الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الجزء الثاني عشر
الجزء الثاني عشر
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين و صلى اللّٰه على نبيه محمد و آله الطاهرين.
كتاب الزكاة
و هي لغة تطلق على معنيين: الطهارة و الزيادة و النمو، و من الأول قوله عز و جل «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّٰاهٰا» «1» أي طهرها من الأخلاق الذميمة، و من الثاني قوله عز وجل «ذٰلِكُمْ أَزْكىٰ لَكُمْ وَ أَطْهَرُ» «2» أي أنمى لكم و أعظم بركة، و الحمل على الأول و إن أمكن إلا أنه يصير عطف الطهارة من قبيل التأكيد و الحمل على التأسيس خير من التأكيد.
و سميت به الصدقة المخصوصة لكونها مطهرة للمال من الأوساخ المتعلقة به أو للنفوس من رذائل البخل و ترك مواساة الإخوان المحتاجين من أبناء النوع، و لكونها تنمي الثواب و تزيده و كذلك تنمي المال و تزيده و إن ظن الجاهل البخيل أنها تنقصه.
و قد اختلف الفقهاء في تعريفها بما لا يكاد يسلم واحد منها من المناقشة
______________________________
(1) سورة الشمس الآية 9.
(2) سورة البقرة الآية 232.
2
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
كتاب الزكاة ج 12 ص 2
و ليس في التعرض لها مزيد فائدة، و الأمر في التعريف هين بعد وضوح المعرف في حد ذاته.
و الكلام في هذا الكتاب يقع في مقدمة و بابين،
[المقدمة]
أما المقدمة ففيها فصول:
الفصل الأول- في وجوبها
و هي واجبة بالكتاب و السنة، قال اللّٰه عز و جل «وَ أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ» «1» و قال «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» «2» و قال «وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لٰا يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ» «3».
و أما السنة فمستفيضة جدا، و منها-
ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن عبد اللّٰه بن سنان «4» قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام لما نزلت آية الزكاة «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» «5» و أنزلت في شهر رمضان فأمر رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله مناديه فنادى في الناس أن اللّٰه تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ففرض اللّٰه عليهم من الذهب و الفضة و فرض عليهم الصدقة من الإبل و البقر و الغنم و من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و نادى فيهم بذلك في شهر رمضان و عفا لهم عن ما سوى ذلك. قال عليه السلام ثم لم يتعرض لشيء من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فصاموا و أفطروا فأمر مناديه فنادى في المسلمين أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل صلاتكم. قال عليه السلام ثم وجه عمال الصدقة و عمال الطسوق».
أقول: الطسق بالفتح ما يوضع من الخراج على كل جريب من الأرض فارسي معرب.
و ما رواه في الصحيح عن الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السلام) «6» قالا: «فرض اللّٰه الزكاة مع الصلاة».
أقول: الظاهر من المعية المقارنة
______________________________
(1) سورة البقرة الآية 43.
(2) سورة التوبة الآية 103.
(3) سورة فصلت الآية 6 و 7.
(4) ج 1 ص 139 و في الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة و نقله فيه و في الباب 1 من الفقيه أيضا.
(5) سورة التوبة الآية 103.
(6) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة.
3
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الفصل الأول في وجوبها ج 12 ص 3
في الرتبة كما يشعر به الحديث الآتي.
و ما رواه أيضا عن معروف بن خربوذ عن أبي جعفر عليه السلام «1» قال «إن اللّٰه عز و جل قرن الزكاة بالصلاة فقال «وَ أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ» فمن أقام الصلاة و لو يؤت الزكاة فلم يقم الصلاة».
و ما رواه في الفقيه عن عبد اللّٰه بن مسكان يرفعه إلى أبي جعفر عليه السلام «2» قال:
«بينا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله في المسجد إذ قال قم يا فلان قم يا فلان قم يا فلان حتى أخرج خمسة نفر فقال صلى اللّٰه عليه و آله اخرجوا من مسجدنا لا تصلوا فيه و أنتم لا تزكون».
و ما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «من منع قيراطا من الزكاة فليس بمؤمن و لا مسلم و هو قوله تعالى رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صٰالِحاً فِيمٰا تَرَكْتُ» «4».
قال: و في رواية أخرى «5» قال: «و لا تقبل له صلاة».
و بهذا المضمون روايات عديدة أعرضنا عن نقلها.
و ما رواه فيه أيضا عن أبي بصير «6» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول من منع الزكاة سأل الرجعة عند الموت و هو قول اللّٰه تعالى رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صٰالِحاً فِيمٰا تَرَكْتُ» «7».
و ما رواه فيه عن أبي بصير أيضا عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «8» قال: «من منع قيراطا من الزكاة فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا».
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة
الفصل الثاني- في عقاب مانعها
، روى في الكافي عن عبد اللّٰه بن سنان «9» قال: «قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله ما من ذي زكاة مال نخل أو زرع أو كرم يمنع زكاة ماله إلا قلده اللّٰه تعالى تربة أرضه يطوق بها من سبع أرضين إلى يوم القيامة».
و روى في الكافي و الفقيه عن أيوب بن راشد «10» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه
______________________________
(1) الوسائل الباب 3 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 3 من ما تجب فيه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 4 من ما تجب فيه الزكاة.
(4) سورة المؤمنون الآية 99 و 100.
(5) الوسائل الباب 4 من ما تجب فيه الزكاة.
(6) الوسائل الباب 3 من ما تجب فيه الزكاة.
(7) سورة المؤمنون الآية 99 و 100.
(8) الوسائل الباب 4 من ما تجب فيه الزكاة.
(9) الوسائل الباب 3 من ما تجب فيه الزكاة.
(10) الوسائل الباب 3 من ما تجب فيه الزكاة.
4
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الفصل الثاني في عقاب مانعها ج 12 ص 4
عليه السلام يقول مانع الزكاة يطوق بحية قرعاء تأكل من دماغه و ذلك قوله تعالى سَيُطَوَّقُونَ مٰا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ» «1».
أقول: القرعاء من الحيات ما سقط شعر رأسها لكثرة سمها.
و روى في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم «2» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن قول اللّٰه تعالى سَيُطَوَّقُونَ مٰا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ؟ فقال يا محمد ما من أحد يمنع من زكاة ماله شيئا إلا جعل اللّٰه تعالى ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار مطوقا في عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب، ثم قال عليه السلام هو قول اللّٰه تعالى سَيُطَوَّقُونَ مٰا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ. يعني ما بخلوا به من الزكاة».
و روى في الكافي و الفقيه عن حريز «3» قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام ما من ذي مال ذهب أو فضة يمنع زكاة ماله إلا حبسه اللّٰه يوم القيامة بقاع قرقر و سلط عليه شجاعا أقرع يريده و هو يحيد عنه فإذا رأى أنه لا يتخلص منه أمكنه من يده فقضمها كما يقضم الفحل ثم يصير طوقا في عنقه، و ذلك قول اللّٰه تعالى «سَيُطَوَّقُونَ مٰا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ» و ما من ذي مال إبل أو غنم أو بقر يمنع زكاة ماله إلا حبسه اللّٰه عز و جل يوم القيامة بقاع قرقر تطؤه كل ذات ظلف بظلفها و تنهشه كل ذات ناب بنابها، و ما من ذي مال نخل أو كرم أو زرع يمنع زكاتها إلا طوقه اللّٰه تعالى ريعة أرضه إلى سبع أرضين يوم القيامة».
أقول: قيل القاع الأرض السهلة المطمئنة قد انفرجت عنها الجبال، و القرقر الأرض المستوية اللينة، و في بعض النسخ «قفر» و هو الخلاء من الأرض، و شجاع بالضم و الكسر: الحية أو الذكر منها أو ضرب منها، و الحيد الميل، و القضم
______________________________
(1) سورة آل عمران الآية 180.
(2) الفروع ج 1 ص 141 و في الوسائل الباب 3 من ما تجب فيه الزكاة عن أبي جعفر (ع) بسند آخر و هو كذلك في الفروع ج 1 ص 142.
(3) الوسائل الباب 3 من ما تجب فيه الزكاة.
5
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الفصل الثاني في عقاب مانعها ج 12 ص 4
بالمعجمة: الأكل بأطراف الأسنان، و الفحل بالمهملة: الذكر من كل حيوان و من الإبل خاصة و هو المراد هنا، و الريع بكسر الراء و فتحها ثم المثناة من تحت ثم المهملة: المرتفع من الأرض واحدته بهاء.
و روى في الكافي عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام «1» قال: «إن اللّٰه تعالى يبعث يوم القيامة ناسا من قبورهم مشدودة أيديهم إلى أعناقهم لا يستطيعون أن يتناولوا بها قيس أنملة معهم ملائكة يعيرونهم تعييرا شديدا يقولون: هؤلاء الذين منعوا خيرا قليلا من خير كثير، هؤلاء الذين أعطاهم اللّٰه تعالى فمنعوا حق اللّٰه في أموالهم».
أقول: القيس بالكسر القدر.
و روى في الكافي و الفقيه عن أبان بن تغلب «2» قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام دمان في الإسلام حلال من اللّٰه تعالى لا يقضي فيهما أحد حتى يبعث اللّٰه تعالى قائمنا أهل البيت فإذا بعث اللّٰه تعالى قائمنا أهل البيت حكم فيهما بحكم اللّٰه لا يريد عليهما بينة:
الزاني المحصن يرجمه و مانع الزكاة يضرب عنقه».
و رواه الصدوق في عقاب الأعمال و البرقي في المحاسن مثله «3».
و روى في الكافي مسندا عن إسحاق بن عمار عن من سمع أبا عبد اللّٰه عليه السلام و في الفقيه مرسلا عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» أنه قال: «ما ضاع مال في بر و لا بحر إلا بتضييع الزكاة و لا يصاد من الطير إلا ما ضيع تسبيحه».
و روى في الكافي عن سالم مولى أبان «5» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول ما من صيد يصاد إلا بتركه التسبيح و ما من مال يصاب إلا بترك الزكاة».
إلى غير
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 4 من ما تجب فيه الزكاة. و قوله «حكم فيهما بحكم اللّٰه لا يريد عليهما بينة» ليس في الفقيه ج 2 ص 6.
(3) الوسائل الباب 4 من ما تجب فيه الزكاة.
(4) الوسائل الباب 3 من ما تجب فيه الزكاة.
(5) الوسائل الباب 3 من ما تجب فيه الزكاة.
6
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الفصل الثاني في عقاب مانعها ج 12 ص 4
ذلك من الأخبار التي يضيق عن نشرها المقام.
الفصل الثالث- في كفر منكر وجوبها
، قال العلامة في التذكرة: أجمع المسلمون كافة على وجوبها في جميع الأعصار و هي أحد الأركان الخمسة. إذا عرفت هذا فمن أنكر وجوبها ممن ولد على الفطرة و نشأ بين المسلمين فهو مرتد يقتل من غير أن يستتاب، و إن لم يكن عن فطرة بل أسلم عقيب كفر استتيب مع علمه بوجوبها ثلاثا فإن تاب و إلا فهو مرتد وجب قتله، و إن كان ممن يخفى وجوبها عليه لأنه نشأ بالبادية أو كان قريب العهد بالإسلام عرف وجوبها و لم يحكم بكفره.
هذا كلامه (رحمه اللّٰه).
قال في المدارك بعد نقله عنه: و هو جيد و على ما ذكره من التفصيل يحمل ما رواه الكليني و ابن بابويه عن أبان بن تغلب. ثم ساق الرواية المتقدمة الدالة على أن القائم عليه السلام بعد قيامه يضرب عنق مانع الزكاة.
أقول: ظاهر العلامة في المنتهى حمل هذه الرواية على المانع و إن لم يكن عن إنكار، حيث قال: مسألة- و يقاتل مانع الزكاة حتى يؤديها و هو قول العلماء، روى الجمهور. ثم ساق روايتهم «1» ثم قال: و من طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه عن أبان بن تغلب. ثم ساق الرواية المشار إليها، ثم قال فروع: الأول- القتال و إن كان مباحا إلا أنا لا نحكم بكفره. إلى أن قال: و أما لو علم منه إنكار وجوبها فإنه يكون كافرا. انتهى. و الأقرب الأول فإن مجرد المنع لا يوجب القتل و إن أوجب المقاتلة إلى أن يؤدي أو يؤخذ من ماله ما يؤدي به عنه.
ثم إنه من ما يدل على كفره متى كان مستحلا منكرا ما تقدم في رواية أبي بصير من أنه يموت إن شاء يهوديا و إن شاء نصرانيا، و يحتمل الحمل على مجرد المنع و إن هذا لمزيد التأكيد في الزجر عن الترك كما ورد في أحاديث الحج من أن
______________________________
(1) و هي قتال أبي بكر مانعي الزكاة و إنكار عمر عليه و أنه
قال رسول اللّٰه (ص) أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا «لا إله إلا اللّٰه» فإذا قالوها عصموني دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على اللّٰه.
فقال أبو بكر الزكاة من حقها. تيسير الوصول ج 2 ص 121.
7
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الفصل الثالث في كفر منكر وجوبها ج 12 ص 7
تارك الحج كافر «1» و كذلك قوله عز و جل «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ. الآية» «2» و بالجملة فإن المراد من الكفر هنا الترك كقوله عز و جل: «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ. الآية» «3».
و يدل عليه أيضا
ما رواه في الكافي في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» في حديث «إن الزكاة ليس يحمد بها صاحبها و إنما هو شيء ظاهر إنما حقن بها دمه و سمي بها مسلما».
و ما رواه فيه أيضا في الموثق عن سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «5» قال: «إن اللّٰه عز و جل فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون إلا بأدائها و هي الزكاة بها حقنوا دماءهم و بها سموا مسلمين».
و روى في الفقيه بإسناده عن حماد بن عمرو و أنس بن محمد عن أبيه جميعا عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) «6» في وصية النبي صلى اللّٰه عليه و آله لعلي عليه السلام «يا علي كفر باللّٰه العلي العظيم من هذه الأمة عشرة. و عد منهم مانع الزكاة، ثم قال يا علي ثمانية لا يقبل اللّٰه منهم الصلاة. و عد منهم مانع الزكاة. ثم قال يا علي من منع قيراطا من زكاة ماله فليس بمؤمن و لا مسلم و لا كرامة، يا علي تارك الزكاة يسأل اللّٰه تعالى الرجعة إلى الدنيا و ذلك قول اللّٰه عز و جل حَتّٰى إِذٰا جٰاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قٰالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. الآية» «7».
و بالجملة فإن وجوب الزكاة من الضروريات الدينية و لا خلاف و لا إشكال في كفر من أنكر شيئا منها و ارتداده.
بقي الإشكال في حديث أبان المتقدم من حيث دلالته على اختصاص هذا الحكم مع الحكم برجم الزاني المحصن بظهور القائم عليه السلام و لا أعرف له وجها إلا على القول باختصاص إقامة الحدود بالإمام عليه السلام إلا أن تخصيص هذين الفردين من ما
______________________________
(1) الوسائل الباب 7 من وجوب الحج و شرائطه.
(2) سورة آل عمران الآية 97.
(3) سورة إبراهيم الآية 7.
(4) الوسائل الباب 4 من ما تجب فيه الزكاة.
(5) الوسائل الباب 4 من ما تجب فيه الزكاة.
(6) الوسائل الباب 4 من ما تجب فيه الزكاة.
(7) سورة المؤمنون الآية 99.
8
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الفصل الثالث في كفر منكر وجوبها ج 12 ص 7
لا وجه له على هذا التقدير.
الفصل الرابع- في فضلها و فضل سائر الصدقات
، روى ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن زرارة عن سالم بن أبي حفصة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «إن اللّٰه تعالى يقول ما من شيء إلا و قد وكلت به من يقبضه غيري إلا الصدقة فإني أتلقفها بيدي تلقفا حتى أن الرجل يتصدق بالتمرة أو بشق تمرة فأربيها له كما يربي الرجل فلوه و فصيله فيأتي يوم القيامة و هو مثل أحد أو أعظم من أحد».
و روى فيه أيضا عن حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله الصدقة تدفع ميتة السوء».
و روى فيه أيضا عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام «3» قال: «لأن أحج حجة أحب إلي من أن أعتق رقبة و رقبة حتى انتهى إلى عشرة و مثلها و مثلها حتى انتهى إلى سبعين، و لأن أعول أهل بيت من المسلمين أشبع جوعهم و أكسو عورتهم و أكف وجوههم عن الناس أحب إلى من أن أحج حجة و حجة حتى انتهى إلى عشر و عشر و مثلها و مثلها حتى انتهى إلى سبعين».
و روى في الكافي مسندا عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام و في الفقيه مرسلا «4» قال:
«قال الصادق عليه السلام داووا مرضاكم بالصدقة و ادفعوا البلاء بالدعاء و استنزلوا الرزق بالصدقة فإنها تفك من بين لحيي سبعمائة شيطان، و ليس شيء أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن، و هي تقع في يد الرب تبارك و تعالى قبل أن تقع في يد العبد».
و روى الشيخ عن معلى بن خنيس عن الصادق عليه السلام «5» «إن اللّٰه لم يخلق شيئا إلا
______________________________
(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الصدقة.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب الصدقة، و الراوي هو السكوني.
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب الصدقة.
(4) الوسائل الباب 3 و 18 من أبواب الصدقة.
(5) الفروع ج 1 ص 164 و في الوسائل الباب 12 من الصدقة و الشيخ يرويه عن الكليني.
9
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الفصل الرابع في فضلها و فضل سائر الصدقات ج 12 ص 9
و له خازن يخزنه إلا الصدقة فإن الرب يليها بنفسه، و كان أبي إذا تصدق بشيء وضعه في يد السائل ثم ارتده منه فقبله و شمه ثم رده في يد السائل، إن صدقة الليل تطفئ غضب الرب تعالى و تمحو الذنب العظيم و تهون الحساب و صدقة النهار تنمي المال و تزيد في العمر».
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المذكورة في مظانها.
الفصل الخامس- في علتها
روى الصدوق (قدس سره) في الفقيه في الصحيح عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «إن اللّٰه عز و جل فرض الزكاة كما فرض الصلاة، فلو أن رجلا حمل الزكاة فأعطاها علانية لم يكن عليه في ذلك عيب و ذلك لأن اللّٰه عز و جل فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به، و لو علم أن الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم و إنما يؤتى الفقراء في ما أوتوا من منع من منعهم حقوقهم لا من الفريضة».
و روى في الكافي و الفقيه عن مبارك العقرقوفي «2» قال: «قال أبو الحسن عليه السلام إن اللّٰه تعالى وضع الزكاة قوتا للفقراء و توفيرا لأموالكم».
و روى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن عبد اللّٰه بن مسكان و غير واحد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال «إن اللّٰه تعالى جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم و لو لا ذلك لزادهم و إنما يؤتون من منع من منعهم».
و روى فيه في الحسن عن الوشاء عن أبي الحسن الرضا عليه السلام «4» قال «قيل لأبي عبد اللّٰه عليه السلام لأي شيء جعل اللّٰه الزكاة خمسة و عشرين في كل ألف و لم يجعلها ثلاثين؟ فقال إن اللّٰه تعالى جعلها خمسة و عشرين أخرج من أموال الأغنياء بقدر ما يكتفي به الفقراء و لو أخرج الناس زكاة أموالهم ما احتاج أحد».
و روى فيه أيضا عن صباح الحذاء عن قثم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «5» قال:
«قلت له جعلت فداك أخبرني عن الزكاة كيف صارت من كل ألف خمسة و عشرين لم
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة.
(4) الوسائل الباب 3 من زكاة الذهب و الفضة.
(5) الوسائل الباب 3 من زكاة الذهب و الفضة
10
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الفصل الخامس في علتها ج 12 ص 10
تكن أقل أو أكثر ما وجهها؟ فقال إن اللّٰه تعالى خلق الخلق كلهم فعلم صغيرهم و كبيرهم و غنيهم و فقيرهم فجعل من كل ألف إنسان خمسة و عشرين مسكينا و لو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم لأنه خالقهم و هو أعلم بهم».
و روى في الفقيه عن معتب مولى الصادق عليه السلام «1» قال: «قال الصادق عليه السلام إنما وضعت الزكاة اختبارا للأغنياء و معونة للفقراء، و لو أن الناس أدوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيرا محتاجا و لاستغنى بما فرض اللّٰه تعالى له، و إن الناس ما افتقروا و لا احتاجوا و لا جاعوا و لا عروا إلا بذنوب الأغنياء و حقيق على اللّٰه تعالى أن يمنع رحمته ممن منع حق اللّٰه في ماله، و أقسم بالذي خلق الخلق و بسط الرزق إنه ما ضاع مال في بر و لا بحر إلا بترك الزكاة و ما صيد صيد في بر و لا بحر إلا بتركه التسبيح في ذلك اليوم، و إن أحب الناس إلى اللّٰه أسخاهم كفا و أسخى الناس من أدى زكاة ماله و لم يبخل على المؤمنين بما افترض اللّٰه تعالى لهم في ماله».
و روى في الفقيه مرسلا «2» قال: «كتب علي بن موسى الرضا عليه السلام إلى محمد ابن سنان في ما كتب من جواب مسائله: إن علة الزكاة من أجل قوت الفقراء و تحصين أموال الأغنياء لأن اللّٰه عز و جل كلف أهل الصحة القيام بشأن أهل الزمانة و البلوى كما قال اللّٰه تعالى «لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوٰالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ» «3» في أموالكم إخراج الزكاة و في أنفسكم توطين النفس على الضر، مع ما في ذلك من أداء شكر نعم اللّٰه تعالى و الطمع في الزيادة، مع ما فيه من الزيادة و الرأفة و الرحمة لأهل الضعف و العطف على أهل المسكنة و الحث لهم على المواساة و تقوية الفقراء و المعونة لهم على أمر الدين و هو عظة لأهل الغنى و عبرة لهم ليستدلوا على فقر الآخرة بهم، و ما لهم من الحث في ذلك على الشكر لله تعالى لما خولهم و أعطاهم و الدعاء و التضرع و الخوف من أن يصيروا مثلهم في أمور كثيرة في أداء الزكاة و الصدقات و صلة الأرحام و اصطناع
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة.
(3) سورة آل عمران الآية 186.
11
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الفصل الخامس في علتها ج 12 ص 10
المعروف».
إلى غير ذلك من الأخبار.
الفصل السادس- في أنه هل يجب في المال حق آخر سوى الزكاة أم لا؟
المشهور الثاني، و نقل عن الشيخ في الخلاف الأول حيث قال: يجب في المال حق سوى الزكاة المفروضة و هو ما يخرج يوم الحصاد من الضغث بعد الضغث و الحفنة بعد الحفنة يوم الجذاذ. و احتمله السيد المرتضى في الإنتصار.
احتج الشيخ (قدس سره) بإجماع الفرقة و أخبارهم «1» و قوله تعالى «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ» «2».
و أجيب بمنع انعقاد الإجماع على الوجوب بل على الرجحان المطلق الشامل للندب أيضا. و عن الأخبار بمنع دلالتها على الوجوب.
و عن الآية بوجهين: أحدهما- أنه يجوز أن يكون المراد بالحق الزكاة المفروضة كما ذكره جمع من المفسرين بأن يكون المعنى فاعزموا على أداء الحق يوم الحصاد و اهتموا به حتى لا تؤخروه عن أول أوقات الإمكان. و أيد ذلك بأن قوله تعالى «وَ آتُوا حَقَّهُ» إنما يحسن إذا كان الحق معلوما قبل ورود هذه الآية.
الثاني- أن الأمر محمول على الاستحباب، و يدل عليه
ما رواه الكليني عن معاوية بن شريح «3» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول في الزرع حقان حق تؤخذ به و حق تعطيه. قلت: و ما الذي أوخذ به و ما الذي أعطيه؟ قال أما الذي تؤخذ به فالعشر و نصف العشر، و أما الذي تعطيه فقول اللّٰه عز و جل «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ» يعني من حصدك الشيء بعد الشيء، و لا أعلمه إلا قال الضغث ثم الضغث حتى يفرغ».
و ما رواه عن زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير- في الصحيح أو الحسن على
______________________________
(1) الوسائل الباب 13 من زكاة الغلات.
(2) سورة الأنعام الآية 141.
(3) الوسائل الباب 13 من زكاة الغلات.
12
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الفصل السادس في أنه هل يجب في المال حق آخر سوى الزكاة أم لا؟ ج 12 ص 12
المشهور- عن أبي جعفر عليه السلام «1» «في قول اللّٰه عز و جل وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ؟
فقالوا جميعا قال أبو جعفر عليه السلام هذا من الصدقة تعطى المساكين القبضة بعد القبضة و من الجذاذ الحفنة بعد الحفنة حتى تفرغ. الحديث».
أقول: و الذي وقفت عليه من الأخبار زيادة على ما ذكر
ما نقل عن السيد المرتضى (قدس سره) في الإنتصار «2» أنه قال: «روي عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ» فقال ليس ذلك الزكاة أ لا ترى أنه قال وَ لٰا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لٰا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ؟» «3».
قال المرتضى (قدس سره) و هذه نكتة منه عليه السلام مليحة لأن النهي عن السرف لا يكون إلا في ما ليس بمقدر و الزكاة مقدرة.
و ما رواه الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره في الصحيح عن شعيب العقرقوفي «4» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن قوله عز و جل وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ؟ قال الضغث من السنبل و الكف من التمر إذا خرص. قال: و سألته هل يستقيم إعطاؤه إذا أدخله؟ قال: لا هو أسخى لنفسه قبل أن يدخله بيته».
و روى فيه في الصحيح عن سعد بن سعد عن الرضا عليه السلام «5» قال: «قلت له إن لم يحضر المساكين و هو يحصد كيف يصنع؟ قال ليس عليه شيء».
و ظاهر هذه الأخبار المذكورة هو الاستحباب، أما رواية معاوية بن شريح فهي ظاهرة في ذلك لأن مقابلة الحق الذي يعطيه بالذي يؤخذ به ظاهر في أنه لا يؤخذ بهذا الحق الذي يعطيه، و المتبادر من الأخذ به العقاب على تركه و هو هنا كناية عن الوجوب و الإلزام به شرعا.
و أما ما ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة- حيث مال إلى الوجوب في هذه المسألة من أن المراد من قوله «تؤخذ به» يعني الأخذ في الدنيا لأن الإمام
______________________________
(1) الوسائل الباب 13 من زكاة الغلاة.
(2) ص 21.
(3) سورة الأنعام الآية 141.
(4) الوسائل الباب 13 من زكاة الغلاة.
(5) الوسائل الباب 13 من زكاة الغلاة.
13
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الفصل السادس في أنه هل يجب في المال حق آخر سوى الزكاة أم لا؟ ج 12 ص 12
يأخذ الزكاة من أصحاب الأموال بخلاف حق الحصاد فإنه أمر بينه و بين اللّٰه و إن عصى بالترك بناء على الوجوب- فتعسفه ظاهر لأنه لو كان المراد أنما هو أخذ الإمام لكان حق العبارة أن يقال «يؤخذ منه» كما لا يخفى على الممارس لكلام البلغاء بل هذه العبارة إنما ترمى في مقام المؤاخذة بالترك و المعاقبة، قال في المصباح المنير و أخذه بذنبه عاقبه عليه.
و أما صحيحة الفضلاء الثلاثة فظاهر الصدقة فيها إنما هو بمعنى الصدقة المستحبة و أما صحيحة شعيب العقرقوفي فهي ظاهرة في أنه متى أدخله بيته سقط الحكم عنه و لو كان واجبا لم يكن كذلك. و أما صحيحة سعد بن سعد فأظهر، فإنها دلت على أنه لو لم يحضره أحد من المساكين وقت الحصاد فلا شيء عليه و الفرض الواجب إخراجه لا يتفاوت بين حضور مستحقه و لا غيبته.
و بذلك يظهر لك ما في كلام الفاضل المتقدم ذكره حيث إنه مال إلى الوجوب استنادا إلى ظاهر الآية، و لا ريب أن الآية مخصصة بالأخبار المذكورة كما هو القاعدة الجارية في غير موضع من الأحكام.
و لا بأس بنقل بعض الأخبار المتعلقة بهذه المسألة،
روى ثقة الإسلام (قدس سره) في الحسن عن أبي بصير المرادي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «لا تصرم بالليل و لا تحصد بالليل و لا تضح بالليل و لا تبذر بالليل فإنك إن فعلت ذلك لم يأتك القانع و المعتر. فقلت و ما القانع و المعتر؟ قال القانع الذي يقنع بما أعطيته و المعتر الذي يمر بك فيسألك. و إن حصدت بالليل لم يأتك السؤال و هو قول اللّٰه عز و جل «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ» عند الحصاد يعني القبضة بعد القبضة إذا حصدته و إذا خرج فالحفنة بعد الحفنة، و كذلك عند الصرام و كذلك عند البذر، و لا تبذر بالليل لأنك تعطي من البذر كما تعطي في الحصاد».
و عن ابن أبي نصر في الصحيح عن أبي الحسن عليه السلام «2» قال: «سألته عن
______________________________
(1) الوسائل الباب 14 من زكاة الغلات.
(2) الوسائل الباب 16 من زكاة الغلات.
14
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الفصل السادس في أنه هل يجب في المال حق آخر سوى الزكاة أم لا؟ ج 12 ص 12
قول اللّٰه عز و جل «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ وَ لٰا تُسْرِفُوا» قال كان أبي يقول من الإسراف في الحصاد و الجذاذ أن يصدق الرجل بكفيه جميعا، و كان أبي إذا حضر شيئا من هذا فرأى أحدا من غلمانه يتصدق بكفيه صاح به أعط بيد واحدة القبضة بعد القبضة و الضغث بعد الضغث من السنبل».
و من ما يدخل في سلك هذا النظام
ما رواه في الكافي عن يونس أو غيره عن من ذكره عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «قلت جعلت فداك بلغني أنك كنت تفعل في غلة عين زياد شيئا و أنا أحب أن أسمعه منك قال فقال لي نعم كنت آمر إذا أدركت الثمرة أن يثلم في حيطانها الثلم ليدخل الناس و يأكلوا، و كنت آمر في كل يوم أن يوضع عشر بنيات يقعد على كل بنية عشرة كلما أكل عشرة جاء عشرة أخرى يلقى لكل نفس منهم مد من رطب، و كنت آمر لجيران الضيعة كلهم الشيخ و العجوز و المريض و الصبي و المرأة و من لا يقدر أن يجيء فيأكل منها لكل إنسان منهم مدا فإذا كان الجذاذ أوفيت القوام و الوكلاء و الرجال أجرتهم و أحمل الباقي إلى المدينة ففرقت في أهل البيوتات و المستحقين الراحلتين و الثلاثة و الأقل و الأكثر على قدر استحقاقهم، و حصل لي بعد ذلك أربعمائة دينار و كان غلتها أربعة آلاف دينار».
الفصل السابع
- الظاهر أنه لا يجب في المال حق زيادة على الزكاة و الخمس اتفاقا و ما تقدم من حق الحصاد على القول به. إلا أن الصدوق قال في الفقيه قال اللّٰه تعالى «وَ الَّذِينَ فِي أَمْوٰالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّٰائِلِ وَ الْمَحْرُومِ» «2» فالحق المعلوم غير الزكاة و هو شيء يفرضه الرجل على نفسه أنه في ماله و نفسه و يجب أن يفرضه على قدر طاقته و وسعه. و ربما ظهر من هذه العبارة الوجوب.
و يؤيده
ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «إن اللّٰه عز و جل فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون
______________________________
(1) الوسائل الباب 18 من زكاة الغلات.
(2) سورة المعارج الآية 24 و 25.
(3) الوسائل الباب 4 و 7 من ما تجب فيه الزكاة.
15
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الفصل السابع ج 12 ص 15
إلا بأدائها و هي الزكاة، بها حقنوا دماءهم و بها سموا مسلمين، و لكن اللّٰه عز و جل فرض في أموال الأغنياء حقوقا غير الزكاة فقال عز و جل «وَ الَّذِينَ فِي أَمْوٰالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّٰائِلِ وَ الْمَحْرُومِ» فالحق المعلوم غير الزكاة و هو شيء يفرضه الرجل على نفسه في ماله يجب عليه أن يفرضه على قدر طاقته و سعة ماله فيؤدي الذي فرض على نفسه إن شاء في كل يوم و إن شاء في كل جمعة و إن شاء في كل شهر. الحديث».
و في الصحيح أو الحسن عن أبي بصير «1» قال: «كنا عند أبي عبد اللّٰه عليه السلام و معنا بعض أصحاب الأموال فذكروا الزكاة فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام إن الزكاة ليس يحمد بها صاحبها و إنما هو شيء ظاهر إنما حقن بها دمه و سمي بها مسلما و لو لم يؤدها لم تقبل له صلاة، و إن عليكم في أموالكم غير الزكاة. فقلت أصلحك اللّٰه تعالى و ما علينا في أموالنا غير الزكاة؟ فقال سبحان اللّٰه أ ما تسمع اللّٰه عز و جل يقول في كتابه «وَ الَّذِينَ فِي أَمْوٰالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّٰائِلِ وَ الْمَحْرُومِ؟» «2» قال قلت فما ذا الحق المعلوم الذي علينا؟
قال هو الشيء يعلمه الرجل في ماله يعطيه في اليوم أو في الجمعة أو في الشهر قل أو كثر غير أنه يدوم عليه».
و عن عامر بن جذاعة «3» قال: «جاء رجل إلى أبي عبد اللّٰه عليه السلام فقال يا أبا عبد اللّٰه قرض إلى ميسرة فقال له أبو عبد اللّٰه عليه السلام إلى غلة تدرك؟ فقال الرجل لا و اللّٰه. قال فإلى تجارة تئوب؟ قال لا و اللّٰه. قال فإلى عقدة تباع؟ قال لا و اللّٰه. فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام فأنت ممن جعل اللّٰه له في أموالنا حقا ثم دعا بكيس فيه دراهم فأدخل يده فيه فناوله منه قبضة ثم قال له اتق اللّٰه تعالى و لا تسرف و لا تقتر و لكن بين ذلك قواما. الحديث».
إلا أنه
قد روى في الكافي أيضا عن القاسم بن عبد الرحمن الأنصاري «4» قال: «سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول إن رجلا جاء إلى علي بن الحسين عليه السلام فقال له
______________________________
(1) الوسائل الباب 7 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) سورة المعارج الآية 24 و 25.
(3) الوسائل الباب 7 من ما تجب فيه الزكاة.
(4) الوسائل الباب 7 من ما تجب فيه الزكاة.
16
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الفصل السابع ج 12 ص 15
أخبرني عن قول اللّٰه عز و جل «وَ الَّذِينَ فِي أَمْوٰالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّٰائِلِ وَ الْمَحْرُومِ» ما هذا الحق المعلوم؟ فقال له علي بن الحسين عليه السلام الحق المعلوم الشيء تخرجه من مالك ليس من الزكاة و لا من الصدقة المفروضتين. فقال إذا لم يكن من الزكاة و لا من الصدقة فما هو؟ قال هو الشيء يخرجه الرجل من ماله إن شاء أكثر و إن شاء أقل على قدر ما يملك.
فقال له الرجل فما يصنع به؟ قال يصل به رحما و يقوي به ضعيفا و يحمل به كلا و يصل به أخا له في اللّٰه أو لنائبة تنوبه. فقال الرجل اللّٰه أعلم حيث يجعل رسالته».
و الخبر كما ترى ظاهر في الاستحباب و وجه الجمع بينه و بين ما تقدمه حمل الأخبار المتقدمة الثلاثة على تأكد الاستحباب و مثله في الأخبار غير عزيز، و يؤيده بعض الأخبار الدالة على أنه إذا أدى العبد زكاة ماله لم يسأله اللّٰه تعالى عما سواها.
ثم إنه ينبغي أن يعلم أنه لما كانت الزكاة منها ما يتعلق بالمال في جميع الأعوام على الشروط الآتية في المقام، و منها ما يتعلق بالفطر من الصيام على الوجوه المذكورة في أخبارهم (عليهم السلام) فالكلام فيها يقع في بابين:
الباب الأول- في الزكاة المتعلقة بالمال
، ثم إن زكاة المال لما كان وجوبها مخصوصا ببعض المكلفين دون بعض و في بعض الأموال دون بعض و مصرفها مقصورا على مصارف مخصوصة فالكلام في هذا الباب يقع في مقاصد ثلاثة:
المقصد الأول- في من تجب عليه
و هو البالغ العاقل الحر المالك للنصاب المتمكن من التصرف فيه، فهاهنا شروط خمسة:
الشرط الأول و الثاني- البلوغ و العقل
، فأما اشتراطهما بالنسبة إلى النقدين فالظاهر أنه لا خلاف فيه، و يدل عليه
حديث رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ و المجنون حتى يفيق «1».
و قد ورد في جملة من الأخبار الصحاح الصراح أنه ليس في مال اليتيم زكاة «2» و في بعضها ليس في العين و الصامت شيء «3»
و في صحيحة
______________________________
(1) الوسائل الباب 4 من مقدمة العبادات و سنن أبي داود ج 4 ص 141 حد الزنا.
(2) الوسائل الباب 1 و 2 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) التهذيب ج 1 ص 356 و في الوسائل الباب 1 ممن تجب عليه الزكاة.
17
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الشرط الأول و الثاني البلوغ و العقل ج 12 ص 17
عبد الرحمن بن الحجاج أو حسنته «1» في مال المجنون «إن كان عمل به فعليه زكاة و إن لم يعمل به فلا».
و نحوها أخبار أخر.
إنما الخلاف بالنسبة إلى الغلات و المواشي، فالمشهور بين المتأخرين عدم الوجوب، و أوجب الشيخان و أبو الصلاح و ابن البراج الزكاة في غلات الأطفال و المجانين و مواشيهم، و قال السيد المرتضى في المسائل الناصرية: الصحيح عندنا أنه لا زكاة في مال الصبي من العين و الورق و أما الزرع و الضرع فقد ذهب أكثر أصحابنا (رضوان اللّٰه عليهم) إلى أن الإمام يأخذ منه الصدقة. و هو مؤذن بشهرة القول بذلك بين المتقدمين.
و يدل على الأول
موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «سمعته يقول ليس في مال اليتيم زكاة و ليس عليه صلاة و ليس على جميع غلاته من نخل أو زرع أو غلة زكاة، و إن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة و لا عليه لما يستقبل حتى يدرك فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة و كان عليه مثل ما على غيره من الناس».
و أجاب الشيخ عن هذا الخبر بالبعد.
و يدل على القول الثاني
صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السلام) «3» أنهما قالا «مال اليتيم ليس عليه في العين و الصامت شيء فأما الغلات فإن عليها الصدقة واجبة».
و أجاب عنها جملة من المتأخرين بالحمل على الاستحباب، و أيده بعضهم بأن لفظ الوجوب في الأخبار أعمّ من المعنى المصطلح فإنه كثيرا ما يرد بمعنى مجرد الثبوت أو تأكد الاستحباب، فيجب حمل هذه الصحيحة على تأكد الاستحباب أو ثبوته جمعا بين الأدلة.
أقول: فيه (أولا) أن ما ذكروه من أن لفظ الوجوب في الأخبار أعمّ من
______________________________
(1) الوسائل الباب 3 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) التهذيب ج 1 ص 356 و في الوسائل الباب 1 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) التهذيب ج 1 ص 356 و في الوسائل الباب 1 ممن تجب عليه الزكاة.
18
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الشرط الأول و الثاني البلوغ و العقل ج 12 ص 17
المعنيين المذكورين متجه، إلا أنه متى كان الأمر كذلك فإنه يصير لفظ الوجوب في الأخبار من قبيل اللفظ المشترك الذي لا يحمل على أحد معنييه إلا مع القرينة، و مجرد اختلاف الأخبار و وجود هذه الرواية في مقابلة هذه الصحيحة لا يكون قرينة على الاستحباب. و بالجملة فإن الجمع المذكور غير تام و إن اشتهر بينهم الجمع بين الأخبار بذلك في كل موضع و أنه قاعدة كلية في جميع أبواب الفقه في مقام اختلاف الأخبار إلا أنه لا دليل عليه. و أيضا فإنه متى قيل بالاستحباب و جواز التصرف في مال اليتيم فالقول بالوجوب وقوفا على ظاهر الصحيحة المذكورة أحوط و أولى كما لا يخفى.
و ثانيا- أن الأظهر هو حمل الصحيحة المذكورة على التقية فإن الوجوب مذهب الجمهور كما نقله العلامة في المنتهى حيث قال: و اختلف علماؤنا في وجوب الزكاة في غلات الأطفال و المجانين فأثبته الشيخان و أتباعهما و به قال فقهاء الجمهور و نقلوه أيضا عن علي و الحسن بن علي (عليهما السلام) و جابر بن زيد و ابن سيرين و عطاء و مجاهد و إسحاق و أبي ثور «1» انتهى.
أقول: و من ما يؤيد القول الأول إطلاق جملة من الأخبار بأنه ليس في مال اليتيم زكاة، و ظاهر قوله عز و جل «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» «2» و هو كناية عن ما يوجب محو الذنوب و الآثام و هذا إنما يترتب على البالغ و منه يظهر قوة القول المشهور.
و أنت خبير بأن ظاهر الصحيحة التي هي مستند الشيخين و أتباعهما إنما دل على الغلات خاصة و أما المواشي فلا دلالة فيه عليها و ليس غير ذلك في الباب،
______________________________
(1) المغني ج 2 ص 602 و حكى فيه أيضا عن الحسن و سعيد بن المسيب و سعيد بن جبير و أبي وائل و النخعي و أبي حنيفة القول بعدم وجوب الزكاة في أموالهما كما حكي عن ابن مسعود و الثوري و الأوزاعي أنها تجب و لا تخرج حتى يبلغ الصبي و يفيق المعتوه.
(2) سورة التوبة الآية 103.
19
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الشرط الأول و الثاني البلوغ و العقل ج 12 ص 17
و مورد النص المذكور إنما هو اليتيم و أما المجنون فلا نص فيه مع أن المنقول عنهم القول بالوجوب في الموضعين، و منه يظهر أن حكم المتأخرين بالاستحباب في الموضعين المذكورين للتفصي من خلاف الشيخين لا معنى له، فإن الاستحباب حكم شرعي كالوجوب و التحريم يتوقف على الدليل و مجرد وجود الخلاف و لا سيما إذا لم يكن عن دليل لا يصلح لأن يكون مستندا، و كذا حكمهم بالاستحباب في غلات اليتيم، و متى حملنا الصحيحة المذكورة على التقية كما هو الظاهر فإنه لا وجه للاستحباب حينئذ
[تنبيهات]
و ينبغي التنبيه على أمور:
الأول [هل يعتبر في الزكاة استمرار البلوغ و العقل طول الحول؟]
- إن ظاهر كلام جملة من المتأخرين بالنسبة إلى شرط الكمال الذي هو عبارة عن البلوغ و العقل اعتبار استمرار الشرط المذكور طول الحول ليترتب عليه بعد ذلك الخطاب بوجوب الزكاة بمعنى أنه يستأنف الحول من حين البلوغ.
و ناقش في ذلك بعض أفاضل متأخري المتأخرين قائلا إن إثبات ذلك بحسب الدليل لا يخلو من إشكال، إذ المستفاد من الأدلة عدم وجوب الزكاة ما لم يبلغ و هو غير مستلزم لعدم الوجوب حين البلوغ بسبب الحول السابق بعضه عليه إذ لا يستفاد من أدلة اشتراط الحول كونه في زمان التكليف.
أقول: فيه (أولا) إن ظاهر قوله (عليه السلام) في موثقة أبي بصير المتقدمة «و إن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة» هو أنه غير مخاطب بالزكاة بالنسبة إلى الأموال التي ملكها قبل البلوغ أعمّ من أن يكون قد حال عليها أحوال عديدة أو مضى عليها حول إلا أياما قلائل، فإن لفظ «ما مضى» شامل للجميع و أنه لا يتعلق بما كان كذلك زكاة، و الظاهر أن هذا هو الذي فهمه الأصحاب و عليه بني ما ذكروه من الحكم المذكور. و أما قوله في الخبر «و لا عليه لما يستقبل زكاة حتى يدرك» فإن جعل معطوفا على الجزاء كما هو الظاهر فلا بد من حمل الإدراك على غير معنى البلوغ لينتظم الكلام لأن الشرط المرتب عليه الكلام أولا هو البلوغ فلا معنى لجعله هنا غاية، بل يكون المعنى أنه إذا بلغ فليس عليه زكاة لما يستقبل في تلك الأموال التي ملكها أولا حتى يدرك الحول
20
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الأول هل يعتبر في الزكاة استمرار البلوغ و العقل طول الحول ج 12 ص 20
فإذا أدرك الحول كانت عليه زكاة باعتبار مضي الحول عليه كذلك، و إن جعل جملة مستقلة مع بعده يكون المعنى أنه ليس عليه لما يستقبل من الزمان زكاة متى حال الحول عليه حتى يحول عليه و هو مدرك بالغ فإذا حال عليه و هو كذلك وجبت زكاة واحدة.
و (ثانيا)- أن ما ذكره من أن أدلة الحول لا يستفاد منها اشتراط كون الحول في زمن التكليف إن أريد به أنه لم يصرح بذلك فيها فهو مسلم لكن المفهوم من جملة منها ذلك، فإنه يستفاد منها صريحا في بعض و ظاهرا في آخر أنه لا بد في وجوب الزكاة على المكلف أن يحول الحول على النصاب عنده و في يده كما في روايات الدين و روايات المال الغائب «1» و المتبادر من كونه عنده و في يده هو التصرف فيه كيف شاء و هو المشار إليه في تلك الشروط بإمكان التصرف، و لا ريب أن المال بالنسبة إلى الطفل محجور عليه ليس عنده و لا في يده. و بالجملة فإن قيد إمكان التصرف المشترط في وجوب الزكاة و أنه لا بد أن يحول عليه الحول متمكنا من التصرف من ما ينفي وجوب الزكاة في الصورة المفروضة على الطفل حتى يبلغ و يحول عليه الحول في يده.
الثاني [المراد باليتيم]
- لا ريب أن الذي اشتملت عليه روايات المسألة كما سمعت من ما نقلناه منها و كذا ما لم ننقله إنما هو التعبير باليتيم و هو لغة و شرعا من لا أب له، و الأصحاب هنا كملا من غير خلاف يعرف أرادوا به المتولد حيا ما لم يبلغ و إن كان بين أبويه، و أكثرهم إنما يعبر بالصبي، و خصوصية اليتم غير مرادة في كلامهم و الظاهر أن التعبير بهذه العبارة في الأخبار خرج مخرج الغالب من عدم الملك للطفل إلا من جهة موت الأب. و بالجملة فإنه لا إشكال في إرادة المعنى الأعم، لأن المفهوم من الأخبار أن هذه العبارة وقعت في مقابلة البلوغ، و يؤيده التعبير في بعض أخبار التجارة بغير هذه العبارة من ما يحمل على المعنى الأعم.
الثالث [هل يزكى مال اليتيم و المجنون إذا اتجر به الولي؟]
- قد صرح الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) باستحباب الزكاة في مال
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة.
21
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثالث هل يزكى مال اليتيم و المجنون إذا اتجر به الولي ج 12 ص 21
اليتيم و المجنون إذا اتجر به الولي لهما، و ظاهر الشيخ المفيد في المقنعة الوجوب إلا أن الشيخ في التهذيب حمل كلامه على الاستحباب محتجا بأن المال لو كان لبالغ و اتجر به لما وجبت فيه الزكاة فالطفل أولى. و نقل عن ابن إدريس نفي الوجوب و الاستحباب، و إليه مال السيد السند في المدارك.
حجة القول المشهور على عدم الوجوب الأخبار الآتية في زكاة التجارة المؤيدة بالأصل، و على الاستحباب أخبار عديدة: منها-
حسنة محمد بن مسلم «1» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) هل على مال اليتيم زكاة؟ قال لا إلا أن يتجر به أو يعمل به».
و ما رواه في الكافي عن سعيد السمان «2» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) يقول ليس في مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به فإن اتجر به فالربح لليتيم و إن وضع فعلى الذي يتجر به».
و ما رواه في الموثق عن يونس بن يعقوب «3» قال: «أرسلت إلى أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) إن لي إخوة صغارا فمتى تجب على أموالهم الزكاة؟ فقال إذا وجبت عليهم الصلاة وجبت عليهم الزكاة. قلت فما لم تجب عليهم الصلاة؟ قال إذا اتجر به فزكه».
و ما رواه في التهذيب عن أحمد بن عمر بن أبي شعبة عن أبيه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» «أنه سئل عن مال اليتيم فقال لا زكاة عليه إلا أن يعمل به».
و ما رواه عن محمد بن الفضيل «5» قال: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن صبية صغار لهم مال بيد أبيهم أو أخيهم هل يجب على مالهم زكاة؟ فقال لا يجب في مالهم زكاة حتى يعمل به فإذا عمل به وجبت الزكاة فأما إذا كان موقوفا فلا زكاة عليه».
و يدل على ذلك بالنسبة إلى المجنون
ما رواه الكليني في الصحيح عن
______________________________
(1) الوسائل الباب 2 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 2 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 1 ممن تجب عليه الزكاة.
(4) الوسائل الباب 1 ممن تجب عليه الزكاة.
(5) الوسائل الباب 2 ممن تجب عليه الزكاة.
22
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثالث هل يزكى مال اليتيم و المجنون إذا اتجر به الولي ج 12 ص 21
عبد الرحمن بن الحجاج «1» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) امرأة من أهلنا مختلطة أ عليها زكاة؟ فقال إن كان عمل به فعليها زكاة و إن لم يعمل به فلا».
و عن موسى بن بكر «2» قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن امرأة مصابة و لها مال في يد أخيها فهل عليه زكاة؟ فقال إن كان أخوها يتجر به فعليه زكاة».
و أنت خبير بأن ظاهر هذه الأخبار هو الوجوب كما نقل عن الشيخ المفيد و لكن الشيخ و من تبعه من الأصحاب كما هو المشهور لما اتفقوا على الاستحباب في مال التجارة و هذه المسألة من أفراد تلك المسألة حكموا بالاستحباب هنا، و سيأتي في زكاة التجارة ما في المسألة من الإشكال.
و قال بعض المحققين من متأخري المتأخرين: و الظاهر أن للولي الأجرة في الصورة المذكورة إن لم يتبرع و له المضاربة أيضا و كل ذلك مع المصلحة. و لا إشكال في صحة ما ذكره (قدس سره).
و يدل عليه
رواية أبي الربيع «3» قال: «سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الرجل يكون في يده مال لأخ له يتيم و هو وصيه أ يصلح له أن يعمل به؟ قال نعم كما يعمل بمال غيره و الربح بينهما. قال قلت فهل عليه ضمان؟ قال لا إذا كان ناظرا له».
و نقل عن ابن إدريس أنه أنكر جواز أخذ الولي من الربح شيئا في هذه الصورة. و هو اجتهاد في مقابلة النص لكنه بناء على أصله الغير الأصيل صحيح.
و أما القول الآخر و هو ما ذهب إليه ابن إدريس من نفي الزكاة وجوبا و استحبابا فاحتج عليه بأن الروايات الواردة بالاستحباب ضعيفة شاذة أوردها الشيخ في كتبه إيرادا لا اعتقادا.
______________________________
(1) الوسائل الباب 3 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 3 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 2 ممن تجب عليه الزكاة.
23
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثالث هل يزكى مال اليتيم و المجنون إذا اتجر به الولي ج 12 ص 21
قال في المدارك: و هذا القول جيد على أصله بل لا يبعد المصير إليه لأن ما استدل به على الاستحباب غير نقي الإسناد بل و لا واضح الدلالة أيضا. انتهى.
و فيه نظر: أما ما طعن به من ضعف إسناد هذه الأخبار فمنها حسنة محمد بن مسلم و حسنها إنما هو بإبراهيم بن هاشم الذي اتفق أصحاب هذا الاصطلاح على قبول روايته و أنها لا تقصر عن الصحيح بل عدها في الصحيح جملة من محققي متأخري المتأخرين، و هو أيضا قد عدها في الصحيح في مواضع أشرنا إلى جملة منها في كتاب الطهارة و الصلاة، و منها موثقة يونس بن يعقوب التي ذكرها أيضا و قد تقدم في غير موضع من شرحه عمله بالموثقات المعتضدة بالشهرة بين الأصحاب، و منها أيضا زيادة على ما ذكره
صحيحة زرارة المروية في الفقيه عن أبي جعفر عليه السلام «1» قال «ليس في الجوهر و أشباهه زكاة و إن كثر و ليس في نقر الفضة زكاة و لا على مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به فإن اتجر به ففيه الزكاة، و الربح لليتيم و على التاجر ضمان المال».
و من ما يعضدها ما ورد في مال المجنون من الأخبار المتقدمة و رواية موسى بن بكر.
و أما ما طعن به من عدم وضوح الدلالة فهو محل العجب فإن وضوحها في الدلالة على ذلك أوضح من أن ينكر و صراحة مقالاتها في ما هنالك ظاهر لذوي النظر.
و بالجملة فإن رد هذه الأخبار التي ذكرناها من غير معارض في المقام يحتاج إلى مزيد جرأة على الملك العلام و أهل الذكر (عليهم السلام) و هذا أحد مفاسد هذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب من الصلاح، و لهذا إن الفاضل الخراساني مع اقتفائه أثر السيد المذكور في جل الأحكام و الانتصار لمقالاته في غير مقام نكص عنه هنا حيث قال بعد نقل جل هذه الأخبار ما صورته: و هذه الأخبار
______________________________
(1) الوسائل الباب 12 من ما تجب فيه الزكاة و 2 ممن تجب عليه الزكاة.
24
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثالث هل يزكى مال اليتيم و المجنون إذا اتجر به الولي ج 12 ص 21
واضحة الدلالة على المدعى مع كون أكثرها معتبرا صالحا للحجية و اعتضادها بالشهرة بين الطائفة و عدم خلاف محقق، فلا وجه لتوقف بعض المتأخرين في الحكم المذكور نظرا إلى أن ما استدل به على الاستحباب غير نقي السند و لا واضح الدلالة أيضا. انتهى و بالجملة فإن كلامه (قدس سره) هنا لا يخلو من مجازفة. نعم في المسألة إشكال يأتي ذكره في زكاة التجارة إن شاء اللّٰه تعالى.
الرابع [متى يجوز نقل مال الطفل إلى الذمة و متى لا يجوز؟]
- إنهم صرحوا بأنه يجوز للناظر متى كان وليا مليا أن ينقل المال إلى ذمته و يتجر به لنفسه فيكون الربح له و الزكاة عليه.
و يدل عليه
ما رواه الشيخ عن ربعي بن عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» «في رجل عنده مال ليتيم؟ فقال إن كان محتاجا و ليس له مال فلا يمس ماله و إن هو اتجر به فالربح لليتيم و هو ضامن».
و ما رواه عن أسباط بن سالم عن أبيه «2» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام قلت أخي أمرني أن أسألك عن مال يتيم في حجره يتجر به؟ فقال إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف أو أصابه شيء غرمه و إلا فلا يتعرض لمال اليتيم».
و استثنى الأصحاب من غير خلاف يعرف من الولي الذي يشترط في جواز تصرفه الملاءة أن لا يكون أبا أو جدا فجوزوا لهما الاقتراض من مال الطفل مطلقا و استشكله السيد في المدارك، و الظاهر أن ما ذكره الأصحاب هو الأقرب و لا سيما مع اشتراط الضمان لما استفاض في الأخبار أن الولد و ماله لأبيه «3».
و لو اختل أحد الشرطين المتقدمين من الولاية و الملاءة فقد ذكروا أنه يكون ضامنا و الربح لليتيم أو المجنون، و تدل عليه صحيحة ربعي المتقدمة.
______________________________
(1) الوسائل الباب 75 من ما يكتسب به.
(2) الوسائل الباب 75 من ما يكتسب به. و الراوي في الحديث أسباط بن سالم كما في الفروع ج 1 ص 365، و في التهذيب ج 6 ص 341 الطبع الحديث عن الكليني الراوي أسباط بن سالم عن أبيه كما هنا.
(3) الوسائل الباب 78 من ما يكتسب به.
25
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
لرابع متى يجوز نقل مال الطفل إلى الذمة و متى لا يجوز ج 12 ص 25
و مثلها
رواية منصور الصيقل عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «سألته عن مال اليتيم يعمل به؟ قال فقال إذا كان عندك مال و ضمنته فلك الربح و أنت ضامن للمال و إن كان لا مال لك و عملت به فالربح للغلام و أنت ضامن للمال».
و أنت خبير بأن ما اشتمل عليه الخبران من الضمان فلا إشكال فيه، لأن التصرف على هذا الوجه منهي عنه شرعا فيكون المتصرف غاصبا عاصيا و الغصب يستلزم الضمان، و إنما الإشكال في ما دلا عليه من أن الربح لليتيم مطلقا فإنه على إطلاقه مخالف لجملة من القواعد الشرعية و الضوابط المرعية، بل لا بد في صحة انتقاله لليتيم أن يقيد بكون الشراء وقع بعين المال لا في الذمة فإنه متى كان بعين المال اقتضى انتقال المبيع إلى الطفل و الربح يتبعه، و لا بد أيضا من تقييده بما إذا كان المشتري وليا أو بإجازة الولي كما صرح به الشهيد و غيره و إلا كان باطلا لأنه تصرف منهي عنه شرعا، بل لا يبعد كما ذكره السيد السند في المدارك توقف الشراء و إن كان من الولي أو بإجازته على الإجازة من الطفل بعد البلوغ، لأن الشراء لم يقع بقصد الطفل ابتداء و إنما أوقعه المتصرف لنفسه فلا ينصرف إلى الطفل بدون الإجازة، قال: و مع ذلك كله يمكن المناقشة في صحة مثل هذا العقد و إن قلنا بصحة العقد الواقع من الفضولي مع الإجازة لأنه لم يقع للطفل ابتداء من غير من إليه النظر في ماله و إنما وقع بقصد التصرف ابتداء على وجه منهي عنه. انتهى و ظاهر الخبرين المتقدمين كما ترى الحكم بانتقال الربح لليتيم مطلقا. و بالجملة فإن الخروج عن مقتضى هذه القواعد إلى العمل بإطلاق الخبرين مشكل و مخالفته أشكل.
الخامس [توجيه الرواية الدالة على عدم وجوب الزكاة في مال الطفل]
- إنه قد اختلف الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في استحباب الزكاة في الصورة المتقدمة، فذهب المحقق و العلامة إلى نفيه، و احتج عليه في النهاية بأنه تجارة باطلة،
و بما رواه سماعة في الموثق عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال:
«قلت له الرجل يكون عنده مال اليتيم فيتجر به أ يضمنه؟ قال نعم. قلت فعليه زكاة؟
______________________________
(1) الوسائل الباب 2 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 2 ممن تجب عليه الزكاة.
26
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الخامس توجيه الرواية الدالة على عدم وجوب الزكاة في مال الطفل ج 12 ص 26
قال: لا لعمري لا أجمع عليه خصلتين الضمان و الزكاة».
و أثبته الشيخ و الشهيدان و المحقق الشيخ علي لعموم الأدلة السابقة.
قال بعض فضلاء متأخري المتأخرين: و يمكن الجمع بين هذه الرواية و العمومات السابقة إما بتخصيص الأخبار السابقة بصورة يكون الاتجار لليتيم و تخصيص هذه بغيرها و إما بحمل هذه الرواية على نفي الوجوب أو الاستحباب المؤكد. انتهى.
أقول: الظاهر هو الأول و الحمل الثاني بعيد غاية البعد، و ذلك فإن صحيحة ربعي المتقدمة و مثلها رواية منصور الصيقل قد دلتا على أن الربح لليتيم و من الظاهر أن الربح تابع للأصل، و متى كان أصل المبيع لليتيم و ربحه له فلا وجه لجعل الزكاة على المتصرف في مال اليتيم، هذا إن عملنا على إطلاق الخبرين المذكورين، و إن خصصناهما كما تقدم يرجع الكلام إلى صورة ما إذا اشترى في الذمة حيث إن المبيع ينتقل له و الربح له و إن كان تصرفه في الثمن محرما، و في دخول هذه الصورة تحت تلك العمومات نظر لأن ظاهر قولهم (عليهم السلام) «ليس في مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به» لا يصدق على هذه الفروض التي اشتراها في الذمة فإنها ليست مال اليتيم و إنما هي مال المشتري. و بالجملة فإن الاتجار بمال اليتيم إنما يصدق في ما إذا اشترى لليتيم بعين ماله أو شرى في الذمة نيابة و ولاية عنه و دفع الثمن من ماله و ما عدا ذلك فلا يدخل تحت عمومات تلك الأخبار إلا على وجه المجاز البعيد.
السادس [هل تجب الزكاة على المجنون الأدواري حال الإفاقة؟]
- ما تقدم من الحكم بسقوط الزكاة عن المجنون من ما لا إشكال فيه لو كان الجنون مطبقا أما لو اعتراه أدوارا فهل يكون حكمه كذلك أو يتعلق به الوجوب في حال الإفاقة؟ صرح العلامة في التذكرة و النهاية بالأول، قال في التذكرة: لو كان الجنون يعتوره أدوارا اشترط الكمال طول الحول فلو جن في أثنائه سقط و استأنف من حين عوده. و استقرب في المدارك تعلق الوجوب به في حال الإفاقة، قال إذ لا مانع من توجه الخطاب إليه في تلك الحال. و المسألة
27
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
السادس هل تجب الزكاة على المجنون الأدواري حال الإفاقة ج 12 ص 27
محل إشكال و إن كان الأقرب ما ذكره العلامة (قدس سره) لما قدمناه قريبا من أن المستفاد من أدلة الحول الدالة على أنه يشترط أن يحول عليه الحول عند ربه و في يد مالكه- كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى في موضعها- هو إمكان التصرف مدة الحول و في أي وقت شاء، و هذا لا يجري في ذي الأدوار لأنه في حال الجنون يخرج عن مصداق هذه الأخبار كما لا يخفى على الناظر بعين التفكر و الاعتبار.
الشرط الثالث- الحرية
و لا خلاف بين الأصحاب في ذلك مع القول بعدم ملكه، بل الظاهر أنه لا وجه لهذا الشرط على هذا التقدير لأن اشتراط الملك يقوم مقامه، إنما الخلاف على تقدير ملكه كما هو الأصح و عليه دلت جملة من الأخبار و به صرح جملة من الأصحاب من ملكه أرش الجناية و فاضل الضريبة و ما وهبه سيده، و المشهور عدم الوجوب و قيل بالوجوب و نقل عن المعتبر و المنتهى و المعتمد الأول
لصحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال:
«ليس في مال المملوك شيء و لو كان له ألف ألف و لو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا».
و صحيحته الأخرى عنه عليه السلام «2» قال: «سأله رجل و أنا حاضر عن مال المملوك أ عليه زكاة؟ فقال لا و لو كان له ألف ألف درهم، و لو احتاج لم يكن له من الزكاة شيء».
و موثقة إسحاق بن عمار «3» قال «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقل أو أكثر. إلى أن قال قلت: فعلى العبد أن يزكيها إذا حال عليه الحول؟ قال لا إلا أن يعمل له فيها، و لا يعطي العبد من الزكاة شيئا».
قيل: إن عدم الزكاة عليه في هذه الأخبار إنما هو من حيث حجر المولى عليه فلو صرفه و أذن له و أزال عنه الحجر وجب عليه، و هو غير بعيد
لما رواه في كتاب قرب الإسناد عن عبد اللّٰه بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام «4» قال: «ليس على المملوك زكاة إلا بإذن مواليه».
______________________________
(1) الوسائل الباب 4 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 4 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 4 ممن تجب عليه الزكاة.
(4) الوسائل الباب 4 ممن تجب عليه الزكاة.
28
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الشرط الثالث الحرية ج 12 ص 28
و حمل في الوسائل هذه الرواية على الاستحباب، و الظاهر أن الموجب لهذا الحمل إنما هو عدم وجود القائل بمضمونها مع أنك قد عرفت القول بوجوب الزكاة على العبد مطلقا، و هو جيد لو لا ورود هذه الأخبار التي ذكرناها عملا بعموم الأخبار الدالة على وجوب الزكاة على من ملك النصاب «1» و حينئذ فيمكن تخصيص هذه الأخبار الدالة على عدم وجوب الزكاة على العبد في ما يملكه بهذه الرواية فإن ظاهرها الوجوب مع إذن السيد، و كيف كان فلا ريب أنه الأحوط.
ثم لا يخفى أن ظاهر الأخبار المذكورة هو سقوط الزكاة عن المملوك مطلقا مكاتبا كان أو غير مكاتب، نعم يخرج منه المكاتب المطلق إذا تحرر منه شيء و بلغ نصيب جزئه الحر نصابا لدخوله تحت العمومات الدالة على من ملك النصاب مع شرط الحرية، و لو لا الاتفاق على الحكم المذكور لأمكن المناقشة في دخوله تحت العمومات المذكورة، فإن تلك العمومات إنما ينصرف إطلاقها إلى الأفراد الشائعة المتكثرة و هي من كان رقا بتمامه لا من تبعض بأن صار بعضه رقا و بعضه حرا فإنه من الفروض النادرة.
و جملة من الأصحاب إنما استدلوا على سقوط الزكاة عن المكاتب
برواية وهب بن وهب القرشي عن جعفر عن آبائه عن علي (عليهم السلام) «2» قال:
«ليس في مال المكاتب زكاة».
ورد بضعف السند. و الأظهر الاستدلال بما ذكرنا من الأخبار في المقام.
قال في المدارك: و أما السقوط عن المكاتب المشروط و المطلق الذي لم يؤد شيئا فهو المعروف من مذهب الأصحاب، و استدل عليه في المعتبر بأنه ممنوع من التصرف فيه إلا بالاكتساب فلا يكون ملكه تاما، و بما رواه الكليني عن أبي البختري. ثم أورد الرواية المتقدمة ثم قال: و في الدليل الأول نظر و في سند
______________________________
(1) يستفاد ذلك من أخبار الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة من الوسائل.
(2) الوسائل الباب 4 ممن تجب عليه الزكاة.
29
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الشرط الثالث الحرية ج 12 ص 28
الرواية ضعف، مع أن مقتضى ما نقلناه عن المعتبر و المنتهى من وجوب الزكاة على المملوك إن قلنا بملكه الوجوب على المكاتب بل هو أولى بالوجوب. انتهى.
أقول: ظاهر كلامه أنه باعتبار بطلان الاستدلال المذكور لما ذكره من النظر في الدليلين المذكورين فإنه يقوي القول بالوجوب لعدم الدليل على السقوط و أيد ذلك بما ذهب إليه في المعتبر و المنتهى من الوجوب على المملوك مطلقا فالكاتب أولى.
و فيه (أولا) أن ما نقله عن الكتابين المذكورين في سابق هذه المقالة قد رده بالأخبار المتقدمة فكيف يعتضد به هنا؟
و (ثانيا)- أن الأخبار المتقدمة قد دلت على أنه ليس في مال المملوك شيء و هو أعمّ من المكاتب و غيره، و هي صحيحة صريحة شاملة بعمومها لما نحن فيه فهي الدليل على السقوط عن المكاتب، نعم يخرج منه من تحرر بعضه بما يوجب بلوغ نصيب الحرية نصابا لما ذكره من الأدلة المشار إليها و يبقى الباقي.
و (ثالثا)- أنه كيف يكون المكاتب أولى بالوجوب و أصل القول لا دليل عليه بل الدليل كما عرفت قائم على خلافه فأي معنى لهذه الأولوية. نعم لو كان مجرد كلام المعتبر و المنتهى حجة شرعية أو ناشئا عن دليل اتجه القول بالأولويّة و إن كانت الأحكام الشرعية عندنا لا تبنى على مجرد الأولوية بل على الأدلة الواضحة الجليلة و بالجملة فإن كلامه هنا جار على ما تقدم في غير موضع من الاستعجال و عدم التأمل و التحقيق في ذلك المجال. و اللّٰه العالم.
الشرط الرابع- الملك للنصاب
و عليه اتفاق العلماء كما نقله في المعتبر، و لأن الأخبار الدالة على وجوب الزكاة مصرحة بالملك إذ لا يخاطب بزكاة ما لا يملكه.
و قد فرعوا على هذا الشرط فروعا: منها- ما لو وهب له نصاب لم يجر في الحول إلا بعد القبض، و هو مبني على أن القبض شرط في صحة الهبة كما هو أحد القولين لا في اللزوم كما هو القول الآخر، فعلى القول الثاني لا يعتبر حصول القبض في
30
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الشرط الرابع الملك للنصاب ج 12 ص 30
جريان الموهوب في الحول بل المعتبر من حين الهبة التي بها حصل الملك، نعم يخرج هذا بقيد التمكن من التصرف كما سيأتي.
و منها- ما لو استقرض مالا و كانت عينه باقية عند المقترض فإنه يجري في الحول من حين القبض الذي حصل به الملك على المشهور، و أما على مذهب الشيخ من أن القرض لا يملك إلا بالتصرف فلا يجب فيه شيء و إن بقي أحوالا، و الأخبار صريحة في وجوب الزكاة في مال القرض على المقترض إذا بقي بعينه بعد القرض كما هو المشهور من ملكه بمجرد القبض إلا أن يتبرع المقرض بأداء الزكاة عنه كما دلت عليه
صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» «في رجل استقرض مالا فحال عليه الحول و هو عنده؟ فقال إن كان الذي أقرضه يؤدي زكاته فلا زكاة عليه و إن كان لا يؤدي أدى المستقرض».
و اعتبر الشهيد في الإجزاء إذن المستقرض و إطلاق الرواية يدفعه.
و منها- المبيع ذو الخيار خيار حيوان أو خيار شرط للبائع أو المشتري، فإن المشهور أن المبيع ينتقل إلى المشتري من حين البيع، و حينئذ فيجري في الحول من ذلك الوقت، و مذهب الشيخ أنه لا ينتقل إلا بعد مضي الخيار و الحيوان لا ينتقل إلا بعد مضي الثلاثة و ذو الشرط حتى ينقضي الشرط، و على ذلك فلا يدخل في الحول إلا بعد انقضاء الشرط. و قال إن الخيار إذا اختص بالمشتري ينتقل المبيع من ملك البائع بالعقد و لا يدخل في ملك المشتري، و مقتضى ذلك سقوط الزكاة عن البائع و المشتري جميعا. و سيجيء تحقيق هذه المسألة إن شاء اللّٰه تعالى في محلها.
الشرط الخامس- التمكن من التصرف
و هو أيضا من ما لا خلاف فيه في ما أعلم، فلا تجب الزكاة في المفقود و لا الغائب الذي ليس في يد وكيله و نحو ذلك.
و من ما يدل على ذلك
ما رواه في الكافي عن سدير الصيرفي «2» قال: «قلت
______________________________
(1) الوسائل الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 5 ممن تجب عليه الزكاة.
31
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الشرط الخامس التمكن من التصرف ج 12 ص 31
لأبي جعفر عليه السلام ما تقول في رجل كان له مال فانطلق به فدفنه في موضع فلما حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه فاحتفر الموضع الذي ظن أن المال فيه مدفون فلم يصبه فمكث بعد ذلك ثلاث سنين ثم إنه احتفر الموضع من جوانبه كله فوقع على المال بعينه كيف يزكيه؟ قال يزكيه لسنة واحدة لأنه كان غائبا عنه و إن كان احتبسه».
و موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» «رجل مات أبوه و هو غائب فعزل ميراثه هل عليه زكاة؟ قال لا حتى يقدم. قلنا يزكيه حين يقدم؟ قال لا حتى يحول عليه الحول و هو عنده».
و موثقة زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» «أنه قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه؟ قال فلا زكاة عليه حتى يخرج فإذا خرج زكاه لعام واحد، و إن كان يدعه متعمدا و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مر به من السنين».
و في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «لا صدقة على الدين و لا على المال الغائب عنك حتى يقع في يدك».
و يدل على ذلك أيضا الأخبار الدالة على أن كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شيء عليه «4» و ستأتي في محلها إن شاء اللّٰه تعالى.
و لا يخفى أنه و إن كان كل واحد من هذه الأخبار أخص من المدعى إلا أنه بضم بعضها إلى بعض من ما ذكرناه و من ما لم نذكره ينتج منها الحكم المذكور، فإن أكثر القواعد الشرعية إنما تحصل من ضم الجزئيات بعضها إلى بعض مثل القواعد النحوية الحاصلة من تتبع الجزئيات.
______________________________
(1) لم نقف على رواية لإسحاق بهذا اللفظ عن أبي عبد اللّٰه (ع) نعم له موثقتان بهذا المضمون عن أبي إبراهيم (ع) راجع الوسائل الباب 5 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 5 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 5 ممن تجب عليه الزكاة.
(4) الوسائل الباب 8 من زكاة الأنعام.
32
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الشرط الخامس التمكن من التصرف ج 12 ص 31
بقي الكلام في أن الأمر في بعض هذه الأخبار بزكاة المال لسنة واحدة هل هو على الاستحباب أو الوجوب؟ المشهور الأول بناء على اشتراط إمكان التصرف في الوجوب طول الحول كما تضمنته موثقة إسحاق المتقدمة و روايات الحول، و ظاهر بعض فضلاء متأخري المتأخرين الوجوب و حمل مطلق الأخبار على مقيدها. و لا ريب أنه الأحوط.
مسائل
الأولى [هل تجب الزكاة في الدين الذي يقدر صاحبه على أخذه؟]
- اختلف الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في الدين الذي يقدر صاحبه على أخذه متى شاء لو لم يأخذه هل تجب عليه فيه الزكاة بعد الحول أم لا؟ قولان اختار أولهما الشيخ في النهاية و الجمل و الخلاف و المبسوط و الشيخ المفيد و السيد المرتضى، و ثانيهما ابن أبي عقيل و ابن الجنيد و ابن إدريس، و هو المشهور بين المتأخرين و متأخريهم.
و منشأ الاختلاف اختلاف ظواهر الأخبار،
ففي الموثق عن الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1»: قال: «قلت له ليس في الدين زكاة؟ قال لا».
و في موثقة إسحاق بن عمار «2» قال: «قلت لأبي إبراهيم عليه السلام الدين عليه زكاة؟ فقال لا حتى يقبضه. قلت فإذا قبضه أ يزكيه؟ قال لا حتى يحول عليه الحول في يده».
و موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «سألته عن رجل يكون نصف ماله عينا و نصفه دينا فتحل عليه الزكاة؟ قال يزكي العين و يدع الدين».
و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة قريبا «4» و تؤيده الأخبار الدالة على أن كل ما لا يحول عليه الحول عند ربه فلا شيء عليه «5» هذا ما يدل على المشهور.
و أما ما يدل على القول الآخر
فموثقة زرارة المتقدمة «6» و قوله فيها:
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة.
(4) ص 32.
(5) الوسائل الباب 8 من زكاة الأنعام.
(6) ص 32.
33
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الأولى هل تجب الزكاة في الدين الذي يقدر صاحبه على أخذه ج 12 ص 33
«و إن كان يدعه متعمدا و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مر به من السنين».
و ما رواه في الكافي عن عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «ليس في الدين زكاة إلا أن يكون صاحب الدين هو الذي يؤخره، فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتى يقبضه».
و ما رواه في التهذيب عن عبد العزيز «2» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يكون له الدين أ يزكيه؟ قال كل دين يدعه هو إذا أراد أخذه فعليه زكاته، و ما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة».
و من قال بالقول المشهور حمل هذه الأخبار على الاستحباب جمعا بين الأخبار، و من قال بالقول الآخر حمل مطلق الأخبار على مقيدها، و هو الأظهر فإن الجمع بين الأخبار بالحمل على الاستحباب و إن اشتهر بين الأصحاب حتى صار هو المعول عليه في جميع الأبواب إلا أنه لا دليل عليه من سنة و لا كتاب، مع ما في منافرة التفصيل الذي في الروايتين الأخيرتين لذلك. و أما أخبار الحول فهي غير منافية لأن المراد بالعندية فيها الكناية عن إمكان التصرف سواء كان في يده أو يد وكيله أو نحو ذلك اتفاقا، و لا يخفى أنه هو الأوفق بالاحتياط أيضا.
و الظاهر أنه لا خلاف في عدم الوجوب في الدين الذي لا يقدر صاحبه على أخذه، و يدل عليه مضافا إلى روايتي عمر بن يزيد و عبد العزيز المتقدمتين
صحيحة إبراهيم بن أبي محمود «3» قال: «قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام الرجل يكون له الوديعة و الدين فلا يصل إليهما ثم يأخذهما متى تجب عليه الزكاة؟ قال إذا أخذهما ثم يحول عليه الحول يزكي».
و أما
ما رواه في الكافي عن عبد الحميد بن سعد «4»- قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل باع بيعا إلى ثلاث سنين من رجل ملي بحقه و ماله في ثقة يزكي ذلك المال في كل سنة تمر به أو يزكيه إذا أخذه؟ قال لا بل يزكيه إذا أخذه. قلت لكم
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة.
(4) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة.
34
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الأولى هل تجب الزكاة في الدين الذي يقدر صاحبه على أخذه ج 12 ص 33
يزكيه إذا أخذه؟ قال لثلاث سنين».
- فحمله جملة من الأصحاب على الاستحباب و الأظهر حمله على ما إذا كان تأخير القبض من صاحب المال أو حمله على مال التجارة و عدم الوضيعة عن رأس المال.
و كذا
ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة «1» قال: «سألته عن الرجل يكون له الدين على الناس تجب فيه الزكاة؟ قال ليس عليه فيه زكاة حتى يقبضه فإذا قبضه فعليه الزكاة، و إن هو طال حبسه على الناس حتى يمر لذلك سنون فليس عليه زكاة حتى يخرج فإذا خرج زكاه لعامه ذلك، و إن كان يأخذ منه قليلا قليلا فليزك ما خرج منه أولا فأولا، و إن كان متاعه و دينه و ماله في تجارته التي يتقلب فيها يوما بيوم يأخذ و يعطي و يبيع و يشتري فهو شبه العين في يده فعليه الزكاة، و لا ينبغي له أن يغير ذلك إذا كان حال متاعه و ماله على ما وصفت لك فيؤخر الزكاة».
و حملت على الاستحباب أيضا، و الظاهر هو الحمل على الوجوب لكن بتقدير حول الحول عليه بعينه. و أما آخر الخبر فالظاهر أن المراد به زكاة التجارة و إن كان معناه لا يخلو من نوع غموض.
تتمة تتضمن الكلام على كلام بعض الأعلام
قال السيد في المدارك بعد اختياره القول المشهور بين المتأخرين: لنا التمسك بمقتضى الأصل و الروايات المتضمنة لسقوط الزكاة في مال القرض عن المقرض «2» فإنه من أنواع الدين. ثم استدل بصحيحة عبد اللّٰه بن سنان و موثقة إسحاق بن عمار و موثقة الحلبي، ثم نقل احتجاج الشيخ برواية درست و عبد العزيز «3» و أجاب عنهما بضعف السند، ثم نقل عن العلامة في المختلف حملهما على الاستحباب مع كلام له تأتي الإشارة إليه.
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) ص 34 و رواية درست هي رواية عمر بن يزيد إلا أن الشيخ في التهذيب ج 1 ص 357 لم يذكر عمر بن يزيد.
35
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
تتمة تتضمن الكلام على كلام بعض الأعلام ج 12 ص 35
أقول: فيه (أولا) أن ما اعتمده من الأصل فإنه يجب الخروج عنه بالدليل و قد عرفته و ستعرف ما يؤكده.
و (ثانيا) أن ما استند إليه من روايات القرض مردود بأن الروايات المذكورة قد دل أكثرها على تعليل وجوب الزكاة على المقترض بأنه صار ماله بالقرض و هو ملكه فنسبة المقرض إليه نسبة الأجنبي و ما أجمل منها فهو محمول على ذلك، فلا دلالة فيها على ما ادعاه إذ المفهوم منها أن محل السؤال فيها إنما هو عن تلك العين التي اقترضها المقترض و محل البحث إنما هو في الدين المستقر في ذمة المستدين مع حلوله عليه و بذله، و لا ريب أن إحدى المسألتين غير الأخرى كما لا يخفى على من راجع روايات القرض الآتية في تلك المسألة، و منها صحيحة زرارة أو حسنته و صحيحة منصور بن حازم الآتيتان «1» و هو إنما استند إلى روايات القرض من حيث كونه من أنواع الدين و الروايات المذكورة لم تتضمن سقوط الزكاة من هذه الحيثية و إنما تضمنت السقوط عن تلك العين المخصوصة من حيث إنها ليست ملكا للمقرض فلا تعلق له بروايات القرض في هذا المقام.
و (ثالثا) ما أجاب به عن حجة الشيخ بالطعن في السند فإنه لا يقوم حجة على الشيخ و أمثاله من المتقدمين الذين لا أثر لهذا الاصطلاح عندهم بل يحكمون بصحة جميع الأخبار، على أن الدليل غير منحصر في هاتين الروايتين:
فقد روى الكليني في الكافي في الصحيح عن أبي الصباح الكناني عن الصادق عليه السلام «2» «في الرجل ينسئ أو يعين فلا يزال ماله دينا كيف يصنع في زكاته؟
فقال يزكيه و لا يزكي ما عليه من الدين إنما الزكاة على صاحب المال».
و موثقة زرارة المتقدمة.
و قال عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي «3»: و إن غاب مالك عنك فليس عليك
______________________________
(1) ص 39 و 40.
(2) الوسائل الباب 9 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) مستدرك الوسائل الباب 5 و 6 ممن تجب عليه الزكاة.
36
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
تتمة تتضمن الكلام على كلام بعض الأعلام ج 12 ص 35
الزكاة إلا أن يرجع إليك و يحول عليه الحول و هو في يدك، إلا أن يكون مالك على رجل متى ما أردت أخذت منه فعليك زكاته.
و لا يخفى أن اعتماده في الاستدلال لما ذهب إليه إنما هو على إطلاق صحيحة عبد اللّٰه بن سنان، حيث إن الموثق عنده من قسم الضعيف و إن أغمض النظر عنه في وقت الاحتياج إليه كما هنا، و إن ما عارض ذلك من روايتي درست و عبد العزيز في حكم العدم عنده لضعفهما، و حينئذ فمع وجود صحيحة الكناني المذكورة و موثقة زرارة يضعف ما صار إليه لمعارضة صحيحة عبد اللّٰه بن سنان بصحيحة الكناني و موثقتي إسحاق بن عمار و الحلبي بموثقة زرارة مع بقية الأخبار المذكورة، و الجمع بين الجميع بتقييد إطلاق تلك الأخبار التي اعتمدها بهذه الأخبار التي ذكرناها مقتضى القاعدة المطردة في كلامهم من حمل المطلق على المقيد و العام على الخاص و المجمل على المبين، على أن الحمل على الاستحباب و إن اشتهر بين الأصحاب في جميع الأبواب إلا أنه لا دليل عليه من سنة و لا كتاب و أن النظر بعين الإنصاف و الاعتبار يقتضي ضعفه و أنه ناقص العيار، و ذلك فإن الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل الواضح كغيره من الوجوب و التحريم و نحوهما و اختلاف الأخبار ليس دليلا على ذلك. و أيضا فإن الحمل على الاستحباب مجاز لا يصار إليه إلا مع القرينة و اختلاف الأخبار ليس من قرائن المجاز.
و (رابعا) أن قول العلامة في المختلف في ما نقله السيد عنه و استجوده- من أنه يلزم من تقييد الإطلاق في رواية الحلبي تأخير البيان عن وقت الحاجة- ممنوع و إنما اللازم تأخير البيان عن وقت الخطاب و إلا لزم ذلك في جميع الأخبار المطلقة بالنسبة إلى الأخبار المقيدة فلا يمكن تقييدها بها و هم لا يلتزمونه، و وقت الحاجة هنا غير معلوم و لا مدلول عليه بصريح و لا إشارة.
نعم ذكر بعض الأصحاب ممن اختار القول بعدم الوجوب أن جمهور العامة على القول بالوجوب في الدين فإن ثبت فلا يبعد حمل هذه الأخبار على التقية. إلا
37
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
تتمة تتضمن الكلام على كلام بعض الأعلام ج 12 ص 35
أن فيه أيضا أن الأخبار المذكورة دلت على التفصيل في الدين بين ما يمكن أخذه و ما لا يمكن أخذه و الخلاف المنقول عن العامة كما نقله العلامة في المنتهى في الدين مطلقا، فبعض قال فيه بالوجوب مطلقا و نقله عن الثور و أبي ثور و أصحاب الرأي و جابر و طاوس و النخعي و الحسن و الزهري و قتادة و حماد و الشافعي و أحمد، و بعض قال بعدم الوجوب مطلقا و نقله عن عكرمة و عائشة و ابن عمر و الشافعي في القديم. و أما القول بالتفصيل كما دلت عليه الأخبار فلم ينقل عن أحد منهم «1» و بذلك يظهر ضعف الحمل على التقية كما ذكره البعض المشار إليه.
و بالجملة فالظاهر هو قوة القول بالوجوب للأخبار المذكورة و يجب حمل مطلقها على مقيدها. و اللّٰه العالم.
الثانية [عدم وجوب الزكاة في الوقف]
- الظاهر أنه لا خلاف في عدم الزكاة في الوقف، لأنها مشروطة كما تقدم بالملك و الوقف غير مملوك للموقوف عليه على أحد القولين أو مملوك له و لكنه غير مستقل بالملك لأنه حق البطون بعده، و لأنه ممنوع من التصرف فيه إلا بالاستنماء.
نعم تجب الزكاة في نمائه إذا كان الوقف على شخص معين أو أشخاص مع بلوغ
______________________________
(1) في المغني ج 3 ص 46: إذا كان له دين على معترف به باذل له فعلى صاحبه زكاته إلا أنه لا يلزمه إخراجها حتى يقبضه فيؤدي لما مضى، روى ذلك عن علي (ع) و به قال للثوري و أبو ثور و أصحاب الرأي، و قال عثمان و ابن عمر و جابر و طاوس و النخعي و جابر بن زيد و الحسن و ميمون بن مهران و الزهري و قتادة و حماد بن أبي سليمان و الشافعي و إسحاق و أبو عبيد: عليه إخراج الزكاة في الحال و إن لم يقبضه لأنه قادر على أخذه و التصرف فيه فلزمه إخراج زكاته كالوديعة، و قال عكرمة ليس في الدين زكاة و روى ذلك عن عائشة و ابن عمر، و قال سعيد بن المسيب و عطاء بن أبي رباح و عطاء الخراساني و أبو الزناد: يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة. و أما الدين على معسر أو مماطل أو جاحد ففيه روايتان: إحداهما- لا تجب قال به قتادة و إسحاق و أبو ثور و أهل العراق، و الثانية- يزكيه إذا قبضه قال به الثوري و أبو عبيد، و للشافعي قولان كالروايتين، و عن عمر بن عبد العزيز و الحسن و الليث و الأوزاعي و مالك يزكيه إذا قبضه لعام واحد.
38
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثانية عدم وجوب الزكاة في الوقف ج 12 ص 38
حصة كل منهم على تقدير التعدد النصاب، أما لو كان الوقف على جهة عامة كالوقف على المساجد و نحوها فهو في الحقيقة وقف على سائر المسلمين كما صرحوا به و لا زكاة فيه كما لا زكاة في بيت المال من غير خلاف و لا إشكال لأن خطابات الزكاة لا عموم فيها بحيث تتعلق بمثل ذلك.
الثالثة [عدم اشتراط التمكن من الأداء في وجوب الزكاة]
- قد صرحوا من غير خلاف يعرف أنه لا يشترط في وجوب الزكاة التمكن من الأداء بل تجب عليه و إن لم يتمكن من إيصالها إلى مستحقها، و يدل عليه ظواهر جملة من الأخبار مثل
قولهم (عليهم السلام) «1» «أيما رجل عنده مال و حال عليه الحول فإنه يزكيه».
نعم يشترط ذلك في الضمان، و الظاهر أنه متفق عليه أيضا، و يدل عليه ظواهر جملة من الأخبار الدالة على أن من وجد لها موضعا فلم يدفعها فضاعت فإن عليه الضمان و من لم يجد فليس عليه ضمان «2» و سيأتي تحقيق ذلك إن شاء اللّٰه تعالى في موضعه اللائق به.
الرابعة [زكاة القرض على المقترض إلا مع شرط الخلاف]
- قد تقدم أن الأشهر الأظهر هو أن مال القرض تجب زكاته على المقترض إذا حال الحول عليه عنده.
و يدل عليه جملة من الأخبار: منها-
صحيحة زرارة أو حسنته على المشهور بإبراهيم بن هاشم «3» قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام رجل دفع إلى رجل مالا قرضا على من زكاته على المقرض أو على المقترض؟ قال لا بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولا على المقترض. قال قلت فليس على المقرض زكاتها؟ قال لا يزكى المال من وجهين في عام واحد، و ليس على الدافع شيء لأنه ليس في يده شيء إنما المال في يد الآخر فمن كان المال في يده زكاه. قال قلت أ فيزكي مال غيره من ماله؟ قال إنه ماله ما دام في يده و ليس ذلك المال لأحد غيره. ثم قال يا زرارة أ رأيت وضيعة ذلك
______________________________
(1) الوسائل الباب 10 ممن تجب عليه الزكاة و 12 من زكاة الذهب و الفضة.
(2) الوسائل الباب 29 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة، و اللفظ مطابق لما في التهذيب ج 1 ص 357 عن الكليني.
39
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الرابعة زكاة القرض على المقترض إلا مع شرط الخلاف ج 12 ص 39
المال أو ربحه لمن هو و على من هو؟ قلت للمقترض. قال فله الفضل و عليه النقصان و له أن ينكح و يلبس منه و يأكل منه، و لا ينبغي له أن لا يزكيه بل يزكيه فإنه عليه جميعا».
و بمضمونها أخبار عديدة.
و به يظهر ضعف قول الشيخ المتقدم ذكره من أنه لا يدخل في ملك المقترض إلا بالتصرف في عينه و أنه لا زكاة عليه حينئذ. نعم لو تبرع المقرض بالزكاة عنه أجزأ كما سيأتي في صحيحة منصور بن حازم.
بقي الكلام هنا في أنه لو اشترط المقترض زكاته على المقرض فهل تسقط عن المقترض و تجب على المقرض أم لا؟ المشهور الثاني و نقل عن الشيخ الأول.
قال العلامة في المختلف: و لا زكاة على المقرض مطلقا أما المستقرض فإن ترك المال بعينه حولا وجبت عليه الزكاة و إلا فلا، و هو اختيار ابن أبي عقيل و الشيخ في النهاية في باب لزكاة و الخلاف و المفيد في المقنعة و الشيخ علي بن بابويه في الرسالة و ابن إدريس. و قال الشيخ في باب القرض من النهاية إن شرط المقترض الزكاة على القارض وجبت عليه دون المستقرض. لنا- أنه ملك المقترض فالزكاة عليه و الشرط غير لازم لأنه اشتراط للعبادة على غير من وجبت عليه و إنه باطل كما لو شرط غير الزكاة من العبادات،
و ما رواه يعقوب بن شعيب في الصحيح «1» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يقرض المال للرجل السنة و السنتين و الثلاث لو ما شاء اللّٰه على من الزكاة على المقرض أو على المستقرض؟ فقال على المستقرض لأن له نفعه و عليه زكاته».
ثم ساق جملة من الأخبار الدالة على ذلك و منها حسنة زرارة المتقدمة، ثم قال احتجوا
بما رواه منصور بن حازم في الصحيح عن الصادق عليه السلام «2» «في رجل استقرض مالا فحال عليه الحول و هو عنده؟ فقال إن كان الذي أقرضه يؤدي زكاته فلا زكاة عليه و إن كان لا يؤدي أدى المستقرض».
و الجواب أنا نقول بموجبه فإن المقرض لو تبرع بالأداء سقط عن المقترض أما الوجوب مع الشرط فممنوع
______________________________
(1) الوسائل الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة.
40
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الرابعة زكاة القرض على المقترض إلا مع شرط الخلاف ج 12 ص 39
و ليس في الحديث ما يدل عليه، قال الشيخ علي بن الحسين بن بابويه: إن بعت شيئا و قبضت ثمنه و اشترطت على المشتري زكاة سنة أو سنتين أو أكثر فإن ذلك يلزمه دونك. و في لزوم هذا الشرط نظر. انتهى كلامه زيد مقامه. و نسج على منواله في هذا الكلام جملة من تأخر عنه من الأعلام من المتأخرين و متأخريهم.
و عندي فيه نظر (أما أولا) فإن ما نقله عن أولئك الأجلاء في صدر عبارته الظاهر أنه لا دلالة فيه على المدعى، لأن غاية كلامهم وجوب الزكاة على المقترض و لم يتعرضوا لحكم الشرط نفيا و لا إثباتا، و هو من ما لا نزاع فيه و لا إشكال يعتريه.
و الذي يحضرني من كلامهم هنا عبارة الشيخ المفيد في المقنعة حيث قال: و لا زكاة على المقرض في ما أقرضه إلا أن يشاء التطوع بزكاته، و على المستقرض زكاته ما دام في يده و لم يستهلكه لأن له نفعه. و عبارة الشيخ في النهاية حيث قال: و مال القرض ليس فيه زكاة على صاحبه بل تجب على المستقرض الزكاة إن تركه بحاله حتى يحول عليه الحول. و الظاهر أن باقي كلام من نقل عنه من هذا القبيل، و مثل ذلك الأخبار التي نقلها فإن غايتها إطلاق الزكاة على المقترض و لا تعرض فيها لحكم الشرط نفيا و لا إثباتا.
و (أما ثانيا) فإن ما ادعاه- من أن الشرط غير لازم لأنه اشتراط للعبادة على غير من وجبت عليه و إنه باطل- مردود (أولا) بأن تعلقها بالمقترض مشروط عندهم بعدم تبرع المقرض بها كما صرح به فلو تبرع بها سقطت عن المقترض، فلا يتم ما ذكره كليا من أن اشتراطها من قبيل اشتراط العبادة على غير من وجبت عليه، إذ مقتضاه تعين الوجوب على المقترض خاصة و عدم السقوط عنه بفعل الغير تبرعا كان أو اشتراطا. و أيضا فإن الزكاة و إن كانت من قبيل العبادة من وجه إلا أنها من قبيل الدين من وجه آخر.
و ثانيا- و هو العمدة في الاستدلال الأخبار الدالة على صحة شرط زكاة ثمن المبيع على المشتري «1» كما نقله في آخر كلامه عن الشيخ علي بن الحسين بن بابويه و إن
______________________________
(1) الوسائل الباب 18 من زكاة الذهب و الفضة.
41
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الرابعة زكاة القرض على المقترض إلا مع شرط الخلاف ج 12 ص 39
تنظر فيه بناء على ما قدمه في صدر كلامه.
و من الأخبار الدالة على ما قلناه
ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن عبد اللّٰه بن سنان «1» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول باع أبي من هشام بن عبد الملك أرضا بكذا و كذا ألف دينار و اشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين و إنما فعل ذلك لأن هشاما كان هو الوالي».
و رواه الصدوق أيضا في كتاب العلل في الصحيح مثله «2».
و روى في الكافي أيضا في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم على المشهور عن الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «باع أبي أرضا من سليمان بن عبد الملك بمال و اشترط عليه في بيعه أن يزكي هذا المال من عنده لست سنين».
و الخبران كما ترى صحيحان صريحان في صحة الشرط المذكور و لزومه، و به يظهر لك ما في كلامه (قدس سره)- و كذا كل من تبعه و حكم ببطلان الشرط لما ذكره من التعليل- من الغفلة عن ملاحظة هذين الخبرين.
و مثلهما ما
في كتاب الفقه الرضوي «4» حيث قال عليه السلام: فإن بعت شيئا و قبضت ثمنه و اشترطت على المشتري زكاة سنة أو سنتين أو أكثر من ذلك فإنه يلزمه دونك.
انتهى.
و هذه عين عبارة الشيخ علي بن الحسين التي نقلها عنه في المختلف، و منه يعلم أن مستنده في هذا الحكم هو الكتاب المذكور و إن كان الخبران المتقدمان يدلان على ذلك. و بمثل هذه العبارة عبر ابنه الصدوق في الفقيه، و هو ظاهر في أن مذهبه ذلك.
و حينئذ فمتى ثبتت بهذه الأخبار صحة الشرط المذكور و أنه سائغ و أن الزكاة تنتقل به إلى ذمة المشروط عليه فلا فرق بين وقوعه و اشتراطه في بيع أو قرض أو غيرهما عملا بما دل على أن المؤمنين عند شروطهم «5».
______________________________
(1) الوسائل الباب 18 من زكاة الذهب و الفضة.
(2) الوسائل الباب 18 من زكاة الذهب و الفضة.
(3) الوسائل الباب 18 من زكاة الذهب و الفضة.
(4) ص 23.
(5) الوسائل الباب 6 من أبواب الخيار من كتاب التجارة.
42
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الرابعة زكاة القرض على المقترض إلا مع شرط الخلاف ج 12 ص 39
و (أما ثالثا) فإنه لا يخفى أن ما نقله عن الشيخ علي بن الحسين أخيرا مناف لما نقله عنه أولا لو كان النقل صريحا في عدم صحة الشرط كما يدعيه، و إلا فإنه متى كان مطلقا كما نقلناه من عبارتي المقنعة و النهاية فلا منافاة، و على هذا جرى الشيخ في النهاية كما نقله عنه، فصرح في باب الزكاة بأنها على المقترض بقول مطلق، و في باب القرض بأنها مع الشرط تلزم المقرض و تسقط عن المقترض و به يقيد الإطلاق الأول
المقصد الثاني- في ما تجب فيه الزكاة من الأموال
، و حيث إنه من المجمع عليه نصا و فتوى هو وجوبها في الأنعام و النقدين و الغلات الأربع و أنها تستحب في بعض الأموال أيضا، فالكلام في هذا المقصد يقتضي بسطه في مطالب أربعة:
المطلب الأول- في الأنعام
و الكلام فيه يقع في مقامات ثلاثة:
المقام الأول- في نصب زكاة الإبل
، و هي اثنا عشر نصابا بالإجماع من علماء الإسلام على ما نقله جملة من الأعلام «1» و كأنه بناء منهم على عدم الاعتداد بالمخالف في بعضها و شذوذه و ندرته كما ستقف عليه إن شاء اللّٰه تعالى من الخلاف في المقام و لا تجب في ما دون خمس من الإبل فإذا تمت خمسا ففيها شاة ثم إذا بلغت عشرا ففيها شاتان ثم خمس عشرة ففيها ثلاث شياه ثم عشرين ففيها أربع ثم خمسا و عشرين ففيها خمس ثم ستا و عشرين ففيها بنت مخاض و هي التي دخلت في الثانية ثم ستا و ثلاثين ففيها بنت لبون و هي التي دخلت في الثالثة ثم ستا و أربعين ففيها حقة و هي التي دخلت في الرابعة ثم إحدى و ستين ففيها جذعة و هي التي دخلت في الخامسة ثم ستا و سبعين ففيها بنتا لبون ثم إحدى و تسعين ففيها حقتان ثم مائة و إحدى و عشرين ففي كل أربعين بنت لبون و في كل خمسين حقة.
و لا خلاف في الخمسة الأول و إنما الخلاف في النصاب السادس فإن ابن أبي عقيل أسقطه و أوجب بنت مخاض في خمس و عشرين إلى ست و ثلاثين و هو
______________________________
(1) يظهر الحال في مذهب العامة في نصب الإبل من التعليقة الآتية.
43
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الأول في نصب زكاة الإبل ج 12 ص 43
قول الجمهور «1» كما صرح به جملة من أصحابنا (رضوان اللّٰه عليهم) و في المدارك نقل هذا القول عن ابن أبي عقيل و ابن الجنيد، و هو سهو منه فإن ابن الجنيد لم يسقطه غاية الأمر أنه وافق ابن أبي عقيل في إخراج بنت مخاض في خمس و عشرين. و بما ذكرنا صرح العلامة في المختلف.
و يدل على القول المشهور الأخبار الكثيرة و منها-
صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» المروية في الكافي و التهذيب قال: «في خمس قلائص شاة و ليس في ما دون الخمس شيء، و في عشر شاتان و في خمس عشرة ثلاث و في عشرين أربع و في خمس و عشرين خمس و في ست و عشرين بنت مخاض إلى خمس و ثلاثين-
______________________________
(1) ذكر في المغني ج 2 ص 577 نصب الإبل كما هنا بإسقاط السادس كما نقل عن ابن أبي عقيل ثم قال: و هذا كله مجمع عليه. و في البداية ج 1 ص 238 أجمع المسلمون عليه إلا في ما زاد على عشرين و مائة ففيه الخلاف، فإن مالكا قال إذا زاد على مائة و عشرين فالمصدق بالخيار إن شاء أخذ ثلاث بنات لبون و إن شاء أخذ حقتين، و قال ابن القاسم من أصحابه بل يأخذ ثلاث بنات لبون من غير خيار إلى أن تبلغ ثمانين و مائة فيكون فيها حقة و ابنتا لبون، و بهذا القول قال الشافعي. و قال عبد الملك بن الماجشون من أصحاب مالك بل يأخذ الساعي حقتين فقط من غير خيار إلى إن تبلغ مائة و ثلاثين. و قال الكوفيّون أبو حنيفة و أصحابه و الثوري إذا زادت على مائة و عشرين عادت الفريضة بمعنى أن في كل خمس شاة، فإذا كانت الإبل مائة و خمس و عشرين كان فيها حقتان و شاة: الحقتان المائة و عشرين و الشاة للخمس. إلى آخر كلامه. و في المهذب ج 1 ص 144 بعد أن وافق المغني و البداية في ترتيب النصب قال: إذا بلغت مائة و إحدى و عشرين كان فيها ثلاث بنات لبون ثم في كل أربعين بنت لبون و في كل خمسين حقة، و الأصل فيه رواية أنس. و في البحر الرائق ج 2 ص 213 عد النصب كما تقدم إلى مائة و عشرين، و أما الزائد عليه فتفصيله في كل خمس شاة إلى مائة و خمس و أربعين ففيها حقتان و بنت مخاض و في مائة و خمسين ثلاث حقاق ثم في كل خمس شاة و في مائة و خمس و سبعين ثلاث حقاق و بنت مخاض و في مائة و ست و ثمانين ثلاث حقاق و بنت لبون و في مائة و ست و تسعين أربع حقاق إلى مائتين.
(2) الوسائل الباب 2 من زكاة الأنعام.
44
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الأول في نصب زكاة الإبل ج 12 ص 43
و قال عبد الرحمن هذا فرق بيننا و بين الناس- فإذا زادت واحدة ففيها ابنة لبون إلى خمس و أربعين فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس و سبعين فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين و مائة فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة».
و صحيحة أبي بصير- و هو المرادي بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه- عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «سألته عن الزكاة قال ليس في ما دون الخمس من الإبل شيء فإذا كانت خمسا ففيها شاة إلى عشر فإذا كانت عشرا ففيها شاتان إلى خمس عشرة فإذا كانت خمس عشرة ففيها ثلاث من الغنم إلى عشرين فإذا كانت عشرين ففيها أربع من الغنم إلى خمس و عشرين فإذا كانت خمسا و عشرين ففيها خمس من الغنم فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس و ثلاثين فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر فإذا زادت واحدة على خمس و ثلاثين ففيها ابنة لبون أنثى إلى خمس و أربعين فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس و سبعين فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين و مائة فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة. و لا تؤخذ هرمة و لا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق أن يعد صغيرها و كبيرها».
و صحيحة زرارة المروية في من لا يحضره الفقيه «2» و هي مثل صحيحة أبي بصير المذكورة إلا إن آخرها هكذا: «فإذا زادت واحدة فحقتان إلى عشرين و مائة فإذا زادت على العشرين و المائة واحدة ففي كل خمسين حقة و في كل أربعين بنت لبون».
و ما نقله في المعتبر «3» قال: روى أبو بصير و عبد الرحمن بن الحجاج و زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السلام) قالا: «إذا زادت عن خمس و عشرين ففيها بنت مخاض فإن لم تكن فابن لبون ذكر إلى خمس و ثلاثين فإن زادت فابنة لبون
______________________________
(1) الوسائل الباب 2 و 10 من زكاة الأنعام.
(2) الوسائل الباب 2 من زكاة الأنعام.
(3) ص 259 و الظاهر أنه يشير إلى الروايات الثلاث المتقدمة و ليست رواية مستقلة.
45
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الأول في نصب زكاة الإبل ج 12 ص 43
و قال عبد الرحمن هذا فرق بيننا و بين الناس- فإذا زادت واحدة ففيها ابنة لبون إلى خمس و أربعين فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس و سبعين فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين و مائة فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة».
و صحيحة أبي بصير- و هو المرادي بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه- عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «سألته عن الزكاة قال ليس في ما دون الخمس من الإبل شيء فإذا كانت خمسا ففيها شاة إلى عشر فإذا كانت عشرا ففيها شاتان إلى خمس عشرة فإذا كانت خمس عشرة ففيها ثلاث من الغنم إلى عشرين فإذا كانت عشرين ففيها أربع من الغنم إلى خمس و عشرين فإذا كانت خمسا و عشرين ففيها خمس من الغنم فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس و ثلاثين فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر فإذا زادت واحدة على خمس و ثلاثين ففيها ابنة لبون أنثى إلى خمس و أربعين فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس و سبعين فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين و مائة فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة. و لا تؤخذ هرمة و لا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق أن يعد صغيرها و كبيرها».
و صحيحة زرارة المروية في من لا يحضره الفقيه «2» و هي مثل صحيحة أبي بصير المذكورة إلا إن آخرها هكذا: «فإذا زادت واحدة فحقتان إلى عشرين و مائة فإذا زادت على العشرين و المائة واحدة ففي كل خمسين حقة و في كل أربعين بنت لبون».
و ما نقله في المعتبر «3» قال: روى أبو بصير و عبد الرحمن بن الحجاج و زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السلام) قالا: «إذا زادت عن خمس و عشرين ففيها بنت مخاض فإن لم تكن فابن لبون ذكر إلى خمس و ثلاثين فإن زادت فابنة لبون
______________________________
(1) الوسائل الباب 2 و 10 من زكاة الأنعام.
(2) الوسائل الباب 2 من زكاة الأنعام.
(3) ص 259 و الظاهر أنه يشير إلى الروايات الثلاث المتقدمة و ليست رواية مستقلة.
46
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الأول في نصب زكاة الإبل ج 12 ص 43
ما في بعض النسخ الصحيحة- «فإذا بلغت خمسا و عشرين فإن زادت واحدة ففيها بنت مخاض. إلى أن قال فإذا بلغت خمسا و ثلاثين فإن زادت واحدة ففيها ابنة لبون ثم قال فإذا بلغت خمسا و أربعين و زادت واحدة ففيها حقة ثم قال فإذا بلغت ستين و زادت واحدة ففيها جذعة ثم قال فإذا بلغت خمسا و سبعين و زادت واحدة ففيها ابنتا لبون ثم قال فإذا بلغت تسعين و زادت واحدة ففيها حقتان».
و ذكر الحديث مثله.
أقول: و قد اضطرب كلام الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في الجواب عن صحيحة الفضلاء بناء على الرواية المشهورة، فنقل عن السيد المرتضى (رضي اللّٰه عنه) حمل بنت المخاض على كونها بالقيمة عن الخمس شياه، و احتمل بعض حمله على الاستحباب و الشيخ (قدس سره) قد أجاب عنه بأن قوله عليه السلام «فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض» يحتمل أن يكون المراد و زادت واحدة و إن لم يذكر في اللفظ لعلمه بفهم المخاطب ذلك، قال: و لو لم يحتمل ما ذكرناه لكان لنا أن نحمل هذه الرواية على ضرب من التقية لأنها موافقة لمذهب العامة «1».
و اعترضه المحقق في المعتبر فقال بعد نقل كلامه: و التأويلان ضعيفان، أما الإضمار فبعيد في التأويل، و أما التقية فكيف يحمل على التقية ما صار إليه جماعة من محققي الأصحاب و رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، و كيف يذهب على مثل ابن أبي عقيل و البزنطي و غيرهما ممن اختار ذلك مذهب الإمامية من غيرهم؟
و الأولى أن يقال فيه روايتان أشهرهما ما اختاره المشايخ الخمسة و أتباعهم. انتهى.
و لا يخفى ما فيه من الوهن الغني عن التنبيه عليه و التوجيه، و الحق أنه لا معدل عن أحد الوجهين اللذين ذكرهما الشيخ (قدس سره) و يؤيد الحمل على التقية- و هو الذي اختاره المحدث الكاشاني في الوافي- صحيحة عبد الرحمن المتقدمة و قوله فيها «هذا فرق بيننا و بين الناس» مع ما عرفت من أنه مذهب الجمهور، إلا أنه يخدشه أن الإشكال في الصحيحة المذكورة ليس مخصوصا بهذا الموضع بل الإشكال
______________________________
(1) ارجع إلى التعليقة 1 ص 44.
47
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الأول في نصب زكاة الإبل ج 12 ص 43
في جملة النصب المتأخرة إلى النصاب الأخير، فإنه لا قائل بذلك من العامة و لا من الخاصة و هو خلاف جملة الأخبار الواردة في المسألة، و الأمر دائر بين شيئين: إما رد الرواية المذكورة من هذه الجهة مع ما هي عليه من الصحة و الإسناد إلى إمامين و اشتمالها على نصب الأنعام الثلاثة و جملة من أحكامها كما سيأتي نقل ذلك كل في موضعه و هو مشكل لا يمكن التزامه، و إما قبولها و حملها على ما يقوله الشيخ من الإضمار و التقدير في كل نصاب، و هو و إن بعد لعدم كونه معهودا في الكلام إلا أنه في مقام الجمع مما لا بد منه. و أما كلام صاحب المعتبر فإنه غير موجه و لا معتبر كما لا يخفى على من تأمل بعين الإنصاف و نظر.
[تنبيهات]
و ينبغي التنبيه على أمور
الأول [موارد الخلاف في نصاب الإبل]
- لا يخفى أنه قد وقع الخلاف في هذا المقام أيضا في مواضع: منها- ما ذهب إليه ابن الجنيد من أن الواجب في خمس و عشرين بنت مخاض أنثى فإن لم تكن فابن لبون فإن لم يكن فخمس شياه. و لم نقف له في الأخبار على مستند.
و منها- ما نقله في المختلف عن الشيخ علي بن بابويه من أنه قال في رسالته فإذا بلغت خمسا و أربعين و زادت واحدة ففيها حقة- و سميت حقة لأنها استحقت أن يركب ظهرها- إلى أن تبلغ ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى ثمانين فإن زادت واحدة ففيها ثني. ثم قال في المختلف: و هو قول ابنه محمد في كتاب الهداية. و لم يوجب باقي علمائنا في إحدى و ثمانين شيئا أصلا عدا نصاب ست و سبعين. ثم استدل على القول المشهور بالأخبار المتقدمة.
أقول: ما نقله هنا من عبارة الرسالة هو عين عبارة كتاب الفقه الرضوي كما قدمنا لك أمثال ذلك في مواضع عديدة من كتاب الصلاة، فإنه عليه السلام قال «1» بعد ذكر النصب المتقدمة كما مر في الأخبار:
«فإذا بلغت خمسا و أربعين و زادت واحدة ففيها حقة- و سميت حقة لأنها استحقت أن يركب ظهرها- إلى أن تبلغ ستين فإذا
______________________________
(1) ص 22.
48
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الأول موارد الخلاف في نصاب الإبل ج 12 ص 48
زادت واحدة ففيها جذعة إلى ثمانين فإذا زادت واحدة ففيها ثني».
و منه يعلم أن مستند الصدوقين هنا إنما هو الكتاب المذكور كما تقدم في تلك المواضع. إلا إن الحكم غريب لخروجه عن مقتضى الأخبار الكثيرة المتفق عليها بين الطائفة سواهما (رضي اللّٰه عنهما).
و لا يخفى ما في تمسكهما بهذا الكتاب في مثل هذا المقام من الدلالة على يقينهما بكونه عنه عليه السلام و ثبوته زيادة على تلك الأخبار، و إلا فكيف يجوز منهما الخروج عن تلك الأخبار الصحيحة الصريحة مع قرب العهد إلى العمل بهذا الكتاب.
و منها- النصاب الأخير فقد نقل فيه الخلاف عن المرتضى (رضي اللّٰه عنه) في الإنتصار كما نقله في المختلف، و ليس في التعرض لنقله كثير فائدة و إن ادعى عليه الإجماع مع مخالفته له في سائر كتبه و لا سيما المسائل الناصرية، و من أحب الوقوف على ذلك فليرجع إلى كتاب المختلف.
الثاني [كيف يخرج الواجب في النصاب الأخير؟]
- قد اشتمل بعض الأخبار المتقدمة على أن الواجب إخراجه في النصاب الأخير- و هو مائة و إحدى و عشرون- في كل خمسين حقة و في كل أربعين بنت لبون، و منها صحيحة زرارة المتقدم نقلها عن الفقيه، و رواية أخرى له في التهذيب أيضا «1» و صحيحة الفضلاء، و ظاهر هذه الروايات التخيير بين هذين الفردين بعد العد بأحد العددين، و به صرح شيخنا الشهيد الثاني في فوائد القواعد كما نقل عنه و نسبه إلى ظاهر الأصحاب.
و ظاهره (قدس سره) في كتاب المسالك بل صريحه أن المراد بذلك كون النصاب أمرا كليا لا ينحصر في فرد و أن التقدير بالأربعين و الخمسين ليس على وجه التخيير مطلقا بل يجب التقدير بما يحصل به الاستيعاب، فإن أمكن بهما تخير و إن لم يمكن بهما وجب اعتبار أكثرهما استيعابا مراعاة لحق الفقراء و لو لم يمكن إلا بهما وجب الجمع، فعلى هذا يجب تقدير أول هذا النصاب و هو المائة و إحدى و عشرون
______________________________
(1) الوسائل الباب 2 من زكاة الأنعام.
49
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثاني كيف يخرج الواجب في النصاب الأخير ج 12 ص 49
بالأربعين و تقدير المائة و الخمسين بالخمسين و المائة و السبعين بهما، و يتخير في المائتين و في الأربعمائة بين اعتباره بهما و بكل واحد منهما. انتهى. و بمثل ذلك صرح المحقق الشيخ علي و العلامة في المنتهى، و الظاهر أنه هو المشهور كما يفهم من عبارة المنتهى.
و فيه أن ظاهر ما ورد بالعد بالخمسين خاصة كما تقدم في صحيحتي عبد الرحمن و أبي بصير يدفع ذلك، فإن ظاهرهما العد بالخمسين مطلقا و لو في نصاب المائة و إحدى و عشرين الذي أوجب فيه العد بالأربعين خاصة، و لو كان العد في هذا الموضع متعينا بالأربعين كما ذكره (قدس سره) لما ساغ إطلاق هذه الأخبار بالعد بالخمسين.
و أيضا فإن التخيير في صحيحتي الفضلاء و زرارة وقع على أثر ذكر نصاب مائة و إحدى و عشرين الذي أوجب فيه العد بالأربعين خاصة، و لو تعين فيه العد بالأربعين لم يحسن ذكر التخيير في صورة لا يجوز فيها إلا أحدهما. و بالجملة فإن الروايات كملا لا تجتمع إلا على القول بالتخيير مطلقا كما هو ظاهر تلك الأخبار المشتملة على الأربعين و الخمسين، نعم ما ذكره متضمن للاحتياط و لا ريب في أولويته و أما تعينه فهو خلاف ظاهر تلك الأخبار كما عرفت.
الثالث- هل الواحدة الزائدة على المائة و عشرين جزء من النصاب أو شرط
في الوجوب و ليست بجزء، فلا يسقط بتلفها بعد الحول بغير تفريط شيء كما لا يسقط في الزائد عنها من ما ليس بجزء، للأربعين أو الخمسين على المشهور بين المتأخرين؟
فيه وجهان، اختار أولهما العلامة في النهاية، و ثانيهما جملة من المتأخرين، و توقف في البيان، من حيث اعتبارها نصا الموجب للجزئية، و من إيجاب الفريضة في كل خمسين و أربعين الظاهر في خروجها.
الرابع [حكم البخت]
- قد صرح الأصحاب بأن الزكاة في الإبل بنوعيها من البخت و العراب و على ذلك دلت
صحيحة الفضلاء المتقدمة «1» حيث قال فيها: «قلت ما في البخت السائمة؟ قال مثل ما في الإبل العربية».
قال في المصباح المنير: و البخت نوع من الإبل
______________________________
(1) ص 46.
50
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الرابع حكم البخت ج 12 ص 50
الواحد بختي مثل روم و رمي و يخفف و يثقل. انتهى. و الأصحاب عبروا عنها بالإبل الخراسانية و يؤيده مقابلتها في الخبر بالإبل العربية.
الخامس [تخير المالك في إخراج ما شاء إذا كان بصفة الواجب]
- الأظهر تخير المالك في إخراج ما شاء إذا كان بصفة الواجب كما اختاره جملة من الأصحاب، و قيل إنه إذا وقعت المشاحة يقرع حتى تبقى السن التي تجب، بأن يقسم ما جمع الوصف قسمين ثم يقرع بينهما ثم يقسم ما خرجت عليه القرعة و هكذا حتى يبقى قدر الواجب. نقل ذلك عن الشيخ و جماعة و لم نقف لهم على مستند على الخصوص.
و يدل على الأول
صحيحة بريد العجلي «1» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: بعث أمير المؤمنين عليه السلام مصدقا من الكوفة إلى باديتها فقال له يا عبد اللّٰه انطلق.
إلى أن قال فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلا بإذنه فإن أكثره له فقل يا عبد اللّٰه أ تأذن لي في دخول مالك فإن أذن لك فلا تدخله دخول متسلط عليه فيه و لا عنف به، فاصدع المال صدعين ثم خيره أي الصدعين شاء فأيهما اختار فلا تعرض له ثم اصدع الباقي صدعين ثم خيره فأيهما اختار فلا تعرض له، فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق اللّٰه في ماله فإذا بقي ذلك فاقبض حق اللّٰه منه، فإن استقالك فأقله ثم اخلطهما و اصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق اللّٰه في ماله. الحديث».
و نحوه في الدلالة على المراد غيره و لكن ليس بهذا التفصيل. و هذا الحكم جار في غير الإبل من المواشي الزكوية.
السادس [أسامي الإبل بلحاظ أسنانها]
- قال شيخنا الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه «2» قال مصنف هذا الكتاب (رحمة اللّٰه) أسنان الإبل أول ما تطرحه أمه إلى تمام السنة حوار فإذا دخل في الثانية سمي ابن مخاض لأن أمه قد حملت، فإذا دخل في الثالثة سمي ابن لبون لأن أمه قد وضعت و صار لها لبن، فإذا دخل في الرابعة سمي الذكر حقا
______________________________
(1) الوسائل الباب 14 من زكاة الأنعام.
(2) ج 2 ص 13.
51
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
السادس أسامي الإبل بلحاظ أسنانها ج 12 ص 51
و الأنثى حقة لأنه قد استحق أن يحمل عليه، فإذا دخل في الخامسة سمي جذعا، فإذا دخل في السادسة سمي ثنيا لأنه قد ألقى ثنيته، فإذا دخل في السابعة ألقى رباعيته و سمي رباعيا، فإذا دخل في الثامنة ألقى السن التي بعد الرباعية و سمي سديسا، فإذا دخل في التاسعة فطر نابه و سمي بازلا، فإذا دخل في العاشرة فهو مخلف، و ليس له بعد هذا اسم، و الأسنان التي تؤخذ في الصدقة من ابن المخاض إلى الجذع. انتهى. و بمثل ذلك صرح ثقة الإسلام الكليني و الشيخ، و الصدوق قد علل كلا من هذه الأسنان إلا الجذع، و قد علل التسمية بذلك لأنه يجذع مقدم أسنانه أي يسقط.
السابع [من وجبت عليه سن و ليس عنده إلا الأعلى أو الأدنى]
- قد صرح الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) بأن من وجبت عليه سن من الإبل و ليس عنده إلا الأعلى منه بسن دفعه و استعاد من المصدق شاتين أو عشرين درهما، و من لم يكن عنده إلا الأدنى بسن دفعه و وجب عليه أن يجبره بشاتين أو عشرين درهما، و الحكم مجمع عليه بينهم في ما أعلم.
و يدل عليه أيضا
ما رواه في الكافي عن محمد بن مقرن بن عبد اللّٰه بن زمعة بن سبيع عن أبيه عن جده عن جد أبيه «1» «أن أمير المؤمنين عليه السلام كتب له في كتابه الذي كتب له بخطه حين بعثه على الصدقات: من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة و ليس عنده جذعة و عنده حقة فإنه تقبل منه الحقة و يجعل معها شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت عنده صدقة الحقة و ليست عنده حقة و عنده جذعة فإنه تقبل منه الجذعة و يعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت صدقته حقة و ليست عنده حقة و عنده ابنة لبون فإنه تقبل منه ابنة لبون و يعطى معها شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت صدقته ابنة لبون و ليست عنده ابنة لبون و عنده حقة فإنه تقبل منه الحقة و يعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت صدقته ابنة لبون و ليست عنده ابنة لبون و عنده ابنة مخاض فإنه تقبل منه ابنة مخاض و يعطي معها شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت صدقته ابنة مخاض و ليست عنده ابنة مخاض
______________________________
(1) الوسائل الباب 13 من زكاة الأنعام.
52
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
السابع من وجبت عليه سن و ليس عنده إلا الأعلى أو الأدنى ج 12 ص 52
و عنده ابنة لبون فإنه تقبل منه ابنة لبون و يعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما، و من لم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها و عنده ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه ابن لبون و ليس معه شيء. الحديث».
و رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام مثله «1».
و جمهور المتأخرين و متأخريهم و منهم السيد السند في المدارك و الفاضل الخراساني في الذخيرة و غيرهما لم ينقلوا إلا الخبر الأول و اعتذروا عن ضعف سنده باتفاق الأصحاب على القول بمضمونه مع أن صحيحة زرارة المشار إليها صريحة في ذلك غنية عن هذا الاعتذار.
و نقل عن الشيخ علي بن بابويه و ابنه الصدوق في المقنع جعل التفاوت بين بنت المخاض و بنت اللبون شاة يأخذها المصدق أو يدفعها. كذا نقله عنهما في المختلف أقول: و هذا أيضا مأخوذ
من كتاب الفقه الرضوي حيث قال عليه السلام في الكتاب المذكور «2» بعد ذكر خمسة و ثلاثين: فإن زادت واحدة ففيها ابنة لبون و من لم تكن عنده و كانت عنده ابنة مخاض أعطى المصدق ابنة مخاض و أعطى معها شاة، و إذا وجبت عليه ابنة مخاض و لم تكن عنده و كانت عنده ابنة لبون دفعها و استرجع من المصدق شاة.
انتهى.
فروع
الأول
- نقل عن العلامة في التذكرة- و به قطع الشهيد الثاني على ما نقله عنه سبطه في المدارك- الاكتفاء في الجبر بشاة و عشرة دراهم، و كأنه بنى على التخيير بين الشاتين و العشرين درهما في الأخبار. و هو لا يخلو من وجه من حيث الاعتبار إلا أنه خلاف ظاهر النص.
الثاني
- قد ذكر الأصحاب هنا أن الخيار في دفع الأعلى أو الأدنى و في الجبر
______________________________
(1) الوسائل الباب 13 من زكاة الأنعام.
(2) ص 22.
53
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثاني ج 12 ص 53
بشاتين أو الدراهم إلى المالك لا إلى المصدق أو الفقير سواء كانت قيمة الواجب السوقية مساوية لقيمة المدفوع على الوجه المذكور أم زائدة عليها أم ناقصة عنها لإطلاق النص. و استشكل فيه بعضهم في صورة استيعاب قيمة المأخوذ من المصدق لقيمة المدفوع إليه، من إطلاق النص و شموله للصورة المذكورة، و من أن المالك كأنه لم يؤد شيئا، كما إذا وجبت على المالك ابنة مخاض و ليست عنده و أعطى عوضها سنا أعلى ابنة لبون فإنه يعطيه المصدق حينئذ عشرين درهما، فلو فرضنا كون ابنة اللبون قيمتها السوقية يومئذ عشرين درهما فكأن المالك لم يعط شيئا بالكلية لأنه أعطى ابنة لبون و أخذ قيمتها السوقية.
و قد نقل هنا عن العلامة في التذكرة القول بعدم الإجزاء، قال في المدارك بعد نقله عنه: و هو متجه. و نفى عنه البعد في الذخيرة أيضا، و هو محتمل حملا للرواية على ما هو المتعارف في ذلك الزمان أو الغالب من زيادة قيمة السن الأعلى على الأدنى بذلك المقدار فلا تدخل الصورة المفروضة في إطلاق النص. و ينبغي مراعاة الاحتياط في مثل ذلك.
الثالث
- مورد الأخبار المتقدمة التفاوت بسن واحد فلو كان التفاوت بأزيد كما إذا كانت عنده ابنة مخاض و كان الواجب عليه حقة أو بالعكس فهل يكون الحكم كالأول و يتضاعف الجبران بتضاعف السن فيعطي في الصورة المفروضة ابنة مخاض مع أربع شياه أو أربعين درهما أو يرجع حينئذ إلى القيمة السوقية؟ قولان و المشهور الثاني قصرا للحكم المخالف للأصل على مورد النص فيجب أخذ القيمة. و هو جيد.
و كذا تعتبر القيمة أيضا في ما عدا أسنان الإبل من البقر و الغنم و لا يجب الجبران، فمن عدم فريضة البقر و وجد الأعلى أو الأدنى أخرجه بالقيمة فيعطى ما نقص على الأول و يسترد ما زاد على الثاني إن اقتضت القيمة السوقية ذلك.
المقام الثاني- في نصاب البقر
و لها نصابان: ثلاثون و فيها تبيع أو تبيعة على المشهور و هو الذي دخل في الثانية، ثم أربعون و فيها مسنة، أما كون نصابها ذلك
54
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الثاني في نصاب البقر ج 12 ص 54
فعليه الإجماع نصا و فتوى.
و ينبغي أن يعلم أنه ليس المراد أن الثلاثين ينحصر في النصاب الأول و الأربعين في الثاني بل إن هذا نصابها دائما كما سيظهر لك من الخبر الآتي و كذا من كلام الأصحاب، بمعنى أن الأعداد متى تضاعفت و ارتفعت فإنه يعد النصاب بالثلاثين و الأربعين، و حينئذ فمرجع النصابين إلى نصاب واحد على التخيير و يقدم ما يحصل به الاستيعاب أو يكون به أقرب إليه.
و أما كون المخرج في النصاب الأول تبيعا أو تبيعة فهو المشهور بل ادعى عليه الإجماع في المنتهى، و نقل عن الشيخ علي بن بابويه و ابن أبي عقيل إيجاب تبيع حولي خاصة، و به صرح الصدوق في الفقيه أيضا، و هذا هو الذي تضمنته صحيحة الفضلاء «1» المتقدم صدرها حيث قال فيها بعد ذكر ما قدمنا نقله منها «و قالا في البقر في كل ثلاثين بقرة تبيع حولي و ليس في أقل من ذلك شيء، و في أربعين بقرة بقرة مسنة، و ليس في ما بين الثلاثين إلى الأربعين شيء حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة، و ليس في ما بين الأربعين إلى الستين شيء فإذا بلغت الستين ففيها تبيعان إلى السبعين، فإذا بلغت السبعين ففيها تبيع و مسنة، إلى الثمانين، فإذا بلغت ثمانين ففي كل أربعين مسنة إلى تسعين، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبيعات حوليات، فإذا بلغت عشرين و مائة ففي كل أربعين مسنة، ثم ترجع البقر على أسنانها.
و ليس على النيف شيء و لا على الكسور شيء و لا على العوامل شيء إنما الصدقة على السائمة الراعية. و كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شيء عليه حتى يحول عليه الحول فإذا حال عليه الحول وجب عليه. الحديث».
و العجب من المحدث الحر في بدايته مع كونه من متصلي الأخباريين و أجلاء المحدثين أنه تبع المشهور في هذه المسألة فقال بالتخيير بين التبيع و التبيعة و ترك العمل بالخبر مع صحته و صراحته و وجود القائل به من قدماء الأصحاب.
______________________________
(1) الوسائل الباب 4 و 7 و 8 من زكاة الأنعام.
55
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الثاني في نصاب البقر ج 12 ص 54
و مثل هذا الخبر أيضا ما صرح به في كتاب الفقه الرضوي، و الظاهر أنه هو المعتمد
لما ذكره الشيخ علي بن الحسين حيث قال عليه السلام «1» «و في البقر إذا بلغت ثلاثين بقرة ففيها تبيع حولي و ليس فيها إذا كانت دون ثلاثين شيء، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة إلى ستين، فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان إلى سبعين، فإذا بلغت سبعين ففيها تبيع و مسنة إلى ثمانين، فإذا بلغت ثمانين ففيها مسنتان إلى تسعين، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبايع، فإذا كثرت البقر سقط هذا كله و يخرج من كل ثلاثين بقرة تبيعا و من كل أربعين مسنة».
و قال في المدارك- بعد قول المصنف: في كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة.
إلى آخره- ما لفظه: هذا قول العلماء كافة و قد تقدم من الأخبار ما يدل عليه.
و فيه أولا- أن ما ادعاه من اتفاق العلماء على التخيير في هذا النصاب و إن سبقه إليه العلامة في المنتهى إلا أنه مردود بما عرفت من خلاف أولئك الفضلاء، و من ثم نسبه في المختلف إلى المشهور و نقل خلاف ابن أبي عقيل و على بن بابويه.
و ثانيا- أن التخيير بين الفردين المذكورين لم نقف له على دليل في الأخبار و الرواية التي أشار إلى أنها تقدمت و هي صحيحة الفضلاء إنما تضمنت التبيع خاصة كما عرفت.
إلا أن المحقق في المعتبر «2» نقل صحيحة الفضلاء بما يطابق القول المشهور و لعله كان في بعض الأصول التي كانت عنده حيث قال: و من طريق الأصحاب ما رواه زرارة و محمد بن مسلم و أبو بصير و الفضيل و بريد عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السلام) «قالا في البقر في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة و ليس في أقل من ذلك شيء ثم ليس فيها شيء حتى تبلغ أربعين ففيها مسنة ثم ليس فيها شيء حتى تبلغ ستين ففيها تبيعان أو تبيعتان ثم في سبعين تبيع أو تبيعة و مسنة ثم في ثمانين مسنتان و في تسعين ثلاث تبايع».
و هذه الرواية أيضا مثل الأولى التي نقلنا عنه في نصاب الإبل لم يتعرض لها
______________________________
(1) ص 22.
(2) ص 260.
56
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الثاني في نصاب البقر ج 12 ص 54
أحد من المحدثين في كتب الأخبار و لا الأصحاب في كتب الاستدلال، و هو عجيب في المقام سيما مع خلو ما ذهبوا إليه في المسألة من الدليل و دلالة هذه الرواية عليه.
قال العلامة في المختلف: المشهور أن في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة، اختاره الشيخان و ابن الجنيد و السيد المرتضى و سلار و باقي المتأخرين، و قال ابن أبي عقيل و علي بن بابويه في ثلاثين تبيع حولي و لم يذكرا التبيعة، لنا- أنه أشهر بين الأصحاب و لأن التبيعة أفضل من التبيع فإيجابها يستلزم إيجاب التبيع دون العكس فهو أحوط فيتعين التخيير. احتجا بما رواه زرارة و محمد بن مسلم و أبو بصير و بريد و الفضيل في الحسن عن الباقر و الصادق (عليهما السلام) «قالا في البقر في كل ثلاثين تبيع حولي» و الجواب أنه غير مانع من إيجاب الأزيد على وجه التخيير. انتهى.
و أنت خبير بما في هذا الكلام من الضعف الذي لا يخفى على سائر الأنام فضلا عن ذوي الأفهام، و هل هو إلا محض مجازفة في الأحكام.
و بالجملة فالأظهر هو ما ذكره الفضلاء المتقدمون لقيام الدليل عليه، سيما مع تكرره في الرواية في النصب الباقية و اعتضادها برواية كتاب الفقه الرضوي.
و أما ما نقلناه عن المعتبر ففي النفس منه شيء من حيث عدم تعرض أحد لنقل ذلك بالكلية مع تكرر النقل عن المعتبر في كتب الأصحاب في نقل الأقوال و الفتاوى و هذا الموضع أولى لما عرفت.
المقام الثالث- في نصب الغنم
و هي خمسة على المشهور و قيل أربعة، فالأول أربعون و فيها شاة، و ذهب الصدوق في الفقيه إلى أن النصاب الأول أربعون و واحدة، حيث قال: و ليس على الغنم شيء حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين و زادت واحدة ففيها شاة. و رده المتأخرون بعدم وجود الدليل.
أقول: لا يخفى أن ما ذكره الصدوق في هذا المقام من هذا الكلام من أوله إلى آخره عين عبارة كتاب الفقه الرضوي «1» و منه يعلم أنه المستند له في ما ذكره.
ثم إنه ليس في ما زاد على ذلك شيء حتى تبلغ مائة و إحدى و عشرين و فيها
______________________________
(1) ص 22.
57
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الثالث في نصب الغنم ج 12 ص 57
شاتان ثم مائتان و واحدة و فيها ثلاث شياه ثم ثلاثمائة و واحدة و هذا هو النصاب الرابع، فقيل بأنه بعد بلوغ هذا المقدار يلغى ما تقدم و يؤخذ من كل مائة شاة فيكون الواجب هنا ثلاث شياه كما تقدم و لا يتغير الفرض إلا ببلوغ أربعمائة. و إلى هذا القول ذهب جملة من الأجلاء كالشيخ المفيد و المرتضى و الصدوق و ابن أبي عقيل و سلار و ابن حمزة و ابن إدريس، و على هذا فتكون النصب أربعة. و ذهب جملة:
منهم- الشيخ و ابن الجنيد و أبو الصلاح و ابن البراج- و الظاهر أنه المشهور كما يظهر من المعتبر- إلى أنه بعد بلوغ ثلاثمائة و واحدة يجب فيها أربع شياه إلى أن تبلغ أربعمائة فيلغى ما تقدم و يؤخذ من كل مائة شاة فيكون الواجب هنا أربع شياه و لا يتغير الفرض إلا ببلوغ خمسمائة.
و يدل على القول الأول
صحيحة محمد بن قيس عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال «ليس في ما دون الأربعين من الغنم شيء فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين و مائة فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة. و لا تؤخذ هرمة و لا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق. و لا يفرق بين مجتمع و لا يجمع بين متفرق. و يعد صغيرها و كبيرها».
و يدل على الثاني
صحيحة الفضلاء «2» المتقدم ذكرها في المقامين المتقدمين، حيث قالوا: «و قالا في الشاة في كل أربعين شاة شاة و ليس في ما دون الأربعين شيء، ثم ليس فيها شيء حتى تبلغ عشرين و مائة فإذا بلغت عشرين و مائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة، فإذا زادت على مائة و عشرين ففيها شاتان و ليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه، ثم ليس فيها أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 و 11 من زكاة الأنعام.
(2) الوسائل الباب 6 من زكاة الأنعام.
58
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الثالث في نصب الغنم ج 12 ص 57
ثلاث شياه، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة فإذا تمت أربعمائة كان على كل مائة شاة و سقط الأمر الأول، و ليس على ما دون المائة بعد ذلك شيء «و ليس في النيف شيء. و قالا كل ما لم يحل عليه من ذلك عند ربه حول فلا شيء عليه فإذا حال عليه الحول وجب عليه».
أقول: و يعضد الخبر الأول
ما في كتاب الفقه الرضوي حيث قال عليه السلام «1» و ليس على الغنم شيء حتى تبلغ أربعين شاة فإذا زادت على الأربعين ففيها شاة إلى عشرين و مائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث إلى ثلاثمائة، فإذا كثرت الغنم سقط هذا كله و تخرج عن كل مائة شاة.
و بهذه الرواية عبر الصدوق في الفقيه كما هي عادته غالبا في ما يفتي به من الكتاب المذكور.
و الظاهر أن وجه الجمع بين الخبرين المتقدمين هو حمل صحيحة محمد بن قيس على التقية، فإن ما تضمنته من إسقاط هذا النصاب مذهب أصحاب المذاهب الأربعة كما ذكره في التذكرة، و نقله في المعتبر عن الشافعي و أبي حنيفة و مالك «2».
تتمة مهمة [كلام صاحب المدارك في المقام و رده]
قال في المدارك بعد الكلام في المقام: و المسألة قوية الإشكال لأن الروايتين معتبرتا الإسناد و الجمع بينهما مشكل جدا، و من ثم أوردهما المصنف في المعتبر من غير ترجيح و اقتصر في عبارة الكتاب على حكاية القولين و نسب القول الثاني إلى
______________________________
(1) ص 22.
(2) أفتى بذلك الشيرازي الشافعي في المهذب ج 1 ص 148 و ابن رشد المالكي في بداية المجتهد ج 1 ص 241 و نسبه إلى الجمهور إلا الحسن بن صالح فإنه قال: إذا كانت الغنم ثلاثمائة شاة و شاة ففيها أربع شياه و إذا كانت أربعمائة شاة و شاة ففيها خمس شياه. و في بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج 2 ص 28 بعد أن ذكر أن في المائتين و واحدة ثلاث شياه قال: فإذا بلغت أربعمائة ففيها أربع شياه ثم في كل مائة شاة. ثم قال هذا قول عامة العلماء و قال الحسن بن حي إذا زادت على ثلاثمائة واحدة ففيها أربع شياه و في أربعمائة خمس شياه.
59
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
تتمة مهمة كلام صاحب المدارك في المقام و رده ج 12 ص 59
الشهرة، و قال العلامة في المنتهى إن طريق الحديث الأول أوضح من الثاني و اعتضد بالأصل فتعين العمل به. و هو غير بعيد، مع أن الرواية الثانية مخالفة لما عليه الأصحاب في النصاب الثاني و ذلك من ما يضعف الحديث، و لو كانتا متكافئتين في السند و المتن لأمكن حمل الرواية الأولى على التقية لموافقتها لمذهب العامة أو حمل الكثرة الواقعة فيها على بلوغ الأربعمائة و يكون حكم الثلاثمائة و واحدة مهملا في الرواية. و اللّٰه العالم.
أقول: ما ذكره من مخالفة الرواية الثانية و هي صحيحة الفضلاء لما عليه الأصحاب فإنه صحيح بناء على نقله لها من التهذيب فإنها فيه «1» هكذا «و ليس في ما دون الأربعين شيء حتى تبلغ عشرين و مائة ففيها شاتان. إلى آخره» و أما على ما قدمناه و هو رواية الكليني في الكافي و الشيخ في الإستبصار فإنه موافق لما عليه الأصحاب، و على ذلك اعتمد في الوافي و كذا صاحب الوسائل لمعلومية الغلط في نقل الشيخ في التهذيب، و لا يخفى على من له أنس بالتهذيب ما وقع للشيخ (قدس سره) فيه من التحريف و الزيادة و النقصان في المتون و الأسانيد كما تقدم التنبيه عليه في مواضع من كتاب الصلاة.
و أما ما ذكره- من أن الحمل على التقية فرع مكافأة السند و المتن- ففيه أما بالنسبة إلى المتن فقد عرفت ما فيه و أن هذا الطعن إنما نشأ من قصور تتبعه (قدس سره) لكتب الأخبار و جموده على مراجعة التهذيب خاصة مع اعترافه في بعض المواضع من شرحه بما وقع للشيخ فيه من ما أشرنا إليه، و أما بالنسبة إلى السند فإنه ليس في طريق الرواية من يشير إليه كلامه سوى إبراهيم بن هاشم و حديثه عند أصحاب هذا الاصطلاح معتمد مقبول و إن عدوه في الحسن، و لم نجد له رادا من أصحاب هذا الاصطلاح سواه في الموضع الذي يريد المناقشة فيه، و إلا فإنه قد عده في الصحيح في مواضع من شرحه كما تقدمت الإشارة إليه في غير مقام. و بالجملة فإن كلامه في هذا
______________________________
(1) ج 1 ص 355، و اللفظ فيه لا يختلف عن الكافي ج 1 ص 151 و الإستبصار ج 2 ص 22 نعم في المدارك نقله كما هنا.
60
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
تتمة مهمة كلام صاحب المدارك في المقام و رده ج 12 ص 59
الشرح مضطرب غاية الاضطراب.
و أما ما نقله عن العلامة في المنتهى و نفى البعد عنه من أوضحية السند فهو ممنوع بما ذكرناه. و الأصل في مقابلة الخبر الصحيح الصريح غير معمول عليه و لا يلتفت إليه مع وجوب تحصيل يقين البراءة من التكليف الثابت بل هو حاكم عليه و رافع له.
و بالجملة فالحق أن الخبرين المذكورين صحيحان صريحان في ما دلا عليه و لا وجه للجمع بينهما إلا بحمل صحيحة محمد بن قيس على التقية كما ذكرنا.
ثم العجب منهم (قدس اللّٰه أسرارهم) في إلغاء العمل بهذه القواعد المقررة عن أئمتهم (عليهم السلام) مع استفاضة الأخبار بها التي من جملتها عرض الخبرين المختلفين على مذهب العامة و الأخذ بخلافه «1» بل ورد العرض عليه و إن لم يكن في مقام الاختلاف «2» بل ما هو أبلغ من ذلك و هو أنه إذا احتاج إلى حكم و لم يكن في البلد من يسأله من فقهاء الشيعة سأل قاضي البلد و أخذ بخلافه «3» كما لا يخفى على من أحاط بالأخبار و جاس خلال تلك الديار، و هم ينقلون هنا أن صحيحة محمد بن قيس موافقة لمذهب أئمة المخالفين الأربعة و أتباعهم «4» و مع هذا يكابرون على العمل بها و يرجحونها على ما عارضها إعراضا عن تلك القواعد المقررة و الضوابط المعتبرة، و ليس البحث معهم في ذلك مخصوصا بهذا المقام بل هذه عادتهم في جميع أبواب الفقه كما نبهنا عليه في غير موضع من كتابنا هذا.
و ليت شعري إلى من خرجت هذه الأخبار عنهم (عليهم السلام) بهذه الضوابط و القواعد و من المخاطب و المكلف بها في جميع الموارد؟ هل إلى غير هذه الشريعة؟ أم إلى شيعة غير هذه الشيعة؟ إذا أعرضوا عنها في جميع أبواب الفقه كما عرفت و ستعرف، سامحنا اللّٰه و إياهم بعفوه و غفرانه.
______________________________
(1) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي و ما يجوز أن يقضى به.
(2) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي و ما يجوز إن يقضى به.
(3) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي و ما يجوز إن يقضى به.
(4) ارجع إلى التعليقة 2 ص 59.
61
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
تتمة مهمة كلام صاحب المدارك في المقام و رده ج 12 ص 59
و أما ما ذكره (قدس سره)- من احتمال حمل الكثرة في رواية محمد بن قيس على بلوغ الأربعمائة و يكون حكم الثلاثمائة و واحدة فيها مهملا- فقد تبعه فيه جملة من أفاضل متأخري المتأخرين حتى زعموا أنه لا تنافي بين الخبرين، قال في الوسائل بعد ذكر صحيحة محمد بن قيس ما صورته: أقول حكم الثلاثمائة و واحدة غير مذكور هنا صريحا فلا ينافي الحديث الأول. انتهى.
و الظاهر أنه مبني على ما ذكره بعض الفضلاء في هذا المقام حيث قال: و قد ظن جمع من متأخري الأصحاب أن بين هذا الحديث و حديث محمد بن قيس تعارضا في حكم زيادة الواحدة تحوج إلى الترجيح لإشكال الجمع، و الحق أنه لا تعارض بين الخبرين لخلو رواية محمد بن قيس عن التعرض لذكر زيادة الواحدة على الثلاثمائة، فإن قوله: «فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة» يقتضي كون بلوغ الثلاثمائة غاية لفرض الثلاث داخلة في المغيا كما هو الشأن في أكثر الغايات الواقعة فيه و في غيره من الأخبار المتضمنة لبيان نصب الإبل و الغنم، و الكلام الذي بعده يقتضي إناطة الحكم بوصف الكثرة و فرض زيادة الواحدة ليس من الكثرة في شيء فلا يتناوله الحكم ليقع التعارض بل يكون خبر الفضلاء مشتملا على حكم لم يتعرض له في الآخر. انتهى.
و فيه أنه لا يخفى أن سياق الحديث لبيان نصب الغنم و ترتيبها كما هو الواقع في سائر أخبار نصب الإبل و البقر و الغنم حيث ذكرت النصب فيها على سبيل الترتيب و ما يجب في كل نصاب من الفريضة إلى أن وصل في هذا الخبر إلى ثلاثمائة ثم قال: «فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة» و لا ريب أن مبدأ الكثرة التي ثبت بها هذا الحكم ما بعد الثلاثمائة من الواحدة فصاعدا لا الأربعمائة الذي هو النصاب الخامس كما توهمه، و نظير هذه العبارة قد وقع في أخبار نصب الإبل كما تقدم، فعبر في جملة منها «فإذا كثرت الإبل» كما في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج و صحيحة أبي بصير، و في بعض «فإذا زادت واحدة» كما في
62
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
تتمة مهمة كلام صاحب المدارك في المقام و رده ج 12 ص 59
صحيحة الفضلاء «1» و المرجع إلى أمر واحد و هو الكثرة التي هي من الواحدة فصاعدا و أما قوله «إن فرض زيادة الواحدة ليس من الكثرة في شيء» ففيه مع كونه مردودا بالروايات المشار إليها أنه لو تم للزم أن لا يكون للكثرة في شيء من المراتب مبدأ أصلا و هو باطل. و بالجملة فتعارض الخبرين لا مجال لإنكاره و لا وجه للجمع إلا بما ذكرناه.
بقي هنا شيء يجب التنبيه عليه و هو ما وقع للعلامة في المنتهى من السهو في هذا المقام حيث إنه نقل عن ابن بابويه أنه روى في الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه السلام أنه قال: «فإن زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة فإذا كثر الغنم أسقط هذا كله و أخرج عن كل مائة شاة» و جعل هذه الرواية دليلا على القول بما دلت عليه صحيحة محمد بن قيس و هو غفلة منه (قدس سره) و اشتباه وقع له،
حيث إن صورة ما في الفقيه «2» هكذا: روى حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:
«قلت له في الجواميس شيء قال مثل البقر. و ليس على الغنم شيء حتى تبلغ أربعين شاة فإذا بلغت أربعين و زادت واحدة ففيها شاة.
إلى آخر العبارة» فالعلامة توهم أن قوله «و ليس على الغنم شيء. إلى آخر العبارة» من صحيحة زرارة و إنما هو من كلام الصدوق المأخوذ من كتاب الفقه الرضوي كما قدمنا ذكره فإن العبارة المذكورة بطولها عين ما في كتاب الفقه، نعم كلامه في الكتاب المذكور موافق لما دلت عليه صحيحة محمد بن قيس و كل ما تحمل عليه الصحيحة المذكورة يجب أن يحمل عليه كلامه عليه السلام و قد عرفت أنه ليس إلا التقية.
و تنقيح البحث في هذا المقام يتوقف على رسم مسائل
الأولى [الإشكال في جعل النصاب الأخير و ما قبله في الغنم نصابين]
- اعلم أن هاهنا سؤالا مشهورا نقل أن المحقق (رحمه اللّٰه تعالى) أورده في درسه، و الأحسن في تقريره أن يقال إذا كان يجب في أربعمائة ما يجب في ثلاثمائة و واحدة فأي فائدة
______________________________
(1) ص 58 و 59.
(2) ج 2 ص 14 و في الوسائل الباب 5 من زكاة الأنعام.
63
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الأولى الإشكال في جعل النصاب الأخير و ما قبله في الغنم نصابين ج 12 ص 63
في جعلهما نصابين؟ و ينسحب مثله في المائتين و واحدة و الثلاثمائة و واحدة على القول الآخر.
و الجواب أن الفائدة تظهر في موضعين: في الوجوب و الضمان، أما الوجوب فلأن محله في الأربعمائة مجموعها و في الثلاثمائة و واحدة إلى الأربعمائة الثلاثمائة و واحدة خاصة و ما زاد فهو عفو. فهذا أحد وجهي الفائدة في كونهما نصابين.
و كذا الكلام في نظيره على القول الآخر. و أما الضمان فإنه لو تلفت واحدة من الأربعمائة بعد الحول بغير تفريط سقط من الفريضة جزء من مائة جزء من شاة و لو كان محل الفريضة ناقصا عن هذا العدد لم يسقط من الفريضة شيء ما دامت الثلاثمائة و واحدة باقية لأن الزائد عفو. و هكذا يقال بالنسبة إلى القول الآخر.
و أورد في المدارك على ذلك- و اقتفاه الفاضل الخراساني- أن في عدم سقوط شيء في صورة النقص عن الأربعمائة نظرا لأن الزكاة تتعلق بالعين فتكون الفريضة حقا شائعا في المجموع و مقتضى الإشاعة توزيع التالف على المجموع و إن كان الزائد على النصاب عفوا، و لا منافاة بين الأمرين.
و عندي أن هذا الكلام لا يخلو من المناقشة فإن قوله: «إن الزكاة تتعلق بالعين فتكون حقا شائعا في المجموع» إن أريد عين المجموع من النصاب و الزائد الذي هو عفو فهو ممنوع، و إن أريد بعين النصاب فتكون حقا شائعا في مجموع النصاب فهو مسلم لكن لا يلزم منه ما ذكروه، و توضيحه أنا نقول إن الزكاة حق في النصاب شائع في مجموعه لا في مجموع الغنم من ما كان عفوا، و حينئذ فلا تقتضي الإشاعة توزيع التالف على مجموع الغنم من النصاب و العفو، و غاية ما يلزم أن يقال إن النصاب هنا غير متميز بل هو مخلوط بالعفو و لكن هذا لا يستلزم تقسيط التالف على ما كان عفوا و إن كان النصاب شائعا فيه، إذ الحكم إنما يتعلق بالنصاب الذي هو محل الوجوب و نقصان الفريضة إنما يدور مدار نقصانه و النصاب الآن موجود كملا و وجود هذا العفو مع كونه خارجا عن محل الوجوب في حكم العدم.
64
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الأولى الإشكال في جعل النصاب الأخير و ما قبله في الغنم نصابين ج 12 ص 63
و إن أردت مزيد توضيح لذلك فإنا نقول متى كانت الغنم أربعمائة إلا واحدة و حال عليها الحول فإن النصاب منها و هو ثلاثمائة و واحدة قد وجبت فيه أربع شياه، فمحل الفرض و الوجوب هو النصاب الذي هو ثلاثمائة و واحدة و إن كان شائعا في الجملة المذكورة، و الفريضة و هي أربع شياه إنما تعلقت به و إن كانت شائعة في المجموع فلو تلفت واحدة من هذه الغنم على الوجه المفروض لم يضر ذلك بالفريضة بل يجب إخراج تلك الأربع شياه التي أوجبها الشارع في النصاب، لأن النصاب موجود لم يلحقه نقص بتلف هذه الشياه و الإيجاب إنما تعلق به، و لو تم ما ذكروه لاستلزم أنه متى حال الحول على هذه الغنم المذكورة فإنه لا يجوز للمالك التصرف في شيء منها قبل إخراج الزكاة إلا مع ضمانها تحقيقا للشياع الذي ذكروه، بعين ما صرحوا به في التصرف في النصاب بعد حول الحول و قبل إخراج الزكاة من حيث شيوع حصة الفقراء فيه، و هو باطل قطعا فإنه ما دام النصاب باقيا له التصرف في الزائد بما أراد و لا يتعلق المنع إلا بالنصاب خاصة.
و قال في المدارك: و لو تلفت الشاة من الثلاثمائة و واحدة سقط من الفريضة جزء من خمسة و سبعين جزء من شاة إن لم تجعل الشاة الواحدة جزء من النصاب و إلا كان الساقط منه جزء من خمسة و سبعين جزء و ربع جزء.
و تنظر فيه الفاضل الخراساني في الذخيرة بأنه على تقدير عدم كون الواحدة جزء من الفريضة تكون الواحدة مثل الزائد عليها في عدم سقوط شيء من الفريضة بعد التلف كما ذكروه بالنسبة إلى الأربعمائة لو نقصت. و هو كذلك.
و كيف كان فبناء الأحكام الشرعية على مثل هذه الفروض الغريبة النادرة مشكل.
الثانية [لا تؤخذ المريضة من الصحاح و لا الهرمة و لا ذات العوار]
- قد صرح الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) بأنه لا تؤخذ المريضة من الصحاح و لا الهرمة و لا ذات العوار، و العوار مثلثة: العيب كما في القاموس. و الحكم بعدم أخذ هذه مجمع عليه بينهم.
65
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثانية لا تؤخذ المريضة من الصحاح و لا الهرمة و لا ذات العوار ج 12 ص 65
و استدل عليه في المنتهى بقوله تعالى «وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ» «1» و تدل عليه
صحيحة محمد بن قيس المتقدمة في نصاب الغنم «2» و قوله فيها: «و لا تؤخذ هرمة و لا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق».
و مقتضى الرواية جواز أخذ ذلك متى رضي المصدق.
هذا إذا كان في النصاب ما هو سالم من هذه الأوصاف و لو كان النصاب كله منها لم يكلف شراء الخالي منها إجماعا. و الممتزج يخرج منه بالنسبة. و لا فرق في هذا الحكم بين الغنم و الإبل و البقر.
الثالثة [أسماء الغنم باعتبار أسنانها]
- المشهور بين الأصحاب بل ادعى عليه في الخلاف الإجماع أن الواجب في الشاة التي تؤخذ في الزكاة من الغنم و الإبل أن يكون أقله جذعا من الضأن و ثنيا من المعز. و قيل بأنه ما يسمى شاة، و هو الأصح و إليه ذهب جملة من أفاضل متأخري المتأخرين، عملا بإطلاق الأخبار المتقدمة في نصب الغنم و الإبل.
و استدل على المشهور كما ذكره في المعتبر
بما رواه سويد بن غفلة «3» قال:
«أتانا مصدق رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و قال نهينا أن نأخذ الراضع و أمرنا أن نأخذ الجذعة و الثنية».
و الظاهر أن الخبر المذكور عامي فإنه غير موجود في أصولنا.
قال الشيخ في المبسوط: و أسنان الغنم أول ما تلد الشاة يقال لولدها سخلة ذكرا كان أو أنثى في الضأن و المعز سواء، ثم يقال بعد ذلك بهمة ذكرا كان أو أنثى فيهما سواء، فإذا بلغت أربعة أشهر فهي من المعز جفر للذكر و الأنثى جفرة و الجمع
______________________________
(1) سورة البقرة الآية 270.
(2) ص 58.
(3) لم نجد الحديث باللفظ المذكور في ما وقفنا عليه من كتب العامة، و في سنن أبي داود ج 2 ص 102 رقم 579 عن سويد بن غفلة قال «أخبرني من سار مع مصدق النبي «ص» فإذا في عهد رسول اللّٰه «ص» أن لا نأخذ من راضع لبن و لا نجمع بين مفترق و لا نفرق بين مجتمع»
و في المغني ج 3 ص 605 روى مالك عن سويد بن غفلة قال «أتانا مصدق رسول اللّٰه «ص» و قال أمرنا رسول اللّٰه «ص» أن نأخذ الجذعة من الضأن و الثنية من المعز».
نعم أورد الشيخ في الخلاف ص 116 الحديث باللفظ المذكور في المتن.
66
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثالثة أسماء الغنم باعتبار أسنانها ج 12 ص 66
جفار، و إذا جاوزت أربعة أشهر فهي العتود و جمعها عتدان و عريض و جمعها عرضان و من حين ما تولد إلى هذه الغاية يقال لها عناق للأنثى و الذكر جدي، فإذا استكملت سنة فالأنثى عنز و الذكر تيس، فإذا دخلت في الثانية فهي جذعة و الذكر جذع، فإذا دخلت في الثالثة فهي الثنية و الذكر الثني، فإذا دخلت في الرابعة فرباع و رباعية، و إذا دخلت في الخامسة فهي سديس و سدس، فإذا دخلت في السادسة فهي صالغ، ثم لا اسم لها بعد هذا السن لكن يقال صالغ عام و صالغ عامين و على هذا أبدا، و أما الضأن فالسخلة و البهمة مثل ما في المعز سواء ثم هو حمل للذكر و الأنثى إلى سبعة أشهر فإذا بلغت سبعة أشهر قال ابن الأعرابي إن كان بين شابين فهو جذع و إن كان بين هرمين فلا يقال جذع حتى يستكمل ثمانية أشهر، و هو جذع أبدا حتى يستكمل سنة فإذا دخل في الثانية فهو ثني و ثنية على ما ذكرناه في المعز سواء إلى آخرها. و إنما قيل جذع في الضأن إذا بلغ سبعة أشهر و أجزأ في الأضحية لأنه إذا بلغ هذا الوقت كان له نزو و ضراب و المعز لا ينزو حتى يدخل في السنة الثانية فلهذا أقيم الجذع في الضحايا مقام الثني من المعز و أما الذي يؤخذ في الصدقة فمن الضأن الجذع و من الماعز الثني. انتهى كلام الشيخ (قدس سره) و بنحوه صرح العلامة في المنتهى و التذكرة.
و مقتضاه أن الجذع من المعز ما دخل في الثانية و الثني ما دخل في الثالثة، و الجذع من الضأن ما بلغ سبعة أشهر إن كان بين شابين و ما استكمل ثمانية أشهر إن كان بين هرمين، و الثني منها ما دخل في الثانية.
و في الصحاح أن الجذع يقال لولد الشاة في السنة الثانية. و في النهاية أنه من البقر و المعز ما دخل في السنة الثانية، و قيل البقر في الثالثة، و من الضأن ما تمت له سنة و قيل أقل منها. و عن الأزهري الجذع من المعز لسنة و من الضأن لثمانية أشهر.
و في المغرب الجذع من المعز لسنة و من الضأن لثمانية أشهر. و في كتاب المصباح المنير و الجذع ولد الشاة في السنة الثانية. ثم نقل عن ابن الأعرابي أن الجذع من الضأن إذا كان من شابين يجذع لستة أشهر إلى سبعة أشهر و إذا كان من هرمين
67
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثالثة أسماء الغنم باعتبار أسنانها ج 12 ص 66
أجذع من ثمانية إلى عشرة.
و هذا الكلام كله متفق على أن الجذع من المعز ما دخل في السنة الثانية و من الضأن ما له سبعة أشهر إلى عشرة، و القول بالستة نادر.
و أما الثني فقد عرفت من كلام الشيخ أنه من المعز ما دخل في الثالثة و من الضأن ما دخل في الثانية، و نقل عن الجوهري أنه يكون في الظلف و الحافر في السنة الثالثة. و بمثل ذلك صرح الفيومي في كتاب المصباح المنير و صاحب القاموس و صاحب المغرب. و في النهاية الثنية من الغنم ما دخل في السنة الثالثة و من البقر كذلك. و هو موافق لما تقدم. و قال في المجمل: و إذا دخل ولد الشاة في السنة الثانية فهو ثني و الأنثى ثنية.
و قال في كتاب مجمع البحرين: و الثني الذي ألقى ثنيته و هو من ذوات الظلف و الحافر في السنة الثالثة و من ذوات الخف في السنة السادسة و هو بعد الجذع.
إلى إن قال: و على ما ذكرناه من معرفة الثني الجمع من أهل اللغة. و قيل الثني من الخيل ما دخل في الرابعة و من المعز ما له سنة و دخل في الثانية. و قد جاء في الحديث و الثني من البقر و المعز هو الذي تم له سنة. و في المجمع الثنية من الغنم ما دخل في الثالثة و كذا من البقر و الإبل في السادسة و الذكر ثني، و عن أحمد من المعز في الثانية. انتهى إلى هنا كلام صاحب مجمع البحرين. و منه يظهر الاختلاف في الثني إلا أن ظاهر المشهور عند أهل اللغة أنه في السنة الثالثة من ذوات الظلف بقرا أو معزا أو ضأنا.
و أما كلام الفقهاء (رضوان اللّٰه عليهم) فالمنقول عن العلامة و من تبعه من المتأخرين أن الجذع ما كمل له سبعة أشهر و الثني ما كمل له سنة و دخل في الثانية و ظاهرهم الأعم من الضأن و المعز.
و الجمع بين كلامهم و كلام أهل اللغة لا يخلو من الإشكال، و لا ريب أن الاحتياط يقتضي العمل بما ذكره أهل اللغة إلا أن يعلم لهم مستند من الأخبار في ما ذكروه.
الرابعة [هل تعد الأكولة و فحل الضراب؟]
- اختلف الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في عد الأكولة و فحل
68
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الرابعة هل تعد الأكولة و فحل الضراب ج 12 ص 68
الضراب فالمشهور عدهما و ذهب جمع من الأصحاب: منهم- المحقق في النافع و الشهيد في اللمعة و العلامة في الإرشاد إلى عدم عدهما، و يدل عليه ظاهر
صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج «1» و قوله عليه السلام فيها «ليس في الأكيلة و لا في الربى- و الربى التي تربى اثنين- و لا شاة لبن و لا فحل الغنم صدقة».
و ما ذكره في المدارك- من قوله بعد نقلها أنها غير صريحة في المطلوب لاحتمال أن يكون المراد بنفي الصدقة فيها عدم أخذها في الصدقة لا عدم تعلق الزكاة بها- بعيد غاية البعد لأنها و إن لم تكن صريحة كما ذكره إلا أنها ظاهرة في ذلك تمام الظهور، و الاستدلال لا يختص بالصريح بل كما يقع به يقع بالظاهر بل أغلب الاستدلالات إنما هي بالظاهر، و لا يخفى أن المتبادر من قول الشارع «ليس في هذا صدقة» أنه ليس من ما تجب فيه الصدقة بأن يكون من الأجناس الزكوية لا بمعنى أنه لا يؤخذ في الزكاة. و التأويل بارتكاب الخروج عن الظواهر إنما يصار إليه في مقام ضرورة الجمع و ليس هنا ما يعارض هذه الصحيحة إن كان إلا ما يتخيل من إطلاق الأخبار
كقولهم (عليهم السلام) «2» «في كل أربعين شاة شاة».
و القاعدة في مثله حمل المطلق على المقيد.
و ممن وافقنا على بعد هذا التأويل الفاضل الخراساني في الذخيرة مع اقتفائه أثر كلام السيد المشار إليه غالبا و انتصاره له في كثير من المواضع، حيث قال بعد نقل كلامه: و ما ذكره من الاحتمال بعيد جدا. انتهى.
و ما أيد به هذا الحمل في المدارك- من قوله بعد العبارة المتقدمة: بل ربما تعين المصير إلى هذا الحمل لاتفاق الأصحاب ظاهرا على عد شاة اللبن و الربى- ففيه أن ما ذكره من الاتفاق غير معلوم و لا مدعى في المسألة، مع مناقشته في الإجماع الذي يدعونه في غير مقام و إن كان يستسلقه و يوافقهم في أمثال هذا الكلام، و مع
______________________________
(1) الفروع ج 1 ص 151 و في الوسائل الباب 10 من زكاة الأنعام.
(2) الوسائل الباب 6 من زكاة الأنعام رقم (1).
69
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الرابعة هل تعد الأكولة و فحل الضراب ج 12 ص 68
فرض دعواه فأي مانع من العمل بظاهر الخبر و ترجيحه على الإجماع المذكور؟
و مع تسليم العمل به و ترجيحه على الخبر فأي مانع من العمل بالخبر المذكور في الباقي من ما لم يقم إجماع و لا دليل على ما ينافيه؟ و هل هو إلا من قبيل العام المخصوص؟
و بالجملة فالظاهر عندي هو القول بما دل عليه الخبر المذكور في الأكولة و فحل الضراب كما هو القول الآخر، و القول بما دل عليه ظاهر الخبر من عدم عد شاة اللبن و الربى غير بعيد لدلالة الصحيحة المذكورة عليه من غير معارض ظاهر في البين.
و إلى ما ذكرنا يشير كلام المحقق المولى الأردبيلي (قدس سره) حيث قال و أيضا
روى في الكافي صحيحا عن عبد الرحمن الثقة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» أنه قال: «ليس في الأكيلة و لا في الربى التي تربى اثنين و لا شاة لبون و لا فحل الغنم صدقة».
و الظاهر منه عدم الحساب في النصاب و القول بذلك غير بعيد كما نقل القول به في الفحل عن أبي الصلاح. انتهى.
و تردد المحدث الكاشاني في المفاتيح في هذه المسألة من حيث بعد التأويل المذكور عن ظاهر الخبر.
و من هفوات صاحب الوسائل جموده هنا على القول المشهور و تأويله الخبر المذكور بما ذكره في المدارك.
هذا بالنسبة إلى العد و أما الأخذ في الفريضة فظاهرهم الاتفاق على أنه لا تؤخذ الربى و لا الأكولة و لا فحل الضراب.
و يدل على ذلك
موثقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «لا تؤخذ الأكولة- و الأكولة الكبيرة من الشاة تكون في الغنم- و لا والدة و لا الكبش الفحل».
و يؤيد المنع من أخذ الأكولة و فحل الضراب أنهما من كرائم الأموال و قد نهي في الخبر عن التعرض لكرائم أموالهم «3».
و الأصحاب قد عللوا المنع في الربى بالإضرار بولدها، و جعلوا الحد في المنع من أخذها إلى خمسة عشر يوما و قيل إلى خمسين يوما. و لم نقف لشيء من هذين
______________________________
(1) الوسائل الباب 10 من زكاة الأنعام.
(2) الوسائل الباب 10 من زكاة الأنعام.
(3) سنن ابن ماجة ج 1 ص 543.
70
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الرابعة هل تعد الأكولة و فحل الضراب ج 12 ص 68
التحديدين على مستند.
و الذي يفهم من كلام أهل اللغة أن الربى هي التي ولدت حديثا كما في الصحاح و في النهاية أنها القريبة العهد بالولادة. إلا أنه قد تقدم
في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج «1» «و الربى هي التي تربى اثنين».
و المستفاد منها تفسير الربى في هذا المقام بذلك، و هو مشكل لمخالفته للعرف و كلام أهل اللغة كما عرفت. إلا أن الصحيحة المذكورة رواها في الفقيه «2» بهذه الصورة «و لا في الربى التي تربى اثنين» و هو أظهر إلا أن فيه تخصيص الحكم بالتي تربى اثنين.
الخامسة [هل يتخير المالك في إخراج أي صنف في الأنعام الثلاثة؟]
- الظاهر أنه لا خلاف في أن النصاب المجتمع من المعز و الضأن و كذا من الإبل العراب و البخاتي و كذا من الجاموس و البقر تجب فيه الزكاة، لأن كلا من هذين الصنفين داخل تحت جنس واحد من هذه الأجناس التي تعلقت بها الزكاة، و الأول يجمعه جنس الغنم و الثاني جنس الإبل و الثالث جنس البقر.
و إنما الخلاف في أنه هل للمالك الخيار في الإخراج من أي الصنفين شاء و إن تفاوتت القيم أو أنه يجب التقسيط و الأخذ من كل بقسطه مطلقا أو يناط بتفاوت القيم؟ أقوال ثلاثة أشهرها الثاني و أظهرها الأول و أحوطها الثالث، و حينئذ فلو كان عند المالك نصب عديدة بعضها من الإبل العراب و بعضها من البخاتي أخرج من العراب عربية و من البخاتي بختية من كل نصاب من صنفه، و هكذا البقر و الغنم. و لو كان النصاب مجتمعا من صنفي ضأن و معز مثلا فإن كانت الغنم متحدة القيم فلا إشكال في إخراج أي صنف كان، و إن تفاوتت القيم يرجع إلى التقسيط، كأن يكون عشرون من البقر و عشرون من الجاموس و التبيع من البقر و هو الفريضة قيمته اثنا عشر درهما مثلا و من الجاموس قيمته أربعة عشر أخرج تبيعا قيمته ثلاثة عشر بقرا كان أو جاموسا، هذا على المشهور و أما على ما اخترناه
______________________________
(1) ص 69 و اللفظ هكذا «و الربى التي تربى اثنين».
(2) الوسائل الباب 10 من زكاة الأنعام.
71
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الخامسة هل يتخير المالك في إخراج أي صنف في الأنعام الثلاثة ج 12 ص 71
و إليه مال جملة من محققي متأخري المتأخرين فإنه يكتفي بما يصدق عليه من ذلك الجنس كما يستفاد من ظواهر الأدلة و إن كان الاحتياط في ما ذكروه.
السادسة [هل تجزئ القيمة في الأنعام]
- الظاهر أنه لا خلاف في الاجتزاء بالقيمة في النقدين و الغلات، و يدل عليه
ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن محمد بن خالد البرقي «1» قال: «كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام هل يجوز أن يخرج عن ما يجب في الحرث من الحنطة و الشعير و ما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوى أم لا يجوز إلا أن يخرج من كل شيء ما فيه؟ فأجاب عليه السلام أيما تيسر يخرج».
و رواه الصدوق بإسناده إلى محمد بن خالد مثله «2».
و ما رواه في الصحيح عن علي بن جعفر «3» قال: «سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير و عن الدنانير دراهم بالقيمة أ يحل ذلك؟ قال لا بأس به».
و رواه الحميري في قرب الإسناد «4» و رواه الصدوق بإسناده إلى علي بن جعفر «5» و رواه علي بن جعفر في كتابه «6».
و إنما الخلاف في زكاة الأنعام هل يجب الإخراج من العين ما دام متمكنا أو يجوز الانتقال إلى القيمة و إن أمكن الإخراج من العين؟ قولان نقل أولهما عن الشيخ المفيد في المقنعة حيث قال: لا يجوز إخراج القيمة في زكاة الأنعام إلا أن تعدم الأسنان المخصوصة في الزكاة. و يفهم من كلام المحقق في المعتبر الميل إليه. و ثانيهما عن الشيخ في الخلاف فإنه قال: يجوز إخراج القيمة في الزكاة كلها أي شيء كانت القيمة و تكون القيمة على وجه البدل لا على أنها أصل. و إلى هذا القول ذهب أكثر المتأخرين، و استدل عليه في الخلاف بإجماع الفرقة و أخبارهم. و رده في المعتبر بمنع الإجماع و عدم دلالة الأخبار على موضع النزاع. و هو كذلك. و سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى مزيد تحقيق في هذه المسألة في زكاة الغلات.
المقام الرابع- في بيان الشروط المتعلقة بالوجوب
و هي أربعة: النصاب و قد
______________________________
(1) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب و الفضة.
(2) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب و الفضة.
(3) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب و الفضة.
(4) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب و الفضة.
(5) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب و الفضة.
(6) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب و الفضة.
72
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الرابع في بيان الشروط المتعلقة بالوجوب ج 12 ص 72
تقدم الكلام فيه، و الحول و السوم و أن لا تكون عوامل، و ما يتبع هذا المقصد من بعض المسائل، فالكلام في هذا المقام يقع في مواضع أربعة:
[الموضع] الأول- في الحول
و هو من ما وقع الاتفاق عليه نصا و فتوى، و من الأخبار
قولهما (عليهما السلام) في صحيحة الفضلاء «1» المتقدمة «و كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شيء عليه فإذا حال عليه الحول وجب عليه».
و نحوها غيرها من الأخبار الكثيرة.
و لا يخفى أن الحول لغة و عرفا إنما هو عبارة عن اثني عشر شهرا و هي تمام السنة إلا أنه لما ورد عنهم (عليهم السلام) إطلاق الحول في الزكاة على أحد عشر شهرا صار هذا معنى شرعيا للحول، فحيثما أطلق في كلام الأصحاب في هذا الباب و كذا في الأخبار فإنما يراد به هذا المعنى، و الظاهر إنه لا خلاف فيه إلا ما يظهر من المحدث الكاشاني في الوافي كما سيأتي.
و استدل الأصحاب على ذلك
بحسنة زرارة بإبراهيم بن هاشم «2» التي هي صحيحة عندنا و فيها «قال زرارة فقلت له رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا بها من الزكاة فعل ذلك قبل حلها بشهر؟ فقال إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول و وجبت عليه فيها الزكاة. الحديث».
و في صدر الخبر المذكور ما يدل على ذلك أيضا كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى ذكره.
و بالجملة فإنه لا إشكال و لا خلاف في ذلك بينهم، إنما الخلاف في موضعين:
أحدهما- أنه هل يحتسب هذا الشهر بعد حصول الوجوب بهلاله من الحول الثاني أو الأول؟ قولان أولهما لفخر المحققين ابن العلامة (قدس اللّٰه تعالى روحيهما) و الثاني- للشهيد (قدس سره) في البيان و الدروس.
حجة القول الأول أن الفاء تقتضي التعقيب بلا فصل فبأول جزء منه يصدق
______________________________
(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الأنعام.
(2) الوسائل الباب 12 من زكاة الذهب و الفضة.
73
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الموضع الأول في الحول ج 12 ص 73
أنه حال عليه الحول و «حال» فعل ماض لا يصدق إلا بتمامه. و ربما يناقش في أن التعقيب إنما هو مقتضى الفاء العاطفة و أما الفاء الجزائية فإنه محل خلاف. إلا أن الظاهر أن هذا المعنى من ما يتبادر من ترتب الجزاء على الشرط هنا.
حجة القول الثاني أن الحول لغة عبارة عن تمام الاثني عشر و الأصل عدم النقل، قال شيخنا الشهيد الثاني في شرح المسالك: اعلم أن الحول لغة اثنا عشر شهرا و لكن أجمع أصحابنا على تعلق الوجوب بدخول الثاني عشر، و قد أطلقوا على أحد عشر اسم الحول أيضا بناء على ذلك،
و ورد عن الباقر و الصادق (عليهما السلام) «1» «إذا دخل الثاني عشر فقد حال الحول و وجبت الزكاة».
فصار الأحد عشر حولا شرعيا.
إلى أن قال: إذا تقرر ذلك فنقول لا شك في حصول أصل الوجوب بتمام الحادي عشر و لكن هل يستقر الوجوب به أم يتوقف على تمام الثاني عشر؟ الذي اقتضاه الإجماع و الخبر السالف الأول، لأن الوجوب دائر مع الحول وجودا مع باقي الشرائط و عدما
لقول النبي صلى اللّٰه عليه و آله «2» «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول».
و قول الصادق عليه السلام «3» «لا تزكه حتى يحول عليه الحول».
و قد تقدم في الخبر السالف «إذا دخل الثاني عشر فقد حال الحول و وجبت الزكاة» و الفاء تقتضي التعقيب بغير مهلة فيصدق الحول بأول جزء منه و «حال» فعل ماض لا يصدق إلا بتمامه، و حيث ثبت تسمية الأحد عشر حولا شرعيا قدم على المعنى اللغوي لما تقرر من أن الحقيقة الشرعية مقدمة على اللغوية. و يحتمل الثاني لأنه الحول لغة و الأصل عدم النقل، و وجوبه في الثاني عشر لا يقتضي عدم كونه من الحول الأول لجواز حمل الوجوب بدخوله على غير المستقر. و الحق إن الخبر السابق إن صح فلا عدول عن
______________________________
(1) الوسائل الباب 12 من زكاة الذهب و الفضة. و الظاهر أن الرواية عن الباقر «ع» كما يظهر بمراجعة الفروع ج 1 ص 148 و التهذيب ج 1 ص 358.
(2) سنن البيهقي ج 4 ص 95.
(3) الوسائل الباب 15 من زكاة الذهب و الفضة، و اللفظ «لا يزكيه.».
74
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الموضع الأول في الحول ج 12 ص 73
الأول لكن في طريقه كلام و العمل على الثاني متعين إلى أن يثبت، و حينئذ فيكون الثاني عشر جزء من الأول و استقرار الوجوب مشروط بتمامه. انتهى كلامه زيد مقامه.
و ظاهر هذا الكلام اختيار كون الوجوب غير مستقر بمجرد دخول الثاني عشر و هو خلاف ما عليه ظاهر الأصحاب من استقرار الوجوب بدخوله. و هذا هو الموضع الثاني من موضعي الخلاف المشار إليه آنفا.
ثم إن السيد السند في المدارك اعترض جده هنا بكلام أوردناه في شرحنا على المدارك و بينا ما فيه.
و ظاهر المحدث الكاشاني في الوافي الطعن في دلالة الخبر المذكور و حمله على مورده من حكم الفرار، حيث قال في الكتاب المذكور: لعل المراد بوجوب الزكاة و حول الحول برؤية هلال الثاني عشر الوجوب و الحول لمريد الفرار بمعنى أنه لا يجوز الفرار حينئذ لاستقرار الزكاة في المال بذلك، كيف و الحول معناه معروف و الأخبار بإطلاقه مستفيضة، و لو حملناه على معنى استقرار الزكاة فلا يجوز تقييد ما ثبت بالضرورة من الدين بمثل هذا الخبر الواحد الذي فيه ما فيه و إنما يستقيم بوجوه من التكلف. انتهى. و هو جيد لو لا اتفاق الأصحاب قديما و حديثا على العمل بمضمونه في الزكاة مطلقا لا بخصوص هذا الفرد الذي ذكره.
أقول: و من ما يؤيد ما ذكره (طاب ثراه)
صحيحة عبد اللّٰه بن سنان «1» قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام لما نزلت آية الزكاة «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» «2» و أنزلت في شهر رمضان فأمر رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله مناديه فنادى في الناس أن اللّٰه تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة. ففرض اللّٰه عليهم من الذهب و الفضة و فرض عليهم الصدقة من الإبل و البقر و الغنم و من الحنطة و الشعير
______________________________
(1) ارجع إلى الصفحة 3.
(2) سورة التوبة الآية 103.
75
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الموضع الأول في الحول ج 12 ص 73
و التمر و الزبيب، و نادى فيهم بذلك في شهر رمضان و عفا لهم عن ما سوى ذلك. قال ثم لم يتعرض لشيء من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فصاموا و أفطروا فأمر مناديه فنادى في المسلمين أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل صلاتكم. ثم وجه عمال الصدقة و عمال الطسوق».
و هو ظاهر كما ترى في اعتبار حول الاثني عشر شهرا.
و يمكن الجمع بين هذا الخبر و الخبر المتقدم بما ذكره شيخنا الشهيد الثاني من حصول الوجوب بدخول الثاني عشر و إن كان لا يستقر إلا بتمامه.
و ما ذكره المحدث المشار إليه- من الإشارة إلى ما في الخبر المذكور من الإشكال في مواضع منه- متجه، فإن الخبر طويل مشتمل على بعض الأحكام العويصة الغير الظاهرة بل الظاهرة المخالفة إلا بتكلفات بعيدة، و سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى نقل الخبر المذكور بتمامه و الكلام فيه.
مسائل
إذا عرفت ذلك فاعلم أن تنقيح هذا الموضع يتوقف على رسم مسائل:
الأولى [بطلان الحول باختلال أحد الشروط]
- الظاهر أنه لو اختل أحد الشروط الموجبة للزكاة في أثناء الحول بطل الحول، و هو بالنسبة إلى النصاب اتفاقي و أما بالنسبة إلى غيره من الشروط ففيه خلاف سيأتي التنبيه عليه إن شاء اللّٰه تعالى في مواضعه.
الثانية- لو عاوض الأنعام بجنسها
كالغنم بالغنم الشامل لصنفي الضأن و المعز أو بغير جنسها كالغنم بالبقر مثلا سقطت الزكاة.
و الخلاف هنا في موضعين
أحدهما- في المعاوضة لا بقصد الفرار
، و قد نقل عن الشيخ في المبسوط أنه ذهب إلى أن المعاوضة بالجنس لا تقطع الحول لصدق الاسم. و هو ضعيف فإن ظواهر الأخبار تعلق الحكم بالأعيان فمتى تبدلت سقط الحكم
الثاني- في المعاوضة بقصد الفرار
و المشهور العدم، و قال الشيخ في المبسوط إن بادل بجنسه أو بغير جنسه فرارا وجبت الزكاة. و إليه ذهب في موضع من التهذيب و هو منقول عن السيد المرتضى في كتاب الإنتصار مدعيا عليه الإجماع. و سيأتي تحقيق المسألة إن شاء اللّٰه تعالى في زكاة النقدين.
76
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثالثة إذا حال الحول على النصاب مستكملا للشرائط ثم تلف منه شيء ج 12 ص 77
الثالثة- إذا حال الحول على النصاب مستكملا للشرائط ثم تلف منه شيء
فإن كان عن تفريط و لو بتأخير الإخراج مع التمكن ضمن المالك و إلا وزع التالف على النصاب و سقط من الفريضة بالنسبة، و أما مع وجود الزيادة على النصاب فقد تقدم بيان الحكم فيه في المسألة الأولى من المقام الثالث.
الرابعة [لا تعد الأولاد مع الأمهات]
- لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في أنه لا تعد الأولاد مع الأمهات بل لكل منهما حول بانفراده للأخبار الكثيرة الدالة على أن
كل ما لا يحول عليه الحول عند ربه فلا شيء عليه «1».
و قوله عليه السلام في صحيحة زرارة «2» «ليس في صغار الإبل شيء حتى يحول عليها الحول من يوم تنتج».
و مثلها غيرها، و حينئذ فلو كانت الأولاد المتجددة نصابا مستقلا كما لو ولدت خمس من الإبل خمسا فلكل حول بانفراده، و لو ولدت أربعون من الغنم أربعين وجب في الأمهات شاة عند تمام حولها و لم يجب في السخال شيء، فإن الزائد على الأربعين عفو حتى يصل إلى النصاب الثاني و هو مائة و إحدى و عشرون. و احتمل المحقق في المعتبر وجوب شاة في الثانية عند تمام حولها
لقوله عليه السلام «3» «في كل أربعين شاة شاة».
و فيه أن الظاهر اختصاص الرواية بالنصاب الأول المبتدأ إذ لو ملك ثمانين دفعة لم تجب عليه شاتان إجماعا.
نعم يبقى الإشكال في ما لو كانت الزيادة متممة للنصاب الثاني بعد إخراج ما وجب في الأول، كما لو ولدت ثلاثون من البقر أحد عشر، و ثمانون من الغنم اثنين و أربعين، فهل يسقط اعتبار الأول و يعتبر الجميع نصابا واحدا من الزمان الثاني بمعنى أنه يلغى ما مضى من حول الأمهات و يعتبر النصاب من زمان وجود الزيادة، أو وجوب زكاة كل منهما عند انتهاء حوله فيخرج عند انتهاء حول الأول في المثال المتقدم تبيع و شاة و عند
______________________________
(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الأنعام.
(2) الوسائل الباب 9 من زكاة الأنعام.
(3) الوسائل الباب 6 من زكاة الأنعام.
77
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الرابعة لا تعد الأولاد مع الأمهات ج 12 ص 77
مضى سنة من تلك الزيادة شاتان و مسنة، أو عدم ابتداء حول الزائد حتى ينتهي حول الأول ثم استئناف حول للجميع؟ أوجه اختار جملة من المتأخرين منها الوجه الأخير لوجوب إخراج زكاة الأول عند تمام حوله لوجود المقتضي و انتفاء المانع، و متى وجب إخراج زكاته منفردا امتنع اعتباره منضما إلى جزئه في ذلك الحول للأصل
و قوله صلى اللّٰه عليه و آله «1» «لا ثنى في صدقة».
و قوله عليه السلام في حسنة زرارة «2» «لا يزكى المال من وجهين في عام واحد».
و المسألة لا تخلو من إشكال لعدم النص فيها و إن كان ما ذكروه من الوجه هو أقرب الوجوه المذكورة.
الخامسة- إذا ارتد المسلم الفطري قبل تمام الحول
استأنف ورثته الحول لانتقال المال إليهم و لا يعتبر بما مضى من الحول في ملك المورث كما لو مات. و أما الملي فحيث لا يجب قتله حتى يستتاب فلا تجري عليه أحكام الردة و لا تخرج أمواله عن ملكه بمجرد الردة و إن حجر عليه التصرف فيها حتى يتوب، و لو استتيب ثلاثا و لم يتب وجب قتله و تعلق به الحكم المتقدم.
الموضع الثاني- في السوم
و هو لغة الرعي، و لا بد أن يكون طول الحول فلا تجب الزكاة في المعلوفة، و الحكم مجمع عليه كما نقله غير واحد.
و يدل عليه من الأخبار
قول الصادقين (عليهما السلام) في صحيحة الفضلاء «3» «ليس على العوامل من الإبل و البقر شيء إنما الصدقات على السائمة الراعية».
و الظاهر أن وصف الراعية كاشف لما عرفت من أن السوم لغة الرعي كما تدل عليه موثقة زرارة الآتية
و قوله عليه السلام «4» في حسنة الفضلاء المشار إليها بعد ذكر نصاب الإبل «و لا على العوامل شيء إنما ذلك على السائمة الراعية».
و قول أبي عبد اللّٰه عليه السلام
______________________________
(1) النهاية لابن الأثير مادة «ثني» و «ثنى» على وزن «إلى».
(2) ص 39.
(3) الوسائل الباب 7 من زكاة الأنعام، و قوله «من الإبل و البقر» منه (قدس سره) باعتبار وروده فيهما.
(4) الوسائل الباب 7 من زكاة الأنعام. و اللفظ مطابق للوافي و في الفروع و التهذيب و الوسائل «و ليس.» كما تقدم.
78
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الموضع الثاني في السوم ج 12 ص 78
في صحيحة زرارة الواردة في الخيل «1» حيث قال له الراوي «هل على الفرس أو على البعير يكون للرجل يركبهما شيء؟ قال لا ليس على ما يعلف شيء إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل».
و المرج بالجيم مرعى الدواب و الأخبار المذكورة و إن لم تشتمل على ذكر الغنم إلا أن عموم الجواب كاف في ثبوت الحكم فإن خصوص السبب لا يخصص كما ثبت عندهم في الأصول، مضافا إلى ما في موثقة زرارة الآتية في أول المطلب الثالث «2» من
قوله عليه السلام في عد التسعة التي تجب فيها الزكاة «و الإبل و البقر و الغنم السائمة و هي الراعية».
و اتفاق عامة أهل الإسلام على ذلك «3».
بقي الكلام في تحقيق السوم الذي يترتب عليه الوجوب و العلف الذي ينقطع به السوم في أثناء الحول، فقيل إنه يراعى الأغلب في ذلك و هو منقول عن الشيخ، و قد نص في المبسوط على سقوط الزكاة مع التساوي. و قال ابن إدريس ليس فيها زكاة إلا إذا كانت سائمة طول الحول و لا يعتبر الأغلب في ذلك. و اعتبر المحقق في المعتبر استمرار السوم طول الحول و إنه يزول بالعلف اليسير. و هو يرجع إلى قول ابن إدريس. و اختار العلامة في التحرير و التذكرة اعتبار الاسم فإن بقي عليها اسم السوم وجبت الزكاة و إلا سقطت. و ظاهره إرجاع ذلك إلى العرف و الظاهر أنه هو المشهور بين المتأخرين. و اختار الشيخ في النهاية سقوطه بعلف اليوم و صرح بعدم اعتبار اللحظة. و تردد في الدروس في اليوم في السنة بل في الشهر و استقرب بقاء السوم.
و لا يخفى ما في هذه الأقوال من الإشكال و لا سيما الرجوع إلى العرف كما نبهنا عليه في مواضع من أن العرف مع كونه لا دليل على الرجوع إليه من الأخبار ليس أمرا منضبطا ليصح بناء الأحكام الشرعية عليه.
______________________________
(1) الوسائل الباب 7 من زكاة الأنعام.
(2) الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة رقم 9.
(3) المغني ج 2 ص 596 و 597.
79
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الموضع الثاني في السوم ج 12 ص 78
و أنت خبير بأن ظواهر الأخبار و لا سيما صحيحة زرارة و قوله عليه السلام فيها «إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل» هو اعتبار السوم طول الحول كما هو ظاهر المحقق و ابن إدريس، إلا أنه ينبغي الاحتياط في عدم إسقاط الزكاة بعلف ساعة بل يوم في السنة.
و الظاهر أنه لا فرق في العلف الموجب لسقوط السوم بين كونه من المالك أو الدابة نفسها أو علف الغير لها بإذن المالك أو بغير إذنه من مال المالك أو من مال نفسه، و لا بين أن يكون لعذر يمنع من الرعي كالثلج و نحوه أم لا، لصدق المعلوفة في جميع هذه الصور.
و أما ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني- من أنه يشكل الحكم في ما لو علفها الغير من مال نفسه نظرا إلى المعنى المقصود و الحكمة المقتضية لسقوط الزكاة معه و هي المئونة على المالك الموجبة للتخصيص كما اقتضته في الغلات عند سقيها بالدوالي- فالظاهر ضعفه لأن الأحكام الشرعية لا تبنى على مثل هذه المناسبات، و قيام النصوص في الغلات بما ذكره لا يقتضي الحمل عليه هنا و الخروج عن إطلاق النصوص الموجب لسقوط الزكاة عن المعلوفة مع صدق كونها معلوفة.
فرع [مبدأ حول السخال]
قد صرح جملة من الأصحاب بأن السخال- و المراد بها في كلامهم ما هو أعمّ من أولاد الغنم و إن كان أصل التسمية لغة مخصوصة بأولاد الغنم بعد وضعها كما تقدم- لا تعد في الحول إلا بعد الاستغناء بالرعي ليتحقق شرط السوم بالنسبة إليها كما دلت عليه الأخبار المتقدمة.
و نقل عن الشيخ و جماعة بل الظاهر إنه هو المشهور كما صرح به في المسالك أن حولها من حين النتاج، و عليه تدل الأخبار
كقوله عليه السلام في رواية زرارة «1» «و ما كان من هذه الأصناف الثلاثة الإبل و البقر و الغنم فليس فيها شيء حتى يحول عليها
______________________________
(1) التهذيب ج 1 ص 354 و في الوسائل الباب 2 من زكاة الأنعام رقم «3».
80
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
فرع مبدأ حول السخال ج 12 ص 80
الحول من يوم تنتج».
و صحيحة زرارة أو حسنته بإبراهيم بن هاشم عن أبي جعفر عليه السلام «1» قال: «ليس في صغار الإبل شيء حتى يحول عليها الحول من يوم تنتج».
و رواية ثالثة له عن أحدهما (عليهما السلام) «2» و فيها بعد ذكر الأصناف الثلاثة «و ما كان من هذه الأصناف فليس فيها شيء حتى يحول عليه الحول منذ يوم تنتج».
و استقرب الشهيد في البيان اعتبار الحول من حين النتاج إن كان اللبن عن سائمة. و الظاهر أنه جعله وجه جمع بين أخبار القولين، لأنه متى كان اللبن عن سائمة فكأنه يدخل تحت أخبار السوم و إن كان عن معلوفة فكأنه يدخل تحت المعلوفة فلا يدخل في السوم إلا بعد الاستغناء بالرعي. و مقتضى المشهور هو تقييد أخبار السوم بأخبار النتاج بمعنى أن اشتراط السوم مدة الحول مخصوص بما عدا السخال فإن حولها من يوم النتاج و إن صدق أنها معلوفة.
و كيف كان فالأقرب هو القول المشهور وقوفا على ظاهر هذه الأخبار، إلا أنه
قد روى الكليني و الصدوق في الموثق عن إسحاق بن عمار «3» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام السخل متى تجب فيه الصدقة؟ قال إذا أجذع».
و لا يخفى ما فيه من الإشكال لمخالفته الأخبار و كلام الأصحاب، فإن الجذع من الغنم بناء على كلام الأصحاب ما كمل له سبعة أشهر و على كلام أهل اللغة أنه في الضأن كذلك و في المعز ما دخل في السنة الثانية. و لم أقف على من تعرض للجواب عنه، و يحتمل و إن بعد الحمل على الأخذ في الصدقة بناء على ما تقدم من أحد القولين في المسألة و هو أن أقل أسنان المأخوذ في زكاة الغنم جذع من الضأن و ثني من المعز.
______________________________
(1) الوسائل الباب 9 من زكاة الأنعام.
(2) الوسائل الباب 7 رقم 6 و الباب 9 رقم 1 و لا يخفى أن راوي هذا الحديث هو الشيخ و لم يرد في التهذيب ج 1 ص 360 اللفظ المذكور و إنما وردت فيه الفقرة الآتية فقط «و كل شيء من هذه الأصناف من الدواجن و العوامل فليس فيها شيء حتى يحول عليه الحول منذ يوم تنتج» و أورد اللفظ المذكور في الهامش بعنوان النسخة. نعم في الإستبصار ج 2 ص 24 و الوافي و الوسائل ذكرت الفقرتان معا.
(3) الوسائل الباب 9 من زكاة الأنعام.
81
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الموضع الثالث أنه يشترط في الأنعام أن لا تكون عوامل ج 12 ص 82
الموضع الثالث- أنه يشترط في الأنعام أن لا تكون عوامل
فإنه لا زكاة فيها و إن كانت سائمة، و الحكم المذكور من ما وقع عليه الاتفاق أيضا.
إلا أنه
قد روى إسحاق بن عمار في الموثق «1» قال: «سألته عن الإبل تكون للجمال أو تكون في بعض الأمصار أ تجري عليها الزكاة كما تجري على السائمة في البرية؟
فقال نعم».
و نحوها رواية أخرى له أيضا رواها في الضعيف عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2»
و بسند آخر في الموثق عن أبي إبراهيم عليه السلام «3» قال: «سألته عن الإبل العوامل عليها زكاة؟ فقال نعم عليها زكاة».
و أجاب عنها الشيخ في التهذيب- بعد الطعن فيها أولا بالاضطراب حيث إن إسحاق رواها تارة مرسلا و تارة مسندا- بالحمل على الاستحباب، و تبعه من تأخر عنه من الأصحاب كما هي قاعدتهم في جل الأبواب.
و الأقرب عندي هو الحمل على التقية التي هي الأصل في اختلاف الأخبار و إن لم يكن بها قائل من العامة بالكلية كما أوضحناه في كتابنا الدرر النجفية و المقدمة الأولى من مقدمات هذا الكتاب، مع أن ذلك مذهب مالك أحد الأئمّة الأربعة «4» كما نقله عنه في المعتبر.
و قد صرح الأصحاب بأن الخلاف المتقدم في السوم جار هنا أيضا، قال في البيان: و الكلام في اعتبار الأغلب هنا كالكلام في السوم. و قد صرح الشيخ في المبسوط على ما نقل عنه باعتبار الأغلب هنا أيضا كما ذكره ثمة. و الاحتياط لا يخفى.
الموضع الرابع- في مسائل تلحق بهذا المقصد:
الأولى [لا يضم مال شخص إلى غيره و لا يفرق بين مالي المالك]
- قد صرح الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) من غير خلاف يعرف بأنه لا يضم مال إنسان إلى غيره و إن كانا في مكان واحد بل يعتبر النصاب في مال كل واحد على حدة، و لا يفرق بين مالي المالك و لو تباعد مكانهما بمعنى أنه لا يكون لكل واحد منهما حكم بانفراده بل يقدران مجتمعين
______________________________
(1) الوسائل الباب 7 من زكاة الأنعام.
(2) الوسائل الباب 7 من زكاة الأنعام.
(3) الوسائل الباب 7 من زكاة الأنعام.
(4) المدونة الكبرى ج 1 ص 268.
82
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الأولى لا يضم مال شخص إلى غيره و لا يفرق بين مالي المالك ج 12 ص 82
فإن بلغا النصاب كذلك وجبت الزكاة و إلا فلا.
و هذا الكلام خرج في مقام الرد على العامة حيث ذهب جمع منهم إلى أن الخلطة تجعل المالين مالا واحدا سواء كانت خلطة أعيان كأربعين شاة بين شريكين أو خلطة أوصاف كالاتحاد في المرعى و المشرب و المراح و الفحل و الحلب و الحالب و المحلب مع تميز المالين «1» و هو باطل عندنا لعدم الدليل عليه بل قيام الدليل على خلافه كما في
صحيحة محمد بن قيس عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «و لا يفرق بين مجتمع و لا يجمع بين متفرق».
أي في المالك،
و في حسنة عبد الرحمن بن الحجاج «3» «أن محمد بن خالد سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الصدقة فقال مر مصدقك أن لا يحشر من ماء إلى ماء و لا يجمع بين المتفرق و لا يفرق بين المجتمع».
و يدل على ذلك أيضا إطلاق الأخبار
كقوله عليه السلام «4» «في كل أربعين شاة شاة».
و بالجملة فإنه لا بد من بلوغ كل نصيب نصابا.
و يزيده بيانا
ما رواه الصدوق في كتاب العلل عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «5» في حديث قال فيه «ثم قال زرارة قلت له مائتي درهم بين خمسة أناس أو عشرة حال عليها الحول و هي عندهم أ تجب عليهم زكاتها؟ قال لا هي بمنزلة تلك- يعني جوابه في الحرث- ليس عليهم شيء حتى يتم لكل إنسان منهم مائتا درهم. قلت و كذلك في الشاة و الإبل و البقر و الذهب و الفضة و جميع الأموال؟ قال نعم».
الثانية- لو بيع النصاب بعد الحول و قبل إخراج الزكاة
فإن الزكاة تجب على المشتري و يرجع بها على البائع إلا أن يؤديها البائع.
و يدل عليه
صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه «6» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه
______________________________
(1) المغني ج 2 ص 607.
(2) الوسائل الباب 11 من زكاة الأنعام.
(3) الوسائل الباب 11 من زكاة الأنعام.
(4) الوسائل الباب 6 من زكاة الأنعام.
(5) الوسائل الباب 5 من زكاة الذهب و الفضة.
(6) الوسائل الباب 12 من زكاة الأنعام.
83
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثانية لو بيع النصاب بعد الحول و قبل إخراج الزكاة ج 12 ص 83
عليه السلام رجل لم يزك إبله أو شاته عامين فباعها، على من اشتراها أن يزكيها لما مضى؟ قال نعم تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها البائع أو يؤدي زكاتها البائع».
و هذا الخبر من ما يدل على تعلق الزكاة بالعين و إن جاز الإخراج من غيره رخصة و تخفيفا كما سيأتي تحقيقه إن شاء اللّٰه تعالى.
الثالثة [معنى الرجوع إلى الأسنان]
- قد تكرر في صحيحة الفضلاء بعد ذكر نصب الإبل ثم بعد ذكر نصب البقر أنها ترجع على أسنانها.
و لم أقف على من تعرض للكلام في معنى ذلك إلا على كلام للسيد ماجد بن هاشم البحراني على ما نقل عنه تلميذه المحدث الكاشاني في الوافي حيث قال: المراد برجوع الإبل على أسنانها استئناف النصاب الكلي و إسقاط اعتبار الأسنان السابقة كأنه إذا أسقط اعتبار الأسنان و استؤنف النصاب الكلي تركت الإبل على أسنانها و لم تعتبر كما يقال رجعت الشيء على حاله أي تركته عليه و لم أغيره. و هو و إن كان بعيدا بحسب اللفظ إلا أن السياق يقتضيه، و تعقيب ذكر أنصبة الغنم بقوله «و سقط الأمر الأول» ثم تعقيبه بمثل ما عقب به نصب الإبل و البقر من نفي الوجوب عن النيف يرشد إليه، لأنه جعل إسقاط الاعتبار بالأسنان السابقة في الغنم مقابلا لرجوع الإبل على أسنانها واقعا موقعه و هو يقتضي اتحادهما في المؤدى و ربما أمكن حمله على استئناف النصب السابقة في ما تجدد ملكه في أثناء الحول كما أول به المرتضى (رضي اللّٰه عنه) ما رووه من استئناف الفريضة بعد المائة و العشرين. و قد يقال أراد برجوعها على أسنانها استئناف الفرائض السابقة بعد بلوغ المائة و العشرين بأن يؤخذ للخمس الزائدة بعد المائة و العشرين شاة و للعشر شاتان و هكذا إلى الخمس و العشرين فتؤخذ بنت مخاض و هكذا كما هو قول أبي حنيفة «1» و يكون محمولا على التقية. و الوجه هو الأول لما ذكرنا. انتهى كلامه (علت في الخلد أقدامه) و هو جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه.
الرابعة [النصاب في زكاة الذهب]
- لا خلاف نصا و فتوى في أن ما بين النصابين لا زكاة فيه و هو المشار
______________________________
(1) ارجع إلى التعليقة 1 ص 44.
84
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الرابعة النصاب في زكاة الذهب ج 12 ص 84
إليه في غير خبر من الأخبار المتقدمة
بقولهم (عليهم السلام) «1» «ليس على النيف شيء و لا على الكسور شيء».
و النيف ككيس و قد يخفف و هو الزيادة و كل ما زاد على العقد فهو نيف إلى أن يبلغ العقد الثاني، و يكون بغير تأنيث للمذكر و المؤنث و لا يستعمل إلا معطوفا على العقود فإن كان بعد العشرة فهو لما دونها و إن كان بعد المائة فهو للعشرة فما دونها و إن كان بعد الألف فهو للعشرة فأكثر. هكذا تقرر بينهم. و في بعض كتب أهل اللغة و تخفيف النيف لحن عند الفصحاء. و حكي عن أبي العباس أنه قال الذي حصلناه من أقاويل حذاق البصريين و الكوفيّين أن النيف من واحد إلى ثلاثة و البضع من أربعة إلى تسعة، و لا يقال نيف إلا بعد عقد، نحو عشرة و نيف و مائة و نيف و ألف و نيف. و منه يظهر المدافعة للقول الأول.
و قد جرت عادة الفقهاء في هذا المقام بتسمية ما بين النصابين في الإبل شنقا و في البقر وقصا و في الغنم عفوا، و الشنق بالتحريك و ضبطه بعضهم بضم الشين، و الوقص بفتح القاف، و المستفاد من كلام أكثر أهل اللغة هو ترادف الشنق و الوقص بمعنى ما بين الفريضتين، و بعضهم خص الأول بالإبل و الثاني بالبقر كما عليه الفقهاء و هي أمور اصطلاحية لا مشاحة فيها.
المطلب الثاني- في زكاة النقدين
[شرائط وجوبها]
و هي مشروطة بشروط
الأول- النصاب
و لا خلاف فيه بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) و إنما الخلاف في قدره من الذهب، و المشهور بين الأصحاب هو أن النصاب الأول عشرون دينارا، و الدينار مثقال شرعي، فربما عبر بالمثقال تارة و ربما عبر بالدينار أخرى و المرجع واحد كما سيأتي بيانه و فيها نصف دينار، ثم أربعة دنانير و فيها عشر دينار و قيراطان، و هكذا بالغا ما بلغ.
______________________________
(1) ورد ذلك في ما يخص الأنعام في صحيحة الفضلاء في زكاة الإبل و البقر، و في زكاة الغنم هكذا «و ليس في النيف شيء» فقط، الوسائل الباب 2 و 4 و 6 و 7 من زكاة الأنعام.
و في حديث العلل المتقدم ص 83 النفي في الأنعام و النقدين و في أخبار النقدين نفي الزكاة في النيف في بعضها و نفيها في الكسور في آخر ارجع إلى الوسائل الباب 2 رقم 1 و 6 و 7 و 8 من زكاة الذهب و الفضة.
85
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الأول النصاب ج 12 ص 85
و نقل عن الشيخ علي بن الحسين بن بابويه- و حكاه في المعتبر عن ابنه الصدوق و جماعة من أصحاب الحديث- أن النصاب الأول أربعون دينارا فأربعون و هكذا.
و الأظهر الأول للأخبار المتكاثرة و منها-
ما رواه الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر «1» قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن ما أخرج من المعدن من قليل أو كثير هل فيه شيء؟ قال ليس فيه شيء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا».
و ما رواه الكليني عن الحسين بن بشار في الصحيح «2» قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام في كم وضع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله الزكاة؟ فقال في كل مائتي درهم خمسة دراهم فإن نقصت فلا زكاة فيها، و في الذهب في كل عشرين دينارا نصف دينار فإن نقص فلا زكاة فيه».
و ما رواه فيه في الموثق عن علي بن عقبة و عدة من أصحابنا عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السلام) «3» قالا: «ليس في ما دون العشرين مثقالا من الذهب شيء فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال إلى أربعة و عشرين، و إذا كملت أربعة و عشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية و عشرين، فعلى هذا الحساب كلما زاد أربعة دنانير».
و ما رواه الشيخ في الموثق عن يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» قال: «في عشرين دينارا نصف دينار».
و ما رواه في الموثق عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «5» قال: «في الذهب إذا بلغ عشرين دينارا ففيه نصف دينار و ليس في ما دون العشرين شيء، و في الفضة إذا بلغت مائتي
______________________________
(1) الوسائل الباب 4 من ما يجب فيه الخمس.
(2) الفروع ج 1 ص 154 و في الوسائل الباب 1 و 2 من زكاة الذهب و الفضة.
(3) الوسائل الباب 1 من زكاة الذهب و الفضة.
(4) الوسائل الباب 1 من زكاة الذهب و الفضة.
(5) الوسائل الباب 1 و 2 من زكاة الذهب و الفضة.
86
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الأول النصاب ج 12 ص 85
درهم خمسة دراهم و ليس في ما دون المائتين شيء، فإذا زادت تسعة و ثلاثون على المائتين فليس فيها شيء حتى تبلغ الأربعين، و ليس في شيء من الكسور شيء حتى تبلغ الأربعين و كذلك الدنانير على هذا الحساب».
و ما رواه في الموثق عن زرارة و بكير «1» «أنهما سمعا أبا جعفر عليه السلام يقول في الزكاة أما في الذهب فليس في أقل من عشرين دينارا شيء فإذا بلغت عشرين دينارا ففيه نصف دينار، و ليس في أقل من مائتي درهم شيء فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم فما زاد فبحساب ذلك، و ليس في مائتي درهم و أربعين درهما غير درهم إلا خمسة دراهم، فإذا بلغت أربعين و مائتي درهم ففيها ستة دراهم فإذا بلغت ثمانين و مائتين ففيها سبعة دراهم و ما زاد فعلى هذا الحساب، و كذلك الذهب و كل ذهب. و إنما الزكاة على الذهب و الفضة الموضوع إذا حال عليه الحول ففيه الزكاة و ما لم يحل عليه الحول فليس فيه شيء».
إلى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عن نقلها المقام.
و يدل على القول الثاني
موثقة الفضلاء الأربعة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السلام) «2» أنهما قالا: «في الذهب في كل أربعين مثقالا مثقال، و في الورق في كل مائتين خمسة دراهم، و ليس في أقل من أربعين مثقالا شيء و لا في أقل من مائتي درهم شيء، و ليس في النيف شيء حتى يتم أربعون فيكون فيه واحد».
و استدل عليه أيضا
بما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن زرارة «3» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام رجل عنده مائة درهم و تسعة و تسعون درهما و تسعة و ثلاثون دينارا أ يزكيها؟ قال لا ليس عليه شيء من الزكاة في الدراهم و لا في الدنانير حتم تتم أربعين دينارا و الدراهم مائتي درهم. قال قلت فرجل عنده أربعة أينق و تسعة و ثلاثون شاة و تسعة و عشرون بقرة أ يزكيهن؟ قال لا يزكي شيئا منها لأنه
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 و 2 و؟ 1 من زكاة الذهب و الفضة.
(2) التهذيب ج 1 ص 351 و في الوسائل الباب 1 و 2 من زكاة الذهب و الفضة.
(3) الوسائل الباب 1 من زكاة الذهب و الفضة و 1 من زكاة الأنعام.
87
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الأول النصاب ج 12 ص 85
ليس شيء منهن قد تم فليس تجب فيه الزكاة».
و يشكل بأن هذه الرواية
قد رواها الصدوق في الفقيه «1» بما هذه صورته:
قال زرارة قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: رجل عنده مائة و تسعة و تسعون درهما و تسعة عشر دينارا أ يزكيها؟ فقال لا ليس عليه زكاة في الدراهم و لا في الدنانير حتى يتم. قال زرارة: و كذلك هو في جميع الأشياء. قال و قلت.
إلى آخر ما تقدم.
و بذلك يضعف الاعتماد على رواية الشيخ للخبر المذكور، و لهذا إن المحدث الكاشاني في الوافي إنما نقل الخبر برواية الصدوق ثم نبه على رواية الشيخ و قال إن ما في الفقيه هو الصواب.
و قال في كتاب الفقه الرضوي «2»: «و ليس في ما دون عشرين دينارا زكاة حتى يبلغ عشرين دينارا ففيها نصف دينار، و كل ما زاد بعد العشرين إلى أن يبلغ أربعة دنانير فلا زكاة فيه فإذا بلغ أربعة دنانير ففيه عشر دينار ثم على هذا الحساب.
إلى أن قال بعد ذكر أحكام عديدة: و نروى إنه ليس على الذهب زكاة حتى يبلغ أربعين مثقالا فإذا بلغ أربعين مثقالا ففيه مثقال، و ليس في النيف شيء حتى يبلغ أربعين».
و ظاهر نقله عليه السلام هذه الرواية بعد فتواه سابقا بما قدمنا نقله يعطي أن هذه الرواية ليست معمولا عليها و أن لها معنى آخر يجب أن تحمل عليه، و ليس إلا التقية التي هي في الأحكام الشرعية أصل كل بلية و إن كان القائل بذلك من العامة قليلا «3» لما حققناه في محل أليق و أشرنا إليه في غير موضع من ما تقدم من أنه لا يشترط عندنا في الحمل على التقية وجود القائل بذلك من العامة.
و أما النصاب في الفضة فإن النصاب الأول مائتا درهم و فيها خمسة دراهم ثم
______________________________
(1) ج 2 ص 11 و في الوسائل الباب 5 من زكاة الذهب و الفضة.
(2) ص 22.
(3) المحلى ج 6 ص 66.
88
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الأول النصاب ج 12 ص 85
ليس فيها شيء حتى تبلغ أربعين و فيها درهم و هكذا، و هو من ما لا خلاف فيه نصا و فتوى، و قد تقدم في الأخبار السابقة ما يدل عليه، و مثلها غيرها من الأخبار الكثيرة
الثاني- الحول
و لا بد من وجود النصاب بعينه بشرائطه مدة الحول، و قد تقدم الكلام في تحقيق الحول.
و يدل على هذا الشرط الأخبار الكثيرة و منها-
صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «1» قال: «الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول».
و موثقة زرارة و بكير المتقدمة في المقام «2» و نحوهما غيرهما.
الثالث- كون الذهب و الفضة دنانير و دراهم
منقوشة بسكة المعاملة الحاضرة أو القديمة.
و تدل عليه جملة من الأخبار: منها-
حسنة علي بن يقطين بإبراهيم بن هاشم التي هي صحيحة عندنا عن أبي إبراهيم «3» و فيها «و كل ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شيء. قال قلت و ما الركاز؟ قال الصامت المنقوش».
و ما رواه الشيخ عن جميل عن أبي عبد اللّٰه و أبي الحسن (عليهما السلام) «4» أنهما قالا: «ليس على التبر زكاة إنما هي على الدنانير و الدراهم».
و نحوهما غيرهما.
و أما اشتراط الملك و التمكن من التصرف فقد تقدم و لا وجه لإعادته هنا كما يذكره بعضهم.
مسائل
الأولى [وزن الدينار و الدرهم]
- لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) و غيرهم أيضا أن الدنانير لم يتغير وزنها عما هي عليه الآن في جاهلية و لا إسلام صرح بذلك جملة من علماء الطرفين «5».
______________________________
(1) الوسائل الباب 14 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) ص 87.
(3) الوسائل الباب 8 من زكاة الذهب و الفضة.
(4) الوسائل الباب 8 من زكاة الذهب و الفضة.
(5) المجموع شرح المهذب ج 6 ص 7 و قد حقق فيه وزن الدينار و الدرهم بنحو مبسوط ص 4 و 15.
89
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الأولى وزن الدينار و الدرهم ج 12 ص 89
قال شيخنا العلامة (أجزل اللّٰه إكرامه) في النهاية: و الدنانير لم يختلف المثقال منها في جاهلية و لا إسلام. و كذا نقل عن الرافعي في شرح الوجيز «1» أنه قال:
المثقال لم يختلف في جاهلية و لا إسلام. و الدينار مثقال شرعي فهما متحدان وزنا فلذا يعبر في أخبار الزكاة تارة بالدينار و تارة بالمثقال.
و أما الدراهم فقد ذكر علماء الفريقين أيضا أنها كانت في زمن النبي صلى اللّٰه عليه و آله سابقا كما كان قبل زمانه بغلية و كان وزن الدرهم منها ثمانية دوانيق، و طبرية وزن الدرهم منها أربعة دوانيق، و هكذا بعده صلى اللّٰه عليه و آله إلى زمن بني أمية، فجمعوا الدرهمين و قسموهما نصفين كل درهم ستة دوانيق و استقر أمر الإسلام على ذلك.
قال شيخنا الشهيد في كتاب الذكرى نقلا عن ابن دريد أن الدرهم الوافي هو البغلي بإسكان الغين منسوب إلى رأس البغل ضربه الثاني في خلافته بسكة كسروية و وزنه ثمانية دوانيق، قال: و البغلية كانت تسمى قبل الإسلام بالكسروية فحدث لها هذا الاسم في الإسلام و الوزن بحاله و جرت في المعاملة مع الطبرية و هي أربعة دوانيق، فلما كان زمن عبد الملك جمع بينهما و اتخذ الدرهم منهما و استقر أمر الإسلام على ستة دوانيق. انتهى.
و قد ذكروا في نسبة كل من الدينار و الدرهم إلى الآخر أن الدينار درهم و ثلاثة أسباع درهم و الدرهم نصف الدينار و خمسه، فعلى هذا يكون مقدار عشرة دراهم سبعة دنانير، و تكون العشرون مثقالا التي هي أول نصب الذهب في وزن ثمانية و عشرين درهما و أربعة أسباع درهم، و المائتا درهم التي هي أول نصب الفضة في وزن مائة و أربعين مثقالا، و من ذلك يعلم نصاب الفضة بهذه المحمديات الجارية في هذه الأزمان المتأخرة حيث إن المحمدية منها وزن الدينار مثقال شرعي فيكون النصاب الأول مائة محمدية و أربعين محمدية.
و اعلم أنهم اتفقوا أيضا على أن كل دانق وزنه ثمان حبات من أوساط حب
______________________________
(1) ج 6 ص 5 من المطبوع بضميمة المجموع شرح المهذب للنووي.
90
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الأولى وزن الدينار و الدرهم ج 12 ص 89
الشعير كما صرح به علماء الفريقين «1» فالدرهم حينئذ ثمان و أربعون شعيرة و الدينار ثمان و ستون شعيرة و أربعة أسباع شعيرة. إلا أنا قد اعتبرنا ذلك بالشعير الموجود في زماننا لأجل استعلام كمية صاع الفطرة بصنج البحرين فوجدنا في ذلك نقصانا فاحشا عن الاعتبار بالمثاقيل الشرعية و هي الدنانير، و الظاهر أن حبات الشعير المتعارفة سابقا كانت أعظم حجما و أثقل وزنا من الموجود في زماننا.
الثانية [لا يضم أحد النقدين إلى الآخر]
- اتفق الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) على أنه لا يضم أحد النقدين إلى الآخر على وجه يكون النصاب مركبا منهما بل يجب لكل منهما نصابه المتقدم، و يدل على ذلك صحيحة زرارة المتقدم نقلها عن التهذيب و الفقيه «2» المشتملة على السؤال عن من ملك مائة درهم و تسعة و تسعين درهما و تسعة و ثلاثين دينارا على رواية التهذيب و تسعة عشر دينارا على رواية الفقيه حيث نفى الزكاة في ذلك حتى يتم كل من النصابين. و مثلها موثقة إسحاق بن عمار الآتية قريبا في مسألة الفرار «3» و أما
ما ورد في رواية إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السلام- «4» قال: «قلت له مائة و تسعون درهما و تسعة عشر دينارا أ عليها في الزكاة شيء؟ فقال إذا اجتمع الذهب و الفضة فبلغ ذلك مائتي درهم ففيها الزكاة، لأن عين المال الدراهم و كل ما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك إلى الدراهم في الزكاة و الديات».
و حسنة محمد بن مسلم «5» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الذهب كم فيه من الزكاة؟ قال إذا بلغ قيمته مائتي درهم فعليه الزكاة».
-
فقد حملهما الشيخ في التهذيب على ما تندفع به المنافاة، قال: و يحتمل أن يكون
______________________________
(1) في رد المختار لابن عابدين ج 2 ص 32 المذكور في كتب الشافعية و الحنابلة أن درهم الزكاة ست دوانق و الدانق ثمان حبات شعير و خمسا حبة من شعيرة معتدلة لم تقشر و قطع من طرفيها ما دق و طال، و هو لم يتغير في الجاهلية و الإسلام. و في كتاب الأوزان و المقادير للشيخ إبراهيم العاملي ص 26 نقل عن الفقهاء أن الدانق ثمان حبات من أوسط حب الشعير ثم قال ص 27 الدانق ثمان حبات قمحات و خمسان.
(2) ص 87 و 88.
(3) ص 98.
(4) الوسائل الباب 1 من زكاة الذهب و الفضة.
(5) الوسائل الباب 1 من زكاة الذهب و الفضة.
91
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثانية لا يضم أحد النقدين إلى الآخر ج 12 ص 91
المراد إذا بلغ كل واحد مائتي درهم ففيه الزكاة، و يجري هذا مجرى قوله تعالى «وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً» «1» و المراد كل واحد منهم ثمانين جلدة. إلى آخر كلامه. و مرجعه إلى ما ذكره أيضا من أن قيمة عشرين دينارا كانت في ذلك الوقت مائتي درهم، قال: و لذا تراهم يجعلون الدينار في مقابلة عشرة دراهم في الديات و غيرها. و جعل في التهذيب المشار إليه في قوله «فبلغ ذلك مائتي درهم» في صدر الخبر الأول كل واحد من الذهب و الفضة باعتبار القيمة في الذهب لأنهم كانوا يقومون الدنانير على هذا الوجه كل دينار بعشرة دراهم في الديات و غيرها. و احتمل في الإستبصار حمله على التقية، قال لأن ذلك مذهب العامة «2». أقول: و الحمل الأول قريب في حسنة محمد بن مسلم و لا بأس به في رواية إسحاق إلا أن الأظهر حملهما على التقية.
و احتمل بعض الأصحاب حمل الخبر الأول على زكاة التجارة، و الظاهر أنه مبني على أن اتخاذ الذهب فيه للتجارة ليتم الحمل المذكور فإن المرجع فيه إلى القيمة، و يؤيده آخر الحديث. و هذا الاحتمال يمكن إجراؤه أيضا في الحديث الثاني إلا أن الأظهر ما ذكرناه من الحمل على التقية.
الثالثة [لا زكاة في المغشوش من النقدين ما لم يبلغ الصافي نصابا]
- اتفق الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) على أنه لا زكاة في المغشوش من النقدين ما لم يبلغ الصافي نصابا لعموم أدلة الوجوب.
و خصوص
ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن زيد الصائغ «3» قال
______________________________
(1) سورة النور الآية 5.
(2) في المغني ج 3 ص 3: إذا كان له من كل واحد من الذهب و الفضة ما لا يبلغ نصابا بمفرده أو كان له نصاب من أحدهما و أقل من نصاب الآخر فذكر الخرقي فيه روايتان إحداهما لا يضم و هو قول ابن أبي ليلى و الحسن بن صالح و شريك و الشافعي و أبي عبيد و أبي ثور و اختاره أبو بكر عبد العزيز. و ثانيهما يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب و هو قول الحسن و قتادة و مالك و الأوزاعي و الثوري و أصحاب الرأي، و روى الأثرم عن أحمد التوقف فيه، و في رواية حنبل عنه أنه قطع بالضم.
(3) الوسائل الباب 7 من زكاة الذهب و الفضة.
92
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثالثة لا زكاة في المغشوش من النقدين ما لم يبلغ الصافي نصابا ج 12 ص 92
«قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام إني كنت في قرية من قرى خراسان يقال لها بخارى فرأيت فيها دراهم تعمل ثلث فضة و ثلث مس و ثلث رصاص و كانت تجوز عندهم و كنت أعملها و أنفقها؟ قال فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام لا بأس بذلك إذا كانت تجوز عندهم. فقلت أ رأيت إن حال عليها الحول و هي عندي و فيها ما يجب على فيه الزكاة أزكيها؟ قال نعم إنما هو مالك. قلت فإن أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها مثلها فبقيت عندي حتى حال عليها الحول أزكيها؟ قال إن كنت تعرف أن فيها من الفضة الخالصة ما يجب عليك فيها الزكاة فزك ما كان لك فيها من فضة و دع ما سوى ذلك من الخبث. قلت و إن كنت لا أعلم ما فيها من الفضة الخالصة إلا أني أعلم أن فيها ما يجب فيه الزكاة؟ قال فاسبكها حتى تخلص الفضة و يحترق الخبث ثم تزكي ما خلص من الفضة لسنة واحدة».
و الظاهر أن قوله «لسنة واحدة» أي السنة التي كانت الدراهم مغشوشة فيها دون ما بعدها من ما جعل سبائك.
و قد صرح العلامة في المنتهى بأنه لو كان معه دراهم مغشوشة بذهب أو بالعكس و بلغ كل من الغش و المغشوش النصاب وجبت الزكاة فيهما. و هو كذلك بلا إشكال. و يجب الإخراج من كل جنس بحسابه و إلا توصل إليه بالسبك كما تدل عليه الرواية المتقدمة.
و لو شك المالك في بلوغ الخالص نصابا قال في التذكرة: لم يؤمر بسبكها و لا بالإخراج منها و لا من غيرها لأن بلوغ النصاب شرط و لم يعلم حصوله فأصالة البراءة لم يعارضها شيء. و هو جيد.
ثم إنه يجب في المخرج أن يكون خالصا إلا إذا علم اشتماله على ما يجب من الخالص.
الرابعة [يضم الجوهران من الجنس الواحد بعض إلى بعض]
- قد صرح الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) بأنه يضم الجوهران من الجنس الواحد بعض إلى بعض و إن اختلفت الرغبة، لعموم ما دل على وجوب الزكاة في الذهب و الفضة الشامل ذلك للرديء من كل منهما و الجيد و المختلفة القيمة
93
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الرابعة يضم الجوهران من الجنس الواحد بعض إلى بعض ج 12 ص 93
و غيرها، لكن يخرج الواجب بالنسبة إن لم يتطوع المالك بالأرغب.
و قيل بجواز إخراج الأدون لحصول الامتثال بما يصدق عليه الاسم، و هو منقول عن الشيخ (قدس سره) و لا يخلو من قرب من حيث ظاهر التعليل المذكور إلا أنه ربما يدفع بظاهر قوله عز و جل «وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ. الآية» «1» و ما سيأتي في تفسيرها في بحث الغلات من الأخبار الدالة على عدم جواز إخراج الرديء من التمر عن الجيد منه «2» قيل: و أولى بالجواز لو أخرج الأدنى بالقيمة.
و لو أخرج من الأعلى بقدر قيمة الأدون مثل أن يخرج نصف دينار جيد عن دينار أدون فالمشهور عدم الجواز من حيث إن الواجب عليه دينار فلا يجزئ ما نقص عنه. و احتمل العلامة في التذكرة الإجزاء، و رده جملة من أفاضل متأخري المتأخرين بأنه ضعيف.
أقول: لا ريب أن عدم الإجزاء في هذه الصورة كما هو المشهور إنما يتم بناء على المشهور من وجوب الأخذ بالنسبة إن لم يتطوع المالك بالأرغب، و إلا فعلى مذهب الشيخ من جواز إخراج الأدون الظاهر أنه لا إشكال في ذلك، لأنه متى كان الواجب عليه دينارا و اختار دفع الأدون و أراد دفع قيمته فدفع نصف دينار خالص بقيمة ذلك الدينار الأدون فالمدفوع قيمته حينئذ لا أنه الفريضة الواجبة حتى يقال إن الواجب دينار فلا يجزئ ما دونه، و لعل الاحتمال المنقول عن العلامة مبني على هذا.
الخامسة [الدين لا يمنع وجوب الزكاة]
- المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم)- بل الظاهر الاتفاق عليه- أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة متى ملك النصاب.
و يدل عليه إطلاق الأخبار الدالة على وجوب الزكاة على من ملك النصاب بالشروط المتقدمة «3».
______________________________
(1) سورة البقرة الآية 270.
(2) الوسائل الباب 19 من زكاة الغلات.
(3) يستفاد ذلك من أخبار الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة من الوسائل.
94
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الخامسة الدين لا يمنع وجوب الزكاة ج 12 ص 94
و خصوص
ما رواه في الكافي في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام و ضريس عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» أنهما قالا: «أيما رجل كان له مال موضوع حتى يحول عليه الحول فإنه يزكيه و أن كان عليه من الدين مثله أو أكثر منه فليزك ما في يده».
و ظاهر الشهيد في البيان التوقف في ذلك حيث نقل
عن كتاب الجعفريات عن أمير المؤمنين عليه السلام «2» أنه قال: «من كان له مال و عليه مال فليحسب ماله و ما عليه فإن كان ماله فضل على مائتي درهم فليعط خمسة دراهم».
قال: و هذا نص في منع الدين الزكاة و الشيخ في الخلاف ما تمسك على عدم منع الدين إلا بإطلاق الأخبار الموجبة للزكاة. انتهى.
و فيه (أولا) أن الكتاب المذكور مجهول لا يمكن الاعتماد عليه. و (ثانيا) أن ما نقله عنه معارض بالصحيحة المذكورة المؤيدة بإطلاق الأخبار و عمل الأصحاب.
و الظاهر أن شيخنا المذكور غفل عن ملاحظة الصحيحة المذكورة و توهم انحصار الدليل في الإطلاقات فرام تقييدها بهذا الخبر و الحال ما عرفت.
السادسة- لو خلف الرجل نفقة لعياله سنة أو سنتين و بلغت النصاب
فالمشهور أنه إن كان حاضرا وجب عليه إخراج الزكاة و إلا فلا، و نقل عن ابن إدريس أنه لم يفرق بين الحضور و الغيبة بل اعتبر التمكن من التصرف و عدمه.
و الذي دلت عليه الأخبار الأول
كصحيحة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» «في رجل وضع لعياله ألف درهم نفقة فحال عليها الحول؟
قال إن كان مقيما زكاه و إن كان غائبا لم يزك».
و نحوها
موثقة إسحاق بن عمار «4» و فيها «إن كان شاهدا فعليه زكاة و إن كان غائبا فليس عليه زكاة».
و موثقة
______________________________
(1) الوسائل الباب 10 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) مستدرك الوسائل الباب 8 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 17 من زكاة الذهب و الفضة.
(4) الوسائل الباب 17 من زكاة الذهب و الفضة.
95
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
السادسة لو خلف الرجل نفقة لعياله سنة أو سنتين و بلغت النصاب ج 12 ص 95
أبي بصير «1» و فيها كما في موثقة إسحاق المذكورة.
أقول: و يمكن حمل كلام ابن إدريس على ما يرجع إلى المشهور بأن يكون التعبير بالتمكن من التصرف كناية عن الحضور و عدم التمكن كناية عن الغيبة بناء على ما هو الغالب، و مثله في التعبيرات غير عزيز.
و قيد الشيخ الشهيد في البيان الحكم المذكور بعدم العلم بزيادتها، و هو تقييد للنص من غير دليل.
السابعة [عدم وجوب الزكاة في السبائك و نحوها و حكم الفرار بذلك من الزكاة]
- لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في سقوط الزكاة عن السبائك و النقار و التبر و إنما الخلاف في ما إذا عملها كذلك قبل تمام الحول بقصد الفرار من الزكاة، فقيل بوجوب الزكاة عليه بعد تمام الحول، و الظاهر أنه المشهور بين المتقدمين نقله في المختلف عن الشيخ علي بن الحسين بن بابويه في الرسالة حيث قال: و ليس في السبائك شيء إلا أن تفر بها من الزكاة فإن فررت بها من الزكاة فعليك زكاته. و كذا نقله عن ابنه في المقنع. أقول و بهذه العبارة عبر في الفقيه. و ممن نقل عنه القول المذكور في المختلف أيضا الشيخ في الجمل و الخلاف و المبسوط و السيد المرتضى في الجمل. و نقل في المختلف عن الشيخ المفيد القول بعدم الوجوب و نسبة القول بالوجوب إلى الرواية في الصورة المذكورة، و نقل القول بالعدم أيضا عن الشيخ في النهاية و ابن إدريس و اختاره و هو المشهور بين المتأخرين و من ما يدل على القول بعدم الوجوب في الصورة المذكورة إطلاق الأخبار الدالة على أن السبائك و الحلي ليس فيه زكاة «2» و ما تقدم من الأخبار الدالة على اشتراط النقش بسكة المعاملة في الوجوب «3».
و خصوص
صحيحة عمر بن يزيد «4» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام رجل
______________________________
(1) الوسائل الباب 17 من زكاة الذهب و الفضة.
(2) الوسائل الباب 8 و 9 و 11 من زكاة الذهب و الفضة.
(3) الوسائل الباب 8 من زكاة الذهب و الفضة.
(4) الوسائل الباب 11 من زكاة الذهب و الفضة.
96
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
السابعة عدم وجوب الزكاة في السبائك و نحوها و حكم الفرار بذلك من الزكاة ج 12 ص 96
فر بماله من الزكاة فاشترى به أرضا أو دارا أ عليه فيه شيء؟ فقال لا و لو جعله حليا أو نقرا فلا شيء عليه. و ما منع نفسه من فضله أكثر من ما منع من حق اللّٰه الذي يكون فيه».
و رواية علي بن يقطين عن أبي إبراهيم عليه السلام «1» قال «قلت له إنه يجتمع عندي الشيء الكثير قيمته فيبقى نحوا من سنة أ نزكيه؟ قال لا كل ما لم يحل عليه عندك الحول فليس عليك فيه زكاة، و كل ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شيء. قال قلت و ما الركاز؟ قال الصامت المنقوش. ثم قال إذا أردت ذلك فاسبكه فإنه ليس في سبائك الذهب و نقار الفضة شيء من الزكاة».
و حسنة هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال «قلت له إن أخي يوسف ولي لهؤلاء القوم أعمالا أصاب فيها أموالا كثيرة و إنه جعل ذلك المال حليا أراد أن يفر به من الزكاة أ عليه الزكاة؟ قال ليس على الحلي زكاة، و ما أدخل على نفسه من النقصان في وضعه و منعه نفسه فضله أكثر من ما يخاف من الزكاة».
و صحيحة علي بن يقطين «3» قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن المال الذي لا يعمل به و لا يقلب؟ قال يلزمه الزكاة في كل سنة إلا أن يسبك».
و روى في كتاب العلل عن يونس بن عبد الرحمن عن أبي الحسن- يعني علي بن يقطين- عن أبي إبراهيم عليه السلام «4» قال: «لا تجب الزكاة في ما سبك. قلت فإن كان سبكه فرارا من الزكاة؟ فقال أ لا ترى أن المنفعة قد ذهبت منه فلذلك لا تجب فيه الزكاة».
و رواه البرقي في كتاب المحاسن مثله «5».
و من ما يدل على القول الآخر جملة من الأخبار: منها-
موثقة محمد بن مسلم «6» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الحلي فيه زكاة؟ قال لا إلا ما فر به من الزكاة».
______________________________
(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الذهب و الفضة.
(2) الوسائل الباب 11 من زكاة الذهب و الفضة.
(3) الوسائل الباب 8 من زكاة الذهب و الفضة.
(4) الوسائل الباب 11 من زكاة الذهب و الفضة.
(5) الوسائل الباب 11 من زكاة الذهب و الفضة.
(6) الوسائل الباب 11 من زكاة الذهب و الفضة.
97
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
السابعة عدم وجوب الزكاة في السبائك و نحوها و حكم الفرار بذلك من الزكاة ج 12 ص 96
و في الموثق عن إسحاق بن عمار «1» قال: «سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن رجل له مائة درهم و عشرة دنانير أ عليه زكاة؟ فقال إن كان فر بها من الزكاة فعليه الزكاة. قلت لم يفر بها ورث مائة درهم و عشرة دنانير؟ قال ليس عليه زكاة. الحديث».
و عن معاوية بن عمار في القوي بل الحسن عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال:
«قلت له الرجل يجعل لأهله الحلي من مائة دينار و المائتي دينار و أراني قد قلت ثلاثمائة فعليه الزكاة؟ قال ليس عليه فيه زكاة. قلت فإنه فر به من الزكاة؟ فقال إن كان فر به من الزكاة فعليه الزكاة و إن كان إنما فعله ليتجمل به فليس عليه زكاة».
و رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب معاوية بن عمار مثله «3» فيكون الحديث صحيحا.
أقول: و يدل على ذلك ما
في كتاب الفقه الرضوي «4» حيث قال عليه السلام «و ليس في السبائك زكاة إلا أن يكون فر به من الزكاة فإن فررت به من الزكاة فعليك فيه زكاة».
و بهذه العبارة عبر الشيخ علي بن بابويه في ما تقدم نقله عن المختلف و بها عبر ابنه في الفقيه و الظاهر أنها كذلك في المقنع.
و العجب منه (قدس سره) في الفقيه أنه بعد أن ذكر هذه العبارة الدالة كما ترى على وجوب الزكاة مع قصد الفرار نقل بعد ورقة تقريبا صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة التي هي كما عرفت من أدلة القول بعدم الوجوب.
و كيف كان فمن هذه العبارة يعلم أن مستند الصدوقين في هذا الحكم هو الكتاب المذكور كما نبهنا عليه مرارا و إن كانت الأخبار الأخر دالة على ذلك، و الظاهر أن إيثارهما التعبير بعبارة الكتاب لمزيد الاعتماد عليه زيادة على غيره من كتب الأخبار
______________________________
(1) الوسائل الباب 5 من زكاة الذهب و الفضة.
(2) الوسائل الباب 9 و 11 من زكاة الذهب و الفضة.
(3) الوسائل الباب 9 و 11 من زكاة الذهب و الفضة.
(4) ص 23.
98
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
السابعة عدم وجوب الزكاة في السبائك و نحوها و حكم الفرار بذلك من الزكاة ج 12 ص 96
كما يدل عليه أيضا عدولهما إلى القول بما فيه مع مخالفته لأكثر الأخبار في جملة من المواضع حتى إن الأصحاب ينسبون تلك الأقوال إلى الشذوذ كما مر و سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الشيخ في كتابي الأخبار قد حمل هذه الأخبار الأخيرة تارة على الاستحباب و تارة على الفرار بعد أن حال الحول.
و استدل على الثاني
بما رواه عن زرارة في الموثق «1» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام إن أباك قال من فر بها من الزكاة فعليه أن يؤديها؟ قال صدق أبي إن عليه أن يؤدي ما وجب عليه و ما لم يجب عليه فلا شيء عليه منه. ثم قال لي أ رأيت لو أن رجلا أغمي عليه يوما ثم مات فذهبت صلاته أ كان عليه و قد مات أن يؤديها؟ قلت لا. قال إلا أن يكون أفاق من يومه. ثم قال لي أ رأيت لو أن رجلا مرض في شهر رمضان ثم مات فيه أ كان يصام عنه؟ قلت لا. قال و كذلك الرجل لا يؤدي عن ماله إلا ما حال عليه الحول».
و جملة المتأخرين حيث اختاروا عدم وجوب الزكاة مع الفرار تبعوا الشيخ في حمل هذه الأخبار فبعضهم اختار الحمل على الاستحباب و بعضهم الحمل على ما إذا كان الفرار بعد الحول.
و عندي في كلا الحملين نظر: أما الحمل على الاستحباب فلما أشرت إليه في غير موضع من أنه و إن اشتهر العمل به بين الأصحاب في الجمع بين الأخبار إلا أنه- مع كونه لا دليل عليه من الأخبار و ليس من القواعد المروية عن الأئمّة الأطهار (صلوات اللّٰه عليهم) في الجمع بين الأخبار- مردود بأن الحمل على الاستحباب مع ظهور الأدلة في الوجوب مجاز لا يصار إليه إلا مع القرينة، و اختلاف الأخبار ليس من قرائن المجاز و إن كان قد جرت عادتهم في أبواب الفقه من أوله إلى آخره بحمل الأوامر في مقام الجمع على الاستحباب و النواهي على الكراهة إلا أنه من
______________________________
(1) الوسائل الباب 11 من زكاة الذهب و الفضة.
99
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
السابعة عدم وجوب الزكاة في السبائك و نحوها و حكم الفرار بذلك من الزكاة ج 12 ص 96
قبيل رب مشهور لا أصل له و رب متأصل ليس بمشهور.
و أما الحمل على القرار بعد الوجوب ففيه أن ظواهر تلك الأخبار تأباه و لا ترضاه، حيث إنها ظاهرة في كون الفرار قبل وقت الوجوب كما هو المدعى منها و المستدل بها عليه، مثل
رواية معاوية بن عمار «1» و قوله في آخرها «إن كان فر به من الزكاة فعليه الزكاة و إن كان إنما فعله ليتجمل به فليس عليه زكاة».
فإنه متى جعل محل التقسيم بعد تمام الحول و وجوب الزكاة اقتضى سقوط الزكاة عن من فعله ليتجمل به مع أنه لا قائل به بل الاتفاق على الوجوب. و لا جائز أن يحمل الفرار على ما بعد الحول و قصد التجمل على ما قبله لأنه يصير الكلام متهافتا منحل الزمام مختل النظام يجل عنه كلام الإمام الذي هو إمام الكلام كما هو بحمد اللّٰه ظاهر لذوي الأذهان و الأفهام. و نحو ذلك مفهوم الشرط في موثقة إسحاق بن عمار و قوله فيها «إن كان فر به من الزكاة فعليه الزكاة» و مثله مفهوم عبارة كتاب الفقه الرضوي، فإن مفهومهما الشرطي الذي هو حجة عند المحققين أنه إن لم يقصد الفرار فليس عليه زكاة، و هو باطل قطعا لما عرفت من أن التصرف في النصاب بعد حول الحول بالتغيير و التبديل أو السبك و غير ذلك لا يسقط الزكاة. و هكذا موثقة محمد بن مسلم فإن نفيه عليه السلام الزكاة عن الحلي محمول على ما قبل الحول البتة و قبل وجوب الزكاة و حينئذ فيكون هو محل الاستثناء.
و بالجملة فظهور هذه الأخبار في وجوب الزكاة بعد الحول مع قصد الفرار قبل تمام الحول من ما لا يستطاع أن ينكر كما لا يخفى على من تأمل بعين الإنصاف و نظر و ما أوردوه دليلا على هذا الحمل ليس فيه دلالة كما ادعوه و إنما غايته الدلالة على ما دلت عليه الأخبار الأولة و إن كان بوجه أوضح، و حيث كانت العبارة التي نقلها الراوي عن أبيه عليه السلام مجملة لا تفصيل فيها مثل الأخبار التي ذكرناها تأولها و حملها على الأخبار الأولة، و هو جيد بناء على العمل بظاهر تلك الأخبار.
______________________________
(1) ص 98.
100
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
السابعة عدم وجوب الزكاة في السبائك و نحوها و حكم الفرار بذلك من الزكاة ج 12 ص 96
و ليعلم أن الموثقة التي رواها الشيخ هنا قد رواها الكليني في الصحيح عندنا و الحسن على المشهور في جملة حديث طويل مشتمل على جمل من الإشكال و أنا أذكر الرواية من أولها إلى آخرها و أبين منها ما وصل إليه فهمي القاصر و ذهني الفاتر و هي
ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد اللّٰه عن زرارة «1» قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام رجل كان عنده مائتا درهم غير درهم أحد عشر شهرا ثم أصاب درهما بعد ذلك في الشهر الثاني عشر فكملت عنده مائتا درهم أ عليه زكاتها؟ قال لا حتى يحول عليه الحول و هي مائتا درهم، فإن كانت مائة و خمسين درهما فأصاب خمسين بعد أن يمضي شهر فلا زكاة عليه حتى يحول على المائتين الحول. قلت له فإن كانت عنده مائتا درهم غير درهم فمضى عليه أيام قبل أن ينقضي الشهر ثم أصاب درهما فأتى على الدراهم مع الدرهم حول أ عليه زكاة؟
فقال نعم و إن لم يمض عليها جميعا الحول فلا شيء عليه فيها.
قال و قال زرارة و محمد بن مسلم قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام أيما رجل كان له مال و حال عليه الحول فإنه يزكيه. قلت فإن وهبه قبل حله بشهر أو بيوم؟ قال ليس عليه شيء أبدا. قال و قال زرارة عنه عليه السلام إنه قال إنما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوما في إقامته ثم خرج في آخر النهار في سفر فأراد بسفره ذلك إبطال الكفارة التي وجبت عليه. و قال إنه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة و لكنه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز و لم يكن عليه شيء بمنزلة من خرج ثم أفطر، إنما لا يمنع ما حال عليه فأما ما لم يحل فله منعه و لا يحل له منع مال غيره في ما قد حل عليه. قال زرارة قلت له رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا بها من الزكاة فعل ذلك قبل حلها بشهر؟ فقال إذا حل الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول و وجبت عليه فيها الزكاة. قلت فإن أحدث فيها قبل الحول؟ قال جائز ذلك له. قلت إنه فر بها من الزكاة؟ قال ما أدخل على نفسه أعظم من ما منع من زكاتها. فقلت له إنه يقدر عليها؟ فقال و ما
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 و 12 و 11 من زكاة الذهب و الفضة.
101
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
السابعة عدم وجوب الزكاة في السبائك و نحوها و حكم الفرار بذلك من الزكاة ج 12 ص 96
علمه أنه يقدر عليها و قد خرجت من ملكه؟ قلت فإنه دفعها إليه على شرط؟ فقال إنه إذا سماها هبة جازت الهبة و سقط الشرط و ضمن الزكاة. قلت و كيف يسقط الشرط و تمضي الهبة و يضمن الزكاة؟ فقال هذا شرط فاسد و الهبة المضمونة ماضية و الزكاة لازمة له عقوبة. ثم قال إنما ذلك له إذا اشترى بها دارا أو أرضا أو متاعا.
قال قلت له إن أباك قال لي من فر بها من الزكاة فعليه أن يؤديها؟ فقال صدق أبي عليه أن يؤدي ما وجب عليه و ما لم يجب فلا شيء عليه فيه. ثم قال أ رأيت لو أن رجلا أغمي عليه يوما ثم مات فذهبت صلاته أ كان عليه و قد مات أن يؤديها؟
قلت لا إلا أن يكون أفاق من يومه. ثم قال لو أن رجلا مرض في شهر رمضان ثم مات فيه أ كان يصام عنه؟ قلت لا. قال فكذلك الرجل لا يؤدي عن ماله إلا ما حال عليه الحول».
أقول: قوله عليه السلام «نعم»- في جواب السؤال عن من كانت عنده مائتا درهم غير درهم فمضى عليه أيام ثم أصاب درهما فأتى على الدراهم مع الدرهم حول فعليه الزكاة- من ما يدل بظاهره على أن المعتبر في الحول مرور الأحد عشر شهرا من غير اعتبار الأيام، فمتى اجتمع النصاب و حصل في أثناء الشهر و إن كان في أيام متفرقة عد ذلك شهرا أولا من غير اعتبار الأيام و ملاحظتها في النقصان و التمام. و الظاهر إنه كذلك عند الأصحاب و إن لم أقف لهم على كلام في هذا الباب إلا أنه لم يتعرض أحد منهم للقول بالتلفيق من الشهر الأخير.
قوله عليه السلام: «أيما رجل كان له مال و حال عليه الحول فإنه يزكيه» الظاهر كما استظهره في الوافي أيضا أنه سقط من هذه العبارة «ثم وهبه» قبل قوله «فإنه يزكيه» كما يشير إليه قول الراوي بعد هذا الكلام «فإن وهبه قبل حله» و لعله ترك لقرينة دلالة المقام من دلالة ما بعده على ذلك، و كيف كان فلا بد من تقدير.
قوله عليه السلام «إنما هذا بمنزلة رجل. إلى آخره» اسم الإشارة هنا يرجع إلى قوله «أيما رجل.» و حاصله تشبيه الفار من الزكاة بعد أن حال عليه الحول بمن
102
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
السابعة عدم وجوب الزكاة في السبائك و نحوها و حكم الفرار بذلك من الزكاة ج 12 ص 96
أفطر في شهر رمضان متعمدا و وجبت عليه الكفارة ثم سافر في نهاره ذلك لإسقاط الكفارة بعد ما تحقق وجوبها فإنه غير نافع في سقوطها، و الحال كذلك في من حال على ماله الحول و وجبت فيه الزكاة ثم وهبه فرارا من الزكاة فإن ذلك لا يسقط الزكاة بعد وجوبها، و كما أن هذه الحيلة في الصيام لا تفيد نفعا في سقوط الكفارة كذلك في الزكاة، بخلاف من وهب ماله قبل الحول فإن حيلته تفيد سقوط الزكاة، كمن سافر في شهر رمضان قاصدا بسفره التوصل إلى الإفطار فإنه يجوز له الإفطار و لا كفارة.
قوله عليه السلام: «إنما لا يمنع ما حال عليه.» الظاهر أن معناه أن المال الذي لا يمنع الفرار من إخراج الزكاة منه هو المال الذي حال عليه الحول بل تجب عليه الزكاة البتة إذ لا يحل له منع مال غيره و هو حصة أرباب الزكاة بخلاف ما لم يحل عليه الحول.
قوله: «قال زرارة قلت له رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه» هذا هو مستند الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في جعل الحول الشرعي أحد عشر شهرا. و مثله قوله سابقا: «و قال إنه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة» و قد عرفت سابقا ما فيه و لا سيما معارضة صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة «1» لذلك.
قوله: «قلت إنه فر بها من الزكاة؟ قال ما أدخل على نفسه أعظم من ما منع» صريح الدلالة في ما ذهب إليه من جوز الفرار قبل الحول و أنه غير موجب للزكاة كما يدعيه أهل القول الآخر، فهو من جملة أدلة القول المشار إليه.
قوله: «قلت له إنه دفعها إليه على شرط» لا يخفى ما فيه من الغموض و الإشكال الذي تحيرت فيه فحول الرجال، و ذلك فإن هذا الشرط المذكور غير معلوم بأيّ معنى هو، و ما ذكر أيضا من ضمان الزكاة على تقدير الهبة- و الحال أن الهبة إنما
______________________________
(1) ص 75.
103
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
السابعة عدم وجوب الزكاة في السبائك و نحوها و حكم الفرار بذلك من الزكاة ج 12 ص 96
وقعت قبل الحول كما هو مقتضى سياق الكلام- مناف لما تقدم من أنه لا يلزمه زكاة في هذه الحال، و وجه لزوم الزكاة هنا عقوبة إن أريد به من حيث قصد الفرار فهو مناف لما تقدم من الجواز و عدم الزكاة و إلا فلا يعلم لهذه العقوبة سبب.
و الفرق في ذلك- بين الهبة و شراء الدار و الأرض و المتاع مع قصد الفرار في الجميع- غير ظاهر.
و أما حمل الكلام على ما إذا كانت الهبة بعد الحول كما صار إليه بعض محققي متأخري المتأخرين فهو بعيد عن سياق الكلام، و لا يلائمه أيضا كون الزكاة عقوبة لأنها حينئذ واجبة بأصل الشرع، و لا يلائمه أيضا الفرق بين الهبة و شراء الدار و نحوها.
و يمكن أن يقال- و اللّٰه سبحانه و قائله أعلم بحقيقة الحال- إن المعنى إنه لما أخبر عليه السلام بأنه متى وهبها قبل الحول فرارا من الزكاة فلا شيء عليه قال له الراوي إنه يقدر على أخذها بعد حول الحول، أجابه عليه السلام بأنه كيف يقدر عليها و قد خرجت من ملكه بالهبة؟ قال له الراوي إنه وهبها بشرط يقتضي رجوعه فيها متى أراد، فأجابه عليه السلام متى كان كذلك فالهبة صحيحة و هذا الشرط فاسد لمنافاته الهبة و تجب عليه الزكاة حينئذ عقوبة لهذا الشرط.
ثم إنه فرق بين الهبة على هذه الكيفية و بين شراء الدار و نحوها باعتبار أنه في الهبة شرط رجوعها فهذا الشرط أوجب عليه العقوبة بوجوب الزكاة و أما الشراء و نحوه فإنه من الأمور السائغة الجائزة و الحال أن الشراء وقع قبل الحول كما هو المفروض.
قوله: «قال زرارة قلت له إن أباك.» الظاهر أنه رجوع إلى الكلام الأول و لا تعلق له بهذه الجملة المتوسطة التي هي محل الإشكال، حيث إن مقتضى الكلام الأول أن الفرار قبل الحول غير موجب للزكاة، و مراده أن ما ذكرته من عدم الزكاة على من قصد الفرار قبل الحول مناف لما قال أبوك من أن من فر بها من
104
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
السابعة عدم وجوب الزكاة في السبائك و نحوها و حكم الفرار بذلك من الزكاة ج 12 ص 96
الزكاة فعليه أن يؤديها، أجابه عليه السلام بأن كلام أبي ليس صريحا في ما تدعيه و إنما مراده من قصد الفرار بعد الحول و الوجوب فعليه أن يؤدي ما وجب عليه.
و جملة من المتأخرين حملوا تلك الروايات الأخيرة الدالة على وجوب الزكاة متى قصد الفرار على هذه الرواية بمعنى الوجوب بعد الحول.
و فيه ما عرفت آنفا من ظهور تلك الروايات في المعنى الذي ذهب إليه من استدل بها و أنها ظاهرة في كون قصد الفرار قبل الحول، و هو الذي فهمه جملة القائلين بمضمونها، و كذا القائلين بحملها على الاستحباب فإنه لو لا ظهورها في ذلك لما كان لهذا الاستحباب معنى.
و بالجملة فالمسألة لا تخلو من الإشكال لظهور أخبار الطرفين في كل من القولين و الظاهر أن أخبار أحد الطرفين إنما خرجت مخرج التقية و إن كان العامة في ذلك على قولين أيضا، فذهب مالك و أحمد إلى الوجوب و الشافعي و أبو حنيفة إلى عدم الوجوب «1» إلا أنه غير معلوم عندي كون التقية في أي الطرفين.
و السيد المرتضى (قدس سره) في الانتصار لما اختار القول بالوجوب كما تقدم في مسألة معاوضة بعض الأنعام ببعض حمل أخبار عدم الوجوب على التقية إلا أن للخصم أيضا أن يحمل أخبار الوجوب على ذلك أيضا.
و يمكن ترجيح ما ذكره (قدس سره) بأن مذهب أبي حنيفة في زمانه كان مشهورا معمولا عليه بين خلفاء الجور و قضاة ذلك الوقت، و تلامذته المروجون لمذهبه مثل أبي يوسف و نحوه مشهورون أيضا، و أما أحمد و مالك فإنهما في ذلك الوقت ليسا إلا كسائر العلماء ليس لهما مذهب مشهور و لا قول مذكور و إنما وقع الاصطلاح على مذهبهما مع ذينك الآخرين في الأعصار الأخيرة في ما يقرب من السنة الستمائة كما ذكره علماء الفريقين و بيناه في كتاب سلاسل الحديد. و بذلك يظهر
______________________________
(1) في المغني ج 3 ص 11 «ما اتخذ حلية فرارا من الزكاة لا يسقط عنه» و في المهذب للشيرازي الشافعي ج 1 ص 355 ما يظهر منه عدم الوجوب و كذا في البدائع للكاساني الحنفي ج 2 ص 15.
105
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
السابعة عدم وجوب الزكاة في السبائك و نحوها و حكم الفرار بذلك من الزكاة ج 12 ص 96
قوة القول بالوجوب، و يعضده الاحتياط أيضا. و اللّٰه العالم.
المطلب الثالث في زكاة الغلات
، و الكلام في هذا المطلب يقع في مقامات:
المقام الأول [هل تجب الزكاة في غير الغلات الأربع؟]
- لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في وجوب الزكاة في الغلات الأربع المشهورة و هي التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير، إنما الخلاف في ما زاد على هذه الأربع من ما دخله الكيل و الوزن كالأرز و الدخن و السمسم و نحوها، فالأشهر الأظهر إنه لا زكاة فيها، و نقل عن ابن الجنيد القول بالوجوب فيها، و حكاه الكليني و الشيخ عن يونس بن عبد الرحمن من قدماء أصحابنا.
و من ما يدل على المشهور
صحيحة الفضلاء الحسنة على المشهور عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السلام) «1» قالا: «فرض اللّٰه الزكاة مع الصلاة في الأموال و سنها رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله في تسعة أشياء و عفا عن ما سواهن: في الذهب و الفضة و الإبل و البقر و الغنم و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و عفا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله عن ما سوى ذلك».
و في الموثق عن زرارة «2» قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن صدقات الأموال فقال في تسعة أشياء ليس في غيرها شيء: في الذهب و الفضة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الإبل و البقر و الغنم السائمة و هي الراعية. الحديث».
و في الموثق عن زرارة و بكير ابني أعين عن أبي جعفر عليه السلام «3» قال: «ليس في شيء أنبتت الأرض من الأرز و الذرة و الحمص و العدس و سائر الحبوب و الفواكه غير هذه الأربعة الأصناف و إن كثر ثمنه زكاة إلا أن يصير مالا يباع بذهب أو فضة تكنزه ثم يحول عليه الحول و قد صار ذهبا أو فضة فتؤدى عنه من كل مائتي درهم خمسة دراهم و من كل عشرين دينارا نصف دينار».
و في الموثق عن عبد اللّٰه بن بكير عن محمد بن الطيار «4» قال: «سألت
______________________________
(1) الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 9 من ما تجب فيه الزكاة.
(4) الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة.
106
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الأول هل تجب الزكاة في غير الغلات الأربع ج 12 ص 106
أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن ما تجب فيه الزكاة فقال في تسعة أشياء: الذهب و الفضة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الإبل و البقر و الغنم، و عفا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله عن ما سوى ذلك. فقلت أصلحك اللّٰه فإن عندنا حبا كثيرا؟ قال فقال و ما هو؟ قلت الأرز قال نعم ما أكثره. فقلت أ فيه الزكاة؟ قال فزبرني، قال ثم قال أقول لك إن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله عفا عن ما سوى ذلك و تقول لي إن عندنا حبا كثيرا أ فيه الزكاة؟».
إلى غير ذلك من الأخبار التي يضيق بنقلها المقام.
و أما ما يدل على القول الثاني فأخبار عديدة: منها-
صحيحة علي بن مهزيار «1» قال «قرأت في كتاب عبد اللّٰه بن محمد إلى أبي الحسن عليه السلام جعلت فداك روي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام أنه قال وضع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله الزكاة على تسعة أشياء:
الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الذهب و الفضة و الغنم و البقر و الإبل و عفا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله عن ما سوى ذلك. فقال له القائل عندنا شيء كثير يكون أضعاف ذلك؟ فقال و ما هو؟ فقال له الأرز. فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام أقول لك إن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله وضع الزكاة على تسعة أشياء و عفا عن ما سوى ذلك و تقول عندنا أرز و عندنا ذرة و قد كانت الذرة على عهد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله؟ فوقع عليه السلام كذلك هو و الزكاة على كل ما كيل بالصاع».
و كتب عبد اللّٰه و روى غير هذا الرجل عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» «أنه سأله عن الحبوب فقال و ما هي؟ فقال السمسم و الأرز و الدخن، و كل هذا غلة كالحنطة و الشعير. فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام في الحبوب كلها زكاة».
و روي أيضا عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» أنه قال: «كل ما دخل القفيز فهو يجري مجرى الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب. قال فأخبرني جعلت فداك هل على هذا الأرز و ما أشبهه من الحبوب و الحمص و العدس زكاة؟ فوقع عليه السلام صدقوا الزكاة في كل شيء كيل».
______________________________
(1) الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 9 من ما تجب فيه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 9 من ما تجب فيه الزكاة.
107
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الأول هل تجب الزكاة في غير الغلات الأربع ج 12 ص 106
و ما رواه في الكافي عن أبي مريم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «سألته عن الحرث ما يزكى منه؟ فقال البر و الشعير و الذرة و الأرز و السلت و العدس كل هذا من ما يزكى. و قال كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة».
و ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن محمد بن مسلم «2» قال: «سألته عن الحبوب ما يزكى منها؟ فقال البر و الشعير و الذرة و الدخن و الأرز و السلت و العدس و السمسم كل هذا يزكى و أشباهه».
و رواه في الكافي و التهذيب عن حريز عن زرارة مثله «3» و قال: كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة.
قال: و جعل رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله الصدقة في كل شيء أنبتته الأرض إلا الخضر و البقول و كل شيء يفسد من يومه.
و ما رواه في التهذيب في الموثق عن أبي بصير «4» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام هل في الأرز شيء؟ فقال نعم، ثم قال إن المدينة لم تكن يومئذ أرض أرز فيقال فيه و لكنه قد حصل فيه، كيف لا يكون فيه و عامة خراج العراق منه؟».
إلى غير ذلك من الأخبار إلا أنها أقل عددا من الأولى.
و الأصحاب قد جمعوا بين الأخبار بحمل هذه الأخبار الأخيرة على الاستحباب كما هي قاعدتهم و عادتهم في جميع الأبواب، و قد عرفت ما فيه في غير مقام.
و الأظهر عندي حمل هذه الأخبار الأخيرة على التقية التي هي في اختلاف الأحكام الشرعية أصل كل بلية، فإن القول بوجوب الزكاة في هذه الأشياء مذهب الشافعي و أبي حنيفة و مالك و أبي يوسف و محمد «5» كما نقله في المنتهى.
و يدل على ذلك
ما رواه الصدوق (عطر اللّٰه مرقده) في كتاب معاني الأخبار بإسناده عن أبي سعيد القماط عن من ذكره عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «6»: «أنه سئل عن
______________________________
(1) الوسائل الباب 9 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 9 من ما تجب فيه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 9 من ما تجب فيه الزكاة.
(4) الوسائل الباب 9 من ما تجب فيه الزكاة.
(5) الأم ج 2 ص 29 و بدائع الصنائع ج 2 ص 59 و المدونة ج 1 ص 288.
(6) الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة.
108
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الأول هل تجب الزكاة في غير الغلات الأربع ج 12 ص 106
الزكاة فقال وضع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله الزكاة على تسعة و عفا عن ما سوى ذلك:
الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الذهب و الفضة و البقر و الغنم و الإبل. فقال السائل: و الذرة؟ فغضب عليه السلام ثم قال كان و اللّٰه على عهد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله السماسم و الذرة و الدخن و جميع ذلك. فقال إنهم يقولون إنه لم يكن ذلك على عهد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و إنما وضع على تسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك؟ فغضب و قال كذبوا فهل يكون العفو إلا عن شيء قد كان، فلا و اللّٰه لا أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر».
و هو كما ترى صريح الدلالة في قول المخالفين يومئذ بوجوب الزكاة في هذه الأشياء فيجب حمل ما دل على ذلك في ما عدا التسعة على التقية.
و من ما يستأنس به لذلك صحيحة علي بن مهزيار المتقدمة حيث إنه أقر السائل على ما نقله عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في صدر الخبر من تخصيص الوجوب بالتسعة المذكورة و العفو عن ما سواها و إنكاره على السائل لما راجعه في الأرز و مع هذا قال له «الزكاة في كل ما كيل بالصاع» فلو لم يحمل كلامه (عليه السلام) على التقية للزم التناقض بين الكلامين و هو من ما يجل عنه، و هذا بحمد اللّٰه ظاهر لكل ناظر و لو كان ما يدعونه حقا من أن أخبار الوجوب إنما خرجت عنهم (عليهم السلام) مرادا بها الاستحباب و أنه لا تناقض و لا تدافع بين الأخبار في هذا الباب لما خفي هذا المعنى على أصحاب الأئمّة المعاصرين لهم (عليهم السلام) و لما احتاجوا إلى عرض هذه الأخبار المنقولة عن المتقدمين على المتأخرين منهم (عليهم السلام) و مع تسليم خفاء ذلك عليهم فالأظهر في الجواب هنا لما عرض السائل عليه اختلاف الأخبار أن يقال إن هذه الأخبار ليست مختلفة كما توهمت بل المراد بما ظاهره الوجوب في ما عدا التسعة إنما هو الاستحباب لا أنه (عليه السلام) يقر السائل على الحصر في التسعة كما عرفت و مع هذا يوجب عليه إخراج الزكاة في ما زاد على التسعة و يقرره على ما نقله من الأخبار الدالة على الوجوب بقوله «صدقوا الزكاة في كل شيء كيل» و جميع هذا بحمد اللّٰه سبحانه ظاهر لمن نظر بعين الإنصاف
109
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الأول هل تجب الزكاة في غير الغلات الأربع ج 12 ص 106
و جانب التعصب و الاعتساف «1».
و أما ما نقل عن يونس بن عبد الرحمن في الجمع بين الأخبار من حمل أخبار التسعة على صدر الإسلام و حمل ما زاد عليها على ما بعد ذلك ففيه ما ذكره الشيخ (قدس سره) حيث قال بعد حمل الأخبار على الاستحباب: و لا يمكن حمل هذه الأخبار يعني ما دل على التسعة على ما ذهب إليه يونس بن عبد الرحمن من أن هذه التسعة كانت الزكاة عليها في أول الإسلام ثم أوجب اللّٰه تعالى بعد ذلك في غيرها من الأجناس، لأن الأمر لو كان كما ذكره لما قال الصادق (عليه السلام) عفا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله عن ما سوى ذلك لأنه إذا أوجب في ما عدا هذه التسعة أشياء بعد إيجابه في التسعة لم يبق شيء معفو عنه، فهذا القول واضح البطلان. انتهى و هو جيد. و بالجملة فالحمل على التقية في هذا المقام من ما لا يعتريه نقض و لا إبرام.
المقام الثاني [اعتبار النصاب في زكاة الغلات و تعيين مقداره]
- لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في اشتراط النصاب في زكاة الغلات و أنه خمسة أوسق و الوسق ستون صاعا.
و يدل عليه روايات عديدة: منها-
صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «2» قال:
«ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق- و الوسق ستون صاعا فذلك ثلاثمائة صاع- ففيه العشر، و ما كان منه يسقى بالرشاء و الدوالي و النواضح ففيه نصف العشر، و ما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر تاما، و ليس في ما دون الثلاثمائة صاع شيء، و ليس في ما أنبتت الأرض شيء إلا في هذه الأربعة أشياء».
و صحيحة سعد بن سعد «3» قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن أقل ما يجب
______________________________
(1) قوله «و لو كان ما يدعونه حقا. إلى هنا» أخذناه من النسخة الخطية و ليس في المطبوعة نعم فيها علامة على قوله «و هذا بحمد اللّٰه ظاهر لكل ناظر» ربما تشير إلى نقص في العبارة.
(2) الوسائل الباب 1 من زكاة الغلات.
(3) الوسائل الباب 1 من زكاة الغلات.
110
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الثاني اعتبار النصاب في زكاة الغلات و تعيين مقداره ج 12 ص 110
فيه الزكاة من البر و الشعير و التمر و الزبيب؟ فقال خمسة أوساق بوسق النبي صلى اللّٰه عليه و آله فقلت كم الوسق؟ فقال ستون صاعا. فقلت و هل على العنب زكاة أو إنما تجب عليه إذا صيره زبيبا؟ قال نعم إذا خرصه أخرج زكاته».
و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «1» قال: «ليس في ما دون خمسة أوساق شيء و الوسق ستون صاعا».
إلى غير ذلك من الأخبار المستفيضة.
و لا نصاب آخر بعد هذا إجماعا بل كل ما زاد على هذا النصاب قليلا كان أو كثيرا فإنه يجب أن يزكى.
و ربما استدل على ذلك
بموثقة إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السلام «2» قال:
«سألته عن الحنطة و التمر عن زكاتهما فقال العشر و نصف العشر: العشر من ما سقت السماء و نصف العشر من ما سقي بالسواني. فقلت ليس عن هذا أسألك إنما أسألك عن ما خرج منه قليلا كان أو كثيرا أ له حد يزكى ما خرج منه؟ فقال يزكى ما خرج منه قليلا كان أو كثيرا من كل عشرة واحد و من كل عشرة نصف واحد. قلت فالحنطة و التمر سواء؟ قال نعم».
بحمل الخبر المذكور على أن المراد بالقليل و الكثير يعني ما بعد الخمسة أوساق، و لا بأس به.
و أما ما ورد في شواذ الأخبار من أن النصاب وسق كما في بعض أو وسقان كما في آخر «3» فقد حمله الشيخ و من تأخر عنه على الاستحباب، و الأظهر الحمل على التقية و إن لم يكن بذلك مصرح من العامة مع أن أبا حنيفة لا يعتبر النصاب بل يوجب الزكاة في كل ما خرج قليلا كان أو كثيرا «4» و منه يعلم أيضا قرب حمل موثقة إسحاق ابن عمار المتقدمة على التقية و إن كان الشيخ و أتباعه حملوها على ما قدمناه. و احتملوا
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من زكاة الغلات.
(2) التهذيب ج 1 ص 352 و في الوسائل 4 و 3 من زكاة الغلات.
(3) الوسائل الباب 3 من زكاة الغلات.
(4) بدائع الصنائع ج 2 ص 59.
111
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الثاني اعتبار النصاب في زكاة الغلات و تعيين مقداره ج 12 ص 110
أيضا حملها على الاستحباب.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في أن الصاع أربعة أمداد و عليه تدل جملة من الأخبار: منها-
صحيحة عبد اللّٰه بن سنان الواردة في الفطرة «1» حيث قال فيها «صاع من تمر أو صاع من شعير و الصاع أربعة أمداد».
و نحوها صحيحة الحلبي «2».
و صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «3» قال: «كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله يتوضأ بمد و يغتسل بصاع، و المد رطل و نصف و الصاع ستة أرطال».
و مقتضاها أن الصاع أربعة أمداد.
و قد ذكروا أيضا تقدير الصاع بالأرطال و أنه ستة أرطال بالمدني و تسعة بالعراقي، و تدل عليه
رواية جعفر بن إبراهيم بن محمد الهمداني الواردة في زكاة الفطرة عن أبي الحسن عليه السلام «4» و فيها «الصاع ستة أرطال بالمدني و تسعة أرطال بالعراقي و أخبرني أنه يكون بالوزن ألفا و مائة و سبعين وزنة».
و رواية علي بن بلال «5» قال «كتبت إلى الرجل عليه السلام أسأله عن الفطرة و كم تدفع؟ قال فكتب ستة أرطال من تمر بالمدني و ذلك تسعة أرطال بالبغدادي».
و من ذلك علم المد و أنه رطلان و ربع بالعراقي و رطل و نصف رطل بالمدني، و قدر أيضا بالدراهم و هو ألف و مائة و سبعون درهما كما تضمنته رواية الهمداني المتقدمة أيضا و إن عبر عن الدرهم بالوزنة، و قد روى هذا الخبر في كتاب عيون الأخبار «6» و ذكر الدرهم عوض الوزنة.
و أما الرطل فالمدني منه ما كان وزنه مائة و خمسة و تسعين درهما، و أما العراقي
______________________________
(1) التهذيب ج 1 ص 371 و في الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.
(2) التهذيب ج 1 ص 371 و في الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.
(3) الوسائل الباب 50 من الوضوء.
(4) الوسائل الباب 7 من زكاة الفطرة.
(5) الوسائل الباب 7 من زكاة الفطرة.
(6) ص 172 و في الوسائل الباب 7 من زكاة الفطرة.
112
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الثاني اعتبار النصاب في زكاة الغلات و تعيين مقداره ج 12 ص 110
فالمشهور أن وزنه مائة و ثلاثون درهما، و ذكر العلامة في التحرير و موضع من المنتهى أن وزنه مائة و ثمانية و عشرون درهما و أربعة أسباع درهم. و الظاهر أنه سهو من قلمه (رحمة اللّٰه عليه) و أنه تبع فيه بعض العامة «1» كما احتمله بعض أصحابنا و يدل على المشهور
رواية إبراهيم بن محمد الهمداني «2» قال: «اختلفت الروايات في الفطرة فكتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام أسأله عن ذلك فكتب عليه السلام أن الفطرة صاع من قوت بلدك. إلى أن قال تدفعه وزنا ستة أرطال برطل المدينة، و الرطل مائة و خمسة و تسعون درهما، تكون الفطرة ألفا و مائة و سبعين درهما».
و التقريب أن الرطل العراقي ثلثا الرطل المدني.
و نحوها رواية جعفر بن إبراهيم المتقدمة الدالة مثل هذه على أن الصاع ألف و مائة و سبعون درهما، و هذا إنما يتم على ما ذكرناه من القول المشهور دون ما ذهب إليه العلامة.
بقي الكلام في أنه قد روى الشيخ في التهذيب عن سليمان بن حفص المروزي «3» قال: قال أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)
و رواه في الفقيه مرسلا «4» قال: «قال أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) الغسل بصاع من ماء و الوضوء بمد من ماء و صاع النبي صلى اللّٰه عليه و آله خمسة أمداد و المد وزن مائتين و ثمانين درهما و الدرهم وزن ستة دوانيق و الدانق وزن ست حبات و الحبة وزن حبتي شعير من أوساط الحب لا من صغاره و لا من كباره».
و هذا الخبر من مشكلات الأخبار و معضلات الآثار لاشتماله على مخالفات عديدة لما عليه علماء الأمصار و ما وردت به الأخبار عن الأئمّة الأطهار (عليهم السلام):
______________________________
(1) المغني ج 2 ص 700، و في المجموع شرح المهذب ج 6 ص 16 بعد تقديره بذلك قال و قيل مائة و ثلاثون درهما و به قطع الغزالي و الرافعي.
(2) الوسائل الباب 8 و 7 من زكاة الفطرة.
(3) الوسائل الباب 50 من الوضوء.
(4) الوسائل الباب 50 من الوضوء.
113
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الثاني اعتبار النصاب في زكاة الغلات و تعيين مقداره ج 12 ص 110
و منها- بيان قدر الصاع فإنه كما عرفت من الأخبار و به صرح جملة العلماء أربعة أمداد و هذا الخبر دل على أنه خمسة أمداد، و مثله في هذه المخالفة
موثقة سماعة «1» قال: «سألته عن الذي يجزئ من الماء للغسل؟ فقال اغتسل رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله بصاع و توضأ بمد، و كان الصاع على عهده خمسة أمداد و كان المد قدر رطل و ثلاث أواق».
و في هذه الرواية أيضا مخالفة أخرى في المد حيث إنه كما عرفت رطلان و ربع بالعراقي و رطل و نصف بالمدني.
و منها- في المد فإن المشهور أنه مائتا درهم و اثنان و تسعون درهما و نصف درهم لأنك قد عرفت من الأخبار المتقدمة أن الصاع ألف درهم و مائة و سبعون درهما و الصاع أربعة أمداد فيكون المد بقدر ربع هذا المذكور و هو ما ذكرناه، و على تقدير ما ذكره من أن الصاع خمسة أمداد فالمد خمس هذا المذكور و هو مائتان و أربعة و ثلاثون درهما، و هو لا ينطبق على ما ذكروه أيضا.
و منها- في الدانق و قد عرفت من ما مضى في نصاب النقدين أن الدانق ثمان حبات من أوساط حب الشعير و نقل على ذلك اتفاق الخاصة و العامة «2» و على تقديره فالدرهم ثمان و أربعون شعيرة، و هذه الرواية قد تضمنت أنه اثنتا عشرة حبة من أوساط حب الشعير و عليه فيكون الدرهم اثنين و سبعين حبة من الشعير.
و بالجملة فظاهر الأصحاب الاتفاق على طرح هذا الخبر و كذا خبر سماعة لما عرفت من المخالفة للأخبار و كلام علماء الطرفين و كذا كلام أهل اللغة.
و الشيخ في الإستبصار قد أجاب عنهما بالنسبة إلى الصاع و تفسيره بخمسة أمداد بأجوبة أقربها و إن كان لا يخلو من بعد أيضا حمل الخمسة الأمداد فيهما على ما إذا شارك صلى اللّٰه عليه و آله بعض أزواجه في الغسل، ثم استدل بالأخبار الدالة على أنه صلى اللّٰه عليه و آله اغتسل مع زوجته بخمسة أمداد من إناء واحد.
______________________________
(1) الوسائل الباب 50 من الوضوء.
(2) ارجع إلى التعليقة 1 ص 91.
114
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الثاني اعتبار النصاب في زكاة الغلات و تعيين مقداره ج 12 ص 110
و الأظهر في الجواب و إن لم يهتد إليه سوى شيخنا الصدوق من الأصحاب هو ما يظهر منه (قدس سره) في كتاب معاني الأخبار «1» من الفرق بين صاع الغسل و صاع الفطرة، حيث قال (باب معنى الصاع و المد و الفرق بين صاع الماء و مده و بين صاع الطعام و مده) ثم ذكر رواية المروزي و رواية الهمداني المتقدمة و هي الأولى الدالة على أن الصاع ستة أرطال بالمدني و تسعة بالعراقي المشعرة من حيث ذلك بكون الصاع أربعة أمداد لأن المد رطل و نصف بالمدني و رطلان و ربع بالعراقي، و ظاهره حمل رواية المروزي على صاع الماء و رواية الهمداني على صاع الطعام و بذلك يندفع عنه ما أورد عليه في كتاب من لا يحضره الفقيه «2» من إيراده رواية المروزي في باب الغسل الدالة على أن الصاع خمسة أمداد و إيراده في زكاة الفطرة من الكتاب «3» رواية الهمداني المتقدمة الدالة على أن الصاع أربعة أمداد مع ما يظهر من كلامه في أول كتابه من الإفتاء بما يرويه فيه.
و توضيح الفرق المذكور على ما ذكره بعض مشايخنا (رضوان اللّٰه عليهم) أن المد و الرطل و الصاع كانت يومئذ مكاييل معينة فقدرت بوزن الدراهم و نحوها صونا عن تطرق التغيير الذي كثيرا ما يتطرق إلى المكاييل، و من الظاهر أن الأجسام المختلفة يختلف قدرها بالنسبة إلى مكيال معين فلا يمكن أن يكون الصاع من الماء موافقا للصاع من الحنطة و الشعير و شبههما، فلذا كان الصاع المعتبر في وزن الماء لأجل الوضوء و الغسل و أمثالهما أثقل من ما ورد في الفطرة و نصاب الزكاة و نحوهما لكون الماء أثقل من الحبوب مع تساوي الحجم كما هو معلوم. فظهر أن هذا الوجه أوجه الوجوه في الجمع بين الأخبار.
أقول: ما ذكرناه من الجواب عن هذا الإشكال من ما تنبه له شيخنا المجلسي (قدس سره) في كتاب البحار حيث قال- بعد ذكر الخبر المذكور و ما خالفه من الأخبار الدالة على أن الصاع أربعة أمداد- ما صورته: و يمكن الجمع بينها بوجوه:
______________________________
(1) ص 249.
(2) ج 1 ص 23.
(3) ج 2 ص 115.
115
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الثاني اعتبار النصاب في زكاة الغلات و تعيين مقداره ج 12 ص 110
الأول ما اختاره الصدوق (قدس سره) كما يظهر من الفقيه بحمل خبر المروزي على صاع الغسل و خبر الهمداني على صاع الفطرة حيث ذكر الأول في باب الغسل و الثاني في باب الفطرة، و قد غفل الأصحاب عن هذا و لم ينسبوا هذا القول إليه مع أنه قد صرح بذلك في كتاب معاني الأخبار. ثم ذكر نحوا من ما قدمنا ذكره و أوضحه و وجهه بما قدمنا نقله عنه. و هو جيد بالنسبة إلى المخالفة الحاصلة من روايتي المروزي و سماعة إلا أنه لا يتمشى له في مثل صحيحة زرارة المتقدمة في المقام «1» الدالة على أنه صلى اللّٰه عليه و آله كان يتوضأ بمد و يغتسل بصاع ثم فسر عليه السلام المد برطل و نصف و الصاع بستة أرطال، فإنها ظاهرة في كون الصاع فيها إنما هو صاع الماء مع أنه فسره بما يرجع إلى الأربعة الأمداد، لأن الأرطال فيه محمولة على الأرطال المدنية و الصاع بستة أرطال فيها و المد برطل و نصف و هو ظاهر في الأربعة الأمداد لا الخمسة. و نحو هذه الصحيحة غيرها أيضا. و حينئذ فلا يتم ما ذكره الصدوق من حمل صاع الماء على ما يسع خمسة أمداد و لا ما ذكره من التوجيه لكلامه لانتقاضه بالصحيحة المذكورة و نحوها.
هذا. و أما باقي الإشكالات في الخبر فلا أعرف للجواب عنها وجها و لم أقف على من تعرض للجواب عنها بل قل من تعرض لذكرها و هي مرجوعة إلى قائلها، و اللّٰه العالم.
المقام الثالث [وقت تعلق الزكاة في الغلات]
- اختلف الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في الوقت الذي تتعلق به الزكاة في الغلات مع الاتفاق على أن وجوب الإخراج إنما هو بعد التصفية فالمشهور كما ذكره العلامة في المختلف و غيره هو بدو الصلاح في النخل بالاحمرار و الاصفرار و اشتداد الحب في غيره، و قيل إنه عبارة عن ما يصدق عليه التسمية بكونه تمرا أو زبيبا أو حنطة أو شعيرا، و هو منقول عن ابن الجنيد و اختاره المحقق في كتبه الثلاثة و حكاه العلامة في المنتهى عن أبيه أنه كان يذهب إليه، و إليه يميل
______________________________
(1) ص 113.
116
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الثالث وقت تعلق الزكاة في الغلات ج 12 ص 116
كلام صاحب المدارك و صاحب الذخيرة.
قالوا: و تظهر الفائدة في ما لو تصرف المالك بعد بدو الصلاح و انعقاد الحب و قبل البلوغ إلى حد التسمية بتلك الأسماء المذكورة، فإنه على المشهور لا يجوز إلا بعد الخرص و ضمان الزكاة لتحقق الوجوب يومئذ، و على القول الآخر يجوز التصرف ما لم تبلغ الحد المذكور. و كذا تظهر الفائدة في ما لو نقلها إلى غيره في تلك الحال أيضا، فعلى المشهور تجب الزكاة على الناقل لتحقق الوجوب في ملكه، و على القول الآخر إنما تتعلق بمن بلغت ذلك الحد في ملكه.
و ظواهر الأخبار المتقدمة في قصر ما تجب فيه الزكاة في الأصناف التسعة التي من جملتها الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب من ما يؤيد القول الثاني إذ من الظاهر أنه لا يصدق شيء من هذه الأسماء بمجرد الاحمرار و الاصفرار و لا بمجرد انعقاد الحب.
و استدل بعض الأصحاب لهذا القول أيضا
بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام «1»: «أنه سأله عن البستان لا تباع غلته و لو بيعت بلغت غلته مالا فهل تجب فيه صدقة؟ فقال لا إذا كانت تؤكل».
و أيده أيضا
بحسنة محمد بن مسلم «2» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن التمر و الزبيب ما أقل ما تجب فيه الزكاة؟ قال خمسة أوساق و يترك معا فارة و أم جعرور و لا يزكيان و إن كثرا».
قال: و المستفاد منها أن الزكاة لا تجب في هذين النوعين، و قد يقال الوجه فيه تعارف أكل هذين النوعين قبل صيرورتهما تمرا فيكون مضمونه موافقا لما رواه الشيخ عن علي بن جعفر في الصحيح. و أورد الرواية المتقدمة ثم قال: و يصلحان حجة لمن يعتبر في ثبوت الزكاة صدق اسم التمر. انتهى.
أقول: فيه أن الظاهر من صحيحة علي بن جعفر المذكورة أن المراد من
______________________________
(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الغلات.
(2) الوسائل الباب 1 من زكاة الغلات.
117
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الثالث وقت تعلق الزكاة في الغلات ج 12 ص 116
غلة البستان إنما هو ما عدا الأجناس الزكوية من الفواكه من ما يؤكل عادة و يفسد بعد نضجه و بلوغه لو لم يؤكل عاجلا، و إليه الإشارة بقوله عليه السلام «لا إذا كان يؤكل» أي لا تجب فيه الزكاة إذا كان من ما يعتاد أكله بعد نضجه و البلوغ إلى حده، و مثلها في ذلك
حسنة محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السلام) «1» «في البستان تكون فيه الثمار ما لو بيع كان بمال هل فيه الصدقة؟ قال لا».
فإن المراد به ما ذكرناه قطعا من تلك الفواكه التي لا تتعلق بها الزكاة، و إن لم يكن ما ذكرناه متعينا بقرينة الرواية الأخرى فلا أقل أن يكون مساويا لما ذكره و به لا يتم الاستدلال. و أما حمل حسنة محمد بن مسلم التي ذكرها على ما ذكره من أن عدم وجوب الزكاة فيها لتعارف أكلها قبل بلوغها الحد المذكور فالظاهر أنه ليس كذلك بل الظاهر من جملة من الأخبار إنما هو لأمره صلى اللّٰه عليه و آله بعدم خرصها، فمعنى تركها في الخبر إنما هو عدم خرصها على أرباب النخيل، و ستأتي الأخبار الصريحة الدالة على ما قلناه إن شاء اللّٰه تعالى في بعض المقامات الآتية.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنا لم نقف على حجة للقول المشهور يعتد بها و غاية ما استدل به العلامة في المنتهى دعوى تسمية الحب إذا اشتد حنطة و شعيرا و تسمية البسر تمرا و أن أهل اللغة نصوا على أن البسر نوع من التمر و الرطب نوع من التمر.
و لم نقف على ما يدعيه من كلام أهل اللغة إلا على ما ذكره في القاموس في مادة (بسر) حيث قال: و التمر قبل إرطابه و الواحدة بسرة. و لكن كلام أكثر أهل اللغة على خلافه و احتمال التجوز في كلامه قائم كما لا يخفى على من تأمل كتابه قال في الصحاح في ثمر النخل: أوله طلع ثم خلال ثم بلح ثم بسر ثم رطب ثم تمر.
و قال في المغرب: البسر غوره خرما. و قال في كتاب مجمع البحرين: قد تكرر في الحديث ذكر التمر هو بالفتح فالسكون اليابس من ثمر النخل. و قال الفيومي في كتاب
______________________________
(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الغلات.
118
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الثالث وقت تعلق الزكاة في الغلات ج 12 ص 116
المصباح المنير: التمر من ثمر النخل كالزبيب من العنب و هو اليابس بإجماع أهل اللغة لأنه يترك على النخل بعد إرطابه حتى يجف أو يقارب ثم يقطع و يترك في الشمس حتى ييبس، قال أبو حاتم ربما جذت النخلة و هي باسرة بعد ما أحلت ليخفف عنها أو لخوف السرقة فيترك حتى يكون تمرا. انتهى.
و الجميع كما ترى صريح في أن التمر عبارة عن اليابس بعد الرطب، و ظاهر عبارة صاحب المصباح دعوى الإجماع من اللغويين على ذلك، و بذلك يعلم ما في كلام العلامة (قدس سره) من عدم تمامية دليله و أنه يجب حمل عبارة صاحب القاموس على ما ذكرناه.
نعم هنا روايتان في المقام ربما يصلحان للدلالة على القول المشهور إحداهما
صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام «1» في حديث قال:
«سألته عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال إذا صرم و إذا خرص».
و صحيحته الأخرى و قد تقدمت في المقام الثاني «2» و فيها «فقلت و هل على العنب زكاة أو إنما تجب عليه إذا صيره زبيبا؟ قال نعم إذا خرصه أخرج زكاته».
و التقريب فيهما أن وجوب الزكاة بالخرص الذي إنما يكون في حال كون الثمرة بسرا أو عنبا مثلا يعطي تعلق الوجوب بذلك الوقت قبل أن تصير تمرا أو زبيبا، إذ الظاهر من الخرص كما ذكره الأصحاب إنما هو لجواز تصرف المالك مع ضمان حصة أرباب الزكاة و هو لا يتجه إلا على القول المشهور إلا أن هؤلاء المصرحين هم أرباب القول المشهور، و أما على القول الآخر فإنه يجوز للمالك التصرف بكل وجه ما لم يبلغ الحد المتقدم ذكره، و على هذا لا يظهر للخرص علة و هكذا القول في الحنطة و الشعير على تقدير جواز خرصهما.
إلا أنه يمكن المناقشة في الرواية الأولى بأنه متى خص الخرص بالوقت
______________________________
(1) الوسائل الباب 12 من زكاة الغلات.
(2) ص 110.
119
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الثالث وقت تعلق الزكاة في الغلات ج 12 ص 116
المذكور و أنه وقت الوجوب فلا معنى لقوله في الخبر «إذا صرم» لأنه لا يخفى ما بين وقتي الصرام و الخرص بالمعنى المذكور من المدة، إذ الخرص كما هو المفروض في حال البسرية و العنبية و الصرام إنما يكون بعد صيرورته تمرا فكيف يستقيم تعليق الوجوب بكل منهما؟ بل إنما يستقيم ذلك بحمل الخرص في الخبر على وقت كونه تمرا و زبيبا و حنطة و شعيرا، فإنه في ذلك الوقت يتعلق به الوجوب سواء صرمه أو خرصه على رءوس الأشجار و النخل و الزرع.
و أما الرواية الثانية فهي مع الإغماض عن المناقشة في دلالتها أخص من المدعى فيثبت بها الحكم في العنب خاصة فتتعلق به الزكاة من وقت العنبية، و أما غيره من الأفراد المذكورة فيحتاج إلى دليل، و إلى هذا يميل كلام السيد السند في المدارك.
نعم يبقى الكلام في الروايات الآتية الدالة على أن النبي صلى اللّٰه عليه و آله كان يأمر بالخرص على أرباب النخيل، فإن حمله على ما بعد يبس الثمرة بعيد و بذلك تكون المسألة محل إشكال. و كيف كان فالاحتياط في العمل بالقول المشهور من ما لا ينبغي تركه.
المقام الرابع [عدم ضم بعض أصناف الغلات إلى بعض في النصاب]
- لا خلاف في أنه يشترط بلوغ كل صنف من أصناف الغلات المذكورة نصابا، فلا يضم بعضها إلى بعض ليكمل النصاب من صنفين أو أصناف بل الحكم هنا كما تقدم أيضا في النقدين من عدم ضم أحدهما إلى الآخر و الأنعام من عدم ضم صنف إلى آخر، و هو من ما لا إشكال فيه.
و عليه تدل الأخبار و منها
صحيحة سليمان- و هو ابن خالد- عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «1» قال: «ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق، و العنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق».
و في صحيحة زرارة و بكير عن أبي جعفر (عليه السلام) «2» قال: فيها: «و ليس في شيء من هذه الأربعة الأشياء شيء حتى يبلغ خمسة أوساق. إلى أن قال: فإن كان
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من زكاة الغلات.
(2) الوسائل الباب 1 من زكاة الغلات.
120
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الرابع عدم ضم بعض أصناف الغلات إلى بعض في النصاب ج 12 ص 120
من كل صنف خمسة أوساق غير شيء و إن قل فليس فيه شيء. الحديث».
و صحيحة زرارة «1» قال: «قلت لأبي جعفر و لابنه (عليهما السلام) الرجل تكون له الغلة الكثيرة من أصناف شتى أو مال ليس فيه صنف تجب فيه الزكاة هل عليه في جميعه زكاة واحدة؟ فقال لا إنما تجب عليه إذا تم فكان يجب في كل صنف منه الزكاة تجب عليه في جميعه في كل صنف منه الزكاة، فإن أخرجت أرضه شيئا قدر ما لا تجب فيه الصدقة أصنافا شتى لم تجب فيه زكاة واحدة».
المقام الخامس [هل يعتبر في زكاة الغلات ملكها بالزراعة؟]
- قد صرح جملة من الأصحاب بأن الزكاة إنما تجب في الغلات إذا ملكت بالزراعة لا الابتياع و نحوه كالإرث و الهبة. و هو على إطلاقه مشكل فإنهم قد صرحوا من غير خلاف يعرف بوجوب الزكاة في ما ينتقل إلى الملك قبل تعلق الوجوب.
و ذكر شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) في مقام الاعتذار عن ذلك بأن مرادهم بالزراعة في اصطلاحهم انعقاد الثمرة في الملك أو احمرارها و اصفرارها إذا توقف الوجوب عليه، و حمل الابتياع و نحوه على وقوعه بعد تحقق الوجوب بحصول أحد الأمور المذكورة قبل وقوع البيع.
و فيه- مع الإغماض عن المناقشة بما فيه من البعد و أنه من قبيل الألغاز و المعميات- أن ما ذكره إنما يتم على تقدير تعلق الوجوب بالانعقاد و بدو الصلاح و لا يجري على القول الآخر مع أن ممن صرح بذلك المحقق في الشرائع مع تصريحه فيه بالقول المشار إليه.
و جعل المحقق في المعتبر و النافع و العلامة في جملة من كتبه الشرط هو النمو في الملك.
و فيه أيضا أن الثمرة إذا انتقلت بعد بدو الصلاح كانت الزكاة على الناقل و إن حصل النمو في ملك المنتقل إليه على القول المشهور، و كذلك إذا انتقل قبل صدق اسم التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير كان الزكاة على المنتقل إليه على القول الآخر
______________________________
(1) الإستبصار ج 2 ص 39 و في الوسائل الباب 2 من زكاة الغلات.
121
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الخامس هل يعتبر في زكاة الغلات ملكها بالزراعة ج 12 ص 121
و إن حصل النمو في ملك الناقل، و حينئذ فهذا الشرط لا وجه له على كل من القولين.
و التحقيق أن يجعل الشرط حصولها في ملكه في الوقت الذي تتعلق الزكاة فيه بمعنى أنه يدخل هذا الوقت و هي في ملكه، و هذا الشرط جار على كل من القولين كما لا يخفى و الأدلة عليه ظاهرة. و اللّٰه العالم.
المقام السادس [المقدار الواجب إخراجه في زكاة الغلات]
- قد صرح الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) من غير خلاف يعرف بأن ما سقي سيحا أو بعلا أو عذيا ففيه العشر و ما سقي بالدوالي و النواضح ففيه نصف العشر، و المراد بالسيح الجريان قال الجوهري السيح الماء الجاري.
و ظاهره أنه أعمّ من أن يكون على وجه الأرض أو في الأنهار، و هو كذلك كما صرح به الأصحاب. و أما البعل فقال في الصحاح أنه النخل الذي يشرب بعروقه فيستغني عن السقي. و أما العذي بالتسكين و الكسر فقال هو الزرع لا يسقيه إلا ماء المطر و الدوالي جمع دالية، قال و الدالية المنجنون تديرها البقرة و الناعورة يديرها الماء و قال إن المنجنون هو الدولاب التي يستقى عليها.
و يدل على الحكم المذكور مضافا إلى الإجماع الأخبار المستفيضة: و منها-
صحيحة زرارة و بكير عن أبي جعفر عليه السلام «1» قال «في الزكاة ما كان يعالج بالرشاء و الدوالي و النواضح ففيه نصف العشر و إن كان يسقى من غير علاج بنهر أو عين أو بعل أو سماء ففيه العشر كاملا».
و نحوها غيرها «2» و الحكم موضع اتفاق نصا و فتوى.
ثم إنه متى اجتمع الأمر إن كان الحكم للأكثر فأيهما غلب تبعه الحكم من العشر أو نصف العشر، و مع التساوي يؤخذ من نصفه العشر و من النصف الآخر نصف العشر و هو يرجع إلى ثلاثة أرباع العشر، و هو من ما لا خلاف فيه أيضا.
و يدل عليه
ما رواه الشيخ عن معاوية بن شريح عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3»
______________________________
(1) الوسائل الباب 4 من زكاة الغلات.
(2) الوسائل الباب 4 من زكاة الغلات.
(3) الوسائل الباب 6 من زكاة الغلات.
122
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام السادس المقدار الواجب إخراجه في زكاة الغلات ج 12 ص 122
قال: «في ما سقت السماء و الأنهار أو كان بعلا فالعشر فأما ما سقت السواني و الدوالي فنصف العشر. فقلت له فالأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء و تسقى سيحا؟ فقال إن ذا ليكون عندكم كذلك؟ قلت نعم. قال النصف و النصف نصف بنصف العشر و نصف بالعشر. فقلت الأرض تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتسقى السقية و السقيتين سيحا؟ قال و كم تسقى السقية و السقيتين سيحا؟ قلت في ثلاثين ليلة أو أربعين ليلة و قد مكث قبل ذلك في الأرض ستة أشهر سبعة أشهر قال نصف العشر».
و هل الاعتبار في الكثرة بالأكثر زمانا أو عددا أو نفعا؟ أوجه ثلاثة أقربها إلى ظاهر النص الأول.
المقام السابع [هل تستثنى المؤن غير الخراج و المقاسمة من ما يزكى؟]
- لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في استثناء حصة السلطان، و المراد بها ما يجعله على الأرض الخراجية من الدراهم و يسمى خراجا أو حصة من الحاصل و يسمى مقاسمة، و إنما اختلفوا في غيرها من المؤن هل يجب استثناؤها كالخراج أم لا و إنما يختص بالمالك؟ قولان فذهب الشيخ في الخلاف و المبسوط إلى أن المؤن كلها على رب المال دون الفقراء، و نسبه في الخلاف إلى جميع الفقهاء، و نقل جمع من الأصحاب عنه في الخلاف دعوى الإجماع عليه إلا من عطاء «1» و نقل عن الفاضل يحيى بن سعيد صاحب الجامع القول بذلك أيضا و اختاره شيخنا الشهيد الثاني أيضا في فوائد القواعد على ما نقله عنه سبطه في المدارك و أنه ذكر أنه لا دليل على استثناء المؤن سوى الشهرة و قال إن إثبات الحكم بمجرد الشهرة مجازفة، و إلى هذا القول مال جملة من متأخري المتأخرين. و قال الشيخ في النهاية باستثناء المؤن كلها و هو قول الشيخ المفيد و المحقق و ابن إدريس و العلامة و نسبه في المنتهى إلى أكثر الأصحاب و في المختلف إلى المشهور.
و استدل على الأول بعموم الأخبار الدالة على العشر و نصف العشر في
______________________________
(1) المحلى ج 5 ص 258 رقم 657.
123
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام السابع هل تستثنى المؤن غير الخراج و المقاسمة من ما يزكى ج 12 ص 123
الغلات الأربع من غير استثناء، نعم ورد استثناء حصة السلطان فيجب الاقتصار عليها
كما رواه الكليني و الشيخ عنه في الصحيح عندنا أو الحسن على المشهور عن أبي بصير و محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام «1» أنهما قالا له: «هذه الأرض التي يزارع أهلها ما ترى فيها؟ قال كل أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك في ما أخرج اللّٰه منها الذي قاطعك عليه، و ليس على جميع ما أخرج اللّٰه منها العشر إنما العشر عليك في ما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك».
أقول: و من ما يعضد هذا الخبر أيضا
ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد ابن علي بن شجاع النيسابوري و هو مجهول «2» «أنه سأل أبا الحسن الثالث عليه السلام عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر ما يزكى فأخذ منه العشر عشرة أكرار و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا و بقي في يده ستون كرا ما الذي يجب لك من ذلك؟ و هل يجب لأصحابه من ذلك عليه شيء؟ فوقع عليه السلام لي منه الخمس من ما يفضل من مئونته».
و هو كما ترى صريح في أخذ العشر من جميع ما حصل من الأرض و أن المئونة إنما خرجت بعد ذلك، و هو و إن كان في كلام السائل إلا أن الإمام عليه السلام قرره على ذلك و لم ينكره و تقريره حجة كما اتفقوا عليه.
و ما رواه صفوان و أحمد بن محمد بن أبي نصر «3» قالا: «ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج و ما سار فيها أهل بيته فقال من أسلم طوعا تركت أرضه في يده و أخذ منه العشر من ما سقت السماء و الأنهار و نصف العشر من ما كان بالرشاء في ما عمروه منها و ما لم يعمروه منها أخذه الإمام فقبله ممن يعمره و كان للمسلمين، و على المتقبلين في حصصهم العشر و نصف العشر. إلى أن قال و على المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف العشر في حصصهم. الحديث».
______________________________
(1) الوسائل الباب 7 من زكاة الغلات.
(2) الوسائل الباب 5 من زكاة الغلات.
(3) الوسائل الباب 4 من زكاة الغلات.
124
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام السابع هل تستثنى المؤن غير الخراج و المقاسمة من ما يزكى ج 12 ص 123
و استدل العلامة في المنتهى و قبله المحقق في المعتبر على القول المشهور بأن النصاب مشترك بين المالك و الفقراء فلا يختص أحدهم بالخسارة عليه كغيره من الأموال المشتركة، و بأن المئونة سبب الزيادة فتكون على الجميع، و بأن إلزام المالك بالمئونة كلها حيف عليه و إضرار به و هو منفي، و بأن الزكاة في الغلات تجب في النماء و الفائدة و هو لا يتناول المئونة.
و لا ريب في ضعف هذه التعليلات فإنها بمجردها لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية و إن زعموها أدلة عقلية مقدمة على النصوص كما هي قاعدتهم الكلية، هذا مع أن جملة من فضلاء متأخري المتأخرين: منهم- السيد السند في المدارك بينوا ضعف هذه الوجوه مشروحا فليرجع إليه من أحب الوقوف عليه.
نعم يدل على هذا القول
ما في كتاب الفقه الرضوي «1» حيث قال عليه السلام: و ليس في الحنطة و الشعير شيء إلى أن يبلغ خمسة أوسق و الوسق ستون صاعا و الصاع أربعة أمداد و المد مائتان و اثنان و تسعون درهما و نصف، فإذا بلغ ذلك و حصل بعد خراج السلطان و مئونة العمارة و القرية أخرج منه العشر إن كان سقي بماء المطر أو كان بعلا و إن كان سقي بالدلاء و الغرب ففيه نصف العشر، و في التمر و الزبيب مثل ما في الحنطة و الشعير.
أقول: و بهذه العبارة بعينها عبر الصدوق في الفقيه و منه يظهر أن مستنده في الحكم المذكور إنما هو هذا الكتاب، و الظاهر أيضا أنه هو المستند لغيره من القائلين بهذا القول من متقدمي الأصحاب، و يمكن تخصيص إطلاق تلك الأخبار بهذه الرواية.
و بالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الإشكال و إن كان القول الأول أظهر لقوة مستنده و أوفقيته بالاحتياط.
[فوائد]
و في هذا المقام فوائد
الأولى [هل يستثنى من ما يزكى ما يأخذه من لا يدعي الخلافة؟]
- قد عرفت أن المراد بخراج السلطان و حصته
______________________________
(1) ص 22.
125
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الأولى هل يستثنى من ما يزكى ما يأخذه من لا يدعي الخلافة ج 12 ص 125
هو ما يأخذه من الأرض الخراجية من نقد أو حصة من الحاصل و إن سمي الأخير مقاسمة، و حينئذ فيكون هذا الحكم مخصوصا بما إذا كانت الأرض خراجية و هي المفتوحة عنوة و الآخذ الإمام إمام عدل كان أو إمام جور كخلفاء الأموية و العباسية و من يحذو حذوهم إلى يومنا هذا كما هو الظاهر من الأخبار و كلام أكثر الأصحاب و إن خالف فيه شذوذ من أصحابنا.
بقي الكلام في ما لو لم تكن الأرض خراجية أو كانت و كان الآخذ ليس ممن يدعي الإمامة كسلاطين الشيعة في بلاد العجم فهل يكون ما يأخذونه على الأرض و الحال هذه مستثنى و يكون على الجميع كحصة السلطان المتقدمة أو يختص بالمالك؟
إشكال ينشأ من أن هذا ليس من الخراج المستثنى لما عرفت من شروطه و دلالة ظواهر الأخبار على وجوب العشر و نصف العشر على ما أخرجت الأرض مطلقا خرج منه حصة السلطان بالدليل المتقدم و بقي ما عداه، و من أن هذا ظلم لحق المالك في هذه الزراعة فيصير من قبيل السرقة و نحوها من أسباب التلف من غير تفريط فلا تكون مضمونة عليه بل توزع على الجميع و يكون إخراج النصاب بعده إن وقع ذلك قبل استقرار الوجوب و إلا فبالنسبة بين المالك و الفقراء. و هو الأقرب.
و يؤيده ظاهر
رواية سعيد الكندي «1» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام إني آجرت قوما أرضا فزاد السلطان عليهم؟ قال أعطهم فضل ما بينهما. قلت أنا لم أظلمهم و لم أزد عليهم؟ قال إنهم إنما زادوا على أرضك».
فإنه يستفاد من هذا الخبر أنه لا ضمان على من جبره الحاكم و أخذ مال الغير من يده ظلما.
و يعضد ذلك ما صرح به شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك في صورة ما إذا أخذ الجائر زيادة على الخراج المعتاد ظلما، حيث قال فلا يستثنى الزائد إلا أن يأخذه قهرا بحيث لا يتمكن المالك من منعه سرا أو جهرا فلا يضمن حصة الفقراء من الزائد. انتهى.
______________________________
(1) الوسائل الباب 16 من المزارعة و المساقاة.
126
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثانية هل تجب الزكاة بعد إخراج من الأرض الخراجية ج 12 ص 127
الثانية [هل تجب الزكاة بعد إخراج من الأرض الخراجية؟]
- قد أجمع الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) و هو المشهور بين الجمهور أيضا «1» أنه بعد أخذ السلطان الخراج من الأرض الخراجية فإنه يجب على المالك إخراج الزكاة من ما بقي في يده، و عليه تدل الأخبار التي قدمناها، و لم ينقل الخلاف هنا إلا عن أبي حنيفة «2» فإنه ذهب إلى أنه لا زكاة فيها بعد أخذ الخراج منها، و رده في المعتبر و المنتهى بوجوه إقناعية.
إلا أنه قد ورد في أخبارنا ما يدل على ذلك: و منها-
رواية أبي كهمش عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «من أخذ من السلطان الخراج فلا زكاة عليه».
و حملها الشيخ على الأرضين الخراجية فيفهم منه حينئذ القول بعدم وجوب الزكاة فيها كما هو المنقول عن أبي حنيفة مع أن العلامة في المنتهى ادعى الإجماع على ما قدمنا نقله عنهم.
و منها-
صحيحة سليمان بن خالد «4» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول إن أصحاب أبي أتوه فسألوه عن ما يأخذه السلطان فرق لهم و أنه ليعلم أن الزكاة لا تحل إلا لأهلها فأمرهم أن يحتسبوا به فجاز ذا و اللّٰه لهم. فقلت أي أبت إنهم إن سمعوا ذلك لم يزك أحد؟ فقال أي بني حق أحب اللّٰه أن يظهره».
و رواية رفاعة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «5» قال: «سألته عن الرجل يرث الأرض أو يشتريها فيؤدي خراجها إلى السلطان هل عليه فيها عشر؟ قال لا».
و رواية أبي قتادة عن سهل بن اليسع «6» «أنه حيث أنشأ سهلآباد سأل أبا الحسن عليه السلام عن ما يخرج منها ما عليه؟ فقال إن كان السلطان يأخذ خراجه فليس عليك شيء و إن لم يأخذ السلطان منها شيئا فعليك إخراج عشر ما يكون فيها».
______________________________
(1) المهذب ج 1 ص 157 و الإنصاف ج 3 ص 113.
(2) بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج 2 ص 57.
(3) الوسائل الباب 10 من زكاة الغلات.
(4) الوسائل الباب 20 من المستحقين للزكاة. و في الفروع ج 1 ص 153 (فجال فكري) مكان (فجاز ذا) في التهذيب ج 1 ص 359.
(5) الوسائل الباب 10 من زكاة الغلات.
(6) الوسائل الباب 10 من زكاة الغلات.
127
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثانية هل تجب الزكاة بعد إخراج من الأرض الخراجية ج 12 ص 127
و صحيحة رفاعة أيضا «1» «عن الرجل له الضيعة فيؤدي خراجها هل عليه فيها عشر؟ قال لا».
و المنقول عن الشيخ حمل هذه الأخبار على نفي الزكاة في الحصة التي يأخذها السلطان بعنوان الخراج فيصير حاصل المعنى أن العشر لا يثبت في غلة الضيعة بكمالها قال المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى بعد نقل صحيحة رفاعة الأخيرة و نقل تأويل الشيخ المذكور: و لا بأس بهذا الحمل إذ هو خير من الاطراح. و فيه أن هذا الحمل و إن أمكن في هذه الرواية على بعد إلا أنه لا يجري في رواية قتادة لأنه حكم عليه السلام بأنه مع أخذ الخراج ليس عليه شيء، و نحوها رواية أبي كهمش حيث قال: «لا زكاة عليه» و تأويلهما بأنه ليس عليه شيء معين في خراج السلطان تعسف محض. و بالجملة فإن هذا الاحتمال بعيد غاية البعد.
و احتمل بعض الأصحاب حمل الخراج في هذه الأخبار على الزكاة و أنه متى أخذها الجائر قهرا فإنه تبرأ ذمة المالك و تسقط عنه استنادا إلى ما دل من الأخبار على احتسابها بذلك:
كصحيحة يعقوب بن شعيب «2» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن العشور التي تؤخذ من الرجل أ يحتسب بها من زكاته؟ قال نعم إن شاء».
و صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» «في الزكاة؟ قال ما أخذ منكم بنو أمية فاحتسبوا به و لا تعطوهم شيئا ما استطعتم فإن المال لا يبقى على هذا أن يزكيه مرتين».
و نحو ذلك صحيحة الحلبي «4».
و فيه أنه و إن دلت هذه الروايات على جواز احتساب ما يأخذونه بعنوان الزكاة عن الزكاة الواجبة عليه لكن إطلاق الخراج في تلك الأخبار على الزكاة بعيد جدا.
نعم صحيحة سليمان بن خالد حيث لم يصرح فيها بلفظ الخراج قابلة لهذا التأويل بل ظاهرها
______________________________
(1) التهذيب ج 1 ص 359 و في الوسائل الباب 10 من زكاة الغلات.
(2) الوسائل الباب 20 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 20 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 20 من المستحقين للزكاة.
128
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثانية هل تجب الزكاة بعد إخراج من الأرض الخراجية ج 12 ص 127
إنما هو الزكاة مثل هذه الأخبار الأخيرة.
على أنه قد ورد ما يعارض هذه الأخبار الأخيرة أيضا
كصحيحة زيد الشحام «1» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام جعلت فداك إن هؤلاء المصدقين يأتوننا فيأخذون منا الصدقة فنعطيهم إياها أ تجزئ عنا؟ فقال لا إنما هؤلاء قوم غصبوكم- أو قال ظلموكم- أموالكم و إنما الصدقة لأهلها».
و حمله الشيخ على استحباب الإعادة، و الأظهر حمله على ما إذا تمكن من عدم الإعطاء بإنكار و نحوه و مع ذلك أعطاها كما هو ظاهر سياق الخبر بأن يكون معنى «فيأخذون منا الصدقة» يعني يطلبونها منا فنعطيهم مع أنه يمكنه أن ينكر أن لا صدقة عليه مثلا.
و كيف كان فحيث كانت الأخبار المتقدمة من ما أعرض عن العمل بها كافة الأصحاب قديما و حديثا مع معارضتها بالأخبار المتقدمة في المقام السابع و كونها على خلاف الاحتياط فلا بد من تأويلها أو طرحها و إرجاعها إلى قائلها، و الأظهر هو حملها على التقية فإنه مذهب أبي حنيفة «2» و مذهبه في وقته له صيت و انتشار زيادة على غيره من أصحاب المذاهب فإنها إنما اعتبرت في الأزمان المتأخرة.
الثالثة [هل تعتبر المؤن لو قيل باستثنائها قبل النصاب أو بعده؟]
- لو قلنا باستثناء المؤن كما هو المشهور فهل تعتبر بعد النصاب فيزكى الباقي منه بعد إخراج المئونة و إن قل أم قبله فإن لم يبلغ الباقي بعدها نصابا فلا زكاة أم يعتبر ما سبق على الوجوب كالسقي و الحرث قبله و ما تأخر كالحصاد و الجذاذ بعده؟ احتمالات ذهب إلى كل منها قائل، فقطع بأولها العلامة في التذكرة حيث قال:
الأقرب أن المئونة لا تؤثر في نقصان النصاب و إن أثرت في نقصان الفريضة فلو بلغ الزرع خمسة أوسق مع المئونة و إذا سقطت المئونة منه قصر عن النصاب وجبت الزكاة لكن لا في المئونة بل في الباقي. و اختار هذا الوجه السيد السند في المدارك و مثله الفاضل الخراساني في الذخيرة. و جزم العلامة في المنتهى بالثاني فقال المؤن تخرج
______________________________
(1) الوسائل الباب 20 من المستحقين للزكاة.
(2) بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج 2 ص 57.
129
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثالثة هل تعتبر المؤن لو قيل باستثنائها قبل النصاب أو بعده ج 12 ص 129
وسطا من المالك و الفقراء فما فضل و بلغ نصابا أخذ منه العشر أو نصف العشر. و هو ظاهر المحقق في الشرائع. و أنت خبير بأن هذا هو الذي دل عليه كلامه عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي فيكون أظهر الاحتمالات لذلك بناء على القول المذكور.
و استوجه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الثالث و جعل الأول أحوط.
المقام الثامن [هل تجب الزكاة في حصة العامل في المزارعة و المساقاة؟]
- المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) وجوب الزكاة في حصة العامل في المزارعة و المساقاة مع الشرائط و كذا حصة المالك، لحصول ذلك في ملكهما قبل بلوغ حد الوجوب و هو مناط تعلق الزكاة كما تقدم، و يدل عليه أيضا ما تقدم
في حسنة أبي بصير و محمد بن مسلم «1» و قوله عليه السلام فيها «إنما العشر عليك في ما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك».
و كذا
رواية صفوان و أحمد بن محمد ابن أبي نصر «2» لقوله عليه السلام فيها «و على المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف العشر في حصصهم».
و نقل العلامة في المختلف عن السيد ابن زهرة أنه قال: لا زكاة على العامل في المزارعة و المساقاة لأن الحصة التي يأخذها كالأجرة من عمله، و كذا لو كان البذر من العامل فلا زكاة على رب الأرض لأن الحصة التي يأخذها كأجرة أرضه.
قال في المختلف: و أنكر ابن إدريس ذلك كل الإنكار و منعه كل المنع و أوجب الزكاة عليه إذا بلغ نصيبه النصاب. و هو الأقرب، لنا أنه قد ملك بالزراعة فيجب عليه الزكاة. و احتج بأنه أجرة و لا زكاة في الأجرة إجماعا. و الجواب المنع من الصغرى. انتهى.
أقول: من ما يدل على ما ذكره ابن زهرة
ما رواه الشيخ في الموثق عن عبد اللّٰه ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام) «3» قال: «في زكاة الأرض إذا قبلها النبي صلى اللّٰه عليه و آله أو الإمام عليه السلام بالنصف أو الثلث أو الربع فزكاتها عليه و ليس
______________________________
(1) الوسائل الباب 7 من زكاة الغلات.
(2) ص 124.
(3) الوسائل الباب 7 من زكاة الغلات.
130
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الثامن هل تجب الزكاة في حصة العامل في المزارعة و المساقاة ج 12 ص 130
على المتقبل زكاة إلا أن يشترط صاحب الأرض أن الزكاة على المتقبل فإن اشترط فإن الزكاة عليهم. و ليس على أهل الأرض اليوم زكاة إلا على من كان في يده شيء من ما أقطعه الرسول صلى اللّٰه عليه و آله».
و ما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم «1» قال: «سألته عن الرجل يتكارى الأرض من السلطان بالثلث أو النصف هل عليه في حصته زكاة؟
قال لا. الحديث».
و حمل الشيخ في الخبر الأول نفي الزكاة عن المتقبل على نفيها عن جميع ما أخرجت الأرض و إن كان يلزمه زكاة ما يحصل في يده بعد المقاسمة مستدلا بما مر.
و أنت خبير بأن قوله: «زكاتها عليه» يعني على النبي صلى اللّٰه عليه و آله أو الإمام عليه السلام لا جائز أن يحمل على الحصة التي يأخذها عليه السلام لأنها مال للمسلمين كافة فهي من مال بيت المال، و قد تقدم أن مال بيت المال و نحوه من الجهات العامة ليس فيه زكاة فلم تبق إلا حصة المتقبل و قد أخبر أن زكاتها على النبي صلى اللّٰه عليه و آله أو الإمام فكيف يتم ما ذكره من أنه يلزمه زكاة ما يحصل في يده؟ و بالجملة فما ذكره من التأويل لا يقبله الخبر المذكور.
و أما صحيحة محمد بن مسلم فالظاهر جعلها في عداد الروايات المتقدمة الدالة على ما ذهب إليه أبو حنيفة من أن من أخذ منه السلطان الخراج فلا زكاة عليه «2» لأن المراد بالخراج ما هو أعمّ من الدراهم و الدنانير التي يأخذها على الأرض أو الحصة من الحاصل المسماة عندهم بالمقاسمة كما أشرنا إليه في ما سبق، و هذه الرواية دلت على أنه إذا أخذ السلطان منه حصة فلا زكاة عليه، و حينئذ فتحمل على ما حملت عليه تلك الروايات، و حينئذ فلم يبق إلا الرواية الأولى و هي لا تبلغ قوة في معارضة الروايات المتقدمة في المقام السابع.
______________________________
(1) الوسائل الباب 7 من زكاة الغلات.
(2) بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج 2 ص 57.
131
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الثامن هل تجب الزكاة في حصة العامل في المزارعة و المساقاة ج 12 ص 130
و مثلها أيضا
ما رواه الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر «1» قال «ذكرت لأبي الحسن الرضا عليه السلام الخراج و ما سار به أهل بيته فقال العشر و نصف العشر على من أسلم تطوعا تركت أرضه في يده و أخذ منه العشر و نصف العشر في ما عمر منها و ما لم يعمر منها أخذه الوالي فقبله ممن يعمره و كان للمسلمين. إلى أن قال: و ما أخذ بالسيف فذلك للإمام يقبله بالذي يرى كما صنع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله بخيبر قبل أرضها و نخلها، و الناس يقولون لا تصلح قبالة الأرض و النخل إذا كان البياض أكثر من السواد. و قد قبل رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله خيبر و عليهم في حصصهم العشر و نصف العشر».
و احتمال الاشتراط في هذه الأخبار جمعا بينها و بين الموثقة المذكورة الظاهر بعده و المسألة لا تخلو من نوع توقف إذ لا يحضرني الآن محمل لتلك الموثقة المذكورة.
ثم إن قوله عليه السلام في الموثقة المشار إليها «و ليس على أهل الأرض اليوم زكاة» لعله من قبيل ما تقدم من تلك الأخبار الدالة على سقوطها عن المالك بأخذ الجائر لها بعنوان الزكاة أو الخراج، و لعل استثناء من كان في يده شيء من ما أقطعه الرسول صلى اللّٰه عليه و آله من حيث إن تلك القطائع إنما هي في أيدي الظلمة الذين لا يؤخذ منهم شيء يوجب سقوط الزكاة عنهم.
المقام التاسع [اعتبار الخرص في الزرع]
- المفهوم من كلام الأصحاب و منهم المحقق في المعتبر و العلامة في المنتهى و غيرهما من المتقدمين و المتأخرين جواز الخرص في النخيل و الكروم و تضمينهم حصة الفقراء، و نقل عليه في المعتبر الإجماع منا و من أكثر العامة «2».
و استدل عليه في المعتبر
بما روي «3» من أن النبي صلى اللّٰه عليه و آله كان يبعث إلى الناس
______________________________
(1) التهذيب ج 1 ص 383 و في الوسائل الباب 4 من زكاة الغلات.
(2) المغني ج 2 ص 76 و نيل الأوطار ج 4 ص 205.
(3) سنن أبي داود ج 2 ص 110 رقم 1603.
132
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام التاسع اعتبار الخرص في الزرع ج 12 ص 132
من يخرص عليهم نخيلهم و كرومهم.
و لأن أرباب الثمار يحتاجون إلى الأكل و التصرف في ثمارهم فلو لم يشرع الخرص لزم الضرر.
و إنما اختلفوا في جواز الخرص في الزرع فأثبته الشيخ و جماعة لوجود المقتضي و هو الاحتياج إلى الأكل منه قبل يبسه و تصفيته، و نفاه ابن الجنيد و المحقق في المعتبر و العلامة في المنتهى و التحرير، لأنه نوع تخمين و لا يثبت إلا في موضع الدلالة، و لأن الزرع قد يخفى خرصه لاستتار بعضه و تبدده بخلاف النخل و الكرم فإن ثمرتهما ظاهرة فيتمكن الخارص من إدراكها و الإحاطة بها، و لأن الحاجة في النخل و الكرم ماسة إلى الخرص لاحتياج أربابها إلى تناولها غالبا رطبة قبل الجذاذ و الاقتطاف بخلاف الزرع فإن الحاجة إلى تناول الفريك قليلة جدا.
أقول: من ما يدل على جواز الخرص في الزرع ما تقدم في المقام الثالث من
صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن الرضا عليه السلام قال: «سألته عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال إذا صرم و إذا خرص.
ثم إن المحقق في المعتبر ذكر في هذه المسألة فروعا: منها- أن وقت الخرص حين بدو صلاح الثمرة، قال لأنه وقت الأمن على الثمرة من الجائحة غالبا
لما روي «1» «أن النبي صلى اللّٰه عليه و آله كان يبعث عبد اللّٰه بن رواحة يخرص على يهود خيبر نخلهم حين يطيب».
و منها- صفة الخرص أن تقدر الثمرة لو صارت تمرا و العنب لو صار زبيبا فإن بلغ الأوساق وجبت الزكاة ثم يخيرهم بين تركه أمانة في أيديهم و بين تضمينهم حصة الفقراء أو يضمن لهم حقهم فإن اختاروا الضمان كان لهم التصرف كيف شاءوا و إن أبوا جعله أمانة و لم يجز لهم التصرف فيه بالأكل و البيع و الهبة لأن فيه حق المساكين. إلى غير ذلك من الفروع المذكورة.
ثم قال في المدارك بعد نقل جملة تلك الفروع: أقول إن في كثير من هذه
______________________________
(1) سنن أبي داود ج 2 ص 110 رقم 1606.
133
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام التاسع اعتبار الخرص في الزرع ج 12 ص 132
الأحكام نظرا و القدر المتحقق من ذلك جواز البناء على قدر الخرص عند عدم العلم بالمقدار و جواز التصرف في الثمرة بعد الضمان، لأن ذلك فائدة الخرص و للإجماع المنقول عليه من جماعة: منهم- العلامة في المنتهى، فإنه قال: لو أكل المالك رطبا فإن كان ذلك بعد الخرص و التضمين جاز إجماعا لأن فائدة الخرص إباحة التناول، و إن كان بعد الخرص و قبل التضمين بأن خرص عليه الخارص و لم يضمنه جاز أيضا إذا ضمن نصيب الفقراء، و كذلك لو كان قبل الخرص إذا خرصها هو بنفسه أما مع عدم الخرص فلا. انتهى.
ثم قال في المدارك: و اعلم أنا لم نقف للأصحاب على تصريح بمعنى الضمان هنا و الظاهر أن المراد به العزم على أداء الزكاة و لو من غير النصاب.
أقول: إذا عرفت ذلك فاعلم أن في المقام إشكالا لم أقف على من تنبه له و لا نبه عليه، و ذلك فإنه لا ريب في صحة هذا الكلام و ما فرعوه عليه من الفروع الداخلة في سلك هذا النظام بناء على ما هو المشهور من أن الوقت الذي تتعلق به الزكاة في الغلات عبارة عن بدو الصلاح و انعقاد الحب و اشتداده، و أما على القول الآخر من أن الوقت الذي تتعلق به إنما هو ما إذا صارت تمرا و زبيبا و حنطة و شعيرا فلا أعرف وجه صحة لهذا الكلام، كيف و قد جعلوا من فروع القولين عدم جواز تصرف المالك بعد بدو الصلاح و انعقاد الحب إلا مع الخرص و التضمين بناء على القول المشهور و جوازه مطلقا على القول الآخر، و المحقق المذكور ممن ذهب في كتبه الثلاثة إلى القول بعدم تعلق الوجوب إلا بعد التسمية بتلك الأسماء المذكورة. و في المعتبر بعد أن صرح بذلك نقل عن الشيخ القول المشهور و فرع الفرع المذكور على القولين ثم بعد هذا بسطرين أو ثلاثة ذكر مسألة الخرص بالنحو الذي نقلناه عنه و هو من أعجب العجاب عند ذوي الألباب. و مثله صاحب المدارك فإن ظاهره في تلك المسألة اختيار قول المحقق و في مسألة الخرص جرى على ما جرى عليه المحقق من أنه لا بد في صحة التصرف من الخرص و الضمان.
134
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام التاسع اعتبار الخرص في الزرع ج 12 ص 132
(لا يقال) إن هذا مبني عندهم على تقدير القول المشهور (لأنا نقول) لو كان الأمر كذلك لأشاروا إليه و نبهوا عليه و كلامهم هذا كله إنما جرى على سبيل الفتوى في المسألة كغيرها من المسائل كما لا يخفى على من راجع كلامهم و ما فيه من زيادة التأكيد في الحكم المذكور.
هذا. و أما ما ذكره من أخبار الخرص فمنه ما هو عامي و منه ما لا دلالة فيه مثل خبر إرسال عبد اللّٰه بن رواحة يخرص على اليهود فإن ذلك ليس من المسألة في شيء، فإن الخبر الوارد بذلك في يهود خيبر الذين قبلهم النبي صلى اللّٰه عليه و آله أرضها و نخيلها بالنصف فهم شركاء بلا ريب من أول بدو الحاصل، و إنما الأخبار الدالة على الخرص ما قدمناه من صحيحة سعد بن سعد الأشعري و الروايات الآتية قريبا إن شاء اللّٰه تعالى.
المقام العاشر [لا يجوز إعطاء الرديء عن الجيد]
- قد صرح العلامة في التذكرة بأنه إن كانت الثمرة جنسا واحدا أخذ منه جيدا كان كالبرني و هو أجود نخيل الحجاز أو رديئا كالجعرور و مصران الفأرة و لا يطالب بغيره، و لو تعددت الأنواع أخذ من كل نوع بحصته و لا يجوز إخراج الرديء لقوله تعالى «وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ» «1» و لا يجوز أخذ الجيد عن الرديء
لقوله صلى اللّٰه عليه و آله «2» «إياك و كرائم أموالهم».
فإن تطوع المالك جاز، انتهى. و هو تفصيل حسن.
و يدل على ما ذكره من عدم جواز إعطاء الرديء عن الجيد روايات عديدة:
منها-
ما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» «في قول اللّٰه عز و جل:
يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ، وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ» «4» قال كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله إذا أمر بالنخل أن
______________________________
(1) سورة البقرة الآية 270.
(2) سنن ابن ماجة ج 1 ص 543 أول الزكاة.
(3) الوسائل الباب 19 من زكاة الغلات.
(4) سورة البقرة الآية 270.
135
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام العاشر لا يجوز إعطاء الرديء عن الجيد ج 12 ص 135
يزكى يجيء قوم بألوان من التمر و هو من أردأ التمر يؤدونه من زكاتهم تمرا يقال له الجعرور و المعىفأرة قليلة اللحاء عظيمة النوى و كان بعضهم يجيء بها عن التمر الجيد فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله لا تخرصوا هاتين التمرتين و لا تجيئوا منهما بشيء و في ذلك نزل «وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ» و الإغماض أن يأخذ هاتين التمرتين».
و رواه ابن إدريس في آخر كتاب السرائر نقلا من كتاب المشيخة للحسن ابن محبوب عن صالح بن رزين عن شهاب عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» مثله.
و روى العياشي في تفسيره عن رفاعة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» «في قول اللّٰه عز و جل إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ «3» فقال إن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله بعث عبد اللّٰه بن رواحة فقال لا تخرصوا أم جعرور و لا المعىفأرة و كان أناس يجيئون بتمر سوء فأنزل اللّٰه «وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ» و ذكر أن عبد اللّٰه بن رواحة خرص عليهم تمر سوء فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله يا عبد اللّٰه لا تخرصوا جعرورا و لا المعىفأرة».
و عن إسحاق بن عمار عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) «4» قال: «كان أهل المدينة يأتون بصدقة الفطر إلى مسجد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و فيه عذق يسمى الجعرور و عذق يسمى المعىفأرة كان عظيم نواهما رقيق لحاؤهما في طعمهما مرارة فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله للخارص لا تخرص عليهم هذين اللونين لعلهم يستحيون لا يأتون بهما فأنزل اللّٰه:
يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ. إلى قوله تُنْفِقُونَ» «5».
و هذه الروايات هي التي أشرنا إليها سابقا بأنها دالة على الخرص.
المقام الحادي عشر [هل تجزئ القيمة في زكاة الأنعام؟]
- المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) الاجتزاء بالقيمة في الغلات و الأنعام و النقدين، و هو بالنسبة إلى الأنعام لا يخلو من إشكال لما قدمنا سابقا في المسألة السادسة من المسائل الملحقة بالمقام الثالث في زكاة
______________________________
(1) الوسائل الباب 19 من زكاة الغلات.
(2) الوسائل الباب 19 من زكاة الغلات.
(3) سورة البقرة الآية 271.
(4) الوسائل الباب 19 من زكاة الغلات.
(5) سورة البقرة الآية 270.
136
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الحادي عشر هل تجزئ القيمة في زكاة الأنعام ج 12 ص 136
الغنم من أن الدليل إنما دل على ذلك في الغلات و النقدين خاصة و أما الأنعام فلم يقم على إجزاء القيمة فيها دليل، و قد تقدم أن ذلك مذهب الشيخ المفيد و إليه يميل كلام المحقق في المعتبر. و العجب من الشيخ الحر في الوسائل أنه ترجم الباب «1» هكذا «باب جواز إخراج القيمة عن زكاة الدنانير و الدراهم و غيرهما» و لم يورد من الأخبار الدالة على ذلك إلا صحيحتي علي بن جعفر و البرقي المتقدمتين «2» المشتملة إحداهما على الغلات و الثانية على النقدين، و هذا من بعض غفلاته.
و لا ريب أن ما ذهب إليه الشيخ المفيد (قدس سره) هنا بمحل من القوة فإن مقتضى الأدلة وجوب إخراج الفرائض المخصوصة فلا يجوز العدول عنها إلا بدليل، و يؤيده أيضا ظواهر جملة من الأخبار مثل خبر محمد بن مقرن و صحيحة زرارة المتقدمتين في المقام الأول من المطلب الأول «3» في زكاة الإبل حيث دلا على أن من ليس عنده السن المفروض أعطى سنا أدنى منه و جبره بعشرين درهما أو أعلى منه بسن أعطاه و استرجع من المصدق عشرين درهما، و لو كانت القيمة جائزة بالمعنى الذي ذكروه لأمر به عليه السلام عملا بسعة الشريعة المحمدية و جريا على سهولة التكليف المبني عليه قواعد تلك الملة المصطفوية. و بالجملة فالقول به يحتاج إلى الدليل و ليس فليس، و به يظهر قوة قول الشيخ المفيد (قدس سره) فموافقة الشيخ المشار إليه مع كونه أخباريا للقول المشهور هنا مع ما هو عليه من القصور لا يخلو من غفلة فإنه من أرباب النصوص الذين يحومون حولها على العموم أو الخصوص و غاية ما استدل به العلامة هنا للقول المشهور في مطولاته أن المقصود بالزكاة دفع الخلة و رفع الحاجة و هو يحصل بالقيمة كما يحصل بالعين، فإن الزكاة إنما شرعت جبرا للفقراء و معونة لهم و ربما كانت القيمة أنفع في بعض الأوقات فاقتضت الحكمة التسويغ. و لا يخفى ما في أمثال هذه التعليلات من الضعف و عدم الصلاحية
______________________________
(1) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب و الفضة.
(2) ص 72.
(3) ص 52 و 53.
137
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الحادي عشر هل تجزئ القيمة في زكاة الأنعام ج 12 ص 136
لتأسيس الأحكام الشرعية عليها. نعم تصلح لأن تكون توجيها للنص و بيانا للحكمة فيه إذا ثبت.
بقي الكلام في أن ظاهر كلام الأصحاب تصريحا في مواضع و تلويحا في أخرى أن المراد بالقيمة هنا ما هو أعمّ من الدراهم و الدنانير من أي جنس إذا أخرجه بحساب الدراهم و الدنانير، قال الشيخ في الخلاف: يجوز إخراج القيمة في الزكاة كلها أي شيء كانت القيمة، و تكون القيمة على وجه البدل لا على أنها أصل. انتهى و الذي تضمنه الخبران المشار إليهما آنفا اللذان هما المستند في المسألة ظاهرهما خصوص النقدين،
ففي صحيحة علي بن جعفر «1» قال: «سألته عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير و عن الدنانير دراهم؟ قال لا بأس».
و صحيحة البرقي «2» قال: «كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام هل يجوز أن يخرج عن ما يجب في الحرث من الحنطة و الشعير و ما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوى أم لا يجوز إلا أن يخرج من كل شيء ما فيه؟ فأجاب عليه السلام أيما تيسر يخرج».
و الظاهر أن المراد من قوله: «أيما تيسر» يعني الأمرين المذكورين.
و يؤيده أيضا
ما رواه في الكافي عن سعيد بن عمرو عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «قلت يشتري الرجل من الزكاة الثياب و السويق و الدقيق و البطيخ و العنب فيقسمه؟ قال: لا يعطيهم إلا الدراهم كما أمر اللّٰه».
قال المحدث الكاشاني في كتاب الوافي- بعد نقل هذا الخبر على أثر الخبرين الأولين- ما صورته: هذا الحديث لا ينافي ما قبله لأن التبديل إنما يجوز بالدراهم و الدنانير دون غيرهما. انتهى.
إلا أنه نقل المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في كتاب الوسائل «4»
______________________________
(1) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب و الفضة، و اللفظ بعد قوله «دراهم» هكذا «بالقيمة أ يحل ذلك؟».
(2) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب و الفضة.
(3) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب و الفضة.
(4) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب و الفضة.
138
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الحادي عشر هل تجزئ القيمة في زكاة الأنعام ج 12 ص 136
عن كتاب قرب الإسناد لعبد اللّٰه بن جعفر الحميري أنه روى فيه عن محمد بن الوليد عن يونس بن يعقوب قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة فأشتري لهم منها ثيابا و طعاما و أرى أن ذلك خير لهم؟ قال فقال لا بأس».
و قد جمع بين هذا الخبر و ما قبله بحمل الأول على استحباب الإخراج من العين و إن جاز بالقيمة كما دل عليه هذا الخبر. و فيه بعد فإن الزكاة في الخبر لا يتعين كونها من الدراهم بخصوصها حتى يصير الأمر بالدراهم من العين بل ظاهرها العموم و أن المخرج إذا أعطى على جهة القيمة فالواجب أن يكون دراهم، و ذكر الدراهم هنا خرج مخرج التمثيل فلا ينافي إعطاء الدنانير.
و بالجملة فالرواية ظاهرة في أنه لا يجوز إلا النقدان أصالة أو قيمة، و المسألة لا تخلو من إشكال و الاحتياط في الوقوف على ظواهر تلك الأخبار و يؤيده أيضا ما يأتي إن شاء اللّٰه تعالى في مسألة أقل ما يعطى الفقير من الزكاة.
ثم لا يخفى أنه على تقدير القول بالقيمة كائنا ما كان فهل يكون الاعتبار بوقت الإخراج مطلقا لأنه وقت الانتقال إليها أو يقيد ذلك بما إذا لم يقوم الزكاة على نفسه فلو قومها على نفسه و ضمن القيمة فالواجب هنا ما ضمنه زاد السوق قبل الإخراج أو انخفض؟ وجهان محتملان اختار أولهما السيد السند في المدارك و الفاضل الخراساني في الذخيرة و ثانيهما العلامة في التذكرة، و المسألة لا تخلو من توقف و إن كان ما ذكره العلامة أقرب لأنه متى كان التقويم جائزا و الضمان صحيحا فإن المستقر في الذمة هو القيمة. و قول السيد (قدس سره) إن وقت الإخراج هو وقت الانتقال إلى القيمة ممنوع في هذه الصورة بل الانتقال من حين التقويم و الضمان.
المقام الثاني عشر [وجوب الخمس في ما زاد من الغلات على مئونة السنة]
- لا ريب أن ما زاد من هذه الغلات على مئونة السنة فإنه يجب فيه الخمس كما صرح به جملة من الأصحاب كما سيجيء تحقيقه إن شاء اللّٰه في كتاب الخمس، و يدل على ذلك هنا ما قدمناه من رواية محمد بن علي بن شجاع المتقدمة في
139
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الثالث عشر ضم الثمار المتباعدة بعضها إلى بعض ج 12 ص 140
المقام السابع من مقامات هذا المطلب «1».
بقي هنا شيء و هو أن المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر في كتاب الوسائل «2» قال: «باب استحباب إخراج الخمس من الغلات على وجه الزكاة و وجوب إخراج خمسها إن فضلت عن مئونة السنة» ثم أورد دليلا على الحكم الثاني رواية ابن شجاع المشار إليها، و أورد على الحكم الأول
ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة «3» قال: «سألته عن الزكاة في الزبيب و التمر فقال في كل خمسة أوساق وسق، و الوسق ستون صاعا، و الزكاة فيهما سواء، فأما الطعام فالعشر في ما سقت السماء و أما ما سقي بالغرب و الدوالي فإنما عليه نصف العشر».
و قد تبع في ذلك الشيخ (قدس سره) فإنه بعد أن نقل هذه الرواية عن الكافي بالإضمار و عن التهذيب بالإسناد إلى أبي عبد اللّٰه عليه السلام طعن فيها بالاضطراب من حيث الإضمار تارة و الإظهار أخرى ثم حمله على الاستحباب تارة و على الخمس أخرى بإطلاق الزكاة عليه مجازا.
و الأظهر في معنى الخبر المذكور ما ذكره المحدث الكاشاني في الوافي حيث قال- بعد رد طعن الشيخ بالاضطراب بالمنع و إن ذلك لا يوجب اضطرابا- ما صورته: و يحتمل أن تكون لفظة «وسق» بعد خمسة أوساق من مزيدات النساخ و لهذا ربما لا توجد في بعض نسخ الكافي. و قوله: «في كل خمسة أوساق» يعني في كل من الزبيب و التمر خمسة أوساق، و ليس الطعام بمعنى الحنطة بل ما يطعم يعني فأما الطعمة منها لأهلها أو هو مصدر فإنه جاء بمعنى الإطعام أيضا يعني فأما إطعام المستحق منها فالعشر و نصف العشر، و على التقديرين فهو بيان لمقدار ما يخرج من الزبيب و التمر من غير تعرض للحنطة و الشعير بوجه كما لا تعرض لهما في السؤال، و على هذا فلا إشكال. انتهى. و هو و إن كان لا يخلو من بعد إلا أنه جيد في مقام التأويل.
المقام الثالث عشر [ضم الثمار المتباعدة بعضها إلى بعض]
- قد صرح جملة من الأصحاب من غير خلاف يعرف
______________________________
(1) ص 124.
(2) الوسائل الباب 5 من زكاة الغلات.
(3) الوسائل الباب 5 من زكاة الغلات.
140
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
المقام الثالث عشر ضم الثمار المتباعدة بعضها إلى بعض ج 12 ص 140
بأنه تضم الثمار المتباعدة في البلاد بعضها إلى بعض و إن تفاوتت في الإدراك و أن حكمها في ذلك حكم البلد الواحدة فإذا بلغ بعضه الحد الذي يتعلق به الوجوب، فإن كان نصابا أخذ منه الزكاة ثم يؤخذ من الباقي قل أو كثر بعد أن يتعلق به الوجوب، و إن كان الذي أدرك أولا أقل من النصاب يتربص به حتى يدرك الآخر و يتعلق به الوجوب فيكمل منه النصاب الأول ثم يؤخذ من الباقي كائنا ما كان، و نقل العلامة في التذكرة إجماع المسلمين عليه.
قال في المنتهى: لو كان له نخل يتفاوت إدراكه بالسرعة و البطء بأن يكون في بلدين مزاج أحدهما أسخن من الآخر فتدرك الثمرة في الأسخن قبل إدراكها في الآخر فإنه تضم الثمرتان إذا كانا لعام واحد و إن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر، لأن اشتراك إدراك الثمار في الوقت الواحد متعذر و ذلك يقتضي إسقاط الزكاة غالبا. و لا نعرف في هذا خلافا. انتهى.
أقول: و يؤيده أن في بلادنا البحرين نخلا يسمى الطيار يسبق سائر النخيل في بدو الصلاح بما يقرب من شهر و نخلا يسمى خصبة عصفور يتأخر إلى آخر الوقت و يكون ما بينه و بين الأول ما يقرب من شهرين.
و بالجملة فالظاهر أن الحكم لا إشكال فيه لدخوله تحت عموم الأدلة و إطلاقها
خاتمة [هل تتعلق الزكاة بالعين أو بالذمة]
المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) تعلق الزكاة بالعين و نقل عن شذوذ من أصحابنا تعلقها بالذمة و الأظهر الأول، و يدل عليه ظواهر النصوص
كقولهم (عليهم السلام) «1» «في كل أربعين شاة شاة».
و
«في كل عشرين مثقالا من الذهب نصف مثقال» «2».
و نحو ذلك، و
«في ما سقت السماء العشر» «3».
و نحو
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 من زكاة الأنعام.
(2) الوسائل الباب 1 من زكاة الذهب و الفضة.
(3) الوسائل 4 من زكاة الغلات.
141
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
خاتمة هل تتعلق الزكاة بالعين أو بالذمة ج 12 ص 141
ذلك من الألفاظ التي من هذا الباب.
و يمكن خدشه بحمل «في» على السببية دون الظرفية و يؤيده
قولهم (عليهم السلام) «1» «في خمس من الإبل شاة».
فإنه لا مجال هنا لاعتبار الظرفية.
و استدل على ذلك أيضا بأنها لو وجبت في الذمة لتكررت في النصاب الواحد بتكرر الحول، و للزم أن لا تقدم على الدين مع بقاء عين النصاب إذا قصرت التركة، و للزم أن لا تسقط بتلف النصاب من غير تفريط، و للزم أن لا يجوز للساعي تتبع العين لو باعها المالك بعد الحول قبل أن يؤدي زكاتها، و اللوازم كلها باطلة بالاتفاق فالملزوم مثله. و لا يخفى أنه و إن كان للمناقشة في بعض ما ذكر مجال إلا أنه يحصل من المجموع ما يفيد دلالة على الحكم المذكور.
و الأجود الرجوع في ذلك إلى الروايات و منها-
صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه «2» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام رجل لم يزك إبله أو شاءه عامين فباعها على من اشتراها أن يزكيها لما مضى؟ قال نعم تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها البائع أو يؤدي زكاتها البائع».
و ما رواه ابن بابويه عن أبي المغراء عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «إن اللّٰه تبارك و تعالى أشرك بين الأغنياء و الفقراء في الأموال فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم».
و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» قال: «إن اللّٰه فرض في أموال الأغنياء للفقراء ما يكتفون به و لو علم أن الذي فرض لا يكفيهم لزادهم. الحديث».
______________________________
(1) الوسائل الباب 2 من زكاة الأنعام.
(2) الوسائل الباب 12 من زكاة الأنعام.
(3) الوسائل الباب 2 من المستحقين للزكاة، و الرواية للكليني.
(4) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة.
142
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
خاتمة هل تتعلق الزكاة بالعين أو بالذمة ج 12 ص 141
و حسنة عبد اللّٰه بن مسكان و غير واحد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «إن اللّٰه تعالى جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم و لو لا ذلك لزادهم».
و في حسنة الوشاء عن أبي الحسن الرضا عليه السلام «2» قال: «قيل لأبي عبد اللّٰه عليه السلام لأي شيء جعل اللّٰه الزكاة خمسة و عشرين في كل ألف و لم يجعلها ثلاثين؟ فقال أن اللّٰه تعالى جعلها خمسة و عشرين أخرج من أموال الأغنياء بقدر ما يكتفي به الفقراء. الحديث».
و في رواية قثم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «قلت له جعلت فداك أخبرني عن الزكاة كيف صارت من كل ألف خمسة و عشرين لم تكن أقل و لا أكثر ما وجهها؟
فقال إن اللّٰه تعالى خلق الخلق كلهم فعلم صغيرهم و كبيرهم و غنيهم و فقيرهم فجعل من كل ألف إنسان خمسة و عشرين مسكينا».
و في رواية مؤمن الطاق عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» «إن اللّٰه حسب الأموال و المساكين فوجد ما يكفيهم من كل ألف خمسة و عشرين درهما».
فهذه الأخبار كلها كما ترى ظاهرة الدلالة مكشوفة المقالة في أن الزكاة حصة متعلقة بالأموال و مفروضة فيها و منتزعة منها، و من الظاهر أنه ليس المراد مطلق الأموال بل الأموال الزكوية بالشرائط المقررة في غير هذه الأخبار.
احتج من قال بتعلق الزكاة بالذمة بأنها لو وجبت في العين لكان للمستحق إلزام المالك بالأداء من العين، و لمنع من التصرف في النصاب إلا مع إخراج الزكاة.
و أجاب المحقق في المعتبر عن الأول بالمنع من الملازمة فإن الزكاة وجبت جبرا للفقراء فجاز أن يكون العدول عن العين تخفيفا عن المالك ليسهل عليه دفعها.
قال: و كذا الجواب عن جواز التصرف إذا ضمن الزكاة. و هو جيد.
و الظاهر من ضم الأخبار بعضها إلى بعض ما ذكر هنا و ما تقدم دالا على جواز إخراج القيمة في النقدين و الغلات هو أنها و إن وجبت في العين إلا أن
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 3 من زكاة الذهب و الفضة.
(3) الوسائل الباب 3 من زكاة الذهب و الفضة.
(4) الوسائل الباب 3 من زكاة الذهب و الفضة.
143
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
خاتمة هل تتعلق الزكاة بالعين أو بالذمة ج 12 ص 141
الشارع رخص للمالك و وسع عليه- كما هو المعهود من بناء الشريعة المحمدية المبنية على السهولة و رفع الحرج- أن يدفع من غير النصاب سواء كان من مال آخر غير عين الفريضة أو قيمة فلا منافاة.
و بذلك يظهر أن ما ذكره جملة من المتأخرين في هذا المقام- من أنه على تقدير تعلقها بالعين فهل هو بطريق الاستحقاق فالفقير شريك أو بطريق الاستيثاق فيحتمل أنه كالرهن و يحتمل كتعلق أرش الجناية بالعبد؟ قالوا: و تضعف الشركة بالإجماع على جواز أدائها من مال آخر و هو مرجح للتعلق بالذمة. و عورض بالإجماع على تتبع الساعي العين لو باعها المالك و لو تمحض التعلق بالذمة امتنع.
و فرعوا على ذلك ما لو بيع النصاب بعد الحول و قبل إخراج الزكاة فإنه ينفذ ذلك في نصيبه قولا واحدا، و في قدر الفرض يبنى على الخلاف فعلى الشركة يبطل البيع و يتخير المشتري الجاهل لتبعيض الصفقة، و على القول بالذمة يصح البيع قطعا فإن أدى المالك لزم و إلا فالساعي يتبع العين فيتجدد البطلان و يتخير المشتري للتبعيض، و على الرهن يبطل البيع إلا أن يتقدم الضمان أو يخرج من غيره، و على الجناية يكون البيع التزاما بالزكاة فإن أداها نفذ و إن منع تتبع الساعي العين- من ما لا حاجة تلجئ إليه و لا حكم يتوقف عليه بل الظاهر أنه تطويل بغير طائل و كلام لا يرجع إلى حاصل، و الأخبار في ما ذكرناه مكشوفة القناع و هي الأحرى بالاقتداء و الاتباع. و اللّٰه العالم.
المطلب الرابع- في ما يستحب فيه الزكاة
و هي أصناف
(الأول) مال التجارة
، و عرفوه بأنه الذي يملك بعقد معاوضة بقصد الاكتساب به، فخرج منه ما ملك لا بعقد كالميراث و حيازة المباحات و نحو ذلك و إن قصد به الاكتساب و كذا خرج ما يملك بعقد لا على جهة المعاوضة كالهبة و الصدقة و الوقف و نحو ذلك. و المراد بالمعاوضة ما كانت معاوضة محضة و هي ما يقوم طرفاها بالمال كالبيع و الصلح و نحوهما، و يخرج الصداق و الخلع فإن أحد العوضين ليس مالا، و كذا
144
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الأول مال التجارة ج 12 ص 144
يخرج ما لم يقصد به الاكتساب كأن يقصد القنية و الصدقة.
و على جميع ذلك تدل ظواهر الأخبار،
ففي صحيحة محمد بن مسلم الحسنة في المشهور «1» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن رجل اشترى متاعا و كسد عليه و قد زكى ماله قبل أن يشتري المتاع متى يزكيه؟ فقال إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة و إن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال. قال و سألته عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها؟ فقال إذا حال الحول فليزكها».
و صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق «2» قال: «سأله سعيد الأعرج و أنا حاضر أسمع فقال إنا نكبس الزيت و السمن نطلب به التجارة فربما مكث عندنا السنة و السنتين هل عليه زكاة؟ قال إن كنت تربح فيه شيئا أو تجد رأس مالك فعليك فيه زكاة و إن كنت إنما تربص به لأنك لا تجد إلا وضيعة فليس عليك زكاة حتى يصير ذهبا أو فضة فإذا صار ذهبا أو فضة فزكه للسنة التي تتجر فيها».
و رواية أبي الربيع الشامي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» «في رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه و قد كان زكى ماله قبل أن يشتري به هل عليه زكاة أو حتى يبيعه؟ فقال إن كان أمسكه ليلتمس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة».
و رواية محمد بن مسلم «4» و فيها قال: «كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه الحول».
و في كتاب الفقه الرضوي «5» «و إن كان مالك في تجارة و طلب منك المتاع برأس مالك و لم تبعه تبتغي بذلك الفضل فعليك زكاته إذا حال عليك الحول و إن لم يطلب منك برأس مالك فليس عليك الزكاة».
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الظاهرة في ما ذكرناه.
______________________________
(1) الوسائل الباب 13 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 13 من ما تجب فيه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 13 من ما تجب فيه الزكاة.
(4) الوسائل الباب 13 من ما تجب فيه الزكاة.
(5) ص 23.
145
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الأول مال التجارة ج 12 ص 144
و المشهور اشتراط مقارنة قصد الاكتساب للتملك فلو قصد به القنية أولا ثم نوى به الاكتساب لم تتعلق به الزكاة، و الأخبار مطلقة لا يفهم منها هذا التقييد و لهذا ذهب جمع من الأصحاب: منهم- المحقق في المعتبر و الشهيد في الدروس و الشهيد الثاني في جملة من كتبه إلى أن مال القنية إذا قصد به التجارة تتعلق به الزكاة نظرا إلى أنه مال تجارة فيدخل تحت تلك الأخبار. و هو جيد.
و لا بد من استمرار نية الاكتساب طول الحول ليتحقق كونه مال تجارة فلو نوى القنية في أثناء الحول انتفى الاستحباب، و هو من ما لا خلاف فيه و عليه تدل ظواهر الأخبار المتقدمة و غيرها.
[شروط استحباب الزكاة هنا]
ثم إن استحباب الزكاة هنا مشروط عند الأصحاب بشروط
أحدها- بلوغ النصاب
و هو نصاب النقدين بأن تبلغ قيمة مال التجارة أحد نصابي الذهب أو الفضة و هو مجمع عليه من الخاصة و العامة «1» و لم أقف على دليل على وجوب اعتبار النصاب هنا فضلا عن كونه نصاب أحد النقدين سوى الإجماع المدعى في المقام، و ما يدعونه- من أن ظاهر الروايات أن هذه الزكاة بعينها زكاة النقدين فيعتبر فيها نصابهما و يتساويان في قدر المخرج- فلا يخفى ما فيه، و المسألة لا تخلو من إشكال، فإن ظاهر الروايات الإطلاق.
و ظاهرهم بناء على ذلك اعتبار النصاب الثاني كما في النقدين فإذا بلغت القيمة عشرين دينارا أو مائتي درهم ثبتت الزكاة و هي ربع العشر ثم الزائد إذا بلغ النصاب الثاني و هو أربعة دنانير أو أربعون درهما ثبتت فيه الزكاة و إلا فلا.
و في فهم ذلك من الأخبار تأمل، و لهذا إن شيخنا الشهيد الثاني قال إنه لم يقف على دليل يدل على اعتبار النصاب الثاني هنا و إن العامة صرحوا بالأول خاصة «2» و اعترضه سبطه في المدارك بأن الدليل على اعتبار الأول هو بعينه الدليل
______________________________
(1) المغني ج 3 ص 31، و الهداية للمرغيناني ج 1 ص 74، و بدائع الصنائع ج 2 ص 20.
(2) راجع المغني ج 3 ص 31، و بدائع الصنائع ج 2 ص 20.
146
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
أحدها بلوغ النصاب ج 12 ص 146
على اعتبار الثاني و الجمهور إنما لم يعتبروا النصاب الثاني هنا لعدم اعتبارهم له في زكاة النقدين «1» كما ذكره في التذكرة. و مراده (قدس سره) بالدليل على النصاب الأول هو ما ذكروه من كون هذه الزكاة بعينها زكاة النقدين فتحصل المساواة في الحكم مطلقا. و قد عرفت ما فيه.
و ظاهرهم أيضا تفريعا على ما تقدم الاتفاق على وجود النصاب في الحول فلو نقص في أثناء الحول و لو يوما سقط الاستحباب.
و
ثانيها- الحول
فلا بد من وجود ما يعتبر في الزكاة من أول الحول إلى آخره و عليه يدل ما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم و هي الأولى من الأخبار المتقدمة من قوله: «و سألته عن الرجل توضع عنده الأموال. الحديث» و روايته الأخيرة أيضا
و
ثالثها- أن يطلب برأس المال طول الحول أو زيادة
فلو طلب بما هو أنقص من رأس المال سقط الاستحباب، و عليه تدل الأخبار المتقدمة و غيرها.
و هل يشترط في زكاة التجارة بقاء عين السلعة طول الحول كما في المالية أم لا فتثبت الزكاة و إن تبدلت الأعيان بالمعاوضات مع بلوغ القيمة النصاب؟ قولان أشهرهما بين المتأخرين الثاني بل ادعى عليه الإجماع و أظهرهما الأول، و هو الظاهر من كلام الشيخ المفيد في المقنعة و ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه و هو ظاهر المحقق في الشرائع و به جزم في المعتبر، و عليه تدل ظواهر الأخبار كقوله
______________________________
(1) في المغني ج 3 ص 6- بعد أن ذكر أن نصاب الفضة مائتا درهم و نصاب الذهب عشرون مثقالا- قال و في زيادتها و إن قلت، روى هذا عن علي و ابن عمر و به قال عمر بن عبد العزيز و النخعي و مالك و الثوري و ابن أبي ليلى و الشافعي و أبو يوسف و محمد و أبو عبيد و أبو ثور و ابن المنذر، و قال سعيد بن المسيب و عطاء و طاوس و الشعبي و مكحول و الزهري و عمرو بن دينار و أبو حنيفة لا شيء في زيادة الدراهم حتى تبلغ أربعين و لا في زيادة الدنانير حتى تبلغ أربعة دنانير لقوله (ص) «من كل أربعين درهما درهما» و في بدائع الصنائع ج 2 ص 17 نحو ذلك، و كذا في بداية المجتهد ج 1 ص 218 و نسب القول الأول إلى الجمهور.
147
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
ثالثها أن يطلب برأس المال طول الحول أو زيادة ج 12 ص 147
عليه السلام في
صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة «1» «إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله» و قوله: «و إن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله».
و قوله في رواية أبي الربيع المتقدمة أيضا «2» «إن كان أمسكه ليلتمس الفضل. إلى آخره».
و مثلها صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق المتقدمة أيضا «3» فإنها كلها ظاهرة بل صريحة في بقاء العين طول الحول.
تنبيهات
يتوقف عليها تحقيق الكلام في المقام
(الأول) [الجمع بين أخبار وجوب زكاة التجارة و أخبار عدمه]
ما ذكرناه من استحباب الزكاة في مال التجارة هو المشهور بين الأصحاب و نقل المحقق عن بعض علمائنا قولا بالوجوب، و بذلك صرح الشيخ في بعض كلامه، قيل و هو الظاهر من كلام ابن بابويه، و نقل عن ابن أبي عقيل أنه قال اختلفت الشيعة في زكاة التجارة فقالت طائفة منهم بالوجوب و قال آخرون بعدمه و قال و هو الحق عندي.
أقول: و يدل على القول بالوجوب ظواهر كثير من الأخبار كالأخبار المتقدمة من حيث التعبير فيها بقوله: «فعليك فيه الزكاة» أو «فعليه» من ما هو ظاهر في الوجوب، و مثل الأخبار المذكورة كثير في الأخبار أيضا تركنا نقلها اختصارا.
و استدل على القول بالاستحباب كما هو المشهور بما دل من الأخبار على عدم الوجوب مضافا إلى الأخبار المتقدمة الدالة على ثبوت الزكاة في التسعة المتقدمة خاصة:
منها-
ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن زرارة «4» قال: «كنت قاعدا عند أبي جعفر عليه السلام و ليس عنده غير ابنه جعفر عليه السلام فقال يا زرارة إن أبا ذر و عثمان تنازعا على عهد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله فقال عثمان كل مال من ذهب أو فضة يدار به و يعمل به و يتجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول. فقال أبو ذر
______________________________
(1) ص 145.
(2) ص 145.
(3) ص 145.
(4) الوسائل الباب 14 من ما تجب فيه الزكاة.
148
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الأول الجمع بين أخبار وجوب زكاة التجارة و أخبار عدمه ج 12 ص 148
أما ما اتجر به أو دير و عمل به فليس فيه زكاة إنما الزكاة فيه إذا كان ركازا أو كنزا موضوعا فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة. فاختصما في ذلك إلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله قال فقال القول ما قال أبو ذر. فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام لأبيه ما تريد إلا أن يخرج مثل هذا فيكف الناس أن يعطوا فقراءهم و مساكينهم فقال أبوه عليه السلام إليك عني لا أجد منها بدا».
و ما رواه أيضا في الموثق عن إسحاق بن عمار «1» قال: «قلت لأبي إبراهيم عليه السلام الرجل يشتري الوصيفة يثبتها عنده لتزيد و هو يريد بيعها أ على ثمنها زكاة؟ قال لا حتى يبيعها. قلت فإن باعها أ يزكي ثمنها؟ قال لا حتى يحول عليه الحول و هو في يده».
و رواه في الكافي عنه أيضا بسند فيه سهل «2».
و ما رواه في الموثق عن ابن بكير و عبيد و جماعة من أصحابنا «3» قالوا:
«قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام ليس في المال المضطرب به زكاة فقال له إسماعيل ابنه يا أبت جعلت فداك أهلكت فقراء أصحابك فقال أي بني حق أراد اللّٰه أن يخرجه فخرج».
و ما رواه في الصحيح عن سليمان بن خالد «4» قال: «سئل أبو عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل كان له مال كثير فاشترى به متاعا ثم وضعه فقال هذا متاع موضوع فإذا أحببت بعته فيرجع إلى رأس مالي و أفضل منه هل عليه فيه صدقة و هو متاع؟
قال لا حتى يبيعه. قال فهل يؤدي عنه إن باعه لما مضى إذا كان متاعا؟ قال لا».
و أنت خبير بأن ظواهر الأخبار المتقدمة كما عرفت هو الوجوب و صريح هذه الأخبار نفي الوجوب، و الشيخ قد جمع بين الأخبار بحمل الأخبار المتقدمة على الاستحباب و تبعه على ذلك الأصحاب كما هي عادتهم و قاعدتهم في جميع الأبواب. و عندي فيه توقف لما عرفته في غير موضع من ما تقدم، نعم لو كان في الأخبار من أحد الطرفين ما يدل على الاستحباب صريحا أو ظاهرا لزال الإشكال، و أما أن الاستحباب يثبت بمجرد اختلاف الأخبار و جمعها عليه فهو
______________________________
(1) الوسائل الباب 14 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 14 من ما تجب فيه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 14 من ما تجب فيه الزكاة.
(4) الوسائل الباب 14 من ما تجب فيه الزكاة.
149
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الأول الجمع بين أخبار وجوب زكاة التجارة و أخبار عدمه ج 12 ص 148
من ما لا دليل عليه يوجب الركون إليه، و كيف لا و الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل الواضح و مجرد اختلاف الأخبار ليس بدليل يوجب ذلك كما لا يخفى على المنصف، و مع ذلك فإنه لا ينحصر الجمع بين الأخبار في ما ذكروه بل لا يبعد حمل الروايات المتقدمة على التقية، حيث إن الوجوب مذهب أبي حنيفة و الشافعي و أحمد «1» على ما نقله في المعتبر، و في صحيحة زرارة و موثقة ابن بكير و عبيد و جماعة من أصحابنا ما يشير إلى ذلك. و المسألة لذلك لا تخلو من الإشكال.
و لم أر من تنبه لما ذكرناه سوى المحدث الكاشاني في الوافي حيث قال بعد أن نقل الأخبار الأخيرة و نعم ما قال: في هذه الأخبار ما يشعر بأن الأخبار الأولة إنما وردت للتقية إلا أن صاحب التهذيبين و جماعة من الأصحاب حملوها على الاستحباب. انتهى.
(الثاني) [هل تتعلق زكاة التجارة بالعين أو بالقيمة؟]
اختلف الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في أنه هل تتعلق الزكاة بعين مال التجارة أم بالقيمة؟ قولان اختار ثانيهما الشيخ و أتباعه و الظاهر أنه هو المشهور قال في المنتهى: قال الشيخ تتعلق بالقيمة و تجب فيها. و نقل الخلاف عن بعض العامة «2» و هو مشعر بعدم الخلاف عندنا، و الذي يدل عليه اعتبار نصاب النقدين و الشريعة السهلة و أصل جواز التصرف بالبيع و غيره في أموال التجارة، و التعلق بالعين يمنع عن ذلك إلا مع التخمين و الضمان كما في الزكاة. انتهى.
و ظاهر المحقق في المعتبر و العلامة في التذكرة اختيار الأول و استحسنه في المدارك، و المسألة محل تردد لعدم الوقوف فيها على نص يقتضي المصير إلى أحد القولين. و استحسانه في المدارك لهذا القول مع عدم إقامته دليلا عليه لا أعرف له وجها.
و تظهر فائدة الخلاف في جواز بيع العين على تقدير القول بالوجوب بعد
______________________________
(1) المغني ج 3 ص 30.
(2) المغني ج 3 ص 31.
150
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثاني هل تتعلق زكاة التجارة بالعين أو بالقيمة ج 12 ص 150
الحول و قبل إخراج الزكاة أو ضمانها فيجوز على القول بتعلقها بالقيمة و يمتنع على تقدير تعلقها بالعين، و في ما لو زادت القيمة بعد الحول فيخرج ربع عشر الزيادة على تقدير التعلق بالعين و ربع عشر القيمة قبل تمام الحول على تقدير التعلق بالقيمة
(الثالث) [تقويمه بالدراهم و الدنانير]
لا خلاف في أن مقدار الزكاة في مال التجارة هي زكاة النقدين كما تقدم سواء اشترى بهما أو بغيرهما من العروض، و على كل تقدير فهو يقوم بالدراهم و الدنانير، و هو ظاهر في ما إذا اشترى بهما لأن نصاب العرض مبني على ما اشترى به و رأس المال إنما يعلم بعد التقويم به. و لو كان الثمن عروضا قوم بالنقد الغالب و اعتبر بلوغ النصاب و وجود رأس المال به. و لو تساوى النقدان كان مخيرا بالتقويم بأيهما شاء.
(الرابع) لو اشترى نصابا للتجارة [و حال عليه الحول]
مثل أربعين شاة أو ثلاثين بقرة ثم حال الحول عليها فالمشهور بل ادعى عليه الإجماع غير واحد هو وجوب الزكاة المالية و سقوط زكاة التجارة
لقول الصادق عليه السلام في صحيحة زرارة أو حسنته على المشهور بإبراهيم بن هاشم «1» «لا يزكى المال من وجهين في عام واحد».
و حينئذ فلا ريب في سقوط زكاة التجارة على القول باستحبابها.
و نقل المحقق في الشرائع قولا باجتماع الزكاتين هذه وجوبا و هذه استحبابا، ثم قال: و يشكل ذلك على القول بوجوب زكاة التجارة. مع أنه في المعتبر ادعى الاتفاق على عدم اجتماعهما فقال: و لا يجتمع زكاة العين و التجارة في مال واحد اتفاقا. و نحوه قال العلامة في التذكرة و المنتهى.
أقول: لا ريب في ضعف هذا القول المذكور بعد ما عرفت من دلالة الخبر الصحيح الصريح على نفي ذلك.
و أما ما ذكره من الإشكال و تبعه غيره و أطالوا البحث به في هذا المجال على تقدير القول بوجوب زكاة التجارة فلا طائل تحته و لا ثمرة فيه بعد ما عرفت من
______________________________
(1) ص 39.
151
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الرابع لو اشترى نصابا للتجارة و حال عليه الحول ج 12 ص 151
اتفاقهم على الاستحباب و ردهم لهذا القول و الإعراض عنه الموجب لبطلانه و حمل الأخبار كلها على ما ادعوه. و أما على ما ذكرناه من دلالة الأخبار المتقدمة عليه فالأمر فيه لا يخلو من الإشكال لما عرفت من إمكان حمل الأخبار المذكورة على التقية و من شهرة القول باستحباب الزكاة المذكورة قديما و حديثا بل قيل بوجوبها و حمل الأخبار المذكورة على التقية يقتضي سقوطها رأسا. و اللّٰه العالم.
الثاني [الخيل الإناث السائمة و البراذين]
من الأصناف المتقدمة- الخيل الإناث السائمة و البراذين، يخرج عن كل عتيق ديناران و عن كل برذون دينار، و المراد بالعتيق كريم الأصل و هو ما كان أبواه عربيين و البرذون بكسر الباء خلافه. و قد صرحوا بأنه يشترط فيها شروط ثلاثة: السوم و الحول و الأنوثة.
و المستند في ذلك
ما رواه ثقة الإسلام في الكافي و الشيخ عنه في التهذيب في الصحيح أو الحسن على المشهور عن محمد بن مسلم و زرارة عنهما (عليهما السلام) «1» قالا «وضع أمير المؤمنين عليه السلام على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين و جعل على البراذين دينارا».
و حسنة زرارة «2» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام هل في البغال شيء؟ فقال لا فقلت فكيف صار على الخيل و لم يصر على البغال؟ فقال لأن البغال لا تلقح و الخيل الإناث ينتجن و ليس على الخيل الذكور شيء. قال قلت فما في الحمير؟ فقال ليس فيها شيء. قال قلت هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبهما شيء؟ فقال لا ليس على ما يعلف شيء إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل فأما ما سوى ذلك فليس فيه شيء».
أقول: المرج بالجيم المرعى.
و إنما حملت هاتان الروايتان على الاستحباب مع أن ظاهرهما الوجوب لما تقدم من انتفاء الوجوب عن ما سوى الأصناف التسعة.
و احتمل بعضهم أن هذه الزكاة إنما هي في أموال المجوس يومئذ جزية أو
______________________________
(1) الوسائل الباب 16 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 16 من ما تجب فيه الزكاة.
152
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثاني الخيل الإناث السائمة و البراذين ج 12 ص 152
عوضا عن انتفاعهم بمراعي المسلمين. و ظاهر الخبر الثاني يدفعه.
الثالث- كل ما أنبتت الأرض من ما يدخله المكيال و الميزان
غير الأربعة المشهورة التي اتفقوا على وجوب الزكاة فيها، و مستند الاستحباب عندهم هو الجمع بين الأخبار الدالة على الوجوب في هذه الأشياء و الأخبار الدالة على حصر الوجوب في التسعة المتقدمة. و قد قدمنا أن الأظهر حمل ما دل على الوجوب في هذه الأشياء على التقية.
الرابع- غلات الأطفال و المجانين و مواشيهم
تفصيا من خلاف الشيخ و من تبعه و من الأخبار الدالة على ذلك. و فيه ما تقدم سابقا من أن ما ورد فيه الأخبار من غلات الأطفال فهي محمولة على التقية «1» و ما لم يرد فيه خبر فلا وجه فيه للاستحباب، لأن الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل و خلاف بعض الأصحاب مع كونه خاليا عن الدليل لا يوجب الحكم بالاستحباب.
الخامس- الحلي المحرم
كالخلخال للرجل، ذكره الشيخ و تبعه الجماعة، و لم نقف له على دليل مع ورود الأخبار «2» بأنه لا زكاة في الحلي، و هي مطلقة شاملة للمحلل و المحرم، و
روي «3» أن زكاته إعارته.
السادس- المال الغائب و المدفون الذي لا يتمكن صاحبه من التصرف فيه
إذا مضى عليه أحوال ثم وقع في يده فإنه يستحب أن يزكيه لسنة، و قد تقدم ما يدل عليه من الأخبار في الشرط الخامس من شروط وجوب الزكاة من المقصد الأول.
السابع- العقار المتخذ للنماء
كالحمامات و الخانات و الدكاكين و البساتين على ما صرحوا به، و استحباب الزكاة في حاصلها مقطوع به في كلامهم و لم يوردوا
______________________________
(1) في المغني ج 2 ص 622، و المحلى ج 5 ص 201 وجوب الزكاة في مال الصبي و المجنون، و في بدائع الصنائع ج 2 ص 4 ذكر الاختلاف في ذلك و اختار العدم.
(2) الوسائل الباب 9 من زكاة الذهب و الفضة.
(3) الوسائل الباب 10 من زكاة الذهب و الفضة.
153
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
السابع العقار المتخذ للنماء ج 12 ص 153
لذلك دليلا، و لم نقف له على دليل و لا على مخالف فيه، و كأنه مسلم الثبوت بينهم.
ثم إنه على تقدير الاستحباب صرحوا بأنه لا يشترط هنا الحول و لا النصاب للعموم قاله العلامة في التذكرة، و لا أدري أي عموم أراد مع عدم الدليل كما عرفت؟ و استقرب الشهيد في البيان اعتبارهما.
و لا يخفى أنه لو كان النماء المتخذ من هذه العقارات من الأموال الزكوية تعلق به حكم الزكاة المالية بلا خلاف و لا إشكال فيصير محل الاستحباب في كلامهم مخصوصا بالعروض الغير الزكوية.
الثامن [مورد الفرار من الزكاة قبل تمام الحول؟]
- ما ذكره جملة منهم في ما إذا قصد الفرار قبل الحول بناء على القول بعدم وجوب الزكاة بقصد الفرار كما تقدم، فإنهم بناء على القول المذكور حملوا الأخبار الدالة على وجوب الزكاة متى قصد الفرار بسببك الدراهم و الدنانير أو إبدال الجنس بغيره على الاستحباب تارة، فحكموا على كل من فعل ذلك قبل حول الحول باستحباب الزكاة عليه بعد الحول، و تارة على حصول الفرار بعد حول الحول و قد تقدم الكلام في هذين الحملين و بينا ما فيهما. و اللّٰه العالم.
المقصد الثالث- في مصرف الزكاة
و ما يتعلق بذلك من الأحكام و تفصيل ذلك يقع في أبحاث:
البحث الأول- في أصناف المستحقين لها
و هي ثمانية أصناف كما دلت عليه الآية الشريفة «1»:
الأول و الثاني- الفقراء و المساكين
[هل الفقير و المسكين مترادفان؟]
و قد اختلف الأصحاب في ترادف هذين اللفظين و تغايرهما و الأشهر الأظهر الثاني و عليه فتكون الأصناف ثمانية كما ذكرناه، و قيل بالأول و إليه ذهب المحقق في الشرائع و عليه فتكون الأصناف سبعة ثم إنه على تقدير التغاير قد اختلفوا في ما به يتحقق ذلك و به يتميز أحدهما عن الآخر على أقوال متعددة و كذلك اختلف كلام أهل اللغة، و ليس في
______________________________
(1) و هي قوله تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ.» سورة التوبة الآية 61.
154
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
هل الفقير و المسكين مترادفان ج 12 ص 154
تطويل الكلام بنقل ذلك مزيد فائدة.
و الأظهر في بيان وجه التغاير ما دل عليه
صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «1» «أنه سأله عن الفقير و المسكين فقال الفقير الذي لا يسأل و المسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل».
و حسنة أبي بصير «2» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام قول اللّٰه تعالى إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ؟ «3» فقال الفقير الذي لا يسأل الناس و المسكين أجهد منه و البائس أجهدهم. الحديث».
و قال الشيخ في التهذيب «4»: ذكر علي بن إبراهيم في كتاب التفسير تفصيل هذه الثمانية الأصناف فقال: فسرهم العالم عليه السلام فقال الفقراء هم الذين لا يسألون لقول اللّٰه تعالى في سورة البقرة «5» لِلْفُقَرٰاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ لٰا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجٰاهِلُ أَغْنِيٰاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمٰاهُمْ لٰا يَسْئَلُونَ النّٰاسَ إِلْحٰافاً. و المساكين هم أهل الديانات. الحديث».
و الجميع صريح في المغايرة كما ترى، و دل الخبران الأولان على أن المسكين أسوأ حالا من الفقير.
و لا يخفى أن ثمرة هذا الخلاف لا مظهر لها في هذا الباب للإجماع على جواز إعطاء كل منهما و إنما تظهر في ما لو نذر أو وقف أو أوصى لأسوئهما حالا، و ظاهر الأصحاب أنه متى ذكر أحدهما خاصة دخل فيه الآخر بغير خلاف كما في آية الكفارة المخصوصة بالمسكين «6» فيدخل فيه الفقير، و إنما الخلاف في ما لو جمعا كما في آية الزكاة لا غير، و لا يخلو من إشكال لأنه متى ثبت التغاير كما ذكرناه و هو المشهور عندهم فدخول أحدهما تحت الآخر مجاز لا يصار إليه إلا بالقرينة، اللّٰهمّ
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة.
(3) سورة التوبة الآية 61.
(4) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة.
(5) الآية 275.
(6) و هي قوله تعالى في سورة المائدة الآية 92 «وَ لٰكِنْ يُؤٰاخِذُكُمْ بِمٰا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمٰانَ فَكَفّٰارَتُهُ.».
155
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
هل الفقير و المسكين مترادفان ج 12 ص 154
إلا أن يجعل الإجماع قرينة على ذلك، و فيه ما فيه.
[ما يتحقق به الغنى المانع من استحقاق الزكاة]
بقي الكلام في الحد المسوغ لتناول هذين الصنفين للزكاة، و لا خلاف في أن الحد الشامل لهما عدم الغنى فإنه الشامل لمعناهما فإذا تحقق ذلك استحق صاحبه الزكاة، و إنما الخلاف في ما به يتحقق الغنى المانع لاستحقاق الزكاة.
فنقل عن الشيخ في الخلاف أنه قال: الغني من ملك نصابا تجب فيه الزكاة أو قيمته. و قال في المبسوط: الغنى الذي يحرم معه أخذ الصدقة أن يكون قادرا على كفايته و كفاية من يلزمه كفايته على الدوام، فإن كان مكتفيا بصنعة و كانت صنعته ترد عليه كفايته و كفاية من يلزمه نفقته حرمت عليه و إن كانت لا ترد عليه حل له ذلك، و هكذا حكم العقار، و إن كان من أهل البضائع احتاج أن يكون معه بضاعة ترد عليه قدر كفايته فإن نقصت عن ذلك حلت له الصدقة، و يختلف ذلك على حسب حاله حتى إن كان الرجل بزازا أو جوهريا يحتاج إلى بضاعة قدرها ألف دينار أو ألفا دينار فنقص عن ذلك قليلا حل له أخذ الصدقة. هذا عند الشافعي «1» و الذي رواه أصحابنا أنها تحل لصاحب السبعمائة و تحرم على صاحب الخمسين و ذلك على قدر حاجته إلى ما يتعيش به و لم يرووا أكثر من ذلك. و في أصحابنا من قال إن من ملك نصابا يجب عليه فيه الزكاة كان غنيا و تحرم عليه الصدقة و ذلك قول أبي حنيفة «2» انتهى.
و الظاهر كما استظهره بعض الأصحاب أن المراد بقوله «على الدوام» أن يكون له ما يحصل به الكفاية عادة من صنعة أو ضيعة أو مال يتجر به بحيث لا ينقص فاضلها عن حاجته. و أما حمله على أن المراد به مئونة السنة كما ذكره العلامة في المختلف فالظاهر بعده.
و قال ابن إدريس: اختلف أصحابنا في من يكون معه مقدار من المال و يحرم عليه بملك ذلك المال أخذ الزكاة، فقال بعضهم إذا ملك نصابا من الذهب و هو
______________________________
(1) المغني ج 2 ص 662، و نيل الأوطار ج 4 ص 170.
(2) المغني ج 2 ص 662، و نيل الأوطار ج 4 ص 170.
156
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
ما يتحقق به الغنى المانع من استحقاق الزكاة ج 12 ص 156
عشرون دينارا فإنه يحرم عليه أخذ الزكاة، و قال بعضهم لا يحرم على من ملك سبعين دينارا، و قال بعضهم لا أقدره بقدر بل إذا ملك من الأموال ما يكون قدر كفايته لمئونته طول سنته على الاقتصاد فإنه يحرم عليه أخذ الزكاة سواء كان نصابا أو أقل أو أكثر، فإن لم يكن بقدر كفاية سنته فلا يحرم عليه أخذ الزكاة. و هذا هو الصحيح و إليه ذهب أبو جعفر الطوسي في مسائل الخلاف. انتهى.
و إلى هذا القول ذهب المحقق و العلامة و عامة المتأخرين إلا أنه على إطلاقه مشكل بما صرح به جملة منهم كالشيخ و المحقق في النافع و العلامة و غيرهم من جواز تناول الزكاة لمن كان له مال يتعيش به أو ضيعة أو دار يستغلها إذا كانت الغلة و النماء يعجز عن كفايته و إن كان بحيث يكفيه رأس المال و ثمن الضيعة أو الدار لكفاية سنته فإنه لا يكلف بالإنفاق من رأس ماله و لا بيع ضيعته و داره بل يأخذ التتمة من الزكاة. و القول الفصل و المذهب الجزل في ذلك هو أنه متى كان كذلك يعني يتجر في دراهمه و يستنميها لأجل معاشه و يستغل عقاره لذلك فإن الحكم فيه ما ذكر و متى لم يكن كذلك اعتبر فيه قصور أمواله عن مئونة سنته كما ذكروه أولا.
و يدل على الحكم الأول جملة من الأخبار: منها-
ما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن وهب «1» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يكون له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم و له عيال و هو يحترف فلا يصيب نفقته فيها أ يكب فيأكلها و لا يأخذ الزكاة أو يأخذ الزكاة؟ قال لا بل ينظر إلى فضلها فيقوت بها نفسه و من وسعه ذلك من عياله و يأخذ البقية من الزكاة و يتصرف بهذه لا ينفقها».
و ما رواه الشيخ عن هارون بن حمزة الغنوي «2» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام يروي عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله أنه قال لا تحل الصدقة لغني و لا لذي مرة سوي؟ فقال لا تصلح لغني. قال فقلت له الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعته و له عيال فإن أقبل عليها أكلها عياله و لم يكتفوا بربحها؟ قال فلينظر ما يستفضل منها فيأكله
______________________________
(1) الوسائل الباب 12 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 12 من المستحقين للزكاة.
157
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
ما يتحقق به الغنى المانع من استحقاق الزكاة ج 12 ص 156
هو و من يسعه ذلك و ليأخذ لمن لم يسعه من عياله».
و ما رواه في التهذيب و الفقيه في الموثق عن سماعة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «سألته عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟ فقال نعم إلا أن تكون داره دار غلة فيخرج له من غلتها دراهم تكفيه لنفسه و عياله، فإن لم تكن الغلة تكفيه لنفسه و عياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم في غير إسراف فقد حلت له الزكاة و إن كانت غلتها تكفيهم فلا».
و ما رواه في الكافي و الفقيه عن أبي بصير «2» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل من أصحابنا له ثمانمائة درهم و هو رجل خفاف و له عيال كثيرة أ له أن يأخذ من الزكاة؟ فقال يا أبا محمد أ يربح في دراهمه ما يقوت به عياله و يفضل؟
قال قلت نعم. قال كم يفضل؟ قلت لا أدري. قال إن كان يفضل عن القوت مقدار نصف القوت فلا يأخذ الزكاة و إن كان أقل من نصف القوت أخذ الزكاة.
قلت فعليه في ماله زكاة تلزمه؟ قال بلى. قلت كيف يصنع؟ قال يوسع بها على عياله في طعامهم و كسوتهم و إن بقي منها شيء يناوله غيرهم، و ما أخذ من الزكاة فضه على عياله حتى يلحقهم بالناس».
أقول: قوله عليه السلام «إن كان يفضل عن القوت مقدار نصف القوت» لعل المراد به أنه متى فضل هذا المقدار فإنه يجزئ للقيام بكسوتهم و سائر ضرورياتهم فلا يجوز له تناول الزكاة، و إن كان أقل من ذلك فإنه لا يقوم بمئونة السنة فيجوز له أخذ الزكاة. و لا يخفى ما في هذا الخبر من الدلالة الظاهرة على وجوب زكاة التجارة كما تقدم في تلك الأخبار التي قدمناها في أول المطلب الرابع إلا أنه عليه السلام جعل مصرفها هنا في التوسعة على نفسه و عياله لأنه إذا جاز أخذها من الغير لذلك فبالأولى من نفسه، و الظاهر أن الأمر بإعطاء الغير من زكاة ماله في هذا الخبر و غيره
______________________________
(1) الوسائل الباب 9 من المستحقين للزكاة. و رواه في الفروع ج 1 ص 159 أيضا.
(2) الوسائل الباب 8 من المستحقين للزكاة.
158
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
ما يتحقق به الغنى المانع من استحقاق الزكاة ج 12 ص 156
محمول على الاستحباب.
و يدل على الثاني
ما رواه الشيخ المفيد (قدس سره) في كتاب المقنعة عن يونس بن عمار «1» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة و تجب الفطرة على من عنده قوت السنة».
و روى ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن أبي أيوب عن سماعة «2» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل تكون عنده العدة للحرب و هو محتاج أ يبيعها و ينفقها على عياله و يأخذ الصدقة؟ قال يبيعها و ينفقها على عياله».
و هو محمول على ما إذا كانت قيمتها تكفيه لمئونة سنته.
و روى ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح إلى أبي بصير «3» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره. قلت فإن صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة؟ قال زكاته صدقة على عياله، و لا يأخذها إلا أن يكون إذا اعتمد على السبعمائة أنفدها في أقل من سنة فهذا يأخذها، و لا تحل الزكاة لمن كان محترفا و عنده ما تجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة».
و حاصل معنى الخبر أنه متى كان يملك سبعمائة درهم و هي موضوعة عنده إلا أنه متى أقبل عليها و أنفق منها لم تكفه لمئونة سنته فإنه يجوز له أخذ الزكاة و كذا يجوز له أن ينفق زكاتها متى حال عليها الحول على نفسه و عياله.
و نحوه
ما رواه الصدوق في كتاب العلل في الموثق عن محمد بن مسلم و غيره عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» قال: «تحل الزكاة لمن له سبعمائة درهم إذا لم تكن له حرفة و يخرج زكاتها منها و يشتري منها بالبعض قوتا لعياله و يعطي البقية أصحابه، و لا تحل الزكاة لمن له خمسون درهما و له حرفة يقوت بها عياله».
و ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «5»
______________________________
(1) الوسائل الباب 8 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 10 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 8 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 8 من المستحقين للزكاة.
(5) الوسائل الباب 12 من المستحقين للزكاة.
159
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
ما يتحقق به الغنى المانع من استحقاق الزكاة ج 12 ص 156
قال: «قد تحل الزكاة لصاحب السبعمائة و تحرم على صاحب الخمسين درهما. فقلت له و كيف يكون هذا؟ قال إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسمها بينهم لم تكفه فليعف عنها نفسه و ليأخذها لعياله، و أما صاحب الخمسين فإنه تحرم عليه إذا كان وحده و هو محترف يعمل بها و هو يصيب منها ما يكفيه إن شاء اللّٰه تعالى».
دلت هذه الأخبار بمفاهيمها على أن السبعمائة المذكورة فيها لو قامت بمئونة سنته لم يجز له أخذ الزكاة كما دل عليه الخبران الأولان.
و أما القول بحصول الغنى بملك النصاب فنقل الاستدلال عليه
بما روي عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله «1» أنه قال لمعاذ: «أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم و ترد على فقرائهم».
فجعل الغني من تجب عليه الزكاة و مقتضاه أن من لا تجب عليه ليس بغني فيكون فقيرا. و بأن مالك النصاب يجب عليه دفع الزكاة فلا يحل له أخذها للتنافي.
و رد الأول بأن الرواية عامية فلا تقوم حجة مع ما في الدلالة من إمكان المناقشة. و الثاني بالمنع من التنافي فإنه مجرد استبعاد لا دليل عليه.
فروع
الأول [من قصر كسبه عن مئونة سنته هل يأخذ أزيد من التتمة؟]
- لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في أن من قصر كسبه عن مئونة سنته أو قصر ماله فإنه يأخذ من الزكاة و إنما اختلفوا في المأخوذ بأنه هل يتقدر بقدر أم لا؟ فالمشهور الثاني و قيل بالأول و هو أنه لا يأخذ أزيد من تمام مئونة سنته، و ظاهر جماعة من الأصحاب أن محل الخلاف ذو الكسب القاصر و ظاهر كلام المنتهى وقوع الخلاف في غيره من المال أيضا، حيث قال و لو كان معه ما يقصر عن مئونته و مئونة عياله حولا جاز له أخذ الزكاة لأنه محتاج و قيل لا يأخذ زائدا عن تتمة المئونة حولا و ليس بالوجه. إلا أنه قال في موضع آخر من الكتاب المذكور: يجوز أن يعطى الفقير ما يغنيه و ما يزيد على غناه
______________________________
(1) المغني ج 2 ص 662 و سنن ابن ماجة ج 1 ص 543.
160
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الأول من قصر كسبه عن مئونة سنته هل يأخذ أزيد من التتمة ج 12 ص 160
و هو قول علمائنا أجمع.
و كيف كان فالظاهر من الأخبار و هي التي عليها المدار في الإيراد و الإصدار هو القول المشهور:
و منها-
ما رواه الكليني و الشيخ في الصحيح عن سعيد بن غزوان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «تعطيه من الزكاة حتى تغنيه».
و ما رواه الكليني في الموثق عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى عليه السلام «2» قال: «قلت له أعطي الرجل من الزكاة ثمانين درهما؟ قال نعم و زده. قلت أعطيه مائة؟ قال نعم و أغنه إن قدرت أن تغنيه».
و في معناها موثقة عمار بن موسى و رواية زياد بن مروان ورواية إسحاق بن عمار و غيرها «3».
و أما القول الآخر فلم أقف له على حجة، و قال الشهيد في البيان- و هو ممن اختار هذا القول بالنسبة إلى من قصر كسبه عن مئونة سنته- و ما ورد في الحديث من الإغناء بالصدقة محمول على غير المكتسب.
و فيه أن صحة هذا الحمل متفرعة على وجود المعارض و ليس فليس، نعم قد ورد في صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة «و يأخذ البقية من الزكاة» و موردها كما تقدم من كان له مال يتجر به و عجز عن استنماء الكفاية، مع أنها غير صريحة في المنع من الزائد.
الثاني [الدار و الخادم و الفرس لا تمنع من أخذ الزكاة مع الحاجة إليها]
- الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في أن دار السكنى و الخادم و فرس الركوب لا تمنع من أخذ الزكاة مع الحاجة إليها.
و على ذلك تدل جملة من الأخبار: منها-
ما رواه الكليني و الشيخ في الصحيح عن عمر بن أذينة عن غير واحد عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السلام) «4»
______________________________
(1) الوسائل الباب 24 من المستحقين للزكاة رقم (1) عن الكليني و رقم (5) عن الشيخ.
(2) الوسائل الباب 24 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 24 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 9 من المستحقين للزكاة.
161
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثاني الدار و الخادم و الفرس لا تمنع من أخذ الزكاة مع الحاجة إليها ج 12 ص 161
«أنهما سئلا عن الرجل له دار و خادم أو عبد أ يقبل الزكاة؟ قالا نعم إن الدار و الخادم ليسا بمال».
و الظاهر من قولهما (عليهما السلام) «ليسا بمال» إنهما من حيث الحاجة و إلجاء الضرورة إليهما لا يعدان من المال الذي يكون به غنيا و تحرم عليه الزكاة، و من أجل ذلك إن الأصحاب ألحقوا بذلك ثياب التجمل و فرس الركوب و كتب العلم إذا كان من أهله.
و يدل على فرس الركوب بخصوصها
ما رواه علي بن جعفر (رضي اللّٰه عنه) في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) «1» قال: «سألته عن الزكاة أ يعطاها من له الدابة؟ قال نعم و من له الدار و العبد فإن الدار ليس نعدها بمال».
و روى الشيخ عن سعيد بن يسار «2» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول تحل الزكاة لصاحب الدار و الخادم لأن أبا عبد اللّٰه عليه السلام لم يكن يرى الدار و الخادم شيئا».
قوله: «لأن أبا عبد اللّٰه عليه السلام» الظاهر أنه من كلام الراوي.
و ما رواه الشيخ عن إسماعيل بن عبد العزيز عن أبيه «3» قال: «دخلت أنا و أبو بصير على أبي عبد اللّٰه عليه السلام فقال له أبو بصير إن لنا صديقا و هو رجل صدوق يدين اللّٰه بما ندين به. فقال من هذا يا أبا محمد الذي تزكيه؟ فقال العباس بن الوليد ابن صبيح. فقال رحم اللّٰه الوليد بن صبيح ما له يا أبا محمد؟ قال جعلت فداك له دار تسوى أربعة آلاف درهم و له جارية و له غلام يستقي على الجمل كل يوم ما بين الدرهمين إلى الأربعة سوى علف الجمل و له عيال أ له أن يأخذ من الزكاة؟ قال نعم. قال و له هذه العروض؟ فقال يا أبا محمد فتأمرني أن آمره أن يبيع داره و هي عزه و مسقط رأسه أو يبيع جاريته التي تقيه الحر و البرد و تصون وجهه و وجه عياله أو آمره أن يبيع غلامه و جمله و هي معيشته و قوته، بل يأخذ الزكاة فهي له
______________________________
(1) الوسائل الباب 9 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 9 من المستحقين للزكاة.
(3) الفروع ج 1 ص 159 و في الوسائل الباب 9 من المستحقين للزكاة.
162
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثاني الدار و الخادم و الفرس لا تمنع من أخذ الزكاة مع الحاجة إليها ج 12 ص 161
حلال و لا يبيع داره و لا غلامه و لا جمله».
إلى غير ذلك من الأخبار.
و الظاهر من فحوى هذه الأخبار أن الحكم في ذلك مرتب على أحوال الناس و ما هم عليه من الرفعة و الضعة، فمن كان من أهل الشرف و الرفعة الذين جرت عادتهم بالبيوت الواسعة و الخدم و الخيل و نحو ذلك من ثياب التجمل بين الناس و الفروش و الأسباب فإن ذلك لا يمنع من أخذه الزكاة من حيث هذه الأشياء و لا يكلف بيعها و الاقتصار على أقل المجزئ من ذلك، و أما من لم يكن كذلك بل المناسب لحاله ما هو أقل من ذلك مع حصول هذه الأشياء عنده فلا يبعد القول بالاقتصار على ما يناسب حاله و جرت به عادة أبناء نوعه من المسكن و المركوب و الخدم و بيع الزائد إذا قام بمئونة سنته. و اللّٰه العالم.
الثالث [مدعي الفقر يصدق و لا يكلف بالبينة و اليمين]
- قد صرح الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) بأن من ادعى الفقر إن عرف صدقه أو كذبه عومل به و هو من ما لا إشكال فيه، و إن جهل حاله فالمشهور بل ظاهرهم الاتفاق عليه أنه يصدق في دعواه و لا يكلف يمينا و لا بينة كما يظهر من المعتبر و المنتهى و غيرهما.
و ربما علل بعضهم قبول قوله في الصورة المذكورة بأنه مسلم ادعى أمرا ممكنا و لم يظهر ما ينافي دعواه فكان قوله مقبولا، كما في المعتبر. و ربما علل بأنه ادعى ما يوافق الأصل و هو عدم المال و أن الأصل عدالة المسلم فكان قوله مقبولا كما في المنتهى.
و لم أقف على من تعرض للمناقشة في هذا الحكم سوى السيد السند في المدارك و اقتفاه و زاد عليه الفاضل الخراساني في الذخيرة.
و الأظهر عندي هو القول المشهور و يدل عليه وجوه: (أحدها)
ما رواه في الكافي عن عبد الرحمن العزرمي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «جاء رجل إلى الحسن و الحسين (عليهما السلام) و هما جالسان على الصفا فسألهما فقالا إن الصدقة
______________________________
(1) الفروع ج 1 ص 167 و في الوسائل الباب 9 من المستحقين للزكاة.
163
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثالث مدعي الفقر يصدق و لا يكلف بالبينة و اليمين ج 12 ص 163
لا تحل إلا في دين موجع أو غرم مفضع أو فقر مدقع ففيك شيء من هذا؟ قال نعم. فأعطياه، و قد كان الرجل سأل عبد اللّٰه بن عمر و عبد الرحمن بن أبي بكر فأعطياه و لم يسألاه عن شيء فرجع إليهما فقال لهما ما لكما لم تسألاني عن ما سألني عنه الحسن و الحسين (عليهما السلام)؟ و أخبرهما بما قالا فقالا إنهما غذيا بالعلم غذاء».
و ما اعترض به الفاضل المشار إليه آنفا على هذه الرواية- من ضعف السند أولا و عدم موافقة الحصر المفهوم منه لما ثبت بالأدلة.
مردود: أما الأول فبأنه مفروغ عنه عندنا لأنا لا نرى العمل بهذا الاصطلاح المحدث إذ لم يدل عليه دليل بل الأدلة على خلافه واضحة السبيل، مع أنه يمكن الجواب على قواعدهم من أن ضعفه مجبور بالشهرة بل الاتفاق على الحكم المذكور كما اعتذروا عن ضعف الأخبار متى اضطروا إلى العمل بها. و أما الثاني فبأن المراد الحصر بالنسبة إلى ذلك السائل لا مطلقا كأنه قيل «الأمر الموجب لسؤالك هل هو لدين موجع؟» و إلا فمن المعلوم أنه ليس من العاملين و لا من أبناء السبيل و لا المؤلفة و لا نحو ذلك من الأصناف و إنما هذا سؤال عن وجوه الفقر الموجبة لسؤاله (الثاني) اتفاق الأصحاب على الحكم المذكور من غير ظهور مخالف و إلا لنقل خلافه في المسألة.
(الثالث) موافقة الأصل بأن الأصل عدم المال، و الأصل الآخر و هو عدم البينة و اليمين.
(الرابع) استلزام التكليف بالبينة و اليمين الحرج و العسر في كثير من الموارد سيما إذا كان من يستحي من إظهار ذلك كما في أكثر المتجملين.
(الخامس) أنه لو كان شرطا لخرج عنهم (عليهم السلام) فيه خبر دال على ذلك و لنقل و ليس فليس. و هذا الوجه يرجع إلى الاستدلال بالبراءة الأصلية على الوجه الذي قدمنا بيانه في غير موضع من كتاب الصلاة، و محصله أن المحدث الماهر إذا تتبع الأخبار الواردة حق التتبع في مسألة لو كان فيها حكم مخالف للأصل
164
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثالث مدعي الفقر يصدق و لا يكلف بالبينة و اليمين ج 12 ص 163
لاشتهر لعموم البلوى بها و لم يظفر بذلك في الأخبار يحصل له العلم أو الظن المتآخم له بعدم ذلك الحكم، و الأمر هنا كذلك.
(السادس) و هو أمتنها و أظهرها و أوجهها و أنضرها أنه لا يخفى على من تأمل الأخبار الواردة بالبينة و اليمين في أبواب الدعاوي أنه لا عموم فيها فضلا عن الخصوص على وجه يشمل مثل ما نحن فيه، فإن موردها إنما هو ما إذا كانت الدعوى بين اثنين مدع و منكر و لا دلالة فيها على من ادعى شيئا و ليس له من يقابله و ينكر دعواه بأنه يكلف البينة أو اليمين، و في الأخبار الكثيرة «1»
«البينة على المدعى و اليمين على من أنكر».
بل ورد في جملة من الأخبار و به قال علماؤنا الأبرار أن من ادعى شيئا و لا مناقض له في دعواه يقبل قوله من غير بينة و لا يمين بمجرد احتمال صدقه.
و من ذلك
ما رواه في الكافي و التهذيب عن منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «قلت عشرة كانوا جلوسا و في وسطهم كيس فيه ألف درهم فسأل بعضهم بعضا أ لكم هذا الكيس؟ فقالوا كلهم لا و قال واحد هو لي فلمن هو؟
قال للذي ادعاه».
و يستفاد من هذا الخبر أن كل من ادعى ما لا يد عليه قضي له به، و بذلك صرح الأصحاب من غير خلاف ينقل، قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد نقل الرواية المذكورة دليلا للحكم المذكور: و لأنه مع عدم المنازع لا وجه لمنع المدعي منه و لا لطلب البينة و لا لإحلافه إذ لا خصم له حتى يترتب عليه ذلك. و فيه إشارة إلى ما قدمناه من أن البينة و اليمين إنما هي في مقام الخصومة و مع عدم خصم يقابل بإنكار تلك الدعوى فليس المقام مقام البينة و لا اليمين.
و من ذلك
رواية ميسر «3» و هي صحيحة إليه قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام ألقى المرأة في الفلاة التي ليس فيها أحد فأقول لها أ لك زوج؟ فتقول لا فأتزوجها؟
______________________________
(1) الوسائل الباب 3 من كيفية الحكم.
(2) الوسائل الباب 17 من كيفية الحكم.
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب المتعة.
165
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثالث مدعي الفقر يصدق و لا يكلف بالبينة و اليمين ج 12 ص 163
قال نعم هي المصدقة على نفسها».
و في رواية أبان بن تغلب عنه عليه السلام «1» «ليس هذا عليك إنما عليك أن تصدقها في نفسها».
و في رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر «2» قال: «قلت للرضا عليه السلام الرجل يتزوج المرأة فيقع في قلبه أن لها زوجا؟ قال و ما عليه أ رأيت لو سألها البينة كان يجد من يشهد أن ليس لها زوج؟».
و في هذا الخبر إشارة إلى ما قدمناه في الوجه الرابع من لزوم العسر و الحرج بطلب البينة في أمثال هذه المواضع من ما يكون بين المكلف و بين اللّٰه تعالى.
و في بعض الأخبار الصحاح عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» «في رجل طلق امرأته ثلاثا فبانت منه فأراد مراجعتها فقال لها إني أريد مراجعتك فتزوجي زوجا غيري فقالت له قد تزوجت زوجا غيرك و حللت لك نفسي. أ يصدق قولها و يراجعها و كيف يصنع؟ قال إذا كانت المرأة ثقة صدقت في قولها».
قال بعض مشايخنا (رضوان اللّٰه عليهم) المراد بكونها ثقة أي موثوق بأخبارها غير متهمة لا الثقة بالمعنى المصطلح، و هو كذلك. و الظاهر أن قبول قول المدعي في جملة هذه المواضع و عدم تكليفه باليمين أو البينة إنما هو من حيث عدم المناقض له في دعواه لا من حيث خصوصية هذه المواضع، و حينئذ فيطرد الحكم في كل موضع كذلك، و لهذا صرح الأصحاب بذلك في مواضع عديدة: منها- ما دل عليه بخصوصه دليل، و منها ما لم يدل عليه دليل و إنما استندوا فيه إلى ما ذكرناه و منه قبول قول من عليه زكاة أو خمس في إخراجه، و منه ما لو ادعى صاحب النصاب إبداله في أثناء الحول فرارا من الزكاة، و ما لو خرص عليه و ادعى النقصان عن بلوغ النصاب، و لو ادعى الدين و لم يكذبه غريمه أو الكتابة و لم يكذبه سيده، أو ادعى
______________________________
(1) الوسائل الباب 10 من أبواب المتعة.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب المتعة.
(3) الوسائل الباب 11 من أقسام الطلاق و أحكامه.
166
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثالث مدعي الفقر يصدق و لا يكلف بالبينة و اليمين ج 12 ص 163
ذهاب ماله بعد أن كان غنيا، و قد أنهى شيخنا الشهيد الثاني جملة منها تزيد على عشرين موضعا. ثم قال و ضبطها بعضهم بأن كل ما كان بين العبد و بين اللّٰه و لا يعلم إلا منه و لا ضرر فيه على الغير أو ما تعلق به الحد أو التعزير. انتهى.
و لا يخفى أن هذه الوجوه التي ذكرناها و إن أمكن المناقشة في بعضها إلا أنه بالنظر إلى مجموعها و لا سيما الأول و الأخير منها فإنه لا يبقى للتوقف فيها مجال.
و أما ما توهمه في المدارك في مقابلة ذلك- من أن الشرط اتصاف المدفوع إليه بأحد الأوصاف الثمانية فلا بد من تحقق الشرط كما في نظائره- فجوابه أن الظاهر أن الفقر المشترط في الآية ليس عبارة عن الفقر بحسب الواقع و نفس الأمر، فإن الأحكام الشرعية لم تبن على الواقع و نفس الأمر لا في هذا الموضع و لا في غيره للزوم الحرج و تكليف ما لا يطاق إذ ذلك غير ممكن إلا له عز شأنه و إنما جرى التكليف على الظاهر، و حينئذ فالمراد بالفقر في الآية ما يظهر من حال الفقير و يكفي فيه مجرد إخباره و دعواه استنادا إلى ما ذكرنا من الوجوه.
و يؤكد ذلك ما صرحوا به من أنه لو دفع له الزكاة بناء على ظاهر الفقر ثم ظهر يسره و أنه ليس بمستحق للزكاة فإنه لا يجزئ عنه استنادا إلى
ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن عثمان عن من ذكره عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» «في رجل يعطي زكاة ماله رجلا و هو يرى أنه معسر فوجده موسرا؟ قال لا يجزئ عنه».
و من ما يؤيد البناء على الظاهر أيضا و الاكتفاء بدعوى الفقر و الحاجة ما استفاض في الأخبار من استحباب إعطاء من مد يده للسؤال و عدم رده كما في
صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام «2» قال: «أعط السائل و لو كان على ظهر فرس».
و من الظاهر أن هذا الاستحباب إنما ترتب على مجرد مد يده للسؤال حتى و لو كان ظاهر حاله يخالف ذلك من كونه على ظهر فرس و متجملا، و هو مؤذن بتصديقه
______________________________
(1) الوسائل الباب 2 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب الصدقة.
167
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثالث مدعي الفقر يصدق و لا يكلف بالبينة و اليمين ج 12 ص 163
في دعوى الفقر و إلا لما ثبت الاستحباب بمجرد ذلك.
و بما ذكرناه من هذا التحقيق الرشيق يظهر لك ما في كلام الفاضل الخراساني (قدس سره) من التشكيك في المقام كما هي عادته في جل الأحكام حيث قال- بعد البحث مع الأصحاب و مناقشتهم في هذا الباب- ما لفظه: و بالجملة جواز إعطاء الفقير بدون البينة أو الحلف محل إشكال ينشأ من عدم دليل دال عليه فلا يحصل اليقين بالبراءة، و من أنه لم يعهد عنهم (صلوات اللّٰه عليهم) شيء من ذلك و الظاهر أنه لو كان لنقل. إلى أن قال: و التحقيق أن تحصيل العلم بالفقر غير معتبر و إلا لزم حرمان أكثر الفقراء و انتفاء ذلك معلوم من حال الأئمّة (صلى اللّٰه عليهم أجمعين) و كذا السلف. و هل يكفي الظن الحاصل من الأمارات أو من دعواه مطلقا أو إذا كان أمينا مطلقا أو عند تعذر البينة أم لا بل يحتاج إلى البينة مطلقا أو في بعض صور المسألة أو يحتاج إلى الحلف كذلك؟ لي فيه توقف إلى أن يفتح اللّٰه علي طريق معرفته. انتهى. و لا أراك ترتاب بعد ما حققناه في المقام في ضعف هذا الكلام و أنه من جملة الأوهام. و اللّٰه العالم بحقائق الأحكام.
الرابع [لو دفع الزكاة إلى من ظاهره الفقر ثم ظهر عدم فقره]
- الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في أنه متى دفع الزكاة إلى الفقير ثم ظهر عدم فقره فإنه يجب استرجاعها مع الإمكان لظهور أن القابض لها عاص غاصب فيجب عليه إرجاعها إلى المالك.
بقي الكلام هنا في موضعين
أحدهما- ما لو لم يعلم الآخذ بأنها زكاة
، و قد قطع في المعتبر بعدم جواز الارتجاع لأن الظاهر أنها صدقة. و اختلف كلام العلامة في ذلك فقال في المنتهى: ليس للمالك الرجوع لأن دفعه محتمل للوجوب و للتطوع. و استقرب في التذكرة جواز الارتجاع لفساد الدفع و لأنه أبصر بنيته.
و قال في المدارك بعد نقل كلام التذكرة: و هو جيد مع بقاء العين و انتفاء القرائن الدالة على كون المدفوع صدقة.
أقول: و كلماتهم (رضوان اللّٰه عليهم) هنا لا تخلو عن إجمال و التحقيق أن يقال
168
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
أحدهما ما لو لم يعلم الآخذ بأنها زكاة ج 12 ص 168
إنه متى دفعه إليه بنية الزكاة و لم يعلم المدفوع إليه بكونها زكاة و لا أعلمه المالك فإنه ما دامت العين باقية يجب عليه إرجاعها متى علم أو أعلمه المالك لعدم الاستحقاق شرعا، و متى تلفت العين قبل العلم فالظاهر أنه لا يجب عليه عوضها و لا قيمتها لظهور حل التصرف، و التضمين يحتاج إلى دليل.
و
ثانيهما- ما لو قبضها بعنوان الزكاة و تعذر الارتجاع
، و ظاهرهم الاتفاق على أنه متى كان الدافع الإمام أو نائبه أجزأ ذلك، و في المنتهى أنه لا خلاف فيه بين العلماء لأن المالك قد خرج فيه من العهدة بالدفع إلى الإمام أو نائبه و الدافع خرج من العهدة بالدفع إلى من يظهر منه الفقر، و إيجاب الإعادة تكليف جديد منفي بالأصل. و لا يخلو من القرب إلا أن الفتوى به مع عدم النص في المسألة مشكل.
و أما لو كان الدافع المالك فقد اختلف الأصحاب فيه على أقوال ثلاثة:
أحدها- القول بالإجزاء و نقل عن الشيخ في المبسوط و جماعة من الأصحاب، و ثانيها- وجوب الإعادة و نقل عن الشيخ المفيد و أبي الصلاح، و ثالثها- التفصيل بين الاجتهاد فيسقط الضمان و عدمه فتجب الإعادة، و هو اختيار المحقق في المعتبر و العلامة في المنتهى و إليه يميل كلام المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد.
احتج الأولون بأنه دفعها إلى من ظاهره الفقر و هو دفع مشروع فيحصل الامتثال و لا يتعقبه الإعادة لعدم الدليل. و فيه ما يأتي في ثانيه.
احتج القائلون بالثاني بما تقدم قريبا من
صحيحة الحسين بن عثمان عن من ذكره عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» «في رجل يعطي زكاة ماله رجلا و هو يرى أنه معسر فوجده موسرا؟ قال لا يجزئ عنه».
و بهذه الرواية تبطل حجة القول الأول كما أشرنا إليه آنفا.
احتج المفصلون بأن المالك أمين على الزكاة فيجب عليه الاجتهاد و الاستظهار في دفعها إلى مستحقها فبدونه تجب الإعادة.
______________________________
(1) الوسائل الباب 2 من المستحقين للزكاة.
169
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
ثانيهما ما لو قبضها بعنوان الزكاة و تعذر الارتجاع ج 12 ص 169
و بما رواه الكليني و الشيخ في الصحيح عندي و الحسن على المشهور بإبراهيم ابن هاشم عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «قلت له رجل عارف أدى زكاته إلى غير أهلها زمانا هل عليه أن يؤديها ثانية إلى أهلها إذا علمهم؟ قال نعم. قال قلت فإن لم يعرف لها أهلا فلم يؤدها أو لم يعلم أنها عليه فعلم بعد ذلك؟
قال يؤديها إلى أهلها لما مضى. قال قلت له فإنه لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو لها بأهل و قد كان طلب و اجتهد ثم علم بعد ذلك سوء ما صنع؟ قال ليس عليه أن يؤديها مرة أخرى».
و قالا في الكافي و التهذيب بعد نقل هذه الرواية: و عن زرارة مثله «2» غير أنه قال: «إن اجتهد فقد برئ و إن قصر في الاجتهاد في الطلب فلا».
و أورد على الأول أنه إن أريد بالاجتهاد القدر المسوغ لجواز الدفع و لو بسؤال الفقير فلا ريب في اعتباره إلا أن ذلك لا يسمى اجتهادا، و مع ذلك فيرجع هذا التفصيل بهذا الاعتبار إلى ما أطلقه الشيخ في المبسوط من انتفاء الضمان مطلقا، و إن أريد به البحث عن حال المستحق زيادة على ذلك كما هو المتبادر من لفظ الاجتهاد فهو غير واجب إجماعا على ما نقله جماعة. و على الروايتين أن موردهما خلاف محل النزاع لكنهما يدلان بالفحوى على انتفاء الضمان بالاجتهاد.
أقول: و التحقيق في المقام أنه ليس في المسألة إلا رواية الحسين بن عثمان المتقدمة و الوقوف على ظاهرها متعين. و أما حمل من قال بالتفصيل لها على عدم الاجتهاد جمعا بينها و بين صحيحة عبيد بن زرارة فهو فرع ثبوت دلالة الصحيحة المذكورة على ما ادعوه و موردها من أولها إلى آخرها إنما هو الدفع إلى المخالف و هو المعبر عنه بغير أهلها، مع ما في محل الاستدلال من الإشكال أيضا فإن ظاهرها أنه يجزئ الدفع إلى المخالف متى اجتهد في تحصيل أهلها من الشيعة فلم يجدهم و الأصحاب لا يقولون به، و الأخبار أيضا ترده كما يأتي بيانه إن شاء اللّٰه تعالى حتى ورد في بعض الأخبار إلقاؤها في البحر مع تعذر وجود أهلها من الشيعة الإمامية «3»
______________________________
(1) الوسائل الباب 2 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 2 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 5 من المستحقين للزكاة.
170
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
ثانيهما ما لو قبضها بعنوان الزكاة و تعذر الارتجاع ج 12 ص 169
و ظاهر السيد السند في المدارك اختيار القول الأول حيث قال بعد البحث في المسألة و نقل الأقوال و الأدلة على كل منها: و كيف كان فينبغي القطع بسقوط الضمان مع الاجتهاد لتحقق الامتثال و فحوى الروايتين، و إنما يحصل التردد مع استناد الدفع إلى مجرد الدعوى من كون الدفع مشروعا فلا يستعقب الإعادة و من عدم وصول الحق إلى مستحقه. و لعل الأول أرجح. انتهى.
و أنت خبير بأن كلامه هذا مبني على طرح صحيحة الحسين بن عثمان من البين مع أنه بعد نقلها دليلا للقول الثاني لم يتعرض للطعن فيها بوجه إلا أن المعلوم من قاعدته ذلك فهي من حيث الإرسال ضعيفة باصطلاحه، و الأظهر عندي هو الوقوف على ظاهرها و العمل بها، و يؤيده أنه الأوفق بالاحتياط و الخروج عن عهدة التكليف الثابت في الذمة بيقين. و اللّٰه العالم.
الخامس [لو كان الفقير ممن يستحي من قبول الزكاة]
- قد صرح الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) من غير خلاف يعرف بأنه لو كان الفقير ممن يستحي من قبول الزكاة جاز دفعه إليه على وجه الصلة.
و يدل عليه
حسنة أبي بصير المروية في الفقيه «1» قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام الرجل من أصحابنا يستحي أن يأخذ من الزكاة فأعطيه من الزكاة و لا أسمي له أنها من الزكاة؟ فقال أعطه و لا تسم له و لا تذل المؤمن».
و طعن في هذه الرواية في المدارك بأنها ضعيفة السند باشتراك الراوي بين الثقة و الضعيف. و فيه أن الراوي عن أبي بصير هنا عاصم بن حميد و قد ذكر أصحاب هذا الاصطلاح أنه قرينة المرادي الثقة الجليل القدر و كذلك ابن مسكان فحيث ما وجد أحدهما حكموا بصحة روايته، و حسن هذه الرواية كما ذكرنا إنما هو بإبراهيم بن هاشم الذي حديثه في الصحيح عند جملة من محققي هذا الفن.
و يؤيد الرواية المذكورة أيضا
ما رواه الشيخ الطوسي في المجالس بسنده عن إسحاق بن عمار «2» قال: «قال لي أبو عبد اللّٰه عليه السلام يا إسحاق كيف تصنع بزكاة مالك إذا
______________________________
(1) الوسائل الباب 58 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 58 من المستحقين للزكاة.
171
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الخامس لو كان الفقير ممن يستحي من قبول الزكاة ج 12 ص 171
حضرت؟ قال يأتوني إلى المنزل فأعطيهم. فقال لي ما أراك يا إسحاق إلا قد أذللت المؤمنين فإياك إياك إن اللّٰه تعالى يقول: من أذل وليا لي فقد أرصد لي بالمحاربة».
و في هذا الخبر ما يدل على استحباب قصد المالك بالزكاة إلى الفقراء و ابتدائهم و كراهة تكليفهم بالإتيان إليه.
و أما
ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم على المشهور عن محمد بن مسلم «1»- قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام الرجل يكون محتاجا فنبعث إليه بالصدقة فلا يقبلها على وجه الصدقة يأخذه من ذلك ذمام و استحياء و انقباض أ فنعطيها إياه على غير ذلك الوجه و هي منا صدقة؟ فقال لا إذا كانت زكاة فله أن يقبلها فإن لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطها إياه و لا ينبغي له أن يستحي من ما فرض اللّٰه إنما هي فريضة اللّٰه فلا يستحي منها»-.
فهو غير معمول به على ظاهره و لا قائل به بل الأخبار و كلام الأصحاب على خلافه فلا يلتفت إليه في مقابلة ما ذكرناه، فما ذكره في المدارك- من المعارضة به لحسنة أبي بصير بعد طعنه فيها بما قدمنا نقله باعتبار حسن هذه و ضعف تلك بزعمه- ليس من ما يعول عليه لأنها و إن صح سندها فضلا عن أن يكون حسنا مع كون مضمونها مخالفا للأخبار و كلام الأصحاب بل اتفاقهم فإن هذه الصحة مجازية كما نبهنا عليه في غير موضع من ما سبق، و الصحة في التحقيق إنما هي باعتبار المتون و مطابقتها للقواعد الشرعية و الأخبار المروية و اتفاق الأصحاب و نحو ذلك كما عليه جملة من متقدمي أصحابنا (رضوان اللّٰه عليهم).
و كيف كان فلا بد من ارتكاب جادة التأويل في الخبر المذكور، و الأظهر عندي في تأويله هو حمل قوله عليه السلام في الجواب «لا» على الإضراب عن الكلام السابق لا على نفي إعطائها إياه على غير ذلك الوجه كما وقع في سؤال السائل و يكون ما بعد «لا» بيان ما هو الأولى في هذا المقام، فبين أنها إذا كانت زكاة فله أن
______________________________
(1) الوسائل الباب 58 و 57 من المستحقين للزكاة.
172
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الخامس لو كان الفقير ممن يستحي من قبول الزكاة ج 12 ص 171
يقبلها و لا ينبغي أن يستحي من قبولها و هي حق فرضه اللّٰه تعالى، ثم قال فإن لم يقبلها على هذا الوجه فلا تلزمه بها و تعطيها إياه على وجه الزكاة و يفهم منه جواز الإعطاء لا على الوجه المذكور، فجواب السؤال إنما علم من المفهوم و إلا فمنطوق الخبر إنما سيق في الكلام على ذلك المستحق و أنه ينبغي له كذا و لا ينبغي له كذا.
و حمل الرواية المذكورة في المدارك على الكراهة بناء على رجوع النهي بقوله «لا» إلى ما ذكره السائل بقوله «أ فنعطيها إياه على غير ذلك الوجه» و فيه بعد لما عرفت من ما ذكرناه.
و أبعد منه حمل صاحب الوسائل الخبر المذكور على احتمال كون الامتناع لعدم الاحتياج و انتفاء الاستحقاق مع أن الراوي ذكر العلة في الامتناع و أنه الاستحياء و الانقباض فكيف يتم ما ذكره؟.
و قال في الوافي بعد نقل الخبر الأول أولا و الثاني ثانيا: لعل الفرق بين هذا و ما في الخبر السابق أن ذلك كان قد علم من حاله الاستحياء منها و التنزه عنها و لكنه كان بحيث إذا بعثت إليه لقبلها إذا كان مضطرا إليها بخلاف هذا فإنه قد بعثت إليه و استنكف منها، و إنما نهى عن إعطائها إياه لأنه إن كان مضطرا إليها فقد وجب عليه أخذها و إن لم يأخذها فهو عاص و هو كمانع الزكاة و قد وجبت عليه و إن لم يضطر إليها و لم يقبلها فلا وجه لإعطائها إياه. انتهى. و أنت خبير بما فيه كما لا يخفى على الفطن النبيه
الثالث [العاملون عليها]
من أصناف المستحقين- العاملون عليها، و المراد بهم السعاة في تحصيلها و جبايتها بأخذ و كتابة و حفظ و حساب و نحو ذلك.
قال الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره «1» نقلا عن العالم عليه السلام: و العاملين عليها هم السعاة و الجباة في أخذها و جمعها و حفظها حتى يؤدوها إلى من يقسمها.
و قد أجمع الأصحاب و أكثر العامة «2» على أن لهؤلاء حصة من الزكاة كما
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة رقم (7).
(2) المغني ج 2 ص 654 و البداية ج 1 ص 235.
173
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثالث العاملون عليها ج 12 ص 173
يدل عليه ظاهر الآية.
و ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن و ابن بابويه في الفقيه في الصحيح عن زرارة و محمد بن مسلم «1» «أنهما قالا لأبي عبد اللّٰه عليه السلام أ رأيت قول اللّٰه عز و جل إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ «2» أ كل هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف؟ فقال إن الإمام يعطي هؤلاء جميعا لأنهم يقرون له بالطاعة. الحديث».
قالوا: و لا يجوز أن يكون العامل هاشميا لتحريم الزكاة عليه. و هو كذلك إن كان المدفوع إليه من الزكاة أما لو استؤجر على العمل و دفع إليه الإمام من بيت المال فالظاهر أنه لا مانع منه.
و من ما يدل على أصل الحكم
ما رواه الشيخ في الصحيح عن عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «إن أناسا من بني هاشم أتوا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي و قالوا يكون لنا هذا السهم الذي جعله اللّٰه للعاملين عليها فنحن أولى به. فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله يا بني عبد المطلب إن الصدقة لا تحل لي و لا لكم و لكني قد وعدت الشفاعة- ثم قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام أشهد لقد وعدها رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله- فما ظنكم يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة أ تروني مؤثرا عليكم غيركم».
و الظاهر أن الاختيار إلى الإمام بين أن يجعل لهم أجرة معينة أو يعطيهم ما يراه و يدل على الثاني
صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» قال: «قلت له ما يعطى المصدق؟ قال ما يرى الإمام و لا يقدر له شيء».
و الظاهر أن المراد من
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة.
(2) سورة التوبة الآية 61.
(3) الوسائل الباب 29 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة.
174
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثالث العاملون عليها ج 12 ص 173
آخر الخبر أنه ليس له سهم مقدر مفروض لا يحتمل الزيادة و النقصان.
ثم إنه قد ذكر جمع من الأصحاب: منهم- الشهيد في البيان و المحقق الشيخ على في حاشية الشرائع أنه لو عين له أجرة فقصر السهم عن أجرته أتمه الإمام من بيت المال أو من باقي السهام، و لو زاد نصيبه عن أجرته فهو لباقي المستحقين. و لا يخفى ما فيه فإن هذا إنما يتم على القول بوجوب البسط على الأصناف بالسوية و هو غير معمول عليه عندنا كما يأتي بيانه إن شاء اللّٰه تعالى.
الرابع [المؤلفة قلوبهم]
من الأصناف المذكورة- الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، و قد اضطرب كلام أصحابنا في معنى المؤلفة أشد الاضطراب و كثرت الاحتمالات و الأقوال في هذا الباب فما بين من خصهم بالكفار الذين يستمالون للجهاد، قالوا و لا نعرف مؤلفة غيرهم و الظاهر أنه المشهور، و فسره بعضهم بالمنافقين، و أدخل بعضهم بعض المسلمين.
و كلامهم في ذلك واسع الذيل كما لا يخفى على من راجع مطولاتهم و ليس في التطويل بنقله مزيد فائدة مع عدم اعتمادهم على دليل غير مجرد الاعتبارات و المناسبات التي ليس عليها مزيد تعويل.
و العجب منهم (رضوان اللّٰه عليهم) في هذا الخلاف و الاضطراب و أخبار أهل البيت (عليهم السلام) بذلك مكشوفة النقاب مرفوعة الحجاب قد رواها ثقة الإسلام في الكافي و عنون لها بابا على حدة فقال «باب المؤلفة قلوبهم».
و ها أنا أسوق لك جملة أخباره و منها-
ما رواه في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «1» قال: «سألته عن قول اللّٰه عز و جل وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ؟ قال هم قوم وحدوا اللّٰه عز و جل و خلعوا عبادة من يعبد من دون اللّٰه و شهدوا أن لا إله إلا اللّٰه و أن محمدا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و هم في ذلك شكاك في بعض ما جاء به محمد صلى اللّٰه عليه و آله فأمر اللّٰه نبيه أن يتألفهم بالمال و العطاء لكي يحسن إسلامهم و يثبتوا على دينهم الذي دخلوا فيه و أقروا به، و أن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله يوم حنين تألف
______________________________
(1) الأصول ج 2 ص 411.
175
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الرابع المؤلفة قلوبهم ج 12 ص 175
رؤساء العرب من قريش و سائر مضر: منهم- أبو سفيان بن حرب و عيينة بن حصين الفزاري و أشباههم من الناس، فغضبت الأنصار و اجتمعت إلى سعد بن عبادة فانطلق بهم إلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله بالجعرانة فقال يا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله أ تأذن لي في الكلام؟
فقال نعم. فقال إن كان هذا الأمر من هذه الأموال التي قسمت بين قومك شيئا أنزله اللّٰه رضينا و إن كان غير ذلك لم نرض. قال زرارة: و سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله يا معشر الأنصار أ كلكم على قول سيدكم سعد؟ فقالوا سيدنا اللّٰه و رسوله. ثم قالوا في الثالثة نحن على مثل قوله و رأيه. قال زرارة فسمعت أبا جعفر عليه السلام يقول فحط اللّٰه نورهم و فرض اللّٰه للمؤلفة قلوبهم سهما في القرآن».
و ما رواه فيه عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «1» قال: «المؤلفة قلوبهم قوم وحدوا اللّٰه و خلعوا عبادة من دون اللّٰه و لم تدخل المعرفة قلوبهم إن محمدا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و كان رسول اللّٰه يتألفهم و يعرفهم لكيما يعرفوا و يعلمهم».
و ما رواه عن زرارة أيضا عن أبي جعفر (عليه السلام) «2» قال: «المؤلفة قلوبهم لم يكونوا قط أكثر منهم اليوم».
و ما رواه عن إسحاق بن غالب «3» قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام يا إسحاق كم ترى أهل هذه الآية فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهٰا رَضُوا وَ إِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهٰا إِذٰا هُمْ يَسْخَطُونَ؟ «4» قال ثم قال هم أكثر من ثلثي الناس».
و ما رواه عن موسى بن بكر عن رجل «5» قال: «قال أبو جعفر عليه السلام ما كانت المؤلفة قلوبهم قط أكثر منهم اليوم و هم قوم وحدوا اللّٰه تعالى و خرجوا من الشرك و لم تدخل معرفة محمد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله قلوبهم و ما جاء به فتألفهم رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و تألفهم المؤمنون بعد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله لكيما يعرفوا».
و قال الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي (قدس سره) في تفسيره «6» نقلا
______________________________
(1) الأصول ج 2 ص 411.
(2) الأصول ج 2 ص 411.
(3) الأصول ج 2 ص 412.
(4) سورة التوبة الآية 59.
(5) الأصول ج 2 ص 412.
(6) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة رقم 7.
176
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الرابع المؤلفة قلوبهم ج 12 ص 175
عن العالم عليه السلام: و المؤلفة قلوبهم قال هم قوم وحدوا اللّٰه و خلعوا عبادة من دون اللّٰه و لم تدخل المعرفة قلوبهم إن محمدا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله فكان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله يتألفهم و يعلمهم و يعرفهم كيما يعرفوا فجعل لهم نصيبا في الصدقات لكي يعرفوا و يرغبوا».
و هذه الأخبار كلها كما ترى ظاهرة في أن المؤلفة قلوبهم قوم مسلمون قد أقروا بالإسلام و دخلوا فيه لكنه لم يستقر في قلوبهم و لم يثبت ثبوتا راسخا فأمر اللّٰه تعالى نبيه بتألفهم بالمال لكي تقوى عزائمهم و تشتد قلوبهم على البقاء على هذا الدين، فالتأليف إنما هو لأجل البقاء على الدين و الثبات عليه لا لما زعموه (رضوان اللّٰه عليهم) من الجهاد كفارا كانوا أو مسلمين و أنهم يتألفون بهذا السهم لأجل الجهاد.
بقي الكلام في
قوله عليه السلام في رواية زرارة الثالثة «الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ لم يكونوا قط أكثر منهم اليوم».
و نحوها رواية موسى بن بكر، و لعل معناه- و اللّٰه سبحانه و قائله أعلم- أن ضعفة الدين المحتاجين إلى التأليف لأجل البقاء عليه و رسوخه في قلوبهم ليسوا مخصوصين بوقته صلى اللّٰه عليه و آله بل هم أكثر كثير في هذه الأوقات، و لعل ذلك باعتبار عدم الإقرار بإمامتهم و الاعتقاد بها التي هي أعظم ما جاء به النبي صلى اللّٰه عليه و آله فإن الشكاك في إمامتهم و هم القسم الثالث المتوسط بين النصاب و المؤمنين- و يعبر عنهم في الأخبار تارة بالشكاك و تارة بالضلال و تارة بالمستضعفين- أكثر الناس في زمانهم (عليهم السلام) كما دلت عليه الأخبار، و قد دلت الأخبار على أن حكمهم في الدنيا حكم أهل الإسلام و أنهم في الآخرة من المرجئين لأمر اللّٰه.
و أما قوله عليه السلام في رواية إسحاق «كم ترى أهل هذه الآية فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهٰا رَضُوا. إلى آخره» فالظاهر أن المعنى فيها ما أفاده المحدث الكاشاني في معنى خبر زرارة المتقدم و هو بهذا الخبر أنسب، حيث قال: و ذلك لأن أكثر المسلمين في أكثر الأزمنة و البلاد دينهم مبتن على دنياهم إن أعطوا من الدنيا رضوا الدين و إن
177
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الرابع المؤلفة قلوبهم ج 12 ص 175
لم يعطوا منها إذا هم يسخطون. انتهى. و لعل المراد بالمؤمنين في قوله عليه السلام «و تألفهم المؤمنون» في خبر موسى بن بكر هم الأئمّة (صلوات اللّٰه عليهم) و لكن المراد بالتألف الاستمالة إلى الدين الحق و الاستقرار عليه بالهداية و التعليم و الإدخال فيه بالطريق الأحسن لا بالمال، فإنهم (صلوات اللّٰه عليهم) لم تكن لهم يد مبسوطة تقتضي التأليف بالزكاة.ثم إن أصحابنا (رضوان اللّٰه عليهم) اختلفوا في سقوط هذا السهم بعد النبي صلى اللّٰه عليه و آله و عدمه، و بالأول قطع الصدوق في الفقيه حيث قال: و سهم الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ساقط بعد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله. و إلى الثاني يميل كلام المحقق في المعتبر حيث قال: إن الظاهر بقاؤه لأن النبي صلى اللّٰه عليه و آله كان يعتمد التأليف إلى حين وفاته و لا نسخ بعده.
[هل سهم المؤلفة قلوبهم ساقط في زمن الغيبة؟]و قال الشيخ إنه يسقط في زمن غيبة الإمام خاصة لأن الذي يتألفهم إنما يتألفهم للجهاد و أمر الجهاد موكول إلى الإمام و هو غائب.و اعترضه في المنتهى بأنا نقول قد يجب الجهاد في حال غيبة الإمام عليه السلام بأن يدهم المسلمين و العياذ باللّٰه عدو يخاف منه عليهم فيجب عليهم الجهاد لدفع الأذى لا للدعاء إلى الإسلام فإذا احتيج إلى التأليف حينئذ جاز صرف السهم إلى أربابه من المؤلفة. انتهى. قال في المدارك بعد نقله: و لا ريب في قوة هذا القول تمسكا بظاهر التنزيل السالم من المعارض.أقول: لا يخفى عليك بعد الوقوف على ما قدمناه من أخبارهم (عليهم السلام) أن هذا الخلاف و البحث في هذا المقام نفخ في غير ضرام فإن كلامهم أولا و آخرا يدور كله على أن المراد بالمؤلفة في الآية الشريفة هو التأليف لأجل الجهاد مع أنهم لم ينقلوا بذلك خبرا و لا أوردوا عليه دليلا، و الأخبار الواردة في تفسيرها كلها كما عرفت قد اتفقت على أن التأليف إنما هو لأجل البقاء على الدين و الثبات عليه لمن دخل فيه دخولا متزلزلا غير مستقر فأمر اللّٰه تعالى رسوله بدفع هذا السهم
178
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
هل سهم المؤلفة قلوبهم ساقط في زمن الغيبة ج 12 ص 178
لهؤلاء لكي يرغبوا في الدين و يستقر في قلوبهم. و بالجملة فإن هذا من أعجب العجائب من الأصحاب.
بقي الكلام في أنه على تقدير المعنى الذي ذكرناه في بيان المؤلفة هل يسقط هذا السهم بعده صلى اللّٰه عليه و آله أم لا؟ الظاهر من الأخبار المتقدمة بالتقريب الذي شرحناه أنه لا ريب في سقوطه في زمن الغيبة كزماننا هذا و ما قبله و ما بعده إلى أن يعجل اللّٰه تعالى فرج وليه، و أما في وقت الأئمّة (صلوات اللّٰه عليهم) فالأخبار و إن دلت على وجود من يحتاج إلى التأليف في زمانهم (صلوات اللّٰه عليهم) كما قدمنا الإشارة إليه إلا أن التأليف لما كان مخصوصا بهم و أيديهم (عليهم السلام) يومئذ قاصرة عن إقامة الحدود الشرعية و تنفيذ الأحكام لغلبة التقية- إلا أن يكون تأليفا بغير الأموال كما أشرنا إليه آنفا- فمن أجل ذلك سقط أيضا.
و يؤيد ما ذكرناه ما صرح به شيخنا أمين الإسلام الطبرسي (قدس سره) في كتاب مجمع البيان حيث قال: ثم اختلف في هذا السهم هل هو ثابت بعد النبي صلى اللّٰه عليه و آله أم لا؟ فقيل هو ثابت في كل زمان عن الشافعي و اختاره الجبائي «1» و هو المروي عن أبي جعفر عليه السلام إلا أنه قال من شرطه أن يكون هناك إمام عادل يتألفهم به على ذلك. ثم نقل القول بالاختصاص بزمانه صلى اللّٰه عليه و آله بالتقريب الذي نقله في المدارك عن بعض العامة و أسنده إلى الحسن و الشعبي و أبي حنيفة و أصحابه «2».
و من المحتمل قريبا أن إسقاط ابن بابويه سهم المؤلفة بعده صلى اللّٰه عليه و آله إنما هو لما ذكرناه فإنه لم يتعرض لبيان معنى المؤلفة و أنهم عبارة عن ما ذا.
و روى الصدوق (قدس سره) في الصحيح و ثقة الإسلام في الصحيح أو
______________________________
(1) نسبه في البداية ج 1 ص 235 إلى الشافعي و أبي حنيفة و في نيل الأوطار ج 4 ص 234 إلى الجبائي و الشافعي و في المغني ج 2 ص 666 إلى الحسن و الزهري و أبي جعفر ع.
(2) نسبه في البداية ج 1 ص 235 إلى مالك و في نيل الأوطار ج 4 ص 234 إلى أبي حنيفة و أصحابه و في المغني ج 2 ص 666 إلى الشعبي و مالك و الشافعي و أصحاب الرأي.
179
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
هل سهم المؤلفة قلوبهم ساقط في زمن الغيبة ج 12 ص 178
الحسن عن زرارة و محمد بن مسلم «1» «أنهما قالا لأبي عبد اللّٰه عليه السلام أ رأيت قول اللّٰه تعالى إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ «2» أ كل هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف؟ فقال إن الإمام يعطي هؤلاء جميعا لأنهم يقرون له بالطاعة. قال زرارة قلت فإن كانوا لا يعرفون؟ فقال يا زرارة لو كان يعطى من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع و إنما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه، فأما اليوم فلا تعطها أنت و أصحابك إلا من يعرف فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس. ثم قال: سهم المؤلفة قلوبهم و سهم الرقاب عام و الباقي خاص. قال قلت فإن لم يوجدوا؟ قال لا تكون فريضة فرضها اللّٰه لا يوجد لها أهل. قال قلت فإن لم تسعهم الصدقات؟ فقال إن اللّٰه فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم و لو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم إنهم لم يؤتوا من قبل فريضة اللّٰه و لكن أوتوا من منع من منعهم حقهم لا من ما فرض اللّٰه لهم و لو أن الناس أدوا حقوقهم لكانوا عائشين بخير».
أقول: لعل المراد بالخبر- و اللّٰه سبحانه و قائله أعلم- أنه لما سأله زرارة «أ كل هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف؟» أجاب عليه السلام بأن الإمام القائم بأعباء الإمامة و المتمكن على كرسي تلك الشوكة و الزعامة كالنبي صلى اللّٰه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السلام وقت خلافته يعطيهم لأنهم مقرون بإمامته مذعنون لدعوته منقادون له بالطاعة. راجعه بأنه لو كانوا لا يعرفون يعني لا يصدقون بإمامته و إن أقروا بها ظاهرا؟ أجابه بأنه لو كان يختص الإعطاء بالعارفين المصدقين يومئذ لم يوجد لها بجميع أصنافها موضع لتخلف ذلك في صنف المؤلفة كما يشير إليه قوله: «و إنما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين» و يحتمل أن المراد أن الرسول صلى اللّٰه عليه و آله في وقته كان يعطي على الإسلام لا
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة.
(2) سورة التوبة الآية 61.
180
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
هل سهم المؤلفة قلوبهم ساقط في زمن الغيبة ج 12 ص 178
على الإيمان فيعطي المنافقين و يعطي الشكاك التي تضمنتهم تلك الأخبار لأجل أن يرغبوا في الدين و يثبتوا عليه، فأما اليوم أي وقتهم (صلى اللّٰه عليهم) فقد انكشف الغطاء و ظهر المغطى و سقط التأليف فلا تعطها إلا المؤمن العارف. و لو حملت مراجعة زرارة على السؤال عن عدم المعرفة بالمعنى الذي في صدر الخبر لم يكن لهذه المراجعة معنى لأنه قد أجابه عنها في صدر الخبر فكيف يسأل عنها مرة أخرى، فلا بد من حمل المعرفة هنا على المعرفة الحقيقية التي هي عبارة عن التصديق.
ثم قال: سهم المؤلفة و الرقاب عام للعارف و غيره و الباقي من الفقراء و المساكين و العاملين و الغارمين و ابن السبيل خاص بالعارف لما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى قريبا من تحريم الدفع من الزكاة إلى غير المؤمن. و اللّٰه العالم.
الخامس [الرقاب]
من الأصناف الثمانية- الرقاب و المراد بهم على ما ذكره الأصحاب المكاتبون و العبيد تحت الشدة أو غير شدة لكن مع عدم المستحق.
أقول: أما ما يدل على المكاتب فهو
ما رواه الشيخ في التهذيب مسندا عن أبي إسحاق عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السلام و رواه ابن بابويه في الفقيه مرسلا عنه عليه السلام «1» قال: «سئل عن مكاتب عجز عن مكاتبته و قد أدى بعضها؟ قال يؤدى عنه من مال الصدقة إن اللّٰه يقول في كتابه وَ فِي الرِّقٰابِ «2»».
و مورد الخبر من عجز عن مكاتبته و قد أدى بعضها و ظاهر الأصحاب المكاتب مطلقا.
و أما ما يدل على شراء العبيد تحت الشدة
فما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة و الستمائة يشتري بها نسمة و يعتقها؟ قال إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم. ثم مكث مليا ثم قال إلا أن يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه و يعتقه».
______________________________
(1) الوسائل الباب 44 من المستحقين للزكاة.
(2) سورة التوبة الآية 61.
(3) الوسائل الباب 43 من المستحقين للزكاة.
181
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الخامس الرقاب ج 12 ص 181
و هذه الرواية رواها الشيخ في التهذيب «1» من الكافي عن عمرو بن أبي نصر و الناظر فيها ينظمها في الصحيح و هو تصحيف منه (قدس سره) و سهو واقع في عبارته و إنما هو عن عمرو عن أبي بصير، و صاحب المدارك قد اغتر بنقل صاحب التهذيب لها بهذه الكيفية فنظمها في الصحيح و استدل بها.
و أما ما يدل على الثالث فهو
ما رواه في الكافي و التهذيب في الموثق عن عبيد بن زرارة «2» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد لها موضعا يدفع ذلك إليه فنظر إلى مملوك يباع في من يزيد فاشتراه بتلك الألف التي أخرجها من زكاته فأعتقه هل يجوز له ذلك؟ قال نعم لا بأس بذلك. قلت فإنه لما أن أعتق و صار حرا اتجر و احترف فأصاب مالا ثم مات و ليس له وارث فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟ قال يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقون الزكاة لأنه إنما اشتري بمالهم».
هذا ما استدل به الأصحاب في المسألة على الأقسام الثلاثة.
و قال الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره «3» في تتمة الخبر المتقدم نقله عن العالم عليه السلام: و في الرقاب قوم لزمتهم كفارات في قتل الخطأ و في الظهار و في الإيمان و في قتل الصيد في الحرم و ليس عندهم ما يكفرون و هم مؤمنون فجعل اللّٰه لهم سهما في الصدقات ليكفر عنهم.
و أنت خبير بأن غاية ما تدل عليه رواية أبي بصير و كذا موثقة عبيد بن زرارة هو شراء العبد من مال الزكاة و ليس فيها تصريح و لا إشارة إلى كونه من سهم الرقاب كما ادعوه.
و من ما يعاضدها في ذلك
ما رواه الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن
______________________________
(1) ج 1 ص 377 و في الوسائل الباب 43 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 43 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة رقم 7.
182
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الخامس الرقاب ج 12 ص 181
أيوب بن الحر أخي أديم بن الحر «1» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه أشتريه من مال الزكاة و أعتقه؟ قال فقال اشتره و أعتقه.
قلت فإن هو مات و ترك مالا؟ فقال ميراثه لأهل الزكاة لأنه اشتري بسهمهم» قال و في حديث آخر «بمالهم».
و ما رواه في الكافي عن محمد الوابشي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «سأله بعض أصحابنا عن رجل اشترى أباه من الزكاة زكاة ماله؟ قال اشترى خير رقبة لا بأس بذلك».
و القول بجواز الإعتاق من الزكاة منقول عن العلامة في القواعد و قواه ولده في الشرح و نقله عن الشيخ المفيد و ابن إدريس (قدس سره) و لا ريب أن هذه الأخبار ظاهرة الدلالة عليه و ليست من أخبار ما نحن فيه في شيء لما عرفت، و حينئذ فتكون هذه الأخبار خارجة مخرج الرخصة في العتق من الزكاة لعدم دخول ذلك تحت شيء من الأصناف الثمانية المعدودة في الآية كما حققنا ذلك بما لا مزيد عليه في شرحنا على المدارك وفق اللّٰه لإتمامه. و لا ريب أيضا في قوة القول المذكور لدلالة الأخبار المذكورة عليه و إن كان كثير منهم ذهب إلى عدمه كما نقله بعض الأفاضل.
و أما ما يظهر من السيد في المدارك و هو ظاهر الأصحاب- من الاستدلال على شراء العبد تحت الشدة أو مع عدم وجود المستحق بخبري أبي بصير و عبيد بن زرارة و الاستدلال بخبري أيوب بن الحر و الوابشي على جواز الشراء من مال الزكاة- فلا أعرف له وجها وجيها فإن مورد الجميع إنما هو الاشتراء من الزكاة مطلقا كما عرفت، و حينئذ فإما أن يجعل الجميع دليلا على الشراء من سهم الرقاب أو دليلا على القول بجواز الشراء من الزكاة مطلقا، و ليس بين الأخبار الأربعة فرق
______________________________
(1) الوسائل الباب 43 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 19 من المستحقين للزكاة.
183
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الخامس الرقاب ج 12 ص 181
إلا باعتبار أن خبر أبي بصير قد دل بظاهره على المنع من شراء العبد إلا أن يكون تحت الشدة و باقي الروايات مطلقة سيما رواية العلل و رواية الوابشي. و ما اشتمل عليه صدر رواية عبيد بن زرارة من أنه لم يجد لها موضعا لا يصلح للتخصيص لأنه إنما وقع في كلام السائل و ليس في الجواب ما يدل عليه. و الجمع بينها ممكن إما بإبقاء تلك الأخبار على إطلاقها و حمل رواية أبي بصير على الكراهة أو تقييد إطلاق تلك الأخبار بها أو تخصيص المنع بما إذا اشتري بالزكاة كملا كما هو ظاهر خبر أبي بصير و قوله (عليه السلام) فيه «إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم» و حمل غيره على ما إذا لم يكن كذلك.
و يؤيد ما قلناه ما اشتمل عليه خبر عبيد بن زرارة و خبر العلل من انتقال ميراث العبد للفقراء مع عدم الوارث معللا بأنه اشتري من مالهم، و من الظاهر أن سهم الرقاب ليس من مالهم لأنه أحد الأصناف الثمانية و وجوب البسط عندنا غير ثابت حتى أنه مع الاشتراء بجميع مال الزكاة فللفقراء فيه حصة.
نعم ربما يشكل بما لو اشتري العبد من سهم سبيل اللّٰه بناء على أنه لجميع القرب و الطاعات كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى بيانه و أنه لا وجه أيضا لرجوع ميراثه إلى الفقراء لأنه اشتري من مالهم فإن سهم السبيل مصرف آخر غير مالهم.
و لعل الوجه في التفصي عن هذا الإشكال هو الرجوع إلى قصد المشتري و نيته فإن اشتراه بقصد كونه من مال سهم سبيل اللّٰه فالوجه فيه ما ذكرناه و أن ميراثه يرجع إلى الإمام عليه السلام و إن اشتراه من الزكاة لا بهذا القصد صار الحكم فيه ما تضمنته الأخبار. و لا استبعاد في ذلك لأن العبادات بل جملة الأفعال تابعة للنيات و القصود صحة و بطلانا و ثوابا و عقابا و حلية و تحريما و نحو ذلك.
و لا يخفى أن ظاهر تلك الأخبار مساعد لما ذكرناه لأنها دلت على الاشتراء من الزكاة بقول مطلق من غير تقييد بسهم خاص، و أما إدخال ذلك في سهم الرقاب كما عليه ظاهر كلمة الأصحاب فلا أعرف له وجها لعدم فهمه من الأخبار و إجمال الآية
184
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الخامس الرقاب ج 12 ص 181
يجب فيه الرجوع إلى النصوص، و الذي دلت عليه النصوص الواردة في تفسيرها هو المكاتب كما تقدم في مرسلة أبي إسحاق و ما تقدم من رواية علي بن إبراهيم في تفسيره، إلا أن الرواية الأولى هي الأشهر بين الأصحاب فإنه لا خلاف بينهم في حملها على المكاتب و إن كان مورد الرواية أخص من ما ذكروه كما قدمنا الإشارة إليه و من ما يؤيد ما ذكرناه أن الصدوق في الفقيه لم يذكر في مصرف سهم الرقاب غير المكاتبين العاجزين عن أداء الكتابة كما هو مورد الرواية التي قدمناها.
و أما ما دلت عليه الرواية الثانية فإنه محل خلاف بينهم، فإن ظاهر المحقق في الشرائع التردد في ذلك حيث قال بعد ذكر الأصناف الثلاثة التي قدمنا نقلها عنهم:
و روى رابع و هو من وجبت عليه كفارة و لم يجد فإنه يعتق عنه، و فيه تردد. و هو إشارة إلى الرواية المذكورة كما صرح به السيد السند في المدارك، و طعن فيها في المدارك أيضا بأن مقتضاها إخراج الكفارة و إن لم تكن عتقا، و أنها غير واضحة الإسناد لأن علي بن إبراهيم أوردها مرسلة، قال و من ثم تردد المصنف في العمل بها و هو في محله. انتهى.
و قال الشيخ في المبسوط: و روى أصحابنا أن من وجب عليه عتق رقبة في كفارة و لا يقدر على ذلك جاز أن يعتق عنه، و الأحوط عندي أن يعطى ثمن الرقبة لكونه فقيرا فيشتري هو و يعتق عن نفسه. و ظاهره أنه يعطى من سهم الفقراء، و جوز في المعتبر إعطاءه من سهم الغارمين أيضا لأن القصد بذلك إبراء ذمة المكفر عنه من ما في عهدته. قال في المدارك بعد نقله عنه: و هو جيد لأن ذلك في معنى الغرم.
أقول: لا يخفى ما في كلامهم (نور اللّٰه تعالى مراقدهم) في هذا المقام و أنه مجرد اجتهاد في مقابلة نصوصهم (صلوات اللّٰه عليهم) و ليت شعري أي مانع من العمل بالخبر المذكور بعد صراحته في تفسير الآية بذلك؟ و المناسبة للآية حيث تضمنت الرقاب لا تختص بالعتق كما توهموه بل هي أعمّ من ذلك بأن يراد بها فك الرقاب و تخليصها
185
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الخامس الرقاب ج 12 ص 181
من رق العبودية أو من حقوق لزمتها بأحد هذه الوجوه المذكورة في الخبر، فإنه لا ريب أن من لزمه شيء من هذه الحقوق فقد تعلق برقبته فجعل اللّٰه تعالى له سهما في الصدقات لفك رقبته من ذلك. و لا منافاة في هذه الرواية للرواية الأخرى الواردة أيضا في تفسير الآية كما لا يخفى، بل مقتضى الخبرين هو كون سهم الرقاب عبارة عن ما يصرف في إعانة المكاتب كما تضمنته إحدى الروايتين أو في هذه الأشياء كما تضمنته هذه الرواية.
و بذلك يظهر لك ما في طعن صاحب المدارك في الرواية بتضمنها إخراج الكفارة و إن لم تكن عتقا فإنه لا ضير فيه و لا طعن به و الآية قابلة للحمل عليه كما عرفت.
و أما طعنه بضعف السند فقد عرفت في غير مقام أنه غير معتبر و لا معتمد سيما و المرسل لها هذا الثقة الجليل، و من المعلوم أن مراسيلهم و مسانيدهم أمر واحد و أن هذا الإرسال إنما يقع غالبا للاختصار كما لا يخفى على من أحاط خبرا بطريقة الصدوق في الفقيه و تصريحه في غير موضع بعد ذكر الأحاديث المرسلة أني أخرجتها مسندة في كتاب كذا و كذا.
ثم إنه قد وقع الخلاف بينهم في ما لو دفع المالك من هذا السهم للمكاتب و لم يصرفه في وجه المكاتبة بأن أبرأه سيده أو تطوع عليه متطوع فهل يجب ارتجاعه منه أم لا؟ صرح الشيخ بالثاني قال لأنه ملكه بالقبض فكان له التصرف فيه كيف شاء، و استشكله المحقق في المعتبر و قال إن الوجه أنه إذا دفعه إليه ليصرفه في مال الكتابة ارتجع بالمخالفة لأن للمالك الخيرة في صرف الزكاة في الأصناف.
قال في المدارك بعد نقله عنه: و هو جيد. لكن يبقى الكلام في اعتبار هذا القصد من المالك و مقتضى كلامه في الغارم و ابن السبيل اعتباره فإنه استدل على جواز الارتجاع بأن كلا من الغارم و ابن السبيل إنما ملك المال ليصرفه في وجه مخصوص فلا يسوغ له غيره. و هو غير بعيد إذ لو لا ذلك لجاز إعطاء المكاتب و ابن السبيل
186
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الخامس الرقاب ج 12 ص 181
ما يزيد عن قدر حاجتهم و هو باطل قطعا. انتهى. و المسألة عندي محل توقف لعدم النص و إن كان ما ذكره السيد السند لا يخلو من قرب.
تتمة [هل يعطى المكاتب من سهم الرقاب إذا كان قادرا على التكسب؟]
«1» قال السيد السند (قدس سره) في المدارك- بعد قول المصنف: و المكاتب إنما يعطى من هذا السهم إذا لم يكن معه ما يصرفه في كتابته- ما لفظه: مقتضى العبارة جواز إعطاء المكاتب من هذا السهم إذا لم يكن معه ما يصرفه في كتابته و إن كان قادرا على تحصيله بالتكسب، و هو كذلك عملا بالإطلاق، و اعتبر الشهيد في البيان قصور كسبه عن مال الكتابة. انتهى.
أقول: لا يخفى أن الخبر الذي قدمناه مستندا لهذا الحكم و هو خبر أبي إسحاق قد دل على تقييد إعطاء المكاتب بالعجز عن أداء مال الكتابة، و الظاهر أنه هو مراد المصنف و إن كانت عبارته غير صريحة فيه إلا أن السيد المذكور لم يقف على الخبر المشار إليه و جمد على إطلاق الآية.
و بما ذكرنا صرح أيضا شيخنا الصدوق في الفقيه لما فسر سهم الرقاب بالمكاتب خاصة، حيث قال: و سهم الرقاب يعان به المكاتبون الذين يعجزون عن أداء مال الكتابة. انتهى. و به يظهر أن الأظهر هو ما صرح به في الدروس.
و من ما يؤيد ذلك أيضا ما ذكره السيد المذكور في صنف الغارمين حيث قال: و يعتبر في الغارم أن يكون غير متمكن من القضاء كما صرح به الشهيدان و جماعة لأن الزكاة إنما شرعت لسد الخلة و رفع الحاجة و لا تدفع مع الاستغناء عنها. و لو تمكن من قضاء البعض دون البعض أعطي ما لا يتمكن من قضائه. انتهى و لا يخفى أن هذا الكلام جار في ما نحن فيه أيضا، فإنه إن عمل على إطلاق الآية فهي في هذا الموضع أيضا مطلقة فكيف استجاز تقييدها بما ذكره، و إن اعتبر بهذا التقييد- و هو أن الزكاة إنما شرعت لسد الخلة. إلى آخره- فلا معنى
______________________________
(1) هذه التتمة أوردناها على طبق النسخة الخطية و لم ترد في المطبوعة.
187
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
تتمة هل يعطى المكاتب من سهم الرقاب إذا كان قادرا على التكسب ج 12 ص 187
لكلامه هنا لأن القادر على التحصيل بالتكسب غني عندهم فهو غير محتاج، فلا وجه لعمله على إطلاق الآية. و هذا بحمد اللّٰه سبحانه ظاهر لا ستر عليه.
السادس [الغارمون]
من الأصناف المذكورة- الغارمون و فسرهم الأصحاب بأنهم الذين عليهم الديون في غير معصية، و الظاهر أنه لا خلاف فيه كما صرح به غير واحد منهم و يدل عليه
ما رواه في الكافي عن محمد بن سليمان عن رجل من أهل الجزيرة يكنى أبا نجاد «1» قال: «سأل الرضا عليه السلام رجل و أنا أسمع فقال له جعلت فداك إن اللّٰه عز و جل يقول «وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ» «2» أخبرني عن هذه النظرة التي ذكرها اللّٰه تعالى في كتابه لها حد يعرف إذا صار هذا المعسر إليه لا بد من أن ينظر و قد أخذ مال هذا الرجل و أنفقه على عياله و ليس له غلة ينتظر إدراكها و لا دين ينتظر محله و لا مال غائب ينتظر قدومه؟ قال نعم ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة اللّٰه عز و جل فإن كان أنفقه في معصية اللّٰه فلا شيء له على الإمام. قلت فما لهذا الرجل الذي ائتمنه و هو لا يعلم في ما أنفقه في طاعة اللّٰه عز و جل أم في معصيته؟ قال يسعى له في ماله و يرده عليه و هو صاغر».
و ما رواه فيه أيضا عن صباح بن سيابة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله أيما مؤمن أو مسلم مات و ترك دينا لم يكن في فساد و لا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك، إن اللّٰه تبارك و تعالى يقول:
«إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ. الآية» «4» فهو من الغارمين و له سهم عند الإمام فإن حبسه عنه فإثمه عليه».
و في تفسير علي بن إبراهيم في تتمة الحديث المتقدم نقله «5» في الأصناف
______________________________
(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الدين و فيه كما في الفروع ج 1 ص 353 و التهذيب ج 6 ص 185 (يكنى أبا محمد).
(2) سورة البقرة الآية 281.
(3) الأصول ج 1 ص 407.
(4) سورة التوبة الآية 61.
(5) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة رقم (7).
188
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
السادس الغارمون ج 12 ص 188
لمتقدمة قال: «و الغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّٰه من غير إسراف فيجب على الإمام أن يقضي عنهم و يفكهم من مال الصدقات».
و ما رواه الحميري في كتاب قرب الإسناد عن الحسين بن علوان عن جعفر ابن محمد عن أبيه (عليهما السلام) «1» «أن عليا عليه السلام كان يقول يعطى المستدينون من الصدقة و الزكاة دينهم كله ما بلغ إذا استدانوا في غير سرف».
و ما رواه الكليني في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج «2» قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل عارف فاضل توفي و ترك عليه دينا قد ابتلي به لم يكن بمفسد و لا مسرف و لا معروف بالمسألة هل يقضى عنه من الزكاة الألف و الألفان؟ قال نعم».
ثم إنه قد ورد هنا أخبار مطلقة ينبغي حملها على هذه الأخبار المقيدة: منها-
ما رواه في الكافي عن موسى بن بكر «3» قال: «قال لي أبو الحسن عليه السلام من طلب هذا الرزق من حله ليعود به على نفسه و عياله كان كالمجاهد في سبيل اللّٰه فإن غلب عليه فليستدن على اللّٰه و على رسوله صلى اللّٰه عليه و آله ما يقوت به عياله فإن مات و لم يقضه كان على الإمام قضاؤه فإن لم يقضه كان عليه وزره، إن اللّٰه عز و جل يقول إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا. إلى قوله وَ الْغٰارِمِينَ «4» و هو فقير مسكين مغرم».
و ما رواه فيه أيضا عن العباس عن من ذكره عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «5» قال:
«الإمام يقضي عن المؤمنين سائر الديون ما خلا مهور النساء».
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الكلام هنا يقع في مواضع
أحدها [هل يعتبر في إعطاء الغارم من الزكاة عدم تمكنه من الأداء؟]
- قد صرح جمع من الأصحاب بأنه يعتبر في الغارم أن يكون غير متمكن من الأداء لأن الزكاة إنما شرعت لسد الخلة و رفع الحاجة و لا تدفع مع الاستغناء عنها، و استقرب العلامة في
______________________________
(1) الوسائل الباب 24 و 48 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 24 و 46 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 46 من المستحقين للزكاة و الباب 9 من أبواب الدين.
(4) سورة التوبة الآية 61.
(5) الوسائل الباب 9 من أبواب الدين.
189
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
أحدها هل يعتبر في إعطاء الغارم من الزكاة عدم تمكنه من الأداء ج 12 ص 189
النهاية جواز الدفع إلى المديون و إن كان عنده ما يفي بدينه إذا كان بحيث لو دفعه يصير فقيرا لانتفاء الفائدة في أن يدفع ماله ثم يأخذ الزكاة باعتبار الفقر. قال في المدارك بعد نقله عنه: و مقتضى كلامه أن الأخذ و الحال هذه يكون من سهم الغارمين، و هو غير بعيد لإطلاق الآية و عدم صدق التمكن من أداء الدين عرفا بذلك. انتهى.
أقول: لا ريب أن ما ذكروه من أنه يعتبر في الغارم أن يكون غير متمكن من الأداء هو مقتضى الأخبار التي ذكرناها فالأولى في الاستدلال على ما ذكروه هو الاستناد إليها، إلا أنهم (رضوان اللّٰه عليهم) لم يلموا في هذا المقام بشيء منها و لا ذكروا منها شيئا بالمرة فلذا عللوا الحكم المذكور بما ذكروه، و هو من حيث الاعتبار لا يخلو من قوة إلا أنك قد عرفت في غير موضع أن أمثال هذه التعليلات العقلية لا تصلح مجردة عن الأخبار لتأسيس الأحكام الشرعية.
و أما ما ذكره العلامة من جواز الدفع إلى المديون و إن كان عنده ما يفي بدينه فظواهر الأخبار التي ذكرناها تأباه و ترده و لا سيما الخبر الأول فإنه صريح في ذلك و ما ذكره في المدارك- من أنه غير بعيد لإطلاق الآية. إلى آخر كلامه- ينافي ما صرح به أولا من ما نقلناه عنهم من أنه يعتبر في الغارم أن يكون غير متمكن من الأداء. إلى آخر ما نقلناه عنهم، فإن هذا الكلام ظاهر في أنهم لم يعملوا على إطلاق الآية بل قيدوها بعدم التمكن، و لا ريب أن هذا متمكن كما هو المفروض و تعليلهم الذي ذكروه أظهر ظاهر في ذلك.
و أما ما ذكره من عدم صدق التمكن من أداء الدين عرفا فهو ممنوع أشد المنع، و كيف لا يكون متمكنا و عنده ما يفي بدينه كما هو المفروض، و إنما يتعللون بأنه بعد الدفع في الدين يكون فقيرا محتاجا إلى الزكاة.
و هذا لا يصلح وجها لما اعتمده (أما أولا) فلأن اللّٰه تعالى ضامن للرزق فلعل اللّٰه تعالى بسبب حسن نيته في قضاء دينه و المسارعة إلى فكاك عنقه بما عنده يعجل له بالرزق من حيث لا يحتسب و لا يحتاج إلى الزكاة.
190
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
أحدها هل يعتبر في إعطاء الغارم من الزكاة عدم تمكنه من الأداء ج 12 ص 189
(و أما ثانيا) فإنه ليس الفقر إلا عدم ملك مئونة السنة و هذا لا يستلزم الحاجة إلى الزكاة في الحاضر و إن كان من أهلها باعتبار فقره و إنما يحتاج إليها لإتمام مئونة السنة، و مع فرض احتياجه إلى الزكاة كما ادعوه فهو لا يصلح مستندا لما ذكروه.
و بالجملة فكلامهم في المقام لما كان غير مبني على خبر و لا دليل شرعي و إنما هو مجرد اعتبارات و تخريجات فالباب في ذلك واسع، و أنت إذا رجعت إلى الأخبار التي ذكرناها لا ترتاب في صحة ما ذكرناه و ظهوره منها كما بيناه.
و
ثانيها [هل يعتبر في إعطاء الغارم من الزكاة عدم صرف الدين في المعصية؟]
- إن ظاهر كلمة الأصحاب الاتفاق على اشتراط الأداء عن الغارمين بأن لا يكون ما استدانوه في معصية و الأخبار المتقدمة صريحة في ذلك كما عرفت، و بعضها و إن كان مطلقا لكن يجب حمله على مقيدها. و بذلك يظهر لك ما في مناقشة السيد السند في المدارك و من اقتفاه كالفاضل الخراساني في الذخيرة.
قال في المدارك: و اشترط الأصحاب في جواز الدفع إلى الغارم أن لا يكون استدانته في معصية، و استدلوا عليه بأن في قضاء دين المعصية حملا للغريم على المعصية و هو قبيح عقلا فلا يكون متعبدا به شرعا،
و بما روي عن الرضا عليه السلام «1» أنه قال: «يقضى ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة اللّٰه عز و جل و إذا كان أنفقه في معصية اللّٰه فلا شيء له على الإمام».
و يمكن المناقشة في الأول بأن إعانة المستدين في المعصية إنما تقبح مع عدم التوبة لا مطلقا، و في الرواية بالطعن في السند فإنا لم نقف عليها مسندة في شيء من الأصول، و من ثم ذهب المصنف في المعتبر إلى جواز إعطائه مع التوبة من سهم الغارمين و هو حسن. انتهى.
أقول: بل الدليل على ما ذكره الأصحاب إنما هو هذه الأخبار الواضحة الدلالة على ذلك و لكنه معذور حيث لم يقف عليها كما يفصح عنه إنكاره لوجود هذه الرواية عن الرضا عليه السلام في شيء من الأصول و هي في كتاب الكافي لكنها حيث
______________________________
(1) و هي رواية محمد بن سليمان المتقدمة ص 188.
191
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
ثانيها هل يعتبر في إعطاء الغارم من الزكاة عدم صرف الدين في المعصية ج 12 ص 191
لم تكن في كتاب الزكاة و إنما هي في كتاب الديون لم يطلع عليها و كذا غيرها من ما نقلناه و أما ما نقله عن المعتبر من جواز إعطائه مع التوبة فالظاهر أنه مبني على ما أجاب به هنا عن التعليل الذي استدل به الأصحاب على عدم جواز الدفع من هذا السهم لمن أنفق ما استدانه في معصية و أنه مع التوبة لا يقبح الأداء عنه و إن كان كذلك.
و أنت قد عرفت أنا لا نعتمد على هذه التعليلات الواهية و إنما العلة هي النصوص المذكورة و التوبة لا مدخل لها في ذلك، لأن الظاهر أن إيجاب الشارع القضاء عليه من غير أن يعطى من هذا السهم ما يقضي به عن نفسه إنما وقع عقوبة له في ما فعل من صرف ما استدانه في المعصية كما ينادي به
قول الرضا عليه السلام في الرواية الأولى «1» «يسعى له في ماله و يرده عليه و هو صاغر».
و بالجملة فإن الأخبار و كلمة الأصحاب متفقة على أن الدفع من هذا السهم مخصوص بمن استدان في غير معصية، و الخروج عن ذلك من غير دليل واضح مع كونه تحكما محضا جرأة كما لا يخفى على المنصف. إلا أن ذلك إنما هو بالنسبة إلى من وقف على الأخبار المذكورة و أما من لم يقف عليها فهو معذور في ما ذكره. إلا أن الحكم في المسألة قبل تتبع الأدلة الشرعية من مظانها مشكل فنسأل اللّٰه تعالى لنا و لهم المسامحة بجوده و مغفرته.
و ثالثها [هل يعطى الغارم من الزكاة لو جهل مصرف الدين؟]
- أنه قد ذكر الأصحاب أنه لو جهل مصرف الدين في طاعة أو معصية فإنه يعطى من سهم الغارمين، و نقل عن الشيخ القول بالمنع، قالوا و ربما كان مستنده
رواية محمد بن سليمان المتقدمة في أول الأخبار السابقة «2» و قوله فيها «قلت فما لهذا الرجل الذي ائتمنه و هو لا يعلم في ما أنفقه في طاعة اللّٰه عز و جل أم في معصيته؟
قال يسعى له في ماله و يرده عليه و هو صاغر».
قالوا: و هذه الرواية ضعيفة جدا فلا يمكن التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل، لأن الأصل في تصرفات المسلم
______________________________
(1) ص 188.
(2) ص 188.
192
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
و ثالثها هل يعطى الغارم من الزكاة لو جهل مصرف الدين ج 12 ص 192
وقوعها على الوجه المشروع، و لأن تتبع مصارف الأموال عسر.
أقول: الظاهر أن الخبر المذكور لا دلالة فيه على ما ذكروه من أنه متى جهل الإمام حال إنفاقه لم يدفع له من هذا السهم، و بيان ذلك أن الظاهر أن المرجع في الإنفاق إلى كونه طاعة أو معصية إنما هو إلى المنفق لأنه المتولي لذلك، و اطلاع الناس على ذلك أمر نادر غالبا سيما إذا كان مستور الظاهر، و حينئذ فيرجع الحكم إليه فإن أنفقه في طاعة جاز له الأخذ من هذا السهم و حل له ذلك و إن أنفقه في معصية حرم عليه الأخذ منه. و أما الحكم بالنسبة إلى الإمام فإنه إن اطلع على أحد الأمرين عامله به و إن لم يطلع و لا سيما مع كونه مستور الظاهر غير معروف بالفسق فإنه يدفع إليه بناء على ظاهر الحال و لكنه يحرم عليه في ما بينه و بين اللّٰه إن كان ما استدانه قد أنفقه في المعصية، و حينئذ فيرجع قوله عليه السلام: «إذا كان أنفقه في طاعة اللّٰه» إلى ما لو علم الإنفاق بكونه في طاعة أو بني في ذلك على حسن ظاهره كما يشير إليه قوله عليه السلام في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج «لم يكن بمفسد و لا مسرف» و قوله في رواية صباح بن سيابة «لم يكن في فساد و لا إسراف» فإن مرجع ذلك إلى الحكم بحسن الظاهر.
و الرواية عند التأمل فيها لا منافاة فيها لما ذكرناه، لأنه لما ذكر عليه السلام أنه إنما يعطيه الإمام إذا أنفقه في طاعة اللّٰه و أما إذا أنفقه في المعصية فلا شيء له رجع له الراوي و قال له إن صاحب هذا الدين لا علم له بكونه أنفقه في طاعة أو معصية، أجابه عليه السلام بما معناه أن صاحب الدين لا مدخلية له في ذلك و إنما المرجع فيه إلى المستدين فإن كان قد أنفق ما استدانه منه في معصية وجب عليه أن يسعى له فيه و يرده عليه و هو صاغر. هذا حاصل جوابه عليه السلام. و جهل الإنفاق هنا إنما نسب إلى صاحب الدين لا إلى الإمام حتى يتم ما توهموه من الخبر من أنه متى جهل الإمام وجه الإنفاق لم يدفع له من هذا السهم، غاية الأمر أن الإمام عليه السلام للتفصيل الذي ذكره أولا و علم منه الحكم أجمل في الجواب ثانيا اعتمادا على ما قدمه من التفصيل.
193
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
و ثالثها هل يعطى الغارم من الزكاة لو جهل مصرف الدين ج 12 ص 192
هكذا حقق المقام و لا تصغ إلى ما سبق من الأوهام.
و رابعها [هل يعطى الغارم لإطفاء الفتنة من الزكاة؟]
- قال الشيخ في المبسوط: و أما الغارمون فصنفان: صنف استدانوا في مصلحتهم في غير معصية ثم عجزوا عن أدائه فهؤلاء يعطون من سهم الغارمين بلا خلاف، و قد ألحق بهذا قوم أدانوا مالا في دم بأن وجد قتيل لا يدرى من قتله و كاد أن تقع بسببه فتنة فتحمل رجل ديته لأهل القبيلة فهؤلاء أيضا يعطون أغنياء كانوا أو فقراء
لقوله صلى اللّٰه عليه و آله «1» «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: غاز في سبيل اللّٰه أو عامل عليها أو غارم».
و ألحق به أيضا قوم تحملوا في ضمان مال بأن يتلف مال رجل و لا يدرى من أتلفه و كاد إن تقع بسببه فتنة فتحمل رجل قيمته و أطفأ الفتنة. انتهى.
و بذلك صرح كثير من الأصحاب ممن تأخر عنه: منهم- العلامة في أكثر كتبه و ابن حمزة، و ظاهرهم دفع ذلك من سهم الغارمين، و لم أقف فيه على نص من طرقنا و الرواية التي ذكرها الشيخ الظاهر أنها من طرق المخالفين، و لو أريد الدفع من سهم سبيل اللّٰه- بناء على ما هو الأشهر الأظهر من أن مصرفه جميع الطاعات و إصلاح ذات البين من أعظمها- فهو جيد.
و روى ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج «2» أن محمد بن خالد قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الصدقات فقال اقسمها في من قال اللّٰه عز و جل و لا تعطين من سهم الغارمين الذين ينادون بنداء الجاهلية شيئا. قلت و ما نداء الجاهلية؟ قال هو الرجل يقول يا لبني فلان فيقع بينهم القتل و الدماء فلا تؤدوا ذلك من سهم الغارمين، و لا الذين يغرمون من مهور النساء، و لا أعلمه إلا قال و لا الذين لا يبالون ما صنعوا في أموال الناس».
و في هذا الحديث إيماء إلى ما ذكره الأصحاب.
______________________________
(1) سنن أبي داود ج 1 ص 259.
(2) الوسائل الباب 48 من المستحقين للزكاة و فيه (يا بني فلان).
194
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
و خامسها جواز مقاصة المدين الفقير بالزكاة ج 12 ص 195
و خامسها [جواز مقاصة المدين الفقير بالزكاة]
- قد صرح الأصحاب بأنه لو كان له دين على فقير جاز له مقاصته به من الزكاة، و هو من ما لا خلاف فيه.
و يدل عليه جملة من الأخبار: منها-
ما رواه الكليني في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج «1» قال: «سألت أبا الحسن الأول عليه السلام عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه و هم مستوجبون للزكاة هل لي أن أدعه و أحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال نعم».
و عن عقبة بن خالد «2» قال: «دخلت أنا و المعلى و عثمان بن عمران على أبي عبد اللّٰه عليه السلام فلما رآنا قال مرحبا بكم وجوه تحبنا و نحبها جعلكم اللّٰه معنا في الدنيا و الآخرة فقال له عثمان جعلت فداك فقال له أبو عبد اللّٰه عليه السلام نعم مه. قال إني رجل موسر فقال له بارك اللّٰه لك في يسارك قال فيجيئني الرجل فيسألني الشيء و ليس هو إبان زكاتي؟ فقال له أبو عبد اللّٰه عليه السلام القرض عندنا بثمانية عشر و الصدقة بعشر و ما ذا عليك إذا كنت كما تقول موسرا أعطيته فإذا كان إبان زكاتك احتسبت بها من الزكاة، يا عثمان لا ترده فإن رده عند اللّٰه عظيم، يا عثمان إنك لو علمت ما منزلة المؤمن من ربه ما توانيت في حاجته، و من أدخل على مؤمن سرورا فقد أدخل على رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و قضاء حاجة المؤمن يدفع الجنون و الجذام و البرص».
و روى الكليني في الموثق عن سماعة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «سألته عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير يريد أن يعطيه من الزكاة؟ فقال إن كان الفقير عنده وفاء بما كان عليه من الدين من عرض من دار أو متاع من متاع البيت أو يعالج عملا يتقلب فيه بوجهه فهو يرجو أن يأخذ منه ما له عنده من دينه فلا بأس أن يقاصه بما أراد أن يعطيه من الزكاة أو يحتسب بها، و إن لم يكن عند
______________________________
(1) الوسائل الباب 46 من المستحقين للزكاة.
(2) الفروع ج 1 ص 163 باب القرض، و في الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة و 25 من فعل المعروف.
(3) الوسائل الباب 46 من المستحقين للزكاة.
195
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
و خامسها جواز مقاصة المدين الفقير بالزكاة ج 12 ص 195
الفقير وفاء و لا يرجو أن يأخذ منه شيئا فليعطه من زكاته و لا يقاصه بشيء من الزكاة».
و ذكر شيخنا الشهيد الثاني أن المقاصة احتساب الزكاة على الفقير ثم أخذها مقاصة من دينه، و قيل هي القصد إلى إسقاط ما في ذمة الفقير للمزكي من الدين على وجه الزكاة، و هو أظهر.
قال في المدارك: و في معنى الفقير الغني أعني مالك قوت السنة إذا كان بحيث لا يتمكن من أداء الدين.
و لا يخفى ما فيه: أما أولا- فلأنه خلاف ما اتفقت عليه الأخبار و كلمة الأصحاب من غير خلاف يعرف في الباب من اشتراط الفقر في المستحق و أن الغنى و هو المالك مئونة سنة لا يجوز أن يعطى منها، و الفرق بين الإعطاء ابتداء و المقاصة من ما لا دليل عليه فلا وجه له.
و الظاهر أن منشأ الشبهة عنده هو ما تقدم في الموضع الأول من أنه بأداء ما عليه من الدين يكون فقيرا محتاجا إلى الزكاة لفقره فلا معنى لأن يعطي ما عليه من الدين ثم يأخذ الزكاة.
و فيه ما عرفت و أنه ليس كل فقير يحتاج في الحاضر إلى الزكاة و إن احتاج إليها في وقت آخر، فلو فرضنا أن شخصا عنده ألف درهم جنسا أو نقدا و هي مئونة سنته و عليه مائة درهم دينا فلو أعطى تلك المائة نقص ما عنده عن مئونة سنته و صار فقيرا يحل له أخذ الزكاة، و لا ريب أن الواجب عليه إعطاء ما عليه من الدين لكونه مقتدرا عليه فهو داخل تحت الأوامر الدالة على وجوب الوفاء بالدين و لا يحل له حبسه مع المطالبة، و احتساب ما عليه من الدين من وجه الزكاة غير جائز لكونه غنيا كما عرفت.
و أما ثانيا- فلما عرفت من الأخبار المتقدمة فإنها ظاهرة بل صريحة في عدم ملك مئونة السنة بل عدم القدرة على أداء الدين، أما صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج فلقوله فيها «لا يقدرون على قضائه و هم مستوجبون للزكاة» و أما رواية عقبة بن
196
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
و خامسها جواز مقاصة المدين الفقير بالزكاة ج 12 ص 195
خالد فلقوله «يجيئني الرجل فيسألني» و مالك مئونة سنة لا يسأل، و أما موثقة سماعة فالفرق بين الموضعين فيها لا يخلو من إجمال، و توضيحه بتوفيق اللّٰه و عونه سبحانه أنه لما كان الفقير هو الغير المالك لمئونة سنة فعلا أو قوة فقد يملك أشياء و إن كانت لا تفي بمئونة السنة و إن وفت بدينه و زيادة و قد لا يملك شيئا بالكلية، فأمره عليه السلام بالاحتساب في الحالة الأولى من حيث الفقر و إن أمكنه أداء الدين و منعه من الاحتساب في الحالة الثانية و ذلك لأنه معسر فيجب إنظاره كما دلت عليه الآية «1» و الاحتساب استيفاء و قبض للدين و هو غير جائز شرعا بالنسبة إلى المعسر لوجوب إنظاره إلى ميسرة فلذا منعه من الاحتساب عليه و أمره بإعطائه من الزكاة.
و سادسها [جواز قضاء الدين عن الميّت و المقاصة به من الزكاة]
- لو كان الدين على ميت جاز أن يقضى عنه من هذا السهم و إن يقاص به، و هو من ما لا خلاف فيه و عليه تدل الأخبار:
و منها- ما تقدم «2» من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج و رواية صباح بن سيابة و هما دالتان على القضاء.
و رواية يونس بن عمار «3» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول قرض المؤمن غنيمة و تعجيل أجر، إن أيسر قضاك و إن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة».
و رواية إبراهيم بن السندي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» قال: «قرض المؤمن غنيمة و تعجيل خير، إن أيسر أدى و إن مات احتسب به من زكاته».
و نحوهما غيرهما و هما دالتان على الاحتساب.
و روى زرارة في الصحيح أو الحسن على المشهور «5» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه
______________________________
(1) و هي قوله تعالى «وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ» سورة البقرة الآية 281.
(2) ص 188 و 189.
(3) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة.
(5) الوسائل الباب 18 من المستحقين للزكاة.
197
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
و سادسها جواز قضاء الدين عن الميت و المقاصة به من الزكاة ج 12 ص 197
عليه السلام رجل حلت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دين أ يؤدي زكاته في دين أبيه و للابن مال كثير؟ فقال إن كان أبوه أورثه مالا ثم ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه قضاه من جميع الميراث و لم يقضه من زكاته، و إن لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد أحق بزكاته من دين أبيه فإذا أداها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه».
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد اختلف الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في أنه هل يشترط في جواز الأداء عن الميّت من الزكاة قصور تركته عن الوفاء بالدين أم لا؟
قولان ذهب إلى الأول الشيخ في المبسوط و ابن الجنيد على ما نقل عنهما و إلى الثاني الفاضلان.
و يدل على الأول حسنة زرارة المذكورة أو صحيحته على المختار، و موردها و إن كان الأب إلا أن الظاهر أنه لا خصوصية له فيتعدى إلى غيره كما في سائر الأحكام.
و استدل العلامة في المختلف على الثاني بعموم الأمر باحتساب الدين على الميّت من الزكاة «1» و لأنه بموته انتقلت التركة إلى ورثته فصار في الحقيقة عاجزا و لا يخفى ما في هذا الاستدلال: أما العموم فإنه يجب تخصيصه بالصحيحة المذكورة كما هو القاعدة المطردة. و أما انتقال التركة فإنه في موضع النزاع ممنوع لصريح قوله عز و جل في غير موضع «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ» «2» فإنها صريحة في عدم الانتقال مع الدين و الوصية النافذة كما لا يخفى.
ثم إنه لا يخفى أنه لا فرق في جواز قضاء الدين عن الميّت أو مقاصته به بين أن يكون أجنبيا أو واجب النفقة و هو موضع وفاق بينهم، و يدل عليه حسنة زرارة المتقدمة أو صحيحته.
و كذا لو كان الدين على من تجب نفقته مع كونه حيا فإنه يجوز القضاء عنه
______________________________
(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الدين.
(2) سورة النساء الآية 13 و 17.
198
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
و سادسها جواز قضاء الدين عن الميت و المقاصة به من الزكاة ج 12 ص 197
أو مقاصته من غير خلاف.
و يدل عليه
موثقة إسحاق بن عمار «1» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل على أبيه دين و لأبيه مئونة أ يعطي أباه من زكاته يقضي دينه؟ قال نعم و من أحق من أبيه».
و سابعها- أنه لو صرف الغارم ما دفع إليه في غير وجه الغرم فهل يجب استعادته أم لا؟
قولان ذهب إلى الأول المحقق في المعتبر و الشرائع، و إلى الثاني الشيخ، و علله بأنه ملكه بالقبض فلا يحكم عليه بوجوب الإعادة. و أجاب في المعتبر بأنه ملكه ليصرفه في وجه مخصوص لا يسوغ له غيره. و استحسنه في المدارك و المسألة محل توقف لعدم النص و إن كان ما ذكره لا يخلو من قرب.
السابع [سبيل اللّٰه]
- من الأصناف المتقدمة سبيل اللّٰه، و هل هو الجهاد خاصة أو ما يشمل جميع القرب و الخيرات و المصالح؟ قولان صرح بالأول الشيخ في النهاية و الشيخ المفيد في المقنعة و الصدوق في الفقيه، و المشهور الثاني و هو الظاهر من الأدلة.
و يدل عليه
ما نقله الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره «2» في تتمة الحديث المتقدم ذكره في الأصناف المتقدمة عن العالم عليه السلام قال: «و في سبيل اللّٰه قوم يخرجون إلى الجهاد و ليس عندهم ما يتقوون به أو قوم مؤمنون ليس عندهم ما يحجون به أو في جميع سبل الخير، فعلى الإمام أن يعطيهم من مال الصدقات حتى يقووا على الحج و الجهاد».
و ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن علي بن يقطين «3» «أنه قال لأبي الحسن الأول عليه السلام يكون عندي المال من الزكاة فأحج به موالي و أقاربي؟ قال لا بأس».
و ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4»
______________________________
(1) الوسائل الباب 18 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة رقم 7.
(3) الوسائل الباب 42 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 42 من المستحقين للزكاة.
199
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
السابع سبيل الله ج 12 ص 199
قال: «سأل رجل أبا عبد اللّٰه عليه السلام و أنا جالس فقال إني أعطى من الزكاة فأجمعه حتى أحج به؟ فقال نعم يأجر اللّٰه من يعطيك».
و احتمال الدفع هنا من حيث الفقر ممكن بل هو الظاهر.
و ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر من نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر عن جميل عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «سألته عن الصرورة أ يحجه الرجل من الزكاة؟ قال نعم».
و يدل على ذلك أيضا
ما رواه المشايخ الثلاثة عن الحسن بن راشد «2» قال:
«سألت أبا الحسن العسكري عليه السلام بالمدينة عن رجل أوصى بمال في سبيل اللّٰه قال سبيل اللّٰه شيعتنا».
و بأسانيدهم عن الحسين بن عمر «3» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام إن رجلا أوصى إلي بشيء في سبيل اللّٰه؟ فقال لي اصرفه في الحج. قال قلت أوصى إلي في السبيل قال اصرفه في الحج فإني لا أعلم شيئا في سبيل اللّٰه أفضل من الحج» و في رواية أحدهم «4» لا أعلم سبيلا من سبله أفضل من الحج.
و جمع بينهما في الفقيه فقال: و هذان الحديثان متفقان و ذلك أنه يصرف ما أوصى به في السبيل إلى رجل من الشيعة يحج به. و نقل ذلك الشيخ عنه ثم قال و هذا وجه حسن.
و لا يخفى ما في كلاميهما (طاب ثراهما) فإن سبيل اللّٰه إما أن يخص بالجهاد كما هو أحد القولين أو يفسر بما هو أعمّ من جميع القربات و الطاعات، و المعنى الأول لا مجال لاعتباره هنا، و على الثاني فلا تنافي ليحتاج إلى الجمع بين الخبرين.
ثم إنه يفهم من جملة من الأخبار أن حمل سبيل اللّٰه على الجهاد إنما هو تقية حيث إن مذهبهم تفسير سبيل اللّٰه بذلك «5» و هي في باب الوصايا:
______________________________
(1) الوسائل الباب 42 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 33 من الوصايا.
(3) الوسائل الباب 33 من الوصايا.
(4) الوسائل الباب 33 من الوصايا.
(5) المحلى ج 6 ص 151 و نيل الأوطار ج 4 ص 236.
200
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
السابع سبيل الله ج 12 ص 199
و منها-
ما رواه في الكافي عن يونس بن يعقوب «1» «أن رجلا كان بهمذان ذكر أن أباه مات و كان لا يعرف هذا الأمر فأوصى بوصية عند الموت و أوصى أن يعطى شيء في سبيل اللّٰه فسئل عنه أبو عبد اللّٰه عليه السلام كيف يفعل به و أخبرناه أنه كان لا يعرف هذا الأمر؟ فقال لو أن رجلا أوصى إلي أن أضع في يهودي أو نصراني لوضعته فيهما؟ إن اللّٰه عز و جل يقول «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مٰا سَمِعَهُ فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ» «2» فانظروا إلى من يخرج إلى هذا الوجه- يعني بعض الثغور- فابعثوا به إليه».
ثم إنه هل يشترط في الدفع من هذا السهم الحاجة أم لا؟ ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بل صريحه الأول، حيث قال: و يجب تقييده بأن لا يكون فيه معونة لغني مطلق بحيث لا يدخل في شيء من الأصناف الباقية فيشترط في الحاج و الزائر الفقر أو كونه ابن سبيل أو ضيفا، و الفرق بينهما حينئذ و بين الفقير أن الفقير لا يعطى الزكاة ليحج بها من جهة كونه فقيرا و يعطى لكونه في سبيل اللّٰه. انتهى.
و قال العلامة في التذكرة بعد أن ذكر أنه يدخل في سهم سبيل اللّٰه مئونة الزوار و الحجيج: و هل يشترط حاجتهم؟ إشكال ينشأ من اعتبار الحاجة كغيره من أهل السهام و من اندراج إعانة الغنى تحت سبيل الخير. انتهى.
و قال السيد السند في المدارك بعد نقل كلام جده (قدس سرهما): و هو مشكل لأن فيه تخصيصا لعموم الأدلة من غير دليل، و المعتمد جواز صرف هذا السهم في كل قربة لا يتمكن فاعلها من الإتيان بها بدونه، و إنما صرنا إلى هذا القيد لأن الزكاة إنما شرعت بحسب الظاهر لدفع الحاجة فلا تدفع مع الاستغناء عنها و مع ذلك فاعتباره محل تردد. انتهى.
______________________________
(1) الوسائل الباب 33 من أبواب الوصايا.
(2) سورة البقرة الآية 178.
201
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
السابع سبيل الله ج 12 ص 199
أقول: لا يخفى أن هاهنا ثلاث صور: إحداها- أن يكون فقيرا لا مال له بالكلية أو له مال لا يتمكن منه كابن السبيل و الضيف، و هذا من ما لا إشكال في جواز الدفع إليه من هذا السهم.
الثانية- أن يكون غنيا متمكنا من كل ما يريد من أبواب القربات و الطاعات و هذا محل الإشكال في جواز الدفع إليه من هذا السهم، و هو الذي منع من الدفع إليه شيخنا الشهيد في المسالك، و هو أحد وجهي الإشكال في كلام العلامة.
الثالث- من كان مالكا مئونة سنة بالفعل أو القوة لكنه لا يتمكن بذلك من الحج و نحوه، و ظاهر عبارة شيخنا الشهيد الثاني المنع أيضا من الدفع إليه لصدق الغني، و كذا ظاهر كلام العلامة باعتبار الإشكال فيه، و ظاهر كلام السيد السند جواز الدفع إليه لأن ظاهر عبارته أنه يدفع هذا السهم إلى كل من لا يتمكن من تلك القربة إلا بالإعانة من ذلك السهم أعمّ من أن يكون فقيرا لا مال له أو له مال لكن لا يقوم بالتمكن منه.
و كيف كان فينبغي أن يعلم أن الحاجة إلى الحج لا تنافي الغنى الذي هو عبارة عن ملك مئونة السنة أو الحرفة أو الصنعة الموجبة للغنى و لكن لا يتمكن من الحج منها، و فيه جمع بين إطلاق الأدلة و بين ما ذكروه من أن الزكاة إنما شرعت لدفع الحاجة و سد الخلة. و اللّٰه العالم
الثامن [ابن السبيل]
من الأصناف المذكورة- ابن السبيل، و في عبائر جمع من الأصحاب تفسيره بالمنقطع به و الضيف، و في بعض بالأول و نسبة الثاني إلى الرواية.
قال شيخنا المفيد (عطر اللّٰه مرقده) في المقنعة: و ابن السبيل و هم المنقطع بهم في الأسفار و قد جاءت رواية «1» أنهم الأضياف يراد به من أضيف لحاجته إلى ذلك و إن كان له في موضع آخر غنى و يسار، و ذلك راجع إلى ما قدمناه. انتهى و ظاهر كلامه بل صريحه التخصيص بالمعنى الأول حيث تأول الرواية بالإرجاع إليه
______________________________
(1) المقنعة ص 29 و في الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة.
202
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثامن ابن السبيل ج 12 ص 202
و يدل على ذلك
حديث علي بن إبراهيم «1» المتقدم نقله في الأصناف المتقدمة حيث قال: «و ابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّٰه فيقطع بهم و يذهب مالهم فعلى الإمام أن يردهم إلى أوطانهم من مال الصدقات».
و ظاهر الخبر اعتبار كون السفر طاعة و المشهور بين الأصحاب اشتراط الإباحة فلا يعطى من كان سفره معصية، و لم أر من قال بمضمون الرواية إلا ابن الجنيد على ما نقل عنه حيث قيد الدفع بالمسافرين في طاعة اللّٰه و المريدين لذلك.
و ليس في الباب خبر غير الرواية المذكورة، و المسألة لا تخلو من شوب الإشكال.
و ما أجاب به في المختلف عن الرواية المذكورة- من أن الطاعة تصدق على المباح بمعنى أن فاعله معتقدا لكونه مباحا مطيع في اعتقاده و إيقاعه الفعل على وجهه- لا يخفى ما فيه فإن الطاعة و المعصية عبارة عن موافقة الأمر و مخالفته و ذلك لا يتعلق بالمباح، و أما اعتقاد الإباحة فأمر خارج عن الفعل. و اللّٰه العالم.
البحث الثاني- في أوصاف المستحقين
و هي على ما ذكره الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) أمور
الأول- الإيمان
الذي هو عبارة عن الإسلام مع اعتقاد إمامة الأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام) و اعتبار هذا الوصف مجمع عليه نصا و فتوى.
و استدل عليه في المنتهى بأن الإمامة من أركان الدين و أصوله و قد علم ثبوتها من النبي صلى اللّٰه عليه و آله ضرورة فالجاحد لها لا يكون مصدقا للرسول صلى اللّٰه عليه و آله في جميع ما جاء به فيكون كافرا فلا يستحق الزكاة، و بأن الزكاة معونة و إرفاق فلا يعطى غير المؤمن، و لأنه محاد لله و لرسوله و المعونة و الإرفاق مودة فلا يجوز فعلها مع غير المؤمن لقوله تعالى «لٰا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوٰادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّٰهَ» «2» انتهى. و هو جيد متين بل جوهر ثمين.
و ما ذكره في المدارك- حيث قال بعد نقله: و في الدليلين بحث- ضعيف
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة رقم 7.
(2) سورة المجادلة الآية 23.
203
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الأول الإيمان ج 12 ص 203
لا يعول عليه و باطل لا يرجع إليه، و ذلك فإنه و إن اشتهر بين المتأخرين الحكم بإسلام المخالفين و لا سيما السيد المذكور و جده (قدس سرهما) حتى انجر بهما الأمر إلى الحكم بعدالة النصاب الذين هم أشد نجاسة من الكلاب كما أوضحناه في شرحنا على كتاب المدارك إلا أن مقتضى أخبار أهل البيت (عليهم السلام)- و هو المشهور بين متقدمي أصحابنا- هو الحكم بكفرهم و نصبهم و نجاستهم كما أوضحنا ذلك بما لا مزيد عليه في كتابنا الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب و في مواضع من كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد. و لا ريب أن حديث الغدير من ما تواتر بين الفريقين و أجمع على نقله رواة الطرفين بل تواتره من طرق المخالفين أشهر كما ذكرناه في ذينك الكتابين «1» و ارتكاب بعض متعصبي المخالفين فيه التأويلات الباردة و التمحلات الشاردة تعصبا و عنادا على اللّٰه و رسوله لا يخرجه عن الدلالة و لا سيما مع اعتراف جمع منهم بالدلالة على ذلك. و بالجملة فذيل البحث في المسألة واسع و من أراد الوقوف على صحة ما ذكرناه فليرجع إلى الكتابين المذكورين.
و أما كون الزكاة معونة و إرفاقا فهو ظاهر من الأخبار الواردة في العلة في وضع الزكاة «2» و أما كون المخالفين داخلين في آية المجادلة لله و رسوله فهو معلوم من كفرهم و نصبهم للشيعة الذي هو أظهر من الشمس في دائرة النهار، بل للأئمة (عليهم السلام) كما صرحت به جملة من الأخبار التي استوفيناها في كتابنا الشهاب الثاقب.
ثم إن من الأخبار الدالة على أصل المسألة
صحيحة بريد بن معاوية العجلي «3» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل حج و هو لا يعرف هذا الأمر. إلى أن قال: و قال كل عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثم من اللّٰه عليه و عرفه الولاية فإنه يؤجر عليه إلا الزكاة فإنه يعيدها لأنه وضعها في غير مواضعها لأنها لأهل الولاية».
______________________________
(1) راجع الغدير ج 1 ص 14 إلى 151 و 294 إلى 313 الطبعة الثانية.
(2) تقدمت ص 10 و 11.
(3) الوسائل الباب 23 من وجوب الحج و 3 من المستحقين للزكاة.
204
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الأول الإيمان ج 12 ص 203
و ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن على المشهور و ابن بابويه في الصحيح عن زرارة و بكير و الفضيل و محمد بن مسلم و بريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السلام) «1» «أنهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية و المرجئة و العثمانية و القدرية ثم يتوب و يعرف هذا الأمر و يحسن رأيه أ يعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج أو ليس عليه إعادة شيء من ذلك؟
قال ليس عليه إعادة شيء من ذلك غير الزكاة لا بد أن يؤديها لأنه وضع الزكاة في غير موضعها و إنما موضعها أهل الولاية».
و في رواية أبي بصير «2» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام الرجل يكون له الزكاة و له قرابة محتاجون غير عارفين أ يعطيهم من الزكاة؟ قال لا و لا كرامة لا يجعل الزكاة وقاية لماله يعطيهم من غير الزكاة إن أراد».
و روى في التهذيب عن إبراهيم الأوسي عن الرضا عليه السلام «3» قال: «سمعت أبي يقول كنت عند أبي يوما فأتاه رجل فقال إني رجل من أهل الري و لي زكاة فإلى من أدفعها؟ فقال إلينا. فقال أ ليس الصدقة محرمة عليكم؟ فقال بلى إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا. فقال إني لا أعرف لها أحدا؟ فقال فانتظر بها سنة. قال فإن لم أصب لها أحدا؟ قال انتظر بها سنتين. حتى بلغ أربع سنين. ثم قال له إن لم تصب لها أحدا فصرها صرارا و اطرحها في البحر فإن اللّٰه عز و جل حرم أموالنا و أموال شيعتنا على عدونا».
إلى غير ذلك من الأخبار التي يطول بنقلها الكلام.
بقي الكلام هنا في مواضع
أحدها [هل يعطى غير المؤمن الزكاة مع تعذر المؤمن؟]
- ظاهر كلام جملة من الأصحاب أنه مع تعذر المؤمن فإنه لا يعطى غيره ناصبا كان أو مستضعفا، و نقل بعض أفاضل متأخري المتأخرين قولا بجواز إعطاء المستضعف و الحال هذه.
______________________________
(1) الوسائل الباب 3 من المستحقين للزكاة. و الصدوق يرويه في العلل ص 131.
(2) الوسائل الباب 16 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 5 من المستحقين للزكاة.
205
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
أحدها هل يعطى غير المؤمن الزكاة مع تعذر المؤمن ج 12 ص 205
و يدل على المشهور الأخبار المتقدمة و غيرها من ما دل على التخصيص بأهل الولاية.
و يدل على القول المشار إليه
رواية يعقوب بن شعيب الحداد عن العبد الصالح عليه السلام «1» قال: «قلت له الرجل منا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله؟
قال يضعها في إخوانه و أهل ولايته. فقلت فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال يبعث بها إليهم. قلت فإن لم يجد من يحملها إليهم؟ قال يدفعها إلى من لا ينصب.
قلت فغيرهم؟ فقال ما لغيرهم إلا الحجر».
ورد هذه الرواية في المعتبر بضعف السند، و ردها في المنتهى بأنها شاذة، و كيف كان فالخروج عن مقتضى تلك الروايات الكثيرة الصريحة و لا سيما رواية إبراهيم الأوسي بهذه الرواية مشكل.
نعم يبقى الإشكال في جملة من عوام الشيعة الضعفة العقول ممن لا يعرفون اللّٰه سبحانه إلا بهذه الترجمة حتى لو سئل عنه من هو؟ لربما قال محمد أو علي، و لا يعرف الأئمّة (عليهم السلام) كملا و لا يعرف شيئا من المعارف الخمس أصلا فضلا عن التصديق بها، و الظاهر أن مثل هؤلاء لا يحكم بإيمانهم و إن حكم بإسلامهم و إجراء أحكام الإسلام عليهم في الدنيا، و أما في الآخرة فهم من المرجئين لأمر اللّٰه إما يعذبهم و إما يتوب عليهم. و في إعطاء هؤلاء من الزكاة إشكال لاشتراط ذلك بالإيمان و هو غير ثابت، و ليس كذلك النكاح و الميراث و نحوهما فإن الشرط فيها الإسلام و هو حاصل. و بالجملة فالأقرب عندي عدم إجزاء إعطائهم. و اللّٰه العالم.
و ثانيها [هل يستثنى المؤلفة قلوبهم من اعتبار الإيمان]
- أنه قد صرح جمع من الأصحاب باستثناء المؤلفة من هذا الحكم، و هو مبني على أمرين: أحدهما- تفسير المؤلفة بمن يتألف للجهاد من الكفار أو المسلمين كما تقدم نقله عنهم، و ثانيهما- على أن الجهاد في زمان الغيبة جائز، و في كل من الحكمين إشكال و لهذا إن الشيخ في النهاية صرح بسقوطه و كذا صرح
______________________________
(1) الوسائل الباب 5 من المستحقين للزكاة.
206
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
و ثانيها هل يستثنى المؤلفة قلوبهم من اعتبار الإيمان ج 12 ص 206
بسقوط سهم السعاة و سهم الجهاد، قال و إذا لم يكن الإمام ظاهرا و لا من نصبه حاصلا فرقت الزكاة في خمسة أصناف من الذين ذكرناهم و هم الفقراء و المساكين و في الرقاب و الغارمين و ابن السبيل و سقط سهم المؤلفة قلوبهم و سهم السعاة و سهم الجهاد، لأن هؤلاء لا يوجدون إلا مع ظهور الإمام، لأن المؤلفة إنما يتألفهم الإمام ليجاهدوا معه و السعاة أيضا إنما يكونون من قبله عليه السلام في جمع الزكوات و الجهاد أيضا إنما يكون به أو بمن نصبه فإذا لم يكن هو ظاهرا و لا من نصبه فرق في من عداهم. انتهى.
هذا. و قد عرفت سابقا أن المستفاد من الأخبار التي قدمناها أن المراد من التأليف ليس إلا لأجل البقاء على الإسلام بعد الدخول فيه و بينا أن ذلك ساقط في زمن الغيبة.
و استثنى في المدارك أيضا و قبله جده في المسالك بعض أفراد سبيل اللّٰه و وجهه غير ظاهر.
و ثالثها [أطفال المؤمنين يعطون من الزكاة]
- أنه لا خلاف بين الأصحاب في أن أطفال المؤمنين يعطون من الزكاة دون أطفال غيرهم.
و يدل عليه أخبار عديدة: منها-
رواية أبي بصير «1» قال: «قلت أبي عبد اللّٰه عليه السلام الرجل يموت و يترك العيال أ يعطون من الزكاة؟ فقال نعم حتى ينشئوا و يبلغوا و يسألوا من أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم. فقلت إنهم لا يعرفون؟ فقال يحفظ فيهم ميتهم و يحبب إليهم دين أبيهم فلا يلبثون أن يهتموا بدين أبيهم، فإذا بلغوا و عدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم».
و رواية أبي خديجة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «ذرية الرجل المسلم إذا مات يعطون من الزكاة و الفطرة كما كان يعطى أبوهم حتى يبلغوا فإذا بلغوا و عرفوا ما كان أبوهم يعرف أعطوا و إن نصبوا لم يعطوا».
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 6 من المستحقين للزكاة.
207
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
و ثالثها أطفال المؤمنين يعطون من الزكاة ج 12 ص 207
و رواية عبد الرحمن بن الحجاج «1» قال: «قلت لأبي الحسن عليه السلام رجل مسلم مملوك و مولاه رجل مسلم و له مال يزكيه و للمملوك ولد صغير حر أ يجزئ مولاه أن يعطي ابن عبده من الزكاة؟ فقال لا بأس به».
و روى عبد اللّٰه بن جعفر في كتاب قرب الإسناد عن محمد بن الوليد عن يونس بن يعقوب «2» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة فأشتري لهم منها ثيابا و طعاما و أرى أن ذلك خير لهم؟ قال فقال لا بأس».
و ظواهر هذه الأخبار تدل على أن الدفع إليهم أعمّ من أن يدفع إلى وليهم أو إليهم إذا كانوا ممن يمكنهم التصرف في الأخذ و العطاء و البيع و الشراء.
و نقل عن العلامة في التذكرة أنه صرح بأنه لا يجوز دفع الزكاة إلى الصغير و إن كان مميزا، و استدل عليه بأنه ليس محلا لاستيفاء ماله من الغرماء فكذا هنا.
و فيه ما عرفت.
قال: و لا فرق بين أن يكون يتيما أو غيره فإن الدفع إلى الولي فإن لم يكن له ولي جاز أن يدفع إلى من يقوم بأمره و يعتني بحاله.
قال في المدارك بعد نقل هذا عنه: و مقتضى كلامه (رحمه اللّٰه) جواز الدفع إلى غير ولي الطفل إذا لم يكن له ولي، و لا بأس به إذا كان مأمونا بل لا يبعد جواز تسليمها إلى الطفل بحيث يصرف في وجه يسوغ للولي صرفها فيه. انتهى. و هو جيد و فيه تأييد لما أشرنا إليه آنفا.
ثم إن ظواهر الأخبار المتقدمة جواز إعطاء الأطفال و إن ثبت اشتراط العدالة في المستحق فإن حكم الأطفال مستثنى بهذه الأخبار، و أخبار اشتراط العدالة على تقدير ثبوتها لا دلالة فيها على دخول الأطفال في ذلك، فما ذكره شيخنا الشهيد الثاني- من أن إعطاء الأطفال إنما يتم إذا لم تعتبر العدالة في المستحق أما لو
______________________________
(1) الوسائل الباب 45 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 6 من المستحقين للزكاة.
208
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
و ثالثها أطفال المؤمنين يعطون من الزكاة ج 12 ص 207
اعتبرناها أمكن عدم جواز إعطاء الأطفال مطلقا لعدم اتصافهم بها، و الجواز لأن المانع الفسق و هو منفي عنهم. انتهى- لا وجه له.
الثاني [العدالة]
من أوصاف المستحقين- العدالة عند جملة من الأصحاب: منهم- الشيخ و المرتضى و ابن البراج و ابن حمزة و غيرهم، و نقل عن ابن الجنيد اعتبار مجانبة الكبائر خاصة.
و نقل عن ابن بابويه أنه اقتصر على اعتبار الإيمان و كذا سلار و لم يشترطا شيئا يزيد على ذلك و هو الذي عليه المتأخرون.
و هو الظاهر من إطلاق الأدلة آية و رواية، و خصوص
ما رواه في العلل عن محمد بن الحسن عن أحمد بن إدريس و محمد بن يحيى جميعا عن محمد بن أحمد بن يحيى عن علي بن محمد عن بعض أصحابنا عن بشر بن بشار «1»: قال «قلت للرجل- يعني أبا الحسن عليه السلام- ما حد المؤمن الذي يعطى من الزكاة؟ قال يعطى المؤمن ثلاثة آلاف، ثم قال أو عشرة آلاف، و يعطى الفاجر بقدر لأن المؤمن ينفقها في طاعة اللّٰه و الفاجر ينفقها في معصية اللّٰه».
نعم
روى الشيخ عن داود الصرمي «2» قال: «سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا؟ قال لا».
و الجمع بينها و بين ما ذكرنا بالاقتصار على استثناء شارب الخمر وقوفا على ظاهر الخبر و إن رده جملة من المتأخرين بضعف السند بناء على الاصطلاح المشهور و أما ما نقل عن المرتضى (رضي اللّٰه عنه)- من الاحتجاج على ذلك بإجماع الطائفة و الاحتياط و يقين براءة الذمة، قال: و يمكن أن يستدل على ذلك بكل ظاهر من قرآن أو سنة مقطوع عليها يقتضي النهي عن معونة الفساق و العصاة و تقويتهم و ذلك كثير- فلا يخفى ما فيه: أما الإجماع فمع الإغماض عن الطعن في الاستدلال به ممنوع
______________________________
(1) الوسائل الباب 17 من أبواب المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب المستحقين للزكاة.
209
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثاني العدالة ج 12 ص 209
هنا بوجود الخلاف في المسألة. و أما الاحتياط فإنما يكون في مقام اختلفت فيه الأدلة و لا اختلاف في المقام بل الأدلة على القول المختار واضحة و لا معارض لها سوى رواية داود الصرمي و قد قلنا بمضمونها فأي معنى لهذا الاحتياط؟ و لو تم هذا الاحتياط هنا لجرى في جميع ما اتفقت عليه الأدلة من الأحكام و هو من ما لا يقول به أحد من الأعلام بل و لا أحد من الأنام. و أما يقين البراءة فإنه حاصل بما ذكرناه من الأدلة عموما و خصوصا كما عرفت. و أما النهي عن معونة الفساق فإنما هي من حيث الفسق كما يشعر به تعليق الوصف و الأمر هنا ليس كذلك، مع ما عرفت من صراحة رواية العلل في جواز الدفع و إن كان يعلم أنه يصرفه في معصية اللّٰه.
و أما القول باشتراط مجانبة الكبائر فلم أقف له على دليل إلا رواية داود الصرمي و هي أخص من المدعى فلا تصلح للدلالة.
الثالث [أن لا يكون واجب النفقة على المالك]
من الأوصاف المتقدمة- أن لا يكون من واجبي النفقة على المالك كالأبوين و إن علوا و الأولاد و إن نزلوا و الزوجة و المملوك، و هذا الحكم من ما لا خلاف فيه بين الأصحاب.
و يدل على ذلك من الأخبار
ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب و الأم و الولد و المملوك و المرأة، و ذلك أنهم عياله لازمون له».
و ما رواه الكليني في الموثق عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى عليه السلام «2» قال: «قلت له لي قرابة أنفق على بعضهم و أفضل بعضهم على بعض فيأتيني إبان الزكاة أ فأعطيهم منها؟ قال مستحقون لها؟ قلت نعم قال هم أفضل من غيرهم أعطهم.
قال قلت فمن ذا الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتى لا احتسب الزكاة عليهم؟ فقال أبوك و أمك. قلت أبي و أمي؟ قال الوالدان و الولد».
______________________________
(1) الوسائل الباب 13 من المستحقين للزكاة، و الشيخ يرويه عن الكليني.
(2) الوسائل الباب 15 و 13 من المستحقين للزكاة.
210
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثالث أن لا يكون واجب النفقة على المالك ج 12 ص 210
و رواية زيد الشحام عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال في الزكاة: «يعطى منها الأخ و الأخت و العم و العمة و الخال و الخالة و لا يعطى الجد و لا الجدة».
و ما رواه الصدوق في كتابي الخصال و العلل في الصحيح عن أبي طالب عبد اللّٰه ابن الصلت عن عدة من أصحابنا يرفعونه إلى أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» أنه قال: «خمسة لا يعطون من الزكاة: الولد و الوالدان و المرأة و المملوك لأنه يجبر على النفقة عليهم».
فأما
ما رواه الكليني في الكافي عن إسماعيل بن عمران القمي «3»- قال: «كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام إن لي ولدا رجالا و نساء أ فيجوز أن أعطيهم من الزكاة شيئا؟ فكتب أن ذلك جائز لك».
- فحمله الشيخ في التهذيبين على اختصاصه بالسائل و من حاله كحاله في أن ماله لا يفي بنفقة عياله. و هو جيد.
و أما
ما رواه أيضا مرسلا عن محمد بن جزك «4»- قال: «سألت الصادق عليه السلام ادفع عشر مالي إلى ولد ابني؟ فقال نعم لا بأس».
فيحتمل وجوها: منها- أن لا يكون العشر من الزكاة الواجبة بل من زكاة التجارة و نحوها، و منها- أن يحمل على حال الضرورة، و منها- أن يحمل على أن المراد إنما هو المشاورة في هبة عشر ماله أو الصدقة به على ابن ابنه و ليس سؤالا عن الزكاة. و احتمل في الوافي أيضا أنه مبني على إن ولد الولد ممن لا تجب نفقته قال فإن في ذلك اشتباها.
و رواه في كتاب الوسائل بلفظ «ولد ابنتي» و حمله على قيام الأب أو الجد لأبيه بنفقته فيكون ما يدفعه إليه جده لأمه على جهة التوسعة لا القيام بالنفقة الواجبة.
و تنقيح البحث في المسألة تتوقف على بيان مسائل
الأولى [يجوز لمن وجبت نفقته على غيره أخذ الزكاة للتوسعة]
- المستفاد من بعض الأخبار أنه يجوز لمن وجبت نفقته على غيره الأخذ من الزكاة من غير المنفق للتوسعة إذا كان من يقوم به لا يوسع عليه أما لعدم سعته أو معها:
______________________________
(1) الوسائل الباب 13 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 13 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 14 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 14 من المستحقين للزكاة.
211
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الأولى يجوز لمن وجبت نفقته على غيره أخذ الزكاة للتوسعة ج 12 ص 211
و هو
صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن الأول عليه السلام «1» قال:
«سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمه أو أخوه يكفيه مئونته أ يأخذ من الزكاة فيتوسع به إن كانوا لا يوسعون عليه في كل ما يحتاج إليه؟ قال لا بأس».
و ظاهر جملة من الأصحاب: منهم- العلامة في المنتهى و الشهيد في الدروس و البيان الجواز مطلقا معللين ذلك بصدق الفقر عرفا و عدم خروج من لم يملك قوت السنة بوجوب النفقة عن وصف الفقر عرفا، فيندرج تحت الآية و العمومات الدالة على جواز أخذ الفقير الزكاة.
و لا يخفى ما في هذا التعليل في مقابلة الأخبار المتقدمة المتفقة على أنهم لا يعطون من الزكاة. أقول: و لعله لما ذكرناه قطع العلامة في التذكرة بعدم الجواز على ما نقل عنه.
و ما ادعوه من الاندراج ممنوع فإن لقائل أن يقول إنهم بكونهم واجبي النفقة و إن المنفق يجري عليهم ذلك فإنهم داخلون تحت الغنى الموجب لتحريم أخذ الزكاة.
نعم دلت صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج على جواز الأخذ للتوسعة إذا كانوا لا يوسعون عليه فيجب الوقوف عليها و تخصيص تلك الأخبار بها.
و استدلوا أيضا بالصحيحة المذكورة و قد عرفت أن موردها خاص بالتوسعة فلا تنهض دليلا على عموم الجواز.
ثم إنهم بناء على ما نقلناه عنهم من القول بالجواز مطلقا استثنى بعضهم الزوجة من هذا الحكم، قال لأن نفقتها كالعوض. و زاد بعضهم المملوك، و قد تقدم في صدر الكتاب من الأخبار ما يدل عليه.
الثانية [يجوز للمالك صرف زكاته إلى واجب النفقة عليه للتوسعة]
- أنه يجوز للمالك صرف زكاته إلى واجبي النفقة عليه للتوسعة عليهم متى كان عاجزا عن ذلك إلا أن ظاهرها أن تلك الزكاة إنما هي زكاة التجارة، فاستدلال بعض أفاضل متأخري المتأخرين بها على جواز ذلك من الزكاة الواجبة لا يخلو من نظر.
______________________________
(1) الوسائل الباب 11 من أبواب المستحقين للزكاة.
212
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثانية يجوز للمالك صرف زكاته إلى واجب النفقة عليه للتوسعة ج 12 ص 212
قال في الدروس: و روى أبو بصير جواز التوسعة بالزكاة على عياله «1» و روى سماعة ذلك بعد أن يدفع منها شيئا إلى المستحق «2» كل ذلك مع الحاجة.
و ظاهره أن ذلك من الزكاة الواجبة مع أن ظاهر الروايتين المشار إليهما كما قدمناهما إنما ذلك من زكاة التجارة، على أن جملة منها ربما يدل بظاهره على نقصان المئونة و أن هذه الزيادة التي يأخذها من هذه الزكاة إنما هي لتتمة المئونة لا للتوسعة الزائدة على المئونة الواجبة كما لا يخفى على من لاحظها، كرواية أبي بصير المذكورة في كلامه بالتقريب الذي ذكرناه في ذيلها ثمة.
قال في المدارك: يجوز للمالك أن يصرف إلى قريبه الواجب النفقة غير النفقة من الحقوق اللازمة له إذا كان مستحقا كنفقة الزوجة و المملوك، لعدم وجوب ذلك عليه،
و لقوله عليه السلام في صحيحة عبد الرحمن «3» «و ذلك أنهم عياله لازمون له».
فإن مقتضى التعليل أن المانع لزوم الإنفاق و هو منتف في ما ذكرناه. انتهى.
و يرد عليه عموم المنع في الأخبار المتقدمة لاتفاقها على أنهم لا يعطون من الزكاة أعمّ من أن يكون للنفقة أو غيرها، نعم خرج منه ما دلت عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج و بقي ما عداه. و ما استند إليه من التعليل المذكور فيمكن أن يكون المقصود منه كما ذكره بعض الأصحاب إنما هو أنهم لكونهم لازمين له بناء على وجوب نفقتهم عليه بمنزلة الأغنياء فلا يجوز الدفع إليهم، و على هذا فلا يقتضي التخصيص بما ذكره من النفقة الواجبة و عدم دخول ما يكون للتوسعة.
نعم لو استند في ذلك إلى مفهوم صحيحته التي ذكرناها من حيث دلالتها على ذلك و إن كان ظاهرها الأخذ من الغير لم يبعد الجواز.
و بالجملة فإن ظاهر كلام الأصحاب أن هنا مسألتين: الأولى منهما و هي التي
______________________________
(1) الوسائل الباب 8 من المستحقين للزكاة رقم 4.
(2) الوسائل الباب 14 من المستحقين للزكاة.
(3) ص 210.
213
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثانية يجوز للمالك صرف زكاته إلى واجب النفقة عليه للتوسعة ج 12 ص 212
قدمناها أنه يجوز لواجبي النفقة تناول الزكاة من غير المالك و استدلوا على ذلك بما قدمنا نقله عنه من التعليل و الرواية و قد عرفت ما فيهما. و الثانية جواز صرف المالك زكاته عليهم في غير النفقة الواجبة عليه و قد عرفت ما فيه. و المفهوم من الروايات المتقدمة هو المنع مطلقا و استثناء الأخذ للتوسعة. هذا كله مع إجراء المنفق عليهم النفقة الواجبة و إلا فإنه يجوز لهم الأخذ قولا واحدا.
الثالثة [عدم جواز الدفع إلى الزوجة]
- قد صرح جملة من الأصحاب بعدم جواز الدفع إلى الزوجة و إن كانت ناشزة لو كانت فقيرة لتمكنها من الطاعة في كل وقت فتكون غنية في الحقيقة، قال في المعتبر: لا تعطى الزوجة من سهم الفقراء و المساكين مطيعة كانت أو عاصية إجماعا لتمكنها من النفقة.
الرابعة [جواز الدفع إلى الزوجة المستمتع بها]
- يجوز الدفع إلى الزوجة المستمتع بها لعدم وجوب الإنفاق عليها، و ربما قيل بالمنع لإطلاق النص و هو ضعيف، فإن النص باعتبار ما اشتمل عليه من التعليل بوجوب الإنفاق في معنى القيد كما لا يخفى.
الخامسة [جواز دفع الزكاة إلى الزوج]
- المشهور بين الأصحاب أنه يجوز للزوجة أن تدفع زكاتها إلى الزوج مع استحقاقه و إن أنفق عليها منها لعموم الأدلة و انتفاء المعارض، و نقل عن ابن بابويه المنع من إعطائه مطلقا، و عن ابن الجنيد الجواز لكن لا ينفق عليها منها و لا على ولدها. و لم نقف لهما على دليل.
السادسة [جواز إعطاء من يعول]
- الظاهر أنه لا خلاف في جواز إعطاء من يعول من القرابة و غيرهم إذا لم يكن من الأفراد المتقدمة عملا بعموم الأدلة و خصوص موثقة إسحاق ابن عمار المتقدمة.
و أما
ما رواه الشيخ في الموثق عن أبي خديجة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1»- قال «لا تعط من الزكاة أحدا ممن تعول».
- فمحمول على واجبي النفقة جمعا بين الأخبار.
السابعة [تداخل الأصناف]
- لو كان من تجب نفقته من بعض الأصناف الأخر كأن يكون عاملا
______________________________
(1) الوسائل الباب 14 من المستحقين للزكاة.
214
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
السابعة تداخل الأصناف ج 12 ص 214
أو غازيا أو غارما أو من الرقاب فلا إشكال في جواز الدفع إليه من سهام هذه الأصناف، لعموم الآية «1» السالم من المعارض، و لأن ظاهر الأخبار المانعة من الدفع إلى هؤلاء إنما هو من حيث كون المدفوع من سهم الفقراء، و لأن ما يأخذه العامل و الغازي كالأجرة و لهذا جاز لهما الأخذ مع العسر و اليسر، و المكاتب إنما يأخذ لفك رقبته و الغارم لوفاء دينه و هما لا يجبان على القريب إجماعا، و للأخبار المتقدمة في قضاء الدين عن الأب من سهم الغارمين و من اشترى أباه من سهم الرقاب.
الرابع [أن لا يكون هاشميا إن كان المعطي هاشميا]
من الأوصاف المشار إليها آنفا- أن لا يكون هاشميا و يكون المعطي من غير قبيله، و هو محل إجماع من علماء الخاصة و العامة «2».
و الأخبار بذلك مستفيضة: منها-
صحيحة محمد بن مسلم و زرارة و أبي بصير أو حسنتهم على المشهور بإبراهيم بن هاشم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السلام) «3» قالا: «قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله إن الصدقة أوساخ أيدي الناس و إن اللّٰه قد حرم على منها و من غيرها ما قد حرمه و إن الصدقة لا تحل لبني عبد المطلب. ثم قال أما و اللّٰه لو قد قمت على باب الجنة ثم أخذت بحلقته لقد علمتم أني لا أؤثر عليكم فارضوا لأنفسكم بما رضي اللّٰه و رسوله لكم قالوا قد رضينا».
و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» قال: «لا تحل الصدقة لولد العباس و لا لنظرائهم من بني هاشم».
و صحيحة العيص بن القاسم و قد تقدمت في الصنف الثالث من أصناف المستحقين «5».
______________________________
(1) و هي قوله تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ.» سورة التوبة الآية 61.
(2) المغني ج 2 ص 655 و المحلى ج 6 ص 146 و المهذب ج 1 ص 174 و نيل الأوطار ج 4 ص 240 و بدائع الصنائع ج 2 ص 49.
(3) الفروع ج 1 ص 179 و في الوسائل الباب 29 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 19 من المستحقين للزكاة.
(5) ص 174.
215
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الرابع أن لا يكون هاشميا إن كان المعطي هاشميا ج 12 ص 215
و رواية المعلى بن خنيس عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «سمعته يقول لا تحل الصدقة لأحد من ولد العباس و لا لأحد من ولد علي عليه السلام و لا لنظرائهم من ولد عبد المطلب».
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
و أما
ما رواه الصدوق عن أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2»- قال: «أعطوا الزكاة من أرادها من بني هاشم فإنها تحل لهم و إنما تحرم على النبي صلى اللّٰه عليه و آله و على الإمام الذي من بعده و على الأئمّة عليهم السلام».
- فمحمول على الضرورة و أن النبي و الأئمّة (صلوات اللّٰه عليهم) لا يضطرون إلى ذلك.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن البحث في هذه المسألة يقع في مواضع
الأول [هل تحرم الزكاة على بني المطلب]
- المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) أن تحريم الصدقة الواجبة مختص بأولاد هاشم، و نقل عن الشيخ المفيد (قدس سره) في الرسالة الغرية تحريم الزكاة على بني المطلب و هو عم عبد المطلب بن هاشم و هو منقول عن ابن الجنيد أيضا.
و يدل على المشهور عموم الآية «3» خرج منه من انتسب إلى هاشم بالأخبار المتقدمة و نحوها فيبقى ما عداه.
احتج الشيخ المفيد على ما نقل عنه
بما رواه زرارة في الموثق عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» أنه قال: «لو كان العدل ما احتاج هاشمي و لا مطلبي إلى صدقة إن اللّٰه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم».
و أجاب عنه في المعتبر بأنه خبر واحد نادر فلا يخص به عموم القرآن. قال في المدارك: و هو جيد مع أنه مروي في التهذيب بطريق فيه علي بن الحسن بن فضال و لا تعويل على ما ينفرد به. انتهى.
أقول: و الأظهر في الجواب عن هذه الرواية هو ما ذكره بعض مشايخنا
______________________________
(1) التهذيب ج 2 ص 378 و في الوافي باب إن الزكاة لا تحل لبني هاشم.
(2) الوسائل الباب 29 من المستحقين للزكاة.
(3) و هي قوله تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ.» سورة التوبة الآية 61.
(4) الوسائل الباب 33 من المستحقين للزكاة.
216
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الأول هل تحرم الزكاة على بني المطلب ج 12 ص 216
المحققين من متأخري المتأخرين حيث قال: و يمكن أن يكون المراد بالمطلبي في الخبر من ينتسب إلى عبد المطلب، فإن النسبة إلى مثله قد تكون بالنسبة إلى الجزء الثاني حذرا من الالتباس كما قالوا «منافي» في عبد مناف، و قد صرح بذلك سيبويه كما نقله عنه نجم الأئمّة (قدس سره) و اختاره، و نقل عن المبرد أنه قال إن كان المضاف يعرف بالمضاف إليه و المضاف إليه معروف بنفسه فالقياس حذف الأول و النسبة إلى الثاني و إن كان المضاف إليه غير معروف فالقياس النسبة إلى الأول، و على هذا يقوى ما ذكرناه من الاحتمال إذ من المعلوم أن ما نحن فيه من ذلك القبيل كما اعترف به نجم الأئمّة (قدس سره) و على هذا فلا يكون في الخبر دلالة على مذهب المفيد (قدس سره) (فإن قلت) فعلى هذا يلزم عطف الشيء على مرادفه أو ما شاكله (قلت) لا بأس بذلك فإن العطف التفسيري شائع لا ترى فيه عوجا و لا أمتا، و معلوم أن هاشما لم يعقب إلا من عبد المطلب كما هو مصرح به في كتب الأصحاب و غيرهم، ففائدة العطف التنبيه على هذا المعنى و التقرير له. انتهى و هو جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه.
الثاني [هل يجوز للهاشمي أخذ الصدقة المندوبة؟]
- ظاهر كلام جملة من الأصحاب الاتفاق على جواز أخذ الهاشمي للصدقة المندوبة، و نقل عن العلامة في المنتهى أنه نسبه إلى علمائنا و أكثر العامة «1».
و يدل على ذلك من الأخبار
ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» أنه قال: «لو حرمت علينا الصدقة لم يحل لنا أن نخرج إلى مكة لأن كل ماء بين مكة و المدينة فهو صدقة».
و في الصحيح عن جعفر بن إبراهيم الهاشمي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال:
«قلت له أ تحل الصدقة لبني هاشم؟ قال إنما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحل لنا فأما غير ذلك فليس به بأس، و لو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة
______________________________
(1) في نيل الأوطار ج 4 ص 242 نقل الخلاف في ذلك، و في المغني ج 2 ص 658 فيه روايتان عن أحمد، و في المحلى ج 6 ص 147 عدم جواز المندوبة أيضا.
(2) الوسائل الباب 31 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 31 من المستحقين للزكاة.
217
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثاني هل يجوز للهاشمي أخذ الصدقة المندوبة ج 12 ص 217
هذه المياه عامتها صدقة».
و عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي «1» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم ما هي؟ فقال هي الزكاة. قلت فتحل صدقة بعضهم على بعض؟ قال نعم».
و عن زيد الشحام عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «سألته عن الصدقة التي حرمت عليهم؟ فقال هي الزكاة المفروضة».
و العجب من العلامة (قدس سره) في التذكرة مع نقله القول بالجواز عن علمائنا و أكثر العامة ذهب في الكتاب المشار إليه إلى التحريم و قال: و ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام- أنه كان يشرب من سقايات بين مكة و المدينة فقيل له أ تشرب من الصدقة؟ فقال إنما حرم علينا الصدقة المفروضة- من ما تفردت بروايته العامة «3» انتهى.
و العجب أنه نسب ذلك إلى العامة و غفل عن هذه الروايات، و أعجب منه موافقة شيخنا البهائي له في كتاب أربعين الحديث و جموده على كلامه من غير مراجعة لهذه الأخبار.
و بالجملة فإن ظاهر الأخبار المذكورة كما ترى هو الدلالة على ما قدمنا نقله عن الأصحاب، إلا أنه
قد روى الصدوق (قدس سره) في كتاب الخصال عن محمد بن عبد الرحمن العزرمي عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) «4» قال:
«لا تحل الصدقة لبني هاشم إلا في وجهين: إذا كانوا عطاشا فأصابوا ماء فشربوا و صدقة بعضهم على بعض».
و روى عبد اللّٰه بن جعفر الحميري في قرب الإسناد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السلام «5» قال: «سألته عن الصدقة تحل
______________________________
(1) الوسائل الباب 32 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 32 من المستحقين للزكاة.
(3) المغني ج 2 ص 659 عن الصادق عن أبيه (ع).
(4) الوسائل الباب 32 من المستحقين للزكاة.
(5) الوسائل الباب 32 من المستحقين للزكاة.
218
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثاني هل يجوز للهاشمي أخذ الصدقة المندوبة ج 12 ص 217
لبني هاشم؟ فقال لا و لكن صدقات بعضهم على بعض تحل لهم. فقلت جعلت فداك إذا خرجت إلى مكة كيف تصنع بهذه المياه المتصلة بين مكة و المدينة و عامتها صدقة؟ قال سم فيها شيئا. قلت عين ابن بزيع و غيره. قال و هذه لهم».
و ظاهرهما من ما ينافي الأخبار الأولة إلا أن تلك الأخبار مع كثرتها معتضدة بفتوى الأصحاب بل اتفاقهم في الظاهر كما عرفت و إن من خالف إنما خالف سهوا عن ملاحظة تلك الأخبار، و للأصحاب أن يحملوا التحريم في ظاهر هذين الخبرين على الكراهة المؤكدة.
الثالث [القدر الجائز للهاشمي من الصدقة الواجبة عند قصور الخمس]
- لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) على ما نقله غير واحد في جواز إعطائهم من الصدقة الواجبة عند قصور الخمس عن كفايتهم.
و يدل على ذلك قوله
في موثقة زرارة «1» المتقدمة في الموضع الأول بعد ذكر ما قدمنا نقله: «ثم قال عليه السلام إن الرجل إذا لم يجد شيئا حلت له الميّتة و الصدقة لا تحل لأحد منهم إلا أن لا يجد شيئا و يكون ممن تحل له الميّتة».
إنما الخلاف في القدر الذي يجوز لهم أخذه في تلك الحال، فقيل إنه لا يقدر بقدر و نسبه في المختلف إلى الأكثر، و احتج عليه بأنه أبيح له الزكاة فلا يتقدر بقدر للأخبار الدالة على أن الزكاة لا تتقدر بقدر و أنه يجوز أن يعطى الفقير ما يغنيه «2» و ضعفه يظهر من ما يأتي. و قيل إنه لا يتجاوز قدر الضرورة و استقربه العلامة في المنتهى و الشهيد في الدروس على ما نقل عنهما و اختاره غير واحد من المتأخرين، إلا أنهم فسروا قدر الضرورة بقوت يوم و ليلة، و المفهوم من الخبر و جعله من قبيل أكل الميّتة أن القدر المذكور أقل من ذلك. و بالجملة فالأدلة المتقدمة قد صرحت بالتحريم خرج منه ما وقع عليه الاتفاق نصا و فتوى من القدر الضروري، و بذلك يظهر بطلان القول الأول.
______________________________
(1) الوسائل الباب 33 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 24 من المستحقين للزكاة.
219
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثالث القدر الجائز للهاشمي من الصدقة الواجبة عند قصور الخمس ج 12 ص 219
أقول: و يمكن أن يقال إن قوله عليه السلام «إن الرجل إذا لم يجد شيئا حلت له الميّتة» إنما أريد به بيان تحليل الزكاة في هذه الحال بعد أن كانت محرمة، بمعنى أن الزكاة و إن كانت محرمة عليهم لكنهم متى لم يجدوا شيئا حلت لهم كما أن من لم يجد شيئا تحل له الميّتة المحرمة عليه قبل ذلك، و أما أن أخذهم من الزكاة يتقدر بقدر الأكل من الميّتة فلا دلالة في الكلام عليه، و بالجملة فالغرض من التمثيل إنما هو بيان الانتقال من التحريم إلى التحليل لمكان الاضطرار، و حينئذ متى حل لهم تناول الزكاة جاز الأخذ منها و إن زاد على قدر الضرورة، بل يمكن إدخالهم تحت العمومات الدالة على الإعطاء إلى أن يستغني «1» و بذلك يظهر قوة القول الأول، و الظاهر أن من قال بذلك إنما بنى على ما ذكرناه و هو احتمال قريب إلا أن تقييد الحل في آخر الخبر بأن يكون ممن تحل له الميّتة من ما يشعر ببعده. و الاحتياط لا يخفى.
الرابع [الهاشمي يأخذ الصدقة من مثله]
- لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في جواز أخذ الهاشمي الزكاة من هاشمي مثله في حال الاختيار.
و يدل عليه روايات عديدة: منها- رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي المتقدمة «2»
و موثقة زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «قلت له صدقات بني هاشم بعضهم على بعض تحل لهم؟ فقال نعم صدقة الرسول صلى اللّٰه عليه و آله تحل لجميع الناس من بني هاشم و غيرهم، و صدقات بعضهم على بعض تحل لهم و لا تحل لهم صدقات إنسان غريب».
و رواية جميل عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» و فيها «و لا تحل لهم إلا صدقات بعضهم على بعض».
إلى غير ذلك من الأخبار التي لا ضرورة إلى التطويل بنقلها مع الاتفاق على الحكم المذكور.
الخامس [هل تجوز الصدقة لموالي بني هاشم؟]
- الظاهر أنه لا خلاف في جواز إعطاء الصدقة لموالي بني هاشم
______________________________
(1) الوسائل الباب 24 من المستحقين للزكاة.
(2) ص 218.
(3) الوسائل الباب 32 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 34 من المستحقين للزكاة رقم 4.
220
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الخامس هل تجوز الصدقة لموالي بني هاشم ج 12 ص 220
و المراد بهم كما صرح به في المنتهى عتقاؤهم، لعموم الأدلة خرج منها ما خرج بدليل و بقي الباقي.
و خصوص
رواية جميل بن دراج عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «سألته هل تحل لبني هاشم الصدقة؟ قال لا. قلت تحل لمواليهم؟ قال تحل لمواليهم و لا تحل لهم إلا صدقات بعضهم على بعض».
و صحيحة سعيد بن عبد اللّٰه الأعرج «2» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام أ تحل الصدقة لموالي بني هاشم؟ فقال نعم».
و مرسلة حماد بن عيسى الطويلة الآتية إن شاء اللّٰه تعالى في كتاب الخمس عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح عليه السلام «3» و فيها: «و قد تحل صدقات الناس لمواليهم و هم و الناس سواء».
و رواية ثعلبة بن ميمون «4» قال «كان أبو عبد اللّٰه عليه السلام يسأل شهابا من زكاته لمواليه و إنما حرمت الزكاة عليهم دون مواليهم».
و أما
ما رواه زرارة في الموثق عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «5» في حديث- قال:
«مواليهم منهم و لا تحل الصدقة من الغريب لمواليهم و لا بأس بصدقات مواليهم عليهم».
- فقد أجاب عنه الشيخ في التهذيب بحمل الموالي هنا على المماليك.
و استبعده المحدث الكاشاني في الوافي لعدم جريان ذلك في قوله في بقية الخبر: «و لا بأس بصدقات مواليهم عليهم» قال لأن المملوك لا يجد شيئا يتصدق به فالأولى أن يحمل على الكراهة كما في الإستبصار. انتهى. و هو جيد. و المراد بقوله «صدقات مواليهم عليهم» أي بعضهم على بعض.
البحث الثالث- في كيفية الإخراج و من المتولي له و ما يلحق ذلك من الأحكام
، و في هذا البحث مسائل:
الأولى [هل يجوز تولى المالك تفريق الزكاة؟]
- المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) و لا سيما المتأخرين
______________________________
(1) الوسائل الباب 34 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 34 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 34 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 34 من المستحقين للزكاة.
(5) الوسائل الباب 34 من المستحقين للزكاة.
221
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الأولى هل يجوز تولى المالك تفريق الزكاة ج 12 ص 221
جواز تولي المالك أو وكيله لتفريق الزكاة، و نقل عن الشيخ المفيد و أبي الصلاح و ابن البراج القول بوجوب حملها إلى الإمام عليه السلام مع حضوره و إلى الفقيه الجامع الشرائط مع غيبته.
و الظاهر هو القول المشهور للأخبار المستفيضة في جملة من المواضع التي مرت و تأتي، و منها الأخبار الدالة على الأمر بإيصال الزكاة إلى المستحقين «1» و الأخبار الدالة على نقل الزكاة من بلد إلى آخر مع عدم وجود المستحق «2» و الأخبار الدالة على التوكيل في تفريق الزكاة و أنه يجوز للوكيل أن يأخذ لنفسه حصة من ذلك إذا كان فقيرا و يكون كأحدهم «3» و الأخبار الدالة على اشتراء العبيد منها كما تقدم «4» إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المتكررة في الكتاب في غير باب.
احتج القائلون بالوجوب على ما نقل عنهم بقوله عز و جل «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» «5» قالوا: إن وجوب الأخذ يستلزم وجوب الدفع.
و أجيب بأنه لا نزاع في وجوب الدفع مع طلبه عليه السلام إنما الكلام في وجوب الحمل ابتداء و حينئذ فتحمل الآية على الاستحباب جمعا بينها و بين الأخبار المتقدمة.
أقول: و الذي يقرب بالبال أن يقال لا ريب في أن ظاهر الآية وجوب الأخذ عليه صلى اللّٰه عليه و آله الموجب لطلبه ذلك و نقل ذلك إليه و هو المعلوم من سيرته صلى اللّٰه عليه و آله.
و من ما يدل على ذلك
صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة «6» الدالة على أنه لما نزلت آية الزكاة «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» «7» أمر رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله مناديه فنادى في الناس أن اللّٰه تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة.
إلى أن قال: ثم تركهم حولا ثم وجه عمال الصدقة و عمال الطسوق.
و مثل ذلك الأخبار المتقدمة الدالة على أنه كان يأمر بخرص النخيل و أن الناس كانوا ينقلون
______________________________
(1) الوسائل الباب 4 و 52 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 37 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 40 من المستحقين للزكاة.
(4) ص 181 إلى 183.
(5) سورة التوبة الآية 105.
(6) ص 3.
(7) سورة التوبة الآية 105.
222
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الأولى هل يجوز تولى المالك تفريق الزكاة ج 12 ص 221
إليه زكاتهم «1» و كذا من سيرة أمير المؤمنين عليه السلام كما تدل عليه صحيحة بريد بن معاوية «2» المتضمنة لإرساله عليه السلام مصدقا من الكوفة إلى باديتها و أمره بقبض الصدقات و نقلها، و نحوها رواية ابن مهاجر «3» و غيرها. و من أجل ذلك صرح الشيخ و من تبعه كما هو المشهور بأنه يجب على الإمام أن ينصب عاملا للصدقات.
و جميع ذلك من ما يدل على وجوب طلب الإمام لذلك و وجوب النقل إليه، و لا يخفى ما فيه من المنافاة للأخبار المشار إليها أولا لدلالتها صريحا على جواز تولي المالك لذلك بنفسه أو وكيله.
و لعل وجه التوفيق بينها هو تخصيص ما دل من الأخبار على وجوب طلب الإمام لذلك و وجوب الدفع إليه بزمان بسط يده عليه السلام و قيامه بالأمر كزمانه صلى اللّٰه عليه و آله و زمان خلافة أمير المؤمنين عليه السلام و ما دل على جواز تولي المالك لذلك بزمانهم (عليهم السلام) لقصر يدهم عن القيام بأمر الولاية «4» و ما يترتب عليها فرخصوا للشيعة في صرفها و لم يوجبوا عليهم حملها و نقلها لهم لمقام التقية و دفع الشناعة و الشهرة، و حينئذ فلا منافاة في هذه الأخبار لظاهر الآية و لا يحتاج إلى حمل الآية على الاستحباب كما صرح به الأصحاب لدفع التنافي بينها و بين الأخبار في هذا الباب.
و من ما يعضد ما قلناه
ما رواه الصدوق (قدس سره) في كتاب العلل عن أبيه عن سعد بن عبد اللّٰه عن الحسن بن علي الكوفي عن عبد اللّٰه بن المغيرة عن سفيان ابن عبد المؤمن الأنصاري عن عمر بن شمر عن جابر «5» قال: «أقبل رجل إلى أبي جعفر عليه السلام و أنا حاضر فقال رحمك اللّٰه اقبض مني هذه الخمسمائة درهم فضعها في مواضعها فإنها زكاة مالي. فقال أبو جعفر عليه السلام بل خذها أنت و ضعها في جيرانك
______________________________
(1) ص 132 إلى 136.
(2) ص 51.
(3) الوسائل الباب 14 من زكاة الأنعام.
(4) في الخطية «بأمر الإمامة».
(5) الوسائل الباب 36 من المستحقين للزكاة.
223
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الأولى هل يجوز تولى المالك تفريق الزكاة ج 12 ص 221
و الأيتام و المساكين و في إخوانك من المسلمين، إنما يكون هذا إذا قام قائمنا عليه السلام فإنه يقسم بالسوية و يعدل في خلق الرحمن البر منهم و الفاجر. الحديث».
الثانية [حمل الزكاة إلى الإمام أو الفقيه]
- قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم)- بل الظاهر أنه لا خلاف فيه بينهم- بأنه يستحب حمل الزكاة إلى الإمام و مع عدم وجوده فإلى الفقيه الجامع الشرائط و أنه يتأكد الاستحباب في الأموال الظاهرة كالمواشي و الغلات و عللوا استحباب نقلها إلى الإمام عليه السلام بأنه أبصر بمواقعها و أعرف بمواضعها و لما في ذلك من إزالة التهمة عن المالك بمنع الحق و تفضيل بعض المستحقين بمجرد الميل الطبيعي.
و أنت خبير بأن الاستحباب حكم شرعي و في ثبوت الأحكام الشرعية بمثل هذه التعليلات العقلية و المناسبات الذوقية إشكال سيما مع ما عرفت من رواية جابر المتقدمة و عدم قبول الإمام عليه السلام لذلك و أمره السائل بتفريقها بنفسه.
و أما تأكد الاستحباب في الأموال الظاهرة فقد قال في المدارك أنا لم نقف على حديث يدل عليه بمنطوقه، و لعل الوجه فيه ما يتضمنه من الإعلان بشرائع الإسلام و الاقتداء بالسلف الكرام. انتهى. و فيه ما في سابقه.
ثم أنه لو كان الأمر كما يدعونه من استحباب حمل ذلك إلى الإمام فكيف غفل أصحاب الأئمّة (عليهم السلام) عن ذلك مع تهالكهم على التقرب إليهم (صلوات اللّٰه عليهم) حتى أن الصادق عليه السلام كان يسأل شهاب بن عبد ربه من زكاته لمواليه كما تقدم الخبر بذلك «1» و ما دل من الأخبار على أن أصحابهم كانوا يفرقون زكاتهم بأنفسهم أو وكلائهم كثير متفرق في ضمن أخبار هذا الكتاب «2».
الثالثة [عدم وجوب البسط في الزكاة]
- الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في عدم وجوب البسط على الأصناف و أنه يجوز تخصيص جماعة من كل صنف أو صنف واحد بل شخص واحد من بعض الأصناف، قالوا نعم يستحب بسطها على الأصناف
______________________________
(1) ص 221.
(2) ص 208 و 210 و 211 و 212.
224
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثالثة عدم وجوب البسط في الزكاة ج 12 ص 224
أقول: أما ما ذكروه من الحكم الأول فلا ريب فيه و الأخبار به مستفيضة و منها-
حسنة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر و لا يقسمها بينهم بالسوية إنما يقسمها على قدر من يحضرها منهم و ما يرى ليس في ذلك شيء موقت».
و صحيحة أحمد بن حمزة «2» قال: «قلت لأبي الحسن عليه السلام رجل من مواليك له قرابة كلهم يقول بك و له زكاة أ يجوز أن يعطيهم جميع زكاته؟ قال نعم».
و حسنة زرارة بل صحيحته بإبراهيم بن هاشم «3» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام رجل حلت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دين أ يؤدي زكاته في دين أبيه و للابن مال كثير؟ فقال عليه السلام إن كان أبوه أورثه مالا. إلى أن قال و إن لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد أحق بزكاته من دين أبيه فإذا أداها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه».
و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام المتقدمة في صنف الرقاب «4» المتضمنة لجواز شراء نسمة يعتقها إذا كان عبدا مسلما في ضرورة بمال زكاته.
و صحيحة علي بن يقطين المتقدمة أيضا «5» المتضمنة لجواز أن يحج مواليه و أقاربه بمال الزكاة. إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة، و بالجملة فالحكم اتفاقي نصا و فتوى و ما ربما يتوهم من مخالفة ظاهر الآية «6» لذلك كما تمسك به بعض العامة «7» فقد أجاب عنه في المعتبر بأن اللام في الآية الشريفة للاختصاص لا للملك كما تقول:
«الباب للدار» فلا تقتضي وجوب البسط و لا التسوية في العطاء.
و أجاب عنه في المنتهى بأن المراد بالآية الشريفة بيان المصرف أي الأصناف
______________________________
(1) الوسائل الباب 28 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 15 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 18 من المستحقين للزكاة.
(4) ص 181.
(5) ص 199.
(6) و هي قوله تعالى «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ.» سورة التوبة الآية 61.
(7) المحلى ج 6 ص 144، و المغني ج 2 ص 669، و المهذب ج 1 ص 171.
225
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الثالثة عدم وجوب البسط في الزكاة ج 12 ص 224
التي تصرف الزكاة إليهم لا إلى غيرهم كقوله «إنما الخلافة لقريش».
و أما ما ذكروه من استحباب البسط فلم أقف فيه على نص، و غاية ما عللوه به كما ذكره في المدارك بما فيه من شمول النفع و عموم الفائدة، و لأنه أقرب إلى امتثال ظاهر الآية. و لا يخفى ما فيه من الوهن و الضعف.
و استدل عليه في التذكرة و المنتهى بما فيه من التخلص من الخلاف و حصول الإجزاء يقينا. و الظاهر أنه أشار بذلك إلى خلاف العامة «1» لأنه صرح قبل ذلك بإجماع علمائنا على عدم وجوب البسط، و هو أضعف من سابقه.
الرابعة [استحباب تفضيل بعض المستحقين إذا كان فيه ما يقتضيه]
- قد صرح الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) باستحباب ترجيح بعض المستحقين على بعض لأسباب تقتضي ذلك ككونه أفضل أو كونه ممن يستحي من السؤال أو كونه رحما و نحو ذلك.
و على ذلك دلت الأخبار أيضا
كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج «2» قال:
«سألت أبا الحسن عليه السلام عن الزكاة أ يفضل بعض من يعطى ممن لا يسأل على غيره؟
قال نعم يفضل الذي لا يسأل على الذي يسأل».
و ما رواه الكليني عن عتيبة بن عبد اللّٰه بن عجلان السكوني «3» قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام إني ربما قسمت الشيء بين أصحابي أصلهم به فكيف أعطيهم؟ فقال أعطهم على الهجرة في الدين و العقل و الفقه».
و ما رواه إسحاق بن عمار في الموثق عن أبي الحسن موسى عليه السلام «4» قال:
«قلت له لي قرابة أنفق على بعضهم و أفضل بعضهم على بعض فيأتيني إبان الزكاة أ فأعطيهم منها؟ قال مستحقون لها؟ قلت نعم. قال هم أفضل من غيرهم. الحديث».
______________________________
(1) في المهذب ج 1 ص 171 الوجوب، و في البداية ج 1 ص 266 نسبه إلى الشافعي أيضا و إلى مالك و أبي حنيفة العدم، و في المحلى ج 6 ص 144 نقل الخلاف، و في البدائع ج 2 ص 47 اختار العدم.
(2) الوسائل الباب 25 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 25 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 15 من المستحقين للزكاة.
226
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الرابعة استحباب تفضيل بعض المستحقين إذا كان فيه ما يقتضيه ج 12 ص 226
و لا ينافي هذا الخبر
ما رواه الكليني في الحسن بإبراهيم بن هاشم الذي هو صحيح عندي عن زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «إن الصدقة و الزكاة لا يحابى بها قريب و لا يمنعها بعيد».
لحمل الأول على استحباب تفضيل الرحم بالزيادة على غيره و حمل هذا الخبر على المنع من دفع الجميع إلى القريب و حرمان البعيد بالكلية بل يقسم ذلك على القريب و البعيد و إن فضل القريب لقربه بالزيادة و قد تقدم في بعض الأخبار «2»
«لا تعطين قرابتك الزكاة كلها و لكن أعطهم بعضا و اقسم بعضا في سائر المسلمين».
و بالجملة فإن أصل الحكم من ما لا إشكال فيه و لا خلاف بين الأصحاب إلا أنه
قد روى الشيخ في التهذيب بسنده عن حفص بن غياث «3» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول و سئل عن قسمة بيت المال فقال أهل الإسلام هم أبناء الإسلام أسوي بينهم في العطاء و فضائلهم بينهم و بين اللّٰه أجعلهم كبني رجل واحد لا يفضل أحد منهم لفضله و صلاحه في الميراث على آخر ضعيف منقوص، قال و هذا هو فعل رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله في بدو أمره، و قد قال غيرنا أقدمهم في العطاء بما قد فضلهم اللّٰه تعالى بسوابقهم في الإسلام إذا كانوا بالإسلام قد أصابوا ذلك فأنزلهم على مواريث ذوي الأرحام بعضهم أقرب من بعض و أوفر نصيبا لقربه من الميّت و إنما ورثوا برحمهم، و كذلك كان عمر يفعله».
و لا يخفى ما في هذا الخبر من الإشكال فإنه ظاهر في أن ما كان مالا لله سبحانه كمال الخراج و الزكاة فإنه يقسم على السوية و التفضيل إنما يكون في الصدقات المستحبة التي هي من مال الإنسان.
و لم أر بمضمونه قائلا إلا ما يظهر من المحدث الكاشاني في الوافي حيث قال بعد نقل خبر عبد اللّٰه بن عجلان المذكور: بيان- إنما رخص له التفضيل على الفقه و الدين لأنه إنما يصلهم بماله و ليس له ذلك في قسمة حق اللّٰه فيهم كما يأتي. ثم أورد
______________________________
(1) الوسائل الباب 4 من المستحقين للزكاة.
(2) هذا اللفظ في حديث أبي خديجة المتقدم بعضه ص 214 و لم يتقدم هو.
(3) الوسائل الباب 29 من أبواب جهاد العدو.
227
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الرابعة استحباب تفضيل بعض المستحقين إذا كان فيه ما يقتضيه ج 12 ص 226
رواية حفص المذكورة ثم قال بعدها: قد مضى في كتاب الحجة أن القائم عليه السلام إذا ظهر قسم المال بين الرعية بالسوية، و في باب سيرتهم بين الناس أن ذلك حقهم على الإمامة. انتهى.
و المسألة لا تخلو من الإشكال لما عرفت من اتفاق الأصحاب سلفا و خلفا على جواز التفضيل حتى أن الكليني (قدس سره) في الكافي «1» عقد له بابا على حدة فقال: «باب تفضيل أهل الزكاة بعضهم على بعض» و أورد فيه أولا حديث عبد اللّٰه بن عجلان المذكور ثم رواية عبد الرحمن بن الحجاج.
و الشيخ المفيد على ما نقل عنه في المختلف ذهب إلى وجوب التفضيل حيث قال: يجب تفضيل الفقراء في الزكاة على قدر منازلهم في الفقه و البصيرة و الطهارة و الديانة. انتهى.
و الظاهر حمل الخبر المذكور على التخصيص بمال الخراج و هو الذي علم من النبي صلى اللّٰه عليه و آله و علي عليه السلام في زمن خلافته تسوية الناس في قسمته.
و قد ورد أيضا استحباب صرف صدقة المواشي إلى المتجملين و صرف صدقة غيرها إلى الفقراء المدقعين
كما رواه الكليني عن عبد اللّٰه بن سنان «2» قال «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام إن صدقة الخف و الظلف تدفع إلى المتجملين من المسلمين و أما صدقة الذهب و الفضة و ما كيل بالقفيز من ما أخرجت الأرض فللفقراء المدقعين.
قال ابن سنان قلت و كيف صار هذا هكذا؟ فقال لأن هؤلاء متجملون يستحيون من الناس فيدفع إليهم أجمل الأمرين عند الناس، و كل صدقة».
و روى الشيخ المفيد في المقنعة عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال «تعطى صدقة الأنعام لذوي التجمل من الفقراء لأنها أرفع من صدقة الأموال و إن كان جميعها صدقة و زكاة و لكن أهل التجمل يستحيون أن يأخذوا صدقات الأموال».
______________________________
(1) الفروع ج 1 ص 155.
(2) الوسائل الباب 26 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 26 من المستحقين للزكاة.
228
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الخامسة هل يجوز تأخير الزكاة عند إمكان الدفع ج 12 ص 229
الخامسة [هل يجوز تأخير الزكاة عند إمكان الدفع؟]
- اختلف الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في جواز تأخير الزكاة بعد حول الحول و إمكان الدفع، فالمشهور أنه لا يجوز التأخير إلا لعذر كعدم وجود المستحق و نحوه.
قال الشيخ المفيد في المقنعة: الأصل في إخراج الزكاة عند حلول وقتها دون تقديمها عليه و تأخيرها عنه كالصلاة، و قد جاء عن الصادقين عليهم السلام «1» رخص في تقديمها شهرين قبل محلها و تأخيرها شهرين عنه، و جاء ثلاثة أشهر أيضا و أربعة عند الحاجة إلى ذلك و ما يعرض من الأسباب، و الذي أعمل عليه هو الأصل المستفيض عن آل محمد (عليهم السلام) من لزوم الوقت «2».
و قال الشيخ في النهاية: و إذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه على الفور و لا يؤخره، قال: و إذا عزل ما يجب عليه فلا بأس أن يفرقه ما بين شهر و شهرين و لا يجعل ذلك أكثر منه.
و ظاهر الشهيدين جواز التأخير بل جزم الشهيد الثاني بجواز تأخيرها شهرا و شهرين خصوصا للبسط و لذي المزية، و اختاره في المدارك.
أقول: لا يخفى أن أكثر الأخبار صريحة الدلالة في جواز التأخير، و منها
صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين و تأخيرها شهرين».
و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» «أنه قال في الرجل يخرج زكاته فيقسم بعضها و يبقى بعض يلتمس لها المواضع فيكون بين أوله و آخره ثلاثة أشهر؟ قال لا بأس».
و موثقة يونس بن يعقوب «5» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام زكاتي تحل علي
______________________________
(1) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 53 من المستحقين للزكاة.
(5) الوسائل الباب 52 من المستحقين للزكاة.
229
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الخامسة هل يجوز تأخير الزكاة عند إمكان الدفع ج 12 ص 229
في شهر أ يصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني؟ فقال إذا حال الحول فأخرجها من مالك و لا تخلطها بشيء ثم أعطها كيف شئت. قال قلت فإن أنا كتبتها و أثبتها أ يستقيم لي؟ قال نعم لا يضرك».
و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «قلت له الرجل تحل عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخرها إلى المحرم؟ قال لا بأس. قال قلت فإنها لا تحل عليه إلا في المحرم فيعجلها في شهر رمضان؟ قال لا بأس».
هذا ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على جواز التأخير.
إلا أنه قد ورد في بعض الأخبار أيضا ما يدل على التعجيل و عدم جواز التأخير مثل
صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام «2» قال «سألته عن الرجل تحل عليه الزكاة في السنة في ثلاثة أوقات أ يؤخرها حتى يدفعها في وقت واحد؟ قال متى حلت أخرجها».
و رواية أبي بصير المروية في آخر كتاب السرائر نقلا من نوادر محمد بن علي بن محبوب «3» قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام إذا أردت أن تعطي زكاتك قبل حلها بشهر أو شهرين فلا بأس، و ليس لك أن تؤخرها بعد حلها».
و ظاهر عبارة الشيخ المفيد (قدس سره) المتقدمة استفاضة الأخبار عنده بالإخراج في وقتها حتى أنه جعل التأخير من قبيل الرخصة و مع هذا عدل عنه وقوفا على ما ذكره من الأخبار المشار إليها، و لعلها وصلت إليه و لم تصل إلينا.
و لعل الأظهر في الجمع بين هذه الأخبار هو أن يقال إن الواجب هو إخراجها متى وجبت إلا أن يعزلها أو يثبتها فيجوز له التأخير شهرين و ثلاثة و إخراجها شيئا فشيئا، و إلى هذا يشير كلام الشيخ في النهاية، و الظاهر أنه جعله وجه جمع بين أخبار المسألة.
______________________________
(1) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 52 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 52 من المستحقين للزكاة.
230
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الخامسة هل يجوز تأخير الزكاة عند إمكان الدفع ج 12 ص 229
و قال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه «1»: و قد روي في تقديم الزكاة و تأخيرها أربعة أشهر و ستة أشهر، إلا أن المقصود منها أن تدفعها إذا وجبت عليك، و لا يجوز لك تقديمها و لا تأخيرها لأنها مقرونة بالصلاة و لا يجوز تقديم الصلاة قبل وقتها و لا تأخيرها إلا أن تكون قضاء و كذلك الزكاة، فإن أحببت أن تقدم من زكاة مالك شيئا تفرج به عن مؤمن فاجعله دينا عليه فإذا حلت عليك فاحسبها له زكاة ليحسب لك من زكاة مالك و يكتب لك أجر القرض. و لا يخفى ما في هذا الكلام من الغموض بل التدافع.
مع أن هذه العبارة مأخوذة من كتاب الفقه الرضوي على النحو الذي قدمنا ذكره في غير مقام.
حيث قال عليه السلام «2» و إني أروي عن أبي في تقديم الزكاة و تأخيرها أربعة أشهر و ستة أشهر، إلا أن المقصود منها أن تدفعها إذا وجبت عليك، و لا يجوز لك تقديمها و لا تأخيرها لأنها مقرونة بالصلاة و لا يجوز لك تقديم الصلاة قبل وقتها و لا تأخيرها إلا أن تكون قضاء و كذلك الزكاة، و إن أحببت أن تقدم من زكاة مالك شيئا تفرج به عن مؤمن فاجعلها دينا عليه فإذا حلت عليك وقت الزكاة فاحسبها له زكاة فإنه يحسب لك من زكاة مالك و يكتب لك أجر القرض و الزكاة.
انتهى.
و الذي يظهر لي في معنى هذا الكلام و رفع ما يوهم التناقض هو أنه بعد أن نقل عن أبيه عليه السلام جواز التقديم و التأخير أراد تأويله- بناء على ما أفتى به من وجوب دفعها متى وجبت و أنه لا يجوز التقديم فيها و لا التأخير كالصلاة المقيدة بوقت مخصوص- بحمل التقديم على أن يكون على جهة القرض و حمل التأخير على العذر المانع من الدفع وقت الوجوب كالصلاة التي تكون قضاء بالعذر الموجب لتأخيرها عن وقتها.
______________________________
(1) الفقيه ج 2 ص 10 و في الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة.
(2) ص 22.
231
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
الخامسة هل يجوز تأخير الزكاة عند إمكان الدفع ج 12 ص 229
و من هذا يظهر مستند ما ذهب إليه الشيخ المفيد و غيره من المتقدمين من وجوب الإخراج وقت الوجوب و عدم جواز التأخير و يكون من قبيل ما تقدم في غير موضع من اختصاص المستند بهذا الكتاب.
و كيف كان فالاحتياط بإخراجها متى وجبت إلا لعذر من ما لا ينبغي تركه. و اللّٰه العالم.
السادسة [هل يجوز تعجيل الزكاة قبل وقتها؟]
- المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) أنه لا يجوز تعجيل الزكاة قبل وقتها إلا أن يكون المدفوع دينا على جهة القرض ثم يحتسب به بعد الوجوب مع بقاء الشرائط، و نقل عن ظاهر ابن أبي عقيل و سلار جواز التعجيل و الظاهر هو القول المشهور و يدل عليه أولا ما تقدم من الأخبار الدالة على أن حول الحول شرط في الوجوب «1» فلم يجز تقديم الواجب عليه كما لا يقدم على النصاب.
و أورد عليه بأنه يجوز أن يكون الوجوب في الوقت عند استجماع الشرائط مقيدا بعدم الإتيان بها سابقا عليه و يكون التقديم جائزا لا بد لنفيه من دليل.
كذا أورده الفاضل الخراساني في الذخيرة.
و فيه أن من جملة أخبار الحول
قولهما (عليهما السلام) في صحيحة الفضلاء «2» «و كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شيء عليه فيه فإذا حال عليه الحول وجب عليه».
و لا ريب في دلالة صدر الكلام على نفي الزكاة قبل حول الحول، و كلامه هذا و إن أمكن إجراؤه في قوله: «فإذا حال عليه الحول وجب عليه» بمعنى تقييد الوجوب بما إذا لم يخرجها سابقا بعنوان الزكاة إلا أنه لا يستقيم في صدر الكلام لدلالته على نفي الزكاة قبل أن يحول عليه الحول و متى انتفى ثبوت الزكاة قبل الحول انتفى الإخراج بعنوان الزكاة البتة،
و في صحيحة علي بن يقطين «3» «كل ما لم يحل عليه
______________________________
(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الأنعام و 15 من زكاة الذهب و الفضة.
(2) الوسائل الباب 8 من زكاة الأنعام.
(3) الوسائل الباب 15 من زكاة الذهب و الفضة.
232
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
السادسة هل يجوز تعجيل الزكاة قبل وقتها ج 12 ص 232
عندك الحول فليس عليك فيه زكاة».
و التقريب ما تقدم، و نحو ذلك في الأخبار غير عزيز.
و ثانيا- ما رواه
في الكافي في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن عمر ابن يزيد «1» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام الرجل يكون عنده المال أ يزكيه إذا مضى نصف السنة؟ قال لا و لكن حتى يحول عليه الحول و يحل عليه، إنه ليس لأحد أن يصلي صلاة إلا لوقتها و كذلك الزكاة، و لا يصومن أحد شهر رمضان إلا في شهره إلا قضاء، و كل فريضة إنما تؤدى إذا حلت».
و صحيحة زرارة «2» قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام أ يزكي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال لا، أ يصلي الأولى قبل الزوال؟».
و يدل على القول الآخر صحيحتا حماد بن عثمان و معاوية بن عمار المتقدمتان «3»
و ما رواه الكليني في الصحيح إلى أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» قال: «سألته عن رجل يكون نصف ماله عينا و نصفه دينا فتحل عليه الزكاة؟ قال يزكي العين و يدع الدين. قلت فإنه اقتضاه بعد ستة أشهر؟ قال يزكيه حين اقتضاه.
قلت فإن هو حال عليه الحول و حل الشهر الذي كان يزكي فيه و قد أتى لنصف ماله سنة و لنصفه الآخر ستة أشهر؟ قال يزكي الذي مرت عليه سنة و يدع الآخر حتى تمر عليه سنة. قلت فإن اشتهى أن يزكي ذلك؟ قال ما أحسن ذلك».
و ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن عثمان عن رجل عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «5» قال: «سألته عن الرجل يأتيه المحتاج فيعطيه من زكاته في أول السنة؟
فقال إن كان محتاجا فلا بأس».
و ما رواه عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «6» قال: «سألته عن الرجل
______________________________
(1) الوسائل الباب 51 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 51 من المستحقين للزكاة.
(3) ص 229 و 230.
(4) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة و 49 من المستحقين للزكاة.
(5) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة.
(6) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة، و في الإستبصار ج 2 ص 32 و التهذيب ج 1 ص 361 «ثمانية أشهر» نعم في الطبعة الحديثة من التهذيب ج 4 ص 44: في بعض المخطوطات «خمسة أشهر».
233
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
السادسة هل يجوز تعجيل الزكاة قبل وقتها ج 12 ص 232
يعجل زكاته قبل المحل؟ قال إذا مضت خمسة أشهر فلا بأس».
و يدل على ذلك أيضا رواية أبي بصير المتقدمة في سابق هذه المسألة «1» بنقل ابن إدريس من كتاب نوادر محمد بن علي بن محبوب.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الشيخ في كتابي الأخبار قد أجاب عن صحيحتي حماد ابن عثمان و معاوية بن عمار و ما في معناهما بالحمل على أن التقديم على سبيل القرض لا أنه زكاة معجلة.
و استدل على هذا التأويل
بما رواه في الصحيح عن الأحول عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» «في رجل عجل زكاة ماله ثم أيسر المعطى قبل رأس السنة؟ قال يعيد المعطي الزكاة».
و اعترضه المحقق في المعتبر بأن ما ذكره الشيخ ليس حجة على ما ادعاه إذ يمكن القول بجواز التعجيل مع ما ذكره، مع أن الرواية تضمنت أن المعجل زكاة فتنزيله على القرض تحكم. انتهى. و هو جيد.
و من ما يضعف هذا الحمل إن الروايات قد دلت على أنها زكاة معجلة كما دلت على جواز تأخيرها شهرين و ثلاثة، فالتقديم إنما هو بعنوان الزكاة لا القرض كما أن التأخير كذلك و إلا لم يصدق أنه عجل زكاته بل يقال أقرض. و أيضا لو كان المراد إنما هو بمعنى القرض لكان الاقتصار على الشهرين أو الثلاثة أو نحو ذلك من ما ورد في تلك الأخبار لا معنى له، مع أن جمعا من محققي الأصوليين يذهبون إلى حجية مفهوم العدد، بل قال شيخنا الشهيد الثاني في تمهيده أنه مذهب أكثر الأصوليين، و لا ريب أن ذلك لا يجري في ما كان على سبيل القرض و إنما يجري في ما لو كان زكاة معجلة فيكون جواز تقديمها مقيدا بتلك المدة المذكورة في الأخبار. و بالجملة فالروايات المذكورة ظاهرة
______________________________
(1) ص 230.
(2) الوسائل الباب 50 من المستحقين للزكاة.
234
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12
السادسة هل يجوز تعجيل الزكاة قبل وقتها ج 12 ص 232
في جواز تعجيل الزكاة كما هو المدعى منها و تأويلها بما ذكر تعسف ظاهر.
و بذلك يظهر ما في كلام السيد السند في المدارك حيث قال: و ما ذكره الشيخ في الجمع جيد إلا أن جواز التعجيل على سبيل القرض لا يتقيد بالشهرين و الثلاثة فلا يظهر للتخصيص على هذا التقدير وجه، لكن ليس في الروايتين ما يدل على التخصيص بالحكم صريحا، و التخصيص بالذكر لا يقتضي التخصيص بالحكم خصوصا الرواية الأولى، فإن التخصيص فيها وقع في كلام السائل و ليس في الجواب عن المقيد المسئول عنه دلالة على نفي الحكم عن ما عداه. انتهى.
فإن فيه أولا- أن كلامه هذا إنما يتجه على القول بعدم حجية مفهوم العدد و أما على القول بذلك كما قدمناه فيجب تقييد الجواز بذلك البتة.
و ثانيا- أنه قد جزم بذلك بالنسبة إلى التأخير كما تقدم في كلامه تبعا لجده (قدس سره) كما قدمنا نقله عنه، و الكلام في المقامين واحد فإن كانت الأخبار المذكورة لا دلالة فيها على التخصيص بالحكم كما ذكره هنا ففي الموضعين و إلا فلا معنى لكلامه هنا مع اعتباره التخصيص بالحكم في صورة التأخير، و بالجملة فإن تخصيص الحكم إنما يتجه على تقدير القول بحجية مفهوم العدد فكيف يكون مفهوم العدد حجة في المس