخ: إنّه محمول على أنّه إذا كان
للصرورة مال فإنّ تلك الحجّة لا تجزئ عنه «5».
______________________________
(1)
المبسوط- للطوسي- 1: 302.
(2) المغني 3: 201، الشرح الكبير 3: 207.
(3) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في المسألة
82.
(4) التهذيب 5: 411- 1430، الاستبصار 2:
320- 1134.
(5) التهذيب 5: 411 ذيل الحديث 1430،
الاستبصار 2: 320 ذيل الحديث 1134.
113
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 84: ؛ ج 7، ص : 114
و قال الأوزاعي و
الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين و إسحاق: يقع إحرامه و حجّه عن نفسه عن حجّة
الإسلام، لحديث شبرمة، و لأنّه حجّ عن غيره قبل الحجّ عن نفسه، فلم يقع عن الغير،
كما لو كان صبيّا «1».
و حديث شبرمة لا دلالة فيه، لأنّه لم يعقد
إحرامه بالتلبيات الأربع، فأمره النبي صلّى اللّٰه عليه و آله بإنشاء الإحرام عن
نفسه، و رفض ما قاله من التلبية حيث لم يكمل إحرامه، و لو فرضنا إكمال إحرامه
فإنّه أمره بالحجّ عن نفسه، و هو يكون بتجديد نيّة أخرى و إبطال الاولى، فلا يدلّ
على صحته و وقوعه عن نفسه.
إذا عرفت هذا، فلو وجب عليه الحجّ و لم يستقرّ
فخرج نيابة عن الغير، لم يجزئ عن أحدهما، فلو فقد الاستطاعة بعد ذلك و الوقت باق
وجب عليه أداء حجّة الإسلام، و يجب عليه تجديد الإحرام، لأنّ الأول وقع باطلا، و
لو أكمل حجّة عن الغير لم تقع عن أحدهما على ما تقدّم، ثم يجب عليه الابتداء في
العام المقبل بحجّة الإسلام عن نفسه إذا تمكّن منه و لو مشيا، و لا يشترط الزاد و
الراحلة مع القدرة على التسكّع و الحجّ.
و لو وجب عليه حجّة الإسلام و لم يفرّط في
المضيّ ثم حدث ما يمنعه من المضيّ و لم يتمكّن منه ثم لم يقدر على الحجّ فيما بعد
و لا حصلت له شرائطه، فإنّه يجوز له أن يحجّ عن غيره، لأنّه لم يستقرّ في ذمّته، و
لو كان الحجّ قد استقرّ في ذمّته بأن فرّط فيه، لم يجز أن يحجّ عن غيره، سواء عجز
فيما بعد أو لم يعجز، تمكّن من المضيّ أو لم يتمكّن.
مسألة 84:
الصرورة إذا لم يجب عليه حجّة الإسلام أو وجب
و لم يستقرّ بأن خرج في عام تمكّنه فتجدّد عجزه، يجوز له أن يحجّ نائبا عن غيره
______________________________
(1)
المهذب- للشيرازي- 1: 207، المجموع 7: 118، حلية العلماء 3: 247، المغني 3: 201،
الشرح الكبير 3: 207- 208.
114
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 85: ؛ ج 7، ص : 115
عند علمائنا- و به
قال الحسن البصري و إبراهيم النخعي و أيوب السجستاني، و نقله العامّة عن الصادق
جعفر بن محمّد عليهما السلام، و به قال مالك و أبو حنيفة، و هو رواية أخرى عن
أحمد، و هو قول الثوري أيضا «1»- لأنّ الحجّ ممّا تدخله النيابة، فجاز
أن يؤدّيه عن غيره من لم يسقط فرضه عن نفسه، كالزكاة، لما تقدّم «2» في حديث سعد
عن الكاظم عليه السلام.
و لما رواه معاوية بن عمّار- في الحسن- عن
الصادق عليه السلام، في رجل صرورة مات و لم يحج حجّة الإسلام و له مال: [قال]
«يحجّ عنه صرورة لا مال له» «3» و في الصحيح عن محمد بن مسلم عن
أحدهما عليهما السلام، قال:
«لا بأس أن يحجّ الصرورة عن الصرورة» «4».
و قال الأوزاعي و الشافعي و أحمد في رواية، و
إسحاق: لا يجوز لمن لم يحج حجّة الإسلام أن يحجّ عن غيره، فإن فعل، وقع إحرامه عن
حجّة الإسلام، لحديث شبرمة «5».
و لا دلالة فيه، و قد تقدّم «6».
مسألة 85:
لو كان الرجل قد أسقط فرض أحد النسكين عنه دون
الآخر جاز أن ينوب عن غيره في ما أسقط فرضه عنه بأدائه، فلو كان على إنسان حجّ و
عمرة فحجّ، جاز أن يحجّ عن غيره، لسقوط فرض الحجّ عنه، و ليس له أن
______________________________
(1)
المغني 3: 201، الشرح الكبير 3: 207- 208، المجموع 7: 118، حلية العلماء 3: 248.
(2) تقدم في المسألة 82.
(3) الكافي 4: 306- 3، التهذيب 5: 411-
1428، الاستبصار 2: 320- 1132.
(4) التهذيب 5: 411- 1429، الاستبصار 2:
320- 1133.
(5) المهذب- للشيرازي- 1: 206- 207، المجموع
7: 118، حلية العلماء 3: 247، المغني 3: 201، الشرح الكبير 3: 207 و 208.
(6) تقدّم في المسألة السابقة.
115
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 86: ؛ ج 7، ص : 116
يعتمر قبل أن تبرأ
ذمّته من العمرة.
و لو كان قد اعتمر و لم يحج جاز أن ينوب عن
غيره في الاعتمار دون الحجّ.
مسألة 86:
الأقرب عندي جواز نيابة العبد عن الحرّ بإذن
مولاه، لأنّه مكلّف مسلم لا حجّ عليه، فجاز أن ينوب عن غيره كالحرّ.
و منع أحمد من نيابة العبد و الصبي في الفرض،
لأنّهما لم يسقطا فرض الحجّ عن أنفسهما، فهما كالحرّ البالغ في ذلك و أولى منه.
قال: و يحتمل أنّ لهما النيابة في حجّ التطوّع
دون الفرض، لأنّهما من أهل التطوّع دون الفرض، و لا يمكن أن تقع الحجّة التي نابا
فيها عن فرضهما، لكونهما ليسا من أهله فبقيت لمن فعلت عنه، فلا يلزمهما ردّ ما
أخذا لذلك، كالبالغ الحرّ الذي قد حجّ عن نفسه «1».
و ليس بجيّد، فإنّ الحرّ البالغ له أهلية
استحقاق وجوب الحجّ عليه، بخلافهما، بل حملهما على من أسقط فرضه بالحجّ أولى.
مسألة 87:
إذا حجّ الصرورة العاجز عن غيره، فقد بيّنّا
صحته، و أنّه يجزئ عن المنوب، أمّا النائب فلا يجزئه ما فعله في النيابة عن حجّة
الإسلام إن كانت قد وجبت عليه أوّلا ثم عجز عنها، أو لم يتحقّق بعد وجوبها عليه.
أمّا الإجزاء عن الميّت: فلما تقدّم «2» في حديث
محمد بن مسلم- في الصحيح- عن أحدهما عليهما السلام، قال: «لا بأس أن يحجّ الصرورة
عن الصرورة».
و أمّا عدم الإجزاء عن النائب: فلأنّه على
تقدير عدم وجوب الحج عليه أوّلا بريء الذمّة من الحجّ، فلا يتحقّق عليه وجوب، فلا
يتحقّق فيه أجزاء،
______________________________
(1)
المغني 3: 202، الشرح الكبير 3: 210.
(2) تقدم في المسألة 84.
116
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 88: ؛ ج 7، ص : 117
و أمّا إذا كان قد
وجب عليه أوّلا: فلأنّه لم يأت بالواجب فيبقى في عهدة التكليف، لأنّ الحجّ الذي
أتى به كان عن المنوب، فيبقى ما ثبت عليه أوّلا.
و قد روى معاوية بن عمّار- في الصحيح- عن
الصادق عليه السلام، قال: «حجّ الصرورة يجزئ عنه و عمّن حجّ عنه» «1».
قال الشيخ رحمه اللّٰه: معنى قوله: «يجزئ عنه»
ما دام معسرا لا مال له، فإذا أيسر، وجب عليه الحجّ «2».
أقول: و يحتمل أن يكون المراد: أنّه يجزئ عنه
عمّا وجب عليه بالاستئجار.
مسألة 88:
النائب كالمنوب، قاله أحمد، فلو أحرم النائب
بتطوّع أو نذر عمّن لم يحجّ حجّة الإسلام، وقع عن حجّة الإسلام، لأنّ النائب يجري
مجرى المنوب عنه «3».
و التحقيق أن نقول: إن كان النائب قد استؤجر
لإيقاع حجّ تطوّع أو نذر، ففعل ما استؤجر له، أجزأ عنه، و لا يجزئ عن المنوب إن
كان عليه حجّة الإسلام، لأنّه لم ينوها. و إن تبرّع النائب بالحجّ عنه في أحد
النسكين: إمّا النذر أو التطوّع، لم ينقلب إلى حجّة الإسلام أيضا.
و إن كان النائب قد استؤجر لإيقاع حجّة
الإسلام، فنوى التطوّع عنه أو عن المنوب، أو النذر كذلك، لم يجزئه، لأنّه لم يفعل
ما وقع عليه عقد الإجارة.
مسألة 89:
لو استناب رجلين في حجّة الإسلام و منذورة أو
تطوّع في عام، فأيّهما سبق بالإحرام وقعت حجّته عن حجّة الإسلام، و تقع الأخرى
تطوّعا أو عن النذر- قاله أحمد- لأنّه لا يقع الإحرام عن غير حجّة الإسلام ممّن
______________________________
(1)
التهذيب 5: 411- 412- 1432، الاستبصار 2: 320- 1136.
(2) التهذيب 5: 412، الإستبصار 2: 321.
(3) المغني 3: 202، الشرح الكبير 3: 209-
210.
117
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 90: ؛ ج 7، ص : 118
هي عليه فكذا من
نائبه «1». و فيه إشكال.
و الأقرب: أنّه إذا اتّفق الزمان، صحّ العقد،
فإذا حجّا في ذلك العام، أجزأ حجّهما، و لا اعتبار بتقديم إحرام أحدهما على إحرام
الآخر، بل إن كان السابق إحرام الواجب، فلا بحث، و إن كان إحرام المنذورة أو
التطوّع، أجزأ أيضا، لأنّ الحجّتين تقعان في ذلك العام.
و لو صدّ النائب في حجّة الإسلام أو أحصر و لم
يتمكّن النائب فيها من إتمامها في ذلك العام، فالأقوى صحة حجّة التطوّع.
و لو تعدّد العام، فإن استأجر لحجّ التطوّع
أوّلا، فإن تمكّن من الاستئجار عن حجّة الإسلام، فالوجه: عدم الصحة، لكن لو حجّ
النائب مع جهله، استحقّ الأجرة.
و لو لم يكن قد تمكّن من الاستئجار لحجّة
الإسلام، فالأقرب:
الصحة، ثم يستأجر في العام المقبل لحجّة
الإسلام.
مسألة 90:
إذا استؤجر ليحجّ عن غيره، و كان الحجّ لا يقع
عن ذلك الغير، وجب عليه ردّ ما أخذه من مال الإجارة مع علمه بذلك، لأنّه استؤجر
لفعل لا يصح منه إيقاعه، فوجب عليه ردّ مال الإجارة.
و لو كان جاهلا، فالأقرب عدم وجوب الردّ- و
يحتمل وجوب ردّ ما فضل عن اجرة المثل- لتعبه، فحينئذ يحتمل أن يرجع هو بما أعوز.
مسألة 91:
يجوز أن ينوب الرجل عن الرجل و عن المرأة، و
أن تنوب المرأة عن المرأة و عن الرجل في قول عامة أهل العلم «2»، لا نعلم
فيه مخالفا إلّا الحسن بن صالح بن حي، فإنّه كره حجّ المرأة عن الرجل «3».
قال ابن المنذر: و هذه غفلة عن ظاهر السنّة،
فإنّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله أمر المرأة أن تحجّ عن أبيها «4».
______________________________
(1)
المغني 3: 202، الشرح الكبير 3: 210.
(2) المغني و الشرح الكبير 3: 189.
(3) المغني و الشرح الكبير 3: 189.
(4) المغني و الشرح الكبير 3: 189.
118
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 91: ؛ ج 7، ص : 118
و هذا هو الحقّ، لما
رواه العامّة عن ابن عباس، قال: أتت امرأة من خثعم رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و
آله، فقالت: يا رسول اللّٰه أبي أدركته فريضة الحجّ و هو شيخ كبير لا يستطيع أن
يثبت على دابّته، فقال لها رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله: (فحجّي عن أبيك) «1».
و من طريق الخاصة: ما رواه رفاعة عن الصادق
عليه السلام- في الصحيح- قال: «تحجّ المرأة عن أخيها و عن أختها» و قال: «تحجّ
المرأة عن أبيها» «2».
و في الحسن عن معاوية بن عمّار عن الصادق عليه
السلام، قال: قلت له: المرأة تحجّ عن الرجل؟ قال: «لا بأس» «3».
إذا عرفت هذا، فقد شرط الشيخ- رحمه اللّٰه- في
حجّ المرأة عن الرجل شرطين:
أحدهما: أن تكون عارفة بمناسك الحج.
و الثاني: أن تكون قد حجّت أوّلا «4».
لما رواه مصادف عن الصادق عليه السلام، قال:
سألته تحجّ المرأة عن الرجل؟ قال: «نعم إذا كانت فقيهة مسلمة و كانت قد حجّت، ربّ
امرأة خير من رجل» «5».
و عن زيد الشحّام عن الصادق عليه السلام، قال:
سمعته يقول:
«يحجّ الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة، و لا
تحجّ المرأة الصرورة عن
______________________________
(1)
مسند أحمد 1: 212.
(2) التهذيب 5: 413- 414- 1438، الإستبصار
2: 322- 1140.
(3) الكافي 4: 307- 2، التهذيب 5: 413-
1437، الاستبصار 2: 322- 1141.
(4) التهذيب 5: 414 ذيل الحديث 1438،
الاستبصار 2: 322 ذيل الحديث 1142، و النهاية: 279- 280.
(5) التهذيب 5: 413- 1436، الاستبصار 2:
322- 1142.
119
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 92: ؛ ج 7، ص : 120
الرجل الصرورة» «1».
و ابن إدريس أنكر ذلك «2» إنكارا
عظيما، و نحن نحمل هذه الروايات على الاستحباب دون أن يكون ذلك شرطا، و لهذا قال
عليه السلام: «ربّ امرأة خير من رجل» و لا شك في جواز ذلك من الرجل فجاز من
المرأة.
مسألة 92:
يجوز أن يحجّ النائب عن غيره إذا كان المنوب
ميّتا من غير إذن، سواء كان واجبا أو تطوّعا، و لا نعلم فيه خلافا، لأنّ النبي
صلّى اللّٰه عليه و آله أمر بالحجّ عن الميّت «3»، و معلوم
استحالة الإذن في حقّه، و ما جاز فرضه جاز نفله، كالصدقة.
و أمّا الحيّ: فمنع بعض العامّة من الحجّ عنه
إلّا بإذنه، فرضا كان أو تطوّعا، لأنّها عبادة تدخلها النيابة، فلم تجز عن البالغ
العاقل إلّا بإذنه، كالزكاة «4».
و علّيّة المشترك و ثبوت الحكم في الأصل
ممنوعان.
مسألة 93:
قد بيّنّا أنّه لا يجوز لمن استقرّ الحجّ في
ذمّته أن يحجّ تطوّعا و لا نذرا و لا نيابة حتى يؤدّي حجّة الإسلام، و يحصل
الاستقرار بمضيّ زمان يمكنه فيه الحجّ مع الإهمال و اجتماع الشرائط.
و لو حصلت الشرائط فتخلّف عن الرفقة ثم مات
قبل حجّ الناس، تبيّن عدم الاستقرار، لظهور عدم الاستطاعة و انتفاء الإمكان، و هو
مذهب أكثر الشافعية «5».
و قال بعضهم: يستقرّ الحجّ عليه «6».
______________________________
(1)
التهذيب 5: 414- 1439، الإستبصار 2: 323- 1143.
(2) السرائر: 149.
(3) سنن الترمذي 3: 269- 929، سنن النسائي
5: 117، سنن البيهقي 4: 335.
(4) المغني و الشرح الكبير 3: 189.
(5) المجموع 7: 109، فتح العزيز 7: 31.
(6) المجموع 7: 109، فتح العزيز 7: 31.
120
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 93: ؛ ج 7، ص : 120
و لو مات بعد ما حجّ
الناس، استقرّ الوجوب عليه، و وجب الاستئجار عنه من صلب تركته، و ليس رجوع القافلة
شرطا حتى لو مات بعد انتصاف ليلة النحر و مضيّ زمان يمكنه المسير إلى منى و الرمي
بها و إلى مكة و الطواف للنساء، استقرّ الفرض عليه. و يحتمل مضيّ زمان يمكنه فيه
الإحرام و دخول الحرم.
و لو ذهب ماله بعد رجوع الحاج أو مضيّ إمكان
الرجوع، استقرّ الحجّ.
و لو تلف المال بعد الحجّ قبل عودهم و قبل
مضيّ إمكان عودهم، لم يستقرّ الحجّ أيضا، لأنّ نفقة الرجوع لا بدّ منها في
الشرائط.
و للشافعية وجهان: هذا أحدهما، و الثاني:
الاستقرار، كما في الموت «1».
و ليس بجيّد، لما بيّنّا من اشتراط نفقة
الرجوع هنا، بخلاف الميّت، فإنّه لا رجوع في طرفه، إذ بموته استغني عن المال
للرجوع، و هنا نفقة الرجوع لا بدّ منها.
و لو أحصر الذين يمكنه الخروج معهم فتحلّلوا،
لم يستقرّ الفرض عليه، و لو سلكوا طريقا آخر فحجّوا، استقرّ، و كذا إذا حجّوا في
السنة التي بعدها إذا عاش و بقي ماله.
و إذا دامت الاستطاعة و تحقّق الإمكان و لم
يحج حتى مات، عصى عندنا، و وجب القضاء من صلب ماله، لأنّ الحج مضيّق، خلافا للشافعي
حيث لم يوجب الفورية عليه «2».
و لأصحابه وجهان:
أحدهما: أنّه يعصي، و إلّا لارتفع الحكم
بالوجوب، و المجوّز إنّما هو
______________________________
(1)
المجموع 7: 109، فتح العزيز 7: 31- 32.
(2) المجموع 7: 103 و 111، فتح العزيز 7:
31.
121
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 93: ؛ ج 7، ص : 120
التأخير دون التفويت.
و الثاني: لا يعصي، لأنّا جوّزنا له التأخير «1».
قالوا: و الأظهر أنّه لو مات في وسط وقت
الصلاة قبل أدائها، لم يعص.
و الفرق: أنّ وقت الصلاة معلوم، فلا ينسب إليه
التقصير ما لم يؤخّر عنه، و في الحج أبيح له التأخير بشرط أن لا يبادر الموت، فإذا
مات قبل الفعل، أشعر الحال بالتواني و التقصير.
و يجري الوجهان فيما إذا كان صحيح البدن و لم
يحجّ حتى طرأ العضب.
و الأظهر: المعصية، و لا نظر إلى إمكان
الاستنابة، فإنّها في حكم بدل، و الأصل المباشرة، فلا يجوز ترك الأصل مع القدرة عليه.
و قال بعض الشافعية: إن كان من وجب عليه الحجّ
شيخا، مات عاصيا، و إن كان شابا فلا «2».
و هل تتضيّق الاستنابة عليه لو صار معضوبا؟
الوجه عندنا: ذلك، لوجوب الفورية في الأصل، فكذا في بدله.
و للشافعي وجهان:
هذا أحدهما، لخروجه بتقصيره عن استحقاق
الترفّه.
و الثاني: له التأخير، كما لو بلغ معضوبا عليه
الاستنابة على التراخي «3».
و في قضاء الصوم إذا تعدّى بتفويته هذان
الوجهان هل هو على الفور أو لا؟ «4».
______________________________
(1)
المجموع 7: 103 و 110- 111، فتح العزيز 7: 32.
(2) المجموع 7: 111، فتح العزيز 7: 32.
(3) المجموع 7: 111، فتح العزيز 7: 32.
(4) فتح العزيز 7: 32- 33.
122
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 94: ؛ ج 7، ص : 123
و على ما اخترناه من
وجوب الفورية لو امتنع، أجبره القاضي على الاستنابة، كما لو امتنع من أداء الزكاة،
و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني:
لا يجبره، لأنّ الأمر في ذلك موكول إلى دين
الرجل «1».
و على ما اخترناه من وجوب الفورية يحكم
بعصيانه من أول سنة الإمكان، لاستقرار الفرض عليه يومئذ.
و للشافعية وجهان:
هذا أحدهما، و أظهرهما: من آخر سنة الإمكان،
لجواز التأخير إليها «2».
و فيه وجه ثالث لهم: الحكم بكونه عاصيا من غير
أن يسند إلى وقت معيّن.
و تظهر الفائدة بكونه عاصيا: أنّه لو كان قد
شهد عند الحاكم و لم يقض بشهادته حتى مات لا يقضي، كما لو بان فسقه «3».
و لو قضى بشهادته بين الاولى من سني الإمكان و
آخرها، نقض الحكم عندنا.
و للشافعي قولان:
فإن حكم بعصيانه من آخرها، لم ينقض ذلك الحكم
بحال، و إن حكم بعصيانه من أولها، ففي نقضه قولان مبنيّان على ما إذا بان فسق
الشهود «4».
مسألة 94:
يجب الترتيب في الحج، فيبدأ بحجّة الإسلام ثم
بالقضاء ثم بالنذر ثم بالتطوّع، فلو غيّر الترتيب، وقع على هذا الترتيب، و لغت
نيّته عند الشافعي «5».
و الوجه: البطلان على ما سبق.
______________________________
(1)
المجموع 7: 111، فتح العزيز 7: 33.
(2) المجموع 7: 111، فتح العزيز 7: 33.
(3) المجموع 7: 111، فتح العزيز 7: 33.
(4) المجموع 7: 111، فتح العزيز 7: 33.
(5) الوجيز 1: 110، فتح العزيز 7: 33.
123
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 94: ؛ ج 7، ص : 123
و صورة اجتماع حجّة
الإسلام و القضاء عند الشافعية أن يفسد الرقيق حجّه ثم يعتق، فعليه القضاء، و لا
يجزئه عن حجّة الإسلام «1»، و كذا عندنا، و أيضا لو استؤجر الصرورة أو
حجّ تطوّعا فأفسد.
و كذا تقدّم حجّة الإسلام على حجّة النذر،
لأنّ حجّة الإسلام واجبة بالأصالة الشرعية، بخلاف حجّة النذر الواجبة تبرّعا من
المكلّف.
و لو اجتمع القضاء و النذر و التطوّع و حجّة
الإسلام، قدّمت حجّة الإسلام ثم القضاء الواجب بأصل الشرع.
و من عليه حجّة الإسلام أو النذر أو القضاء لا
يجوز أن يحجّ عن غيره مع تمكّنه عندنا، و مطلقا عند الشافعي «2».
و أبو حنيفة و مالك «3» وافقا على
ما قلناه.
و لو استؤجر الصرورة فنوى الحجّ عن المنوب،
فإن كان النائب قد وجب عليه الحجّ و تمكّن من فعله، بطلت حجّته عن نفسه و عن
المنوب.
و عند الشافعية تقع عن المنوب، و تلغو نيّته
عن نفسه «4».
و لو نذر الصرورة أن يحجّ في هذه السنة ففعل،
فإن كان قد تمكّن، بطل حجّه، و لم يجزئه عن حجّة الإسلام، لعدم نيّتها، و لا عن
النذر، لوجوب صرف الزمان إلى حجّة الإسلام.
و قال الشافعي: يقع عن حجّة الإسلام، و خرج عن
نذره، لأنّه ليس في نذره إلّا تعجيل ما كان له أن يؤخّره «5».
و لو استؤجر الصرورة للحج في الذمّة، جاز، ثم
يجب أن يبدأ بالحجّ عن نفسه إن تمكّن و حصلت الاستطاعة، ثم يحجّ عن المنوب في
السنة
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 33.
(2) فتح العزيز 7: 34، المجموع 7: 118.
(3) فتح العزيز 7: 34، حلية العلماء 3: 248.
(4) فتح العزيز 7: 35.
(5) فتح العزيز 7: 35.
124
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 95: ؛ ج 7، ص : 125
الأخرى.
أمّا لو استؤجر معيّنا لهذه السنة و هو
مستطيع، لم يصح، لأنّ هذه السنة يجب صرفها في حجّة الإسلام.
و لو استؤجر للسنة الثانية، جاز عندنا، خلافا
للشافعي حيث يشترط اتّصال مدّة الإجارة بمدّة العقد «1»، و سيأتي
البحث معه.
و إذا فسدت الإجارة، فإن كان المستأجر ظنّ
أنّه قد حجّ فبان صرورة، لم يستحقّ الأجير أجره، لتغريره.
و إن علم أنّه صرورة و قال: يجوز في اعتقادي
أن يحجّ الصرورة عن غيره، قال الشافعي: صحّ حجّ الأجير، و يقع لنفسه، و لكن في
استحقاقه اجرة المثل قولان «2».
مسألة 95:
القران عندنا أن يقرن إلى إحرامه سياق الهدي،
و لا يجوز أن يقرن في إحرامه بين حجّتين و لا بين عمرتين و لا بين حجّة و عمرة،
خلافا للعامّة «3»، فلو استؤجر من حجّ و لم يعتمر للحجّ، أو للعمرة من اعتمر
و لم يحجّ، فقرن الأجير و أحرم بالنسكين جميعا عن المستأجر، أو أحرم بما استؤجر له
عن المستأجر و بالآخر عن نفسه، لم يصح عندنا، و لا يستحقّ أجرا، لفساد الفعل.
و للشافعي قولان:
الجديد: أنّهما يقعان عن الأجير، لأنّ نسكي
القران لا يفترقان، و لا يمكن صرف ما لم يأمر به المستأجر إليه.
و الثاني: أنّ ما استؤجر له يقع عن المستأجر و
الآخر عن الأجير.
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 35.
(2) فتح العزيز 7: 36، حلية العلماء 3: 248.
(3) المغني 3: 251، الشرح الكبير 3: 243،
فتح العزيز 7: 118، المجموع 7: 171، المبسوط- للسرخسي- 4: 25، بداية المجتهد 1:
334.
125
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 96: ؛ ج 7، ص : 126
و على القولين لو
استأجر رجلان من حجّ و اعتمر، أحدهما ليحجّ عنه و الآخر ليعتمر عنه، فقرن عنهما،
فعلى الأول يقعان عن الأجير، و على الثاني يقع عن كلّ واحد منهما ما استأجره له «1».
و لو استأجر المعضوب رجلين ليحجّا عنه في سنة
واحدة أحدهما حجّة الإسلام و الآخر حجّة القضاء أو النذر، صحّ عندنا.
و للشافعية وجهان:
أحدهما: لا يجوز، لأنّ حجّة الإسلام لم تتقدّم
على غيرها.
و الأظهر: الجواز، لأنّ غيرها لم يتقدّم
عليها، و هذا القدر كاف في الترتيب.
فعلى أول الوجهين لو اتّفق إحرام الأجيرين في
الزمان، انصرف إحرامهما إلى نفسهما، و إن سبق إحرام أحدهما، وقع ذلك عن حجّة
الإسلام عن المستأجر، و انصرف إحرام الآخر إلى نفسه «2».
و لو أحرم الأجير عن المستأجر ثم نذر حجّا،
نظر إن نذر بعد الوقوف، لم ينصرف حجّه إليه، و وقع عن المستأجر، و إن نذر قبله،
فوجهان:
أظهرهما: انصرافه إلى الأجير «3».
و الحقّ عندنا وقوعه عن المستأجر.
و لو أحرم الرجل بحجّ تطوّعا ثم نذر حجّا بعد
الوقوف، لم ينصرف إلى النذر، و إن كان قبله فعلى الوجهين «4».
مسألة 96:
العبادات قد تقبل النيابة على بعد، لكن جازت
في الحجّ عند العجز عن المباشرة إمّا بموت أو كبر لا يتمكن معه من الركوب و
التثبّت على
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 36، المجموع 7: 118- 119، حلية العلماء 3: 250.
(2) فتح العزيز 7: 36.
(3) فتح العزيز 7: 36، المجموع 7: 119.
(4) فتح العزيز 7: 36، المجموع 7: 119.
126
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 96: ؛ ج 7، ص : 126
الدابّة، أو زمانة أو
عضب كذلك، أو مرض لا يرجى زواله.
أمّا الموت: فلما روي أنّ امرأة أتت النبي
صلّى اللّٰه عليه و آله، فقالت: إنّ أمّي ماتت و لم تحجّ، فقال: (حجّي عن أمّك) «1».
و روى ابن عباس أنّ رجلا قال: يا رسول اللّٰه
إنّ أختي نذرت أن تحجّ و ماتت قبل أن تحجّ، أ فأحجّ عنها؟ فقال عليه السلام: (لو
كان على أختك دين أ كنت قاضيه؟) قال: نعم، قال: (فاقضوا حقّ اللّٰه فهو أحقّ
بالقضاء) «2».
و قال أبو حنيفة و مالك: إن لم يوص، لا يحجّ
عنه، و يسقط فرضه بالموت «3».
و نحن نقول: إن كان الميت قد وجب عليه الحج و
استقرّ و فرّط في أدائه، وجب أن يستأجر عنه، سواء أوصى به أو لم يوص، و يستوي فيه
الوارث و الأجنبي، كقضاء الدين، و هو قول الشافعي «4».
و أمّا الكبر: فلما رواه ابن عباس أنّ امرأة
من خثعم قالت: يا رسول اللّٰه إنّ فريضة اللّٰه على عباده في الحجّ أدركت أبي شيخا
كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة، فأحجّ عنه؟ قال: (نعم) «5».
و المعتبر أن لا يثبت على الراحلة أصلا، أو لا
يثبت إلّا بمشقّة شديدة.
و مقطوع اليدين أو الرجلين إذا أمكنه التثبّت
على الراحلة من غير مشقّة
______________________________
(1)
مسند أحمد 5: 259، ترتيب مسند الشافعي 1: 388- 996.
(2) صحيح البخاري 8: 177، سنن النسائي 5:
116، مسند أبي داود الطيالسي:
341- 2621.
(3) فتح العزيز 7: 44، المجموع 7: 112،
الكافي في فقه أهل المدينة: 133، المنتقى- للباجي- 2: 271.
(4) فتح العزيز 7: 44، المجموع 7: 112.
(5) صحيح البخاري 2: 163، صحيح مسلم 2: 973-
1334، سنن النسائي 5: 117، سنن البيهقي 4: 328 بتفاوت يسير.
127
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 97: ؛ ج 7، ص : 128
شديدة لا تجوز
النيابة عنه، لأنّه ربما يفيق فيحجّ بنفسه.
و هذا كلّه في حجّة الإسلام، و في معناها حجّة
النذر و القضاء.
مسألة 97:
تجوز استنابة المعضوب في التطوّع.
و للشافعي قولان «1».
و كذا تجوز استنابة الوارث للميّت فيه.
و للشافعي قولان:
أصحّهما: الجواز- و به قال أبو حنيفة و مالك و
أحمد- لأنّ النيابة تدخل في فرضه فتدخل في نفله، كأداء الزكاة.
و الثاني: المنع، لبعد العبادات البدنية عن
قبول النيابة، و إنّما جوّز في الفرض، للضرورة «2».
و لو لم يكن الميّت قد حجّ و لا وجب عليه،
لعدم الاستطاعة، ففي جواز الاستنابة عنه للشافعية طريقان:
أحدهما: طرد القولين، لأنّه لا ضرورة إليه.
و الثاني: القطع بالجواز، لوقوعه عن حجّة
الإسلام.
فإن جوّزنا الاستئجار للتطوّع، فللأجير الأجرة
المسمّاة، و يجوز أن يكون الأجير عبدا أو صبيّا، بخلاف حجّة الإسلام، فإنّه لا
يجوز استئجارهما عندهم، و وقع الحجّ عن الأجير، و لا يستحقّ المسمّى.
و على هذا فالأصح أنّ الأجير يستحقّ اجرة
المثل، لأنّ الأجير دخل في العقد طامعا في الأجرة، و تلفت منفعته عليه و إن لم
ينتفع منها المستأجر، فصار كما لو استأجره لحمل طعام مغصوب فحمل، يستحقّ الأجرة.
و الثاني: لا يستحق، لوقوع الحجّ عنه «3».
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 40، المجموع 7: 114.
(2) فتح العزيز 7: 40، المجموع 7: 114.
(3) فتح العزيز 7: 40، المجموع 7: 114- 115.
128
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 98: ؛ ج 7، ص : 129
إذا عرفت هذا، فإنّ
الاستنابة في التطوّع لا تختص بالعاجز، بل للصحيح أيضا الاستنابة في حجّ التطوّع،
و به قال أبو حنيفة و أحمد «1».
و قال الشافعي بالاختصاص «2».
و منع مالك من النيابة عن الحيّ في الفرض و
التطوّع، و خصّها بالميّت «3».
مسألة 98:
قد بيّنّا أنّ المريض الذي يرجى زوال علّته
ليس له أن يحجّ عنه نائبا، فإن أحجّ غيره ثم زالت علّته، لم يجزئه قولا واحدا، و
إن مات أجزأه ذلك، لأنّا تبيّنّا أنّها لم تكن مرجوّة الزوال، و به قال أبو حنيفة
و الشافعي في أحد القولين، و الثاني: لا يجزئه، لأنّ الاستنابة لم تكن جائزة «4».
و على عكس ذلك لو كانت علّته غير مرجوّة
الزوال، فأحجّ عن نفسه ثم عوفي، فللشافعية طريقان:
أظهرهما: طرد القولين.
و الثاني: القطع بعدم الأداء، و به قال أبو
حنيفة.
و الفرق: أنّ الخطأ في الصورة الأولى غير
مستيقن، لجواز أن لا يكون المرض بحيث لا يوجب اليأس ثم يزداد فيوجبه فيجعل الحكم
للمآل، و هنا الخطأ متيقّن، إذ لا يجوز أن يكون اليأس حاصلا ثم يزول.
و الطاردون للقولين في الصورتين قالوا:
مأخذهما أنّ النظر إلى الحال أو إلى المآل، إن نظرنا إلى الحال، لم يجزئه في
الصورة الاولى، و أجزأ في
______________________________
(1)
المبسوط- للسرخسي- 4: 152، المغني 3: 185، فتح العزيز 7: 41، المجموع 7:
116.
(2) فتح العزيز 7: 41، المجموع 7: 116،
المغني 3: 185.
(3) فتح العزيز 7: 41، المجموع 7: 116، و
انظر: الكافي في فقه أهل المدينة: 133.
(4) فتح العزيز 7: 42، المهذب- للشيرازي- 1:
206، المجموع 7: 116، حلية العلماء 3: 246.
129
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 98: ؛ ج 7، ص : 129
الثانية، و إن نظرنا
إلى المآل، عكسنا الحكم فيهما.
و قد شبّهوا القولين هنا بالقولين فيما إذا
رأوا سوادا فظنّوه عدوّا فصلّوا صلاة الخوف ثم تبيّن خلافه، هل تجزئهم الصلاة؟ و
الأظهر عندهم: عدم الإجزاء «1».
و المعتمد عندنا: الإجزاء.
إذا عرفت هذا، فإن قلنا: إنّ الحجّة المأتي
بها تجزئه، استحقّ الأجير الأجرة المسمّاة لا محالة.
و إن قلنا: لا تجزئه، فهل تقع عن تطوّعه أو لا
تقع أصلا؟ فيه وجهان للشافعية:
أحدهما: أنّها تقع عن تطوّعه، و تكون العلّة
الناجزة عذرا لتقديم التطوّع على حجّة الإسلام.
و الثاني: أنّها لا تقع عنه أصلا، كما لو
استأجر صرورة ليحجّ عنه «2».
و على هذا فهل يستحقّ الأجير الأجرة؟ فيه
للشافعية قولان:
أصحهما: عدم الاستحقاق، لأنّ المستأجر لم
ينتفع بعمله.
و الثاني: نعم، لأنّه عمل له في اعتقاده «3».
فعلى هذا الوجه فما ذا يستحقّ؟ الأجرة
المسمّاة أم أجرة المثل؟
للشافعية وجهان، مأخذهما: أنّا هل نتبيّن فساد
الاستئجار أم لا؟
و إن قلنا: إنّه يقع عن تطوّعه، فالأجير
يستحقّ الأجرة.
و ما ذا يستحقّ؟ المسمّى أو اجرة المثل؟ وجهان
مخرّجان عن الوجهين، لأنّ الحاصل غير ما طلبه «4».
و قد منع الشافعية من جواز الحجّ عن المعضوب
بغير إذنه، بخلاف
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 42- 43، المجموع 7: 115.
(2) فتح العزيز 7: 43، المجموع 7: 115.
(3) فتح العزيز 7: 43، المجموع 7: 115.
(4) فتح العزيز 7: 43، المجموع 7: 115.
130
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 99: ؛ ج 7، ص : 131
قضاء الدّين عن
الغير، لأنّ الحجّ يفتقر إلى النيّة، بخلاف قضاء الدّين و هو من أهل الإذن و
النيّة و إن لم يكن أهل المباشرة «1».
و روي عن بعضهم جواز الحجّ بغير إذنه «2».
مسألة 99:
الاستنابة في الحجّ واجبة عن ميّت استقرّ
الحجّ في ذمّته و فرّط في أدائه.
و هل تجب عن المعضوب أو عن ميّت وجب عليه
الحجّ و لم يستقر؟
مضى «3» الكلام فيهما.
و أوجبه الشافعي على المعضوب في الجملة، و لا
فرق عنده بين أن يطرأ العضب بعد الوجوب و بين ان يبلغ واجدا للمال، و به قال أحمد «4».
و قال مالك: لا استنابة على المعضوب بحال،
لأنّه لا نيابة عن الحي عنده، و لا حجّ على من لا يستطيع بنفسه «5». و هو حسن.
و عند أبي حنيفة لا حجّ على المعضوب ابتداء و
لكن لو طرأ العضب بعد الوجوب، لم يسقط عنه، و عليه أن ينفق على من يحجّ عنه «6».
و أخبارنا دلّت على وجوب الاستئجار على
المعضوب، و قد سلفت.
و شرطه أن يكون للمعضوب مال يستأجر به من يحجّ
عنه، و أن يكون ذلك المال فاضلا عن الحاجات المذكورة فيما لو كان يحجّ بنفسه، إلّا
أنّا اعتبرنا هناك أن يكون الصرف إلى الزاد و الراحلة فاضلا عن نفقة عياله إلى
الإياب، و هنا نعتبر أن يكون فاضلا عن نفقتهم و كسوتهم يوم الاستئجار، و لا يعتبر
بعد فراغ الأجير من الحجّ مدّة إيابه.
و هل تعتبر مدّة الذهاب؟ الأقرب: أنّه لا
تعتبر- و هو أصحّ وجهي
______________________________
(1)
الوجيز 1: 110، فتح العزيز 7: 43، المجموع 7: 98 و 114.
(2) فتح العزيز 7: 43- 44، المجموع 7: 98.
(3) مضى في المسألتين 49 و 69.
(4) فتح العزيز 7: 44.
(5) فتح العزيز 7: 44.
(6) فتح العزيز 7: 44.
131
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 100: ؛ ج 7، ص : 132
الشافعية «1»- بخلاف ما
إذا كان يحجّ عن نفسه، فإنّه إذا لم يفارق أهله، يمكنه تحصيل نفقتهم، كما في
الفطرة لا يعتبر فيها إلّا نفقة اليوم.
و كذا في الكفّارات المرتّبة إذا لم نشترط
تخلّف رأس المال.
ثم ما في يده إن وفى بأجرة راكب، فلا يجب، و
إن لم يف إلّا بأجرة ماش، فالأقرب في صورة وجوب الاستئجار وجوبه هنا- و هو أصحّ
وجهي الشافعية «2» أيضا- بخلاف ما كان يحجّ بنفسه، لا يكلّف المشي، لما فيه
من المشقّة، و لا مشقّة عليه في المشي الذي تحمّله الأجير.
و الثاني: أنّه لا يلزم استئجار الماشي، لأنّ
الماشي على خطر، و في بذل المال في أجرته تغرير به «3».
و لو طلب الأجير أكثر من اجرة المثل، لم يلزم
الاستئجار، و إن رضي بأقلّ منها، لزمه، و لو امتنع من الاستئجار، فالأقرب: إلزام
الحاكم له.
و للشافعية وجهان، أشبههما عندهم: أنّه لا
يستأجر عليه «4».
مسألة 100:
قد بيّنّا أنّ شرط الاستئجار عن المعضوب وجود
المال للمعضوب، فلو لم يكن له مال و لكن بذل له الأجنبي مالا ليستأجر به، لم يلزمه
القبول، كالصحيح.
و للشافعية في لزوم قبوله وجهان:
أحدهما: يلزم، لحصول الاستطاعة بالبذل.
و أصحّهما: أنّه لا يلزم، لما فيه من المنّة
الثقيلة «5».
و لو كان الباذل واحدا من بنيه و بناته و [1]
أولادهم للطاعة في الحجّ، فالأقرب: عدم وجوب القبول- و به قال أبو حنيفة و أحمد «7»- لأنّه غير
______________________________
[1]
في «ن» و الطبعة الحجرية: أو.
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 45، المجموع 7: 95.
(2) فتح العزيز 7: 45، المجموع 7: 95.
(3) فتح العزيز 7: 45، المجموع 7: 95.
(4) فتح العزيز 7: 45، المجموع 7: 95.
(5) الوجيز 1: 111، فتح العزيز 7: 45،
المجموع 7: 95 و 99.
(7) فتح العزيز 7: 45.
132
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 101: ؛ ج 7، ص : 133
مستطيع.
و قال الشافعي: يجب، لأنّ وجوب الحجّ معلّق
بوجود الاستطاعة و قد حصلت، لأنّ الاستطاعة تارة تكون بالنفس، و تارة تكون
بالأنصار و الأعوان، و لهذا يصدق ممّن لا يحسن البناء أن يقول: أنا مستطيع للبناء
إذا تمكّن منه بالأسباب و الأعوان.
ثم شرط في باذل الطاعة أن لا يكون صرورة و لا
معضوبا، و أن يكون موثوقا بصدقه «1».
و إذا ظنّ تحقّق الطاعة، فهل يلزمه الأمر؟ [1]
وجهان للشافعية:
أحدهما: لا، لأنّ الظنّ قد يخطئ.
و أظهرهما عندهم: نعم إذا وثق بالإجابة، لحصول
الاستطاعة «3».
و لو بذل المطيع الطاعة فلم يأذن المطاع، فهل
ينوب الحاكم عنه؟ فيه وجهان: أحدهما: لا، لأنّ الحجّ على التراخي عندهم «4».
و إذا اجتمعت الشرائط و مات المطيع قبل أن
يأذن، فإن مضى وقت إمكان الحجّ، استقرّ في ذمّته، و إلّا فلا.
و لو كان له من يطيع و لم يعلم بطاعته، فهو
كمن له مال موروث و لم يعلم به.
و لو بذل الولد الطاعة ثم أراد الرجوع، فإن
كان بعد الإحرام، لم يكن له ذلك، و إن كان قبله، جاز له الرجوع، و هو أظهر وجهي
الشافعية «5».
مسألة 101:
لو بذل الأجنبي الطاعة، ففي لزوم القبول
للشافعية وجهان:
أصحّهما: أنّه يلزم، لحصول الاستطاعة، كما لو
كان الباذل الولد.
______________________________
[1]
أي: الأمر بالحج عنه.
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 45- 46، المجموع 7: 95- 96.
(3) فتح العزيز 7: 46، المجموع 7: 96.
(4) فتح العزيز 7: 46، المجموع 7: 96.
(5) فتح العزيز 7: 46، المجموع 7: 96.
133
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 101: ؛ ج 7، ص : 133
و الثاني: لا يلزم،
لأنّه يثقل استخدامه، بخلاف الولد، لأنّه [بضعة منه] [1].
و الأخ و الأب في بذل الطاعة كالأجنبي، لأنّ
استخدامهما ثقيل.
و لهم قول آخر: إنّ الأب كالابن، لاستوائهما
في وجوب النفقة «2».
و لو بذل الولد المال، فالأقوى عدم وجوب
القبول.
و للشافعي وجهان:
أحدهما: يلزم، كما لو بذل الطاعة.
و أصحّهما: عدمه، لأنّ قبول المال يستلزم منّة
عظيمة، فإنّ الإنسان يستنكف عن الاستعانة بمال الغير، و لا يستنكف عن الاستعانة
ببدنه في الأشغال «3».
و بذل المال للابن كبذل الابن للأب، أو كبذل
الأجنبي؟ للشافعية وجهان «4».
و كلّ ما قلنا في بذل الطاعة فإنّه مفروض فيما
إذا كان راكبا، أمّا إذا بذل الابن الطاعة على أن يحجّ ماشيا، ففي لزوم القبول
للشافعية وجهان:
أحدهما: لا يلزم، كما لا يلزم الحجّ ماشيا.
و الثاني: يلزم إذا كان قويّا، فإنّ المشقّة
لا تناله «5».
هذا إذا كان الباذل للطاعة مالكا للزاد، فإن
عوّل على التكسّب في الطريق، ففي وجوب القبول وجهان «6»، و هنا عدمه
أولى، لأنّ المكاسب قد تنقطع في الأسفار.
______________________________
[1]
في النسخ الخطية و الحجرية بدل ما بين المعقوفين: بعضه. و ما أثبتناه من فتح
العزيز.
______________________________
(2)
فتح العزيز 7: 46، المجموع 7: 97.
(3) فتح العزيز 7: 46، المجموع 7: 97.
(4) فتح العزيز 7: 47، المجموع 7: 97.
(5) فتح العزيز 7: 47، المجموع 7: 97.
(6) فتح العزيز 7: 47، المجموع 7: 98.
134
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 102: ؛ ج 7، ص : 135
و إن لم يكن كسوبا و
عوّل على السؤال فأولى بالمنع، لأنّ السائل قد يردّ.
و لو كان يركب مفازة لا يجدي فيها كسب و لا
سؤال، لم يجب القبول إجماعا، لأنّ التغرير بالنفس حرام.
مسألة 102:
قد بيّنّا جواز الاستئجار في الحجّ عند
علمائنا، و به قال الشافعي و مالك «1».
و قال أبو حنيفة و أحمد: لا يجوز الاستئجار
على الحجّ، كما في سائر العبادات، و لكن يرزق عليه، و لو استأجر لكان ثواب النفقة
للآمر، و يسقط عنه الخطاب بالحجّ، و يقع الحجّ عن الحاجّ «2». و قد تقدّم «3» القول فيه.
و عندنا و عند الشافعي يجوز الحجّ بالرزق، كما
يجوز الإجارة، بأن يقول: حجّ عنّي و أعطيك نفقتك أو كذا. و لو استأجره بالنفقة، لم
يصحّ، للجهالة «4».
ثم الاستئجار ضربان: استئجار عين الشخص، بأن
يقول المؤجر:
آجرتك نفسي لأحجّ عنك أو عن ميّتك بنفسي بكذا،
و إلزام ذمّته العمل، بأن يستأجره ليحصّل له الحجّ إمّا بنفسه أو بغيره، و يلزم
المستأجر إيجاب ذلك في ذمّته، و يفترقان في ما يأتي.
و كلّ واحد من ضربي الإجارة إمّا أن يعيّن
زمان العمل فيها أو لا يعيّن، و إن عيّن فأمّا السنة الأولى أو غيرها، فإن عيّن
السنة الأولى، جاز بشرط أن
______________________________
(1)
الأم 2: 124، فتح العزيز 7: 49، المجموع 7: 120 و 139، الحاوي الكبير 4: 257 و
258، الكافي في فقه أهل المدينة: 166، المنتقى- للباجي- 2: 271، المغني 3:
186.
(2) المغني 3: 186، الشرح الكبير 3: 185،
فتح العزيز 7: 49.
(3) تقدّم في المسألة 55.
(4) فتح العزيز 7: 49.
135
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 103: ؛ ج 7، ص : 136
يكون الخروج و الحجّ
فيما بقي منها مقدورا للأجير، فلو كان الأجير مريضا لا يمكنه الخروج، أو كان
الطريق مخوفا، أو كانت المسافة بحيث لا تقطع في بقية السنة، لم يصح العقد، لأنّ
المنفعة غير مقدورة.
و إن عيّنا غير السنة الأولى، صحّ عندنا و عند
أبي حنيفة «1»، للأصل و العمومات، و سيأتي بيانه.
و قال الشافعي: لا يجوز، كاستئجار الدار الشهر
المقبل، إلّا إذا كانت المسافة لا تقطع في سنة «2».
و أمّا في الإجارة الواردة على الذمّة فيجوز
تعيين السنة الاولى و غيرها، و هو بمثابة الدّين في الذمّة قد يكون حالّا و قد
يكون مؤجّلا.
و إن أطلقا، فهو كما لو عيّنا السنة الأولى،
إلّا في شيء سيأتي بيانه.
و لا يقدح في الإجارة في الذمّة كونه مريضا،
لإمكان الاستنابة، و لا خوف الطريق و ضيق الوقت إنّ عيّنا غير السنة الأولى.
مسألة 103:
إذا استؤجر المعيّن للحجّ في تلك السنة، لم
يجز له التأخير.
و هل تجب عليه المبادرة مع أول رفقة؟ الأقرب:
عدم الوجوب. و يجوز وقوع عقد الإجارة قبل خروج الناس، و له انتظار الرفقة، و لا
يلزمه المبادرة وحده، بل و لا مع أول قافلة، و هو اختيار جماعة من الشافعية «3».
و قال أكثرهم: يشترط وقوع العقد في زمان خروج
الناس من ذلك البلد حتى لا يصح استئجار المعيّن إلّا في وقت خروج القافلة من ذلك
البلد بحيث يشتغل عقيب العقد بالخروج أو بأسبابه من شراء الزاد و نحوه، فإن كان
قبله، لم يصح، لأنّ إجارة الزمان المستقبل عندهم لا يجوز، و بنوا على ذلك أنّه لو
كان
______________________________
(1)
راجع: الوجيز 1: 111.
(2) فتح العزيز 7: 49، المجموع 7: 120.
(3) فتح العزيز 7: 50، المجموع 7: 123.
136
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
تذنيب: ؛ ج 7، ص : 137
الاستئجار بمكة لم يجز إلّا في أشهر الحج ليمكنه الاشتغال بالعمل عقيب العقد «1».
و لو وقع العقد في وقت تراكم الثلوج و الانداء، فوجهان للشافعية:
أحدهما: الجواز، لأنّ توقّع زوالها مضبوط، و عدمه، لتعذّر الاشتغال بالعمل في الحال، بخلاف انتظار الرفقة، فإنّ خروجها في الحال غير متعذّر «2».
هذا كلّه في إجارة العين، أمّا الإجارة الواردة على الذمّة فيجوز تقديمها على الخروج لا محالة عندنا و عندهم «3».
تذنيب:
ليس للأجير في إجارة العين أن يستنيب غيره، لأنّ الفعل مضاف إليه، و الأغراض تختلف باختلاف الاجراء، و لو قال: لتحجّ عنّي بنفسك، فهو أوضح في المنع من الاستنابة.
و أمّا في الإجارة على الذمّة، فإذا قال: ألزمت ذمّتك لتحصّل لي حجّة، جاز أن يستنيب غيره، و لو قال: لتحجّ بنفسك، لم تجز الاستنابة.
و قال بعض الشافعية. تبطل لو قال: لتحجّ بنفسك، لأنّ الذمّيّة مع اشتراط معين يتناقضان، فصار كما لو أسلم في ثمرة بستان بعينه «4». و ليس بجيّد.
و لو أمره بالاستئجار، لم يجز له المباشرة.
مسألة 104:
يجب أن تكون أعمال الحج معلومة عند المتعاقدين وقت العقد، لبطلان العقد على المجهول، فإن علماها عند العقد، فلا بحث، و إن جهلاها أو أحدهما فلا بدّ من الإعلام.
و هل يشترط تعيين الميقات الذي يحرم منه الأجير؟ الأقرب: عدمه، عملا بالأصل.
و للشافعي قولان: هذا أحدهما، و الثاني: يشترط، لاختلاف
______________________________
(1) فتح العزيز 7: 50، المجموع 7: 123- 124
(2) فتح العزيز 7: 50، المجموع 7: 124.
(3) فتح العزيز 7: 50، المجموع 7: 124.
(4) فتح العزيز 7: 50.
137
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 105: ؛ ج 7، ص : 138
الأغراض باختلاف
المواقيت «1».
لكن علماؤنا رووا أنه إذا أمره بالحجّ على
طريق معيّن، جاز له العدول عنه «2».
و لأصحابه طريقان، أظهرهما: أنّ المسألة على
قولين: أحدهما:
الاشتراط، لاختلاف الأغراض باختلافها [3]، و
عدمه- و هو الأظهر عندهم- لأنّ الحمل على ميقات البلدة على العادة الغالبة.
و الطريق الثاني: تنزيل القولين على حالين، و
لمن قال به طريقان:
أظهرهما: حمل القول الأول على ما إذا كان
لبلدة طريق واحد و له ميقات واحد، و حمل الثاني على ما إذا كان للبلد طريقان
مختلفا الميقات، أو كان يفضي طريقها إلى ميقاتين، كالعقيق و ذات عرق.
و الثاني: حمل الأول على ما إذا كان الاستئجار
لميّت، و الثاني على ما إذا استأجر الحيّ.
و الفرق: أنّ الحيّ له غرض و اختيار، و الميّت
لا غرض له و لا اختيار، و المقصود براءة ذمّته، و هي تحصل بالإحرام من أيّ ميقات
كان، فإن شرطنا تعيّن الميقات، فسدت الإجارة بإهماله، لكن يقع الحجّ عن المستأجر،
لوجود الإذن، و تلزم اجرة المثل «4».
و إذا وقعت الإجارة للحجّ و العمرة، فلا بدّ
من بيان أنّه يفرد أو يقرن أو يتمتّع، لاختلاف الأغراض بها.
مسألة 105:
يشترط في لزوم الإجارة و صحتها: الإتيان
بالصيغة على الوجه المعتبر شرعا، فلو قال: من حجّ عنّي فله مائة، صحّ جعالة، و لا
تكون
______________________________
[1]
أي: باختلاف المواقيت.
______________________________
(1)
الوجيز 1: 111، فتح العزيز 7: 51، الحاوي الكبير 4: 259، المجموع 7: 121.
(2) الكافي 4: 307- 2، الفقيه 2: 261- 1271،
التهذيب 5: 415- 1445.
(4) فتح العزيز 7: 51، المجموع 7: 121.
138
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 106: ؛ ج 7، ص : 139
إجارة، و لا تلزم
المائة إلّا بالعمل.
و للشافعي قولان:
أحدهما: البطلان، لأنّ العامل غير معيّن، و
إنّما يحتمل ذلك عند تعذّر الإجارة، للضرورة.
و الثاني: الصحة- كما قلناه- لأنّ الجعالة تصح
على كلّ عمل يصح إيراد الإجارة عليه، لأنّ الجعالة جائزة مع كون العمل مجهولا فمع
العلم به تكون أولى بالجواز.
و على القول بفساد الجعالة لو حجّ عنه إنسان،
فالمسمّى ساقط، لفساد العقد، لكن الحج يقع عن المستأجر، و للعامل اجرة المثل،
لوجود الإذن و إن فسد العقد.
و كذا الحكم عندهم لو قال: من خاط ثوبي فله
كذا، فخاطه إنسان.
و لهم وجه: أنّه يفسد الإذن، لعدم تعيين
المأذون له، كما لو قال:
وكّلت من أراد بيع داري، لا يصحّ التوكيل،
لأنّه ليس موجّها نحو معيّن «1».
مسألة 106:
إذا أعطى الإنسان غيره حجّة ليحجّ عنه من بلد،
فحجّ عنه من بلد آخر، فإن لم يتعلّق غرض المستأجر بذلك، أجزأ، لأنّ سلوك الطريق
غير مقصود لذاته، و إنّما المقصود بالذات الحجّ و قد حصل.
و لما رواه حريز بن عبد اللّٰه- في الصحيح- عن
الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل أعطى رجلا حجّة يحجّ عنه من الكوفة، فحجّ
عنه من البصرة، قال: «لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّه» «2».
إذا عرفت هذا، فإنّه يجب على الأجير ردّ
التفاوت بين الطريقين إن كان.
ما سلكه أسهل ممّا استؤجر عليه، لأنّ العادة
قاضية بنقصان اجرة الأسهل عن
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 51- 52، المجموع 7: 122، الحاوي الكبير 4: 275.
(2) الكافي 4: 307- 2، التهذيب 5: 415-
1445.
139
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 107: ؛ ج 7، ص : 140
أجرة الأصعب، و قد
استؤجر للأصعب و لم يأت به، فيتعيّن عليه ردّ التفاوت.
و لو استؤجر للسلوك بالأسهل فسلك الأصعب، لم
يكن له شيء.
هذا إذا لم يتعلّق غرض المستأجر بتعيين
الطريق، و إن تعلّق غرض المستأجر بطريق معيّن، فاستأجر على أن يسلكه الأجير، فسلك
غيره، فالأقرب فساد المسمّى، و الرجوع إلى أجرة المثل، و يجزئ الحجّ عن المستأجر،
سواء سلك الأصعب أو الأسهل، لأنّه استؤجر على فعل و أتى ببعضه.
إذا ثبت هذا، فالأقرب أنّ الرواية تضمّنت
مساواة الطريقين إذا كان الإحرام من ميقات واحد، أمّا مع اختلاف الميقاتين،
فالأقرب المنع، لاختلافهما قربا و بعدا، و اختلاف الأغراض، و تفاوت الأجر بسبب
تفاوتهما، و إطلاق الأصحاب ينبغي أن يقيّد بما دلّ مفهوم الرواية عليه.
إذا عرفت هذا، فلو خالف في سلوك ما شرطه
[المستأجر] [1] من الطرق فأحصر، لم يستحق الأجير شيئا في الموضعين.
مسألة 107:
إذا استأجره ليحجّ عنه بنفسه، فإمّا أن يعيّن
الزمان أو لا، فإن عيّنه، وجب أن يكون الأجير على صفة يمكنه التلبّس بالإحرام في
أشهر الحجّ، فإن لم يمكنه ذلك إمّا لضيق الوقت أو لمرض أو لغير ذلك، بطل القيد،
لأنّه عقد على ما لا يصح.
و إذا كان الأجير ممّن يصح منه الحجّ فأخّر
حتى فات الوقت، و خالف إمّا لعذر أو لغير عذر، بطل العقد، لأنّ الوقت الذي عيّنه
قد فات، و كان للمستأجر الخيار بين استئجاره في السنة الأخرى و بين استئجار غيره.
و لو ضمن الأجير الحجّ في السنة الأخرى، لم
تجب إجابته، بل لو أجيب لافتقر إلى عقد آخر.
______________________________
[1]
بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية و الحجرية: المؤجر. و الظاهر ما أثبتناه.
140
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 107: ؛ ج 7، ص : 140
و للشافعية طريقان:
أظهرهما: أنّه على قولين كالقولين فيما لو حلّ السلم و المسلم فيه منقطع:
أحدهما: ينفسخ، لفوات مقصود العقد.
و أصحّهما: لا ينفسخ، كما لو أخّر أداء الدّين
عن محلّه لا ينقطع.
و الثاني: القطع بالقول الثاني.
و على القول بعدم الانفساخ ينظر إن صدر
الاستئجار من المعضوب لنفسه، فله الخيار، لتفويت المقصود، كما لو أفلس المشتري
بالثمن، فإن شاء أخّر ليحجّ في السنة الأخرى، و إن شاء فسخ، و استردّ الأجرة، و
ارتفق بها إلى أن يستأجر غيره «1».
و إن كان الاستئجار لميّت من ماله، فقد قال
بعضهم: لا خيار لمن استأجر في فسخ العقد، لأنّ الأجرة معيّنة لتحصيل الحجّ، فلا
انتفاع باستردادها «2».
و قال آخرون: له الخيار، لأنّ الورثة يقصدون
باسترداد الأجرة صرفها إلى من هو أحرى بتحصيل المقصود، و لأنّهم إذا استردّوها
تمكّنوا من إبدالها بغيرها «3».
و قال بعضهم: إنّ على الولي مراعاة النظر
للميّت، فإن كانت المصلحة في فسخ العقد لخوف إفلاس الأجير أو هربه فلم يفعل، ضمن «4».
أمّا لو كان الميّت قد أوصى بأن يحجّ عنه
إنسان بمائة مثلا، لم يجز الفسخ، لأنّ الوصية مستحقّة الصرف إلى المعيّن.
و لو استأجر إنسان للميّت من مال نفسه تطوّعا
عليه، فهو كاستئجار المعضوب لنفسه، فله الخيار.
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 53، المجموع 7: 126، الحاوي الكبير 4: 268- 269.
(2) الوجيز 1: 112، فتح العزيز 7: 53،
المجموع 7: 126.
(3) فتح العزيز 7: 53، المجموع 7: 127.
(4) فتح العزيز 7: 53، المجموع 7: 127.
141
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 108: ؛ ج 7، ص : 142
و لو قدّم الأجير
الحجّ على السنة المعيّنة، فالأقرب: الجواز، لأنّه قد زاد خيرا، و به قال الشافعي «1».
و أمّا إن لم يعيّن الزمان بل أطلق، صحّ
العقد، و اقتضى الإطلاق التعجيل.
و لو شرط التأخير عاما أو عامين، جاز، و مع
الإطلاق إذا لم يحجّ في السنة الأولى، لم تبطل الإجارة، لأنّ الإجارة في الذمّة لا
تبطل بالتأخير، و ليس للمستأجر فسخ هذه الإجارة لأجل التأخير، فإذا أحرم في السنة
الثانية، كان إحرامه صحيحا عمّن استأجره.
و قال بعض الشافعية: إذا أطلقا العقد، لم يقتض
التعجيل، و جاز للمستأجر التأخير مع القدرة، و يثبت للمستأجر الخيار، لتأخير
المقصود «2».
مسألة 108:
إنّه سيأتي أنّ المواقيت المؤقّتة للإحرام
مواضع معيّنة وقّتها رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله لكلّ إقليم ميقات معيّن «3»، لا يجوز
الإحرام قبلها عند علمائنا إلّا لناذر على خلاف بين علمائنا فيه. و كذا للمعتمر في
شهر رجب إذا خاف تقضيه يجوز له الإحرام للعمرة قبل الميقات.
و أجمعت العامة على جواز الإحرام قبل الميقات «4».
إذا عرفت هذا، فنقول: إذا استأجره للحج فانتهى
الأجير إلى الميقات المتعيّن شرعا أو بتعيينهما إن اعتبرناه فلم يحرم بالحج عن
المستأجر و لكن أحرم بعمرة عن نفسه ثم أحرم عن المستأجر بعد فراغه من عمرته، فإمّا
أن لا يعود
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 53، المجموع 7: 128.
(2) فتح العزيز 7: 52- 53، المجموع 7: 126.
(3) الكافي 4: 318- 319- 1- 3، التهذيب 5:
54- 55- 166- 168، صحيح البخاري 2: 165، صحيح مسلم 2: 838- 1181، سنن أبي داود 2:
143- 1737 و 1738، سنن الترمذي 3: 194- 831، سنن البيهقي 5: 26.
(4) المغني 3: 222، الشرح الكبير 3: 226،
الوجيز 1: 114، فتح العزيز 7: 95، بدائع الصنائع 2: 164.
142
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 108: ؛ ج 7، ص : 142
إلى الميقات بأن أحرم
من جوف مكة، وقع الحجّ عن المستأجر بحكم الإذن، فكان يجوز أن يقال: المأذون فيه
الحجّ من الميقات، و هذا الخصوص متعلّق الغرض، فلا يتناول الإذن غيره، فيحطّ شيء
من الأجرة المسمّاة و إن وقع الحجّ عن المستأجر، لمجاوزته الميقات و كان الواجب
عليه أن يحرم منه.
و قال أبو حنيفة: إذا أحرم عن نفسه ثم حجّ عن
المستأجر بإحرام من مكة من غير أن يرجع إلى الميقات، لم يقع فعله عن الآمر، و يردّ
جميع النفقة إليه، لأنّه أتى بغير ما أمر به «1».
و الأول مذهب الشافعي، لأنّه ما أخلّ إلّا بما
يجبره الدم، فلم تسقط أجرته «2».
و في قدر المحطوط اختلاف مبني على أنّ الأجرة
تقع في مقابلة أعمال الحجّ وحدها، أو يتوزّع على المسير من بلد الإجارة و الأعمال،
فإن قلنا بالثاني- و هو الأظهر عند الشافعية «3»- فقولان:
أحدهما: أنّ المسافة لا تحتسب له هاهنا، لأنّه صرفه إلى غرض نفسه حيث أحرم بالعمرة
من الميقات، فعلى هذا توزّع الأجرة المسمّاة على حجّة منشأة من بلد الإجارة و
إحرامها من الميقات، و على حجّة منشأة من جوف مكة، فإذا كانت أجرة الحجّة المنشأة
من بلد الإجارة مائة، و اجرة الحجّة المنشأة من مكة عشرة، حطّ من الأجرة المسمّاة
تسعة أعشارها.
و أصحّهما عندهم: أنّها تحسب له، لأنّ الظاهر
أنّه يقصد بها تحصيل الحجّ الملتزم، إلّا أنّه أراد أن يربح في سفره عمرة، فعلى
هذا تتوزّع الأجرة المسمّاة على حجّة منشأة من بلد الإجارة إحرامها من الميقات و
على حجّة منشأه منها أيضا إحرامها من مكة، فإذا كانت أجرة الاولى مائة و اجرة
الثانية
______________________________
(1)
المغني و الشرح الكبير 3: 190.
(2) فتح العزيز 7: 55، المجموع 7: 129،
المغني و الشرح الكبير 3: 190.
(3) فتح العزيز 7: 55، المجموع 7: 129
143
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 108: ؛ ج 7، ص : 142
تسعين، حطّ من الأجرة
المسمّاة عشرها «1».
و إن قلنا: إنّ الأجرة تقع في مقابلة أعمال
الحج وحدها، فتوزّع الأجرة المسمّاة على حجّة من الميقات، و هي التي قوبلت بها، و
على حجّة من جوف مكة، فإذا كانت أجرة الاولى خمسة و اجرة الثانية درهمين، حططنا من
الأجرة ثلاثة أخماسها.
و لو جاوز الميقات بغير إحرام ثم أحرم بالحج
عن المستأجر، يلزمه دم الإساءة، و سيأتي الخلاف في أنّ الإساءة هل تنجبر بالدم حتى
لا يحطّ شيء من الأجرة أم لا؟ قال بعض الشافعية: إنّ ذلك الخلاف عائد هنا، و إنّ
الخلاف في قدر المحطوط مفرّع على القول في قدر الحط، و يجوز أن يقطع هنا بأنّه لا
تنجبر الإساءة، و يفرّق بأنّه ارتفق هاهنا بالمجاوزة حيث أحرم بالعمرة لنفسه «2».
القسم الثاني [1]: أن يعود إلى الميقات بعد
الفراغ من العمرة و أحرم بالحج، فإن قلنا: الأجرة في مقابلة الأعمال وحدها أو
وزّعناها عليها و على السير و احتسبنا المسافة هنا، وجبت الأجرة بتمامها، و هو
الأظهر عندهم «4»، و إن وزّعناها عليها و لم تحسب المسافة هاهنا، فتوزّع
الأجرة على حجة منشأة من بلد الإجارة إحرامها من الميقات و على حجّة من الميقات من
غير قطع مسافة.
و لو جاوز الميقات بلا اعتمار ثم أحرم بالحج
عن المستأجر، فإن عاد إلى الميقات و أحرم منه عن المستأجر، فلا شيء عليه و لا حطّ
من الأجرة، و إن لم يعد، فعليه دم الإساءة بالمجاوزة.
و هل ينجبر به الخلل حتى لا يحطّ شيء من
الأجرة؟ فيه قولان
______________________________
[1]
و قد مرّ القسم الأول عند قوله: فإمّا أن لا يعود إلى الميقات ..
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 56، المجموع 7: 129.
(2) فتح العزيز 7: 56- 57، المجموع 7: 129.
(4) فتح العزيز 7: 57، المجموع 7: 129.
144
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 108: ؛ ج 7، ص : 142
للشافعية:
أحدهما: نعم، لأنّ الدم شرّع للجبر.
و أظهرهما: المنع، لأنّه نقص من العمل الذي
استأجره له، و الدم يجب لحقّ اللّٰه تعالى، فلا ينجبر به حقّ الآدمي، كما لو جنى
المحرم على صيد مملوك يلزمه الضمان مع الجزاء «1».
و منهم من قطع بالقول الثاني «2».
و على القول بعدم الانجبار فقد المحطوط يبنى
على أنّ الأجرة في مقابلة العمل وحده أو توزّع على السير و العمل جميعا؟ إن قلنا
بالأول، وزّعت الأجرة المسمّاة على حجة من الميقات و حجّة من حيث أحرم، و إن قلنا
بالثاني و اعتبرنا المسافة، وزّعت على حجّة من بلدة الإجارة و إحرامها من الميقات
و على حجّة منها إحرامها من حيث أحرم.
و الخلاف في اعتبار المسافة هاهنا إذا رتّب
على الخلاف فيما إذا أحرم بعمرة عن نفسه، كانت هذه الصورة أولى بالاعتبار، لأنّه
لم يصرفها إلى غرض نفسه.
ثم لهم وجهان في أنّ النظر إلى الفراسخ وحدها
أم يعتبر ذلك مع ذكر السهولة و الحزونة؟ و الأصحّ عندهم: الثاني «3».
و لو عدل الأجير عن طريق الميقات المتعيّن إلى
طريق آخر ميقاته مثل ذلك الميقات أو أبعد، فلا شيء عليه، و هو المذهب عند
الشافعية «4».
هذا كلّه في الميقات الشرعي، أمّا إذا عيّنا
موضعا آخر، فإن كان أقرب إلى مكة من الميقات الشرعي، فهذا الشرط فاسد مفسد
للإجارة، فإنّه لا
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 57- 58، المجموع 7: 130.
(2) فتح العزيز 7: 58، المجموع 7: 130.
(3) فتح العزيز 7: 58، المجموع 7: 131.
(4) فتح العزيز 7: 59، المجموع 7: 131.
145
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 109: ؛ ج 7، ص : 146
يجوز لمريد النسك أن
يمرّ على الميقات غير محرم، و إن كان أبعد، قال الشيخ في المبسوط: لا يلزمه ذلك،
لأنّه باطل «1».
و التحقيق أن نقول: إن كان المستأجر قد نذر
الإحرام قبل الميقات، لزمه الوفاء به عنده، فإذا استأجره لذلك، وجب على الأجير
الوفاء به، و إن لم يكن قد نذر، لم يلزم الأجير فعله.
إذا عرفت هذا، فإن استأجره للإحرام من قبل
الميقات الشرعي و سوّغناه فتجاوزه غير محرم، فهل يجب على الأجير الدم في مجاوزته
غير محرم؟
للشافعية وجهان:
أحدهما: عدم الوجوب، لأنّ الدم منوط بالميقات
الواجب شرعا، فلا يلحق به غيره، و لأنّ الدم يجب حقّا للّٰه تعالى، و الميقات
المشروط إنّما يتعيّن حقّا للمستأجر، و الدم لا يجبر حقّ الآدمي.
و أظهرهما عندهم: أنّه يلزم، لأنّ تعيّنه و إن
كان لحقّ الآدمي فالشارع هو الذي يحكم به و يتعلّق به حقّه، فإن قلنا بالأول، حطّ
قسط من الأجرة قطعا، و إن قلنا بالثاني، ففي حصول الانجبار الوجهان «2».
و كذلك لزوم الدم بسبب ترك المأمور به كالرمي
و المبيت.
و إن لزمه بسبب ارتكاب محظور كاللّبس و القلم،
لم يحط شيء من الأجرة، لأنّه لم ينقص شيء من العمل.
و لو شرط على الأجير أن يحرم في أول شوّال
فأخّره، لزم الدم، و في الانجبار الخلاف «3»، و كذا لو شرط عليه
أن يحجّ ماشيا فحجّ راكبا، لأنّه ترك شيئا مقصودا.
مسألة 109:
أنواع الحجّ ثلاثة على ما يأتي «4»: تمتّع و هو
أفضلها،
______________________________
(1)
المبسوط- للطوسي- 1: 322.
(2) فتح العزيز 7: 59، المجموع 7: 131.
(3) فتح العزيز 7: 59، المجموع 7: 131.
(4) يأتي في المسألة 125.
146
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 109: ؛ ج 7، ص : 146
و قران و إفراد،
فعندنا إنّ التمتّع فرض من نأى عن مكة لا يجوز له غيره إلّا مع الضرورة، و القران
و الإفراد فرض أهل مكة و حاضريها لا يجوز له غيرهما إلّا مع الاضطرار.
إذا ثبت هذا، فإذا استأجره ليحجّ عنه، وجب
تعيين أحد الأنواع، فإذا أمره بالحجّ متمتّعا فامتثل، أجزأه إجماعا، و دم المتعة
لازم للأجير، لأنّه من مقتضيات العقد، كفعل من الأفعال، إلّا أن يشترطه على
المستأجر فيلزمه، و إن خالفه إلى القران، لم يجزئه، لأنّه لم يفعل ما استأجره فيه.
و إن استأجره ليفرد فتمتّع أو قرن، أجزأه،
قاله الشيخ «1» رحمه اللّٰه، لأنّه عدل إلى الأفضل و أتى بما استؤجر فيه
و زيادة.
و إن استأجره للقران فقرن، صحّ، لأنّه استأجره
له، و الهدي الذي به يكون قارنا لازم للأجير، لأنّ إجارته تتضمّنه، فإن شرطه على
المستأجر، جاز.
و إن خالفه و تمتّع، قال الشيخ رحمه اللّٰه:
جاز، لأنّه عدل إلى ما هو الأفضل، و يقع النسكان معا عن المستأجر، و إن أفرد، لم
يجزئه، لأنّه لم يفعل ما استأجره فيه «2».
و قال الشافعي: إذا أمره بالقران فامتثل، وجب
دم القران على المستأجر في أصحّ الوجهين، لأنّه مقتضى الإحرام الذي أمره، و كأنّه
القارن بنفسه.
و الثاني: على الأجير، لأنّه قد الزم القران،
و الدم من تتمتّه.
فعلى الأول لو شرطا أن يكون على الأجير، فسدت
الإجارة، لأنّه جمع بين الإجارة و بيع المجهول، كأنّه يشتري الشاة منه و هي غير
معيّنة و لا موصوفة، و الجمع بين الإجارة و بيع المجهول فاسد.
و لو كان المستأجر معسرا، فالصوم يكون على
الأجير، لأنّ بعض الصوم
______________________________
(1)
المبسوط- للطوسي- 1: 324.
(2) المبسوط- للطوسي- 1: 324.
147
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 109: ؛ ج 7، ص : 146
ينبغي أن يكون في
الحج، و الذي في الحج منهما هو الأجير «1».
و قال بعضهم: هو كما لو عجز عن الهدي و الصوم
جميعا. و على الوجهين يستحقّ الأجرة بتمامها «2».
و إن عدل إلى الإفراد فحجّ ثم اعتمر، قال
الشافعي: يلزمه أن يردّ من الأجرة ما يخصّ العمرة «3».
و هو محمول عند أصحابه على ما إذا كانت
الإجارة على العين، فإنّه لا يجوز له تأخير العمل فيها عن الوقت المعيّن.
و إن كانت في الذمّة، فإن عاد إلى الميقات
للعمرة، فلا شيء عليه، و قد زاد خيرا، و لا شيء على المستأجر أيضا، لأنّه لم
يقرن، و إن لم يعد، فعلى الأجير دم، لمجاوزته الميقات للعمرة.
و هل يحطّ شيء من الأجرة أم تنجبر الإساءة
بالدم؟ فيه الخلاف السابق «4».
و إن عدل إلى التمتّع، فقد قال بعضهم: إن كانت
الإجارة إجارة عين، لم يقع الحج عن المستأجر، لوقوعه في غير الوقت المعيّن، و إن كانت
الإجارة على الذمّة، نظر إن عاد إلى الميقات للحج، فلا دم عليه و لا على المستأجر،
و إن لم يعد، فوجهان: أحدهما: لا يجعل مخالفا، لتقارب [1] الجهتين، فإنّ في القران
نقصانا في الأفعال و إحراما من الميقات، و في التمتّع كمالا في الأفعال و نقصانا
في الإحرام، لوقوعه بعد مجاوزة الميقات، فعلى هذا: الحكم كما لو امتثل «6».
و في كون الدم على الأجير أو المستأجر
للشافعية وجهان «7».
______________________________
[1]
في النسخ الخطية و الحجرية: لتفاوت. و ما أثبتناه من المصدر.
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 60- 61، المجموع 7: 132.
(2) فتح العزيز 7: 61، المجموع 7: 132.
(3) فتح العزيز 7: 61، المجموع 7: 132.
(4) فتح العزيز 7: 61، المجموع 7: 132.
(6) فتح العزيز 7: 62، المجموع 7: 132.
(7) فتح العزيز 7: 62، المجموع 7: 132.
148
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 109: ؛ ج 7، ص : 146
و قال بعضهم: يجب على
الأجير دم، لتركه الإحرام من الميقات، و على المستأجر دم آخر، لأنّ القران الذي
أمر به يتضمّنه «1».
و لو أمره بالتمتّع فأفرد، فالأقرب أنّه لا
يستحقّ أجرا، لأنّه لم يفعل ما استؤجر له.
و قال الشافعي: ينظر إن قدّم العمرة و عاد
للحجّ إلى الميقات، فقد زاد خيرا، و إن أخّر العمرة فإن كانت الإجارة إجارة عين،
انفسخت فيها، لفوات الوقت المعيّن للعمرة، فيردّ حصتها من المسمّى، و إن كانت
الإجارة على الذمّة و عاد للعمرة إلى الميقات، لم يلزمه شيء، و إن لم يعد، فعليه
دم، لترك الإحرام بالعمرة من الميقات، و في حطّ شيء من الأجرة الخلاف السابق.
و إن قرن فقد زاد خيرا، لأنّه أحرم بالنسكين
من الميقات و كان مأمورا بأن يحرم بالعمرة منه و بالحجّ من مكة.
ثم إن عدّد الأفعال، فلا شيء عليه، و إلّا
فوجهان في أنّه هل يحطّ شيء من الأجرة، للاختصار في الأفعال و في أنّ الدم على
المستأجر، لأمره بما يتضمّن الدم، أو على الأجير، لنقصان الأفعال؟ و كلّ ذلك مخرّج
على الخلاف المقدّم في عكسه، و هو ما إذا تمتّع المأمور بالقران «2».
و لو أمره بالإفراد فقرن، فالأقرب: الإجزاء، و
هدي القران على الأجير، لتبرّعه.
و أمّا الشافعية فقالوا: إن كانت الإجارة على
العين، فالعمرة واقعة لا في وقتها، فهو كما لو استأجره للحجّ وحده فقرن، و إن كانت
في الذمّة وقعا عن المستأجر، لأنّ القران كالإفراد شرعا في إخراج الذمّة عن
العهدة، و على الأجير الدم.
و هل يحطّ شيء من الأجرة أو ينجبر الخلل
بالدم؟ فيه الخلاف
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 63، المجموع 7: 133.
(2) فتح العزيز 7: 63- 64، المجموع 7: 133.
149
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 110: ؛ ج 7، ص : 150
المتقدّم.
و إن تمتّع، فإن كانت الإجارة على العين و قد
أمره بتأخير العمرة، فقد وقعت في غير وقتها، فيردّ ما يخصّها من الأجرة.
و إن أمره بتقديمها أو كانت الإجارة على
الذمّة، وقعا عن المستأجر، و على الأجير دم إن لم يعد للحجّ إلى الميقات، و في حطّ
شيء من الأجرة الخلاف السابق «1».
و اعلم أنّ بعض الشافعية استشكل هذه المسائل،
فإنّها قد اشتركت في العدول عن الجهة المأمور بها إلى غيرها، و هو [غير] [1] قادح
في وقوع النسكين عن المستأجر.
و فيه إشكال، لأنّ ما يراعى الإذن في أصله
يراعى في تفاصيله المقصودة، فإذا خالف، كان المأتي به غير المأذون فيه «3».
مسألة 110:
إذا جامع الأجير قبل الوقوف بالموقفين، فسد
حجّه، و انقلبت الحجّة إلى الأجير، فتلزمه الكفّارة، و المضيّ في الفاسد، و القضاء
للفاسد عنه، لأنّه استؤجر للحجّ الصحيح و لم يأت به بل بحجّ فاسد، فليصرف إليه،
كما لو أمره بشراء شيء بصفة فاشترى على غير تلك الصفة، يقع عن المأمور، و الحجّ
قابل للنقل عن الحالة التي انعقد عليها، فإنّ حجّ الصبي ينعقد نفلا، فإذا بلغ قبل
الوقوف، انقلب فرضا، و هو أحد قولي الشافعي «4».
و الثاني: أنّه لا ينقلب الحجّ إلى الأجير و
لا يجب القضاء، لأنّ الإحرام قد انعقد عن المستأجر فلا ينقلب إلى غيره، و لا قضاء،
لأنّ من له الحجّ لم
______________________________
[1]
أضفناها من المصدر.
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 64، المجموع 7: 133.
(3) فتح العزيز 7: 65.
(4) فتح العزيز 7: 66، المجموع 7: 134.
150
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 111: ؛ ج 7، ص : 151
يفسده، فلا يؤثّر فعل
غيره فيه «1».
و في رواية إسحاق بن عمّار عن الصادق عليه
السلام في رجل حجّ عن رجل فاجترح في حجّه شيئا يلزمه فيه الحجّ من قابل أو كفّارة،
قال: «هي للأول تامّة، و على هذا ما اجترح» «2».
إذا عرفت هذا، فعلى ما اخترناه إن كانت السنة
معيّنة، انفسخت الإجارة، و لزم المستأجر أن يستأجر من ينوب عنه فيها، و إن لم تكن
معيّنة، بل كانت في الذمة، لم تنفسخ، و عليه أن يأتي بحجّة أخرى في المستقبل عمّن
استأجره بعد أن يقضي الحجّة التي أفسدها عن نفسه، و لم يكن للمستأجر فسخ هذه
الإجارة عليه، و الحجّة الأولى فاسدة لا تجزئ عنه، و الثانية قضاء عنها عن نفسه،
ثم يقضي بعد ذلك الحجّ الذي استؤجر له.
و قال الشافعي: إن كانت الإجارة على العين،
انفسخت، و القضاء الذي يأتي به الأجير يقع عنه، و إن كانت في الذمّة، لم تنفسخ.
و عمّن يقع القضاء قولان:
أحدهما: عن المستأجر، لأنّه قضاء للأول، و لو
لا فساده لوقع عنه.
و أصحهما: عن الأجير، لأنّ القضاء بحكم
الأداء، و الأداء وقع عن الأجير، فعلى هذا يلزمه سوى القضاء حجّة أخرى للمستأجر،
فيقضي عن نفسه ثم يحجّ عن المستأجر في سنة أخرى، أو يستنيب من يحجّ عنه في تلك
السنة. و حيث لا تنفسخ الإجارة فللمستأجر خيار الفسخ عند الشافعي، لتأخّر المقصود «3».
مسألة 111:
إذا أحرم الأجير عن المستأجر ثم صرف الإحرام
إلى نفسه ظنّا منه بأنّه ينصرف، فأتمّ الحجّ على هذا الظنّ، فالوجه عندي: فساد
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 66، المجموع 7: 134.
(2) الكافي 4: 544- 23، التهذيب 5: 461- 1606.
(3) فتح العزيز 7: 66- 67، المجموع 7: 134.
151
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 112: ؛ ج 7، ص : 152
الحجّ.
أمّا بالنسبة إليه: فلعدم انصرافه إليه.
و أمّا بالنسبة إلى المستأجر: فلأنّه لم ينو
بباقي الأفعال النيابة، بل نوى وقوعها لنفسه و لم يقع، لبطلان الإحرام لنفسه، و
لاستحقاق المستأجر ذلك الزمان، و لا يستحق الأجير الأجرة، لأنّه لم يأت بالمقصود
عليه.
و قال الشافعي: يقع الحجّ للمستأجر، و في
استحقاق الأجير الأجرة قولان:
أحدهما: لا يستحقّ، لأنّه أعرض عنها حيث قصد
بالحجّ نفسه.
و أصحّهما عنده: الاستحقاق، لانعقاد الحجّ
للمستأجر، و حصول غرضه.
و هذا الخلاف جار فيما إذا دفع ثوبا إلى صبّاغ
ليصبغه، فأمسكه لنفسه و جحده و صبغه لنفسه ثمّ ردّه، هل يستحقّ الأجرة؟
و على القول بالاستحقاق فالمستحقّ المسمّى أو
اجرة المثل؟ وجهان:
أصحهما عندهم: الأول «1».
مسألة 112:
إذا مات الحاجّ عن نفسه فلا يخلو إمّا أن يكون
الحجّ قد وجب عليه أوّلا و استقرّ أولا، فإن كان الحجّ لم يجب عليه قبل هذه السنة،
سقط الحج عنه مطلقا.
و إن كان الحجّ قد وجب عليه أوّلا و استقرّ و
فرّط بالتأخير ثم خرج لأدائه فمات قبل فعله، فالأقرب- على ما يقتضيه مذهبنا-
التفصيل، و هو أنّه إن مات بعد الإحرام و دخول الحرم، أجزأه عن الحجّ، و برئت
ذمّته، لأنّ ذمّة الأجير تبرأ بذلك على ما يأتي، فكذا الأصل، و إن مات قبل الإحرام
و دخول الحرم، وجب أن يقضى عنه، و لم يعتدّ بما فعله.
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 67، المجموع 7: 134- 135.
152
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 112: ؛ ج 7، ص : 152
و إن كان الميّت
الأجير، فإن كان بعد الإحرام و دخول الحرم، أجزأه ما فعله عن نفسه و عن المنوب
عنه، و سقط الحجّ عن المنوب عند علمائنا، و قد تقدّم.
و إن كان قبل ذلك، لم تبرأ ذمّة المنوب، و يجب
على الأجير [1] ردّ باقي مال الإجارة بعد إسقاط ما قابل فعله إن كان قد استؤجر
لقطع المسافة و الحجّ، و إن كان قد استؤجر لفعل الحجّ خاصّة، لم يستحقّ شيئا في
مقابلة قطع المسافة.
و قال الشافعي: إذا حجّ عن نفسه ثم مات في
أثنائه، هل يجوز البناء على حجّه؟ فيه قولان، و شبّهوهما بالقولين في جواز البناء
على الأذان و الخطبة.
فالجديد- و هو الصحيح عندهم-: أنّه لا يجوز
البناء على الحجّ، لأنّه عبادة يفسد أوّلها بفساد آخرها، فأشبهت الصوم و الصلاة.
و لأنّه لو أحصر فتحلّل ثم زال الحصر فأراد
البناء عليه، لا يجوز، فإذا لم يجز له البناء على فعل نفسه فأولى أن لا يجوز لغيره
البناء على فعله.
و القديم: الجواز، لأنّ النيابة جارية في جميع
أفعال الحج فتجري في بعضها، كتفرقة الزكاة.
فعلى القديم لو مات و قد بقي وقت الإحرام
بالحجّ، أحرم الثاني بالحجّ، و وقف بعرفة إن لم يقف الأصل، و لا يقف إن وقف، و
يأتي ببقيّة الأعمال.
و لا بأس بوقوع إحرام النائب وراء الميقات،
فإنّه مبني على إحرام أنشئ منه.
و إن لم يبق وقت الإحرام بالحجّ، فبم يحرم؟
وجهان:
______________________________
[1]
أي: على ورثة الأجير.
153
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 113: ؛ ج 7، ص : 154
أحدهما: أنّه يحرم
بعمرة، لفوات وقت الإحرام بالحجّ، ثم يطوف و يسعى، فيقعان عن الحجّ و لا يبيت و لا
يرمي، فإنّهما ليسا من أعمال العمرة، لكنهما يجبران بالدم.
و الأصح عندهم: أن يحرم بالحجّ أيضا، و يأتي
ببقية الأعمال، لأنّه لو أحرم بالعمرة، للزمه أفعال العمرة، و لما انصرفت إلى الحجّ،
و الإحرام المبتدأ هو الذي يمنع تأخيره عن أشهر الحجّ، و هذا ليس إحراما مبتدأ، و
إنّما هو مبني على إحرام أنشئ في وقته.
و على هذا فلو مات بين التحليلين، أحرم النائب
إحراما لا يحرّم اللبس و القلم، و إنّما يحرّم النساء، لأنّ إحرام الأصل لو بقي
لكان بهذه الصفة.
هذا كلّه فيما إذا مات قبل حصول التحليلين،
فأمّا إذا مات بعد حصولهما، فقد قال بعضهم: لا يجوز البناء و الحال هذه، إذ لا
ضرورة إليه، لإمكان جبر ما بقي من الأعمال بالدم «1».
مسألة 113:
لو مات الأجير، فعندنا قد تقدّم حكمه.
و أمّا الشافعي فقد قال: إن كان قد مات بعد
الشروع في الأركان و قبل الفراغ منها فهل يستحقّ شيئا من الأجرة؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يستحق، لأنّه لم يسقط الفرض عن
المستأجر، و هو المقصود، فأشبه ما لو التزم له مالا ليردّ عبده الآبق فردّه بعض
الطريق ثم هرب.
و الثاني: نعم، لأنّه عمل بعض ما استؤجر له،
فاستحقّ بقسطه من الأجرة، كما لو استؤجر لخياطة ثوب فخاط بعضه.
ثم اختلفوا فبعضهم بنى القولين هنا على
القولين في أنّه هل يجوز البناء على الحجّ؟ إن قلنا: لا، فلا شيء له، لأنّ
المستأجر لم ينتفع بعمله، و إن
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 68- 69، المجموع 7: 135.
154
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 113: ؛ ج 7، ص : 154
قلنا: نعم، فله
القسط.
و بعضهم نازع في هذا البناء، و قالوا: الجديد
هنا: أنّه يستحقّ القسط، و الجديد من القولين في أنّه هل يبنى على الحجّ؟: المنع.
و أيضا فقد رجّح كثير من الشافعية الاستحقاق
هنا، و في خلاف البناء الراجح المنع بالاتّفاق «1».
و توسّط الجويني فقال: إن جوّزنا البناء،
استحقّ الأجير قسطا من الأجرة، و إلّا ففيه الخلاف.
و وجه الاستحقاق: أنّه لا تقصير من الأجير، و
المأتي به ينفع المستأجر في الثواب.
و وجه المنع: أنّ ما كان على المستأجر قد بقي
بحاله، فكأنّ الأجير لم يعمل له شيئا «2».
و إذا قلنا: يستحقّ قسطا، فالأجرة تقسّط على
الأعمال وحدها أو عليها مع السير؟ فيه قولان.
وجه الأول: أنّ المقصود الأعمال، و السير
وسيلة إليها، و الأجرة تقابل المقصود.
و الثاني- و هو الأظهر عندهم-: أنّ الوسائل
تأخذ حكم المقاصد، و التعب في السير أكثر منه في الأعمال، فيبعد أن لا يقابل بشيء «3».
و منهم من قال: لا خلاف في المسألة، و لكن إن
قال: استأجرتك لتحجّ عنّي، فالتقسيط على الأعمال خاصة، و لو قال: لتحجّ عنّي من
بلد كذا، فالتقسيط عليهما معا «4».
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 70.
(2) فتح العزيز 7: 70- 71.
(3) فتح العزيز 7: 71.
(4) فتح العزيز 7: 71، المجموع 7: 136.
155
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 113: ؛ ج 7، ص : 154
ثم إن كانت الإجارة
على العين انفسخت و لا بناء لورثة الأجير، كما لم يكن له أن يبني بنفسه.
و هل للمستأجر أن يستأجر من يتمّه؟ فيه قولان
مبنيّان على القولين في جواز البناء، إن جوّزناه فله ذلك، و إلّا فلا.
و إن كانت الإجارة على الذمّة، فإن لم نجوّز
البناء، فلورثة الأجير أن يستأجروا من يحجّ عمّن استؤجر له مورّثهم، فإن تمكّنوا
منه في تلك السنة لبقاء الوقت فذاك، و إلّا فللمستأجر الخيار، و إن جوّزنا البناء،
فلهم أن يتمّوا الحجّ «1».
و إن مات الأجير بعد ما أخذ في السير و قبل أن
يحرم، فالمنقول عن نصّ الشافعي في عامّة كتبه أنّه لا يستحقّ شيئا من الأجرة،
لأنّه بسبب لم يتّصل بالمقصود، فأشبه ما لو قرّب الأجير على البناء آلات البناء من
موضع الى موضع البناء و لم يبن شيئا «2».
و فيه وجه لأصحابه: أنّه يستحقّ قسطا من
الأجرة، لأنّ الأجرة في مقابلة السير و العمل جميعا، فإنّها تختلف باختلاف المسافة
طولا و قصرا «3».
و لو مات بعد إتمام الأركان و قبل الفراغ من
سائر الأعمال، فينظر إن فات وقتها أو لم يفت و لكن لم نجوّز البناء، فيجبر بالدم
من مال الأجير. و في ردّ شيء من الأجرة الخلاف السابق.
و إن جوّزنا البناء فإن كانت الإجارة على
المعيّن انفسخت، و وجب ردّ قسطها من الأجرة، و يستأجر المستأجر من يرمي و يبيت، و
لا دم على الأجير، و إن كانت على الذمّة، استأجر وارث الأجير من يرمي و يبيت، و لا
حاجة إلى الإحرام، لأنّهما عملان يفعلان بعد التحلّلين و لا يلزم الدم و لا ردّ شيء
من
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 71- 72، المجموع 7: 136.
(2) فتح العزيز 7: 72، المجموع 7: 136.
(3) فتح العزيز 7: 72، المجموع 7: 137.
156
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 114: ؛ ج 7، ص : 157
الأجرة «1».
مسألة 114:
لو صدّ الأجير عن بعض الطريق، قال الشيخان
رحمهما اللّٰه: كان عليه ممّا أخذ بقدر نصيب ما بقي من الطريق الذي يؤدّي فيه
الحجّ إلّا أن يضمن العود لأداء ما وجب «2».
و نحن نقول: إن كانت الإجارة في الذمّة، وجب
على الأجير الإتيان بها مرّة ثانية، و لم يكن للمستأجر فسخ الإجارة، و كانت الأجرة
بكمالها للأجير، و إن كانت معيّنة، فله أن يرجع عليه بالمتخلّف، و لا يجب على
المستأجر الإجابة في قضاء الحج ثانيا، بل له فسخ العقد و استئجار غيره، و له أن
يجيبه إلى ذلك.
مسألة 115:
لو أحصر الأجير، جاز له أن يتحلّل بالهدي،
لعموم الآية «3».
و يقع ما فعله عن المستأجر، لأنّه قصد الفعل
له.
و قال بعض الشافعية: يقع عن المحصر «4».
إذا عرفت هذا، فالدم على الأجير.
و لم لم يتحلّل و أقام على إحرامه حتى فات
الحج، تحلّل بعمرة، و لا يستحقّ الأجرة على ما فعله من وقت الوقوف الى التحلّل،
لأنّ تلك الأفعال لم يفعلها للمستأجر، بل ليتحلّل من إحرامه، و أمّا ما فعله قبل
ذلك فإنّه يستحقّ به الأجرة عندنا.
و قال الشافعي: لو أحصر الأجير، فله التحلّل،
كما لو أحصر الحاج لنفسه، فإن تحلّل فعمّن يقع ما أتى به؟ وجهان: أصحّهما: عن
المستأجر،
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 72- 73، المجموع 7: 137.
(2) المقنعة: 69، النهاية: 278.
(3) البقرة: 196.
(4) فتح العزيز 7: 73، المجموع 7: 137.
157
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 116: ؛ ج 7، ص : 158
كما لو مات، إذ لم
يوجد من الأجير تقصير. و الثاني: عن الأجير، كما لو أفسده، لأنّه لم يحصّل غرضه،
فعلى هذا دم الإحصار على الأجير، و على الأول هو على المستأجر، و في استحقاقه شيئا
من الأجرة الخلاف المذكور في الموت.
و إن لم يتحلّل و أقام على الإحرام حتى فاته
الحج، انقلب الحجّ إليه، كما في صورة الإفساد، ثم يتحلّل بعمرة، و عليه دم الفوات.
و لو فرض الفوات بنوم أو تأخّر عن القافلة و
غيرهما من غير إحصار، انقلب المأتي به إلى الأجير أيضا، كما في الإفساد،
لاشتراكهما في إيجاب القضاء، و لا شيء للأجير «1».
مسألة 116:
يشترط في النيابة نية النائب عن المنوب
بالقلب، و يستحب ضمّ اللسان، و لا يجزئ لو تجرّد عن القلب، لأنّ الحجّ فعل يحتمل
وجوها، و صرفه إلى الفاعل أقرب، فلا بدّ من تخصيص الفعل بالمنوب ليقع له.
و يستحب له أن يذكره في المواقف كلّها، لما
رواه محمد بن مسلم- في الصحيح- عن الباقر عليه السلام، قال: قلت له: ما يجب على
الذي يحجّ عن الرجل؟ قال: «يسمّيه في المواطن و المواقف» «2».
و أمّا عدم وجوب التلفّظ بذلك: فللأصل.
و لما رواه مثنى بن عبد السلام عن الصادق عليه
السلام في الرجل يحجّ عن الإنسان يذكره في جميع المواطن كلّها؟ قال: «إن شاء فعل و
إن شاء لم يفعل، اللّٰه يعلم أنّه قد حجّ عنه، و لكن يذكره عند الأضحية إذا ذبحها» «3».
و يستحب للنائب عند عقد الإحرام أن يقول ما
رواه الحلبي عن الصادق
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 73- 74، المجموع 7: 137.
(2) الكافي 4: 310- 311- 2، التهذيب 5: 418-
419- 1453، الاستبصار 2:
324- 1148.
(3) الفقيه 2: 279- 1368، التهذيب 5: 419-
1454، الاستبصار 2: 324- 1149.
158
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 117: ؛ ج 7، ص : 159
عليه السلام، قال:
قلت: الرجل يحجّ عن أخيه أو عن أبيه أو عن رجل من الناس، هل ينبغي له أن يتكلّم
بشيء؟ قال: «نعم يقول بعد ما يحرم:
اللهم ما أصابني في سفري هذا من تعب أو شدة أو
بلاء أو سغب فأجر فلانا فيه و أجرني في قضائي عنه» [1].
مسألة 117:
إذا فعل الأجير شيئا تلزمه الكفّارة به من
محظورات الإحرام، كانت الكفّارة عليه في ماله من الصيد و اللباس و الطيب و غير
ذلك، لأنّها عقوبة على جناية صدرت عنه، أو ضمان في مقابلة إتلاف وقع منه، فاختصّت
بالجاني، و جرى مجرى الأجير إذا جنى على إنسان، فخرق ثوبه أو جرحه، يجب الأرش عليه
لا على المستأجر، كذلك هاهنا.
مسألة 118:
قال الشيخ رحمه اللّٰه: إذا أخذ الأجير حجّة
من غيره، لم يكن له أن يأخذ حجّة أخرى حتى يقضي التي أخذها «2».
و التحقيق أن نقول: إن كانت الإجارة الأولى
وقعت على تلك السنة، لم يكن له أن يؤجر نفسه لغيره تلك السنة بعينها، لأنّ فعله
صار مستحقا للأول، فلا يجوز صرفه إلى غيره.
و إن استأجره الأول مطلقا، فإن استأجره الثاني
للسنة الأولى، فإن قلنا باقتضاء الإطلاق التعجيل، لم يصح العقد الثاني، لأنّ
الإجارة الأولى و إن كانت غير معيّنة بزمان لكن يجب إتيانها في السنة الأولى، فلا
يجوز حينئذ صرف العمل فيها إلى غيره، و إن استأجر للسنة الثانية، جاز.
و لو استأجره مطلقا، فالأقرب الجواز، للأصل، و
اقتضاء التعجيل هنا مندفع بسبب استحقاق الأول.
و لو استأجره الأول للسنة الثانية، جاز للثاني
أن يستأجره مطلقا و أن
______________________________
[1]
التهذيب 5: 418- 1452، الاستبصار 2: 324- 1147 و فيه: «شعث» بدل «سغب».
______________________________
(2)
المبسوط- للطوسي- 1: 326.
159
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 119: ؛ ج 7، ص : 160
يستأجره للسنة
الأولى.
مسألة 119:
لا يجوز لحاضر مكة المتمكّن من الطواف
الاستنابة فيه، لأنّه عبادة بدنية يمكن الإتيان بها مباشرة، فلا تجوز الاستنابة
فيها كالحجّ.
و لو كان غائبا، جاز له أن يستنيب فيه مع
وجوبه عليه و عدم تمكّنه منه، أو مع ندبيته، لأنّه بغيبته عاجز عن المباشرة، فجاز
له الاستنابة.
و لما رواه عبد الرحمن بن أبي نجران عمّن
حدّثه عن الصادق عليه السلام، قال: قلت: الرجل يطوف عن الرجل و هما مقيمان بمكّة،
قال:
«لا و لكن يطوف عن الرجل و هو غائب» قلت: و كم
قدر الغيبة؟ قال: «عشرة أميال» «1».
إذا عرفت هذا، فإنّه يجوز للحاضر غير المتمكّن
من الطواف، لعدم تمكّنه من الطهارة، بأن يكون مريضا لا يستمسك الطهارة، فإنّه يطاف
عنه، و لو استمسك، طيف به.
و المغمى عليه و الكسير يطاف به و يرمى عنه،
لما رواه حريز عن الصادق عليه السلام، قال: «المريض و المغمى عليه يرمى عنه و يطاف
عنه» «2».
و في رواية معاوية بن عمار عن الصادق عليه
السلام قال: «الكسير يحمل و يطاف به، و المبطون يرمى عنه و يطاف عنه» «3».
مسألة 120:
الأجير يملك الأجرة بالعقد، فإذا حجّ فإن فضل
له شيء من الأجرة عن نفقة الحج، استحبّ له ردّه إلى المستأجر ليكون قصده بالحج
القربة لا العوض، و ليس ذلك بلازم، لما رواه مسمع عن الصادق عليه السلام، قال:
قلت: أعطيت الرجل دراهم ليحجّ بها عنّي، ففضل
______________________________
(1)
التهذيب 5: 419- 1455.
(2) التهذيب 5: 123- 403، الاستبصار 2: 226-
779.
(3) التهذيب 5: 125- 409.
160
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 120: ؛ ج 7، ص : 160
منها شيء فلم يردّه
عليّ، قال: «هو له، و لعلّه ضيّق على نفسه» «1».
و لأنّ عقد الإجارة سبب لتملّك الأجرة مع
الإتيان بما وقع عليه الإجارة و قد وجد السبب فيوجد المسبّب.
و لو قصرت الأجرة عن النفقة، لم يجب على
المستأجر الإتمام، بل يستحب، لاشتماله على المساعدة للمؤمن و إعانته على طاعته و
الإنفاق على أفضل العبادات، و ليس واجبا، عملا بالأصل.
و أبو حنيفة منع من الإجارة، فيكون الأجير
نائبا محضا، و ما يدفع إليه من المال يكون رزقا لطريقة «2».
فلو مات أو أحصر أو ضلّ الطريق أو صدّ، لم
يلزمه الضمان لما أنفق عليه، لأنّه إنفاق بإذن صاحب المال.
فإذا ناب عنه آخر، فإنّه يحج من حين بلغ
النائب الأول، لأنّه حصل قطع هذه المسافة بمال المنوب عنه، فلم يكن عليه الإنفاق
دفعة اخرى، و يردّ النائب ما فضل معه من المال، و لا يسرف و لا يقتر على نفسه و لا
يمشي و لا يدعو إلى طعامه و لا يتفضّل، أمّا لو أعطاه ألفا و قال: حجّ بهذه، كان
له أن يتوسّع فيها، و إن فضل شيء فهو له.
و لو سلك النائب طريقا يمكنه سلوك أقرب منه،
كان الفاضل من النفقة في ماله. و إن تعجّل عجلة يمكنه تركها فكذلك.
و إن أقام بمكة أكثر من مدّة القصر بعد إمكان
السفر للرجوع، أنفق من ماله، لأنّه غير مأذون فيه، فأمّا من لا يمكنه الخروج قبل
ذلك فله النفقة، لأنّه مأذون فيه، و له نفقة الرجوع.
و إن مرض في الطريق فعاد، فله نفقة رجوعه،
لأنّه لا بدّ له منه حصل
______________________________
(1)
التهذيب 5: 414- 415- 1442.
(2) المبسوط- للسرخسي- 4: 159، المغني 3:
186، الشرح الكبير 3: 185، المجموع 7: 139.
161
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 121: ؛ ج 7، ص : 162
بغير تفريطه، فأشبه
ما لو قطع عليه الطريق أو صدّ.
و إن قال: خفت أن أمرض فرجعت، فعليه الضمان،
لأنّه مجرّد وهم.
مسألة 121:
يشترط في الاستئجار على الحج: العلم بالعوض
كغيره، فلو قال: استأجرتك للحج بنفقتك لم يصح- و به قال الشافعي «1»- لفوات شرط
صحة العقد، و هو العلم بمال الإجارة.
و قال أبو حنيفة: يصح «2». و ليس
بمعتمد.
و كذا البحث لو قال: حجّ عنّي بما شئت.
و إذا فسدت الإجارة فإن حجّ عنه، وجب له اجرة
المثل، و صحّت الحجّة عن المستأجر.
و لو قال: أول من يحجّ عنّي فله مائة، صحّ
جعالة.
و قال المزني: الإجارة فاسدة، و له اجرة المثل «3».
و احتجّ الشيخ- رحمه اللّٰه- بقوله: [صلّى
اللّٰه عليه و آله]: (المؤمنون عند شروطهم) «4» «5».
و لو قال: حجّ عنّي أو اعتمر بمائة، قال
الشيخ: يكون صحيحا، فمتى حجّ أو اعتمر، استحقّ المائة، لأنّه خيّره بين الحجّ و
العمرة بأجرة معيّنة، و ليس بمجهول، و لا مانع يمنع منه.
و قال الشافعي: تبطل الإجارة، لجهالة العمل،
فإن حجّ أو اعتمر،
______________________________
(1)
حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 2: 393، المسألة 250، و راجع: الام 2:
129- 130، و الحاوي الكبير 4: 276.
(2) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 2:
393، المسألة 250.
(3) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 2:
387، المسألة 238، و راجع: الحاوي الكبير 4: 275- 276، و فتح العزيز 7: 51- 52، و
المجموع 7: 122.
(4) التهذيب 7: 371- 1503، الاستبصار 3:
232- 835، تفسير القرطبي 6: 33.
(5) الخلاف 2: 387- 388، المسألة 238.
162
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 122: ؛ ج 7، ص : 163
استحقّ اجرة المثل «1».
و التحقيق: أنّه إن كان إجارة، فالوجه ما قاله
الشافعي، و إن كان جعالة، فالوجه ما قاله الشيخ.
و كذا لو قال: من حجّ عنّي فله عبد أو دينار
أو عشرة دراهم إن كان عقد إجارة، بطل، لجهالة العوض، و إن كان جعالة، صحّ، و
يتخيّر المستأجر في دفع أيّها شاء.
و قال الشافعي: يبطل العقد، فإن حجّ، استحقّ
اجرة المثل «2».
مسألة 122:
لو استأجره اثنان ليحجّ عنهما حجّة واحدة،
فأحرم عنهما، قال الشيخ رحمه اللّٰه: لا يصح إحرامه عنهما و لا عن واحد منهما،
لأنّ الحجّة الواحدة لا تقع عن شخصين، و ليس أحدهما أولى بها من صاحبه، و لا ينعقد
عن نفسه، لأنّه لم ينوها عنه بل عنهما، فانقلابها اليه يحتاج الى دليل، و عدم
صحتها عنهما و عن واحد منهما بلا خلاف، و لا يصح عندنا إحرامه عن نفسه و لا ينقلب اليه «3».
و قال الشافعي: ينقلب الإحرام اليه «4».
و ليس بجيّد، لأنّه لم يقصد الإيقاع لنفسه،
فلا يقع عنها، لقوله عليه السلام: (لا عمل إلّا بنيّة) «5» (و إنّما
لكلّ امرئ ما نوى) «6».
و الوجه أن يقال: إن كانت الحجّة مندوبة، صحّ
أن تقع عن واحد و أكثر، لأنّها طاعة تصح النيابة فيها عن واحد، فتصح عن أكثر.
______________________________
(1)
الخلاف 2: 393- 394، المسألة 252.
(2) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 2:
394، المسألة 253.
(3) المبسوط- للطوسي- 1: 323، الخلاف 2:
388- 389، المسألة 240.
(4) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 2:
389، المسألة 240، و انظر: المجموع 7:
138، و الحاوي الكبير 4: 271.
(5) أمالي الطوسي 2: 203.
(6) صحيح البخاري 1: 2.
163
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 123: ؛ ج 7، ص : 164
و لما رواه علي بن
أبي حمزة عن الكاظم عليه السلام، قال: سألته عن الرجل يشرك في حجّة الأربعة و
الخمسة من مواليه، فقال: «إن كانوا صرورة جميعا فلهم أجر، و لا تجزئ عنهم من حجّة
الإسلام، و الحجّة للذي حجّ» «1».
مسألة 123:
إذا أحرم الأجير عن نفسه و عمّن استأجره، قال
الشيخ رحمه اللّٰه: لا ينعقد الإحرام عنهما و لا عن واحد منهما، لأنّ شرط الإحرام
النيّة، فإذا لم ينو عن نفسه بالاستقلال، لم يصح عنه، كما لا يصح عن المستأجر «2».
و قال الشافعي: ينعقد عن نفسه و لا يصح عن
غيره، لأنّ الإحرام قد انعقد و لا يصح عن غيره، فيقع عن نفسه، كالصرورة «3».
و ليس بجيّد، لأنّ مجامعة غيره في النية إن
كان مبطلا، لم يتخصّص الوقوع بالأجير، و نمنع من انعقاد الإحرام.
و لو أحرم عن المستأجر ثم نقل الحجّ إلى نفسه،
لم يصح، فإذا أتمّ الحجّ، استحقّ الأجرة، لامتثال الشرط على إشكال.
و للشافعي قولان: هذا أحدهما، و الثاني: صحة
النقل، لقوله عليه السلام لمّا سمع ملبّيا عن شبرمة، قال: (حجّ عن نفسك ثم عن
شبرمة) «4» «5».
و لو استأجره ليحجّ عنه فاعتمر، أو ليعتمر عنه
فحجّ، قال الشيخ رحمه اللّٰه: لا يقع عن المستأجر سواء كان حيّا أو ميّتا، و لا
يستحقّ شيئا من الأجرة،
______________________________
(1)
التهذيب 5: 413- 1435، الاستبصار 2: 322- 1139 بتفاوت يسير.
(2) المبسوط- للطوسي- 1: 323، الخلاف 2:
389، المسألة 241.
(3) الام 2: 125، الحاوي الكبير 4: 271،
المجموع 7: 138.
(4) المعجم الكبير- للطبراني- 12: 42- 43-
1249.
(5) راجع: فتح العزيز 7: 67، المجموع 7:
134.
164
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 124: ؛ ج 7، ص : 165
لأنّه لم يفعل ما
استؤجر له «1».
و قال الشافعي: إن كان المنوب حيّا، وقعت عن
الأجير، و إن كان ميّتا، وقعت عن المنوب، و لا يستحق شيئا من الأجرة على كلّ حال «2».
و الوجه: أنّه يقع عن المستأجر، لأنّه نسك نوى
به صرفه الى غيره فيصرف اليه.
نعم لا يستحقّ شيئا من الأجرة، لتبرّعه بفعله،
و الأجرة وقعت في مقابلة ما لم يفعله فيرجع الى المستأجر.
مسألة 124:
لو أحصر الأجير، تحلّل بالهدي على ما تقدّم، و
لا قضاء عليه، إذ ليس في ذمّته حجّ يأتي به، و يبقى المستأجر على ما كان عليه، فإن
كان الحجّ واجبا عليه، وجب عليه أن يستأجر من يأتي به، و إلّا كان مستحبّا.
و لو فاته الموقفان بتفريط منه، لزمه التحلّل
بعمرة لنفسه، و يعيد الأجرة إن كان الزمان معيّنا.
و إن لم يكن بتفريط، قال الشيخ: يستحق اجرة
المثل الى حين الفوات «3».
و لو قيل: له من الأجرة بنسبة ما فعله من
أفعال الحج و يستعاد الباقي، كان وجها.
و لو أفسد الحج، وجب عليه القضاء على ما
تقدّم، و لو أفسد القضاء، وجب عليه أن يأتي بقضاء آخر، كما يجب على المنوب لو فعل
ذلك.
______________________________
(1)
الخلاف 2: 395، المسألة 255، المبسوط- للطوسي- 1: 325.
(2) المجموع 7: 134، الحاوي الكبير 4: 266،
و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 2:
395، المسألة 255.
(3) المبسوط- للطوسي- 1: 325- 326.
165
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
الفصل الثالث في أنواع الحج و ما يتبعها ؛ ج 7، ص : 167
الفصل الثالث في
أنواع الحج و ما يتبعها
[البحث] الأول: في الأنواع
مسألة 125:
أنواع الحجّ ثلاثة: تمتّع و قران و إفراد، بلا
خلاف بين العلماء و إن اختلفوا في تفسير بعضها.
و نحن نقول: العمرة إن تقدّمت على الحجّ، كان
تمتّعا، و إن تأخّرت فإن انضمّ اليه سياق هدي، فهو قران، و إلّا فإفراد، لما رواه
معاوية بن عمّار- في الحسن- عن الصادق عليه السلام، قال: سمعته يقول: «الحجّ ثلاثة
أصناف: حجّ مفرد و قران و تمتّع بالعمرة إلى الحج، و بها أمر رسول اللّٰه صلّى
اللّٰه عليه و آله، و الفضل فيها، و لا نأمر الناس إلّا بها» «1».
و في الصحيح عن منصور الصيقل عن الصادق عليه
السلام، قال:
«الحج عندنا على ثلاثة أوجه: حاج متمتّع و حاج
مفرد ساق الهدي و حاج مفرد للحج» «2».
مسألة 126:
صورة التمتّع: أن يحرم من الميقات بالعمرة
المتمتّع بها
______________________________
(1)
الكافي 4: 291- 1، التهذيب 5: 24- 72، الإستبصار 2: 153- 504.
(2) الكافي 4: 291- 2، التهذيب 5: 24- 73،
الإستبصار 2: 153- 154- 505.
167
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 126: ؛ ج 7، ص : 167
إلى الحج ثم يدخل مكة
فيطوف سبعة أشواط بالبيت و يصلّي ركعتيه بالمقام ثم يسعى بين الصفا و المروة سبعة
أشواط ثم يقصّر و قد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلّا الصيد، لكونه في الحرم، فإن
خرج منه، جاز له الصيد أيضا.
فإذا كان يوم التروية، أحرم للحجّ، و لا
يتعيّن هذا اليوم، بل يستحب، و الواجب ما يعلم أنّه يدرك الوقوف معه، ثم يمضي الى
عرفات فيقف بها الى الغروب من يوم عرفة ثم يفيض الى المشعر فيقف به بعد طلوع فجر
العيد ثم يفيض إلى منى فيحلق بها يوم النحر و يذبح هديه و يرمي جمرة العقبة ثم
يأتي مكة ليومه إن شاء، و إلّا فمن غده، فيطوف طواف الحج و يصلّي ركعتيه و يسعى
سعي الحج و يطوف طواف النساء و يصلّي ركعتيه ثم يعود إلى منى فيرمي ما تخلّف عليه
من الجمار الثلاث يوم الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر، و إن شاء أقام بمنى
حتى يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر و الثاني عشر.
ثم إن اتّقى جاز له أن ينفر بعد الزوال إلى
مكة للطوافين و السعي، و إلّا أقام الى الثالث عشر.
و صورة الإفراد: أن يحرم من الميقات أو من حيث
يصح له الإحرام منه بالحجّ ثم يمضي الى عرفات فيقف بها ثم يمضي إلى المشعر فيقف به
ثم يأتي منى فيقضي مناسكه بها ثم يطوف بالبيت و يصلّي ركعتيه و يسعى بين الصفا و
المروة و يطوف طواف النساء و يصلّي ركعتيه ثم يأتي بعمرة مفردة بعد الحج و الإحلال
منه يأتي بها من أدنى الحلّ.
و صورة القران كالإفراد، إلّا أنّه يضيف إلى
إحرامه سياق الهدي.
هذا مذهب علماء أهل البيت عليهم السلام.
و قالت العامّة: التمتّع: أن يهلّ بعمرة مفردة
من الميقات في أشهر الحجّ، فإذا فرغ منها أحرم بالحج من عامه. و الإفراد: أن يهلّ
بالحج مفردا.
و القران: أن يجمع بينهما في الإحرام بهما، أو
يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها
168
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 127: ؛ ج 7، ص : 169
الحج قبل الطواف «1».
مسألة 127:
أجمع علماؤنا كافة على أنّ فرض من نأى عن مكة
التمتّع لا يجوز لهم غيره إلّا مع الضرورة، و أمّا النوعان الآخران فهما فرض أهل
مكة و حاضريها.
و عندنا أنّه لا يجوز لهم غير هذين النوعين، و
هو اختيار أكثر علمائنا «2»، لما رواه الحلبي- في الصحيح- عن الصادق عليه
السلام، قال: سألته عن الحج، فقال: «تمتّع» ثم قال: «إنّا إذا وقفنا بين يدي
اللّٰه تعالى قلنا: يا ربّنا أخذنا بكتابك و قال الناس: برأينا و رأينا [1]، و
يفعل اللّٰه بنا و بهم ما أراد» «4».
و أمّا أهل مكة و حاضريها- و هو من كان بينه و
بين مكة دون ثمانية و أربعين ميلا- فإنّ فرضهم القران أو الإفراد دون التمتّع، لما
رواه الحلبي و سليمان ابن خالد و أبو بصير- في الصحيح- عن الصادق عليه السلام،
قال: «ليس لأهل مكة و لا لأهل مر و لا لأهل سرف متعة، و ذلك لقول اللّٰه عزّ و جلّ ذٰلِكَ
لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ «5»» «6».
و في الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه السلام،
قال: قلت له: قول اللّٰه عزّ و جلّ في كتابه ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ
يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ قال: «يعني أهل مكة
ليس عليهم متعة، كلّ من كان أهله دون ثمانية و أربعين
______________________________
[1]
في المصدر: «رأينا رأينا».
______________________________
(1)
المغني 3: 238، الشرح الكبير 3: 244- 245، المهذب- للشيرازي- 1: 208، المجموع 7:
171.
(2) منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 206، و
السيد ابن زهرة في الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): 511، و ابن إدريس في السرائر:
121.
(4) التهذيب 5: 26- 76، الإستبصار 2: 150-
151- 494.
(5) البقرة: 196.
(6) التهذيب 5: 32- 96، الاستبصار 2: 157-
514.
169
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 128: ؛ ج 7، ص : 170
ميلا ذات عرق و عسفان
كما يدور حول مكة فهو ممّن دخل في هذه الآية، و كلّ من كان أهله وراء ذلك فعليه
المتعة» «1».
و أطبقت العامة على جواز الإحرام بأيّ الأنساك
الثلاثة شاء، لقول عائشة: خرجنا مع رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله، فمنّا من أهلّ
بعمرة، و منّا من أهلّ بحج و عمرة، و منّا من أهلّ بحج «2» «3».
و لا حجّة فيه، لاختلافهم في الفرض لا التخيير
بين الأنواع.
مسألة 128:
قال علماؤنا: التمتّع أفضل الأنواع- و به قال
الحسن و ابن عمر و ابن عباس و ابن الزبير و عطاء و طاوس و مجاهد و جابر بن زيد و
القاسم و سالم و عكرمة، و هو أحد قولي الشافعي و إحدى الروايتين عن أحمد، و هو قول
أصحاب الحديث «4»- لقوله تعالى ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي
الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ «5» و هو يدلّ على أنّه فرضهم، فلا يجزئهم غيره.
و لما رواه العامة عن ابن عباس و جابر و أبي
موسى و عائشة أنّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله أمر أصحابه لمّا طافوا بالبيت أن
يحلّوا و يجعلوها عمرة «6»، فنقلهم من الإفراد و القران إلى المتعة، و
لا ينقلهم إلّا الى الأفضل.
و لم يختلف عندهم الرواية عن النبي صلّى
اللّٰه عليه و آله أنّه لمّا قدم مكة أمر أصحابه أن يحلّوا إلّا من ساق هديا، و
ثبت على إحرامه، و قال: (لو
______________________________
(1)
التهذيب 5: 33- 98، الاستبصار 2: 157- 158- 516.
(2) صحيح البخاري 2: 175، صحيح مسلم 2: 872
و 873- 117 و 118، سنن البيهقي 5: 109.
(3) المغني 3: 238، الشرح الكبير 3: 239،
الحاوي الكبير 4: 44، المجموع 7: 151 و 153، معالم السنن- للخطّابي- 2: 301.
(4) المغني 3: 238، الشرح الكبير 3: 239،
فتح العزيز 7: 106، الحاوي الكبير 4:
44، معالم السنن- للخطّابي- 2: 301، حلية
العلماء 3: 259.
(5) البقرة: 196.
(6) المغني 3: 239، الشرح الكبير 3: 240.
170
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 128: ؛ ج 7، ص : 170
استقبلت من أمري ما
استدبرت ما سقت الهدي و لجعلتها عمرة) «1».
قال جابر: حججنا مع النبي صلّى اللّٰه عليه و
آله يوم ساق البدن معه و قد أهلّوا بالحج مفردا، فقال لهم: (حلّوا من إحرامكم بطواف
بالبيت و بين الصفا و المروة ثم أقيموا حلالا حتى إذا كان يوم التروية فأهلّوا
بالحج و اجعلوا التي قدّمتم بها متعة) فقالوا: كيف نجعلها متعة و قد سمّينا الحج؟
فقال: (افعلوا ما أمرتكم به، و لو لا إنّي سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به) «2».
و في لفظ: فقام رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه
و آله، فقال: (قد علمتم أنّي أتقاكم للّٰه و أصدقكم و أبرّكم و لو لا هديي لحللت
كما تحلّون، و لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت) فحللنا و سمعنا و أطعنا «3».
و من طريق الخاصة: ما رواه معاوية بن عمّار عن
الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام، قال: «لمّا فرغ رسول اللّٰه صلّى
اللّٰه عليه و آله من سعيه بين الصفا و المروة أتاه جبرئيل عليه السلام عند فراغه
من السعي و هو على المروة فقال: إنّ اللّٰه يأمرك أن تأمر الناس أن يحلّوا إلّا من
ساق الهدي، فأقبل رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله على الناس بوجهه، فقال: يا
أيّها الناس هذا جبرئيل- و أشار بيده الى خلفه- يأمرني عن اللّٰه أن آمر الناس أن
يحلّوا إلّا من ساق الهدي، فأمرهم بما أمر اللّٰه به، فقام اليه رجل، فقال: يا
رسول اللّٰه نخرج إلى منى و رءوسنا تقطر من النساء، و قال آخرون: يأمرنا بشيء و
يصنع هو غيره، فقال: يا أيّها الناس لو استقبلت من أمري ما استدبرت صنعت كما
______________________________
(1)
المغني 3: 239- 240، الشرح الكبير 3: 240، شرح معاني الآثار 2: 155.
(2) صحيح البخاري 2: 176، صحيح مسلم 2: 884-
885- 143، سنن البيهقي 4:
356، المعجم الكبير- للطبراني- 7: 145-
6571، المغني 3: 240، الشرح الكبير 3: 240- 241.
(3) صحيح البخاري 9: 138، صحيح مسلم 2: 883-
884- 1216، سنن البيهقي 5:
19، المغني 3: 240، الشرح الكبير 3: 241.
171
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 128: ؛ ج 7، ص : 170
صنع الناس، و لكنّي سقت
الهدي، فلا يحلّ من ساق الهدي حتى يبلغ الهدي محلّه، فقصّر الناس و أحلّوا و
جعلوها عمرة، فقام إليه سراقة بن مالك ابن جشعم المدلجي، فقال: يا رسول اللّٰه هذا
الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم للأبد؟ فقال: لا [1]، للأبد إلى يوم القيامة، و شبّك
أصابعه، و أنزل اللّٰه في ذلك قرآنا فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى
الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ «2»» «3».
و في الصحيح عن أبي أيّوب إبراهيم بن عيسى عن
الصادق عليه السلام، قال: سألته أيّ الأنواع أفضل؟ فقال: «المتعة، و كيف يكون شيء
أفضل منها و رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله يقول: لو استقبلت من أمري ما
استدبرت فعلت كما فعل الناس!» «4».
و لأنّ التمتّع منصوص عليه في كتاب اللّٰه
تعالى، لقوله فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ دون سائر
الأنساك.
و لأنّ المتمتّع يجتمع له الحج و العمرة في
أشهر الحج مع كمالهما و كمال أفعالهما على وجه اليسر و السهولة.
و ذهب الثوري و أصحاب الرأي الى أنّ القران
أفضل، لما رواه أنس قال: سمعت رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله أهلّ بهما جميعا
يصرخ بهما صراخا يقول: (لبّيك عمرة و حجّا، لبّيك عمرة و حجّا) «5».
______________________________
[1)
في المصدر بدل «لا»: «بل».
______________________________
(2)
البقرة: 196.
(3) التهذيب 5: 25- 74.
(4) التهذيب 5: 29- 89، الإستبصار 2: 154-
507.
(5) المغني 3: 238، الشرح الكبير 3: 239-
240، المبسوط- للسرخسي- 4: 25، الاختيار لتعليل المختار 1: 211، حلية العلماء 3:
259، الحاوي الكبير 4: 44، المجموع 7: 152، معالم السنن- للخطابي- 2: 301، أحكام
القرآن- للجصّاص- 1:
285، و راجع: صحيح مسلم 2: 915- 1251، و سنن
أبي داود 2: 157- 1795، و سنن النسائي 5: 150، و سنن البيهقي 5: 9، و مسند أحمد 3:
99.
172
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 128: ؛ ج 7، ص : 170
و قال أحمد: إن ساق
الهدي، فالقران أفضل، و إن لم يسقه، فالتمتّع أفضل، لأنّ النبي صلّى اللّٰه عليه و
آله قرن حين ساق الهدي، و منع كلّ من ساق الهدي من الحلّ حتى ينحر هديه «1».
و ذهب مالك و أبو ثور الى اختيار الإفراد- و
هو ظاهر مذهب الشافعي، و روي ذلك عن عمر و عثمان و ابن عمر و جابر و عائشة- لما
روت عائشة أنّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله أفرد بالحج «2» «3».
و نمنع كون النبي صلّى اللّٰه عليه و آله
أفرد، فإنّه قد روى ابن عمر و جابر و عائشة من طرق صحاح عندهم أنّ النبي صلّى
اللّٰه عليه و آله تمتّع بالعمرة إلى الحج «4».
و لأنّ روايتهم اختلفت، فرووا مرّة أنّه أفرد،
و مرّة أنّه تمتّع، و مرّة أنّه قرن «5» مع وحدة القضية، و لا يمكن الجمع
بينها، فيجب إطراحها كلّها.
مع أنّ عمر قال: إنّي لأنهاكم عن المتعة، و
إنّها لفي كتاب اللّٰه، و لقد صنعها رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله «6».
و لأنّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله أمر
أصحابه بالانتقال إلى المتعة عن الإفراد و القران، و لا يأمرهم إلّا بالانتقال إلى
الأفضل، و يستحيل أن ينقلهم
______________________________
(1)
المغني 3: 238، الشرح الكبير 3: 239.
(2) سنن أبي داود 2: 152- 1777، سنن النسائي
5: 145، سنن الترمذي 3 183- 820، سنن ابن ماجة 2: 988- 2965، سنن الدارمي 2: 35،
الموطّأ 1 335- 38.
(3) الكافي في فقه أهل المدينة: 138،
التفريع 1: 335، المغني 3: 239، الشرح الكبير 3: 240، فتح العزيز 7: 107، المجموع
7: 151 و 152 و 163، حلية العلماء 3:
259، معالم السنن- للخطابي- 2: 301، أحكام
القرآن- للجصاص- 1: 285.
(4) المغني و الشرح الكبير 3: 241، سنن
النسائي 5: 151، سنن البيهقي 5: 17- 18، شرح معاني الآثار 2: 142 و 156.
(5) المغني و الشرح الكبير 3: 241، شرح معاني
الآثار 2: 143 و 149 و 150 و 154 و 156.
(6) المغني 3: 245، الشرح الكبير 3: 244، و
سنن النسائي 5: 153.
173
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 128: ؛ ج 7، ص : 170
من الأفضل إلى الأدنى
و هو الداعي إلى الخير الدالّ عليه.
ثم أكّد ذلك بتأسّفه على فوات ذلك في حقّه، و
أنّه لا يقدر على انتقاله و حلّه، لسياقه الهدي.
لا يقال: قد نهى عنها عمر و عثمان و معاوية.
لأنّا نقول: قد أنكر عليهم علماء الصحابة
نهيهم عنها، و خالفوهم في فعلها.
قالت الحنابلة: و الحقّ مع المنكرين عليهم
دونهم «1»، لما رواه العامّة أنّ عليّا عليه السلام اختلف هو و
عثمان في المتعة بعسفان، فقال علي عليه السلام: «ما تريد إلى أمر فعله رسول اللّٰه
صلّى اللّٰه عليه و آله تنهى عنه؟» «2».
و قال علي عليه السلام لعثمان: «أ لم تسمع
رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله تمتّع؟» قال: بلى «3».
و عن ابن عمر قال: تمتّع رسول اللّٰه صلّى
اللّٰه عليه و آله في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج «4».
و قال سعد: صنعها رسول اللّٰه صلّى اللّٰه
عليه و آله، و صنعناها معه «5».
فلا نقبل نهي عمر عنها خصوصا مع قول عمر: و
اللّٰه إنّي لأنهاكم عنها، و إنّها لفي كتاب اللّٰه، و قد صنعها رسول اللّٰه صلّى
اللّٰه عليه و آله «6». فهل يحلّ
______________________________
(1)
المغني 3: 245.
(2) المغني 3: 241، الشرح الكبير 3: 242،
صحيح مسلم 2: 897- 159، سنن البيهقي 5: 22، شرح معاني الآثار 2: 140.
(3) المغني 3: 241، الشرح الكبير 3: 242،
سنن الدار قطني 2: 287- 231، سنن النسائي 5: 152، شرح معاني الآثار 2: 141.
(4) المغني 3: 241- 242، الشرح الكبير 3:
242، سنن النسائي 5: 151، سنن البيهقي 5: 17، شرح معاني الآثار 2: 142.
(5) المغني و الشرح الكبير 3: 242، سنن
البيهقي 5: 17، شرح معاني الآثار 2: 141.
(6) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 173،
الهامش (6).
174
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 129: ؛ ج 7، ص : 175
تقليد من يخالف رسول
اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله في ضدّ ما فعله رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و
آله؟
قال صاحب المغني من الحنابلة: قيل لابن عباس:
إنّ فلانا ينهى عن المتعة، قال: انظروا في كتاب اللّٰه، فإن وجدتموها، فقد كذب على
اللّٰه و على رسوله، و إن لم تجدوها، فقد صدق، فأيّ الفريقين أحقّ بالاتّباع و
أولى بالصواب؟ الذين معهم كتاب اللّٰه و سنّة رسوله، أم الذين خالفوهما؟
ثم قد ثبت عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله،
الذي قوله حجّة على الخلق أجمعين، فكيف يعارض بقول غيره!؟ «1».
قالوا: قال سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال:
تمتّع النبي صلّى اللّٰه عليه و آله، فقال عروة: نهى أبو بكر و عمر عن المتعة،
فقال ابن عباس:
أراهم سيهلكون، أقول: قال النبي صلّى اللّٰه
عليه و آله، و يقول: نهى عنها أبو بكر و عمر «2».
قالوا: و سئل ابن عمر عن متعة الحج فأمر بها،
فقال: إنّك تخالف أباك، فقال: عمر لم يقل الذي تقولون، فلمّا أكثروا عليه قال: أ
فكتاب اللّٰه أحقّ أن تتّبعوا أم عمر؟ «3».
مسألة 129:
قد بيّنا أنّ فرض أهل مكة و حاضريها القران أو
الإفراد، فلو عدلوا الى التمتّع، فللشيخ قولان:
أحدهما: الإجزاء، و لا دم عليهم- و به قال
الشافعي و مالك «4»- لأنّ المتمتّع آت بصورة الإفراد و زيادة غير منافية «5».
______________________________
(1)
المغني 3: 246.
(2) المغني 3: 246.
(3) المغني 3: 246.
(4) المجموع 7: 169، الحاوي الكبير 4: 50،
حلية العلماء 3: 267، فتح العزيز 7:
164، أحكام القرآن- لابن العربي- 1: 129.
(5) المبسوط- للطوسي- 1: 306- 307، و حكاه
عنه المحقّق في المعتبر: 337.
175
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 130: ؛ ج 7، ص : 176
و الثاني: العدم «1»- و به قال
أبو حنيفة «2»- لما رواه العامة عن ابن عمر أنّه قال: ليس لأهل مكة
تمتّع و لا قران [1].
و من طريق الخاصة: ما رواه علي بن جعفر- في
الصحيح- عن أخيه الكاظم عليه السلام، قال: «لا يصلح لأهل مكة أن يتمتّعوا، لقول
اللّٰه عزّ و جلّ ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ
الْحَرٰامِ «4»» «5».
و هذا الأخير هو المعتمد، و نمنع إتيانه بصورة
الإفراد، لأنّه أخلّ بالإحرام من ميقاته، و أوقع مكانه العمرة مع أنّه غير مأمور
بها، فلا يكون ما أتاه مجزئا.
و قول الشافعي: إنّ قوله تعالى ذٰلِكَ راجع الى
الهدي «6»، ممنوع، لعدم التخصيص، و لمعارضة الروايات المنقولة عن
أهل البيت عليهم السلام.
مسألة 130:
اختلف علماؤنا في حدّ حاضري المسجد الحرام،
فقال الشيخ في بعض كتبه: من كان بين منزله و بين المسجد الحرام اثنا عشر ميلا من
كلّ جانب «7».
و نحوه قال ابن عباس، لأنّه قال: حاضري أهل
الحرم خاصة. و به قال مجاهد و الثوري «8».
______________________________
[1]
لم نجده في مظانّه.
______________________________
(1)
النهاية: 206، و حكاه عنه المحقّق في المعتبر: 337.
(2) الهداية- للمرغيناني- 1: 158، الاختيار
لتعليل المختار 1: 210، أحكام القرآن- للجصّاص- 1: 287.
(4) البقرة: 196.
(5) التهذيب 5: 32- 33- 97، الاستبصار 2:
157- 515.
(6) التفسير الكبير 5: 173.
(7) المبسوط- للطوسي- 1: 306، التبيان 2:
158- 159 و 161.
(8) المغني 3: 504، الشرح الكبير 3: 249،
المجموع 7: 182، الحاوي الكبير 4: 62، حلية العلماء 3: 262، أحكام القرآن- للجصّاص-
1: 289، جامع البيان 2:
149.
176
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 130: ؛ ج 7، ص : 176
و قال الشيخ في بعض
كتبه: حدّ حاضري المسجد الحرام من كان من أهل مكة أو يكون بينه و بينها ثمانية و
أربعون ميلا من كلّ جانب «1». و به قال الشافعي و أحمد «2»، لأنّه
مسافة القصر، و لأنّ ما دون مسافة القصر يكون قريبا من المسجد، لأنّه بمنزلة
الحاضر، و قد سلف «3» في حديث الباقر عليه السلام التحديد بثمانية و أربعين
ميلا.
و لما رواه الحلبي عن الصادق عليه السلام في
حاضري المسجد الحرام: قال: «ما دون المواقيت إلى مكة فهو من حاضري المسجد الحرام و
ليس لهم متعة» «4» و معلوم أنّ هذه المواضع أكثر من اثني عشر ميلا.
و قال أبو حنيفة: حاضر و المسجد الحرام أهل
المواقيت و الحرم و ما بينهما «5».
و قال مالك: هم أهل مكة و ذي طوى «6». و روي عنه
أنّهم أهل الحرم.
و مسافة القصر تعتبر من نفس مكة أو الحرم؟
للشافعية وجهان «7».
______________________________
(1)
النهاية: 206.
(2) الحاوي الكبير 4: 62، حلية العلماء 3:
262، المهذب- للشيرازي- 1: 208، المجموع 7: 182، المغني 3: 504، الشرح الكبير 3:
249، المبسوط- للسرخسي- 4: 169، تفسير القرطبي 2: 404، التفسير الكبير 5: 174.
(3) سلف في المسألة 127.
(4) التهذيب 5: 33- 99، الاستبصار 2: 158-
517.
(5) المبسوط- للسرخسي- 4: 169، أحكام
القرآن- للجصاص- 1: 289، تفسير القرطبي 2: 404، التفسير الكبير 5: 174، المغني 3:
504، الشرح الكبير 3: 249، الحاوي الكبير 4: 62، حلية العلماء 3: 262.
(6) الكافي في فقه أهل المدينة: 149، تفسير
القرطبي 2: 404، التفسير الكبير 5: 174، أحكام القرآن- للجصاص- 1: 289، المغني 3:
504، الشرح الكبير 3: 249، المبسوط- للسرخسي- 4: 169.
(7) المجموع 7: 175.
177
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 131: ؛ ج 7، ص : 178
مسألة 131:
قد بيّنّا أنّ القارن هو الذي يسوق عند إحرامه
بالحج هديا عند علمائنا أجمع، إلّا ابن أبي عقيل، فإنّه جعله عبارة عمّن قرن بين
الحج و العمرة في إحرام واحد، و هو مذهب العامّة بأسرهم «1».
لنا: ما رواه العامة عن أبي شيخ قال: كنت في
ملأ من أصحاب رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله عند معاوية بن أبي سفيان،
فناشدهم معاوية اللّٰه في أشياء، و كلّما قالوا: نعم يقول: و أنا أشهد، ثم قال:
أنشدكم اللّٰه أ تعلمون أنّ رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله نهى عن جمع بين
حجّ و عمرة؟ قالوا: أمّا هذه فلا، فقال: أمّا إنّها معهنّ- يعني مع المنهيات- و
لكنكم نسيتم «2».
و من طريق الخاصة: ما رواه معاوية بن وهب- في
الصحيح- عن الصادق عليه السلام، أنّه قال في القارن: «لا يكون قران إلّا بسياق
الهدي» «3» الحديث.
احتجّوا بما رواه ابن عباس عن عمر، قال: سمعت
رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله يقول: (أتاني آت من ربّي، فقال: صلّ في هذا
الوادي المبارك ركعتين، و قل: لبّيك بعمرة في حجّة) «4».
و لقوله عليه السلام: (أهلّوا يا آل محمد
بعمرة في حج) «5».
و نحن نقول بموجبه، فإنّ عمرة التمتّع داخلة
في الحج، قال الصادق عليه السلام: «دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة» «6» الى غير ذلك
من
______________________________
(1)
المغني 3: 238، الشرح الكبير 3: 244- 245، المهذب- للشيرازي- 1: 208، لمجموع 7:
171، الكافي في فقه أهل المدينة: 149.
(2) مسند أحمد 4: 92، سنن أبي داود 2: 157-
1794.
(3) التهذيب 5: 41- 122.
(4) صحيح البخاري 2: 167، سنن ابن ماجة 2:
991- 2976، سنن البيهقي 5: 14 بتفاوت يسير في اللفظ.
(5) مسند أحمد 6: 297- 298.
(6) الفقيه 2: 204- 934.
178
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 132: ؛ ج 7، ص : 179
الأحاديث.
مسألة 132:
لا يجوز إدخال الحج على العمرة و لا بالعكس،
مثل أن يكون محرما بعمرة مفردة فيحرم بالحج قبل قضاء مناسكها، أو يحرم بالحج ثم
يدخل عليه العمرة. و لأنّها عبادة شرعية، فتقف على مورد النقل.
و أطبق العامّة على الأول «1»، و اختلفوا
في إدخال العمرة على الحج بعد عقد نيّة الإفراد، فجوّزه أبو حنيفة «2»، و للشافعي
قولان «3».
إذا عرفت هذا، فلو كان محرما بعمرة التمتّع،
فمنعه مانع من مرض أو حيض عن إتمامها، جاز نقلها الى الإفراد إجماعا، كما فعلت
عائشة «4».
و كذا من كان محرما بحجّ مفرد فدخل مكة، جاز
أن ينقل إحرامه إلى التمتّع، لقوله عليه السلام: (من لم يسق الهدي فليحل و ليجعلها
عمرة) «5».
مسألة 133:
لا يجوز القران بين الحجّ و العمرة في إحرامه
بنيّة واحدة على ما بيّنّاه.
قال الشيخ في الخلاف: لو فعل، لم ينعقد إحرامه
إلّا بالحج، فإن أتى بأفعال الحج لم يلزمه دم، و إن أراد أن يأتي بأفعال العمرة و
يجعلها متعة، جاز ذلك، و لزمه الدم.
______________________________
(1)
كما في المعتبر: 338، و راجع: المغني 3: 515، و الشرح الكبير 3: 245، و المجموع 7:
172، و فتح العزيز 7: 121- 122، و الحاوي الكبير 4: 38.
(2) كما في المعتبر: 338، و راجع: تحفة
الفقهاء 1: 413، و المغني 3: 515، و الشرح الكبير 3: 245، و فتح العزيز 7: 125.
(3) كما في المعتبر: 338، و راجع: فتح
العزيز 7: 125، و المجموع 7: 173، و الحاوي الكبير 4: 38.
(4) كما في المعتبر: 338.
(5) أورده المحقق في المعتبر: 338، و راجع:
سنن النسائي 5: 143- 144، و سنن الدارمي 2: 46.
179
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 133: ؛ ج 7، ص : 179
و قال الشافعي و مالك
و الأوزاعي: إذا أتى بأفعال الحجّ، لزمه دم.
و قال الشعبي و طاوس و داود: لا يلزمه شيء
[1].
لنا: أصالة عدم وجوب الدم فلا يثبت منافيه
إلّا بدليل.
و أمّا إذا نوى التمتّع، فلزوم الدم ثابت
بالإجماع.
و المتمتّع إذا أحرم من مكة، لزمه الدم، و لو
أحرم من الميقات، لم يسقط الدم.
و قالت العامة: يسقط الدم «2».
لنا: أنّ الدم استقرّ بإحرام الحج، فلا يسقط
بعد استقراره، و كذا لو أحرم المتمتّع من مكة و مضى الى الميقات ثم منه الى عرفات.
و قال الشيخ: يسقط «3».
إذا عرفت هذا، فلا يجوز نيّة حجّتين و لا
عمرتين، و لو فعل، قيل:
تنعقد إحداهما، و تلغو الأخرى «4»، و به قال
مالك و الشافعي «5».
و قال أبو حنيفة: ينعقد بهما، و عليه قضاء
إحداهما، لأنّه أحرم بهما و لم يتمّهما «6».
______________________________
[1]
كما في المعتبر: 338 نقلا عن الشيخ في الخلاف 2: 264- 265، المسألة 30، و فيه: ..
و قال الشعبي: عليه بدنة. و قال طاوس: لا شيء
عليه. و به قال داود.
و انظر: الام 2: 133، و الحاوي الكبير 4:
39، و المجموع 7: 190 و 191، و الشرح الكبير 3: 252.
______________________________
(2)
كما في المعتبر: 338.
(3) المبسوط- للطوسي- 1: 307.
(4) المغني 3: 255، الشرح الكبير 3: 261.
(5) المغني 3: 255، الشرح الكبير 3: 261،
فتح العزيز 7: 203، الام 2: 136، مختصر المزني: 70، الحاوي الكبير 4: 255.
(6) المغني 3: 255، الشرح الكبير 3: 261،
فتح العزيز 7: 203، الحاوي الكبير 4:
255.
180
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 134: ؛ ج 7، ص : 181
و ليس بجيّد، لأنّهما
عبادتان لا يلزمه المضيّ فيهما، فلا يصحّ الإحرام بهما، كالصلاتين.
و على هذا لو أفسد حجّه أو عمرته، لم يلزمه
إلّا قضاؤها إن قلنا بانعقاد إحداهما.
و عند أبي حنيفة يلزمه قضاؤهما معا، بناء على
صحة إحرامه بهما «1».
مسألة 134:
المكّي إذا خرج عن مكة ثم عاد و حجّ على
ميقات، أحرم منه، و جاز له التمتّع، لما رواه العامّة عن ابن عباس، قال: وقّت رسول
اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله لأهل المدينة ذا الحليفة، و لأهل الشام مهيعة [1]،
و لأهل نجد قرن المنازل، و لأهل اليمن يلملم، و هي لهم و لكلّ آت من غيرهم ممّن
أراد الحج و العمرة «3».
و من طريق الخاصة: قول الكاظم عليه السلام:
«من دخل المدينة فليس له أن يحرم إلّا من المدينة» «4».
و أمّا جواز التمتع: فلأنّه إذا خرج عن مكة
إلى مصر من الأمصار، و مرّ على ميقات من المواقيت، صار ميقاتا له، و لحقه أحكام
ذلك الميقات.
و لما رواه الكاظم عليه السلام: عن رجل من أهل
مكة خرج إلى بعض الأمصار ثم رجع فمرّ ببعض المواقيت التي وقّت رسول اللّٰه صلّى
اللّٰه عليه و آله، هل له أن يتمتّع؟ قال: «ما أزعم أنّ ذلك ليس له، و الإهلال
بالحجّ أحبّ اليّ، و رأيت من سأل أبا جعفر عليه السلام، قال: نويت الحج من المدينة
كيف أصنع؟
قال: تمتّع، قال: إنّي مقيم بمكة و أهلي فيها،
فيقول: تمتّع» «5» في
______________________________
[1]
مهيعة: اسم للجحفة. النهاية- لابن الأثير- 4: 377، معجم البلدان 5: 235.
______________________________
(1)
المغني 3: 255، الشرح الكبير 3: 261.
(3) سنن البيهقي 5: 29، سنن النسائي 5: 125-
126 بتفاوت.
(4) التهذيب 5: 57- 58- 179.
(5) التهذيب 5: 33- 34- 100، الاستبصار 2:
158- 518.
181
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 135: ؛ ج 7، ص : 182
حديث طويل.
مسألة 135:
و من كان من أهل الأمصار فجاور بمكة ثم أراد
حجّة الإسلام، خرج الى ميقات أهله، فأحرم منه، فإن تعذّر، خرج الى أدنى الحلّ، و
لو تعذّر، أحرم من مكة.
هذا إذا لم يجاور مدّة سنتين، فإن مضى عليه
سنتان و هو مقيم بمكة، صار من أهل مكة و حاضريها ليس له أن يتمتّع، و به قال الشيخ
في كتابي الأخبار «1».
و قال في النهاية: لا ينتقل فرضه عن التمتّع
حتى يقيم ثلاث سنين «2».
و قد روى زرارة- في الصحيح- عن الباقر عليه
السلام، قال: «من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لا متعة له» فقلت لأبي جعفر: أ
رأيت إن كان له أهل بالعراق و أهل بمكة؟ قال: «فلينظر أيّهما الغالب عليه فهو من
أهله» «3».
إذا عرفت هذا، فذو المنزلين بمكة و ناء يعتبر
في حقّه أغلبهما إقامة، فيحرم بفرض أهله، فإن تساويا، تخيّر في التمتّع و غيره.
إذا ثبت هذا، فلو لم تمض هذه المدّة، ففرضه
التمتّع يخرج الى الميقات، و يحرم منه مع المكنة، و إلّا فمن حيث أمكن، لأنّه لم
ينتقل فرضه عن فرض إقليمه، فيلزمه الإحرام من ميقاتهم، أمّا لو تعذّر فإنّه يخرج
الى خارج الحرم فيحرم منه، للضرورة، و لأنّ ميقاته قد تعذّر عليه، فيسقط اعتباره،
كما لو تعذّر عليه التمتّع، و ذلك كقضية عائشة، و لو كان الإحرام من مكة جائزا،
لما كلّفها النبي صلّى اللّٰه عليه و آله تحمّل المشقّة.
و روى الحلبي عن الصادق عليه السلام، قال:
قلت: رجل ترك
______________________________
(1)
التهذيب 5: 34 ذيل الحديث 100، الاستبصار 2: 159 ذيل الحديث 518.
(2) النهاية: 206.
(3) التهذيب 5: 34- 101، الإستبصار 2: 159-
519.
182
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
البحث الثاني: في وقت أداء النسكين ؛ ج 7، ص : 183
الإحرام حتى دخل مكة، قال: «يرجع الى ميقات أهل بلاده، الذي يحرمون منه فيحرم، و إن خشي أن يفوته الحج، فليحرم من مكانه، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج» «1».
و قال الشافعي: يجوز أن يحرم من مكة مع المكنة من الخروج الى الميقات «2»، لأنّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله أمر أصحابه بالإحرام من مكة للتمتّع «3».
و ليس حجّة، لجواز أمرهم بإحرام الحج لا بإحرام العمرة، أو أنّ ذلك كان للضرورة.
البحث الثاني: في وقت أداء النسكين
مسألة 136:
أشهر الحج شوّال و ذو القعدة و ذو الحجة عند أكثر علمائنا «4»، و به قال مالك، و هو مروي عن ابن عباس و عمر و ابن عمر «5»، لقوله تعالى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ «6» و أقلّ الجمع ثلاثة.
و ما رواه زرارة عن الباقر عليه السلام، قال: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ شوّال و ذو القعدة و ذو الحجّة، ليس لأحد أن يحرم بالحج في سواهنّ، و ليس لأحد أن يحرم قبل الوقت الذي وقّت رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه
______________________________
(1) التهذيب 5: 58- 180.
(2) حكاه عنه المحقق في المعتبر: 341.
(3) سنن البيهقي 4: 356.
(4) منهم: الشيخ الطوسي في النهاية 207، و ابن إدريس في السرائر: 126، و المحقق في شرائع الإسلام 1: 237، و المعتبر: 336.
(5) المغني 3: 268، الشرح الكبير 3: 230، بداية المجتهد 1: 325، أحكام القرآن- لابن العربي- 1: 131، المجموع 7: 145، الحاوي الكبير 4: 27، حلية العلماء 3:
252، المبسوط- للسرخسي- 4: 61، التفسير الكبير 5: 176.
(6) البقرة: 197.
183
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 136: ؛ ج 7، ص : 183
و آله، و إنّما مثل
ذلك مثل من صلّى أربعا في السفر و ترك الثنتين» «1».
و لأنّه يصح أن يقع في باقي ذي الحجة شيء من
أفعال الحج، كالطواف و السعي و ذبح الهدي.
و قال بعض علمائنا هي: شوّال و ذو القعدة و
الى قبل الفجر من عاشر ذي الحجّة «2»، لقوله تعالى الْحَجُّ أَشْهُرٌ
مَعْلُومٰاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ «3» و لا يمكن
فرضه بعد طلوع الفجر من يوم النحر.
و لقوله تعالى فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا
فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ «4» و هو سائغ يوم النحر، لأنّه يمكنه التحلّل في
أوّله.
و لا حجّة فيه، لأنّ المراد: فمن فرض في
أكثرهن، و به يتمّ المطلوب.
و قال بعض علمائنا: هي شوّال و ذو القعدة و
الى طلوع الفجر من ليلة النحر «5». و به قال الشافعي «6».
و قال بعضهم: و تسعة من ذي الحجة «7».
و قال أبو حنيفة و أصحابه: إلى آخر العاشر من
ذي الحجة- و به قال ابن مسعود و ابن عمر و ابن الزبير و عطاء و مجاهد و الحسن و
الشعبي و النخعي و قتادة و الثوري و أحمد- لقول ابن مسعود و ابن عمر و ابن عباس و
ابن الزبير: شهران و عشر ليال «8». و إذا أطلق ذلك، اقتضى تعدّده من
الأيّام.
______________________________
(1)
الكافي 4: 321- 322- 2، التهذيب 5: 51- 155، الاستبصار 2: 161- 527.
(2) الشيخ الطوسي في المبسوط 1: 308.
(3) البقرة: 197.
(4) البقرة: 197.
(5) الشيخ الطوسي في الخلاف 2: 258، المسألة
23.
(6) الحاوي الكبير 4: 27، فتح العزيز 7: 74،
المجموع 7: 142، حلية العلماء 3:
251.
(7) الشيخ الطوسي في الجمل و العقود (ضمن
الرسائل العشر): 226.
(8) المبسوط- للسرخسي- 4: 60 و 61، المغني
3: 268، الشرح الكبير 3: 229 و 230، الحاوي الكبير 4: 27، التفسير الكبير 5: 176،
حلية العلماء 3: 251، أحكام القرآن- لابن العربي- 1: 131، المجموع 7: 145.
184
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 137: ؛ ج 7، ص : 185
و لأنّ يوم النحر
يدخل به وقت ركن من أركان الحج، و هو: طواف الزيارة، و يقع فيه كثير من أفعال
الحجّ، كالرمي و النحر و الحلق و الطواف و السعي و الرجوع الى منى، فكان من أشهره،
كيوم عرفة.
و اعلم: أنّه لا فائدة كثيرة في هذا النزاع،
للإجماع على أنّه لو فاته الموقفان فقد فاته الحجّ، و أنّه يصح كثير من أفعال الحج
يوم العاشر و ما بعده.
مسألة 137:
لو أحرم بالحجّ قبل أشهره، لم ينعقد إحرامه
للحجّ، و ينعقد للعمرة- و به قال عطاء و طاوس و مجاهد و الشافعي «1»- لقوله
تعالى:
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ «2» تقديره: وقت
الحجّ أشهر، أو أشهر الحجّ أشهر، فحذف المضاف، و أقيم المضاف اليه مقامه، و إذا
ثبت أنّه وقته، لم يجز تقديم إحرامه عليه، كأوقات الصلوات.
و لقول الصادق عليه السلام: «من أحرم بالحجّ
في غير أشهر الحجّ فلا حجّ له» «3».
و أمّا انعقاده للعمرة: فلقول الصادق عليه
السلام في رجل فرض الحجّ من غير أشهر الحجّ، قال: «يجعلها عمرة» «4».
و قال مالك و الثوري و النخعي و أبو حنيفة و
أحمد و إسحاق: ينعقد إحرامه، و إذا بقي على إحرامه إلى وقت الحجّ، جاز، لقوله
تعالى:
______________________________
(1)
المغني 3: 231، الشرح الكبير 3: 229، الام 2: 128، الحاوي الكبير 4: 28- 29 و 30،
حلية العلماء 3: 252، فتح العزيز 7: 77، المجموع 7: 142 و 144، بداية المجتهد 1:
325، المبسوط- للسرخسي- 4: 60، المحلّى 7: 66.
(2) البقرة: 197.
(3) الكافي 4: 322- 4، التهذيب 5: 52- 157،
الاستبصار 2: 162- 529.
(4) الفقيه 2: 278- 1361.
185
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 138: ؛ ج 7، ص : 186
يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوٰاقِيتُ لِلنّٰاسِ وَ الْحَجِّ «1» فدلّ على
أنّ جميع الأشهر ميقات «2».
و لا حجّة فيه، لأنّ الأزمنة أوقات للحوادث
التي من جملتها الحجّ.
مسألة 138:
لا ينعقد الإحرام بالعمرة المتمتّع بها قبل
أشهر الحجّ، فإن أحرم بها في غيرها، انعقد للعمرة المبتولة- و هو أحد قولي الشافعي
و أحمد «3»- لأنّ الإحرام بالعمرة نسك و ركن من أركانها، فيعتبر
وقوعه في أشهر الحجّ، كما يعتبر وقوع باقيها.
و لأنّ المتمتّع بها داخله في الحجّ، لقوله
عليه السلام: (دخلت العمرة في الحجّ هكذا) و شبّك بين أصابعه «4»، و الحجّ لا
يصح إحرامه قبل أشهره، فكذا ما دخل فيه.
و لقول الصادق عليه السلام: «لا تكون عمرة
إلّا في أشهر الحجّ» «5».
و لأنّه أتى بنسك لا تتم العمرة إلّا به في
غير أشهر الحج، فلا يكون متمتّعا كما لو طاف.
و قال الشافعي في ثاني قوليه: إنّه إذا أحرم
بالعمرة في رمضان و أتى بالطواف و السعي و الحلق في شوّال و حجّ من سنته فإنّه
يكون متمتّعا «6».
و قال مالك: إذا أحرم بها في غير أشهر الحجّ و
لم يتحلّل من إحرام
______________________________
(1)
البقرة: 189.
(2) المغني 3: 231- 232، الشرح الكبير 3:
229، بداية المجتهد 1: 325، المبسوط- للسرخسي- 4: 60، الحاوي الكبير 4: 29،
المجموع 7: 144، المحلّى 7: 66.
(3) فتح العزيز 7: 138- 140، حلية العلماء
3: 261، المهذب- للشيرازي- 1: 208، المجموع 7: 176، الحاوي الكبير 4: 49- 50.
(4) صحيح مسلم 2: 888- 1218، سنن أبي داود
2: 184- 1905، سنن البيهقي 5:
7.
(5) التهذيب 5: 435- 436- 1514، المعتبر:
336.
(6) الحاوي الكبير 4: 49- 50، حلية العلماء
3: 260- 261.
186
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 139: ؛ ج 7، ص : 187
العمرة حتى دخلت أشهر
الحجّ، صار متمتّعا «1».
و قال أبو حنيفة: إذا أتى بأكثر أفعال العمرة
في أشهر الحجّ، صار متمتّعا إذا دخلت عليه أشهر الحجّ «2».
و كلّ هذه الأقوال لا حجّة عليها، فلا يلتفت
إليها.
مسألة 139:
العمرة المبتولة تجوز في جميع أيّام السنة
بغير خلاف بين علماء الأمصار، لما رواه العامة عن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و
آله، قال:
(عمرة في رمضان تعدل حجّة) «3».
و اعتمر عليه السلام في شوّال و في ذي القعدة «4».
و اعتمرت عائشة من التنعيم ليلة المحصب «5»، و هي
الليلة التي يرجعون فيها من منى الى مكة.
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام:
«السنة اثنا عشر شهرا، يعتمر لكلّ شهر عمرة» «6».
و لأنّها عبادة لها تحريم و تحليل فكان من
جنسها عبادة غير موقّتة، كالصلاة.
مسألة 140:
المتمتّع إذا دخل مكة و خاف فوات الوقت لو
أكملها، جاز له أن ينقل نيته الى الإفراد ليدرك أحد الموقفين ثم يعتمر عمرة مفردة
بعد إتمام الحج.
______________________________
(1)
المدونة الكبرى 1: 395، المنتقى- للباجي- 2: 228، بداية المجتهد 1: 334، حلية
العلماء 3: 261، المبسوط- للسرخسي- 4: 30- 31.
(2) بدائع الصنائع 2: 186، بداية المجتهد 1:
334، فتح العزيز 7: 142، حلية العلماء 3: 261.
(3) سنن الترمذي 3: 276- 939، سنن البيهقي
4: 346.
(4) صحيح مسلم 2: 916- 217، سنن البيهقي 4:
346.
(5) صحيح مسلم 2: 881- 1213، سنن البيهقي 4:
344.
(6) الفقيه 2: 278- 1362.
187
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
البحث الثالث: في المواقيت ؛ ج 7، ص : 188
و كذا الحائض و النفساء لو منعهما عذرهما عن التحلّل و إنشاء إحرام الحجّ، نقلتا حجّتهما الى الإفراد، و اعتمرتا بعده، لأنّ التكليف منوط بالقدرة.
و لما رواه جميل عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية، قال: «تمضي كما هي الى عرفات فتجعلها حجّة مفردة ثم تقيم حتى تطهر فتخرج الى التنعيم فتحرم و تجعلها عمرة» «1».
إذا عرفت هذا، فلو غلب على ظنّها أنّها تطهر و تدرك الموقف، صبرت على إحرام المتعة الى أن تطهر ثم تطوف و تتمّ متعتها، لأنّ أبا بصير سأل الصادق عليه السلام عن المرأة تجيء متمتّعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة، فقال: «إن كانت تعلم أنّها تطهر و تطوف بالبيت و تحلّ من إحرامها و تلحق الناس فلتفعل» «2».
البحث الثالث: في المواقيت
و النظر في أمرين:
[النظر] الأول: تعيينها
مسألة 141:
المواقيت ستّة، فقد أجمع العلماء كافّة على أنّ رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله نصّ على أربعة مواقيت، و هي: ذو الحليفة و الجحفة و قرن المنازل و يلملم.
و روى العامة عن ابن عباس، قال: وقّت رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله لأهل المدينة ذا الحليفة، و لأهل الشام الجحفة، و لأهل نجد قرن المنازل،
______________________________
(1) الفقيه 2: 240- 1146، التهذيب 5: 390- 1363.
(2) الكافي 4: 477- 8، الفقيه 2: 242- 1158، التهذيب 5: 391- 1367، الاستبصار 2: 311- 1108.
188
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 141: ؛ ج 7، ص : 188
و لأهل اليمن يلملم،
قال: فهي لهنّ و لمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ، فمن كان يريد الحجّ و العمرة فمن
كان دونهن فمهلّه [1] من أهله، و كذلك أهل مكة يهلّون منها «2».
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام:
«من تمام الحجّ و العمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللّٰه صلّى اللّٰه
عليه و آله، و لا تجاوزها إلّا و أنت محرم، فإنّه وقّت لأهل العراق- و لم يكن
يومئذ عراق- بطن العقيق من قبل أهل العراق، و وقّت لأهل اليمن يلملم، و وقّت لأهل
الطائف قرن المنازل، و وقّت لأهل المغرب الجحفة، و هي: مهيعة، و وقّت لأهل المدينة
ذا الحليفة، و من كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكة فوقته منزله» «3».
و أمّا ميقات أهل العراق: فقد اتّفقوا على
أنّه لو أحرم من ذات عرق أحرم من الميقات، و كان أنس يحرم من العقيق، و استحسنه
الشافعي و ابن المنذر و ابن عبد البرّ «4»، و اختلفوا في ثبوته.
قال العلماء: إنّه يثبت بالنصّ من النبي صلّى
اللّٰه عليه و آله، و هو مذهب أهل البيت عليهم السلام، و به قال أحمد و أصحاب أبي
حنيفة «5»، لما رواه العامة عن ابن عباس، قال: وقّت رسول اللّٰه
صلّى اللّٰه عليه و آله لأهل العراق ذات عرق «6».
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام و
قد سأله أبو أيّوب الخزّاز
______________________________
[1]
أي: موضع الإهلال بالإحرام.
______________________________
(2)
صحيح مسلم 2: 838- 1181، صحيح البخاري 2: 165، سنن البيهقي 5: 29.
(3) الكافي 4: 318- 1، التهذيب 5: 54- 166.
(4) المغني 3: 214، الشرح الكبير 3: 213،
الام 2: 138، الحاوي الكبير 4: 68، فتح العزيز 7: 81، المجموع 7: 197.
(5) المجموع 7: 197، الشرح الكبير 3: 214،
فتح العزيز 7: 81.
(6) أورده المحقق في المعتبر: 342.
189
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 142: ؛ ج 7، ص : 190
- في الصحيح-: حدّثني
عن العقيق أ وقت وقّته رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله، أو شيء صنعه الناس؟
فقال عليه السلام: «إنّ رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله وقّت لأهل المدينة ذا
الحليفة، و وقّت لأهل المغرب الجحفة، و هي عندنا مكتوبة مهيعة، و وقّت لأهل اليمن
يلملم، و وقّت لأهل الطائف قرن المنازل، و وقّت لأهل نجد العقيق و ما أنجدت» «1».
و قال قوم: إنّه يثبت قياسا، لأنّ أهل العراق
كانوا مشركين «2».
و لا حجّة فيه، لعلمه عليه السلام بأنّهم
يسلمون، أو يمرّ على هذا الميقات مسلمون.
مسألة 142:
من كان منزله دون الميقات فميقاته منزله
بإجماع العلماء- خلافا لمجاهد، فإنّه قال: يهلّ بمكة «3». و هو خطأ-
لما رواه العامّة عن علي عليه السلام و ابن مسعود و عمر في قوله تعالى وَ
أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ «4» قالوا: إتمامهما أن
تحرم بهما من دويرة أهلك «5».
و عن النبي عليه السلام في قوله: (فمن كان
دونهنّ فمهلّه من أهله) «6».
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «و
من كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكة فوقته منزله» «7».
______________________________
(1)
الكافي 4: 319- 3، التهذيب 5: 55- 168.
(2) الحاوي الكبير 4: 68، فتح العزيز 7: 80،
المجموع 7: 197، و راجع: المغني و الشرح الكبير 3: 214.
(3) المغني 3: 219، الشرح الكبير 3: 216،
المجموع 7: 203- 204.
(4) البقرة: 296.
(5) الحاوي الكبير 4: 75، المغني 3: 222،
تفسير الطبري 2: 120، أحكام القرآن- للجصّاص- 1: 263- 264، سنن البيهقي 5: 30.
(6) صحيح البخاري 2: 165، سنن البيهقي 5:
29.
(7) الكافي 4: 318- 1، التهذيب 5: 54- 55-
166.
190
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 143: ؛ ج 7، ص : 191
مسألة 143:
ميقات أهل المدينة ذو الحليفة- و هو مسجد
الشجرة- اختيارا، و هو على عشرة مراحل من مكة، و عن المدينة ميل، و عند الضرورة
الجحفة.
روى العامّة عن جابر أنّ النبي صلّى اللّٰه
عليه و آله يقول: (مهلّ أهل المدينة من ذي الحليفة و الطريق الآخر من الجحفة) «1».
و من طريق الخاصة: ما رواه الحلبي- في الحسن-
عن الصادق عليه السلام، قال: «الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللّٰه صلّى
اللّٰه عليه و آله، لا ينبغي لحاج و لا لمعتمر أن يحرم قبلها و لا بعدها، وقّت
لأهل المدينة ذا الحليفة، و هو مسجد الشجرة» «2» الحديث.
و في الصحيح عن الحلبي، قال: سألته من أين يحرم
الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال: «من الجحفة و لا يجاوز الجحفة إلّا محرما» «3».
و كان الصادق عليه السلام عليلا فأحرم من
الجحفة «4».
مسألة 144:
العقيق ميقات أهل العراق، و كلّ جهاته ميقات
من أين أحرم جاز، لكن الأفضل الإحرام من المسلخ، و تليه غمرة، و آخره ذات عرق.
و روى العامّة عن ابن عباس أنّ رسول اللّٰه
صلّى اللّٰه عليه و آله وقّت لأهل المشرق العقيق «5».
قال ابن عبد البرّ: العقيق أولى و أحوط من ذات
عرق، و ذات عرق
______________________________
(1)
صحيح مسلم 2: 841- 18، سنن البيهقي 5: 27.
(2) الكافي 4:- 319- 2، الفقيه 2: 198- 903،
التهذيب 5: 55- 167.
(3) التهذيب 5: 57- 177.
(4) التهذيب 5: 57- 176.
(5) سنن أبي داود 2: 143- 1740، سنن الترمذي
3: 194- 832، سنن البيهقي 5:
28.
191
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 145: ؛ ج 7، ص : 192
ميقاتهم بإجماع «1».
و من طريق الخاصة: ما رواه ابن بابويه عن
الصادق عليه السلام، قال: «وقّت رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله لأهل العراق
العقيق أوّله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق، و أوّله أفضل» «2».
و اعلم أنّ أبعد المواقيت ذو الحليفة على عشرة
مراحل من مكة، و تليه في البعد: الجحفة، و المواقيت الثلاثة على مسافة واحدة بينها
و بين مكة ليلتان قاصدتان.
مسألة 145:
المواقيت المذكورة مواقيت لأهلها و لمن مرّ
بها ممّن يريد الحجّ أو العمرة، فإذا حجّ الشامي من المدينة فجاز على ذي الحليفة،
أحرم منها، و إن حجّ من اليمن، فميقاته يلملم، و إن حجّ من العراق، فميقاته
العقيق، و كذا غيرها، و لا نعلم فيه خلافا، لما روى العامّة أنّ رسول اللّٰه صلّى
اللّٰه عليه و آله قال: (هنّ لهنّ و لمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ ممّن أراد الحجّ
و العمرة) «3».
و من طريق الخاصة: قول الكاظم عليه السلام:
«من دخل المدينة فليس له أن يحرم إلّا من المدينة» «4».
و لأنّ التكليف بالمضيّ إلى ميقات بلده ضرر،
فيكون منفيّا.
مسألة 146:
الصبي ميقاته هذه المواقيت، و يجوز أن يجرّد
من فخّ، و أن يؤخّر إحرامه [1] إليه، لما رواه معاوية بن عمّار، قال: سمعت الصادق
عليه السلام يقول: «قدّموا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة أو إلى بطن
______________________________
[1]
في النسخ الخطية و الحجرية: إحرامهم. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
______________________________
(1)
المغني و الشرح الكبير 3: 214.
(2) الفقيه 2: 199- 907.
(3) صحيح البخاري 2: 166، سنن البيهقي 5:
29.
(4) التهذيب 5: 57- 58- 179.
192
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 147: ؛ ج 7، ص : 193
مرّ ثم يصنع بهم ما
يصنع بالمحرم و يطاف بهم و يسعى بهم، و من لم يجد منهم هديا صام عنه وليّه» «1».
و سأل أيّوب «2» الصادق عليه
السلام عن الصبيان أين نجرّدهم للإحرام؟
فقال: «كان أبي يجرّدهم من فخّ» «3».
مسألة 147:
ميقات عمرة التمتّع هذه المواقيت، و ميقات
حجّه مكّة لا غير، فإن أحرم من غير مكة اختيارا، لم يجزئه، و كان عليه العود إلى
مكة لإنشاء الإحرام، ذهب إليه علماؤنا.
و قال أحمد: يخرج إلى الميقات فيحرم منه للحجّ «4».
و ليس بصحيح، لما رواه العامّة أنّ النبي صلّى
اللّٰه عليه و آله دخل على عائشة و هي تبكي، قال لها: (أهلّي بالحجّ) «5» و كانت
بمكة.
و أمر أصحابه بالإحرام من مكة لمّا فسخوا
الحجّ «6».
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام:
«إذا كان يوم التروية- إلى أن قال- و ادخل المسجد- إلى أن قال- فأحرم بالحجّ» «7».
إذا عرفت هذا، فلو أحرم من غير مكة اختيارا،
لم يجزئه، و كان عليه العود إلى مكة لإنشاء الإحرام، لأنّ النبي عليه السلام أمر
أصحابه بالإحرام من مكة «8».
و قال الشافعي: يجوز أن يخرج إلى أحد المواقيت
فيحرم بالحجّ
______________________________
(1)
الكافي 4: 304- 4، الفقيه 2: 366- 1294، التهذيب 5: 409- 1423.
(2) في النسخ الخطية و الحجرية: أبو أيوب، و
ما أثبتناه من المصدر و كما في المعتبر: 342.
(3) التهذيب 5: 409- 1421.
(4) المغني 3: 216، الشرح الكبير 3: 218.
(5) سنن أبي داود 2: 154- 155- 1785، سنن
النسائي 5: 165.
(6) صحيح مسلم 2: 882- 1214، المغني 3: 216،
الشرح الكبير 3: 218.
(7) الكافي 4: 454- 1، التهذيب 5: 167- 557.
(8) صحيح مسلم 2: 882- 1214، المغني 3: 216،
الشرح الكبير 3: 218.
193
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
مسألة 148: ؛ ج 7، ص : 194
منه «1».
و يجوز أن يحرم من أيّ موضع كان من مكة،
لأنّها كلّها ميقات، لكن الأفضل الإحرام من المسجد، و أفضله تحت الميزاب أو في
مقام إبراهيم عليه السلام.
و لو خرج من مكة بغير إحرام ناسيا أو جاهلا،
رجع إليها أو أحرم منها، فإن عرض له مانع، أحرم من موضعه و لو بعرفات، و كذا في
الخائف من الرجوع.
مسألة 148:
هذه المواقيت المذكورة مواقيت للحجّ على ضروبه
و للعمرة المفردة إجماعا إذا قدم مكة حاجّا أو معتمرا.
أمّا المفرد و القارن إذا قضيا مناسك الحج و
أرادا الاعتمار، أو غيرهما ممّن يريد الاعتمار، فإنّه يلزمه أن يخرج إلى أدنى
الحلّ، فيحرم بالعمرة المفردة ثم يعود إلى مكة للطواف و السعي، لأنّ النبي صلّى
اللّٰه عليه و آله لمّا أرادت عائشة أن تعتمر بعد التحلّل من الحجّ أمر عبد الرحمن
أن يعمرها من التنعيم «2»، و هو من الحلّ.
و لو خرج إلى أحد المواقيت فأحرم منه، جاز لكن
خفّف عنه بالإحرام من أدنى الحلّ.
و ينبغي أن يحرم من الجعرانة، فإنّ النبي صلّى
اللّٰه عليه و آله اعتمر منها «3»، فإن فاتته فمن التنعيم، لأنّ النبي
عليه السلام أمر عائشة بالإحرام منها «4»، فإن فاتته فمن الحديبية، لأنّ النبي
صلّى اللّٰه عليه و آله لمّا قفل [1] من
______________________________
[1]
قفل: رجع. النهاية- لابن الأثير- 4: 92.
______________________________
(1)
فتح العزيز 7: 78، المجموع 7: 196.
(2) صحيح البخاري 3: 4 و 5، صحيح مسلم 2:
871- 113، سنن البيهقي 4: 357
(3) صحيح البخاري 3: 3، سنن أبي داود 2:
205- 206- 1993 و 1994، سنن الترمذي 3: 180- 816.
(4) صحيح البخاري 3: 6، صحيح مسلم 2: 870-
871- 112، سنن البيهقي 5: 6.
194
تذکرة الفقهاء7 (ط - الحديثة)
النظر الثاني: في أحكام المواقيت ؛ ج 7، ص : 195
حنين أحرم بالجعرانة «1».
النظر الثاني: في أحكام المواقيت
مسألة 149:
لا يجوز الإحرام قبل الميقات عند علمائنا إلّا لناذر على خلاف، و لمريد العمرة في رجب إذا خاف فواته.
و أطبق العامّة على جوازه «2»، و اختلفوا في الأفضل.
فقال مالك: الأفضل الإحرام من الميقات، و يكره قبله. و به قال عمر و عثمان و الحسن و عطاء و مالك و أحمد و إسحاق «3».
و قال أبو حنيفة: الأفضل الإحرام من بلده «4».
و عن الشافعي كالمذهبين «5».
و كان علقمة و الأسود و عبد الرحمن و أبو إسحاق يحرمون من بيوتهم «6».
لنا: ما رواه العامّة أنّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله أحرم من الميقات «7»، و لا يفعل إلّا الراجح، و قال عليه السلام: (خذوا عنّي مناسككم) «8» فوجب
______________________________
(1) الكامل في التاريخ 2: 272.
(2) المغني 3: 222، الشرح الكبير 3: 226، المجموع 7: 200، المبسوط- للسرخسي- 4: 166، بدائع الصنائع 2: 164، المنتقى- للباجي- 2: 205.
(3) المدوّنة الكبرى 1: 363، بداية المجتهد 1: 324، الكافي في فقه أهل المدينة: 148، المغني 3: 222، الشرح الكبير 3: 226، حلية العلماء 3: 270، فتح العزيز 7: 93.
(4) الاختيار لتعليل المختار 1: 185، المغني 3: 222، الشرح الكبير 3: 226، فتح العزيز 7: 93، حلية العلماء 3: 270، المجموع 7: 202.
(5) المهذّب- للشيرازي- 1: 210، المجموع 7: 200، حلية العلماء 3: 270، فتح العزيز 7: 93، المغني 3: 222، الشرح الكبير 3: 226.
(6) المغني 3: 222، الشرح الكبير 3: 226، و انظر: المجموع 7: 202.
(7) المغني 3: 223، الشرح الكبير 3: 227.
(8) س