×
☰ فهرست و مشخصات
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الجزء الثاني عشر

الجزء الثاني عشر
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين و صلى اللّٰه على نبيه محمد و آله الطاهرين.
كتاب الزكاة
و هي لغة تطلق على معنيين: الطهارة و الزيادة و النمو، و من الأول قوله عز و جل «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّٰاهٰا» «1» أي طهرها من الأخلاق الذميمة، و من الثاني قوله عز وجل «ذٰلِكُمْ أَزْكىٰ لَكُمْ وَ أَطْهَرُ» «2» أي أنمى لكم و أعظم بركة، و الحمل على الأول و إن أمكن إلا أنه يصير عطف الطهارة من قبيل التأكيد و الحمل على التأسيس خير من التأكيد.
و سميت به الصدقة المخصوصة لكونها مطهرة للمال من الأوساخ المتعلقة به أو للنفوس من رذائل البخل و ترك مواساة الإخوان المحتاجين من أبناء النوع، و لكونها تنمي الثواب و تزيده و كذلك تنمي المال و تزيده و إن ظن الجاهل البخيل أنها تنقصه.
و قد اختلف الفقهاء في تعريفها بما لا يكاد يسلم واحد منها من المناقشة‌
______________________________
(1) سورة الشمس الآية 9.
(2) سورة البقرة الآية 232.

2
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

كتاب الزكاة ج 12 ص 2

و ليس في التعرض لها مزيد فائدة، و الأمر في التعريف هين بعد وضوح المعرف في حد ذاته.
و الكلام في هذا الكتاب يقع في مقدمة و بابين،
[المقدمة]
أما المقدمة ففيها فصول:
الفصل الأول- في وجوبها‌
و هي واجبة بالكتاب و السنة، قال اللّٰه عز و جل «وَ أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ» «1» و قال «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» «2» و قال «وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لٰا يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ» «3».
و أما السنة فمستفيضة جدا، و منها-
ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن عبد اللّٰه بن سنان «4» قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام لما نزلت آية الزكاة «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» «5» و أنزلت في شهر رمضان فأمر رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله مناديه فنادى في الناس أن اللّٰه تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ففرض اللّٰه عليهم من الذهب و الفضة و فرض عليهم الصدقة من الإبل و البقر و الغنم و من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و نادى فيهم بذلك في شهر رمضان و عفا لهم عن ما سوى ذلك. قال عليه السلام ثم لم يتعرض لشي‌ء من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فصاموا و أفطروا فأمر مناديه فنادى في المسلمين أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل صلاتكم. قال عليه السلام ثم وجه عمال الصدقة و عمال الطسوق».
أقول: الطسق بالفتح ما يوضع من الخراج على كل جريب من الأرض فارسي معرب.
و ما رواه في الصحيح عن الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السلام) «6» قالا: «فرض اللّٰه الزكاة مع الصلاة».
أقول: الظاهر من المعية المقارنة‌
______________________________
(1) سورة البقرة الآية 43.
(2) سورة التوبة الآية 103.
(3) سورة فصلت الآية 6 و 7.
(4) ج 1 ص 139 و في الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة و نقله فيه و في الباب 1 من الفقيه أيضا.
(5) سورة التوبة الآية 103.
(6) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة.

3
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الفصل الأول في وجوبها ج 12 ص 3

في الرتبة كما يشعر به الحديث الآتي.
و ما رواه أيضا عن معروف بن خربوذ عن أبي جعفر عليه السلام «1» قال «إن اللّٰه عز و جل قرن الزكاة بالصلاة فقال «وَ أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ» فمن أقام الصلاة و لو يؤت الزكاة فلم يقم الصلاة».
و ما رواه في الفقيه عن عبد اللّٰه بن مسكان يرفعه إلى أبي جعفر عليه السلام «2» قال:
«بينا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله في المسجد إذ قال قم يا فلان قم يا فلان قم يا فلان حتى أخرج خمسة نفر فقال صلى اللّٰه عليه و آله اخرجوا من مسجدنا لا تصلوا فيه و أنتم لا تزكون».
و ما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «من منع قيراطا من الزكاة فليس بمؤمن و لا مسلم و هو قوله تعالى رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صٰالِحاً فِيمٰا تَرَكْتُ» «4».
قال: و في رواية أخرى «5» قال: «و لا تقبل له صلاة».
و بهذا المضمون روايات عديدة أعرضنا عن نقلها.
و ما رواه فيه أيضا عن أبي بصير «6» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول من منع الزكاة سأل الرجعة عند الموت و هو قول اللّٰه تعالى رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صٰالِحاً فِيمٰا تَرَكْتُ» «7».
و ما رواه فيه عن أبي بصير أيضا عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «8» قال: «من منع قيراطا من الزكاة فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا».
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة‌
الفصل الثاني- في عقاب مانعها
، روى في الكافي عن عبد اللّٰه بن سنان «9» قال: «قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله ما من ذي زكاة مال نخل أو زرع أو كرم يمنع زكاة ماله إلا قلده اللّٰه تعالى تربة أرضه يطوق بها من سبع أرضين إلى يوم القيامة».
و روى في الكافي و الفقيه عن أيوب بن راشد «10» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه
______________________________
(1) الوسائل الباب 3 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 3 من ما تجب فيه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 4 من ما تجب فيه الزكاة.
(4) سورة المؤمنون الآية 99 و 100.
(5) الوسائل الباب 4 من ما تجب فيه الزكاة.
(6) الوسائل الباب 3 من ما تجب فيه الزكاة.
(7) سورة المؤمنون الآية 99 و 100.
(8) الوسائل الباب 4 من ما تجب فيه الزكاة.
(9) الوسائل الباب 3 من ما تجب فيه الزكاة.
(10) الوسائل الباب 3 من ما تجب فيه الزكاة.

 

4
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الفصل الثاني في عقاب مانعها ج 12 ص 4

عليه السلام يقول مانع الزكاة يطوق بحية قرعاء تأكل من دماغه و ذلك قوله تعالى سَيُطَوَّقُونَ مٰا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ» «1».
أقول: القرعاء من الحيات ما سقط شعر رأسها لكثرة سمها.
و روى في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم «2» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن قول اللّٰه تعالى سَيُطَوَّقُونَ مٰا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ؟ فقال يا محمد ما من أحد يمنع من زكاة ماله شيئا إلا جعل اللّٰه تعالى ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار مطوقا في عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب، ثم قال عليه السلام هو قول اللّٰه تعالى سَيُطَوَّقُونَ مٰا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ. يعني ما بخلوا به من الزكاة».
و روى في الكافي و الفقيه عن حريز «3» قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام ما من ذي مال ذهب أو فضة يمنع زكاة ماله إلا حبسه اللّٰه يوم القيامة بقاع قرقر و سلط عليه شجاعا أقرع يريده و هو يحيد عنه فإذا رأى أنه لا يتخلص منه أمكنه من يده فقضمها كما يقضم الفحل ثم يصير طوقا في عنقه، و ذلك قول اللّٰه تعالى «سَيُطَوَّقُونَ مٰا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ» و ما من ذي مال إبل أو غنم أو بقر يمنع زكاة ماله إلا حبسه اللّٰه عز و جل يوم القيامة بقاع قرقر تطؤه كل ذات ظلف بظلفها و تنهشه كل ذات ناب بنابها، و ما من ذي مال نخل أو كرم أو زرع يمنع زكاتها إلا طوقه اللّٰه تعالى ريعة أرضه إلى سبع أرضين يوم القيامة».
أقول: قيل القاع الأرض السهلة المطمئنة قد انفرجت عنها الجبال، و القرقر الأرض المستوية اللينة، و في بعض النسخ «قفر» و هو الخلاء من الأرض، و شجاع بالضم و الكسر: الحية أو الذكر منها أو ضرب منها، و الحيد الميل، و القضم‌
______________________________
(1) سورة آل عمران الآية 180.
(2) الفروع ج 1 ص 141 و في الوسائل الباب 3 من ما تجب فيه الزكاة عن أبي جعفر (ع) بسند آخر و هو كذلك في الفروع ج 1 ص 142.
(3) الوسائل الباب 3 من ما تجب فيه الزكاة.

5
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الفصل الثاني في عقاب مانعها ج 12 ص 4

بالمعجمة: الأكل بأطراف الأسنان، و الفحل بالمهملة: الذكر من كل حيوان و من الإبل خاصة و هو المراد هنا، و الريع بكسر الراء و فتحها ثم المثناة من تحت ثم المهملة: المرتفع من الأرض واحدته بهاء.
و روى في الكافي عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام «1» قال: «إن اللّٰه تعالى يبعث يوم القيامة ناسا من قبورهم مشدودة أيديهم إلى أعناقهم لا يستطيعون أن يتناولوا بها قيس أنملة معهم ملائكة يعيرونهم تعييرا شديدا يقولون: هؤلاء الذين منعوا خيرا قليلا من خير كثير، هؤلاء الذين أعطاهم اللّٰه تعالى فمنعوا حق اللّٰه في أموالهم».
أقول: القيس بالكسر القدر.
و روى في الكافي و الفقيه عن أبان بن تغلب «2» قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام دمان في الإسلام حلال من اللّٰه تعالى لا يقضي فيهما أحد حتى يبعث اللّٰه تعالى قائمنا أهل البيت فإذا بعث اللّٰه تعالى قائمنا أهل البيت حكم فيهما بحكم اللّٰه لا يريد عليهما بينة:
الزاني المحصن يرجمه و مانع الزكاة يضرب عنقه».
و رواه الصدوق في عقاب الأعمال و البرقي في المحاسن مثله «3».
و روى في الكافي مسندا عن إسحاق بن عمار عن من سمع أبا عبد اللّٰه عليه السلام و في الفقيه مرسلا عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» أنه قال: «ما ضاع مال في بر و لا بحر إلا بتضييع الزكاة و لا يصاد من الطير إلا ما ضيع تسبيحه».
و روى في الكافي عن سالم مولى أبان «5» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول ما من صيد يصاد إلا بتركه التسبيح و ما من مال يصاب إلا بترك الزكاة».
إلى غير‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 4 من ما تجب فيه الزكاة. و قوله «حكم فيهما بحكم اللّٰه لا يريد عليهما بينة» ليس في الفقيه ج 2 ص 6.
(3) الوسائل الباب 4 من ما تجب فيه الزكاة.
(4) الوسائل الباب 3 من ما تجب فيه الزكاة.
(5) الوسائل الباب 3 من ما تجب فيه الزكاة.

 

6
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الفصل الثاني في عقاب مانعها ج 12 ص 4

ذلك من الأخبار التي يضيق عن نشرها المقام.
الفصل الثالث- في كفر منكر وجوبها
، قال العلامة في التذكرة: أجمع المسلمون كافة على وجوبها في جميع الأعصار و هي أحد الأركان الخمسة. إذا عرفت هذا فمن أنكر وجوبها ممن ولد على الفطرة و نشأ بين المسلمين فهو مرتد يقتل من غير أن يستتاب، و إن لم يكن عن فطرة بل أسلم عقيب كفر استتيب مع علمه بوجوبها ثلاثا فإن تاب و إلا فهو مرتد وجب قتله، و إن كان ممن يخفى وجوبها عليه لأنه نشأ بالبادية أو كان قريب العهد بالإسلام عرف وجوبها و لم يحكم بكفره.
هذا كلامه (رحمه اللّٰه).
قال في المدارك بعد نقله عنه: و هو جيد و على ما ذكره من التفصيل يحمل ما رواه الكليني و ابن بابويه عن أبان بن تغلب. ثم ساق الرواية المتقدمة الدالة على أن القائم عليه السلام بعد قيامه يضرب عنق مانع الزكاة.
أقول: ظاهر العلامة في المنتهى حمل هذه الرواية على المانع و إن لم يكن عن إنكار، حيث قال: مسألة- و يقاتل مانع الزكاة حتى يؤديها و هو قول العلماء، روى الجمهور. ثم ساق روايتهم «1» ثم قال: و من طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه عن أبان بن تغلب. ثم ساق الرواية المشار إليها، ثم قال فروع: الأول- القتال و إن كان مباحا إلا أنا لا نحكم بكفره. إلى أن قال: و أما لو علم منه إنكار وجوبها فإنه يكون كافرا. انتهى. و الأقرب الأول فإن مجرد المنع لا يوجب القتل و إن أوجب المقاتلة إلى أن يؤدي أو يؤخذ من ماله ما يؤدي به عنه.
ثم إنه من ما يدل على كفره متى كان مستحلا منكرا ما تقدم في رواية أبي بصير من أنه يموت إن شاء يهوديا و إن شاء نصرانيا، و يحتمل الحمل على مجرد المنع و إن هذا لمزيد التأكيد في الزجر عن الترك كما ورد في أحاديث الحج من أن‌
______________________________
(1) و هي قتال أبي بكر مانعي الزكاة و إنكار عمر عليه و أنه
قال رسول اللّٰه (ص) أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا «لا إله إلا اللّٰه» فإذا قالوها عصموني دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على اللّٰه.
فقال أبو بكر الزكاة من حقها. تيسير الوصول ج 2 ص 121.

 

7
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الفصل الثالث في كفر منكر وجوبها ج 12 ص 7

تارك الحج كافر «1» و كذلك قوله عز و جل «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ. الآية» «2» و بالجملة فإن المراد من الكفر هنا الترك كقوله عز و جل: «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ. الآية» «3».
و يدل عليه أيضا‌
ما رواه في الكافي في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» في حديث «إن الزكاة ليس يحمد بها صاحبها و إنما هو شي‌ء ظاهر إنما حقن بها دمه و سمي بها مسلما».
و ما رواه فيه أيضا في الموثق عن سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «5» قال: «إن اللّٰه عز و جل فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون إلا بأدائها و هي الزكاة بها حقنوا دماءهم و بها سموا مسلمين».
و روى في الفقيه بإسناده عن حماد بن عمرو و أنس بن محمد عن أبيه جميعا عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) «6» في وصية النبي صلى اللّٰه عليه و آله لعلي عليه السلام «يا علي كفر باللّٰه العلي العظيم من هذه الأمة عشرة. و عد منهم مانع الزكاة، ثم قال يا علي ثمانية لا يقبل اللّٰه منهم الصلاة. و عد منهم مانع الزكاة. ثم قال يا علي من منع قيراطا من زكاة ماله فليس بمؤمن و لا مسلم و لا كرامة، يا علي تارك الزكاة يسأل اللّٰه تعالى الرجعة إلى الدنيا و ذلك قول اللّٰه عز و جل حَتّٰى إِذٰا جٰاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قٰالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. الآية» «7».
و بالجملة فإن وجوب الزكاة من الضروريات الدينية و لا خلاف و لا إشكال في كفر من أنكر شيئا منها و ارتداده.
بقي الإشكال في حديث أبان المتقدم من حيث دلالته على اختصاص هذا الحكم مع الحكم برجم الزاني المحصن بظهور القائم عليه السلام و لا أعرف له وجها إلا على القول باختصاص إقامة الحدود بالإمام عليه السلام إلا أن تخصيص هذين الفردين من ما‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 7 من وجوب الحج و شرائطه.
(2) سورة آل عمران الآية 97.
(3) سورة إبراهيم الآية 7.
(4) الوسائل الباب 4 من ما تجب فيه الزكاة.
(5) الوسائل الباب 4 من ما تجب فيه الزكاة.
(6) الوسائل الباب 4 من ما تجب فيه الزكاة.
(7) سورة المؤمنون الآية 99.

8
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الفصل الثالث في كفر منكر وجوبها ج 12 ص 7

لا وجه له على هذا التقدير.
الفصل الرابع- في فضلها و فضل سائر الصدقات
، روى ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن زرارة عن سالم بن أبي حفصة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «إن اللّٰه تعالى يقول ما من شي‌ء إلا و قد وكلت به من يقبضه غيري إلا الصدقة فإني أتلقفها بيدي تلقفا حتى أن الرجل يتصدق بالتمرة أو بشق تمرة فأربيها له كما يربي الرجل فلوه و فصيله فيأتي يوم القيامة و هو مثل أحد أو أعظم من أحد».
و روى فيه أيضا عن حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله الصدقة تدفع ميتة السوء».
و روى فيه أيضا عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام «3» قال: «لأن أحج حجة أحب إلي من أن أعتق رقبة و رقبة حتى انتهى إلى عشرة و مثلها و مثلها حتى انتهى إلى سبعين، و لأن أعول أهل بيت من المسلمين أشبع جوعهم و أكسو عورتهم و أكف وجوههم عن الناس أحب إلى من أن أحج حجة و حجة حتى انتهى إلى عشر و عشر و مثلها و مثلها حتى انتهى إلى سبعين».
و روى في الكافي مسندا عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام و في الفقيه مرسلا «4» قال:
«قال الصادق عليه السلام داووا مرضاكم بالصدقة و ادفعوا البلاء بالدعاء و استنزلوا الرزق بالصدقة فإنها تفك من بين لحيي سبعمائة شيطان، و ليس شي‌ء أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن، و هي تقع في يد الرب تبارك و تعالى قبل أن تقع في يد العبد».
و روى الشيخ عن معلى بن خنيس عن الصادق عليه السلام «5» «إن اللّٰه لم يخلق شيئا إلا
______________________________
(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الصدقة.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب الصدقة، و الراوي هو السكوني.
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب الصدقة.
(4) الوسائل الباب 3 و 18 من أبواب الصدقة.
(5) الفروع ج 1 ص 164 و في الوسائل الباب 12 من الصدقة و الشيخ يرويه عن الكليني.

9
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الفصل الرابع في فضلها و فضل سائر الصدقات ج 12 ص 9

و له خازن يخزنه إلا الصدقة فإن الرب يليها بنفسه، و كان أبي إذا تصدق بشي‌ء وضعه في يد السائل ثم ارتده منه فقبله و شمه ثم رده في يد السائل، إن صدقة الليل تطفئ غضب الرب تعالى و تمحو الذنب العظيم و تهون الحساب و صدقة النهار تنمي المال و تزيد في العمر».
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المذكورة في مظانها.
الفصل الخامس- في علتها
روى الصدوق (قدس سره) في الفقيه في الصحيح عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «إن اللّٰه عز و جل فرض الزكاة كما فرض الصلاة، فلو أن رجلا حمل الزكاة فأعطاها علانية لم يكن عليه في ذلك عيب و ذلك لأن اللّٰه عز و جل فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به، و لو علم أن الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم و إنما يؤتى الفقراء في ما أوتوا من منع من منعهم حقوقهم لا من الفريضة».
و روى في الكافي و الفقيه عن مبارك العقرقوفي «2» قال: «قال أبو الحسن عليه السلام إن اللّٰه تعالى وضع الزكاة قوتا للفقراء و توفيرا لأموالكم».
و روى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن عبد اللّٰه بن مسكان و غير واحد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال «إن اللّٰه تعالى جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم و لو لا ذلك لزادهم و إنما يؤتون من منع من منعهم».
و روى فيه في الحسن عن الوشاء عن أبي الحسن الرضا عليه السلام «4» قال «قيل لأبي عبد اللّٰه عليه السلام لأي شي‌ء جعل اللّٰه الزكاة خمسة و عشرين في كل ألف و لم يجعلها ثلاثين؟ فقال إن اللّٰه تعالى جعلها خمسة و عشرين أخرج من أموال الأغنياء بقدر ما يكتفي به الفقراء و لو أخرج الناس زكاة أموالهم ما احتاج أحد».
و روى فيه أيضا عن صباح الحذاء عن قثم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «5» قال:
«قلت له جعلت فداك أخبرني عن الزكاة كيف صارت من كل ألف خمسة و عشرين لم
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة.
(4) الوسائل الباب 3 من زكاة الذهب و الفضة.
(5) الوسائل الباب 3 من زكاة الذهب و الفضة

10
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الفصل الخامس في علتها ج 12 ص 10

تكن أقل أو أكثر ما وجهها؟ فقال إن اللّٰه تعالى خلق الخلق كلهم فعلم صغيرهم و كبيرهم و غنيهم و فقيرهم فجعل من كل ألف إنسان خمسة و عشرين مسكينا و لو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم لأنه خالقهم و هو أعلم بهم».
و روى في الفقيه عن معتب مولى الصادق عليه السلام «1» قال: «قال الصادق عليه السلام إنما وضعت الزكاة اختبارا للأغنياء و معونة للفقراء، و لو أن الناس أدوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيرا محتاجا و لاستغنى بما فرض اللّٰه تعالى له، و إن الناس ما افتقروا و لا احتاجوا و لا جاعوا و لا عروا إلا بذنوب الأغنياء و حقيق على اللّٰه تعالى أن يمنع رحمته ممن منع حق اللّٰه في ماله، و أقسم بالذي خلق الخلق و بسط الرزق إنه ما ضاع مال في بر و لا بحر إلا بترك الزكاة و ما صيد صيد في بر و لا بحر إلا بتركه التسبيح في ذلك اليوم، و إن أحب الناس إلى اللّٰه أسخاهم كفا و أسخى الناس من أدى زكاة ماله و لم يبخل على المؤمنين بما افترض اللّٰه تعالى لهم في ماله».
و روى في الفقيه مرسلا «2» قال: «كتب علي بن موسى الرضا عليه السلام إلى محمد ابن سنان في ما كتب من جواب مسائله: إن علة الزكاة من أجل قوت الفقراء و تحصين أموال الأغنياء لأن اللّٰه عز و جل كلف أهل الصحة القيام بشأن أهل الزمانة و البلوى كما قال اللّٰه تعالى «لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوٰالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ» «3» في أموالكم إخراج الزكاة و في أنفسكم توطين النفس على الضر، مع ما في ذلك من أداء شكر نعم اللّٰه تعالى و الطمع في الزيادة، مع ما فيه من الزيادة و الرأفة و الرحمة لأهل الضعف و العطف على أهل المسكنة و الحث لهم على المواساة و تقوية الفقراء و المعونة لهم على أمر الدين و هو عظة لأهل الغنى و عبرة لهم ليستدلوا على فقر الآخرة بهم، و ما لهم من الحث في ذلك على الشكر لله تعالى لما خولهم و أعطاهم و الدعاء و التضرع و الخوف من أن يصيروا مثلهم في أمور كثيرة في أداء الزكاة و الصدقات و صلة الأرحام و اصطناع
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة.
(3) سورة آل عمران الآية 186.

 

11
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الفصل الخامس في علتها ج 12 ص 10

المعروف».
إلى غير ذلك من الأخبار.
الفصل السادس- في أنه هل يجب في المال حق آخر سوى الزكاة أم لا؟
المشهور الثاني، و نقل عن الشيخ في الخلاف الأول حيث قال: يجب في المال حق سوى الزكاة المفروضة و هو ما يخرج يوم الحصاد من الضغث بعد الضغث و الحفنة بعد الحفنة يوم الجذاذ. و احتمله السيد المرتضى في الإنتصار.
احتج الشيخ (قدس سره) بإجماع الفرقة و أخبارهم «1» و قوله تعالى «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ» «2».
و أجيب بمنع انعقاد الإجماع على الوجوب بل على الرجحان المطلق الشامل للندب أيضا. و عن الأخبار بمنع دلالتها على الوجوب.
و عن الآية بوجهين: أحدهما- أنه يجوز أن يكون المراد بالحق الزكاة المفروضة كما ذكره جمع من المفسرين بأن يكون المعنى فاعزموا على أداء الحق يوم الحصاد و اهتموا به حتى لا تؤخروه عن أول أوقات الإمكان. و أيد ذلك بأن قوله تعالى «وَ آتُوا حَقَّهُ» إنما يحسن إذا كان الحق معلوما قبل ورود هذه الآية.
الثاني- أن الأمر محمول على الاستحباب، و يدل عليه‌
ما رواه الكليني عن معاوية بن شريح «3» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول في الزرع حقان حق تؤخذ به و حق تعطيه. قلت: و ما الذي أوخذ به و ما الذي أعطيه؟ قال أما الذي تؤخذ به فالعشر و نصف العشر، و أما الذي تعطيه فقول اللّٰه عز و جل «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ» يعني من حصدك الشي‌ء بعد الشي‌ء، و لا أعلمه إلا قال الضغث ثم الضغث حتى يفرغ».
و ما رواه عن زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير- في الصحيح أو الحسن على
______________________________
(1) الوسائل الباب 13 من زكاة الغلات.
(2) سورة الأنعام الآية 141.
(3) الوسائل الباب 13 من زكاة الغلات.

12
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الفصل السادس في أنه هل يجب في المال حق آخر سوى الزكاة أم لا؟ ج 12 ص 12

المشهور- عن أبي جعفر عليه السلام «1» «في قول اللّٰه عز و جل وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ؟
فقالوا جميعا قال أبو جعفر عليه السلام هذا من الصدقة تعطى المساكين القبضة بعد القبضة و من الجذاذ الحفنة بعد الحفنة حتى تفرغ. الحديث».
أقول: و الذي وقفت عليه من الأخبار زيادة على ما ذكر‌
ما نقل عن السيد المرتضى (قدس سره) في الإنتصار «2» أنه قال: «روي عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ» فقال ليس ذلك الزكاة أ لا ترى أنه قال وَ لٰا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لٰا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ؟» «3».
قال المرتضى (قدس سره) و هذه نكتة منه عليه السلام مليحة لأن النهي عن السرف لا يكون إلا في ما ليس بمقدر و الزكاة مقدرة.
و ما رواه الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره في الصحيح عن شعيب العقرقوفي «4» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن قوله عز و جل وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ؟ قال الضغث من السنبل و الكف من التمر إذا خرص. قال: و سألته هل يستقيم إعطاؤه إذا أدخله؟ قال: لا هو أسخى لنفسه قبل أن يدخله بيته».
و روى فيه في الصحيح عن سعد بن سعد عن الرضا عليه السلام «5» قال: «قلت له إن لم يحضر المساكين و هو يحصد كيف يصنع؟ قال ليس عليه شي‌ء».
و ظاهر هذه الأخبار المذكورة هو الاستحباب، أما رواية معاوية بن شريح فهي ظاهرة في ذلك لأن مقابلة الحق الذي يعطيه بالذي يؤخذ به ظاهر في أنه لا يؤخذ بهذا الحق الذي يعطيه، و المتبادر من الأخذ به العقاب على تركه و هو هنا كناية عن الوجوب و الإلزام به شرعا.
و أما ما ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة- حيث مال إلى الوجوب في هذه المسألة من أن المراد من قوله «تؤخذ به» يعني الأخذ في الدنيا لأن الإمام‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 13 من زكاة الغلاة.
(2) ص 21.
(3) سورة الأنعام الآية 141.
(4) الوسائل الباب 13 من زكاة الغلاة.
(5) الوسائل الباب 13 من زكاة الغلاة.

 

13
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الفصل السادس في أنه هل يجب في المال حق آخر سوى الزكاة أم لا؟ ج 12 ص 12

يأخذ الزكاة من أصحاب الأموال بخلاف حق الحصاد فإنه أمر بينه و بين اللّٰه و إن عصى بالترك بناء على الوجوب- فتعسفه ظاهر لأنه لو كان المراد أنما هو أخذ الإمام لكان حق العبارة أن يقال «يؤخذ منه» كما لا يخفى على الممارس لكلام البلغاء بل هذه العبارة إنما ترمى في مقام المؤاخذة بالترك و المعاقبة، قال في المصباح المنير و أخذه بذنبه عاقبه عليه.
و أما صحيحة الفضلاء الثلاثة فظاهر الصدقة فيها إنما هو بمعنى الصدقة المستحبة و أما صحيحة شعيب العقرقوفي فهي ظاهرة في أنه متى أدخله بيته سقط الحكم عنه و لو كان واجبا لم يكن كذلك. و أما صحيحة سعد بن سعد فأظهر، فإنها دلت على أنه لو لم يحضره أحد من المساكين وقت الحصاد فلا شي‌ء عليه و الفرض الواجب إخراجه لا يتفاوت بين حضور مستحقه و لا غيبته.
و بذلك يظهر لك ما في كلام الفاضل المتقدم ذكره حيث إنه مال إلى الوجوب استنادا إلى ظاهر الآية، و لا ريب أن الآية مخصصة بالأخبار المذكورة كما هو القاعدة الجارية في غير موضع من الأحكام.
و لا بأس بنقل بعض الأخبار المتعلقة بهذه المسألة،
روى ثقة الإسلام (قدس سره) في الحسن عن أبي بصير المرادي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «لا تصرم بالليل و لا تحصد بالليل و لا تضح بالليل و لا تبذر بالليل فإنك إن فعلت ذلك لم يأتك القانع و المعتر. فقلت و ما القانع و المعتر؟ قال القانع الذي يقنع بما أعطيته و المعتر الذي يمر بك فيسألك. و إن حصدت بالليل لم يأتك السؤال و هو قول اللّٰه عز و جل «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ» عند الحصاد يعني القبضة بعد القبضة إذا حصدته و إذا خرج فالحفنة بعد الحفنة، و كذلك عند الصرام و كذلك عند البذر، و لا تبذر بالليل لأنك تعطي من البذر كما تعطي في الحصاد».
و عن ابن أبي نصر في الصحيح عن أبي الحسن عليه السلام «2» قال: «سألته عن
______________________________
(1) الوسائل الباب 14 من زكاة الغلات.
(2) الوسائل الباب 16 من زكاة الغلات.

 

14
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الفصل السادس في أنه هل يجب في المال حق آخر سوى الزكاة أم لا؟ ج 12 ص 12

قول اللّٰه عز و جل «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ وَ لٰا تُسْرِفُوا» قال كان أبي يقول من الإسراف في الحصاد و الجذاذ أن يصدق الرجل بكفيه جميعا، و كان أبي إذا حضر شيئا من هذا فرأى أحدا من غلمانه يتصدق بكفيه صاح به أعط بيد واحدة القبضة بعد القبضة و الضغث بعد الضغث من السنبل».
و من ما يدخل في سلك هذا النظام‌
ما رواه في الكافي عن يونس أو غيره عن من ذكره عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «قلت جعلت فداك بلغني أنك كنت تفعل في غلة عين زياد شيئا و أنا أحب أن أسمعه منك قال فقال لي نعم كنت آمر إذا أدركت الثمرة أن يثلم في حيطانها الثلم ليدخل الناس و يأكلوا، و كنت آمر في كل يوم أن يوضع عشر بنيات يقعد على كل بنية عشرة كلما أكل عشرة جاء عشرة أخرى يلقى لكل نفس منهم مد من رطب، و كنت آمر لجيران الضيعة كلهم الشيخ و العجوز و المريض و الصبي و المرأة و من لا يقدر أن يجي‌ء فيأكل منها لكل إنسان منهم مدا فإذا كان الجذاذ أوفيت القوام و الوكلاء و الرجال أجرتهم و أحمل الباقي إلى المدينة ففرقت في أهل البيوتات و المستحقين الراحلتين و الثلاثة و الأقل و الأكثر على قدر استحقاقهم، و حصل لي بعد ذلك أربعمائة دينار و كان غلتها أربعة آلاف دينار».
الفصل السابع
- الظاهر أنه لا يجب في المال حق زيادة على الزكاة و الخمس اتفاقا و ما تقدم من حق الحصاد على القول به. إلا أن الصدوق قال في الفقيه قال اللّٰه تعالى «وَ الَّذِينَ فِي أَمْوٰالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّٰائِلِ وَ الْمَحْرُومِ» «2» فالحق المعلوم غير الزكاة و هو شي‌ء يفرضه الرجل على نفسه أنه في ماله و نفسه و يجب أن يفرضه على قدر طاقته و وسعه. و ربما ظهر من هذه العبارة الوجوب.
و يؤيده‌
ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «إن اللّٰه عز و جل فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون
______________________________
(1) الوسائل الباب 18 من زكاة الغلات.
(2) سورة المعارج الآية 24 و 25.
(3) الوسائل الباب 4 و 7 من ما تجب فيه الزكاة.

 

15
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الفصل السابع ج 12 ص 15

إلا بأدائها و هي الزكاة، بها حقنوا دماءهم و بها سموا مسلمين، و لكن اللّٰه عز و جل فرض في أموال الأغنياء حقوقا غير الزكاة فقال عز و جل «وَ الَّذِينَ فِي أَمْوٰالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّٰائِلِ وَ الْمَحْرُومِ» فالحق المعلوم غير الزكاة و هو شي‌ء يفرضه الرجل على نفسه في ماله يجب عليه أن يفرضه على قدر طاقته و سعة ماله فيؤدي الذي فرض على نفسه إن شاء في كل يوم و إن شاء في كل جمعة و إن شاء في كل شهر. الحديث».
و في الصحيح أو الحسن عن أبي بصير «1» قال: «كنا عند أبي عبد اللّٰه عليه السلام و معنا بعض أصحاب الأموال فذكروا الزكاة فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام إن الزكاة ليس يحمد بها صاحبها و إنما هو شي‌ء ظاهر إنما حقن بها دمه و سمي بها مسلما و لو لم يؤدها لم تقبل له صلاة، و إن عليكم في أموالكم غير الزكاة. فقلت أصلحك اللّٰه تعالى و ما علينا في أموالنا غير الزكاة؟ فقال سبحان اللّٰه أ ما تسمع اللّٰه عز و جل يقول في كتابه «وَ الَّذِينَ فِي أَمْوٰالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّٰائِلِ وَ الْمَحْرُومِ؟» «2» قال قلت فما ذا الحق المعلوم الذي علينا؟
قال هو الشي‌ء يعلمه الرجل في ماله يعطيه في اليوم أو في الجمعة أو في الشهر قل أو كثر غير أنه يدوم عليه».
و عن عامر بن جذاعة «3» قال: «جاء رجل إلى أبي عبد اللّٰه عليه السلام فقال يا أبا عبد اللّٰه قرض إلى ميسرة فقال له أبو عبد اللّٰه عليه السلام إلى غلة تدرك؟ فقال الرجل لا و اللّٰه. قال فإلى تجارة تئوب؟ قال لا و اللّٰه. قال فإلى عقدة تباع؟ قال لا و اللّٰه. فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام فأنت ممن جعل اللّٰه له في أموالنا حقا ثم دعا بكيس فيه دراهم فأدخل يده فيه فناوله منه قبضة ثم قال له اتق اللّٰه تعالى و لا تسرف و لا تقتر و لكن بين ذلك قواما. الحديث».
إلا أنه‌
قد روى في الكافي أيضا عن القاسم بن عبد الرحمن الأنصاري «4» قال: «سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول إن رجلا جاء إلى علي بن الحسين عليه السلام فقال له
______________________________
(1) الوسائل الباب 7 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) سورة المعارج الآية 24 و 25.
(3) الوسائل الباب 7 من ما تجب فيه الزكاة.
(4) الوسائل الباب 7 من ما تجب فيه الزكاة.

16
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الفصل السابع ج 12 ص 15

أخبرني عن قول اللّٰه عز و جل «وَ الَّذِينَ فِي أَمْوٰالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّٰائِلِ وَ الْمَحْرُومِ» ما هذا الحق المعلوم؟ فقال له علي بن الحسين عليه السلام الحق المعلوم الشي‌ء تخرجه من مالك ليس من الزكاة و لا من الصدقة المفروضتين. فقال إذا لم يكن من الزكاة و لا من الصدقة فما هو؟ قال هو الشي‌ء يخرجه الرجل من ماله إن شاء أكثر و إن شاء أقل على قدر ما يملك.
فقال له الرجل فما يصنع به؟ قال يصل به رحما و يقوي به ضعيفا و يحمل به كلا و يصل به أخا له في اللّٰه أو لنائبة تنوبه. فقال الرجل اللّٰه أعلم حيث يجعل رسالته».
و الخبر كما ترى ظاهر في الاستحباب و وجه الجمع بينه و بين ما تقدمه حمل الأخبار المتقدمة الثلاثة على تأكد الاستحباب و مثله في الأخبار غير عزيز، و يؤيده بعض الأخبار الدالة على أنه إذا أدى العبد زكاة ماله لم يسأله اللّٰه تعالى عما سواها.
ثم إنه ينبغي أن يعلم أنه لما كانت الزكاة منها ما يتعلق بالمال في جميع الأعوام على الشروط الآتية في المقام، و منها ما يتعلق بالفطر من الصيام على الوجوه المذكورة في أخبارهم (عليهم السلام) فالكلام فيها يقع في بابين:
الباب الأول- في الزكاة المتعلقة بالمال
، ثم إن زكاة المال لما كان وجوبها مخصوصا ببعض المكلفين دون بعض و في بعض الأموال دون بعض و مصرفها مقصورا على مصارف مخصوصة فالكلام في هذا الباب يقع في مقاصد ثلاثة:
المقصد الأول- في من تجب عليه
و هو البالغ العاقل الحر المالك للنصاب المتمكن من التصرف فيه، فهاهنا شروط خمسة:
الشرط الأول و الثاني- البلوغ و العقل
، فأما اشتراطهما بالنسبة إلى النقدين فالظاهر أنه لا خلاف فيه، و يدل عليه‌
حديث رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ و المجنون حتى يفيق «1».
و قد ورد في جملة من الأخبار الصحاح الصراح أنه ليس في مال اليتيم زكاة «2» و في بعضها ليس في العين و الصامت شي‌ء «3»
و في صحيحة
______________________________
(1) الوسائل الباب 4 من مقدمة العبادات و سنن أبي داود ج 4 ص 141 حد الزنا.
(2) الوسائل الباب 1 و 2 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) التهذيب ج 1 ص 356 و في الوسائل الباب 1 ممن تجب عليه الزكاة.

17
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الشرط الأول و الثاني البلوغ و العقل ج 12 ص 17

عبد الرحمن بن الحجاج أو حسنته «1» في مال المجنون «إن كان عمل به فعليه زكاة و إن لم يعمل به فلا».
و نحوها أخبار أخر.
إنما الخلاف بالنسبة إلى الغلات و المواشي، فالمشهور بين المتأخرين عدم الوجوب، و أوجب الشيخان و أبو الصلاح و ابن البراج الزكاة في غلات الأطفال و المجانين و مواشيهم، و قال السيد المرتضى في المسائل الناصرية: الصحيح عندنا أنه لا زكاة في مال الصبي من العين و الورق و أما الزرع و الضرع فقد ذهب أكثر أصحابنا (رضوان اللّٰه عليهم) إلى أن الإمام يأخذ منه الصدقة. و هو مؤذن بشهرة القول بذلك بين المتقدمين.
و يدل على الأول‌
موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «سمعته يقول ليس في مال اليتيم زكاة و ليس عليه صلاة و ليس على جميع غلاته من نخل أو زرع أو غلة زكاة، و إن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة و لا عليه لما يستقبل حتى يدرك فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة و كان عليه مثل ما على غيره من الناس».
و أجاب الشيخ عن هذا الخبر بالبعد.
و يدل على القول الثاني‌
صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السلام) «3» أنهما قالا «مال اليتيم ليس عليه في العين و الصامت شي‌ء فأما الغلات فإن عليها الصدقة واجبة».
و أجاب عنها جملة من المتأخرين بالحمل على الاستحباب، و أيده بعضهم بأن لفظ الوجوب في الأخبار أعمّ من المعنى المصطلح فإنه كثيرا ما يرد بمعنى مجرد الثبوت أو تأكد الاستحباب، فيجب حمل هذه الصحيحة على تأكد الاستحباب أو ثبوته جمعا بين الأدلة.
أقول: فيه (أولا) أن ما ذكروه من أن لفظ الوجوب في الأخبار أعمّ من‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 3 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) التهذيب ج 1 ص 356 و في الوسائل الباب 1 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) التهذيب ج 1 ص 356 و في الوسائل الباب 1 ممن تجب عليه الزكاة.

18
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الشرط الأول و الثاني البلوغ و العقل ج 12 ص 17

المعنيين المذكورين متجه، إلا أنه متى كان الأمر كذلك فإنه يصير لفظ الوجوب في الأخبار من قبيل اللفظ المشترك الذي لا يحمل على أحد معنييه إلا مع القرينة، و مجرد اختلاف الأخبار و وجود هذه الرواية في مقابلة هذه الصحيحة لا يكون قرينة على الاستحباب. و بالجملة فإن الجمع المذكور غير تام و إن اشتهر بينهم الجمع بين الأخبار بذلك في كل موضع و أنه قاعدة كلية في جميع أبواب الفقه في مقام اختلاف الأخبار إلا أنه لا دليل عليه. و أيضا فإنه متى قيل بالاستحباب و جواز التصرف في مال اليتيم فالقول بالوجوب وقوفا على ظاهر الصحيحة المذكورة أحوط و أولى كما لا يخفى.
و ثانيا- أن الأظهر هو حمل الصحيحة المذكورة على التقية فإن الوجوب مذهب الجمهور كما نقله العلامة في المنتهى حيث قال: و اختلف علماؤنا في وجوب الزكاة في غلات الأطفال و المجانين فأثبته الشيخان و أتباعهما و به قال فقهاء الجمهور و نقلوه أيضا عن علي و الحسن بن علي (عليهما السلام) و جابر بن زيد و ابن سيرين و عطاء و مجاهد و إسحاق و أبي ثور «1» انتهى.
أقول: و من ما يؤيد القول الأول إطلاق جملة من الأخبار بأنه ليس في مال اليتيم زكاة، و ظاهر قوله عز و جل «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» «2» و هو كناية عن ما يوجب محو الذنوب و الآثام و هذا إنما يترتب على البالغ و منه يظهر قوة القول المشهور.
و أنت خبير بأن ظاهر الصحيحة التي هي مستند الشيخين و أتباعهما إنما دل على الغلات خاصة و أما المواشي فلا دلالة فيه عليها و ليس غير ذلك في الباب،
______________________________
(1) المغني ج 2 ص 602 و حكى فيه أيضا عن الحسن و سعيد بن المسيب و سعيد بن جبير و أبي وائل و النخعي و أبي حنيفة القول بعدم وجوب الزكاة في أموالهما كما حكي عن ابن مسعود و الثوري و الأوزاعي أنها تجب و لا تخرج حتى يبلغ الصبي و يفيق المعتوه.
(2) سورة التوبة الآية 103.

19
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الشرط الأول و الثاني البلوغ و العقل ج 12 ص 17

و مورد النص المذكور إنما هو اليتيم و أما المجنون فلا نص فيه مع أن المنقول عنهم القول بالوجوب في الموضعين، و منه يظهر أن حكم المتأخرين بالاستحباب في الموضعين المذكورين للتفصي من خلاف الشيخين لا معنى له، فإن الاستحباب حكم شرعي كالوجوب و التحريم يتوقف على الدليل و مجرد وجود الخلاف و لا سيما إذا لم يكن عن دليل لا يصلح لأن يكون مستندا، و كذا حكمهم بالاستحباب في غلات اليتيم، و متى حملنا الصحيحة المذكورة على التقية كما هو الظاهر فإنه لا وجه للاستحباب حينئذ‌
[تنبيهات]
و ينبغي التنبيه على أمور:
الأول [هل يعتبر في الزكاة استمرار البلوغ و العقل طول الحول؟]
- إن ظاهر كلام جملة من المتأخرين بالنسبة إلى شرط الكمال الذي هو عبارة عن البلوغ و العقل اعتبار استمرار الشرط المذكور طول الحول ليترتب عليه بعد ذلك الخطاب بوجوب الزكاة بمعنى أنه يستأنف الحول من حين البلوغ.
و ناقش في ذلك بعض أفاضل متأخري المتأخرين قائلا إن إثبات ذلك بحسب الدليل لا يخلو من إشكال، إذ المستفاد من الأدلة عدم وجوب الزكاة ما لم يبلغ و هو غير مستلزم لعدم الوجوب حين البلوغ بسبب الحول السابق بعضه عليه إذ لا يستفاد من أدلة اشتراط الحول كونه في زمان التكليف.
أقول: فيه (أولا) إن ظاهر قوله (عليه السلام) في موثقة أبي بصير المتقدمة «و إن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة» هو أنه غير مخاطب بالزكاة بالنسبة إلى الأموال التي ملكها قبل البلوغ أعمّ من أن يكون قد حال عليها أحوال عديدة أو مضى عليها حول إلا أياما قلائل، فإن لفظ «ما مضى» شامل للجميع و أنه لا يتعلق بما كان كذلك زكاة، و الظاهر أن هذا هو الذي فهمه الأصحاب و عليه بني ما ذكروه من الحكم المذكور. و أما قوله في الخبر «و لا عليه لما يستقبل زكاة حتى يدرك» فإن جعل معطوفا على الجزاء كما هو الظاهر فلا بد من حمل الإدراك على غير معنى البلوغ لينتظم الكلام لأن الشرط المرتب عليه الكلام أولا هو البلوغ فلا معنى لجعله هنا غاية، بل يكون المعنى أنه إذا بلغ فليس عليه زكاة لما يستقبل في تلك الأموال التي ملكها أولا حتى يدرك الحول‌

20
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأول هل يعتبر في الزكاة استمرار البلوغ و العقل طول الحول ج 12 ص 20

فإذا أدرك الحول كانت عليه زكاة باعتبار مضي الحول عليه كذلك، و إن جعل جملة مستقلة مع بعده يكون المعنى أنه ليس عليه لما يستقبل من الزمان زكاة متى حال الحول عليه حتى يحول عليه و هو مدرك بالغ فإذا حال عليه و هو كذلك وجبت زكاة واحدة.
و (ثانيا)- أن ما ذكره من أن أدلة الحول لا يستفاد منها اشتراط كون الحول في زمن التكليف إن أريد به أنه لم يصرح بذلك فيها فهو مسلم لكن المفهوم من جملة منها ذلك، فإنه يستفاد منها صريحا في بعض و ظاهرا في آخر أنه لا بد في وجوب الزكاة على المكلف أن يحول الحول على النصاب عنده و في يده كما في روايات الدين و روايات المال الغائب «1» و المتبادر من كونه عنده و في يده هو التصرف فيه كيف شاء و هو المشار إليه في تلك الشروط بإمكان التصرف، و لا ريب أن المال بالنسبة إلى الطفل محجور عليه ليس عنده و لا في يده. و بالجملة فإن قيد إمكان التصرف المشترط في وجوب الزكاة و أنه لا بد أن يحول عليه الحول متمكنا من التصرف من ما ينفي وجوب الزكاة في الصورة المفروضة على الطفل حتى يبلغ و يحول عليه الحول في يده.
الثاني [المراد باليتيم]
- لا ريب أن الذي اشتملت عليه روايات المسألة كما سمعت من ما نقلناه منها و كذا ما لم ننقله إنما هو التعبير باليتيم و هو لغة و شرعا من لا أب له، و الأصحاب هنا كملا من غير خلاف يعرف أرادوا به المتولد حيا ما لم يبلغ و إن كان بين أبويه، و أكثرهم إنما يعبر بالصبي، و خصوصية اليتم غير مرادة في كلامهم و الظاهر أن التعبير بهذه العبارة في الأخبار خرج مخرج الغالب من عدم الملك للطفل إلا من جهة موت الأب. و بالجملة فإنه لا إشكال في إرادة المعنى الأعم، لأن المفهوم من الأخبار أن هذه العبارة وقعت في مقابلة البلوغ، و يؤيده التعبير في بعض أخبار التجارة بغير هذه العبارة من ما يحمل على المعنى الأعم.
الثالث [هل يزكى مال اليتيم و المجنون إذا اتجر به الولي؟]
- قد صرح الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) باستحباب الزكاة في مال‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة.

 

21
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالث هل يزكى مال اليتيم و المجنون إذا اتجر به الولي ج 12 ص 21

اليتيم و المجنون إذا اتجر به الولي لهما، و ظاهر الشيخ المفيد في المقنعة الوجوب إلا أن الشيخ في التهذيب حمل كلامه على الاستحباب محتجا بأن المال لو كان لبالغ و اتجر به لما وجبت فيه الزكاة فالطفل أولى. و نقل عن ابن إدريس نفي الوجوب و الاستحباب، و إليه مال السيد السند في المدارك.
حجة القول المشهور على عدم الوجوب الأخبار الآتية في زكاة التجارة المؤيدة بالأصل، و على الاستحباب أخبار عديدة: منها-
حسنة محمد بن مسلم «1» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) هل على مال اليتيم زكاة؟ قال لا إلا أن يتجر به أو يعمل به».
و ما رواه في الكافي عن سعيد السمان «2» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) يقول ليس في مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به فإن اتجر به فالربح لليتيم و إن وضع فعلى الذي يتجر به».
و ما رواه في الموثق عن يونس بن يعقوب «3» قال: «أرسلت إلى أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) إن لي إخوة صغارا فمتى تجب على أموالهم الزكاة؟ فقال إذا وجبت عليهم الصلاة وجبت عليهم الزكاة. قلت فما لم تجب عليهم الصلاة؟ قال إذا اتجر به فزكه».
و ما رواه في التهذيب عن أحمد بن عمر بن أبي شعبة عن أبيه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» «أنه سئل عن مال اليتيم فقال لا زكاة عليه إلا أن يعمل به».
و ما رواه عن محمد بن الفضيل «5» قال: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن صبية صغار لهم مال بيد أبيهم أو أخيهم هل يجب على مالهم زكاة؟ فقال لا يجب في مالهم زكاة حتى يعمل به فإذا عمل به وجبت الزكاة فأما إذا كان موقوفا فلا زكاة عليه».
و يدل على ذلك بالنسبة إلى المجنون‌
ما رواه الكليني في الصحيح عن
______________________________
(1) الوسائل الباب 2 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 2 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 1 ممن تجب عليه الزكاة.
(4) الوسائل الباب 1 ممن تجب عليه الزكاة.
(5) الوسائل الباب 2 ممن تجب عليه الزكاة.

22
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالث هل يزكى مال اليتيم و المجنون إذا اتجر به الولي ج 12 ص 21

عبد الرحمن بن الحجاج «1» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) امرأة من أهلنا مختلطة أ عليها زكاة؟ فقال إن كان عمل به فعليها زكاة و إن لم يعمل به فلا».
و عن موسى بن بكر «2» قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن امرأة مصابة و لها مال في يد أخيها فهل عليه زكاة؟ فقال إن كان أخوها يتجر به فعليه زكاة».
و أنت خبير بأن ظاهر هذه الأخبار هو الوجوب كما نقل عن الشيخ المفيد و لكن الشيخ و من تبعه من الأصحاب كما هو المشهور لما اتفقوا على الاستحباب في مال التجارة و هذه المسألة من أفراد تلك المسألة حكموا بالاستحباب هنا، و سيأتي في زكاة التجارة ما في المسألة من الإشكال.
و قال بعض المحققين من متأخري المتأخرين: و الظاهر أن للولي الأجرة في الصورة المذكورة إن لم يتبرع و له المضاربة أيضا و كل ذلك مع المصلحة. و لا إشكال في صحة ما ذكره (قدس سره).
و يدل عليه‌
رواية أبي الربيع «3» قال: «سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الرجل يكون في يده مال لأخ له يتيم و هو وصيه أ يصلح له أن يعمل به؟ قال نعم كما يعمل بمال غيره و الربح بينهما. قال قلت فهل عليه ضمان؟ قال لا إذا كان ناظرا له».
و نقل عن ابن إدريس أنه أنكر جواز أخذ الولي من الربح شيئا في هذه الصورة. و هو اجتهاد في مقابلة النص لكنه بناء على أصله الغير الأصيل صحيح.
و أما القول الآخر و هو ما ذهب إليه ابن إدريس من نفي الزكاة وجوبا و استحبابا فاحتج عليه بأن الروايات الواردة بالاستحباب ضعيفة شاذة أوردها الشيخ في كتبه إيرادا لا اعتقادا.
______________________________
(1) الوسائل الباب 3 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 3 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 2 ممن تجب عليه الزكاة.

23
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالث هل يزكى مال اليتيم و المجنون إذا اتجر به الولي ج 12 ص 21

قال في المدارك: و هذا القول جيد على أصله بل لا يبعد المصير إليه لأن ما استدل به على الاستحباب غير نقي الإسناد بل و لا واضح الدلالة أيضا. انتهى.
و فيه نظر: أما ما طعن به من ضعف إسناد هذه الأخبار فمنها حسنة محمد بن مسلم و حسنها إنما هو بإبراهيم بن هاشم الذي اتفق أصحاب هذا الاصطلاح على قبول روايته و أنها لا تقصر عن الصحيح بل عدها في الصحيح جملة من محققي متأخري المتأخرين، و هو أيضا قد عدها في الصحيح في مواضع أشرنا إلى جملة منها في كتاب الطهارة و الصلاة، و منها موثقة يونس بن يعقوب التي ذكرها أيضا و قد تقدم في غير موضع من شرحه عمله بالموثقات المعتضدة بالشهرة بين الأصحاب، و منها أيضا زيادة على ما ذكره‌
صحيحة زرارة المروية في الفقيه عن أبي جعفر عليه السلام «1» قال «ليس في الجوهر و أشباهه زكاة و إن كثر و ليس في نقر الفضة زكاة و لا على مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به فإن اتجر به ففيه الزكاة، و الربح لليتيم و على التاجر ضمان المال».
و من ما يعضدها ما ورد في مال المجنون من الأخبار المتقدمة و رواية موسى بن بكر.
و أما ما طعن به من عدم وضوح الدلالة فهو محل العجب فإن وضوحها في الدلالة على ذلك أوضح من أن ينكر و صراحة مقالاتها في ما هنالك ظاهر لذوي النظر.
و بالجملة فإن رد هذه الأخبار التي ذكرناها من غير معارض في المقام يحتاج إلى مزيد جرأة على الملك العلام و أهل الذكر (عليهم السلام) و هذا أحد مفاسد هذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب من الصلاح، و لهذا إن الفاضل الخراساني مع اقتفائه أثر السيد المذكور في جل الأحكام و الانتصار لمقالاته في غير مقام نكص عنه هنا حيث قال بعد نقل جل هذه الأخبار ما صورته: و هذه الأخبار‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 12 من ما تجب فيه الزكاة و 2 ممن تجب عليه الزكاة.

24
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالث هل يزكى مال اليتيم و المجنون إذا اتجر به الولي ج 12 ص 21

واضحة الدلالة على المدعى مع كون أكثرها معتبرا صالحا للحجية و اعتضادها بالشهرة بين الطائفة و عدم خلاف محقق، فلا وجه لتوقف بعض المتأخرين في الحكم المذكور نظرا إلى أن ما استدل به على الاستحباب غير نقي السند و لا واضح الدلالة أيضا. انتهى و بالجملة فإن كلامه (قدس سره) هنا لا يخلو من مجازفة. نعم في المسألة إشكال يأتي ذكره في زكاة التجارة إن شاء اللّٰه تعالى.
الرابع [متى يجوز نقل مال الطفل إلى الذمة و متى لا يجوز؟]
- إنهم صرحوا بأنه يجوز للناظر متى كان وليا مليا أن ينقل المال إلى ذمته و يتجر به لنفسه فيكون الربح له و الزكاة عليه.
و يدل عليه‌
ما رواه الشيخ عن ربعي بن عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» «في رجل عنده مال ليتيم؟ فقال إن كان محتاجا و ليس له مال فلا يمس ماله و إن هو اتجر به فالربح لليتيم و هو ضامن».
و ما رواه عن أسباط بن سالم عن أبيه «2» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام قلت أخي أمرني أن أسألك عن مال يتيم في حجره يتجر به؟ فقال إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف أو أصابه شي‌ء غرمه و إلا فلا يتعرض لمال اليتيم».
و استثنى الأصحاب من غير خلاف يعرف من الولي الذي يشترط في جواز تصرفه الملاءة أن لا يكون أبا أو جدا فجوزوا لهما الاقتراض من مال الطفل مطلقا و استشكله السيد في المدارك، و الظاهر أن ما ذكره الأصحاب هو الأقرب و لا سيما مع اشتراط الضمان لما استفاض في الأخبار أن الولد و ماله لأبيه «3».
و لو اختل أحد الشرطين المتقدمين من الولاية و الملاءة فقد ذكروا أنه يكون ضامنا و الربح لليتيم أو المجنون، و تدل عليه صحيحة ربعي المتقدمة.
______________________________
(1) الوسائل الباب 75 من ما يكتسب به.
(2) الوسائل الباب 75 من ما يكتسب به. و الراوي في الحديث أسباط بن سالم كما في الفروع ج 1 ص 365، و في التهذيب ج 6 ص 341 الطبع الحديث عن الكليني الراوي أسباط بن سالم عن أبيه كما هنا.
(3) الوسائل الباب 78 من ما يكتسب به.

25
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

لرابع متى يجوز نقل مال الطفل إلى الذمة و متى لا يجوز ج 12 ص 25

و مثلها‌
رواية منصور الصيقل عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «سألته عن مال اليتيم يعمل به؟ قال فقال إذا كان عندك مال و ضمنته فلك الربح و أنت ضامن للمال و إن كان لا مال لك و عملت به فالربح للغلام و أنت ضامن للمال».
و أنت خبير بأن ما اشتمل عليه الخبران من الضمان فلا إشكال فيه، لأن التصرف على هذا الوجه منهي عنه شرعا فيكون المتصرف غاصبا عاصيا و الغصب يستلزم الضمان، و إنما الإشكال في ما دلا عليه من أن الربح لليتيم مطلقا فإنه على إطلاقه مخالف لجملة من القواعد الشرعية و الضوابط المرعية، بل لا بد في صحة انتقاله لليتيم أن يقيد بكون الشراء وقع بعين المال لا في الذمة فإنه متى كان بعين المال اقتضى انتقال المبيع إلى الطفل و الربح يتبعه، و لا بد أيضا من تقييده بما إذا كان المشتري وليا أو بإجازة الولي كما صرح به الشهيد و غيره و إلا كان باطلا لأنه تصرف منهي عنه شرعا، بل لا يبعد كما ذكره السيد السند في المدارك توقف الشراء و إن كان من الولي أو بإجازته على الإجازة من الطفل بعد البلوغ، لأن الشراء لم يقع بقصد الطفل ابتداء و إنما أوقعه المتصرف لنفسه فلا ينصرف إلى الطفل بدون الإجازة، قال: و مع ذلك كله يمكن المناقشة في صحة مثل هذا العقد و إن قلنا بصحة العقد الواقع من الفضولي مع الإجازة لأنه لم يقع للطفل ابتداء من غير من إليه النظر في ماله و إنما وقع بقصد التصرف ابتداء على وجه منهي عنه. انتهى و ظاهر الخبرين المتقدمين كما ترى الحكم بانتقال الربح لليتيم مطلقا. و بالجملة فإن الخروج عن مقتضى هذه القواعد إلى العمل بإطلاق الخبرين مشكل و مخالفته أشكل.
الخامس [توجيه الرواية الدالة على عدم وجوب الزكاة في مال الطفل]
- إنه قد اختلف الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في استحباب الزكاة في الصورة المتقدمة، فذهب المحقق و العلامة إلى نفيه، و احتج عليه في النهاية بأنه تجارة باطلة،
و بما رواه سماعة في الموثق عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال:
«قلت له الرجل يكون عنده مال اليتيم فيتجر به أ يضمنه؟ قال نعم. قلت فعليه زكاة؟
______________________________
(1) الوسائل الباب 2 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 2 ممن تجب عليه الزكاة.

26
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الخامس توجيه الرواية الدالة على عدم وجوب الزكاة في مال الطفل ج 12 ص 26

قال: لا لعمري لا أجمع عليه خصلتين الضمان و الزكاة».
و أثبته الشيخ و الشهيدان و المحقق الشيخ علي لعموم الأدلة السابقة.
قال بعض فضلاء متأخري المتأخرين: و يمكن الجمع بين هذه الرواية و العمومات السابقة إما بتخصيص الأخبار السابقة بصورة يكون الاتجار لليتيم و تخصيص هذه بغيرها و إما بحمل هذه الرواية على نفي الوجوب أو الاستحباب المؤكد. انتهى.
أقول: الظاهر هو الأول و الحمل الثاني بعيد غاية البعد، و ذلك فإن صحيحة ربعي المتقدمة و مثلها رواية منصور الصيقل قد دلتا على أن الربح لليتيم و من الظاهر أن الربح تابع للأصل، و متى كان أصل المبيع لليتيم و ربحه له فلا وجه لجعل الزكاة على المتصرف في مال اليتيم، هذا إن عملنا على إطلاق الخبرين المذكورين، و إن خصصناهما كما تقدم يرجع الكلام إلى صورة ما إذا اشترى في الذمة حيث إن المبيع ينتقل له و الربح له و إن كان تصرفه في الثمن محرما، و في دخول هذه الصورة تحت تلك العمومات نظر لأن ظاهر قولهم (عليهم السلام) «ليس في مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به» لا يصدق على هذه الفروض التي اشتراها في الذمة فإنها ليست مال اليتيم و إنما هي مال المشتري. و بالجملة فإن الاتجار بمال اليتيم إنما يصدق في ما إذا اشترى لليتيم بعين ماله أو شرى في الذمة نيابة و ولاية عنه و دفع الثمن من ماله و ما عدا ذلك فلا يدخل تحت عمومات تلك الأخبار إلا على وجه المجاز البعيد.
السادس [هل تجب الزكاة على المجنون الأدواري حال الإفاقة؟]
- ما تقدم من الحكم بسقوط الزكاة عن المجنون من ما لا إشكال فيه لو كان الجنون مطبقا أما لو اعتراه أدوارا فهل يكون حكمه كذلك أو يتعلق به الوجوب في حال الإفاقة؟ صرح العلامة في التذكرة و النهاية بالأول، قال في التذكرة: لو كان الجنون يعتوره أدوارا اشترط الكمال طول الحول فلو جن في أثنائه سقط و استأنف من حين عوده. و استقرب في المدارك تعلق الوجوب به في حال الإفاقة، قال إذ لا مانع من توجه الخطاب إليه في تلك الحال. و المسألة‌

27
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السادس هل تجب الزكاة على المجنون الأدواري حال الإفاقة ج 12 ص 27

محل إشكال و إن كان الأقرب ما ذكره العلامة (قدس سره) لما قدمناه قريبا من أن المستفاد من أدلة الحول الدالة على أنه يشترط أن يحول عليه الحول عند ربه و في يد مالكه- كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى في موضعها- هو إمكان التصرف مدة الحول و في أي وقت شاء، و هذا لا يجري في ذي الأدوار لأنه في حال الجنون يخرج عن مصداق هذه الأخبار كما لا يخفى على الناظر بعين التفكر و الاعتبار.
الشرط الثالث- الحرية
و لا خلاف بين الأصحاب في ذلك مع القول بعدم ملكه، بل الظاهر أنه لا وجه لهذا الشرط على هذا التقدير لأن اشتراط الملك يقوم مقامه، إنما الخلاف على تقدير ملكه كما هو الأصح و عليه دلت جملة من الأخبار و به صرح جملة من الأصحاب من ملكه أرش الجناية و فاضل الضريبة و ما وهبه سيده، و المشهور عدم الوجوب و قيل بالوجوب و نقل عن المعتبر و المنتهى و المعتمد الأول‌
لصحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال:
«ليس في مال المملوك شي‌ء و لو كان له ألف ألف و لو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا».
و صحيحته الأخرى عنه عليه السلام «2» قال: «سأله رجل و أنا حاضر عن مال المملوك أ عليه زكاة؟ فقال لا و لو كان له ألف ألف درهم، و لو احتاج لم يكن له من الزكاة شي‌ء».
و موثقة إسحاق بن عمار «3» قال «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقل أو أكثر. إلى أن قال قلت: فعلى العبد أن يزكيها إذا حال عليه الحول؟ قال لا إلا أن يعمل له فيها، و لا يعطي العبد من الزكاة شيئا».
قيل: إن عدم الزكاة عليه في هذه الأخبار إنما هو من حيث حجر المولى عليه فلو صرفه و أذن له و أزال عنه الحجر وجب عليه، و هو غير بعيد‌
لما رواه في كتاب قرب الإسناد عن عبد اللّٰه بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام «4» قال: «ليس على المملوك زكاة إلا بإذن مواليه».
______________________________
(1) الوسائل الباب 4 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 4 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 4 ممن تجب عليه الزكاة.
(4) الوسائل الباب 4 ممن تجب عليه الزكاة.

28
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الشرط الثالث الحرية ج 12 ص 28

و حمل في الوسائل هذه الرواية على الاستحباب، و الظاهر أن الموجب لهذا الحمل إنما هو عدم وجود القائل بمضمونها مع أنك قد عرفت القول بوجوب الزكاة على العبد مطلقا، و هو جيد لو لا ورود هذه الأخبار التي ذكرناها عملا بعموم الأخبار الدالة على وجوب الزكاة على من ملك النصاب «1» و حينئذ فيمكن تخصيص هذه الأخبار الدالة على عدم وجوب الزكاة على العبد في ما يملكه بهذه الرواية فإن ظاهرها الوجوب مع إذن السيد، و كيف كان فلا ريب أنه الأحوط.
ثم لا يخفى أن ظاهر الأخبار المذكورة هو سقوط الزكاة عن المملوك مطلقا مكاتبا كان أو غير مكاتب، نعم يخرج منه المكاتب المطلق إذا تحرر منه شي‌ء و بلغ نصيب جزئه الحر نصابا لدخوله تحت العمومات الدالة على من ملك النصاب مع شرط الحرية، و لو لا الاتفاق على الحكم المذكور لأمكن المناقشة في دخوله تحت العمومات المذكورة، فإن تلك العمومات إنما ينصرف إطلاقها إلى الأفراد الشائعة المتكثرة و هي من كان رقا بتمامه لا من تبعض بأن صار بعضه رقا و بعضه حرا فإنه من الفروض النادرة.
و جملة من الأصحاب إنما استدلوا على سقوط الزكاة عن المكاتب‌
برواية وهب بن وهب القرشي عن جعفر عن آبائه عن علي (عليهم السلام) «2» قال:
«ليس في مال المكاتب زكاة».
ورد بضعف السند. و الأظهر الاستدلال بما ذكرنا من الأخبار في المقام.
قال في المدارك: و أما السقوط عن المكاتب المشروط و المطلق الذي لم يؤد شيئا فهو المعروف من مذهب الأصحاب، و استدل عليه في المعتبر بأنه ممنوع من التصرف فيه إلا بالاكتساب فلا يكون ملكه تاما، و بما رواه الكليني عن أبي البختري. ثم أورد الرواية المتقدمة ثم قال: و في الدليل الأول نظر و في سند‌
______________________________
(1) يستفاد ذلك من أخبار الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة من الوسائل.
(2) الوسائل الباب 4 ممن تجب عليه الزكاة.

29
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الشرط الثالث الحرية ج 12 ص 28

الرواية ضعف، مع أن مقتضى ما نقلناه عن المعتبر و المنتهى من وجوب الزكاة على المملوك إن قلنا بملكه الوجوب على المكاتب بل هو أولى بالوجوب. انتهى.
أقول: ظاهر كلامه أنه باعتبار بطلان الاستدلال المذكور لما ذكره من النظر في الدليلين المذكورين فإنه يقوي القول بالوجوب لعدم الدليل على السقوط و أيد ذلك بما ذهب إليه في المعتبر و المنتهى من الوجوب على المملوك مطلقا فالكاتب أولى.
و فيه (أولا) أن ما نقله عن الكتابين المذكورين في سابق هذه المقالة قد رده بالأخبار المتقدمة فكيف يعتضد به هنا؟
و (ثانيا)- أن الأخبار المتقدمة قد دلت على أنه ليس في مال المملوك شي‌ء و هو أعمّ من المكاتب و غيره، و هي صحيحة صريحة شاملة بعمومها لما نحن فيه فهي الدليل على السقوط عن المكاتب، نعم يخرج منه من تحرر بعضه بما يوجب بلوغ نصيب الحرية نصابا لما ذكره من الأدلة المشار إليها و يبقى الباقي.
و (ثالثا)- أنه كيف يكون المكاتب أولى بالوجوب و أصل القول لا دليل عليه بل الدليل كما عرفت قائم على خلافه فأي معنى لهذه الأولوية. نعم لو كان مجرد كلام المعتبر و المنتهى حجة شرعية أو ناشئا عن دليل اتجه القول بالأولويّة و إن كانت الأحكام الشرعية عندنا لا تبنى على مجرد الأولوية بل على الأدلة الواضحة الجليلة و بالجملة فإن كلامه هنا جار على ما تقدم في غير موضع من الاستعجال و عدم التأمل و التحقيق في ذلك المجال. و اللّٰه العالم.
الشرط الرابع- الملك للنصاب
و عليه اتفاق العلماء كما نقله في المعتبر، و لأن الأخبار الدالة على وجوب الزكاة مصرحة بالملك إذ لا يخاطب بزكاة ما لا يملكه.
و قد فرعوا على هذا الشرط فروعا: منها- ما لو وهب له نصاب لم يجر في الحول إلا بعد القبض، و هو مبني على أن القبض شرط في صحة الهبة كما هو أحد القولين لا في اللزوم كما هو القول الآخر، فعلى القول الثاني لا يعتبر حصول القبض في‌

30
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الشرط الرابع الملك للنصاب ج 12 ص 30

جريان الموهوب في الحول بل المعتبر من حين الهبة التي بها حصل الملك، نعم يخرج هذا بقيد التمكن من التصرف كما سيأتي.
و منها- ما لو استقرض مالا و كانت عينه باقية عند المقترض فإنه يجري في الحول من حين القبض الذي حصل به الملك على المشهور، و أما على مذهب الشيخ من أن القرض لا يملك إلا بالتصرف فلا يجب فيه شي‌ء و إن بقي أحوالا، و الأخبار صريحة في وجوب الزكاة في مال القرض على المقترض إذا بقي بعينه بعد القرض كما هو المشهور من ملكه بمجرد القبض إلا أن يتبرع المقرض بأداء الزكاة عنه كما دلت عليه‌
صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» «في رجل استقرض مالا فحال عليه الحول و هو عنده؟ فقال إن كان الذي أقرضه يؤدي زكاته فلا زكاة عليه و إن كان لا يؤدي أدى المستقرض».
و اعتبر الشهيد في الإجزاء إذن المستقرض و إطلاق الرواية يدفعه.
و منها- المبيع ذو الخيار خيار حيوان أو خيار شرط للبائع أو المشتري، فإن المشهور أن المبيع ينتقل إلى المشتري من حين البيع، و حينئذ فيجري في الحول من ذلك الوقت، و مذهب الشيخ أنه لا ينتقل إلا بعد مضي الخيار و الحيوان لا ينتقل إلا بعد مضي الثلاثة و ذو الشرط حتى ينقضي الشرط، و على ذلك فلا يدخل في الحول إلا بعد انقضاء الشرط. و قال إن الخيار إذا اختص بالمشتري ينتقل المبيع من ملك البائع بالعقد و لا يدخل في ملك المشتري، و مقتضى ذلك سقوط الزكاة عن البائع و المشتري جميعا. و سيجي‌ء تحقيق هذه المسألة إن شاء اللّٰه تعالى في محلها.
الشرط الخامس- التمكن من التصرف
و هو أيضا من ما لا خلاف فيه في ما أعلم، فلا تجب الزكاة في المفقود و لا الغائب الذي ليس في يد وكيله و نحو ذلك.
و من ما يدل على ذلك‌
ما رواه في الكافي عن سدير الصيرفي «2» قال: «قلت
______________________________
(1) الوسائل الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 5 ممن تجب عليه الزكاة.

31
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الشرط الخامس التمكن من التصرف ج 12 ص 31

لأبي جعفر عليه السلام ما تقول في رجل كان له مال فانطلق به فدفنه في موضع فلما حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه فاحتفر الموضع الذي ظن أن المال فيه مدفون فلم يصبه فمكث بعد ذلك ثلاث سنين ثم إنه احتفر الموضع من جوانبه كله فوقع على المال بعينه كيف يزكيه؟ قال يزكيه لسنة واحدة لأنه كان غائبا عنه و إن كان احتبسه».
و موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» «رجل مات أبوه و هو غائب فعزل ميراثه هل عليه زكاة؟ قال لا حتى يقدم. قلنا يزكيه حين يقدم؟ قال لا حتى يحول عليه الحول و هو عنده».
و موثقة زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» «أنه قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه؟ قال فلا زكاة عليه حتى يخرج فإذا خرج زكاه لعام واحد، و إن كان يدعه متعمدا و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مر به من السنين».
و في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «لا صدقة على الدين و لا على المال الغائب عنك حتى يقع في يدك».
و يدل على ذلك أيضا الأخبار الدالة على أن كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي‌ء عليه «4» و ستأتي في محلها إن شاء اللّٰه تعالى.
و لا يخفى أنه و إن كان كل واحد من هذه الأخبار أخص من المدعى إلا أنه بضم بعضها إلى بعض من ما ذكرناه و من ما لم نذكره ينتج منها الحكم المذكور، فإن أكثر القواعد الشرعية إنما تحصل من ضم الجزئيات بعضها إلى بعض مثل القواعد النحوية الحاصلة من تتبع الجزئيات.
______________________________
(1) لم نقف على رواية لإسحاق بهذا اللفظ عن أبي عبد اللّٰه (ع) نعم له موثقتان بهذا المضمون عن أبي إبراهيم (ع) راجع الوسائل الباب 5 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 5 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 5 ممن تجب عليه الزكاة.
(4) الوسائل الباب 8 من زكاة الأنعام.

32
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الشرط الخامس التمكن من التصرف ج 12 ص 31

بقي الكلام في أن الأمر في بعض هذه الأخبار بزكاة المال لسنة واحدة هل هو على الاستحباب أو الوجوب؟ المشهور الأول بناء على اشتراط إمكان التصرف في الوجوب طول الحول كما تضمنته موثقة إسحاق المتقدمة و روايات الحول، و ظاهر بعض فضلاء متأخري المتأخرين الوجوب و حمل مطلق الأخبار على مقيدها. و لا ريب أنه الأحوط.
مسائل
الأولى [هل تجب الزكاة في الدين الذي يقدر صاحبه على أخذه؟]
- اختلف الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في الدين الذي يقدر صاحبه على أخذه متى شاء لو لم يأخذه هل تجب عليه فيه الزكاة بعد الحول أم لا؟ قولان اختار أولهما الشيخ في النهاية و الجمل و الخلاف و المبسوط و الشيخ المفيد و السيد المرتضى، و ثانيهما ابن أبي عقيل و ابن الجنيد و ابن إدريس، و هو المشهور بين المتأخرين و متأخريهم.
و منشأ الاختلاف اختلاف ظواهر الأخبار،
ففي الموثق عن الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1»: قال: «قلت له ليس في الدين زكاة؟ قال لا».
و في موثقة إسحاق بن عمار «2» قال: «قلت لأبي إبراهيم عليه السلام الدين عليه زكاة؟ فقال لا حتى يقبضه. قلت فإذا قبضه أ يزكيه؟ قال لا حتى يحول عليه الحول في يده».
و موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «سألته عن رجل يكون نصف ماله عينا و نصفه دينا فتحل عليه الزكاة؟ قال يزكي العين و يدع الدين».
و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة قريبا «4» و تؤيده الأخبار الدالة على أن كل ما لا يحول عليه الحول عند ربه فلا شي‌ء عليه «5» هذا ما يدل على المشهور.
و أما ما يدل على القول الآخر‌
فموثقة زرارة المتقدمة «6» و قوله فيها:
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة.
(4) ص 32.
(5) الوسائل الباب 8 من زكاة الأنعام.
(6) ص 32.

33
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأولى هل تجب الزكاة في الدين الذي يقدر صاحبه على أخذه ج 12 ص 33

«و إن كان يدعه متعمدا و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مر به من السنين».
و ما رواه في الكافي عن عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «ليس في الدين زكاة إلا أن يكون صاحب الدين هو الذي يؤخره، فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتى يقبضه».
و ما رواه في التهذيب عن عبد العزيز «2» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يكون له الدين أ يزكيه؟ قال كل دين يدعه هو إذا أراد أخذه فعليه زكاته، و ما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة».
و من قال بالقول المشهور حمل هذه الأخبار على الاستحباب جمعا بين الأخبار، و من قال بالقول الآخر حمل مطلق الأخبار على مقيدها، و هو الأظهر فإن الجمع بين الأخبار بالحمل على الاستحباب و إن اشتهر بين الأصحاب حتى صار هو المعول عليه في جميع الأبواب إلا أنه لا دليل عليه من سنة و لا كتاب، مع ما في منافرة التفصيل الذي في الروايتين الأخيرتين لذلك. و أما أخبار الحول فهي غير منافية لأن المراد بالعندية فيها الكناية عن إمكان التصرف سواء كان في يده أو يد وكيله أو نحو ذلك اتفاقا، و لا يخفى أنه هو الأوفق بالاحتياط أيضا.
و الظاهر أنه لا خلاف في عدم الوجوب في الدين الذي لا يقدر صاحبه على أخذه، و يدل عليه مضافا إلى روايتي عمر بن يزيد و عبد العزيز المتقدمتين‌
صحيحة إبراهيم بن أبي محمود «3» قال: «قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام الرجل يكون له الوديعة و الدين فلا يصل إليهما ثم يأخذهما متى تجب عليه الزكاة؟ قال إذا أخذهما ثم يحول عليه الحول يزكي».
و أما‌
ما رواه في الكافي عن عبد الحميد بن سعد «4»- قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل باع بيعا إلى ثلاث سنين من رجل ملي بحقه و ماله في ثقة يزكي ذلك المال في كل سنة تمر به أو يزكيه إذا أخذه؟ قال لا بل يزكيه إذا أخذه. قلت لكم
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة.
(4) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة.

34
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأولى هل تجب الزكاة في الدين الذي يقدر صاحبه على أخذه ج 12 ص 33

يزكيه إذا أخذه؟ قال لثلاث سنين».
- فحمله جملة من الأصحاب على الاستحباب و الأظهر حمله على ما إذا كان تأخير القبض من صاحب المال أو حمله على مال التجارة و عدم الوضيعة عن رأس المال.
و كذا‌
ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة «1» قال: «سألته عن الرجل يكون له الدين على الناس تجب فيه الزكاة؟ قال ليس عليه فيه زكاة حتى يقبضه فإذا قبضه فعليه الزكاة، و إن هو طال حبسه على الناس حتى يمر لذلك سنون فليس عليه زكاة حتى يخرج فإذا خرج زكاه لعامه ذلك، و إن كان يأخذ منه قليلا قليلا فليزك ما خرج منه أولا فأولا، و إن كان متاعه و دينه و ماله في تجارته التي يتقلب فيها يوما بيوم يأخذ و يعطي و يبيع و يشتري فهو شبه العين في يده فعليه الزكاة، و لا ينبغي له أن يغير ذلك إذا كان حال متاعه و ماله على ما وصفت لك فيؤخر الزكاة».
و حملت على الاستحباب أيضا، و الظاهر هو الحمل على الوجوب لكن بتقدير حول الحول عليه بعينه. و أما آخر الخبر فالظاهر أن المراد به زكاة التجارة و إن كان معناه لا يخلو من نوع غموض.
تتمة تتضمن الكلام على كلام بعض الأعلام
قال السيد في المدارك بعد اختياره القول المشهور بين المتأخرين: لنا التمسك بمقتضى الأصل و الروايات المتضمنة لسقوط الزكاة في مال القرض عن المقرض «2» فإنه من أنواع الدين. ثم استدل بصحيحة عبد اللّٰه بن سنان و موثقة إسحاق بن عمار و موثقة الحلبي، ثم نقل احتجاج الشيخ برواية درست و عبد العزيز «3» و أجاب عنهما بضعف السند، ثم نقل عن العلامة في المختلف حملهما على الاستحباب مع كلام له تأتي الإشارة إليه.
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) ص 34 و رواية درست هي رواية عمر بن يزيد إلا أن الشيخ في التهذيب ج 1 ص 357 لم يذكر عمر بن يزيد.

35
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

تتمة تتضمن الكلام على كلام بعض الأعلام ج 12 ص 35

أقول: فيه (أولا) أن ما اعتمده من الأصل فإنه يجب الخروج عنه بالدليل و قد عرفته و ستعرف ما يؤكده.
و (ثانيا) أن ما استند إليه من روايات القرض مردود بأن الروايات المذكورة قد دل أكثرها على تعليل وجوب الزكاة على المقترض بأنه صار ماله بالقرض و هو ملكه فنسبة المقرض إليه نسبة الأجنبي و ما أجمل منها فهو محمول على ذلك، فلا دلالة فيها على ما ادعاه إذ المفهوم منها أن محل السؤال فيها إنما هو عن تلك العين التي اقترضها المقترض و محل البحث إنما هو في الدين المستقر في ذمة المستدين مع حلوله عليه و بذله، و لا ريب أن إحدى المسألتين غير الأخرى كما لا يخفى على من راجع روايات القرض الآتية في تلك المسألة، و منها صحيحة زرارة أو حسنته و صحيحة منصور بن حازم الآتيتان «1» و هو إنما استند إلى روايات القرض من حيث كونه من أنواع الدين و الروايات المذكورة لم تتضمن سقوط الزكاة من هذه الحيثية و إنما تضمنت السقوط عن تلك العين المخصوصة من حيث إنها ليست ملكا للمقرض فلا تعلق له بروايات القرض في هذا المقام.
و (ثالثا) ما أجاب به عن حجة الشيخ بالطعن في السند فإنه لا يقوم حجة على الشيخ و أمثاله من المتقدمين الذين لا أثر لهذا الاصطلاح عندهم بل يحكمون بصحة جميع الأخبار، على أن الدليل غير منحصر في هاتين الروايتين:
فقد روى الكليني في الكافي في الصحيح عن أبي الصباح الكناني عن الصادق عليه السلام «2» «في الرجل ينسئ أو يعين فلا يزال ماله دينا كيف يصنع في زكاته؟
فقال يزكيه و لا يزكي ما عليه من الدين إنما الزكاة على صاحب المال».
و موثقة زرارة المتقدمة.
و قال عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي «3»: و إن غاب مالك عنك فليس عليك
______________________________
(1) ص 39 و 40.
(2) الوسائل الباب 9 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) مستدرك الوسائل الباب 5 و 6 ممن تجب عليه الزكاة.

36
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

تتمة تتضمن الكلام على كلام بعض الأعلام ج 12 ص 35

الزكاة إلا أن يرجع إليك و يحول عليه الحول و هو في يدك، إلا أن يكون مالك على رجل متى ما أردت أخذت منه فعليك زكاته.
و لا يخفى أن اعتماده في الاستدلال لما ذهب إليه إنما هو على إطلاق صحيحة عبد اللّٰه بن سنان، حيث إن الموثق عنده من قسم الضعيف و إن أغمض النظر عنه في وقت الاحتياج إليه كما هنا، و إن ما عارض ذلك من روايتي درست و عبد العزيز في حكم العدم عنده لضعفهما، و حينئذ فمع وجود صحيحة الكناني المذكورة و موثقة زرارة يضعف ما صار إليه لمعارضة صحيحة عبد اللّٰه بن سنان بصحيحة الكناني و موثقتي إسحاق بن عمار و الحلبي بموثقة زرارة مع بقية الأخبار المذكورة، و الجمع بين الجميع بتقييد إطلاق تلك الأخبار التي اعتمدها بهذه الأخبار التي ذكرناها مقتضى القاعدة المطردة في كلامهم من حمل المطلق على المقيد و العام على الخاص و المجمل على المبين، على أن الحمل على الاستحباب و إن اشتهر بين الأصحاب في جميع الأبواب إلا أنه لا دليل عليه من سنة و لا كتاب و أن النظر بعين الإنصاف و الاعتبار يقتضي ضعفه و أنه ناقص العيار، و ذلك فإن الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل الواضح كغيره من الوجوب و التحريم و نحوهما و اختلاف الأخبار ليس دليلا على ذلك. و أيضا فإن الحمل على الاستحباب مجاز لا يصار إليه إلا مع القرينة و اختلاف الأخبار ليس من قرائن المجاز.
و (رابعا) أن قول العلامة في المختلف في ما نقله السيد عنه و استجوده- من أنه يلزم من تقييد الإطلاق في رواية الحلبي تأخير البيان عن وقت الحاجة- ممنوع و إنما اللازم تأخير البيان عن وقت الخطاب و إلا لزم ذلك في جميع الأخبار المطلقة بالنسبة إلى الأخبار المقيدة فلا يمكن تقييدها بها و هم لا يلتزمونه، و وقت الحاجة هنا غير معلوم و لا مدلول عليه بصريح و لا إشارة.
نعم ذكر بعض الأصحاب ممن اختار القول بعدم الوجوب أن جمهور العامة على القول بالوجوب في الدين فإن ثبت فلا يبعد حمل هذه الأخبار على التقية. إلا‌

37
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

تتمة تتضمن الكلام على كلام بعض الأعلام ج 12 ص 35

أن فيه أيضا أن الأخبار المذكورة دلت على التفصيل في الدين بين ما يمكن أخذه و ما لا يمكن أخذه و الخلاف المنقول عن العامة كما نقله العلامة في المنتهى في الدين مطلقا، فبعض قال فيه بالوجوب مطلقا و نقله عن الثور و أبي ثور و أصحاب الرأي و جابر و طاوس و النخعي و الحسن و الزهري و قتادة و حماد و الشافعي و أحمد، و بعض قال بعدم الوجوب مطلقا و نقله عن عكرمة و عائشة و ابن عمر و الشافعي في القديم. و أما القول بالتفصيل كما دلت عليه الأخبار فلم ينقل عن أحد منهم «1» و بذلك يظهر ضعف الحمل على التقية كما ذكره البعض المشار إليه.
و بالجملة فالظاهر هو قوة القول بالوجوب للأخبار المذكورة و يجب حمل مطلقها على مقيدها. و اللّٰه العالم.
الثانية [عدم وجوب الزكاة في الوقف]
- الظاهر أنه لا خلاف في عدم الزكاة في الوقف، لأنها مشروطة كما تقدم بالملك و الوقف غير مملوك للموقوف عليه على أحد القولين أو مملوك له و لكنه غير مستقل بالملك لأنه حق البطون بعده، و لأنه ممنوع من التصرف فيه إلا بالاستنماء.
نعم تجب الزكاة في نمائه إذا كان الوقف على شخص معين أو أشخاص مع بلوغ‌
______________________________
(1) في المغني ج 3 ص 46: إذا كان له دين على معترف به باذل له فعلى صاحبه زكاته إلا أنه لا يلزمه إخراجها حتى يقبضه فيؤدي لما مضى، روى ذلك عن علي (ع) و به قال للثوري و أبو ثور و أصحاب الرأي، و قال عثمان و ابن عمر و جابر و طاوس و النخعي و جابر بن زيد و الحسن و ميمون بن مهران و الزهري و قتادة و حماد بن أبي سليمان و الشافعي و إسحاق و أبو عبيد: عليه إخراج الزكاة في الحال و إن لم يقبضه لأنه قادر على أخذه و التصرف فيه فلزمه إخراج زكاته كالوديعة، و قال عكرمة ليس في الدين زكاة و روى ذلك عن عائشة و ابن عمر، و قال سعيد بن المسيب و عطاء بن أبي رباح و عطاء الخراساني و أبو الزناد: يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة. و أما الدين على معسر أو مماطل أو جاحد ففيه روايتان: إحداهما- لا تجب قال به قتادة و إسحاق و أبو ثور و أهل العراق، و الثانية- يزكيه إذا قبضه قال به الثوري و أبو عبيد، و للشافعي قولان كالروايتين، و عن عمر بن عبد العزيز و الحسن و الليث و الأوزاعي و مالك يزكيه إذا قبضه لعام واحد.

38
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثانية عدم وجوب الزكاة في الوقف ج 12 ص 38

حصة كل منهم على تقدير التعدد النصاب، أما لو كان الوقف على جهة عامة كالوقف على المساجد و نحوها فهو في الحقيقة وقف على سائر المسلمين كما صرحوا به و لا زكاة فيه كما لا زكاة في بيت المال من غير خلاف و لا إشكال لأن خطابات الزكاة لا عموم فيها بحيث تتعلق بمثل ذلك.
الثالثة [عدم اشتراط التمكن من الأداء في وجوب الزكاة]
- قد صرحوا من غير خلاف يعرف أنه لا يشترط في وجوب الزكاة التمكن من الأداء بل تجب عليه و إن لم يتمكن من إيصالها إلى مستحقها، و يدل عليه ظواهر جملة من الأخبار مثل‌
قولهم (عليهم السلام) «1» «أيما رجل عنده مال و حال عليه الحول فإنه يزكيه».
نعم يشترط ذلك في الضمان، و الظاهر أنه متفق عليه أيضا، و يدل عليه ظواهر جملة من الأخبار الدالة على أن من وجد لها موضعا فلم يدفعها فضاعت فإن عليه الضمان و من لم يجد فليس عليه ضمان «2» و سيأتي تحقيق ذلك إن شاء اللّٰه تعالى في موضعه اللائق به.
الرابعة [زكاة القرض على المقترض إلا مع شرط الخلاف]
- قد تقدم أن الأشهر الأظهر هو أن مال القرض تجب زكاته على المقترض إذا حال الحول عليه عنده.
و يدل عليه جملة من الأخبار: منها-
صحيحة زرارة أو حسنته على المشهور بإبراهيم بن هاشم «3» قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام رجل دفع إلى رجل مالا قرضا على من زكاته على المقرض أو على المقترض؟ قال لا بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولا على المقترض. قال قلت فليس على المقرض زكاتها؟ قال لا يزكى المال من وجهين في عام واحد، و ليس على الدافع شي‌ء لأنه ليس في يده شي‌ء إنما المال في يد الآخر فمن كان المال في يده زكاه. قال قلت أ فيزكي مال غيره من ماله؟ قال إنه ماله ما دام في يده و ليس ذلك المال لأحد غيره. ثم قال يا زرارة أ رأيت وضيعة ذلك
______________________________
(1) الوسائل الباب 10 ممن تجب عليه الزكاة و 12 من زكاة الذهب و الفضة.
(2) الوسائل الباب 29 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة، و اللفظ مطابق لما في التهذيب ج 1 ص 357 عن الكليني.

39
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابعة زكاة القرض على المقترض إلا مع شرط الخلاف ج 12 ص 39

المال أو ربحه لمن هو و على من هو؟ قلت للمقترض. قال فله الفضل و عليه النقصان و له أن ينكح و يلبس منه و يأكل منه، و لا ينبغي له أن لا يزكيه بل يزكيه فإنه عليه جميعا».
و بمضمونها أخبار عديدة.
و به يظهر ضعف قول الشيخ المتقدم ذكره من أنه لا يدخل في ملك المقترض إلا بالتصرف في عينه و أنه لا زكاة عليه حينئذ. نعم لو تبرع المقرض بالزكاة عنه أجزأ كما سيأتي في صحيحة منصور بن حازم.
بقي الكلام هنا في أنه لو اشترط المقترض زكاته على المقرض فهل تسقط عن المقترض و تجب على المقرض أم لا؟ المشهور الثاني و نقل عن الشيخ الأول.
قال العلامة في المختلف: و لا زكاة على المقرض مطلقا أما المستقرض فإن ترك المال بعينه حولا وجبت عليه الزكاة و إلا فلا، و هو اختيار ابن أبي عقيل و الشيخ في النهاية في باب لزكاة و الخلاف و المفيد في المقنعة و الشيخ علي بن بابويه في الرسالة و ابن إدريس. و قال الشيخ في باب القرض من النهاية إن شرط المقترض الزكاة على القارض وجبت عليه دون المستقرض. لنا- أنه ملك المقترض فالزكاة عليه و الشرط غير لازم لأنه اشتراط للعبادة على غير من وجبت عليه و إنه باطل كما لو شرط غير الزكاة من العبادات،
و ما رواه يعقوب بن شعيب في الصحيح «1» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يقرض المال للرجل السنة و السنتين و الثلاث لو ما شاء اللّٰه على من الزكاة على المقرض أو على المستقرض؟ فقال على المستقرض لأن له نفعه و عليه زكاته».
ثم ساق جملة من الأخبار الدالة على ذلك و منها حسنة زرارة المتقدمة، ثم قال احتجوا‌
بما رواه منصور بن حازم في الصحيح عن الصادق عليه السلام «2» «في رجل استقرض مالا فحال عليه الحول و هو عنده؟ فقال إن كان الذي أقرضه يؤدي زكاته فلا زكاة عليه و إن كان لا يؤدي أدى المستقرض».
و الجواب أنا نقول بموجبه فإن المقرض لو تبرع بالأداء سقط عن المقترض أما الوجوب مع الشرط فممنوع‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة.

40
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابعة زكاة القرض على المقترض إلا مع شرط الخلاف ج 12 ص 39

و ليس في الحديث ما يدل عليه، قال الشيخ علي بن الحسين بن بابويه: إن بعت شيئا و قبضت ثمنه و اشترطت على المشتري زكاة سنة أو سنتين أو أكثر فإن ذلك يلزمه دونك. و في لزوم هذا الشرط نظر. انتهى كلامه زيد مقامه. و نسج على منواله في هذا الكلام جملة من تأخر عنه من الأعلام من المتأخرين و متأخريهم.
و عندي فيه نظر (أما أولا) فإن ما نقله عن أولئك الأجلاء في صدر عبارته الظاهر أنه لا دلالة فيه على المدعى، لأن غاية كلامهم وجوب الزكاة على المقترض و لم يتعرضوا لحكم الشرط نفيا و لا إثباتا، و هو من ما لا نزاع فيه و لا إشكال يعتريه.
و الذي يحضرني من كلامهم هنا عبارة الشيخ المفيد في المقنعة حيث قال: و لا زكاة على المقرض في ما أقرضه إلا أن يشاء التطوع بزكاته، و على المستقرض زكاته ما دام في يده و لم يستهلكه لأن له نفعه. و عبارة الشيخ في النهاية حيث قال: و مال القرض ليس فيه زكاة على صاحبه بل تجب على المستقرض الزكاة إن تركه بحاله حتى يحول عليه الحول. و الظاهر أن باقي كلام من نقل عنه من هذا القبيل، و مثل ذلك الأخبار التي نقلها فإن غايتها إطلاق الزكاة على المقترض و لا تعرض فيها لحكم الشرط نفيا و لا إثباتا.
و (أما ثانيا) فإن ما ادعاه- من أن الشرط غير لازم لأنه اشتراط للعبادة على غير من وجبت عليه و إنه باطل- مردود (أولا) بأن تعلقها بالمقترض مشروط عندهم بعدم تبرع المقرض بها كما صرح به فلو تبرع بها سقطت عن المقترض، فلا يتم ما ذكره كليا من أن اشتراطها من قبيل اشتراط العبادة على غير من وجبت عليه، إذ مقتضاه تعين الوجوب على المقترض خاصة و عدم السقوط عنه بفعل الغير تبرعا كان أو اشتراطا. و أيضا فإن الزكاة و إن كانت من قبيل العبادة من وجه إلا أنها من قبيل الدين من وجه آخر.
و ثانيا- و هو العمدة في الاستدلال الأخبار الدالة على صحة شرط زكاة ثمن المبيع على المشتري «1» كما نقله في آخر كلامه عن الشيخ علي بن الحسين بن بابويه و إن‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 18 من زكاة الذهب و الفضة.

 

41
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابعة زكاة القرض على المقترض إلا مع شرط الخلاف ج 12 ص 39

تنظر فيه بناء على ما قدمه في صدر كلامه.
و من الأخبار الدالة على ما قلناه‌
ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن عبد اللّٰه بن سنان «1» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول باع أبي من هشام بن عبد الملك أرضا بكذا و كذا ألف دينار و اشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين و إنما فعل ذلك لأن هشاما كان هو الوالي».
و رواه الصدوق أيضا في كتاب العلل في الصحيح مثله «2».
و روى في الكافي أيضا في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم على المشهور عن الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «باع أبي أرضا من سليمان بن عبد الملك بمال و اشترط عليه في بيعه أن يزكي هذا المال من عنده لست سنين».
و الخبران كما ترى صحيحان صريحان في صحة الشرط المذكور و لزومه، و به يظهر لك ما في كلامه (قدس سره)- و كذا كل من تبعه و حكم ببطلان الشرط لما ذكره من التعليل- من الغفلة عن ملاحظة هذين الخبرين.
و مثلهما ما‌
في كتاب الفقه الرضوي «4» حيث قال عليه السلام: فإن بعت شيئا و قبضت ثمنه و اشترطت على المشتري زكاة سنة أو سنتين أو أكثر من ذلك فإنه يلزمه دونك.
انتهى.
و هذه عين عبارة الشيخ علي بن الحسين التي نقلها عنه في المختلف، و منه يعلم أن مستنده في هذا الحكم هو الكتاب المذكور و إن كان الخبران المتقدمان يدلان على ذلك. و بمثل هذه العبارة عبر ابنه الصدوق في الفقيه، و هو ظاهر في أن مذهبه ذلك.
و حينئذ فمتى ثبتت بهذه الأخبار صحة الشرط المذكور و أنه سائغ و أن الزكاة تنتقل به إلى ذمة المشروط عليه فلا فرق بين وقوعه و اشتراطه في بيع أو قرض أو غيرهما عملا بما دل على أن المؤمنين عند شروطهم «5».
______________________________
(1) الوسائل الباب 18 من زكاة الذهب و الفضة.
(2) الوسائل الباب 18 من زكاة الذهب و الفضة.
(3) الوسائل الباب 18 من زكاة الذهب و الفضة.
(4) ص 23.
(5) الوسائل الباب 6 من أبواب الخيار من كتاب التجارة.

42
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابعة زكاة القرض على المقترض إلا مع شرط الخلاف ج 12 ص 39

و (أما ثالثا) فإنه لا يخفى أن ما نقله عن الشيخ علي بن الحسين أخيرا مناف لما نقله عنه أولا لو كان النقل صريحا في عدم صحة الشرط كما يدعيه، و إلا فإنه متى كان مطلقا كما نقلناه من عبارتي المقنعة و النهاية فلا منافاة، و على هذا جرى الشيخ في النهاية كما نقله عنه، فصرح في باب الزكاة بأنها على المقترض بقول مطلق، و في باب القرض بأنها مع الشرط تلزم المقرض و تسقط عن المقترض و به يقيد الإطلاق الأول‌
المقصد الثاني- في ما تجب فيه الزكاة من الأموال
، و حيث إنه من المجمع عليه نصا و فتوى هو وجوبها في الأنعام و النقدين و الغلات الأربع و أنها تستحب في بعض الأموال أيضا، فالكلام في هذا المقصد يقتضي بسطه في مطالب أربعة:
المطلب الأول- في الأنعام
و الكلام فيه يقع في مقامات ثلاثة:
المقام الأول- في نصب زكاة الإبل
، و هي اثنا عشر نصابا بالإجماع من علماء الإسلام على ما نقله جملة من الأعلام «1» و كأنه بناء منهم على عدم الاعتداد بالمخالف في بعضها و شذوذه و ندرته كما ستقف عليه إن شاء اللّٰه تعالى من الخلاف في المقام و لا تجب في ما دون خمس من الإبل فإذا تمت خمسا ففيها شاة ثم إذا بلغت عشرا ففيها شاتان ثم خمس عشرة ففيها ثلاث شياه ثم عشرين ففيها أربع ثم خمسا و عشرين ففيها خمس ثم ستا و عشرين ففيها بنت مخاض و هي التي دخلت في الثانية ثم ستا و ثلاثين ففيها بنت لبون و هي التي دخلت في الثالثة ثم ستا و أربعين ففيها حقة و هي التي دخلت في الرابعة ثم إحدى و ستين ففيها جذعة و هي التي دخلت في الخامسة ثم ستا و سبعين ففيها بنتا لبون ثم إحدى و تسعين ففيها حقتان ثم مائة و إحدى و عشرين ففي كل أربعين بنت لبون و في كل خمسين حقة.
و لا خلاف في الخمسة الأول و إنما الخلاف في النصاب السادس فإن ابن أبي عقيل أسقطه و أوجب بنت مخاض في خمس و عشرين إلى ست و ثلاثين و هو‌
______________________________
(1) يظهر الحال في مذهب العامة في نصب الإبل من التعليقة الآتية.

43
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الأول في نصب زكاة الإبل ج 12 ص 43

قول الجمهور «1» كما صرح به جملة من أصحابنا (رضوان اللّٰه عليهم) و في المدارك نقل هذا القول عن ابن أبي عقيل و ابن الجنيد، و هو سهو منه فإن ابن الجنيد لم يسقطه غاية الأمر أنه وافق ابن أبي عقيل في إخراج بنت مخاض في خمس و عشرين. و بما ذكرنا صرح العلامة في المختلف.
و يدل على القول المشهور الأخبار الكثيرة و منها-
صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» المروية في الكافي و التهذيب قال: «في خمس قلائص شاة و ليس في ما دون الخمس شي‌ء، و في عشر شاتان و في خمس عشرة ثلاث و في عشرين أربع و في خمس و عشرين خمس و في ست و عشرين بنت مخاض إلى خمس و ثلاثين-
______________________________
(1) ذكر في المغني ج 2 ص 577 نصب الإبل كما هنا بإسقاط السادس كما نقل عن ابن أبي عقيل ثم قال: و هذا كله مجمع عليه. و في البداية ج 1 ص 238 أجمع المسلمون عليه إلا في ما زاد على عشرين و مائة ففيه الخلاف، فإن مالكا قال إذا زاد على مائة و عشرين فالمصدق بالخيار إن شاء أخذ ثلاث بنات لبون و إن شاء أخذ حقتين، و قال ابن القاسم من أصحابه بل يأخذ ثلاث بنات لبون من غير خيار إلى أن تبلغ ثمانين و مائة فيكون فيها حقة و ابنتا لبون، و بهذا القول قال الشافعي. و قال عبد الملك بن الماجشون من أصحاب مالك بل يأخذ الساعي حقتين فقط من غير خيار إلى إن تبلغ مائة و ثلاثين. و قال الكوفيّون أبو حنيفة و أصحابه و الثوري إذا زادت على مائة و عشرين عادت الفريضة بمعنى أن في كل خمس شاة، فإذا كانت الإبل مائة و خمس و عشرين كان فيها حقتان و شاة: الحقتان المائة و عشرين و الشاة للخمس. إلى آخر كلامه. و في المهذب ج 1 ص 144 بعد أن وافق المغني و البداية في ترتيب النصب قال: إذا بلغت مائة و إحدى و عشرين كان فيها ثلاث بنات لبون ثم في كل أربعين بنت لبون و في كل خمسين حقة، و الأصل فيه رواية أنس. و في البحر الرائق ج 2 ص 213 عد النصب كما تقدم إلى مائة و عشرين، و أما الزائد عليه فتفصيله في كل خمس شاة إلى مائة و خمس و أربعين ففيها حقتان و بنت مخاض و في مائة و خمسين ثلاث حقاق ثم في كل خمس شاة و في مائة و خمس و سبعين ثلاث حقاق و بنت مخاض و في مائة و ست و ثمانين ثلاث حقاق و بنت لبون و في مائة و ست و تسعين أربع حقاق إلى مائتين.
(2) الوسائل الباب 2 من زكاة الأنعام.

44
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الأول في نصب زكاة الإبل ج 12 ص 43

و قال عبد الرحمن هذا فرق بيننا و بين الناس- فإذا زادت واحدة ففيها ابنة لبون إلى خمس و أربعين فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس و سبعين فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين و مائة فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة».
و صحيحة أبي بصير- و هو المرادي بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه- عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «سألته عن الزكاة قال ليس في ما دون الخمس من الإبل شي‌ء فإذا كانت خمسا ففيها شاة إلى عشر فإذا كانت عشرا ففيها شاتان إلى خمس عشرة فإذا كانت خمس عشرة ففيها ثلاث من الغنم إلى عشرين فإذا كانت عشرين ففيها أربع من الغنم إلى خمس و عشرين فإذا كانت خمسا و عشرين ففيها خمس من الغنم فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس و ثلاثين فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر فإذا زادت واحدة على خمس و ثلاثين ففيها ابنة لبون أنثى إلى خمس و أربعين فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس و سبعين فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين و مائة فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة. و لا تؤخذ هرمة و لا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق أن يعد صغيرها و كبيرها».
و صحيحة زرارة المروية في من لا يحضره الفقيه «2» و هي مثل صحيحة أبي بصير المذكورة إلا إن آخرها هكذا: «فإذا زادت واحدة فحقتان إلى عشرين و مائة فإذا زادت على العشرين و المائة واحدة ففي كل خمسين حقة و في كل أربعين بنت لبون».
و ما نقله في المعتبر «3» قال: روى أبو بصير و عبد الرحمن بن الحجاج و زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السلام) قالا: «إذا زادت عن خمس و عشرين ففيها بنت مخاض فإن لم تكن فابن لبون ذكر إلى خمس و ثلاثين فإن زادت فابنة لبون
______________________________
(1) الوسائل الباب 2 و 10 من زكاة الأنعام.
(2) الوسائل الباب 2 من زكاة الأنعام.
(3) ص 259 و الظاهر أنه يشير إلى الروايات الثلاث المتقدمة و ليست رواية مستقلة.

45
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الأول في نصب زكاة الإبل ج 12 ص 43

و قال عبد الرحمن هذا فرق بيننا و بين الناس- فإذا زادت واحدة ففيها ابنة لبون إلى خمس و أربعين فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس و سبعين فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين و مائة فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة».
و صحيحة أبي بصير- و هو المرادي بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه- عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «سألته عن الزكاة قال ليس في ما دون الخمس من الإبل شي‌ء فإذا كانت خمسا ففيها شاة إلى عشر فإذا كانت عشرا ففيها شاتان إلى خمس عشرة فإذا كانت خمس عشرة ففيها ثلاث من الغنم إلى عشرين فإذا كانت عشرين ففيها أربع من الغنم إلى خمس و عشرين فإذا كانت خمسا و عشرين ففيها خمس من الغنم فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس و ثلاثين فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر فإذا زادت واحدة على خمس و ثلاثين ففيها ابنة لبون أنثى إلى خمس و أربعين فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس و سبعين فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين و مائة فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة. و لا تؤخذ هرمة و لا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق أن يعد صغيرها و كبيرها».
و صحيحة زرارة المروية في من لا يحضره الفقيه «2» و هي مثل صحيحة أبي بصير المذكورة إلا إن آخرها هكذا: «فإذا زادت واحدة فحقتان إلى عشرين و مائة فإذا زادت على العشرين و المائة واحدة ففي كل خمسين حقة و في كل أربعين بنت لبون».
و ما نقله في المعتبر «3» قال: روى أبو بصير و عبد الرحمن بن الحجاج و زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السلام) قالا: «إذا زادت عن خمس و عشرين ففيها بنت مخاض فإن لم تكن فابن لبون ذكر إلى خمس و ثلاثين فإن زادت فابنة لبون
______________________________
(1) الوسائل الباب 2 و 10 من زكاة الأنعام.
(2) الوسائل الباب 2 من زكاة الأنعام.
(3) ص 259 و الظاهر أنه يشير إلى الروايات الثلاث المتقدمة و ليست رواية مستقلة.

46
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الأول في نصب زكاة الإبل ج 12 ص 43

ما في بعض النسخ الصحيحة- «فإذا بلغت خمسا و عشرين فإن زادت واحدة ففيها بنت مخاض. إلى أن قال فإذا بلغت خمسا و ثلاثين فإن زادت واحدة ففيها ابنة لبون ثم قال فإذا بلغت خمسا و أربعين و زادت واحدة ففيها حقة ثم قال فإذا بلغت ستين و زادت واحدة ففيها جذعة ثم قال فإذا بلغت خمسا و سبعين و زادت واحدة ففيها ابنتا لبون ثم قال فإذا بلغت تسعين و زادت واحدة ففيها حقتان».
و ذكر الحديث مثله.
أقول: و قد اضطرب كلام الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في الجواب عن صحيحة الفضلاء بناء على الرواية المشهورة، فنقل عن السيد المرتضى (رضي اللّٰه عنه) حمل بنت المخاض على كونها بالقيمة عن الخمس شياه، و احتمل بعض حمله على الاستحباب و الشيخ (قدس سره) قد أجاب عنه بأن قوله عليه السلام «فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض» يحتمل أن يكون المراد و زادت واحدة و إن لم يذكر في اللفظ لعلمه بفهم المخاطب ذلك، قال: و لو لم يحتمل ما ذكرناه لكان لنا أن نحمل هذه الرواية على ضرب من التقية لأنها موافقة لمذهب العامة «1».
و اعترضه المحقق في المعتبر فقال بعد نقل كلامه: و التأويلان ضعيفان، أما الإضمار فبعيد في التأويل، و أما التقية فكيف يحمل على التقية ما صار إليه جماعة من محققي الأصحاب و رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، و كيف يذهب على مثل ابن أبي عقيل و البزنطي و غيرهما ممن اختار ذلك مذهب الإمامية من غيرهم؟
و الأولى أن يقال فيه روايتان أشهرهما ما اختاره المشايخ الخمسة و أتباعهم. انتهى.
و لا يخفى ما فيه من الوهن الغني عن التنبيه عليه و التوجيه، و الحق أنه لا معدل عن أحد الوجهين اللذين ذكرهما الشيخ (قدس سره) و يؤيد الحمل على التقية- و هو الذي اختاره المحدث الكاشاني في الوافي- صحيحة عبد الرحمن المتقدمة و قوله فيها «هذا فرق بيننا و بين الناس» مع ما عرفت من أنه مذهب الجمهور، إلا أنه يخدشه أن الإشكال في الصحيحة المذكورة ليس مخصوصا بهذا الموضع بل الإشكال‌
______________________________
(1) ارجع إلى التعليقة 1 ص 44.

47
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الأول في نصب زكاة الإبل ج 12 ص 43

في جملة النصب المتأخرة إلى النصاب الأخير، فإنه لا قائل بذلك من العامة و لا من الخاصة و هو خلاف جملة الأخبار الواردة في المسألة، و الأمر دائر بين شيئين: إما رد الرواية المذكورة من هذه الجهة مع ما هي عليه من الصحة و الإسناد إلى إمامين و اشتمالها على نصب الأنعام الثلاثة و جملة من أحكامها كما سيأتي نقل ذلك كل في موضعه و هو مشكل لا يمكن التزامه، و إما قبولها و حملها على ما يقوله الشيخ من الإضمار و التقدير في كل نصاب، و هو و إن بعد لعدم كونه معهودا في الكلام إلا أنه في مقام الجمع مما لا بد منه. و أما كلام صاحب المعتبر فإنه غير موجه و لا معتبر كما لا يخفى على من تأمل بعين الإنصاف و نظر.
[تنبيهات]
و ينبغي التنبيه على أمور‌
الأول [موارد الخلاف في نصاب الإبل]
- لا يخفى أنه قد وقع الخلاف في هذا المقام أيضا في مواضع: منها- ما ذهب إليه ابن الجنيد من أن الواجب في خمس و عشرين بنت مخاض أنثى فإن لم تكن فابن لبون فإن لم يكن فخمس شياه. و لم نقف له في الأخبار على مستند.
و منها- ما نقله في المختلف عن الشيخ علي بن بابويه من أنه قال في رسالته فإذا بلغت خمسا و أربعين و زادت واحدة ففيها حقة- و سميت حقة لأنها استحقت أن يركب ظهرها- إلى أن تبلغ ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى ثمانين فإن زادت واحدة ففيها ثني. ثم قال في المختلف: و هو قول ابنه محمد في كتاب الهداية. و لم يوجب باقي علمائنا في إحدى و ثمانين شيئا أصلا عدا نصاب ست و سبعين. ثم استدل على القول المشهور بالأخبار المتقدمة.
أقول: ما نقله هنا من عبارة الرسالة هو عين عبارة كتاب الفقه الرضوي كما قدمنا لك أمثال ذلك في مواضع عديدة من كتاب الصلاة، فإنه عليه السلام قال «1» بعد ذكر النصب المتقدمة كما مر في الأخبار:
«فإذا بلغت خمسا و أربعين و زادت واحدة ففيها حقة- و سميت حقة لأنها استحقت أن يركب ظهرها- إلى أن تبلغ ستين فإذا
______________________________
(1) ص 22.

48
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأول موارد الخلاف في نصاب الإبل ج 12 ص 48

زادت واحدة ففيها جذعة إلى ثمانين فإذا زادت واحدة ففيها ثني».
و منه يعلم أن مستند الصدوقين هنا إنما هو الكتاب المذكور كما تقدم في تلك المواضع. إلا إن الحكم غريب لخروجه عن مقتضى الأخبار الكثيرة المتفق عليها بين الطائفة سواهما (رضي اللّٰه عنهما).
و لا يخفى ما في تمسكهما بهذا الكتاب في مثل هذا المقام من الدلالة على يقينهما بكونه عنه عليه السلام و ثبوته زيادة على تلك الأخبار، و إلا فكيف يجوز منهما الخروج عن تلك الأخبار الصحيحة الصريحة مع قرب العهد إلى العمل بهذا الكتاب.
و منها- النصاب الأخير فقد نقل فيه الخلاف عن المرتضى (رضي اللّٰه عنه) في الإنتصار كما نقله في المختلف، و ليس في التعرض لنقله كثير فائدة و إن ادعى عليه الإجماع مع مخالفته له في سائر كتبه و لا سيما المسائل الناصرية، و من أحب الوقوف على ذلك فليرجع إلى كتاب المختلف.
الثاني [كيف يخرج الواجب في النصاب الأخير؟]
- قد اشتمل بعض الأخبار المتقدمة على أن الواجب إخراجه في النصاب الأخير- و هو مائة و إحدى و عشرون- في كل خمسين حقة و في كل أربعين بنت لبون، و منها صحيحة زرارة المتقدم نقلها عن الفقيه، و رواية أخرى له في التهذيب أيضا «1» و صحيحة الفضلاء، و ظاهر هذه الروايات التخيير بين هذين الفردين بعد العد بأحد العددين، و به صرح شيخنا الشهيد الثاني في فوائد القواعد كما نقل عنه و نسبه إلى ظاهر الأصحاب.
و ظاهره (قدس سره) في كتاب المسالك بل صريحه أن المراد بذلك كون النصاب أمرا كليا لا ينحصر في فرد و أن التقدير بالأربعين و الخمسين ليس على وجه التخيير مطلقا بل يجب التقدير بما يحصل به الاستيعاب، فإن أمكن بهما تخير و إن لم يمكن بهما وجب اعتبار أكثرهما استيعابا مراعاة لحق الفقراء و لو لم يمكن إلا بهما وجب الجمع، فعلى هذا يجب تقدير أول هذا النصاب و هو المائة و إحدى و عشرون‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 2 من زكاة الأنعام.

49
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثاني كيف يخرج الواجب في النصاب الأخير ج 12 ص 49

بالأربعين و تقدير المائة و الخمسين بالخمسين و المائة و السبعين بهما، و يتخير في المائتين و في الأربعمائة بين اعتباره بهما و بكل واحد منهما. انتهى. و بمثل ذلك صرح المحقق الشيخ علي و العلامة في المنتهى، و الظاهر أنه هو المشهور كما يفهم من عبارة المنتهى.
و فيه أن ظاهر ما ورد بالعد بالخمسين خاصة كما تقدم في صحيحتي عبد الرحمن و أبي بصير يدفع ذلك، فإن ظاهرهما العد بالخمسين مطلقا و لو في نصاب المائة و إحدى و عشرين الذي أوجب فيه العد بالأربعين خاصة، و لو كان العد في هذا الموضع متعينا بالأربعين كما ذكره (قدس سره) لما ساغ إطلاق هذه الأخبار بالعد بالخمسين.
و أيضا فإن التخيير في صحيحتي الفضلاء و زرارة وقع على أثر ذكر نصاب مائة و إحدى و عشرين الذي أوجب فيه العد بالأربعين خاصة، و لو تعين فيه العد بالأربعين لم يحسن ذكر التخيير في صورة لا يجوز فيها إلا أحدهما. و بالجملة فإن الروايات كملا لا تجتمع إلا على القول بالتخيير مطلقا كما هو ظاهر تلك الأخبار المشتملة على الأربعين و الخمسين، نعم ما ذكره متضمن للاحتياط و لا ريب في أولويته و أما تعينه فهو خلاف ظاهر تلك الأخبار كما عرفت.
الثالث- هل الواحدة الزائدة على المائة و عشرين جزء من النصاب أو شرط
في الوجوب و ليست بجزء، فلا يسقط بتلفها بعد الحول بغير تفريط شي‌ء كما لا يسقط في الزائد عنها من ما ليس بجزء، للأربعين أو الخمسين على المشهور بين المتأخرين؟
فيه وجهان، اختار أولهما العلامة في النهاية، و ثانيهما جملة من المتأخرين، و توقف في البيان، من حيث اعتبارها نصا الموجب للجزئية، و من إيجاب الفريضة في كل خمسين و أربعين الظاهر في خروجها.
الرابع [حكم البخت]
- قد صرح الأصحاب بأن الزكاة في الإبل بنوعيها من البخت و العراب و على ذلك دلت‌
صحيحة الفضلاء المتقدمة «1» حيث قال فيها: «قلت ما في البخت السائمة؟ قال مثل ما في الإبل العربية».
قال في المصباح المنير: و البخت نوع من الإبل‌
______________________________
(1) ص 46.

50
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابع حكم البخت ج 12 ص 50

الواحد بختي مثل روم و رمي و يخفف و يثقل. انتهى. و الأصحاب عبروا عنها بالإبل الخراسانية و يؤيده مقابلتها في الخبر بالإبل العربية.
الخامس [تخير المالك في إخراج ما شاء إذا كان بصفة الواجب]
- الأظهر تخير المالك في إخراج ما شاء إذا كان بصفة الواجب كما اختاره جملة من الأصحاب، و قيل إنه إذا وقعت المشاحة يقرع حتى تبقى السن التي تجب، بأن يقسم ما جمع الوصف قسمين ثم يقرع بينهما ثم يقسم ما خرجت عليه القرعة و هكذا حتى يبقى قدر الواجب. نقل ذلك عن الشيخ و جماعة و لم نقف لهم على مستند على الخصوص.
و يدل على الأول‌
صحيحة بريد العجلي «1» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: بعث أمير المؤمنين عليه السلام مصدقا من الكوفة إلى باديتها فقال له يا عبد اللّٰه انطلق.
إلى أن قال فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلا بإذنه فإن أكثره له فقل يا عبد اللّٰه أ تأذن لي في دخول مالك فإن أذن لك فلا تدخله دخول متسلط عليه فيه و لا عنف به، فاصدع المال صدعين ثم خيره أي الصدعين شاء فأيهما اختار فلا تعرض له ثم اصدع الباقي صدعين ثم خيره فأيهما اختار فلا تعرض له، فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق اللّٰه في ماله فإذا بقي ذلك فاقبض حق اللّٰه منه، فإن استقالك فأقله ثم اخلطهما و اصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق اللّٰه في ماله. الحديث».
و نحوه في الدلالة على المراد غيره و لكن ليس بهذا التفصيل. و هذا الحكم جار في غير الإبل من المواشي الزكوية.
السادس [أسامي الإبل بلحاظ أسنانها]
- قال شيخنا الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه «2» قال مصنف هذا الكتاب (رحمة اللّٰه) أسنان الإبل أول ما تطرحه أمه إلى تمام السنة حوار فإذا دخل في الثانية سمي ابن مخاض لأن أمه قد حملت، فإذا دخل في الثالثة سمي ابن لبون لأن أمه قد وضعت و صار لها لبن، فإذا دخل في الرابعة سمي الذكر حقا‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 14 من زكاة الأنعام.
(2) ج 2 ص 13.

51
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السادس أسامي الإبل بلحاظ أسنانها ج 12 ص 51

و الأنثى حقة لأنه قد استحق أن يحمل عليه، فإذا دخل في الخامسة سمي جذعا، فإذا دخل في السادسة سمي ثنيا لأنه قد ألقى ثنيته، فإذا دخل في السابعة ألقى رباعيته و سمي رباعيا، فإذا دخل في الثامنة ألقى السن التي بعد الرباعية و سمي سديسا، فإذا دخل في التاسعة فطر نابه و سمي بازلا، فإذا دخل في العاشرة فهو مخلف، و ليس له بعد هذا اسم، و الأسنان التي تؤخذ في الصدقة من ابن المخاض إلى الجذع. انتهى. و بمثل ذلك صرح ثقة الإسلام الكليني و الشيخ، و الصدوق قد علل كلا من هذه الأسنان إلا الجذع، و قد علل التسمية بذلك لأنه يجذع مقدم أسنانه أي يسقط.
السابع [من وجبت عليه سن و ليس عنده إلا الأعلى أو الأدنى]
- قد صرح الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) بأن من وجبت عليه سن من الإبل و ليس عنده إلا الأعلى منه بسن دفعه و استعاد من المصدق شاتين أو عشرين درهما، و من لم يكن عنده إلا الأدنى بسن دفعه و وجب عليه أن يجبره بشاتين أو عشرين درهما، و الحكم مجمع عليه بينهم في ما أعلم.
و يدل عليه أيضا‌
ما رواه في الكافي عن محمد بن مقرن بن عبد اللّٰه بن زمعة بن سبيع عن أبيه عن جده عن جد أبيه «1» «أن أمير المؤمنين عليه السلام كتب له في كتابه الذي كتب له بخطه حين بعثه على الصدقات: من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة و ليس عنده جذعة و عنده حقة فإنه تقبل منه الحقة و يجعل معها شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت عنده صدقة الحقة و ليست عنده حقة و عنده جذعة فإنه تقبل منه الجذعة و يعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت صدقته حقة و ليست عنده حقة و عنده ابنة لبون فإنه تقبل منه ابنة لبون و يعطى معها شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت صدقته ابنة لبون و ليست عنده ابنة لبون و عنده حقة فإنه تقبل منه الحقة و يعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت صدقته ابنة لبون و ليست عنده ابنة لبون و عنده ابنة مخاض فإنه تقبل منه ابنة مخاض و يعطي معها شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت صدقته ابنة مخاض و ليست عنده ابنة مخاض
______________________________
(1) الوسائل الباب 13 من زكاة الأنعام.

52
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السابع من وجبت عليه سن و ليس عنده إلا الأعلى أو الأدنى ج 12 ص 52

و عنده ابنة لبون فإنه تقبل منه ابنة لبون و يعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما، و من لم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها و عنده ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه ابن لبون و ليس معه شي‌ء. الحديث».
و رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام مثله «1».
و جمهور المتأخرين و متأخريهم و منهم السيد السند في المدارك و الفاضل الخراساني في الذخيرة و غيرهما لم ينقلوا إلا الخبر الأول و اعتذروا عن ضعف سنده باتفاق الأصحاب على القول بمضمونه مع أن صحيحة زرارة المشار إليها صريحة في ذلك غنية عن هذا الاعتذار.
و نقل عن الشيخ علي بن بابويه و ابنه الصدوق في المقنع جعل التفاوت بين بنت المخاض و بنت اللبون شاة يأخذها المصدق أو يدفعها. كذا نقله عنهما في المختلف أقول: و هذا أيضا مأخوذ‌
من كتاب الفقه الرضوي حيث قال عليه السلام في الكتاب المذكور «2» بعد ذكر خمسة و ثلاثين: فإن زادت واحدة ففيها ابنة لبون و من لم تكن عنده و كانت عنده ابنة مخاض أعطى المصدق ابنة مخاض و أعطى معها شاة، و إذا وجبت عليه ابنة مخاض و لم تكن عنده و كانت عنده ابنة لبون دفعها و استرجع من المصدق شاة.
انتهى.
فروع
الأول
- نقل عن العلامة في التذكرة- و به قطع الشهيد الثاني على ما نقله عنه سبطه في المدارك- الاكتفاء في الجبر بشاة و عشرة دراهم، و كأنه بنى على التخيير بين الشاتين و العشرين درهما في الأخبار. و هو لا يخلو من وجه من حيث الاعتبار إلا أنه خلاف ظاهر النص.
الثاني
- قد ذكر الأصحاب هنا أن الخيار في دفع الأعلى أو الأدنى و في الجبر‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 13 من زكاة الأنعام.
(2) ص 22.

53
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثاني ج 12 ص 53

بشاتين أو الدراهم إلى المالك لا إلى المصدق أو الفقير سواء كانت قيمة الواجب السوقية مساوية لقيمة المدفوع على الوجه المذكور أم زائدة عليها أم ناقصة عنها لإطلاق النص. و استشكل فيه بعضهم في صورة استيعاب قيمة المأخوذ من المصدق لقيمة المدفوع إليه، من إطلاق النص و شموله للصورة المذكورة، و من أن المالك كأنه لم يؤد شيئا، كما إذا وجبت على المالك ابنة مخاض و ليست عنده و أعطى عوضها سنا أعلى ابنة لبون فإنه يعطيه المصدق حينئذ عشرين درهما، فلو فرضنا كون ابنة اللبون قيمتها السوقية يومئذ عشرين درهما فكأن المالك لم يعط شيئا بالكلية لأنه أعطى ابنة لبون و أخذ قيمتها السوقية.
و قد نقل هنا عن العلامة في التذكرة القول بعدم الإجزاء، قال في المدارك بعد نقله عنه: و هو متجه. و نفى عنه البعد في الذخيرة أيضا، و هو محتمل حملا للرواية على ما هو المتعارف في ذلك الزمان أو الغالب من زيادة قيمة السن الأعلى على الأدنى بذلك المقدار فلا تدخل الصورة المفروضة في إطلاق النص. و ينبغي مراعاة الاحتياط في مثل ذلك.
الثالث
- مورد الأخبار المتقدمة التفاوت بسن واحد فلو كان التفاوت بأزيد كما إذا كانت عنده ابنة مخاض و كان الواجب عليه حقة أو بالعكس فهل يكون الحكم كالأول و يتضاعف الجبران بتضاعف السن فيعطي في الصورة المفروضة ابنة مخاض مع أربع شياه أو أربعين درهما أو يرجع حينئذ إلى القيمة السوقية؟ قولان و المشهور الثاني قصرا للحكم المخالف للأصل على مورد النص فيجب أخذ القيمة. و هو جيد.
و كذا تعتبر القيمة أيضا في ما عدا أسنان الإبل من البقر و الغنم و لا يجب الجبران، فمن عدم فريضة البقر و وجد الأعلى أو الأدنى أخرجه بالقيمة فيعطى ما نقص على الأول و يسترد ما زاد على الثاني إن اقتضت القيمة السوقية ذلك.
المقام الثاني- في نصاب البقر
و لها نصابان: ثلاثون و فيها تبيع أو تبيعة على المشهور و هو الذي دخل في الثانية، ثم أربعون و فيها مسنة، أما كون نصابها ذلك‌

54
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثاني في نصاب البقر ج 12 ص 54

فعليه الإجماع نصا و فتوى.
و ينبغي أن يعلم أنه ليس المراد أن الثلاثين ينحصر في النصاب الأول و الأربعين في الثاني بل إن هذا نصابها دائما كما سيظهر لك من الخبر الآتي و كذا من كلام الأصحاب، بمعنى أن الأعداد متى تضاعفت و ارتفعت فإنه يعد النصاب بالثلاثين و الأربعين، و حينئذ فمرجع النصابين إلى نصاب واحد على التخيير و يقدم ما يحصل به الاستيعاب أو يكون به أقرب إليه.
و أما كون المخرج في النصاب الأول تبيعا أو تبيعة فهو المشهور بل ادعى عليه الإجماع في المنتهى، و نقل عن الشيخ علي بن بابويه و ابن أبي عقيل إيجاب تبيع حولي خاصة، و به صرح الصدوق في الفقيه أيضا، و هذا هو الذي تضمنته صحيحة الفضلاء «1» المتقدم صدرها حيث قال فيها بعد ذكر ما قدمنا نقله منها «و قالا في البقر في كل ثلاثين بقرة تبيع حولي و ليس في أقل من ذلك شي‌ء، و في أربعين بقرة بقرة مسنة، و ليس في ما بين الثلاثين إلى الأربعين شي‌ء حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة، و ليس في ما بين الأربعين إلى الستين شي‌ء فإذا بلغت الستين ففيها تبيعان إلى السبعين، فإذا بلغت السبعين ففيها تبيع و مسنة، إلى الثمانين، فإذا بلغت ثمانين ففي كل أربعين مسنة إلى تسعين، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبيعات حوليات، فإذا بلغت عشرين و مائة ففي كل أربعين مسنة، ثم ترجع البقر على أسنانها.
و ليس على النيف شي‌ء و لا على الكسور شي‌ء و لا على العوامل شي‌ء إنما الصدقة على السائمة الراعية. و كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي‌ء عليه حتى يحول عليه الحول فإذا حال عليه الحول وجب عليه. الحديث».
و العجب من المحدث الحر في بدايته مع كونه من متصلي الأخباريين و أجلاء المحدثين أنه تبع المشهور في هذه المسألة فقال بالتخيير بين التبيع و التبيعة و ترك العمل بالخبر مع صحته و صراحته و وجود القائل به من قدماء الأصحاب.
______________________________
(1) الوسائل الباب 4 و 7 و 8 من زكاة الأنعام.

55
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثاني في نصاب البقر ج 12 ص 54

و مثل هذا الخبر أيضا ما صرح به في كتاب الفقه الرضوي، و الظاهر أنه هو المعتمد‌
لما ذكره الشيخ علي بن الحسين حيث قال عليه السلام «1» «و في البقر إذا بلغت ثلاثين بقرة ففيها تبيع حولي و ليس فيها إذا كانت دون ثلاثين شي‌ء، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة إلى ستين، فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان إلى سبعين، فإذا بلغت سبعين ففيها تبيع و مسنة إلى ثمانين، فإذا بلغت ثمانين ففيها مسنتان إلى تسعين، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبايع، فإذا كثرت البقر سقط هذا كله و يخرج من كل ثلاثين بقرة تبيعا و من كل أربعين مسنة».
و قال في المدارك- بعد قول المصنف: في كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة.
إلى آخره- ما لفظه: هذا قول العلماء كافة و قد تقدم من الأخبار ما يدل عليه.
و فيه أولا- أن ما ادعاه من اتفاق العلماء على التخيير في هذا النصاب و إن سبقه إليه العلامة في المنتهى إلا أنه مردود بما عرفت من خلاف أولئك الفضلاء، و من ثم نسبه في المختلف إلى المشهور و نقل خلاف ابن أبي عقيل و على بن بابويه.
و ثانيا- أن التخيير بين الفردين المذكورين لم نقف له على دليل في الأخبار و الرواية التي أشار إلى أنها تقدمت و هي صحيحة الفضلاء إنما تضمنت التبيع خاصة كما عرفت.
إلا أن المحقق في المعتبر «2» نقل صحيحة الفضلاء بما يطابق القول المشهور و لعله كان في بعض الأصول التي كانت عنده حيث قال: و من طريق الأصحاب ما رواه زرارة و محمد بن مسلم و أبو بصير و الفضيل و بريد عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السلام) «قالا في البقر في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة و ليس في أقل من ذلك شي‌ء ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ أربعين ففيها مسنة ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ ستين ففيها تبيعان أو تبيعتان ثم في سبعين تبيع أو تبيعة و مسنة ثم في ثمانين مسنتان و في تسعين ثلاث تبايع».
و هذه الرواية أيضا مثل الأولى التي نقلنا عنه في نصاب الإبل لم يتعرض لها‌
______________________________
(1) ص 22.
(2) ص 260.

56
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثاني في نصاب البقر ج 12 ص 54

أحد من المحدثين في كتب الأخبار و لا الأصحاب في كتب الاستدلال، و هو عجيب في المقام سيما مع خلو ما ذهبوا إليه في المسألة من الدليل و دلالة هذه الرواية عليه.
قال العلامة في المختلف: المشهور أن في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة، اختاره الشيخان و ابن الجنيد و السيد المرتضى و سلار و باقي المتأخرين، و قال ابن أبي عقيل و علي بن بابويه في ثلاثين تبيع حولي و لم يذكرا التبيعة، لنا- أنه أشهر بين الأصحاب و لأن التبيعة أفضل من التبيع فإيجابها يستلزم إيجاب التبيع دون العكس فهو أحوط فيتعين التخيير. احتجا بما رواه زرارة و محمد بن مسلم و أبو بصير و بريد و الفضيل في الحسن عن الباقر و الصادق (عليهما السلام) «قالا في البقر في كل ثلاثين تبيع حولي» و الجواب أنه غير مانع من إيجاب الأزيد على وجه التخيير. انتهى.
و أنت خبير بما في هذا الكلام من الضعف الذي لا يخفى على سائر الأنام فضلا عن ذوي الأفهام، و هل هو إلا محض مجازفة في الأحكام.
و بالجملة فالأظهر هو ما ذكره الفضلاء المتقدمون لقيام الدليل عليه، سيما مع تكرره في الرواية في النصب الباقية و اعتضادها برواية كتاب الفقه الرضوي.
و أما ما نقلناه عن المعتبر ففي النفس منه شي‌ء من حيث عدم تعرض أحد لنقل ذلك بالكلية مع تكرر النقل عن المعتبر في كتب الأصحاب في نقل الأقوال و الفتاوى و هذا الموضع أولى لما عرفت.
المقام الثالث- في نصب الغنم
و هي خمسة على المشهور و قيل أربعة، فالأول أربعون و فيها شاة، و ذهب الصدوق في الفقيه إلى أن النصاب الأول أربعون و واحدة، حيث قال: و ليس على الغنم شي‌ء حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين و زادت واحدة ففيها شاة. و رده المتأخرون بعدم وجود الدليل.
أقول: لا يخفى أن ما ذكره الصدوق في هذا المقام من هذا الكلام من أوله إلى آخره عين عبارة كتاب الفقه الرضوي «1» و منه يعلم أنه المستند له في ما ذكره.
ثم إنه ليس في ما زاد على ذلك شي‌ء حتى تبلغ مائة و إحدى و عشرين و فيها‌
______________________________
(1) ص 22.

57
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في نصب الغنم ج 12 ص 57

شاتان ثم مائتان و واحدة و فيها ثلاث شياه ثم ثلاثمائة و واحدة و هذا هو النصاب الرابع، فقيل بأنه بعد بلوغ هذا المقدار يلغى ما تقدم و يؤخذ من كل مائة شاة فيكون الواجب هنا ثلاث شياه كما تقدم و لا يتغير الفرض إلا ببلوغ أربعمائة. و إلى هذا القول ذهب جملة من الأجلاء كالشيخ المفيد و المرتضى و الصدوق و ابن أبي عقيل و سلار و ابن حمزة و ابن إدريس، و على هذا فتكون النصب أربعة. و ذهب جملة:
منهم- الشيخ و ابن الجنيد و أبو الصلاح و ابن البراج- و الظاهر أنه المشهور كما يظهر من المعتبر- إلى أنه بعد بلوغ ثلاثمائة و واحدة يجب فيها أربع شياه إلى أن تبلغ أربعمائة فيلغى ما تقدم و يؤخذ من كل مائة شاة فيكون الواجب هنا أربع شياه و لا يتغير الفرض إلا ببلوغ خمسمائة.
و يدل على القول الأول‌
صحيحة محمد بن قيس عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال «ليس في ما دون الأربعين من الغنم شي‌ء فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين و مائة فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة. و لا تؤخذ هرمة و لا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق. و لا يفرق بين مجتمع و لا يجمع بين متفرق. و يعد صغيرها و كبيرها».
و يدل على الثاني‌
صحيحة الفضلاء «2» المتقدم ذكرها في المقامين المتقدمين، حيث قالوا: «و قالا في الشاة في كل أربعين شاة شاة و ليس في ما دون الأربعين شي‌ء، ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ عشرين و مائة فإذا بلغت عشرين و مائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة، فإذا زادت على مائة و عشرين ففيها شاتان و ليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه، ثم ليس فيها أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 و 11 من زكاة الأنعام.
(2) الوسائل الباب 6 من زكاة الأنعام.

58
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في نصب الغنم ج 12 ص 57

ثلاث شياه، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة فإذا تمت أربعمائة كان على كل مائة شاة و سقط الأمر الأول، و ليس على ما دون المائة بعد ذلك شي‌ء «و ليس في النيف شي‌ء. و قالا كل ما لم يحل عليه من ذلك عند ربه حول فلا شي‌ء عليه فإذا حال عليه الحول وجب عليه».
أقول: و يعضد الخبر الأول‌
ما في كتاب الفقه الرضوي حيث قال عليه السلام «1» و ليس على الغنم شي‌ء حتى تبلغ أربعين شاة فإذا زادت على الأربعين ففيها شاة إلى عشرين و مائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث إلى ثلاثمائة، فإذا كثرت الغنم سقط هذا كله و تخرج عن كل مائة شاة.
و بهذه الرواية عبر الصدوق في الفقيه كما هي عادته غالبا في ما يفتي به من الكتاب المذكور.
و الظاهر أن وجه الجمع بين الخبرين المتقدمين هو حمل صحيحة محمد بن قيس على التقية، فإن ما تضمنته من إسقاط هذا النصاب مذهب أصحاب المذاهب الأربعة كما ذكره في التذكرة، و نقله في المعتبر عن الشافعي و أبي حنيفة و مالك «2».
تتمة مهمة [كلام صاحب المدارك في المقام و رده]
قال في المدارك بعد الكلام في المقام: و المسألة قوية الإشكال لأن الروايتين معتبرتا الإسناد و الجمع بينهما مشكل جدا، و من ثم أوردهما المصنف في المعتبر من غير ترجيح و اقتصر في عبارة الكتاب على حكاية القولين و نسب القول الثاني إلى‌
______________________________
(1) ص 22.
(2) أفتى بذلك الشيرازي الشافعي في المهذب ج 1 ص 148 و ابن رشد المالكي في بداية المجتهد ج 1 ص 241 و نسبه إلى الجمهور إلا الحسن بن صالح فإنه قال: إذا كانت الغنم ثلاثمائة شاة و شاة ففيها أربع شياه و إذا كانت أربعمائة شاة و شاة ففيها خمس شياه. و في بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج 2 ص 28 بعد أن ذكر أن في المائتين و واحدة ثلاث شياه قال: فإذا بلغت أربعمائة ففيها أربع شياه ثم في كل مائة شاة. ثم قال هذا قول عامة العلماء و قال الحسن بن حي إذا زادت على ثلاثمائة واحدة ففيها أربع شياه و في أربعمائة خمس شياه.

59
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

تتمة مهمة كلام صاحب المدارك في المقام و رده ج 12 ص 59

الشهرة، و قال العلامة في المنتهى إن طريق الحديث الأول أوضح من الثاني و اعتضد بالأصل فتعين العمل به. و هو غير بعيد، مع أن الرواية الثانية مخالفة لما عليه الأصحاب في النصاب الثاني و ذلك من ما يضعف الحديث، و لو كانتا متكافئتين في السند و المتن لأمكن حمل الرواية الأولى على التقية لموافقتها لمذهب العامة أو حمل الكثرة الواقعة فيها على بلوغ الأربعمائة و يكون حكم الثلاثمائة و واحدة مهملا في الرواية. و اللّٰه العالم.

أقول: ما ذكره من مخالفة الرواية الثانية و هي صحيحة الفضلاء لما عليه الأصحاب فإنه صحيح بناء على نقله لها من التهذيب فإنها فيه «1» هكذا «و ليس في ما دون الأربعين شي‌ء حتى تبلغ عشرين و مائة ففيها شاتان. إلى آخره» و أما على ما قدمناه و هو رواية الكليني في الكافي و الشيخ في الإستبصار فإنه موافق لما عليه الأصحاب، و على ذلك اعتمد في الوافي و كذا صاحب الوسائل لمعلومية الغلط في نقل الشيخ في التهذيب، و لا يخفى على من له أنس بالتهذيب ما وقع للشيخ (قدس سره) فيه من التحريف و الزيادة و النقصان في المتون و الأسانيد كما تقدم التنبيه عليه في مواضع من كتاب الصلاة.

و أما ما ذكره- من أن الحمل على التقية فرع مكافأة السند و المتن- ففيه أما بالنسبة إلى المتن فقد عرفت ما فيه و أن هذا الطعن إنما نشأ من قصور تتبعه (قدس سره) لكتب الأخبار و جموده على مراجعة التهذيب خاصة مع اعترافه في بعض المواضع من شرحه بما وقع للشيخ فيه من ما أشرنا إليه، و أما بالنسبة إلى السند فإنه ليس في طريق الرواية من يشير إليه كلامه سوى إبراهيم بن هاشم و حديثه عند أصحاب هذا الاصطلاح معتمد مقبول و إن عدوه في الحسن، و لم نجد له رادا من أصحاب هذا الاصطلاح سواه في الموضع الذي يريد المناقشة فيه، و إلا فإنه قد عده في الصحيح في مواضع من شرحه كما تقدمت الإشارة إليه في غير مقام. و بالجملة فإن كلامه في هذا‌

______________________________
(1) ج 1 ص 355، و اللفظ فيه لا يختلف عن الكافي ج 1 ص 151 و الإستبصار ج 2 ص 22 نعم في المدارك نقله كما هنا.

60
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

تتمة مهمة كلام صاحب المدارك في المقام و رده ج 12 ص 59

الشرح مضطرب غاية الاضطراب.
و أما ما نقله عن العلامة في المنتهى و نفى البعد عنه من أوضحية السند فهو ممنوع بما ذكرناه. و الأصل في مقابلة الخبر الصحيح الصريح غير معمول عليه و لا يلتفت إليه مع وجوب تحصيل يقين البراءة من التكليف الثابت بل هو حاكم عليه و رافع له.
و بالجملة فالحق أن الخبرين المذكورين صحيحان صريحان في ما دلا عليه و لا وجه للجمع بينهما إلا بحمل صحيحة محمد بن قيس على التقية كما ذكرنا.
ثم العجب منهم (قدس اللّٰه أسرارهم) في إلغاء العمل بهذه القواعد المقررة عن أئمتهم (عليهم السلام) مع استفاضة الأخبار بها التي من جملتها عرض الخبرين المختلفين على مذهب العامة و الأخذ بخلافه «1» بل ورد العرض عليه و إن لم يكن في مقام الاختلاف «2» بل ما هو أبلغ من ذلك و هو أنه إذا احتاج إلى حكم و لم يكن في البلد من يسأله من فقهاء الشيعة سأل قاضي البلد و أخذ بخلافه «3» كما لا يخفى على من أحاط بالأخبار و جاس خلال تلك الديار، و هم ينقلون هنا أن صحيحة محمد بن قيس موافقة لمذهب أئمة المخالفين الأربعة و أتباعهم «4» و مع هذا يكابرون على العمل بها و يرجحونها على ما عارضها إعراضا عن تلك القواعد المقررة و الضوابط المعتبرة، و ليس البحث معهم في ذلك مخصوصا بهذا المقام بل هذه عادتهم في جميع أبواب الفقه كما نبهنا عليه في غير موضع من كتابنا هذا.
و ليت شعري إلى من خرجت هذه الأخبار عنهم (عليهم السلام) بهذه الضوابط و القواعد و من المخاطب و المكلف بها في جميع الموارد؟ هل إلى غير هذه الشريعة؟ أم إلى شيعة غير هذه الشيعة؟ إذا أعرضوا عنها في جميع أبواب الفقه كما عرفت و ستعرف، سامحنا اللّٰه و إياهم بعفوه و غفرانه.
______________________________
(1) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي و ما يجوز أن يقضى به.
(2) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي و ما يجوز إن يقضى به.
(3) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي و ما يجوز إن يقضى به.
(4) ارجع إلى التعليقة 2 ص 59.

61
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

تتمة مهمة كلام صاحب المدارك في المقام و رده ج 12 ص 59

و أما ما ذكره (قدس سره)- من احتمال حمل الكثرة في رواية محمد بن قيس على بلوغ الأربعمائة و يكون حكم الثلاثمائة و واحدة فيها مهملا- فقد تبعه فيه جملة من أفاضل متأخري المتأخرين حتى زعموا أنه لا تنافي بين الخبرين، قال في الوسائل بعد ذكر صحيحة محمد بن قيس ما صورته: أقول حكم الثلاثمائة و واحدة غير مذكور هنا صريحا فلا ينافي الحديث الأول. انتهى.
و الظاهر أنه مبني على ما ذكره بعض الفضلاء في هذا المقام حيث قال: و قد ظن جمع من متأخري الأصحاب أن بين هذا الحديث و حديث محمد بن قيس تعارضا في حكم زيادة الواحدة تحوج إلى الترجيح لإشكال الجمع، و الحق أنه لا تعارض بين الخبرين لخلو رواية محمد بن قيس عن التعرض لذكر زيادة الواحدة على الثلاثمائة، فإن قوله: «فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة» يقتضي كون بلوغ الثلاثمائة غاية لفرض الثلاث داخلة في المغيا كما هو الشأن في أكثر الغايات الواقعة فيه و في غيره من الأخبار المتضمنة لبيان نصب الإبل و الغنم، و الكلام الذي بعده يقتضي إناطة الحكم بوصف الكثرة و فرض زيادة الواحدة ليس من الكثرة في شي‌ء فلا يتناوله الحكم ليقع التعارض بل يكون خبر الفضلاء مشتملا على حكم لم يتعرض له في الآخر. انتهى.
و فيه أنه لا يخفى أن سياق الحديث لبيان نصب الغنم و ترتيبها كما هو الواقع في سائر أخبار نصب الإبل و البقر و الغنم حيث ذكرت النصب فيها على سبيل الترتيب و ما يجب في كل نصاب من الفريضة إلى أن وصل في هذا الخبر إلى ثلاثمائة ثم قال: «فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة» و لا ريب أن مبدأ الكثرة التي ثبت بها هذا الحكم ما بعد الثلاثمائة من الواحدة فصاعدا لا الأربعمائة الذي هو النصاب الخامس كما توهمه، و نظير هذه العبارة قد وقع في أخبار نصب الإبل كما تقدم، فعبر في جملة منها «فإذا كثرت الإبل» كما في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج و صحيحة أبي بصير، و في بعض «فإذا زادت واحدة» كما في‌

62
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

تتمة مهمة كلام صاحب المدارك في المقام و رده ج 12 ص 59

صحيحة الفضلاء «1» و المرجع إلى أمر واحد و هو الكثرة التي هي من الواحدة فصاعدا و أما قوله «إن فرض زيادة الواحدة ليس من الكثرة في شي‌ء» ففيه مع كونه مردودا بالروايات المشار إليها أنه لو تم للزم أن لا يكون للكثرة في شي‌ء من المراتب مبدأ أصلا و هو باطل. و بالجملة فتعارض الخبرين لا مجال لإنكاره و لا وجه للجمع إلا بما ذكرناه.
بقي هنا شي‌ء يجب التنبيه عليه و هو ما وقع للعلامة في المنتهى من السهو في هذا المقام حيث إنه نقل عن ابن بابويه أنه روى في الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه السلام أنه قال: «فإن زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة فإذا كثر الغنم أسقط هذا كله و أخرج عن كل مائة شاة» و جعل هذه الرواية دليلا على القول بما دلت عليه صحيحة محمد بن قيس و هو غفلة منه (قدس سره) و اشتباه وقع له،
حيث إن صورة ما في الفقيه «2» هكذا: روى حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:
«قلت له في الجواميس شي‌ء قال مثل البقر. و ليس على الغنم شي‌ء حتى تبلغ أربعين شاة فإذا بلغت أربعين و زادت واحدة ففيها شاة.
إلى آخر العبارة» فالعلامة توهم أن قوله «و ليس على الغنم شي‌ء. إلى آخر العبارة» من صحيحة زرارة و إنما هو من كلام الصدوق المأخوذ من كتاب الفقه الرضوي كما قدمنا ذكره فإن العبارة المذكورة بطولها عين ما في كتاب الفقه، نعم كلامه في الكتاب المذكور موافق لما دلت عليه صحيحة محمد بن قيس و كل ما تحمل عليه الصحيحة المذكورة يجب أن يحمل عليه كلامه عليه السلام و قد عرفت أنه ليس إلا التقية.
و تنقيح البحث في هذا المقام يتوقف على رسم مسائل‌
الأولى [الإشكال في جعل النصاب الأخير و ما قبله في الغنم نصابين]
- اعلم أن هاهنا سؤالا مشهورا نقل أن المحقق (رحمه اللّٰه تعالى) أورده في درسه، و الأحسن في تقريره أن يقال إذا كان يجب في أربعمائة ما يجب في ثلاثمائة و واحدة فأي فائدة‌
______________________________
(1) ص 58 و 59.
(2) ج 2 ص 14 و في الوسائل الباب 5 من زكاة الأنعام.

63
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأولى الإشكال في جعل النصاب الأخير و ما قبله في الغنم نصابين ج 12 ص 63

في جعلهما نصابين؟ و ينسحب مثله في المائتين و واحدة و الثلاثمائة و واحدة على القول الآخر.
و الجواب أن الفائدة تظهر في موضعين: في الوجوب و الضمان، أما الوجوب فلأن محله في الأربعمائة مجموعها و في الثلاثمائة و واحدة إلى الأربعمائة الثلاثمائة و واحدة خاصة و ما زاد فهو عفو. فهذا أحد وجهي الفائدة في كونهما نصابين.
و كذا الكلام في نظيره على القول الآخر. و أما الضمان فإنه لو تلفت واحدة من الأربعمائة بعد الحول بغير تفريط سقط من الفريضة جزء من مائة جزء من شاة و لو كان محل الفريضة ناقصا عن هذا العدد لم يسقط من الفريضة شي‌ء ما دامت الثلاثمائة و واحدة باقية لأن الزائد عفو. و هكذا يقال بالنسبة إلى القول الآخر.
و أورد في المدارك على ذلك- و اقتفاه الفاضل الخراساني- أن في عدم سقوط شي‌ء في صورة النقص عن الأربعمائة نظرا لأن الزكاة تتعلق بالعين فتكون الفريضة حقا شائعا في المجموع و مقتضى الإشاعة توزيع التالف على المجموع و إن كان الزائد على النصاب عفوا، و لا منافاة بين الأمرين.
و عندي أن هذا الكلام لا يخلو من المناقشة فإن قوله: «إن الزكاة تتعلق بالعين فتكون حقا شائعا في المجموع» إن أريد عين المجموع من النصاب و الزائد الذي هو عفو فهو ممنوع، و إن أريد بعين النصاب فتكون حقا شائعا في مجموع النصاب فهو مسلم لكن لا يلزم منه ما ذكروه، و توضيحه أنا نقول إن الزكاة حق في النصاب شائع في مجموعه لا في مجموع الغنم من ما كان عفوا، و حينئذ فلا تقتضي الإشاعة توزيع التالف على مجموع الغنم من النصاب و العفو، و غاية ما يلزم أن يقال إن النصاب هنا غير متميز بل هو مخلوط بالعفو و لكن هذا لا يستلزم تقسيط التالف على ما كان عفوا و إن كان النصاب شائعا فيه، إذ الحكم إنما يتعلق بالنصاب الذي هو محل الوجوب و نقصان الفريضة إنما يدور مدار نقصانه و النصاب الآن موجود كملا و وجود هذا العفو مع كونه خارجا عن محل الوجوب في حكم العدم.

64
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأولى الإشكال في جعل النصاب الأخير و ما قبله في الغنم نصابين ج 12 ص 63

و إن أردت مزيد توضيح لذلك فإنا نقول متى كانت الغنم أربعمائة إلا واحدة و حال عليها الحول فإن النصاب منها و هو ثلاثمائة و واحدة قد وجبت فيه أربع شياه، فمحل الفرض و الوجوب هو النصاب الذي هو ثلاثمائة و واحدة و إن كان شائعا في الجملة المذكورة، و الفريضة و هي أربع شياه إنما تعلقت به و إن كانت شائعة في المجموع فلو تلفت واحدة من هذه الغنم على الوجه المفروض لم يضر ذلك بالفريضة بل يجب إخراج تلك الأربع شياه التي أوجبها الشارع في النصاب، لأن النصاب موجود لم يلحقه نقص بتلف هذه الشياه و الإيجاب إنما تعلق به، و لو تم ما ذكروه لاستلزم أنه متى حال الحول على هذه الغنم المذكورة فإنه لا يجوز للمالك التصرف في شي‌ء منها قبل إخراج الزكاة إلا مع ضمانها تحقيقا للشياع الذي ذكروه، بعين ما صرحوا به في التصرف في النصاب بعد حول الحول و قبل إخراج الزكاة من حيث شيوع حصة الفقراء فيه، و هو باطل قطعا فإنه ما دام النصاب باقيا له التصرف في الزائد بما أراد و لا يتعلق المنع إلا بالنصاب خاصة.
و قال في المدارك: و لو تلفت الشاة من الثلاثمائة و واحدة سقط من الفريضة جزء من خمسة و سبعين جزء من شاة إن لم تجعل الشاة الواحدة جزء من النصاب و إلا كان الساقط منه جزء من خمسة و سبعين جزء و ربع جزء.
و تنظر فيه الفاضل الخراساني في الذخيرة بأنه على تقدير عدم كون الواحدة جزء من الفريضة تكون الواحدة مثل الزائد عليها في عدم سقوط شي‌ء من الفريضة بعد التلف كما ذكروه بالنسبة إلى الأربعمائة لو نقصت. و هو كذلك.
و كيف كان فبناء الأحكام الشرعية على مثل هذه الفروض الغريبة النادرة مشكل.
الثانية [لا تؤخذ المريضة من الصحاح و لا الهرمة و لا ذات العوار]
- قد صرح الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) بأنه لا تؤخذ المريضة من الصحاح و لا الهرمة و لا ذات العوار، و العوار مثلثة: العيب كما في القاموس. و الحكم بعدم أخذ هذه مجمع عليه بينهم.

 

65
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثانية لا تؤخذ المريضة من الصحاح و لا الهرمة و لا ذات العوار ج 12 ص 65

و استدل عليه في المنتهى بقوله تعالى «وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ» «1» و تدل عليه‌
صحيحة محمد بن قيس المتقدمة في نصاب الغنم «2» و قوله فيها: «و لا تؤخذ هرمة و لا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق».
و مقتضى الرواية جواز أخذ ذلك متى رضي المصدق.
هذا إذا كان في النصاب ما هو سالم من هذه الأوصاف و لو كان النصاب كله منها لم يكلف شراء الخالي منها إجماعا. و الممتزج يخرج منه بالنسبة. و لا فرق في هذا الحكم بين الغنم و الإبل و البقر.
الثالثة [أسماء الغنم باعتبار أسنانها]
- المشهور بين الأصحاب بل ادعى عليه في الخلاف الإجماع أن الواجب في الشاة التي تؤخذ في الزكاة من الغنم و الإبل أن يكون أقله جذعا من الضأن و ثنيا من المعز. و قيل بأنه ما يسمى شاة، و هو الأصح و إليه ذهب جملة من أفاضل متأخري المتأخرين، عملا بإطلاق الأخبار المتقدمة في نصب الغنم و الإبل.
و استدل على المشهور كما ذكره في المعتبر‌
بما رواه سويد بن غفلة «3» قال:
«أتانا مصدق رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و قال نهينا أن نأخذ الراضع و أمرنا أن نأخذ الجذعة و الثنية».
و الظاهر أن الخبر المذكور عامي فإنه غير موجود في أصولنا.
قال الشيخ في المبسوط: و أسنان الغنم أول ما تلد الشاة يقال لولدها سخلة ذكرا كان أو أنثى في الضأن و المعز سواء، ثم يقال بعد ذلك بهمة ذكرا كان أو أنثى فيهما سواء، فإذا بلغت أربعة أشهر فهي من المعز جفر للذكر و الأنثى جفرة و الجمع‌
______________________________
(1) سورة البقرة الآية 270.
(2) ص 58.
(3) لم نجد الحديث باللفظ المذكور في ما وقفنا عليه من كتب العامة، و في سنن أبي داود ج 2 ص 102 رقم 579 عن سويد بن غفلة قال «أخبرني من سار مع مصدق النبي «ص» فإذا في عهد رسول اللّٰه «ص» أن لا نأخذ من راضع لبن و لا نجمع بين مفترق و لا نفرق بين مجتمع»
و في المغني ج 3 ص 605 روى مالك عن سويد بن غفلة قال «أتانا مصدق رسول اللّٰه «ص» و قال أمرنا رسول اللّٰه «ص» أن نأخذ الجذعة من الضأن و الثنية من المعز».
نعم أورد الشيخ في الخلاف ص 116 الحديث باللفظ المذكور في المتن.

66
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالثة أسماء الغنم باعتبار أسنانها ج 12 ص 66

جفار، و إذا جاوزت أربعة أشهر فهي العتود و جمعها عتدان و عريض و جمعها عرضان و من حين ما تولد إلى هذه الغاية يقال لها عناق للأنثى و الذكر جدي، فإذا استكملت سنة فالأنثى عنز و الذكر تيس، فإذا دخلت في الثانية فهي جذعة و الذكر جذع، فإذا دخلت في الثالثة فهي الثنية و الذكر الثني، فإذا دخلت في الرابعة فرباع و رباعية، و إذا دخلت في الخامسة فهي سديس و سدس، فإذا دخلت في السادسة فهي صالغ، ثم لا اسم لها بعد هذا السن لكن يقال صالغ عام و صالغ عامين و على هذا أبدا، و أما الضأن فالسخلة و البهمة مثل ما في المعز سواء ثم هو حمل للذكر و الأنثى إلى سبعة أشهر فإذا بلغت سبعة أشهر قال ابن الأعرابي إن كان بين شابين فهو جذع و إن كان بين هرمين فلا يقال جذع حتى يستكمل ثمانية أشهر، و هو جذع أبدا حتى يستكمل سنة فإذا دخل في الثانية فهو ثني و ثنية على ما ذكرناه في المعز سواء إلى آخرها. و إنما قيل جذع في الضأن إذا بلغ سبعة أشهر و أجزأ في الأضحية لأنه إذا بلغ هذا الوقت كان له نزو و ضراب و المعز لا ينزو حتى يدخل في السنة الثانية فلهذا أقيم الجذع في الضحايا مقام الثني من المعز و أما الذي يؤخذ في الصدقة فمن الضأن الجذع و من الماعز الثني. انتهى كلام الشيخ (قدس سره) و بنحوه صرح العلامة في المنتهى و التذكرة.
و مقتضاه أن الجذع من المعز ما دخل في الثانية و الثني ما دخل في الثالثة، و الجذع من الضأن ما بلغ سبعة أشهر إن كان بين شابين و ما استكمل ثمانية أشهر إن كان بين هرمين، و الثني منها ما دخل في الثانية.
و في الصحاح أن الجذع يقال لولد الشاة في السنة الثانية. و في النهاية أنه من البقر و المعز ما دخل في السنة الثانية، و قيل البقر في الثالثة، و من الضأن ما تمت له سنة و قيل أقل منها. و عن الأزهري الجذع من المعز لسنة و من الضأن لثمانية أشهر.
و في المغرب الجذع من المعز لسنة و من الضأن لثمانية أشهر. و في كتاب المصباح المنير و الجذع ولد الشاة في السنة الثانية. ثم نقل عن ابن الأعرابي أن الجذع من الضأن إذا كان من شابين يجذع لستة أشهر إلى سبعة أشهر و إذا كان من هرمين‌

67
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالثة أسماء الغنم باعتبار أسنانها ج 12 ص 66

أجذع من ثمانية إلى عشرة.
و هذا الكلام كله متفق على أن الجذع من المعز ما دخل في السنة الثانية و من الضأن ما له سبعة أشهر إلى عشرة، و القول بالستة نادر.
و أما الثني فقد عرفت من كلام الشيخ أنه من المعز ما دخل في الثالثة و من الضأن ما دخل في الثانية، و نقل عن الجوهري أنه يكون في الظلف و الحافر في السنة الثالثة. و بمثل ذلك صرح الفيومي في كتاب المصباح المنير و صاحب القاموس و صاحب المغرب. و في النهاية الثنية من الغنم ما دخل في السنة الثالثة و من البقر كذلك. و هو موافق لما تقدم. و قال في المجمل: و إذا دخل ولد الشاة في السنة الثانية فهو ثني و الأنثى ثنية.
و قال في كتاب مجمع البحرين: و الثني الذي ألقى ثنيته و هو من ذوات الظلف و الحافر في السنة الثالثة و من ذوات الخف في السنة السادسة و هو بعد الجذع.
إلى إن قال: و على ما ذكرناه من معرفة الثني الجمع من أهل اللغة. و قيل الثني من الخيل ما دخل في الرابعة و من المعز ما له سنة و دخل في الثانية. و قد جاء في الحديث و الثني من البقر و المعز هو الذي تم له سنة. و في المجمع الثنية من الغنم ما دخل في الثالثة و كذا من البقر و الإبل في السادسة و الذكر ثني، و عن أحمد من المعز في الثانية. انتهى إلى هنا كلام صاحب مجمع البحرين. و منه يظهر الاختلاف في الثني إلا أن ظاهر المشهور عند أهل اللغة أنه في السنة الثالثة من ذوات الظلف بقرا أو معزا أو ضأنا.
و أما كلام الفقهاء (رضوان اللّٰه عليهم) فالمنقول عن العلامة و من تبعه من المتأخرين أن الجذع ما كمل له سبعة أشهر و الثني ما كمل له سنة و دخل في الثانية و ظاهرهم الأعم من الضأن و المعز.
و الجمع بين كلامهم و كلام أهل اللغة لا يخلو من الإشكال، و لا ريب أن الاحتياط يقتضي العمل بما ذكره أهل اللغة إلا أن يعلم لهم مستند من الأخبار في ما ذكروه.
الرابعة [هل تعد الأكولة و فحل الضراب؟]
- اختلف الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في عد الأكولة و فحل‌

68
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابعة هل تعد الأكولة و فحل الضراب ج 12 ص 68

الضراب فالمشهور عدهما و ذهب جمع من الأصحاب: منهم- المحقق في النافع و الشهيد في اللمعة و العلامة في الإرشاد إلى عدم عدهما، و يدل عليه ظاهر‌
صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج «1» و قوله عليه السلام فيها «ليس في الأكيلة و لا في الربى- و الربى التي تربى اثنين- و لا شاة لبن و لا فحل الغنم صدقة».
و ما ذكره في المدارك- من قوله بعد نقلها أنها غير صريحة في المطلوب لاحتمال أن يكون المراد بنفي الصدقة فيها عدم أخذها في الصدقة لا عدم تعلق الزكاة بها- بعيد غاية البعد لأنها و إن لم تكن صريحة كما ذكره إلا أنها ظاهرة في ذلك تمام الظهور، و الاستدلال لا يختص بالصريح بل كما يقع به يقع بالظاهر بل أغلب الاستدلالات إنما هي بالظاهر، و لا يخفى أن المتبادر من قول الشارع «ليس في هذا صدقة» أنه ليس من ما تجب فيه الصدقة بأن يكون من الأجناس الزكوية لا بمعنى أنه لا يؤخذ في الزكاة. و التأويل بارتكاب الخروج عن الظواهر إنما يصار إليه في مقام ضرورة الجمع و ليس هنا ما يعارض هذه الصحيحة إن كان إلا ما يتخيل من إطلاق الأخبار‌
كقولهم (عليهم السلام) «2» «في كل أربعين شاة شاة».
و القاعدة في مثله حمل المطلق على المقيد.
و ممن وافقنا على بعد هذا التأويل الفاضل الخراساني في الذخيرة مع اقتفائه أثر كلام السيد المشار إليه غالبا و انتصاره له في كثير من المواضع، حيث قال بعد نقل كلامه: و ما ذكره من الاحتمال بعيد جدا. انتهى.
و ما أيد به هذا الحمل في المدارك- من قوله بعد العبارة المتقدمة: بل ربما تعين المصير إلى هذا الحمل لاتفاق الأصحاب ظاهرا على عد شاة اللبن و الربى- ففيه أن ما ذكره من الاتفاق غير معلوم و لا مدعى في المسألة، مع مناقشته في الإجماع الذي يدعونه في غير مقام و إن كان يستسلقه و يوافقهم في أمثال هذا الكلام، و مع‌
______________________________
(1) الفروع ج 1 ص 151 و في الوسائل الباب 10 من زكاة الأنعام.
(2) الوسائل الباب 6 من زكاة الأنعام رقم (1).

69
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابعة هل تعد الأكولة و فحل الضراب ج 12 ص 68

فرض دعواه فأي مانع من العمل بظاهر الخبر و ترجيحه على الإجماع المذكور؟
و مع تسليم العمل به و ترجيحه على الخبر فأي مانع من العمل بالخبر المذكور في الباقي من ما لم يقم إجماع و لا دليل على ما ينافيه؟ و هل هو إلا من قبيل العام المخصوص؟
و بالجملة فالظاهر عندي هو القول بما دل عليه الخبر المذكور في الأكولة و فحل الضراب كما هو القول الآخر، و القول بما دل عليه ظاهر الخبر من عدم عد شاة اللبن و الربى غير بعيد لدلالة الصحيحة المذكورة عليه من غير معارض ظاهر في البين.
و إلى ما ذكرنا يشير كلام المحقق المولى الأردبيلي (قدس سره) حيث قال و أيضا‌
روى في الكافي صحيحا عن عبد الرحمن الثقة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» أنه قال: «ليس في الأكيلة و لا في الربى التي تربى اثنين و لا شاة لبون و لا فحل الغنم صدقة».
و الظاهر منه عدم الحساب في النصاب و القول بذلك غير بعيد كما نقل القول به في الفحل عن أبي الصلاح. انتهى.
و تردد المحدث الكاشاني في المفاتيح في هذه المسألة من حيث بعد التأويل المذكور عن ظاهر الخبر.
و من هفوات صاحب الوسائل جموده هنا على القول المشهور و تأويله الخبر المذكور بما ذكره في المدارك.
هذا بالنسبة إلى العد و أما الأخذ في الفريضة فظاهرهم الاتفاق على أنه لا تؤخذ الربى و لا الأكولة و لا فحل الضراب.
و يدل على ذلك‌
موثقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «لا تؤخذ الأكولة- و الأكولة الكبيرة من الشاة تكون في الغنم- و لا والدة و لا الكبش الفحل».
و يؤيد المنع من أخذ الأكولة و فحل الضراب أنهما من كرائم الأموال و قد نهي في الخبر عن التعرض لكرائم أموالهم «3».
و الأصحاب قد عللوا المنع في الربى بالإضرار بولدها، و جعلوا الحد في المنع من أخذها إلى خمسة عشر يوما و قيل إلى خمسين يوما. و لم نقف لشي‌ء من هذين‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 10 من زكاة الأنعام.
(2) الوسائل الباب 10 من زكاة الأنعام.
(3) سنن ابن ماجة ج 1 ص 543.

70
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابعة هل تعد الأكولة و فحل الضراب ج 12 ص 68

التحديدين على مستند.
و الذي يفهم من كلام أهل اللغة أن الربى هي التي ولدت حديثا كما في الصحاح و في النهاية أنها القريبة العهد بالولادة. إلا أنه قد تقدم‌
في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج «1» «و الربى هي التي تربى اثنين».
و المستفاد منها تفسير الربى في هذا المقام بذلك، و هو مشكل لمخالفته للعرف و كلام أهل اللغة كما عرفت. إلا أن الصحيحة المذكورة رواها في الفقيه «2» بهذه الصورة «و لا في الربى التي تربى اثنين» و هو أظهر إلا أن فيه تخصيص الحكم بالتي تربى اثنين.
الخامسة [هل يتخير المالك في إخراج أي صنف في الأنعام الثلاثة؟]
- الظاهر أنه لا خلاف في أن النصاب المجتمع من المعز و الضأن و كذا من الإبل العراب و البخاتي و كذا من الجاموس و البقر تجب فيه الزكاة، لأن كلا من هذين الصنفين داخل تحت جنس واحد من هذه الأجناس التي تعلقت بها الزكاة، و الأول يجمعه جنس الغنم و الثاني جنس الإبل و الثالث جنس البقر.
و إنما الخلاف في أنه هل للمالك الخيار في الإخراج من أي الصنفين شاء و إن تفاوتت القيم أو أنه يجب التقسيط و الأخذ من كل بقسطه مطلقا أو يناط بتفاوت القيم؟ أقوال ثلاثة أشهرها الثاني و أظهرها الأول و أحوطها الثالث، و حينئذ فلو كان عند المالك نصب عديدة بعضها من الإبل العراب و بعضها من البخاتي أخرج من العراب عربية و من البخاتي بختية من كل نصاب من صنفه، و هكذا البقر و الغنم. و لو كان النصاب مجتمعا من صنفي ضأن و معز مثلا فإن كانت الغنم متحدة القيم فلا إشكال في إخراج أي صنف كان، و إن تفاوتت القيم يرجع إلى التقسيط، كأن يكون عشرون من البقر و عشرون من الجاموس و التبيع من البقر و هو الفريضة قيمته اثنا عشر درهما مثلا و من الجاموس قيمته أربعة عشر أخرج تبيعا قيمته ثلاثة عشر بقرا كان أو جاموسا، هذا على المشهور و أما على ما اخترناه‌
______________________________
(1) ص 69 و اللفظ هكذا «و الربى التي تربى اثنين».
(2) الوسائل الباب 10 من زكاة الأنعام.

71
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الخامسة هل يتخير المالك في إخراج أي صنف في الأنعام الثلاثة ج 12 ص 71

و إليه مال جملة من محققي متأخري المتأخرين فإنه يكتفي بما يصدق عليه من ذلك الجنس كما يستفاد من ظواهر الأدلة و إن كان الاحتياط في ما ذكروه.
السادسة [هل تجزئ القيمة في الأنعام]
- الظاهر أنه لا خلاف في الاجتزاء بالقيمة في النقدين و الغلات، و يدل عليه‌
ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن محمد بن خالد البرقي «1» قال: «كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام هل يجوز أن يخرج عن ما يجب في الحرث من الحنطة و الشعير و ما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوى أم لا يجوز إلا أن يخرج من كل شي‌ء ما فيه؟ فأجاب عليه السلام أيما تيسر يخرج».
و رواه الصدوق بإسناده إلى محمد بن خالد مثله «2».
و ما رواه في الصحيح عن علي بن جعفر «3» قال: «سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير و عن الدنانير دراهم بالقيمة أ يحل ذلك؟ قال لا بأس به».
و رواه الحميري في قرب الإسناد «4» و رواه الصدوق بإسناده إلى علي بن جعفر «5» و رواه علي بن جعفر في كتابه «6».
و إنما الخلاف في زكاة الأنعام هل يجب الإخراج من العين ما دام متمكنا أو يجوز الانتقال إلى القيمة و إن أمكن الإخراج من العين؟ قولان نقل أولهما عن الشيخ المفيد في المقنعة حيث قال: لا يجوز إخراج القيمة في زكاة الأنعام إلا أن تعدم الأسنان المخصوصة في الزكاة. و يفهم من كلام المحقق في المعتبر الميل إليه. و ثانيهما عن الشيخ في الخلاف فإنه قال: يجوز إخراج القيمة في الزكاة كلها أي شي‌ء كانت القيمة و تكون القيمة على وجه البدل لا على أنها أصل. و إلى هذا القول ذهب أكثر المتأخرين، و استدل عليه في الخلاف بإجماع الفرقة و أخبارهم. و رده في المعتبر بمنع الإجماع و عدم دلالة الأخبار على موضع النزاع. و هو كذلك. و سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى مزيد تحقيق في هذه المسألة في زكاة الغلات.
المقام الرابع- في بيان الشروط المتعلقة بالوجوب
و هي أربعة: النصاب و قد‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب و الفضة.
(2) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب و الفضة.
(3) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب و الفضة.
(4) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب و الفضة.
(5) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب و الفضة.
(6) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب و الفضة.

72
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الرابع في بيان الشروط المتعلقة بالوجوب ج 12 ص 72

تقدم الكلام فيه، و الحول و السوم و أن لا تكون عوامل، و ما يتبع هذا المقصد من بعض المسائل، فالكلام في هذا المقام يقع في مواضع أربعة:
[الموضع] الأول- في الحول
و هو من ما وقع الاتفاق عليه نصا و فتوى، و من الأخبار‌
قولهما (عليهما السلام) في صحيحة الفضلاء «1» المتقدمة «و كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي‌ء عليه فإذا حال عليه الحول وجب عليه».
و نحوها غيرها من الأخبار الكثيرة.
و لا يخفى أن الحول لغة و عرفا إنما هو عبارة عن اثني عشر شهرا و هي تمام السنة إلا أنه لما ورد عنهم (عليهم السلام) إطلاق الحول في الزكاة على أحد عشر شهرا صار هذا معنى شرعيا للحول، فحيثما أطلق في كلام الأصحاب في هذا الباب و كذا في الأخبار فإنما يراد به هذا المعنى، و الظاهر إنه لا خلاف فيه إلا ما يظهر من المحدث الكاشاني في الوافي كما سيأتي.
و استدل الأصحاب على ذلك‌
بحسنة زرارة بإبراهيم بن هاشم «2» التي هي صحيحة عندنا و فيها «قال زرارة فقلت له رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا بها من الزكاة فعل ذلك قبل حلها بشهر؟ فقال إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول و وجبت عليه فيها الزكاة. الحديث».
و في صدر الخبر المذكور ما يدل على ذلك أيضا كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى ذكره.
و بالجملة فإنه لا إشكال و لا خلاف في ذلك بينهم، إنما الخلاف في موضعين:
أحدهما- أنه هل يحتسب هذا الشهر بعد حصول الوجوب بهلاله من الحول الثاني أو الأول؟ قولان أولهما لفخر المحققين ابن العلامة (قدس اللّٰه تعالى روحيهما) و الثاني- للشهيد (قدس سره) في البيان و الدروس.
حجة القول الأول أن الفاء تقتضي التعقيب بلا فصل فبأول جزء منه يصدق‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الأنعام.
(2) الوسائل الباب 12 من زكاة الذهب و الفضة.

73
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الموضع الأول في الحول ج 12 ص 73

أنه حال عليه الحول و «حال» فعل ماض لا يصدق إلا بتمامه. و ربما يناقش في أن التعقيب إنما هو مقتضى الفاء العاطفة و أما الفاء الجزائية فإنه محل خلاف. إلا أن الظاهر أن هذا المعنى من ما يتبادر من ترتب الجزاء على الشرط هنا.
حجة القول الثاني أن الحول لغة عبارة عن تمام الاثني عشر و الأصل عدم النقل، قال شيخنا الشهيد الثاني في شرح المسالك: اعلم أن الحول لغة اثنا عشر شهرا و لكن أجمع أصحابنا على تعلق الوجوب بدخول الثاني عشر، و قد أطلقوا على أحد عشر اسم الحول أيضا بناء على ذلك،
و ورد عن الباقر و الصادق (عليهما السلام) «1» «إذا دخل الثاني عشر فقد حال الحول و وجبت الزكاة».
فصار الأحد عشر حولا شرعيا.
إلى أن قال: إذا تقرر ذلك فنقول لا شك في حصول أصل الوجوب بتمام الحادي عشر و لكن هل يستقر الوجوب به أم يتوقف على تمام الثاني عشر؟ الذي اقتضاه الإجماع و الخبر السالف الأول، لأن الوجوب دائر مع الحول وجودا مع باقي الشرائط و عدما‌
لقول النبي صلى اللّٰه عليه و آله «2» «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول».
و قول الصادق عليه السلام «3» «لا تزكه حتى يحول عليه الحول».
و قد تقدم في الخبر السالف «إذا دخل الثاني عشر فقد حال الحول و وجبت الزكاة» و الفاء تقتضي التعقيب بغير مهلة فيصدق الحول بأول جزء منه و «حال» فعل ماض لا يصدق إلا بتمامه، و حيث ثبت تسمية الأحد عشر حولا شرعيا قدم على المعنى اللغوي لما تقرر من أن الحقيقة الشرعية مقدمة على اللغوية. و يحتمل الثاني لأنه الحول لغة و الأصل عدم النقل، و وجوبه في الثاني عشر لا يقتضي عدم كونه من الحول الأول لجواز حمل الوجوب بدخوله على غير المستقر. و الحق إن الخبر السابق إن صح فلا عدول عن‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 12 من زكاة الذهب و الفضة. و الظاهر أن الرواية عن الباقر «ع» كما يظهر بمراجعة الفروع ج 1 ص 148 و التهذيب ج 1 ص 358.
(2) سنن البيهقي ج 4 ص 95.
(3) الوسائل الباب 15 من زكاة الذهب و الفضة، و اللفظ «لا يزكيه.».

74
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الموضع الأول في الحول ج 12 ص 73

الأول لكن في طريقه كلام و العمل على الثاني متعين إلى أن يثبت، و حينئذ فيكون الثاني عشر جزء من الأول و استقرار الوجوب مشروط بتمامه. انتهى كلامه زيد مقامه.
و ظاهر هذا الكلام اختيار كون الوجوب غير مستقر بمجرد دخول الثاني عشر و هو خلاف ما عليه ظاهر الأصحاب من استقرار الوجوب بدخوله. و هذا هو الموضع الثاني من موضعي الخلاف المشار إليه آنفا.
ثم إن السيد السند في المدارك اعترض جده هنا بكلام أوردناه في شرحنا على المدارك و بينا ما فيه.
و ظاهر المحدث الكاشاني في الوافي الطعن في دلالة الخبر المذكور و حمله على مورده من حكم الفرار، حيث قال في الكتاب المذكور: لعل المراد بوجوب الزكاة و حول الحول برؤية هلال الثاني عشر الوجوب و الحول لمريد الفرار بمعنى أنه لا يجوز الفرار حينئذ لاستقرار الزكاة في المال بذلك، كيف و الحول معناه معروف و الأخبار بإطلاقه مستفيضة، و لو حملناه على معنى استقرار الزكاة فلا يجوز تقييد ما ثبت بالضرورة من الدين بمثل هذا الخبر الواحد الذي فيه ما فيه و إنما يستقيم بوجوه من التكلف. انتهى. و هو جيد لو لا اتفاق الأصحاب قديما و حديثا على العمل بمضمونه في الزكاة مطلقا لا بخصوص هذا الفرد الذي ذكره.
أقول: و من ما يؤيد ما ذكره (طاب ثراه)
صحيحة عبد اللّٰه بن سنان «1» قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام لما نزلت آية الزكاة «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» «2» و أنزلت في شهر رمضان فأمر رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله مناديه فنادى في الناس أن اللّٰه تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة. ففرض اللّٰه عليهم من الذهب و الفضة و فرض عليهم الصدقة من الإبل و البقر و الغنم و من الحنطة و الشعير
______________________________
(1) ارجع إلى الصفحة 3.
(2) سورة التوبة الآية 103.

75
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الموضع الأول في الحول ج 12 ص 73

و التمر و الزبيب، و نادى فيهم بذلك في شهر رمضان و عفا لهم عن ما سوى ذلك. قال ثم لم يتعرض لشي‌ء من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فصاموا و أفطروا فأمر مناديه فنادى في المسلمين أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل صلاتكم. ثم وجه عمال الصدقة و عمال الطسوق».
و هو ظاهر كما ترى في اعتبار حول الاثني عشر شهرا.
و يمكن الجمع بين هذا الخبر و الخبر المتقدم بما ذكره شيخنا الشهيد الثاني من حصول الوجوب بدخول الثاني عشر و إن كان لا يستقر إلا بتمامه.
و ما ذكره المحدث المشار إليه- من الإشارة إلى ما في الخبر المذكور من الإشكال في مواضع منه- متجه، فإن الخبر طويل مشتمل على بعض الأحكام العويصة الغير الظاهرة بل الظاهرة المخالفة إلا بتكلفات بعيدة، و سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى نقل الخبر المذكور بتمامه و الكلام فيه.
مسائل
إذا عرفت ذلك فاعلم أن تنقيح هذا الموضع يتوقف على رسم مسائل:
الأولى [بطلان الحول باختلال أحد الشروط]
- الظاهر أنه لو اختل أحد الشروط الموجبة للزكاة في أثناء الحول بطل الحول، و هو بالنسبة إلى النصاب اتفاقي و أما بالنسبة إلى غيره من الشروط ففيه خلاف سيأتي التنبيه عليه إن شاء اللّٰه تعالى في مواضعه.
الثانية- لو عاوض الأنعام بجنسها
كالغنم بالغنم الشامل لصنفي الضأن و المعز أو بغير جنسها كالغنم بالبقر مثلا سقطت الزكاة.
و الخلاف هنا في موضعين‌
أحدهما- في المعاوضة لا بقصد الفرار
، و قد نقل عن الشيخ في المبسوط أنه ذهب إلى أن المعاوضة بالجنس لا تقطع الحول لصدق الاسم. و هو ضعيف فإن ظواهر الأخبار تعلق الحكم بالأعيان فمتى تبدلت سقط الحكم‌
الثاني- في المعاوضة بقصد الفرار
و المشهور العدم، و قال الشيخ في المبسوط إن بادل بجنسه أو بغير جنسه فرارا وجبت الزكاة. و إليه ذهب في موضع من التهذيب و هو منقول عن السيد المرتضى في كتاب الإنتصار مدعيا عليه الإجماع. و سيأتي تحقيق المسألة إن شاء اللّٰه تعالى في زكاة النقدين.

76
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالثة إذا حال الحول على النصاب مستكملا للشرائط ثم تلف منه شي‌ء ج 12 ص 77

الثالثة- إذا حال الحول على النصاب مستكملا للشرائط ثم تلف منه شي‌ء
فإن كان عن تفريط و لو بتأخير الإخراج مع التمكن ضمن المالك و إلا وزع التالف على النصاب و سقط من الفريضة بالنسبة، و أما مع وجود الزيادة على النصاب فقد تقدم بيان الحكم فيه في المسألة الأولى من المقام الثالث.
الرابعة [لا تعد الأولاد مع الأمهات]
- لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في أنه لا تعد الأولاد مع الأمهات بل لكل منهما حول بانفراده للأخبار الكثيرة الدالة على أن‌
كل ما لا يحول عليه الحول عند ربه فلا شي‌ء عليه «1».
و قوله عليه السلام في صحيحة زرارة «2» «ليس في صغار الإبل شي‌ء حتى يحول عليها الحول من يوم تنتج».
و مثلها غيرها، و حينئذ فلو كانت الأولاد المتجددة نصابا مستقلا كما لو ولدت خمس من الإبل خمسا فلكل حول بانفراده، و لو ولدت أربعون من الغنم أربعين وجب في الأمهات شاة عند تمام حولها و لم يجب في السخال شي‌ء، فإن الزائد على الأربعين عفو حتى يصل إلى النصاب الثاني و هو مائة و إحدى و عشرون. و احتمل المحقق في المعتبر وجوب شاة في الثانية عند تمام حولها‌
لقوله عليه السلام «3» «في كل أربعين شاة شاة».
و فيه أن الظاهر اختصاص الرواية بالنصاب الأول المبتدأ إذ لو ملك ثمانين دفعة لم تجب عليه شاتان إجماعا.
نعم يبقى الإشكال في ما لو كانت الزيادة متممة للنصاب الثاني بعد إخراج ما وجب في الأول، كما لو ولدت ثلاثون من البقر أحد عشر، و ثمانون من الغنم اثنين و أربعين، فهل يسقط اعتبار الأول و يعتبر الجميع نصابا واحدا من الزمان الثاني بمعنى أنه يلغى ما مضى من حول الأمهات و يعتبر النصاب من زمان وجود الزيادة، أو وجوب زكاة كل منهما عند انتهاء حوله فيخرج عند انتهاء حول الأول في المثال المتقدم تبيع و شاة و عند‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الأنعام.
(2) الوسائل الباب 9 من زكاة الأنعام.
(3) الوسائل الباب 6 من زكاة الأنعام.

77
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابعة لا تعد الأولاد مع الأمهات ج 12 ص 77

مضى سنة من تلك الزيادة شاتان و مسنة، أو عدم ابتداء حول الزائد حتى ينتهي حول الأول ثم استئناف حول للجميع؟ أوجه اختار جملة من المتأخرين منها الوجه الأخير لوجوب إخراج زكاة الأول عند تمام حوله لوجود المقتضي و انتفاء المانع، و متى وجب إخراج زكاته منفردا امتنع اعتباره منضما إلى جزئه في ذلك الحول للأصل‌
و قوله صلى اللّٰه عليه و آله «1» «لا ثنى في صدقة».
و قوله عليه السلام في حسنة زرارة «2» «لا يزكى المال من وجهين في عام واحد».
و المسألة لا تخلو من إشكال لعدم النص فيها و إن كان ما ذكروه من الوجه هو أقرب الوجوه المذكورة.
الخامسة- إذا ارتد المسلم الفطري قبل تمام الحول
استأنف ورثته الحول لانتقال المال إليهم و لا يعتبر بما مضى من الحول في ملك المورث كما لو مات. و أما الملي فحيث لا يجب قتله حتى يستتاب فلا تجري عليه أحكام الردة و لا تخرج أمواله عن ملكه بمجرد الردة و إن حجر عليه التصرف فيها حتى يتوب، و لو استتيب ثلاثا و لم يتب وجب قتله و تعلق به الحكم المتقدم.
الموضع الثاني- في السوم
و هو لغة الرعي، و لا بد أن يكون طول الحول فلا تجب الزكاة في المعلوفة، و الحكم مجمع عليه كما نقله غير واحد.
و يدل عليه من الأخبار‌
قول الصادقين (عليهما السلام) في صحيحة الفضلاء «3» «ليس على العوامل من الإبل و البقر شي‌ء إنما الصدقات على السائمة الراعية».
و الظاهر أن وصف الراعية كاشف لما عرفت من أن السوم لغة الرعي كما تدل عليه موثقة زرارة الآتية‌
و قوله عليه السلام «4» في حسنة الفضلاء المشار إليها بعد ذكر نصاب الإبل «و لا على العوامل شي‌ء إنما ذلك على السائمة الراعية».
و قول أبي عبد اللّٰه عليه السلام
______________________________
(1) النهاية لابن الأثير مادة «ثني» و «ثنى» على وزن «إلى».
(2) ص 39.
(3) الوسائل الباب 7 من زكاة الأنعام، و قوله «من الإبل و البقر» منه (قدس سره) باعتبار وروده فيهما.
(4) الوسائل الباب 7 من زكاة الأنعام. و اللفظ مطابق للوافي و في الفروع و التهذيب و الوسائل «و ليس.» كما تقدم.

78
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الموضع الثاني في السوم ج 12 ص 78

في صحيحة زرارة الواردة في الخيل «1» حيث قال له الراوي «هل على الفرس أو على البعير يكون للرجل يركبهما شي‌ء؟ قال لا ليس على ما يعلف شي‌ء إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل».
و المرج بالجيم مرعى الدواب و الأخبار المذكورة و إن لم تشتمل على ذكر الغنم إلا أن عموم الجواب كاف في ثبوت الحكم فإن خصوص السبب لا يخصص كما ثبت عندهم في الأصول، مضافا إلى ما في موثقة زرارة الآتية في أول المطلب الثالث «2» من‌
قوله عليه السلام في عد التسعة التي تجب فيها الزكاة «و الإبل و البقر و الغنم السائمة و هي الراعية».
و اتفاق عامة أهل الإسلام على ذلك «3».
بقي الكلام في تحقيق السوم الذي يترتب عليه الوجوب و العلف الذي ينقطع به السوم في أثناء الحول، فقيل إنه يراعى الأغلب في ذلك و هو منقول عن الشيخ، و قد نص في المبسوط على سقوط الزكاة مع التساوي. و قال ابن إدريس ليس فيها زكاة إلا إذا كانت سائمة طول الحول و لا يعتبر الأغلب في ذلك. و اعتبر المحقق في المعتبر استمرار السوم طول الحول و إنه يزول بالعلف اليسير. و هو يرجع إلى قول ابن إدريس. و اختار العلامة في التحرير و التذكرة اعتبار الاسم فإن بقي عليها اسم السوم وجبت الزكاة و إلا سقطت. و ظاهره إرجاع ذلك إلى العرف و الظاهر أنه هو المشهور بين المتأخرين. و اختار الشيخ في النهاية سقوطه بعلف اليوم و صرح بعدم اعتبار اللحظة. و تردد في الدروس في اليوم في السنة بل في الشهر و استقرب بقاء السوم.
و لا يخفى ما في هذه الأقوال من الإشكال و لا سيما الرجوع إلى العرف كما نبهنا عليه في مواضع من أن العرف مع كونه لا دليل على الرجوع إليه من الأخبار ليس أمرا منضبطا ليصح بناء الأحكام الشرعية عليه.
______________________________
(1) الوسائل الباب 7 من زكاة الأنعام.
(2) الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة رقم 9.
(3) المغني ج 2 ص 596 و 597.

79
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الموضع الثاني في السوم ج 12 ص 78

و أنت خبير بأن ظواهر الأخبار و لا سيما صحيحة زرارة و قوله عليه السلام فيها «إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل» هو اعتبار السوم طول الحول كما هو ظاهر المحقق و ابن إدريس، إلا أنه ينبغي الاحتياط في عدم إسقاط الزكاة بعلف ساعة بل يوم في السنة.
و الظاهر أنه لا فرق في العلف الموجب لسقوط السوم بين كونه من المالك أو الدابة نفسها أو علف الغير لها بإذن المالك أو بغير إذنه من مال المالك أو من مال نفسه، و لا بين أن يكون لعذر يمنع من الرعي كالثلج و نحوه أم لا، لصدق المعلوفة في جميع هذه الصور.
و أما ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني- من أنه يشكل الحكم في ما لو علفها الغير من مال نفسه نظرا إلى المعنى المقصود و الحكمة المقتضية لسقوط الزكاة معه و هي المئونة على المالك الموجبة للتخصيص كما اقتضته في الغلات عند سقيها بالدوالي- فالظاهر ضعفه لأن الأحكام الشرعية لا تبنى على مثل هذه المناسبات، و قيام النصوص في الغلات بما ذكره لا يقتضي الحمل عليه هنا و الخروج عن إطلاق النصوص الموجب لسقوط الزكاة عن المعلوفة مع صدق كونها معلوفة.
فرع [مبدأ حول السخال]
قد صرح جملة من الأصحاب بأن السخال- و المراد بها في كلامهم ما هو أعمّ من أولاد الغنم و إن كان أصل التسمية لغة مخصوصة بأولاد الغنم بعد وضعها كما تقدم- لا تعد في الحول إلا بعد الاستغناء بالرعي ليتحقق شرط السوم بالنسبة إليها كما دلت عليه الأخبار المتقدمة.
و نقل عن الشيخ و جماعة بل الظاهر إنه هو المشهور كما صرح به في المسالك أن حولها من حين النتاج، و عليه تدل الأخبار‌
كقوله عليه السلام في رواية زرارة «1» «و ما كان من هذه الأصناف الثلاثة الإبل و البقر و الغنم فليس فيها شي‌ء حتى يحول عليها
______________________________
(1) التهذيب ج 1 ص 354 و في الوسائل الباب 2 من زكاة الأنعام رقم «3».

80
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

فرع مبدأ حول السخال ج 12 ص 80

الحول من يوم تنتج».
و صحيحة زرارة أو حسنته بإبراهيم بن هاشم عن أبي جعفر عليه السلام «1» قال: «ليس في صغار الإبل شي‌ء حتى يحول عليها الحول من يوم تنتج».
و رواية ثالثة له عن أحدهما (عليهما السلام) «2» و فيها بعد ذكر الأصناف الثلاثة «و ما كان من هذه الأصناف فليس فيها شي‌ء حتى يحول عليه الحول منذ يوم تنتج».
و استقرب الشهيد في البيان اعتبار الحول من حين النتاج إن كان اللبن عن سائمة. و الظاهر أنه جعله وجه جمع بين أخبار القولين، لأنه متى كان اللبن عن سائمة فكأنه يدخل تحت أخبار السوم و إن كان عن معلوفة فكأنه يدخل تحت المعلوفة فلا يدخل في السوم إلا بعد الاستغناء بالرعي. و مقتضى المشهور هو تقييد أخبار السوم بأخبار النتاج بمعنى أن اشتراط السوم مدة الحول مخصوص بما عدا السخال فإن حولها من يوم النتاج و إن صدق أنها معلوفة.
و كيف كان فالأقرب هو القول المشهور وقوفا على ظاهر هذه الأخبار، إلا أنه‌
قد روى الكليني و الصدوق في الموثق عن إسحاق بن عمار «3» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام السخل متى تجب فيه الصدقة؟ قال إذا أجذع».
و لا يخفى ما فيه من الإشكال لمخالفته الأخبار و كلام الأصحاب، فإن الجذع من الغنم بناء على كلام الأصحاب ما كمل له سبعة أشهر و على كلام أهل اللغة أنه في الضأن كذلك و في المعز ما دخل في السنة الثانية. و لم أقف على من تعرض للجواب عنه، و يحتمل و إن بعد الحمل على الأخذ في الصدقة بناء على ما تقدم من أحد القولين في المسألة و هو أن أقل أسنان المأخوذ في زكاة الغنم جذع من الضأن و ثني من المعز.
______________________________
(1) الوسائل الباب 9 من زكاة الأنعام.
(2) الوسائل الباب 7 رقم 6 و الباب 9 رقم 1 و لا يخفى أن راوي هذا الحديث هو الشيخ و لم يرد في التهذيب ج 1 ص 360 اللفظ المذكور و إنما وردت فيه الفقرة الآتية فقط «و كل شي‌ء من هذه الأصناف من الدواجن و العوامل فليس فيها شي‌ء حتى يحول عليه الحول منذ يوم تنتج» و أورد اللفظ المذكور في الهامش بعنوان النسخة. نعم في الإستبصار ج 2 ص 24 و الوافي و الوسائل ذكرت الفقرتان معا.
(3) الوسائل الباب 9 من زكاة الأنعام.

81
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الموضع الثالث أنه يشترط في الأنعام أن لا تكون عوامل ج 12 ص 82

الموضع الثالث- أنه يشترط في الأنعام أن لا تكون عوامل
فإنه لا زكاة فيها و إن كانت سائمة، و الحكم المذكور من ما وقع عليه الاتفاق أيضا.
إلا أنه‌
قد روى إسحاق بن عمار في الموثق «1» قال: «سألته عن الإبل تكون للجمال أو تكون في بعض الأمصار أ تجري عليها الزكاة كما تجري على السائمة في البرية؟
فقال نعم».
و نحوها رواية أخرى له أيضا رواها في الضعيف عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2»
و بسند آخر في الموثق عن أبي إبراهيم عليه السلام «3» قال: «سألته عن الإبل العوامل عليها زكاة؟ فقال نعم عليها زكاة».
و أجاب عنها الشيخ في التهذيب- بعد الطعن فيها أولا بالاضطراب حيث إن إسحاق رواها تارة مرسلا و تارة مسندا- بالحمل على الاستحباب، و تبعه من تأخر عنه من الأصحاب كما هي قاعدتهم في جل الأبواب.
و الأقرب عندي هو الحمل على التقية التي هي الأصل في اختلاف الأخبار و إن لم يكن بها قائل من العامة بالكلية كما أوضحناه في كتابنا الدرر النجفية و المقدمة الأولى من مقدمات هذا الكتاب، مع أن ذلك مذهب مالك أحد الأئمّة الأربعة «4» كما نقله عنه في المعتبر.
و قد صرح الأصحاب بأن الخلاف المتقدم في السوم جار هنا أيضا، قال في البيان: و الكلام في اعتبار الأغلب هنا كالكلام في السوم. و قد صرح الشيخ في المبسوط على ما نقل عنه باعتبار الأغلب هنا أيضا كما ذكره ثمة. و الاحتياط لا يخفى.
الموضع الرابع- في مسائل تلحق بهذا المقصد:
الأولى [لا يضم مال شخص إلى غيره و لا يفرق بين مالي المالك]
- قد صرح الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) من غير خلاف يعرف بأنه لا يضم مال إنسان إلى غيره و إن كانا في مكان واحد بل يعتبر النصاب في مال كل واحد على حدة، و لا يفرق بين مالي المالك و لو تباعد مكانهما بمعنى أنه لا يكون لكل واحد منهما حكم بانفراده بل يقدران مجتمعين‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 7 من زكاة الأنعام.
(2) الوسائل الباب 7 من زكاة الأنعام.
(3) الوسائل الباب 7 من زكاة الأنعام.
(4) المدونة الكبرى ج 1 ص 268.

82
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأولى لا يضم مال شخص إلى غيره و لا يفرق بين مالي المالك ج 12 ص 82

فإن بلغا النصاب كذلك وجبت الزكاة و إلا فلا.
و هذا الكلام خرج في مقام الرد على العامة حيث ذهب جمع منهم إلى أن الخلطة تجعل المالين مالا واحدا سواء كانت خلطة أعيان كأربعين شاة بين شريكين أو خلطة أوصاف كالاتحاد في المرعى و المشرب و المراح و الفحل و الحلب و الحالب و المحلب مع تميز المالين «1» و هو باطل عندنا لعدم الدليل عليه بل قيام الدليل على خلافه كما في‌
صحيحة محمد بن قيس عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «و لا يفرق بين مجتمع و لا يجمع بين متفرق».
أي في المالك،
و في حسنة عبد الرحمن بن الحجاج «3» «أن محمد بن خالد سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الصدقة فقال مر مصدقك أن لا يحشر من ماء إلى ماء و لا يجمع بين المتفرق و لا يفرق بين المجتمع».
و يدل على ذلك أيضا إطلاق الأخبار‌
كقوله عليه السلام «4» «في كل أربعين شاة شاة».
و بالجملة فإنه لا بد من بلوغ كل نصيب نصابا.
و يزيده بيانا‌
ما رواه الصدوق في كتاب العلل عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «5» في حديث قال فيه «ثم قال زرارة قلت له مائتي درهم بين خمسة أناس أو عشرة حال عليها الحول و هي عندهم أ تجب عليهم زكاتها؟ قال لا هي بمنزلة تلك- يعني جوابه في الحرث- ليس عليهم شي‌ء حتى يتم لكل إنسان منهم مائتا درهم. قلت و كذلك في الشاة و الإبل و البقر و الذهب و الفضة و جميع الأموال؟ قال نعم».
الثانية- لو بيع النصاب بعد الحول و قبل إخراج الزكاة
فإن الزكاة تجب على المشتري و يرجع بها على البائع إلا أن يؤديها البائع.
و يدل عليه‌
صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه «6» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه
______________________________
(1) المغني ج 2 ص 607.
(2) الوسائل الباب 11 من زكاة الأنعام.
(3) الوسائل الباب 11 من زكاة الأنعام.
(4) الوسائل الباب 6 من زكاة الأنعام.
(5) الوسائل الباب 5 من زكاة الذهب و الفضة.
(6) الوسائل الباب 12 من زكاة الأنعام.

83
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثانية لو بيع النصاب بعد الحول و قبل إخراج الزكاة ج 12 ص 83

عليه السلام رجل لم يزك إبله أو شاته عامين فباعها، على من اشتراها أن يزكيها لما مضى؟ قال نعم تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها البائع أو يؤدي زكاتها البائع».
و هذا الخبر من ما يدل على تعلق الزكاة بالعين و إن جاز الإخراج من غيره رخصة و تخفيفا كما سيأتي تحقيقه إن شاء اللّٰه تعالى.
الثالثة [معنى الرجوع إلى الأسنان]
- قد تكرر في صحيحة الفضلاء بعد ذكر نصب الإبل ثم بعد ذكر نصب البقر أنها ترجع على أسنانها.
و لم أقف على من تعرض للكلام في معنى ذلك إلا على كلام للسيد ماجد بن هاشم البحراني على ما نقل عنه تلميذه المحدث الكاشاني في الوافي حيث قال: المراد برجوع الإبل على أسنانها استئناف النصاب الكلي و إسقاط اعتبار الأسنان السابقة كأنه إذا أسقط اعتبار الأسنان و استؤنف النصاب الكلي تركت الإبل على أسنانها و لم تعتبر كما يقال رجعت الشي‌ء على حاله أي تركته عليه و لم أغيره. و هو و إن كان بعيدا بحسب اللفظ إلا أن السياق يقتضيه، و تعقيب ذكر أنصبة الغنم بقوله «و سقط الأمر الأول» ثم تعقيبه بمثل ما عقب به نصب الإبل و البقر من نفي الوجوب عن النيف يرشد إليه، لأنه جعل إسقاط الاعتبار بالأسنان السابقة في الغنم مقابلا لرجوع الإبل على أسنانها واقعا موقعه و هو يقتضي اتحادهما في المؤدى و ربما أمكن حمله على استئناف النصب السابقة في ما تجدد ملكه في أثناء الحول كما أول به المرتضى (رضي اللّٰه عنه) ما رووه من استئناف الفريضة بعد المائة و العشرين. و قد يقال أراد برجوعها على أسنانها استئناف الفرائض السابقة بعد بلوغ المائة و العشرين بأن يؤخذ للخمس الزائدة بعد المائة و العشرين شاة و للعشر شاتان و هكذا إلى الخمس و العشرين فتؤخذ بنت مخاض و هكذا كما هو قول أبي حنيفة «1» و يكون محمولا على التقية. و الوجه هو الأول لما ذكرنا. انتهى كلامه (علت في الخلد أقدامه) و هو جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه.
الرابعة [النصاب في زكاة الذهب]
- لا خلاف نصا و فتوى في أن ما بين النصابين لا زكاة فيه و هو المشار‌
______________________________
(1) ارجع إلى التعليقة 1 ص 44.

84
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابعة النصاب في زكاة الذهب ج 12 ص 84

إليه في غير خبر من الأخبار المتقدمة‌
بقولهم (عليهم السلام) «1» «ليس على النيف شي‌ء و لا على الكسور شي‌ء».
و النيف ككيس و قد يخفف و هو الزيادة و كل ما زاد على العقد فهو نيف إلى أن يبلغ العقد الثاني، و يكون بغير تأنيث للمذكر و المؤنث و لا يستعمل إلا معطوفا على العقود فإن كان بعد العشرة فهو لما دونها و إن كان بعد المائة فهو للعشرة فما دونها و إن كان بعد الألف فهو للعشرة فأكثر. هكذا تقرر بينهم. و في بعض كتب أهل اللغة و تخفيف النيف لحن عند الفصحاء. و حكي عن أبي العباس أنه قال الذي حصلناه من أقاويل حذاق البصريين و الكوفيّين أن النيف من واحد إلى ثلاثة و البضع من أربعة إلى تسعة، و لا يقال نيف إلا بعد عقد، نحو عشرة و نيف و مائة و نيف و ألف و نيف. و منه يظهر المدافعة للقول الأول.
و قد جرت عادة الفقهاء في هذا المقام بتسمية ما بين النصابين في الإبل شنقا و في البقر وقصا و في الغنم عفوا، و الشنق بالتحريك و ضبطه بعضهم بضم الشين، و الوقص بفتح القاف، و المستفاد من كلام أكثر أهل اللغة هو ترادف الشنق و الوقص بمعنى ما بين الفريضتين، و بعضهم خص الأول بالإبل و الثاني بالبقر كما عليه الفقهاء و هي أمور اصطلاحية لا مشاحة فيها.
المطلب الثاني- في زكاة النقدين
[شرائط وجوبها]
و هي مشروطة بشروط‌
الأول- النصاب
و لا خلاف فيه بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) و إنما الخلاف في قدره من الذهب، و المشهور بين الأصحاب هو أن النصاب الأول عشرون دينارا، و الدينار مثقال شرعي، فربما عبر بالمثقال تارة و ربما عبر بالدينار أخرى و المرجع واحد كما سيأتي بيانه و فيها نصف دينار، ثم أربعة دنانير و فيها عشر دينار و قيراطان، و هكذا بالغا ما بلغ.
______________________________
(1) ورد ذلك في ما يخص الأنعام في صحيحة الفضلاء في زكاة الإبل و البقر، و في زكاة الغنم هكذا «و ليس في النيف شي‌ء» فقط، الوسائل الباب 2 و 4 و 6 و 7 من زكاة الأنعام.
و في حديث العلل المتقدم ص 83 النفي في الأنعام و النقدين و في أخبار النقدين نفي الزكاة في النيف في بعضها و نفيها في الكسور في آخر ارجع إلى الوسائل الباب 2 رقم 1 و 6 و 7 و 8 من زكاة الذهب و الفضة.

85
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأول النصاب ج 12 ص 85

و نقل عن الشيخ علي بن الحسين بن بابويه- و حكاه في المعتبر عن ابنه الصدوق و جماعة من أصحاب الحديث- أن النصاب الأول أربعون دينارا فأربعون و هكذا.
و الأظهر الأول للأخبار المتكاثرة و منها-
ما رواه الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر «1» قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن ما أخرج من المعدن من قليل أو كثير هل فيه شي‌ء؟ قال ليس فيه شي‌ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا».
و ما رواه الكليني عن الحسين بن بشار في الصحيح «2» قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام في كم وضع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله الزكاة؟ فقال في كل مائتي درهم خمسة دراهم فإن نقصت فلا زكاة فيها، و في الذهب في كل عشرين دينارا نصف دينار فإن نقص فلا زكاة فيه».
و ما رواه فيه في الموثق عن علي بن عقبة و عدة من أصحابنا عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السلام) «3» قالا: «ليس في ما دون العشرين مثقالا من الذهب شي‌ء فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال إلى أربعة و عشرين، و إذا كملت أربعة و عشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية و عشرين، فعلى هذا الحساب كلما زاد أربعة دنانير».
و ما رواه الشيخ في الموثق عن يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» قال: «في عشرين دينارا نصف دينار».
و ما رواه في الموثق عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «5» قال: «في الذهب إذا بلغ عشرين دينارا ففيه نصف دينار و ليس في ما دون العشرين شي‌ء، و في الفضة إذا بلغت مائتي
______________________________
(1) الوسائل الباب 4 من ما يجب فيه الخمس.
(2) الفروع ج 1 ص 154 و في الوسائل الباب 1 و 2 من زكاة الذهب و الفضة.
(3) الوسائل الباب 1 من زكاة الذهب و الفضة.
(4) الوسائل الباب 1 من زكاة الذهب و الفضة.
(5) الوسائل الباب 1 و 2 من زكاة الذهب و الفضة.

86
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأول النصاب ج 12 ص 85

درهم خمسة دراهم و ليس في ما دون المائتين شي‌ء، فإذا زادت تسعة و ثلاثون على المائتين فليس فيها شي‌ء حتى تبلغ الأربعين، و ليس في شي‌ء من الكسور شي‌ء حتى تبلغ الأربعين و كذلك الدنانير على هذا الحساب».
و ما رواه في الموثق عن زرارة و بكير «1» «أنهما سمعا أبا جعفر عليه السلام يقول في الزكاة أما في الذهب فليس في أقل من عشرين دينارا شي‌ء فإذا بلغت عشرين دينارا ففيه نصف دينار، و ليس في أقل من مائتي درهم شي‌ء فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم فما زاد فبحساب ذلك، و ليس في مائتي درهم و أربعين درهما غير درهم إلا خمسة دراهم، فإذا بلغت أربعين و مائتي درهم ففيها ستة دراهم فإذا بلغت ثمانين و مائتين ففيها سبعة دراهم و ما زاد فعلى هذا الحساب، و كذلك الذهب و كل ذهب. و إنما الزكاة على الذهب و الفضة الموضوع إذا حال عليه الحول ففيه الزكاة و ما لم يحل عليه الحول فليس فيه شي‌ء».
إلى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عن نقلها المقام.
و يدل على القول الثاني‌
موثقة الفضلاء الأربعة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السلام) «2» أنهما قالا: «في الذهب في كل أربعين مثقالا مثقال، و في الورق في كل مائتين خمسة دراهم، و ليس في أقل من أربعين مثقالا شي‌ء و لا في أقل من مائتي درهم شي‌ء، و ليس في النيف شي‌ء حتى يتم أربعون فيكون فيه واحد».
و استدل عليه أيضا‌
بما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن زرارة «3» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام رجل عنده مائة درهم و تسعة و تسعون درهما و تسعة و ثلاثون دينارا أ يزكيها؟ قال لا ليس عليه شي‌ء من الزكاة في الدراهم و لا في الدنانير حتم تتم أربعين دينارا و الدراهم مائتي درهم. قال قلت فرجل عنده أربعة أينق و تسعة و ثلاثون شاة و تسعة و عشرون بقرة أ يزكيهن؟ قال لا يزكي شيئا منها لأنه
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 و 2 و؟ 1 من زكاة الذهب و الفضة.
(2) التهذيب ج 1 ص 351 و في الوسائل الباب 1 و 2 من زكاة الذهب و الفضة.
(3) الوسائل الباب 1 من زكاة الذهب و الفضة و 1 من زكاة الأنعام.

87
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأول النصاب ج 12 ص 85

ليس شي‌ء منهن قد تم فليس تجب فيه الزكاة».
و يشكل بأن هذه الرواية‌
قد رواها الصدوق في الفقيه «1» بما هذه صورته:
قال زرارة قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: رجل عنده مائة و تسعة و تسعون درهما و تسعة عشر دينارا أ يزكيها؟ فقال لا ليس عليه زكاة في الدراهم و لا في الدنانير حتى يتم. قال زرارة: و كذلك هو في جميع الأشياء. قال و قلت.
إلى آخر ما تقدم.
و بذلك يضعف الاعتماد على رواية الشيخ للخبر المذكور، و لهذا إن المحدث الكاشاني في الوافي إنما نقل الخبر برواية الصدوق ثم نبه على رواية الشيخ و قال إن ما في الفقيه هو الصواب.
و قال في كتاب الفقه الرضوي «2»: «و ليس في ما دون عشرين دينارا زكاة حتى يبلغ عشرين دينارا ففيها نصف دينار، و كل ما زاد بعد العشرين إلى أن يبلغ أربعة دنانير فلا زكاة فيه فإذا بلغ أربعة دنانير ففيه عشر دينار ثم على هذا الحساب.
إلى أن قال بعد ذكر أحكام عديدة: و نروى إنه ليس على الذهب زكاة حتى يبلغ أربعين مثقالا فإذا بلغ أربعين مثقالا ففيه مثقال، و ليس في النيف شي‌ء حتى يبلغ أربعين».
و ظاهر نقله عليه السلام هذه الرواية بعد فتواه سابقا بما قدمنا نقله يعطي أن هذه الرواية ليست معمولا عليها و أن لها معنى آخر يجب أن تحمل عليه، و ليس إلا التقية التي هي في الأحكام الشرعية أصل كل بلية و إن كان القائل بذلك من العامة قليلا «3» لما حققناه في محل أليق و أشرنا إليه في غير موضع من ما تقدم من أنه لا يشترط عندنا في الحمل على التقية وجود القائل بذلك من العامة.
و أما النصاب في الفضة فإن النصاب الأول مائتا درهم و فيها خمسة دراهم ثم‌
______________________________
(1) ج 2 ص 11 و في الوسائل الباب 5 من زكاة الذهب و الفضة.
(2) ص 22.
(3) المحلى ج 6 ص 66.

88
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأول النصاب ج 12 ص 85

ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ أربعين و فيها درهم و هكذا، و هو من ما لا خلاف فيه نصا و فتوى، و قد تقدم في الأخبار السابقة ما يدل عليه، و مثلها غيرها من الأخبار الكثيرة‌
الثاني- الحول
و لا بد من وجود النصاب بعينه بشرائطه مدة الحول، و قد تقدم الكلام في تحقيق الحول.
و يدل على هذا الشرط الأخبار الكثيرة و منها-
صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «1» قال: «الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول».
و موثقة زرارة و بكير المتقدمة في المقام «2» و نحوهما غيرهما.
الثالث- كون الذهب و الفضة دنانير و دراهم
منقوشة بسكة المعاملة الحاضرة أو القديمة.
و تدل عليه جملة من الأخبار: منها-
حسنة علي بن يقطين بإبراهيم بن هاشم التي هي صحيحة عندنا عن أبي إبراهيم «3» و فيها «و كل ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي‌ء. قال قلت و ما الركاز؟ قال الصامت المنقوش».
و ما رواه الشيخ عن جميل عن أبي عبد اللّٰه و أبي الحسن (عليهما السلام) «4» أنهما قالا: «ليس على التبر زكاة إنما هي على الدنانير و الدراهم».
و نحوهما غيرهما.
و أما اشتراط الملك و التمكن من التصرف فقد تقدم و لا وجه لإعادته هنا كما يذكره بعضهم.
مسائل
الأولى [وزن الدينار و الدرهم]
- لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) و غيرهم أيضا أن الدنانير لم يتغير وزنها عما هي عليه الآن في جاهلية و لا إسلام صرح بذلك جملة من علماء الطرفين «5».
______________________________
(1) الوسائل الباب 14 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) ص 87.
(3) الوسائل الباب 8 من زكاة الذهب و الفضة.
(4) الوسائل الباب 8 من زكاة الذهب و الفضة.
(5) المجموع شرح المهذب ج 6 ص 7 و قد حقق فيه وزن الدينار و الدرهم بنحو مبسوط ص 4 و 15.

89
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأولى وزن الدينار و الدرهم ج 12 ص 89

قال شيخنا العلامة (أجزل اللّٰه إكرامه) في النهاية: و الدنانير لم يختلف المثقال منها في جاهلية و لا إسلام. و كذا نقل عن الرافعي في شرح الوجيز «1» أنه قال:
المثقال لم يختلف في جاهلية و لا إسلام. و الدينار مثقال شرعي فهما متحدان وزنا فلذا يعبر في أخبار الزكاة تارة بالدينار و تارة بالمثقال.
و أما الدراهم فقد ذكر علماء الفريقين أيضا أنها كانت في زمن النبي صلى اللّٰه عليه و آله سابقا كما كان قبل زمانه بغلية و كان وزن الدرهم منها ثمانية دوانيق، و طبرية وزن الدرهم منها أربعة دوانيق، و هكذا بعده صلى اللّٰه عليه و آله إلى زمن بني أمية، فجمعوا الدرهمين و قسموهما نصفين كل درهم ستة دوانيق و استقر أمر الإسلام على ذلك.
قال شيخنا الشهيد في كتاب الذكرى نقلا عن ابن دريد أن الدرهم الوافي هو البغلي بإسكان الغين منسوب إلى رأس البغل ضربه الثاني في خلافته بسكة كسروية و وزنه ثمانية دوانيق، قال: و البغلية كانت تسمى قبل الإسلام بالكسروية فحدث لها هذا الاسم في الإسلام و الوزن بحاله و جرت في المعاملة مع الطبرية و هي أربعة دوانيق، فلما كان زمن عبد الملك جمع بينهما و اتخذ الدرهم منهما و استقر أمر الإسلام على ستة دوانيق. انتهى.
و قد ذكروا في نسبة كل من الدينار و الدرهم إلى الآخر أن الدينار درهم و ثلاثة أسباع درهم و الدرهم نصف الدينار و خمسه، فعلى هذا يكون مقدار عشرة دراهم سبعة دنانير، و تكون العشرون مثقالا التي هي أول نصب الذهب في وزن ثمانية و عشرين درهما و أربعة أسباع درهم، و المائتا درهم التي هي أول نصب الفضة في وزن مائة و أربعين مثقالا، و من ذلك يعلم نصاب الفضة بهذه المحمديات الجارية في هذه الأزمان المتأخرة حيث إن المحمدية منها وزن الدينار مثقال شرعي فيكون النصاب الأول مائة محمدية و أربعين محمدية.
و اعلم أنهم اتفقوا أيضا على أن كل دانق وزنه ثمان حبات من أوساط حب‌
______________________________
(1) ج 6 ص 5 من المطبوع بضميمة المجموع شرح المهذب للنووي.

90
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأولى وزن الدينار و الدرهم ج 12 ص 89

الشعير كما صرح به علماء الفريقين «1» فالدرهم حينئذ ثمان و أربعون شعيرة و الدينار ثمان و ستون شعيرة و أربعة أسباع شعيرة. إلا أنا قد اعتبرنا ذلك بالشعير الموجود في زماننا لأجل استعلام كمية صاع الفطرة بصنج البحرين فوجدنا في ذلك نقصانا فاحشا عن الاعتبار بالمثاقيل الشرعية و هي الدنانير، و الظاهر أن حبات الشعير المتعارفة سابقا كانت أعظم حجما و أثقل وزنا من الموجود في زماننا.
الثانية [لا يضم أحد النقدين إلى الآخر]
- اتفق الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) على أنه لا يضم أحد النقدين إلى الآخر على وجه يكون النصاب مركبا منهما بل يجب لكل منهما نصابه المتقدم، و يدل على ذلك صحيحة زرارة المتقدم نقلها عن التهذيب و الفقيه «2» المشتملة على السؤال عن من ملك مائة درهم و تسعة و تسعين درهما و تسعة و ثلاثين دينارا على رواية التهذيب و تسعة عشر دينارا على رواية الفقيه حيث نفى الزكاة في ذلك حتى يتم كل من النصابين. و مثلها موثقة إسحاق بن عمار الآتية قريبا في مسألة الفرار «3» و أما‌
ما ورد في رواية إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السلام- «4» قال: «قلت له مائة و تسعون درهما و تسعة عشر دينارا أ عليها في الزكاة شي‌ء؟ فقال إذا اجتمع الذهب و الفضة فبلغ ذلك مائتي درهم ففيها الزكاة، لأن عين المال الدراهم و كل ما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك إلى الدراهم في الزكاة و الديات».
و حسنة محمد بن مسلم «5» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الذهب كم فيه من الزكاة؟ قال إذا بلغ قيمته مائتي درهم فعليه الزكاة».
-
فقد حملهما الشيخ في التهذيب على ما تندفع به المنافاة، قال: و يحتمل أن يكون‌
______________________________
(1) في رد المختار لابن عابدين ج 2 ص 32 المذكور في كتب الشافعية و الحنابلة أن درهم الزكاة ست دوانق و الدانق ثمان حبات شعير و خمسا حبة من شعيرة معتدلة لم تقشر و قطع من طرفيها ما دق و طال، و هو لم يتغير في الجاهلية و الإسلام. و في كتاب الأوزان و المقادير للشيخ إبراهيم العاملي ص 26 نقل عن الفقهاء أن الدانق ثمان حبات من أوسط حب الشعير ثم قال ص 27 الدانق ثمان حبات قمحات و خمسان.
(2) ص 87 و 88.
(3) ص 98.
(4) الوسائل الباب 1 من زكاة الذهب و الفضة.
(5) الوسائل الباب 1 من زكاة الذهب و الفضة.

91
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثانية لا يضم أحد النقدين إلى الآخر ج 12 ص 91

المراد إذا بلغ كل واحد مائتي درهم ففيه الزكاة، و يجري هذا مجرى قوله تعالى «وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً» «1» و المراد كل واحد منهم ثمانين جلدة. إلى آخر كلامه. و مرجعه إلى ما ذكره أيضا من أن قيمة عشرين دينارا كانت في ذلك الوقت مائتي درهم، قال: و لذا تراهم يجعلون الدينار في مقابلة عشرة دراهم في الديات و غيرها. و جعل في التهذيب المشار إليه في قوله «فبلغ ذلك مائتي درهم» في صدر الخبر الأول كل واحد من الذهب و الفضة باعتبار القيمة في الذهب لأنهم كانوا يقومون الدنانير على هذا الوجه كل دينار بعشرة دراهم في الديات و غيرها. و احتمل في الإستبصار حمله على التقية، قال لأن ذلك مذهب العامة «2». أقول: و الحمل الأول قريب في حسنة محمد بن مسلم و لا بأس به في رواية إسحاق إلا أن الأظهر حملهما على التقية.
و احتمل بعض الأصحاب حمل الخبر الأول على زكاة التجارة، و الظاهر أنه مبني على أن اتخاذ الذهب فيه للتجارة ليتم الحمل المذكور فإن المرجع فيه إلى القيمة، و يؤيده آخر الحديث. و هذا الاحتمال يمكن إجراؤه أيضا في الحديث الثاني إلا أن الأظهر ما ذكرناه من الحمل على التقية.
الثالثة [لا زكاة في المغشوش من النقدين ما لم يبلغ الصافي نصابا]
- اتفق الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) على أنه لا زكاة في المغشوش من النقدين ما لم يبلغ الصافي نصابا لعموم أدلة الوجوب.
و خصوص‌
ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن زيد الصائغ «3» قال
______________________________
(1) سورة النور الآية 5.
(2) في المغني ج 3 ص 3: إذا كان له من كل واحد من الذهب و الفضة ما لا يبلغ نصابا بمفرده أو كان له نصاب من أحدهما و أقل من نصاب الآخر فذكر الخرقي فيه روايتان إحداهما لا يضم و هو قول ابن أبي ليلى و الحسن بن صالح و شريك و الشافعي و أبي عبيد و أبي ثور و اختاره أبو بكر عبد العزيز. و ثانيهما يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب و هو قول الحسن و قتادة و مالك و الأوزاعي و الثوري و أصحاب الرأي، و روى الأثرم عن أحمد التوقف فيه، و في رواية حنبل عنه أنه قطع بالضم.
(3) الوسائل الباب 7 من زكاة الذهب و الفضة.

92
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالثة لا زكاة في المغشوش من النقدين ما لم يبلغ الصافي نصابا ج 12 ص 92

«قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام إني كنت في قرية من قرى خراسان يقال لها بخارى فرأيت فيها دراهم تعمل ثلث فضة و ثلث مس و ثلث رصاص و كانت تجوز عندهم و كنت أعملها و أنفقها؟ قال فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام لا بأس بذلك إذا كانت تجوز عندهم. فقلت أ رأيت إن حال عليها الحول و هي عندي و فيها ما يجب على فيه الزكاة أزكيها؟ قال نعم إنما هو مالك. قلت فإن أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها مثلها فبقيت عندي حتى حال عليها الحول أزكيها؟ قال إن كنت تعرف أن فيها من الفضة الخالصة ما يجب عليك فيها الزكاة فزك ما كان لك فيها من فضة و دع ما سوى ذلك من الخبث. قلت و إن كنت لا أعلم ما فيها من الفضة الخالصة إلا أني أعلم أن فيها ما يجب فيه الزكاة؟ قال فاسبكها حتى تخلص الفضة و يحترق الخبث ثم تزكي ما خلص من الفضة لسنة واحدة».
و الظاهر أن قوله «لسنة واحدة» أي السنة التي كانت الدراهم مغشوشة فيها دون ما بعدها من ما جعل سبائك.
و قد صرح العلامة في المنتهى بأنه لو كان معه دراهم مغشوشة بذهب أو بالعكس و بلغ كل من الغش و المغشوش النصاب وجبت الزكاة فيهما. و هو كذلك بلا إشكال. و يجب الإخراج من كل جنس بحسابه و إلا توصل إليه بالسبك كما تدل عليه الرواية المتقدمة.
و لو شك المالك في بلوغ الخالص نصابا قال في التذكرة: لم يؤمر بسبكها و لا بالإخراج منها و لا من غيرها لأن بلوغ النصاب شرط و لم يعلم حصوله فأصالة البراءة لم يعارضها شي‌ء. و هو جيد.
ثم إنه يجب في المخرج أن يكون خالصا إلا إذا علم اشتماله على ما يجب من الخالص.
الرابعة [يضم الجوهران من الجنس الواحد بعض إلى بعض]
- قد صرح الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) بأنه يضم الجوهران من الجنس الواحد بعض إلى بعض و إن اختلفت الرغبة، لعموم ما دل على وجوب الزكاة في الذهب و الفضة الشامل ذلك للردي‌ء من كل منهما و الجيد و المختلفة القيمة‌

93
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابعة يضم الجوهران من الجنس الواحد بعض إلى بعض ج 12 ص 93

و غيرها، لكن يخرج الواجب بالنسبة إن لم يتطوع المالك بالأرغب.
و قيل بجواز إخراج الأدون لحصول الامتثال بما يصدق عليه الاسم، و هو منقول عن الشيخ (قدس سره) و لا يخلو من قرب من حيث ظاهر التعليل المذكور إلا أنه ربما يدفع بظاهر قوله عز و جل «وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ. الآية» «1» و ما سيأتي في تفسيرها في بحث الغلات من الأخبار الدالة على عدم جواز إخراج الردي‌ء من التمر عن الجيد منه «2» قيل: و أولى بالجواز لو أخرج الأدنى بالقيمة.
و لو أخرج من الأعلى بقدر قيمة الأدون مثل أن يخرج نصف دينار جيد عن دينار أدون فالمشهور عدم الجواز من حيث إن الواجب عليه دينار فلا يجزئ ما نقص عنه. و احتمل العلامة في التذكرة الإجزاء، و رده جملة من أفاضل متأخري المتأخرين بأنه ضعيف.
أقول: لا ريب أن عدم الإجزاء في هذه الصورة كما هو المشهور إنما يتم بناء على المشهور من وجوب الأخذ بالنسبة إن لم يتطوع المالك بالأرغب، و إلا فعلى مذهب الشيخ من جواز إخراج الأدون الظاهر أنه لا إشكال في ذلك، لأنه متى كان الواجب عليه دينارا و اختار دفع الأدون و أراد دفع قيمته فدفع نصف دينار خالص بقيمة ذلك الدينار الأدون فالمدفوع قيمته حينئذ لا أنه الفريضة الواجبة حتى يقال إن الواجب دينار فلا يجزئ ما دونه، و لعل الاحتمال المنقول عن العلامة مبني على هذا.
الخامسة [الدين لا يمنع وجوب الزكاة]
- المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم)- بل الظاهر الاتفاق عليه- أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة متى ملك النصاب.
و يدل عليه إطلاق الأخبار الدالة على وجوب الزكاة على من ملك النصاب بالشروط المتقدمة «3».
______________________________
(1) سورة البقرة الآية 270.
(2) الوسائل الباب 19 من زكاة الغلات.
(3) يستفاد ذلك من أخبار الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة من الوسائل.

94
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الخامسة الدين لا يمنع وجوب الزكاة ج 12 ص 94

و خصوص‌
ما رواه في الكافي في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام و ضريس عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» أنهما قالا: «أيما رجل كان له مال موضوع حتى يحول عليه الحول فإنه يزكيه و أن كان عليه من الدين مثله أو أكثر منه فليزك ما في يده».
و ظاهر الشهيد في البيان التوقف في ذلك حيث نقل‌
عن كتاب الجعفريات عن أمير المؤمنين عليه السلام «2» أنه قال: «من كان له مال و عليه مال فليحسب ماله و ما عليه فإن كان ماله فضل على مائتي درهم فليعط خمسة دراهم».
قال: و هذا نص في منع الدين الزكاة و الشيخ في الخلاف ما تمسك على عدم منع الدين إلا بإطلاق الأخبار الموجبة للزكاة. انتهى.
و فيه (أولا) أن الكتاب المذكور مجهول لا يمكن الاعتماد عليه. و (ثانيا) أن ما نقله عنه معارض بالصحيحة المذكورة المؤيدة بإطلاق الأخبار و عمل الأصحاب.
و الظاهر أن شيخنا المذكور غفل عن ملاحظة الصحيحة المذكورة و توهم انحصار الدليل في الإطلاقات فرام تقييدها بهذا الخبر و الحال ما عرفت.
السادسة- لو خلف الرجل نفقة لعياله سنة أو سنتين و بلغت النصاب
فالمشهور أنه إن كان حاضرا وجب عليه إخراج الزكاة و إلا فلا، و نقل عن ابن إدريس أنه لم يفرق بين الحضور و الغيبة بل اعتبر التمكن من التصرف و عدمه.
و الذي دلت عليه الأخبار الأول‌
كصحيحة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» «في رجل وضع لعياله ألف درهم نفقة فحال عليها الحول؟
قال إن كان مقيما زكاه و إن كان غائبا لم يزك».
و نحوها‌
موثقة إسحاق بن عمار «4» و فيها «إن كان شاهدا فعليه زكاة و إن كان غائبا فليس عليه زكاة».
و موثقة‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 10 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) مستدرك الوسائل الباب 8 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 17 من زكاة الذهب و الفضة.
(4) الوسائل الباب 17 من زكاة الذهب و الفضة.

95
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السادسة لو خلف الرجل نفقة لعياله سنة أو سنتين و بلغت النصاب ج 12 ص 95

أبي بصير «1» و فيها كما في موثقة إسحاق المذكورة.
أقول: و يمكن حمل كلام ابن إدريس على ما يرجع إلى المشهور بأن يكون التعبير بالتمكن من التصرف كناية عن الحضور و عدم التمكن كناية عن الغيبة بناء على ما هو الغالب، و مثله في التعبيرات غير عزيز.
و قيد الشيخ الشهيد في البيان الحكم المذكور بعدم العلم بزيادتها، و هو تقييد للنص من غير دليل.
السابعة [عدم وجوب الزكاة في السبائك و نحوها و حكم الفرار بذلك من الزكاة]
- لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في سقوط الزكاة عن السبائك و النقار و التبر و إنما الخلاف في ما إذا عملها كذلك قبل تمام الحول بقصد الفرار من الزكاة، فقيل بوجوب الزكاة عليه بعد تمام الحول، و الظاهر أنه المشهور بين المتقدمين نقله في المختلف عن الشيخ علي بن الحسين بن بابويه في الرسالة حيث قال: و ليس في السبائك شي‌ء إلا أن تفر بها من الزكاة فإن فررت بها من الزكاة فعليك زكاته. و كذا نقله عن ابنه في المقنع. أقول و بهذه العبارة عبر في الفقيه. و ممن نقل عنه القول المذكور في المختلف أيضا الشيخ في الجمل و الخلاف و المبسوط و السيد المرتضى في الجمل. و نقل في المختلف عن الشيخ المفيد القول بعدم الوجوب و نسبة القول بالوجوب إلى الرواية في الصورة المذكورة، و نقل القول بالعدم أيضا عن الشيخ في النهاية و ابن إدريس و اختاره و هو المشهور بين المتأخرين و من ما يدل على القول بعدم الوجوب في الصورة المذكورة إطلاق الأخبار الدالة على أن السبائك و الحلي ليس فيه زكاة «2» و ما تقدم من الأخبار الدالة على اشتراط النقش بسكة المعاملة في الوجوب «3».
و خصوص‌
صحيحة عمر بن يزيد «4» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام رجل
______________________________
(1) الوسائل الباب 17 من زكاة الذهب و الفضة.
(2) الوسائل الباب 8 و 9 و 11 من زكاة الذهب و الفضة.
(3) الوسائل الباب 8 من زكاة الذهب و الفضة.
(4) الوسائل الباب 11 من زكاة الذهب و الفضة.

96
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السابعة عدم وجوب الزكاة في السبائك و نحوها و حكم الفرار بذلك من الزكاة ج 12 ص 96

فر بماله من الزكاة فاشترى به أرضا أو دارا أ عليه فيه شي‌ء؟ فقال لا و لو جعله حليا أو نقرا فلا شي‌ء عليه. و ما منع نفسه من فضله أكثر من ما منع من حق اللّٰه الذي يكون فيه».
و رواية علي بن يقطين عن أبي إبراهيم عليه السلام «1» قال «قلت له إنه يجتمع عندي الشي‌ء الكثير قيمته فيبقى نحوا من سنة أ نزكيه؟ قال لا كل ما لم يحل عليه عندك الحول فليس عليك فيه زكاة، و كل ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي‌ء. قال قلت و ما الركاز؟ قال الصامت المنقوش. ثم قال إذا أردت ذلك فاسبكه فإنه ليس في سبائك الذهب و نقار الفضة شي‌ء من الزكاة».
و حسنة هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال «قلت له إن أخي يوسف ولي لهؤلاء القوم أعمالا أصاب فيها أموالا كثيرة و إنه جعل ذلك المال حليا أراد أن يفر به من الزكاة أ عليه الزكاة؟ قال ليس على الحلي زكاة، و ما أدخل على نفسه من النقصان في وضعه و منعه نفسه فضله أكثر من ما يخاف من الزكاة».
و صحيحة علي بن يقطين «3» قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن المال الذي لا يعمل به و لا يقلب؟ قال يلزمه الزكاة في كل سنة إلا أن يسبك».
و روى في كتاب العلل عن يونس بن عبد الرحمن عن أبي الحسن- يعني علي بن يقطين- عن أبي إبراهيم عليه السلام «4» قال: «لا تجب الزكاة في ما سبك. قلت فإن كان سبكه فرارا من الزكاة؟ فقال أ لا ترى أن المنفعة قد ذهبت منه فلذلك لا تجب فيه الزكاة».
و رواه البرقي في كتاب المحاسن مثله «5».
و من ما يدل على القول الآخر جملة من الأخبار: منها-
موثقة محمد بن مسلم «6» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الحلي فيه زكاة؟ قال لا إلا ما فر به من الزكاة».
______________________________
(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الذهب و الفضة.
(2) الوسائل الباب 11 من زكاة الذهب و الفضة.
(3) الوسائل الباب 8 من زكاة الذهب و الفضة.
(4) الوسائل الباب 11 من زكاة الذهب و الفضة.
(5) الوسائل الباب 11 من زكاة الذهب و الفضة.
(6) الوسائل الباب 11 من زكاة الذهب و الفضة.

97
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السابعة عدم وجوب الزكاة في السبائك و نحوها و حكم الفرار بذلك من الزكاة ج 12 ص 96

و في الموثق عن إسحاق بن عمار «1» قال: «سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن رجل له مائة درهم و عشرة دنانير أ عليه زكاة؟ فقال إن كان فر بها من الزكاة فعليه الزكاة. قلت لم يفر بها ورث مائة درهم و عشرة دنانير؟ قال ليس عليه زكاة. الحديث».
و عن معاوية بن عمار في القوي بل الحسن عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال:
«قلت له الرجل يجعل لأهله الحلي من مائة دينار و المائتي دينار و أراني قد قلت ثلاثمائة فعليه الزكاة؟ قال ليس عليه فيه زكاة. قلت فإنه فر به من الزكاة؟ فقال إن كان فر به من الزكاة فعليه الزكاة و إن كان إنما فعله ليتجمل به فليس عليه زكاة».
و رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب معاوية بن عمار مثله «3» فيكون الحديث صحيحا.
أقول: و يدل على ذلك ما‌
في كتاب الفقه الرضوي «4» حيث قال عليه السلام «و ليس في السبائك زكاة إلا أن يكون فر به من الزكاة فإن فررت به من الزكاة فعليك فيه زكاة».
و بهذه العبارة عبر الشيخ علي بن بابويه في ما تقدم نقله عن المختلف و بها عبر ابنه في الفقيه و الظاهر أنها كذلك في المقنع.
و العجب منه (قدس سره) في الفقيه أنه بعد أن ذكر هذه العبارة الدالة كما ترى على وجوب الزكاة مع قصد الفرار نقل بعد ورقة تقريبا صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة التي هي كما عرفت من أدلة القول بعدم الوجوب.
و كيف كان فمن هذه العبارة يعلم أن مستند الصدوقين في هذا الحكم هو الكتاب المذكور كما نبهنا عليه مرارا و إن كانت الأخبار الأخر دالة على ذلك، و الظاهر أن إيثارهما التعبير بعبارة الكتاب لمزيد الاعتماد عليه زيادة على غيره من كتب الأخبار‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 5 من زكاة الذهب و الفضة.
(2) الوسائل الباب 9 و 11 من زكاة الذهب و الفضة.
(3) الوسائل الباب 9 و 11 من زكاة الذهب و الفضة.
(4) ص 23.

98
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السابعة عدم وجوب الزكاة في السبائك و نحوها و حكم الفرار بذلك من الزكاة ج 12 ص 96

كما يدل عليه أيضا عدولهما إلى القول بما فيه مع مخالفته لأكثر الأخبار في جملة من المواضع حتى إن الأصحاب ينسبون تلك الأقوال إلى الشذوذ كما مر و سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الشيخ في كتابي الأخبار قد حمل هذه الأخبار الأخيرة تارة على الاستحباب و تارة على الفرار بعد أن حال الحول.
و استدل على الثاني‌
بما رواه عن زرارة في الموثق «1» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام إن أباك قال من فر بها من الزكاة فعليه أن يؤديها؟ قال صدق أبي إن عليه أن يؤدي ما وجب عليه و ما لم يجب عليه فلا شي‌ء عليه منه. ثم قال لي أ رأيت لو أن رجلا أغمي عليه يوما ثم مات فذهبت صلاته أ كان عليه و قد مات أن يؤديها؟ قلت لا. قال إلا أن يكون أفاق من يومه. ثم قال لي أ رأيت لو أن رجلا مرض في شهر رمضان ثم مات فيه أ كان يصام عنه؟ قلت لا. قال و كذلك الرجل لا يؤدي عن ماله إلا ما حال عليه الحول».
و جملة المتأخرين حيث اختاروا عدم وجوب الزكاة مع الفرار تبعوا الشيخ في حمل هذه الأخبار فبعضهم اختار الحمل على الاستحباب و بعضهم الحمل على ما إذا كان الفرار بعد الحول.
و عندي في كلا الحملين نظر: أما الحمل على الاستحباب فلما أشرت إليه في غير موضع من أنه و إن اشتهر العمل به بين الأصحاب في الجمع بين الأخبار إلا أنه- مع كونه لا دليل عليه من الأخبار و ليس من القواعد المروية عن الأئمّة الأطهار (صلوات اللّٰه عليهم) في الجمع بين الأخبار- مردود بأن الحمل على الاستحباب مع ظهور الأدلة في الوجوب مجاز لا يصار إليه إلا مع القرينة، و اختلاف الأخبار ليس من قرائن المجاز و إن كان قد جرت عادتهم في أبواب الفقه من أوله إلى آخره بحمل الأوامر في مقام الجمع على الاستحباب و النواهي على الكراهة إلا أنه من‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 11 من زكاة الذهب و الفضة.

99
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السابعة عدم وجوب الزكاة في السبائك و نحوها و حكم الفرار بذلك من الزكاة ج 12 ص 96

قبيل رب مشهور لا أصل له و رب متأصل ليس بمشهور.
و أما الحمل على القرار بعد الوجوب ففيه أن ظواهر تلك الأخبار تأباه و لا ترضاه، حيث إنها ظاهرة في كون الفرار قبل وقت الوجوب كما هو المدعى منها و المستدل بها عليه، مثل‌
رواية معاوية بن عمار «1» و قوله في آخرها «إن كان فر به من الزكاة فعليه الزكاة و إن كان إنما فعله ليتجمل به فليس عليه زكاة».
فإنه متى جعل محل التقسيم بعد تمام الحول و وجوب الزكاة اقتضى سقوط الزكاة عن من فعله ليتجمل به مع أنه لا قائل به بل الاتفاق على الوجوب. و لا جائز أن يحمل الفرار على ما بعد الحول و قصد التجمل على ما قبله لأنه يصير الكلام متهافتا منحل الزمام مختل النظام يجل عنه كلام الإمام الذي هو إمام الكلام كما هو بحمد اللّٰه ظاهر لذوي الأذهان و الأفهام. و نحو ذلك مفهوم الشرط في موثقة إسحاق بن عمار و قوله فيها «إن كان فر به من الزكاة فعليه الزكاة» و مثله مفهوم عبارة كتاب الفقه الرضوي، فإن مفهومهما الشرطي الذي هو حجة عند المحققين أنه إن لم يقصد الفرار فليس عليه زكاة، و هو باطل قطعا لما عرفت من أن التصرف في النصاب بعد حول الحول بالتغيير و التبديل أو السبك و غير ذلك لا يسقط الزكاة. و هكذا موثقة محمد بن مسلم فإن نفيه عليه السلام الزكاة عن الحلي محمول على ما قبل الحول البتة و قبل وجوب الزكاة و حينئذ فيكون هو محل الاستثناء.
و بالجملة فظهور هذه الأخبار في وجوب الزكاة بعد الحول مع قصد الفرار قبل تمام الحول من ما لا يستطاع أن ينكر كما لا يخفى على من تأمل بعين الإنصاف و نظر و ما أوردوه دليلا على هذا الحمل ليس فيه دلالة كما ادعوه و إنما غايته الدلالة على ما دلت عليه الأخبار الأولة و إن كان بوجه أوضح، و حيث كانت العبارة التي نقلها الراوي عن أبيه عليه السلام مجملة لا تفصيل فيها مثل الأخبار التي ذكرناها تأولها و حملها على الأخبار الأولة، و هو جيد بناء على العمل بظاهر تلك الأخبار.
______________________________
(1) ص 98.

100
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السابعة عدم وجوب الزكاة في السبائك و نحوها و حكم الفرار بذلك من الزكاة ج 12 ص 96

و ليعلم أن الموثقة التي رواها الشيخ هنا قد رواها الكليني في الصحيح عندنا و الحسن على المشهور في جملة حديث طويل مشتمل على جمل من الإشكال و أنا أذكر الرواية من أولها إلى آخرها و أبين منها ما وصل إليه فهمي القاصر و ذهني الفاتر و هي‌
ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد اللّٰه عن زرارة «1» قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام رجل كان عنده مائتا درهم غير درهم أحد عشر شهرا ثم أصاب درهما بعد ذلك في الشهر الثاني عشر فكملت عنده مائتا درهم أ عليه زكاتها؟ قال لا حتى يحول عليه الحول و هي مائتا درهم، فإن كانت مائة و خمسين درهما فأصاب خمسين بعد أن يمضي شهر فلا زكاة عليه حتى يحول على المائتين الحول. قلت له فإن كانت عنده مائتا درهم غير درهم فمضى عليه أيام قبل أن ينقضي الشهر ثم أصاب درهما فأتى على الدراهم مع الدرهم حول أ عليه زكاة؟
فقال نعم و إن لم يمض عليها جميعا الحول فلا شي‌ء عليه فيها.
قال و قال زرارة و محمد بن مسلم قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام أيما رجل كان له مال و حال عليه الحول فإنه يزكيه. قلت فإن وهبه قبل حله بشهر أو بيوم؟ قال ليس عليه شي‌ء أبدا. قال و قال زرارة عنه عليه السلام إنه قال إنما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوما في إقامته ثم خرج في آخر النهار في سفر فأراد بسفره ذلك إبطال الكفارة التي وجبت عليه. و قال إنه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة و لكنه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز و لم يكن عليه شي‌ء بمنزلة من خرج ثم أفطر، إنما لا يمنع ما حال عليه فأما ما لم يحل فله منعه و لا يحل له منع مال غيره في ما قد حل عليه. قال زرارة قلت له رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا بها من الزكاة فعل ذلك قبل حلها بشهر؟ فقال إذا حل الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول و وجبت عليه فيها الزكاة. قلت فإن أحدث فيها قبل الحول؟ قال جائز ذلك له. قلت إنه فر بها من الزكاة؟ قال ما أدخل على نفسه أعظم من ما منع من زكاتها. فقلت له إنه يقدر عليها؟ فقال و ما
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 و 12 و 11 من زكاة الذهب و الفضة.

101
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السابعة عدم وجوب الزكاة في السبائك و نحوها و حكم الفرار بذلك من الزكاة ج 12 ص 96

علمه أنه يقدر عليها و قد خرجت من ملكه؟ قلت فإنه دفعها إليه على شرط؟ فقال إنه إذا سماها هبة جازت الهبة و سقط الشرط و ضمن الزكاة. قلت و كيف يسقط الشرط و تمضي الهبة و يضمن الزكاة؟ فقال هذا شرط فاسد و الهبة المضمونة ماضية و الزكاة لازمة له عقوبة. ثم قال إنما ذلك له إذا اشترى بها دارا أو أرضا أو متاعا.
قال قلت له إن أباك قال لي من فر بها من الزكاة فعليه أن يؤديها؟ فقال صدق أبي عليه أن يؤدي ما وجب عليه و ما لم يجب فلا شي‌ء عليه فيه. ثم قال أ رأيت لو أن رجلا أغمي عليه يوما ثم مات فذهبت صلاته أ كان عليه و قد مات أن يؤديها؟
قلت لا إلا أن يكون أفاق من يومه. ثم قال لو أن رجلا مرض في شهر رمضان ثم مات فيه أ كان يصام عنه؟ قلت لا. قال فكذلك الرجل لا يؤدي عن ماله إلا ما حال عليه الحول».
أقول: قوله عليه السلام «نعم»- في جواب السؤال عن من كانت عنده مائتا درهم غير درهم فمضى عليه أيام ثم أصاب درهما فأتى على الدراهم مع الدرهم حول فعليه الزكاة- من ما يدل بظاهره على أن المعتبر في الحول مرور الأحد عشر شهرا من غير اعتبار الأيام، فمتى اجتمع النصاب و حصل في أثناء الشهر و إن كان في أيام متفرقة عد ذلك شهرا أولا من غير اعتبار الأيام و ملاحظتها في النقصان و التمام. و الظاهر إنه كذلك عند الأصحاب و إن لم أقف لهم على كلام في هذا الباب إلا أنه لم يتعرض أحد منهم للقول بالتلفيق من الشهر الأخير.
قوله عليه السلام: «أيما رجل كان له مال و حال عليه الحول فإنه يزكيه» الظاهر كما استظهره في الوافي أيضا أنه سقط من هذه العبارة «ثم وهبه» قبل قوله «فإنه يزكيه» كما يشير إليه قول الراوي بعد هذا الكلام «فإن وهبه قبل حله» و لعله ترك لقرينة دلالة المقام من دلالة ما بعده على ذلك، و كيف كان فلا بد من تقدير.
قوله عليه السلام «إنما هذا بمنزلة رجل. إلى آخره» اسم الإشارة هنا يرجع إلى قوله «أيما رجل.» و حاصله تشبيه الفار من الزكاة بعد أن حال عليه الحول بمن‌

102
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السابعة عدم وجوب الزكاة في السبائك و نحوها و حكم الفرار بذلك من الزكاة ج 12 ص 96

أفطر في شهر رمضان متعمدا و وجبت عليه الكفارة ثم سافر في نهاره ذلك لإسقاط الكفارة بعد ما تحقق وجوبها فإنه غير نافع في سقوطها، و الحال كذلك في من حال على ماله الحول و وجبت فيه الزكاة ثم وهبه فرارا من الزكاة فإن ذلك لا يسقط الزكاة بعد وجوبها، و كما أن هذه الحيلة في الصيام لا تفيد نفعا في سقوط الكفارة كذلك في الزكاة، بخلاف من وهب ماله قبل الحول فإن حيلته تفيد سقوط الزكاة، كمن سافر في شهر رمضان قاصدا بسفره التوصل إلى الإفطار فإنه يجوز له الإفطار و لا كفارة.
قوله عليه السلام: «إنما لا يمنع ما حال عليه.» الظاهر أن معناه أن المال الذي لا يمنع الفرار من إخراج الزكاة منه هو المال الذي حال عليه الحول بل تجب عليه الزكاة البتة إذ لا يحل له منع مال غيره و هو حصة أرباب الزكاة بخلاف ما لم يحل عليه الحول.
قوله: «قال زرارة قلت له رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه» هذا هو مستند الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في جعل الحول الشرعي أحد عشر شهرا. و مثله قوله سابقا: «و قال إنه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة» و قد عرفت سابقا ما فيه و لا سيما معارضة صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة «1» لذلك.
قوله: «قلت إنه فر بها من الزكاة؟ قال ما أدخل على نفسه أعظم من ما منع» صريح الدلالة في ما ذهب إليه من جوز الفرار قبل الحول و أنه غير موجب للزكاة كما يدعيه أهل القول الآخر، فهو من جملة أدلة القول المشار إليه.
قوله: «قلت له إنه دفعها إليه على شرط» لا يخفى ما فيه من الغموض و الإشكال الذي تحيرت فيه فحول الرجال، و ذلك فإن هذا الشرط المذكور غير معلوم بأيّ معنى هو، و ما ذكر أيضا من ضمان الزكاة على تقدير الهبة- و الحال أن الهبة إنما‌
______________________________
(1) ص 75.

103
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السابعة عدم وجوب الزكاة في السبائك و نحوها و حكم الفرار بذلك من الزكاة ج 12 ص 96

وقعت قبل الحول كما هو مقتضى سياق الكلام- مناف لما تقدم من أنه لا يلزمه زكاة في هذه الحال، و وجه لزوم الزكاة هنا عقوبة إن أريد به من حيث قصد الفرار فهو مناف لما تقدم من الجواز و عدم الزكاة و إلا فلا يعلم لهذه العقوبة سبب.
و الفرق في ذلك- بين الهبة و شراء الدار و الأرض و المتاع مع قصد الفرار في الجميع- غير ظاهر.
و أما حمل الكلام على ما إذا كانت الهبة بعد الحول كما صار إليه بعض محققي متأخري المتأخرين فهو بعيد عن سياق الكلام، و لا يلائمه أيضا كون الزكاة عقوبة لأنها حينئذ واجبة بأصل الشرع، و لا يلائمه أيضا الفرق بين الهبة و شراء الدار و نحوها.
و يمكن أن يقال- و اللّٰه سبحانه و قائله أعلم بحقيقة الحال- إن المعنى إنه لما أخبر عليه السلام بأنه متى وهبها قبل الحول فرارا من الزكاة فلا شي‌ء عليه قال له الراوي إنه يقدر على أخذها بعد حول الحول، أجابه عليه السلام بأنه كيف يقدر عليها و قد خرجت من ملكه بالهبة؟ قال له الراوي إنه وهبها بشرط يقتضي رجوعه فيها متى أراد، فأجابه عليه السلام متى كان كذلك فالهبة صحيحة و هذا الشرط فاسد لمنافاته الهبة و تجب عليه الزكاة حينئذ عقوبة لهذا الشرط.
ثم إنه فرق بين الهبة على هذه الكيفية و بين شراء الدار و نحوها باعتبار أنه في الهبة شرط رجوعها فهذا الشرط أوجب عليه العقوبة بوجوب الزكاة و أما الشراء و نحوه فإنه من الأمور السائغة الجائزة و الحال أن الشراء وقع قبل الحول كما هو المفروض.
قوله: «قال زرارة قلت له إن أباك.» الظاهر أنه رجوع إلى الكلام الأول و لا تعلق له بهذه الجملة المتوسطة التي هي محل الإشكال، حيث إن مقتضى الكلام الأول أن الفرار قبل الحول غير موجب للزكاة، و مراده أن ما ذكرته من عدم الزكاة على من قصد الفرار قبل الحول مناف لما قال أبوك من أن من فر بها من‌

104
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السابعة عدم وجوب الزكاة في السبائك و نحوها و حكم الفرار بذلك من الزكاة ج 12 ص 96

الزكاة فعليه أن يؤديها، أجابه عليه السلام بأن كلام أبي ليس صريحا في ما تدعيه و إنما مراده من قصد الفرار بعد الحول و الوجوب فعليه أن يؤدي ما وجب عليه.
و جملة من المتأخرين حملوا تلك الروايات الأخيرة الدالة على وجوب الزكاة متى قصد الفرار على هذه الرواية بمعنى الوجوب بعد الحول.
و فيه ما عرفت آنفا من ظهور تلك الروايات في المعنى الذي ذهب إليه من استدل بها و أنها ظاهرة في كون قصد الفرار قبل الحول، و هو الذي فهمه جملة القائلين بمضمونها، و كذا القائلين بحملها على الاستحباب فإنه لو لا ظهورها في ذلك لما كان لهذا الاستحباب معنى.
و بالجملة فالمسألة لا تخلو من الإشكال لظهور أخبار الطرفين في كل من القولين و الظاهر أن أخبار أحد الطرفين إنما خرجت مخرج التقية و إن كان العامة في ذلك على قولين أيضا، فذهب مالك و أحمد إلى الوجوب و الشافعي و أبو حنيفة إلى عدم الوجوب «1» إلا أنه غير معلوم عندي كون التقية في أي الطرفين.
و السيد المرتضى (قدس سره) في الانتصار لما اختار القول بالوجوب كما تقدم في مسألة معاوضة بعض الأنعام ببعض حمل أخبار عدم الوجوب على التقية إلا أن للخصم أيضا أن يحمل أخبار الوجوب على ذلك أيضا.
و يمكن ترجيح ما ذكره (قدس سره) بأن مذهب أبي حنيفة في زمانه كان مشهورا معمولا عليه بين خلفاء الجور و قضاة ذلك الوقت، و تلامذته المروجون لمذهبه مثل أبي يوسف و نحوه مشهورون أيضا، و أما أحمد و مالك فإنهما في ذلك الوقت ليسا إلا كسائر العلماء ليس لهما مذهب مشهور و لا قول مذكور و إنما وقع الاصطلاح على مذهبهما مع ذينك الآخرين في الأعصار الأخيرة في ما يقرب من السنة الستمائة كما ذكره علماء الفريقين و بيناه في كتاب سلاسل الحديد. و بذلك يظهر‌
______________________________
(1) في المغني ج 3 ص 11 «ما اتخذ حلية فرارا من الزكاة لا يسقط عنه» و في المهذب للشيرازي الشافعي ج 1 ص 355 ما يظهر منه عدم الوجوب و كذا في البدائع للكاساني الحنفي ج 2 ص 15.

105
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السابعة عدم وجوب الزكاة في السبائك و نحوها و حكم الفرار بذلك من الزكاة ج 12 ص 96

قوة القول بالوجوب، و يعضده الاحتياط أيضا. و اللّٰه العالم.
المطلب الثالث في زكاة الغلات
، و الكلام في هذا المطلب يقع في مقامات:
المقام الأول [هل تجب الزكاة في غير الغلات الأربع؟]
- لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في وجوب الزكاة في الغلات الأربع المشهورة و هي التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير، إنما الخلاف في ما زاد على هذه الأربع من ما دخله الكيل و الوزن كالأرز و الدخن و السمسم و نحوها، فالأشهر الأظهر إنه لا زكاة فيها، و نقل عن ابن الجنيد القول بالوجوب فيها، و حكاه الكليني و الشيخ عن يونس بن عبد الرحمن من قدماء أصحابنا.
و من ما يدل على المشهور‌
صحيحة الفضلاء الحسنة على المشهور عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السلام) «1» قالا: «فرض اللّٰه الزكاة مع الصلاة في الأموال و سنها رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله في تسعة أشياء و عفا عن ما سواهن: في الذهب و الفضة و الإبل و البقر و الغنم و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و عفا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله عن ما سوى ذلك».
و في الموثق عن زرارة «2» قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن صدقات الأموال فقال في تسعة أشياء ليس في غيرها شي‌ء: في الذهب و الفضة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الإبل و البقر و الغنم السائمة و هي الراعية. الحديث».
و في الموثق عن زرارة و بكير ابني أعين عن أبي جعفر عليه السلام «3» قال: «ليس في شي‌ء أنبتت الأرض من الأرز و الذرة و الحمص و العدس و سائر الحبوب و الفواكه غير هذه الأربعة الأصناف و إن كثر ثمنه زكاة إلا أن يصير مالا يباع بذهب أو فضة تكنزه ثم يحول عليه الحول و قد صار ذهبا أو فضة فتؤدى عنه من كل مائتي درهم خمسة دراهم و من كل عشرين دينارا نصف دينار».
و في الموثق عن عبد اللّٰه بن بكير عن محمد بن الطيار «4» قال: «سألت
______________________________
(1) الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 9 من ما تجب فيه الزكاة.
(4) الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة.

106
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الأول هل تجب الزكاة في غير الغلات الأربع ج 12 ص 106

أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن ما تجب فيه الزكاة فقال في تسعة أشياء: الذهب و الفضة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الإبل و البقر و الغنم، و عفا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله عن ما سوى ذلك. فقلت أصلحك اللّٰه فإن عندنا حبا كثيرا؟ قال فقال و ما هو؟ قلت الأرز قال نعم ما أكثره. فقلت أ فيه الزكاة؟ قال فزبرني، قال ثم قال أقول لك إن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله عفا عن ما سوى ذلك و تقول لي إن عندنا حبا كثيرا أ فيه الزكاة؟».
إلى غير ذلك من الأخبار التي يضيق بنقلها المقام.
و أما ما يدل على القول الثاني فأخبار عديدة: منها-
صحيحة علي بن مهزيار «1» قال «قرأت في كتاب عبد اللّٰه بن محمد إلى أبي الحسن عليه السلام جعلت فداك روي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام أنه قال وضع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله الزكاة على تسعة أشياء:
الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الذهب و الفضة و الغنم و البقر و الإبل و عفا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله عن ما سوى ذلك. فقال له القائل عندنا شي‌ء كثير يكون أضعاف ذلك؟ فقال و ما هو؟ فقال له الأرز. فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام أقول لك إن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله وضع الزكاة على تسعة أشياء و عفا عن ما سوى ذلك و تقول عندنا أرز و عندنا ذرة و قد كانت الذرة على عهد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله؟ فوقع عليه السلام كذلك هو و الزكاة على كل ما كيل بالصاع».
و كتب عبد اللّٰه و روى غير هذا الرجل عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» «أنه سأله عن الحبوب فقال و ما هي؟ فقال السمسم و الأرز و الدخن، و كل هذا غلة كالحنطة و الشعير. فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام في الحبوب كلها زكاة».
و روي أيضا عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» أنه قال: «كل ما دخل القفيز فهو يجري مجرى الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب. قال فأخبرني جعلت فداك هل على هذا الأرز و ما أشبهه من الحبوب و الحمص و العدس زكاة؟ فوقع عليه السلام صدقوا الزكاة في كل شي‌ء كيل».
______________________________
(1) الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 9 من ما تجب فيه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 9 من ما تجب فيه الزكاة.

107
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الأول هل تجب الزكاة في غير الغلات الأربع ج 12 ص 106

و ما رواه في الكافي عن أبي مريم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «سألته عن الحرث ما يزكى منه؟ فقال البر و الشعير و الذرة و الأرز و السلت و العدس كل هذا من ما يزكى. و قال كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة».
و ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن محمد بن مسلم «2» قال: «سألته عن الحبوب ما يزكى منها؟ فقال البر و الشعير و الذرة و الدخن و الأرز و السلت و العدس و السمسم كل هذا يزكى و أشباهه».
و رواه في الكافي و التهذيب عن حريز عن زرارة مثله «3» و قال: كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة.
قال: و جعل رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله الصدقة في كل شي‌ء أنبتته الأرض إلا الخضر و البقول و كل شي‌ء يفسد من يومه.
و ما رواه في التهذيب في الموثق عن أبي بصير «4» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام هل في الأرز شي‌ء؟ فقال نعم، ثم قال إن المدينة لم تكن يومئذ أرض أرز فيقال فيه و لكنه قد حصل فيه، كيف لا يكون فيه و عامة خراج العراق منه؟».
إلى غير ذلك من الأخبار إلا أنها أقل عددا من الأولى.
و الأصحاب قد جمعوا بين الأخبار بحمل هذه الأخبار الأخيرة على الاستحباب كما هي قاعدتهم و عادتهم في جميع الأبواب، و قد عرفت ما فيه في غير مقام.
و الأظهر عندي حمل هذه الأخبار الأخيرة على التقية التي هي في اختلاف الأحكام الشرعية أصل كل بلية، فإن القول بوجوب الزكاة في هذه الأشياء مذهب الشافعي و أبي حنيفة و مالك و أبي يوسف و محمد «5» كما نقله في المنتهى.
و يدل على ذلك‌
ما رواه الصدوق (عطر اللّٰه مرقده) في كتاب معاني الأخبار بإسناده عن أبي سعيد القماط عن من ذكره عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «6»: «أنه سئل عن
______________________________
(1) الوسائل الباب 9 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 9 من ما تجب فيه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 9 من ما تجب فيه الزكاة.
(4) الوسائل الباب 9 من ما تجب فيه الزكاة.
(5) الأم ج 2 ص 29 و بدائع الصنائع ج 2 ص 59 و المدونة ج 1 ص 288.
(6) الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة.

108
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الأول هل تجب الزكاة في غير الغلات الأربع ج 12 ص 106

الزكاة فقال وضع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله الزكاة على تسعة و عفا عن ما سوى ذلك:
الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الذهب و الفضة و البقر و الغنم و الإبل. فقال السائل: و الذرة؟ فغضب عليه السلام ثم قال كان و اللّٰه على عهد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله السماسم و الذرة و الدخن و جميع ذلك. فقال إنهم يقولون إنه لم يكن ذلك على عهد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و إنما وضع على تسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك؟ فغضب و قال كذبوا فهل يكون العفو إلا عن شي‌ء قد كان، فلا و اللّٰه لا أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر».
و هو كما ترى صريح الدلالة في قول المخالفين يومئذ بوجوب الزكاة في هذه الأشياء فيجب حمل ما دل على ذلك في ما عدا التسعة على التقية.
و من ما يستأنس به لذلك صحيحة علي بن مهزيار المتقدمة حيث إنه أقر السائل على ما نقله عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في صدر الخبر من تخصيص الوجوب بالتسعة المذكورة و العفو عن ما سواها و إنكاره على السائل لما راجعه في الأرز و مع هذا قال له «الزكاة في كل ما كيل بالصاع» فلو لم يحمل كلامه (عليه السلام) على التقية للزم التناقض بين الكلامين و هو من ما يجل عنه، و هذا بحمد اللّٰه ظاهر لكل ناظر و لو كان ما يدعونه حقا من أن أخبار الوجوب إنما خرجت عنهم (عليهم السلام) مرادا بها الاستحباب و أنه لا تناقض و لا تدافع بين الأخبار في هذا الباب لما خفي هذا المعنى على أصحاب الأئمّة المعاصرين لهم (عليهم السلام) و لما احتاجوا إلى عرض هذه الأخبار المنقولة عن المتقدمين على المتأخرين منهم (عليهم السلام) و مع تسليم خفاء ذلك عليهم فالأظهر في الجواب هنا لما عرض السائل عليه اختلاف الأخبار أن يقال إن هذه الأخبار ليست مختلفة كما توهمت بل المراد بما ظاهره الوجوب في ما عدا التسعة إنما هو الاستحباب لا أنه (عليه السلام) يقر السائل على الحصر في التسعة كما عرفت و مع هذا يوجب عليه إخراج الزكاة في ما زاد على التسعة و يقرره على ما نقله من الأخبار الدالة على الوجوب بقوله «صدقوا الزكاة في كل شي‌ء كيل» و جميع هذا بحمد اللّٰه سبحانه ظاهر لمن نظر بعين الإنصاف‌

109
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الأول هل تجب الزكاة في غير الغلات الأربع ج 12 ص 106

و جانب التعصب و الاعتساف «1».
و أما ما نقل عن يونس بن عبد الرحمن في الجمع بين الأخبار من حمل أخبار التسعة على صدر الإسلام و حمل ما زاد عليها على ما بعد ذلك ففيه ما ذكره الشيخ (قدس سره) حيث قال بعد حمل الأخبار على الاستحباب: و لا يمكن حمل هذه الأخبار يعني ما دل على التسعة على ما ذهب إليه يونس بن عبد الرحمن من أن هذه التسعة كانت الزكاة عليها في أول الإسلام ثم أوجب اللّٰه تعالى بعد ذلك في غيرها من الأجناس، لأن الأمر لو كان كما ذكره لما قال الصادق (عليه السلام) عفا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله عن ما سوى ذلك لأنه إذا أوجب في ما عدا هذه التسعة أشياء بعد إيجابه في التسعة لم يبق شي‌ء معفو عنه، فهذا القول واضح البطلان. انتهى و هو جيد. و بالجملة فالحمل على التقية في هذا المقام من ما لا يعتريه نقض و لا إبرام.
المقام الثاني [اعتبار النصاب في زكاة الغلات و تعيين مقداره]
- لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في اشتراط النصاب في زكاة الغلات و أنه خمسة أوسق و الوسق ستون صاعا.
و يدل عليه روايات عديدة: منها-
صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «2» قال:
«ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق- و الوسق ستون صاعا فذلك ثلاثمائة صاع- ففيه العشر، و ما كان منه يسقى بالرشاء و الدوالي و النواضح ففيه نصف العشر، و ما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر تاما، و ليس في ما دون الثلاثمائة صاع شي‌ء، و ليس في ما أنبتت الأرض شي‌ء إلا في هذه الأربعة أشياء».
و صحيحة سعد بن سعد «3» قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن أقل ما يجب
______________________________
(1) قوله «و لو كان ما يدعونه حقا. إلى هنا» أخذناه من النسخة الخطية و ليس في المطبوعة نعم فيها علامة على قوله «و هذا بحمد اللّٰه ظاهر لكل ناظر» ربما تشير إلى نقص في العبارة.
(2) الوسائل الباب 1 من زكاة الغلات.
(3) الوسائل الباب 1 من زكاة الغلات.

110
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثاني اعتبار النصاب في زكاة الغلات و تعيين مقداره ج 12 ص 110

فيه الزكاة من البر و الشعير و التمر و الزبيب؟ فقال خمسة أوساق بوسق النبي صلى اللّٰه عليه و آله فقلت كم الوسق؟ فقال ستون صاعا. فقلت و هل على العنب زكاة أو إنما تجب عليه إذا صيره زبيبا؟ قال نعم إذا خرصه أخرج زكاته».
و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «1» قال: «ليس في ما دون خمسة أوساق شي‌ء و الوسق ستون صاعا».
إلى غير ذلك من الأخبار المستفيضة.
و لا نصاب آخر بعد هذا إجماعا بل كل ما زاد على هذا النصاب قليلا كان أو كثيرا فإنه يجب أن يزكى.
و ربما استدل على ذلك‌
بموثقة إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السلام «2» قال:
«سألته عن الحنطة و التمر عن زكاتهما فقال العشر و نصف العشر: العشر من ما سقت السماء و نصف العشر من ما سقي بالسواني. فقلت ليس عن هذا أسألك إنما أسألك عن ما خرج منه قليلا كان أو كثيرا أ له حد يزكى ما خرج منه؟ فقال يزكى ما خرج منه قليلا كان أو كثيرا من كل عشرة واحد و من كل عشرة نصف واحد. قلت فالحنطة و التمر سواء؟ قال نعم».
بحمل الخبر المذكور على أن المراد بالقليل و الكثير يعني ما بعد الخمسة أوساق، و لا بأس به.
و أما ما ورد في شواذ الأخبار من أن النصاب وسق كما في بعض أو وسقان كما في آخر «3» فقد حمله الشيخ و من تأخر عنه على الاستحباب، و الأظهر الحمل على التقية و إن لم يكن بذلك مصرح من العامة مع أن أبا حنيفة لا يعتبر النصاب بل يوجب الزكاة في كل ما خرج قليلا كان أو كثيرا «4» و منه يعلم أيضا قرب حمل موثقة إسحاق ابن عمار المتقدمة على التقية و إن كان الشيخ و أتباعه حملوها على ما قدمناه. و احتملوا‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من زكاة الغلات.
(2) التهذيب ج 1 ص 352 و في الوسائل 4 و 3 من زكاة الغلات.
(3) الوسائل الباب 3 من زكاة الغلات.
(4) بدائع الصنائع ج 2 ص 59.

111
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثاني اعتبار النصاب في زكاة الغلات و تعيين مقداره ج 12 ص 110

أيضا حملها على الاستحباب.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في أن الصاع أربعة أمداد و عليه تدل جملة من الأخبار: منها-
صحيحة عبد اللّٰه بن سنان الواردة في الفطرة «1» حيث قال فيها «صاع من تمر أو صاع من شعير و الصاع أربعة أمداد».
و نحوها صحيحة الحلبي «2».
و صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «3» قال: «كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله يتوضأ بمد و يغتسل بصاع، و المد رطل و نصف و الصاع ستة أرطال».
و مقتضاها أن الصاع أربعة أمداد.
و قد ذكروا أيضا تقدير الصاع بالأرطال و أنه ستة أرطال بالمدني و تسعة بالعراقي، و تدل عليه‌
رواية جعفر بن إبراهيم بن محمد الهمداني الواردة في زكاة الفطرة عن أبي الحسن عليه السلام «4» و فيها «الصاع ستة أرطال بالمدني و تسعة أرطال بالعراقي و أخبرني أنه يكون بالوزن ألفا و مائة و سبعين وزنة».
و رواية علي بن بلال «5» قال «كتبت إلى الرجل عليه السلام أسأله عن الفطرة و كم تدفع؟ قال فكتب ستة أرطال من تمر بالمدني و ذلك تسعة أرطال بالبغدادي».
و من ذلك علم المد و أنه رطلان و ربع بالعراقي و رطل و نصف رطل بالمدني، و قدر أيضا بالدراهم و هو ألف و مائة و سبعون درهما كما تضمنته رواية الهمداني المتقدمة أيضا و إن عبر عن الدرهم بالوزنة، و قد روى هذا الخبر في كتاب عيون الأخبار «6» و ذكر الدرهم عوض الوزنة.
و أما الرطل فالمدني منه ما كان وزنه مائة و خمسة و تسعين درهما، و أما العراقي‌
______________________________
(1) التهذيب ج 1 ص 371 و في الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.
(2) التهذيب ج 1 ص 371 و في الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.
(3) الوسائل الباب 50 من الوضوء.
(4) الوسائل الباب 7 من زكاة الفطرة.
(5) الوسائل الباب 7 من زكاة الفطرة.
(6) ص 172 و في الوسائل الباب 7 من زكاة الفطرة.

112
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثاني اعتبار النصاب في زكاة الغلات و تعيين مقداره ج 12 ص 110

فالمشهور أن وزنه مائة و ثلاثون درهما، و ذكر العلامة في التحرير و موضع من المنتهى أن وزنه مائة و ثمانية و عشرون درهما و أربعة أسباع درهم. و الظاهر أنه سهو من قلمه (رحمة اللّٰه عليه) و أنه تبع فيه بعض العامة «1» كما احتمله بعض أصحابنا و يدل على المشهور‌
رواية إبراهيم بن محمد الهمداني «2» قال: «اختلفت الروايات في الفطرة فكتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام أسأله عن ذلك فكتب عليه السلام أن الفطرة صاع من قوت بلدك. إلى أن قال تدفعه وزنا ستة أرطال برطل المدينة، و الرطل مائة و خمسة و تسعون درهما، تكون الفطرة ألفا و مائة و سبعين درهما».
و التقريب أن الرطل العراقي ثلثا الرطل المدني.
و نحوها رواية جعفر بن إبراهيم المتقدمة الدالة مثل هذه على أن الصاع ألف و مائة و سبعون درهما، و هذا إنما يتم على ما ذكرناه من القول المشهور دون ما ذهب إليه العلامة.
بقي الكلام في أنه قد روى الشيخ في التهذيب عن سليمان بن حفص المروزي «3» قال: قال أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)
و رواه في الفقيه مرسلا «4» قال: «قال أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) الغسل بصاع من ماء و الوضوء بمد من ماء و صاع النبي صلى اللّٰه عليه و آله خمسة أمداد و المد وزن مائتين و ثمانين درهما و الدرهم وزن ستة دوانيق و الدانق وزن ست حبات و الحبة وزن حبتي شعير من أوساط الحب لا من صغاره و لا من كباره».
و هذا الخبر من مشكلات الأخبار و معضلات الآثار لاشتماله على مخالفات عديدة لما عليه علماء الأمصار و ما وردت به الأخبار عن الأئمّة الأطهار (عليهم السلام):
______________________________
(1) المغني ج 2 ص 700، و في المجموع شرح المهذب ج 6 ص 16 بعد تقديره بذلك قال و قيل مائة و ثلاثون درهما و به قطع الغزالي و الرافعي.
(2) الوسائل الباب 8 و 7 من زكاة الفطرة.
(3) الوسائل الباب 50 من الوضوء.
(4) الوسائل الباب 50 من الوضوء.

113
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثاني اعتبار النصاب في زكاة الغلات و تعيين مقداره ج 12 ص 110

و منها- بيان قدر الصاع فإنه كما عرفت من الأخبار و به صرح جملة العلماء أربعة أمداد و هذا الخبر دل على أنه خمسة أمداد، و مثله في هذه المخالفة‌
موثقة سماعة «1» قال: «سألته عن الذي يجزئ من الماء للغسل؟ فقال اغتسل رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله بصاع و توضأ بمد، و كان الصاع على عهده خمسة أمداد و كان المد قدر رطل و ثلاث أواق».
و في هذه الرواية أيضا مخالفة أخرى في المد حيث إنه كما عرفت رطلان و ربع بالعراقي و رطل و نصف بالمدني.
و منها- في المد فإن المشهور أنه مائتا درهم و اثنان و تسعون درهما و نصف درهم لأنك قد عرفت من الأخبار المتقدمة أن الصاع ألف درهم و مائة و سبعون درهما و الصاع أربعة أمداد فيكون المد بقدر ربع هذا المذكور و هو ما ذكرناه، و على تقدير ما ذكره من أن الصاع خمسة أمداد فالمد خمس هذا المذكور و هو مائتان و أربعة و ثلاثون درهما، و هو لا ينطبق على ما ذكروه أيضا.
و منها- في الدانق و قد عرفت من ما مضى في نصاب النقدين أن الدانق ثمان حبات من أوساط حب الشعير و نقل على ذلك اتفاق الخاصة و العامة «2» و على تقديره فالدرهم ثمان و أربعون شعيرة، و هذه الرواية قد تضمنت أنه اثنتا عشرة حبة من أوساط حب الشعير و عليه فيكون الدرهم اثنين و سبعين حبة من الشعير.
و بالجملة فظاهر الأصحاب الاتفاق على طرح هذا الخبر و كذا خبر سماعة لما عرفت من المخالفة للأخبار و كلام علماء الطرفين و كذا كلام أهل اللغة.
و الشيخ في الإستبصار قد أجاب عنهما بالنسبة إلى الصاع و تفسيره بخمسة أمداد بأجوبة أقربها و إن كان لا يخلو من بعد أيضا حمل الخمسة الأمداد فيهما على ما إذا شارك صلى اللّٰه عليه و آله بعض أزواجه في الغسل، ثم استدل بالأخبار الدالة على أنه صلى اللّٰه عليه و آله اغتسل مع زوجته بخمسة أمداد من إناء واحد.
______________________________
(1) الوسائل الباب 50 من الوضوء.
(2) ارجع إلى التعليقة 1 ص 91.

114
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثاني اعتبار النصاب في زكاة الغلات و تعيين مقداره ج 12 ص 110

و الأظهر في الجواب و إن لم يهتد إليه سوى شيخنا الصدوق من الأصحاب هو ما يظهر منه (قدس سره) في كتاب معاني الأخبار «1» من الفرق بين صاع الغسل و صاع الفطرة، حيث قال (باب معنى الصاع و المد و الفرق بين صاع الماء و مده و بين صاع الطعام و مده) ثم ذكر رواية المروزي و رواية الهمداني المتقدمة و هي الأولى الدالة على أن الصاع ستة أرطال بالمدني و تسعة بالعراقي المشعرة من حيث ذلك بكون الصاع أربعة أمداد لأن المد رطل و نصف بالمدني و رطلان و ربع بالعراقي، و ظاهره حمل رواية المروزي على صاع الماء و رواية الهمداني على صاع الطعام و بذلك يندفع عنه ما أورد عليه في كتاب من لا يحضره الفقيه «2» من إيراده رواية المروزي في باب الغسل الدالة على أن الصاع خمسة أمداد و إيراده في زكاة الفطرة من الكتاب «3» رواية الهمداني المتقدمة الدالة على أن الصاع أربعة أمداد مع ما يظهر من كلامه في أول كتابه من الإفتاء بما يرويه فيه.
و توضيح الفرق المذكور على ما ذكره بعض مشايخنا (رضوان اللّٰه عليهم) أن المد و الرطل و الصاع كانت يومئذ مكاييل معينة فقدرت بوزن الدراهم و نحوها صونا عن تطرق التغيير الذي كثيرا ما يتطرق إلى المكاييل، و من الظاهر أن الأجسام المختلفة يختلف قدرها بالنسبة إلى مكيال معين فلا يمكن أن يكون الصاع من الماء موافقا للصاع من الحنطة و الشعير و شبههما، فلذا كان الصاع المعتبر في وزن الماء لأجل الوضوء و الغسل و أمثالهما أثقل من ما ورد في الفطرة و نصاب الزكاة و نحوهما لكون الماء أثقل من الحبوب مع تساوي الحجم كما هو معلوم. فظهر أن هذا الوجه أوجه الوجوه في الجمع بين الأخبار.
أقول: ما ذكرناه من الجواب عن هذا الإشكال من ما تنبه له شيخنا المجلسي (قدس سره) في كتاب البحار حيث قال- بعد ذكر الخبر المذكور و ما خالفه من الأخبار الدالة على أن الصاع أربعة أمداد- ما صورته: و يمكن الجمع بينها بوجوه:
______________________________
(1) ص 249.
(2) ج 1 ص 23.
(3) ج 2 ص 115.

115
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثاني اعتبار النصاب في زكاة الغلات و تعيين مقداره ج 12 ص 110

الأول ما اختاره الصدوق (قدس سره) كما يظهر من الفقيه بحمل خبر المروزي على صاع الغسل و خبر الهمداني على صاع الفطرة حيث ذكر الأول في باب الغسل و الثاني في باب الفطرة، و قد غفل الأصحاب عن هذا و لم ينسبوا هذا القول إليه مع أنه قد صرح بذلك في كتاب معاني الأخبار. ثم ذكر نحوا من ما قدمنا ذكره و أوضحه و وجهه بما قدمنا نقله عنه. و هو جيد بالنسبة إلى المخالفة الحاصلة من روايتي المروزي و سماعة إلا أنه لا يتمشى له في مثل صحيحة زرارة المتقدمة في المقام «1» الدالة على أنه صلى اللّٰه عليه و آله كان يتوضأ بمد و يغتسل بصاع ثم فسر عليه السلام المد برطل و نصف و الصاع بستة أرطال، فإنها ظاهرة في كون الصاع فيها إنما هو صاع الماء مع أنه فسره بما يرجع إلى الأربعة الأمداد، لأن الأرطال فيه محمولة على الأرطال المدنية و الصاع بستة أرطال فيها و المد برطل و نصف و هو ظاهر في الأربعة الأمداد لا الخمسة. و نحو هذه الصحيحة غيرها أيضا. و حينئذ فلا يتم ما ذكره الصدوق من حمل صاع الماء على ما يسع خمسة أمداد و لا ما ذكره من التوجيه لكلامه لانتقاضه بالصحيحة المذكورة و نحوها.
هذا. و أما باقي الإشكالات في الخبر فلا أعرف للجواب عنها وجها و لم أقف على من تعرض للجواب عنها بل قل من تعرض لذكرها و هي مرجوعة إلى قائلها، و اللّٰه العالم.
المقام الثالث [وقت تعلق الزكاة في الغلات]
- اختلف الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في الوقت الذي تتعلق به الزكاة في الغلات مع الاتفاق على أن وجوب الإخراج إنما هو بعد التصفية فالمشهور كما ذكره العلامة في المختلف و غيره هو بدو الصلاح في النخل بالاحمرار و الاصفرار و اشتداد الحب في غيره، و قيل إنه عبارة عن ما يصدق عليه التسمية بكونه تمرا أو زبيبا أو حنطة أو شعيرا، و هو منقول عن ابن الجنيد و اختاره المحقق في كتبه الثلاثة و حكاه العلامة في المنتهى عن أبيه أنه كان يذهب إليه، و إليه يميل‌
______________________________
(1) ص 113.

116
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث وقت تعلق الزكاة في الغلات ج 12 ص 116

كلام صاحب المدارك و صاحب الذخيرة.
قالوا: و تظهر الفائدة في ما لو تصرف المالك بعد بدو الصلاح و انعقاد الحب و قبل البلوغ إلى حد التسمية بتلك الأسماء المذكورة، فإنه على المشهور لا يجوز إلا بعد الخرص و ضمان الزكاة لتحقق الوجوب يومئذ، و على القول الآخر يجوز التصرف ما لم تبلغ الحد المذكور. و كذا تظهر الفائدة في ما لو نقلها إلى غيره في تلك الحال أيضا، فعلى المشهور تجب الزكاة على الناقل لتحقق الوجوب في ملكه، و على القول الآخر إنما تتعلق بمن بلغت ذلك الحد في ملكه.
و ظواهر الأخبار المتقدمة في قصر ما تجب فيه الزكاة في الأصناف التسعة التي من جملتها الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب من ما يؤيد القول الثاني إذ من الظاهر أنه لا يصدق شي‌ء من هذه الأسماء بمجرد الاحمرار و الاصفرار و لا بمجرد انعقاد الحب.
و استدل بعض الأصحاب لهذا القول أيضا‌
بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام «1»: «أنه سأله عن البستان لا تباع غلته و لو بيعت بلغت غلته مالا فهل تجب فيه صدقة؟ فقال لا إذا كانت تؤكل».
و أيده أيضا‌
بحسنة محمد بن مسلم «2» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن التمر و الزبيب ما أقل ما تجب فيه الزكاة؟ قال خمسة أوساق و يترك معا فارة و أم جعرور و لا يزكيان و إن كثرا».
قال: و المستفاد منها أن الزكاة لا تجب في هذين النوعين، و قد يقال الوجه فيه تعارف أكل هذين النوعين قبل صيرورتهما تمرا فيكون مضمونه موافقا لما رواه الشيخ عن علي بن جعفر في الصحيح. و أورد الرواية المتقدمة ثم قال: و يصلحان حجة لمن يعتبر في ثبوت الزكاة صدق اسم التمر. انتهى.
أقول: فيه أن الظاهر من صحيحة علي بن جعفر المذكورة أن المراد من‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الغلات.
(2) الوسائل الباب 1 من زكاة الغلات.

117
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث وقت تعلق الزكاة في الغلات ج 12 ص 116

غلة البستان إنما هو ما عدا الأجناس الزكوية من الفواكه من ما يؤكل عادة و يفسد بعد نضجه و بلوغه لو لم يؤكل عاجلا، و إليه الإشارة بقوله عليه السلام «لا إذا كان يؤكل» أي لا تجب فيه الزكاة إذا كان من ما يعتاد أكله بعد نضجه و البلوغ إلى حده، و مثلها في ذلك‌
حسنة محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السلام) «1» «في البستان تكون فيه الثمار ما لو بيع كان بمال هل فيه الصدقة؟ قال لا».
فإن المراد به ما ذكرناه قطعا من تلك الفواكه التي لا تتعلق بها الزكاة، و إن لم يكن ما ذكرناه متعينا بقرينة الرواية الأخرى فلا أقل أن يكون مساويا لما ذكره و به لا يتم الاستدلال. و أما حمل حسنة محمد بن مسلم التي ذكرها على ما ذكره من أن عدم وجوب الزكاة فيها لتعارف أكلها قبل بلوغها الحد المذكور فالظاهر أنه ليس كذلك بل الظاهر من جملة من الأخبار إنما هو لأمره صلى اللّٰه عليه و آله بعدم خرصها، فمعنى تركها في الخبر إنما هو عدم خرصها على أرباب النخيل، و ستأتي الأخبار الصريحة الدالة على ما قلناه إن شاء اللّٰه تعالى في بعض المقامات الآتية.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنا لم نقف على حجة للقول المشهور يعتد بها و غاية ما استدل به العلامة في المنتهى دعوى تسمية الحب إذا اشتد حنطة و شعيرا و تسمية البسر تمرا و أن أهل اللغة نصوا على أن البسر نوع من التمر و الرطب نوع من التمر.
و لم نقف على ما يدعيه من كلام أهل اللغة إلا على ما ذكره في القاموس في مادة (بسر) حيث قال: و التمر قبل إرطابه و الواحدة بسرة. و لكن كلام أكثر أهل اللغة على خلافه و احتمال التجوز في كلامه قائم كما لا يخفى على من تأمل كتابه قال في الصحاح في ثمر النخل: أوله طلع ثم خلال ثم بلح ثم بسر ثم رطب ثم تمر.
و قال في المغرب: البسر غوره خرما. و قال في كتاب مجمع البحرين: قد تكرر في الحديث ذكر التمر هو بالفتح فالسكون اليابس من ثمر النخل. و قال الفيومي في كتاب‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الغلات.

118
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث وقت تعلق الزكاة في الغلات ج 12 ص 116

المصباح المنير: التمر من ثمر النخل كالزبيب من العنب و هو اليابس بإجماع أهل اللغة لأنه يترك على النخل بعد إرطابه حتى يجف أو يقارب ثم يقطع و يترك في الشمس حتى ييبس، قال أبو حاتم ربما جذت النخلة و هي باسرة بعد ما أحلت ليخفف عنها أو لخوف السرقة فيترك حتى يكون تمرا. انتهى.
و الجميع كما ترى صريح في أن التمر عبارة عن اليابس بعد الرطب، و ظاهر عبارة صاحب المصباح دعوى الإجماع من اللغويين على ذلك، و بذلك يعلم ما في كلام العلامة (قدس سره) من عدم تمامية دليله و أنه يجب حمل عبارة صاحب القاموس على ما ذكرناه.
نعم هنا روايتان في المقام ربما يصلحان للدلالة على القول المشهور إحداهما‌
صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام «1» في حديث قال:
«سألته عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال إذا صرم و إذا خرص».
و صحيحته الأخرى و قد تقدمت في المقام الثاني «2» و فيها «فقلت و هل على العنب زكاة أو إنما تجب عليه إذا صيره زبيبا؟ قال نعم إذا خرصه أخرج زكاته».
و التقريب فيهما أن وجوب الزكاة بالخرص الذي إنما يكون في حال كون الثمرة بسرا أو عنبا مثلا يعطي تعلق الوجوب بذلك الوقت قبل أن تصير تمرا أو زبيبا، إذ الظاهر من الخرص كما ذكره الأصحاب إنما هو لجواز تصرف المالك مع ضمان حصة أرباب الزكاة و هو لا يتجه إلا على القول المشهور إلا أن هؤلاء المصرحين هم أرباب القول المشهور، و أما على القول الآخر فإنه يجوز للمالك التصرف بكل وجه ما لم يبلغ الحد المتقدم ذكره، و على هذا لا يظهر للخرص علة و هكذا القول في الحنطة و الشعير على تقدير جواز خرصهما.
إلا أنه يمكن المناقشة في الرواية الأولى بأنه متى خص الخرص بالوقت‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 12 من زكاة الغلات.
(2) ص 110.

119
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث وقت تعلق الزكاة في الغلات ج 12 ص 116

المذكور و أنه وقت الوجوب فلا معنى لقوله في الخبر «إذا صرم» لأنه لا يخفى ما بين وقتي الصرام و الخرص بالمعنى المذكور من المدة، إذ الخرص كما هو المفروض في حال البسرية و العنبية و الصرام إنما يكون بعد صيرورته تمرا فكيف يستقيم تعليق الوجوب بكل منهما؟ بل إنما يستقيم ذلك بحمل الخرص في الخبر على وقت كونه تمرا و زبيبا و حنطة و شعيرا، فإنه في ذلك الوقت يتعلق به الوجوب سواء صرمه أو خرصه على رءوس الأشجار و النخل و الزرع.
و أما الرواية الثانية فهي مع الإغماض عن المناقشة في دلالتها أخص من المدعى فيثبت بها الحكم في العنب خاصة فتتعلق به الزكاة من وقت العنبية، و أما غيره من الأفراد المذكورة فيحتاج إلى دليل، و إلى هذا يميل كلام السيد السند في المدارك.
نعم يبقى الكلام في الروايات الآتية الدالة على أن النبي صلى اللّٰه عليه و آله كان يأمر بالخرص على أرباب النخيل، فإن حمله على ما بعد يبس الثمرة بعيد و بذلك تكون المسألة محل إشكال. و كيف كان فالاحتياط في العمل بالقول المشهور من ما لا ينبغي تركه.
المقام الرابع [عدم ضم بعض أصناف الغلات إلى بعض في النصاب]
- لا خلاف في أنه يشترط بلوغ كل صنف من أصناف الغلات المذكورة نصابا، فلا يضم بعضها إلى بعض ليكمل النصاب من صنفين أو أصناف بل الحكم هنا كما تقدم أيضا في النقدين من عدم ضم أحدهما إلى الآخر و الأنعام من عدم ضم صنف إلى آخر، و هو من ما لا إشكال فيه.
و عليه تدل الأخبار و منها‌
صحيحة سليمان- و هو ابن خالد- عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «1» قال: «ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق، و العنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق».
و في صحيحة زرارة و بكير عن أبي جعفر (عليه السلام) «2» قال: فيها: «و ليس في شي‌ء من هذه الأربعة الأشياء شي‌ء حتى يبلغ خمسة أوساق. إلى أن قال: فإن كان
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من زكاة الغلات.
(2) الوسائل الباب 1 من زكاة الغلات.

120
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الرابع عدم ضم بعض أصناف الغلات إلى بعض في النصاب ج 12 ص 120

من كل صنف خمسة أوساق غير شي‌ء و إن قل فليس فيه شي‌ء. الحديث».
و صحيحة زرارة «1» قال: «قلت لأبي جعفر و لابنه (عليهما السلام) الرجل تكون له الغلة الكثيرة من أصناف شتى أو مال ليس فيه صنف تجب فيه الزكاة هل عليه في جميعه زكاة واحدة؟ فقال لا إنما تجب عليه إذا تم فكان يجب في كل صنف منه الزكاة تجب عليه في جميعه في كل صنف منه الزكاة، فإن أخرجت أرضه شيئا قدر ما لا تجب فيه الصدقة أصنافا شتى لم تجب فيه زكاة واحدة».
المقام الخامس [هل يعتبر في زكاة الغلات ملكها بالزراعة؟]
- قد صرح جملة من الأصحاب بأن الزكاة إنما تجب في الغلات إذا ملكت بالزراعة لا الابتياع و نحوه كالإرث و الهبة. و هو على إطلاقه مشكل فإنهم قد صرحوا من غير خلاف يعرف بوجوب الزكاة في ما ينتقل إلى الملك قبل تعلق الوجوب.
و ذكر شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) في مقام الاعتذار عن ذلك بأن مرادهم بالزراعة في اصطلاحهم انعقاد الثمرة في الملك أو احمرارها و اصفرارها إذا توقف الوجوب عليه، و حمل الابتياع و نحوه على وقوعه بعد تحقق الوجوب بحصول أحد الأمور المذكورة قبل وقوع البيع.
و فيه- مع الإغماض عن المناقشة بما فيه من البعد و أنه من قبيل الألغاز و المعميات- أن ما ذكره إنما يتم على تقدير تعلق الوجوب بالانعقاد و بدو الصلاح و لا يجري على القول الآخر مع أن ممن صرح بذلك المحقق في الشرائع مع تصريحه فيه بالقول المشار إليه.
و جعل المحقق في المعتبر و النافع و العلامة في جملة من كتبه الشرط هو النمو في الملك.
و فيه أيضا أن الثمرة إذا انتقلت بعد بدو الصلاح كانت الزكاة على الناقل و إن حصل النمو في ملك المنتقل إليه على القول المشهور، و كذلك إذا انتقل قبل صدق اسم التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير كان الزكاة على المنتقل إليه على القول الآخر‌
______________________________
(1) الإستبصار ج 2 ص 39 و في الوسائل الباب 2 من زكاة الغلات.

121
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الخامس هل يعتبر في زكاة الغلات ملكها بالزراعة ج 12 ص 121

و إن حصل النمو في ملك الناقل، و حينئذ فهذا الشرط لا وجه له على كل من القولين.
و التحقيق أن يجعل الشرط حصولها في ملكه في الوقت الذي تتعلق الزكاة فيه بمعنى أنه يدخل هذا الوقت و هي في ملكه، و هذا الشرط جار على كل من القولين كما لا يخفى و الأدلة عليه ظاهرة. و اللّٰه العالم.
المقام السادس [المقدار الواجب إخراجه في زكاة الغلات]
- قد صرح الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) من غير خلاف يعرف بأن ما سقي سيحا أو بعلا أو عذيا ففيه العشر و ما سقي بالدوالي و النواضح ففيه نصف العشر، و المراد بالسيح الجريان قال الجوهري السيح الماء الجاري.
و ظاهره أنه أعمّ من أن يكون على وجه الأرض أو في الأنهار، و هو كذلك كما صرح به الأصحاب. و أما البعل فقال في الصحاح أنه النخل الذي يشرب بعروقه فيستغني عن السقي. و أما العذي بالتسكين و الكسر فقال هو الزرع لا يسقيه إلا ماء المطر و الدوالي جمع دالية، قال و الدالية المنجنون تديرها البقرة و الناعورة يديرها الماء و قال إن المنجنون هو الدولاب التي يستقى عليها.
و يدل على الحكم المذكور مضافا إلى الإجماع الأخبار المستفيضة: و منها-
صحيحة زرارة و بكير عن أبي جعفر عليه السلام «1» قال «في الزكاة ما كان يعالج بالرشاء و الدوالي و النواضح ففيه نصف العشر و إن كان يسقى من غير علاج بنهر أو عين أو بعل أو سماء ففيه العشر كاملا».
و نحوها غيرها «2» و الحكم موضع اتفاق نصا و فتوى.
ثم إنه متى اجتمع الأمر إن كان الحكم للأكثر فأيهما غلب تبعه الحكم من العشر أو نصف العشر، و مع التساوي يؤخذ من نصفه العشر و من النصف الآخر نصف العشر و هو يرجع إلى ثلاثة أرباع العشر، و هو من ما لا خلاف فيه أيضا.
و يدل عليه‌
ما رواه الشيخ عن معاوية بن شريح عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3»
______________________________
(1) الوسائل الباب 4 من زكاة الغلات.
(2) الوسائل الباب 4 من زكاة الغلات.
(3) الوسائل الباب 6 من زكاة الغلات.

122
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام السادس المقدار الواجب إخراجه في زكاة الغلات ج 12 ص 122

قال: «في ما سقت السماء و الأنهار أو كان بعلا فالعشر فأما ما سقت السواني و الدوالي فنصف العشر. فقلت له فالأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء و تسقى سيحا؟ فقال إن ذا ليكون عندكم كذلك؟ قلت نعم. قال النصف و النصف نصف بنصف العشر و نصف بالعشر. فقلت الأرض تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتسقى السقية و السقيتين سيحا؟ قال و كم تسقى السقية و السقيتين سيحا؟ قلت في ثلاثين ليلة أو أربعين ليلة و قد مكث قبل ذلك في الأرض ستة أشهر سبعة أشهر قال نصف العشر».
و هل الاعتبار في الكثرة بالأكثر زمانا أو عددا أو نفعا؟ أوجه ثلاثة أقربها إلى ظاهر النص الأول.
المقام السابع [هل تستثنى المؤن غير الخراج و المقاسمة من ما يزكى؟]
- لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في استثناء حصة السلطان، و المراد بها ما يجعله على الأرض الخراجية من الدراهم و يسمى خراجا أو حصة من الحاصل و يسمى مقاسمة، و إنما اختلفوا في غيرها من المؤن هل يجب استثناؤها كالخراج أم لا و إنما يختص بالمالك؟ قولان فذهب الشيخ في الخلاف و المبسوط إلى أن المؤن كلها على رب المال دون الفقراء، و نسبه في الخلاف إلى جميع الفقهاء، و نقل جمع من الأصحاب عنه في الخلاف دعوى الإجماع عليه إلا من عطاء «1» و نقل عن الفاضل يحيى بن سعيد صاحب الجامع القول بذلك أيضا و اختاره شيخنا الشهيد الثاني أيضا في فوائد القواعد على ما نقله عنه سبطه في المدارك و أنه ذكر أنه لا دليل على استثناء المؤن سوى الشهرة و قال إن إثبات الحكم بمجرد الشهرة مجازفة، و إلى هذا القول مال جملة من متأخري المتأخرين. و قال الشيخ في النهاية باستثناء المؤن كلها و هو قول الشيخ المفيد و المحقق و ابن إدريس و العلامة و نسبه في المنتهى إلى أكثر الأصحاب و في المختلف إلى المشهور.
و استدل على الأول بعموم الأخبار الدالة على العشر و نصف العشر في‌
______________________________
(1) المحلى ج 5 ص 258 رقم 657.

123
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام السابع هل تستثنى المؤن غير الخراج و المقاسمة من ما يزكى ج 12 ص 123

الغلات الأربع من غير استثناء، نعم ورد استثناء حصة السلطان فيجب الاقتصار عليها‌
كما رواه الكليني و الشيخ عنه في الصحيح عندنا أو الحسن على المشهور عن أبي بصير و محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام «1» أنهما قالا له: «هذه الأرض التي يزارع أهلها ما ترى فيها؟ قال كل أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك في ما أخرج اللّٰه منها الذي قاطعك عليه، و ليس على جميع ما أخرج اللّٰه منها العشر إنما العشر عليك في ما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك».
أقول: و من ما يعضد هذا الخبر أيضا‌
ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد ابن علي بن شجاع النيسابوري و هو مجهول «2» «أنه سأل أبا الحسن الثالث عليه السلام عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر ما يزكى فأخذ منه العشر عشرة أكرار و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا و بقي في يده ستون كرا ما الذي يجب لك من ذلك؟ و هل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي‌ء؟ فوقع عليه السلام لي منه الخمس من ما يفضل من مئونته».
و هو كما ترى صريح في أخذ العشر من جميع ما حصل من الأرض و أن المئونة إنما خرجت بعد ذلك، و هو و إن كان في كلام السائل إلا أن الإمام عليه السلام قرره على ذلك و لم ينكره و تقريره حجة كما اتفقوا عليه.
و ما رواه صفوان و أحمد بن محمد بن أبي نصر «3» قالا: «ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج و ما سار فيها أهل بيته فقال من أسلم طوعا تركت أرضه في يده و أخذ منه العشر من ما سقت السماء و الأنهار و نصف العشر من ما كان بالرشاء في ما عمروه منها و ما لم يعمروه منها أخذه الإمام فقبله ممن يعمره و كان للمسلمين، و على المتقبلين في حصصهم العشر و نصف العشر. إلى أن قال و على المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف العشر في حصصهم. الحديث».
______________________________
(1) الوسائل الباب 7 من زكاة الغلات.
(2) الوسائل الباب 5 من زكاة الغلات.
(3) الوسائل الباب 4 من زكاة الغلات.

124
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام السابع هل تستثنى المؤن غير الخراج و المقاسمة من ما يزكى ج 12 ص 123

و استدل العلامة في المنتهى و قبله المحقق في المعتبر على القول المشهور بأن النصاب مشترك بين المالك و الفقراء فلا يختص أحدهم بالخسارة عليه كغيره من الأموال المشتركة، و بأن المئونة سبب الزيادة فتكون على الجميع، و بأن إلزام المالك بالمئونة كلها حيف عليه و إضرار به و هو منفي، و بأن الزكاة في الغلات تجب في النماء و الفائدة و هو لا يتناول المئونة.
و لا ريب في ضعف هذه التعليلات فإنها بمجردها لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية و إن زعموها أدلة عقلية مقدمة على النصوص كما هي قاعدتهم الكلية، هذا مع أن جملة من فضلاء متأخري المتأخرين: منهم- السيد السند في المدارك بينوا ضعف هذه الوجوه مشروحا فليرجع إليه من أحب الوقوف عليه.
نعم يدل على هذا القول‌
ما في كتاب الفقه الرضوي «1» حيث قال عليه السلام: و ليس في الحنطة و الشعير شي‌ء إلى أن يبلغ خمسة أوسق و الوسق ستون صاعا و الصاع أربعة أمداد و المد مائتان و اثنان و تسعون درهما و نصف، فإذا بلغ ذلك و حصل بعد خراج السلطان و مئونة العمارة و القرية أخرج منه العشر إن كان سقي بماء المطر أو كان بعلا و إن كان سقي بالدلاء و الغرب ففيه نصف العشر، و في التمر و الزبيب مثل ما في الحنطة و الشعير.
أقول: و بهذه العبارة بعينها عبر الصدوق في الفقيه و منه يظهر أن مستنده في الحكم المذكور إنما هو هذا الكتاب، و الظاهر أيضا أنه هو المستند لغيره من القائلين بهذا القول من متقدمي الأصحاب، و يمكن تخصيص إطلاق تلك الأخبار بهذه الرواية.
و بالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الإشكال و إن كان القول الأول أظهر لقوة مستنده و أوفقيته بالاحتياط.
[فوائد]
و في هذا المقام فوائد‌
الأولى [هل يستثنى من ما يزكى ما يأخذه من لا يدعي الخلافة؟]
- قد عرفت أن المراد بخراج السلطان و حصته‌
______________________________
(1) ص 22.

125
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأولى هل يستثنى من ما يزكى ما يأخذه من لا يدعي الخلافة ج 12 ص 125

هو ما يأخذه من الأرض الخراجية من نقد أو حصة من الحاصل و إن سمي الأخير مقاسمة، و حينئذ فيكون هذا الحكم مخصوصا بما إذا كانت الأرض خراجية و هي المفتوحة عنوة و الآخذ الإمام إمام عدل كان أو إمام جور كخلفاء الأموية و العباسية و من يحذو حذوهم إلى يومنا هذا كما هو الظاهر من الأخبار و كلام أكثر الأصحاب و إن خالف فيه شذوذ من أصحابنا.
بقي الكلام في ما لو لم تكن الأرض خراجية أو كانت و كان الآخذ ليس ممن يدعي الإمامة كسلاطين الشيعة في بلاد العجم فهل يكون ما يأخذونه على الأرض و الحال هذه مستثنى و يكون على الجميع كحصة السلطان المتقدمة أو يختص بالمالك؟
إشكال ينشأ من أن هذا ليس من الخراج المستثنى لما عرفت من شروطه و دلالة ظواهر الأخبار على وجوب العشر و نصف العشر على ما أخرجت الأرض مطلقا خرج منه حصة السلطان بالدليل المتقدم و بقي ما عداه، و من أن هذا ظلم لحق المالك في هذه الزراعة فيصير من قبيل السرقة و نحوها من أسباب التلف من غير تفريط فلا تكون مضمونة عليه بل توزع على الجميع و يكون إخراج النصاب بعده إن وقع ذلك قبل استقرار الوجوب و إلا فبالنسبة بين المالك و الفقراء. و هو الأقرب.
و يؤيده ظاهر‌
رواية سعيد الكندي «1» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام إني آجرت قوما أرضا فزاد السلطان عليهم؟ قال أعطهم فضل ما بينهما. قلت أنا لم أظلمهم و لم أزد عليهم؟ قال إنهم إنما زادوا على أرضك».
فإنه يستفاد من هذا الخبر أنه لا ضمان على من جبره الحاكم و أخذ مال الغير من يده ظلما.
و يعضد ذلك ما صرح به شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك في صورة ما إذا أخذ الجائر زيادة على الخراج المعتاد ظلما، حيث قال فلا يستثنى الزائد إلا أن يأخذه قهرا بحيث لا يتمكن المالك من منعه سرا أو جهرا فلا يضمن حصة الفقراء من الزائد. انتهى.
______________________________
(1) الوسائل الباب 16 من المزارعة و المساقاة.

126
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثانية هل تجب الزكاة بعد إخراج من الأرض الخراجية ج 12 ص 127

الثانية [هل تجب الزكاة بعد إخراج من الأرض الخراجية؟]
- قد أجمع الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) و هو المشهور بين الجمهور أيضا «1» أنه بعد أخذ السلطان الخراج من الأرض الخراجية فإنه يجب على المالك إخراج الزكاة من ما بقي في يده، و عليه تدل الأخبار التي قدمناها، و لم ينقل الخلاف هنا إلا عن أبي حنيفة «2» فإنه ذهب إلى أنه لا زكاة فيها بعد أخذ الخراج منها، و رده في المعتبر و المنتهى بوجوه إقناعية.
إلا أنه قد ورد في أخبارنا ما يدل على ذلك: و منها-
رواية أبي كهمش عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «من أخذ من السلطان الخراج فلا زكاة عليه».
و حملها الشيخ على الأرضين الخراجية فيفهم منه حينئذ القول بعدم وجوب الزكاة فيها كما هو المنقول عن أبي حنيفة مع أن العلامة في المنتهى ادعى الإجماع على ما قدمنا نقله عنهم.
و منها-
صحيحة سليمان بن خالد «4» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول إن أصحاب أبي أتوه فسألوه عن ما يأخذه السلطان فرق لهم و أنه ليعلم أن الزكاة لا تحل إلا لأهلها فأمرهم أن يحتسبوا به فجاز ذا و اللّٰه لهم. فقلت أي أبت إنهم إن سمعوا ذلك لم يزك أحد؟ فقال أي بني حق أحب اللّٰه أن يظهره».
و رواية رفاعة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «5» قال: «سألته عن الرجل يرث الأرض أو يشتريها فيؤدي خراجها إلى السلطان هل عليه فيها عشر؟ قال لا».
و رواية أبي قتادة عن سهل بن اليسع «6» «أنه حيث أنشأ سهل‌آباد سأل أبا الحسن عليه السلام عن ما يخرج منها ما عليه؟ فقال إن كان السلطان يأخذ خراجه فليس عليك شي‌ء و إن لم يأخذ السلطان منها شيئا فعليك إخراج عشر ما يكون فيها».
______________________________
(1) المهذب ج 1 ص 157 و الإنصاف ج 3 ص 113.
(2) بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج 2 ص 57.
(3) الوسائل الباب 10 من زكاة الغلات.
(4) الوسائل الباب 20 من المستحقين للزكاة. و في الفروع ج 1 ص 153 (فجال فكري) مكان (فجاز ذا) في التهذيب ج 1 ص 359.
(5) الوسائل الباب 10 من زكاة الغلات.
(6) الوسائل الباب 10 من زكاة الغلات.

127
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثانية هل تجب الزكاة بعد إخراج من الأرض الخراجية ج 12 ص 127

و صحيحة رفاعة أيضا «1» «عن الرجل له الضيعة فيؤدي خراجها هل عليه فيها عشر؟ قال لا».
و المنقول عن الشيخ حمل هذه الأخبار على نفي الزكاة في الحصة التي يأخذها السلطان بعنوان الخراج فيصير حاصل المعنى أن العشر لا يثبت في غلة الضيعة بكمالها قال المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى بعد نقل صحيحة رفاعة الأخيرة و نقل تأويل الشيخ المذكور: و لا بأس بهذا الحمل إذ هو خير من الاطراح. و فيه أن هذا الحمل و إن أمكن في هذه الرواية على بعد إلا أنه لا يجري في رواية قتادة لأنه حكم عليه السلام بأنه مع أخذ الخراج ليس عليه شي‌ء، و نحوها رواية أبي كهمش حيث قال: «لا زكاة عليه» و تأويلهما بأنه ليس عليه شي‌ء معين في خراج السلطان تعسف محض. و بالجملة فإن هذا الاحتمال بعيد غاية البعد.
و احتمل بعض الأصحاب حمل الخراج في هذه الأخبار على الزكاة و أنه متى أخذها الجائر قهرا فإنه تبرأ ذمة المالك و تسقط عنه استنادا إلى ما دل من الأخبار على احتسابها بذلك:
كصحيحة يعقوب بن شعيب «2» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن العشور التي تؤخذ من الرجل أ يحتسب بها من زكاته؟ قال نعم إن شاء».
و صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» «في الزكاة؟ قال ما أخذ منكم بنو أمية فاحتسبوا به و لا تعطوهم شيئا ما استطعتم فإن المال لا يبقى على هذا أن يزكيه مرتين».
و نحو ذلك صحيحة الحلبي «4».
و فيه أنه و إن دلت هذه الروايات على جواز احتساب ما يأخذونه بعنوان الزكاة عن الزكاة الواجبة عليه لكن إطلاق الخراج في تلك الأخبار على الزكاة بعيد جدا.
نعم صحيحة سليمان بن خالد حيث لم يصرح فيها بلفظ الخراج قابلة لهذا التأويل بل ظاهرها‌
______________________________
(1) التهذيب ج 1 ص 359 و في الوسائل الباب 10 من زكاة الغلات.
(2) الوسائل الباب 20 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 20 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 20 من المستحقين للزكاة.

128
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثانية هل تجب الزكاة بعد إخراج من الأرض الخراجية ج 12 ص 127

إنما هو الزكاة مثل هذه الأخبار الأخيرة.
على أنه قد ورد ما يعارض هذه الأخبار الأخيرة أيضا‌
كصحيحة زيد الشحام «1» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام جعلت فداك إن هؤلاء المصدقين يأتوننا فيأخذون منا الصدقة فنعطيهم إياها أ تجزئ عنا؟ فقال لا إنما هؤلاء قوم غصبوكم- أو قال ظلموكم- أموالكم و إنما الصدقة لأهلها».
و حمله الشيخ على استحباب الإعادة، و الأظهر حمله على ما إذا تمكن من عدم الإعطاء بإنكار و نحوه و مع ذلك أعطاها كما هو ظاهر سياق الخبر بأن يكون معنى «فيأخذون منا الصدقة» يعني يطلبونها منا فنعطيهم مع أنه يمكنه أن ينكر أن لا صدقة عليه مثلا.
و كيف كان فحيث كانت الأخبار المتقدمة من ما أعرض عن العمل بها كافة الأصحاب قديما و حديثا مع معارضتها بالأخبار المتقدمة في المقام السابع و كونها على خلاف الاحتياط فلا بد من تأويلها أو طرحها و إرجاعها إلى قائلها، و الأظهر هو حملها على التقية فإنه مذهب أبي حنيفة «2» و مذهبه في وقته له صيت و انتشار زيادة على غيره من أصحاب المذاهب فإنها إنما اعتبرت في الأزمان المتأخرة.
الثالثة [هل تعتبر المؤن لو قيل باستثنائها قبل النصاب أو بعده؟]
- لو قلنا باستثناء المؤن كما هو المشهور فهل تعتبر بعد النصاب فيزكى الباقي منه بعد إخراج المئونة و إن قل أم قبله فإن لم يبلغ الباقي بعدها نصابا فلا زكاة أم يعتبر ما سبق على الوجوب كالسقي و الحرث قبله و ما تأخر كالحصاد و الجذاذ بعده؟ احتمالات ذهب إلى كل منها قائل، فقطع بأولها العلامة في التذكرة حيث قال:
الأقرب أن المئونة لا تؤثر في نقصان النصاب و إن أثرت في نقصان الفريضة فلو بلغ الزرع خمسة أوسق مع المئونة و إذا سقطت المئونة منه قصر عن النصاب وجبت الزكاة لكن لا في المئونة بل في الباقي. و اختار هذا الوجه السيد السند في المدارك و مثله الفاضل الخراساني في الذخيرة. و جزم العلامة في المنتهى بالثاني فقال المؤن تخرج‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 20 من المستحقين للزكاة.
(2) بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج 2 ص 57.

129
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالثة هل تعتبر المؤن لو قيل باستثنائها قبل النصاب أو بعده ج 12 ص 129

وسطا من المالك و الفقراء فما فضل و بلغ نصابا أخذ منه العشر أو نصف العشر. و هو ظاهر المحقق في الشرائع. و أنت خبير بأن هذا هو الذي دل عليه كلامه عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي فيكون أظهر الاحتمالات لذلك بناء على القول المذكور.
و استوجه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الثالث و جعل الأول أحوط.
المقام الثامن [هل تجب الزكاة في حصة العامل في المزارعة و المساقاة؟]
- المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) وجوب الزكاة في حصة العامل في المزارعة و المساقاة مع الشرائط و كذا حصة المالك، لحصول ذلك في ملكهما قبل بلوغ حد الوجوب و هو مناط تعلق الزكاة كما تقدم، و يدل عليه أيضا ما تقدم‌
في حسنة أبي بصير و محمد بن مسلم «1» و قوله عليه السلام فيها «إنما العشر عليك في ما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك».
و كذا‌
رواية صفوان و أحمد بن محمد ابن أبي نصر «2» لقوله عليه السلام فيها «و على المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف العشر في حصصهم».
و نقل العلامة في المختلف عن السيد ابن زهرة أنه قال: لا زكاة على العامل في المزارعة و المساقاة لأن الحصة التي يأخذها كالأجرة من عمله، و كذا لو كان البذر من العامل فلا زكاة على رب الأرض لأن الحصة التي يأخذها كأجرة أرضه.
قال في المختلف: و أنكر ابن إدريس ذلك كل الإنكار و منعه كل المنع و أوجب الزكاة عليه إذا بلغ نصيبه النصاب. و هو الأقرب، لنا أنه قد ملك بالزراعة فيجب عليه الزكاة. و احتج بأنه أجرة و لا زكاة في الأجرة إجماعا. و الجواب المنع من الصغرى. انتهى.
أقول: من ما يدل على ما ذكره ابن زهرة‌
ما رواه الشيخ في الموثق عن عبد اللّٰه ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام) «3» قال: «في زكاة الأرض إذا قبلها النبي صلى اللّٰه عليه و آله أو الإمام عليه السلام بالنصف أو الثلث أو الربع فزكاتها عليه و ليس
______________________________
(1) الوسائل الباب 7 من زكاة الغلات.
(2) ص 124.
(3) الوسائل الباب 7 من زكاة الغلات.

130
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثامن هل تجب الزكاة في حصة العامل في المزارعة و المساقاة ج 12 ص 130

على المتقبل زكاة إلا أن يشترط صاحب الأرض أن الزكاة على المتقبل فإن اشترط فإن الزكاة عليهم. و ليس على أهل الأرض اليوم زكاة إلا على من كان في يده شي‌ء من ما أقطعه الرسول صلى اللّٰه عليه و آله».
و ما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم «1» قال: «سألته عن الرجل يتكارى الأرض من السلطان بالثلث أو النصف هل عليه في حصته زكاة؟
قال لا. الحديث».
و حمل الشيخ في الخبر الأول نفي الزكاة عن المتقبل على نفيها عن جميع ما أخرجت الأرض و إن كان يلزمه زكاة ما يحصل في يده بعد المقاسمة مستدلا بما مر.
و أنت خبير بأن قوله: «زكاتها عليه» يعني على النبي صلى اللّٰه عليه و آله أو الإمام عليه السلام لا جائز أن يحمل على الحصة التي يأخذها عليه السلام لأنها مال للمسلمين كافة فهي من مال بيت المال، و قد تقدم أن مال بيت المال و نحوه من الجهات العامة ليس فيه زكاة فلم تبق إلا حصة المتقبل و قد أخبر أن زكاتها على النبي صلى اللّٰه عليه و آله أو الإمام فكيف يتم ما ذكره من أنه يلزمه زكاة ما يحصل في يده؟ و بالجملة فما ذكره من التأويل لا يقبله الخبر المذكور.
و أما صحيحة محمد بن مسلم فالظاهر جعلها في عداد الروايات المتقدمة الدالة على ما ذهب إليه أبو حنيفة من أن من أخذ منه السلطان الخراج فلا زكاة عليه «2» لأن المراد بالخراج ما هو أعمّ من الدراهم و الدنانير التي يأخذها على الأرض أو الحصة من الحاصل المسماة عندهم بالمقاسمة كما أشرنا إليه في ما سبق، و هذه الرواية دلت على أنه إذا أخذ السلطان منه حصة فلا زكاة عليه، و حينئذ فتحمل على ما حملت عليه تلك الروايات، و حينئذ فلم يبق إلا الرواية الأولى و هي لا تبلغ قوة في معارضة الروايات المتقدمة في المقام السابع.
______________________________
(1) الوسائل الباب 7 من زكاة الغلات.
(2) بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج 2 ص 57.

131
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثامن هل تجب الزكاة في حصة العامل في المزارعة و المساقاة ج 12 ص 130

و مثلها أيضا‌
ما رواه الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر «1» قال «ذكرت لأبي الحسن الرضا عليه السلام الخراج و ما سار به أهل بيته فقال العشر و نصف العشر على من أسلم تطوعا تركت أرضه في يده و أخذ منه العشر و نصف العشر في ما عمر منها و ما لم يعمر منها أخذه الوالي فقبله ممن يعمره و كان للمسلمين. إلى أن قال: و ما أخذ بالسيف فذلك للإمام يقبله بالذي يرى كما صنع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله بخيبر قبل أرضها و نخلها، و الناس يقولون لا تصلح قبالة الأرض و النخل إذا كان البياض أكثر من السواد. و قد قبل رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله خيبر و عليهم في حصصهم العشر و نصف العشر».
و احتمال الاشتراط في هذه الأخبار جمعا بينها و بين الموثقة المذكورة الظاهر بعده و المسألة لا تخلو من نوع توقف إذ لا يحضرني الآن محمل لتلك الموثقة المذكورة.
ثم إن قوله عليه السلام في الموثقة المشار إليها «و ليس على أهل الأرض اليوم زكاة» لعله من قبيل ما تقدم من تلك الأخبار الدالة على سقوطها عن المالك بأخذ الجائر لها بعنوان الزكاة أو الخراج، و لعل استثناء من كان في يده شي‌ء من ما أقطعه الرسول صلى اللّٰه عليه و آله من حيث إن تلك القطائع إنما هي في أيدي الظلمة الذين لا يؤخذ منهم شي‌ء يوجب سقوط الزكاة عنهم.
المقام التاسع [اعتبار الخرص في الزرع]
- المفهوم من كلام الأصحاب و منهم المحقق في المعتبر و العلامة في المنتهى و غيرهما من المتقدمين و المتأخرين جواز الخرص في النخيل و الكروم و تضمينهم حصة الفقراء، و نقل عليه في المعتبر الإجماع منا و من أكثر العامة «2».
و استدل عليه في المعتبر‌
بما روي «3» من أن النبي صلى اللّٰه عليه و آله كان يبعث إلى الناس
______________________________
(1) التهذيب ج 1 ص 383 و في الوسائل الباب 4 من زكاة الغلات.
(2) المغني ج 2 ص 76 و نيل الأوطار ج 4 ص 205.
(3) سنن أبي داود ج 2 ص 110 رقم 1603.

132
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام التاسع اعتبار الخرص في الزرع ج 12 ص 132

من يخرص عليهم نخيلهم و كرومهم.
و لأن أرباب الثمار يحتاجون إلى الأكل و التصرف في ثمارهم فلو لم يشرع الخرص لزم الضرر.
و إنما اختلفوا في جواز الخرص في الزرع فأثبته الشيخ و جماعة لوجود المقتضي و هو الاحتياج إلى الأكل منه قبل يبسه و تصفيته، و نفاه ابن الجنيد و المحقق في المعتبر و العلامة في المنتهى و التحرير، لأنه نوع تخمين و لا يثبت إلا في موضع الدلالة، و لأن الزرع قد يخفى خرصه لاستتار بعضه و تبدده بخلاف النخل و الكرم فإن ثمرتهما ظاهرة فيتمكن الخارص من إدراكها و الإحاطة بها، و لأن الحاجة في النخل و الكرم ماسة إلى الخرص لاحتياج أربابها إلى تناولها غالبا رطبة قبل الجذاذ و الاقتطاف بخلاف الزرع فإن الحاجة إلى تناول الفريك قليلة جدا.
أقول: من ما يدل على جواز الخرص في الزرع ما تقدم في المقام الثالث من‌
صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن الرضا عليه السلام قال: «سألته عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال إذا صرم و إذا خرص.
ثم إن المحقق في المعتبر ذكر في هذه المسألة فروعا: منها- أن وقت الخرص حين بدو صلاح الثمرة، قال لأنه وقت الأمن على الثمرة من الجائحة غالبا‌
لما روي «1» «أن النبي صلى اللّٰه عليه و آله كان يبعث عبد اللّٰه بن رواحة يخرص على يهود خيبر نخلهم حين يطيب».
و منها- صفة الخرص أن تقدر الثمرة لو صارت تمرا و العنب لو صار زبيبا فإن بلغ الأوساق وجبت الزكاة ثم يخيرهم بين تركه أمانة في أيديهم و بين تضمينهم حصة الفقراء أو يضمن لهم حقهم فإن اختاروا الضمان كان لهم التصرف كيف شاءوا و إن أبوا جعله أمانة و لم يجز لهم التصرف فيه بالأكل و البيع و الهبة لأن فيه حق المساكين. إلى غير ذلك من الفروع المذكورة.
ثم قال في المدارك بعد نقل جملة تلك الفروع: أقول إن في كثير من هذه‌
______________________________
(1) سنن أبي داود ج 2 ص 110 رقم 1606.

133
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام التاسع اعتبار الخرص في الزرع ج 12 ص 132

الأحكام نظرا و القدر المتحقق من ذلك جواز البناء على قدر الخرص عند عدم العلم بالمقدار و جواز التصرف في الثمرة بعد الضمان، لأن ذلك فائدة الخرص و للإجماع المنقول عليه من جماعة: منهم- العلامة في المنتهى، فإنه قال: لو أكل المالك رطبا فإن كان ذلك بعد الخرص و التضمين جاز إجماعا لأن فائدة الخرص إباحة التناول، و إن كان بعد الخرص و قبل التضمين بأن خرص عليه الخارص و لم يضمنه جاز أيضا إذا ضمن نصيب الفقراء، و كذلك لو كان قبل الخرص إذا خرصها هو بنفسه أما مع عدم الخرص فلا. انتهى.
ثم قال في المدارك: و اعلم أنا لم نقف للأصحاب على تصريح بمعنى الضمان هنا و الظاهر أن المراد به العزم على أداء الزكاة و لو من غير النصاب.
أقول: إذا عرفت ذلك فاعلم أن في المقام إشكالا لم أقف على من تنبه له و لا نبه عليه، و ذلك فإنه لا ريب في صحة هذا الكلام و ما فرعوه عليه من الفروع الداخلة في سلك هذا النظام بناء على ما هو المشهور من أن الوقت الذي تتعلق به الزكاة في الغلات عبارة عن بدو الصلاح و انعقاد الحب و اشتداده، و أما على القول الآخر من أن الوقت الذي تتعلق به إنما هو ما إذا صارت تمرا و زبيبا و حنطة و شعيرا فلا أعرف وجه صحة لهذا الكلام، كيف و قد جعلوا من فروع القولين عدم جواز تصرف المالك بعد بدو الصلاح و انعقاد الحب إلا مع الخرص و التضمين بناء على القول المشهور و جوازه مطلقا على القول الآخر، و المحقق المذكور ممن ذهب في كتبه الثلاثة إلى القول بعدم تعلق الوجوب إلا بعد التسمية بتلك الأسماء المذكورة. و في المعتبر بعد أن صرح بذلك نقل عن الشيخ القول المشهور و فرع الفرع المذكور على القولين ثم بعد هذا بسطرين أو ثلاثة ذكر مسألة الخرص بالنحو الذي نقلناه عنه و هو من أعجب العجاب عند ذوي الألباب. و مثله صاحب المدارك فإن ظاهره في تلك المسألة اختيار قول المحقق و في مسألة الخرص جرى على ما جرى عليه المحقق من أنه لا بد في صحة التصرف من الخرص و الضمان.

134
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام التاسع اعتبار الخرص في الزرع ج 12 ص 132

(لا يقال) إن هذا مبني عندهم على تقدير القول المشهور (لأنا نقول) لو كان الأمر كذلك لأشاروا إليه و نبهوا عليه و كلامهم هذا كله إنما جرى على سبيل الفتوى في المسألة كغيرها من المسائل كما لا يخفى على من راجع كلامهم و ما فيه من زيادة التأكيد في الحكم المذكور.
هذا. و أما ما ذكره من أخبار الخرص فمنه ما هو عامي و منه ما لا دلالة فيه مثل خبر إرسال عبد اللّٰه بن رواحة يخرص على اليهود فإن ذلك ليس من المسألة في شي‌ء، فإن الخبر الوارد بذلك في يهود خيبر الذين قبلهم النبي صلى اللّٰه عليه و آله أرضها و نخيلها بالنصف فهم شركاء بلا ريب من أول بدو الحاصل، و إنما الأخبار الدالة على الخرص ما قدمناه من صحيحة سعد بن سعد الأشعري و الروايات الآتية قريبا إن شاء اللّٰه تعالى.
المقام العاشر [لا يجوز إعطاء الردي‌ء عن الجيد]
- قد صرح العلامة في التذكرة بأنه إن كانت الثمرة جنسا واحدا أخذ منه جيدا كان كالبرني و هو أجود نخيل الحجاز أو رديئا كالجعرور و مصران الفأرة و لا يطالب بغيره، و لو تعددت الأنواع أخذ من كل نوع بحصته و لا يجوز إخراج الردي‌ء لقوله تعالى «وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ» «1» و لا يجوز أخذ الجيد عن الردي‌ء‌
لقوله صلى اللّٰه عليه و آله «2» «إياك و كرائم أموالهم».
فإن تطوع المالك جاز، انتهى. و هو تفصيل حسن.
و يدل على ما ذكره من عدم جواز إعطاء الردي‌ء عن الجيد روايات عديدة:
منها-
ما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» «في قول اللّٰه عز و جل:
يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ، وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ» «4» قال كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله إذا أمر بالنخل أن
______________________________
(1) سورة البقرة الآية 270.
(2) سنن ابن ماجة ج 1 ص 543 أول الزكاة.
(3) الوسائل الباب 19 من زكاة الغلات.
(4) سورة البقرة الآية 270.

135
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام العاشر لا يجوز إعطاء الردي‌ء عن الجيد ج 12 ص 135

يزكى يجي‌ء قوم بألوان من التمر و هو من أردأ التمر يؤدونه من زكاتهم تمرا يقال له الجعرور و المعى‌فأرة قليلة اللحاء عظيمة النوى و كان بعضهم يجي‌ء بها عن التمر الجيد فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله لا تخرصوا هاتين التمرتين و لا تجيئوا منهما بشي‌ء و في ذلك نزل «وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ» و الإغماض أن يأخذ هاتين التمرتين».
و رواه ابن إدريس في آخر كتاب السرائر نقلا من كتاب المشيخة للحسن ابن محبوب عن صالح بن رزين عن شهاب عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» مثله.
و روى العياشي في تفسيره عن رفاعة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» «في قول اللّٰه عز و جل إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ «3» فقال إن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله بعث عبد اللّٰه بن رواحة فقال لا تخرصوا أم جعرور و لا المعى‌فأرة و كان أناس يجيئون بتمر سوء فأنزل اللّٰه «وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ» و ذكر أن عبد اللّٰه بن رواحة خرص عليهم تمر سوء فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله يا عبد اللّٰه لا تخرصوا جعرورا و لا المعى‌فأرة».
و عن إسحاق بن عمار عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) «4» قال: «كان أهل المدينة يأتون بصدقة الفطر إلى مسجد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و فيه عذق يسمى الجعرور و عذق يسمى المعى‌فأرة كان عظيم نواهما رقيق لحاؤهما في طعمهما مرارة فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله للخارص لا تخرص عليهم هذين اللونين لعلهم يستحيون لا يأتون بهما فأنزل اللّٰه:
يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ. إلى قوله تُنْفِقُونَ» «5».
و هذه الروايات هي التي أشرنا إليها سابقا بأنها دالة على الخرص.
المقام الحادي عشر [هل تجزئ القيمة في زكاة الأنعام؟]
- المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) الاجتزاء بالقيمة في الغلات و الأنعام و النقدين، و هو بالنسبة إلى الأنعام لا يخلو من إشكال لما قدمنا سابقا في المسألة السادسة من المسائل الملحقة بالمقام الثالث في زكاة‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 19 من زكاة الغلات.
(2) الوسائل الباب 19 من زكاة الغلات.
(3) سورة البقرة الآية 271.
(4) الوسائل الباب 19 من زكاة الغلات.
(5) سورة البقرة الآية 270.

136
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الحادي عشر هل تجزئ القيمة في زكاة الأنعام ج 12 ص 136

الغنم من أن الدليل إنما دل على ذلك في الغلات و النقدين خاصة و أما الأنعام فلم يقم على إجزاء القيمة فيها دليل، و قد تقدم أن ذلك مذهب الشيخ المفيد و إليه يميل كلام المحقق في المعتبر. و العجب من الشيخ الحر في الوسائل أنه ترجم الباب «1» هكذا «باب جواز إخراج القيمة عن زكاة الدنانير و الدراهم و غيرهما» و لم يورد من الأخبار الدالة على ذلك إلا صحيحتي علي بن جعفر و البرقي المتقدمتين «2» المشتملة إحداهما على الغلات و الثانية على النقدين، و هذا من بعض غفلاته.
و لا ريب أن ما ذهب إليه الشيخ المفيد (قدس سره) هنا بمحل من القوة فإن مقتضى الأدلة وجوب إخراج الفرائض المخصوصة فلا يجوز العدول عنها إلا بدليل، و يؤيده أيضا ظواهر جملة من الأخبار مثل خبر محمد بن مقرن و صحيحة زرارة المتقدمتين في المقام الأول من المطلب الأول «3» في زكاة الإبل حيث دلا على أن من ليس عنده السن المفروض أعطى سنا أدنى منه و جبره بعشرين درهما أو أعلى منه بسن أعطاه و استرجع من المصدق عشرين درهما، و لو كانت القيمة جائزة بالمعنى الذي ذكروه لأمر به عليه السلام عملا بسعة الشريعة المحمدية و جريا على سهولة التكليف المبني عليه قواعد تلك الملة المصطفوية. و بالجملة فالقول به يحتاج إلى الدليل و ليس فليس، و به يظهر قوة قول الشيخ المفيد (قدس سره) فموافقة الشيخ المشار إليه مع كونه أخباريا للقول المشهور هنا مع ما هو عليه من القصور لا يخلو من غفلة فإنه من أرباب النصوص الذين يحومون حولها على العموم أو الخصوص و غاية ما استدل به العلامة هنا للقول المشهور في مطولاته أن المقصود بالزكاة دفع الخلة و رفع الحاجة و هو يحصل بالقيمة كما يحصل بالعين، فإن الزكاة إنما شرعت جبرا للفقراء و معونة لهم و ربما كانت القيمة أنفع في بعض الأوقات فاقتضت الحكمة التسويغ. و لا يخفى ما في أمثال هذه التعليلات من الضعف و عدم الصلاحية‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب و الفضة.
(2) ص 72.
(3) ص 52 و 53.

137
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الحادي عشر هل تجزئ القيمة في زكاة الأنعام ج 12 ص 136

لتأسيس الأحكام الشرعية عليها. نعم تصلح لأن تكون توجيها للنص و بيانا للحكمة فيه إذا ثبت.
بقي الكلام في أن ظاهر كلام الأصحاب تصريحا في مواضع و تلويحا في أخرى أن المراد بالقيمة هنا ما هو أعمّ من الدراهم و الدنانير من أي جنس إذا أخرجه بحساب الدراهم و الدنانير، قال الشيخ في الخلاف: يجوز إخراج القيمة في الزكاة كلها أي شي‌ء كانت القيمة، و تكون القيمة على وجه البدل لا على أنها أصل. انتهى و الذي تضمنه الخبران المشار إليهما آنفا اللذان هما المستند في المسألة ظاهرهما خصوص النقدين،
ففي صحيحة علي بن جعفر «1» قال: «سألته عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير و عن الدنانير دراهم؟ قال لا بأس».
و صحيحة البرقي «2» قال: «كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام هل يجوز أن يخرج عن ما يجب في الحرث من الحنطة و الشعير و ما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوى أم لا يجوز إلا أن يخرج من كل شي‌ء ما فيه؟ فأجاب عليه السلام أيما تيسر يخرج».
و الظاهر أن المراد من قوله: «أيما تيسر» يعني الأمرين المذكورين.
و يؤيده أيضا‌
ما رواه في الكافي عن سعيد بن عمرو عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «قلت يشتري الرجل من الزكاة الثياب و السويق و الدقيق و البطيخ و العنب فيقسمه؟ قال: لا يعطيهم إلا الدراهم كما أمر اللّٰه».
قال المحدث الكاشاني في كتاب الوافي- بعد نقل هذا الخبر على أثر الخبرين الأولين- ما صورته: هذا الحديث لا ينافي ما قبله لأن التبديل إنما يجوز بالدراهم و الدنانير دون غيرهما. انتهى.
إلا أنه نقل المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في كتاب الوسائل «4»
______________________________
(1) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب و الفضة، و اللفظ بعد قوله «دراهم» هكذا «بالقيمة أ يحل ذلك؟».
(2) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب و الفضة.
(3) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب و الفضة.
(4) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب و الفضة.

138
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الحادي عشر هل تجزئ القيمة في زكاة الأنعام ج 12 ص 136

عن كتاب قرب الإسناد لعبد اللّٰه بن جعفر الحميري أنه روى فيه عن محمد بن الوليد عن يونس بن يعقوب قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة فأشتري لهم منها ثيابا و طعاما و أرى أن ذلك خير لهم؟ قال فقال لا بأس».
و قد جمع بين هذا الخبر و ما قبله بحمل الأول على استحباب الإخراج من العين و إن جاز بالقيمة كما دل عليه هذا الخبر. و فيه بعد فإن الزكاة في الخبر لا يتعين كونها من الدراهم بخصوصها حتى يصير الأمر بالدراهم من العين بل ظاهرها العموم و أن المخرج إذا أعطى على جهة القيمة فالواجب أن يكون دراهم، و ذكر الدراهم هنا خرج مخرج التمثيل فلا ينافي إعطاء الدنانير.
و بالجملة فالرواية ظاهرة في أنه لا يجوز إلا النقدان أصالة أو قيمة، و المسألة لا تخلو من إشكال و الاحتياط في الوقوف على ظواهر تلك الأخبار و يؤيده أيضا ما يأتي إن شاء اللّٰه تعالى في مسألة أقل ما يعطى الفقير من الزكاة.
ثم لا يخفى أنه على تقدير القول بالقيمة كائنا ما كان فهل يكون الاعتبار بوقت الإخراج مطلقا لأنه وقت الانتقال إليها أو يقيد ذلك بما إذا لم يقوم الزكاة على نفسه فلو قومها على نفسه و ضمن القيمة فالواجب هنا ما ضمنه زاد السوق قبل الإخراج أو انخفض؟ وجهان محتملان اختار أولهما السيد السند في المدارك و الفاضل الخراساني في الذخيرة و ثانيهما العلامة في التذكرة، و المسألة لا تخلو من توقف و إن كان ما ذكره العلامة أقرب لأنه متى كان التقويم جائزا و الضمان صحيحا فإن المستقر في الذمة هو القيمة. و قول السيد (قدس سره) إن وقت الإخراج هو وقت الانتقال إلى القيمة ممنوع في هذه الصورة بل الانتقال من حين التقويم و الضمان.
المقام الثاني عشر [وجوب الخمس في ما زاد من الغلات على مئونة السنة]
- لا ريب أن ما زاد من هذه الغلات على مئونة السنة فإنه يجب فيه الخمس كما صرح به جملة من الأصحاب كما سيجي‌ء تحقيقه إن شاء اللّٰه في كتاب الخمس، و يدل على ذلك هنا ما قدمناه من رواية محمد بن علي بن شجاع المتقدمة في‌

139
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث عشر ضم الثمار المتباعدة بعضها إلى بعض ج 12 ص 140

المقام السابع من مقامات هذا المطلب «1».
بقي هنا شي‌ء و هو أن المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر في كتاب الوسائل «2» قال: «باب استحباب إخراج الخمس من الغلات على وجه الزكاة و وجوب إخراج خمسها إن فضلت عن مئونة السنة» ثم أورد دليلا على الحكم الثاني رواية ابن شجاع المشار إليها، و أورد على الحكم الأول‌
ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة «3» قال: «سألته عن الزكاة في الزبيب و التمر فقال في كل خمسة أوساق وسق، و الوسق ستون صاعا، و الزكاة فيهما سواء، فأما الطعام فالعشر في ما سقت السماء و أما ما سقي بالغرب و الدوالي فإنما عليه نصف العشر».
و قد تبع في ذلك الشيخ (قدس سره) فإنه بعد أن نقل هذه الرواية عن الكافي بالإضمار و عن التهذيب بالإسناد إلى أبي عبد اللّٰه عليه السلام طعن فيها بالاضطراب من حيث الإضمار تارة و الإظهار أخرى ثم حمله على الاستحباب تارة و على الخمس أخرى بإطلاق الزكاة عليه مجازا.
و الأظهر في معنى الخبر المذكور ما ذكره المحدث الكاشاني في الوافي حيث قال- بعد رد طعن الشيخ بالاضطراب بالمنع و إن ذلك لا يوجب اضطرابا- ما صورته: و يحتمل أن تكون لفظة «وسق» بعد خمسة أوساق من مزيدات النساخ و لهذا ربما لا توجد في بعض نسخ الكافي. و قوله: «في كل خمسة أوساق» يعني في كل من الزبيب و التمر خمسة أوساق، و ليس الطعام بمعنى الحنطة بل ما يطعم يعني فأما الطعمة منها لأهلها أو هو مصدر فإنه جاء بمعنى الإطعام أيضا يعني فأما إطعام المستحق منها فالعشر و نصف العشر، و على التقديرين فهو بيان لمقدار ما يخرج من الزبيب و التمر من غير تعرض للحنطة و الشعير بوجه كما لا تعرض لهما في السؤال، و على هذا فلا إشكال. انتهى. و هو و إن كان لا يخلو من بعد إلا أنه جيد في مقام التأويل.
المقام الثالث عشر [ضم الثمار المتباعدة بعضها إلى بعض]
- قد صرح جملة من الأصحاب من غير خلاف يعرف‌
______________________________
(1) ص 124.
(2) الوسائل الباب 5 من زكاة الغلات.
(3) الوسائل الباب 5 من زكاة الغلات.

140
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث عشر ضم الثمار المتباعدة بعضها إلى بعض ج 12 ص 140

بأنه تضم الثمار المتباعدة في البلاد بعضها إلى بعض و إن تفاوتت في الإدراك و أن حكمها في ذلك حكم البلد الواحدة فإذا بلغ بعضه الحد الذي يتعلق به الوجوب، فإن كان نصابا أخذ منه الزكاة ثم يؤخذ من الباقي قل أو كثر بعد أن يتعلق به الوجوب، و إن كان الذي أدرك أولا أقل من النصاب يتربص به حتى يدرك الآخر و يتعلق به الوجوب فيكمل منه النصاب الأول ثم يؤخذ من الباقي كائنا ما كان، و نقل العلامة في التذكرة إجماع المسلمين عليه.
قال في المنتهى: لو كان له نخل يتفاوت إدراكه بالسرعة و البطء بأن يكون في بلدين مزاج أحدهما أسخن من الآخر فتدرك الثمرة في الأسخن قبل إدراكها في الآخر فإنه تضم الثمرتان إذا كانا لعام واحد و إن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر، لأن اشتراك إدراك الثمار في الوقت الواحد متعذر و ذلك يقتضي إسقاط الزكاة غالبا. و لا نعرف في هذا خلافا. انتهى.
أقول: و يؤيده أن في بلادنا البحرين نخلا يسمى الطيار يسبق سائر النخيل في بدو الصلاح بما يقرب من شهر و نخلا يسمى خصبة عصفور يتأخر إلى آخر الوقت و يكون ما بينه و بين الأول ما يقرب من شهرين.
و بالجملة فالظاهر أن الحكم لا إشكال فيه لدخوله تحت عموم الأدلة و إطلاقها‌
خاتمة [هل تتعلق الزكاة بالعين أو بالذمة]
المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) تعلق الزكاة بالعين و نقل عن شذوذ من أصحابنا تعلقها بالذمة و الأظهر الأول، و يدل عليه ظواهر النصوص‌
كقولهم (عليهم السلام) «1» «في كل أربعين شاة شاة».
و‌
«في كل عشرين مثقالا من الذهب نصف مثقال» «2».
و نحو ذلك، و‌
«في ما سقت السماء العشر» «3».
و نحو‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 من زكاة الأنعام.
(2) الوسائل الباب 1 من زكاة الذهب و الفضة.
(3) الوسائل 4 من زكاة الغلات.

141
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

خاتمة هل تتعلق الزكاة بالعين أو بالذمة ج 12 ص 141

ذلك من الألفاظ التي من هذا الباب.
و يمكن خدشه بحمل «في» على السببية دون الظرفية و يؤيده‌
قولهم (عليهم السلام) «1» «في خمس من الإبل شاة».
فإنه لا مجال هنا لاعتبار الظرفية.
و استدل على ذلك أيضا بأنها لو وجبت في الذمة لتكررت في النصاب الواحد بتكرر الحول، و للزم أن لا تقدم على الدين مع بقاء عين النصاب إذا قصرت التركة، و للزم أن لا تسقط بتلف النصاب من غير تفريط، و للزم أن لا يجوز للساعي تتبع العين لو باعها المالك بعد الحول قبل أن يؤدي زكاتها، و اللوازم كلها باطلة بالاتفاق فالملزوم مثله. و لا يخفى أنه و إن كان للمناقشة في بعض ما ذكر مجال إلا أنه يحصل من المجموع ما يفيد دلالة على الحكم المذكور.
و الأجود الرجوع في ذلك إلى الروايات و منها-
صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه «2» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام رجل لم يزك إبله أو شاءه عامين فباعها على من اشتراها أن يزكيها لما مضى؟ قال نعم تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها البائع أو يؤدي زكاتها البائع».
و ما رواه ابن بابويه عن أبي المغراء عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «إن اللّٰه تبارك و تعالى أشرك بين الأغنياء و الفقراء في الأموال فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم».
و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» قال: «إن اللّٰه فرض في أموال الأغنياء للفقراء ما يكتفون به و لو علم أن الذي فرض لا يكفيهم لزادهم. الحديث».
______________________________
(1) الوسائل الباب 2 من زكاة الأنعام.
(2) الوسائل الباب 12 من زكاة الأنعام.
(3) الوسائل الباب 2 من المستحقين للزكاة، و الرواية للكليني.
(4) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة.

142
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

خاتمة هل تتعلق الزكاة بالعين أو بالذمة ج 12 ص 141

و حسنة عبد اللّٰه بن مسكان و غير واحد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «إن اللّٰه تعالى جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم و لو لا ذلك لزادهم».
و في حسنة الوشاء عن أبي الحسن الرضا عليه السلام «2» قال: «قيل لأبي عبد اللّٰه عليه السلام لأي شي‌ء جعل اللّٰه الزكاة خمسة و عشرين في كل ألف و لم يجعلها ثلاثين؟ فقال أن اللّٰه تعالى جعلها خمسة و عشرين أخرج من أموال الأغنياء بقدر ما يكتفي به الفقراء. الحديث».
و في رواية قثم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «قلت له جعلت فداك أخبرني عن الزكاة كيف صارت من كل ألف خمسة و عشرين لم تكن أقل و لا أكثر ما وجهها؟
فقال إن اللّٰه تعالى خلق الخلق كلهم فعلم صغيرهم و كبيرهم و غنيهم و فقيرهم فجعل من كل ألف إنسان خمسة و عشرين مسكينا».
و في رواية مؤمن الطاق عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» «إن اللّٰه حسب الأموال و المساكين فوجد ما يكفيهم من كل ألف خمسة و عشرين درهما».
فهذه الأخبار كلها كما ترى ظاهرة الدلالة مكشوفة المقالة في أن الزكاة حصة متعلقة بالأموال و مفروضة فيها و منتزعة منها، و من الظاهر أنه ليس المراد مطلق الأموال بل الأموال الزكوية بالشرائط المقررة في غير هذه الأخبار.
احتج من قال بتعلق الزكاة بالذمة بأنها لو وجبت في العين لكان للمستحق إلزام المالك بالأداء من العين، و لمنع من التصرف في النصاب إلا مع إخراج الزكاة.
و أجاب المحقق في المعتبر عن الأول بالمنع من الملازمة فإن الزكاة وجبت جبرا للفقراء فجاز أن يكون العدول عن العين تخفيفا عن المالك ليسهل عليه دفعها.
قال: و كذا الجواب عن جواز التصرف إذا ضمن الزكاة. و هو جيد.
و الظاهر من ضم الأخبار بعضها إلى بعض ما ذكر هنا و ما تقدم دالا على جواز إخراج القيمة في النقدين و الغلات هو أنها و إن وجبت في العين إلا أن‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 3 من زكاة الذهب و الفضة.
(3) الوسائل الباب 3 من زكاة الذهب و الفضة.
(4) الوسائل الباب 3 من زكاة الذهب و الفضة.

143
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

خاتمة هل تتعلق الزكاة بالعين أو بالذمة ج 12 ص 141

الشارع رخص للمالك و وسع عليه- كما هو المعهود من بناء الشريعة المحمدية المبنية على السهولة و رفع الحرج- أن يدفع من غير النصاب سواء كان من مال آخر غير عين الفريضة أو قيمة فلا منافاة.
و بذلك يظهر أن ما ذكره جملة من المتأخرين في هذا المقام- من أنه على تقدير تعلقها بالعين فهل هو بطريق الاستحقاق فالفقير شريك أو بطريق الاستيثاق فيحتمل أنه كالرهن و يحتمل كتعلق أرش الجناية بالعبد؟ قالوا: و تضعف الشركة بالإجماع على جواز أدائها من مال آخر و هو مرجح للتعلق بالذمة. و عورض بالإجماع على تتبع الساعي العين لو باعها المالك و لو تمحض التعلق بالذمة امتنع.
و فرعوا على ذلك ما لو بيع النصاب بعد الحول و قبل إخراج الزكاة فإنه ينفذ ذلك في نصيبه قولا واحدا، و في قدر الفرض يبنى على الخلاف فعلى الشركة يبطل البيع و يتخير المشتري الجاهل لتبعيض الصفقة، و على القول بالذمة يصح البيع قطعا فإن أدى المالك لزم و إلا فالساعي يتبع العين فيتجدد البطلان و يتخير المشتري للتبعيض، و على الرهن يبطل البيع إلا أن يتقدم الضمان أو يخرج من غيره، و على الجناية يكون البيع التزاما بالزكاة فإن أداها نفذ و إن منع تتبع الساعي العين- من ما لا حاجة تلجئ إليه و لا حكم يتوقف عليه بل الظاهر أنه تطويل بغير طائل و كلام لا يرجع إلى حاصل، و الأخبار في ما ذكرناه مكشوفة القناع و هي الأحرى بالاقتداء و الاتباع. و اللّٰه العالم.
المطلب الرابع- في ما يستحب فيه الزكاة
و هي أصناف‌
(الأول) مال التجارة
، و عرفوه بأنه الذي يملك بعقد معاوضة بقصد الاكتساب به، فخرج منه ما ملك لا بعقد كالميراث و حيازة المباحات و نحو ذلك و إن قصد به الاكتساب و كذا خرج ما يملك بعقد لا على جهة المعاوضة كالهبة و الصدقة و الوقف و نحو ذلك. و المراد بالمعاوضة ما كانت معاوضة محضة و هي ما يقوم طرفاها بالمال كالبيع و الصلح و نحوهما، و يخرج الصداق و الخلع فإن أحد العوضين ليس مالا، و كذا‌

144
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأول مال التجارة ج 12 ص 144

يخرج ما لم يقصد به الاكتساب كأن يقصد القنية و الصدقة.
و على جميع ذلك تدل ظواهر الأخبار،
ففي صحيحة محمد بن مسلم الحسنة في المشهور «1» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن رجل اشترى متاعا و كسد عليه و قد زكى ماله قبل أن يشتري المتاع متى يزكيه؟ فقال إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة و إن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال. قال و سألته عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها؟ فقال إذا حال الحول فليزكها».
و صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق «2» قال: «سأله سعيد الأعرج و أنا حاضر أسمع فقال إنا نكبس الزيت و السمن نطلب به التجارة فربما مكث عندنا السنة و السنتين هل عليه زكاة؟ قال إن كنت تربح فيه شيئا أو تجد رأس مالك فعليك فيه زكاة و إن كنت إنما تربص به لأنك لا تجد إلا وضيعة فليس عليك زكاة حتى يصير ذهبا أو فضة فإذا صار ذهبا أو فضة فزكه للسنة التي تتجر فيها».
و رواية أبي الربيع الشامي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» «في رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه و قد كان زكى ماله قبل أن يشتري به هل عليه زكاة أو حتى يبيعه؟ فقال إن كان أمسكه ليلتمس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة».
و رواية محمد بن مسلم «4» و فيها قال: «كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه الحول».
و في كتاب الفقه الرضوي «5» «و إن كان مالك في تجارة و طلب منك المتاع برأس مالك و لم تبعه تبتغي بذلك الفضل فعليك زكاته إذا حال عليك الحول و إن لم يطلب منك برأس مالك فليس عليك الزكاة».
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الظاهرة في ما ذكرناه.
______________________________
(1) الوسائل الباب 13 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 13 من ما تجب فيه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 13 من ما تجب فيه الزكاة.
(4) الوسائل الباب 13 من ما تجب فيه الزكاة.
(5) ص 23.

145
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأول مال التجارة ج 12 ص 144

و المشهور اشتراط مقارنة قصد الاكتساب للتملك فلو قصد به القنية أولا ثم نوى به الاكتساب لم تتعلق به الزكاة، و الأخبار مطلقة لا يفهم منها هذا التقييد و لهذا ذهب جمع من الأصحاب: منهم- المحقق في المعتبر و الشهيد في الدروس و الشهيد الثاني في جملة من كتبه إلى أن مال القنية إذا قصد به التجارة تتعلق به الزكاة نظرا إلى أنه مال تجارة فيدخل تحت تلك الأخبار. و هو جيد.
و لا بد من استمرار نية الاكتساب طول الحول ليتحقق كونه مال تجارة فلو نوى القنية في أثناء الحول انتفى الاستحباب، و هو من ما لا خلاف فيه و عليه تدل ظواهر الأخبار المتقدمة و غيرها.
[شروط استحباب الزكاة هنا]
ثم إن استحباب الزكاة هنا مشروط عند الأصحاب بشروط‌
أحدها- بلوغ النصاب
و هو نصاب النقدين بأن تبلغ قيمة مال التجارة أحد نصابي الذهب أو الفضة و هو مجمع عليه من الخاصة و العامة «1» و لم أقف على دليل على وجوب اعتبار النصاب هنا فضلا عن كونه نصاب أحد النقدين سوى الإجماع المدعى في المقام، و ما يدعونه- من أن ظاهر الروايات أن هذه الزكاة بعينها زكاة النقدين فيعتبر فيها نصابهما و يتساويان في قدر المخرج- فلا يخفى ما فيه، و المسألة لا تخلو من إشكال، فإن ظاهر الروايات الإطلاق.
و ظاهرهم بناء على ذلك اعتبار النصاب الثاني كما في النقدين فإذا بلغت القيمة عشرين دينارا أو مائتي درهم ثبتت الزكاة و هي ربع العشر ثم الزائد إذا بلغ النصاب الثاني و هو أربعة دنانير أو أربعون درهما ثبتت فيه الزكاة و إلا فلا.
و في فهم ذلك من الأخبار تأمل، و لهذا إن شيخنا الشهيد الثاني قال إنه لم يقف على دليل يدل على اعتبار النصاب الثاني هنا و إن العامة صرحوا بالأول خاصة «2» و اعترضه سبطه في المدارك بأن الدليل على اعتبار الأول هو بعينه الدليل‌
______________________________
(1) المغني ج 3 ص 31، و الهداية للمرغيناني ج 1 ص 74، و بدائع الصنائع ج 2 ص 20.
(2) راجع المغني ج 3 ص 31، و بدائع الصنائع ج 2 ص 20.

146
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

أحدها بلوغ النصاب ج 12 ص 146

على اعتبار الثاني و الجمهور إنما لم يعتبروا النصاب الثاني هنا لعدم اعتبارهم له في زكاة النقدين «1» كما ذكره في التذكرة. و مراده (قدس سره) بالدليل على النصاب الأول هو ما ذكروه من كون هذه الزكاة بعينها زكاة النقدين فتحصل المساواة في الحكم مطلقا. و قد عرفت ما فيه.
و ظاهرهم أيضا تفريعا على ما تقدم الاتفاق على وجود النصاب في الحول فلو نقص في أثناء الحول و لو يوما سقط الاستحباب.
و‌
ثانيها- الحول
فلا بد من وجود ما يعتبر في الزكاة من أول الحول إلى آخره و عليه يدل ما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم و هي الأولى من الأخبار المتقدمة من قوله: «و سألته عن الرجل توضع عنده الأموال. الحديث» و روايته الأخيرة أيضا‌
و‌
ثالثها- أن يطلب برأس المال طول الحول أو زيادة
فلو طلب بما هو أنقص من رأس المال سقط الاستحباب، و عليه تدل الأخبار المتقدمة و غيرها.
و هل يشترط في زكاة التجارة بقاء عين السلعة طول الحول كما في المالية أم لا فتثبت الزكاة و إن تبدلت الأعيان بالمعاوضات مع بلوغ القيمة النصاب؟ قولان أشهرهما بين المتأخرين الثاني بل ادعى عليه الإجماع و أظهرهما الأول، و هو الظاهر من كلام الشيخ المفيد في المقنعة و ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه و هو ظاهر المحقق في الشرائع و به جزم في المعتبر، و عليه تدل ظواهر الأخبار كقوله‌
______________________________
(1) في المغني ج 3 ص 6- بعد أن ذكر أن نصاب الفضة مائتا درهم و نصاب الذهب عشرون مثقالا- قال و في زيادتها و إن قلت، روى هذا عن علي و ابن عمر و به قال عمر بن عبد العزيز و النخعي و مالك و الثوري و ابن أبي ليلى و الشافعي و أبو يوسف و محمد و أبو عبيد و أبو ثور و ابن المنذر، و قال سعيد بن المسيب و عطاء و طاوس و الشعبي و مكحول و الزهري و عمرو بن دينار و أبو حنيفة لا شي‌ء في زيادة الدراهم حتى تبلغ أربعين و لا في زيادة الدنانير حتى تبلغ أربعة دنانير لقوله (ص) «من كل أربعين درهما درهما» و في بدائع الصنائع ج 2 ص 17 نحو ذلك، و كذا في بداية المجتهد ج 1 ص 218 و نسب القول الأول إلى الجمهور.

147
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

ثالثها أن يطلب برأس المال طول الحول أو زيادة ج 12 ص 147

عليه السلام في‌
صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة «1» «إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله» و قوله: «و إن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله».
و قوله في رواية أبي الربيع المتقدمة أيضا «2» «إن كان أمسكه ليلتمس الفضل. إلى آخره».
و مثلها صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق المتقدمة أيضا «3» فإنها كلها ظاهرة بل صريحة في بقاء العين طول الحول.
تنبيهات
يتوقف عليها تحقيق الكلام في المقام‌
(الأول) [الجمع بين أخبار وجوب زكاة التجارة و أخبار عدمه]
ما ذكرناه من استحباب الزكاة في مال التجارة هو المشهور بين الأصحاب و نقل المحقق عن بعض علمائنا قولا بالوجوب، و بذلك صرح الشيخ في بعض كلامه، قيل و هو الظاهر من كلام ابن بابويه، و نقل عن ابن أبي عقيل أنه قال اختلفت الشيعة في زكاة التجارة فقالت طائفة منهم بالوجوب و قال آخرون بعدمه و قال و هو الحق عندي.
أقول: و يدل على القول بالوجوب ظواهر كثير من الأخبار كالأخبار المتقدمة من حيث التعبير فيها بقوله: «فعليك فيه الزكاة» أو «فعليه» من ما هو ظاهر في الوجوب، و مثل الأخبار المذكورة كثير في الأخبار أيضا تركنا نقلها اختصارا.
و استدل على القول بالاستحباب كما هو المشهور بما دل من الأخبار على عدم الوجوب مضافا إلى الأخبار المتقدمة الدالة على ثبوت الزكاة في التسعة المتقدمة خاصة:
منها-
ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن زرارة «4» قال: «كنت قاعدا عند أبي جعفر عليه السلام و ليس عنده غير ابنه جعفر عليه السلام فقال يا زرارة إن أبا ذر و عثمان تنازعا على عهد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله فقال عثمان كل مال من ذهب أو فضة يدار به و يعمل به و يتجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول. فقال أبو ذر
______________________________
(1) ص 145.
(2) ص 145.
(3) ص 145.
(4) الوسائل الباب 14 من ما تجب فيه الزكاة.

148
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأول الجمع بين أخبار وجوب زكاة التجارة و أخبار عدمه ج 12 ص 148

أما ما اتجر به أو دير و عمل به فليس فيه زكاة إنما الزكاة فيه إذا كان ركازا أو كنزا موضوعا فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة. فاختصما في ذلك إلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله قال فقال القول ما قال أبو ذر. فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام لأبيه ما تريد إلا أن يخرج مثل هذا فيكف الناس أن يعطوا فقراءهم و مساكينهم فقال أبوه عليه السلام إليك عني لا أجد منها بدا».
و ما رواه أيضا في الموثق عن إسحاق بن عمار «1» قال: «قلت لأبي إبراهيم عليه السلام الرجل يشتري الوصيفة يثبتها عنده لتزيد و هو يريد بيعها أ على ثمنها زكاة؟ قال لا حتى يبيعها. قلت فإن باعها أ يزكي ثمنها؟ قال لا حتى يحول عليه الحول و هو في يده».
و رواه في الكافي عنه أيضا بسند فيه سهل «2».
و ما رواه في الموثق عن ابن بكير و عبيد و جماعة من أصحابنا «3» قالوا:
«قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام ليس في المال المضطرب به زكاة فقال له إسماعيل ابنه يا أبت جعلت فداك أهلكت فقراء أصحابك فقال أي بني حق أراد اللّٰه أن يخرجه فخرج».
و ما رواه في الصحيح عن سليمان بن خالد «4» قال: «سئل أبو عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل كان له مال كثير فاشترى به متاعا ثم وضعه فقال هذا متاع موضوع فإذا أحببت بعته فيرجع إلى رأس مالي و أفضل منه هل عليه فيه صدقة و هو متاع؟
قال لا حتى يبيعه. قال فهل يؤدي عنه إن باعه لما مضى إذا كان متاعا؟ قال لا».
و أنت خبير بأن ظواهر الأخبار المتقدمة كما عرفت هو الوجوب و صريح هذه الأخبار نفي الوجوب، و الشيخ قد جمع بين الأخبار بحمل الأخبار المتقدمة على الاستحباب و تبعه على ذلك الأصحاب كما هي عادتهم و قاعدتهم في جميع الأبواب. و عندي فيه توقف لما عرفته في غير موضع من ما تقدم، نعم لو كان في الأخبار من أحد الطرفين ما يدل على الاستحباب صريحا أو ظاهرا لزال الإشكال، و أما أن الاستحباب يثبت بمجرد اختلاف الأخبار و جمعها عليه فهو‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 14 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 14 من ما تجب فيه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 14 من ما تجب فيه الزكاة.
(4) الوسائل الباب 14 من ما تجب فيه الزكاة.

149
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأول الجمع بين أخبار وجوب زكاة التجارة و أخبار عدمه ج 12 ص 148

من ما لا دليل عليه يوجب الركون إليه، و كيف لا و الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل الواضح و مجرد اختلاف الأخبار ليس بدليل يوجب ذلك كما لا يخفى على المنصف، و مع ذلك فإنه لا ينحصر الجمع بين الأخبار في ما ذكروه بل لا يبعد حمل الروايات المتقدمة على التقية، حيث إن الوجوب مذهب أبي حنيفة و الشافعي و أحمد «1» على ما نقله في المعتبر، و في صحيحة زرارة و موثقة ابن بكير و عبيد و جماعة من أصحابنا ما يشير إلى ذلك. و المسألة لذلك لا تخلو من الإشكال.
و لم أر من تنبه لما ذكرناه سوى المحدث الكاشاني في الوافي حيث قال بعد أن نقل الأخبار الأخيرة و نعم ما قال: في هذه الأخبار ما يشعر بأن الأخبار الأولة إنما وردت للتقية إلا أن صاحب التهذيبين و جماعة من الأصحاب حملوها على الاستحباب. انتهى.
(الثاني) [هل تتعلق زكاة التجارة بالعين أو بالقيمة؟]
اختلف الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في أنه هل تتعلق الزكاة بعين مال التجارة أم بالقيمة؟ قولان اختار ثانيهما الشيخ و أتباعه و الظاهر أنه هو المشهور قال في المنتهى: قال الشيخ تتعلق بالقيمة و تجب فيها. و نقل الخلاف عن بعض العامة «2» و هو مشعر بعدم الخلاف عندنا، و الذي يدل عليه اعتبار نصاب النقدين و الشريعة السهلة و أصل جواز التصرف بالبيع و غيره في أموال التجارة، و التعلق بالعين يمنع عن ذلك إلا مع التخمين و الضمان كما في الزكاة. انتهى.
و ظاهر المحقق في المعتبر و العلامة في التذكرة اختيار الأول و استحسنه في المدارك، و المسألة محل تردد لعدم الوقوف فيها على نص يقتضي المصير إلى أحد القولين. و استحسانه في المدارك لهذا القول مع عدم إقامته دليلا عليه لا أعرف له وجها.
و تظهر فائدة الخلاف في جواز بيع العين على تقدير القول بالوجوب بعد‌
______________________________
(1) المغني ج 3 ص 30.
(2) المغني ج 3 ص 31.

150
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثاني هل تتعلق زكاة التجارة بالعين أو بالقيمة ج 12 ص 150

الحول و قبل إخراج الزكاة أو ضمانها فيجوز على القول بتعلقها بالقيمة و يمتنع على تقدير تعلقها بالعين، و في ما لو زادت القيمة بعد الحول فيخرج ربع عشر الزيادة على تقدير التعلق بالعين و ربع عشر القيمة قبل تمام الحول على تقدير التعلق بالقيمة‌
(الثالث) [تقويمه بالدراهم و الدنانير]
لا خلاف في أن مقدار الزكاة في مال التجارة هي زكاة النقدين كما تقدم سواء اشترى بهما أو بغيرهما من العروض، و على كل تقدير فهو يقوم بالدراهم و الدنانير، و هو ظاهر في ما إذا اشترى بهما لأن نصاب العرض مبني على ما اشترى به و رأس المال إنما يعلم بعد التقويم به. و لو كان الثمن عروضا قوم بالنقد الغالب و اعتبر بلوغ النصاب و وجود رأس المال به. و لو تساوى النقدان كان مخيرا بالتقويم بأيهما شاء.
(الرابع) لو اشترى نصابا للتجارة [و حال عليه الحول]
مثل أربعين شاة أو ثلاثين بقرة ثم حال الحول عليها فالمشهور بل ادعى عليه الإجماع غير واحد هو وجوب الزكاة المالية و سقوط زكاة التجارة‌
لقول الصادق عليه السلام في صحيحة زرارة أو حسنته على المشهور بإبراهيم بن هاشم «1» «لا يزكى المال من وجهين في عام واحد».
و حينئذ فلا ريب في سقوط زكاة التجارة على القول باستحبابها.
و نقل المحقق في الشرائع قولا باجتماع الزكاتين هذه وجوبا و هذه استحبابا، ثم قال: و يشكل ذلك على القول بوجوب زكاة التجارة. مع أنه في المعتبر ادعى الاتفاق على عدم اجتماعهما فقال: و لا يجتمع زكاة العين و التجارة في مال واحد اتفاقا. و نحوه قال العلامة في التذكرة و المنتهى.
أقول: لا ريب في ضعف هذا القول المذكور بعد ما عرفت من دلالة الخبر الصحيح الصريح على نفي ذلك.
و أما ما ذكره من الإشكال و تبعه غيره و أطالوا البحث به في هذا المجال على تقدير القول بوجوب زكاة التجارة فلا طائل تحته و لا ثمرة فيه بعد ما عرفت من‌
______________________________
(1) ص 39.

151
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابع لو اشترى نصابا للتجارة و حال عليه الحول ج 12 ص 151

اتفاقهم على الاستحباب و ردهم لهذا القول و الإعراض عنه الموجب لبطلانه و حمل الأخبار كلها على ما ادعوه. و أما على ما ذكرناه من دلالة الأخبار المتقدمة عليه فالأمر فيه لا يخلو من الإشكال لما عرفت من إمكان حمل الأخبار المذكورة على التقية و من شهرة القول باستحباب الزكاة المذكورة قديما و حديثا بل قيل بوجوبها و حمل الأخبار المذكورة على التقية يقتضي سقوطها رأسا. و اللّٰه العالم.
الثاني [الخيل الإناث السائمة و البراذين]
من الأصناف المتقدمة- الخيل الإناث السائمة و البراذين، يخرج عن كل عتيق ديناران و عن كل برذون دينار، و المراد بالعتيق كريم الأصل و هو ما كان أبواه عربيين و البرذون بكسر الباء خلافه. و قد صرحوا بأنه يشترط فيها شروط ثلاثة: السوم و الحول و الأنوثة.
و المستند في ذلك‌
ما رواه ثقة الإسلام في الكافي و الشيخ عنه في التهذيب في الصحيح أو الحسن على المشهور عن محمد بن مسلم و زرارة عنهما (عليهما السلام) «1» قالا «وضع أمير المؤمنين عليه السلام على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين و جعل على البراذين دينارا».
و حسنة زرارة «2» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام هل في البغال شي‌ء؟ فقال لا فقلت فكيف صار على الخيل و لم يصر على البغال؟ فقال لأن البغال لا تلقح و الخيل الإناث ينتجن و ليس على الخيل الذكور شي‌ء. قال قلت فما في الحمير؟ فقال ليس فيها شي‌ء. قال قلت هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبهما شي‌ء؟ فقال لا ليس على ما يعلف شي‌ء إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل فأما ما سوى ذلك فليس فيه شي‌ء».
أقول: المرج بالجيم المرعى.
و إنما حملت هاتان الروايتان على الاستحباب مع أن ظاهرهما الوجوب لما تقدم من انتفاء الوجوب عن ما سوى الأصناف التسعة.
و احتمل بعضهم أن هذه الزكاة إنما هي في أموال المجوس يومئذ جزية أو‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 16 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 16 من ما تجب فيه الزكاة.

152
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثاني الخيل الإناث السائمة و البراذين ج 12 ص 152

عوضا عن انتفاعهم بمراعي المسلمين. و ظاهر الخبر الثاني يدفعه.
الثالث- كل ما أنبتت الأرض من ما يدخله المكيال و الميزان
غير الأربعة المشهورة التي اتفقوا على وجوب الزكاة فيها، و مستند الاستحباب عندهم هو الجمع بين الأخبار الدالة على الوجوب في هذه الأشياء و الأخبار الدالة على حصر الوجوب في التسعة المتقدمة. و قد قدمنا أن الأظهر حمل ما دل على الوجوب في هذه الأشياء على التقية.
الرابع- غلات الأطفال و المجانين و مواشيهم
تفصيا من خلاف الشيخ و من تبعه و من الأخبار الدالة على ذلك. و فيه ما تقدم سابقا من أن ما ورد فيه الأخبار من غلات الأطفال فهي محمولة على التقية «1» و ما لم يرد فيه خبر فلا وجه فيه للاستحباب، لأن الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل و خلاف بعض الأصحاب مع كونه خاليا عن الدليل لا يوجب الحكم بالاستحباب.
الخامس- الحلي المحرم
كالخلخال للرجل، ذكره الشيخ و تبعه الجماعة، و لم نقف له على دليل مع ورود الأخبار «2» بأنه لا زكاة في الحلي، و هي مطلقة شاملة للمحلل و المحرم، و‌
روي «3» أن زكاته إعارته.
السادس- المال الغائب و المدفون الذي لا يتمكن صاحبه من التصرف فيه
إذا مضى عليه أحوال ثم وقع في يده فإنه يستحب أن يزكيه لسنة، و قد تقدم ما يدل عليه من الأخبار في الشرط الخامس من شروط وجوب الزكاة من المقصد الأول.
السابع- العقار المتخذ للنماء
كالحمامات و الخانات و الدكاكين و البساتين على ما صرحوا به، و استحباب الزكاة في حاصلها مقطوع به في كلامهم و لم يوردوا‌
______________________________
(1) في المغني ج 2 ص 622، و المحلى ج 5 ص 201 وجوب الزكاة في مال الصبي و المجنون، و في بدائع الصنائع ج 2 ص 4 ذكر الاختلاف في ذلك و اختار العدم.
(2) الوسائل الباب 9 من زكاة الذهب و الفضة.
(3) الوسائل الباب 10 من زكاة الذهب و الفضة.

153
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السابع العقار المتخذ للنماء ج 12 ص 153

لذلك دليلا، و لم نقف له على دليل و لا على مخالف فيه، و كأنه مسلم الثبوت بينهم.
ثم إنه على تقدير الاستحباب صرحوا بأنه لا يشترط هنا الحول و لا النصاب للعموم قاله العلامة في التذكرة، و لا أدري أي عموم أراد مع عدم الدليل كما عرفت؟ و استقرب الشهيد في البيان اعتبارهما.
و لا يخفى أنه لو كان النماء المتخذ من هذه العقارات من الأموال الزكوية تعلق به حكم الزكاة المالية بلا خلاف و لا إشكال فيصير محل الاستحباب في كلامهم مخصوصا بالعروض الغير الزكوية.
الثامن [مورد الفرار من الزكاة قبل تمام الحول؟]
- ما ذكره جملة منهم في ما إذا قصد الفرار قبل الحول بناء على القول بعدم وجوب الزكاة بقصد الفرار كما تقدم، فإنهم بناء على القول المذكور حملوا الأخبار الدالة على وجوب الزكاة متى قصد الفرار بسببك الدراهم و الدنانير أو إبدال الجنس بغيره على الاستحباب تارة، فحكموا على كل من فعل ذلك قبل حول الحول باستحباب الزكاة عليه بعد الحول، و تارة على حصول الفرار بعد حول الحول و قد تقدم الكلام في هذين الحملين و بينا ما فيهما. و اللّٰه العالم.
المقصد الثالث- في مصرف الزكاة
و ما يتعلق بذلك من الأحكام و تفصيل ذلك يقع في أبحاث:
البحث الأول- في أصناف المستحقين لها
و هي ثمانية أصناف كما دلت عليه الآية الشريفة «1»:
الأول و الثاني- الفقراء و المساكين
[هل الفقير و المسكين مترادفان؟]
و قد اختلف الأصحاب في ترادف هذين اللفظين و تغايرهما و الأشهر الأظهر الثاني و عليه فتكون الأصناف ثمانية كما ذكرناه، و قيل بالأول و إليه ذهب المحقق في الشرائع و عليه فتكون الأصناف سبعة ثم إنه على تقدير التغاير قد اختلفوا في ما به يتحقق ذلك و به يتميز أحدهما عن الآخر على أقوال متعددة و كذلك اختلف كلام أهل اللغة، و ليس في‌
______________________________
(1) و هي قوله تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ.» سورة التوبة الآية 61.

154
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

هل الفقير و المسكين مترادفان ج 12 ص 154

تطويل الكلام بنقل ذلك مزيد فائدة.
و الأظهر في بيان وجه التغاير ما دل عليه‌
صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «1» «أنه سأله عن الفقير و المسكين فقال الفقير الذي لا يسأل و المسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل».
و حسنة أبي بصير «2» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام قول اللّٰه تعالى إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ؟ «3» فقال الفقير الذي لا يسأل الناس و المسكين أجهد منه و البائس أجهدهم. الحديث».
و قال الشيخ في التهذيب «4»: ذكر علي بن إبراهيم في كتاب التفسير تفصيل هذه الثمانية الأصناف فقال: فسرهم العالم عليه السلام فقال الفقراء هم الذين لا يسألون لقول اللّٰه تعالى في سورة البقرة «5» لِلْفُقَرٰاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ لٰا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجٰاهِلُ أَغْنِيٰاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمٰاهُمْ لٰا يَسْئَلُونَ النّٰاسَ إِلْحٰافاً. و المساكين هم أهل الديانات. الحديث».
و الجميع صريح في المغايرة كما ترى، و دل الخبران الأولان على أن المسكين أسوأ حالا من الفقير.
و لا يخفى أن ثمرة هذا الخلاف لا مظهر لها في هذا الباب للإجماع على جواز إعطاء كل منهما و إنما تظهر في ما لو نذر أو وقف أو أوصى لأسوئهما حالا، و ظاهر الأصحاب أنه متى ذكر أحدهما خاصة دخل فيه الآخر بغير خلاف كما في آية الكفارة المخصوصة بالمسكين «6» فيدخل فيه الفقير، و إنما الخلاف في ما لو جمعا كما في آية الزكاة لا غير، و لا يخلو من إشكال لأنه متى ثبت التغاير كما ذكرناه و هو المشهور عندهم فدخول أحدهما تحت الآخر مجاز لا يصار إليه إلا بالقرينة، اللّٰهمّ‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة.
(3) سورة التوبة الآية 61.
(4) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة.
(5) الآية 275.
(6) و هي قوله تعالى في سورة المائدة الآية 92 «وَ لٰكِنْ يُؤٰاخِذُكُمْ بِمٰا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمٰانَ فَكَفّٰارَتُهُ.».

155
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

هل الفقير و المسكين مترادفان ج 12 ص 154

إلا أن يجعل الإجماع قرينة على ذلك، و فيه ما فيه.
[ما يتحقق به الغنى المانع من استحقاق الزكاة]
بقي الكلام في الحد المسوغ لتناول هذين الصنفين للزكاة، و لا خلاف في أن الحد الشامل لهما عدم الغنى فإنه الشامل لمعناهما فإذا تحقق ذلك استحق صاحبه الزكاة، و إنما الخلاف في ما به يتحقق الغنى المانع لاستحقاق الزكاة.
فنقل عن الشيخ في الخلاف أنه قال: الغني من ملك نصابا تجب فيه الزكاة أو قيمته. و قال في المبسوط: الغنى الذي يحرم معه أخذ الصدقة أن يكون قادرا على كفايته و كفاية من يلزمه كفايته على الدوام، فإن كان مكتفيا بصنعة و كانت صنعته ترد عليه كفايته و كفاية من يلزمه نفقته حرمت عليه و إن كانت لا ترد عليه حل له ذلك، و هكذا حكم العقار، و إن كان من أهل البضائع احتاج أن يكون معه بضاعة ترد عليه قدر كفايته فإن نقصت عن ذلك حلت له الصدقة، و يختلف ذلك على حسب حاله حتى إن كان الرجل بزازا أو جوهريا يحتاج إلى بضاعة قدرها ألف دينار أو ألفا دينار فنقص عن ذلك قليلا حل له أخذ الصدقة. هذا عند الشافعي «1» و الذي رواه أصحابنا أنها تحل لصاحب السبعمائة و تحرم على صاحب الخمسين و ذلك على قدر حاجته إلى ما يتعيش به و لم يرووا أكثر من ذلك. و في أصحابنا من قال إن من ملك نصابا يجب عليه فيه الزكاة كان غنيا و تحرم عليه الصدقة و ذلك قول أبي حنيفة «2» انتهى.
و الظاهر كما استظهره بعض الأصحاب أن المراد بقوله «على الدوام» أن يكون له ما يحصل به الكفاية عادة من صنعة أو ضيعة أو مال يتجر به بحيث لا ينقص فاضلها عن حاجته. و أما حمله على أن المراد به مئونة السنة كما ذكره العلامة في المختلف فالظاهر بعده.
و قال ابن إدريس: اختلف أصحابنا في من يكون معه مقدار من المال و يحرم عليه بملك ذلك المال أخذ الزكاة، فقال بعضهم إذا ملك نصابا من الذهب و هو‌
______________________________
(1) المغني ج 2 ص 662، و نيل الأوطار ج 4 ص 170.
(2) المغني ج 2 ص 662، و نيل الأوطار ج 4 ص 170.

156
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

ما يتحقق به الغنى المانع من استحقاق الزكاة ج 12 ص 156

عشرون دينارا فإنه يحرم عليه أخذ الزكاة، و قال بعضهم لا يحرم على من ملك سبعين دينارا، و قال بعضهم لا أقدره بقدر بل إذا ملك من الأموال ما يكون قدر كفايته لمئونته طول سنته على الاقتصاد فإنه يحرم عليه أخذ الزكاة سواء كان نصابا أو أقل أو أكثر، فإن لم يكن بقدر كفاية سنته فلا يحرم عليه أخذ الزكاة. و هذا هو الصحيح و إليه ذهب أبو جعفر الطوسي في مسائل الخلاف. انتهى.
و إلى هذا القول ذهب المحقق و العلامة و عامة المتأخرين إلا أنه على إطلاقه مشكل بما صرح به جملة منهم كالشيخ و المحقق في النافع و العلامة و غيرهم من جواز تناول الزكاة لمن كان له مال يتعيش به أو ضيعة أو دار يستغلها إذا كانت الغلة و النماء يعجز عن كفايته و إن كان بحيث يكفيه رأس المال و ثمن الضيعة أو الدار لكفاية سنته فإنه لا يكلف بالإنفاق من رأس ماله و لا بيع ضيعته و داره بل يأخذ التتمة من الزكاة. و القول الفصل و المذهب الجزل في ذلك هو أنه متى كان كذلك يعني يتجر في دراهمه و يستنميها لأجل معاشه و يستغل عقاره لذلك فإن الحكم فيه ما ذكر و متى لم يكن كذلك اعتبر فيه قصور أمواله عن مئونة سنته كما ذكروه أولا.
و يدل على الحكم الأول جملة من الأخبار: منها-
ما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن وهب «1» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يكون له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم و له عيال و هو يحترف فلا يصيب نفقته فيها أ يكب فيأكلها و لا يأخذ الزكاة أو يأخذ الزكاة؟ قال لا بل ينظر إلى فضلها فيقوت بها نفسه و من وسعه ذلك من عياله و يأخذ البقية من الزكاة و يتصرف بهذه لا ينفقها».
و ما رواه الشيخ عن هارون بن حمزة الغنوي «2» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام يروي عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله أنه قال لا تحل الصدقة لغني و لا لذي مرة سوي؟ فقال لا تصلح لغني. قال فقلت له الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعته و له عيال فإن أقبل عليها أكلها عياله و لم يكتفوا بربحها؟ قال فلينظر ما يستفضل منها فيأكله
______________________________
(1) الوسائل الباب 12 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 12 من المستحقين للزكاة.

157
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

ما يتحقق به الغنى المانع من استحقاق الزكاة ج 12 ص 156

هو و من يسعه ذلك و ليأخذ لمن لم يسعه من عياله».
و ما رواه في التهذيب و الفقيه في الموثق عن سماعة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «سألته عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟ فقال نعم إلا أن تكون داره دار غلة فيخرج له من غلتها دراهم تكفيه لنفسه و عياله، فإن لم تكن الغلة تكفيه لنفسه و عياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم في غير إسراف فقد حلت له الزكاة و إن كانت غلتها تكفيهم فلا».
و ما رواه في الكافي و الفقيه عن أبي بصير «2» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل من أصحابنا له ثمانمائة درهم و هو رجل خفاف و له عيال كثيرة أ له أن يأخذ من الزكاة؟ فقال يا أبا محمد أ يربح في دراهمه ما يقوت به عياله و يفضل؟
قال قلت نعم. قال كم يفضل؟ قلت لا أدري. قال إن كان يفضل عن القوت مقدار نصف القوت فلا يأخذ الزكاة و إن كان أقل من نصف القوت أخذ الزكاة.
قلت فعليه في ماله زكاة تلزمه؟ قال بلى. قلت كيف يصنع؟ قال يوسع بها على عياله في طعامهم و كسوتهم و إن بقي منها شي‌ء يناوله غيرهم، و ما أخذ من الزكاة فضه على عياله حتى يلحقهم بالناس».
أقول: قوله عليه السلام «إن كان يفضل عن القوت مقدار نصف القوت» لعل المراد به أنه متى فضل هذا المقدار فإنه يجزئ للقيام بكسوتهم و سائر ضرورياتهم فلا يجوز له تناول الزكاة، و إن كان أقل من ذلك فإنه لا يقوم بمئونة السنة فيجوز له أخذ الزكاة. و لا يخفى ما في هذا الخبر من الدلالة الظاهرة على وجوب زكاة التجارة كما تقدم في تلك الأخبار التي قدمناها في أول المطلب الرابع إلا أنه عليه السلام جعل مصرفها هنا في التوسعة على نفسه و عياله لأنه إذا جاز أخذها من الغير لذلك فبالأولى من نفسه، و الظاهر أن الأمر بإعطاء الغير من زكاة ماله في هذا الخبر و غيره‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 9 من المستحقين للزكاة. و رواه في الفروع ج 1 ص 159 أيضا.
(2) الوسائل الباب 8 من المستحقين للزكاة.

158
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

ما يتحقق به الغنى المانع من استحقاق الزكاة ج 12 ص 156

محمول على الاستحباب.
و يدل على الثاني‌
ما رواه الشيخ المفيد (قدس سره) في كتاب المقنعة عن يونس بن عمار «1» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة و تجب الفطرة على من عنده قوت السنة».
و روى ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن أبي أيوب عن سماعة «2» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل تكون عنده العدة للحرب و هو محتاج أ يبيعها و ينفقها على عياله و يأخذ الصدقة؟ قال يبيعها و ينفقها على عياله».
و هو محمول على ما إذا كانت قيمتها تكفيه لمئونة سنته.
و روى ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح إلى أبي بصير «3» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره. قلت فإن صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة؟ قال زكاته صدقة على عياله، و لا يأخذها إلا أن يكون إذا اعتمد على السبعمائة أنفدها في أقل من سنة فهذا يأخذها، و لا تحل الزكاة لمن كان محترفا و عنده ما تجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة».
و حاصل معنى الخبر أنه متى كان يملك سبعمائة درهم و هي موضوعة عنده إلا أنه متى أقبل عليها و أنفق منها لم تكفه لمئونة سنته فإنه يجوز له أخذ الزكاة و كذا يجوز له أن ينفق زكاتها متى حال عليها الحول على نفسه و عياله.
و نحوه‌
ما رواه الصدوق في كتاب العلل في الموثق عن محمد بن مسلم و غيره عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» قال: «تحل الزكاة لمن له سبعمائة درهم إذا لم تكن له حرفة و يخرج زكاتها منها و يشتري منها بالبعض قوتا لعياله و يعطي البقية أصحابه، و لا تحل الزكاة لمن له خمسون درهما و له حرفة يقوت بها عياله».
و ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «5»
______________________________
(1) الوسائل الباب 8 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 10 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 8 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 8 من المستحقين للزكاة.
(5) الوسائل الباب 12 من المستحقين للزكاة.

159
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

ما يتحقق به الغنى المانع من استحقاق الزكاة ج 12 ص 156

قال: «قد تحل الزكاة لصاحب السبعمائة و تحرم على صاحب الخمسين درهما. فقلت له و كيف يكون هذا؟ قال إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسمها بينهم لم تكفه فليعف عنها نفسه و ليأخذها لعياله، و أما صاحب الخمسين فإنه تحرم عليه إذا كان وحده و هو محترف يعمل بها و هو يصيب منها ما يكفيه إن شاء اللّٰه تعالى».
دلت هذه الأخبار بمفاهيمها على أن السبعمائة المذكورة فيها لو قامت بمئونة سنته لم يجز له أخذ الزكاة كما دل عليه الخبران الأولان.
و أما القول بحصول الغنى بملك النصاب فنقل الاستدلال عليه‌
بما روي عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله «1» أنه قال لمعاذ: «أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم و ترد على فقرائهم».
فجعل الغني من تجب عليه الزكاة و مقتضاه أن من لا تجب عليه ليس بغني فيكون فقيرا. و بأن مالك النصاب يجب عليه دفع الزكاة فلا يحل له أخذها للتنافي.
و رد الأول بأن الرواية عامية فلا تقوم حجة مع ما في الدلالة من إمكان المناقشة. و الثاني بالمنع من التنافي فإنه مجرد استبعاد لا دليل عليه.
فروع
الأول [من قصر كسبه عن مئونة سنته هل يأخذ أزيد من التتمة؟]
- لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في أن من قصر كسبه عن مئونة سنته أو قصر ماله فإنه يأخذ من الزكاة و إنما اختلفوا في المأخوذ بأنه هل يتقدر بقدر أم لا؟ فالمشهور الثاني و قيل بالأول و هو أنه لا يأخذ أزيد من تمام مئونة سنته، و ظاهر جماعة من الأصحاب أن محل الخلاف ذو الكسب القاصر و ظاهر كلام المنتهى وقوع الخلاف في غيره من المال أيضا، حيث قال و لو كان معه ما يقصر عن مئونته و مئونة عياله حولا جاز له أخذ الزكاة لأنه محتاج و قيل لا يأخذ زائدا عن تتمة المئونة حولا و ليس بالوجه. إلا أنه قال في موضع آخر من الكتاب المذكور: يجوز أن يعطى الفقير ما يغنيه و ما يزيد على غناه‌
______________________________
(1) المغني ج 2 ص 662 و سنن ابن ماجة ج 1 ص 543.

160
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأول من قصر كسبه عن مئونة سنته هل يأخذ أزيد من التتمة ج 12 ص 160

و هو قول علمائنا أجمع.
و كيف كان فالظاهر من الأخبار و هي التي عليها المدار في الإيراد و الإصدار هو القول المشهور:
و منها-
ما رواه الكليني و الشيخ في الصحيح عن سعيد بن غزوان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «تعطيه من الزكاة حتى تغنيه».
و ما رواه الكليني في الموثق عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى عليه السلام «2» قال: «قلت له أعطي الرجل من الزكاة ثمانين درهما؟ قال نعم و زده. قلت أعطيه مائة؟ قال نعم و أغنه إن قدرت أن تغنيه».
و في معناها موثقة عمار بن موسى و رواية زياد بن مروان ورواية إسحاق بن عمار و غيرها «3».
و أما القول الآخر فلم أقف له على حجة، و قال الشهيد في البيان- و هو ممن اختار هذا القول بالنسبة إلى من قصر كسبه عن مئونة سنته- و ما ورد في الحديث من الإغناء بالصدقة محمول على غير المكتسب.
و فيه أن صحة هذا الحمل متفرعة على وجود المعارض و ليس فليس، نعم قد ورد في صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة «و يأخذ البقية من الزكاة» و موردها كما تقدم من كان له مال يتجر به و عجز عن استنماء الكفاية، مع أنها غير صريحة في المنع من الزائد.
الثاني [الدار و الخادم و الفرس لا تمنع من أخذ الزكاة مع الحاجة إليها]
- الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في أن دار السكنى و الخادم و فرس الركوب لا تمنع من أخذ الزكاة مع الحاجة إليها.
و على ذلك تدل جملة من الأخبار: منها-
ما رواه الكليني و الشيخ في الصحيح عن عمر بن أذينة عن غير واحد عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السلام) «4»
______________________________
(1) الوسائل الباب 24 من المستحقين للزكاة رقم (1) عن الكليني و رقم (5) عن الشيخ.
(2) الوسائل الباب 24 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 24 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 9 من المستحقين للزكاة.

 

161
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثاني الدار و الخادم و الفرس لا تمنع من أخذ الزكاة مع الحاجة إليها ج 12 ص 161

«أنهما سئلا عن الرجل له دار و خادم أو عبد أ يقبل الزكاة؟ قالا نعم إن الدار و الخادم ليسا بمال».
و الظاهر من قولهما (عليهما السلام) «ليسا بمال» إنهما من حيث الحاجة و إلجاء الضرورة إليهما لا يعدان من المال الذي يكون به غنيا و تحرم عليه الزكاة، و من أجل ذلك إن الأصحاب ألحقوا بذلك ثياب التجمل و فرس الركوب و كتب العلم إذا كان من أهله.
و يدل على فرس الركوب بخصوصها‌
ما رواه علي بن جعفر (رضي اللّٰه عنه) في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) «1» قال: «سألته عن الزكاة أ يعطاها من له الدابة؟ قال نعم و من له الدار و العبد فإن الدار ليس نعدها بمال».
و روى الشيخ عن سعيد بن يسار «2» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول تحل الزكاة لصاحب الدار و الخادم لأن أبا عبد اللّٰه عليه السلام لم يكن يرى الدار و الخادم شيئا».
قوله: «لأن أبا عبد اللّٰه عليه السلام» الظاهر أنه من كلام الراوي.
و ما رواه الشيخ عن إسماعيل بن عبد العزيز عن أبيه «3» قال: «دخلت أنا و أبو بصير على أبي عبد اللّٰه عليه السلام فقال له أبو بصير إن لنا صديقا و هو رجل صدوق يدين اللّٰه بما ندين به. فقال من هذا يا أبا محمد الذي تزكيه؟ فقال العباس بن الوليد ابن صبيح. فقال رحم اللّٰه الوليد بن صبيح ما له يا أبا محمد؟ قال جعلت فداك له دار تسوى أربعة آلاف درهم و له جارية و له غلام يستقي على الجمل كل يوم ما بين الدرهمين إلى الأربعة سوى علف الجمل و له عيال أ له أن يأخذ من الزكاة؟ قال نعم. قال و له هذه العروض؟ فقال يا أبا محمد فتأمرني أن آمره أن يبيع داره و هي عزه و مسقط رأسه أو يبيع جاريته التي تقيه الحر و البرد و تصون وجهه و وجه عياله أو آمره أن يبيع غلامه و جمله و هي معيشته و قوته، بل يأخذ الزكاة فهي له
______________________________
(1) الوسائل الباب 9 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 9 من المستحقين للزكاة.
(3) الفروع ج 1 ص 159 و في الوسائل الباب 9 من المستحقين للزكاة.

162
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثاني الدار و الخادم و الفرس لا تمنع من أخذ الزكاة مع الحاجة إليها ج 12 ص 161

حلال و لا يبيع داره و لا غلامه و لا جمله».
إلى غير ذلك من الأخبار.
و الظاهر من فحوى هذه الأخبار أن الحكم في ذلك مرتب على أحوال الناس و ما هم عليه من الرفعة و الضعة، فمن كان من أهل الشرف و الرفعة الذين جرت عادتهم بالبيوت الواسعة و الخدم و الخيل و نحو ذلك من ثياب التجمل بين الناس و الفروش و الأسباب فإن ذلك لا يمنع من أخذه الزكاة من حيث هذه الأشياء و لا يكلف بيعها و الاقتصار على أقل المجزئ من ذلك، و أما من لم يكن كذلك بل المناسب لحاله ما هو أقل من ذلك مع حصول هذه الأشياء عنده فلا يبعد القول بالاقتصار على ما يناسب حاله و جرت به عادة أبناء نوعه من المسكن و المركوب و الخدم و بيع الزائد إذا قام بمئونة سنته. و اللّٰه العالم.
الثالث [مدعي الفقر يصدق و لا يكلف بالبينة و اليمين]
- قد صرح الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) بأن من ادعى الفقر إن عرف صدقه أو كذبه عومل به و هو من ما لا إشكال فيه، و إن جهل حاله فالمشهور بل ظاهرهم الاتفاق عليه أنه يصدق في دعواه و لا يكلف يمينا و لا بينة كما يظهر من المعتبر و المنتهى و غيرهما.
و ربما علل بعضهم قبول قوله في الصورة المذكورة بأنه مسلم ادعى أمرا ممكنا و لم يظهر ما ينافي دعواه فكان قوله مقبولا، كما في المعتبر. و ربما علل بأنه ادعى ما يوافق الأصل و هو عدم المال و أن الأصل عدالة المسلم فكان قوله مقبولا كما في المنتهى.
و لم أقف على من تعرض للمناقشة في هذا الحكم سوى السيد السند في المدارك و اقتفاه و زاد عليه الفاضل الخراساني في الذخيرة.
و الأظهر عندي هو القول المشهور و يدل عليه وجوه: (أحدها)
ما رواه في الكافي عن عبد الرحمن العزرمي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «جاء رجل إلى الحسن و الحسين (عليهما السلام) و هما جالسان على الصفا فسألهما فقالا إن الصدقة
______________________________
(1) الفروع ج 1 ص 167 و في الوسائل الباب 9 من المستحقين للزكاة.

163
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالث مدعي الفقر يصدق و لا يكلف بالبينة و اليمين ج 12 ص 163

لا تحل إلا في دين موجع أو غرم مفضع أو فقر مدقع ففيك شي‌ء من هذا؟ قال نعم. فأعطياه، و قد كان الرجل سأل عبد اللّٰه بن عمر و عبد الرحمن بن أبي بكر فأعطياه و لم يسألاه عن شي‌ء فرجع إليهما فقال لهما ما لكما لم تسألاني عن ما سألني عنه الحسن و الحسين (عليهما السلام)؟ و أخبرهما بما قالا فقالا إنهما غذيا بالعلم غذاء».
و ما اعترض به الفاضل المشار إليه آنفا على هذه الرواية- من ضعف السند أولا و عدم موافقة الحصر المفهوم منه لما ثبت بالأدلة.
مردود: أما الأول فبأنه مفروغ عنه عندنا لأنا لا نرى العمل بهذا الاصطلاح المحدث إذ لم يدل عليه دليل بل الأدلة على خلافه واضحة السبيل، مع أنه يمكن الجواب على قواعدهم من أن ضعفه مجبور بالشهرة بل الاتفاق على الحكم المذكور كما اعتذروا عن ضعف الأخبار متى اضطروا إلى العمل بها. و أما الثاني فبأن المراد الحصر بالنسبة إلى ذلك السائل لا مطلقا كأنه قيل «الأمر الموجب لسؤالك هل هو لدين موجع؟» و إلا فمن المعلوم أنه ليس من العاملين و لا من أبناء السبيل و لا المؤلفة و لا نحو ذلك من الأصناف و إنما هذا سؤال عن وجوه الفقر الموجبة لسؤاله (الثاني) اتفاق الأصحاب على الحكم المذكور من غير ظهور مخالف و إلا لنقل خلافه في المسألة.
(الثالث) موافقة الأصل بأن الأصل عدم المال، و الأصل الآخر و هو عدم البينة و اليمين.
(الرابع) استلزام التكليف بالبينة و اليمين الحرج و العسر في كثير من الموارد سيما إذا كان من يستحي من إظهار ذلك كما في أكثر المتجملين.
(الخامس) أنه لو كان شرطا لخرج عنهم (عليهم السلام) فيه خبر دال على ذلك و لنقل و ليس فليس. و هذا الوجه يرجع إلى الاستدلال بالبراءة الأصلية على الوجه الذي قدمنا بيانه في غير موضع من كتاب الصلاة، و محصله أن المحدث الماهر إذا تتبع الأخبار الواردة حق التتبع في مسألة لو كان فيها حكم مخالف للأصل‌

164
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالث مدعي الفقر يصدق و لا يكلف بالبينة و اليمين ج 12 ص 163

لاشتهر لعموم البلوى بها و لم يظفر بذلك في الأخبار يحصل له العلم أو الظن المتآخم له بعدم ذلك الحكم، و الأمر هنا كذلك.
(السادس) و هو أمتنها و أظهرها و أوجهها و أنضرها أنه لا يخفى على من تأمل الأخبار الواردة بالبينة و اليمين في أبواب الدعاوي أنه لا عموم فيها فضلا عن الخصوص على وجه يشمل مثل ما نحن فيه، فإن موردها إنما هو ما إذا كانت الدعوى بين اثنين مدع و منكر و لا دلالة فيها على من ادعى شيئا و ليس له من يقابله و ينكر دعواه بأنه يكلف البينة أو اليمين، و في الأخبار الكثيرة «1»
«البينة على المدعى و اليمين على من أنكر».
بل ورد في جملة من الأخبار و به قال علماؤنا الأبرار أن من ادعى شيئا و لا مناقض له في دعواه يقبل قوله من غير بينة و لا يمين بمجرد احتمال صدقه.
و من ذلك‌
ما رواه في الكافي و التهذيب عن منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «قلت عشرة كانوا جلوسا و في وسطهم كيس فيه ألف درهم فسأل بعضهم بعضا أ لكم هذا الكيس؟ فقالوا كلهم لا و قال واحد هو لي فلمن هو؟
قال للذي ادعاه».
و يستفاد من هذا الخبر أن كل من ادعى ما لا يد عليه قضي له به، و بذلك صرح الأصحاب من غير خلاف ينقل، قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد نقل الرواية المذكورة دليلا للحكم المذكور: و لأنه مع عدم المنازع لا وجه لمنع المدعي منه و لا لطلب البينة و لا لإحلافه إذ لا خصم له حتى يترتب عليه ذلك. و فيه إشارة إلى ما قدمناه من أن البينة و اليمين إنما هي في مقام الخصومة و مع عدم خصم يقابل بإنكار تلك الدعوى فليس المقام مقام البينة و لا اليمين.
و من ذلك‌
رواية ميسر «3» و هي صحيحة إليه قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام ألقى المرأة في الفلاة التي ليس فيها أحد فأقول لها أ لك زوج؟ فتقول لا فأتزوجها؟
______________________________
(1) الوسائل الباب 3 من كيفية الحكم.
(2) الوسائل الباب 17 من كيفية الحكم.
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب المتعة.

165
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالث مدعي الفقر يصدق و لا يكلف بالبينة و اليمين ج 12 ص 163

قال نعم هي المصدقة على نفسها».
و في رواية أبان بن تغلب عنه عليه السلام «1» «ليس هذا عليك إنما عليك أن تصدقها في نفسها».
و في رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر «2» قال: «قلت للرضا عليه السلام الرجل يتزوج المرأة فيقع في قلبه أن لها زوجا؟ قال و ما عليه أ رأيت لو سألها البينة كان يجد من يشهد أن ليس لها زوج؟».
و في هذا الخبر إشارة إلى ما قدمناه في الوجه الرابع من لزوم العسر و الحرج بطلب البينة في أمثال هذه المواضع من ما يكون بين المكلف و بين اللّٰه تعالى.
و في بعض الأخبار الصحاح عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» «في رجل طلق امرأته ثلاثا فبانت منه فأراد مراجعتها فقال لها إني أريد مراجعتك فتزوجي زوجا غيري فقالت له قد تزوجت زوجا غيرك و حللت لك نفسي. أ يصدق قولها و يراجعها و كيف يصنع؟ قال إذا كانت المرأة ثقة صدقت في قولها».
قال بعض مشايخنا (رضوان اللّٰه عليهم) المراد بكونها ثقة أي موثوق بأخبارها غير متهمة لا الثقة بالمعنى المصطلح، و هو كذلك. و الظاهر أن قبول قول المدعي في جملة هذه المواضع و عدم تكليفه باليمين أو البينة إنما هو من حيث عدم المناقض له في دعواه لا من حيث خصوصية هذه المواضع، و حينئذ فيطرد الحكم في كل موضع كذلك، و لهذا صرح الأصحاب بذلك في مواضع عديدة: منها- ما دل عليه بخصوصه دليل، و منها ما لم يدل عليه دليل و إنما استندوا فيه إلى ما ذكرناه و منه قبول قول من عليه زكاة أو خمس في إخراجه، و منه ما لو ادعى صاحب النصاب إبداله في أثناء الحول فرارا من الزكاة، و ما لو خرص عليه و ادعى النقصان عن بلوغ النصاب، و لو ادعى الدين و لم يكذبه غريمه أو الكتابة و لم يكذبه سيده، أو ادعى‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 10 من أبواب المتعة.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب المتعة.
(3) الوسائل الباب 11 من أقسام الطلاق و أحكامه.

166
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالث مدعي الفقر يصدق و لا يكلف بالبينة و اليمين ج 12 ص 163

ذهاب ماله بعد أن كان غنيا، و قد أنهى شيخنا الشهيد الثاني جملة منها تزيد على عشرين موضعا. ثم قال و ضبطها بعضهم بأن كل ما كان بين العبد و بين اللّٰه و لا يعلم إلا منه و لا ضرر فيه على الغير أو ما تعلق به الحد أو التعزير. انتهى.
و لا يخفى أن هذه الوجوه التي ذكرناها و إن أمكن المناقشة في بعضها إلا أنه بالنظر إلى مجموعها و لا سيما الأول و الأخير منها فإنه لا يبقى للتوقف فيها مجال.
و أما ما توهمه في المدارك في مقابلة ذلك- من أن الشرط اتصاف المدفوع إليه بأحد الأوصاف الثمانية فلا بد من تحقق الشرط كما في نظائره- فجوابه أن الظاهر أن الفقر المشترط في الآية ليس عبارة عن الفقر بحسب الواقع و نفس الأمر، فإن الأحكام الشرعية لم تبن على الواقع و نفس الأمر لا في هذا الموضع و لا في غيره للزوم الحرج و تكليف ما لا يطاق إذ ذلك غير ممكن إلا له عز شأنه و إنما جرى التكليف على الظاهر، و حينئذ فالمراد بالفقر في الآية ما يظهر من حال الفقير و يكفي فيه مجرد إخباره و دعواه استنادا إلى ما ذكرنا من الوجوه.
و يؤكد ذلك ما صرحوا به من أنه لو دفع له الزكاة بناء على ظاهر الفقر ثم ظهر يسره و أنه ليس بمستحق للزكاة فإنه لا يجزئ عنه استنادا إلى‌
ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن عثمان عن من ذكره عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» «في رجل يعطي زكاة ماله رجلا و هو يرى أنه معسر فوجده موسرا؟ قال لا يجزئ عنه».
و من ما يؤيد البناء على الظاهر أيضا و الاكتفاء بدعوى الفقر و الحاجة ما استفاض في الأخبار من استحباب إعطاء من مد يده للسؤال و عدم رده كما في‌
صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام «2» قال: «أعط السائل و لو كان على ظهر فرس».
و من الظاهر أن هذا الاستحباب إنما ترتب على مجرد مد يده للسؤال حتى و لو كان ظاهر حاله يخالف ذلك من كونه على ظهر فرس و متجملا، و هو مؤذن بتصديقه‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 2 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب الصدقة.

167
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالث مدعي الفقر يصدق و لا يكلف بالبينة و اليمين ج 12 ص 163

في دعوى الفقر و إلا لما ثبت الاستحباب بمجرد ذلك.
و بما ذكرناه من هذا التحقيق الرشيق يظهر لك ما في كلام الفاضل الخراساني (قدس سره) من التشكيك في المقام كما هي عادته في جل الأحكام حيث قال- بعد البحث مع الأصحاب و مناقشتهم في هذا الباب- ما لفظه: و بالجملة جواز إعطاء الفقير بدون البينة أو الحلف محل إشكال ينشأ من عدم دليل دال عليه فلا يحصل اليقين بالبراءة، و من أنه لم يعهد عنهم (صلوات اللّٰه عليهم) شي‌ء من ذلك و الظاهر أنه لو كان لنقل. إلى أن قال: و التحقيق أن تحصيل العلم بالفقر غير معتبر و إلا لزم حرمان أكثر الفقراء و انتفاء ذلك معلوم من حال الأئمّة (صلى اللّٰه عليهم أجمعين) و كذا السلف. و هل يكفي الظن الحاصل من الأمارات أو من دعواه مطلقا أو إذا كان أمينا مطلقا أو عند تعذر البينة أم لا بل يحتاج إلى البينة مطلقا أو في بعض صور المسألة أو يحتاج إلى الحلف كذلك؟ لي فيه توقف إلى أن يفتح اللّٰه علي طريق معرفته. انتهى. و لا أراك ترتاب بعد ما حققناه في المقام في ضعف هذا الكلام و أنه من جملة الأوهام. و اللّٰه العالم بحقائق الأحكام.
الرابع [لو دفع الزكاة إلى من ظاهره الفقر ثم ظهر عدم فقره]
- الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في أنه متى دفع الزكاة إلى الفقير ثم ظهر عدم فقره فإنه يجب استرجاعها مع الإمكان لظهور أن القابض لها عاص غاصب فيجب عليه إرجاعها إلى المالك.
بقي الكلام هنا في موضعين‌
أحدهما- ما لو لم يعلم الآخذ بأنها زكاة
، و قد قطع في المعتبر بعدم جواز الارتجاع لأن الظاهر أنها صدقة. و اختلف كلام العلامة في ذلك فقال في المنتهى: ليس للمالك الرجوع لأن دفعه محتمل للوجوب و للتطوع. و استقرب في التذكرة جواز الارتجاع لفساد الدفع و لأنه أبصر بنيته.
و قال في المدارك بعد نقل كلام التذكرة: و هو جيد مع بقاء العين و انتفاء القرائن الدالة على كون المدفوع صدقة.
أقول: و كلماتهم (رضوان اللّٰه عليهم) هنا لا تخلو عن إجمال و التحقيق أن يقال‌

168
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

أحدهما ما لو لم يعلم الآخذ بأنها زكاة ج 12 ص 168

إنه متى دفعه إليه بنية الزكاة و لم يعلم المدفوع إليه بكونها زكاة و لا أعلمه المالك فإنه ما دامت العين باقية يجب عليه إرجاعها متى علم أو أعلمه المالك لعدم الاستحقاق شرعا، و متى تلفت العين قبل العلم فالظاهر أنه لا يجب عليه عوضها و لا قيمتها لظهور حل التصرف، و التضمين يحتاج إلى دليل.
و‌
ثانيهما- ما لو قبضها بعنوان الزكاة و تعذر الارتجاع
، و ظاهرهم الاتفاق على أنه متى كان الدافع الإمام أو نائبه أجزأ ذلك، و في المنتهى أنه لا خلاف فيه بين العلماء لأن المالك قد خرج فيه من العهدة بالدفع إلى الإمام أو نائبه و الدافع خرج من العهدة بالدفع إلى من يظهر منه الفقر، و إيجاب الإعادة تكليف جديد منفي بالأصل. و لا يخلو من القرب إلا أن الفتوى به مع عدم النص في المسألة مشكل.
و أما لو كان الدافع المالك فقد اختلف الأصحاب فيه على أقوال ثلاثة:
أحدها- القول بالإجزاء و نقل عن الشيخ في المبسوط و جماعة من الأصحاب، و ثانيها- وجوب الإعادة و نقل عن الشيخ المفيد و أبي الصلاح، و ثالثها- التفصيل بين الاجتهاد فيسقط الضمان و عدمه فتجب الإعادة، و هو اختيار المحقق في المعتبر و العلامة في المنتهى و إليه يميل كلام المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد.
احتج الأولون بأنه دفعها إلى من ظاهره الفقر و هو دفع مشروع فيحصل الامتثال و لا يتعقبه الإعادة لعدم الدليل. و فيه ما يأتي في ثانيه.
احتج القائلون بالثاني بما تقدم قريبا من‌
صحيحة الحسين بن عثمان عن من ذكره عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» «في رجل يعطي زكاة ماله رجلا و هو يرى أنه معسر فوجده موسرا؟ قال لا يجزئ عنه».
و بهذه الرواية تبطل حجة القول الأول كما أشرنا إليه آنفا.
احتج المفصلون بأن المالك أمين على الزكاة فيجب عليه الاجتهاد و الاستظهار في دفعها إلى مستحقها فبدونه تجب الإعادة.
______________________________
(1) الوسائل الباب 2 من المستحقين للزكاة.

169
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

ثانيهما ما لو قبضها بعنوان الزكاة و تعذر الارتجاع ج 12 ص 169

و بما رواه الكليني و الشيخ في الصحيح عندي و الحسن على المشهور بإبراهيم ابن هاشم عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «قلت له رجل عارف أدى زكاته إلى غير أهلها زمانا هل عليه أن يؤديها ثانية إلى أهلها إذا علمهم؟ قال نعم. قال قلت فإن لم يعرف لها أهلا فلم يؤدها أو لم يعلم أنها عليه فعلم بعد ذلك؟
قال يؤديها إلى أهلها لما مضى. قال قلت له فإنه لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو لها بأهل و قد كان طلب و اجتهد ثم علم بعد ذلك سوء ما صنع؟ قال ليس عليه أن يؤديها مرة أخرى».
و قالا في الكافي و التهذيب بعد نقل هذه الرواية: و عن زرارة مثله «2» غير أنه قال: «إن اجتهد فقد برئ و إن قصر في الاجتهاد في الطلب فلا».
و أورد على الأول أنه إن أريد بالاجتهاد القدر المسوغ لجواز الدفع و لو بسؤال الفقير فلا ريب في اعتباره إلا أن ذلك لا يسمى اجتهادا، و مع ذلك فيرجع هذا التفصيل بهذا الاعتبار إلى ما أطلقه الشيخ في المبسوط من انتفاء الضمان مطلقا، و إن أريد به البحث عن حال المستحق زيادة على ذلك كما هو المتبادر من لفظ الاجتهاد فهو غير واجب إجماعا على ما نقله جماعة. و على الروايتين أن موردهما خلاف محل النزاع لكنهما يدلان بالفحوى على انتفاء الضمان بالاجتهاد.
أقول: و التحقيق في المقام أنه ليس في المسألة إلا رواية الحسين بن عثمان المتقدمة و الوقوف على ظاهرها متعين. و أما حمل من قال بالتفصيل لها على عدم الاجتهاد جمعا بينها و بين صحيحة عبيد بن زرارة فهو فرع ثبوت دلالة الصحيحة المذكورة على ما ادعوه و موردها من أولها إلى آخرها إنما هو الدفع إلى المخالف و هو المعبر عنه بغير أهلها، مع ما في محل الاستدلال من الإشكال أيضا فإن ظاهرها أنه يجزئ الدفع إلى المخالف متى اجتهد في تحصيل أهلها من الشيعة فلم يجدهم و الأصحاب لا يقولون به، و الأخبار أيضا ترده كما يأتي بيانه إن شاء اللّٰه تعالى حتى ورد في بعض الأخبار إلقاؤها في البحر مع تعذر وجود أهلها من الشيعة الإمامية «3»
______________________________
(1) الوسائل الباب 2 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 2 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 5 من المستحقين للزكاة.

170
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

ثانيهما ما لو قبضها بعنوان الزكاة و تعذر الارتجاع ج 12 ص 169

و ظاهر السيد السند في المدارك اختيار القول الأول حيث قال بعد البحث في المسألة و نقل الأقوال و الأدلة على كل منها: و كيف كان فينبغي القطع بسقوط الضمان مع الاجتهاد لتحقق الامتثال و فحوى الروايتين، و إنما يحصل التردد مع استناد الدفع إلى مجرد الدعوى من كون الدفع مشروعا فلا يستعقب الإعادة و من عدم وصول الحق إلى مستحقه. و لعل الأول أرجح. انتهى.
و أنت خبير بأن كلامه هذا مبني على طرح صحيحة الحسين بن عثمان من البين مع أنه بعد نقلها دليلا للقول الثاني لم يتعرض للطعن فيها بوجه إلا أن المعلوم من قاعدته ذلك فهي من حيث الإرسال ضعيفة باصطلاحه، و الأظهر عندي هو الوقوف على ظاهرها و العمل بها، و يؤيده أنه الأوفق بالاحتياط و الخروج عن عهدة التكليف الثابت في الذمة بيقين. و اللّٰه العالم.
الخامس [لو كان الفقير ممن يستحي من قبول الزكاة]
- قد صرح الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) من غير خلاف يعرف بأنه لو كان الفقير ممن يستحي من قبول الزكاة جاز دفعه إليه على وجه الصلة.
و يدل عليه‌
حسنة أبي بصير المروية في الفقيه «1» قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام الرجل من أصحابنا يستحي أن يأخذ من الزكاة فأعطيه من الزكاة و لا أسمي له أنها من الزكاة؟ فقال أعطه و لا تسم له و لا تذل المؤمن».
و طعن في هذه الرواية في المدارك بأنها ضعيفة السند باشتراك الراوي بين الثقة و الضعيف. و فيه أن الراوي عن أبي بصير هنا عاصم بن حميد و قد ذكر أصحاب هذا الاصطلاح أنه قرينة المرادي الثقة الجليل القدر و كذلك ابن مسكان فحيث ما وجد أحدهما حكموا بصحة روايته، و حسن هذه الرواية كما ذكرنا إنما هو بإبراهيم بن هاشم الذي حديثه في الصحيح عند جملة من محققي هذا الفن.
و يؤيد الرواية المذكورة أيضا‌
ما رواه الشيخ الطوسي في المجالس بسنده عن إسحاق بن عمار «2» قال: «قال لي أبو عبد اللّٰه عليه السلام يا إسحاق كيف تصنع بزكاة مالك إذا
______________________________
(1) الوسائل الباب 58 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 58 من المستحقين للزكاة.

171
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الخامس لو كان الفقير ممن يستحي من قبول الزكاة ج 12 ص 171

حضرت؟ قال يأتوني إلى المنزل فأعطيهم. فقال لي ما أراك يا إسحاق إلا قد أذللت المؤمنين فإياك إياك إن اللّٰه تعالى يقول: من أذل وليا لي فقد أرصد لي بالمحاربة».
و في هذا الخبر ما يدل على استحباب قصد المالك بالزكاة إلى الفقراء و ابتدائهم و كراهة تكليفهم بالإتيان إليه.
و أما‌
ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم على المشهور عن محمد بن مسلم «1»- قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام الرجل يكون محتاجا فنبعث إليه بالصدقة فلا يقبلها على وجه الصدقة يأخذه من ذلك ذمام و استحياء و انقباض أ فنعطيها إياه على غير ذلك الوجه و هي منا صدقة؟ فقال لا إذا كانت زكاة فله أن يقبلها فإن لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطها إياه و لا ينبغي له أن يستحي من ما فرض اللّٰه إنما هي فريضة اللّٰه فلا يستحي منها»-.
فهو غير معمول به على ظاهره و لا قائل به بل الأخبار و كلام الأصحاب على خلافه فلا يلتفت إليه في مقابلة ما ذكرناه، فما ذكره في المدارك- من المعارضة به لحسنة أبي بصير بعد طعنه فيها بما قدمنا نقله باعتبار حسن هذه و ضعف تلك بزعمه- ليس من ما يعول عليه لأنها و إن صح سندها فضلا عن أن يكون حسنا مع كون مضمونها مخالفا للأخبار و كلام الأصحاب بل اتفاقهم فإن هذه الصحة مجازية كما نبهنا عليه في غير موضع من ما سبق، و الصحة في التحقيق إنما هي باعتبار المتون و مطابقتها للقواعد الشرعية و الأخبار المروية و اتفاق الأصحاب و نحو ذلك كما عليه جملة من متقدمي أصحابنا (رضوان اللّٰه عليهم).
و كيف كان فلا بد من ارتكاب جادة التأويل في الخبر المذكور، و الأظهر عندي في تأويله هو حمل قوله عليه السلام في الجواب «لا» على الإضراب عن الكلام السابق لا على نفي إعطائها إياه على غير ذلك الوجه كما وقع في سؤال السائل و يكون ما بعد «لا» بيان ما هو الأولى في هذا المقام، فبين أنها إذا كانت زكاة فله أن‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 58 و 57 من المستحقين للزكاة.

172
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الخامس لو كان الفقير ممن يستحي من قبول الزكاة ج 12 ص 171

يقبلها و لا ينبغي أن يستحي من قبولها و هي حق فرضه اللّٰه تعالى، ثم قال فإن لم يقبلها على هذا الوجه فلا تلزمه بها و تعطيها إياه على وجه الزكاة و يفهم منه جواز الإعطاء لا على الوجه المذكور، فجواب السؤال إنما علم من المفهوم و إلا فمنطوق الخبر إنما سيق في الكلام على ذلك المستحق و أنه ينبغي له كذا و لا ينبغي له كذا.
و حمل الرواية المذكورة في المدارك على الكراهة بناء على رجوع النهي بقوله «لا» إلى ما ذكره السائل بقوله «أ فنعطيها إياه على غير ذلك الوجه» و فيه بعد لما عرفت من ما ذكرناه.
و أبعد منه حمل صاحب الوسائل الخبر المذكور على احتمال كون الامتناع لعدم الاحتياج و انتفاء الاستحقاق مع أن الراوي ذكر العلة في الامتناع و أنه الاستحياء و الانقباض فكيف يتم ما ذكره؟.
و قال في الوافي بعد نقل الخبر الأول أولا و الثاني ثانيا: لعل الفرق بين هذا و ما في الخبر السابق أن ذلك كان قد علم من حاله الاستحياء منها و التنزه عنها و لكنه كان بحيث إذا بعثت إليه لقبلها إذا كان مضطرا إليها بخلاف هذا فإنه قد بعثت إليه و استنكف منها، و إنما نهى عن إعطائها إياه لأنه إن كان مضطرا إليها فقد وجب عليه أخذها و إن لم يأخذها فهو عاص و هو كمانع الزكاة و قد وجبت عليه و إن لم يضطر إليها و لم يقبلها فلا وجه لإعطائها إياه. انتهى. و أنت خبير بما فيه كما لا يخفى على الفطن النبيه‌
الثالث [العاملون عليها]
من أصناف المستحقين- العاملون عليها، و المراد بهم السعاة في تحصيلها و جبايتها بأخذ و كتابة و حفظ و حساب و نحو ذلك.
قال الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره «1» نقلا عن العالم عليه السلام: و العاملين عليها هم السعاة و الجباة في أخذها و جمعها و حفظها حتى يؤدوها إلى من يقسمها.
و قد أجمع الأصحاب و أكثر العامة «2» على أن لهؤلاء حصة من الزكاة كما‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة رقم (7).
(2) المغني ج 2 ص 654 و البداية ج 1 ص 235.

173
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالث العاملون عليها ج 12 ص 173

يدل عليه ظاهر الآية.
و ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن و ابن بابويه في الفقيه في الصحيح عن زرارة و محمد بن مسلم «1» «أنهما قالا لأبي عبد اللّٰه عليه السلام أ رأيت قول اللّٰه عز و جل إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ «2» أ كل هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف؟ فقال إن الإمام يعطي هؤلاء جميعا لأنهم يقرون له بالطاعة. الحديث».
قالوا: و لا يجوز أن يكون العامل هاشميا لتحريم الزكاة عليه. و هو كذلك إن كان المدفوع إليه من الزكاة أما لو استؤجر على العمل و دفع إليه الإمام من بيت المال فالظاهر أنه لا مانع منه.
و من ما يدل على أصل الحكم‌
ما رواه الشيخ في الصحيح عن عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «إن أناسا من بني هاشم أتوا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي و قالوا يكون لنا هذا السهم الذي جعله اللّٰه للعاملين عليها فنحن أولى به. فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله يا بني عبد المطلب إن الصدقة لا تحل لي و لا لكم و لكني قد وعدت الشفاعة- ثم قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام أشهد لقد وعدها رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله- فما ظنكم يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة أ تروني مؤثرا عليكم غيركم».
و الظاهر أن الاختيار إلى الإمام بين أن يجعل لهم أجرة معينة أو يعطيهم ما يراه و يدل على الثاني‌
صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» قال: «قلت له ما يعطى المصدق؟ قال ما يرى الإمام و لا يقدر له شي‌ء».
و الظاهر أن المراد من‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة.
(2) سورة التوبة الآية 61.
(3) الوسائل الباب 29 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة.

174
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالث العاملون عليها ج 12 ص 173

آخر الخبر أنه ليس له سهم مقدر مفروض لا يحتمل الزيادة و النقصان.
ثم إنه قد ذكر جمع من الأصحاب: منهم- الشهيد في البيان و المحقق الشيخ على في حاشية الشرائع أنه لو عين له أجرة فقصر السهم عن أجرته أتمه الإمام من بيت المال أو من باقي السهام، و لو زاد نصيبه عن أجرته فهو لباقي المستحقين. و لا يخفى ما فيه فإن هذا إنما يتم على القول بوجوب البسط على الأصناف بالسوية و هو غير معمول عليه عندنا كما يأتي بيانه إن شاء اللّٰه تعالى.
الرابع [المؤلفة قلوبهم]
من الأصناف المذكورة- الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، و قد اضطرب كلام أصحابنا في معنى المؤلفة أشد الاضطراب و كثرت الاحتمالات و الأقوال في هذا الباب فما بين من خصهم بالكفار الذين يستمالون للجهاد، قالوا و لا نعرف مؤلفة غيرهم و الظاهر أنه المشهور، و فسره بعضهم بالمنافقين، و أدخل بعضهم بعض المسلمين.
و كلامهم في ذلك واسع الذيل كما لا يخفى على من راجع مطولاتهم و ليس في التطويل بنقله مزيد فائدة مع عدم اعتمادهم على دليل غير مجرد الاعتبارات و المناسبات التي ليس عليها مزيد تعويل.
و العجب منهم (رضوان اللّٰه عليهم) في هذا الخلاف و الاضطراب و أخبار أهل البيت (عليهم السلام) بذلك مكشوفة النقاب مرفوعة الحجاب قد رواها ثقة الإسلام في الكافي و عنون لها بابا على حدة فقال «باب المؤلفة قلوبهم».
و ها أنا أسوق لك جملة أخباره و منها-
ما رواه في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «1» قال: «سألته عن قول اللّٰه عز و جل وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ؟ قال هم قوم وحدوا اللّٰه عز و جل و خلعوا عبادة من يعبد من دون اللّٰه و شهدوا أن لا إله إلا اللّٰه و أن محمدا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و هم في ذلك شكاك في بعض ما جاء به محمد صلى اللّٰه عليه و آله فأمر اللّٰه نبيه أن يتألفهم بالمال و العطاء لكي يحسن إسلامهم و يثبتوا على دينهم الذي دخلوا فيه و أقروا به، و أن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله يوم حنين تألف
______________________________
(1) الأصول ج 2 ص 411.

175
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابع المؤلفة قلوبهم ج 12 ص 175

رؤساء العرب من قريش و سائر مضر: منهم- أبو سفيان بن حرب و عيينة بن حصين الفزاري و أشباههم من الناس، فغضبت الأنصار و اجتمعت إلى سعد بن عبادة فانطلق بهم إلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله بالجعرانة فقال يا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله أ تأذن لي في الكلام؟
فقال نعم. فقال إن كان هذا الأمر من هذه الأموال التي قسمت بين قومك شيئا أنزله اللّٰه رضينا و إن كان غير ذلك لم نرض. قال زرارة: و سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله يا معشر الأنصار أ كلكم على قول سيدكم سعد؟ فقالوا سيدنا اللّٰه و رسوله. ثم قالوا في الثالثة نحن على مثل قوله و رأيه. قال زرارة فسمعت أبا جعفر عليه السلام يقول فحط اللّٰه نورهم و فرض اللّٰه للمؤلفة قلوبهم سهما في القرآن».
و ما رواه فيه عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «1» قال: «المؤلفة قلوبهم قوم وحدوا اللّٰه و خلعوا عبادة من دون اللّٰه و لم تدخل المعرفة قلوبهم إن محمدا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و كان رسول اللّٰه يتألفهم و يعرفهم لكيما يعرفوا و يعلمهم».
و ما رواه عن زرارة أيضا عن أبي جعفر (عليه السلام) «2» قال: «المؤلفة قلوبهم لم يكونوا قط أكثر منهم اليوم».
و ما رواه عن إسحاق بن غالب «3» قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام يا إسحاق كم ترى أهل هذه الآية فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهٰا رَضُوا وَ إِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهٰا إِذٰا هُمْ يَسْخَطُونَ؟ «4» قال ثم قال هم أكثر من ثلثي الناس».
و ما رواه عن موسى بن بكر عن رجل «5» قال: «قال أبو جعفر عليه السلام ما كانت المؤلفة قلوبهم قط أكثر منهم اليوم و هم قوم وحدوا اللّٰه تعالى و خرجوا من الشرك و لم تدخل معرفة محمد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله قلوبهم و ما جاء به فتألفهم رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و تألفهم المؤمنون بعد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله لكيما يعرفوا».
و قال الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي (قدس سره) في تفسيره «6» نقلا
______________________________
(1) الأصول ج 2 ص 411.
(2) الأصول ج 2 ص 411.
(3) الأصول ج 2 ص 412.
(4) سورة التوبة الآية 59.
(5) الأصول ج 2 ص 412.
(6) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة رقم 7.

176
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابع المؤلفة قلوبهم ج 12 ص 175

عن العالم عليه السلام: و المؤلفة قلوبهم قال هم قوم وحدوا اللّٰه و خلعوا عبادة من دون اللّٰه و لم تدخل المعرفة قلوبهم إن محمدا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله فكان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله يتألفهم و يعلمهم و يعرفهم كيما يعرفوا فجعل لهم نصيبا في الصدقات لكي يعرفوا و يرغبوا».
و هذه الأخبار كلها كما ترى ظاهرة في أن المؤلفة قلوبهم قوم مسلمون قد أقروا بالإسلام و دخلوا فيه لكنه لم يستقر في قلوبهم و لم يثبت ثبوتا راسخا فأمر اللّٰه تعالى نبيه بتألفهم بالمال لكي تقوى عزائمهم و تشتد قلوبهم على البقاء على هذا الدين، فالتأليف إنما هو لأجل البقاء على الدين و الثبات عليه لا لما زعموه (رضوان اللّٰه عليهم) من الجهاد كفارا كانوا أو مسلمين و أنهم يتألفون بهذا السهم لأجل الجهاد.
بقي الكلام في‌
قوله عليه السلام في رواية زرارة الثالثة «الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ لم يكونوا قط أكثر منهم اليوم».
و نحوها رواية موسى بن بكر، و لعل معناه- و اللّٰه سبحانه و قائله أعلم- أن ضعفة الدين المحتاجين إلى التأليف لأجل البقاء عليه و رسوخه في قلوبهم ليسوا مخصوصين بوقته صلى اللّٰه عليه و آله بل هم أكثر كثير في هذه الأوقات، و لعل ذلك باعتبار عدم الإقرار بإمامتهم و الاعتقاد بها التي هي أعظم ما جاء به النبي صلى اللّٰه عليه و آله فإن الشكاك في إمامتهم و هم القسم الثالث المتوسط بين النصاب و المؤمنين- و يعبر عنهم في الأخبار تارة بالشكاك و تارة بالضلال و تارة بالمستضعفين- أكثر الناس في زمانهم (عليهم السلام) كما دلت عليه الأخبار، و قد دلت الأخبار على أن حكمهم في الدنيا حكم أهل الإسلام و أنهم في الآخرة من المرجئين لأمر اللّٰه.
و أما قوله عليه السلام في رواية إسحاق «كم ترى أهل هذه الآية فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهٰا رَضُوا. إلى آخره» فالظاهر أن المعنى فيها ما أفاده المحدث الكاشاني في معنى خبر زرارة المتقدم و هو بهذا الخبر أنسب، حيث قال: و ذلك لأن أكثر المسلمين في أكثر الأزمنة و البلاد دينهم مبتن على دنياهم إن أعطوا من الدنيا رضوا الدين و إن‌

177
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابع المؤلفة قلوبهم ج 12 ص 175

لم يعطوا منها إذا هم يسخطون. انتهى. و لعل المراد بالمؤمنين في قوله عليه السلام «و تألفهم المؤمنون» في خبر موسى بن بكر هم الأئمّة (صلوات اللّٰه عليهم) و لكن المراد بالتألف الاستمالة إلى الدين الحق و الاستقرار عليه بالهداية و التعليم و الإدخال فيه بالطريق الأحسن لا بالمال، فإنهم (صلوات اللّٰه عليهم) لم تكن لهم يد مبسوطة تقتضي التأليف بالزكاة.ثم إن أصحابنا (رضوان اللّٰه عليهم) اختلفوا في سقوط هذا السهم بعد النبي صلى اللّٰه عليه و آله و عدمه، و بالأول قطع الصدوق في الفقيه حيث قال: و سهم الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ساقط بعد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله. و إلى الثاني يميل كلام المحقق في المعتبر حيث قال: إن الظاهر بقاؤه لأن النبي صلى اللّٰه عليه و آله كان يعتمد التأليف إلى حين وفاته و لا نسخ بعده.

[هل سهم المؤلفة قلوبهم ساقط في زمن الغيبة؟]و قال الشيخ إنه يسقط في زمن غيبة الإمام خاصة لأن الذي يتألفهم إنما يتألفهم للجهاد و أمر الجهاد موكول إلى الإمام و هو غائب.و اعترضه في المنتهى بأنا نقول قد يجب الجهاد في حال غيبة الإمام عليه السلام بأن يدهم المسلمين و العياذ باللّٰه عدو يخاف منه عليهم فيجب عليهم الجهاد لدفع الأذى لا للدعاء إلى الإسلام فإذا احتيج إلى التأليف حينئذ جاز صرف السهم إلى أربابه من المؤلفة. انتهى. قال في المدارك بعد نقله: و لا ريب في قوة هذا القول تمسكا بظاهر التنزيل السالم من المعارض.أقول: لا يخفى عليك بعد الوقوف على ما قدمناه من أخبارهم (عليهم السلام) أن هذا الخلاف و البحث في هذا المقام نفخ في غير ضرام فإن كلامهم أولا و آخرا يدور كله على أن المراد بالمؤلفة في الآية الشريفة هو التأليف لأجل الجهاد مع أنهم لم ينقلوا بذلك خبرا و لا أوردوا عليه دليلا، و الأخبار الواردة في تفسيرها كلها كما عرفت قد اتفقت على أن التأليف إنما هو لأجل البقاء على الدين و الثبات عليه لمن دخل فيه دخولا متزلزلا غير مستقر فأمر اللّٰه تعالى رسوله بدفع هذا السهم‌

178
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

هل سهم المؤلفة قلوبهم ساقط في زمن الغيبة ج 12 ص 178

لهؤلاء لكي يرغبوا في الدين و يستقر في قلوبهم. و بالجملة فإن هذا من أعجب العجائب من الأصحاب.
بقي الكلام في أنه على تقدير المعنى الذي ذكرناه في بيان المؤلفة هل يسقط هذا السهم بعده صلى اللّٰه عليه و آله أم لا؟ الظاهر من الأخبار المتقدمة بالتقريب الذي شرحناه أنه لا ريب في سقوطه في زمن الغيبة كزماننا هذا و ما قبله و ما بعده إلى أن يعجل اللّٰه تعالى فرج وليه، و أما في وقت الأئمّة (صلوات اللّٰه عليهم) فالأخبار و إن دلت على وجود من يحتاج إلى التأليف في زمانهم (صلوات اللّٰه عليهم) كما قدمنا الإشارة إليه إلا أن التأليف لما كان مخصوصا بهم و أيديهم (عليهم السلام) يومئذ قاصرة عن إقامة الحدود الشرعية و تنفيذ الأحكام لغلبة التقية- إلا أن يكون تأليفا بغير الأموال كما أشرنا إليه آنفا- فمن أجل ذلك سقط أيضا.
و يؤيد ما ذكرناه ما صرح به شيخنا أمين الإسلام الطبرسي (قدس سره) في كتاب مجمع البيان حيث قال: ثم اختلف في هذا السهم هل هو ثابت بعد النبي صلى اللّٰه عليه و آله أم لا؟ فقيل هو ثابت في كل زمان عن الشافعي و اختاره الجبائي «1» و هو المروي عن أبي جعفر عليه السلام إلا أنه قال من شرطه أن يكون هناك إمام عادل يتألفهم به على ذلك. ثم نقل القول بالاختصاص بزمانه صلى اللّٰه عليه و آله بالتقريب الذي نقله في المدارك عن بعض العامة و أسنده إلى الحسن و الشعبي و أبي حنيفة و أصحابه «2».
و من المحتمل قريبا أن إسقاط ابن بابويه سهم المؤلفة بعده صلى اللّٰه عليه و آله إنما هو لما ذكرناه فإنه لم يتعرض لبيان معنى المؤلفة و أنهم عبارة عن ما ذا.
و روى الصدوق (قدس سره) في الصحيح و ثقة الإسلام في الصحيح أو
______________________________
(1) نسبه في البداية ج 1 ص 235 إلى الشافعي و أبي حنيفة و في نيل الأوطار ج 4 ص 234 إلى الجبائي و الشافعي و في المغني ج 2 ص 666 إلى الحسن و الزهري و أبي جعفر ع.
(2) نسبه في البداية ج 1 ص 235 إلى مالك و في نيل الأوطار ج 4 ص 234 إلى أبي حنيفة و أصحابه و في المغني ج 2 ص 666 إلى الشعبي و مالك و الشافعي و أصحاب الرأي.

179
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

هل سهم المؤلفة قلوبهم ساقط في زمن الغيبة ج 12 ص 178

الحسن عن زرارة و محمد بن مسلم «1» «أنهما قالا لأبي عبد اللّٰه عليه السلام أ رأيت قول اللّٰه تعالى إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ «2» أ كل هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف؟ فقال إن الإمام يعطي هؤلاء جميعا لأنهم يقرون له بالطاعة. قال زرارة قلت فإن كانوا لا يعرفون؟ فقال يا زرارة لو كان يعطى من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع و إنما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه، فأما اليوم فلا تعطها أنت و أصحابك إلا من يعرف فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس. ثم قال: سهم المؤلفة قلوبهم و سهم الرقاب عام و الباقي خاص. قال قلت فإن لم يوجدوا؟ قال لا تكون فريضة فرضها اللّٰه لا يوجد لها أهل. قال قلت فإن لم تسعهم الصدقات؟ فقال إن اللّٰه فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم و لو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم إنهم لم يؤتوا من قبل فريضة اللّٰه و لكن أوتوا من منع من منعهم حقهم لا من ما فرض اللّٰه لهم و لو أن الناس أدوا حقوقهم لكانوا عائشين بخير».
أقول: لعل المراد بالخبر- و اللّٰه سبحانه و قائله أعلم- أنه لما سأله زرارة «أ كل هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف؟» أجاب عليه السلام بأن الإمام القائم بأعباء الإمامة و المتمكن على كرسي تلك الشوكة و الزعامة كالنبي صلى اللّٰه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السلام وقت خلافته يعطيهم لأنهم مقرون بإمامته مذعنون لدعوته منقادون له بالطاعة. راجعه بأنه لو كانوا لا يعرفون يعني لا يصدقون بإمامته و إن أقروا بها ظاهرا؟ أجابه بأنه لو كان يختص الإعطاء بالعارفين المصدقين يومئذ لم يوجد لها بجميع أصنافها موضع لتخلف ذلك في صنف المؤلفة كما يشير إليه قوله: «و إنما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين» و يحتمل أن المراد أن الرسول صلى اللّٰه عليه و آله في وقته كان يعطي على الإسلام لا‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة.
(2) سورة التوبة الآية 61.

180
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

هل سهم المؤلفة قلوبهم ساقط في زمن الغيبة ج 12 ص 178

على الإيمان فيعطي المنافقين و يعطي الشكاك التي تضمنتهم تلك الأخبار لأجل أن يرغبوا في الدين و يثبتوا عليه، فأما اليوم أي وقتهم (صلى اللّٰه عليهم) فقد انكشف الغطاء و ظهر المغطى و سقط التأليف فلا تعطها إلا المؤمن العارف. و لو حملت مراجعة زرارة على السؤال عن عدم المعرفة بالمعنى الذي في صدر الخبر لم يكن لهذه المراجعة معنى لأنه قد أجابه عنها في صدر الخبر فكيف يسأل عنها مرة أخرى، فلا بد من حمل المعرفة هنا على المعرفة الحقيقية التي هي عبارة عن التصديق.
ثم قال: سهم المؤلفة و الرقاب عام للعارف و غيره و الباقي من الفقراء و المساكين و العاملين و الغارمين و ابن السبيل خاص بالعارف لما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى قريبا من تحريم الدفع من الزكاة إلى غير المؤمن. و اللّٰه العالم.
الخامس [الرقاب]
من الأصناف الثمانية- الرقاب و المراد بهم على ما ذكره الأصحاب المكاتبون و العبيد تحت الشدة أو غير شدة لكن مع عدم المستحق.
أقول: أما ما يدل على المكاتب فهو‌
ما رواه الشيخ في التهذيب مسندا عن أبي إسحاق عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السلام و رواه ابن بابويه في الفقيه مرسلا عنه عليه السلام «1» قال: «سئل عن مكاتب عجز عن مكاتبته و قد أدى بعضها؟ قال يؤدى عنه من مال الصدقة إن اللّٰه يقول في كتابه وَ فِي الرِّقٰابِ «2»».
و مورد الخبر من عجز عن مكاتبته و قد أدى بعضها و ظاهر الأصحاب المكاتب مطلقا.
و أما ما يدل على شراء العبيد تحت الشدة‌
فما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة و الستمائة يشتري بها نسمة و يعتقها؟ قال إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم. ثم مكث مليا ثم قال إلا أن يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه و يعتقه».
______________________________
(1) الوسائل الباب 44 من المستحقين للزكاة.
(2) سورة التوبة الآية 61.
(3) الوسائل الباب 43 من المستحقين للزكاة.

181
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الخامس الرقاب ج 12 ص 181

و هذه الرواية رواها الشيخ في التهذيب «1» من الكافي عن عمرو بن أبي نصر و الناظر فيها ينظمها في الصحيح و هو تصحيف منه (قدس سره) و سهو واقع في عبارته و إنما هو عن عمرو عن أبي بصير، و صاحب المدارك قد اغتر بنقل صاحب التهذيب لها بهذه الكيفية فنظمها في الصحيح و استدل بها.
و أما ما يدل على الثالث فهو‌
ما رواه في الكافي و التهذيب في الموثق عن عبيد بن زرارة «2» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد لها موضعا يدفع ذلك إليه فنظر إلى مملوك يباع في من يزيد فاشتراه بتلك الألف التي أخرجها من زكاته فأعتقه هل يجوز له ذلك؟ قال نعم لا بأس بذلك. قلت فإنه لما أن أعتق و صار حرا اتجر و احترف فأصاب مالا ثم مات و ليس له وارث فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟ قال يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقون الزكاة لأنه إنما اشتري بمالهم».
هذا ما استدل به الأصحاب في المسألة على الأقسام الثلاثة.
و قال الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره «3» في تتمة الخبر المتقدم نقله عن العالم عليه السلام: و في الرقاب قوم لزمتهم كفارات في قتل الخطأ و في الظهار و في الإيمان و في قتل الصيد في الحرم و ليس عندهم ما يكفرون و هم مؤمنون فجعل اللّٰه لهم سهما في الصدقات ليكفر عنهم.
و أنت خبير بأن غاية ما تدل عليه رواية أبي بصير و كذا موثقة عبيد بن زرارة هو شراء العبد من مال الزكاة و ليس فيها تصريح و لا إشارة إلى كونه من سهم الرقاب كما ادعوه.
و من ما يعاضدها في ذلك‌
ما رواه الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن
______________________________
(1) ج 1 ص 377 و في الوسائل الباب 43 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 43 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة رقم 7.

 

182
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الخامس الرقاب ج 12 ص 181

أيوب بن الحر أخي أديم بن الحر «1» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه أشتريه من مال الزكاة و أعتقه؟ قال فقال اشتره و أعتقه.
قلت فإن هو مات و ترك مالا؟ فقال ميراثه لأهل الزكاة لأنه اشتري بسهمهم» قال و في حديث آخر «بمالهم».
و ما رواه في الكافي عن محمد الوابشي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «سأله بعض أصحابنا عن رجل اشترى أباه من الزكاة زكاة ماله؟ قال اشترى خير رقبة لا بأس بذلك».
و القول بجواز الإعتاق من الزكاة منقول عن العلامة في القواعد و قواه ولده في الشرح و نقله عن الشيخ المفيد و ابن إدريس (قدس سره) و لا ريب أن هذه الأخبار ظاهرة الدلالة عليه و ليست من أخبار ما نحن فيه في شي‌ء لما عرفت، و حينئذ فتكون هذه الأخبار خارجة مخرج الرخصة في العتق من الزكاة لعدم دخول ذلك تحت شي‌ء من الأصناف الثمانية المعدودة في الآية كما حققنا ذلك بما لا مزيد عليه في شرحنا على المدارك وفق اللّٰه لإتمامه. و لا ريب أيضا في قوة القول المذكور لدلالة الأخبار المذكورة عليه و إن كان كثير منهم ذهب إلى عدمه كما نقله بعض الأفاضل.
و أما ما يظهر من السيد في المدارك و هو ظاهر الأصحاب- من الاستدلال على شراء العبد تحت الشدة أو مع عدم وجود المستحق بخبري أبي بصير و عبيد بن زرارة و الاستدلال بخبري أيوب بن الحر و الوابشي على جواز الشراء من مال الزكاة- فلا أعرف له وجها وجيها فإن مورد الجميع إنما هو الاشتراء من الزكاة مطلقا كما عرفت، و حينئذ فإما أن يجعل الجميع دليلا على الشراء من سهم الرقاب أو دليلا على القول بجواز الشراء من الزكاة مطلقا، و ليس بين الأخبار الأربعة فرق‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 43 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 19 من المستحقين للزكاة.

183
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الخامس الرقاب ج 12 ص 181

إلا باعتبار أن خبر أبي بصير قد دل بظاهره على المنع من شراء العبد إلا أن يكون تحت الشدة و باقي الروايات مطلقة سيما رواية العلل و رواية الوابشي. و ما اشتمل عليه صدر رواية عبيد بن زرارة من أنه لم يجد لها موضعا لا يصلح للتخصيص لأنه إنما وقع في كلام السائل و ليس في الجواب ما يدل عليه. و الجمع بينها ممكن إما بإبقاء تلك الأخبار على إطلاقها و حمل رواية أبي بصير على الكراهة أو تقييد إطلاق تلك الأخبار بها أو تخصيص المنع بما إذا اشتري بالزكاة كملا كما هو ظاهر خبر أبي بصير و قوله (عليه السلام) فيه «إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم» و حمل غيره على ما إذا لم يكن كذلك.
و يؤيد ما قلناه ما اشتمل عليه خبر عبيد بن زرارة و خبر العلل من انتقال ميراث العبد للفقراء مع عدم الوارث معللا بأنه اشتري من مالهم، و من الظاهر أن سهم الرقاب ليس من مالهم لأنه أحد الأصناف الثمانية و وجوب البسط عندنا غير ثابت حتى أنه مع الاشتراء بجميع مال الزكاة فللفقراء فيه حصة.
نعم ربما يشكل بما لو اشتري العبد من سهم سبيل اللّٰه بناء على أنه لجميع القرب و الطاعات كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى بيانه و أنه لا وجه أيضا لرجوع ميراثه إلى الفقراء لأنه اشتري من مالهم فإن سهم السبيل مصرف آخر غير مالهم.
و لعل الوجه في التفصي عن هذا الإشكال هو الرجوع إلى قصد المشتري و نيته فإن اشتراه بقصد كونه من مال سهم سبيل اللّٰه فالوجه فيه ما ذكرناه و أن ميراثه يرجع إلى الإمام عليه السلام و إن اشتراه من الزكاة لا بهذا القصد صار الحكم فيه ما تضمنته الأخبار. و لا استبعاد في ذلك لأن العبادات بل جملة الأفعال تابعة للنيات و القصود صحة و بطلانا و ثوابا و عقابا و حلية و تحريما و نحو ذلك.
و لا يخفى أن ظاهر تلك الأخبار مساعد لما ذكرناه لأنها دلت على الاشتراء من الزكاة بقول مطلق من غير تقييد بسهم خاص، و أما إدخال ذلك في سهم الرقاب كما عليه ظاهر كلمة الأصحاب فلا أعرف له وجها لعدم فهمه من الأخبار و إجمال الآية‌

184
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الخامس الرقاب ج 12 ص 181

يجب فيه الرجوع إلى النصوص، و الذي دلت عليه النصوص الواردة في تفسيرها هو المكاتب كما تقدم في مرسلة أبي إسحاق و ما تقدم من رواية علي بن إبراهيم في تفسيره، إلا أن الرواية الأولى هي الأشهر بين الأصحاب فإنه لا خلاف بينهم في حملها على المكاتب و إن كان مورد الرواية أخص من ما ذكروه كما قدمنا الإشارة إليه و من ما يؤيد ما ذكرناه أن الصدوق في الفقيه لم يذكر في مصرف سهم الرقاب غير المكاتبين العاجزين عن أداء الكتابة كما هو مورد الرواية التي قدمناها.
و أما ما دلت عليه الرواية الثانية فإنه محل خلاف بينهم، فإن ظاهر المحقق في الشرائع التردد في ذلك حيث قال بعد ذكر الأصناف الثلاثة التي قدمنا نقلها عنهم:
و روى رابع و هو من وجبت عليه كفارة و لم يجد فإنه يعتق عنه، و فيه تردد. و هو إشارة إلى الرواية المذكورة كما صرح به السيد السند في المدارك، و طعن فيها في المدارك أيضا بأن مقتضاها إخراج الكفارة و إن لم تكن عتقا، و أنها غير واضحة الإسناد لأن علي بن إبراهيم أوردها مرسلة، قال و من ثم تردد المصنف في العمل بها و هو في محله. انتهى.
و قال الشيخ في المبسوط: و روى أصحابنا أن من وجب عليه عتق رقبة في كفارة و لا يقدر على ذلك جاز أن يعتق عنه، و الأحوط عندي أن يعطى ثمن الرقبة لكونه فقيرا فيشتري هو و يعتق عن نفسه. و ظاهره أنه يعطى من سهم الفقراء، و جوز في المعتبر إعطاءه من سهم الغارمين أيضا لأن القصد بذلك إبراء ذمة المكفر عنه من ما في عهدته. قال في المدارك بعد نقله عنه: و هو جيد لأن ذلك في معنى الغرم.
أقول: لا يخفى ما في كلامهم (نور اللّٰه تعالى مراقدهم) في هذا المقام و أنه مجرد اجتهاد في مقابلة نصوصهم (صلوات اللّٰه عليهم) و ليت شعري أي مانع من العمل بالخبر المذكور بعد صراحته في تفسير الآية بذلك؟ و المناسبة للآية حيث تضمنت الرقاب لا تختص بالعتق كما توهموه بل هي أعمّ من ذلك بأن يراد بها فك الرقاب و تخليصها‌

185
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الخامس الرقاب ج 12 ص 181

من رق العبودية أو من حقوق لزمتها بأحد هذه الوجوه المذكورة في الخبر، فإنه لا ريب أن من لزمه شي‌ء من هذه الحقوق فقد تعلق برقبته فجعل اللّٰه تعالى له سهما في الصدقات لفك رقبته من ذلك. و لا منافاة في هذه الرواية للرواية الأخرى الواردة أيضا في تفسير الآية كما لا يخفى، بل مقتضى الخبرين هو كون سهم الرقاب عبارة عن ما يصرف في إعانة المكاتب كما تضمنته إحدى الروايتين أو في هذه الأشياء كما تضمنته هذه الرواية.
و بذلك يظهر لك ما في طعن صاحب المدارك في الرواية بتضمنها إخراج الكفارة و إن لم تكن عتقا فإنه لا ضير فيه و لا طعن به و الآية قابلة للحمل عليه كما عرفت.
و أما طعنه بضعف السند فقد عرفت في غير مقام أنه غير معتبر و لا معتمد سيما و المرسل لها هذا الثقة الجليل، و من المعلوم أن مراسيلهم و مسانيدهم أمر واحد و أن هذا الإرسال إنما يقع غالبا للاختصار كما لا يخفى على من أحاط خبرا بطريقة الصدوق في الفقيه و تصريحه في غير موضع بعد ذكر الأحاديث المرسلة أني أخرجتها مسندة في كتاب كذا و كذا.
ثم إنه قد وقع الخلاف بينهم في ما لو دفع المالك من هذا السهم للمكاتب و لم يصرفه في وجه المكاتبة بأن أبرأه سيده أو تطوع عليه متطوع فهل يجب ارتجاعه منه أم لا؟ صرح الشيخ بالثاني قال لأنه ملكه بالقبض فكان له التصرف فيه كيف شاء، و استشكله المحقق في المعتبر و قال إن الوجه أنه إذا دفعه إليه ليصرفه في مال الكتابة ارتجع بالمخالفة لأن للمالك الخيرة في صرف الزكاة في الأصناف.
قال في المدارك بعد نقله عنه: و هو جيد. لكن يبقى الكلام في اعتبار هذا القصد من المالك و مقتضى كلامه في الغارم و ابن السبيل اعتباره فإنه استدل على جواز الارتجاع بأن كلا من الغارم و ابن السبيل إنما ملك المال ليصرفه في وجه مخصوص فلا يسوغ له غيره. و هو غير بعيد إذ لو لا ذلك لجاز إعطاء المكاتب و ابن السبيل‌

186
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الخامس الرقاب ج 12 ص 181

ما يزيد عن قدر حاجتهم و هو باطل قطعا. انتهى. و المسألة عندي محل توقف لعدم النص و إن كان ما ذكره السيد السند لا يخلو من قرب.
تتمة [هل يعطى المكاتب من سهم الرقاب إذا كان قادرا على التكسب؟]
«1» قال السيد السند (قدس سره) في المدارك- بعد قول المصنف: و المكاتب إنما يعطى من هذا السهم إذا لم يكن معه ما يصرفه في كتابته- ما لفظه: مقتضى العبارة جواز إعطاء المكاتب من هذا السهم إذا لم يكن معه ما يصرفه في كتابته و إن كان قادرا على تحصيله بالتكسب، و هو كذلك عملا بالإطلاق، و اعتبر الشهيد في البيان قصور كسبه عن مال الكتابة. انتهى.
أقول: لا يخفى أن الخبر الذي قدمناه مستندا لهذا الحكم و هو خبر أبي إسحاق قد دل على تقييد إعطاء المكاتب بالعجز عن أداء مال الكتابة، و الظاهر أنه هو مراد المصنف و إن كانت عبارته غير صريحة فيه إلا أن السيد المذكور لم يقف على الخبر المشار إليه و جمد على إطلاق الآية.
و بما ذكرنا صرح أيضا شيخنا الصدوق في الفقيه لما فسر سهم الرقاب بالمكاتب خاصة، حيث قال: و سهم الرقاب يعان به المكاتبون الذين يعجزون عن أداء مال الكتابة. انتهى. و به يظهر أن الأظهر هو ما صرح به في الدروس.
و من ما يؤيد ذلك أيضا ما ذكره السيد المذكور في صنف الغارمين حيث قال: و يعتبر في الغارم أن يكون غير متمكن من القضاء كما صرح به الشهيدان و جماعة لأن الزكاة إنما شرعت لسد الخلة و رفع الحاجة و لا تدفع مع الاستغناء عنها. و لو تمكن من قضاء البعض دون البعض أعطي ما لا يتمكن من قضائه. انتهى و لا يخفى أن هذا الكلام جار في ما نحن فيه أيضا، فإنه إن عمل على إطلاق الآية فهي في هذا الموضع أيضا مطلقة فكيف استجاز تقييدها بما ذكره، و إن اعتبر بهذا التقييد- و هو أن الزكاة إنما شرعت لسد الخلة. إلى آخره- فلا معنى‌
______________________________
(1) هذه التتمة أوردناها على طبق النسخة الخطية و لم ترد في المطبوعة.

187
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

تتمة هل يعطى المكاتب من سهم الرقاب إذا كان قادرا على التكسب ج 12 ص 187

لكلامه هنا لأن القادر على التحصيل بالتكسب غني عندهم فهو غير محتاج، فلا وجه لعمله على إطلاق الآية. و هذا بحمد اللّٰه سبحانه ظاهر لا ستر عليه.
السادس [الغارمون]
من الأصناف المذكورة- الغارمون و فسرهم الأصحاب بأنهم الذين عليهم الديون في غير معصية، و الظاهر أنه لا خلاف فيه كما صرح به غير واحد منهم و يدل عليه‌
ما رواه في الكافي عن محمد بن سليمان عن رجل من أهل الجزيرة يكنى أبا نجاد «1» قال: «سأل الرضا عليه السلام رجل و أنا أسمع فقال له جعلت فداك إن اللّٰه عز و جل يقول «وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ» «2» أخبرني عن هذه النظرة التي ذكرها اللّٰه تعالى في كتابه لها حد يعرف إذا صار هذا المعسر إليه لا بد من أن ينظر و قد أخذ مال هذا الرجل و أنفقه على عياله و ليس له غلة ينتظر إدراكها و لا دين ينتظر محله و لا مال غائب ينتظر قدومه؟ قال نعم ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة اللّٰه عز و جل فإن كان أنفقه في معصية اللّٰه فلا شي‌ء له على الإمام. قلت فما لهذا الرجل الذي ائتمنه و هو لا يعلم في ما أنفقه في طاعة اللّٰه عز و جل أم في معصيته؟ قال يسعى له في ماله و يرده عليه و هو صاغر».
و ما رواه فيه أيضا عن صباح بن سيابة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله أيما مؤمن أو مسلم مات و ترك دينا لم يكن في فساد و لا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك، إن اللّٰه تبارك و تعالى يقول:
«إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ. الآية» «4» فهو من الغارمين و له سهم عند الإمام فإن حبسه عنه فإثمه عليه».
و في تفسير علي بن إبراهيم في تتمة الحديث المتقدم نقله «5» في الأصناف
______________________________
(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الدين و فيه كما في الفروع ج 1 ص 353 و التهذيب ج 6 ص 185 (يكنى أبا محمد).
(2) سورة البقرة الآية 281.
(3) الأصول ج 1 ص 407.
(4) سورة التوبة الآية 61.
(5) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة رقم (7).

188
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السادس الغارمون ج 12 ص 188

لمتقدمة قال: «و الغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّٰه من غير إسراف فيجب على الإمام أن يقضي عنهم و يفكهم من مال الصدقات».
و ما رواه الحميري في كتاب قرب الإسناد عن الحسين بن علوان عن جعفر ابن محمد عن أبيه (عليهما السلام) «1» «أن عليا عليه السلام كان يقول يعطى المستدينون من الصدقة و الزكاة دينهم كله ما بلغ إذا استدانوا في غير سرف».
و ما رواه الكليني في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج «2» قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل عارف فاضل توفي و ترك عليه دينا قد ابتلي به لم يكن بمفسد و لا مسرف و لا معروف بالمسألة هل يقضى عنه من الزكاة الألف و الألفان؟ قال نعم».
ثم إنه قد ورد هنا أخبار مطلقة ينبغي حملها على هذه الأخبار المقيدة: منها-
ما رواه في الكافي عن موسى بن بكر «3» قال: «قال لي أبو الحسن عليه السلام من طلب هذا الرزق من حله ليعود به على نفسه و عياله كان كالمجاهد في سبيل اللّٰه فإن غلب عليه فليستدن على اللّٰه و على رسوله صلى اللّٰه عليه و آله ما يقوت به عياله فإن مات و لم يقضه كان على الإمام قضاؤه فإن لم يقضه كان عليه وزره، إن اللّٰه عز و جل يقول إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا. إلى قوله وَ الْغٰارِمِينَ «4» و هو فقير مسكين مغرم».
و ما رواه فيه أيضا عن العباس عن من ذكره عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «5» قال:
«الإمام يقضي عن المؤمنين سائر الديون ما خلا مهور النساء».
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الكلام هنا يقع في مواضع‌
أحدها [هل يعتبر في إعطاء الغارم من الزكاة عدم تمكنه من الأداء؟]
- قد صرح جمع من الأصحاب بأنه يعتبر في الغارم أن يكون غير متمكن من الأداء لأن الزكاة إنما شرعت لسد الخلة و رفع الحاجة و لا تدفع مع الاستغناء عنها، و استقرب العلامة في‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 24 و 48 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 24 و 46 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 46 من المستحقين للزكاة و الباب 9 من أبواب الدين.
(4) سورة التوبة الآية 61.
(5) الوسائل الباب 9 من أبواب الدين.

189
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

أحدها هل يعتبر في إعطاء الغارم من الزكاة عدم تمكنه من الأداء ج 12 ص 189

النهاية جواز الدفع إلى المديون و إن كان عنده ما يفي بدينه إذا كان بحيث لو دفعه يصير فقيرا لانتفاء الفائدة في أن يدفع ماله ثم يأخذ الزكاة باعتبار الفقر. قال في المدارك بعد نقله عنه: و مقتضى كلامه أن الأخذ و الحال هذه يكون من سهم الغارمين، و هو غير بعيد لإطلاق الآية و عدم صدق التمكن من أداء الدين عرفا بذلك. انتهى.
أقول: لا ريب أن ما ذكروه من أنه يعتبر في الغارم أن يكون غير متمكن من الأداء هو مقتضى الأخبار التي ذكرناها فالأولى في الاستدلال على ما ذكروه هو الاستناد إليها، إلا أنهم (رضوان اللّٰه عليهم) لم يلموا في هذا المقام بشي‌ء منها و لا ذكروا منها شيئا بالمرة فلذا عللوا الحكم المذكور بما ذكروه، و هو من حيث الاعتبار لا يخلو من قوة إلا أنك قد عرفت في غير موضع أن أمثال هذه التعليلات العقلية لا تصلح مجردة عن الأخبار لتأسيس الأحكام الشرعية.
و أما ما ذكره العلامة من جواز الدفع إلى المديون و إن كان عنده ما يفي بدينه فظواهر الأخبار التي ذكرناها تأباه و ترده و لا سيما الخبر الأول فإنه صريح في ذلك و ما ذكره في المدارك- من أنه غير بعيد لإطلاق الآية. إلى آخر كلامه- ينافي ما صرح به أولا من ما نقلناه عنهم من أنه يعتبر في الغارم أن يكون غير متمكن من الأداء. إلى آخر ما نقلناه عنهم، فإن هذا الكلام ظاهر في أنهم لم يعملوا على إطلاق الآية بل قيدوها بعدم التمكن، و لا ريب أن هذا متمكن كما هو المفروض و تعليلهم الذي ذكروه أظهر ظاهر في ذلك.
و أما ما ذكره من عدم صدق التمكن من أداء الدين عرفا فهو ممنوع أشد المنع، و كيف لا يكون متمكنا و عنده ما يفي بدينه كما هو المفروض، و إنما يتعللون بأنه بعد الدفع في الدين يكون فقيرا محتاجا إلى الزكاة.
و هذا لا يصلح وجها لما اعتمده (أما أولا) فلأن اللّٰه تعالى ضامن للرزق فلعل اللّٰه تعالى بسبب حسن نيته في قضاء دينه و المسارعة إلى فكاك عنقه بما عنده يعجل له بالرزق من حيث لا يحتسب و لا يحتاج إلى الزكاة.

190
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

أحدها هل يعتبر في إعطاء الغارم من الزكاة عدم تمكنه من الأداء ج 12 ص 189

(و أما ثانيا) فإنه ليس الفقر إلا عدم ملك مئونة السنة و هذا لا يستلزم الحاجة إلى الزكاة في الحاضر و إن كان من أهلها باعتبار فقره و إنما يحتاج إليها لإتمام مئونة السنة، و مع فرض احتياجه إلى الزكاة كما ادعوه فهو لا يصلح مستندا لما ذكروه.
و بالجملة فكلامهم في المقام لما كان غير مبني على خبر و لا دليل شرعي و إنما هو مجرد اعتبارات و تخريجات فالباب في ذلك واسع، و أنت إذا رجعت إلى الأخبار التي ذكرناها لا ترتاب في صحة ما ذكرناه و ظهوره منها كما بيناه.
و‌
ثانيها [هل يعتبر في إعطاء الغارم من الزكاة عدم صرف الدين في المعصية؟]
- إن ظاهر كلمة الأصحاب الاتفاق على اشتراط الأداء عن الغارمين بأن لا يكون ما استدانوه في معصية و الأخبار المتقدمة صريحة في ذلك كما عرفت، و بعضها و إن كان مطلقا لكن يجب حمله على مقيدها. و بذلك يظهر لك ما في مناقشة السيد السند في المدارك و من اقتفاه كالفاضل الخراساني في الذخيرة.
قال في المدارك: و اشترط الأصحاب في جواز الدفع إلى الغارم أن لا يكون استدانته في معصية، و استدلوا عليه بأن في قضاء دين المعصية حملا للغريم على المعصية و هو قبيح عقلا فلا يكون متعبدا به شرعا،
و بما روي عن الرضا عليه السلام «1» أنه قال: «يقضى ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة اللّٰه عز و جل و إذا كان أنفقه في معصية اللّٰه فلا شي‌ء له على الإمام».
و يمكن المناقشة في الأول بأن إعانة المستدين في المعصية إنما تقبح مع عدم التوبة لا مطلقا، و في الرواية بالطعن في السند فإنا لم نقف عليها مسندة في شي‌ء من الأصول، و من ثم ذهب المصنف في المعتبر إلى جواز إعطائه مع التوبة من سهم الغارمين و هو حسن. انتهى.
أقول: بل الدليل على ما ذكره الأصحاب إنما هو هذه الأخبار الواضحة الدلالة على ذلك و لكنه معذور حيث لم يقف عليها كما يفصح عنه إنكاره لوجود هذه الرواية عن الرضا عليه السلام في شي‌ء من الأصول و هي في كتاب الكافي لكنها حيث‌
______________________________
(1) و هي رواية محمد بن سليمان المتقدمة ص 188.

191
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

ثانيها هل يعتبر في إعطاء الغارم من الزكاة عدم صرف الدين في المعصية ج 12 ص 191

لم تكن في كتاب الزكاة و إنما هي في كتاب الديون لم يطلع عليها و كذا غيرها من ما نقلناه و أما ما نقله عن المعتبر من جواز إعطائه مع التوبة فالظاهر أنه مبني على ما أجاب به هنا عن التعليل الذي استدل به الأصحاب على عدم جواز الدفع من هذا السهم لمن أنفق ما استدانه في معصية و أنه مع التوبة لا يقبح الأداء عنه و إن كان كذلك.
و أنت قد عرفت أنا لا نعتمد على هذه التعليلات الواهية و إنما العلة هي النصوص المذكورة و التوبة لا مدخل لها في ذلك، لأن الظاهر أن إيجاب الشارع القضاء عليه من غير أن يعطى من هذا السهم ما يقضي به عن نفسه إنما وقع عقوبة له في ما فعل من صرف ما استدانه في المعصية كما ينادي به‌
قول الرضا عليه السلام في الرواية الأولى «1» «يسعى له في ماله و يرده عليه و هو صاغر».
و بالجملة فإن الأخبار و كلمة الأصحاب متفقة على أن الدفع من هذا السهم مخصوص بمن استدان في غير معصية، و الخروج عن ذلك من غير دليل واضح مع كونه تحكما محضا جرأة كما لا يخفى على المنصف. إلا أن ذلك إنما هو بالنسبة إلى من وقف على الأخبار المذكورة و أما من لم يقف عليها فهو معذور في ما ذكره. إلا أن الحكم في المسألة قبل تتبع الأدلة الشرعية من مظانها مشكل فنسأل اللّٰه تعالى لنا و لهم المسامحة بجوده و مغفرته.
و ثالثها [هل يعطى الغارم من الزكاة لو جهل مصرف الدين؟]
- أنه قد ذكر الأصحاب أنه لو جهل مصرف الدين في طاعة أو معصية فإنه يعطى من سهم الغارمين، و نقل عن الشيخ القول بالمنع، قالوا و ربما كان مستنده‌
رواية محمد بن سليمان المتقدمة في أول الأخبار السابقة «2» و قوله فيها «قلت فما لهذا الرجل الذي ائتمنه و هو لا يعلم في ما أنفقه في طاعة اللّٰه عز و جل أم في معصيته؟
قال يسعى له في ماله و يرده عليه و هو صاغر».
قالوا: و هذه الرواية ضعيفة جدا فلا يمكن التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل، لأن الأصل في تصرفات المسلم‌
______________________________
(1) ص 188.
(2) ص 188.

192
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

و ثالثها هل يعطى الغارم من الزكاة لو جهل مصرف الدين ج 12 ص 192

وقوعها على الوجه المشروع، و لأن تتبع مصارف الأموال عسر.
أقول: الظاهر أن الخبر المذكور لا دلالة فيه على ما ذكروه من أنه متى جهل الإمام حال إنفاقه لم يدفع له من هذا السهم، و بيان ذلك أن الظاهر أن المرجع في الإنفاق إلى كونه طاعة أو معصية إنما هو إلى المنفق لأنه المتولي لذلك، و اطلاع الناس على ذلك أمر نادر غالبا سيما إذا كان مستور الظاهر، و حينئذ فيرجع الحكم إليه فإن أنفقه في طاعة جاز له الأخذ من هذا السهم و حل له ذلك و إن أنفقه في معصية حرم عليه الأخذ منه. و أما الحكم بالنسبة إلى الإمام فإنه إن اطلع على أحد الأمرين عامله به و إن لم يطلع و لا سيما مع كونه مستور الظاهر غير معروف بالفسق فإنه يدفع إليه بناء على ظاهر الحال و لكنه يحرم عليه في ما بينه و بين اللّٰه إن كان ما استدانه قد أنفقه في المعصية، و حينئذ فيرجع قوله عليه السلام: «إذا كان أنفقه في طاعة اللّٰه» إلى ما لو علم الإنفاق بكونه في طاعة أو بني في ذلك على حسن ظاهره كما يشير إليه قوله عليه السلام في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج «لم يكن بمفسد و لا مسرف» و قوله في رواية صباح بن سيابة «لم يكن في فساد و لا إسراف» فإن مرجع ذلك إلى الحكم بحسن الظاهر.
و الرواية عند التأمل فيها لا منافاة فيها لما ذكرناه، لأنه لما ذكر عليه السلام أنه إنما يعطيه الإمام إذا أنفقه في طاعة اللّٰه و أما إذا أنفقه في المعصية فلا شي‌ء له رجع له الراوي و قال له إن صاحب هذا الدين لا علم له بكونه أنفقه في طاعة أو معصية، أجابه عليه السلام بما معناه أن صاحب الدين لا مدخلية له في ذلك و إنما المرجع فيه إلى المستدين فإن كان قد أنفق ما استدانه منه في معصية وجب عليه أن يسعى له فيه و يرده عليه و هو صاغر. هذا حاصل جوابه عليه السلام. و جهل الإنفاق هنا إنما نسب إلى صاحب الدين لا إلى الإمام حتى يتم ما توهموه من الخبر من أنه متى جهل الإمام وجه الإنفاق لم يدفع له من هذا السهم، غاية الأمر أن الإمام عليه السلام للتفصيل الذي ذكره أولا و علم منه الحكم أجمل في الجواب ثانيا اعتمادا على ما قدمه من التفصيل.

193
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

و ثالثها هل يعطى الغارم من الزكاة لو جهل مصرف الدين ج 12 ص 192

هكذا حقق المقام و لا تصغ إلى ما سبق من الأوهام.
و رابعها [هل يعطى الغارم لإطفاء الفتنة من الزكاة؟]
- قال الشيخ في المبسوط: و أما الغارمون فصنفان: صنف استدانوا في مصلحتهم في غير معصية ثم عجزوا عن أدائه فهؤلاء يعطون من سهم الغارمين بلا خلاف، و قد ألحق بهذا قوم أدانوا مالا في دم بأن وجد قتيل لا يدرى من قتله و كاد أن تقع بسببه فتنة فتحمل رجل ديته لأهل القبيلة فهؤلاء أيضا يعطون أغنياء كانوا أو فقراء‌
لقوله صلى اللّٰه عليه و آله «1» «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: غاز في سبيل اللّٰه أو عامل عليها أو غارم».
و ألحق به أيضا قوم تحملوا في ضمان مال بأن يتلف مال رجل و لا يدرى من أتلفه و كاد إن تقع بسببه فتنة فتحمل رجل قيمته و أطفأ الفتنة. انتهى.
و بذلك صرح كثير من الأصحاب ممن تأخر عنه: منهم- العلامة في أكثر كتبه و ابن حمزة، و ظاهرهم دفع ذلك من سهم الغارمين، و لم أقف فيه على نص من طرقنا و الرواية التي ذكرها الشيخ الظاهر أنها من طرق المخالفين، و لو أريد الدفع من سهم سبيل اللّٰه- بناء على ما هو الأشهر الأظهر من أن مصرفه جميع الطاعات و إصلاح ذات البين من أعظمها- فهو جيد.
و روى ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج «2» أن محمد بن خالد قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الصدقات فقال اقسمها في من قال اللّٰه عز و جل و لا تعطين من سهم الغارمين الذين ينادون بنداء الجاهلية شيئا. قلت و ما نداء الجاهلية؟ قال هو الرجل يقول يا لبني فلان فيقع بينهم القتل و الدماء فلا تؤدوا ذلك من سهم الغارمين، و لا الذين يغرمون من مهور النساء، و لا أعلمه إلا قال و لا الذين لا يبالون ما صنعوا في أموال الناس».
و في هذا الحديث إيماء إلى ما ذكره الأصحاب.
______________________________
(1) سنن أبي داود ج 1 ص 259.
(2) الوسائل الباب 48 من المستحقين للزكاة و فيه (يا بني فلان).

194
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

و خامسها جواز مقاصة المدين الفقير بالزكاة ج 12 ص 195

و خامسها [جواز مقاصة المدين الفقير بالزكاة]
- قد صرح الأصحاب بأنه لو كان له دين على فقير جاز له مقاصته به من الزكاة، و هو من ما لا خلاف فيه.
و يدل عليه جملة من الأخبار: منها-
ما رواه الكليني في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج «1» قال: «سألت أبا الحسن الأول عليه السلام عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه و هم مستوجبون للزكاة هل لي أن أدعه و أحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال نعم».
و عن عقبة بن خالد «2» قال: «دخلت أنا و المعلى و عثمان بن عمران على أبي عبد اللّٰه عليه السلام فلما رآنا قال مرحبا بكم وجوه تحبنا و نحبها جعلكم اللّٰه معنا في الدنيا و الآخرة فقال له عثمان جعلت فداك فقال له أبو عبد اللّٰه عليه السلام نعم مه. قال إني رجل موسر فقال له بارك اللّٰه لك في يسارك قال فيجيئني الرجل فيسألني الشي‌ء و ليس هو إبان زكاتي؟ فقال له أبو عبد اللّٰه عليه السلام القرض عندنا بثمانية عشر و الصدقة بعشر و ما ذا عليك إذا كنت كما تقول موسرا أعطيته فإذا كان إبان زكاتك احتسبت بها من الزكاة، يا عثمان لا ترده فإن رده عند اللّٰه عظيم، يا عثمان إنك لو علمت ما منزلة المؤمن من ربه ما توانيت في حاجته، و من أدخل على مؤمن سرورا فقد أدخل على رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و قضاء حاجة المؤمن يدفع الجنون و الجذام و البرص».
و روى الكليني في الموثق عن سماعة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «سألته عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير يريد أن يعطيه من الزكاة؟ فقال إن كان الفقير عنده وفاء بما كان عليه من الدين من عرض من دار أو متاع من متاع البيت أو يعالج عملا يتقلب فيه بوجهه فهو يرجو أن يأخذ منه ما له عنده من دينه فلا بأس أن يقاصه بما أراد أن يعطيه من الزكاة أو يحتسب بها، و إن لم يكن عند
______________________________
(1) الوسائل الباب 46 من المستحقين للزكاة.
(2) الفروع ج 1 ص 163 باب القرض، و في الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة و 25 من فعل المعروف.
(3) الوسائل الباب 46 من المستحقين للزكاة.

195
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

و خامسها جواز مقاصة المدين الفقير بالزكاة ج 12 ص 195

الفقير وفاء و لا يرجو أن يأخذ منه شيئا فليعطه من زكاته و لا يقاصه بشي‌ء من الزكاة».
و ذكر شيخنا الشهيد الثاني أن المقاصة احتساب الزكاة على الفقير ثم أخذها مقاصة من دينه، و قيل هي القصد إلى إسقاط ما في ذمة الفقير للمزكي من الدين على وجه الزكاة، و هو أظهر.
قال في المدارك: و في معنى الفقير الغني أعني مالك قوت السنة إذا كان بحيث لا يتمكن من أداء الدين.
و لا يخفى ما فيه: أما أولا- فلأنه خلاف ما اتفقت عليه الأخبار و كلمة الأصحاب من غير خلاف يعرف في الباب من اشتراط الفقر في المستحق و أن الغنى و هو المالك مئونة سنة لا يجوز أن يعطى منها، و الفرق بين الإعطاء ابتداء و المقاصة من ما لا دليل عليه فلا وجه له.
و الظاهر أن منشأ الشبهة عنده هو ما تقدم في الموضع الأول من أنه بأداء ما عليه من الدين يكون فقيرا محتاجا إلى الزكاة لفقره فلا معنى لأن يعطي ما عليه من الدين ثم يأخذ الزكاة.
و فيه ما عرفت و أنه ليس كل فقير يحتاج في الحاضر إلى الزكاة و إن احتاج إليها في وقت آخر، فلو فرضنا أن شخصا عنده ألف درهم جنسا أو نقدا و هي مئونة سنته و عليه مائة درهم دينا فلو أعطى تلك المائة نقص ما عنده عن مئونة سنته و صار فقيرا يحل له أخذ الزكاة، و لا ريب أن الواجب عليه إعطاء ما عليه من الدين لكونه مقتدرا عليه فهو داخل تحت الأوامر الدالة على وجوب الوفاء بالدين و لا يحل له حبسه مع المطالبة، و احتساب ما عليه من الدين من وجه الزكاة غير جائز لكونه غنيا كما عرفت.
و أما ثانيا- فلما عرفت من الأخبار المتقدمة فإنها ظاهرة بل صريحة في عدم ملك مئونة السنة بل عدم القدرة على أداء الدين، أما صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج فلقوله فيها «لا يقدرون على قضائه و هم مستوجبون للزكاة» و أما رواية عقبة بن‌

196
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

و خامسها جواز مقاصة المدين الفقير بالزكاة ج 12 ص 195

خالد فلقوله «يجيئني الرجل فيسألني» و مالك مئونة سنة لا يسأل، و أما موثقة سماعة فالفرق بين الموضعين فيها لا يخلو من إجمال، و توضيحه بتوفيق اللّٰه و عونه سبحانه أنه لما كان الفقير هو الغير المالك لمئونة سنة فعلا أو قوة فقد يملك أشياء و إن كانت لا تفي بمئونة السنة و إن وفت بدينه و زيادة و قد لا يملك شيئا بالكلية، فأمره عليه السلام بالاحتساب في الحالة الأولى من حيث الفقر و إن أمكنه أداء الدين و منعه من الاحتساب في الحالة الثانية و ذلك لأنه معسر فيجب إنظاره كما دلت عليه الآية «1» و الاحتساب استيفاء و قبض للدين و هو غير جائز شرعا بالنسبة إلى المعسر لوجوب إنظاره إلى ميسرة فلذا منعه من الاحتساب عليه و أمره بإعطائه من الزكاة.
و سادسها [جواز قضاء الدين عن الميّت و المقاصة به من الزكاة]
- لو كان الدين على ميت جاز أن يقضى عنه من هذا السهم و إن يقاص به، و هو من ما لا خلاف فيه و عليه تدل الأخبار:
و منها- ما تقدم «2» من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج و رواية صباح بن سيابة و هما دالتان على القضاء.
و رواية يونس بن عمار «3» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول قرض المؤمن غنيمة و تعجيل أجر، إن أيسر قضاك و إن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة».
و رواية إبراهيم بن السندي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» قال: «قرض المؤمن غنيمة و تعجيل خير، إن أيسر أدى و إن مات احتسب به من زكاته».
و نحوهما غيرهما و هما دالتان على الاحتساب.
و روى زرارة في الصحيح أو الحسن على المشهور «5» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه
______________________________
(1) و هي قوله تعالى «وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ» سورة البقرة الآية 281.
(2) ص 188 و 189.
(3) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة.
(5) الوسائل الباب 18 من المستحقين للزكاة.

197
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

و سادسها جواز قضاء الدين عن الميت و المقاصة به من الزكاة ج 12 ص 197

عليه السلام رجل حلت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دين أ يؤدي زكاته في دين أبيه و للابن مال كثير؟ فقال إن كان أبوه أورثه مالا ثم ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه قضاه من جميع الميراث و لم يقضه من زكاته، و إن لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد أحق بزكاته من دين أبيه فإذا أداها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه».
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد اختلف الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في أنه هل يشترط في جواز الأداء عن الميّت من الزكاة قصور تركته عن الوفاء بالدين أم لا؟
قولان ذهب إلى الأول الشيخ في المبسوط و ابن الجنيد على ما نقل عنهما و إلى الثاني الفاضلان.
و يدل على الأول حسنة زرارة المذكورة أو صحيحته على المختار، و موردها و إن كان الأب إلا أن الظاهر أنه لا خصوصية له فيتعدى إلى غيره كما في سائر الأحكام.
و استدل العلامة في المختلف على الثاني بعموم الأمر باحتساب الدين على الميّت من الزكاة «1» و لأنه بموته انتقلت التركة إلى ورثته فصار في الحقيقة عاجزا و لا يخفى ما في هذا الاستدلال: أما العموم فإنه يجب تخصيصه بالصحيحة المذكورة كما هو القاعدة المطردة. و أما انتقال التركة فإنه في موضع النزاع ممنوع لصريح قوله عز و جل في غير موضع «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ» «2» فإنها صريحة في عدم الانتقال مع الدين و الوصية النافذة كما لا يخفى.
ثم إنه لا يخفى أنه لا فرق في جواز قضاء الدين عن الميّت أو مقاصته به بين أن يكون أجنبيا أو واجب النفقة و هو موضع وفاق بينهم، و يدل عليه حسنة زرارة المتقدمة أو صحيحته.
و كذا لو كان الدين على من تجب نفقته مع كونه حيا فإنه يجوز القضاء عنه‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الدين.
(2) سورة النساء الآية 13 و 17.

198
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

و سادسها جواز قضاء الدين عن الميت و المقاصة به من الزكاة ج 12 ص 197

أو مقاصته من غير خلاف.
و يدل عليه‌
موثقة إسحاق بن عمار «1» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل على أبيه دين و لأبيه مئونة أ يعطي أباه من زكاته يقضي دينه؟ قال نعم و من أحق من أبيه».
و سابعها- أنه لو صرف الغارم ما دفع إليه في غير وجه الغرم فهل يجب استعادته أم لا؟
قولان ذهب إلى الأول المحقق في المعتبر و الشرائع، و إلى الثاني الشيخ، و علله بأنه ملكه بالقبض فلا يحكم عليه بوجوب الإعادة. و أجاب في المعتبر بأنه ملكه ليصرفه في وجه مخصوص لا يسوغ له غيره. و استحسنه في المدارك و المسألة محل توقف لعدم النص و إن كان ما ذكره لا يخلو من قرب.
السابع [سبيل اللّٰه]
- من الأصناف المتقدمة سبيل اللّٰه، و هل هو الجهاد خاصة أو ما يشمل جميع القرب و الخيرات و المصالح؟ قولان صرح بالأول الشيخ في النهاية و الشيخ المفيد في المقنعة و الصدوق في الفقيه، و المشهور الثاني و هو الظاهر من الأدلة.
و يدل عليه‌
ما نقله الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره «2» في تتمة الحديث المتقدم ذكره في الأصناف المتقدمة عن العالم عليه السلام قال: «و في سبيل اللّٰه قوم يخرجون إلى الجهاد و ليس عندهم ما يتقوون به أو قوم مؤمنون ليس عندهم ما يحجون به أو في جميع سبل الخير، فعلى الإمام أن يعطيهم من مال الصدقات حتى يقووا على الحج و الجهاد».
و ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن علي بن يقطين «3» «أنه قال لأبي الحسن الأول عليه السلام يكون عندي المال من الزكاة فأحج به موالي و أقاربي؟ قال لا بأس».
و ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4»
______________________________
(1) الوسائل الباب 18 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة رقم 7.
(3) الوسائل الباب 42 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 42 من المستحقين للزكاة.

199
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السابع سبيل الله ج 12 ص 199

قال: «سأل رجل أبا عبد اللّٰه عليه السلام و أنا جالس فقال إني أعطى من الزكاة فأجمعه حتى أحج به؟ فقال نعم يأجر اللّٰه من يعطيك».
و احتمال الدفع هنا من حيث الفقر ممكن بل هو الظاهر.
و ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر من نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر عن جميل عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «سألته عن الصرورة أ يحجه الرجل من الزكاة؟ قال نعم».
و يدل على ذلك أيضا‌
ما رواه المشايخ الثلاثة عن الحسن بن راشد «2» قال:
«سألت أبا الحسن العسكري عليه السلام بالمدينة عن رجل أوصى بمال في سبيل اللّٰه قال سبيل اللّٰه شيعتنا».
و بأسانيدهم عن الحسين بن عمر «3» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام إن رجلا أوصى إلي بشي‌ء في سبيل اللّٰه؟ فقال لي اصرفه في الحج. قال قلت أوصى إلي في السبيل قال اصرفه في الحج فإني لا أعلم شيئا في سبيل اللّٰه أفضل من الحج» و في رواية أحدهم «4» لا أعلم سبيلا من سبله أفضل من الحج.
و جمع بينهما في الفقيه فقال: و هذان الحديثان متفقان و ذلك أنه يصرف ما أوصى به في السبيل إلى رجل من الشيعة يحج به. و نقل ذلك الشيخ عنه ثم قال و هذا وجه حسن.
و لا يخفى ما في كلاميهما (طاب ثراهما) فإن سبيل اللّٰه إما أن يخص بالجهاد كما هو أحد القولين أو يفسر بما هو أعمّ من جميع القربات و الطاعات، و المعنى الأول لا مجال لاعتباره هنا، و على الثاني فلا تنافي ليحتاج إلى الجمع بين الخبرين.
ثم إنه يفهم من جملة من الأخبار أن حمل سبيل اللّٰه على الجهاد إنما هو تقية حيث إن مذهبهم تفسير سبيل اللّٰه بذلك «5» و هي في باب الوصايا:
______________________________
(1) الوسائل الباب 42 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 33 من الوصايا.
(3) الوسائل الباب 33 من الوصايا.
(4) الوسائل الباب 33 من الوصايا.
(5) المحلى ج 6 ص 151 و نيل الأوطار ج 4 ص 236.

200
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السابع سبيل الله ج 12 ص 199

و منها-
ما رواه في الكافي عن يونس بن يعقوب «1» «أن رجلا كان بهمذان ذكر أن أباه مات و كان لا يعرف هذا الأمر فأوصى بوصية عند الموت و أوصى أن يعطى شي‌ء في سبيل اللّٰه فسئل عنه أبو عبد اللّٰه عليه السلام كيف يفعل به و أخبرناه أنه كان لا يعرف هذا الأمر؟ فقال لو أن رجلا أوصى إلي أن أضع في يهودي أو نصراني لوضعته فيهما؟ إن اللّٰه عز و جل يقول «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مٰا سَمِعَهُ فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ» «2» فانظروا إلى من يخرج إلى هذا الوجه- يعني بعض الثغور- فابعثوا به إليه».
ثم إنه هل يشترط في الدفع من هذا السهم الحاجة أم لا؟ ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بل صريحه الأول، حيث قال: و يجب تقييده بأن لا يكون فيه معونة لغني مطلق بحيث لا يدخل في شي‌ء من الأصناف الباقية فيشترط في الحاج و الزائر الفقر أو كونه ابن سبيل أو ضيفا، و الفرق بينهما حينئذ و بين الفقير أن الفقير لا يعطى الزكاة ليحج بها من جهة كونه فقيرا و يعطى لكونه في سبيل اللّٰه. انتهى.
و قال العلامة في التذكرة بعد أن ذكر أنه يدخل في سهم سبيل اللّٰه مئونة الزوار و الحجيج: و هل يشترط حاجتهم؟ إشكال ينشأ من اعتبار الحاجة كغيره من أهل السهام و من اندراج إعانة الغنى تحت سبيل الخير. انتهى.
و قال السيد السند في المدارك بعد نقل كلام جده (قدس سرهما): و هو مشكل لأن فيه تخصيصا لعموم الأدلة من غير دليل، و المعتمد جواز صرف هذا السهم في كل قربة لا يتمكن فاعلها من الإتيان بها بدونه، و إنما صرنا إلى هذا القيد لأن الزكاة إنما شرعت بحسب الظاهر لدفع الحاجة فلا تدفع مع الاستغناء عنها و مع ذلك فاعتباره محل تردد. انتهى.
______________________________
(1) الوسائل الباب 33 من أبواب الوصايا.
(2) سورة البقرة الآية 178.

 

201
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السابع سبيل الله ج 12 ص 199

أقول: لا يخفى أن هاهنا ثلاث صور: إحداها- أن يكون فقيرا لا مال له بالكلية أو له مال لا يتمكن منه كابن السبيل و الضيف، و هذا من ما لا إشكال في جواز الدفع إليه من هذا السهم.
الثانية- أن يكون غنيا متمكنا من كل ما يريد من أبواب القربات و الطاعات و هذا محل الإشكال في جواز الدفع إليه من هذا السهم، و هو الذي منع من الدفع إليه شيخنا الشهيد في المسالك، و هو أحد وجهي الإشكال في كلام العلامة.
الثالث- من كان مالكا مئونة سنة بالفعل أو القوة لكنه لا يتمكن بذلك من الحج و نحوه، و ظاهر عبارة شيخنا الشهيد الثاني المنع أيضا من الدفع إليه لصدق الغني، و كذا ظاهر كلام العلامة باعتبار الإشكال فيه، و ظاهر كلام السيد السند جواز الدفع إليه لأن ظاهر عبارته أنه يدفع هذا السهم إلى كل من لا يتمكن من تلك القربة إلا بالإعانة من ذلك السهم أعمّ من أن يكون فقيرا لا مال له أو له مال لكن لا يقوم بالتمكن منه.
و كيف كان فينبغي أن يعلم أن الحاجة إلى الحج لا تنافي الغنى الذي هو عبارة عن ملك مئونة السنة أو الحرفة أو الصنعة الموجبة للغنى و لكن لا يتمكن من الحج منها، و فيه جمع بين إطلاق الأدلة و بين ما ذكروه من أن الزكاة إنما شرعت لدفع الحاجة و سد الخلة. و اللّٰه العالم‌
الثامن [ابن السبيل]
من الأصناف المذكورة- ابن السبيل، و في عبائر جمع من الأصحاب تفسيره بالمنقطع به و الضيف، و في بعض بالأول و نسبة الثاني إلى الرواية.
قال شيخنا المفيد (عطر اللّٰه مرقده) في المقنعة: و ابن السبيل و هم المنقطع بهم في الأسفار و قد جاءت رواية «1» أنهم الأضياف يراد به من أضيف لحاجته إلى ذلك و إن كان له في موضع آخر غنى و يسار، و ذلك راجع إلى ما قدمناه. انتهى و ظاهر كلامه بل صريحه التخصيص بالمعنى الأول حيث تأول الرواية بالإرجاع إليه‌
______________________________
(1) المقنعة ص 29 و في الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة.

 

202
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثامن ابن السبيل ج 12 ص 202

و يدل على ذلك‌
حديث علي بن إبراهيم «1» المتقدم نقله في الأصناف المتقدمة حيث قال: «و ابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّٰه فيقطع بهم و يذهب مالهم فعلى الإمام أن يردهم إلى أوطانهم من مال الصدقات».
و ظاهر الخبر اعتبار كون السفر طاعة و المشهور بين الأصحاب اشتراط الإباحة فلا يعطى من كان سفره معصية، و لم أر من قال بمضمون الرواية إلا ابن الجنيد على ما نقل عنه حيث قيد الدفع بالمسافرين في طاعة اللّٰه و المريدين لذلك.
و ليس في الباب خبر غير الرواية المذكورة، و المسألة لا تخلو من شوب الإشكال.
و ما أجاب به في المختلف عن الرواية المذكورة- من أن الطاعة تصدق على المباح بمعنى أن فاعله معتقدا لكونه مباحا مطيع في اعتقاده و إيقاعه الفعل على وجهه- لا يخفى ما فيه فإن الطاعة و المعصية عبارة عن موافقة الأمر و مخالفته و ذلك لا يتعلق بالمباح، و أما اعتقاد الإباحة فأمر خارج عن الفعل. و اللّٰه العالم.
البحث الثاني- في أوصاف المستحقين
و هي على ما ذكره الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) أمور‌
الأول- الإيمان
الذي هو عبارة عن الإسلام مع اعتقاد إمامة الأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام) و اعتبار هذا الوصف مجمع عليه نصا و فتوى.
و استدل عليه في المنتهى بأن الإمامة من أركان الدين و أصوله و قد علم ثبوتها من النبي صلى اللّٰه عليه و آله ضرورة فالجاحد لها لا يكون مصدقا للرسول صلى اللّٰه عليه و آله في جميع ما جاء به فيكون كافرا فلا يستحق الزكاة، و بأن الزكاة معونة و إرفاق فلا يعطى غير المؤمن، و لأنه محاد لله و لرسوله و المعونة و الإرفاق مودة فلا يجوز فعلها مع غير المؤمن لقوله تعالى «لٰا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوٰادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّٰهَ» «2» انتهى. و هو جيد متين بل جوهر ثمين.
و ما ذكره في المدارك- حيث قال بعد نقله: و في الدليلين بحث- ضعيف‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة رقم 7.
(2) سورة المجادلة الآية 23.

203
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأول الإيمان ج 12 ص 203

لا يعول عليه و باطل لا يرجع إليه، و ذلك فإنه و إن اشتهر بين المتأخرين الحكم بإسلام المخالفين و لا سيما السيد المذكور و جده (قدس سرهما) حتى انجر بهما الأمر إلى الحكم بعدالة النصاب الذين هم أشد نجاسة من الكلاب كما أوضحناه في شرحنا على كتاب المدارك إلا أن مقتضى أخبار أهل البيت (عليهم السلام)- و هو المشهور بين متقدمي أصحابنا- هو الحكم بكفرهم و نصبهم و نجاستهم كما أوضحنا ذلك بما لا مزيد عليه في كتابنا الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب و في مواضع من كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد. و لا ريب أن حديث الغدير من ما تواتر بين الفريقين و أجمع على نقله رواة الطرفين بل تواتره من طرق المخالفين أشهر كما ذكرناه في ذينك الكتابين «1» و ارتكاب بعض متعصبي المخالفين فيه التأويلات الباردة و التمحلات الشاردة تعصبا و عنادا على اللّٰه و رسوله لا يخرجه عن الدلالة و لا سيما مع اعتراف جمع منهم بالدلالة على ذلك. و بالجملة فذيل البحث في المسألة واسع و من أراد الوقوف على صحة ما ذكرناه فليرجع إلى الكتابين المذكورين.
و أما كون الزكاة معونة و إرفاقا فهو ظاهر من الأخبار الواردة في العلة في وضع الزكاة «2» و أما كون المخالفين داخلين في آية المجادلة لله و رسوله فهو معلوم من كفرهم و نصبهم للشيعة الذي هو أظهر من الشمس في دائرة النهار، بل للأئمة (عليهم السلام) كما صرحت به جملة من الأخبار التي استوفيناها في كتابنا الشهاب الثاقب.
ثم إن من الأخبار الدالة على أصل المسألة‌
صحيحة بريد بن معاوية العجلي «3» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل حج و هو لا يعرف هذا الأمر. إلى أن قال: و قال كل عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثم من اللّٰه عليه و عرفه الولاية فإنه يؤجر عليه إلا الزكاة فإنه يعيدها لأنه وضعها في غير مواضعها لأنها لأهل الولاية».
______________________________
(1) راجع الغدير ج 1 ص 14 إلى 151 و 294 إلى 313 الطبعة الثانية.
(2) تقدمت ص 10 و 11.
(3) الوسائل الباب 23 من وجوب الحج و 3 من المستحقين للزكاة.

204
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأول الإيمان ج 12 ص 203

و ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن على المشهور و ابن بابويه في الصحيح عن زرارة و بكير و الفضيل و محمد بن مسلم و بريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السلام) «1» «أنهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية و المرجئة و العثمانية و القدرية ثم يتوب و يعرف هذا الأمر و يحسن رأيه أ يعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج أو ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك؟
قال ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك غير الزكاة لا بد أن يؤديها لأنه وضع الزكاة في غير موضعها و إنما موضعها أهل الولاية».
و في رواية أبي بصير «2» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام الرجل يكون له الزكاة و له قرابة محتاجون غير عارفين أ يعطيهم من الزكاة؟ قال لا و لا كرامة لا يجعل الزكاة وقاية لماله يعطيهم من غير الزكاة إن أراد».
و روى في التهذيب عن إبراهيم الأوسي عن الرضا عليه السلام «3» قال: «سمعت أبي يقول كنت عند أبي يوما فأتاه رجل فقال إني رجل من أهل الري و لي زكاة فإلى من أدفعها؟ فقال إلينا. فقال أ ليس الصدقة محرمة عليكم؟ فقال بلى إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا. فقال إني لا أعرف لها أحدا؟ فقال فانتظر بها سنة. قال فإن لم أصب لها أحدا؟ قال انتظر بها سنتين. حتى بلغ أربع سنين. ثم قال له إن لم تصب لها أحدا فصرها صرارا و اطرحها في البحر فإن اللّٰه عز و جل حرم أموالنا و أموال شيعتنا على عدونا».
إلى غير ذلك من الأخبار التي يطول بنقلها الكلام.
بقي الكلام هنا في مواضع‌
أحدها [هل يعطى غير المؤمن الزكاة مع تعذر المؤمن؟]
- ظاهر كلام جملة من الأصحاب أنه مع تعذر المؤمن فإنه لا يعطى غيره ناصبا كان أو مستضعفا، و نقل بعض أفاضل متأخري المتأخرين قولا بجواز إعطاء المستضعف و الحال هذه.
______________________________
(1) الوسائل الباب 3 من المستحقين للزكاة. و الصدوق يرويه في العلل ص 131.
(2) الوسائل الباب 16 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 5 من المستحقين للزكاة.

205
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

أحدها هل يعطى غير المؤمن الزكاة مع تعذر المؤمن ج 12 ص 205

و يدل على المشهور الأخبار المتقدمة و غيرها من ما دل على التخصيص بأهل الولاية.
و يدل على القول المشار إليه‌
رواية يعقوب بن شعيب الحداد عن العبد الصالح عليه السلام «1» قال: «قلت له الرجل منا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله؟
قال يضعها في إخوانه و أهل ولايته. فقلت فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال يبعث بها إليهم. قلت فإن لم يجد من يحملها إليهم؟ قال يدفعها إلى من لا ينصب.
قلت فغيرهم؟ فقال ما لغيرهم إلا الحجر».
ورد هذه الرواية في المعتبر بضعف السند، و ردها في المنتهى بأنها شاذة، و كيف كان فالخروج عن مقتضى تلك الروايات الكثيرة الصريحة و لا سيما رواية إبراهيم الأوسي بهذه الرواية مشكل.
نعم يبقى الإشكال في جملة من عوام الشيعة الضعفة العقول ممن لا يعرفون اللّٰه سبحانه إلا بهذه الترجمة حتى لو سئل عنه من هو؟ لربما قال محمد أو علي، و لا يعرف الأئمّة (عليهم السلام) كملا و لا يعرف شيئا من المعارف الخمس أصلا فضلا عن التصديق بها، و الظاهر أن مثل هؤلاء لا يحكم بإيمانهم و إن حكم بإسلامهم و إجراء أحكام الإسلام عليهم في الدنيا، و أما في الآخرة فهم من المرجئين لأمر اللّٰه إما يعذبهم و إما يتوب عليهم. و في إعطاء هؤلاء من الزكاة إشكال لاشتراط ذلك بالإيمان و هو غير ثابت، و ليس كذلك النكاح و الميراث و نحوهما فإن الشرط فيها الإسلام و هو حاصل. و بالجملة فالأقرب عندي عدم إجزاء إعطائهم. و اللّٰه العالم.
و ثانيها [هل يستثنى المؤلفة قلوبهم من اعتبار الإيمان]
- أنه قد صرح جمع من الأصحاب باستثناء المؤلفة من هذا الحكم، و هو مبني على أمرين: أحدهما- تفسير المؤلفة بمن يتألف للجهاد من الكفار أو المسلمين كما تقدم نقله عنهم، و ثانيهما- على أن الجهاد في زمان الغيبة جائز، و في كل من الحكمين إشكال و لهذا إن الشيخ في النهاية صرح بسقوطه و كذا صرح‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 5 من المستحقين للزكاة.

206
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

و ثانيها هل يستثنى المؤلفة قلوبهم من اعتبار الإيمان ج 12 ص 206

بسقوط سهم السعاة و سهم الجهاد، قال و إذا لم يكن الإمام ظاهرا و لا من نصبه حاصلا فرقت الزكاة في خمسة أصناف من الذين ذكرناهم و هم الفقراء و المساكين و في الرقاب و الغارمين و ابن السبيل و سقط سهم المؤلفة قلوبهم و سهم السعاة و سهم الجهاد، لأن هؤلاء لا يوجدون إلا مع ظهور الإمام، لأن المؤلفة إنما يتألفهم الإمام ليجاهدوا معه و السعاة أيضا إنما يكونون من قبله عليه السلام في جمع الزكوات و الجهاد أيضا إنما يكون به أو بمن نصبه فإذا لم يكن هو ظاهرا و لا من نصبه فرق في من عداهم. انتهى.
هذا. و قد عرفت سابقا أن المستفاد من الأخبار التي قدمناها أن المراد من التأليف ليس إلا لأجل البقاء على الإسلام بعد الدخول فيه و بينا أن ذلك ساقط في زمن الغيبة.
و استثنى في المدارك أيضا و قبله جده في المسالك بعض أفراد سبيل اللّٰه و وجهه غير ظاهر.
و ثالثها [أطفال المؤمنين يعطون من الزكاة]
- أنه لا خلاف بين الأصحاب في أن أطفال المؤمنين يعطون من الزكاة دون أطفال غيرهم.
و يدل عليه أخبار عديدة: منها-
رواية أبي بصير «1» قال: «قلت أبي عبد اللّٰه عليه السلام الرجل يموت و يترك العيال أ يعطون من الزكاة؟ فقال نعم حتى ينشئوا و يبلغوا و يسألوا من أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم. فقلت إنهم لا يعرفون؟ فقال يحفظ فيهم ميتهم و يحبب إليهم دين أبيهم فلا يلبثون أن يهتموا بدين أبيهم، فإذا بلغوا و عدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم».
و رواية أبي خديجة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «ذرية الرجل المسلم إذا مات يعطون من الزكاة و الفطرة كما كان يعطى أبوهم حتى يبلغوا فإذا بلغوا و عرفوا ما كان أبوهم يعرف أعطوا و إن نصبوا لم يعطوا».
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 6 من المستحقين للزكاة.

207
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

و ثالثها أطفال المؤمنين يعطون من الزكاة ج 12 ص 207

و رواية عبد الرحمن بن الحجاج «1» قال: «قلت لأبي الحسن عليه السلام رجل مسلم مملوك و مولاه رجل مسلم و له مال يزكيه و للمملوك ولد صغير حر أ يجزئ مولاه أن يعطي ابن عبده من الزكاة؟ فقال لا بأس به».
و روى عبد اللّٰه بن جعفر في كتاب قرب الإسناد عن محمد بن الوليد عن يونس بن يعقوب «2» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة فأشتري لهم منها ثيابا و طعاما و أرى أن ذلك خير لهم؟ قال فقال لا بأس».
و ظواهر هذه الأخبار تدل على أن الدفع إليهم أعمّ من أن يدفع إلى وليهم أو إليهم إذا كانوا ممن يمكنهم التصرف في الأخذ و العطاء و البيع و الشراء.
و نقل عن العلامة في التذكرة أنه صرح بأنه لا يجوز دفع الزكاة إلى الصغير و إن كان مميزا، و استدل عليه بأنه ليس محلا لاستيفاء ماله من الغرماء فكذا هنا.
و فيه ما عرفت.
قال: و لا فرق بين أن يكون يتيما أو غيره فإن الدفع إلى الولي فإن لم يكن له ولي جاز أن يدفع إلى من يقوم بأمره و يعتني بحاله.
قال في المدارك بعد نقل هذا عنه: و مقتضى كلامه (رحمه اللّٰه) جواز الدفع إلى غير ولي الطفل إذا لم يكن له ولي، و لا بأس به إذا كان مأمونا بل لا يبعد جواز تسليمها إلى الطفل بحيث يصرف في وجه يسوغ للولي صرفها فيه. انتهى. و هو جيد و فيه تأييد لما أشرنا إليه آنفا.
ثم إن ظواهر الأخبار المتقدمة جواز إعطاء الأطفال و إن ثبت اشتراط العدالة في المستحق فإن حكم الأطفال مستثنى بهذه الأخبار، و أخبار اشتراط العدالة على تقدير ثبوتها لا دلالة فيها على دخول الأطفال في ذلك، فما ذكره شيخنا الشهيد الثاني- من أن إعطاء الأطفال إنما يتم إذا لم تعتبر العدالة في المستحق أما لو‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 45 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 6 من المستحقين للزكاة.

208
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

و ثالثها أطفال المؤمنين يعطون من الزكاة ج 12 ص 207

اعتبرناها أمكن عدم جواز إعطاء الأطفال مطلقا لعدم اتصافهم بها، و الجواز لأن المانع الفسق و هو منفي عنهم. انتهى- لا وجه له.
الثاني [العدالة]
من أوصاف المستحقين- العدالة عند جملة من الأصحاب: منهم- الشيخ و المرتضى و ابن البراج و ابن حمزة و غيرهم، و نقل عن ابن الجنيد اعتبار مجانبة الكبائر خاصة.
و نقل عن ابن بابويه أنه اقتصر على اعتبار الإيمان و كذا سلار و لم يشترطا شيئا يزيد على ذلك و هو الذي عليه المتأخرون.
و هو الظاهر من إطلاق الأدلة آية و رواية، و خصوص‌
ما رواه في العلل عن محمد بن الحسن عن أحمد بن إدريس و محمد بن يحيى جميعا عن محمد بن أحمد بن يحيى عن علي بن محمد عن بعض أصحابنا عن بشر بن بشار «1»: قال «قلت للرجل- يعني أبا الحسن عليه السلام- ما حد المؤمن الذي يعطى من الزكاة؟ قال يعطى المؤمن ثلاثة آلاف، ثم قال أو عشرة آلاف، و يعطى الفاجر بقدر لأن المؤمن ينفقها في طاعة اللّٰه و الفاجر ينفقها في معصية اللّٰه».
نعم‌
روى الشيخ عن داود الصرمي «2» قال: «سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا؟ قال لا».
و الجمع بينها و بين ما ذكرنا بالاقتصار على استثناء شارب الخمر وقوفا على ظاهر الخبر و إن رده جملة من المتأخرين بضعف السند بناء على الاصطلاح المشهور و أما ما نقل عن المرتضى (رضي اللّٰه عنه)- من الاحتجاج على ذلك بإجماع الطائفة و الاحتياط و يقين براءة الذمة، قال: و يمكن أن يستدل على ذلك بكل ظاهر من قرآن أو سنة مقطوع عليها يقتضي النهي عن معونة الفساق و العصاة و تقويتهم و ذلك كثير- فلا يخفى ما فيه: أما الإجماع فمع الإغماض عن الطعن في الاستدلال به ممنوع‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 17 من أبواب المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب المستحقين للزكاة.

209
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثاني العدالة ج 12 ص 209

هنا بوجود الخلاف في المسألة. و أما الاحتياط فإنما يكون في مقام اختلفت فيه الأدلة و لا اختلاف في المقام بل الأدلة على القول المختار واضحة و لا معارض لها سوى رواية داود الصرمي و قد قلنا بمضمونها فأي معنى لهذا الاحتياط؟ و لو تم هذا الاحتياط هنا لجرى في جميع ما اتفقت عليه الأدلة من الأحكام و هو من ما لا يقول به أحد من الأعلام بل و لا أحد من الأنام. و أما يقين البراءة فإنه حاصل بما ذكرناه من الأدلة عموما و خصوصا كما عرفت. و أما النهي عن معونة الفساق فإنما هي من حيث الفسق كما يشعر به تعليق الوصف و الأمر هنا ليس كذلك، مع ما عرفت من صراحة رواية العلل في جواز الدفع و إن كان يعلم أنه يصرفه في معصية اللّٰه.
و أما القول باشتراط مجانبة الكبائر فلم أقف له على دليل إلا رواية داود الصرمي و هي أخص من المدعى فلا تصلح للدلالة.
الثالث [أن لا يكون واجب النفقة على المالك]
من الأوصاف المتقدمة- أن لا يكون من واجبي النفقة على المالك كالأبوين و إن علوا و الأولاد و إن نزلوا و الزوجة و المملوك، و هذا الحكم من ما لا خلاف فيه بين الأصحاب.
و يدل على ذلك من الأخبار‌
ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب و الأم و الولد و المملوك و المرأة، و ذلك أنهم عياله لازمون له».
و ما رواه الكليني في الموثق عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى عليه السلام «2» قال: «قلت له لي قرابة أنفق على بعضهم و أفضل بعضهم على بعض فيأتيني إبان الزكاة أ فأعطيهم منها؟ قال مستحقون لها؟ قلت نعم قال هم أفضل من غيرهم أعطهم.
قال قلت فمن ذا الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتى لا احتسب الزكاة عليهم؟ فقال أبوك و أمك. قلت أبي و أمي؟ قال الوالدان و الولد».
______________________________
(1) الوسائل الباب 13 من المستحقين للزكاة، و الشيخ يرويه عن الكليني.
(2) الوسائل الباب 15 و 13 من المستحقين للزكاة.

210
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالث أن لا يكون واجب النفقة على المالك ج 12 ص 210

و رواية زيد الشحام عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال في الزكاة: «يعطى منها الأخ و الأخت و العم و العمة و الخال و الخالة و لا يعطى الجد و لا الجدة».
و ما رواه الصدوق في كتابي الخصال و العلل في الصحيح عن أبي طالب عبد اللّٰه ابن الصلت عن عدة من أصحابنا يرفعونه إلى أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» أنه قال: «خمسة لا يعطون من الزكاة: الولد و الوالدان و المرأة و المملوك لأنه يجبر على النفقة عليهم».
فأما‌
ما رواه الكليني في الكافي عن إسماعيل بن عمران القمي «3»- قال: «كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام إن لي ولدا رجالا و نساء أ فيجوز أن أعطيهم من الزكاة شيئا؟ فكتب أن ذلك جائز لك».
- فحمله الشيخ في التهذيبين على اختصاصه بالسائل و من حاله كحاله في أن ماله لا يفي بنفقة عياله. و هو جيد.
و أما‌
ما رواه أيضا مرسلا عن محمد بن جزك «4»- قال: «سألت الصادق عليه السلام ادفع عشر مالي إلى ولد ابني؟ فقال نعم لا بأس».
فيحتمل وجوها: منها- أن لا يكون العشر من الزكاة الواجبة بل من زكاة التجارة و نحوها، و منها- أن يحمل على حال الضرورة، و منها- أن يحمل على أن المراد إنما هو المشاورة في هبة عشر ماله أو الصدقة به على ابن ابنه و ليس سؤالا عن الزكاة. و احتمل في الوافي أيضا أنه مبني على إن ولد الولد ممن لا تجب نفقته قال فإن في ذلك اشتباها.
و رواه في كتاب الوسائل بلفظ «ولد ابنتي» و حمله على قيام الأب أو الجد لأبيه بنفقته فيكون ما يدفعه إليه جده لأمه على جهة التوسعة لا القيام بالنفقة الواجبة.
و تنقيح البحث في المسألة تتوقف على بيان مسائل‌
الأولى [يجوز لمن وجبت نفقته على غيره أخذ الزكاة للتوسعة]
- المستفاد من بعض الأخبار أنه يجوز لمن وجبت نفقته على غيره الأخذ من الزكاة من غير المنفق للتوسعة إذا كان من يقوم به لا يوسع عليه أما لعدم سعته أو معها:
______________________________
(1) الوسائل الباب 13 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 13 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 14 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 14 من المستحقين للزكاة.

211
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأولى يجوز لمن وجبت نفقته على غيره أخذ الزكاة للتوسعة ج 12 ص 211

و هو‌
صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن الأول عليه السلام «1» قال:
«سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمه أو أخوه يكفيه مئونته أ يأخذ من الزكاة فيتوسع به إن كانوا لا يوسعون عليه في كل ما يحتاج إليه؟ قال لا بأس».
و ظاهر جملة من الأصحاب: منهم- العلامة في المنتهى و الشهيد في الدروس و البيان الجواز مطلقا معللين ذلك بصدق الفقر عرفا و عدم خروج من لم يملك قوت السنة بوجوب النفقة عن وصف الفقر عرفا، فيندرج تحت الآية و العمومات الدالة على جواز أخذ الفقير الزكاة.
و لا يخفى ما في هذا التعليل في مقابلة الأخبار المتقدمة المتفقة على أنهم لا يعطون من الزكاة. أقول: و لعله لما ذكرناه قطع العلامة في التذكرة بعدم الجواز على ما نقل عنه.
و ما ادعوه من الاندراج ممنوع فإن لقائل أن يقول إنهم بكونهم واجبي النفقة و إن المنفق يجري عليهم ذلك فإنهم داخلون تحت الغنى الموجب لتحريم أخذ الزكاة.
نعم دلت صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج على جواز الأخذ للتوسعة إذا كانوا لا يوسعون عليه فيجب الوقوف عليها و تخصيص تلك الأخبار بها.
و استدلوا أيضا بالصحيحة المذكورة و قد عرفت أن موردها خاص بالتوسعة فلا تنهض دليلا على عموم الجواز.
ثم إنهم بناء على ما نقلناه عنهم من القول بالجواز مطلقا استثنى بعضهم الزوجة من هذا الحكم، قال لأن نفقتها كالعوض. و زاد بعضهم المملوك، و قد تقدم في صدر الكتاب من الأخبار ما يدل عليه.
الثانية [يجوز للمالك صرف زكاته إلى واجب النفقة عليه للتوسعة]
- أنه يجوز للمالك صرف زكاته إلى واجبي النفقة عليه للتوسعة عليهم متى كان عاجزا عن ذلك إلا أن ظاهرها أن تلك الزكاة إنما هي زكاة التجارة، فاستدلال بعض أفاضل متأخري المتأخرين بها على جواز ذلك من الزكاة الواجبة لا يخلو من نظر.
______________________________
(1) الوسائل الباب 11 من أبواب المستحقين للزكاة.

212
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثانية يجوز للمالك صرف زكاته إلى واجب النفقة عليه للتوسعة ج 12 ص 212

قال في الدروس: و روى أبو بصير جواز التوسعة بالزكاة على عياله «1» و روى سماعة ذلك بعد أن يدفع منها شيئا إلى المستحق «2» كل ذلك مع الحاجة.
و ظاهره أن ذلك من الزكاة الواجبة مع أن ظاهر الروايتين المشار إليهما كما قدمناهما إنما ذلك من زكاة التجارة، على أن جملة منها ربما يدل بظاهره على نقصان المئونة و أن هذه الزيادة التي يأخذها من هذه الزكاة إنما هي لتتمة المئونة لا للتوسعة الزائدة على المئونة الواجبة كما لا يخفى على من لاحظها، كرواية أبي بصير المذكورة في كلامه بالتقريب الذي ذكرناه في ذيلها ثمة.
قال في المدارك: يجوز للمالك أن يصرف إلى قريبه الواجب النفقة غير النفقة من الحقوق اللازمة له إذا كان مستحقا كنفقة الزوجة و المملوك، لعدم وجوب ذلك عليه،
و لقوله عليه السلام في صحيحة عبد الرحمن «3» «و ذلك أنهم عياله لازمون له».
فإن مقتضى التعليل أن المانع لزوم الإنفاق و هو منتف في ما ذكرناه. انتهى.
و يرد عليه عموم المنع في الأخبار المتقدمة لاتفاقها على أنهم لا يعطون من الزكاة أعمّ من أن يكون للنفقة أو غيرها، نعم خرج منه ما دلت عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج و بقي ما عداه. و ما استند إليه من التعليل المذكور فيمكن أن يكون المقصود منه كما ذكره بعض الأصحاب إنما هو أنهم لكونهم لازمين له بناء على وجوب نفقتهم عليه بمنزلة الأغنياء فلا يجوز الدفع إليهم، و على هذا فلا يقتضي التخصيص بما ذكره من النفقة الواجبة و عدم دخول ما يكون للتوسعة.
نعم لو استند في ذلك إلى مفهوم صحيحته التي ذكرناها من حيث دلالتها على ذلك و إن كان ظاهرها الأخذ من الغير لم يبعد الجواز.
و بالجملة فإن ظاهر كلام الأصحاب أن هنا مسألتين: الأولى منهما و هي التي‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 8 من المستحقين للزكاة رقم 4.
(2) الوسائل الباب 14 من المستحقين للزكاة.
(3) ص 210.

213
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثانية يجوز للمالك صرف زكاته إلى واجب النفقة عليه للتوسعة ج 12 ص 212

قدمناها أنه يجوز لواجبي النفقة تناول الزكاة من غير المالك و استدلوا على ذلك بما قدمنا نقله عنه من التعليل و الرواية و قد عرفت ما فيهما. و الثانية جواز صرف المالك زكاته عليهم في غير النفقة الواجبة عليه و قد عرفت ما فيه. و المفهوم من الروايات المتقدمة هو المنع مطلقا و استثناء الأخذ للتوسعة. هذا كله مع إجراء المنفق عليهم النفقة الواجبة و إلا فإنه يجوز لهم الأخذ قولا واحدا.
الثالثة [عدم جواز الدفع إلى الزوجة]
- قد صرح جملة من الأصحاب بعدم جواز الدفع إلى الزوجة و إن كانت ناشزة لو كانت فقيرة لتمكنها من الطاعة في كل وقت فتكون غنية في الحقيقة، قال في المعتبر: لا تعطى الزوجة من سهم الفقراء و المساكين مطيعة كانت أو عاصية إجماعا لتمكنها من النفقة.
الرابعة [جواز الدفع إلى الزوجة المستمتع بها]
- يجوز الدفع إلى الزوجة المستمتع بها لعدم وجوب الإنفاق عليها، و ربما قيل بالمنع لإطلاق النص و هو ضعيف، فإن النص باعتبار ما اشتمل عليه من التعليل بوجوب الإنفاق في معنى القيد كما لا يخفى.
الخامسة [جواز دفع الزكاة إلى الزوج]
- المشهور بين الأصحاب أنه يجوز للزوجة أن تدفع زكاتها إلى الزوج مع استحقاقه و إن أنفق عليها منها لعموم الأدلة و انتفاء المعارض، و نقل عن ابن بابويه المنع من إعطائه مطلقا، و عن ابن الجنيد الجواز لكن لا ينفق عليها منها و لا على ولدها. و لم نقف لهما على دليل.
السادسة [جواز إعطاء من يعول]
- الظاهر أنه لا خلاف في جواز إعطاء من يعول من القرابة و غيرهم إذا لم يكن من الأفراد المتقدمة عملا بعموم الأدلة و خصوص موثقة إسحاق ابن عمار المتقدمة.
و أما‌
ما رواه الشيخ في الموثق عن أبي خديجة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1»- قال «لا تعط من الزكاة أحدا ممن تعول».
- فمحمول على واجبي النفقة جمعا بين الأخبار.
السابعة [تداخل الأصناف]
- لو كان من تجب نفقته من بعض الأصناف الأخر كأن يكون عاملا‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 14 من المستحقين للزكاة.

214
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السابعة تداخل الأصناف ج 12 ص 214

أو غازيا أو غارما أو من الرقاب فلا إشكال في جواز الدفع إليه من سهام هذه الأصناف، لعموم الآية «1» السالم من المعارض، و لأن ظاهر الأخبار المانعة من الدفع إلى هؤلاء إنما هو من حيث كون المدفوع من سهم الفقراء، و لأن ما يأخذه العامل و الغازي كالأجرة و لهذا جاز لهما الأخذ مع العسر و اليسر، و المكاتب إنما يأخذ لفك رقبته و الغارم لوفاء دينه و هما لا يجبان على القريب إجماعا، و للأخبار المتقدمة في قضاء الدين عن الأب من سهم الغارمين و من اشترى أباه من سهم الرقاب.
الرابع [أن لا يكون هاشميا إن كان المعطي هاشميا]
من الأوصاف المشار إليها آنفا- أن لا يكون هاشميا و يكون المعطي من غير قبيله، و هو محل إجماع من علماء الخاصة و العامة «2».
و الأخبار بذلك مستفيضة: منها-
صحيحة محمد بن مسلم و زرارة و أبي بصير أو حسنتهم على المشهور بإبراهيم بن هاشم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السلام) «3» قالا: «قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله إن الصدقة أوساخ أيدي الناس و إن اللّٰه قد حرم على منها و من غيرها ما قد حرمه و إن الصدقة لا تحل لبني عبد المطلب. ثم قال أما و اللّٰه لو قد قمت على باب الجنة ثم أخذت بحلقته لقد علمتم أني لا أؤثر عليكم فارضوا لأنفسكم بما رضي اللّٰه و رسوله لكم قالوا قد رضينا».
و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» قال: «لا تحل الصدقة لولد العباس و لا لنظرائهم من بني هاشم».
و صحيحة العيص بن القاسم و قد تقدمت في الصنف الثالث من أصناف المستحقين «5».
______________________________
(1) و هي قوله تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ.» سورة التوبة الآية 61.
(2) المغني ج 2 ص 655 و المحلى ج 6 ص 146 و المهذب ج 1 ص 174 و نيل الأوطار ج 4 ص 240 و بدائع الصنائع ج 2 ص 49.
(3) الفروع ج 1 ص 179 و في الوسائل الباب 29 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 19 من المستحقين للزكاة.
(5) ص 174.

215
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابع أن لا يكون هاشميا إن كان المعطي هاشميا ج 12 ص 215

و رواية المعلى بن خنيس عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «سمعته يقول لا تحل الصدقة لأحد من ولد العباس و لا لأحد من ولد علي عليه السلام و لا لنظرائهم من ولد عبد المطلب».
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
و أما‌
ما رواه الصدوق عن أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2»- قال: «أعطوا الزكاة من أرادها من بني هاشم فإنها تحل لهم و إنما تحرم على النبي صلى اللّٰه عليه و آله و على الإمام الذي من بعده و على الأئمّة عليهم السلام».
- فمحمول على الضرورة و أن النبي و الأئمّة (صلوات اللّٰه عليهم) لا يضطرون إلى ذلك.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن البحث في هذه المسألة يقع في مواضع‌
الأول [هل تحرم الزكاة على بني المطلب]
- المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) أن تحريم الصدقة الواجبة مختص بأولاد هاشم، و نقل عن الشيخ المفيد (قدس سره) في الرسالة الغرية تحريم الزكاة على بني المطلب و هو عم عبد المطلب بن هاشم و هو منقول عن ابن الجنيد أيضا.
و يدل على المشهور عموم الآية «3» خرج منه من انتسب إلى هاشم بالأخبار المتقدمة و نحوها فيبقى ما عداه.
احتج الشيخ المفيد على ما نقل عنه‌
بما رواه زرارة في الموثق عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» أنه قال: «لو كان العدل ما احتاج هاشمي و لا مطلبي إلى صدقة إن اللّٰه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم».
و أجاب عنه في المعتبر بأنه خبر واحد نادر فلا يخص به عموم القرآن. قال في المدارك: و هو جيد مع أنه مروي في التهذيب بطريق فيه علي بن الحسن بن فضال و لا تعويل على ما ينفرد به. انتهى.
أقول: و الأظهر في الجواب عن هذه الرواية هو ما ذكره بعض مشايخنا‌
______________________________
(1) التهذيب ج 2 ص 378 و في الوافي باب إن الزكاة لا تحل لبني هاشم.
(2) الوسائل الباب 29 من المستحقين للزكاة.
(3) و هي قوله تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ.» سورة التوبة الآية 61.
(4) الوسائل الباب 33 من المستحقين للزكاة.

216
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأول هل تحرم الزكاة على بني المطلب ج 12 ص 216

المحققين من متأخري المتأخرين حيث قال: و يمكن أن يكون المراد بالمطلبي في الخبر من ينتسب إلى عبد المطلب، فإن النسبة إلى مثله قد تكون بالنسبة إلى الجزء الثاني حذرا من الالتباس كما قالوا «منافي» في عبد مناف، و قد صرح بذلك سيبويه كما نقله عنه نجم الأئمّة (قدس سره) و اختاره، و نقل عن المبرد أنه قال إن كان المضاف يعرف بالمضاف إليه و المضاف إليه معروف بنفسه فالقياس حذف الأول و النسبة إلى الثاني و إن كان المضاف إليه غير معروف فالقياس النسبة إلى الأول، و على هذا يقوى ما ذكرناه من الاحتمال إذ من المعلوم أن ما نحن فيه من ذلك القبيل كما اعترف به نجم الأئمّة (قدس سره) و على هذا فلا يكون في الخبر دلالة على مذهب المفيد (قدس سره) (فإن قلت) فعلى هذا يلزم عطف الشي‌ء على مرادفه أو ما شاكله (قلت) لا بأس بذلك فإن العطف التفسيري شائع لا ترى فيه عوجا و لا أمتا، و معلوم أن هاشما لم يعقب إلا من عبد المطلب كما هو مصرح به في كتب الأصحاب و غيرهم، ففائدة العطف التنبيه على هذا المعنى و التقرير له. انتهى و هو جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه.
الثاني [هل يجوز للهاشمي أخذ الصدقة المندوبة؟]
- ظاهر كلام جملة من الأصحاب الاتفاق على جواز أخذ الهاشمي للصدقة المندوبة، و نقل عن العلامة في المنتهى أنه نسبه إلى علمائنا و أكثر العامة «1».
و يدل على ذلك من الأخبار‌
ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» أنه قال: «لو حرمت علينا الصدقة لم يحل لنا أن نخرج إلى مكة لأن كل ماء بين مكة و المدينة فهو صدقة».
و في الصحيح عن جعفر بن إبراهيم الهاشمي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال:
«قلت له أ تحل الصدقة لبني هاشم؟ قال إنما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحل لنا فأما غير ذلك فليس به بأس، و لو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة
______________________________
(1) في نيل الأوطار ج 4 ص 242 نقل الخلاف في ذلك، و في المغني ج 2 ص 658 فيه روايتان عن أحمد، و في المحلى ج 6 ص 147 عدم جواز المندوبة أيضا.
(2) الوسائل الباب 31 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 31 من المستحقين للزكاة.

217
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثاني هل يجوز للهاشمي أخذ الصدقة المندوبة ج 12 ص 217

هذه المياه عامتها صدقة».
و عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي «1» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم ما هي؟ فقال هي الزكاة. قلت فتحل صدقة بعضهم على بعض؟ قال نعم».
و عن زيد الشحام عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «سألته عن الصدقة التي حرمت عليهم؟ فقال هي الزكاة المفروضة».
و العجب من العلامة (قدس سره) في التذكرة مع نقله القول بالجواز عن علمائنا و أكثر العامة ذهب في الكتاب المشار إليه إلى التحريم و قال: و ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام- أنه كان يشرب من سقايات بين مكة و المدينة فقيل له أ تشرب من الصدقة؟ فقال إنما حرم علينا الصدقة المفروضة- من ما تفردت بروايته العامة «3» انتهى.
و العجب أنه نسب ذلك إلى العامة و غفل عن هذه الروايات، و أعجب منه موافقة شيخنا البهائي له في كتاب أربعين الحديث و جموده على كلامه من غير مراجعة لهذه الأخبار.
و بالجملة فإن ظاهر الأخبار المذكورة كما ترى هو الدلالة على ما قدمنا نقله عن الأصحاب، إلا أنه‌
قد روى الصدوق (قدس سره) في كتاب الخصال عن محمد بن عبد الرحمن العزرمي عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) «4» قال:
«لا تحل الصدقة لبني هاشم إلا في وجهين: إذا كانوا عطاشا فأصابوا ماء فشربوا و صدقة بعضهم على بعض».
و روى عبد اللّٰه بن جعفر الحميري في قرب الإسناد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السلام «5» قال: «سألته عن الصدقة تحل
______________________________
(1) الوسائل الباب 32 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 32 من المستحقين للزكاة.
(3) المغني ج 2 ص 659 عن الصادق عن أبيه (ع).
(4) الوسائل الباب 32 من المستحقين للزكاة.
(5) الوسائل الباب 32 من المستحقين للزكاة.

218
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثاني هل يجوز للهاشمي أخذ الصدقة المندوبة ج 12 ص 217

لبني هاشم؟ فقال لا و لكن صدقات بعضهم على بعض تحل لهم. فقلت جعلت فداك إذا خرجت إلى مكة كيف تصنع بهذه المياه المتصلة بين مكة و المدينة و عامتها صدقة؟ قال سم فيها شيئا. قلت عين ابن بزيع و غيره. قال و هذه لهم».
و ظاهرهما من ما ينافي الأخبار الأولة إلا أن تلك الأخبار مع كثرتها معتضدة بفتوى الأصحاب بل اتفاقهم في الظاهر كما عرفت و إن من خالف إنما خالف سهوا عن ملاحظة تلك الأخبار، و للأصحاب أن يحملوا التحريم في ظاهر هذين الخبرين على الكراهة المؤكدة.
الثالث [القدر الجائز للهاشمي من الصدقة الواجبة عند قصور الخمس]
- لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) على ما نقله غير واحد في جواز إعطائهم من الصدقة الواجبة عند قصور الخمس عن كفايتهم.
و يدل على ذلك قوله‌
في موثقة زرارة «1» المتقدمة في الموضع الأول بعد ذكر ما قدمنا نقله: «ثم قال عليه السلام إن الرجل إذا لم يجد شيئا حلت له الميّتة و الصدقة لا تحل لأحد منهم إلا أن لا يجد شيئا و يكون ممن تحل له الميّتة».
إنما الخلاف في القدر الذي يجوز لهم أخذه في تلك الحال، فقيل إنه لا يقدر بقدر و نسبه في المختلف إلى الأكثر، و احتج عليه بأنه أبيح له الزكاة فلا يتقدر بقدر للأخبار الدالة على أن الزكاة لا تتقدر بقدر و أنه يجوز أن يعطى الفقير ما يغنيه «2» و ضعفه يظهر من ما يأتي. و قيل إنه لا يتجاوز قدر الضرورة و استقربه العلامة في المنتهى و الشهيد في الدروس على ما نقل عنهما و اختاره غير واحد من المتأخرين، إلا أنهم فسروا قدر الضرورة بقوت يوم و ليلة، و المفهوم من الخبر و جعله من قبيل أكل الميّتة أن القدر المذكور أقل من ذلك. و بالجملة فالأدلة المتقدمة قد صرحت بالتحريم خرج منه ما وقع عليه الاتفاق نصا و فتوى من القدر الضروري، و بذلك يظهر بطلان القول الأول.
______________________________
(1) الوسائل الباب 33 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 24 من المستحقين للزكاة.

219
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالث القدر الجائز للهاشمي من الصدقة الواجبة عند قصور الخمس ج 12 ص 219

أقول: و يمكن أن يقال إن قوله عليه السلام «إن الرجل إذا لم يجد شيئا حلت له الميّتة» إنما أريد به بيان تحليل الزكاة في هذه الحال بعد أن كانت محرمة، بمعنى أن الزكاة و إن كانت محرمة عليهم لكنهم متى لم يجدوا شيئا حلت لهم كما أن من لم يجد شيئا تحل له الميّتة المحرمة عليه قبل ذلك، و أما أن أخذهم من الزكاة يتقدر بقدر الأكل من الميّتة فلا دلالة في الكلام عليه، و بالجملة فالغرض من التمثيل إنما هو بيان الانتقال من التحريم إلى التحليل لمكان الاضطرار، و حينئذ متى حل لهم تناول الزكاة جاز الأخذ منها و إن زاد على قدر الضرورة، بل يمكن إدخالهم تحت العمومات الدالة على الإعطاء إلى أن يستغني «1» و بذلك يظهر قوة القول الأول، و الظاهر أن من قال بذلك إنما بنى على ما ذكرناه و هو احتمال قريب إلا أن تقييد الحل في آخر الخبر بأن يكون ممن تحل له الميّتة من ما يشعر ببعده. و الاحتياط لا يخفى.
الرابع [الهاشمي يأخذ الصدقة من مثله]
- لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في جواز أخذ الهاشمي الزكاة من هاشمي مثله في حال الاختيار.
و يدل عليه روايات عديدة: منها- رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي المتقدمة «2»
و موثقة زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «قلت له صدقات بني هاشم بعضهم على بعض تحل لهم؟ فقال نعم صدقة الرسول صلى اللّٰه عليه و آله تحل لجميع الناس من بني هاشم و غيرهم، و صدقات بعضهم على بعض تحل لهم و لا تحل لهم صدقات إنسان غريب».
و رواية جميل عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» و فيها «و لا تحل لهم إلا صدقات بعضهم على بعض».
إلى غير ذلك من الأخبار التي لا ضرورة إلى التطويل بنقلها مع الاتفاق على الحكم المذكور.
الخامس [هل تجوز الصدقة لموالي بني هاشم؟]
- الظاهر أنه لا خلاف في جواز إعطاء الصدقة لموالي بني هاشم‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 24 من المستحقين للزكاة.
(2) ص 218.
(3) الوسائل الباب 32 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 34 من المستحقين للزكاة رقم 4.

220
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الخامس هل تجوز الصدقة لموالي بني هاشم ج 12 ص 220

و المراد بهم كما صرح به في المنتهى عتقاؤهم، لعموم الأدلة خرج منها ما خرج بدليل و بقي الباقي.
و خصوص‌
رواية جميل بن دراج عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «سألته هل تحل لبني هاشم الصدقة؟ قال لا. قلت تحل لمواليهم؟ قال تحل لمواليهم و لا تحل لهم إلا صدقات بعضهم على بعض».
و صحيحة سعيد بن عبد اللّٰه الأعرج «2» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام أ تحل الصدقة لموالي بني هاشم؟ فقال نعم».
و مرسلة حماد بن عيسى الطويلة الآتية إن شاء اللّٰه تعالى في كتاب الخمس عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح عليه السلام «3» و فيها: «و قد تحل صدقات الناس لمواليهم و هم و الناس سواء».
و رواية ثعلبة بن ميمون «4» قال «كان أبو عبد اللّٰه عليه السلام يسأل شهابا من زكاته لمواليه و إنما حرمت الزكاة عليهم دون مواليهم».
و أما‌
ما رواه زرارة في الموثق عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «5» في حديث- قال:
«مواليهم منهم و لا تحل الصدقة من الغريب لمواليهم و لا بأس بصدقات مواليهم عليهم».
- فقد أجاب عنه الشيخ في التهذيب بحمل الموالي هنا على المماليك.
و استبعده المحدث الكاشاني في الوافي لعدم جريان ذلك في قوله في بقية الخبر: «و لا بأس بصدقات مواليهم عليهم» قال لأن المملوك لا يجد شيئا يتصدق به فالأولى أن يحمل على الكراهة كما في الإستبصار. انتهى. و هو جيد. و المراد بقوله «صدقات مواليهم عليهم» أي بعضهم على بعض.
البحث الثالث- في كيفية الإخراج و من المتولي له و ما يلحق ذلك من الأحكام
، و في هذا البحث مسائل:
الأولى [هل يجوز تولى المالك تفريق الزكاة؟]
- المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) و لا سيما المتأخرين‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 34 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 34 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 34 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 34 من المستحقين للزكاة.
(5) الوسائل الباب 34 من المستحقين للزكاة.

221
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأولى هل يجوز تولى المالك تفريق الزكاة ج 12 ص 221

جواز تولي المالك أو وكيله لتفريق الزكاة، و نقل عن الشيخ المفيد و أبي الصلاح و ابن البراج القول بوجوب حملها إلى الإمام عليه السلام مع حضوره و إلى الفقيه الجامع الشرائط مع غيبته.
و الظاهر هو القول المشهور للأخبار المستفيضة في جملة من المواضع التي مرت و تأتي، و منها الأخبار الدالة على الأمر بإيصال الزكاة إلى المستحقين «1» و الأخبار الدالة على نقل الزكاة من بلد إلى آخر مع عدم وجود المستحق «2» و الأخبار الدالة على التوكيل في تفريق الزكاة و أنه يجوز للوكيل أن يأخذ لنفسه حصة من ذلك إذا كان فقيرا و يكون كأحدهم «3» و الأخبار الدالة على اشتراء العبيد منها كما تقدم «4» إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المتكررة في الكتاب في غير باب.
احتج القائلون بالوجوب على ما نقل عنهم بقوله عز و جل «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» «5» قالوا: إن وجوب الأخذ يستلزم وجوب الدفع.
و أجيب بأنه لا نزاع في وجوب الدفع مع طلبه عليه السلام إنما الكلام في وجوب الحمل ابتداء و حينئذ فتحمل الآية على الاستحباب جمعا بينها و بين الأخبار المتقدمة.
أقول: و الذي يقرب بالبال أن يقال لا ريب في أن ظاهر الآية وجوب الأخذ عليه صلى اللّٰه عليه و آله الموجب لطلبه ذلك و نقل ذلك إليه و هو المعلوم من سيرته صلى اللّٰه عليه و آله.
و من ما يدل على ذلك‌
صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة «6» الدالة على أنه لما نزلت آية الزكاة «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» «7» أمر رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله مناديه فنادى في الناس أن اللّٰه تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة.
إلى أن قال: ثم تركهم حولا ثم وجه عمال الصدقة و عمال الطسوق.
و مثل ذلك الأخبار المتقدمة الدالة على أنه كان يأمر بخرص النخيل و أن الناس كانوا ينقلون‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 4 و 52 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 37 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 40 من المستحقين للزكاة.
(4) ص 181 إلى 183.
(5) سورة التوبة الآية 105.
(6) ص 3.
(7) سورة التوبة الآية 105.

222
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأولى هل يجوز تولى المالك تفريق الزكاة ج 12 ص 221

إليه زكاتهم «1» و كذا من سيرة أمير المؤمنين عليه السلام كما تدل عليه صحيحة بريد بن معاوية «2» المتضمنة لإرساله عليه السلام مصدقا من الكوفة إلى باديتها و أمره بقبض الصدقات و نقلها، و نحوها رواية ابن مهاجر «3» و غيرها. و من أجل ذلك صرح الشيخ و من تبعه كما هو المشهور بأنه يجب على الإمام أن ينصب عاملا للصدقات.
و جميع ذلك من ما يدل على وجوب طلب الإمام لذلك و وجوب النقل إليه، و لا يخفى ما فيه من المنافاة للأخبار المشار إليها أولا لدلالتها صريحا على جواز تولي المالك لذلك بنفسه أو وكيله.
و لعل وجه التوفيق بينها هو تخصيص ما دل من الأخبار على وجوب طلب الإمام لذلك و وجوب الدفع إليه بزمان بسط يده عليه السلام و قيامه بالأمر كزمانه صلى اللّٰه عليه و آله و زمان خلافة أمير المؤمنين عليه السلام و ما دل على جواز تولي المالك لذلك بزمانهم (عليهم السلام) لقصر يدهم عن القيام بأمر الولاية «4» و ما يترتب عليها فرخصوا للشيعة في صرفها و لم يوجبوا عليهم حملها و نقلها لهم لمقام التقية و دفع الشناعة و الشهرة، و حينئذ فلا منافاة في هذه الأخبار لظاهر الآية و لا يحتاج إلى حمل الآية على الاستحباب كما صرح به الأصحاب لدفع التنافي بينها و بين الأخبار في هذا الباب.
و من ما يعضد ما قلناه‌
ما رواه الصدوق (قدس سره) في كتاب العلل عن أبيه عن سعد بن عبد اللّٰه عن الحسن بن علي الكوفي عن عبد اللّٰه بن المغيرة عن سفيان ابن عبد المؤمن الأنصاري عن عمر بن شمر عن جابر «5» قال: «أقبل رجل إلى أبي جعفر عليه السلام و أنا حاضر فقال رحمك اللّٰه اقبض مني هذه الخمسمائة درهم فضعها في مواضعها فإنها زكاة مالي. فقال أبو جعفر عليه السلام بل خذها أنت و ضعها في جيرانك
______________________________
(1) ص 132 إلى 136.
(2) ص 51.
(3) الوسائل الباب 14 من زكاة الأنعام.
(4) في الخطية «بأمر الإمامة».
(5) الوسائل الباب 36 من المستحقين للزكاة.

223
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأولى هل يجوز تولى المالك تفريق الزكاة ج 12 ص 221

و الأيتام و المساكين و في إخوانك من المسلمين، إنما يكون هذا إذا قام قائمنا عليه السلام فإنه يقسم بالسوية و يعدل في خلق الرحمن البر منهم و الفاجر. الحديث».
الثانية [حمل الزكاة إلى الإمام أو الفقيه]
- قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم)- بل الظاهر أنه لا خلاف فيه بينهم- بأنه يستحب حمل الزكاة إلى الإمام و مع عدم وجوده فإلى الفقيه الجامع الشرائط و أنه يتأكد الاستحباب في الأموال الظاهرة كالمواشي و الغلات و عللوا استحباب نقلها إلى الإمام عليه السلام بأنه أبصر بمواقعها و أعرف بمواضعها و لما في ذلك من إزالة التهمة عن المالك بمنع الحق و تفضيل بعض المستحقين بمجرد الميل الطبيعي.
و أنت خبير بأن الاستحباب حكم شرعي و في ثبوت الأحكام الشرعية بمثل هذه التعليلات العقلية و المناسبات الذوقية إشكال سيما مع ما عرفت من رواية جابر المتقدمة و عدم قبول الإمام عليه السلام لذلك و أمره السائل بتفريقها بنفسه.
و أما تأكد الاستحباب في الأموال الظاهرة فقد قال في المدارك أنا لم نقف على حديث يدل عليه بمنطوقه، و لعل الوجه فيه ما يتضمنه من الإعلان بشرائع الإسلام و الاقتداء بالسلف الكرام. انتهى. و فيه ما في سابقه.
ثم أنه لو كان الأمر كما يدعونه من استحباب حمل ذلك إلى الإمام فكيف غفل أصحاب الأئمّة (عليهم السلام) عن ذلك مع تهالكهم على التقرب إليهم (صلوات اللّٰه عليهم) حتى أن الصادق عليه السلام كان يسأل شهاب بن عبد ربه من زكاته لمواليه كما تقدم الخبر بذلك «1» و ما دل من الأخبار على أن أصحابهم كانوا يفرقون زكاتهم بأنفسهم أو وكلائهم كثير متفرق في ضمن أخبار هذا الكتاب «2».
الثالثة [عدم وجوب البسط في الزكاة]
- الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في عدم وجوب البسط على الأصناف و أنه يجوز تخصيص جماعة من كل صنف أو صنف واحد بل شخص واحد من بعض الأصناف، قالوا نعم يستحب بسطها على الأصناف‌
______________________________
(1) ص 221.
(2) ص 208 و 210 و 211 و 212.

224
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالثة عدم وجوب البسط في الزكاة ج 12 ص 224

أقول: أما ما ذكروه من الحكم الأول فلا ريب فيه و الأخبار به مستفيضة و منها-
حسنة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر و لا يقسمها بينهم بالسوية إنما يقسمها على قدر من يحضرها منهم و ما يرى ليس في ذلك شي‌ء موقت».
و صحيحة أحمد بن حمزة «2» قال: «قلت لأبي الحسن عليه السلام رجل من مواليك له قرابة كلهم يقول بك و له زكاة أ يجوز أن يعطيهم جميع زكاته؟ قال نعم».
و حسنة زرارة بل صحيحته بإبراهيم بن هاشم «3» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام رجل حلت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دين أ يؤدي زكاته في دين أبيه و للابن مال كثير؟ فقال عليه السلام إن كان أبوه أورثه مالا. إلى أن قال و إن لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد أحق بزكاته من دين أبيه فإذا أداها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه».
و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام المتقدمة في صنف الرقاب «4» المتضمنة لجواز شراء نسمة يعتقها إذا كان عبدا مسلما في ضرورة بمال زكاته.
و صحيحة علي بن يقطين المتقدمة أيضا «5» المتضمنة لجواز أن يحج مواليه و أقاربه بمال الزكاة. إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة، و بالجملة فالحكم اتفاقي نصا و فتوى و ما ربما يتوهم من مخالفة ظاهر الآية «6» لذلك كما تمسك به بعض العامة «7» فقد أجاب عنه في المعتبر بأن اللام في الآية الشريفة للاختصاص لا للملك كما تقول:
«الباب للدار» فلا تقتضي وجوب البسط و لا التسوية في العطاء.
و أجاب عنه في المنتهى بأن المراد بالآية الشريفة بيان المصرف أي الأصناف‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 28 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 15 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 18 من المستحقين للزكاة.
(4) ص 181.
(5) ص 199.
(6) و هي قوله تعالى «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ.» سورة التوبة الآية 61.
(7) المحلى ج 6 ص 144، و المغني ج 2 ص 669، و المهذب ج 1 ص 171.

225
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالثة عدم وجوب البسط في الزكاة ج 12 ص 224

التي تصرف الزكاة إليهم لا إلى غيرهم كقوله «إنما الخلافة لقريش».
و أما ما ذكروه من استحباب البسط فلم أقف فيه على نص، و غاية ما عللوه به كما ذكره في المدارك بما فيه من شمول النفع و عموم الفائدة، و لأنه أقرب إلى امتثال ظاهر الآية. و لا يخفى ما فيه من الوهن و الضعف.
و استدل عليه في التذكرة و المنتهى بما فيه من التخلص من الخلاف و حصول الإجزاء يقينا. و الظاهر أنه أشار بذلك إلى خلاف العامة «1» لأنه صرح قبل ذلك بإجماع علمائنا على عدم وجوب البسط، و هو أضعف من سابقه.
الرابعة [استحباب تفضيل بعض المستحقين إذا كان فيه ما يقتضيه]
- قد صرح الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) باستحباب ترجيح بعض المستحقين على بعض لأسباب تقتضي ذلك ككونه أفضل أو كونه ممن يستحي من السؤال أو كونه رحما و نحو ذلك.
و على ذلك دلت الأخبار أيضا‌
كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج «2» قال:
«سألت أبا الحسن عليه السلام عن الزكاة أ يفضل بعض من يعطى ممن لا يسأل على غيره؟
قال نعم يفضل الذي لا يسأل على الذي يسأل».
و ما رواه الكليني عن عتيبة بن عبد اللّٰه بن عجلان السكوني «3» قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام إني ربما قسمت الشي‌ء بين أصحابي أصلهم به فكيف أعطيهم؟ فقال أعطهم على الهجرة في الدين و العقل و الفقه».
و ما رواه إسحاق بن عمار في الموثق عن أبي الحسن موسى عليه السلام «4» قال:
«قلت له لي قرابة أنفق على بعضهم و أفضل بعضهم على بعض فيأتيني إبان الزكاة أ فأعطيهم منها؟ قال مستحقون لها؟ قلت نعم. قال هم أفضل من غيرهم. الحديث».
______________________________
(1) في المهذب ج 1 ص 171 الوجوب، و في البداية ج 1 ص 266 نسبه إلى الشافعي أيضا و إلى مالك و أبي حنيفة العدم، و في المحلى ج 6 ص 144 نقل الخلاف، و في البدائع ج 2 ص 47 اختار العدم.
(2) الوسائل الباب 25 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 25 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 15 من المستحقين للزكاة.

226
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابعة استحباب تفضيل بعض المستحقين إذا كان فيه ما يقتضيه ج 12 ص 226

و لا ينافي هذا الخبر‌
ما رواه الكليني في الحسن بإبراهيم بن هاشم الذي هو صحيح عندي عن زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «إن الصدقة و الزكاة لا يحابى بها قريب و لا يمنعها بعيد».
لحمل الأول على استحباب تفضيل الرحم بالزيادة على غيره و حمل هذا الخبر على المنع من دفع الجميع إلى القريب و حرمان البعيد بالكلية بل يقسم ذلك على القريب و البعيد و إن فضل القريب لقربه بالزيادة و قد تقدم في بعض الأخبار «2»
«لا تعطين قرابتك الزكاة كلها و لكن أعطهم بعضا و اقسم بعضا في سائر المسلمين».
و بالجملة فإن أصل الحكم من ما لا إشكال فيه و لا خلاف بين الأصحاب إلا أنه‌
قد روى الشيخ في التهذيب بسنده عن حفص بن غياث «3» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول و سئل عن قسمة بيت المال فقال أهل الإسلام هم أبناء الإسلام أسوي بينهم في العطاء و فضائلهم بينهم و بين اللّٰه أجعلهم كبني رجل واحد لا يفضل أحد منهم لفضله و صلاحه في الميراث على آخر ضعيف منقوص، قال و هذا هو فعل رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله في بدو أمره، و قد قال غيرنا أقدمهم في العطاء بما قد فضلهم اللّٰه تعالى بسوابقهم في الإسلام إذا كانوا بالإسلام قد أصابوا ذلك فأنزلهم على مواريث ذوي الأرحام بعضهم أقرب من بعض و أوفر نصيبا لقربه من الميّت و إنما ورثوا برحمهم، و كذلك كان عمر يفعله».
و لا يخفى ما في هذا الخبر من الإشكال فإنه ظاهر في أن ما كان مالا لله سبحانه كمال الخراج و الزكاة فإنه يقسم على السوية و التفضيل إنما يكون في الصدقات المستحبة التي هي من مال الإنسان.
و لم أر بمضمونه قائلا إلا ما يظهر من المحدث الكاشاني في الوافي حيث قال بعد نقل خبر عبد اللّٰه بن عجلان المذكور: بيان- إنما رخص له التفضيل على الفقه و الدين لأنه إنما يصلهم بماله و ليس له ذلك في قسمة حق اللّٰه فيهم كما يأتي. ثم أورد‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 4 من المستحقين للزكاة.
(2) هذا اللفظ في حديث أبي خديجة المتقدم بعضه ص 214 و لم يتقدم هو.
(3) الوسائل الباب 29 من أبواب جهاد العدو.

227
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابعة استحباب تفضيل بعض المستحقين إذا كان فيه ما يقتضيه ج 12 ص 226

رواية حفص المذكورة ثم قال بعدها: قد مضى في كتاب الحجة أن القائم عليه السلام إذا ظهر قسم المال بين الرعية بالسوية، و في باب سيرتهم بين الناس أن ذلك حقهم على الإمامة. انتهى.
و المسألة لا تخلو من الإشكال لما عرفت من اتفاق الأصحاب سلفا و خلفا على جواز التفضيل حتى أن الكليني (قدس سره) في الكافي «1» عقد له بابا على حدة فقال: «باب تفضيل أهل الزكاة بعضهم على بعض» و أورد فيه أولا حديث عبد اللّٰه بن عجلان المذكور ثم رواية عبد الرحمن بن الحجاج.
و الشيخ المفيد على ما نقل عنه في المختلف ذهب إلى وجوب التفضيل حيث قال: يجب تفضيل الفقراء في الزكاة على قدر منازلهم في الفقه و البصيرة و الطهارة و الديانة. انتهى.
و الظاهر حمل الخبر المذكور على التخصيص بمال الخراج و هو الذي علم من النبي صلى اللّٰه عليه و آله و علي عليه السلام في زمن خلافته تسوية الناس في قسمته.
و قد ورد أيضا استحباب صرف صدقة المواشي إلى المتجملين و صرف صدقة غيرها إلى الفقراء المدقعين‌
كما رواه الكليني عن عبد اللّٰه بن سنان «2» قال «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام إن صدقة الخف و الظلف تدفع إلى المتجملين من المسلمين و أما صدقة الذهب و الفضة و ما كيل بالقفيز من ما أخرجت الأرض فللفقراء المدقعين.
قال ابن سنان قلت و كيف صار هذا هكذا؟ فقال لأن هؤلاء متجملون يستحيون من الناس فيدفع إليهم أجمل الأمرين عند الناس، و كل صدقة».
و روى الشيخ المفيد في المقنعة عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال «تعطى صدقة الأنعام لذوي التجمل من الفقراء لأنها أرفع من صدقة الأموال و إن كان جميعها صدقة و زكاة و لكن أهل التجمل يستحيون أن يأخذوا صدقات الأموال».
______________________________
(1) الفروع ج 1 ص 155.
(2) الوسائل الباب 26 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 26 من المستحقين للزكاة.

228
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الخامسة هل يجوز تأخير الزكاة عند إمكان الدفع ج 12 ص 229

الخامسة [هل يجوز تأخير الزكاة عند إمكان الدفع؟]
- اختلف الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في جواز تأخير الزكاة بعد حول الحول و إمكان الدفع، فالمشهور أنه لا يجوز التأخير إلا لعذر كعدم وجود المستحق و نحوه.
قال الشيخ المفيد في المقنعة: الأصل في إخراج الزكاة عند حلول وقتها دون تقديمها عليه و تأخيرها عنه كالصلاة، و قد جاء عن الصادقين عليهم السلام «1» رخص في تقديمها شهرين قبل محلها و تأخيرها شهرين عنه، و جاء ثلاثة أشهر أيضا و أربعة عند الحاجة إلى ذلك و ما يعرض من الأسباب، و الذي أعمل عليه هو الأصل المستفيض عن آل محمد (عليهم السلام) من لزوم الوقت «2».
و قال الشيخ في النهاية: و إذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه على الفور و لا يؤخره، قال: و إذا عزل ما يجب عليه فلا بأس أن يفرقه ما بين شهر و شهرين و لا يجعل ذلك أكثر منه.
و ظاهر الشهيدين جواز التأخير بل جزم الشهيد الثاني بجواز تأخيرها شهرا و شهرين خصوصا للبسط و لذي المزية، و اختاره في المدارك.
أقول: لا يخفى أن أكثر الأخبار صريحة الدلالة في جواز التأخير، و منها‌
صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين و تأخيرها شهرين».
و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» «أنه قال في الرجل يخرج زكاته فيقسم بعضها و يبقى بعض يلتمس لها المواضع فيكون بين أوله و آخره ثلاثة أشهر؟ قال لا بأس».
و موثقة يونس بن يعقوب «5» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام زكاتي تحل علي
______________________________
(1) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 53 من المستحقين للزكاة.
(5) الوسائل الباب 52 من المستحقين للزكاة.

229
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الخامسة هل يجوز تأخير الزكاة عند إمكان الدفع ج 12 ص 229

في شهر أ يصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني؟ فقال إذا حال الحول فأخرجها من مالك و لا تخلطها بشي‌ء ثم أعطها كيف شئت. قال قلت فإن أنا كتبتها و أثبتها أ يستقيم لي؟ قال نعم لا يضرك».
و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «قلت له الرجل تحل عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخرها إلى المحرم؟ قال لا بأس. قال قلت فإنها لا تحل عليه إلا في المحرم فيعجلها في شهر رمضان؟ قال لا بأس».
هذا ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على جواز التأخير.
إلا أنه قد ورد في بعض الأخبار أيضا ما يدل على التعجيل و عدم جواز التأخير مثل‌
صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام «2» قال «سألته عن الرجل تحل عليه الزكاة في السنة في ثلاثة أوقات أ يؤخرها حتى يدفعها في وقت واحد؟ قال متى حلت أخرجها».
و رواية أبي بصير المروية في آخر كتاب السرائر نقلا من نوادر محمد بن علي بن محبوب «3» قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام إذا أردت أن تعطي زكاتك قبل حلها بشهر أو شهرين فلا بأس، و ليس لك أن تؤخرها بعد حلها».
و ظاهر عبارة الشيخ المفيد (قدس سره) المتقدمة استفاضة الأخبار عنده بالإخراج في وقتها حتى أنه جعل التأخير من قبيل الرخصة و مع هذا عدل عنه وقوفا على ما ذكره من الأخبار المشار إليها، و لعلها وصلت إليه و لم تصل إلينا.
و لعل الأظهر في الجمع بين هذه الأخبار هو أن يقال إن الواجب هو إخراجها متى وجبت إلا أن يعزلها أو يثبتها فيجوز له التأخير شهرين و ثلاثة و إخراجها شيئا فشيئا، و إلى هذا يشير كلام الشيخ في النهاية، و الظاهر أنه جعله وجه جمع بين أخبار المسألة.
______________________________
(1) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 52 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 52 من المستحقين للزكاة.

230
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الخامسة هل يجوز تأخير الزكاة عند إمكان الدفع ج 12 ص 229

و قال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه «1»: و قد روي في تقديم الزكاة و تأخيرها أربعة أشهر و ستة أشهر، إلا أن المقصود منها أن تدفعها إذا وجبت عليك، و لا يجوز لك تقديمها و لا تأخيرها لأنها مقرونة بالصلاة و لا يجوز تقديم الصلاة قبل وقتها و لا تأخيرها إلا أن تكون قضاء و كذلك الزكاة، فإن أحببت أن تقدم من زكاة مالك شيئا تفرج به عن مؤمن فاجعله دينا عليه فإذا حلت عليك فاحسبها له زكاة ليحسب لك من زكاة مالك و يكتب لك أجر القرض. و لا يخفى ما في هذا الكلام من الغموض بل التدافع.
مع أن هذه العبارة مأخوذة من كتاب الفقه الرضوي على النحو الذي قدمنا ذكره في غير مقام.
حيث قال عليه السلام «2» و إني أروي عن أبي في تقديم الزكاة و تأخيرها أربعة أشهر و ستة أشهر، إلا أن المقصود منها أن تدفعها إذا وجبت عليك، و لا يجوز لك تقديمها و لا تأخيرها لأنها مقرونة بالصلاة و لا يجوز لك تقديم الصلاة قبل وقتها و لا تأخيرها إلا أن تكون قضاء و كذلك الزكاة، و إن أحببت أن تقدم من زكاة مالك شيئا تفرج به عن مؤمن فاجعلها دينا عليه فإذا حلت عليك وقت الزكاة فاحسبها له زكاة فإنه يحسب لك من زكاة مالك و يكتب لك أجر القرض و الزكاة.
انتهى.
و الذي يظهر لي في معنى هذا الكلام و رفع ما يوهم التناقض هو أنه بعد أن نقل عن أبيه عليه السلام جواز التقديم و التأخير أراد تأويله- بناء على ما أفتى به من وجوب دفعها متى وجبت و أنه لا يجوز التقديم فيها و لا التأخير كالصلاة المقيدة بوقت مخصوص- بحمل التقديم على أن يكون على جهة القرض و حمل التأخير على العذر المانع من الدفع وقت الوجوب كالصلاة التي تكون قضاء بالعذر الموجب لتأخيرها عن وقتها.
______________________________
(1) الفقيه ج 2 ص 10 و في الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة.
(2) ص 22.

231
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الخامسة هل يجوز تأخير الزكاة عند إمكان الدفع ج 12 ص 229

و من هذا يظهر مستند ما ذهب إليه الشيخ المفيد و غيره من المتقدمين من وجوب الإخراج وقت الوجوب و عدم جواز التأخير و يكون من قبيل ما تقدم في غير موضع من اختصاص المستند بهذا الكتاب.
و كيف كان فالاحتياط بإخراجها متى وجبت إلا لعذر من ما لا ينبغي تركه. و اللّٰه العالم.
السادسة [هل يجوز تعجيل الزكاة قبل وقتها؟]
- المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) أنه لا يجوز تعجيل الزكاة قبل وقتها إلا أن يكون المدفوع دينا على جهة القرض ثم يحتسب به بعد الوجوب مع بقاء الشرائط، و نقل عن ظاهر ابن أبي عقيل و سلار جواز التعجيل و الظاهر هو القول المشهور و يدل عليه أولا ما تقدم من الأخبار الدالة على أن حول الحول شرط في الوجوب «1» فلم يجز تقديم الواجب عليه كما لا يقدم على النصاب.
و أورد عليه بأنه يجوز أن يكون الوجوب في الوقت عند استجماع الشرائط مقيدا بعدم الإتيان بها سابقا عليه و يكون التقديم جائزا لا بد لنفيه من دليل.
كذا أورده الفاضل الخراساني في الذخيرة.
و فيه أن من جملة أخبار الحول‌
قولهما (عليهما السلام) في صحيحة الفضلاء «2» «و كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي‌ء عليه فيه فإذا حال عليه الحول وجب عليه».
و لا ريب في دلالة صدر الكلام على نفي الزكاة قبل حول الحول، و كلامه هذا و إن أمكن إجراؤه في قوله: «فإذا حال عليه الحول وجب عليه» بمعنى تقييد الوجوب بما إذا لم يخرجها سابقا بعنوان الزكاة إلا أنه لا يستقيم في صدر الكلام لدلالته على نفي الزكاة قبل أن يحول عليه الحول و متى انتفى ثبوت الزكاة قبل الحول انتفى الإخراج بعنوان الزكاة البتة،
و في صحيحة علي بن يقطين «3» «كل ما لم يحل عليه
______________________________
(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الأنعام و 15 من زكاة الذهب و الفضة.
(2) الوسائل الباب 8 من زكاة الأنعام.
(3) الوسائل الباب 15 من زكاة الذهب و الفضة.

232
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السادسة هل يجوز تعجيل الزكاة قبل وقتها ج 12 ص 232

عندك الحول فليس عليك فيه زكاة».
و التقريب ما تقدم، و نحو ذلك في الأخبار غير عزيز.
و ثانيا- ما رواه‌
في الكافي في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن عمر ابن يزيد «1» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام الرجل يكون عنده المال أ يزكيه إذا مضى نصف السنة؟ قال لا و لكن حتى يحول عليه الحول و يحل عليه، إنه ليس لأحد أن يصلي صلاة إلا لوقتها و كذلك الزكاة، و لا يصومن أحد شهر رمضان إلا في شهره إلا قضاء، و كل فريضة إنما تؤدى إذا حلت».
و صحيحة زرارة «2» قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام أ يزكي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال لا، أ يصلي الأولى قبل الزوال؟».
و يدل على القول الآخر صحيحتا حماد بن عثمان و معاوية بن عمار المتقدمتان «3»
و ما رواه الكليني في الصحيح إلى أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» قال: «سألته عن رجل يكون نصف ماله عينا و نصفه دينا فتحل عليه الزكاة؟ قال يزكي العين و يدع الدين. قلت فإنه اقتضاه بعد ستة أشهر؟ قال يزكيه حين اقتضاه.
قلت فإن هو حال عليه الحول و حل الشهر الذي كان يزكي فيه و قد أتى لنصف ماله سنة و لنصفه الآخر ستة أشهر؟ قال يزكي الذي مرت عليه سنة و يدع الآخر حتى تمر عليه سنة. قلت فإن اشتهى أن يزكي ذلك؟ قال ما أحسن ذلك».
و ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن عثمان عن رجل عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «5» قال: «سألته عن الرجل يأتيه المحتاج فيعطيه من زكاته في أول السنة؟
فقال إن كان محتاجا فلا بأس».
و ما رواه عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «6» قال: «سألته عن الرجل
______________________________
(1) الوسائل الباب 51 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 51 من المستحقين للزكاة.
(3) ص 229 و 230.
(4) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة و 49 من المستحقين للزكاة.
(5) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة.
(6) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة، و في الإستبصار ج 2 ص 32 و التهذيب ج 1 ص 361 «ثمانية أشهر» نعم في الطبعة الحديثة من التهذيب ج 4 ص 44: في بعض المخطوطات «خمسة أشهر».

233
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السادسة هل يجوز تعجيل الزكاة قبل وقتها ج 12 ص 232

يعجل زكاته قبل المحل؟ قال إذا مضت خمسة أشهر فلا بأس».
و يدل على ذلك أيضا رواية أبي بصير المتقدمة في سابق هذه المسألة «1» بنقل ابن إدريس من كتاب نوادر محمد بن علي بن محبوب.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الشيخ في كتابي الأخبار قد أجاب عن صحيحتي حماد ابن عثمان و معاوية بن عمار و ما في معناهما بالحمل على أن التقديم على سبيل القرض لا أنه زكاة معجلة.
و استدل على هذا التأويل‌
بما رواه في الصحيح عن الأحول عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» «في رجل عجل زكاة ماله ثم أيسر المعطى قبل رأس السنة؟ قال يعيد المعطي الزكاة».
و اعترضه المحقق في المعتبر بأن ما ذكره الشيخ ليس حجة على ما ادعاه إذ يمكن القول بجواز التعجيل مع ما ذكره، مع أن الرواية تضمنت أن المعجل زكاة فتنزيله على القرض تحكم. انتهى. و هو جيد.
و من ما يضعف هذا الحمل إن الروايات قد دلت على أنها زكاة معجلة كما دلت على جواز تأخيرها شهرين و ثلاثة، فالتقديم إنما هو بعنوان الزكاة لا القرض كما أن التأخير كذلك و إلا لم يصدق أنه عجل زكاته بل يقال أقرض. و أيضا لو كان المراد إنما هو بمعنى القرض لكان الاقتصار على الشهرين أو الثلاثة أو نحو ذلك من ما ورد في تلك الأخبار لا معنى له، مع أن جمعا من محققي الأصوليين يذهبون إلى حجية مفهوم العدد، بل قال شيخنا الشهيد الثاني في تمهيده أنه مذهب أكثر الأصوليين، و لا ريب أن ذلك لا يجري في ما كان على سبيل القرض و إنما يجري في ما لو كان زكاة معجلة فيكون جواز تقديمها مقيدا بتلك المدة المذكورة في الأخبار. و بالجملة فالروايات المذكورة ظاهرة‌
______________________________
(1) ص 230.
(2) الوسائل الباب 50 من المستحقين للزكاة.

234
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السادسة هل يجوز تعجيل الزكاة قبل وقتها ج 12 ص 232

في جواز تعجيل الزكاة كما هو المدعى منها و تأويلها بما ذكر تعسف ظاهر.
و بذلك يظهر ما في كلام السيد السند في المدارك حيث قال: و ما ذكره الشيخ في الجمع جيد إلا أن جواز التعجيل على سبيل القرض لا يتقيد بالشهرين و الثلاثة فلا يظهر للتخصيص على هذا التقدير وجه، لكن ليس في الروايتين ما يدل على التخصيص بالحكم صريحا، و التخصيص بالذكر لا يقتضي التخصيص بالحكم خصوصا الرواية الأولى، فإن التخصيص فيها وقع في كلام السائل و ليس في الجواب عن المقيد المسئول عنه دلالة على نفي الحكم عن ما عداه. انتهى.
فإن فيه أولا- أن كلامه هذا إنما يتجه على القول بعدم حجية مفهوم العدد و أما على القول بذلك كما قدمناه فيجب تقييد الجواز بذلك البتة.
و ثانيا- أنه قد جزم بذلك بالنسبة إلى التأخير كما تقدم في كلامه تبعا لجده (قدس سره) كما قدمنا نقله عنه، و الكلام في المقامين واحد فإن كانت الأخبار المذكورة لا دلالة فيها على التخصيص بالحكم كما ذكره هنا ففي الموضعين و إلا فلا معنى لكلامه هنا مع اعتباره التخصيص بالحكم في صورة التأخير، و بالجملة فإن تخصيص الحكم إنما يتجه على تقدير القول بحجية مفهوم العدد فكيف يكون مفهوم العدد حجة في المسألة الأولى و لا يكون في هذه المسألة و التحديد بالشهرين فيهما معا.
ثم إنه في المدارك أيضا استشهد لهذا الجمع بما ورد من الأخبار الدالة على استحباب القرض قبل إبان الزكاة و الاحتساب به بعد الوجوب «1» و مثله الفاضل الخراساني في الذخيرة.
و فيه ما عرفت من أن ظواهر تلك الأخبار كونها زكاة معجلة مقيدة بأوقات مخصوصة لا كونها قرضا، و حمل أحدهما على الآخر تعسف محض كما عرفت.
و لهذا إن شيخنا المفيد (عطر اللّٰه مرقده) حمل هذه الروايات على الرخصة‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة.

235
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السادسة هل يجوز تعجيل الزكاة قبل وقتها ج 12 ص 232

فقال: و قد جاءت رخص عن الصادقين (عليهم السلام) في تقديمها شهرين قبل حلها و جاء ثلاثة أشهر و أربعة أشهر عند الحاجة إلى ذلك. و إليه يميل كلام المحقق في المعتبر أيضا حيث قال على أثر الكلام المتقدم نقله عنه: و كأن الأقرب ما ذكره المفيد من تنزيل الرواية على ظاهرها في الجواز فيكون فيه روايتان. انتهى.
و لا ريب أن هذا أقرب في الجمع بين الأخبار من ما ذكره الشيخ (قدس سره).
و لعل الأقرب منها هو حمل هذه الأخبار على التقية التي هي في اختلاف الأخبار أصل كل بلية، فإن القول بالجواز مذهب أبي حنيفة و الشافعي و أحمد «1» كما نقله في المعتبر‌
لما روي «2» «أن العباس سأل رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله في تعجيل صدقته فرخص له».
و رووا عن علي عليه السلام «3» «أن النبي صلى اللّٰه عليه و آله قال لعمر قد أخذنا زكاة العباس عام أول للعام».
و ظاهر النقل عنهم يعطي القول بجواز التقديم مطلقا غير مخصص بعدد، و لعل ذكر الشهر و الشهرين و نحوهما في أخبارنا إنما خرج مخرج التمثيل فلا يدل على التخصيص كما يشير إليه اختلاف الأخبار في ذلك.
و رجح بعض مشايخنا المعاصرين حمل أخبار الجواز على العذر و الضرورة المانع من التمكن من إعطائها بعد حلول وقت الوجوب كما يقدم غسل الجمعة لخوف إعواز الماء، قال: و هذا جمع حسن تتلاءم به الأخبار، و حينئذ فالاقتصار على الشهرين كالاقتصار على يوم الخميس و ما بعده بالنسبة إلى غسل الجمعة. انتهى.
و لا يخفى بعده بل عدم استقامته، و كأنه بنى في ذلك على رواية حماد بن عثمان المتضمنة للشهرين «4» و إلا فالأخبار التي قدمناها منها ما يدل على التقديم في أول السنة كمرسلة حسين بن عثمان و منها بعد ستة أشهر كرواية أبي بصير أو خمسة أشهر كروايته الثانية «5» و معلومية العذر عن إخراج الزكاة في هذه المدد كمعلومية العذر‌
______________________________
(1) نيل الأوطار ج 4 ص 214.
(2) سنن البيهقي ج 4 ص 111.
(3) سنن البيهقي ج 4 ص 111.
(4) ص 229.
(5) ص 233.

236
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السادسة هل يجوز تعجيل الزكاة قبل وقتها ج 12 ص 232

في يوم الخميس بعوز الماء قياس مع الفارق و تنظير غير مطابق كما لا يخفى على الخبير الحاذق.
و أما الروايات الدالة على احتساب القرض من الزكاة بعد حلول وقتها كما ذكره الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) فهي كثيرة:
منها- ما تقدم في هذا المقام نقلا من كتاب الفقه الرضوي «1» و منها- رواية عقبة بن خالد المتقدمة في صنف الغارمين «2».
و منها-
رواية يونس بن عمار «3» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول قرض المؤمن غنيمة و تعجيل أجر، إن أيسر قضاك و إن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة».
و رواية موسى بن بكر عن أبي الحسن عليه السلام «4» قال: «كان علي عليه السلام يقول قرض المال حمى الزكاة».
و نحوه في كتاب الفقه الرضوي «5».
فرعان
الأول [هل يعتبر في الزكاة المعجلة بقاء القابض على صفة الاستحقاق؟]
- قد صرح الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) بأنه لو دفع له مالا على سبيل القرض فحضر وقت الوجوب جاز احتسابه من الزكاة بشرط بقاء القابض على صفة الاستحقاق و بقاء الوجوب في المال، و للمالك أيضا المطالبة بعوضه و دفعه إلى غيره و دفع غيره إليه و دفع غيره إلى غيره و إن بقي على صفة الاستحقاق لأن حكمه حكم الديون. و لو كان المدفوع زكاة معجلة و قلنا بجواز ذلك فالظاهر أيضا اعتبار بقاء الشرط المذكور لأن الدفع يقع مراعى في جانب الدافع اتفاقا فكذا في جانب القابض خلافا لبعض العامة في الثاني «6».
و ظاهر الفاضل الخراساني في الذخيرة هنا التوقف في اعتبار المراعاة في جانب القابض أيضا، حيث قال: و لو قلنا إن المدفوع زكاة معجلة ففي اعتبار بقاء‌
______________________________
(1) ص 231.
(2) ص 195.
(3) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 49 من المستحقين للزكاة.
(5) ص 23.
(6) المغني ج 2 ص 636 و الإنصاف ج 3 ص 212.

237
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأول هل يعتبر في الزكاة المعجلة بقاء القابض على صفة الاستحقاق ج 12 ص 237

الشرط في القابض نظر لإطلاق أدلة جواز التقديم. انتهى.
و فيه نظر لما تقدم في صحيحة الأحول «1» من الدلالة على أنه لو عجل زكاة ماله ثم أيسر المعطى قبل رأس السنة فإنه يعيد المعطي الزكاة، و كأنه (قدس سره) غفل عن مراجعة الخبر المذكور.
ثم إنه على تقدير كون المدفوع زكاة فإنه لا يجوز استعادته مع بقاء الشرائط في المال و القابض بخلاف القرض كما عرفت.
الثاني [لو دفع إلى الفقير قرضا فاستغنى به فهل له احتسابه عليه؟]
- لو دفع إليه مالا فاستغنى بعين ذلك المال ثم حال الحول عليه كذلك، فإن قلنا بجواز الدفع زكاة معجلة و قصد به ذلك فإنه ليس له استعادته لما عرفت.
و لو دفعه على سبيل القرض و الحال كذلك فهل له احتسابه عليه و لا يكلف أخذه و إعادته عليه أم لا؟ المشهور الأول نص عليه الشيخ و أكثر الأصحاب، و به قطع المحقق و العلامة في جملة من كتبه من غير نقل خلاف.
و استدل عليه في المنتهى بأن العين إنما دفعت إليه ليستغني بها و ترتفع حاجته و قد حصل الغرض فلا يمنع الإجزاء، و بأنا لو استرجعنا منه لصار فقيرا فجاز دفعها إليه بعد ذلك و ذلك لا معنى له.
و نقل عن ابن إدريس أنه لا يجوز الدفع إليه مع الغنى و إن كان بعين المدفوع، لأن الزكاة لا يستحقها غني و المدفوع إليه غني بالدفع إليه مع الغنى و إن كان قرضا لأن المستقرض يملك ما استقرضه.
و أجاب عنه في المختلف بأن الغنى هنا ليس مانعا إذ لا حكمة ظاهرة في أخذه و دفعه.
و اعترضه في المدارك بأن عدم ظهور الحكمة لا يقتضي عدمها في نفس الأمر ثم قال: نعم لو قيل إن من هذا شأنه لا يخرج عن حد الفقر عرفا لم يكن بعيدا من الصواب. انتهى.
______________________________
(1) ص 234.

238
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثاني لو دفع إلى الفقير قرضا فاستغنى به فهل له احتسابه عليه ج 12 ص 238

أقول: و كلام ابن إدريس هو الأوفق بمقتضى الأصول، و المسألة غير منصوصة و الاحتياط فيها مطلوب. و أما ما ذكره في المدارك- من أن من هذا شأنه لا يخرج عن حد الفقر عرفا- فقد تقدم الكلام عليه في مثل هذه المسألة في صنف الغارمين.
هذا في ما لو استغنى بعين ذلك المال أما لو استغنى بغيره و لو بنمائه و ربحه أو زيادة قيمته على قيمته حين القبض استعيد منه القرض لتحقق الغنى المانع من استحقاقه. و كذا لو كان المدفوع زكاة معجلة، لأنها كما عرفت مراعاة ببقاء الشروط إلى وقت الوجوب، و لما عرفت من صحيحة الأحول المتقدمة «1».
السابعة [هل يجوز نقل الزكاة من البلد مع وجود المستحق فيها؟]
- اختلف الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في جواز نقل الزكاة من البلد مع وجود المستحق فيها، فالمشهور التحريم و أسنده في التذكرة إلى علمائنا أجمع، و نقل في المنتهى عن الشيخ المفيد و الشيخ في بعض كتبه القول بالجواز و اختاره في المنتهى، و اختار في المختلف القول بالجواز على كراهة و نقله عن ابن حمزة، و نقل عن الشيخ الجواز بشرط الضمان.
و المفهوم من الأخبار الواردة في هذا المضمار هو أنه مع عدم وجود المستحق في البلد فلا إشكال في الجواز بل الوجوب و لا ضمان لو تلفت في الطريق، و مع وجوده فإنه يجوز النقل أيضا و لكن يكون ضامنا و إن كان الأفضل صرفها في البلد و من ما يدل على الأول‌
صحيحة ضريس «2» قال: «سأل المدائني أبا جعفر عليه السلام فقال إن لنا زكاة نخرجها من أموالنا ففي من نضعها؟ فقال في أهل ولايتك.
فقال إني في بلاد ليس فيها أحد من أوليائك؟ فقال ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم. الحديث».
و رواية يعقوب بن شعيب الحداد عن العبد الصالح عليه السلام «3» قال: «قلت له
______________________________
(1) ص 234.
(2) الوسائل الباب 5 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 5 من المستحقين للزكاة.

239
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السابعة هل يجوز نقل الزكاة من البلد مع وجود المستحق فيها ج 12 ص 239

الرجل منا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال يضعها في إخوانه و أهل ولايته. قلت فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال يبعث بها إليهم. الحديث».
و من ما يدل على الثاني‌
حسنة هشام بن الحكم بإبراهيم بن هاشم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» «في الرجل يعطى الزكاة يقسمها أ له أن يخرج الشي‌ء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيره؟ قال لا بأس».
و رواية درست بن أبي منصور عن رجل عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» «أنه قال في الزكاة يبعث بها الرجل إلى بلد غير بلده؟ فقال لا بأس أن يبعث بالثلث أو الربع.
الشك من أبي أحمد».
و رواية أحمد بن حمزة بل صحيحته عند بعض «3» قال: «سألت أبا الحسن الثالث عليه السلام عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر و يصرفها في إخوانه فهل يجوز ذلك؟ فقال نعم».
و من ما يدل على عدم الضمان في الأول و الضمان في الثاني‌
صحيحة محمد بن مسلم «4» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، و إن لم يجد من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان لأنها قد خرجت من يده. و كذلك الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربه الذي أمر بدفعه إليه، و إن لم يجد فليس عليه ضمان».
و حسنة زرارة بإبراهيم بن هاشم «5» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسمها فضاعت؟ فقال ليس على الرسول و لا على المؤدي ضمان قلت فإنه لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيرت أ يضمنها؟ قال لا و لكن إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها».
و من ما يدل على ذلك بإطلاقه‌
حسنة بكير بن أعين «6» قال: «سألت
______________________________
(1) الوسائل الباب 37 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 37 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 37 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 39 من المستحقين للزكاة.
(5) الوسائل الباب 39 من المستحقين للزكاة.
(6) الوسائل الباب 39 من المستحقين للزكاة.

240
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السابعة هل يجوز نقل الزكاة من البلد مع وجود المستحق فيها ج 12 ص 239

أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يبعث بزكاته فتسرق أو تضيع؟ قال ليس عليه شي‌ء».
و عن وهيب بن حفص في الموثق «1» قال: «كنا مع أبي بصير فأتاه عمرو ابن إلياس فقال له يا أبا محمد إن أخي بحلب بعث إلي بمال من الزكاة أقسمه بالكوفة فقطع عليه الطريق فهل عندك فيه رواية؟ قال نعم سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه المسألة و لم أظن أن أحدا يسألني عنها أبدا فقلت لأبي جعفر عليه السلام جعلت فداك الرجل يبعث بزكاة ماله من أرض إلى أرض فيقطع عليه الطريق؟
فقال قد أجزأت عنه و لو كنت أنا لأعدتها».
و نحوها غيرها. و إطلاقها مقيد بالخبرين الأولين. و ظاهر هذا الخبر الأخير استحباب إعادة الإخراج في الصورة المذكورة.
و من ما يدل على الثالث‌
صحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر. الحديث».
و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «لا تحل صدقة المهاجرين للأعراب و لا صدقة الأعراب للمهاجرين».
و أورد هذين الخبرين في الكافي في باب (بعث الزكاة من بلد إلى آخر) و هو مؤذن بما قلناه و إن احتمل حملهما على ما هو أعمّ. و اللّٰه أعلم.
تنبيهات
الأول [الإجزاء لو نقل]
- الظاهر أنه لا خلاف بناء على القول بتحريم النقل في أنه لو خالف و وصلت إلى الفقراء فإنها تجزئ عنه لصدق الامتثال و إن أثم باعتبار المخالفة، إلا أنك قد عرفت أنه لا دليل على التحريم بل الدليل قائم على خلافه.
الثاني [لو أخر الدفع مع وجود المستحق]
- قد صرحوا بأنه لو أخر الدفع مع وجود المستحق أثم و ضمن، فأما‌
______________________________
(1) الفروع ج 1 ص 157 و في الوسائل الباب 39 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 38 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 38 من المستحقين للزكاة.

241
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثاني لو أخر الدفع مع وجود المستحق ج 12 ص 241

الضمان فلا ريب فيه لما عرفت من الأخبار المتقدمة، و أما الإثم فهو مبني على القول بالفورية و عدم جواز التأخير عن وقت الوجوب، و أما على القول بجواز التأخير شهرين أو أكثر فلا. و قد تقدم تحقيق القول في المسألة.
الثالث [استحباب عزلها لو لم يجد لها مستحقا]
- قد صرح الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) بأنه إذا لم يجد المالك لها مستحقا فالأفضل عزلها، بل صرح العلامة في التذكرة باستحبابه متى حال الحول و إن كان المستحق موجودا.
و يدل على ذلك موثقة يونس بن يعقوب المتقدمة في المسألة الخامسة و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة ثمة أيضا «1».
و حسنة عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2»: «أنه قال إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمها لأحد فقد برئ منها».
و رواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام «3» قال: «إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثم سماها لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي‌ء عليه».
و المراد بالعزل هو تعيينها في مال خاص و بذلك تصير من قبيل الأمانة في يده لا يضمنها إلا بالتفريط أو تأخير الإخراج مع التمكن منه كما تقدم.
و الظاهر أن النماء تابع لها منفصلا كان أو متصلا،
لما رواه الكليني عن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام «4» قال: «سألته عن الزكاة تجب علي في موضع لا يمكنني أن أؤديها؟ قال اعزلها فإن اتجرت بها فأنت ضامن لها و لها الربح. إلى أن قال و إن لم تعزلها و اتجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح و لا وضيعة عليها».
و بذلك يظهر ضعف ما ذهب إليه في الدروس من أن النماء مع العزل للمالك.
الثامنة [وجوب إخراج الزكاة أو الوصية بها وقت الوفاة]
- إذا أدركته الوفاة و عليه زكاة وجب عليه إخراجها أو الوصية بها‌
______________________________
(1) ص 229.
(2) الوسائل الباب 39 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 39 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 52 من المستحقين للزكاة.

242
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثامنة وجوب إخراج الزكاة أو الوصية بها وقت الوفاة ج 12 ص 242

على وجه تثبت شرعا لتوقف الواجب عليه.
و يدل على ذلك الأخبار المستفيضة بوجوبها و أن تاركها معذب مؤاخذ بها حتى تؤدى عنه «1»
و في حسنة زرارة بإبراهيم التي هي صحيحة عندي «2» قال:
«قلت لأبي جعفر عليه السلام رجل لم يزك ماله فأخرج زكاته عند موته فأداها كان ذلك يجزئ عنه؟ قال نعم. قلت فإن أوصى بوصية من ثلثه و لم يكن زكى أ يجزئ عنه من زكاته؟ قال نعم تحسب له زكاة و لا تكون له نافلة و عليه فريضة».
و الظاهر- و اللّٰه سبحانه أعلم- حمل الخبر على أن تلك الوصية التي أوصى بها من ثلثه داخلة تحت أحد مصارف الزكاة و من جملتها و أنه متى صرفت الوصية في ذلك المصرف حسبت له زكاة و إن لم ينوها زكاة لعدم صحة التبرع مع اشتغال الذمة بالواجب.
و روى الكليني و الشيخ في التهذيب عن عباد بن صهيب عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» «في رجل فرط في إخراج زكاته في حياته فلما حضرته الوفاة حسب جميع ما كان فرط فيه من ما لزمه من الزكاة ثم أوصى به أن يخرج ذلك فيدفع إلى من تجب له؟ قال جائز يخرج ذلك من جميع المال إنما هو بمنزلة دين لو كان عليه ليس للورثة شي‌ء حتى يؤدوا ما أوصى به من الزكاة».
و في صحيحة شعيب- و الظاهر أنه العقرقوفي- «4» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام إن على أخي زكاة كثيرة أ فأقضيها أو أؤديها عنه؟ فقال لي و كيف لك بذلك؟
فقلت أحتاط؟ قال نعم إذا تفرج عنه».
و الظاهر أن معنى قوله: «و كيف لك بذلك» أي بالعلم بجميع ما عليه فقال أحتاط بالزيادة. و فيه دلالة على براءة الذمة بالتبرع بدفع الواجب عن الميّت.
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 و 3 من ما تجب فيه الزكاة و 21 و 22 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 22 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 21 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 22 من المستحقين للزكاة.

243
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثامنة وجوب إخراج الزكاة أو الوصية بها وقت الوفاة ج 12 ص 242

و في صحيحة علي بن يقطين «1» قال: «قلت لأبي الحسن الأول عليه السلام رجل مات و عليه زكاة فأوصى أن تقضى عنه الزكاة و ولده محاويج إن دفعوها أضر ذلك بهم ضررا شديدا؟ قال يخرجونها فيعودون بها على أنفسهم و يخرجون منها شيئا فيدفع إلى غيرهم».
أقول: الظاهر أنه لا إشكال في جواز صرفها عليهم لأنهم في تلك الحال غير واجبي النفقة على صاحب الزكاة، و حينئذ فالأمر بإخراج شي‌ء منها إلى غيرهم ينبغي حمله على الاستحباب، مع أنه قد تقدم في الأخبار و كلام الأصحاب ما يدل على جواز صرفها عليهم في حال حياة الأب أيضا للتوسعة مع الأمر بإخراج شي‌ء منها لغيرهم‌
و في حسنة معاوية بن عمار «2» قال: «قلت له رجل يموت و عليه خمسمائة درهم من الزكاة و عليه حجة الإسلام و ترك ثلاثمائة درهم و أوصى بحجة الإسلام و أن يقضى عنه دين الزكاة؟ قال يحج عنه من أقرب ما يكون و يخرج البقية في الزكاة».
و في رواية أخرى له أيضا عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» «في رجل مات و ترك ثلاثمائة درهم و عليه من الزكاة سبعمائة درهم فأوصى أن يحج عنه؟ قال يحج عنه من أقرب المواضع و يجعل ما بقي في الزكاة».
و ظاهر هذين الخبرين التوزيع كالديون المتعددة مع قصور التركة و تقديم الحج على الزكاة و أنه يحج عنه من أقرب المواقيت و ما بقي يصرف في الزكاة حتى لو لم يبق شي‌ء بعد الحج.
التاسعة [أقل ما يعطى الفقير من الزكاة]
- اختلف الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في أقل ما يعطى الفقير من الزكاة، فقيل إنه لا يعطى أقل من ما يجب في النصاب الأول و هو عشرة‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 14 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 21 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 42 من الوصايا.

244
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

التاسعة أقل ما يعطى الفقير من الزكاة ج 12 ص 244

قراريط أو خمسة دراهم، و نقل عن الشيخ المفيد و الشيخ في جملة من كتبه و السيد المرتضى في الإنتصار، و هو اختيار المحقق في المعتبر و الشرائع، و نسبه في المعتبر- بعد أن نقله عن الشيخين و ابني بابويه- إلى أكثر الأصحاب، و قيل بجواز الاقتصار على ما يجب في النصاب الثاني و هو درهم أو عشر دينار قيراطان، و نسب إلى ابن الجنيد و سلار و نقل أيضا عن المرتضى في المسائل المصرية، و قيل لا يجزئ أن يعطى أقل من نصف دينار، و نقل عن الشيخ علي بن الحسين بن بابويه و عن ابنه في المقنع أنه يجوز أن يعطى الرجل الواحد الدرهمين و الثلاثة و لا يجوز في الذهب إلا نصف دينار، و عن المرتضى في الجمل و ابن إدريس عدم التحديد بحد لا يجزئ ما دونه، و هو المشهور بين المتأخرين.
و أما الأخبار المتعلقة بالمسألة: فمنها-
صحيحة محمد بن أبي الصهبان «1» قال:
«كتبت إلى الصادق عليه السلام هل يجوز لي يا سيدي أن أعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين و الثلاثة فقد اشتبه ذلك علي؟ فكتب ذلك جائز».
و المراد بالصادق في هذا الخبر أحد العسكريين (عليهما السلام) فإن الرجل المذكور من أصحابهما و لعل التعبير وقع تقية.
و منها-
صحيحة محمد بن عبد الجبار عن بعض أصحابنا «2» قال: «كتبت على يدي أحمد بن إسحاق إلى علي بن محمد العسكري عليه السلام أعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين و الثلاثة؟ فكتب أفعل إن شاء اللّٰه تعالى».
و منها-
صحيحة أبي ولاد الحناط عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «سمعته يقول لا يعطى أحد من الزكاة أقل من خمسة دراهم و هو أقل ما فرض اللّٰه من الزكاة في أموال المسلمين فلا تعطوا أحدا أقل من خمسة دراهم فصاعدا».
و منها-
رواية معاوية بن عمار و عبد اللّٰه بن بكير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» قال: «لا يجوز أن يدفع من الزكاة أقل من خمسة دراهم فإنها أقل الزكاة».
و الظاهر أنه‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 23 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 23 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 23 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 23 من المستحقين للزكاة.

245
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

التاسعة أقل ما يعطى الفقير من الزكاة ج 12 ص 244

بهذين الخبرين أخذ القائلون بالقول الأول.
و منها-
حسنة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال:
«كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر و لا يقسم بالسوية و إنما يقسمها على قدر ما يحضرها منهم و ما يرى ليس في ذلك شي‌ء موقت».
و منها-
حسنة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «قلت له ما يعطي المصدق؟
قال ما يرى الإمام و لا يقدر له شي‌ء».
أقول: و المصدق هو الذي يجبي الصدقات بأمر الإمام عليه السلام و هو أحد الأفراد التي تصرف فيها الزكاة.
و أنت خبير بأن جملة من متأخري المتأخرين- و منهم السيد السند في المدارك و الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث اختاروا القول الأخير- حملوا الخبرين الدالين على أنه لا يجوز أقل من خمسة دراهم على الفضل و الاستحباب، و قد عرفت ما في هذا الجمع في ما تقدم في غير باب.
و لا يخفى أن الخبرين المذكورين ظاهران بل الثاني صريح في أنه لا يجوز أن يدفع أقل من ذلك فإخراجهما عن ذلك يحتاج إلى دليل، و مجرد وجود المعارض من الأخبار ليس بدليل و لا قرينة توجب ارتكاب التجوز في إخراج الخبرين عن ظاهريهما.
مع أن المحقق في المعتبر قد نقل أن القول بعدم التقدير مذهب الجمهور «3» و بذلك أيضا صرح السيد المرتضى (رضي اللّٰه عنه) في كتاب الإنتصار حيث اختار فيه القول الأول فقال: و من ما انفردت به الإمامية القول بأنه لا يعطى الفقير الواحد‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 28 من المستحقين للزكاة رقم 1.
(2) الوسائل الباب 23 من المستحقين للزكاة.
(3) البداية ج 1 ص 269 و المجموع شرح المهذب ج 6 ص 189.

246
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

التاسعة أقل ما يعطى الفقير من الزكاة ج 12 ص 244

من الزكاة المفروضة أقل من خمسة دراهم، و يروى أن الأقل درهم واحد، و باقي الفقهاء يخالفون في ذلك و يجيزون إعطاء القليل و الكثير من غير تحديد، و حجتنا على ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة و طريقة الاحتياط و براءة الذمة. انتهى.
و حينئذ فلقائل أن يقول إن مقتضى القاعدة المقررة عن أهل العصمة (عليهم السلام) في اختلاف الأخبار هو حمل ما دل على عدم التحديد على التقية و هما صحيحة محمد بن أبي الصهبان و صحيحة محمد بن عبد الجبار.
و أما حمل الشيخ (قدس سره) لهما و مثله المحقق في المعتبر- على أن المعطى من النصاب الثاني و الثالث فإنه يجوز إذا أدى ما في النصاب الأول إلى الفقير أن يعطي ما وجب في النصاب الثاني غيره أو إليه بحيث لا يعطي أقل من ما وجب في النصاب الذي أخرج منه الزكاة. كذا ذكر في المعتبر- فقد رده المتأخرون عنه بالبعد و هو كذلك، بل الأظهر هو ما قلناه من الحمل على التقية، و لكنهم (رضوان اللّٰه عليهم) كما أشرنا إليه في غير موضع من ما تقدم قد أعرضوا عن العمل بهذه القاعدة المروية فوقعوا في أمثال هذه التكلفات البعيدة.
و أما حسنة عبد الكريم فليست ظاهرة الدلالة في المدعى لإمكان حملها على عدم البسط، فإن سياق الرواية من أولها إنما هو الرد على عمرو بن عبيد المعتزلي و من معه من العامة القائلين بوجوب البسط «1».
حيث إن صورة الخبر هكذا‌
في احتجاجه عليه السلام على عمرو بن عبيد مع من معه «2» قال له «ما تقول في الصدقة؟ فقرأ عليه: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ. إلى آخر الآية. قال عليه السلام نعم فكيف تقسمها؟ فقال أقسمها على ثمانية أجزاء فأعطي كل جزء واحدا. قال و إن كان صنف منهم عشرة آلاف و صنف منهم رجلا واحدا أو رجلين أو ثلاثة جعلت لهذا الواحد ما جعلت للعشرة آلاف؟ قال نعم. قال
______________________________
(1) ارجع إلى التعليقة 1 ص 226.
(2) الوسائل الباب 28 من المستحقين للزكاة.

247
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

التاسعة أقل ما يعطى الفقير من الزكاة ج 12 ص 244

و تجمع صدقات أهل الحضر و أهل البوادي فتجعلهم فيها سواء؟ قال نعم. قال فقد خالفت رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله في كل ما قلت في سيرته: كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر و لا يقسم بينهم بالسوية و إنما يقسمه على قدر ما يحضره منهم و ما يرى، و ليس في ذلك شي‌ء موقت موظف، و إنما يصنع ذلك بما يرى على قدر ما يحضره منهم. الحديث».
و من الجائز بل هو الأنسب بالمقام و السياق أن المراد بقوله: «ليس في ذلك شي‌ء موقت موظف» إنما هو بالنسبة إلى البسط الذي يدعي الخصم أنه موقت موظف لا يجوز مخالفته كما يدل عليه قوله بعده «و إنما يصنع ذلك بما يرى» من التوفير لبعض على بعض بالمرجحات المتقدمة و تقسيمه على من حضر من صنف واحد أو صنفين أو نحو ذلك.
و لكن الأصحاب في كتب الاستدلال نقلوا من الخبر هذه العبارة المنقولة في كلامهم و هي بحسب الظاهر موهمة لما يدعونه، إلا أن سياق الخبر كما ذكرناه و قرينة المقام ترجح ما اخترناه، و لا أقل من تساوي الاحتمالين فيسقط الاستدلال بالخبر من البين.
و أما حسنة الحلبي فهي و إن أوردها جملة من متأخري المتأخرين في أدلة هذا القول إلا أن فيه أنك قد عرفت أن أصل المسألة التي وقع الخلاف فيها و جعلوها محلا للنزاع إنما هو الفقير و الدفع إليه من حيث الفقر دون غيره من الأصناف كما هو المفروض في عباراتهم، و مورد هذه الرواية إنما هو العاملون الساعون في جمع الصدقات.
على أنه لا يخفى أن إجراء هذا الخلاف بالدرهم و الأقل و الأكثر بالنسبة إلى عمال الصدقات و المؤلفة و الغارمين و الرقاب و نحوهم من ما لا معنى له بالكلية، لأنه من الظاهر المعلوم أن هؤلاء من ما لا يقوم بحقوقهم و استحقاقهم الأضعاف مضاعفة من ما وقع الخلاف فيه كما لا يخفى على المنصف.

248
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

التاسعة أقل ما يعطى الفقير من الزكاة ج 12 ص 244

و بالجملة فالقول المشهور بين المتقدمين لا يخلو من قوة و رجحان لما ذكرناه و الاحتياط لا يخفى. و اللّٰه العالم.
[فوائد]
و هاهنا فوائد‌
الأولى [مراعاة هذه التقديرات واجبة أو مستحبة]
- ظاهر عبارات أكثر الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) أن هذه التقديرات على سبيل الوجوب و هو ظاهر الخبرين المتقدمين، و ظاهر كلام العلامة في جملة من كتبه بل صريحه أنه على جهة الاستحباب حتى أنه قال في التذكرة بعد أن حكم بأنه يستحب أن لا يعطى الفقير أقل من ما يجب في النصاب الأول: و ما قلناه على سبيل الاستحباب لا الوجوب إجماعا. انتهى.
أقول: الظاهر أن ما ذكره (قدس سره) لا يخلو من نظر فإن مقتضى كلام المتقدمين و دليلهم الذي ذكرناه هو الوجوب، و الاستحباب إنما صرح به من ذهب إلى القول بعدم التحديد حملا للدليل. المشار إليه على الاستحباب جمعا كما قدمنا نقله عنهم.
الثانية [احتمال سقوط التحديد في غير الدراهم]
- قد عرفت أن القائلين بالتحديد في القول الأول حددوا الأقل من نصاب الدراهم بالخمسة دراهم و الأقل من نصاب الذهب بنصف دينار و هو عشرة قراريط، و لم يصل إلينا في الأخبار ما يتعلق بنصاب الذهب و إنما الموجود فيها ما تقدم من الدراهم، و الظاهر أن مثل ابني بابويه إنما ذكروا ذلك لخبر وصلهم فيه ثم إنه على تقدير ما وصل إلينا من الأخبار فيحتمل سقوط التحديد في غير الدراهم مطلقا كما هو مقتضى الأصل، و يحتمل اعتبار بلوغ قيمة المدفوع ذلك ذهبا كان أو غيره، و اختاره شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) و هو الأحوط.
و لو فرض نقص قيمة الواجب عن ذلك كما لو وجب عليه شاة واحدة لا تساوي خمسة دراهم دفعها إلى الفقير و سقط اعتبار التقدير قطعا.
الثالثة
- إنما يستحب أو يجب إعطاء الخمسة دراهم إذا بلغ الواجب ذلك، فلو أعطى ما في النصاب الأول لواحد ثم وجبت عليه الزكاة في النصاب الثاني‌

249
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالثة ج 12 ص 249

أخرج زكاته و سقط اعتبار التقدير فيه كما تقدم في كلام المحقق.
و لو كان عند المالك نصابان أول و ثان قال شيخنا الشهيد الثاني و غيره أنه يجوز إعطاء ما في الأول لواحد و ما في الثاني لآخر من غير كراهية و لا تحريم على القولين.
قال في المدارك بعد نقل ذلك عنهم: و هو مشكل لإطلاق النهي عن إعطاء أقل من الخمسة و إمكان الامتثال بدفع الجميع إلى الواحد. انتهى.
أقول: و الذي يقرب بالبال العليل و الفكر الكليل أن الخبرين الواردين بالتحديد بالخمسة دراهم إنما خرجا بناء على ما هو الغالب المتكرر في الزكوات من اجتماع مبلغ يعتد به يراد قسمته على الفقراء و المساكين، فينبغي أن يقسم عليهم على وجه لا ينقص أحد منهم عن خمسة دراهم التي هي أول ما تجب في الزكاة لا باعتبار نصاب واحد أو نصابين و نحو ذلك من الفروض النادرة. و اللّٰه العالم.
العاشرة [هل يجب على الإمام و الساعي الدعاء لصاحب الزكاة؟]
- اختلف الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في وجوب الدعاء على الإمام عليه السلام و الساعي لصاحب الزكاة بعد قبضها منه و استحبابه، فقيل بالوجوب و به صرح العلامة في الإرشاد، و المحقق في المعتبر اختار الوجوب إلا أنه خص ذلك بالإمام و هو المنقول عن الشهيد في الدروس، و قيل بالاستحباب و به صرح جمع من الأصحاب.
و من قال بالوجوب استند إلى ظاهر الآية و هي قوله عز و جل «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ» «1».
و لا يخفى أن البحث عن ذلك بالنسبة إلى النبي صلى اللّٰه عليه و آله و الإمام عليه السلام قليل الجدوى فإنهم (عليهم السلام) أعرف بما يجب أو يستحب، و إنما الكلام في الساعي و الفقيه و المستحق، و الآية المذكورة غير ظاهرة الدلالة في شمولهم و لا دليل سواها في الباب، و الأصل العدم، و يؤيده خلو الرواية الواردة عن أمير المؤمنين‌
______________________________
(1) سورة التوبة الآية 105.

250
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

العاشرة هل يجب على الإمام و الساعي الدعاء لصاحب الزكاة ج 12 ص 250

عليه السلام «1» بإرسال ساعيه لأخذ الزكاة من ذلك مع اشتمالها على كثير من الآداب و السنن و الأحكام، و ظاهر الأصحاب استحباب ذلك. و فيه أنه من حيث التوقيف في المقام مشكل لعدم الدليل و إن كان الدعاء للمؤمنين مستحبا بقول مطلق‌
الحادية عشرة [تداخل أسباب الاستحقاق]
- قد صرح الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) بأنه لو اجتمع للمستحق أسباب توجب الاستحقاق مثل كونه فقيرا و غارما و مكاتبا فإنه يجوز أن يعطى بكل سبب نصيبا.
و لم أقف لهم على دليل إلا أن يكون دعوى صدق هذه العنوانات عليه من كونه فقيرا و غارما و نحو ذلك فيدخل تحت عموم الآية «2».
و فيه أنه لا يخفى أن المتبادر من الآية إنما هو الشائع المتكثر من تعدد هذه الأفراد و لهذا صارت أصنافا ثمانية باعتبار مقابلة كل منها بالآخر. و أيضا فإنه متى أعطي من حيث الفقر ما يغنيه و يزيده على غناه فكيف يعطى من حيث الغرم و الكتابة المشروطين- كما تقدم- بالعجز عن الأداء؟ و بالجملة فالحكم عندي محل توقف لعدم الدليل عليه.
الثانية عشرة [يجوز لمن تدفع له الزكاة ليفرقها أن يأخذ منها كغيره]
- الظاهر أنه لا خلاف فيما لو دفع إليه مال من الزكاة ليفرقه في المستحقين و كان من جملتهم أنه يجوز له أن يأخذ كنصيب أحدهم ما لم يعلم التخصيص بغيره.
و على ذلك تدل جملة من الأخبار: منها-
صحيحة سعيد بن يسار «3» قال:
«قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام الرجل يعطى الزكاة يقسمها في أصحابه أ يأخذ منها شيئا؟ قال نعم».
و حسنة الحسين بن عثمان بإبراهيم بن هاشم عن أبي إبراهيم عليه السلام «4» «في رجل أعطي مالا يفرقه في من يحل له أ له أن يأخذ منه شيئا لنفسه و إن لم يسم له؟ قال يأخذ
______________________________
(1) و هي صحيحة بريد المتقدمة ص 51.
(2) و هي قوله تعالى «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ.» سورة التوبة الآية 61.
(3) الوسائل الباب 40 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 40 من المستحقين للزكاة.

251
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثانية عشرة يجوز لمن تدفع له الزكاة ليفرقها أن يأخذ منها كغيره ج 12 ص 251

منه لنفسه مثل ما يعطي غيره».
و موثقة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» «في رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في المساكين و له عيال محتاجون أ يعطيهم منه من غير أن يستأمر صاحبه؟ قال نعم».
و أما‌
ما رواه في التهذيب بهذا الإسناد «2»- قال: «سألته عن رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في محاويج أو مساكين و هو محتاج أ يأخذ منه لنفسه و لا يعلمه؟
قال لا يأخذ منه شيئا حتى يأذن له صاحبه».
- فحمله الشيخ على محامل أقربها الكراهة و احتمل بعض مشايخنا (عطر اللّٰه مراقدهم) حمله أيضا على ما إذا علم أن مراده غيره أو الأخذ زيادة على غيره.
و هذه المحامل و إن كانت لا تخلو من بعد إلا أنها لا مندوحة عنها في مقام الجمع إذ ليس بعدها إلا طرح الخبر لرجحان ما عارضه بالكثرة، مضافا إلى اتفاق الأصحاب ظاهرا على ذلك.
ختام به الإتمام [من يرث العبد المشترى من الزكاة؟]
اختلف الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في ميراث العبد المشترى من الزكاة إذا مات و لا وارث له هل يكون ميراثه للإمام عليه السلام أو لأرباب الزكاة؟ قولان المشهور الثاني و قيل بالأول و هو منقول عن بعض القدماء إلا أنه مجهول القائل، و اختاره العلامة في الإرشاد و القواعد و ولده في الشرح.
حجة المشهور‌
موثقة عبيد بن زرارة «3» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد لها موضعا يدفع ذلك إليه فنظر إلى مملوك يباع في من يزيد فاشتراه بتلك الألف التي أخرجها من زكاته فأعتقه هل يجوز له ذلك؟ قال نعم لا بأس بذلك: قلت فإنه لما أن أعتق و صار حرا اتجر
______________________________
(1) الوسائل الباب 84 من ما يكتسب به.
(2) الوسائل الباب 84 من ما يكتسب به.
(3) الوسائل الباب 43 من المستحقين للزكاة.

252
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

ختام به الإتمام من يرث العبد المشترى من الزكاة ج 12 ص 252

و احترف فأصاب مالا ثم مات و ليس له وارث فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟ قال يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقون الزكاة لأنه إنما اشترى بمالهم».
حجة القول الآخر على ما نقل أن الرقاب أحد مصارف الزكاة فيكون سائبة، قال المحقق في المعتبر بعد الحكم بأن ميراثه لأرباب الزكاة و إسناد ذلك إلى علمائنا: و يمكن أن يقال لا يرثه الفقراء لأنهم لا يملكون العبد المبتاع بمال الزكاة لأنه أحد مصارفها فيكون كالسائبة. و تضعف الرواية لأن في طريقها ابن فضال و هو فطحي و عبد اللّٰه بن بكير و فيه ضعف، غير أن القول بها عندي أقوى لمكان سلامتها من المعارض و إطباق المحققين منا على العمل بها. انتهى.
و توقف العلامة في المختلف في المسألة من أجل ما ذكر هنا.
أقول: و التحقيق في المقام بما لم يسبق إليه سابق من علمائنا الأعلام إن يقال: لا ريب أن كلا من القولين المذكورين لا يخلو من النظر و الإشكال، و ذلك لأنهم متفقون على أن الشراء في الصورة المذكورة من سهم الرقاب، فإنهم كما تقدم في المسألة فصلوا صنف الرقاب إلى ثلاثة أقسام: أحدها المكاتبون. و ثانيها العبيد تحت الشدة. و ثالثها العبيد مع عدم وجود المستحق، و استدلوا على القسم الثالث بموثقة عبيد المذكورة.
و حينئذ فوجه الإشكال في القول المشهور هو أنه إذا كان المفروض الشراء من سهم الرقاب الذي هو أحد الأصناف الثمانية التي اشتملت عليها الآية- و ليس فيه مدخل و لا تعلق للفقراء بالكلية و إلا فلا معنى لقسمة الزكاة في الآية على الأصناف الثمانية المؤذن بمغايرة كل منها للآخر كما هو ظاهر- فكيف ترثه الفقراء لأنه اشترى من مالهم، و أي مال للفقراء في سهم الرقاب كما هو ظاهر لذوي الأفهام و الألباب فاللازم إما كون الشراء ليس من سهم الرقاب كما زعموه و إنما هو من الزكاة بقول مطلق كما هو أحد القولين في المسألة على ما تقدم ذكره، و هذا هو ظاهر الرواية المذكورة و غيرها من الروايات المتقدمة في تلك المسألة، أو كون الشراء من سهم‌

253
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

ختام به الإتمام من يرث العبد المشترى من الزكاة ج 12 ص 252

الرقاب كما ادعوه، و لكن لا دليل عليه فإن هذه الرواية لا تنطبق على ذلك كما عرفت و يؤيد ما قلناه قوله عليه السلام في رواية أبي بصير «1» التي استدلوا بها أيضا على القسم الثاني و هو شراء العبيد تحت الشدة «إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم» و أي ظلم في إعطاء أهل هذا الصنف من سهمهم على أولئك الآخرين الذين هم باقي الأصناف مع أن البسط غير واجب عندنا بل يجوز صرف الزكاة كملا في صنف واحد بل في واحد من أي الأصناف.
و بالجملة فإن الاستدلال بهذين الخبرين على هذين الفردين و أنهما من سهم الرقاب تعسف محض و خروج عن مقتضى الأصول المقررة عندهم.
و وجه الإشكال في القول الثاني أنه لا ريب في صحة ما ذكره ذلك القائل من كونه متى اشتري من سهم الرقاب فإنه يكون سائبة و يكون ميراثه للإمام عليه السلام كما هو مقتضى القواعد الشرعية و الضوابط المرعية، إلا أن استدلال هذا القائل المذكور على هذا الحكم بهذه الموثقة الدالة على أن ميراثه للفقراء لا يوافق مدعاه كما عرفت، فالواجب عليه تحصيل دليل يدل على أنه يجوز أن يشترى العبد من سهم الرقاب و يعتق ليتم له ما ذكره و إلا فالقول بذلك من غير دليل باطل مردود عند ذوي التحصيل، و نحن لم نقف لهم على دليل إلا ما يدعونه من هاتين الروايتين و فيهما من الإشكال ما قد عرفت رأي العين.
و قد عرفت من ما قدمنا في تلك المسألة أن الذي وردت به النصوص عن أهل الخصوص (عليهم السلام) في تفسير الرقاب في الآية إنما هو المكاتبون أو قوم لزمتهم كفارات في قتل الخطأ أو في الظهار أو في الأيمان أو في قتل الصيد كما في رواية علي بن إبراهيم «2» و أما هذه الأخبار فلا دلالة فيها على أزيد من أنه يشترى من الزكاة بقول مطلق، و حمل ذلك على سهم الرقاب- مع كونه لا دليل في‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 43 من المستحقين للزكاة و قد تقدمت ص 181.
(2) ص 181 و 182.

254
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

ختام به الإتمام من يرث العبد المشترى من الزكاة ج 12 ص 252

تلك الأخبار عليه بل و لا أدنى إشارة إليه- مدافع لما دل عليه بعضها من مسألة الميراث كما ذكرناه و ما دل عليه الآخر من كونه يظلم قوما آخرين حقوقهم كما أوضحناه، بل التحقيق كما قدمنا ذكره في تلك المسألة أن جملة هذه الأخبار الدالة على شراء العبد من الزكاة و عتقه كخبر أبي بصير و خبر عبيد بن زرارة و خبر أيوب و خبر الوابشي المتقدم جميع ذلك «1» إنما خرجت مخرج الرخصة في جواز ذلك من غير أن يكون ذلك داخلا تحت شي‌ء من الأصناف الثمانية كما ذهب إليه جملة من الأصحاب المتقدم ذكرهم ثمة، و هذه الأخبار ظاهرة الدلالة على هذا القول.
و العجب من صاحب المعتبر و ما في كلامه من التناقض الذي أغمض عنه النظر، فإنه لا ريب في أن ما ذكره- من أن العبد المبتاع بسهم الرقاب كالسائبة و أن الفقراء لا مدخل لهم فيه بوجه هو الموافق للقواعد الشرعية، و بمقتضى ذلك فميراثه للإمام عليه السلام فمن أين جاز له الخروج عن ذلك و الرواية لا دلالة فيها على أزيد من كونه اشتري من مال الزكاة بقول مطلق؟ نعم ما زعموه من كون العبد يجوز ابتياعه من سهم الرقاب لا دليل عليه كما عرفت و لكن مع الإغماض عن الدليل فإن القول بذلك يلزم منه ما ذكرناه. و قول المحققين بمضمون الرواية إن قصدوا به كون ذلك من سهم الرقاب فهم محجوجون بما ذكرنا، و إن أرادوا به من الزكاة مطلقا كما هو القول المشار إليه آنفا فلا حجة له فيه كما عرفت.
و بالجملة فإن كلامهم في هذه المسألة لا يخلو من تناقض و اضطراب و منه يظهر وجه توقف العلامة في المختلف في هذه المسألة و لنعم ما فعل.
نعم يبقى الكلام في أن الميراث هل هو مخصوص بالفقراء و المساكين كما تدل عليه رواية عبيد بن زرارة أو يكون لجميع أرباب الزكاة كما تدل عليه صحيحة أيوب بن الحر المروية في كتاب العلل و قد تقدمت في تلك المسألة «2»؟ إشكال و عبائر الأصحاب أيضا في هذا المقام بعضها اشتمل على كونه للفقراء و المساكين‌
______________________________
(1) ص 181 و 182 و 183.
(2) ص 182.

255
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

ختام به الإتمام من يرث العبد المشترى من الزكاة ج 12 ص 252

و بعضها اشتمل على كونه لأرباب الزكاة. و العلامة في المختلف بعد أن نقل عبارة الشيخ المفيد الدالة على التخصيص بالفقراء و المساكين من المؤمنين، قال:
و الظاهر أن مراده ليس تخصيص الفقراء و المساكين بل أرباب الزكاة أجمع لأن التعليل يعطيه.
و وجه الجمع بين الخبرين المذكورين ممكن بأحد وجهين: أولهما- أن يقال إن الميراث إنما هو لجميع أرباب الزكاة كما هو ظاهر كلام الأكثر و إن ذكر الفقراء في موثقة عبيد بن زرارة إنما خرج مخرج التمثيل لا الحصر، فإنه لما كان أصل مال الزكاة مشتركا بين الأصناف الثمانية- و كان الشراء على هذا الوجه خارجا عن الأصناف المذكورة كما عرفت- كان ما اشتري بذلك من مال الأصناف المذكورة، فميراثه حينئذ يرجع إليهم بالولاء لأنه من مالهم.
و ثانيهما- و لعله الأظهر- أن يقال إن ظاهر رواية عبيد المذكورة كون المال المشترى به إنما هو من سهم الفقراء خاصة، لحكمه عليه السلام بكون ميراثه للفقراء خاصة و تعليله ذلك بأنه اشتري بمالهم، و إلا فلو كان إنما اشترى بالمال المشترك بين الأصناف الثمانية لم يكن لتخصيصه بالفقراء وجه ظاهر لأن نسبته إلى الأصناف بالسوية، و حينئذ فيمكن بمعونة ما ذكرناه أن يقال إن المراد من صدر الخبر أن صاحب الزكاة قد خص هذه الألف الدرهم التي أخرجها زكاة ماله بالفقراء لأنها أحد الأصناف و البسط عندنا غير واجب و لما لم يجدهم كما تضمنه الخبر اشترى بها العبد المذكور و أعتقه ثم سأل الإمام عليه السلام عن ذلك فأجازه. هذا هو الذي ينطبق عليه عجز الخبر بلا تمحل و إشكال.
و حينئذ فوجه الجمع بين الخبرين المذكورين هو حمل الشراء في موثقة عبيد على الشراء من سهم الفقراء بالتقريب الذي ذكرناه، و بذلك يكون الميراث للفقراء لأنه من مالهم، و حمل صحيحة أيوب على أن الشراء وقع بالمال المشترك من غير قصد لتخصيصه بصنف من الأصناف، فإنه يكون الميراث حينئذ لجميع‌

256
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

ختام به الإتمام من يرث العبد المشترى من الزكاة ج 12 ص 252

أرباب الزكاة لأنه قد اشتري بمالهم، و الفارق في المقامين هو قصد المشتري و نيته و لا بعد في ذلك فإن العبادات بل الأفعال كملا تابعة للقصود و النيات صحة و بطلانا و ثوابا و عقابا و تعددا و اتحادا و نحو ذلك، أ لا ترى أنه لو قصد صرف زكاته كملا في سبيل اللّٰه الذي هو عبارة عن جميع الطاعات و القربات كما هو الأشهر الأظهر ثم إنه اشترى بها عبدا و أعتقه فإنه لا إشكال في كونه سائبة و أن ميراثه للإمام عليه السلام و لا ريب في قوة هذا الاحتمال و عليه تجتمع الأخبار بلا إشكال.
بقي الكلام في أنه على تقدير كون الشراء بمال الزكاة لا بقصد صنف مخصوص و كون الميراث حينئذ لأرباب الزكاة كما ذكره عليه السلام في خبر أيوب فهل يكون قسمة هذا الميراث بينهم على حسب قسمة المواريث من وجوب بسطه عليهم كملا أو يكون حسب قسمة الزكاة من جواز تخصيص بعض الأصناف به؟ إشكال ينشأ من احتمال كونه في حكم الزكاة لأنه فرع عليها و الشركة في الزكاة ليست باعتبار وجوب البسط و إنما هي باعتبار التخيير بين تلك الأصناف و أفرادها، و من أن الأصل في الشركة لغة و عرفا و شرعا هو وجوب التقسيط و البسط بين الشركاء، قام الدليل بالنسبة إلى الزكاة على عدم وجوب البسط و بقي ما عداه على حكم الأصل و هذا ليس زكاة، و قيام الدليل في الزكاة لا يستلزم إجراءه في ما نحن فيه.
و بالجملة فالمسألة عندي محل توقف و إشكال و إن كان للاحتمال الأخير نوع رجحان. و لم أقف على من تعرض لذلك و لا نبه عليه أحد من أصحابنا (رضوان اللّٰه عليهم) و اللّٰه العالم بحقائق أحكامه.
الباب الثاني في زكاة الفطرة
قيل: المراد بالفطرة أما الخلقة أو الدين أو الفطر من الصوم، و المعنى على الأول زكاة الخلقة أي البدن، و على الثاني زكاة الدين و الإسلام، و على الثالث‌

257
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الباب الثاني في زكاة الفطرة ج 12 ص 257

زكاة الفطر من الصوم.
أقول: و يمكن إن يؤيد الأول‌
بقول الصادق عليه السلام «1» لمعتب: «اذهب فأعط عن عيالنا الفطرة و عن الرقيق و أجمعهم و لا تدع منهم أحدا فإنك إن تركت منهم إنسانا تخوفت عليه الفوت. قلت: و ما الفوت؟ قال الموت».
فإن فيه إشارة إلى أن الزكاة موجبة لبقائه و حفظه من الموت فيكون الغرض منها حفظ البدن و بقاءه، و وجه المناسبة ظاهر.
و أن يؤيد الثاني بما ورد في صحيحة أبي بصير و زرارة «2» من أن من تمام الصوم إعطاء الزكاة لأنه من صام و لم يؤد الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمدا.
ثم إنه يجب أن يعلم أنه حيث كان وجوبها مشروطا بشرائط مخصوصة و المخرج منها مخصوص بأجناس مقدرة بوزن خاص و هي أيضا مخصوصة بوقت لا تقدم عليه و لا تؤخر عنه و مصرفها مخصوص بأفراد مخصوصة فالبحث عنها يجب أن يجعل في فصول أربعة:
الفصل الأول- في شروط وجوبها
و هي ثلاثة:
الأول- التكليف
فلا تجب على الصبي و المجنون إجماعا كما نقله الفاضلان في المعتبر و المنتهى.
و يدل عليه عدم توجه الخطاب إليهما و رفع القلم عنهما «3» و خطاب الولي يحتاج إلى دليل و ليس فليس، فيكون ساقطا بالأصل.
و يدل على ذلك أيضا‌
ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن القاسم بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا عليه السلام «4» قال: «كتبت إليه: الوصي يزكي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال؟ فكتب: لا زكاة على يتيم».
______________________________
(1) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة.
(2) الوسائل الباب 1 من زكاة الفطرة.
(3) ارجع إلى التعليقة 1 ص 17.
(4) الوسائل الباب 1 ممن تجب عليه الزكاة و الباب 4 من زكاة الفطرة.

258
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأول التكليف ج 12 ص 258

و روى الشيخ المفيد في المقنعة عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «تجب الفطرة على كل من تجب عليه الزكاة».
ثم اعلم أنه قد ذكر جملة من المتأخرين هنا تفريعا على هذا الشرط سقوط الفطرة عن من أهل عليه شوال و هو مغمى عليه و لم ينقلوا عليه دليلا.
و اعترضهم بعض متأخري المتأخرين بأنه على إطلاقه لا يخلو من إشكال نعم لو كان الإغماء مستوعبا لوقت الوجوب اتجه ذلك.
الثاني- الحرية
فلا تجب على المملوك و لو قيل بملكه مدبرا كان أو أم ولد أو مكاتبا مشروطا أو مطلقا لم يتحرر منه شي‌ء، و ظاهرهم الاتفاق على ذلك.
و لا أعلم فيه مخالفا سوى‌
الصدوق (قدس سره) في من لا يحضره الفقيه بالنسبة إلى المكاتب حيث روى فيه صحيحة علي بن جعفر «2» «أنه سأل أخاه موسى عليه السلام عن المكاتب هل عليه فطرة شهر رمضان أو على من كاتبه و تجوز شهادته؟
قال الفطرة عليه و لا تجوز شهادته».
ثم قال (قدس سره) قال مصنف هذا الكتاب:
و هذا على الإنكار لا على الإخبار، يريد بذلك أنه كيف تجب عليه الفطرة و لا تجوز شهادته؟ أي أن شهادته جائزة كما أن الفطرة عليه واجبة. انتهى.
و مقتضى ذلك وجوب الفطرة عليه و هو جيد لدلالة الصحيحة على ذلك سواء حملت على الإنكار كما ذكره (قدس سره) أو على الإخبار. و يمكن مع حملها على الإخبار خروجها مخرج التقية بالنسبة إلى الشهادة «3» و الظاهر أنه أقرب من ما ذكره (قدس سره).
و الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) قد احتجوا على انتفاء الوجوب عن المملوك بالأصل و الأخبار المستفيضة المتضمنة لوجوب فطرة المملوك على مولاه من غير‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 4 من زكاة الفطرة.
(2) الوسائل الباب 17 من زكاة الفطرة.
(3) في المهذب ج 2 ص 331، و المبسوط ج 16 ص 124 لا تقبل شهادة العبد.

259
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثاني الحرية ج 12 ص 259

تفصيل كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى نقل شطر منها في المقام، و في قيام الدليل بها نظر إذ ظاهر سياقها كما سيظهر لك أن وجوب ذلك على المولى إنما هو من حيث العيلولة و وجوب الإنفاق كسائر تلك الأفراد المعدودة معه، و يؤيد ذلك دلالة صحيحة علي ابن جعفر المتقدمة على وجوب الفطرة على المكاتب.
و أما‌
ما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد رفعه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1»- قال: «يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه».
- فيمكن حملها على العيلولة جمعا.
و من ما يؤيد ذلك ما قدمناه أيضا في أول الكتاب «2» من دلالة ظاهر بعض الأخبار على وجوب الزكاة عليه في ما يملكه متى أذن له المولى، و التقريب أنه متى وجبت عليه الزكاة المالية وجبت عليه زكاة الفطرة لما تقدم في الرواية المنقولة عن المقنعة من قوله عليه السلام «تجب الفطرة على كل من تجب عليه الزكاة».
و بالجملة فإني لم أقف لهم على دليل صريح يدفع الإيراد مع ما عرفت من ظهور ما ذكرناه في المراد.
ثم إنه ينبغي أن يعلم أن وجوب الزكاة على المملوك مبني على القول بملكه و إلا فإنه لا وجه للقول بذلك كما قدمنا ذكره أيضا في الزكاة المالية.
و ظاهر الأصحاب أنه لو تحرر منه شي‌ء وجبت الزكاة بالنسبة إلا أن يعوله المولى فإن العيلولة كافية في الوجوب و إن كانت تبرعا كما ستأتي الأخبار به إن شاء اللّٰه تعالى.
و استدل في المنتهى على وجوب الزكاة عليهما بالنسبة بأن النصيب المملوك تجب نفقته على مالكه فتكون فطرته لازمة له، و أما النصيب الحر فلا يجب على السيد أداء الزكاة عنه لأنه لا تتعلق به الرقية بل تكون زكاته واجبة عليه إذا ملك لجزئه‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 17 من زكاة الفطرة.
(2) ص 28.

260
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثاني الحرية ج 12 ص 259

الحر ما تجب به الزكاة عملا بالعموم.
و قوى الشيخ في المبسوط سقوط الزكاة عنه و عن المولى إذا لم يعله المولى، لأنه ليس بحر فيلزمه حكم نفسه و لا هو مملوك فتجب زكاته على مالكه لأنه قد تحرر بعضه، و لا هو في عيلولة مولاه فتلزمه فطرته لمكان العيلولة. انتهى.
و أنت خبير بأن المسألة لما كانت عارية عن النص فهي محل إشكال.
و الظاهر أن مستند الأصحاب في ما ذكروه هو عمومات ما دل على وجوب زكاة المملوك على سيده «1» فإنه أعمّ من أن يكون المملوك رأسا كاملا أو بعضها و عموم ما دل على وجوب الزكاة على الحر المستكمل لباقي الشروط «2» فإنه أعمّ من أن يكون رأسا كاملا أو بعضا.
و فيه ما قدمنا ذكره في كتاب الزكاة من أن إطلاق الأخبار إنما يحمل على الأفراد الشائعة الكثيرة فإنها هي التي يتبادر إليها الإطلاق دون الفروض النادرة، و لعل الشيخ لحظ ما ذكرناه فأسقط الزكاة عنه و عن المولى لذلك.
ثم إن ظاهر هذا الكلام في المسألة يشعر بوجوب الزكاة بمجرد الملك، لأن هذا الخلاف إنما يجري على هذا التقدير فإنه مع عيلولة المالك أو غيره متبرعا لا مجرى لهذا الخلاف، و حينئذ ففي المسألة إشكال آخر كما سيأتي بيانه حيث إن مفاد الأخبار الآتية هو إناطة وجوب الفطرة بالعيلولة بالفعل لا بوجوب العيلولة و الإنفاق.
الثالث- الغنى
على الأشهر الأظهر و قد وقع الخلاف هنا في مقامين:
أحدهما- في اشتراط الغنى
، فذهب الأكثر إلى اشتراطه حتى قال العلامة في المنتهى إنه قول علمائنا أجمع إلا ابن الجنيد، فإنه ذهب إلى وجوب الفطرة على من فضل عن مئونته و مئونة عياله ليوم و ليلة صاع. و هذا القول نقله في الخلاف عن الشافعي‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة.
(2) الوسائل الباب 1 و 2 و 4 و 5 من زكاة الفطرة.

261
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

أحدهما في اشتراط الغنى ج 12 ص 261

و جماعة من العامة «1» و نقله في الخلاف أيضا عن أكثر أصحابنا.
و القول المشهور هو المعتمد، و عليه تدل الأخبار و منها‌
صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «سئل عن رجل يأخذ من الزكاة عليه صدقة الفطرة؟ قال لا».
و رواية إسحاق بن المبارك «3» قال: «قلت لأبي إبراهيم عليه السلام على الرجل المحتاج صدقة الفطرة؟ قال ليس عليه فطرة».
و رواية يزيد بن فرقد النهدي «4» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل يقبل الزكاة هل عليه صدقة الفطرة؟ قال لا».
و رواية إسحاق بن عمار «5» قال: «قلت لأبي إبراهيم عليه السلام على الرجل المحتاج صدقة الفطرة؟ قال ليس عليه فطرة».
و رواية يزيد بن فرقد أيضا عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «6» «أنه سمعه يقول من أخذ من الزكاة فليس عليه فطرة.
قال و قال ابن عمار إن أبا عبد اللّٰه عليه السلام قال لا فطرة على من أخذ الزكاة».
و رواية الفضيل عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «7» قال: «قلت له لمن تحل الفطرة؟
قال لمن لا يجد، و من حلت له لم تحل عليه و من حلت عليه لم تحل له».
و روى الشيخ المفيد في المقنعة عن يونس بن عمار «8» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة و تجب الفطرة على من عنده قوت السنة».
______________________________
(1) في نيل الأوطار ج 4 ص 257 نقل عن مالك و الشافعي و عطاء و أحمد و إسحاق أنه يعتبر أن يكون مخرج الفطرة مالكا لقوت يوم و ليلة، و في المغني ج 3 ص 73 اعتبر فيه أن يكون عنده فضلة عن قوت يومه و ليله، و في المجموع شرح المهذب ج 6 ص 113 الشافعي شرط أن يملك مخرج الفطرة فاضلا عن قوته و قوت من يلزمه نفقته ليلة العيد و يومه.
(2) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة.
(3) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة.
(4) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة.
(5) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة.
(6) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة.
(7) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة.
(8) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة.

262
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

أحدهما في اشتراط الغنى ج 12 ص 261

و التقريب في ما عدا رواية المقنعة أنها قد دلت على أن الفقير و من يأخذ الزكاة لفقره لا فطرة عليه، و متى ضم إلى ذلك الأخبار المستفيضة بوجوب زكاة الفطرة و أنه يجب إخراجها عن نفسه و عن عياله ينتج من ذلك تخصيص الوجوب بمن لم يكن فقيرا يجوز له أخذ الزكاة و ليس إلا الغني المالك لمئونة سنة فعلا أو قوة.
و يفصح عن ذلك قوله في رواية الفضيل «و من حلت له لم تحل عليه و من حلت عليه لم تحل له» و أما رواية المقنعة فهي ظاهرة الدلالة في المراد غير محتاجة إلى ضم ضميمة لدفع الإيراد.
و أما‌
ما رواه في الكافي عن زرارة «1»- قال: «قلت الفقير الذي يتصدق عليه هل عليه صدقة الفطرة؟ قال نعم يعطي من ما يتصدق به عليه».
و ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّٰه بن ميمون عن أبي عبد اللّٰه عن أبيه (عليهما السلام) «2» قال: «زكاة الفطرة صاع من تمر. إلى أن قال و ليس على من لا يجد ما يتصدق به حرج».
و في الموثق عن زرارة «3» قال: «قلت له هل على من قبل الزكاة زكاة؟ فقال أما من قبل زكاة المال فإن عليه زكاة الفطرة و ليس على من قبل الفطرة فطرة».
و نحوه عن الفضيل «4»- فقد أجاب عنها الأصحاب بالحمل على الاستحباب، و لا يخفى أن صحيحة القداح المذكورة غير ظاهرة في المخالفة إلا باعتبار مفهوم اللقب و هو ضعيف غير معمول عليه عندنا.
و من ما يؤكد الحمل على الاستحباب‌
ما ورد أيضا في موثق إسحاق بن عمار «5» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام الرجل لا يكون عنده شي‌ء من الفطرة إلا ما يؤدي
______________________________
(1) الوسائل الباب 3 من زكاة الفطرة.
(2) الوسائل الباب 5 و 2 من زكاة الفطرة.
(3) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة.
(4) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة.
(5) الوسائل الباب 3 من زكاة الفطرة.

263
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

أحدهما في اشتراط الغنى ج 12 ص 261

عن نفسه وحدها أ يعطيه غريبا أو يأكل هو و عياله؟ قال يعطي بعض عياله ثم يعطي الآخر عن نفسه يرددونها بينهم فيكون عنهم جميعا فطرة واحدة».
و‌
ثانيهما- ما يتحقق به الغنى
المقتضي لوجوب الزكاة، و الأشهر الأظهر أنه الغنى بالمعنى الذي تقدم في الزكاة المالية و هو ملك مئونة السنة فعلا أو قوة كما تدل عليه رواية يونس بن عمار المتقدم نقلها عن كتاب المقنعة، و التقريب فيها أنها دلت على كون الموجب لتحريم أخذ الزكاة و الموجب للفطرة هو ملك قوت السنة و هذا هو معنى الغنى المدعى في المقام.
و أما ما استدل به في المدارك على ذلك- حيث قال في بيان معنى الغنى المقتضي للوجوب: و الأصح أنه ملك قوت السنة فعلا أو قوة، لأن من لم يملك ذلك تحل له الزكاة على ما بيناه في ما سبق فلا تجب عليه الفطرة كما دلت عليه صحيحة الحلبي المتقدمة و غيرها. انتهى- ففيه أن هذا الدليل قاصر عن إفادة المدعى لأن حاصله أن من لم يملك مئونة السنة لا تجب عليه الفطرة، و أين هذا من المدعى و هو أن الغنى المقتضي للوجوب عبارة عن ملك مئونة السنة فعلا أو قوة. نعم اللازم من هذا الدليل رد القول الآتي في المسألة و أما إثبات المدعى فلا. نعم إذا ضم إلى ذلك ما أشرنا إليه آنفا من الأخبار الدالة على وجوب الزكاة و إخراج المكلف لها عن نفسه و من يعوله ينتج من الجميع وجوب الزكاة على من لم يكن فقيرا يجوز له أخذ الزكاة لفقره و ليس إلا الغني المالك لقوت سنته فعلا أو قوة لعدم ثالث لهذين الفردين، فأخبار وجوب الزكاة المشار إليها لا يجوز أن تكون شاملة لما ذكره ابن الجنيد أولا من الوجوب على من فضل عن مئونته و مئونة عياله ليومه و ليلته صاع، و لا لما ذكره الشيخ و ابن إدريس كما يأتي و هو وجوب الزكاة على من يملك نصابا تجب فيه الزكاة، لدخول هذين الفردين في الفقير الذي دلت تلك الأخبار على أنه لا تجب عليه الفطرة.
و بالجملة فالأظهر هو الاستدلال على القول المذكور برواية يونس المذكورة‌

264
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

ثانيهما ما يتحقق به الغنى ج 12 ص 264

فإنها وافية بالمراد عارية عن الإيراد.
و مقتضى ما ذكرنا في معنى الغنى أنه لا يعتبر ملك مقدار زكاة الفطرة زيادة على قوت السنة و به قطع شيخنا الشهيد الثاني، و جزم المحقق في المعتبر و العلامة في المنتهى باعتبار ذلك، قال في المدارك: و لا بأس به. و أنت خبير بأن ظاهر رواية يونس بن عمار التي ذكرناها مستندا للقول المذكور ظاهر في القول الأول فيكون هو الذي عليه المعول، و لا أعرف لهم مستندا على هذا القول إلا أن كان لزوم صيرورته فقيرا بإخراج زكاة الفطرة لقصور قوت السنة بذلك فيلزم أن يكون فقيرا يجوز له أخذ الزكاة فلا معنى لوجوبها عليه ثم جواز أخذه لها، بخلاف ما إذا اشترط ملك مقدار زكاة الفطرة زيادة على قوت السنة. و قد تقدم لهم نظير هذه المسألة و بسطنا الكلام معهم فيها في شرحنا على المدارك.
و نقل عن الشيخ في الخلاف أنه قال تجب زكاة الفطرة على من يملك نصابا تجب فيه الزكاة أو قيمة نصاب. و اعتبر ابن إدريس ملك عين النصاب دون قيمته و لله در المحقق في المعتبر حيث قال بعد نقل ذلك عنهما- و نعم ما قال- و ما ذكره الشيخ لا أعرف به حجة و لا قائلا من قدماء الأصحاب، فإن كان تعويله على ما احتج به أبو حنيفة «1» فقد بينا ضعفه، و بالجملة فإنا نطالبه من أين قاله؟ و بعض المتأخرين ادعى عليه الإجماع و خص الوجوب بمن معه أحد النصب الزكاتية و منع القيمة و ادعى اتفاق الإمامية على قوله. و لا ريب أنه وهم، و لو احتج بأن مع ملك النصاب تجب الزكاة بالإجماع منعنا ذلك، فإن من ملك النصاب و لا يكفيه لمئونة عياله يجوز له أن يأخذ الزكاة و إذا أخذ الزكاة لم تجب عليه الفطرة، لما روي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في عدة روايات: منها‌
رواية الحلبي و يزيد بن فرقد و معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» «أنه سئل عن الرجل يأخذ من الزكاة عليه صدقة الفطرة؟
قال لا.
انتهى.
______________________________
(1) ارجع إلى الصفحة 160.
(2) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة.

265
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

ثانيهما ما يتحقق به الغنى ج 12 ص 264

و متى تكاملت هذه الشروط وجب على المكلف إخراجها عن نفسه و عن جميع من يعوله فرضا أو نفلا مسلما أو كافرا،
[الأخبار الدالة على وجوب الفطرة]
و على ذلك دلت الأخبار المستفيضة المعتضدة باتفاق الأصحاب في هذا الباب:
و منها-
ما رواه في الفقيه في الصحيح عن هشام بن الحكم عن الصادق عليه السلام «1» قال: «نزلت الزكاة و ليس للناس أموال و إنما كانت الفطرة».
أقول: هذا الخبر يدل على دخول زكاة الفطرة تحت آية الزكاة و هي قوله عز و جل: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً. الآية» «2».
و ما رواه في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر يؤدي عنه الفطرة؟ فقال نعم الفطرة واجبة على كل من يعول من ذكر أو أنثى صغير أو كبير حر أو مملوك».
أقول: المراد بوجوب الفطرة هنا وجوب إخراجها عنه لا وجوب إخراجها عليه، و العبارة خرجت مخرج التجوز كما يدل عليه الخبر الآتي.
و ما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام «4» قال: «سألته عن ما يجب على الرجل في أهله من صدقة الفطرة؟ قال تصدق عن جميع من تعول من حر أو عبد أو صغير أو كبير».
و ما رواه في الكافي عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «5» قال: «كل من ضممت إلى عيالك من حر أو مملوك فعليك أن تؤدي الفطرة عنه».
و ما رواه في الكافي في الصحيح عن صفوان الجمال «6» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الفطرة؟ فقال على الصغير و الكبير و الحر و العبد عن كل إنسان
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من زكاة الفطرة.
(2) سورة التوبة الآية 105.
(3) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة.
(4) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة.
(5) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة.
(6) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة.

266
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأخبار الدالة على وجوب الفطرة ج 12 ص 266

صاع من حنطة أو صاع من تمر أو صاع من زبيب».
و رواية معتب عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام و قد تقدمت في أول الباب.
و ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «صدقة الفطرة على كل رأس من أهلك: الصغير و الكبير و الحر و المملوك و الغني و الفقير».
و ما رواه في الفقيه في الصحيح عن صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «الواجب عليك أن تعطي عن نفسك و أبيك و أمك و ولدك و امرأتك و خادمك».
و ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» «في صدقة الفطرة؟ فقال تصدق عن جميع من تعول من صغير أو كبير أو حر أو مملوك. الحديث».
و ما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد رفعه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» قال: «يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه و رقيق امرأته و عبده النصراني و المجوسي و ما أغلق عليه بابه».
قال في المعتبر بعد إيراد هذا الخبر: و هذا و إن كان مرسلا إلا أن فضلاء الأصحاب أفتوا بمضمونه.
و المستفاد من هذه الأخبار هو وجوب إخراج الفطرة عن كل من يعول من حر و عبد و ذكر و أنثى و كبير و صغير و مسلم و كافر واجب النفقة أو غير واجب النفقة.
و أما‌
ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن صفوان عن عبد الرحمن بن الحجاج «5»- قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله إلا أنه يتكلف له نفقته و كسوته أ تكون عليه فطرته؟ قال لا إنما تكون فطرته على عياله صدقة دونه. و قال: العيال الولد و المملوك و الزوجة و أم الولد».
- فما تضمنه من حصر‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة.
(2) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة.
(3) التهذيب ج 1 ص 371 و في الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.
(4) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة.
(5) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة.

267
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأخبار الدالة على وجوب الفطرة ج 12 ص 266

العيال في الأفراد المذكورة يجب حمله على الخروج مخرج التمثيل، بمعنى أن تكلف الإنفاق و الكسوة لا يكفي في وجوب الفطرة بل لا بد من صدق العيلولة كما في هذه الأفراد الأربعة، و على ذلك ينبغي أن تحمل رواية إسحاق بن عمار المتقدمة.
و تنقيح البحث في المقام يتوقف على رسم مسائل‌
الأولى [وجوبها عن واجبي النفقة و مواضع الخلاف]
- لا خلاف في وجوب إخراج الفطرة عن واجبي النفقة كالأبوين و الأولاد و الزوجة و المملوك متى كانوا في عياله و إنما الخلاف لو لم يكونوا كذلك.
و قد وقع الخلاف هنا في مواضع‌
أحدها- الزوجة لو لم تكن واجبة النفقة على الزوج
كالناشز و الصغيرة و غير المدخول بها مع عدم التمكين، فالمشهور عدم الوجوب إلا مع العيلولة تبرعا، و ذهب ابن إدريس إلى الوجوب مطلقا سواء كانت ناشزة أم لا وجبت نفقتها أم لا دخل بها أو لم يدخل دائمة و منقطعة.
و احتج على ذلك بالإجماع و العموم من غير تفصيل، و لا ريب في ضعفه لما عرفت من الأخبار المتقدمة الدالة صريحا على أن ذلك منوط بالعيلولة و بموجب ذلك تنتفي عند عدمها.
قال المحقق في المعتبر: قال بعض المتأخرين الزوجية سبب لإيجاب الفطرة لا باعتبار وجوب مئونتها ثم تخرج فقال يخرج عن الناشز و الصغيرة التي لا يمكن الاستمتاع بها، و لم يبد حجة عدا دعوى الإجماع من الإمامية على ذلك. و ما عرفنا أحدا من فقهاء الإسلام فضلا عن الإمامية أوجب الفطرة على الزوجة من حيث هي زوجة بل ليس تجب فطرة إلا عن من تجب مئونته أو يتبرع بها عليه، فدعواه إذا غريبة عن الفتوى و الأخبار. انتهى. و هو جيد.
و‌
ثانيها- أنه لو كانت الزوجة واجبة النفقة و لكن لم يعلها الزوج و لا غيره
فالمشهور وجوب فطرتها على الزوج لأنها تابعة لوجوب النفقة، و نقل في الشرائع قولا بعدم وجوبها إلا مع العيلولة و إليه مال السيد السند في المدارك، و هو الذي دلت عليه الأخبار المتقدمة.
و المحقق في الشرائع بعد نقل القولين المذكورين قال: و فيه تردد. قال شيخنا‌

268
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

ثانيها أنه لو كانت الزوجة واجبة النفقة و لكن لم يعلها الزوج و لا غيره ج 12 ص 268

الشهيد الثاني في المسالك في بيان التردد: إن منشأه الشك في كون السبب هو العيلولة أو الزوجية و المملوكية، و ظاهر النصوص الثاني فيجب عنهما و إن لم يعلمها كما مر. انتهى.
و أنت خبير بما فيه فإن النصوص المتقدمة ظاهرة بل صريحة في إناطة الوجوب بالعيلولة زوجة كانت أو غيرها من تلك الأفراد المعدودة في الأخبار و ليس فيها ما ربما يتوهم منه ما ذكره إلا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج و رواية إسحاق بن عمار و قد عرفت الجواب عنهما.
و‌
ثالثها- المملوك
و قد قطع الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) بوجوب زكاته على المولى مطلقا، قال في المعتبر: تجب الفطرة عن العبد الغائب الذي يعلم حياته و الآبق و المرهون و المغصوب، و به قال الشافعي و أحمد و أكثر أهل العلم، و قال أبو حنيفة لا تلزمه زكاته لسقوط نفقته كما تسقط عن الناشز «1» لنا أن الفطرة تجب على من يجب أن يعوله و بالرق تلزم العيلولة فتجب الفطرة. و حجته ضعيفة لأنا لا نسلم أن نفقته تسقط عن المالك مع الغيبة و إن اكتفى بغير المالك كما لو كان حاضرا و استغنى بكسبه. و نحوه كلام العلامة في المنتهى، و في الشرائع تردد في المسألة كما قدمنا نقله عنه في الزوجة، و قد عرفت وجه التردد من ما نقلناه عن شيخنا الشهيد الثاني آنفا.
و أنت خبير بأن الظاهر من النصوص المتقدمة كما أشرنا إليه آنفا هو حصول العيلولة بالفعل لا مجرد وجوب العيلولة، و إلى ذلك مال السيد السند في المدارك و الفاضل الخراساني في الذخيرة و هو الحق الحقيق بالاتباع.
و ينبغي أن يعلم أنه لو عال الزوجة أو المملوك غير الزوج و السيد تعلقت الزكاة به و سقطت عنهما بغير إشكال و لا خلاف.
و‌
رابعها- الأبوان و الأولاد
، قال الشيخ في المبسوط على ما نقل في المختلف:
الأبوان و الأجداد و الأولاد الكبار إذا كانوا معسرين كانت نفقتهم و فطرتهم‌
______________________________
(1) المغني ج 3 ص 71.

269
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

رابعها الأبوان و الأولاد ج 12 ص 269

عليه. ثم قال (قدس سره): و الأقرب أن نفقتهم عليه، أما الفطرة فإن عالهم وجبت الفطرة و إلا فلا و إن وجبت النفقة، لنا- أن الفطرة منوطة بالعيلولة و قد انتفت فينتفي الوجوب. احتج الشيخ بأنهم واجبو النفقة فتجب الفطرة لأنها تابعة لها. و الجواب أنها تابعة للنفقة لا لوجوبها. انتهى.
و فيه أن ما ذكره في مقام الرد على الشيخ و إن كان هو الظاهر من الأخبار و الذي عليه العمل إلا أنه مخالف لما صرح به هو و غيره كما قدمنا نقل ذلك عنهم في مسألة الزوجة و المملوك، فإنهم جعلوا الفطرة تابعة لوجوب النفقة دون حصولها بالفعل، و سؤال الفرق متجه كما لا يخفى.
الثانية [هل تجب فطرة العبد الذي لا تعلم حياته على المولى؟]
- اختلف الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في العبد الغائب الذي لا تعلم حياته هل تجب فطرته على المولى أم لا؟ فذهب جماعة: منهم- الشيخ في الخلاف و المحقق في المعتبر و العلامة في المنتهى إلى عدم الوجوب، و قال الشيخ في المبسوط و الخلاف: الغائب إن علم مولاه حياته وجبت عليه فطرته و إن لم يعلم لم تجب.
و قال في المعتبر: لو كان له مملوك لا يعلم حياته قال الشيخ لا تلزمه فطرته.
ثم نقل عن الشيخ أنه احتج بأنه لا يعلم أن له مملوكا فلا تجب عليه زكاته. ثم قال و ما ذكره الشيخ حسن.
و الخلاف في هذه المسألة منقول عن ابن إدريس، فإنه أوجب فطرته في هذه الصورة على المولى محتجا بأن الأصل البقاء، و بأنه يصح عتقه في الكفارة إذا لم يعلم بموته و هو إنما يتحقق مع الحكم ببقائه فتجب فطرته. و يظهر من شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الميل إلى هذا القول أيضا.
احتج الشيخ و من تبعه على ما ذكروه بما تقدم نقله أولا، و بأن الإيجاب شغل الذمة فيقف على ثبوت المقتضي و هو الحياة و هي غير معلومة، و بأن الأصل عصمة مال الغير فيقف انتزاعه على العلم بالسبب و لم يعلم.
و أما ما ذكره ابن إدريس من الأصل فهو معارض بهذا الأصل المذكور.

270
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثانية هل تجب فطرة العبد الذي لا تعلم حياته على المولى ج 12 ص 270

و ما ذكره من القياس على عتقه في الكفارة- إشارة إلى‌
صحيحة أبي هاشم الجعفري الواردة بذلك «1» قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل قد أبق عنه مملوكه أ يجوز أن يعتقه في كفارة الظهار؟ قال لا بأس به ما لم يعرف منه موتا».
ففيه (أولا) أن التسوية بين صحة العتق و وجوب الفطرة لا دليل عليه إذ لا ملازمة بينهما و لا ترتب للثاني على الأول. و (ثانيا) بإمكان الفرق بين الأمرين، فإن العتق إسقاط ما في الذمة من حقوق اللّٰه تعالى و هي مبنية على التخفيف بخلاف الفطرة فإنها إيجاب مال على مكلف لم يثبت سبب وجوبه عليه.
أقول: و التحقيق في الاحتجاج للقول المشهور و الرد على ابن إدريس هو أن يقال إن وجوب الفطرة تابع للعيلولة كما اخترناه و ذكرنا أنه مدلول الأخبار المتقدمة، أو لوجوبها كما قدمنا نقله عنهم، و انتفاء الأصل على ما ذكرنا ظاهر، و على ما ذكروه هو عدم معلومية الوجود فكيف يخاطب بوجوب الإنفاق عليه و هو لا يعلم حياته؟.
و لا يخفى أن الظاهر من كلامهم كما قدمنا لك من كلام الشيخ و المحقق أن محل الخلاف في المسألة هو مفقود الخبر الذي لا يعلم حياته و لا موته، و هو الذي اختلف الأصحاب في حكمه بالنسبة إلى ميراثه و زوجته و أوجبوا في ميراثه و زوجته طلب أربع سنين، و هو الذي تضمنته صحيحة الجعفري المتقدمة التي استند إليها ابن إدريس و رتب حكم الفطرة عليها، فما ذكره في المدارك- من أن محل الخلاف في هذه المسألة غير محرر حتى أنه احتمل أن يكون محل الخلاف مطلق المملوك الغائب الذي لا يعلم حياته- ليس بجيد.
و بالجملة فهنا أمران: أحدهما- ما ذكرناه من مفقود الخبر الذي لا يعلم له حياة و لا موت. و ثانيهما- من كان غائبا و أخباره تأتي في أغلب الأوقات فإنه يحكم بوجوده وقت الفطرة مثلا و إن كان ذلك غير معلوم قطعا لغيبته و بعده عملا‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 48 من كتاب العتق.

271
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثانية هل تجب فطرة العبد الذي لا تعلم حياته على المولى ج 12 ص 270

باستصحاب الحياة، و لذا‌
ورد في صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «لا بأس بأن يعطي الرجل عن عياله و هم غيب عنه و يأمرهم فيعطون عنه و هو غائب عنهم».
و محل الخلاف إنما هو الفرد الأول كما لا يخفى على المتأمل، و كيف يحتمل أن يجعل هذا الفرد الأخير مطرح الخلاف في هذه المسألة مع قولهم بمضمون صحيحة جميل المذكورة من غير خلاف يعرف.
الثالثة [حكم العبد بين شريكين]
- قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) بأنه لو كان العبد بين شريكين فالزكاة عليهما فإن عاله أحدهما فالزكاة على العائل، و نقل في الدروس قولا بأنه لا زكاة فيه، و لعله إشارة إلى ما نقل عن ابن بابويه من أنه قال لا فطرة عليهم إلا أن يكمل لكل واحد منهم رأس تام. كذا نقله عنه في المدارك و الظاهر أنه من غير الفقيه.
نعم روى في الفقيه ما يدل على ذلك‌
رواه عن زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «قلت عبد بين قوم عليهم فيه زكاة الفطرة؟ قال إذا كان لكل إنسان رأس فعليه أن يؤدي عنه فطرته، و إذا كان عدة العبيد و عدة الموالي سواء و كانوا جميعا فيهم سواء أدوا زكاتهم لكل واحد منهم على قدر حصته، و إن كان لكل إنسان منهم أقل من رأس فلا شي‌ء عليهم».
قال في المدارك: و هذه الرواية و إن كانت ضعيفة السند إلا أنه لا يبعد المصير إلى ما تضمنته، لمطابقته لمقتضى الأصل و سلامتها من المعارض. انتهى.
أقول: فيه (أولا)- أن ظاهر الخبر المذكور هو وجوب الزكاة بمجرد الملك، و هو لا يقول به لما تقدم منه في غير موضع من إناطة ذلك بالعيلولة كما قدمنا ذكره.
و (ثانيا) ما علم من طريقته و تصلبه في الوقوف على الاصطلاح المشهور‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 19 من زكاة الفطرة.
(2) الوسائل الباب 18 من زكاة الفطرة و في الفقيه ج 2 ص 119 «رقيق» بدل «عبد».

272
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالثة حكم العبد بين شريكين ج 12 ص 272

من رد الأخبار الضعيفة فكيف يتلقى هذا الخبر هنا بالقبول؟
و (ثالثا) أن تستره هنا بمطابقته لمقتضى الأصل مردود بأن الأخبار المتقدمة قد دلت على وجوب إخراج الزكاة عن المملوك أعمّ من أن يكون رأسا تاما أو أقل، و إلا لانتقض عليه بما ذكره هو و غيره في المكاتب المطلق إذا تحرر منه بعض، فإنه استند- في الوجوب عليه و على المولى بالنسبة- إلى ما نقله في تلك المسألة عن العلامة في المنتهى من ما يؤذن بوجوب الزكاة على كل منهما بالنسبة.
و لو أجاب هنا- بأن تلك الأخبار التي ادعيتم دلالتها على وجوب إخراج الزكاة عن المملوك إنما هي مع العيلولة فلا دلالة فيها- قلنا يلزم إذا طرح هذا الخبر من البين لخروجه عن ما دلت عليه تلك الأخبار المتكاثرة من إناطة الوجوب بالعيلولة فلا معنى لاستناده إليه هنا مع قوله بمضمون تلك الأخبار.
الرابعة [حكم الزوجة الموسرة و الضيف الغني]
- المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) سقوط الفطرة عن الزوجة الموسرة و الضيف الغني بالإخراج عنهما، و نقل عن ظاهر ابن إدريس إيجاب الفطرة على الضيف و المضيف، و لا ريب في ضعفه لما تقدم من الأخبار الدالة على وجوب الزكاة على المعيل و لا ريب في سقوطها بعد ذلك عن المعال، و إيجابها على الضيف أو غيره بعد ذلك يحتاج إلى دليل و ليس فليس.
و العجب من صاحب الذخيرة حيث إنه بعد نقل ذلك عن ابن إدريس قال و هو أحوط. و ما أدري ما وجه هذا الاحتياط مع عدم معارض بل و لا شبهة توجب خلاف ما ذكرناه؟
نعم لو علم بعدم إخراج المعيل لها عنه ففيه احتمال و إن كان ظواهر الأخبار المشار إليها- من حيث دلالتها على تعلق الخطاب بالمعيل- سقوط ذلك عن المعال ضيفا أو غيره علم بعدم الإخراج أو لم يعلم، إلا أن الاحتياط هنا هو إخراج الضيف عن نفسه و كذا غيره ممن تجب عليه لو لم يكن عيالا على غيره.
الخامسة [هل تجب الفطرة على الزوجة الموسرة إذا كان الزوج معسرا؟]
- اختلف الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في الزوجة الموسرة إذا‌

273
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الخامسة هل تجب الفطرة على الزوجة الموسرة إذا كان الزوج معسرا ج 12 ص 273

كان الزوج معسرا هل تجب الفطرة عليها أم لا؟ فقال الشيخ في المبسوط لا فطرة عليها و لا على الزوج، لأن الفطرة على الزوج فإذا كان معسرا لا تجب عليه الفطرة و لا تلزم الزوجة لأنه لا دليل عليه. و قواه فخر المحققين في الإيضاح. و قيل بوجوبها على الزوجة و به قطع ابن إدريس و قواه المحقق في المعتبر، لأنها ممن يصح أن يزكي و الشرط المعتبر موجود فيها و إنما تسقط عنها لوجوبها على الزوج فإذا لم تجب عليه وجبت عليها، و اختار هذا القول الشهيد في الدروس.
و فصل العلامة في المختلف فقال: و الأقرب أن نقول إن بلغ الإعسار بالزوج إلى حد تسقط عنه نفقة الزوجة بأن لا يفضل معه شي‌ء البتة فالحق ما قاله ابن إدريس و إن لم ينته الحال إلى ذلك بأن كان الزوج ينفق عليها مع إعساره فلا فطرة هنا.
و الحق ما قاله الشيخ. ثم استدل على الأول بعموم الأدلة الدالة على وجوب الفطرة على كل مكلف غني خرج منه الزوجة الموسرة لمكان العيلولة فيبقى الباقي مندرجا في العموم. و على الثاني بأنها في عيلولة الزوج فسقطت فطرتها عن نفسها و عن زوجها لفقره.
و اعترضه هنا الشهيد في البيان فقال: و يضعف بأن النفقة لا تسقط فطرة الغني إلا إذا تحملها المنفق. قال في المدارك بعد نقل ذلك عن الشهيد: و هو جيد.
ثم إن شيخنا العلامة في المختلف أيضا رجع في تتمة الكلام السابق إلى بناء المسألة على وجوبها على الزوج بالأصالة أو عليها بالأصالة فقال: و التحقيق أن الفطرة إن كانت بالأصالة على الزوج سقطت لإعساره عنه و عنها، و إن كانت بالأصالة على الزوجة و إنما يتحملها الزوج سقطت عنه لفقره و وجبت عليها عملا بالأصل. انتهى و أورد عليه بأن ظاهر الأخبار و كلام الأصحاب و إن اقتضى وجوب الفطرة بالأصالة على الزوج مع يساره إلا أن ذلك لا يقتضي سقوطها عن الزوجة الموسرة مع إعساره. و مرجع هذا الكلام إلى تخصيص الأصالة على الزوج بصورة اليسار.
أقول: و التحقيق عندي في هذا المقام أن يقال لا ريب أنه قد اتفقت‌

274
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الخامسة هل تجب الفطرة على الزوجة الموسرة إذا كان الزوج معسرا ج 12 ص 273

الأخبار و كلمة الأصحاب على وجوب زكاة الفطرة على المكلف الحر الغني كما تقدم تحقيقه كائنا من كان، خرج من ذلك بالأخبار المتقدمة من وجبت فطرته على غيره بالعيلولة كائنا من كان، و لا ريب أن الزوج المعسر لا تجب عليه فطرته و لا فطرة زوجته في الصورة المفروضة، فيبقى وجوب إخراج الفطرة على الزوجة بمقتضى الأخبار و كلام الأصحاب خاليا من المعارض. و من ما ذكرنا يعلم توجه المنع إلى كلام الشيخ المتقدم في موضعين: (أحدهما) قوله: «لأن الفطرة على الزوج» فإنه على إطلاقه ممنوع فإنها إنما تكون عليه مع يساره. و (ثانيهما) قوله:
«و لا تلزم الزوجة لأنه لا دليل عليه» و كيف لا دليل عليه و هي داخلة في عموم الأخبار و كلمة الأصحاب الدالة على وجوب الفطرة على كل مكلف حر غني.
السادسة [قدر الضيافة المقتضية لإخراج الفطرة عن الضيف]
- اختلف الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في قدر الضيافة المقتضية لوجوب إخراج الفطرة عن الضيف، فنقل عن الشيخ و المرتضى اشتراط الضيافة طول الشهر، و اكتفى الشيخ المفيد بالنصف الأخير، و عن ابن إدريس أنه اجتزأ بليلتين في آخره و اختاره في المختلف، و اجتزأ في المنتهى و التذكرة بالليلة الواحدة و نقل في المعتبر و التذكرة عن جماعة من الأصحاب الاكتفاء بالعشر الأواخر و نقل في المعتبر عن جماعة من الأصحاب الاكتفاء بآخر جزء من الشهر بحيث يهل الهلال و هو في ضيافته، قال و هذا هو الأولى. و قال في الدروس: و يكفي في الضيف أن يكون عنده في آخر جزء من شهر رمضان متصلا بشوال سمعناه مذاكرة، و الأقرب أنه لا بد من الإفطار عنده في شهر رمضان و لو ليلة. و في البيان فيمكن الاكتفاء بمسمى الضيافة في جزء من الشهر بحيث يدخل شوال و هو عنده كما قال في المعتبر، إلا أن مخالفة قدماء الأصحاب مشكل. و هو مؤذن بالتوقف في المسألة، و اختار هذا القول أيضا المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد و لكن صرح بوجوب الأكل عند المضيف كما لو ساغ له الإفطار لسفر أو مرض لتصدق العيلولة بذلك، و ظاهر من عداه ممن ذهب إلى ذلك الإطلاق و إن لم يأكل عنده، و منهم شيخنا الشهيد الثاني حيث إنه اختار ذلك فقال: إن المتبادر من معنى الضيافة لغة‌

275
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السادسة قدر الضيافة المقتضية لإخراج الفطرة عن الضيف ج 12 ص 275

و عرفا هو النزول للقرى و إن لم يكن قد أكل عنده. و كأنه (قدس سره) غفل عن ملاحظة ما اشتملت عليه الروايات من ذكر العيلولة، و لا سيما رواية عمر بن يزيد «1» التي تضمنت ذكر الضيف حيث قال فيها: «نعم الفطرة واجبة على كل من يعول».
و نقل في المدارك أنه استدل على هذا القول الأخير بتعلق الحكم في رواية عمر بن يزيد المتقدمة على حضور يوم الفطر و يكون عند الرجل الضيف من إخوانه، فإن ذلك تحقيق لمسمى الضيافة في جزء من الشهر. ثم اعترضه فقال:
و هو منظور فيه أيضا لأن مقتضى قوله عليه السلام: «نعم الفطرة واجبة على كل من يعول» اعتبار صدق العيلولة عرفا في الضيف كغيره. انتهى. و هو جيد.
و الظاهر من ما ذكرناه أن هذا القول الأخير و إن اختاره جملة من هؤلاء الفضلاء إلا أنه أضعف أقوال المسألة. و بالجملة فالمسألة عندي محل إشكال و الاحتياط فيها مطلوب على كل حال.
بقي الكلام هنا في موضعين‌
أحدهما [وجوب الزكاة على المضيف إنما هو مع الغنى]
- أنه لا ريب أن وجوب الزكاة على المضيف إنما هو مع الغنى الذي هو أحد شروط الوجوب المتقدمة فمع عدم ذلك لا تجب عليه، و حينئذ فلو كان الضيف موسرا هل تجب عليه أم لا؟ قيل بالوجوب و به صرح شيخنا العلامة في المختلف و الشهيد في البيان و غيرهما و الظاهر أنه هو المشهور لأن العيلولة لا تسقط فطرة الغني إلا إذا تحملها المعيل. و احتمل بعضهم السقوط هنا مطلقا أما عن المضيف فلإعساره و أما عن الضيف فلمكان العيلولة. و ضعفه يظهر من ما قدمناه من التحقيق في سابق هذه المسألة.
و‌
ثانيهما- لو كان المضيف معسرا و تبرع بالإخراج عن ضيفه الموسر فهل يسقط الوجوب عن الضيف أم لا؟
جزم الشهيد في البيان بعدم الإجزاء، و احتمل في المختلف الإجزاء لأن الشارع قد ندب إليها. و رده في البيان بعدم ثبوت الندب‌
______________________________
(1) ص 266.

276
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

ثانيهما لو كان المضيف معسرا و تبرع بالإخراج عن ضيفه الموسر فهل يسقط الوجوب عن الضيف أم لا ج 12 ص 276

في هذه الصورة و المنصوص استحباب إخراج الفقير لها عن نفسه و عياله و ليس هذا منه. و فصل شيخنا الشهيد الثاني بالفرق بين إذن الضيف و عدمه فقال إن عدم الإجزاء على الثاني حسن و الإجزاء على الأول أحسن، و قال لو تبرع المضيف بإخراجها عن الموسر توقف الإجزاء على إذنه، و كذا القول في الزوجة و غيرها. انتهى.
أقول: لا يخفى أن براءة الذمة من ما علم اشتغالها به بفعل الغير خارج عن مقتضى القواعد الشرعية و الضوابط المرعية بإذن كان أو بغير إذن فيقتصر فيه على موارد الرخصة، و قد قام الدليل على ذلك في الدين و قضاء بعض العبادات عن الميّت و تبرع المقرض بدفع الزكاة عن المقترض فيجب القول بذلك وقوفا على موضع النص، و لا نص في هذا المقام على ما ذكروه.
السابعة [يعتبر في وجوب الفطرة تحقق الموضوع و الشروط قبل الهلال]
- الظاهر أنه لا خلاف في أن من بلغ قبل الهلال أو أسلم أو زال جنونه أو ملك ما يحصل به الغنى فإنه تجب عليه زكاة الفطرة، و كذا من ولد له مولود أو ملك مملوكا، أما لو كان بعد ذلك فإنه لا تجب و إن استحب له الإخراج إلى الزوال.
و يدل على عدم الوجوب‌
ما رواه في الفقيه عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» «في المولود يولد ليلة الفطر و اليهودي و النصراني يسلم ليلة الفطر؟ قال ليس عليهم فطرة، ليس الفطرة إلا على من أدرك الشهر».
و ما رواه الشيخ في التهذيب و الكليني في الصحيح عن معاوية بن عمار «2» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن مولود ولد ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال: لا قد خرج الشهر. و سألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال لا».
و استدلوا على الاستحباب‌
بما رواه الشيخ مرسلا «3» قال: و قد روي أنه إن ولد له قبل الزوال يخرج عنه الفطرة و كذلك من أسلم قبل الزوال.
و حمله الشيخ‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 11 من زكاة الفطرة.
(2) الوسائل الباب 11 من زكاة الفطرة.
(3) الوسائل الباب 11 من زكاة الفطرة.

277
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السابعة يعتبر في وجوب الفطرة تحقق الموضوع و الشروط قبل الهلال ج 12 ص 277

و من تبعه على الاستحباب. و فيه ما عرفت في غير موضع من هذا الكتاب.
و استدل عليه أيضا‌
بما رواه ابن بابويه عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام «1» قال: «سألته عن ما يجب على الرجل في أهله من صدقة الفطرة؟ قال تصدق عن جميع من تعول من حر أو عبد صغير أو كبير من أدرك منهم الصلاة».
بناء على أن الظاهر من الصلاة صلاة العيد، و المراد بإدراكها إدراك وقتها بمعنى دخوله في عيلولته قبل وقت الصلاة.
و حكى العلامة في المختلف عن ابن بابويه في المقنع أنه قال: و إن ولد لك مولود يوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه الفطرة و إن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه، و كذا إذا أسلم الرجل قبل الزوال و بعده.
و ظاهر هذه العبارة الوجوب، و هي عين عبارة كتاب الفقه الرضوي، و بها عبر أبوه في رسالته أيضا كما نقله في المختلف، و الأصحاب بهذه العبارة نسبوا إليهما القول بامتداد وقت الوجوب إلى الزوال كما سيأتي ذكره إن شاء اللّٰه تعالى، إلا أنه في كتاب من لا يحضره الفقيه صرح هنا بالاستحباب فقال: و إن ولد لك مولود يوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه الفطرة استحبابا و إن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه، و كذلك الرجل إذا أسلم قبل الزوال أو بعده فعلى هذا، و هذا على الاستحباب و الأخذ بالأفضل فأما الواجب فليست الفطرة إلا على من أدرك الشهر، روى ذلك علي بن أبي حمزة عن معاوية بن عمار. و ساق الرواية المتقدم نقلها عنه، و حينئذ فيحتمل حمل عبارة المقنع على ذلك و إن كان الأقرب إبقاء تلك العبارة على ظاهرها فيكون قولا آخر له في المسألة.
الفصل الثاني- في بيان ما يجب إخراجه من الأجناس و بيان مقداره
، و الكلام في هذا الفصل يقع في مقامين:
[المقام] الأول- في الجنس الواجب إخراجه
و قد اختلفت فيه كلمة الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) فنقل عن علي بن بابويه في رسالته و ولده في مقنعه و هدايته و ابن‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة.

278
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الأول في الجنس الواجب إخراجه ج 12 ص 278

أبي عقيل في متمسكه أن صدقة الفطرة صاع من حنطة أو صاع من شعير أو صاع من تمر أو صاع من زبيب. و ظاهر هذا الكلام وجوب الاقتصار على هذه الأربعة و قال الشيخ في الخلاف: يجوز إخراج صاع من الأجناس السبعة: التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير و الأرز و الأقط و اللبن، للإجماع على إجزاء هذه و ما عداها ليس على جوازه دليل. و في المبسوط الفطرة صاع من التمر أو الزبيب أو الحنطة و الشعير أو الأرز أو الأقط أو اللبن. و هذا يشعر بوجوب الاقتصار على هذه السبعة.
و قال الشيخ المفيد في المقنعة: باب ماهية زكاة الفطرة و هي فضلة أقوات أهل الأمصار على اختلاف أقواتهم في النوع من التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير و الأرز و الأقط و اللبن فيخرج أهل كل مصر فطرتهم من قوتهم. و بمثل هذه العبارة عبر السيد المرتضى (رضي اللّٰه عنه) إلا أنه لم يذكر الأرز. و قال ابن الجنيد يخرجها من وجبت عليه من أغلب الأشياء على قوته حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا أو سلتا أو ذرة. و به قال أبو الصلاح و ابن إدريس. و قال المحقق في المعتبر: و الضابط إخراج ما كان قوتا غالبا كالحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الأرز و الأقط و اللبن و هو مذهب علمائنا. و نحو ذلك كلام العلامة في المنتهى و الشهيد و هو المشهور بين المتأخرين، و هو يرجع إلى كلام الشيخ في الخلاف و المبسوط من التخصيص بالأجناس السبعة من حيث إنها هي القوت الغالب كما سيأتي تحقيقه إن شاء اللّٰه تعالى و قال السيد السند في المدارك: و المعتمد وجوب إخراج الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الأقط خاصة. و هذا القول يرجع إلى القول الأول في الأجناس الأربعة و يزيد عليه بالأقط خاصة.
و منشأ هذا الاختلاف اختلاف الأخبار بحسب الظاهر و ها أنا أتلوها عليك:
فمنها-
ما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان الجمال «1» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه
______________________________
(1) التهذيب ج 1 ص 371 و في الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة، و الشيخ يرويه عن الكليني.

279
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الأول في الجنس الواجب إخراجه ج 12 ص 278

عليه السلام عن الفطرة؟ فقال على الصغير و الكبير و الحر و العبد، عن كل إنسان صاع من بر أو صاع من تمر أو صاع من زبيب».
و في الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام «1» قال: «سألته عن الفطرة كم يدفع عن كل رأس من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب؟
قال صاع بصاع النبي صلى اللّٰه عليه و آله».
و في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «صدقة الفطرة على كل رأس من أهلك: الصغير و الكبير و الحر و المملوك و الغني و الفقير، عن كل إنسان نصف صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين».
و في الصحيح عن عبد اللّٰه بن ميمون عن أبي عبد اللّٰه عن أبيه (عليهما السلام) «3» قال: «زكاة الفطرة صاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير أو صاع من أقط عن كل إنسان حر أو عبد صغير أو كبير، و ليس على من لا يجد ما يتصدق به حرج».
و في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» قال: «يعطي أصحاب الإبل و البقر و الغنم في الفطرة من الأقط صاعا».
أقول: و على هذه الروايات اعتمد صاحب المدارك لصحة أسانيدها حيث إنه يدور مدار الأسانيد صحة و ضعفا و لكن فيه ما سيأتي بيانه إن شاء اللّٰه تعالى.
و منها-
ما رواه في الكافي عن يونس عن من ذكره عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «5» قال: «قلت له جعلت فداك هل على أهل البوادي الفطرة؟ قال فقال الفطرة على كل من اقتات قوتا فعليه أن يؤدي من ذلك القوت».
و ما رواه في التهذيب عن زرارة و ابن مسكان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «6» قال
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.
(2) الوسائل الباب 3 و 6 من زكاة الفطرة.
(3) الوسائل الباب 5 و 2 من زكاة الفطرة.
(4) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.
(5) الوسائل الباب 8 من زكاة الفطرة.
(6) الوسائل الباب 8 من زكاة الفطرة.

280
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الأول في الجنس الواجب إخراجه ج 12 ص 278

«الفطرة على كل قوم من ما يغذون عيالاتهم من لبن أو زبيب أو غيره».
و ما رواه الشيخ في التهذيب عن إبراهيم بن محمد الهمداني «1» قال: «اختلفت الروايات في الفطرة فكتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام أسأله عن ذلك فكتب إن الفطرة صاع من قوت بلدك: على أهل مكة- و اليمن و الطائف و أطراف الشام و اليمامة و البحرين و العراقين و فارس و الأهواز و كرمان- تمر، و على أهل أوساط الشام زبيب، و على أهل الجزيرة و الموصل و الجبال كلها بر أو شعير، و على أهل طبرستان الأرز، و على أهل خراسان البر إلا أهل مرو و الري فعليهم الزبيب، و على أهل مصر البر، و من سوى ذلك فعليهم ما غلب قوتهم، و من سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط. و الفطرة عليك و على سائر الناس. الحديث».
و زاد شيخنا المفيد في المقنعة في الخبر بعد قوله «فعليهم الأقط»: «و من عدم الأقط من الأعراب و وجد اللبن فعليه الفطرة منه» و يحتمل أن تكون هذه الزيادة من كلامه (قدس سره).
أقول: و بهذه الأخبار الأخيرة أخذ من قال بالقول المشهور و ضم إليها الأخبار الأول بحمل ما ذكر فيها على جهة التمثيل لا الحصر كما توهمه من خالف في المسألة، و صاحب المدارك لما كان اختياره يدور مدار صحة الأسانيد اختار ما دلت عليه تلك الأخبار الأولة و أجاب عن ما عداها بضعف الإسناد و عدم صلاحيته لمعارضة تلك الأخبار.
و أنت خبير بأن من لا يعتمد على هذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب من الصلاح فالظاهر عنده هو حمل ما ذكره من الأخبار على ما ذكره، و لهذا اختلفت الأخبار في ذكر هذه الأجناس بالزيادة و النقصان و التبديل و التغيير، فنقص من صحيحة صفوان الشعير و من صحيحة عبد اللّٰه بن ميمون البر و زيد الأقط‌
و في صحيحة أبي عبد الرحمن الحذاء و هو أيوب بن عطية عن أبي عبد اللّٰه
______________________________
(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الفطرة.

281
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الأول في الجنس الواجب إخراجه ج 12 ص 278

عليه السلام «1» «أنه ذكر صدقة الفطرة أنها تجب. إلى أن قال صاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير أو صاع من ذرة».
فنقص من هذه الرواية البر و زيد الذرة، و كان الواجب عليه أن يعد الذرة أيضا لصحة الخبر و لعله لم يقف عليه.
و في صحيحة معاوية بن وهب «2» «جرت السنة بصاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير».
و قد ترك الحنطة مع أنه في مقام البيان لما جرت به السنة.
و في رواية عبد اللّٰه بن المغيرة «3» قال: «يعطى من الحنطة صاع و من الشعير صاع و من الأقط صاع».
و في صحيحة الحلبي «4» «صاع من تمر أو نصف صاع من بر».
و في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان «5» «صاع من حنطة أو صاع من شعير».
إلى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع.
و لو لا الحمل على ما ذكرناه من مجرد التمثيل و ذكر الأفراد في الجملة لكانت هذه الأخبار مختلفة متضادة، إذ كل منها ورد في مقام البيان لما يجب إخراج الفطرة منه، و حينئذ فتحمل تلك الأخبار على ما حملنا عليه هذه لاختلافها كما عرفت بالزيادة و النقصان و التغيير و التبديل، على أن صحيحة سعد بن سعد ليست واضحة الدلالة على ما ادعاه فإن الأجناس المذكورة إنما ذكرت في السؤال، و صحيحة معاوية بن عمار بالدلالة على القول المشهور أشبه، لأن تخصيص أصحاب الإبل و الغنم بالأقط مشعر بأن ذلك من حيث كونه هو القوت الغالب عندهم كما تضمنه آخر رواية الهمداني.
و بذلك يظهر قوة القول المشهور بين المتقدمين و المتأخرين و انطباق الأخبار عليه، و يضعف ما اعتمد عليه و صار إليه و إن تبعه فيه من تبعه من غير تأمل و لا تدبر في المقام. و منه يظهر أن جميع الأخبار كلها متفقة الدلالة على القول المشهور بحمل مطلقها على مقيدها و مجملها على مفصلها. و اللّٰه العالم.
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.
(2) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.
(3) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.
(4) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.
(5) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة.

282
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

فوائد ج 12 ص 283

[فوائد]
ثم إن في هذا المقام فوائد‌
الأولى [ما يجوز إخراجه في الفطرة أصلا و ما لا يجوز إلا بالقيمة]
- قد ذكر الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) أنه لا يجوز إخراج ما عدا الأجناس المتقدم ذكرها من كونها أربعة أو سبعة أو خمسة أو القوت الغالب إلا بالقيمة، إلا أن كلامهم في هذا المقام مع اختيارهم القول المشهور لا يخلو من اضطراب.
قال المحقق في المعتبر: الركن الثاني في جنسها و قدرها، و الضابط إخراج ما كان قوتا غالبا كالحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الأرز و الأقط و اللبن و هو مذهب علمائنا. ثم قال بعد ذلك قال الشيخ في الخلاف: لا يجزئ الدقيق و السويق من الحنطة و الشعير على أنهما أصل و يجزئان بالقيمة. ثم نقل عن بعض فقهائنا قولا بجواز إخراجهما أصالة و قال: الوجه ما ذكره الشيخ في الخلاف، لأن النبي صلى اللّٰه عليه و آله نص على الأجناس المذكورة فيجب الاقتصار عليها أو على قيمتها. ثم قال بعد ذلك: و لا يجزئ الخبز على أنه أصل و يجزئ بالقيمة و قال شاذ منا يجزئ لأن نفعه معجل، و ليس بوجه لاقتصار النص على الأجناس المعينة فلا يصار إلى غيرها إلا بالقيمة. انتهى. أقول: و مراده بالبعض المخالف في كل من الموضعين هو ابن إدريس.
و نحوه قال العلامة في المنتهى حيث قال: البحث الثالث في قدرها و جنسها، ثم قال: الجنس ما كان قوتا غالبا كالحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الأرز و الأقط و اللبن ذهب إليه علماؤنا أجمع. ثم استدل على كل من هذه الأجناس بما تقدم من الروايات إلى أن قال: قال الشيخ في الخلاف لا يخرج الدقيق. إلى آخر ما تقدم نقله في عبارة المعتبر. ثم نقل عن أبي حنيفة و أحمد جواز إخراج هذه الأشياء أصلا لا قيمة «1» قال و به قال ابن إدريس منا. ثم قال: و الأقرب ما قاله الشيخ، لنا أن المنصوص الأجناس المعدودة فيقتصر عليها. إلى أن قال أيضا: و في إجزاء الخبز على أنه أصل لا قيمة تردد أقربه عدم الإجزاء خلافا لابن إدريس. إلى أن قال‌
______________________________
(1) المغني ج 3 ص 63 و بدائع الصنائع ج 2 ص 72.

283
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأولى ما يجوز إخراجه في الفطرة أصلا و ما لا يجوز إلا بالقيمة ج 12 ص 283

لنا أن النص يتناول الأجناس المعينة فلا يصار إلى غيرها إلا بدليل و لم يقع على المتنازع فيه دليل، و القياس على الطعام ضعيف. و نحوه كلامه في المختلف أيضا.
و أنت خبير بأن الظاهر من هذا الكلام- و نحوه أيضا من ما تقدم من عبارة الشيخ المفيد و السيد المرتضى و الشيخ في كتابي الخلاف و المبسوط حيث اختاروا القول بوجوب الزكاة من القوت الغالب و فسروه بهذه السبعة- أنه ليس المراد بالقوت الغالب مطلقا بل ما كان غالبا من هذه الأفراد المنصوصة، و كأنه بناء منهم على أن غالب الأقوات هي هذه السبعة و أن النصوص إنما وردت بها من حيث كونها كذلك، و هو يرجع إلى ما حققناه سابقا من أن ما اشتمل من النصوص على فردين أو ثلاثة أو أربعة زيادة و نقصانا و تغييرا و تبديلا إنما خرجت مخرج التمثيل و هو وجه الجمع بين روايات المسألة، و حيث كانت هذه الأشياء المذكورة ليست مذكورة في النصوص فلا يجوز إخراجها أصلا بل قيمة، إلا أن المحقق في الشرائع قد نص على كون الدقيق و الخبز من ما يخرج أصلا لا قيمة حيث قال:
و الضابط إخراج ما كان قوتا غالبا كالحنطة و الشعير و دقيقهما و خبزهما و التمر و الزبيب و الأرز و اللبن و من غير ذلك يخرج بالقيمة السوقية. و مثله العلامة في القواعد أيضا حيث قال: المطلب الثالث في الواجب و هو صاع من ما يقتات به غالبا كالحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الأرز و اللبن و الأقط و الدقيق و الخبز أصلا و يخرج من غيرها بالقيمة السوقية.
ثم إن هنا روايات أخر غير ما تقدم مشتملة على زيادة على السبعة المذكورة مثل‌
صحيحة محمد بن مسلم «1» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول الصدقة لمن لا يجد الحنطة و الشعير يجزئ عنه القمح و العدس و الذرة نصف صاع من ذلك كله. الحديث».
و ما رواه في الفقيه «2» مرسلا قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام من لم يجد الحنطة
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.
(2) ج 2 ص 115 و في الوسائل الباب 8 من زكاة الفطرة.

284
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأولى ما يجوز إخراجه في الفطرة أصلا و ما لا يجوز إلا بالقيمة ج 12 ص 283

و الشعير أجزأ عنه القمح و السلت و العلس و الذرة».
و رواية الفضلاء عن الباقر و الصادق (عليهما السلام) «1» قالوا: «سألناهما عن زكاة الفطرة قالا صاع من تمر أو زبيب أو شعير أو نصف ذلك كله حنطة أو دقيق أو سويق أو ذرة أو سلت. الحديث».
و ظاهر الأصحاب الجواب عن هذه الأفراد الزائدة إما بالحمل على القيمة أو الحمل على عدم إمكان الإخراج من تلك الأجناس، و يؤيد الثاني صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة و مرسلة الفقيه، و أما الأول فمحل إشكال كما سيأتي بيانه إن شاء اللّٰه تعالى قالوا: و السلت إن كان نوعا من الشعير فلا بأس بإخراجه أصالة و إلا تعين أن يكون بالقيمة. و الظاهر أن منشأ هذه التأويلات التعويل على الإجماع المدعى على السبعة المذكورة كما عرفت.
بقي الكلام في ما لو كان غالب القوت غير هذه السبعة المذكورة، و ظاهر كلامهم المتقدم عدم الإجزاء لخروجه عن المنصوص من تلك الأفراد كما ردوا به كلام ابن إدريس في الدقيق و الخبز، إلا أن الأقرب الإجزاء عملا بعموم الأخبار المتقدمة‌
من قوله عليه السلام في رواية زرارة و ابن مسكان «2» «الفطرة على كل قوم من ما يغذون عيالاتهم من لبن أو زبيب أو غيره».
و قوله في مرسلة يونس «3» «الفطرة على كل من اقتات قوتا فعليه أن يؤدي من ذلك القوت».
و قوله في رواية الهمداني «و من سوى ذلك فعليهم ما غلب قوتهم».
و حينئذ فتحمل أخبار السبعة على ما إذا كانت هي القوت الغالب.
نعم يبقى الكلام في الدليل على ما ذكروه من جواز جعل ما عدا هذه الأجناس قيمة عن الواجب و سيأتي الكلام فيه.
ثم إنه ينبغي أن يعلم أنه ليس مرادهم بالقوت الغالب من هذه السبعة يعني‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.
(2) الوسائل الباب 8 من زكاة الفطرة.
(3) الوسائل الباب 8 من زكاة الفطرة.

285
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأولى ما يجوز إخراجه في الفطرة أصلا و ما لا يجوز إلا بالقيمة ج 12 ص 283

باعتبار كل بلدة و ما غلب على قوتها بل مرادهم هذه الأجناس مطلقا، فلو كان غالب قوت أهل بلد التمر مثلا لم يتعين عليهم التمر بل يجوز لهم إخراج غيره من هذه الأفراد المتقدمة، و بذلك صرح العلامة في المنتهى و المحقق في المعتبر.
و من ما حققناه في المقام يتضح لك ما في اعتراض السيد السند في المدارك على كلام المحقق المتقدم نقله عن المعتبر حيث نقله (قدس سره) كما نقلناه و قال بعد نقله: هذا كلامه (قدس سره) و هو جيد لكنه رجوع عن ما أفهمه ظاهر كلامه في الضابط الذي ذكره أولا، اللّٰهمّ إلا أن يقال بانحصار القوت الغالب في هذه الأنواع السبعة و هو بعيد. انتهى. فإن فيه أنه لا بعد فيه بل هو الظاهر كما لا يخفى على من لاحظ البلدان في كل قطر و مكان، و هذا الكلام كما عرفت ليس مختصا بالمحقق المذكور بل هو ظاهر جملة من المتقدمين و المتأخرين كما عرفت، و منهم شيخه المحقق الأردبيلي أيضا في شرح الإرشاد حيث قال: أما الجنس فهو ما كان قوتا غالبا كالحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الأرز و الأقط و اللبن. و قد عرفت نقل العلامة في المنتهى و المحقق في المعتبر الإجماع على ذلك، و مثلهما عبارة الشيخ في الخلاف، و حينئذ فلا معنى لاستبعاده ذلك إلا أن يكون غفلة عن مراجعة كلامهم في المقام.
و كيف كان فالأحوط الاقتصار على الحنطة و الشعير في البلدان التي يكون مدار أهلها عليهما و التمر في البلدان التي يكون مدار أهلها عليه و هكذا غيرها من الأجناس المنصوصة التي يكون مدار أهل تلك البلاد عليها.
الثانية [أفضل ما يخرج في الفطرة]
- اختلف الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في أفضل ما يخرج في الزكاة فقال ابنا بابويه و الشيخان و ابن أبي عقيل إن أفضل ما يخرج التمر قال الشيخ ثم الزبيب، و هو قول ابن البراج في كامله و المحقق في شرائعه، و في الشرائع: و يليه أن يخرج كل إنسان ما يغلب على قوته. و قال ابن البراج في المهذب: التمر و الزبيب هو أفضل ما يخرج في الفطرة. و قال سلار: فأما ما يخرج في الفطرة فأفضله أقوات أهل البلاد من التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير و الأرز و الأقط و اللبن، إلا أنه‌

286
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثانية أفضل ما يخرج في الفطرة ج 12 ص 286

إن اتفق أن يكون في بلد بعض هذه الأشياء أغلى سعرا و هو موجود فإخراجه أفضل ما لم يجحف، و روي أن التمر أفضل. و قال الشيخ في المبسوط: الأفضل أن يخرج من قوته أو ما هو أغلى منه، و أفضل ما يخرجه التمر. و قال الشيخ في الخلاف:
المستحب ما يكون غالبا على قوت البلد، و هو ظاهر اختيار المحقق في المعتبر حيث قال بعد أن اختار في صدر المسألة إن الأفضل التمر ثم ساق الأقوال. إلى أن قال:
و قال آخرون ما يغلب على قوت البلد و لعل هذا أجود لرواية العسكري عليه السلام المتضمنة لتمييز الفطرة و ما يستحب أن يخرجه أهل كل إقليم.
و الذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة‌
ما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «التمر في الفطرة أفضل من غيره لأنه أسرع منفعة و ذلك أنه إذا وقع في يد صاحبه أكل منه».
و ما رواه عن زيد الشحام «2» قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام لأن أعطي صاعا من تمر أحب إلي من أن أعطي صاعا من ذهب في الفطرة».
و ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا «3» قال: «قال الصادق عليه السلام لأن أعطي في الفطرة صاعا من تمر أحب إلي من أعطي صاعا من تبر».
و ما رواه الشيخ عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» قال: «سألته عن صدقة الفطرة؟ قال عن كل رأس من أهلك صاع» و قد تقدم إلى أن قال في آخره:
«و قال التمر أحب إلي فإن لك بكل تمرة نخلة في الجنة».
و ما رواه عن منصور بن خارجة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «5» قال: «سألته عن صدقة الفطرة؟ قال صاع من تمر أو نصف صاع من حنطة أو صاع من شعير و التمر أحب إلي».
______________________________
(1) الوسائل الباب 10 من زكاة الفطرة.
(2) الوسائل الباب 10 من زكاة الفطرة.
(3) الوسائل الباب 10 من زكاة الفطرة.
(4) الوسائل الباب 5 و 10 من زكاة الفطرة.
(5) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.

287
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثانية أفضل ما يخرج في الفطرة ج 12 ص 286

و ما رواه في الموثق عن إسحاق بن عمار «1» قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن صدقة الفطرة؟ قال التمر أفضل».
و ما رواه في الصحيح عن الحلبي «2» في حديث في صدقة الفطرة بعد ذكر الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب قال: «و قال التمر أحب ذلك إلي».
و ما رواه عن إسحاق بن المبارك عن أبي إبراهيم عليه السلام «3» في حديث في الفطرة قال: «صدقة التمر أحب إلي لأن أبي عليه السلام كان يتصدق بالتمر. ثم قال: و لا بأس أن يجعلها فضة و التمر أحب إلي».
و ما رواه الشيخ المفيد في المقنعة مرسلا «4» قال: «سئل الصادق عليه السلام عن الأنواع أيها أحب إليك في الفطرة؟ فقال أما أنا فلا أعدل عن التمر للسنة شيئا».
و أنت خبير بأنه لا معدل بعد هذه الأخبار عن القول الأول و لعل من أضاف الزبيب إلى التمر أو جعله بعده في المرتبة اعتمد على التعليل الذي في صحيحة هشام المتقدمة فإنه يقتضي مساواة الزبيب للتمر في ذلك، و فيه ما فيه. و أما من ذهب إلى القوت الغالب فالظاهر أنه اعتمد على رواية الهمداني المتقدمة كما يدل عليه كلام المحقق في المعتبر، و مثلها في ذلك رواية يونس المتقدمة أيضا و رواية ابن مسكان المتقدمة أيضا. و الجمع بين الأخبار يقتضي حمل ما اشتملت عليه هذه الروايات من القوت الذي يقتاتون به على المرتبة الثانية في الفضل بعد التمر كما دلت عليه عبارة الشرائع المتقدمة.
الثالثة [جواز إخراج القيمة عن ما وجب من الفطرة]
- الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في جواز إخراج القيمة السوقية عن ما وجب من الفطرة سواء وجدت الأنواع المنصوصة أم لم توجد.
و على ذلك دلت الأخبار المستفيضة: و منها-
ما رواه الصدوق في الصحيح
______________________________
(1) الوسائل الباب 10 من زكاة الفطرة.
(2) الوسائل الباب 6 و 10 من زكاة الفطرة.
(3) الوسائل الباب 10 من زكاة الفطرة.
(4) الوسائل الباب 10 من زكاة الفطرة.

288
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالثة جواز إخراج القيمة عن ما وجب من الفطرة ج 12 ص 288

عن محمد بن إسماعيل بن بزيع «1» قال: «بعثت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام بدراهم لي و لغيري و كتبت إليه أخبره أنها من فطرة العيال فكتب عليه السلام إلي بخطه: قبضت».
و ما رواه الكليني في الصحيح عن أيوب بن نوح «2» قال: «كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام إن قوما سألوني عن الفطرة و يسألوني أن يحملوا قيمتها إليك و قد بعثت إليك هذا الرجل عام أول و سألني أن أسألك فأنسيت ذلك و قد بعثت إليك العام عن كل رأس من عيالي بدرهم على قيمة تسعة أرطال بدرهم فرأيك جعلني اللّٰه فداك في ذلك؟ فكتب عليه السلام الفطرة قد كثر السؤال عنها و أنا أكره كل ما أدى إلى الشهرة فاقطعوا ذكر ذلك و اقبض ممن دفع لها و أمسك عن من لم يدفع».
و ما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد في الصحيح «3» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يكون عنده الضيف. إلى أن قال: و سألته يعطي الرجل الفطرة دراهم ثمن التمر و الحنطة فيكون أنفع لأهل بيت المؤمن؟ قال لا بأس».
و موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» قال: «لا بأس بالقيمة في الفطرة».
و موثقته الأخرى «5» قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن الفطرة؟ قال الجيران أحق بها و لا بأس أن تعطي قيمة ذلك فضة».
و موثقته الأخرى أيضا «6» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن تعجيل الفطرة بيوم؟ فقال لا بأس به. قلت فما ترى أن نجمعها و نجعل قيمتها ورقا و نعطيها رجلا واحدا مسلما؟ قال لا بأس به».
و رواية إسحاق بن عمار الصيرفي «7» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام جعلت فداك ما تقول في الفطرة يجوز أن أؤديها فضة بقيمة هذه الأشياء التي سميتها؟
______________________________
(1) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة.
(2) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة.
(3) الوسائل الباب 5 و 9 من زكاة الفطرة.
(4) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة.
(5) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة.
(6) الوسائل الباب 12 و 9 من زكاة الفطرة.
(7) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة.

289
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالثة جواز إخراج القيمة عن ما وجب من الفطرة ج 12 ص 288

قال نعم إن ذلك أنفع له يشتري ما يريد».
و رواية سليمان بن حفص المروزي «1» قال: «سمعته يقول إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة. و الصدقة بصاع من تمر أو قيمته في تلك البلاد دراهم».
و رواية أبي علي بن راشد «2» قال: «سألته عن الفطرة لمن هي؟ قال للإمام.
قال قلت له فأخبر أصحابي؟ قال: نعم من أردت أن تطهره منهم. و قال: لا بأس بأن تعطي و تحمل ثمن ذلك ورقا».
إذا عرفت ذلك فاعلم أن ظاهر كلام الأصحاب و به صرح الشيخ (قدس سره) هو جواز إخراج القيمة نقدا كانت أو جنسا كما ينادي به كلامهم في المسألة المتقدمة من أنه يجوز إخراج ما عدا الأجناس المنصوصة بالقيمة، قال الشيخ في المبسوط: يجوز إخراج القيمة عن أحد الأجناس التي قدرناها سواء كان الثمن سلعة أو حبا أو خبزا أو ثيابا أو دراهم أو شيئا له ثمن بقيمة الوقت. و لا يخفى أن الأخبار التي قدمناها كلها متفقة الدلالة في كون القيمة المرخص فيها إنما هي من النقد خاصة، نعم موثقة إسحاق بن عمار الأولى مطلقة و حملها على غيرها من الأخبار متعين، و يؤيده أن المتبادر من لفظ القيمة إنما هو النقد سيما مع وجود التعليل الدال على ذلك في بعضها. و إلى التخصيص بالنقد يميل كلام ابن إدريس كما نقله عنه في المختلف، و إليه يميل كلام المحقق الأردبيلي (قدس سره) في شرح الإرشاد، و هو الظاهر و العلامة في المختلف- بعد أن نقل كلام الشيخ المتقدم و كلام ابن إدريس عليه و نزاعه للشيخ- اختار كلام الشيخ (قدس سره) و استدل عليه بأدلة أظهرها موثقة إسحاق بن عمار المشار إليها و قد عرفت ما فيها.
و بالجملة فإني لا أعرف لهذا القول دليلا سوى الشهرة، نعم ربما يمكن الاستدلال على ذلك‌
بصحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «سألته
______________________________
(1) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة.
(2) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة.
(3) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة.

290
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالثة جواز إخراج القيمة عن ما وجب من الفطرة ج 12 ص 288

تعطى الفطرة دقيقا مكان الحنطة؟ قال: لا بأس يكون أجر طحنه بقدر ما بين الحنطة و الدقيق».
و ظاهر المحقق في المعتبر الاستدلال بهذه الرواية على ذلك حيث أنه- بعد أن نقل عن الشيخ في الخلاف أنه لا يجزئ الدقيق و السويق من الحنطة و الشعير على أنهما أصل و يجزئان بالقيمة- قال روى عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام. ثم ساق الرواية. و يظهر ذلك من العلامة في المنتهى حيث إنه نقل هذه الرواية دليلا لابن إدريس في جواز إخراج الدقيق أصلا ثم أجاب عنها بأن فيها تنبيها على اعتبار القيمة لأنه عليه السلام ذكر المساواة بين أجرة الطحن و التفاوت.
أقول: الظاهر أن معنى الرواية المذكورة هو أن السائل سأل عن إعطاء الدقيق الذي يحصل من صاع الحنطة بعد طحنه هل يجزئ عن صاع الحنطة أم لا؟
فأجاب عليه السلام أنه يجزئ لأنه تكون أجرة الطحن في مقابلة التفاوت الذي بين الحنطة و الدقيق، و لا دلالة في الرواية على كونه قيمة عن الحنطة إن كان إلا من حيث قوله «مكان الحنطة» أي عوضا عنها، و هو غير ظاهر في ذلك إذ يجوز أن يكون السائل توهم انحصار جواز الإعطاء في الحنطة دون دقيقها فأجابه عليه السلام بأنه لا ينحصر فيها بل يجزئ إعطاء الدقيق، و كونه أقل من الصاع بعد الطحن يكون في مقابلة أجرة الطحن التي دفعها المالك، و حينئذ فلا دلالة في الخبر المذكور.
و من ما ذكرنا يعلم أن ما ذكره الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في المسألة المتقدمة من جواز إخراج بعض الأجناس قيمة عن الأجناس الواجبة في الفطرة من ما لا دليل عليه سوى مجرد الشهرة بينهم.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المشهور بين الأصحاب هو إخراج القيمة بسعر الوقت، و نقل في المعتبر أن بعض الأصحاب قدرها بدرهم و آخرون بأربعة دوانيق‌
و قال الشيخ المفيد في المقنعة «1» «و سئل- يعني الصادق عليه السلام- عن القيمة مع وجود النوع فقال لا بأس بها.
و سئل عن مقدار القيمة فقال درهم في الغلاء
______________________________
(1) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة.

291
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالثة جواز إخراج القيمة عن ما وجب من الفطرة ج 12 ص 288

و الرخص. و روى إن أقل القيمة في الرخص ثلثا درهم. و ذلك متعلق بقيمة الصاع في وقت المسألة عنه، و الأصل إخراج القيمة عنها بسعر الوقت الذي تجب فيه.
انتهى و قد ورد بالدرهم‌
خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» و فيه «لا بأس أن يعطيه قيمتها درهما».
و الظاهر حمله على قيمة الوقت و أنه يومئذ كان كذلك كما يدل عليه خبر أيوب بن نوح المتقدم.
الرابعة [عدم إجزاء صاع واحد من جنسين]
- قد صرح جمع من الأصحاب بأنه لا يجزئ إخراج صاع واحد من جنسين و قيده بعضهم بما إذا كان أصالة أما بالقيمة فيجوز، و استقرب العلامة في المختلف الجواز أصالة، و الأظهر هو القول الأول لما مر في غير خبر من الأخبار المتقدمة «2» من قولهم:
«صاع من حنطة أو صاع من شعير أو صاع من تمر أو من زبيب».
و نحو ذلك، و هي صريحة في وجوب إخراج الصاع من جنس معين فلا يحصل الامتثال بدونه.
احتج العلامة بأن المطلوب شرعا إخراج الصاع و ليس تعيين الصاع معتبرا في نظر الشرع و إلا لما جاز التخيير، و لأنه يجوز إخراج الأصواع المختلفة من الشخص الواحد عن جماعة فكذا الصاع الواحد. إلى آخر كلامه الذي من هذا القبيل من ما لا يشفي العليل و لا يبرد الغليل.
المقام الثاني- في المقدار [الواجب في الفطرة]
، الظاهر أنه لا خلاف بين أصحابنا (رضوان اللّٰه عليهم) في أن القدر الواجب في زكاة الفطرة صاع و هو قول أكثر العامة أيضا «3» و يدل على ذلك أخبار كثيرة مستفيضة قد تقدم كثير منها لا ضرورة إلى إعادته و لا التطويل بنقل غيرها.
نعم قد ورد بإزائها ما يدل على خلافها مثل‌
ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي «4» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن صدقة الفطرة؟ فقال على كل من يعول الرجل. إلى أن قال: صاع من تمر أو نصف صاع من بر، و الصاع أربعة أمداد».
______________________________
(1) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة.
(2) ص 279 و 280.
(3) المغني ج 3 ص 57.
(4) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.

292
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثاني في المقدار الواجب في الفطرة ج 12 ص 292

و عن عبد اللّٰه بن سنان في الصحيح عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» «في صدقة الفطرة؟
فقال: تصدق عن جميع من تعول. إلى أن قال: على كل إنسان نصف صاع من حنطة أو صاع من تمر أو صاع من شعير، و الصاع أربعة أمداد».
و في صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السلام) «2» «أنهما قالا: على الرجل أن يعطي عن كل من يعول. إلى أن قالا: فإن أعطى تمرا فصاع لكل رأس و إن لم يعط تمرا فنصف صاع لكل رأس من حنطة أو شعير و الحنطة و الشعير سواء ما أجزأ عنه الحنطة فالشعير يجزئ عنه».
و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «صدقة الفطرة على كل رأس من أهلك. إلى أن قال: عن كل إنسان نصف صاع من حنطة أو شعير و الحنطة و الشعير سواء ما أجزأ عنه الحنطة فالشعير يجزئ».
قال الشيخ (قدس سره) في كتابي الأخبار: هذه الأخبار و ما يجري مجراها خرجت مخرج التقية و وجه التقية فيها أن السنة كانت جارية في إخراج الفطرة بصاع من كل شي‌ء فلما كان زمن عثمان و بعده في أيام معاوية جعل نصف صاع من حنطة بإزاء صاع من تمر و تابعهم الناس على ذلك «4» فخرجت هذه الأخبار وفاقا لهم على جهة التقية انتهى. و هو جيد.
و يدل عليه‌
ما رواه في التهذيب عن سلمة أبي حفص عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «5» قال: «صدقة الفطرة على كل صغير و كبير. إلى أن قال: صاع من تمر أو صاع
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.
(2) الوسائل الباب 12 و 6 من زكاة الفطرة.
(3) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة. و ليس قوله: «و الحنطة و الشعير. إلى آخره» جزء من هذه الصحيحة و إنما هو جزء من الصحيحة المتقدمة فقط كما في التهذيب ج 1 ص 369 و الإستبصار ج 2 ص 42 و الوافي- باب من تجب عنه الفطرة و من لا تجب- و الوسائل.
(4) سنن البيهقي ج 4 ص 165 و نيل الأوطار ج 4 ص 190 و المغني ج 3 ص 58.
(5) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.

293
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثاني في المقدار الواجب في الفطرة ج 12 ص 292

من شعير أو صاع من زبيب، فلما كان زمن عثمان حوله مدين من قمح».
أقول: القمح بالقاف و الحاء المهملة الحنطة كما هو المعروف من اللغة و العرف إلا إن صحيحة محمد بن مسلم و كذا مرسلة الفقيه المتقدمتين في الفائدة الأولى من الفوائد الملحقة بالمقام الأول «1» يشعران بخلاف ذلك، و مثلهما في روايات العامة «2» إلا أن روايات العامة قابلة للتأويل.
و ما رواه في الصحيح عن أبي عبد الرحمن الحذاء عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» «أنه ذكر صدقة الفطرة. إلى أن قال صاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير أو صاع من ذرة، فلما كان زمن معاوية و خصب الناس عدل الناس ذلك إلى نصف صاع من حنطة».
و عن إبراهيم بن أبي يحيى عن أبي عبد اللّٰه عن أبيه (عليهما السلام) «4» «أن أول من جعل مدين من الزكاة عدل صاع من تمر عثمان».
و عن معاوية بن وهب في الصحيح «5» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول في الفطرة: جرت السنة بصاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير فلما كان زمن عثمان و كثرت الحنطة قومه الناس فقال نصف صاع من بر بصاع من شعير».
و عن ياسر القمي عن الرضا عليه السلام «6» قال: «الفطرة صاع من حنطة و صاع من شعير و صاع من تمر و صاع من زبيب و إنما خفف الحنطة معاوية».
و المفهوم من هذه الأخبار أن الحنطة كانت في الصدر الأول قليلة و أنهم إنما يخرجون الزكاة من التمر أو الزبيب أو الشعير، و لما كان زمان عثمان و كثرت الحنطة فأرادوا إعطاء الزكاة منها و كان قيمتها ضعف قيمة الشعير قوموها و وازنوا قيمة الصاع من الشعير بنصف الصاع من الحنطة فأعطوا من الحنطة نصف صاع، و بعد‌
______________________________
(1) ص 284.
(2) سنن البيهقي ج 4 ص 167 و نيل الأوطار ج 4 ص 193.
(3) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.
(4) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.
(5) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.
(6) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.

294
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثاني في المقدار الواجب في الفطرة ج 12 ص 292

موت عثمان و رجوع الخلافة إلى مقرها و مستقرها انتسخت تلك البدعة، و لما انتقلت إلى معاوية أحيى سنة عثمان، و من أجل ذلك نسب ذلك في بعض الأخبار إلى عثمان و في بعض إلى معاوية، و وجه الجمع ما ذكرناه.
و روى المحقق في المعتبر مرسلا عن أمير المؤمنين عليه السلام «1» «أنه سئل عن الفطرة فقال: صاع من طعام. فقيل أو نصف صاع؟ فقال بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمٰانِ» «2».
بقي الكلام في أنه قد ورد النصف في غير الحنطة أيضا في الأخبار المتقدمة و هو غير قابل لهذا التأويل لإطباق الكل على خلافه، و الشيخ قد أورد الأخبار المتضمنة لذلك فقال إنها محمولة على التقية «3» و استدل بالأخبار الواردة في الحنطة خاصة، و لم أر من تعرض للجواب عن ذلك بوجه.
و أما قدر الصاع فقد تقدم بيانه في الزكاة المالية.
ثم إن الشيخ و جماعة من الأصحاب قد ذكروا أنه يجزئ من اللبن أربعة أرطال، و مستندهم في ذلك إلى‌
ما رواه الشيخ عن القاسم بن الحسن رفعه إلى أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» قال: «سئل عن الرجل في البادية لا يمكنه الفطرة؟ قال يتصدق بأربعة أرطال من لبن».
و رواه الكليني في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه رفعه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «5».
و لا يخفى أن الخروج عن تلك الأخبار المستفيضة بوجوب الصاع بمثل هذا الخبر الضعيف السند المجمل القابل للتأويل مشكل، فإن الأرطال فيه غير معلومة بأنها من الأرطال المدنية أو العراقية و الصاع كما تقدم ستة بالمدني و تسعة بالعراقي، و ظاهر الخبر عدم التمكن من الفطرة فيمكن حمله على الاستحباب. و احتمل بعض الأصحاب‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.
(2) سورة الحجرات الآية 12.
(3) المغني ج 3 ص 57 و نيل الأوطار ج 4 ص 193.
(4) الوسائل الباب 7 من زكاة الفطرة.
(5) الوسائل الباب 7 من زكاة الفطرة.

295
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثاني في المقدار الواجب في الفطرة ج 12 ص 292

أن وضع الأرطال هنا موضع الأمداد وقع سهوا من الراوي، و لا يخلو عن قرب بأن يكون معنى قوله: «لا يمكنه الفطرة» يعني من الغلات.
و الشيخ قد فسر الأرطال هنا بالمدنية استنادا إلى‌
ما رواه عن محمد بن أحمد عن محمد بن عيسى عن محمد بن الريان «1» قال: «كتبت إلى الرجل عليه السلام أسأله عن الفطرة و زكاتها كم تؤدى؟ فكتب أربعة أرطال بالمدني».
مع أنه بعد ذكر هذه الرواية احتمل فيها وجهين: أحدهما أن يكون أربعة أمداد فصحف الراوي، و الثاني أنه أراد أربعة أرطال من اللبن و الأقط لأن من كان قوته ذلك يجب عليه منه القدر المذكور أقول: و يحتمل أيضا تبديل الستة بالأربعة و هو الأوفق بتقييده بالمدني.
و بالجملة فالخروج عن تلك الأخبار بمثل هذين الخبرين المجملين مشكل، و لذا قال في المعتبر: و الرواية في الضعف على ما ترى.
قال في المدارك بعد نقل ذلك عن المعتبر: و كأن الوجه في ذلك إطباق الأصحاب على ترك العمل بظاهرها و إلا فهي معتبرة الإسناد. انتهى.
أقول: فيه أولا- أن الصحة على الوجه الصحيح و النهج الصريح إنما هو عبارة عن مطابقة مضمون الرواية لمقتضى الأصول و القواعد و الكتاب و السنة المستفيضة و اتفاق الأصحاب و نحو ذلك صح سندها باصطلاحه أو ضعف، و الصحة باعتبار الأسانيد كما عليه أصحاب هذا الاصطلاح إنما هي صحة مجازية و إلا فالواجب عليه القول بمضمون هذه الرواية لصحة سندها و اعتباره عنده و إن أطبق الأصحاب على ترك العمل بها و لا أراه يتفوه به، و مثل ذلك في الأخبار من ما صح سنده و أعرض الأصحاب عنه كثير كما لا يخفى على المتتبع.
و ثانيا- أنه لا يخفى أن محمد بن عيسى في سند الخبر مشترك بين العبيدي و الأشعري و هو دائما يعد حديث العبيدي في الضعيف و يرد حديثه كما عليه أكثر أصحاب هذا الاصطلاح فكيف يدعي إن الرواية معتبرة الإسناد؟
______________________________
(1) الوسائل الباب 7 من زكاة الفطرة.

296
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الفصل الثالث في وقت وجوبها ج 12 ص 297

الفصل الثالث- في وقت وجوبها
و البحث في هذا الفصل يقع في مواضع:
[الموضع] الأول- في مبدأ وقت الوجوب
، و قد اختلف الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في ذلك، فقيل إنها تجب بغروب شمس آخر يوم من شهر رمضان، و هو المنقول عن الشيخ في الجمل و الاقتصاد و هو اختيار ابن حمزة و ابن إدريس و به صرح المحقق في المعتبر و الشرائع و العلامة في المنتهى و المختلف و سائر كتبه و اختاره شيخنا الشهيد الثاني في المسالك، و الظاهر أنه هو المشهور بين المتأخرين، و قيل إن أول وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم الفطر، كذا قاله ابن الجنيد و اختاره المفيد في المقنعة و الرسالة الغرية و السيد المرتضى و أبو الصلاح و ابن البراج و سلار و ابن زهرة، كذا نقله عنهم في المختلف، و إلى هذا القول مال السيد السند في المدارك. و نقل في المختلف أيضا عن ابني بابويه أنهما قالا: و إن ولد لك مولود يوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه الفطرة و إن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه، و كذا إذا أسلم الرجل قبل الزوال أو بعده. و هذه العبارة مشعرة بامتداد وقت الوجوب إلى الزوال كما فهمه الأصحاب منها و نسبوه إليهما، قال شيخنا الشهيد في البيان: و يظهر من ابني بابويه أن تجدد الشرائط ما بين طلوع الفجر إلى الزوال مقتضية للوجوب كما لو أسلم الكافر أو تجدد الولد. أقول: و العبارة المنقولة عنهما عبارة كتاب الفقه الرضوي «1».
و الظاهر عندي هو القول الأول، و يدل عليه‌
ما رواه في الفقيه عن علي بن أبي حمزة عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» «في المولود يولد ليلة الفطر و اليهودي و النصراني يسلم ليلة الفطر؟ قال ليس عليهم فطرة. ليس الفطرة إلا على من أدرك الشهر».
و ما رواه الشيخ في التهذيب و الكليني في الصحيح عن معاوية بن عمار أيضا «3» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن مولود ولد ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال لا قد
______________________________
(1) ص 25.
(2) الوسائل الباب 11 من زكاة الفطرة.
(3) الوسائل الباب 11 من زكاة الفطرة.

297
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الموضع الأول في مبدأ وقت الوجوب ج 12 ص 297

خرج الشهر. و سألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال لا».
احتج في المدارك على القول الثاني حيث إنه هو المعتمد عنده فقال: لنا- أن الوجوب في هذا الوقت متحقق و قبله مشكوك فيه فيجب الاقتصار على المتيقن.
و ما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم «1» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الفطرة متى هي؟ فقال قبل الصلاة يوم الفطر. قلت فإن بقي منه شي‌ء بعد الصلاة؟ قال لا بأس نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقى فنقسمه».
و في الصحيح عن معاوية بن عمار عن إبراهيم بن ميمون «2» قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام الفطرة إن أعطيت قبل أن تخرج إلى العيد فهي فطرة و إن كانت بعد ما تخرج إلى العيد فهي صدقة».
و الجواب: أما عن الأول فبأن ما ادعاه- من أن الوجوب قبل الوقت الذي ذكره مشكوك فيه- محل منع فإنه بعد قيام الدليل الصحيح الصريح عليه لا شك فيه و لا مرية تعتريه.
و أما عن الروايتين المذكورتين فإن موردهما إنما هو وقت الإخراج لا وقت الوجوب، و هاهنا شيئان وقت وجوب الفطرة و تعلقها بالذمة و اشتغالها بها و وقت وجوب إخراجها و محل البحث هو الوقت الأول، و قد دل الخبران الأولان على أن وجوبها منوط بمن يمضي عليه جزء من شهر رمضان و يهل عليه هلال شوال مستكملا لشروط الوجوب، كالمولود يولد و الكافر يسلم و العبد يشترى و الفقير يصير غنيا و الصغير يبلغ و المعال يبقى في العيلولة و نحو ذلك من الفروع التي يتفرع على ذلك، و لو لم يتجدد شي‌ء من هذه المذكورات إلا بعد الهلال فإنه لا يتعلق به الوجوب بنص الخبرين المذكورين. و أما وقت وجوب الإخراج فالمفهوم من الأخبار كالخبرين المذكورين أنه قبل الصلاة، و قيل قبل الزوال بناء على حمل الصلاة‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 12 من زكاة الفطرة.
(2) الوسائل الباب 12 من زكاة الفطرة.

298
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الموضع الأول في مبدأ وقت الوجوب ج 12 ص 297

في الأخبار على وقت الصلاة و أن وقتها ممتد إلى الزوال. و فيه ما سيأتي بيانه إن شاء اللّٰه تعالى.
و من العجب أنه مع تصلبه في اصطلاحه و رده الأخبار الضعيفة و الطعن فيها يستدل هنا برواية إبراهيم بن ميمون و يصفها بالصحة باعتبار صحة السند إليه حيث إنه أراد الاستدلال بها مع رده لها في ثالث هذه المقالة- في مسألة انتهاء وقت الفطرة- بجهالة الراوي «1».
و أما ما أجاب به عن صحيحة معاوية بن عمار لما نقلها دليلا للقول الأول- حيث قال: و عن الرواية أنها إنما تدل على وجوب الإخراج عن من أدرك الشهر لا على أن أول وقت الإخراج الغروب و أحدهما غير الآخر. انتهى- فلا يخفى ما فيه على المتأمل فإن محل النزاع و محط البحث كما عرفت إنما هو في بيان وقت وجوب الفطرة و تعلقها بالمكلف و إخراجها عن نفسه و من يعوله و قد اعترف بدلالة الرواية عليه، و ليس محل النزاع وقت وجوب الإخراج كما يعطيه كلامه حتى إنه بمنع دلالة الرواية على ذلك يسقط الاستدلال بها.
و هذا ظاهر كتب الأصحاب كالمعتبر و المنتهى و المختلف و غيرها فإن خلاف ابن الجنيد و من معه في المسألة إنما هو في أصل تعلق الوجوب بالمكلف عن نفسه أو غيره، و لهذا إن العلامة في المختلف قد استدل لهم بصحيحة العيص بن القاسم بالتقريب الذي ذكره العامة في روايتهم المطابقة للصحيحة المذكورة.
و بيانه أن المحقق (قدس سره) في المعتبر- بعد أن ذكر أنه تجب الفطرة بغروب الشمس آخر يوم من شهر رمضان- قال: و قال ابن الجنيد و جماعة من الأصحاب تجب بطلوع الفجر يوم العيد و به قال أبو حنيفة‌
لما رواه ابن عمر «2»
______________________________
(1) سيأتي نقل ذلك عنه في الموضع الثاني ص 302.
(2) سنن البيهقي ج 4 ص 174 و نيل الأوطار ج 4 ص 191 و المغني ج 3 ص 67.

299
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الموضع الأول في مبدأ وقت الوجوب ج 12 ص 297

«أن النبي صلى اللّٰه عليه و آله كان يأمرنا أن نخرج الفطرة قبل الخروج إلى المصلى».
و هو لا يأمر بتأخير الواجب عن وقته. ثم إن المحقق استدل على ما قدمه بما ذكره الشارح هنا من الدليل العقلي ثم صحيحة معاوية بن عمار، ثم قال: و حجة أبي حنيفة ضعيفة لاحتمال أن يكون الأفضل إخراجها قبل الصلاة. و قوله: «لا يأمر بالتأخير عن وقت الوجوب» قلنا: متى إذا لم يشتمل التأخير على مصلحة أم إذا اشتمل؟ و هنا التأخير مشتمل على مصلحة لأنه يجمع فيه بين إيتاء الزكاة و الصلاة كما تؤخر المغرب لمن أفاض من عرفة إلى المشعر ليجمع بينها و بين العشاء و إن كان التقديم جائزا، و لأن حاجة الفقير إليها نهارا فكان دفعها في وقت الحاجة أفضل من دفعها ليلا. و قوله:
«كان يأمر بإخراج الزكاة قبل الخروج» لا يدل على أن ذلك الوقت وقت الوجوب بإجماع الناس لأن الصلاة لا تكون إلا بعد طلوع الشمس و انبساطها و الوجوب عنده يتحقق مع طلوع الفجر فقد صارت حجته غير دالة على موضع النزاع. انتهى.
و لم ينقل في المقام دليل لمذهب ابن الجنيد من طرق الأصحاب، و في المختلف استدل لهم بصحيحة العيص بهذا التقريب و رده بما ذكره في المعتبر و إن كان بطريق أخصر.
و حينئذ فقد علم من ذلك أن مدلول الرواية و موردها إنما هو بيان وقت الإخراج، و لكنهم إنما استدلوا بها على تعلق أصل الوجوب من حيث قبح التأخير عن وقت الوجوب، فهو إنما أمر بالإخراج في هذا الوقت لأنه هو الوقت الذي تعلق فيه الوجوب بالمكلف.
و بذلك يظهر لك صحة ما قلناه و هو أن أصل المسألة و محل البحث و الخلاف إنما هو في وقت تعلق الوجوب لا وقت الإخراج كما يعطيه كلامه.
و لهذا إن الشيخ و كذلك المحقق في المعتبر و الشرائع و العلامة في كتبه فرعوا على ما اختاروه من تعلق الوجوب بغروب شمس آخر نهار يوم من شهر رمضان فروعا: منها- لو وهبه عبدا قبل الهلال و لم يقبض، و منها- لو أوصى له بعبد‌

300
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الموضع الأول في مبدأ وقت الوجوب ج 12 ص 297

و مات الموصي فإن قبل قبل الهلال فعليه فطرته و إن قبل بعده قال الشيخ لم يلزم أحدا فطرته لأنه ليس ملكا لأحد، و منها- لو مات و عليه دين و له عبد ففطرته في تركته، و لو مات قبل الهلال لم يلزم أحدا فطرته لأنه ليس ملكا لأحد. و هذا كما ترى كله ظاهر في أن محل البحث إنما هو أصل تعلق الوجوب لا وجوب الإخراج و بالجملة فكلامه هنا وقع على سبيل الاستعجال و عدم التأمل في المقام.
الموضع الثاني- في آخر وقت وجوب الإخراج
، و قد اختلف فيه كلام الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) فذهب الأكثر و منهم الشيخ المفيد و ابنا بابويه و السيد المرتضى و سلار و أبو الصلاح و المحقق في المعتبر إلى التحديد بصلاة العيد، و نسب في التذكرة إلى علمائنا أنه يأثم بالتأخير عن صلاة العيد، و قال في المنتهى:
لا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد اختيارا فإن أخرها أثم و به قال علماؤنا أجمع.
إلا أنه قال بعد ذلك بأسطر قليلة: الأقرب عندي هو جواز تأخيرها عن الصلاة و تحريم التأخير عن يوم العيد. و ظاهره امتداد وقتها إلى آخر النهار، قال في المدارك: و لا يخلو من قوة. و استقربه أيضا الفاضل الخراساني في الذخيرة و قيل بالتحديد إلى الزوال، و نقل عن ابن الجنيد حيث قال أول وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم الفطر و آخره زوال الشمس منه، و استقربه في المختلف و اختاره في البيان و الدروس.
و الذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالمسألة: منها- رواية إبراهيم بن ميمون المتقدمة «1» الدالة على أنه إن أعطيت قبل أن يخرج إلى العيد فهي فطرة و إن كان بعد ما يخرج إلى العيد فهي صدقة.
و ما رواه الكليني بسند ليس فيه من ما ربما يطعن به إلا رواية محمد بن عيسى عن يونس عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» في حديث قال فيه:
«و إعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل و بعد الصلاة صدقة».
______________________________
(1) الوسائل الباب 12 من زكاة الفطرة.
(2) الوسائل الباب 12 من زكاة الفطرة.

301
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الموضع الثاني في آخر وقت وجوب الإخراج ج 12 ص 301

و ما رواه الشيخ في صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السلام) «1» أنهما قالا: «على الرجل أن يعطي عن كل من يعول من حر و عبد و صغير و كبير يعطي يوم الفطر قبل الصلاة فهو أفضل، و هو في سعة أن يعطيها من أول يوم يدخل من شهر رمضان إلى آخره».
و ما رواه السيد رضي الدين بن طاوس في كتاب الإقبال «2» قال: «روينا بإسنادنا إلى أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: ينبغي أن يؤدي الفطرة قبل أن يخرج الناس إلى الجبانة فإذا أداها بعد ما يرجع فإنما هي صدقة و ليست فطرة».
و ما رواه العياشي في تفسيره عن سالم بن مكرم الجمال عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «أعط الفطرة قبل الصلاة و هو قول اللّٰه عز و جل وَ أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ «4» و إن لم يعطها حتى ينصرف من صلاته فلا تعد له فطرة».
و ما ذكره عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي «5» قال: «و هي زكاة إلى أن تصلي صلاة العيد فإن أخرجتها بعد الصلاة فهي صدقة».
و ما رواه الشيخ عن سليمان بن حفص المروزي «6» قال: «سمعته يقول إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة. الحديث».
و هذه الأخبار كما ترى ظاهرة الدلالة واضحة المقالة في القول الأول، و صاحب المدارك إنما استدل لهذا القول برواية إبراهيم بن ميمون ثم طعن فيها بجهالة الراوي مع استدلاله في المسألة السابقة بها و وصفه لها بالصحة إلى الراوي المذكور تنويها بشأنها و جبرا لنقصانها.
أقول: و لفظ «ينبغي» في رواية الإقبال بمعنى الوجوب كما هو شائع في الأخبار، و يدل عليه قوله: «فإذا أداها بعد ما يرجع فهي صدقة» و لفظ «أفضل» في صحيحة الفضلاء ليس على بابه بل هو من قبيل لفظ «أفضل» أيضا في رواية عبد اللّٰه‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 12 من زكاة الفطرة.
(2) الوسائل الباب 12 من زكاة الفطرة.
(3) الوسائل الباب 12 من زكاة الفطرة.
(4) سورة البقرة الآية 41 و 78 و 105.
(5) ص 25.
(6) الوسائل الباب 9 و 13 من زكاة الفطرة.

302
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الموضع الثاني في آخر وقت وجوب الإخراج ج 12 ص 301

ابن سنان المصرحة بأنها بعد الصلاة صدقة، غاية الأمر أنها دلت على جواز التقديم من أول الشهر رخصة أو قرضا على الخلاف الآتي بيانه إن شاء اللّٰه تعالى.
احتج العلامة في المنتهى على ما اختاره من جواز تأخيرها بعد الصلاة و تحريم التأخير عن يوم العيد‌
بصحيحة العيص بن القاسم «1» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الفطرة متى هي؟ فقال قبل الصلاة يوم الفطر. قلت فإن بقي منه شي‌ء بعد الصلاة؟ فقال لا بأس نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقى فنقسمه».
قال في المدارك بعد نقل هذه الرواية: و يدل عليه أيضا إطلاق قول الصادقين (عليهما السلام) في صحيحة الفضلاء «يعطي يوم الفطر فهو أفضل».
أقول: أما ما ذكره من الاستدلال بصحيحة الفضلاء فقد عرفت الجواب عنه، و أما صحيحة العيص فصدرها ظاهر الدلالة في القول الأول، و أما عجزها فهو محمول على العزل جمعا كما سيأتي في الأخبار «2» أنك إذا عزلتها لا يضرك متى أخرجتها. و بذلك تجتمع مع الأخبار السابقة.
و لا يخفى أنه مع العمل على ما يدعى من ظاهر هذه الرواية و هو الامتداد إلى آخر النهار يلزم منه طرح الأخبار الأولة مع كثرتها و صراحة أكثرها في المدعى و العمل بالدليلين مهما أمكن أولى من طرح أحدهما، إلا أن الأصحاب لم ينقلوا في المسألة ما نقلناه من هذه الأخبار و إنما الدائر في كلامهم الاستدلال لهذا القول برواية إبراهيم بن ميمون خاصة.
و أما ما اختاره في المختلف من الامتداد إلى الزوال فإنما استند فيه إلى صحيحة العيص بن القاسم و قوله فيها: «قبل الصلاة يوم الفطر» فحمل الصلاة على معنى وقت الصلاة، و وقت الصلاة عندهم ممتد إلى الزوال.
و فيه أولا- أنه و إن كان المشهور بينهم امتداد وقت صلاة العيد إلى الزوال إلا أنا لم نقف لهم على دليل يدل عليه غير مجرد ما يدعونه من اتفاقهم على ذلك،
______________________________
(1) الوسائل الباب 12 من زكاة الفطرة.
(2) ص 307.

303
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الموضع الثاني في آخر وقت وجوب الإخراج ج 12 ص 301

و الروايات كلها إنما دلت على أن وقتها بعد طلوع الشمس و لم نطلع على ما يدل على الامتداد إلى الزوال كما يدعونه.
و ثانيا- أن هذا التجوز و إن تم له في هذه الرواية إلا أنه لا يتم له في الروايات التي قدمناها المشتملة على التفصيل قبل الخروج إلى الصلاة و بعد الرجوع من الصلاة فإنه لا مجال لهذا التجوز بل يتعين حمل الصلاة على معناها الحقيقي.
إلا أنه‌
قد روى السيد رضي الدين بن طاوس (عطر اللّٰه مرقده) في كتاب الإقبال نقلا من كتاب عبد اللّٰه بن حماد الأنصاري عن أبي الحسن الأحمسي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «أد الفطرة عن كل حر و مملوك. إلى أن قال: قلت أ قبل الصلاة أو بعدها؟ قال: إن أخرجتها قبل الظهر فهي فطرة و إن أخرجتها بعد الظهر فهي صدقة و لا تجزئك. قلت فأصلي الفجر و أعزلها فأمكث يوما أو بعض يوم ثم أتصدق بها؟ قال لا بأس هي فطرة إذا أخرجتها قبل الصلاة. الحديث».
و الأقرب عندي أن لفظ «الظهر» في الخبر وقع سهوا من الراوي أو غلطا في النسخ و إنما هو «الصلاة» و يؤيده مفهوم قوله في آخر الخبر «هي فطرة إذا أخرجتها قبل الصلاة» الدال على أنها بعد الصلاة ليست بفطرة، و بذلك يجمع بينه و بين الأخبار المتقدمة. و بذلك يظهر لك بطلان ما عدا القول الأول الذي عليه من بينها المعول. هكذا حقق المقام و لا تصغ إلى ما زلت به أقدام أقلام أولئك الأعلام.
الموضع الثالث [هل يجوز تقديم الفطرة؟]
- اختلف الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في جواز تقديم الفطرة، و المشهور بين الأصحاب أنه لا يجوز التقديم إلا على جهة القرض ثم احتساب ذلك عن الفطرة في وقت وجوبها، ذهب إليه الشيخ المفيد في المقنعة و الشيخ في الاقتصاد و أبو الصلاح و ابن إدريس و العلامة في بعض كتبه و غيرهم، و قيل بالجواز و هو قول الشيخ في المبسوط و الخلاف و ابني بابويه، قال في المختلف:
______________________________
(1) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة.

304
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الموضع الثالث هل يجوز تقديم الفطرة ج 12 ص 304

و قال ابنا بابويه: لا بأس بإخراج الفطرة في أول يوم من شهر رمضان إلى آخره و أفضل وقتها آخر يوم من شهر رمضان، ذكره علي بن بابويه في رسالته و ابنه محمد في مقنعه و هدايته، قالا: و إن ولد لك مولود يوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه الفطرة و إن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه، و كذا إذا أسلم الرجل قبل الزوال أو بعده. و إلى القول بالجواز في المسألة مال المحقق في المعتبر أيضا و العلامة في التذكرة و المختلف و غيرهم.
أقول: لم أقف في كتب الأخبار على ما يتعلق بهذه المسألة إلا على‌
صحيحة الفضلاء المتقدمة قريبا «1» و قوله عليه السلام فيها «و هو في سعة أن يعطيها من أول يوم يدخل من شهر رمضان إلى آخره».
و أما ما نقله في المختلف عن ابني بابويه هنا فهو مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي على عادتهما الجارية من نقلهما عبارات الكتاب المذكور و الإفتاء بها على وجه يظن الناظر أنها من كلامهما.
قال عليه السلام في الكتاب المذكور «2» و إن ولد لك مولود يوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه الفطرة و إن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه، و كذا إذا أسلم الرجل قبل الزوال أو بعده فعلى هذا. و لا بأس بإخراج الفطرة في أول يوم من شهر رمضان إلى آخره، و هي زكاة إلى أن يصلي صلاة العيد فإن أخرجها بعد الصلاة فهي صدقة، و أفضل وقتها آخر يوم من شهر رمضان.
انتهى كلامه عليه السلام.
و ظاهر الخبرين المذكورين الدلالة على الجواز، و أصحاب القول الأول قد حملوا صحيحة الفضلاء على القرض.
و لم أقف على حجة للقول الأول إلا ما نقله في المختلف حيث قال: احتج المانع بأنها عبادة موقتة فلا يجوز فعلها قبل وقتها، و لأنها زكاة منوطة بوقت فلا يجوز قبله إلا على وجه القرض كزكاة المال، و لأنه لو جاز تقديمها في شهر‌
______________________________
(1) ص 302.
(2) ص 25.

305
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الموضع الثالث هل يجوز تقديم الفطرة ج 12 ص 304

رمضان لجاز قبله لاشتراكهما في المصالح المطلوبة من التقديم بل هنا أولى،
و ما رواه العيص في الصحيح «1» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الفطرة متى هي؟ فقال قبل الصلاة يوم الفطر».
ثم قال: و الجواب عن الأولين بأنا نقول بموجبه و نقول إن وقتها شهر رمضان كما تلوناه من حديث محمد بن مسلم و غيره. و عن الثالث بالفرق فإن سبب الفطرة الصوم و الفطر منه فجاز فعلها عند أحد السببين و هو دخول الصوم كما جاز عند حصول النصاب و إن لم يحصل السبب الثاني و هو الحول، بخلاف تقديمها على رمضان فإنه يكون تقديما على السببين معا و هو غير جائز، و الرواية لا تدل على منعها في غيره. انتهى.
أقول: أما الاحتجاج بأنها عبادة موقتة فهو احتجاج صحيح و الوقت المشار إليه هنا هو ما دلت عليه الأخبار التي قدمناها من كون وقتها قبل الصلاة و بعدها تصير صدقة، لأنها قد اتفقت على أن وقت إخراجها ذلك و أن التأخير إلى بعد الصلاة موجب لخروج الوقت، و إذا ثبت توقيتها بذلك امتنع تقديمها عليه لما تقدم في صحيحة عمر بن يزيد أو حسنته بإبراهيم المتقدمة في الزكاة و عدم جواز تقديمها «2» أنه ليس لأحد أن يصلي صلاة إلا لوقتها و كذلك لا يصومن أحد شهر رمضان إلا في شهره إلا قضاء، و كل فريضة إنما تؤدى إذا حلت. و نحوها صحيحة زرارة «3» و قول العلامة (قدس سره) هنا في الجواب- أن وقتها شهر رمضان استنادا إلى صحيحة الفضلاء- ليس في محله إذ لا دلالة فيها على أزيد من أنه موسع له في التقديم بعد أن ذكر أن وقتها قبل الصلاة كما قدمنا ذكره سابقا، و هذا التوسيع إما على سبيل الرخصة كما هو الأقرب أو التقديم قرضا كما ذكروه. و كذلك قوله عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي: «و لا بأس بإخراج الفطرة في أول يوم من شهر رمضان إلى آخره» مع قوله: «إنها زكاة إلى أن يصلي صلاة العيد فإن أخرجها‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 12 من زكاة الفطرة.
(2) ص 233.
(3) ص 233.

306
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الموضع الثالث هل يجوز تقديم الفطرة ج 12 ص 304

بعد الصلاة فهي صدقة» فإن ظاهره أن وقتها هو قبل الصلاة و أنه لا بأس بالتقديم و الظاهر حمله على الرخصة.
و بالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال و إن كان الأقرب هو القول الأول و حمل الخبرين المذكورين على الرخصة. و الاحتياط لا يخفى.
الموضع الرابع [جواز تأخير الفطرة إذا عزلت]
- الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في أنه متى عزل الفطرة أي عينها في مال مخصوص قبل الصلاة فإنه يجوز إخراجها حينئذ بعد ذلك و إن خرج وقتها.
و يدل عليه جملة من الأخبار: منها-
ما رواه الصدوق في الحسن بإبراهيم ابن هاشم عن صفوان عن إسحاق بن عمار «1» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الفطرة؟ قال: إذا عزلتها فلا يضرك متى أعطيتها قبل الصلاة أو بعدها. الحديث».
و ما رواه الشيخ في الموثق عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» «في الفطرة إذا عزلتها و أنت تطلب بها الموضع أو تنتظر بها رجلا فلا بأس به».
و عن إسحاق بن عمار و غيره «3» قال «سألته عن الفطرة؟ قال إذا عزلتها فلا يضرك متى أعطيتها قبل الصلاة أو بعد الصلاة».
و رواية سليمان بن حفص المروزي «4» قال: «سمعته يقول إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة. الحديث».
و في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «5» «في رجل أخرج فطرته فعزلها حتى يجد لها أهلا؟ فقال إذا أخرجها من ضمانه فقد برئ و إلا فهو ضامن لها حتى يؤديها إلى أربابها».
قال بعض الفضلاء بعد ذكر صحيحة زرارة المذكورة: و لعل المراد أنه إذا أخرج الفطرة التي عزلها إلى مستحقها فقد برئ و إلا فهو ضامن لها حتى يؤديها،
______________________________
(1) الوسائل الباب 13 من زكاة الفطرة.
(2) الوسائل الباب 13 من زكاة الفطرة.
(3) الوسائل الباب 13 من زكاة الفطرة.
(4) الوسائل الباب 13 من زكاة الفطرة.
(5) الوسائل الباب 13 من زكاة الفطرة.

307
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الموضع الرابع جواز تأخير الفطرة إذا عزلت ج 12 ص 307

بمعنى أنه مكلف بإيصالها إلى مستحقها لا كونه بحيث يضمن المثل أو القيمة مع التلف، لأنها بعد العزل تصير أمانة في يد المالك. و يحتمل إرجاع الضمير في قوله «أخرجها» إلى مطلق الزكاة و يكون المراد بإخراجها عن ضمانه عزلها، و المراد أنه إذا عزلها فقد برئ من ما عليه من التكليف بالعزل و إلا فهو ضامن لها مكلف بأدائها إلى أن يوصلها إلى أربابها. و كأن المعنى الأول أقرب. انتهى.
أقول: و يحتمل أن يكون المراد بإخراجها من ضمانه إنما هو العزل، فكأنه قال: إذا عزلها فقد برئ يعني برئت ذمته لأنها خرجت من ذمته و صارت في يده من قبيل الأمانة إلى أن يدفعها إلى أهلها. و الضمان عبارة عن شغل الذمة بها فإذا عزلها فقد برئت الذمة منها و إن لم يعزلها فالذمة مشغولة بها حتى يؤديها، غاية الأمر أنه لو خرج الوقت سقط الأداء و بقي شغل الذمة. و لعل ما ذكرناه هو الأقرب في معنى الخبر لأنه أقل تكلفا من المعنيين الأولين.
و ظاهر إطلاق كلام الأصحاب يقتضي جواز العزل و إن وجد المستحق و هو الظاهر من إطلاق الرواية الأولى و الثالثة، و لا منافاة في الخبرين الأخيرين لذلك لأنهما دلا على جواز العزل في هذه الصورة و لا دلالة فيهما على الحصر و عدم جوازه في غير ذلك. و أما اختلافهم في كون الإخراج بعد الوقت مع العزل أداء أو قضاء فلا ثمرة مهمة تتعلق به عندنا.
هذا كله على تقدير العزل و أما لو لم يعزلها و خرج الوقت الموظف لها فهل تسقط بالكلية أم لا؟ و على الثاني تعطى أداء أو قضاء؟ أقوال: أولها منقول عن الشيخ المفيد و ابني بابويه و أبي الصلاح و ابن البراج و ابن زهرة و ادعى ابن زهرة الإجماع عليه و اختاره المحقق، و القول الثاني لجملة من الأصحاب: منهم- الشيخ و العلامة و ابن إدريس و غيرهم، و المشهور بينهم أنها قضاء و نقل عن ابن إدريس أنها أداء.
احتج الأولون بما تقدم في رواية إبراهيم بن ميمون الدالة على أنها قبل الصلاة‌

308
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الموضع الرابع جواز تأخير الفطرة إذا عزلت ج 12 ص 307

زكاة و بعد الصلاة صدقة، قالوا: و التفصيل قاطع للشركة.
و العلامة حيث ذهب في المختلف إلى وجوب الإخراج و أنها تكون قضاء قال: فهنا مقامان: المقام الأول- وجوب الإخراج و الخلاف فيه مع المفيد و ابني بابويه و أبي الصلاح و ابن البراج، لنا- أنه لم يأت بالمأمور به فيبقى في عهدة التكليف إلى أن يأتي به، و لأن المقتضي للوجوب قائم و المانع لا يصلح للمانعية، أما الأول فللعموم الدال على وجوب إخراج الفطرة عن كل رأس صاع، و أما الثاني فلأن المانع ليس إلا خروج وقت الأداء لكنه لا يصلح للمعارضة إذ خروج الوقت لا يسقط الحق كالدين و زكاة المال و الخمس و غيرها،
و ما رواه زرارة في الصحيح عن الصادق عليه السلام «1» «في رجل أخرج فطرته فعزلها حتى يجد لها حتى يجد لها أهلا؟ فقال إذا أخرجها من ضمانه فقد برئ و إلا فهو ضامن لها حتى يؤديها إلى أربابها».
إلى أن قال: المقام الثاني- أنها تكون قضاء و الخلاف فيه مع ابن إدريس، لنا- أنها عبادة موقتة بوقت و قد خرج وقتها فتكون قضاء إذ المراد بالقضاء ذلك. احتج ابن إدريس بأن الزكاة المالية و الرأسية تجب بدخول وقتها فإذا دخل وجب الأداء و لا يزال الإنسان مؤديا لها لأن بعد دخول وقتها هو وقت الأداء في جميعه. و الجواب المنع لأن لوقتها طرفين أولا و آخرا بخلاف زكاة المال و لو لا ضبط أولها و آخرها لما تضيقت عند الصلاة، لأن بعد الصلاة يكون الوقت باقيا في زعمه، و لأنه لو كان الوقت باقيا لوجبت الفطرة على من بلغ بعد الزوال كما تجب الصلاة لو بلغ و الوقت باق. انتهى كلامه زيد إكرامه.
أقول: ما ذكره من الدليل في المقام الأول منظور فيه من وجوه:
أحدها- دعوى العموم الدال على وجوب إخراج الفطرة فإنه ممنوع بما اعترف به في رده على ابن إدريس من التقييد بالوقت، فوجوب إخراج الفطرة مقيد بذلك الوقت المخصوص. و بذلك يظهر بطلان قوله «لأن المقتضي للوجوب قائم».
______________________________
(1) الوسائل الباب 13 من زكاة الفطرة.

309
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الموضع الرابع جواز تأخير الفطرة إذا عزلت ج 12 ص 307

و ثانيها- قوله: «المانع لا يصلح للمانعية» فإن فيه أنه قد صرح جملة من المحققين بأن الأمر بالأداء لا يتناول القضاء بل يحتاج القضاء إلى أمر جديد. و به يظهر ما في قوله: «إذ خروج الوقت لا يسقط الحق».
و ثالثها- قياسه ذلك على الدين و الزكاة المالية و الخمس فإنه قياس محض، مع كونه قياسا مع الفارق فإن هذه الأشياء التي ذكرها ليست من قبيل الواجب الموقت بخلاف الفطرة كما عرفت.
و رابعها- أن الرواية على ما قدمناه من الاحتمالات فيها إنما تدل على وجوب الإخراج مع العزل و هو غير محل النزاع.
و أما ما ذكره في الرد على ابن إدريس فهو جيد، قال المحقق في المعتبر بعد نقل كلام ابن إدريس: و هذا ليس بشي‌ء لأن وجوبها موقت فلا يتحقق وجوبها بعد الوقت.
و بما ذكرناه يظهر أن القول بالسقوط هو الذي عليه العمل كما استفاضت به الأخبار التي قدمناها.
ثم إنه قد ذكر الأصحاب أنه لو عزلها و أخر دفعها مع الإمكان فإنه يكون ضامنا و لا معه لا يضمن، و هو من ما لا ريب فيه لأنها بعد العزل تكون أمانة في يده فلا يضمنها إلا بالتعدي أو التفريط المتحقق بتأخير الدفع إلى المستحق مع إمكانه.
و أما جواز الحمل إلى بلد آخر فهو مبني على عدم وجود المستحق في البلد فلو حمل مع وجوده كان ضامنا و لا معه لا ضمان كما تقدم في الزكاة المالية.
الفصل الرابع- في مصرفها
و المشهور في كلام الأصحاب أن مصرفها مصرف الزكاة المالية من الأصناف الثمانية.
و استدل عليه في المنتهى بأنها زكاة فتصرف إلى ما يصرف إليه سائر الزكوات و بأنها صدقة فتدخل تحت قوله تعالى «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ. الآية «1»»‌
______________________________
(1) سورة التوبة الآية 61.

310
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الفصل الرابع في مصرفها ج 12 ص 310

و ظاهرهم سقوط سهم المؤلفة و العاملين من هذه الصدقة و التخصيص بالستة الباقية، قال في المعتبر: و هي لستة أصناف: الفقراء و المساكين و الرقاب و الغارمون و سبيل اللّٰه و ابن السبيل. و قال الشيخ المفيد (قدس سره) في المقنعة: و مستحق الفطرة هو من كان على صفات مستحق الزكاة من الفقر أولا ثم المعرفة و الإيمان.
و ظاهر هذا الكلام اختصاصها بفقراء المؤمنين و مساكينهم.
و يدل عليه ظواهر جملة من الأخبار‌
كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» في حديث قال: «عن كل إنسان نصف صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين».
و رواية الفضيل عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «قلت له لمن تحل الفطرة؟
قال لمن لا يجد».
و في رواية زرارة «3» «قلت له هل على من قبل الزكاة زكاة؟ قال أما من قبل زكاة المال فإن عليه الفطرة و ليس على من قبل الفطرة فطرة».
و في رواية يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» قال: «سألته عن الفطرة من أهلها الذين تجب لهم؟ قال من لا يجد شيئا».
و كيف كان فلا ريب أن الوقوف مع ظواهر هذه الأخبار هو الأحوط.
مسائل
الأولى [هل يجوز أن يعطى الفقير أقل من صاع؟]
- المشهور بين الأصحاب أنه لا يجوز أن يعطى الفقير أقل من صاع صرح به الشيخ المفيد و ابنا بابويه و الشيخ و السيد المرتضى و ابن إدريس و ابن حمزة و سلار و ابن زهرة و العلامة و غيرهم، بل قال المرتضى في الإنتصار: من ما انفردت به الإمامية القول بأنه لا يجوز أن يعطى الفقير الواحد أقل من صاع، و باقي الفقهاء‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.
(2) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة.
(3) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة.
(4) الوسائل الباب 14 من زكاة الفطرة.

311
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأولى هل يجوز أن يعطى الفقير أقل من صاع ج 12 ص 311

يخالفون في ذلك «1».
و استدل الأصحاب على ذلك‌
بما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسين بن سعيد في الصحيح عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «لا تعط أحد أقل من رأس».
قال المحقق في المعتبر- بعد نقل مذهب الأصحاب و نقله إطباق الجمهور على خلافه و ذكر حجة الجمهور على جواز تفريق الصاع الواحد- ما صورته: فإن احتج المانعون منا‌
بما رواه أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «لا يعطى أحد أقل من رأس».
قلت: الرواية مرسلة فلا تقوى أن تكون حجة، و الأولى أن يحمل ذلك على الاستحباب تفصيا من خلاف الأصحاب و يدل على جواز الشركة‌
ما رواه إسحاق بن المبارك «4» قال: «سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن صدقة الفطرة قلت أجعلها فضة و أعطيها رجلا واحدا أو اثنين؟ قال تفريقها أحب إلي».
فأطلق استحباب التفرقة من غير تفصيل. انتهى. و تبعه في القول بالاستحباب جمع من متأخري المتأخرين: منهم- السيد السند في المدارك بل الظاهر أنه أولهم، و تبعه الفاضل الخراساني في الذخيرة.
أقول: العجب من هذا المحقق (قدس سره) و عدم وقوفه على قاعدة، فإنه في كتابه المشار إليه في غير موضع كما لا يخفى على من راجعه كثيرا ما يذكر الأخبار الضعيفة و يعمل بها مستندا إلى فتوى الأصحاب بها و قولهم بمضمونها فكيف خالف نفسه هنا؟ و الحال أنه لا مخالف في الحكم قبله كما هو صريح كلام العلامة في المختلف حيث قال- بعد أن نقل عن ظاهر الشيخ في التهذيب الاستحباب- ما صورته:
لنا- أنه قول فقهائنا و لم نقف لهم على مخالف فوجب المصير إليه، و ما رواه أحمد بن محمد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: «لا تعط أحدا أقل من رأس»‌
______________________________
(1) المغني ج 3 ص 79.
(2) الوسائل الباب 16 من زكاة الفطرة.
(3) الوسائل الباب 16 من زكاة الفطرة.
(4) التهذيب ج 1 ص 373 و في الوسائل الباب 9 و 16 من زكاة الفطرة باختلاف في اللفظ.

312
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأولى هل يجوز أن يعطى الفقير أقل من صاع ج 12 ص 311

(لا يقال) هذا الحديث مرسل فلا نعمل عليه (لأنا نقول) الحجة في قول الفقهاء فإنه يجري مجرى الإجماع، و إذا تلقت الأمة الخبر بالقبول لم يحتج إلى سند. ثم نقل احتجاج الشيخ برواية إسحاق بن المبارك المذكورة في كلام المحقق و أنه عليه السلام أطلق استحباب التفرقة من غير تفصيل. ثم قال: و الجوب أنه ليس دالا على المطلوب إذ لا تقدير فيه لإعطاء الفقير، و ترك التفصيل لا يدل على صورة النزاع بالخصوص إذا قام هناك معارض.
قال الشيخ في الإستبصار: يحتمل هذا الحديث أشياء: منها- أن جواز التفريق في حال التقية لأن مذهب جميع العامة يوافق ذلك و لا يوافقنا على وجوب إعطاء رأس لرأس واحد. و منها- أنه ليس في الخبر تجويز تفريق رأس واحد فيجوز أن يكون إشارة إلى من وجبت عليه عدة أصواع. و منها- أن عند اجتماع المحتاجين و أن لا يكون هناك ما يفرق عليهم يجوز تفريق الرأس الواحد. و كلامه (قدس سره) هنا يدل على وجوب إعطاء رأس الرأس و لم يتعرض للتأويل بالاستحباب كما ذكره في التهذيب. و ما ذكره من المحامل الثلاثة جيد و لا سيما المحملين الأولين.
ثم العجب أيضا من المحقق و من تبعه في المقام أنه مع ثبوت تعارض الخبرين المذكورين و اعترافهم بإطباق العامة على جواز التشريك في صاع كيف عملوا بخبر التشريك الموافق للعامة و اطرحوا ما قابله ردا على أئمتهم في ما وضعوه لهم من القواعد عند اختلاف الأخبار و هو عرض الخبرين على مذهب العامة و الأخذ بما خالفهم كما استفاضت به نصوصهم «1» فليت شعري لمن أخرجت هذه الأخبار و من خوطب بها غيرهم و هم قد ألقوها وراء ظهورهم؟ فتراهم في جميع أحكام الفقه لا يلمون بشي‌ء من تلك القواعد بل مهدوا لأنفسهم قاعدة الجمع بين الأخبار بالكراهة و الاستحباب التي لم يرد بها سنة و لا كتاب، نسأل اللّٰه تعالى المسامحة لنا و لهم من هفوات الأقلام و زلات الأقدام.
______________________________
(1) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي و ما يجوز إن يقضي به.

313
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأولى هل يجوز أن يعطى الفقير أقل من صاع ج 12 ص 311

هذا. و ما علل به مصيره إلى الاستحباب من التفصي من خلاف الأصحاب فهو أوهن من بيت العنكبوت و أنه لأوهن البيوت، و أي مخرج له في القول بالاستحباب عن مخالفة الأصحاب إذا كان القول بالاستحباب مؤذنا بجواز التشريك في صاع و الأصحاب قائلون بتحريم التشريك فأي تفص هنا من خلافهم؟ ما هذا إلا عجيب منه و ممن تبعه في هذا الباب.
قال الصدوق (قدس سره) في كتاب من لا يحضره الفقيه- بعد نقل رواية إسحاق بن عمار الدالة على أنه لا بأس أن يعطي الرجل الرجل عن رأسين و ثلاثة و أربعة يعني في الفطرة- ما صورته: و في خبر آخر «لا بأس بأن تدفع عن نفسك و عن من تعول إلى واحد و لا يجوز أن تدفع ما يلزم واحدا إلى نفسين» و هذه العبارة كملا نقلها في الوسائل على أنها من الخبر المشار إليه، و صاحب الوافي نقلها إلى ما قبل قوله «و لا يجوز» بناء على أن «و لا يجوز» من كلام المصنف و هو الظاهر إلا أن هذه العبارة إنما أخذها المصنف من كتاب الفقه الرضوي و أفتى بها كما عرفت في غير موضع منه و من أبيه في رسالته إليه،
حيث قال عليه السلام «1» «و لا يجوز إن تدفع ما يلزم واحدا إلى نفسين».
و أما العبارة التي قبلها في الفقيه فلم يتعرض لها عليه السلام في الكتاب، و حينئذ فتكون هذه الرواية عاضدة لمرسلة الحسين بن سعيد المتقدمة صريحة في التحريم. و بذلك يظهر أن الأصح هو القول المشهور و أن من خالف في ذلك فهو مجرد اجتهاد في مقابلة النصوص.
الثانية [هل يجوز دفع الفطرة إلى المستضعف؟]
- اختلف الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في جواز دفع الفطرة إلى غير المؤمن من المستضعفين، فقيل بعدم الجواز و هو مذهب الشيخ المفيد و المرتضى و ابن الجنيد و ابن إدريس و جمع من الأصحاب، و قيل بالجواز ذهب إليه الشيخ و أتباعه.
و الذي يدل على الأول‌
صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا
______________________________
(1) ص 25.

314
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثانية هل يجوز دفع الفطرة إلى المستضعف ج 12 ص 314

عليه السلام «1» قال: «سألته عن الزكاة هل توضع في من لا يعرف؟ قال لا و لا زكاة الفطرة».
و ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن عيسى «2» قال: «كتب إليه إبراهيم ابن عقبة يسأله عن الفطرة كم هي برطل بغداد عن كل رأس؟ و هل يجوز إعطاؤها غير مؤمن؟ فكتب عليه السلام. إلى أن قال: و لا ينبغي لك أن تعطي زكاتك إلا مؤمنا».
و ما رواه الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا بأسانيده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام «3»: «أنه كتب إلى المأمون: و زكاة الفطرة فريضة. إلى أن قال: و لا يجوز دفعها إلا إلى أهل الولاية».
و يدل على الثاني‌
ما رواه الصدوق في الصحيح عن علي بن يقطين «4» «أنه سأل أبا الحسن الأول عليه السلام عن زكاة الفطرة أ يصلح أن تعطى الجيران و الظئورة ممن لا يعرف و لا ينصب؟ قال لا بأس إذا كان محتاجا».
و ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن عيسى «5» قال: «حدثني علي بن بلال- و أراني قد سمعته من علي بن بلال- قال: كتبت إليه هل يجوز أن يكون الرجل في بلدة و رجل من إخوانه في بلدة أخرى محتاج أن يوجه له فطرة أم لا؟ فكتب يقسم الفطرة على من حضر و لا يوجه ذلك إلى بلدة أخرى و إن لم يجد موافقا».
و عن الفضيل في الموثق عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «6» قال: «كان جدي عليه السلام يعطي فطرته الضعفة و من لا يجد و من لا يتولى. قال و قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: هي لأهلها إلا أن لا تجدهم فإن لم تجدهم فلمن لا ينصب، و لا تنقل من أرض إلى أرض.
و قال: الإمام أعلم يضعها حيث يشاء و يصنع فيها ما يرى».
و عن إسحاق بن عمار في الموثق عن أبي إبراهيم عليه السلام «7» قال: «سألته عن
______________________________
(1) الوسائل الباب 5 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.
(3) الوسائل الباب 14 من زكاة الفطرة.
(4) الوسائل الباب 15 من زكاة الفطرة.
(5) الوسائل الباب 15 من زكاة الفطرة.
(6) الوسائل الباب 15 من زكاة الفطرة.
(7) الوسائل الباب 15 من زكاة الفطرة.

315
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثانية هل يجوز دفع الفطرة إلى المستضعف ج 12 ص 314

صدقة الفطرة أعطيها غير أهل ولايتي من فقراء جيراني؟ قال: نعم الجيران أحق بها لمكان الشهرة».
و رواية مالك الجهني «1» قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن زكاة الفطرة فقال: تعطيها المسلمين فإن لم تجد مسلما فمستضعفا».
أقول: هذا ما وقفت عليه من أخبار المسألة من ما يتعلق بكل من القولين، و الجمع بينها ممكن بأحد وجهين: أما حمل الأخبار الأخيرة على التقية كما يشير إليه قوله عليه السلام في موثق إسحاق بن عمار «الجيران أحق بها لمكان الشهرة» أي خوف أن يشهروه و يطعنوا عليه بالرفض إذا لم يعطهم، و أما حملها على ما إذا لم يجد المؤمن كما يشعر به قوله عليه السلام في رواية الفضيل «هي لأهلها إلا أن لا تجدهم».
و يمكن أن يقال إن موثقة إسحاق بن عمار ليس فيها تصريح بكون الدفع إلى المستضعف و إنما تضمنت غير أهل الولاية، فيمكن حملها على النصاب و أنه يجوز الدفع تقية سيما من حيث كونهم جيرانا و خوف الشهرة، و حينئذ فتخرج هذه الرواية عن محل البحث و ينحصر الجمع بين أخبار المسألة في الوجه الثاني و هو إذا لم يجد المؤمن.
قال في المعتبر بعد نقل أخبار الطرفين: و الرواية المانعة أشبه بالمذهب لما قررته الإمامية من تضليل مخالفيها في الاعتقاد و ذلك يمنع الاستحقاق. انتهى أقول: ينبغي أن يعلم أن المراد بالمستضعف هنا هو الجاهل بالإمامة و هؤلاء في وقت الأئمّة (عليهم السلام) أكثر الناس لاستفاضة الأخبار عنهم (عليهم السلام) بتقسيم الناس يومئذ إلى مؤمن و كافر و مستضعف «2» و المراد بالمؤمن هو المقر بإمامة الأئمّة (عليهم السلام) و الكافر هو المنكر لها و هم المرادون بالنصاب، و الأولان من أهل الوعدين بالجنة و النار و الثالث من المرجئين لأمر‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 15 من زكاة الفطرة.
(2) الأصول ج 2 ص 401 إلى 408.

316
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثانية هل يجوز دفع الفطرة إلى المستضعف ج 12 ص 314

اللّٰه إما يعذبهم و إما يتوب عليهم، و هؤلاء مسلمون يجوز مناكحتهم و موارثتهم و يحكم بطهارتهم و حقن أموالهم و دمائهم، و يفهم من بعض الأخبار أنهم يدخلون الجنة بعفو اللّٰه من حيث عدم إنكارهم الإمامة و نصبهم، فلا استبعاد في ما دلت عليه هذه الأخبار من جواز إعطائهم من الفطرة مع عدم المؤمن. إلا أن هذا الفرد من الناس في هذه الأوقات الأخيرة بعد عصرهم (عليهم السلام) و ما قاربه من ما لا يكاد يوجد لاشتهار صيت الإمامة و الخلاف فيها بين الأمة. و لتحقيق هذا المقام محل آخر و قد أودعناه كتابنا الموسوم بالشهاب الثاقب في معرفة الناصب و ما يترتب عليه من المطالب.
الثالثة [هل الاعتبار في دفع فطرة السيد إلى مثله بالمعيل أو المعال؟]
- قد تقدم في الباب الأول تحريم الصدقة الواجبة على بني هاشم إلا في حال الضرورة أو صدقة بعضهم على بعض، و الحكم في الفطرة كذلك أيضا لدخولها في عموم تلك الأخبار من غير خلاف يعرف.
نعم يبقى الكلام هنا في شي‌ء لم أقف على من تعرض للتنبيه عليه و هو أنه لو كانت الفطرة واجبة على عامي لعيلولته جماعة من السادة أو سيد لعيلولته جماعة من غير السادة فهل الاعتبار هنا في جواز دفع الزكاة للسيد بناء على جواز أخذه زكاة مثله بالمعيل أو المعال؟ فعلى الأول يجوز في الصورة الثانية دون الأولى و على الثاني يجوز في الأولى دون الثانية.
و الذي يقرب عندي هو أن الاعتبار بالمعال لأنه هو الذي تضاف إليه الزكاة فيقال فطرة فلان و إن وجب إخراجها عنه على غيره لمكان العيلولة و أضيفت إليه أيضا من هذه الجهة و إلا فهي أولا و بالذات إنما تضاف إلى المعال.
و من ما يؤيد ما قلناه‌
قول الصادق عليه السلام «1» لمعتب «اذهب فأعط عن عيالنا الفطرة و أعط عن الرقيق و اجمعهم و لا تدع منهم أحدا فإنك إن تركت منهم إنسانا تخوفت عليه الفوت».
فإنه ظاهر كما ترى في كون الزكاة الواجب عليه عليه السلام‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة.

317
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالثة هل الاعتبار في دفع فطرة السيد إلى مثله بالمعيل أو المعال ج 12 ص 317

إخراجها إنما هي زكاة الغير و فطرته و هم عياله و إنما وجبت عليه من حيث العيلولة فهي منسوبة إليهم و متعلقة بهم و لهذا خاف عليهم الفوت مع عدم إخراجها عنهم.
و نحو ذلك‌
صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع «1» قال: «بعثت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام بدراهم لي و لغيري و كتبت إليه أخبره أنها من فطرة العيال فكتب بخطه: قبضت و قبلت».
و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «صدقة الفطرة على كل رأس من أهلك: الصغير و الكبير و الحر و المملوك و الغني و الفقير، عن كل إنسان نصف صاع. الحديث».
و معنى قوله: «على كل رأس» إما بمعنى عن كل رأس أو بمعنى ثبوتها على كل رأس و إن كان وجوب الإخراج على المعيل من حيث العيلولة لا من حيث إن أصل الوجوب متعلق به.
و بالجملة فالمفهوم من هذه الأخبار أن هذه الزكاة التي وجب على المعيل دفعها إنما هي زكاة المعال و إن تعلقت به من حيث العيلولة، و لهذا لو سئل عن تفصيلها لقال هذه زكاتي و هذه زكاة زوجتي و هذه زكاة ابني و هذه زكاة خادمي و نحو ذلك.
و من ما يؤيد ما قلناه‌
ما ورد من العلة في تحريم الزكاة على بني هاشم من إن الزكاة أوساخ الناس «3».
إشارة إلى قوله عز و جل «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» «4» فكأنها مثل الماء الذي يغسل به الثوب الوسخ فينتقل الوسخ إلى الماء، و هذا المعنى إنما يناسب المعال من جهة حديث معتب الدال على أن من لم يخرج عنه الزكاة يخاف عليه الموت، فهي في قوة المطهرة له و الدافعة للبلاء عنه و لا مدخل للمعيل في ذلك.
______________________________
(1) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة.
(2) الوسائل الباب 5 و 6 من زكاة الفطرة.
(3) الوسائل الباب 29 من المستحقين للزكاة، و المحلى ج 6 ص 146 و بدائع الصنائع ج 2 ص 49 و المغني ج 2 ص 655 و المجموع ج 6 ص 227 و نيل الأوطار ج 4 ص 182.
(4) سورة التوبة الآية 105.

318
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالثة هل الاعتبار في دفع فطرة السيد إلى مثله بالمعيل أو المعال ج 12 ص 317

و نظير هذه المسألة ما تقدم في دفع المقرض زكاة مال القرض عن المقترض بشرط كان أو تبرعا، و كذا شرط دفع زكاة قيمة المبيع كما في حديثي الباقر عليه السلام مع هشام بن عبد الملك «1» فإن الاعتبار بمن وجبت عليه و هو المقترض و البائع لا بمن وجب عليه إعطاؤها بالشرط أو التبرع، و لا فرق بين ما نحن فيه و بين صورة الشرط إلا من حيث إن وجوب الدفع هنا من حيث العيلولة و ثمة من حيث الشرط و إلا فأصل الزكاة إنما تعلق بالمعال في ما نحن فيه و بالمشترط ثمة.
(لا يقال) إن في المعال من لا يجب عليه الإخراج مثل الصغير و العبد و الفقير (لأنا نقول) الوجوب في ما نحن فيه نوع آخر غير وجوب الإخراج على من استكمل الشرائط المقررة في محلها، و لا يلزم في من وجب الإخراج عنه أن يكون ممن يجب الإخراج عليه لو لا العيلولة، و ذلك فإنه بالعيلولة حصل هنا أمران: أحدهما تعلق الزكاة بالمعال، و الآخر وجوب الإخراج على المعيل، إذ لا يعقل وجوب الإخراج عن أحد ما لم يستقر على المخرج عنه و يثبت عليه.
و كيف كان فالمسألة لخلوها عن النص الصريح من ما ينبغي أن لا يترك فيها الاحتياط. و اللّٰه العالم.
الرابعة [هل يجب حمل الفطرة إلى الإمام أو نائبه؟]
- المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) استحباب حملها إلى الإمام عليه السلام مع وجوده و مع عدمه فإلى فقهاء الإمامية المستكملين لشروط النيابة عنه عليه السلام و ظاهر كلام الشيخ المفيد (قدس سره) في المقنعة الوجوب، و استدل الأصحاب على ما ذكروه بأنهم أبصر بمواقعها، و لأن في ذلك جمعا بين براءة الذمة و أداء الحق. و الأظهر في الاستدلال على ذلك ما تقدم‌
في رواية علي بن أبي راشد «2» قال: «سألته عن الفطرة لمن هي؟ قال للإمام. قال: فقلت فأخبر أصحابي؟ قال نعم من أردت تطهيره منهم. الحديث».
و قوله عليه السلام: «من أردت‌
______________________________
(1) ص 42، و الثاني مع سليمان بن عبد الملك.
(2) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة. و اللفظ «من أردت أن تطهره منهم».

319
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابعة هل يجب حمل الفطرة إلى الإمام أو نائبه ج 12 ص 319

تطهيره منهم» إشارة إلى الآية «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» «1» و ما تقدم في سابق هذه المسألة من قوله عليه السلام في رواية الفضيل: «الإمام أعلم يضعها حيث يشاء و يصنع فيها ما يرى» و أما ما ذكره شيخنا المفيد فترده الأخبار الدالة على تولي المالك صرفها بنفسه أو نائبه.
كتاب الخمس و ما يتبعه
و فيه فصول‌
[الفصل] الأول- في ما يجب فيه الخمس
، و ظاهر كلام جملة من الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) حصره في سبعة: غنائم دار الحرب و المعادن و الكنوز و الغوص و المكاسب و أرض الذمي التي اشتراها من مسلم و الحرام المختلط بالحلال، قال في المدارك: و هذا الحصر استقرائي مستفاد من تتبع الأدلة الشرعية و ذكر الشهيد في البيان أن هذه السبعة كلها مندرجة في الغنيمة.
و يدل عليه صريحا‌
قوله عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي «2» بعد ذكر الآية و هي قوله عز و جل: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ. الآية» «3»: «و كل ما أفاده الناس فهو غنيمة لا فرق بين الكنوز و المعادن و الغوص. إلى آخره».
و سيأتي نقله بتمامه إن شاء اللّٰه تعالى في الفصل الثاني.
و ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة «4» قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخمس فقال في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير».
و ما رواه فيه و في التهذيب عن حكيم مؤذن بني عبس «5» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن قول اللّٰه تعالى:
______________________________
(1) سورة التوبة الآية 105.
(2) مستدرك الوسائل الباب 6 من ما يجب فيه الخمس.
(3) سورة الأنفال الآية 43.
(4) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس.
(5) الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام.

320
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الفصل الأول في ما يجب فيه الخمس ج 12 ص 320

وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ «1» فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام بمرفقيه على ركبتيه ثم أشار بيده ثم قال: هي و اللّٰه الإفادة يوما بيوم إلا أن أبي جعل شيعته في حل ليزكيهم».
و صحيحة علي بن مهزيار الطويلة عن الجواد عليه السلام «2» و ستأتي إن شاء اللّٰه تعالى بطولها في موضعها، و هي متضمنة لتفسير الآية بذلك، إلى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع.
و حينئذ فالكلام في هذا الفصل يقع في مقامات سبعة‌
[المقام] الأول- في غنائم دار الحرب
، قالوا: و هي ما حواه العسكر و ما لم يحوه من أرض و غيرها ما لم يكن غصبا من مسلم أو معاهد قليلا كان أو كثيرا، و نقل عن الشيخ المفيد في المسائل الغرية أنه قال: و الخمس واجب في ما يستفاد من غنائم الكفار و الكنوز و العنبر و الغوص، فمن استفاد من هذه الأربعة الأصناف عشرين دينارا أو ما قيمته ذلك كان عليه أن يخرج منه الخمس. و ظاهره أنه لا بد من بلوغ قيمة الغنيمة عشرين دينارا فما زاد أو كونها كذلك.
و المشهور ما تقدم، و هو ظاهر إطلاق الأدلة و منها الآية الشريفة، و منها‌
قوله عليه السلام في مرسلة حماد الطويلة «3»- و ستأتي إن شاء اللّٰه تعالى في موضعها- «الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم و الغوص و من الكنوز و من المعادن. الحديث».
و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان «4» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة».
و صحيحة ربعي بن عبد اللّٰه بن الجارود عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «5» قال: «كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له ثم يقسم ما بقي خمسة
______________________________
(1) سورة الأنفال الآية 43.
(2) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس.
(3) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.
(4) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس.
(5) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.

321
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الأول في غنائم دار الحرب ج 12 ص 321

أخماس. الحديث».
و سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى في محله، إلى غير ذلك من الأخبار الآتية إن شاء اللّٰه تعالى.
و لم نقف للشيخ المفيد (رضي اللّٰه عنه) هنا على دليل.
ثم إن ما دل عليه صحيحة عبد اللّٰه بن سنان من حصر الخمس في الغنائم قد حمله الشيخ (قدس سره) تارة على أن معناه ليس الخمس بظاهر القرآن إلا في الغنائم خاصة لأن ما عدا الغنائم الذي أوجبنا فيه الخمس إنما يثبت ذلك بالسنة و تارة بشمول الغنائم لكل ما وجب فيه الخمس، و الأول منهما في التهذيب و الثاني في الإستبصار و هو الأقرب، فيكون تفسيره للآية الشريفة بالعموم كما تقدم ذكره، و حينئذ فيكون الحصر بالنسبة إلى ما يدخل في الملك بالشراء كما لو اشترى جارية أو دارا أو طعاما أو نحو ذلك فإنه لا خمس فيه إذ لا يعد ذلك غنيمة.
بقي هنا شي‌ء و هو أنه قال شيخنا الشهيد في الدروس: و يجب في سبعة:
الأول- ما غنم من دار الحرب على الإطلاق إلا ما غنم بغير إذن الإمام عليه السلام فله، أو سرق أو أخذ غيلة فلآخذه.
و ظاهره أن جميع ما يؤخذ من دار الحرب فهو غنيمة إلا أنه متى كان بغير إذن الإمام فإنه يكون للإمام عليه السلام و هو على إطلاقه مشكل لأن الظاهر من الأخبار و كلام الأصحاب أن الذي يكون للإمام عليه السلام متى كان بغير إذنه إنما هو ما يؤخذ على وجه الجهاد و التكليف بالإسلام كما يقع من خلفاء الجور و جهادهم الكفار على هذا الوجه لا ما أخذ جهرا و غلبة و غصبا و نحو ذلك من ما لم يكن سرقة و لا غيلة فإنه يكون غنيمة بغير إذنه عليه السلام و يكون له، فإنه لا دليل عليه و لا قائل به في ما أعلم.
و الرواية التي أوردها الأصحاب دليلا على الحكم المذكور- و هي‌
رواية العباس الوراق عن رجل سماه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام و إذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام عليه السلام الخمس».
- موردها كما ترى إنما هو ما ذكرناه، و في عبارات الأصحاب في معنى‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من الأنفال و ما يختص بالإمام.

322
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الأول في غنائم دار الحرب ج 12 ص 321

الغنيمة بأنها ما حواه العسكر ما يشعر بما قلناه.
و أما ما ذكره- من أن ما أخذ غيلة أو سرق فهو لآخذه و لا يجب فيه الخمس لأنه لا يسمى غنيمة- فهو أحد القولين، و قيل بوجوب الخمس فيه.
قال في المدارك: و يدل عليه فحوى‌
ما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «خذ مال الناصب حيثما وجدته و ادفع إلينا الخمس».
و عن أبي بكر الحضرمي عن المعلى «2» قال: «خذ مال الناصب حيثما وجدته و ابعث إلينا بالخمس».
أقول: و في هذا الاستدلال نظر لأن مورد الروايتين الناصب لا أهل الحرب، و هذا الفحوى الذي ادعاه لا يخرج عن القياس إذ الخروج عن مورد الدليل إلى فرد آخر مغاير له لا معنى له.
و لعله (قدس سره) تبع هنا كلام ابن إدريس في السرائر حيث قال- بعد أن أورد صحيحة حفص المذكورة و رواية المعلى- ما صورته: قال محمد بن إدريس المعني بالناصب في هذين الخبرين أهل الحرب لأنهم ينصبون الحرب للمسلمين و إلا فلا يحل أخذ مال مسلم و لا ذمي على وجه من الوجوه. انتهى.
و لا يخفى ما فيه من الضعف و القصور: (أما أولا) فإن إطلاق الناصب على أهل الحرب خلاف المعروف لغة و عرفا و شرعا، فإن الناصب لغة هو المبغض لعلي عليه السلام كما نص عليه في القاموس و إن كان أصل معنى النصب العداوة إلا أنه صار مختصا بالمبغض له (عليه السلام) و أما في الشرع فالأحاديث الدالة عليه أكثر من أن تحصى كما لا يخفى على من أحاط بها خبرا و العرف ظاهر في ذلك، و أي داع إلى حمله على هذا المعنى البعيد الشارد و حمله على معناه المتبادر منه صحيح لا معارض له في جملة الموارد.
(و أما ثانيا) فإن إطلاق المسلم على الناصب و أنه لا يجوز أخذ ماله من‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس.
(2) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس.

323
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الأول في غنائم دار الحرب ج 12 ص 321

حيث الإسلام خلاف ما عليه الطائفة المحقة سلفا و خلفا من الحكم بكفر الناصب و نجاسته و جواز أخذ ماله بل قتله، و إنما الخلاف بينهم في مطلق المخالف هل يحكم بإسلامه أم بكفره؟ و هو نفسه ممن اختار القول بالكفر كما هو المشهور بين متقدمي أصحابنا، حيث قال في مبحث صلاة الأموات: و لا تجب الصلاة إلا على المعتقدين للحق أو من كان بحكمهم من أطفالهم الذين بلغوا ست سنين على ما قدمناه و من المستضعفين، و قال بعض أصحابنا تجب الصلاة على أهل القبلة و من شهد الشهادتين، و الأول مذهب شيخنا المفيد و الثاني مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي، و الأول أظهر في المذهب، و يؤيده القرآن و هو قوله تعالى:
«وَ لٰا تُصَلِّ عَلىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مٰاتَ أَبَداً» «1» يعني الكفار، و المخالف لأهل الحق كافر بلا خلاف بيننا. هذه عبارته بعينها فإذا حكم بكفر المخالف فكيف يحكم بإسلام الناصب؟ ما هذا إلا غفلة من هذا التحرير و سهو وقع في هذا التحرير.
[فوائد]
و في المقام فوائد‌
الأولى [حكم مال البغاة]
- ظاهر الأكثر أن حكم مال البغاة الذي حواه العسكر حكم غنيمة دار الحرب، فإن أرادوا باعتبار وجوب الخمس فهو محل إشكال إذ لا أعرف عليه دليلا واضحا و مورد الآية و الروايات إنما هو أهل الحرب من المشركين، و إن أرادوا باعتبار حل ذلك للمسلمين فالتخصيص بما حواه العسكر كما اشتهر عندهم محل إشكال. و سيجي‌ء تحقيق القول في ذلك إن شاء اللّٰه تعالى في محله.
الثانية [هل يشمل تخميس الغنيمة ما لا ينقل؟]
- ظاهر كلام الأصحاب كما قدمنا نقله أن الغنيمة التي يجب فيها الخمس هي جميع أموال أهل الحرب من ما ينقل و يحول أم لا حواه العسكر أم لا، و ظاهره دخول الأراضي و الضياع و الدور و المساكن و نحوها.
و لا أعرف على هذا التعميم دليلا سوى ظاهر الآية فإن الظاهر من الروايات اختصاص ذلك بالأموال المنقولة:
و منها-
صحيحة ربعي بن عبد اللّٰه «2» المتقدمة الدالة على أنه صلى اللّٰه عليه و آله
______________________________
(1) سورة التوبة الآية 86.
(2) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.

324
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثانية هل يشمل تخميس الغنيمة ما لا ينقل ج 12 ص 324

إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان له ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس و يأخذ خمسه ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه ثم قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس اللّٰه عز و جل لنفسه ثم يقسم الأربعة الأخماس بين ذوي القربى و اليتامى و المساكين و أبناء السبيل يعطي كل واحد منهم جميعا، و كذلك الإمام يأخذ كما أخذ رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله.
و نحوها غيرها من الأحاديث الدالة على قسمة الخمس أخماسا أو أسداسا و إعطاء كل ذي حق حقه.
و في بعضها «1» أنه يعطيهم على قدر كفايتهم فإن فضل منه شي‌ء فهو له و إن نقص عنهم و لم يكفهم أتمه لهم من عنده، كما صار له الفضل كذلك لزمه النقصان.
و هذا كله كما ترى صريح في أن الخمس إنما هو في ما ينقل و يحول من غنيمة أو غيرها، و كيف يجري هذا في الأراضي و الضياع و الدور و نحوها؟
و قد تتبعت ما حضرني من كتب الأخبار كالوافي و الوسائل المشتمل على أخبار الكتب الأربعة و غيرها فلم أقف فيها على ما يدل على دخول الأرض و نحوها من ما قدمناه في الغنيمة التي يتعلق بها الخمس، و لم أقف في شي‌ء منها على وجوب إخراج الخمس منها عينا أو قيمة حتى الأخبار الواردة في تفسير الآية المشار إليها فإنها ما بين صريح أو ظاهر في تخصيصها بما ينقل و يحول.
و حينئذ فيمكن تخصيص الآية بما دلت عليه هذه الأخبار مع أن الأخبار الواردة في الأراضي و نحوها بالنسبة إلى المفتوح عنوة إنما دلت على أنها في‌ء للمسلمين من وجد و من سيوجد إلى يوم القيامة و أن أمرها إلى الإمام عليه السلام يقبلها أو يعمرها و يصرف حاصلها في مصالح المسلمين.
و أما ما ذكره المحقق في الشرائع في باب الجهاد- بالنسبة إلى هذه الأراضي بعد تقسيم الغنيمة إلى ما ينقل و ما لا ينقل، حيث قال: و أما ما لا ينقل فهو للمسلمين قاطبة و فيه الخمس و الإمام مخير بين إخراج الخمس لأربابه و بين إبقائه و إخراج الخمس من ارتفاعه- فلا أعرف له دليلا و لا وقفت له على مستند إلا ما قدمناه من ظاهر‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 3 من قسمة الخمس.

325
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثانية هل يشمل تخميس الغنيمة ما لا ينقل ج 12 ص 324

الآية، و قد عرفت أنه يمكن تخصيصها بالأخبار الدالة على انحصار مخرج الخمس في ما ينقل و يحول، و من الجائز خروج الأراضي و نحوها عن ما يجب فيه الخمس كما خرجت عن حكم الغنيمة بالنسبة إلى اختصاص المقاتلين بها فإنها كما اتفقوا عليه للمسلمين قاطبة من وجد و من سيوجد إلى يوم القيامة.
و شيخنا الشهيد في المسالك لم يتعرض لنقل هذه العبارة فضلا عن إيراد دليل لها، و الظاهر أنه من حيث إن المسألة مسلمة الثبوت بينهم.
و يؤيد ما قلناه الأخبار الواردة في حكم الأرض المفتوحة عنوة و منها خيبر و عدم التعرض فيها لذكر الخمس بالكلية مع ذكر الزكاة فيها، و لو كان ثابتا فيها لكانت أولى بالذكر لتعلقه برقبة الأرض:
و منها-
ما رواه في الكافي عن البزنطي «1» قال: «ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج و ما سار فيها أهل بيته فقال من أسلم طوعا تركت أرضه في يده. إلى أن قال: و ما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبله بالذي يرى كما صنع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله بخيبر قبل سوادها و بياضها يعني أرضها و نخلها، و الناس يقولون لا تصلح قبالة الأرض و النخل «2» و قد قبل رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله خيبر، و على المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف العشر في حصصهم. الحديث».
و ما رواه في التهذيب في الصحيح عن البزنطي «3» قال: «ذكرت لأبي الحسن عليه السلام الخراج و ما سار به أهل بيته فقال العشر و نصف العشر على من أسلم طوعا تركت أرضه في يده. إلى أن قال: و ما أخذ بالسيف فذلك للإمام يقبله بالذي يرى كما صنع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله بخيبر قبل أرضها و نخلها، و الناس يقولون لا تصلح قبالة الأرض و النخل إذا كان البياض أكثر من السواد و قد قبل رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله خيبر
______________________________
(1) الوسائل الباب 72 من جهاد العدو.
(2) في كتاب الأموال لأبي عبيد ص 55 أن الأرض المفتوحة عنوة حكم بعض بتخميسها و تقسيمها و أرجع بعض أمرها إلى الإمام إن شاء صنع كذلك و إن شاء تركها موقوفة على المسلمين عامة و أنه تقر في أيدي أهلها بالطسق.
(3) الوسائل الباب 72 من جهاد العدو.

326
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثانية هل يشمل تخميس الغنيمة ما لا ينقل ج 12 ص 324

و عليهم في حصصهم العشر و نصف العشر».
و بالجملة فما ذكروه لا وجود له في شي‌ء من الأخبار، بل ظواهرها من حيث عدم التعرض لذكره و لو إشارة سيما في مقام البيان هو العدم، بل ظاهر‌
مرسلة حماد بن عيسى الطويلة «1» الدلالة على ما قلناه حيث قال فيها: «و ليس لمن قاتل شي‌ء من الأرضين. الحديث».
الثالثة [تقديم الخمس على المؤن و عدمه]
- قد اختلفوا في تقديم الخمس على المؤن و عدمه، و اختلفوا أيضا في تقديمه على السلب و الجعائل و ما يرضخه الإمام للنساء و العبيد و الكفار إن قاتلوا و عدمه، و سيأتي الكلام عليه إن شاء اللّٰه تعالى في كتاب الجهاد، إلا أن الذي حضرني من الأخبار الآن و هو صحيحة ربعي المتقدمة «2» إنما تضمنت إخراج الخمس بعد إخراج صفو المال الذي هو من الأنفال للإمام عليه السلام.
المقام الثاني- في المعادن
و هي من «عدن» إذا أقام لإقامة أهله فيه دائما أو لإنبات اللّٰه عز و جل إياه فيه، قال في القاموس: و المعدن كمجلس منبت الجواهر من ذهب و نحوه لإقامة أهله فيه دائما أو لإنبات اللّٰه عز و جل إياه فيه. و قال في المغرب: عدن بالمكان إذا أقام به، و منه المعدن لما خلقه اللّٰه تعالى في الأرض من الذهب و الفضة لأن الناس يقيمون فيه الصيف و الشتاء، و قيل لإنبات اللّٰه تعالى فيه جوهرها و إنباته إياه في الأرض حتى عدن فيها أي نبت. و هو أعمّ من أن يكون منطبعا كالنقدين و الحديد و الرصاص و الصفر أو غير منطبع كالياقوت و العقيق و الكحل و الفيروزج و البلور و نحوها أو مائعا كالقير و النفط و الكبريت، و الظاهر أن مجمله ما خرج عن حقيقة الأرضية و لو بخاصية زائدة عليها. و قال في التذكرة: المعادن هي كل ما خرج من الأرض من ما يخلق فيها من غيرها من ما له قيمة. و قال في البيان بعد عد جملة من ما ذكرناه: و كل أرض فيها خصوصية يعظم الانتفاع بها كالنورة و المغرة.
و قال في الدروس: حتى المغرة و الجص و النورة و طين الغسل و حجارة الرحى. و قال في‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 41 من جهاد العدو.
(2) ص 321.

327
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثاني في المعادن ج 12 ص 327

المدارك بعد نقل ذلك عنه: و في الكل توقف. و كأنه للشك في إطلاق اسم المعدن عليها على سبيل الحقيقة. و في البيان: و ألحق به حجارة الرحى و كل أرض فيها خصوصية يعظم الانتفاع بها كالنورة و المغرة. و ظاهره عدم دخولها في حقيقة المعادن. و المسألة لا تخلو من إشكال و إن كان الأقرب هو الأول، لتناول ظاهر كلام أهل اللغة في تعريف المعدن لذلك.
و وجوب الخمس في المعدن من ما وقع الاتفاق عليه نصا و فتوى، و من الأخبار في ذلك‌
صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام «1» قال: «سألته عن معادن الذهب و الفضة و الصفر و الحديد و الرصاص فقال عليها الخمس جميعا».
و صحيحة الحلبي «2» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الكنز كم فيه؟ قال الخمس. و عن المعادن كم فيها؟ قال الخمس. و عن الرصاص و الصفر و الحديد و ما كان من المعادن كم فيها؟ قال: يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب و الفضة».
و صحيحة محمد بن مسلم «3» قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن الملاحة قال و ما الملاحة؟ فقلت أرض سبخة مالحة يجتمع فيها الماء فيصير ملحا. فقال: هذا المعدن فيه الخمس. فقلت: و الكبريت و النفط يخرج من الأرض؟ قال فقال هذا و أشباهه فيه الخمس».
و صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «4» قال: «سألته عن المعادن ما فيها؟
فقال كل ما كان ركازا ففيه الخمس. و قال ما عالجته بمالك ففيه من ما أخرج اللّٰه سبحانه من حجارته مصفي الخمس».
أقول: لفظ الركاز في الخبر محتمل لأن يحمل على الكنز و أن يحمل على المعدن، قال ابن الأثير في نهايته «5»: في حديث الصدقة «و في الركاز الخمس» الركاز عند أهل الحجاز كنوز الجاهلية المدفونة في الأرض و عند أهل العراق المعادن‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس.
(2) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس.
(3) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس.
(4) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس.
(5) مادة ركز.

328
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثاني في المعادن ج 12 ص 327

و القولان تحتملهما اللغة لأن كلا منهما مركوز في الأرض أي ثابت، يقال ركزه يركزه ركزا إذا دفنه، و أركز الرجل إذا وجد الركاز، و الحديث إنما جاء في التفسير الأول و هو الكنز الجاهلي، و إنما كان فيه الخمس لكثرة نفعه و سهولة أخذه، و قد جاء في مسند أحمد في بعض طرق هذا الحديث «و في الركائز الخمس» كأنها جمع ركيزة أو ركازة، و الركيزة و الركزة القطعة من جواهر الأرض المركوزة فيها، و جمع الركزة الركاز و منه حديث عمر: أن عبدا وجد ركزة على عهده فأخذها منه. أي قطعة عظيمة من الذهب. و هذا يعضد التفسير الثاني. انتهى.
و الظاهر إن معنى آخر الخبر إن الخمس إنما يجب في ما عولج بعد وضع مئونة العلاج، و مرجعه إلى تقديم إخراج المئونة على الخمس، و به صرح جملة من الأصحاب.
و يدل عليه أيضا‌
صحيحة ابن أبي نصر «1» قال: «كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام:
الخمس أخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة؟ فكتب بعد المئونة».
و يدل عليه أيضا بعض الأخبار الآتية في الأرباح إن شاء اللّٰه تعالى «2».
ثم إنه قد وقع الخلاف هنا في موضعين: أحدهما- في اعتبار النصاب و عدمه في المعدن، و على تقدير اعتباره فهل هو عشرون دينارا أو دينار واحد؟
فذهب الشيخ في الخلاف إلى وجوب الخمس فيها و لا يراعى فيها النصاب و هو اختياره في الاقتصاد أيضا، و نقل عن ابن البراج و ابن إدريس مدعيا عليه الإجماع حيث قال: إجماعهم منعقد على وجوب إخراج الخمس من المعادن جميعها على اختلاف أجناسها قليلا كان المعدن أو كثيرا ذهبا كان أو فضة من غير اعتبار مقدار و هذا إجماع منهم بغير خلاف. و نقل عن ابن الجنيد و ابن أبي عقيل و المفيد و السيد‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 12 من ما يجب فيه الخمس.
(2) كخبر الأشعري و النيسابوري و علي بن مهزيار و الهمداني الآتية في أول المقام الخامس.

329
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثاني في المعادن ج 12 ص 327

المرتضى و ابن زهرة و سلار أنهم أطلقوا وجوب الخمس، و هو ظاهر في موافقة القول المتقدم.
و اعتبر أبو الصلاح بلوغ قيمته دينارا واحدا، و رواه ابن بابويه في المقنع و من لا يحضره الفقيه «1».
و قال الشيخ في النهاية: و معادن الذهب و الفضة لا يجب فيها الخمس إلا إذا بلغت إلى القدر الذي تجب فيه الزكاة. و نحوه في المبسوط. و اختاره ابن حمزة، و عليه جمهور المتأخرين:
لما رواه الشيخ عن أحمد بن محمد بن أبي نصر في الصحيح «2» قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن ما أخرج من المعدن من قليل أو كثير هل فيه شي‌ء؟ قال: ليس فيه شي‌ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا».
احتج القائلون بالقول الأول بإطلاق النصوص و الإجماع الذي تقدم في كلام ابن إدريس، و هما بمكان من الضعف: أما الإطلاق فيجب تقييده بالدليل المذكور، و أما الإجماع فهو في موضع النزاع غير مسموع، قال في المختلف: و كيف يدعى الإجماع في موضع الخلاف من مثل ابن بابويه و الشيخ و أبي الصلاح و غيرهم.
و يدل على ما ذهب إليه أبو الصلاح‌
ما رواه الكليني و الشيخ عن أحمد بن محمد ابن أبي نصر في الصحيح عن محمد بن علي بن أبي عبد اللّٰه و هو مجهول عن أبي الحسن عليه السلام «3» قال: «سألته عن ما يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد و عن معادن الذهب و الفضة هل فيه زكاة؟ فقال إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس».
و رواه ابن بابويه مرسلا عن الكاظم عليه السلام «4».
و الشيخ قد جمع بين هذا الخبر و ما قبله بإرجاع الجواب إلى السؤال عن ما‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس رقم 5.
(2) الوسائل الباب 4 من ما يجب فيه الخمس.
(3) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس.
(4) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس.

330
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثاني في المعادن ج 12 ص 327

يخرج من البحر دون المعادن. و فيه تعسف فإن السؤال قد اشتمل عليهما و لا قرينة تؤنس بصرفه إلى بعض دون بعض. و الأكثر حملوا الخبر الثاني على الاستحباب، و بعض حمل الأول على الرخصة و التبرع منهم (عليهم السلام). و في النفس من جميع هذه المحامل توقف.
فروع
الأول
- المفهوم من كلام جملة من الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) أنه لا يعتبر في النصاب الإخراج دفعة بل لو أخرج من المعدن في دفعات متعددة ضم بعضها إلى بعض و اعتبر النصاب من المجموع و إن تخلل بين الدفعات الإعراض، و شرط العلامة في المنتهى أن لا يكون بين الدفعات إعراض فلو أهمله معرضا ثم أخرج بعد ذلك لم يضم. و هو تقييد للنص بغير دليل فإن ظاهر النصوص المتقدمة وجوب الخمس في هذا النوع كيف اتفق الإخراج فالتقييد بهذا الشرط يحتاج إلى دليل و ليس فليس.
الثاني
- قالوا: لو اشترك جماعة في استخراج المعدن اشترط بلوغ نصيب كل واحد منهم النصاب و ظاهر النص العدم، و تتحقق الشركة بالاجتماع على الحيازة و الحفر. و لو اختص أحدهم بالحيازة و آخر بالنقل و آخر بالسبك، فإن نوى الحيازة لنفسه كان الجميع له و عليه أجرة الناقل و السابك، و إن نوى الشركة كان بينهم أثلاثا و يرجع كل واحد منهم على الآخر بثلث أجرة عمله بناء على أن نية الحائز تؤثر في ملك غيره.
الثالث
- صرح جملة من الأصحاب بأنه لو وجد معدنا في أرض مملوكة فهو لصاحبها و لا شي‌ء للمخرج و إن كان في أرض مباحة فهو لمخرجه و عليه الخمس.
الرابع
- قالوا: لو أخرج خمس تراب المعدن لم يجزئه لجواز اختلافه في الجوهر، و مقتضاه أنه لو علم التساوي جاز. و لو اتخذ منه دراهم أو دنانير أو حليا فالظاهر أن الخمس في السبائك لا غير.

331
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في الكنوز ج 12 ص 332

المقام الثالث- في الكنوز
و الكنز لغة هو المال المذخور تحت الأرض، و لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في وجوب الخمس فيه.
و يدل عليه من الأخبار‌
صحيحة الحلبي «1» «أنه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الكنز كم فيه؟ فقال الخمس».
و روي في الفقيه و الخصال في وصية النبي صلى اللّٰه عليه و آله لعلي عليه السلام «2» قال: «يا علي إن عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن أجراها اللّٰه له في الإسلام. إلى أن قال و وجد كنزا فأخرج منه الخمس و تصدق به فأنزل اللّٰه وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ. الآية «3»».
و صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام «4» قال:
«سألته عن ما يجب فيه الخمس من الكنز؟ فقال ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس».
و روى الشيخ المفيد (طيب اللّٰه مرقده) في المقنعة مرسلا «5» قال: «سئل الرضا عليه السلام عن مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس؟ فقال ما يجب فيه الزكاة من ذلك بعينه ففيه الخمس و ما لم يبلغ حد ما يجب فيه الزكاة فلا خمس فيه».
و لا خلاف أيضا بين الأصحاب في ما أعلم في اشتراط الخمس في هذا النوع ببلوغ عشرين دينارا أو مائتي درهم و هو النصاب الأول من الذهب و الفضة، و يدل عليه الخبران الأخيران، و ما عدا النقدين المذكورين فإنه يعد بهما، و بذلك صرح العلامة في المنتهى.
إلا أن عبائر جملة من الأصحاب كالمحقق في الشرائع اقتصروا على نصاب الذهب خاصة و لعله لمجرد التمثيل، قال في المنتهى: و ليس للركاز نصاب آخر بل لا يجب الخمس فيه إلا أن يكون عشرين مثقالا فإذا بلغها وجب فيه الخمس و في ما زاد قليلا كان أو كثيرا.
______________________________
(1) الوسائل الباب 5 من ما يجب فيه الخمس.
(2) الوسائل الباب 5 من ما يجب فيه الخمس.
(3) سورة الأنفال الآية 43.
(4) الوسائل الباب 5 من ما يجب فيه الخمس.
(5) الوسائل الباب 5 من ما يجب فيه الخمس.

332
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في الكنوز ج 12 ص 332

قال في المدارك بعد نقل ذلك عن المنتهى: و يشكل بأن مقتضى رواية ابن أبي نصر مساواة الخمس الزكاة في اعتبار النصاب الثاني كالأول إلا أني لا أعلم بذلك مصرحا. انتهى.
أقول: لا يخفى أن المراد من السؤال في الرواية المذكورة إنما هو السؤال عن المقدار الذي يتعلق به الخمس بحيث لا يجب في ما هو أقل منه كما هو ظاهر من رواية المقنعة فأجاب عليه السلام بقدر ما تجب الزكاة في مثله و هو عشرون دينارا أو مائتا درهم، لا أن المراد المساواة في النصب ليكون ما بينها عفوا لا خمس فيه كالزكاة.
و بالجملة فالمقصود بالسؤال و الجواب إنما هو المساواة في مبدإ تعلق الخمس كما في مبدإ تعلق الزكاة.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في إن ما يوجد في دار الحرب فإنه لآخذه و عليه الخمس أعمّ من أن يكون عليه أثر الإسلام أم لا.
قالوا: أما أنه لو أجده فلان الأصل في الأشياء الإباحة، و التصرف في مال الغير إنما يحرم إذا كان ملكا لمحترم و هو هنا غير معلوم أو تعلق به نهي خصوصا أو عموما و هو هنا غير ثابت، و حينئذ فيكون باقيا على مقتضى الإباحة الأصلية.
و أما وجوب الخمس فلما تقدم من الأخبار.
أقول: و لك أن تقول إن المعلوم من أحاديث وجوب الخمس في الكنز و غيره من معدن و غوص و نحوهما من أصناف ما يجب فيه الخمس أن وجوب الإخراج متفرع على ملك المخرج ليتجه الخطاب له بالإخراج إذ لا يعقل الوجوب عليه في مال غيره، فإيجاب الخمس في الصورة المذكورة بالأخبار المتقدمة مستلزم للملك البتة، و حينئذ فتكون الأخبار المشار إليها دالة على كل من الأمرين.
و أما ما يوجد في دار الإسلام فإن لم يكن عليه أثر الإسلام فهو لواجده أيضا و عليه الخمس سواء كان في أرض مباحة أو مملوكة و لم يعترف به المالك.

333
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في الكنوز ج 12 ص 332

و الظاهر أنه لا خلاف فيه، و استدلوا بما قدمنا نقله عنهم في الموجود في أرض دار الحرب، و لهذا إن شيخنا الشهيد في البيان شرط وجوب الخمس في الكنز بأمرين: أحدهما النصاب عشرون دينارا و ثانيهما وجوده في دار الحرب مطلقا أو دار الإسلام و ليس عليه أثر الإسلام.
و إنما الخلاف و الإشكال في ما وجد في دار الإسلام و عليه أثره فهل هو كما تقدم أو يكون لقطة؟ قولان مشهوران، اختار أولهما الشيخ في الخلاف حيث قال: إذا وجد دراهم مضروبة في الجاهلية فهو ركاز و يجب فيه الخمس سواء كان ذلك في دار الإسلام أو دار الحرب، و إن وجد كنزا عليه أثر الإسلام بأن تكون الدراهم و الدنانير مضروبة في دار الإسلام و ليس عليها أثر ملك يؤخذ منه الخمس. و هو ظاهر في إيجابه الخمس في ما وجد في دار الإسلام و عليه أثره أعمّ من أن يكون في أرض مباحة أو مملوكة و لم يعترف به المالك. و إلى هذا القول ذهب ابن إدريس و غيره و منهم المحقق في كتاب اللقطة. و اختار ثانيهما الشيخ في المبسوط حيث قال: الكنوز التي تؤخذ من دار الحرب من الذهب و الفضة و الدراهم و الدنانير سواء كان عليها أثر الإسلام أم لم يكن يجب فيها الخمس و أما التي تؤخذ من بلد الإسلام فإن وجدت في ملك إنسان وجب أن يعرف أهله فإن عرفه كان له و إن لم يعرفه أو وجدت في أرض لا مالك لها، فإن كان عليها أثر الإسلام فهي بمنزلة اللقطة سواء، و إن لم يكن عليها أثر الإسلام أخرج منها الخمس و كان الباقي لواجدها. و إلى هذا القول ذهب جل المتأخرين: منهم- العلامة في المختلف و المحقق في كتاب الخمس. و ظاهره في المعتبر التوقف حيث اقتصر على نقل الخلاف عن الشيخ في الكتابين المذكورين. و ظاهر الشهيد في البيان الفرق بين الموجود في الأرض المباحة و الموجود في المملوكة و لم يعترف المالك به حيث وافق الخلاف في الأرض المملوكة إذا لم يعترف به المالك و وافق المبسوط في الأرض المباحة، و هو غريب.

334
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في الكنوز ج 12 ص 332

استدل العلامة في المختلف على ما ذهب إليه من كونه لقطة قال: لنا- أنه مال ضائع عليه ملك إنسان و وجده في دار الإسلام فيكون لقطة كغيره.
ثم قال احتج في الخلاف بعموم ظاهر القرآن «1» و الأخبار الواردة في إخراج الخمس من الكنوز «2» و التخصيص يحتاج إلى دليل. ثم أجاب بالقول بالموجب ما لم يظهر المخصص، قال: و المخصص هنا ثابت فإنه مال يغلب على الظن أنه مملوك لمسلم فلا يحل من غير تعريف. و لا يخفى ما في هذا الجواب.
و الأظهر الجواب عن ذلك‌
بما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن إسحاق ابن عمار «3» قال: «سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيها نحوا من سبعين درهما مدفونة فلم تزل معه و لم يذكرها حتى قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال يسأل عنها أهل المنزل لعلهم يعرفونها. قلت: فإن لم يعرفوها؟ قال يتصدق بها».
و هو ظاهر في كونه لقطة لا كنزا و حينئذ فيخص به إطلاق الأخبار التي استند إليها.
و هذا الخبر صريح في الرد على ما اختاره في البيان من كون الموجود في الأرض المملوكة مع عدم اعتراف المالك به يكون فيه الخمس. و الخبر المذكور أيضا ظاهر في الرد على صاحب المدارك في ما ذكره من المناقشة في صحة إطلاق اللقطة على المال المكنوز، قال إذ المتبادر من معناها أنها المال الضائع على غير هذا الوجه. و هذا الخبر حجة عليه.
و الأظهر في الاستدلال على القول الأول هو الاستدلال‌
بصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «4» قال: «و سألته عن الورق يوجد في دار؟ فقال: إن كانت الدار معمورة فهي لأهلها و إن كانت خربة فأنت أحق بما وجدت».
______________________________
(1) و هو قوله تعالى «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ.» سورة الأنفال الآية 43.
(2) الوسائل الباب 5 من ما يجب فيه الخمس.
(3) الوسائل الباب 5 من اللقطة.
(4) الوسائل الباب 5 من اللقطة.

335
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في الكنوز ج 12 ص 332

و صحيحته الأخرى عن الصادق عليه السلام «1» قال: «سألته عن الدار يوجد فيها الورق؟ فقال إن كانت معمورة فيها أهلها فهو لهم و إن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحق به».
و بهذين الخبرين استدل شيخنا الشهيد الثاني في المسالك في كتاب اللقطة للمصنف على ما ذكره من أن ما يوجد في المفاوز أو في خربة قد هلك أهلها فهو لواجده ينتفع به بلا تعريف، و كذا ما يجده مدفونا في أرض لا مالك لها.
و في الاستدلال على القول الثاني هو‌
ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن قيس عن الباقر عليه السلام «2» قال: «قضى علي عليه السلام في رجل وجد ورقا في خربة أن يعرفها فإن وجد من يعرفها و إلا تمتع بها».
و هذه الرواية و إن كانت أعمّ من أن يكون ذلك الورق عليه سكة الإسلام إلا أنه يجب تخصيص عمومها بما دل على أن ما لا أثر للإسلام عليه فإن فيه الخمس و يكون لواجده، و مثلها في ذلك موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة.
و أنت خبير بما في هذه الأخبار من التناقض و التضاد إلا أن من قال بالقول الثاني جمع بين صحيحتي محمد بن مسلم و صحيحة محمد بن قيس بحمل الصحيحتين المذكورتين على ما لم يكن عليه أثر الإسلام و حمل صحيحة محمد بن قيس على ما إذا كان عليه أثر الإسلام. و لا يخفى ما فيه من البعد لعدم ما يدل عليه من الأخبار.
و في المدارك حيث اختار العمل بصحيحتي محمد بن مسلم حمل صحيحة محمد بن قيس على ما إذا كانت الخربة لمالك معروف أو على ما إذا كان الورق غير مكنوز.
و لا يخفى أن هذا و إن أمكن في الصحيحة المذكورة إلا أنه لا يمكن في موثقة إسحاق ابن عمار التي ذكرناها إلا أنه لم يذكرها أحد منهم في المقام.
______________________________
(1) الوسائل الباب 5 من اللقطة عن أبي جعفر (ع) كما في الفروع ج 1 ص 367 و التهذيب ج 6 ص 390 أيضا.
(2) الوسائل الباب 5 من اللقطة.

336
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في الكنوز ج 12 ص 332

و بالجملة فالمسألة عندي موضع إشكال، على أن ظواهر الصحاح الثلاث التي ذكروها لا دلالة فيها على كون ذلك الورق كنزا، و حينئذ فيشكل التعلق بها في المسألة، بل ربما ظهر منها كونه لا كذلك، و ظاهر عبارة الشرائع المتقدم ذكرها ذلك حيث عطف فيها ما يجده مدفونا على ما ذكره أولا بقوله: «و ما يوجد في المفاوز. إلى آخره».
و قد ذكر جمع منهم أيضا أنه لو كان في أرض مملوكة للواجد، فإن ملكت بالإحياء كان كالموجود في المباح في كونه للواجد مع عدم أثر الإسلام عليه و مع وجود الأثر يدخل تحت الخلاف المتقدم، و إن ملكت بالابتياع عرفه من جرت يده على الأرض فإن اعترف أحدهم به فهو له و إلا جرى فيه التفصيل المتقدم.
و بعض عبائرهم هنا اشتملت على كونه للواجد مطلقا، و لكن نبه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك في كتاب اللقطة على التقييد بالتفصيل، حيث إن عبارة المصنف هنا مطلقة فقال: و إطلاق الحكم بكونه لواجده مع عدم اعتراف المالك و البائع به الشامل لما عليه أثر الإسلام و عدمه تبع لإطلاق النص كما سبق، و من قيد تلك بانتفاء أثر الإسلام قيد هنا أيضا لاشتراكهما في المقتضى فمعه يكون لقطة.
و أشار بالنص إلى ما قدمه من صحيحتي محمد بن مسلم المتقدمتين.
و ممن صرح بما ذكره شيخنا الشهيد في الدروس فقال بعد أن حكم بكون الركاز الذي فيه الخمس هو ما يوجد في دار الحرب مطلقا أو في دار الإسلام و لا أثر له و لو كان عليه أثر الإسلام فلقطة خلافا للخلاف، ثم قال: و لو وجده في ملك مبتاع عرفه البائع و من قبله فإن لم يعرفه فلقطة أو ركاز بحسب أثر الإسلام و عدمه. انتهى.
و بالجملة فالمتحصل من كلامهم أن ما وجد في أرض الإسلام مطلقا و لم يعلم له مالك فإنه مع عدم أثر الإسلام كنز لواجده و عليه الخمس، و معه يكون محل الخلاف المتقدم سواء كان في أرض مباحة أو مملوكة للواجد أو غيره مع عدم اعتراف‌

337
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في الكنوز ج 12 ص 332

أحد من الملاك به.
[فوائد]
و ينبغي التنبيه هنا على فوائد‌
الأولى [يصدق المعترف في المقام بلا بينة و لا يمين و لا وصف]
- قد صرح شيخنا الشهيد في الدروس بأن الظاهر أن مجرد قول المعترف كاف بلا بينة و لا يمين و لا وصف، نعم لو تداعيا لكان لذي اليد بيمينه و لو كان مستأجرا فقولان للشيخ.
أقول: أما أن مجرد قول المعترف كاف فهو مقتضى القواعد المتفق عليها بينهم المؤيدة بالنصوص أيضا «1» فإن من ادعى شيئا و لا منازع له دفع إليه، و يدل عليه صريحا خبر كيس الألف درهم «2» و أما مع تداعيهما معا فالحكم كما ذكره أيضا لما تبين في محله. و أما لو حصل التداعي بين المالك و المستأجر فقد أوضحه في البيان و هو محل توقف.
الثانية [هل يجب التعريف لمن تقدم من الملاك؟]
- قد صرح جملة من الأصحاب بوجوب التعريف لمن تقدم من الملاك متى كان في أرض مملوكة للغير أو للواجد مع انتقالها بالبيع أو الإرث مقدما الأقرب فالأقرب.
و قال في المدارك بعد نقل ذلك عنهم: و يمكن المناقشة في وجوب تعريفه لذي اليد السابقة إذا احتمل عدم جريان يده عليه، لأصالة البراءة من هذا التكليف مضافا إلى أصالة عدم التقدم. و لو علم انتفاؤه عن بعض الملاك فينبغي القطع بسقوط تعريفه لانتفاء فائدته. و كذا الكلام لو كانت موروثة. انتهى.
أقول: ما ذكره لا يخلو من قرب و يؤيده صحيحة عبد اللّٰه بن جعفر الآتية في المقام «3».
الثالثة [لو اشترى دابة أو سمكة و وجد في جوفها شيئا له قيمة]
- قد ذكر جملة من الأصحاب في هذا المقام أنه لو اشترى دابة و وجد‌
______________________________
(1) يمكن أن يريد بذلك إطلاق موثقة إسحاق بن عمار و صحيحة محمد بن قيس المتقدمتين.
(2) الوسائل الباب 17 من كيفية الحكم و أحكام الدعوى.
(3) ص 339.

338
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالثة لو اشترى دابة أو سمكة و وجد في جوفها شيئا له قيمة ج 12 ص 338

في جوفها شيئا له قيمة عرفه البائع فإن عرفه فهو له و إن جهله فهو للمشتري و عليه الخمس. و لو ابتاع سمكة فوجد في جوفها شيئا أخرج خمسه و كان الباقي له، و ليس عليه تعريف هنا.
و بما ذكروه بالنسبة إلى مسألة الدابة و أنه يجب تعريفه و مع عدم اعتراف البائع به يكون للمشتري قد وردت‌
صحيحة عبد اللّٰه بن جعفر «1» قال: «كتبت إلى الرجل عليه السلام أسأله عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للأضاحي فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة لمن يكون ذلك؟ فوقع عليه السلام عرفها البائع فإن لم يكن يعرفها فالشي‌ء لك رزقك اللّٰه تعالى إياه».
و الرواية لا دلالة فيها على وجوب الخمس في ذلك المال الذي في جوف الدابة و لم ينقلوا في المقام دليلا غيرها، و كأنهم بنوا في ذكر هاتين المسألتين هنا على أن ما يوجد في جوف الدابة و السمكة من قبيل الكنوز، و هو بعيد فإن الكنز لغة هو المال المدفون في الأرض. نعم يمكن أن يكون ذلك داخلا في صنف الأرباح فيكون وجوب الخمس لذلك، و حينئذ فالأنسب ذكر ذلك في ذلك المقام.
و إطلاق الخبر المذكور شامل لما لو كانت الدراهم و نحوها من ما عليه أثر الإسلام أو لم يكن، و مقتضى عدهم ذلك في الكنز كما ذكرنا التفصيل هنا أيضا بين ما عليه أثر الإسلام أولا و جريان الخلاف المتقدم في ما عليه أثر الإسلام، مع أن الرواية صريحة في كونه لواجده، فتحمل عند من قال ثمة بكونه لواجده مع عدم أثر الإسلام على كون تلك الدراهم ليس عليها أثر الإسلام، و أما عند من قال أنه لواجده مطلقا فلا إشكال بل تكون مثل صحيحتي محمد بن مسلم المتقدمتين.
و أما ما ذكره في المدارك- حيث قال: و إطلاق الرواية يقتضي عدم الفرق بين ما عليه أثر الإسلام و غيره، بل الظاهر كون الدراهم في ذلك الوقت مسكوكة بسكة‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 9 من اللقطة.

339
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالثة لو اشترى دابة أو سمكة و وجد في جوفها شيئا له قيمة ج 12 ص 338

الإسلام، و لعل ذلك هو الوجه في إطلاق الأصحاب الحكم في هذه المسألة و التفصيل في السابقة. انتهى- فظني عدم استقامته، لأنه متى كانت هذه المسألة من قبيل مسألة الكنز الموجود في دار الإسلام، و قد تقدم في تلك المسألة التفصيل بين ما لم يكن عليه أثر الإسلام فهو لواجده اتفاقا أو كونه عليه أثره ففيه الخلاف بين كونه لواجده أو يكون لقطة، و حينئذ فمتى كان الظاهر كون تلك الدراهم في ذلك الوقت مسكوكة بسكة الإسلام كانت محل الخلاف، فكيف يكون ذلك سببا في إطلاق الحكم بكونه لواجده في هذه المسألة؟ و إطلاقهم الحكم هنا كذلك إنما يصح تفرعه على عدم كونها مسكوكة بسكة الإسلام لأنه محل الوفاق على كونه لواجده لا العكس كما ذكره و لذا قال جده (قدس سره) في المسالك: و في المسألتين إشكال آخر و هو إطلاقهم الحكم بكونه لواجده بعد الخمس في أي فرض، فإن تم فإن ذلك إنما يتم مع عدم أثر الإسلام و إلا فلا يقصر عن ما يوجد في الأرض لاشتراك الجميع في دلالة أثر الإسلام على مالك سابق و الأصل عدم زواله، فيجب تقييد جواز التملك بعدم وجود الأثر و إلا كان لقطة في الموضعين. انتهى.
و كيف كان فالأظهر عندي هو ما تقدم من أن هذه المسألة بفرديها المذكورين لا ارتباط لها بهذا المقام كما ذكروه لعدم صحة إطلاق الكنز الذي هو لغة و عرفا عبارة عن المال المدفون في الأرض على ما في جوف دابة أو سمكة أو نحوهما، و إنما الأنسب في إيجاب الخمس فيها أن تجعل في صنف الأرباح لأنها من قبيله بغير إشكال، و في ذلك الخروج من هذه الإشكالات و التكلفات التي ذكروها في هذه المسألة من ما ذكرناه و ما لم نذكره.
ثم لا يخفى أن ظاهر الرواية المذكورة هو وجوب تعريف البائع خاصة دون من جرت يده على ذلك المبيع مطلقا، و هو مؤيد لما ذكرناه في المسألة السابقة.
و الظاهر أن مبنى كلام الأصحاب في وجوب تعريف ما في جوف الدابة‌

340
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالثة لو اشترى دابة أو سمكة و وجد في جوفها شيئا له قيمة ج 12 ص 338

دون ما في بطن السمكة هو كون ما في جوف الدابة من قبيل ما وجد في أرض مملوكة و ما في جوف السمكة كالموجود في الأرض المباحة، و لا إشكال في إن السمك في الأصل من جملة المباحات التي لا تملك إلا بالحيازة مع النية، و الصياد إنما حاز السمكة دون ما في بطنها لعدم علمه به فلم يتوجه إليه قصد، و الملك فرع القصد المتوقف على العلم. و ما أورده في المسالك من الإشكال على هذا الكلام الظاهر أنه لا أثر له و ليس في التطويل بنقله كثير فائدة.
إلا أنهم لم ينقلوا في مسألة ما يوجد في جوف السمكة هنا خبرا و لا دليلا مع أن الروايات به موجودة، و إذا كانت النصوص في كل من الموضعين دالة على الحكم المذكور فلا معنى لهذه المناقشات في المقام.
و من الأخبار التي وقفت عليها من ما يتعلق بما في جوف السمكة‌
ما رواه ثقة الإسلام في الكافي «1» بسنده عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام «أن رجلا عابدا من بني إسرائيل كان محارفا. إلى أن قال: فأخذ غزلا فاشترى به سمكة فوجد في بطنها لؤلؤة فباعها بعشرين ألف درهم، فجاء سائل فدق الباب فقال له الرجل ادخل فقال له خذ أحد الكيسين فأخذ أحدهما فانطلق، فلم يكن بأسرع من أن دق السائل الباب فقال له الرجل ادخل فدخل و وضع الكيس في مكانه، ثم قال كل هنيئا مريئا إنما أنا ملك من ملائكة ربك إنما أراد ربك أن يبلوك فوجدك شاكرا. ثم ذهب».
و روى سعيد بن هبة اللّٰه الراوندي في كتاب قصص الأنبياء عن حفص بن غياث عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «كان في بني إسرائيل رجل و كان محتاجا فألحت عليه امرأته في طلب الرزق فابتهل إلى اللّٰه في الرزق فرأى في النوم: أيما أحب إليك درهمان من حل أو ألفان من حرام؟ فقال درهمان من حل. فقال تحت رأسك.
فانتبه فرأى الدرهمين تحت رأسه فأخذهما و اشترى بدرهم سمكة و أقبل إلى منزله فلما
______________________________
(1) الروضة ص 385 و في الوسائل الباب 10 من اللقطة.
(2) الوسائل الباب 10 من اللقطة.

341
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالثة لو اشترى دابة أو سمكة و وجد في جوفها شيئا له قيمة ج 12 ص 338

رأته امرأته أقبلت عليه كاللائمة و أقسمت أن لا تمسها، فقام الرجل إليها فلما شق بطنها إذا بدرتين فباعهما بأربعين ألف درهم».
و روى الصدوق في الأمالي عن علي بن الحسين (عليهما السلام) «1» حديثا يشتمل على أن رجلا شكى إليه الحاجة فدفع له قرصتين و قال له خذهما فليس عندنا غيرهما فإن اللّٰه يكشف بهما عنك و يريك خيرا واسعا منهما، فاشترى سمكة بإحدى القرصتين و بالأخرى ملحا فلما شق بطن السمكة وجد فيها لؤلؤتين فاخرتين، فباع اللؤلؤتين بمال عظيم فقضى منه دينه و حسنت بعد ذلك حاله.
و نحوها خبر في تفسير العسكري عليه السلام «2» أيضا.
الرابعة [الحديث المتضمن لوجوب خمس الركاز على واجده]
روى ثقة الإسلام في الكافي و الشيخ في التهذيب بسنديهما عن الحارث بن حصيرة الأزدي «3» قال: «وجد رجل ركازا على عهد أمير المؤمنين عليه السلام فابتاعه أبي منه بثلاثمائة درهم و مائة شاة متبع، فلامته أمي و قالت أخذت هذه بثلاثمائة شاة أولادها مائة و أنفسها مائة و ما في بطونها مائة؟ قال فندم أبي فانطلق ليستقيله فأبى عليه الرجل، فقال خذ مني عشر شياه خذ مني عشرين شاة فأعياه، فأخذ أبي الركاز و أخرج منه قيمة ألف شاة، فأتاه الآخر فقال خذ غنمك و آتني ما شئت فأبى فعالجه فأعياه فقال لأضرن بك فاستعدى أمير المؤمنين عليه السلام على أبي فلما قص أبي على أمير المؤمنين عليه السلام أمره قال لصاحب الركاز: أد خمس ما أخذت فإن الخمس عليك فإنك أنت الذي وجدت الركاز و ليس على الآخر شي‌ء لأنه إنما أخذ ثمن غنمه».
أقول: قوله في الخبر «فابتاعه أبي منه بثلاثمائة درهم و مائة شاة متبع» في رواية الكافي و أما رواية التهذيب «4» فليس فيها «ثلاثمائة درهم» و الظاهر أنه هو‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 10 من اللقطة.
(2) الوسائل الباب 10 من اللقطة.
(3) الوسائل الباب 6 من ما يجب فيه الخمس.
(4) ج 2 ص 179 باب الزيادات بعد الإجارة.

342
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابعة الحديث المتضمن لوجوب خمس الركاز على واجده ج 12 ص 342

الأصح كما يدل عليه سياق الخبر.
ثم إنه لا يخفى ما في هذا الخبر من الإشكال لدلالته على عدم تعلق الخمس بالعين، و هو خلاف مدلول الآيات و الأخبار و كلام الأصحاب، و الحكم في الخمس و الزكاة واحد، و قد سلف تحقيق ذلك في الزكاة بما يدل على ما ذكرناه.
المقام الرابع- في ما يخرج من البحر بالغوص من الدر و الجواهر
، و لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في وجوب الخمس فيه.
و يدل عليه‌
صحيحة الحلبي «1» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن العنبر و غوص اللؤلؤ فقال عليه الخمس».
و رواية محمد بن علي عن أبي الحسن عليه السلام «2» قال: «سألته عن ما يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد و عن معادن الذهب و الفضة ما فيه؟ قال إذا بلغ ثمنه دينارا ففيه الخمس».
و روى الصدوق في الخصال في الصحيح عن ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «3» قال: «الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز و المعادن و الغوص و الغنيمة. و نسي ابن أبي عمير الخامس».
و نحوه في المقنع «4».
و روى الشيخ بإسناده عن حماد بن عيسى قال رواه لي بعض أصحابنا ذكره عن العبد الصالح أبي الحسن الأول عليه السلام «5» قال: «الخمس من خمسة أشياء من الغنائم و من الغوص و الكنوز و من المعادن و الملاحة. و في رواية يونس «و العنبر» أصبتها في بعض كتبه هذا الحرف وحده العنبر و لم أسمعه».
و روى الشيخ أيضا عن أحمد بن محمد قال حدثني بعض أصحابنا رفع الحديث «6» قال: «الخمس من خمسة أشياء: من الكنوز و المعادن و الغوص و المغنم الذي يقاتل
______________________________
(1) الوسائل الباب 7 من ما يجب فيه الخمس.
(2) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس.
(3) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس.
(4) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس.
(5) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس.
(6) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس.

343
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الرابع في ما يخرج من البحر بالغوص من الدر و الجواهر ج 12 ص 343

عليه. و لم يحفظ الخامس. الحديث».
و ما ذكره في المدارك بعد نقله صحيحة الحلبي المتقدمة- من أنها قاصرة عن إفادة التعميم لاختصاصها بغوص اللؤلؤ إلا أن يقال أنه لا قائل بالفصل- ضعيف فإن رواية محمد بن علي المتقدمة اشتملت على ضم الياقوت و الزبرجد و جملة الأخبار الباقية على الغوص أي ما يخرج بالغوص و هو عام.
ثم إنه لا خلاف في اعتبار النصاب فيه، و إنما الخلاف في تقديره فالمشهور أنه ما بلغ قيمته دينارا و عليه تدل رواية محمد بن علي المتقدمة، و نقل في المختلف عن الشيخ المفيد في المسائل الغرية تقديره بعشرين دينارا و لم نقف على مستنده.
قال في المنتهى: و لا يعتبر في الزائد نصاب إجماعا بل لو زاد قليلا أو كثيرا وجب فيه الخمس.
و اعتبار الدينار في الغوص بعد المؤن كما تقدم الدليل عليه. و البحث في الدفعة و الدفعات كما تقدم في المعدن، و الأظهر كما تقدم ثمة ضم الجميع و إن أعرض أو طال الزمان. قالوا: و لو اشترك في الغوص جماعة اعتبر بلوغ نصيب كل واحد منهم النصاب. و يضم أنواع المخرج بعضها إلى بعض في التقويم. و الظاهر من كلامهم إجزاء القيمة فلا يتعين الإخراج من العين.
[تنبيهات]
و ينبغي التنبيه على أمور:
[الأول ما يخرج بالغوص من الأموال التي عليها أثر الإسلام]
الأول- في ما يخرج بالغوص من الأموال التي عليها أثر الإسلام إشكال ينشأ من دلالة ظاهر‌
روايتي الشعيري و السكوني عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» «في سفينة انكسرت في البحر فأخرج بعضه بالغوص و أخرج البحر بعض ما غرق فيها: فقال أما ما أخرجه البحر فهو لأهله اللّٰه أخرجه و أما ما أخرج بالغوص فهو لهم و هم أحق به».
و يؤيدها إطلاق الغوص في الأخبار المتقدمة، و من أن المتبادر من ما أخرج بالغوص يعني من ما كان مقره بالأصالة تحت الماء كالأشياء المعدودة في الروايات من‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 11 من اللقطة.

344
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأول ما يخرج بالغوص من الأموال التي عليها أثر الإسلام ج 12 ص 344

اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد و نحوها لا ما وقع في الماء و رسب فيه ثم أخرج منه بالغوص و الروايتان المشار إليهما إنما تدلان على كونه لمخرجه و أما أنه يجب فيه الخمس فلا. على أن ظاهر الخبرين غير خال من الإشكال لأن الحكم به لمخرجه مع وجود أهله من غير ناقل شرعي مشكل، اللّٰهمّ إلا أن يحمل ذلك على إعراض أهله عنه لعدم إمكان إخراجه و نحو ذلك و إلا فالحكم بما دلا عليه على الإطلاق مخالف للقواعد الشرعية و الضوابط المرعية المتفقة على أنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا برضاء منه «1».
الثاني [هل يختص الخمس بما يؤخذ بالغوص؟]
- المشهور بين الأصحاب اختصاص وجوب الخمس بما يؤخذ من البحر بالغوص فلو أخذ من غير غوص فلا خمس فيه من هذه الجهة، و قال الشهيد في البيان: و لو أخذ منه شي‌ء من غير غوص فالظاهر أنه بحكمه.
قال في الذخيرة بعد نقل ذلك عن الشهيد: و هو غير بعيد و لعل مستنده إطلاق رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر السابقة. و أشار بها إلى رواية محمد بن علي حيث إن الراوي عنه أحمد بن محمد بن أبي نصر.
و لا يخفى ما فيه فإن الرواية المذكورة و إن تضمنت التعبير عن ذلك بقوله «يخرج من البحر» الذي هو أعمّ من أن يكون بغوص أو غيره إلا أن جملة الروايات الباقية التي قدمناها كلها قد اشتركت في التعبير بالغوص، فإطلاق العبارة في الرواية المذكورة مقيد بما ذكر في الأخبار الباقية و التعبير بذلك إنما وقع توسعا لظهور أنه لا يقع إخراج ذلك إلا بالغوص، فإثبات حكم شرعي بهذا الإطلاق و الحال كما ذكرنا لا يخلو عن مجازفة و به يظهر ضعف ما ذكروه.
الثالث [وجوب الخمس في العنبر]
- لا ريب في وجوب الخمس في العنبر و عليه إجماع الأصحاب و قد‌
______________________________
(1)
الوسائل الباب 3 من الأنفال رقم «6» و الباب 1 من الغصب عن صاحب الزمان (ع) «لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه».
و في المحاضرات قسم المعاملات ص 418 ذكر الحجة المقرم مصادره من طرق الشيعة و السنة فراجعه.

345
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالث وجوب الخمس في العنبر ج 12 ص 345

تقدم ذلك في صحيحة الحلبي «1» و لكن اختلف كلامهم في مقدار نصابه فذهب الأكثر إلى أنه إن أخرج بالغوص روعي مقدار دينار و إن جني من وجه الماء أو من الساحل كان له حكم المعادن.
قال في المدارك: و يشكل بانتفاء ما يدل على اعتبار الدينار في مطلق المخرج بالغوص و بالمنع من إطلاق اسم المعدن على ما يجنى من وجه الماء.
أقول: أما الإشكال الثاني فوجهه ظاهر، و أما الأول ففيه أن الظاهر من الرواية المشتملة على ذكر الدينار أن ما ذكر فيها من ما يخرج من البحر من اللؤلؤ و ما بعده من الأفراد إنما هو على جهة التمثيل لا الحصر، و على هذا بني الاستدلال بها على نصاب الدينار في ما أخرج بالغوص مطلقا كما عليه اتفاق الأصحاب قديما و حديثا.
الرابع [تعريف العنبر]
- قال في القاموس: العنبر من الطيب روث دابة بحرية أو نبع عين فيه، و نقل عن ابن إدريس في سرائره أنه نقل عن الجاحظ في كتاب الحيوان أنه قال يقذفه البحر إلى جزيرة فلا يأكل منه شي‌ء إلا مات و لا ينقره طائر بمنقاره إلا نصل فيه منقاره و إذا وضع رجله عليه نصلت أظفاره. و حكى الشهيد في البيان عن أهل الطب أنهم قالوا أنه جماجم تخرج من عين في البحر أكبرها وزنه ألف مثقال.
و عن الشيخ أنه نبات في البحر. و عن ابن جزلة المتطبب في كتاب منهاج البيان أنه من عين في البحر. و نقل في كتاب مجمع البحرين عن كتاب حياة الحيوان قال:
و العنبر المشموم قيل أنه يخرج من قعر البحر يأكله بعض دوابه لدسومته فيقذفه رجيعا فيطفو على الماء فيلقيه الريح إلى الساحل.
و ظاهر أكثر هذه العبائر أنه إنما يؤخذ من وجه الماء أو من الساحل بعد أن تقذفه الريح و أما أنه يؤخذ بالغوص فهو بعيد عن ظواهرها، فما ذكروه من التفصيل المتقدم مع خلوه من الدليل بعيد عن ظاهر الرواية المتقدمة و كلام هؤلاء القوم.
______________________________
(1) ص 343.

346
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابع تعريف العنبر ج 12 ص 346

و يظهر من كلام الشيخ في النهاية وجوب الخمس فيه مطلقا و لعله الأظهر و لا ريب أنه الأحوط.
المقام الخامس [وجوب الخمس في الفاضل عن مئونة السنة من الأرباح]
- في ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله من أرباح التجارات و الزراعات و الصناعات، و وجوب الخمس في هذا النوع هو المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) بل ادعى عليه العلامة في المنتهى و التذكرة الإجماع و تواتر الأخبار، و نقل عن ابن الجنيد في المختصر الأحمدي أنه قال: فأما ما استفيد من ميراث أو كد يد أو صلة أخ أو ربح تجارة أو نحو ذلك فالأحوط إخراجه لاختلاف الرواية في ذلك، و لو لم يخرجه الإنسان لم يكن كتارك الزكاة التي لا خلاف فيها.
و هو ظاهر في العفو عن هذا النوع، و حكاه الشهيد في البيان عن ظاهر ابن أبي عقيل أيضا فقال: و ظاهر ابن الجنيد و ابن أبي عقيل العفو عن هذا النوع و أنه لا خمس فيه و الأكثر على وجوبه، و هو المعتمد لانعقاد الإجماع عليه في الأزمنة السابقة لزمانهما و اشتهار الروايات فيه. انتهى.
و من ما يدل على الوجوب الآية الشريفة «1» بمعونة الأخبار التي وردت بتفسيرها بما هو أعمّ من غنيمة دار الحرب و قد تقدمت الإشارة إليها في أول الكتاب «2» و به يظهر أن ما ذكره في المدارك- و تبعه عليه الفاضل الخراساني في الذخيرة من الطعن في دلالة الآية من أن المتبادر من الغنيمة الواقعة فيها غنيمة دار الحرب كما يدل عليه سوق الآيات- لا تعويل عليه فإنه بعد ورود النصوص بذلك لا مجال لهذا الكلام إذ أحكام القرآن و غيره و تفسيره و بيان مجملاته و حل مشكلاته إنما يتلقى عنهم (عليهم السلام) فإذا ورد التفسير عنهم بذلك فالراد له راد عليهم.
و الأخبار و منها-
ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار عن محمد بن
______________________________
(1) و هي قوله تعالى «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ.» سورة الأنفال الآية 43.
(2) ص 320.

347
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الخامس وجوب الخمس في الفاضل عن مئونة السنة من الأرباح ج 12 ص 347

الحسن الأشعري «1» قال: «كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام أخبرني عن الخمس أ على جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و على الضياع و كيف ذلك؟ فكتب بخطه عليه السلام: الخمس بعد المئونة».
و ما رواه أيضا في الصحيح عن علي بن مهزيار عن علي بن محمد بن شجاع النيسابوري «2» «أنه سأل أبا الحسن الثالث عليه السلام عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر ما يزكى فأخذ منه العشر عشرة أكرار و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا و بقي في يده ستون كرا ما الذي يجب لك من ذلك؟ و هل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي‌ء؟ فوقع عليه السلام: لي منه الخمس من ما يفضل من مئونته».
و ما رواه في الصحيح عن علي بن مهزيار «3» قال: «قال لي أبو علي بن راشد قلت له أمرتني بالقيام بأمرك و أخذ حقك فأعلمت مواليك ذلك فقال بعضهم و أي شي‌ء حقه؟ فلم أدر ما أجيبه؟ فقال يجب عليهم الخمس. فقلت ففي أي شي‌ء؟
فقال في أمتعتهم و ضياعهم. قلت فالتاجر عليه و الصانع بيده؟ فقال ذلك إذا أمكنهم بعد مئونتهم».
و ما رواه في الكافي عن إبراهيم بن محمد الهمداني «4» قال: «كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أقرأني علي بن مهزيار كتاب أبيك عليه السلام في ما أوجبه على أصحاب الضياع نصف السدس بعد المئونة و أنه ليس على من لم تقم ضيعته بمئونته نصف السدس و لا غير ذلك و اختلف من قبلنا في ذلك فقالوا يجب على الضياع الخمس بعد المئونة مئونة الضيعة و خراجها لا مئونة الرجل و عياله؟ فكتب عليه السلام بعد مئونته و مئونة عياله و بعد خراج السلطان».
و ما رواه في التهذيب في الصحيح عن علي بن مهزيار «5» قال: كتب إليه إبراهيم بن محمد الهمداني أقرأني على كتاب أبيك. الحديث مثل ما تقدم إلا أنه
______________________________
(1) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس.
(2) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس.
(3) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس.
(4) الأصول ج 1 ص 547 و في الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس.
(5) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس.

348
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الخامس وجوب الخمس في الفاضل عن مئونة السنة من الأرباح ج 12 ص 347

قال في آخره «فكتب عليه السلام و قرأه علي بن مهزيار: عليه الخمس بعد مئونته و مئونة عياله و بعد خراج السلطان».
و ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار «1» قال: «كتب إليه أبو جعفر عليه السلام و قرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة قال: الذي أوجبت في سنتي هذه و هذه سنة عشرين و مائتين فقط لمعنى من المعاني أكره تفسير المعنى كله خوفا من الانتشار و سأفسر لك بعضه إن شاء اللّٰه تعالى: إن موالي أسأل اللّٰه صلاحهم أو بعضهم قصروا في ما يجب عليهم فعلمت ذلك فأحببت أن أطهرهم و أزكيهم بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس، قال اللّٰه تعالى «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَ اللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبٰادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقٰاتِ وَ أَنَّ اللّٰهَ هُوَ التَّوّٰابُ الرَّحِيمُ وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّٰهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ سَتُرَدُّونَ إِلىٰ عٰالِمِ الْغَيْبِ وَ الشَّهٰادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمٰا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» «2» و لم أوجب ذلك عليهم في كل عام، و لا أوجب عليهم إلا الزكاة التي فرضها اللّٰه تعالى عليهم، و إنما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب و الفضة التي قد حال عليها الحول و لم أوجب ذلك عليهم في متاع و لا آنية و لا دواب و لا خدم و لا ربح ربحه في تجارة و لا ضيعة إلا ضيعة سأفسر لك أمرها تخفيفا مني عن موالي و منا مني عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم و بما ينوبهم في ذاتهم. فأما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام، قال اللّٰه تعالى «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ وَ مٰا أَنْزَلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا يَوْمَ الْفُرْقٰانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعٰانِ وَ اللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ» «3» فالغنائم و الفوائد يرحمك اللّٰه فهي الغنيمة يغنمها المرء و الفائدة
______________________________
(1) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس.
(2) سورة التوبة الآية 105 و 106 و 107.
(3) سورة الأنفال الآية 43.

349
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الخامس وجوب الخمس في الفاضل عن مئونة السنة من الأرباح ج 12 ص 347

يفيدها، و الجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، و الميراث الذي لا يحتسب من غير أب و لا ابن، و مثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله، و مثل مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب، و من ضرب ما صار إلى موالي من أموال الخرمية الفسقة فقد علمت أن أموالا عظاما صارت إلى قوم من موالي، فمن كان عنده شي‌ء من ذلك فليوصل إلى وكيلي و من كان نائيا بعيد الشقة فليعمد لإيصاله و لو بعد حين فإن نية المؤمن خير من عمله. فأما الذي أوجب من الضياع و الغلات في كل عام فهو نصف السدس ممن كانت ضيعته تقوم بمئونته و من كانت ضيعته لا تقوم بمئونته فليس عليه نصف سدس و لا غير ذلك».
أقول: الوجه في إيجابه نصف السدس هو أنه صاحب الحق فله تحليل شيعته بما أراد من حقه، و سيأتي تحقيق المسألة إن شاء اللّٰه تعالى على وجهها في الفصل الثاني‌
و ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة «1» قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخمس فقال في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير».
و ما رواه فيه أيضا عن يزيد «2» قال: «كتبت جعلت لك الفداء تعلمني ما الفائدة و ما حدها؟ رأيك أبقاك اللّٰه تعالى أن تمن علي ببيان ذلك لكي لا أكون مقيما على حرام لا صلاة لي و لا صوم؟ فكتب: الفائدة من ما يفيد إليك في تجارة من ربحها و حرث بعد الغرام أو جائزة».
و ما رواه الشيخ عن عبد اللّٰه بن سنان «3» قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام على كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس من ما أصاب لفاطمة (عليها السلام) و لمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس فذاك لهم خاصة يضعونه حيث شاءوا و حرم عليهم الصدقة، حتى الخياط ليخيط ثوبا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق إلا من أحللناه من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة. الحديث».
و ما رواه بإسناده عن الريان بن الصلت «4» قال: «كتبت إلى أبي محمد عليه السلام
______________________________
(1) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس.
(2) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس.
(3) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس.
(4) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس.

350
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الخامس وجوب الخمس في الفاضل عن مئونة السنة من الأرباح ج 12 ص 347

ما الذي يجب علي يا مولاي في غلة رحى في أرض قطيعة لي و في ثمن سمك و بردي و قصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب يجب عليك فيه الخمس إن شاء اللّٰه تعالى».
و ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب «1» قال: «كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه و المنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر هل عليه فيها الخمس؟ فكتب عليه السلام الخمس في ذلك. و عن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة تأكله العيال إنما يبيع منه الشي‌ء بمائة درهم أو خمسين درهما هل عليه الخمس؟ فكسب: أما ما أكل فلا و أما البيع فنعم هو كسائر الضياع».
و لم نقف لما نقل عن ابن الجنيد و ابن أبي عقيل على دليل معتمد سوى ما نقله في المختلف فقال احتج ابن الجنيد بأصالة براءة الذمة‌
و بما رواه عبد اللّٰه بن سنان «2» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة».
ثم قال (قدس سره): و الجواب عن الأول أنه معارض بالاحتياط مع أن الأصل لا يعمل به مع قيام الموجب، و عن الثاني بالقول بالموجب فإن الخمس إنما يجب في ما يكون غنيمة و هو يتناول غنائم دار الحرب و غيرها من جميع الاكتسابات. على أنه لا يقول بذلك فإنه أوجب الخمس في المعادن و الغوص و غير ذلك. انتهى.
و يمكن أن يقال و لعله الأظهر: أن الوجه في ما ذكره ابن الجنيد و ابن أبي عقيل إنما هو من حيث ورود جملة من الأخبار كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى في محلها بتحليل الخمس من هذا النوع كما يشير إليه قول ابن الجنيد في عبارته المتقدمة: «لاختلاف الرواية في ذلك» فكأنهما رجحا العمل بأخبار التحليل فأسقطاه هنا.
إذا عرفت ذلك فتنقيح هذا المقام يتوقف على رسم مسائل‌
الأولى [هل يجب الخمس في الميراث و الصداق و الهبة و الهدية؟]
- المشهور‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس، و ابن محبوب يرويه عن أحمد بن هلال عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (ع).
(2) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس.

351
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأولى هل يجب الخمس في الميراث و الصداق و الهبة و الهدية ج 12 ص 351

بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) وجوب الخمس في جميع أنواع المكاسب من الزراعات و الصناعات و التجارات عدا الميراث و الصداق و الهبة، و نقل عن أبي الصلاح وجوبه في الميراث و الهبة و الهدية، و أنكر ذلك ابن إدريس و قال هذا شي‌ء لم يذكره أصحابنا غير أبي الصلاح.
أقول: و يدل على ما ذهب إليه أبو الصلاح عموم‌
رواية محمد بن الحسن الأشعري المتقدمة «1» من أن الخمس على جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب،.
و موثقة سماعة «2» لقوله عليه السلام فيها «في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير».
و على خصوص الهدية الرواية المتقدم نقلها من مستطرفات السرائر، و إليه يشير أيضا‌
ما رواه في الكافي عن علي بن الحسين بن عبد ربه «3» قال: «سرح الرضا عليه السلام بصلة إلى أبي فكتب إليه أبي هل علي في ما سرحت إلي خمس؟ فكتب إليه: لا خمس عليك في ما سرح به صاحب الخمس».
فإنه يشعر بوجوب الخمس في ما يسرح به غير صاحب الخمس و إلا لكتب إليه أنه لا خمس في ما يسرح به مطلقا.
و على الجميع صحيحة علي بن مهزيار و قوله فيها «الفائدة يفيدها و الجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر و الميراث الذي لا يحتسب من غير أب و لا ابن».
و ما في كتاب الفقه الرضوي «4» حيث ذكر الغنيمة في الآية و فسرها بهذه الأفراد: ربح التجارة و غلة الضيعة و سائر الفوائد من المكاسب و الصناعات و المواريث و غيرها لأن الجميع غنيمة و فائدة.
و بالجملة فإنه متى فسرت آية الغنيمة بما هو أعمّ من غنيمة دار الحرب كما عرفته من الأخبار فإن هذه الأشياء تدخل فيها البتة و تخرج الأحاديث الواردة في هذه الأشياء على الخصوص شاهدة لذلك. و به يظهر قوة القول المذكور.
______________________________
(1) ص 347 و 348.
(2) ص 350.
(3) الوسائل الباب 11 من ما يجب فيه الخمس.
(4) مستدرك الوسائل الباب 6 من ما يجب فيه الخمس.

352
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأولى هل يجب الخمس في الميراث و الصداق و الهبة و الهدية ج 12 ص 351

و أما عد الصداق في ذلك فلم أقف على قائل به، و لو قيل به فالظاهر أنه ليس من قبيل هذه لأن الصداق عوض البضع كثمن المبيع فلا يكون من قبيل الغنيمة.
و مثله ما لو دفع إليه مال يحج به‌
كما رواه في الكافي عن علي بن مهزيار «1» قال:
«كتبت إليه يا سيدي رجل دفع إليه مال يحج به هل عليه في ذلك المال حين يصير إليه الخمس أو على ما فضل في يده بعد الحج؟ فكتب: ليس عليه الخمس».
الثانية [المئونة المستثناة من تخميس الأرباح و غيرها]
- الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) في أن الخمس المتعلق بالأرباح إنما يجب بعد مئونة السنة له و لعياله، و قد تقدم في الأخبار المذكورة في المقام ما يدل على كونه بعد المئونة له و لعياله، إلا أني لم أقف على خبر صريح يتضمن كون المراد مئونة السنة، لكن الظاهر أنه هو المتبادر من إطلاق هذه الألفاظ.
و اعتبار الحول هنا ليس في الوجوب بمعنى توقف الوجوب عليه خلافا لابن إدريس كما نقله عنه في الدروس، بل بمعنى تقدير الاكتفاء فلو علم الاكتفاء في أول الحول وجب الخمس و لكن يجوز تأخيره احتياطا له و للمستحق لجواز زيادة النفقة بسبب عارض أو نقصها كما صرح به شيخنا الشهيد في البيان.
و ظاهر العلامة في التذكرة حيث نسب اعتبار السنة الكاملة إلى علمائنا أنه لا يكتفى بالدخول في الثاني عشر كما في الزكاة و استقربه الشهيد في الدروس.
و ذكر غير واحد من الأصحاب أن المراد بالمئونة هنا ما ينفقه على نفسه و عياله الواجبي النفقة و غيرهم كالضيف، و منها الهدية و الصلة لإخوانه و ما يأخذه الظالم منه قهرا أو يصانعه به اختيارا و الحقوق اللازمة له بنذر و كفارة و مئونة التزويج و ما يشتريه لنفسه من دابة و مملوك و نحو ذلك، كل ذلك ينبغي أن يكون على ما يليق بحاله عادة و إن أسرف حسب عليه ما زاد و إن قتر حسب له ما نقص.
و ما ذكروه (نور اللّٰه تعالى مراقدهم) لا بعد فيه فإنه هو المتبادر من هذا‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 11 من ما يجب فيه الخمس.

353
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثانية المئونة المستثناة من تخميس الأرباح و غيرها ج 12 ص 353

اللفظ بالنظر إلى العادة الجارية و الطريقة التي عليها الناس في جميع الأعصار و الأمصار و ظاهرهم أن ما يستثنى من ربح عامه و به صرح بعضهم، فلو استقر الوجوب في مال بمضي الحول لم يستثن ما تجدد من المؤن.
و لا يعتبر الحول في كل تكسب بل مبدأ الحول من حين الشروع في التكسب بأنواعه فإذا تم الحول خمس ما بقي عنده.
و لو تملك قبل الحول ما يزيد على المئونة دفعة أو دفعات تخير في التعجيل و التأخير كما ذكرنا أولا، إلا أن ظواهر بعض الأخبار- مثل‌
قوله عليه السلام «1» «حتى الخياط ليخيط ثوبا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق».
- ربما ينافي ما ذكرناه و لكن الظاهر أن هذا الخبر و نحوه ليس على إطلاقه بل يجب تقييده بأخبار استثناء المئونة المتكاثرة كما عرفت.
و لو كان له مال لا خمس فيه ففي احتساب المئونة منه أو من الربح المكتسب أو بالنسبة منهما؟ أوجه أجودها الثاني و أحوطها الأول.
و أدخل في المنتهى في الاكتساب زيادة قيمة ما غرسه لزيادة نمائه فأوجب الخمس فيها بخلاف ما لو زادت قيمته السوقية من غير زيادة فيه و هو جيد، و منهم من أوجب في زيادة القيمة أيضا.
و هل يكفي ظهور الربح في أمتعة التجارة أم يحتاج إلى البيع و الإنضاض؟
وجهان و لعل الثاني هو الأقرب.
الثالثة [الخمس في المن و العسل الذي يؤخذ من الجبال]
- قال الشيخ في المبسوط العسل الذي يؤخذ من الجبال و كذلك المن يؤخذ منه الخمس، و اختاره ابن إدريس و ابن حمزة و قطب الدين الكيدري و جملة من المتأخرين، و نقل عن السيد المرتضى (رضي اللّٰه عنه) في أجوبة المسائل الناصرية عدم الوجوب.
و الظاهر هو القول المشهور لكون ذلك كسبا فيدخل تحت الأخبار الدالة‌
______________________________
(1) في رواية عبد اللّٰه بن سنان ص 350.

354
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالثة الخمس في المن و العسل الذي يؤخذ من الجبال ج 12 ص 354

على وجوب الخمس في المكاسب كرواية محمد بن الحسن الأشعري المتقدمة «1» الدالة على أن الخمس على جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و نحوها من ما تقدم.
احتج السيد على ما نقل عنه بالإجماع، و بأن الأصل أن لا حق في الأموال، فمن أثبت حقا في العسل أو غيره إما خمسا أو غيره فعليه إقامة الدليل و لا دليل.
و ضعفه ظاهر، أما الإجماع ففيه أنه لا قائل به سواه و أما الدليل فقد ذكرناه.
و لا أعرف هنا وجها لتخصيص الكلام بالعسل و المن كما ذكره في المبسوط إلا أن يكون المراد من كلامه مجرد التمثيل، و إلا فالحكم جار في كل ما يجتنى كالترنجبين و الصمغ و الشير خشك و غير ذلك لدخول الجميع تحت الاكتساب كما عرفت.
الرابعة [إشكالات على صحيحة علي بن مهزيار و ردها]
- قال المحقق الشيخ حسن (قدس سره) في كتاب المنتقى بعد نقل صحيحة علي بن مهزيار الطويلة المتقدمة «2» ما صورته: قلت على ظاهر هذا الحديث عدة إشكالات ارتاب منها فيه بعض الواقفين عليه، و نحن نذكرها مفصلة ثم نحلها بما يزيل عنها الارتياب بعون اللّٰه سبحانه و مشيئته:
الإشكال الأول- أن المعهود و المعروف من أحوال الأئمّة (عليهم السلام) أنهم خزنة العلم و حفظة الشرع يحكمون فيه بما استودعهم الرسول صلى اللّٰه عليه و آله و أطلعهم عليه، و أنهم لا يغيرون الأحكام بعد انقطاع الوحي و انسداد باب النسخ، فكيف يستقيم قوله عليه السلام في هذا الحديث «أوجبت في سنتي و لم أوجب ذلك عليهم في كل عام» إلى غير ذلك من العبارات الدالة على أنه عليه السلام يحكم في هذا الحق بما شاء و اختار.
الثاني- أن قوله عليه السلام: «و لا أوجب عليهم إلا الزكاة التي فرضها اللّٰه عليهم» ينافيه قوله بعد ذلك: «فأما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام».
______________________________
(1) ص 347 و 348.
(2) ص 349.

355
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابعة إشكالات على صحيحة علي بن مهزيار و ردها ج 12 ص 355

الثالث- أن قوله عليه السلام: «و إنما أوجب عليهم الخمس في سنتي هذه من الذهب و الفضة التي قد حال عليها الحول» خلاف المعهود إذ الحول يعتبر في وجوب الزكاة في الذهب و الفضة لا الخمس. و كذا قوله: «و لم أوجب ذلك عليهم في متاع و لا آنية و لا دواب و لا خدم» فإن تعلق الخمس بهذه الأشياء غير معروف.
الرابع- أن الوجه في الاقتصار على نصف السدس غير ظاهر بعد ما علم من وجوب الخمس في الضياع التي تحصل منها المئونة كما يستفاد من الخبر الذي قبل هذا و غيره من ما سيأتي.
إذا تقرر ذلك فاعلم أن الإشكال الأول مبني على ما اتفقت فيه كلمة المتأخرين من استواء جميع أنواع الخمس في المصرف، و نحن نطالبهم بدليله و نضايقهم في بيان مأخذ هذه التسوية، كيف و في الأخبار التي بها تمسكهم و عليها اعتمادهم ما يؤذن بخلافها بل ينادي بالاختلاف كالخبر السابق عن أبي علي بن راشد «1» و يعزى إلى جماعة من القدماء في هذا الباب ما يليق أن يكون ناظرا إلى ذلك، و في خبر لا يخلو من جهالة في الطريق تصريح به أيضا فهو عاضد للصحيح، و الخبر‌
يرويه الشيخ بإسناده عن سعد بن عبد اللّٰه عن أحمد بن محمد عن علي بن مهزيار قال حدثني محمد بن علي بن شجاع النيسابوري «2» «أنه سأل أبا الحسن الثالث عليه السلام عن رجل أصاب من ضيعته مائة كر.».
ثم نقل الخبر بتمامه كما قدمناه، ثم قال: و إذا قام احتمال الاختلاف فضلا عن إيضاح سبيله باختصاص بعض الأنواع بالإمام عليه السلام فهذا الحديث مخرج عليه و شاهد به، و إشكال نسبة الإيجاب فيه بالإثبات و النفي إلى نفسه عليه السلام مرتفع معه فإن له التصرف في ماله بأيّ وجه شاء أخذا و تركا.
و بهذا ينحل الإشكال الرابع أيضا فإنه في معنى الأول، و إنما يتوجه السؤال عن وجه الاقتصار على نصف السدس بتقدير عدم استحقاقه للكل، فأما مع كون‌
______________________________
(1) ص 348.
(2) ص 348.

356
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابعة إشكالات على صحيحة علي بن مهزيار و ردها ج 12 ص 355

الجميع له فتعيين مقدار ما يأخذ و يدع راجع إلى مشيئته و ما يراه من المصلحة و لا مجال للسؤال عن وجهه.
أقول: لا يخفى أن الجواب عن السؤال المذكور لا ينحصر في ما ذكره (قدس سره) ليتخذه مستندا لما ذهب إليه من اختصاص هذا النوع به عليه السلام دون الأصناف الأخر، بل يمكن الجواب بما ورد في جملة من الأخبار من أنهم (عليهم السلام) قد فوض إليهم كما فوض إلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و قد عقد له في الكافي بابا على حدة.
و من أخباره‌
ما رواه (قدس سره) عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسن قال وجدت في نوادر محمد بن سنان عن عبد اللّٰه بن سنان «1» قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام لا و اللّٰه ما فوض اللّٰه إلى أحد من خلقه إلا إلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و إلى الأئمّة (عليهم السلام) قال اللّٰه تعالى إِنّٰا أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ الْكِتٰابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّٰاسِ بِمٰا أَرٰاكَ اللّٰهُ «2» و هي جارية في الأوصياء عليهم السلام».
و في حديث آخر «3» «فما فوض اللّٰه إلى رسوله صلى اللّٰه عليه و آله فقد فوضه إلينا».
و في ثالث «4» «إن اللّٰه فوض إلى سليمان بن داود فقال هٰذٰا عَطٰاؤُنٰا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسٰابٍ «5» و فوض إلى نبيه صلى اللّٰه عليه و آله فقال وَ مٰا آتٰاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مٰا نَهٰاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «6» فما فوض إلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله فقد فوضه إلينا».
إلى غير ذلك من الأخبار.
و يؤيد هذه الأخبار أيضا‌
ما في رواية أبي خالد الكابلي عنه عليه السلام «7» قال:
______________________________
(1) أصول الكافي ج 1 ص 268.
(2) سورة النساء الآية 107.
(3) أصول الكافي ج 1 ص 268.
(4) أصول الكافي ج 1 ص 265 رقم 2.
(5) سورة ص الآية 39.
(6) سورة الحشر الآية 8.
(7) الوسائل الباب 2 من قسمة الخمس.

357
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابعة إشكالات على صحيحة علي بن مهزيار و ردها ج 12 ص 355

«إن رأيت صاحب هذا الأمر يعطي كل ما في بيت المال رجلا واحدا فلا يدخلن في قلبك شي‌ء فإنه إنما يعمل بأمر اللّٰه».
و حينئذ يكون ما ذكره عليه السلام راجعا إلى الخمس بجميع موارده لا إلى صنف منه مختص به كما يدعيه، و سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى ما فيه مزيد تحقيق للمقام و الكلام على ما ذهب إليه بما يكشف عن المسألة غياهب الإبهام.
ثم قال (قدس سره): و أما الإشكال الثاني فمنشؤه نوع إجمال في الكلام اقتضاه تعلقه بأمر معهود بين المخاطب و بينه عليه السلام كما يدل عليه قوله «بما فعلت في عامي هذا» و سوق الكلام يشير إلى البيان و ينبه على أن الحصر في الزكاة إضافي مختص بنحو الغلات، و منه يعلم أن قوله عليه السلام: «و الفوائد» ليس على عمومه بحيث يتناول الغلات و نحوها بل هو مقصور على ما سواها، و يقرب أن يكون قوله «و الجائزة» و ما عطف عليه إلى آخر الكلام تفسيرا للفائدة أو تنبيها على نوعها، و لا ريب في مغايرته لنحو الغلات التي هي متعلق الحصر هناك. ثم إن في هذه التفرقة بمعونة ملاحظة الاستشهاد بالآية و قوله بعد ذلك «فليعمد لإيصاله و لو بعد حين» دلالة واضحة على ما قلناه من اختلاف حال أنواع الخمس، فإن خمس الغنائم و نحوها من ما يستحقه أهل الآية ليس للإمام عليه السلام أن يرفع فيه و يضع على حد ماله في خمس نحو الغلات و ما ذاك إلا للاختصاص هناك و الاشتراك هنا.
أقول: ما ذكره (قدس سره) هنا- بناء على ما اختاره من ما أشرنا إليه آنفا من أنه ليس للإمام عليه السلام أن يرفع و يضع في ما يستحقه أهل الآية على حد ماله- منظور فيه، فإن المفهوم من الأخبار خلافه و منها رواية أبي خالد الكابلي و ما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى في أخبار التحليل «1» من دلالة جملة من الأخبار بعمومها على تحليل الخمس مطلقا، و صحيحة عمر بن أذينة «2» الواردة في حمل أبي سيار مسمع بن عبد الملك‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 4 من الأنفال.
(2) الصحيح «عمر بن يزيد».

358
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابعة إشكالات على صحيحة علي بن مهزيار و ردها ج 12 ص 355

خمس ما استفاده من الغوص إلى أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» و رده عليه و تحليله به كملا.
و يعضد ذلك الأخبار الآتية إن شاء اللّٰه تعالى فإنها دالة على أن الأرض و ما خرج منها كله لهم (عليهم السلام) «2» و يؤكد ذلك أيضا أخبار التفويض التي تقدم ذكر بعض منها.
ثم قال (قدس سره): و بقي الكلام على الإشكال الثالث و محصله أن الأشياء التي عددها عليه السلام في إيجابه للخمس و نفيه أراد بها ما يكون محصلا من ما يجب له فيه الخمس فاقتصر في الأخذ على ما حال عليه الحول من الذهب و الفضة، لأن ذلك أمارة الاستغناء عنه فليس في الأخذ منه ثقل على من هو بيده، و ترك التعرض لهم في بقية الأشياء المعدودة طلبا للتخفيف كما صرح به عليه السلام انتهى كلامه زيد مقامه أقول: جميع ما تكلفه في دفع هذه الإشكالات مبني على ما زعمه من اختصاص خمس الأرباح به عليه السلام دون شركائه المذكورين في الآية و سيأتي ما فيه.
و بالجملة فالحق ما ذكره جملة من الأصحاب من أن الرواية في غاية الإشكال و نهاية الإعضال، و أجوبته (قدس سره) مع كونها تكلفات ظاهرة مدخولة بما ذكرناه هنا و ما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى.
المقام السادس- في أرض الذمي التي اشتراها من مسلم
، و هذه الأرض ذكرها الشيخ و أتباعه استنادا إلى‌
صحيحة أبي عبيدة الحذاء «3» قال: «سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول أيما ذمي اشترى من مسلم أرضا فإن عليه الخمس».
و حكى العلامة في المختلف عن كثير من المتقدمين كابن الجنيد و الشيخ المفيد و ابن أبي عقيل و سلار و أبي الصلاح أنهم لم يذكروا هذا الفرد في ما يجب فيه الخمس و ظاهرهم سقوط الخمس هنا، و نقل عن شيخنا الشهيد الثاني في فوائد القواعد الميل‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام رقم 12.
(2) أصول الكافي ج 1 ص 407 باب إن الأرض كلها للإمام «ع».
(3) الوسائل الباب 9 من ما يجب فيه الخمس.

359
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام السادس في أرض الذمي التي اشتراها من مسلم ج 12 ص 359

إلى ذلك استضعافا للرواية الواردة بذلك، و ذكر في الروضة تبعا للعلامة في المختلف أنها من الموثق.
و الجميع سهو ظاهر فإن سند الرواية في أعلى مراتب الصحة لأن الشيخ قد رواها في التهذيب «1» عن سعد عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان عن أبي عبيدة الحذاء، و روى هذه الرواية في الفقيه «2» عن أبي عبيدة الحذاء و رواها المحقق في المعتبر عن الحسن بن محبوب،
و روى الشيخ المفيد في باب الزيادات من المقنعة «3» عن الصادق عليه السلام مرسلا قال: «الذمي إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس».
بقي الكلام في أن مصرف هذا الخمس هل هو مصرف الخمس الذي تضمنته الآية؟ ظاهر الأصحاب ذلك حيث عدوا هذه الأرض في هذا الباب.
و قال المحقق الشيخ حسن (قدس سره) في كتاب المنتقى بعد نقل الخبر المتقدم: قلت ظاهر أكثر الأصحاب الاتفاق على أن المراد من الخمس في هذا الحديث معناه المعهود و للنظر في ذلك مجال، و يعزى إلى مالك «4» القول بمنع الذمي من شراء الأرض العشرية و أنه إذا اشتراها ضوعف عليه العشر فيجب عليه الخمس، و هذا المعنى يحتمل إرادته من هذا الحديث أما موافقة عليه أو تقية، فإن مدار التقية على الرأي الظاهر لأهل الخلاف وقت صدور الحكم، و معلوم أن رأي مالك كان هو الظاهر في زمن الباقر عليه السلام و مع قيام هذا الاحتمال بل قربه‌
______________________________
(1) ج 1 ص 384 و 389.
(2) ج 2 ص 22.
(3) الوسائل الباب 9 من ما يجب فيه الخمس.
(4) نقل أبو عبيد في كتاب الأموال ص 90 عن أبي حنيفة أنه إذا اشترى الذمي أرض عشر تحولت أرض خراج. قال و قال أبو يوسف يضاعف عليه العشر. ثم نقل ذلك عن غيره ثم قال: فأما مالك بن أنس فكان يقول غير ذلك كله، حدثني عنه يحيى بن بكير لا شي‌ء عليه فيها. ثم ذكر علة ذلك ثم قال: و روى بعضهم عن مالك أنه قال لا عشر عليه و لكنه يؤمر ببيعها لأن في ذلك إبطالا للصدقة.

360
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام السادس في أرض الذمي التي اشتراها من مسلم ج 12 ص 359

لا يتجه التمسك بالحديث في إثبات ما قالوه، و ليس هو بمظنة بلوغ حد الإجماع ليغني عن طلب الدليل فإن جمعا منهم لم يذكروه أصلا، و صرح بعضهم بالتوقف فيه لا لما قلناه بل استضعافا لطريق الخبر و هو من الغرابة بمكان. إلى آخر كلامه (قدس سره).
أقول: و يمكن أن يؤيد ما ذكره من احتمال حمل الخمس هنا على غير المعنى المشهور ما تقدم في أول الكتاب‌
في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان «1» من قوله عليه السلام «ليس الخمس إلا في الغنائم».
بحمل الغنائم في الخبر على المعنى الأعم كما قدمنا بيانه و شددنا أركانه، و هو أظهر الاحتمالين في معنى الخبر كما قدمنا ذكره ثمة، و من الظاهر أن ما نحن فيه هنا لا يدخل تحت الغنائم. و كذا يؤيد ذلك ما تقدم في المقام الرابع في الغوص من الأخبار الدالة بظاهرها على حصر ما فيه الخمس في خمسة أشياء و لم يذكر منها هذه الأرض.
إلا أن ما ذكره (قدس سره) من أن رأي مالك كان هو الظاهر في زمن الباقر عليه السلام لا يخلو من شي‌ء، فإن مذهب مالك في زمن وجوده ليس إلا كمذاهب سائر المجتهدين في تلك الأوقات، و مذهبه إنما اشتهر و صار له صيت مع مذهبي الشافعي و أحمد بن حنبل بعد الاصطلاح على تلك المذاهب أخيرا في ما يقرب من سنة خمسمائة و خمسين كما ذكره جملة من علمائنا و علمائهم. نعم مذهب أبي حنيفة في وقته كان شائعا مشهورا و له تلامذة يجادلون على مذهبه.
و بالجملة فما ذكره المحقق المشار إليه لا يخلو من قرب، و قريب منه ما ذكره في المدارك حيث قال- بعد أن ذكر أن الرواية خالية من ذكر متعلق الخمس و مصرفه صريحا- ما صورته: و قال بعض العامة إن الذمي إذا اشترى أرضا من مسلم و كانت عشرية ضوعف عليه العشر و أخذ منه الخمس «2» و لعل ذلك هو المراد من النص. انتهى.
______________________________
(1) ص 351.
(2) ارجع إلى التعليقة 4 ص 360.

361
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام السادس في أرض الذمي التي اشتراها من مسلم ج 12 ص 359

فروع
الأول
- هل المراد بالأرض هنا أرض الزراعة خاصة أو ما هو أعمّ منها و من الأرض المشغولة بالبناء و الغرس؟ ظاهر المعتبر الأول حيث قال: و الظاهر أن مراد الأصحاب أرض الزراعة لا المساكن. و اختاره في المدارك. و بالثاني صرح شيخنا الشهيد الثاني جزما حيث صرح بالوجوب فيها سواء أعدت للزراعة أم لغيرها حتى لو اشترى بستانا أو دارا أخذ منه خمس الأرض عملا بالإطلاق، و خصها في المعتبر بالأول، و إلى ذلك أيضا يميل كلام شيخنا الشهيد في البيان، و جزم في المدارك بضعف هذا القول. و المسألة لا تخلو من الإشكال.
الثاني
- قالوا: لو اشتملت على أشجار و بناء فالخمس واجب في الأرض لا فيهما و يتخير في الأخذ بين الأخذ من رقبة الأرض أو ارتفاعها. و الأقرب أن التخيير إنما هو في ما إذا لم تكن الأرض مشغولة بغرس أو بناء و إلا يتعين الأخذ من الارتفاع، و طريقه أنه متى كانت مشغولة بشجر أو بناء أن تقوم الأرض مع ما فيها بالأجرة و توزع الأجرة على ما للمالك و على خمس الأرض فيأخذ الإمام أو المستحق ما يخص الخمس من الأجرة.
الثالث
- مورد الخبر كما عرفت الشراء و ظاهر جملة من عباراتهم ترتب الحكم على مجرد الانتقال، قال شيخنا الشهيد الثاني في الروضة- بعد قول المصنف السابع أرض الذمي المنتقلة إليه من مسلم- ما صورته: سواء انتقلت إليه بشراء أم غيره و إن تضمن بعض الأخبار لفظ الشراء و بذلك صرح الشهيد في البيان أيضا، و أكثر عباراتهم على التعبير بلفظ الشراء و هو الأقرب وقوفا على مورد النص متى عمل به.
الرابع
- لا فرق على القول بذلك بين الأرض التي فيها الخمس كالأرض المفتوحة عنوة بناء على ما هو المفهوم من كلامهم من تعلق الخمس برقبة الأرض و قد مر الكلام فيه و التي ليست كذلك كالأرض التي أسلم عليها أهلها طوعا و صارت ملكا لهم عملا بإطلاق النص. إلا أن بيع الأرض المفتوحة عنوة في مصالح العسكر‌

362
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابع ج 12 ص 362

و نحوها من ما لا إشكال فيه، و كذا من أرباب الخمس إن أخذوه منها بناء على ما عرفت من كلامهم من أن خمسها لأرباب الخمس، و أما بيعها تبعا لآثار التصرف كما هو المشهور فاستشكله في المدارك لعدم دخولها في ملك المتصرف بتلك الآثار قطعا و متى انتفى الملك امتنع تعلق البيع بها كما هو واضح. و سيجي‌ء تحقيق المسألة في محلها إن شاء اللّٰه تعالى.
الخامس
- قالوا: لو باعها الذمي ذميا آخر لم يسقط الخمس إذا لم يكن قد أخذ و لو باعها على مسلم فالأقرب أنه كذلك لأن أهل الخمس استحقوه في العين. و لو شرط الذمي في البيع سقوط الخمس عنه فسد الشرط، و هل يفسد البيع؟ إشكال و ظاهرهم الحكم بفساده كما هو المشهور بينهم في كل عقد اشتمل على شرط فاسد. و لو تقايلا بعد البيع احتمل سقوط الخمس بناء على أن الإقالة فسخ عندهم، و فيه إشكال‌
المقام السابع- في الحلال إذا اختلط بالحرام
، و القول بوجوب الخمس هنا هو المشهور، و نقل عن الشيخ المفيد و ابن أبي عقيل و ابن الجنيد أنهم لم يذكروا الخمس هنا في عداد الأفراد المتقدمة كما لم يذكروه في سابق هذا المقام.
و قد ورد بالخمس هنا روايات: منها-
ما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسن ابن زياد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «إن رجلا أتى أمير المؤمنين عليه السلام فقال يا أمير المؤمنين إني أصبت مالا لا أعرف حلاله من حرامه؟ فقال له أخرج الخمس من ذلك المال فإن اللّٰه عز و جل قد رضي من المال بالخمس و اجتنب ما كان صاحبه يعلم».
و ما رواه في الفقيه مرسلا «2» قال: «جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال يا أمير المؤمنين أصبت مالا أغمضت فيه أ فلي توبة؟ قال: ائتني بخمسه فأتاه بخمسه فقال هو لك إن الرجل إذا تاب تاب ماله معه».
______________________________
(1) الوسائل الباب 10 من ما يجب فيه الخمس.
(2) الوسائل الباب 10 من ما يجب فيه الخمس.

363
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام السابع في الحلال إذا اختلط بالحرام ج 12 ص 363

و ما رواه الصدوق في الخصال بسند قوي إلى عمار بن مروان «1» قال:
«سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول في ما يخرج من المعادن و البحر و الغنيمة و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه و الكنوز الخمس».
و ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن السكوني عن أبي عبد اللّٰه عن آبائه عن علي (عليهم السلام) «2» «أنه أتاه رجل فقال إني كسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا و حراما و قد أردت التوبة و لا أدري الحلال منه و الحرام و قد اختلط علي؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام تصدق بخمس مالك فإن اللّٰه رضي من الأشياء بالخمس و سائر المال لك حلال».
و رواه البرقي في المحاسن «3» و المفيد في المقنعة «4».
أقول: و الكلام في هذه الأخبار يقع في مقامين‌
[المقام] الأول- في مخرج الخمس هنا
، ظاهر الأخبار المذكورة هو وجوب الخمس في هذا المال الممتزج حلاله بحرامه أعمّ من أن يكون علم مالكه و قدره أم لم يعلمهما أو علم القدر دون المالك أو بالعكس إلا أن الأصحاب خصوها بصورة عدم معلومية القدر و المالك، قالوا فلو علمهما فالواجب هو دفع ما علمه لمالكه. و هذا من ما لا ريب فيه و لا إشكال يعتريه لأنه يصير من قبيل الشريك الذي يجب دفع حصته له متى أراد.
و أما إذا علم القدر دون المالك فقيل هنا بوجوب الصدقة مع اليأس من المالك سواء كان بقدر الخمس أو أزيد أو أنقص و اختاره في المدارك، و قيل بوجوب إخراج الخمس ثم الصدقة بالزائد في صورة الزيادة.
و الظاهر أن مستند القول الأول هو الأخبار الدالة على الأمر بالتصدق بالمال المجهول المالك «5» و من أجل ذلك أخرجوا هذه الصورة من عموم النصوص المتقدمة.
______________________________
(1) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس. و الرواية عن أبي عبد اللّٰه «ع».
(2) الوسائل الباب 10 من ما يجب فيه الخمس. و اللفظ «عن أبي عبد اللّٰه قال أتى رجل أمير المؤمنين.».
(3) الوسائل الباب 10 من ما يجب فيه الخمس.
(4) الوسائل الباب 10 من ما يجب فيه الخمس.
(5) الوسائل الباب 47 من ما يكتسب به و الباب 6 من ميراث الخنثى و ما أشبهه.

364
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الأول في مخرج الخمس هنا ج 12 ص 364

و لقائل أن يقول أن مورد تلك الأخبار الدالة على التصدق إنما هو المال المتميز في حد ذاته لمالك مفقود الخبر و إلحاق المال المشترك به مع كونه من ما لا دليل عليه قياس مع الفارق، لأنه لا يخفى أن الاشتراك في هذا المال سار في كل درهم درهم و جزء جزء منه، فعزل هذا القدر المعلوم للمالك المجهول مع كون الشركة شائعة في أجزائه كما أنها شائعة في أجزاء الباقي لا يوجب استحقاق المالك المجهول له حتى أنه يتصدق به عنه، فهذا العزل لا ثمرة له بل الاشتراك باق مثله قبل العزل.
فإن قيل: إنه متى كان المال مشتركا بين شريكين فإن لهما قسمته و يزول الاشتراك بالقسمة و تمييز حصة كل منهما عن الآخر.
قلنا: إنما صحت القسمة في الصورة المذكورة و ذاك الاشتراك من حيث حصول التراضي من الطرفين على ما يستحقه أحدهما في مال شريكه بما يستحقه الآخر في حصته كما صرح به الأصحاب، فهو في قوة الصلح بل هو صلح موجب لنقل حصة كل منهما للآخر، و هذا غير ممكن في ما نحن فيه فقياس أحدهما على الآخر مع الفارق كما لا يخفى.
و أما القول الآخر و هو إخراج الخمس ثم الصدقة بالزائد في صورة الزيادة ففيه ما في سابقه بالنسبة إلى الصدقة بالزائد في الصورة المذكورة.
و بما ذكرنا يظهر أن الأظهر دخول هذه الصورة تحت إطلاق الأخبار المتقدمة و أنه لا دليل على إخراجها.
و أما إذا علم المالك دون القدر فإنهم قالوا الواجب في هذه الصورة هو التخلص منه بصلح و نحوه، فإن أبي قال في التذكرة: دفع إليه خمسه لأن القدر جعله اللّٰه مطهرا للمال. و فيه نظر فإن جعله مطهرا إنما هو من حيث عدم ظهور المالك و معلوميته لا مع ظهوره. قال في المدارك: و الاحتياط يقتضي وجوب دفع ما يحصل به يقين البراءة، و يحتمل الاكتفاء بدفع ما يتيقن انتفاؤه عنه. و عندي في هذه الصورة توقف من حيث احتمال ما ذكروه من وجوب التخلص منه بصلح و نحوه و من‌

365
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الأول في مخرج الخمس هنا ج 12 ص 364

حيث إطلاق الأخبار المتقدمة. و لا ريب أن الاحتياط في ما ذكروه و الاحتياط التام ما ذكره في المدارك من دفع ما يحصل به يقين البراءة.
و أما ما ذكره السيد السند في المدارك في الصورة المتفق عليها بينهم- من إن المطابق للأصول وجوب عزل ما يتيقن انتفاؤه عنه و التفحص عن مالكه إلى أن يحصل اليأس من العلم به فيتصدق به على الفقراء كما في غيره من الأموال المجهولة المالك. إلى آخره- ففيه أولا- ما عرفت من أن مورد تلك الأخبار إنما هو المال المتميز في حد ذاته لا ما كان مشتركا و أحدهما غير الآخر كما عرفت. و (ثانيا)- أن ما ذكره موجب لاطراح هذه النصوص رأسا، فإنها صريحة الدلالة في وجوب إخراج الخمس و حل الباقي بذلك أعمّ من أن يتيقن انتفاء شي‌ء منه عنه أم لا، بل التيقن البتة حاصل و لو جزء يسيرا مع أنه عليه السلام حكم بوجوب إخراج الخمس و حل الباقي و لم يلتفت إلى هذا التيقن بالكلية. و طرحها مع تكررها في الأصول و اتفاق الأصحاب على القول بها من ما لا يجترئ عليه ذو مسكة. و بالجملة فإن الحق أن مورد تلك الأخبار غير مورد هذه فيعمل بكل منهما في ما ورد فيه و لا إشكال و لا منافاة.
المقام الثاني- في مصرف هذا الخمس
، جمهور الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) على أن مصرفه هو مصرف غيره من المصارف التي تضمنتها الآية «1» و ظاهر جملة من محققي متأخري المتأخرين المناقشة في ذلك.
قال المحدث الكاشاني في الوافي- بعد نقل خبر أرض الذمي أولا ثم خبر الحسن بن زياد و خبر الفقيه التي قدمناها- ما لفظه: و هذا الخبران و الذي قبلهما لا دلالة في شي‌ء منها على أن مصرف الخمس المذكور فيه هو المصرف المذكور في آية الخمس كما فهمه جماعة من أصحابنا، بل يحتمل أن يكون المراد بالأول تضعيف الزكاة على الذمي المشتري من المسلم أرضه أو الخراج و بالأخيرين التصدق على‌
______________________________
(1) و هي قوله تعالى «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ.» سورة الأنفال الآية 43.

 

366
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثاني في مصرف هذا الخمس ج 12 ص 366

الفقراء و المساكين و يكون التعليل برضا اللّٰه تعالى بالخمس من المال لتعيين هذا القدر للتصدق في رضا اللّٰه، و الدليل على ذلك قوله عليه السلام في هذين الخبرين‌
برواية السكوني «1» على ما يأتي في كتاب المعايش «تصدق بخمس مالك فإن اللّٰه جل اسمه رضي من الأشياء بالخمس و سائر المال لك حلال».
هذا كلامه عليه السلام هناك و ظاهر أن التصدق لا يحل لبني هاشم. و أما‌
قوله عليه السلام «2»: «ائتني بخمسه».
فلا دلالة فيه على أن هذا الخمس له عليه السلام و لعله إنما قبضه ليصرفه على أهله لأنه أعرف بمواضعه و لذا أعطاه إياه حيث وجده أهلا له. انتهى.
و يظهر من شيخنا الشهيد في البيان التردد في المسألة حيث قال: ظاهر الأصحاب أن مصرف هذا الخمس أهل الخمس‌
و في الرواية «3» «تصدق بخمس مالك لأن اللّٰه رضي من الأموال بالخمس».
و هذه تؤذن بأنه في مصرف الصدقات لأن الصدقة الواجبة محرمة على مستحق الخمس. انتهى.
أقول: أما ما ذكره في الوافي- من أنه لا دلالة في الخبرين و كذلك الذي قبلهما على أن مصرف الخمس المذكور هو المصرف المذكور في آية الخمس- ففيه أن الأخبار المتقدمة في المعدن و الكنز و الغوص و الأرباح كلها من هذا القبيل لم يتعرض في شي‌ء منها لبيان المصرف و إنما دلت على ما دلت عليه هذه الأخبار من أن فيه الخمس فالإيراد بهذا الوجه من ما لا وجه له. نعم ما ذكره من دلالة ظاهر رواية السكوني على خلاف ما ذكروه جيد كما أشار إليه شيخنا الشهيد أيضا.
و أما تأويله قول أمير المؤمنين عليه السلام «4» «ائتني بخمسه» فلا يخفى أنه خلاف الظاهر، إذ الظاهر من طلبه له هو كونه له و مختصا به كغيره من أفراد الأخماس، و لا ينافي ذلك رده على صاحبه لأنه من قبيل رد الصادق عليه السلام على مسمع بن عبد الملك خمس ما حمل إليه من الغوص كما تقدم «5» المؤذن بالتحليل، و سيأتي في أخبار‌
______________________________
(1) ص 364.
(2) في مرسلة الفقيه المتقدمة ص 363.
(3) المتقدمة ص 364 عن السكوني.
(4) في مرسلة الفقيه المتقدمة ص 363.
(5) ص 358 و 359.

367
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثاني في مصرف هذا الخمس ج 12 ص 366

التحليل في محله إن شاء اللّٰه تعالى فيكون هذا الخبر من جملتها، و يؤيد قوله عليه السلام في صحيحة علي بن مهزيار المتقدمة في عد ما يجب فيه الخمس من الغنائم و الفوائد قال:
«و مثله مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب» إلا أن ما ذكره يصلح وجه تأويل للجمع بينه و بين خبر السكوني و لعله الأرجح. و أما ما تضمنته صحيحة علي بن مهزيار فهو مخالف لما دلت عليه الأخبار الكثيرة من التصدق بما هذا شأنه عن صاحبه لا أنه يؤخذ منذ الخمس و يحل الباقي له، و هذا من جملة المخالفات التي أوجبت التوقف في هذا الخبر. إلا أن الظاهر من رواية الخصال التي قدمناها «1» حيث عد الحلال المختلط بالحرام في جملة ما يجب فيه الخمس بالمعنى المعروف أنه كذلك و ظهورها في هذا المعنى أمر لا ينكر، و به تبقى المسألة في قالب الإشكال.
و أما ما يفهم من كلام المحدث المذكور- و مثله شيخنا الشهيد على تقدير كون هذا الخمس صدقة من أنه يحرم على بني هاشم لأنه صدقة واجبة- ففيه أن المفهوم من الأخبار كما قدمنا بيانه أن المحرم عليهم من الصدقة واجبة كانت أو مستحبة إنما هو الزكاة خاصة و بذلك صرح جملة من أصحابنا كما سلف بيانه.
و بالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال و الاحتياط بعد إخراج هذا الخمس دفعه لفقراء السادة للخروج به عن العهدة على الاحتمالين، و أما ما ذكره الفاضلان المتقدمان فقد عرفت ما فيه.
تتمة [أخذ مال الناصب و تخميسه]
روى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «خذ مال الناصب حيثما وجدته و ادفع إلينا الخمس».
و رواه بسند آخر عن معلى بن خنيس عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام مثله «3».
و يقرب منه أيضا‌
ما رواه في الموثق عن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام
______________________________
(1) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس.
(2) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس.
(3) الوسائل الباب 10 من ما يجب فيه الخمس.

368
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

تتمة أخذ مال الناصب و تخميسه ج 12 ص 368

«أنه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل؟ قال لا إلا أن لا يقدر على شي‌ء و لا يأكل و لا يشرب و لا يقدر على حيلة فإن فعل فصار في يده شي‌ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت عليهم السلام».
و هذه الأخبار صريحة كما ترى في وجوب الخمس في هذا الموضع و أن مصرفه مصرف الخمس الذي في الآية مع أن أحدا من الأصحاب لم يتعرض لذكر هذا الحكم في هذا الباب في ما أعلم. و ربما أشعرت هذه الأخبار بأن الخمس مشاع في أموالهم حيث إنهم لا يرون وجوب أدائه إلى أصحابه فكل من اغتال شيئا من أموالهم أوصل الخمس إلى أهله و ملك الباقي.
و من ما يدل على وجوب الخمس هنا أيضا ما تقدم‌
في صحيحة علي بن مهزيار «1» من قوله عليه السلام «و مثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله ... و من ضرب ما صار إلى موالي من أموال الخرمية الفسقة فقد علمت أن أموالا عظاما صارت إلى قوم من موالي فمن كان عنده شي‌ء من ذلك فليوصل إلى وكيلي. الحديث».
و الاصطلام بمعنى الاستئصال قال في الوافي: و الخرمية بالخاء المعجمة و الراء المهملة أصحاب التناسخ و الإباحة.
الفصل الثاني في قسمة الخمس و ما يتبعها
و الكلام في هذا الفصل يقع في مطالب‌
الأول- في كيفية القسمة
و الكلام فيه يقع في مقامين‌
[المقام الأول] أحدهما- في أنه هل يقسم أسداسا أو أخماسا؟
المشهور الأول و هي سهم اللّٰه و سهم رسوله و سهم ذي القربى و هي للنبي صلى اللّٰه عليه و آله و بعده للإمام عليه السلام القائم مقامه و الثلاثة الأخر لليتامى و المساكين و ابن السبيل، و حكى المحقق و العلامة عن بعض الأصحاب قولا بأنه يقسم خمسة أقسام: سهم اللّٰه لرسوله صلى اللّٰه عليه و آله‌
______________________________
(1) ص 350.

369
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الأول أحدهما في أنه هل يقسم أسداسا أو أخماسا ج 12 ص 369

و سهم ذي القربى لهم و الثلاثة الباقية لليتامى و المساكين و ابن السبيل، و إلى هذا القول ذهب أكثر العامة و نقله في المعتبر عن أبي حنيفة و الشافعي «1».
حجة القول الأول ظاهر الآية و هو قوله تعالى «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ» «2» قالوا: فإن اللام للملك أو الاختصاص و العطف بالواو يقتضي التشريك فيجب صرفه في الأصناف الستة.
و الأخبار الدالة على ذلك و منها-
ما رواه الشيخ في الموثق عن عبد اللّٰه بن بكير عن بعض أصحابه عن أحدهما (عليهما السلام) «3» «في قول اللّٰه عز و جل:
وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ «4» قال خمس اللّٰه للإمام و خمس الرسول للإمام و خمس ذي القربى لقرابة الرسول صلى اللّٰه عليه و آله الإمام عليه السلام و اليتامى يتامى الرسول صلى اللّٰه عليه و آله و المساكين منهم و أبناء السبيل منهم فلا يخرج منهم إلى غيرهم».
و ما رواه في الصحيح عن أحمد بن محمد قال حدثنا بعض أصحابنا رفع الحديث «5» قال: «الخمس من خمسة أشياء. ثم ساق الخبر إلى أن قال: فأما الخمس فيقسم على ستة أسهم: سهم لله و سهم للرسول و سهم لذوي القربى و سهم لليتامى و سهم للمساكين و سهم لأبناء السبيل، فالذي لله فلرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله فرسول اللّٰه أحق به فهو له خاصة، و الذي للرسول صلى اللّٰه عليه و آله هو لذي القربى و الحجة في زمانه فالنصف له خاصة، و النصف لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من آل محمد صلى اللّٰه عليه و آله الذين لا تحل
______________________________
(1) المغني ج 6 ص 406 و المحلى ج 7 ص 327 و الأموال ص 325 و البداية ج 1 ص 377 و البدائع ج 7 ص 124 و قد نقل فيه ذلك و في البداية عن الشافعي كما في المتن إلا أن المنقول عن أبي حنيفة في البدائع اختصاص ذلك بحياة النبي «ص» و أنه يقسم بعده ثلاثة أقسام، و في المحلى ج 7 ص 330 نقل عنه القسمة إلى ثلاثة أقسام أيضا.
(2) سورة الأنفال الآية 43.
(3) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.
(4) سورة الأنفال الآية 43.
(5) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.

370
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الأول أحدهما في أنه هل يقسم أسداسا أو أخماسا ج 12 ص 369

لهم الصدقة و لا الزكاة عوضهم اللّٰه مكان ذلك بالخمس، فهو يعطيهم على قدر كفايتهم فإن فضل منهم شي‌ء فهو له و إن نقص عنهم و لم يكفهم أتمه لهم من عنده، كما صار له الفضل كذلك لزمه النقصان. الحديث».
و ما رواه ثقة الإسلام الكليني في الحسن بإبراهيم الذي هو صحيح عندي عن حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح عليه السلام «1» قال: «الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم و الغوص و من الكنوز و من المعادن و الملاحة، يؤخذ من كل هذه الصنوف الخمس فيجعل لمن جعله اللّٰه تعالى له، و يقسم الأربعة الأخماس بين من قاتل عليه و ولي ذلك، و يقسم بينهم الخمس على ستة أسهم: سهم لله و سهم لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سهم لذي القربى و سهم لليتامى و سهم للمساكين و سهم لأبناء السبيل، فسهم اللّٰه و سهم رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله لأولي الأمر من بعد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله وراثة فله ثلاثة أسهم سهمان وراثة و سهم مقسوم له من اللّٰه فله نصف الخمس كملا، و نصف الخمس الباقي بين أهل بيته فسهم ليتاماهم و سهم لمساكينهم و سهم لأبناء سبيلهم يقسم بينهم على الكفاف و السعة ما يستغنون به في سنتهم فإن فضل عنهم شي‌ء فهو للوالى و إن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به، و إنما صار عليه أن يمونهم لأن له ما فضل عنهم. الحديث».
و قريب من ذلك أيضا‌
ما رواه الكليني في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السلام «2» قال: «سئل عن قول اللّٰه تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ «3» فقيل له فما كان لله فلمن هو؟ فقال لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و ما كان لرسول اللّٰه فهو للإمام. الحديث».
و روى السيد المرتضى (رضي اللّٰه عنه) في رسالة المحكم و المتشابه من تفسير النعماني بإسناده عن علي عليه السلام «4» قال: «الخمس يخرج من أربعة وجوه: من
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 و 3 من قسمة الخمس.
(2) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.
(3) سورة الأنفال الآية 43.
(4) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.

371
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الأول أحدهما في أنه هل يقسم أسداسا أو أخماسا ج 12 ص 369

الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين و من المعادن و من الكنوز و من الغوص، و يجزأ هذا الخمس على ستة أجزاء فيأخذ الإمام منها سهم اللّٰه و سهم الرسول صلى اللّٰه عليه و آله و سهم ذي القربى ثم يقسم الثلاثة السهام الباقية بين يتامى آل محمد صلى اللّٰه عليه و آله و مساكينهم و أبناء سبيلهم».
و روى الصدوق في المجالس و العيون بسنده عن الريان بن الصلت عن الرضا عليه السلام «1» في حديث طويل قال عليه السلام «و أما الثامنة فقول اللّٰه عز و جل وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ «2» فقرن سهم ذي القربى مع سهمه و سهم رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله. إلى أن قال عليه السلام فبدأ بنفسه ثم برسوله ثم بذي القربى فكل ما كان من الفي‌ء و الغنيمة و غير ذلك من ما رضيه لنفسه فرضيه لهم. إلى أن قال و أما قوله «وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ» فإن اليتيم إذا انقطع يتمه خرج من الغنائم و لم يكن له فيها نصيب، و كذلك المسكين إذا انقطعت مسكنته لم يكن له نصيب من الغنم و لا يحل له أخذه، و سهم ذي القربى قائم إلى يوم القيامة فيهم للغني و الفقير لأنه لا أحد أغنى من اللّٰه و لا من رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله فجعل لنفسه منها سهما و لرسوله سهما فما رضيه لنفسه و لرسوله صلى اللّٰه عليه و آله رضيه لهم. الحديث».
حجة القول بأنه يقسم خمسة أقسام الآية الشريفة بالحمل على أن ذكر اللّٰه تعالى مع الرسول صلى اللّٰه عليه و آله إنما هو لإظهار تعظيمه و أن جميع ما ينسب إليه و يأمر به و ينهى عنه فهو راجع إلى اللّٰه تعالى كما تضمنته جملة من الآيات القرآنية و منها قوله عز و جل «وَ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ» «3» «إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ» «4» «وَ أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ» «5» إلى غير ذلك من الآيات التي قرن فيها نفسه برسوله‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.
(2) سورة الأنفال الآية 43.
(3) سورة التوبة الآية 64.
(4) سورة المائدة الآية 61.
(5) سورة الأنفال الآية 2.

372
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الأول أحدهما في أنه هل يقسم أسداسا أو أخماسا ج 12 ص 369

للحث على اتباع رسوله صلى اللّٰه عليه و آله.
و يدل على هذا القول‌
ما رواه الشيخ في الصحيح عن ربعي بن عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس و يأخذ خمسه، ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه، ثم قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس اللّٰه عز و جل لنفسه، ثم يقسم الأربعة الأخماس بين ذوي القربى و اليتامى و المساكين و أبناء السبيل يعطي كل واحد منهم جميعا، و كذلك الإمام يأخذ كما أخذ رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله».
أقول: أما ما ذكروه في معنى الآية و إن احتمل إلا أنه خلاف ظاهر الآية أولا. و ثانيا- أن الأخبار التي تقدمت دالة على تفسير الآية تأبى هذا المعنى.
و أما الخبر المذكور فقد أجاب عنه الشيخ و من تأخر عنه بكونه حكاية فعل و لا عموم فيه، و لعله صلى اللّٰه عليه و آله فعل ذلك ليتوفر على المستحقين. و فيه أن قوله:
«و كذلك الإمام يأخذ كما أخذ رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله» ينافي ذلك، و الأظهر عندي حمله على التقية فإن التقسيم إلى خمسة أقسام مذهب جمهور العامة كما عرفت «2» و لهم في معنى الآية تأويلات «3» منها ما قدمناه في حجة هذا القول، و منها ما ذكره بعضهم من أن الافتتاح بذكر اسم اللّٰه تعالى على جهة التيمن و التبرك لأن الأشياء كلها لله عز و جل، و منها ما ذكره بعض آخر و هو أن حق الخمس أن يكون متقربا به إلى اللّٰه عز و جل لا غير و أن قوله عز و جل: «وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ.
إلى آخره» من قبيل التخصيص بعد التعميم تفضيلا لهذه الوجوه على غيرها كقوله‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.
(2) التعليقة 1 ص 370.
(3) البدائع ج 7 ص 124 و الأموال ص 326 و 328 و البداية ج 1 ص 377 و المغني ج 6 ص 406.

373
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الأول أحدهما في أنه هل يقسم أسداسا أو أخماسا ج 12 ص 369

تعالى «وَ مَلٰائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكٰالَ» «1» و إلى هذا المعنى ذهب القائلون منهم بأن خمس الغنيمة مفوض إلى اجتهاد الإمام ليصرفه في من شاء من هذه الأصناف و غيرهم، و هو مذهب مالك «2».
و ظاهر صاحب المدارك التوقف في هذا المقام حيث نقل الخلاف في المسألة و أدلة القولين و لم يرجح شيئا في البين، و الظاهر أن السبب في ذلك ضعف الأخبار المتقدمة باصطلاحه مع اتفاق الأصحاب ظاهرا على العمل بها، و الرواية التي هي دليل القول الثاني و إن كانت صحيحة لكنها لما كانت من ما أعرضوا عنها و تأولوها لم يجسر على المخالفة في القول بها فأغمض النظر عن الترجيح في المسألة.
المقام الثاني [هل يختص سهم ذي القربى من الخمس بالإمام؟]
- المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) هو قسمة السهام الستة على المصارف الستة التي أحدها سهم ذي القربى و يختص به الإمام عليه السلام و إن له سهمين بالوراثة و هما سهم اللّٰه تعالى و سهم رسوله صلى اللّٰه عليه و آله و سهم بالأصالة و هو سهم ذي القربى، و نقل السيد المرتضى (رضي اللّٰه عنه) عن بعض علمائنا أن سهم ذي القربى لا يختص بالإمام عليه السلام بل هو لجميع قرابة الرسول صلى اللّٰه عليه و آله من بني هاشم، و لعله (قدس سره) أشار بذلك البعض إلى ابن الجنيد فإنه قال على ما نقل عنه في المختلف: و هو مقسوم على ستة أسهم: سهم اللّٰه يلي أمره إمام المسلمين و سهم رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله لأولى الناس به رحما و أقربهم إليه نسبا و سهم ذي القربى لأقارب رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله من بني هاشم و بني المطلب بن عبد مناف إن كانوا من بلدان أهل العدل.
و يدل على الأول مرسلة ابن بكير و مرسلة أحمد بن محمد و مرسلة حماد بن عيسى التي قدمناها في أول الأخبار المتقدمة «3» و كذلك ما نقلناه عن رسالة المحكم‌
______________________________
(1) سورة البقرة الآية 93.
(2) البداية ج 1 ص 377 و 378 و المحلى ج 7 ص 329 و 330 و المغني ج 6 ص 406.
(3) ص 370 و 371.

374
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثاني هل يختص سهم ذي القربى من الخمس بالإمام ج 12 ص 374

و المتشابه، و نحوه أيضا ما نقلناه عن كتاب المجالس و العيون.
و أما ما استدل به في المعتبر على ذلك- من ظاهر الآية باعتبار أن قوله:
«ذي القربى» لفظ مفرد فلا يتناول أكثر من الواحد فينصرف إلى الإمام عليه السلام لأن القول بأن المراد واحد مع أنه غير الإمام منفي بالإجماع. ثم قال: (لا يقال) أراد الجنس كما قال: «و ابن السبيل» (لأنا نقول) تنزيل اللفظ الموضوع للواحد على الجنس مجاز و حقيقته إرادة الواحد فلا يعدل عن الحقيقة، و ليس كذلك قوله «و ابن السبيل» لأن إرادة الواحد هنا إخلال بمعنى اللفظ إذ ليس هناك واحد متعين يمكن حمل اللفظ عليه- فقد أورد عليه إن لفظ «ذي القربى» صالح للجنس و غيره بل المتبادر منه في هذا المقام الجنس كما في قوله تعالى «وَ آتِ ذَا الْقُرْبىٰ حَقَّهُ» «1» و «إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسٰانِ وَ إِيتٰاءِ ذِي الْقُرْبىٰ» «2» و غير ذلك من الآيات الكثيرة فيجب الحمل عليه إلى أن يثبت المقتضي للعدول عنه.
أقول: و الأظهر هو الرجوع في الاستدلال إلى الروايات و كذا في الاستدلال بالآية إلى ما ورد من تفسيرها في الأخبار، فإن الروايات قد فسرت «ذي القربى» هنا بالإمام عليه السلام كما تقدم فالحمل على الجنس حينئذ- كما ذكره المجيب من أنه يجب الحمل عليه إلى أن يثبت المقتضي للعدول عنه- خروج عن ظاهر تلك الأخبار و رد لها بمجرد الاعتبار.
و استدلوا على الثاني بظاهر الآية بناء على ما تقدم في الجواب عن استدلال صاحب المعتبر بالآية. و فيه ما عرفت.
و استدل أيضا على ذلك‌
بصحيحة ربعي المتقدمة «3» لقوله فيها: «ثم يقسم الأربعة الأخماس بين ذوي القربى و اليتامى و المساكين و أبناء السبيل».
______________________________
(1) سورة بني إسرائيل الآية 29.
(2) سورة النحل الآية 93.
(3) ص 373.

375
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثاني هل يختص سهم ذي القربى من الخمس بالإمام ج 12 ص 374

و الجواب عن ذلك ما عرفت من حمل الصحيحة المذكورة على التقية، و لا ريب أن العامة لا يثبتون للإمام حصة بخصوصه و إنما يفسرون «ذي القربى» بجميع قرابته صلى اللّٰه عليه و آله «1» و به يظهر ضعف ما جنح إليه في المدارك من التعلق في الاستدلال على هذا القول بالدليلين المذكورين.
و استدل على ذلك أيضا‌
برواية زكريا بن مالك الجعفي «2» «أنه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن قول اللّٰه عز و جل وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ «3» فقال: أما خمس اللّٰه عز و جل فللرسول صلى اللّٰه عليه و آله يضعه في سبيل اللّٰه و أما خمس الرسول فلأقاربه و خمس ذوي القربى فهم أقرباؤه صلى اللّٰه عليه و آله و اليتامى يتامى أهل بيته فجعل هذه الأربعة الأسهم فيهم، و أما المساكين و أبناء السبيل فقد عرفت أنا لا نأكل الصدقة و لا تحل لنا فهي للمساكين و أبناء السبيل».
أقول: أنت خبير بما عليه هذه الرواية بعد ضعف السند من ضعف الدلالة، فإن جل ما اشتملت عليه من الأحكام خلاف ما قدمناه من الأخبار و اتفقت عليه كلمة علمائنا الأعلام:
فمنها- جعل سهم اللّٰه عز و جل للرسول صلى اللّٰه عليه و آله بأن يصرفه في سبيل اللّٰه الذي هو الجهاد أو ما هو أعمّ من أبواب البر، و هو خلاف ما عليه الأصحاب و دلت عليه جملة الأخبار من أنه له صلى اللّٰه عليه و آله يفعل به ما يشاء.
و منها- الحكم بأن خمس الرسول لأقاربه فإنه إن أريد حال الحياة فلا قائل به و لا دليل عليه بل الإجماع و الأخبار على خلافه، و إن أريد بعد موته فلا قائل به أيضا منا مع دلالة الأخبار أيضا على خلافه لدلالتها على كونه للإمام عليه السلام. و ابن الجنيد و إن خالف في سهم ذي القربى إلا أنه لم يخالف في سهم الرسول (صلى اللّٰه‌
______________________________
(1) البداية ج 1 ص 377 و المحلى ج 7 ص 327 و المغني ج 6 ص 410 إلى 412.
(2) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.
(3) سورة الأنفال الآية 43.

376
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثاني هل يختص سهم ذي القربى من الخمس بالإمام ج 12 ص 374

عليه و آله) و الظاهر من قوله في عبارته المتقدمة «و سهم رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) لأولى الناس به رحما و أقربهم إليه نسبا» أنه أراد بذلك الإمام عليه السلام كما يشير إليه المقابلة بسهم ذي القربى و أنه لأقاربه (صلى اللّٰه عليه و آله) من بني هاشم و منها- جعل سهم ذي القربى لجميع أقربائه (صلى اللّٰه عليه و آله) فإنه و إن قال به ابن الجنيد و دل عليه هذا الخبر إلا أنه خلاف ما اتفقت عليه كلمة أصحابنا و وردت به جملة أخبارنا و إنما هو قول مخالفينا «1».
و بذلك يظهر أن الرواية المذكورة لا تصلح للاستدلال و حملها على التقية ظاهر فإن جميع ما تضمنته من المخالفات لمذهبنا إنما ينطبق على مذهب العامة «2».
و أما قوله في تتمة الخبر «و أما المساكين و أبناء السبيل فقد عرفت أنا لا نأكل الصدقة. إلى آخره» فيحتمل أن يكون المعنى فيه الاستدراك لما ورد في آية الزكاة من دخول المساكين و أبناء السبيل فيها فربما يتوهم عمومها للهاشميين أيضا فأراد (عليه السلام) دفع هذا الوهم بأنهم و إن دخلوا في عموم اللفظين المذكورين لكن قد عرفت أن الزكاة محرمة علينا أهل البيت فلا تدخل مساكيننا و أبناء سبيلنا فيها فلا بد لهم من حصة من الخمس عوض الزكاة التي حرمت عليهم و من أجل ذلك فرض لهم في هذه الآية حصة من الخمس، و حينئذ فقوله: «فهي للمساكين و أبناء السبيل» إما راجع إلى الصدقة، و حينئذ فالمراد بالمساكين و أبناء السبيل من ذكر في آية الزكاة و حاصل المعنى ما قدمناه، و إما راجع إلى الحصة التي من الخمس بقرينة المقام و إن لم تكن مذكورة في اللفظ، و حينئذ فالمراد بالمساكين و أبناء السبيل من الهاشميين، و مرجع الاحتمالين إلى ما قدمناه.
و بما قررناه في المسألتين المذكورتين يظهر أن القول المشهور في كل منهما هو‌
______________________________
(1) ارجع إلى التعليقة 1 ص 376.
(2) ارجع إلى الاستدراكات في آخر الكتاب.

377
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثاني هل يختص سهم ذي القربى من الخمس بالإمام ج 12 ص 374

المؤيد المنصور و إن توقف صاحب المدارك- بل ميله إلى خلاف ذلك كما يعطيه تقويته لدليل القول المخالف- من ما لا وجه له.
و قال في المدارك: و اعلم أن الآية الشريفة «1» إنما تضمنت ذكر مصرف الغنائم خاصة إلا أن الأصحاب قاطعون بتساوي الأنواع في المصرف، و استدل عليه في المعتبر بأن ذلك غنيمة فيدخل تحت عموم الآية. و يتوجه عليه ما سبق. و ربما لاح من بعض الروايات اختصاص خمس الأرباح بالإمام (عليه السلام) و مقتضى رواية أحمد بن محمد المتقدمة «2» أن الخمس من الأنواع الخمسة يقسم على الستة الأسهم لكنها ضعيفة بالإرسال و المسألة قوية الإشكال. و اللّٰه تعالى أعلم بحقيقة الحال. انتهى.
أقول: لا إشكال بحمد الملك المتعال عند من وفقه اللّٰه تعالى إلى العمل بأخبار الآل (عليهم صلوات ذي الجلال) و ذلك (أولا) فإن ما ذكره في المعتبر من حمل الغنيمة في الآية على المعنى الأعم حق لا ريب فيه كما دلت عليه الأخبار و قد تقدمت. و (ثانيا) فإن رواية أحمد بن محمد التي ذكرها و مثلها مرسلة حماد أيضا قد تضمنت إن الخمس من هذه الأنواع الخمسة يقسم على الأصناف التي في الآية و مثلها ما قدمنا نقله عن رسالة المحكم و المتشابه. و أما طعنه في هذه الأخبار بضعف الإسناد ففيه أنه في غير موضع من ما تقدم قد عمل بالأخبار الضعيفة التي اتفق الأصحاب على القول بها و جعل اتفاق الأصحاب جابرا لضعفها كما بيناه في شرحنا على الكتاب في غير موضع، و لكنه (قدس سره) ليس له رابطة يقف عليها.
و أيضا فإن مرسلة حماد قد اشتملت على أحكام عديدة استند إليها الأصحاب و عملوا بها و لا راد لها. و بالجملة فإن إشكاله (قدس سره) ضعيف و توقفه سخيف كما لا يخفى على من نظر بعين الإنصاف.
______________________________
(1) و هي قوله تعالى «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ.» سورة الأنفال الآية 43.
(2) ص 370.

378
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

مسائل ج 12 ص 379

مسائل
الأولى [هل يجب الاستيعاب في كل طائفة؟]
- المعروف من مذهب الأصحاب أنه لا يجب استيعاب كل طائفة من الطوائف الثلاث بل لو اقتصر من كل طائفة على واحد جاز.
قالوا: و الوجه فيه أن المراد من اليتامى و المساكين في الآية الشريفة الجنس كابن السبيل كما في آية الزكاة لا العموم، إما لتعذر الاستيعاب أو لأن الخطاب للجميع بمعنى أن الجميع يجب عليهم الدفع إلى جميع المساكين بأن يعطي كل بعض بعضا.
و يدل عليه أيضا‌
ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام «1» قال: «سئل عن قول اللّٰه عز و جل:
وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ «2» فقيل له فما كان لله فلمن هو؟ فقال لرسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) و ما كان لرسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) فهو للإمام عليه السلام. فقيل له أ فرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر و صنف أقل ما يصنع به؟ قال ذاك إلى الإمام أ رأيت رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) كيف يصنع أ ليس إنما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الإمام».
و قال شيخنا الشهيد في الدروس بعد أن تنظر في اعتبار تعميم الأصناف:
أما الأشخاص فيعم الحاضر و لا يجوز النقل إلى بلد آخر إلا مع عدم المستحق.
و مقتضى هذا الكلام وجوب التعميم في الحاضرين، و رده من تأخر عنه بالبعد و سيأتي في المسألة الثانية ما فيه مزيد بيان لهذه المسألة.
الثانية [هل يجب الاستيعاب للطوائف؟]
- المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) جواز تخصيص النصف الذي للطوائف الثلاث بواحدة منها، و ظاهر الشيخ في المبسوط المنع حيث قال:
و الخمس إذا أخذه الإمام ينبغي أن يقسمه ستة أقسام: سهم لله و سهم لرسوله (صلى اللّٰه عليه و آله) و سهم لذي القربى، فهذه الثلاثة أقسام للإمام القائم مقام النبي‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 2 من قسمة الخمس.
(2) سورة الأنفال الآية 43.

379
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثانية هل يجب الاستيعاب للطوائف ج 12 ص 379

(صلى اللّٰه عليه و آله) يصرفه في ما شاء من نفقته و نفقة عياله و ما يلزمه من تحمل الأثقال و مؤن غيره، و سهم ليتامى آل محمد (صلى اللّٰه عليه و آله) و سهم لمساكينهم و سهم لأبناء سبيلهم و ليس لغيرهم من سائر الأصناف شي‌ء على حال، و على الإمام أن يقسم هذه السهام بينهم على قدر كفايتهم و مئونتهم في السنة على الاقتصاد، و لا يخص فريقا منهم بذلك دون فريق بل يعطي جميعهم على ما ذكرناه من قدر كفايتهم و يسوي بين الذكر و الأنثى، فإن فضل شي‌ء كان له خاصة و إن نقص كان عليه أن يتم من حصته خاصة. انتهى. و نقل عن أبي الصلاح أنه قال: يلزم من وجب عليه الخمس إخراج شطره للإمام عليه السلام و الشطر الآخر للمساكين و اليتامى و أبناء السبيل لكل صنف ثلث الشطر. و ظاهره مثل كلام الشيخ في وجوب التشريك و عدم جواز تخصيص طائفة بذلك.
و استدل للقول المشهور‌
بصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر المتقدمة «1» حيث قال فيها: «ذاك إلى الإمام أ رأيت رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) كيف يصنع أ ليس إنما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الإمام عليه السلام».
و أجاب في المدارك بأنه يمكن المناقشة في الرواية بالطعن في السند باشتماله على ابني فضال و هما فطحيان مع أنها غير صريحة في جواز التخصيص.
و فيه أن المناقشة بالطعن في السند إنما تتجه بناء على نقله الرواية من التهذيب «2» فإنه كما ذكره، و أما على رواية الكليني لها في الكافي «3» فإنها صحيحة لأنه رواها فيه عن العدة عن أحمد بن محمد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر. و أما الدلالة فسيأتي الكلام فيها في المقام إن شاء اللّٰه تعالى.
و استدل للشيخ بظاهر الآية فإن اللام للملك أو الاختصاص و العطف بالواو يقتضي التشريك في الحكم. و أجيب عن ذلك بأنها مسوقة لبيان المصرف كما في آية‌
______________________________
(1) ص 379.
(2) ج 1 ص 385.
(3) الأصول ج 1 ص 544.

380
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثانية هل يجب الاستيعاب للطوائف ج 12 ص 379

الزكاة فلا تدل على وجوب البسط.
أقول: و التحقيق في هذا المقام أن يقال لا ريب أن عبارة الشيخ في المبسوط راجعة في المعنى إلى روايتي أحمد بن محمد و حماد بن عيسى المتقدمتين «1» بل هي نقل لهما بزيادة موضحة لإجمالهما، و نحوهما في ذلك أيضا الرواية التي نقلناها عن رسالة المحكم و المتشابه للسيد المرتضى (رضي اللّٰه عنه) و حينئذ يقع التعارض بين الروايات المذكورة و بين صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر المذكورة، إلا أن صحيحة ابن أبي نصر ليس فيها من الصراحة ما في روايتي أحمد بن محمد و حماد بن عيسى، و الظاهر من معناها هو أنه لما كان ظاهر الآية البسط على الطوائف الثلاث أثلاثا سأله السائل أنه لو كانت طائفة من هذه الطوائف الثلاث كثيرة متعددة و الطائفة الأخرى واحدا أو اثنين فهل الواجب أن يدفع إلى إحداهما كما يدفع إلى الأخرى و يساوي بينهما كما هو الظاهر من الآية؟ أجاب عليه السلام بأن ذلك إلى الإمام و ما يراه كما كان رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) يقسم بما يراه من المساواة إن رأى المصلحة فيها أو العدم و الزيادة و النقيصة بما يراه من الوجوه المرجحة. و حملها على ما هو أعمّ- من أنه يجوز أن يخص بذلك السهم الذي للطوائف الثلاث واحدا من طائفة كما هو المدعى في المسألة الأولى أو طائفة من الطوائف الثلاث كما هو المدعى في المسألة الثانية- بعيد غاية البعد عن ظاهرها بالتقريب الذي ذكرناه، فالاستناد إليها في ذلك مشكل غاية الإشكال و الخروج عن ظاهر الأخبار التي أشرنا إليها مع صراحة بعضها و ظاهرية بعضها مشكل.
و أما ما ذكروه في الجواب عن احتجاج الشيخ بالآية- من أنها مسوقة لبيان المصرف كما في آية الزكاة- ففيه أن ما ذكره الشيخ في بيان الاستدلال بالآية هو الظاهر الذي لا ينكر، و الحمل على ما ذكروه خلاف الظاهر فلا يصار إليه إلا بدليل، و القياس على آية الزكاة ممنوع بأنه قد قام الدليل ثمة من خارج على عدم‌
______________________________
(1) ص 370 و 371.

381
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثانية هل يجب الاستيعاب للطوائف ج 12 ص 379

البسط و به خصت الآية و لولاه لكان القول بالبسط جيدا، و الدليل هنا غير موجود بل ظاهر الروايات التي ذكرناها موافق لظاهر الآية. و أيضا لو تم ما ذكروه من أن الآية إنما سيقت لبيان المصرف كما في آية الزكاة للزم جواز صرف الخمس كله إلى أحد الأصناف الستة و لا قائل به بالكلية لأنهم لا يختلفون في أن النصف للإمام عليه السلام و بذلك يظهر لك ضعف القول المشهور في كلتا المسألتين و قوة ما قابله مضافا إلى موافقته للاحتياط كما لا يخفى.
الثالثة [هل يعطى بنو المطلب من الخمس؟]
- المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) أن بني المطلب لا يعطون من الخمس شيئا، و قال الشيخ المفيد في الرسالة الغرية أنهم يعطون و اختاره ابن الجنيد على ما نقله في المختلف، و ما ذكره الشيخ المفيد هنا مبني على ما تقدم في كتاب الزكاة من تحريم الزكاة على المطلبي استنادا إلى‌
موثقة زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» أنه قال: «لو كان العدل ما احتاج هاشمي و لا مطلبي إلى صدقة إن اللّٰه جعل لهم في كتابه ما فيه سعتهم».
و لا ريب أنها دالة على تحريم الزكاة و استحقاق الخمس. إلا أنه قد تقدم الجواب عنها و أن المراد بالمطلبي إنما هو المنسوب إلى عبد المطلب بالنسبة إلى الجزء الأخير من المركب كما هو القاعدة عندهم.
ثم إنه من ما يدل هنا على الاختصاص بالهاشمي‌
قوله عليه السلام في صحيحة حماد ابن عيسى عن بعض أصحابه عن العبد الصالح عليه السلام «2» قال: «و من كانت أمه من بني هاشم و أبوه من سائر قريش فإن الصدقة تحل له و ليس له من الخمس شي‌ء» و قال فيها أيضا «و هؤلاء الذين جعل اللّٰه لهم الخمس هم قرابة النبي (صلى اللّٰه عليه و آله) و هم بنو عبد المطلب أنفسهم الذكر و الأنثى منهم ليس فيهم من أهل بيوتات قريش و لا من العرب أحد. الحديث».
الرابعة [كيف يقسم الإمام بين الطوائف سهامهم؟]
- المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) أن الإمام عليه السلام يقسم النصف الذي يخص الطوائف الثلاث عليهم على قدر الكفاية مقتصدا فإن فضل‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 33 من المستحقين للزكاة.
(2) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.

382
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابعة كيف يقسم الإمام بين الطوائف سهامهم ج 12 ص 382

كان له و إن أعوز كان عليه أن يتمه من نصيبه، و خالف في هذا الحكم ابن إدريس فقال لا يجوز له أن يأخذ فاضل نصيبهم و لا يجب عليه إكمال ما نقص لهم.
و يدل على القول المشهور ما قدمناه من مرسلتي أحمد بن محمد و حماد بن عيسى احتج ابن إدريس بوجوه ثلاثة: الأول- أن مستحق الأصناف يختص بهم و لا يجوز التسلط على مستحقهم من غير إذنهم‌
لقوله عليه السلام «1» «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه».
الثاني- أن اللّٰه سبحانه جعل للإمام قسطا و للباقين قسطا فلو أخذ الفاضل و أتم الناقص لم يبق للتقدير فائدة. الثالث- أن الذين يجب الإنفاق عليهم محصورون و ليس هؤلاء من الجملة فلو أوجبنا عليه إتمام ما يحتاجون إليه لزدنا في من يجب عليهم الإنفاق فريقا لم يقم عليه دلالة.
و أجاب المحقق في المعتبر عن هذه الوجوه بأجوبة اعترضه فيها صاحب المدارك و من تبعه من أراد الوقوف عليها فليرجع إليها ثمة.
و التحقيق في الجواب الذي لا يداخله الشك و لا الارتياب أن يقال إن ما ذكره ابن إدريس جيد بناء على أصله الغير الأصيل و قواعده المخالفة لما عليه الأخبار و العلماء جيلا بعد جيل، و أما من تمسك بالأخبار المعتضدة بعمل الأصحاب في جملة الأعصار و الأدوار فلا يخفى عليه أن المفهوم منها هو أنه حال وجود الإمام عليه السلام ينبغي إيصال مجموع الخمس إليه وجوبا أو استحبابا، و أما أن الواجب عليه فيه ما ذا فنحن غير مكلفين بالبحث عنه بل ربما أشعر الكلام في ذلك بنوع من سوء الأدب في حقه عليه السلام فإنه المرجع في جميع الأحكام و الأعرف في كل حلال و حرام إلا أن المفهوم من أخبارهم (عليهم السلام) أنه ربما عمل فيه بعد وصوله إليه بما‌
______________________________
(1)
الوسائل الباب 3 من الأنفال رقم 6 و الباب 1 من الغصب عن صاحب الزمان «ع» «لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه».
و في مستدرك الوسائل الباب 1 من الغصب «لا يحل مال المسلم إلا عن طيب نفس منه».
و في نيل الأوطار ج 5 ص 268 «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه» ...

383
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابعة كيف يقسم الإمام بين الطوائف سهامهم ج 12 ص 382

دلت عليه روايتا حماد بن عيسى و أحمد بن محمد من القسمة و أخذ الزائد و إتمام الناقص كما صرح به الأصحاب، و ربما أباح صاحب الخمس به كملا كما ستأتيك الأخبار به إن شاء اللّٰه تعالى مكشوفة القناع، و لا بعد في جواز التصرف له حسبما أراد و ما رآه من المصلحة في العباد فإن الأرض و ما فيها كله له عليه السلام كما ستأتيك إن شاء اللّٰه تعالى الأخبار به في المقام «1» و قد تقدمت «2» رواية أبي خالد الكابلي الدالة على أن للإمام عليه السلام أن يعطي ما في بيت المال لرجل واحد و أنه لا يفعل إلا بأمر اللّٰه عز و جل.
و بالجملة فإنه متى ثبت عنه بالأخبار المتفق عليها بين الأصحاب فعل من الأفعال وجب قبوله و حمله على أنه الحق الوارد من الملك المتعال، و ما يتراءى من مخالفة ذلك لظاهر القرآن كما هو أقوى مستند للخصم في هذا المكان ففيه أنهم قد اتفقوا على تخصيص أحكام القرآن في غير مقام بالأخبار الثابتة عنهم (عليهم السلام) و بذلك يظهر لك أن القول المشهور ليس على إطلاقه كما يدعونه من أن مصرف الخمس دائما على هذه الكيفية بل ربما وقع كذلك و ربما لم يقع.
قال المحقق في المعتبر هنا- و نعم ما قال في الجواب عن الطعن في الروايتين المشار إليهما بضعف الإسناد- ما صورته: و الذي ينبغي العمل به اتباع ما نقله الأصحاب و أفتى به الفضلاء و لم يعلم من باقي العلماء رد لما ذكر من كون الإمام (عليه السلام) يأخذ ما فضل و يتم ما أعوز، و إذا سلم النقل من المعارض و من المنكر لم يقدح إرسال الرواية الموافقة لفتواهم، فإنا نعلم مذهب أبي حنيفة و الشافعي و إن كان الناقل عنه واحدا، و ربما لم يعلم الناقل عنه بلا فصل و إن علمنا نقل المتأخرين له، و ليس كل ما أسند عن مجهول لا يعلم نسبته إلى صاحب المقالة، و لو قال إنسان لا أعلم مذهب أبي هاشم في الكلام و لا مذهب الشافعي في الفقه لأنه لم ينقل مسندا‌
______________________________
(1) أصول الكافي ج 1 ص 407.
(2) ص 357 و 358.

384
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابعة كيف يقسم الإمام بين الطوائف سهامهم ج 12 ص 382

كان متجاهلا، و كذا مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ينسب إليهم بحكاية بعض شيعتهم سواء أرسل أو أسند إذا لم ينقل عنهم ما يعارضه و لا رده الفضلاء منهم. انتهى. و مرجعه إلى جبر الأخبار الضعيفة السند باتفاق الأصحاب على العمل بها، و هو عند التأمل الصادق حق لا ريب فيه و لكن الاعتماد حينئذ إنما هو على اتفاق الأصحاب على الحكم المذكور، و لا شك أن مذهب كل إمام و صاحب مقالة إنما يعلم بنقل أتباعه و مقلديه و شيعته المشهورين بمتابعته و الأخذ عنه و الاعتماد عليه كما أشار إليه في المعتبر من أصحاب المذاهب الأربعة و نحوهم، إلا أن جعل هذه المسألة من قبيل ذلك لا يخلو من إشكال.
و بالجملة فالمرجع إلى ما حققناه أولا فإنه هو المفهوم من الأخبار التي عليها الاعتماد في الإيراد و الإصدار.
الخامسة [هل يعتبر في اليتيم الفقر لإعطائه من الخمس؟]
- الظاهر أنه لا خلاف في أن ابن السبيل هنا كما تقدم في كتاب الزكاة لا يشترط فيه الفقر بل المعتبر حاجته في بلد التسليم و إن كان غنيا في بلده، إنما الخلاف في اليتيم و هو الذي لا أب له فقيل باعتبار الفقر فيه و الظاهر أنه هو المشهور، و احتجوا عليه بأن الخمس جبر و مساعدة فيختص به أهل الحاجة كالزكاة. و لأن الطفل لو كان له أب ذو مال لم يستحق شيئا فإذا كان له مال كان أولى بالحرمان إذ وجود المال له أنفع من وجود الأب. و قيل بعدم اعتبار الفقر و هو قول الشيخ في المبسوط و ابن إدريس تمسكا بعموم الآية، و بأنه لو اعتبر الفقر فيه لم يكن قسما برأسه.
أقول: و الظاهر هو القول المشهور لا لما ذكر من التعليل فإنه و إن كان من حيث الاعتبار لا يخلو من قوة إلا أنه لا يصلح لتأسيس حكم شرعي بل لظاهر‌
صحيحة حماد بن عيسى عن بعض أصحابه المتقدمة حيث قال في آخرها «1» «و ليس في مال الخمس زكاة لأن فقراء الناس جعل أرزاقهم في أموال الناس على ثمانية أسهم فلم يبق منهم أحد، و جعل لفقراء قرابة الرسول (صلى اللّٰه عليه و آله) نصف
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.

385
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الخامسة هل يعتبر في اليتيم الفقر لإعطائه من الخمس ج 12 ص 385

الخمس فأغناهم به عن صدقات الناس «1» فلم يبق فقير من فقراء الناس و لم يبق فقير من فقراء قرابة رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) إلا و قد استغنى فلا فقير، و لذلك لم يكن على مال النبي (صلى اللّٰه عليه و آله) و الوالي زكاة لأنه لم يبق فقير محتاج. الحديث».
و ما ذكروه من ما قدمنا نقله عنهم يصلح توجيها للنص بل هو عين معنى النص المذكور إلا أنه من حيث عدم الإسناد إلى الإمام لا يصلح أن يكون مستندا في الأحكام.
و أما ما ذكر في حجة القول الثاني- من أنه لو اعتبر الفقر فيه لم يكن قسما برأسه- ففيه أنه يمكن أن يكون جعله قسما برأسه مع اندراجه في المساكين لمزيد التأكيد مثل الأمر بالمحافظة على الصلوات و الصلاة الوسطى «2» مع اندراجها في الصلوات المذكورة قبلها.
السادسة [عدم جواز نقل الخمس مع وجود المستحق]
- الظاهر أنه لا خلاف في أنه لا يجوز نقل الخمس مع وجود المستحق، و الكلام هنا جار على ما تقدم في نقل الزكاة بلا إشكال لأن الجميع من باب واحد فلا حاجة إلى التطويل بالتفصيل، و قد تقدم تحقيق الكلام في المقام في كتاب الزكاة.
السابعة [هل يعطى الطوائف الثلاث الخمس إذا لم ينتسبوا إلى عبد المطلب؟]
- المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) أنه يعتبر في الطوائف الثلاث أعني اليتامى و المساكين و ابن السبيل الانتساب إلى عبد المطلب جد النبي صلى اللّٰه عليه و آله.
و عليه تدل الأخبار المتكاثرة، و منها- ما تقدم في أول الفصل من المراسيل الثلاث المتقدمة و كذا الرواية المنقولة من رسالة المحكم و المتشابه «3».
و مثل ذلك أيضا‌
ما رواه في التهذيب «4» بسنده عن سليم بن قيس الهلالي
______________________________
(1) «و صدقات النبي (ص) و ولي الأمر».
(2) في قوله تعالى «حٰافِظُوا عَلَى الصَّلَوٰاتِ وَ الصَّلٰاةِ الْوُسْطىٰ» سورة البقرة الآية 240.
(3) ص 370 و 271.
(4) ج 1 ص 385 و في الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس رقم 4.

386
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السابعة هل يعطى الطوائف الثلاث الخمس إذا لم ينتسبوا إلى عبد المطلب ج 12 ص 386

عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «سمعته يقول كلاما كثيرا ثم قال: و أعطهم من ذلك كله سهم ذي القربى الذين قال اللّٰه تعالى «إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ وَ مٰا أَنْزَلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا يَوْمَ الْفُرْقٰانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعٰانِ» «1» نحن و اللّٰه عني بذي القربى و هم الذين قرنهم اللّٰه بنفسه و بنبيه فقال «2» «فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ» منا خاصة و لم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا أكرم اللّٰه نبيه و أكرمنا أن يطعمنا أوساخ أيدي الناس».
و ما رواه الكليني عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام «3» «في قول اللّٰه عز و جل وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ «4» قال هم قرابة رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و الخمس لله و للرسول صلى اللّٰه عليه و آله و لنا».
و منها- ما قدمنا نقله في سابق هذه المسألة من عجز صحيحة حماد بن عيسى عن بعض أصحابه زيادة على ما في صدرها الذي قدمناه ثمة «5».
فإن هذه الأخبار قد اشتركت في الدلالة صريحا على أن الخمس لا يخرج منه شي‌ء إلى غير الإمام عليه السلام و الطوائف الثلاث المنتسبين إليهم (عليهم السلام).
و نقل عن ابن الجنيد أنه قال: و أما سهام اليتامى و المساكين و ابن السبيل و هي نصف الخمس فلأهل هذه الصفات من ذوي القربى و غيرهم من المسلمين إذا استغنى عنها ذوو القربى و لا يخرج من ذوي القربى ما وجد فيهم محتاج إليها إلى غيرهم و مواليهم عتاقة أحرى بها من غيرهم. انتهى.
قال في المدارك بعد نقل ذلك إلى قوله: «إذا استغنى عنها ذوو القربى» ما صورته: و الظاهر أن هذا القيد على سبيل الأفضلية عنده لا التعيين. ثم قال: و يدل على ما ذكره إطلاق الآية الشريفة و صحيحة ربعي المتقدمة «6» و غيرها من الأخبار و العلامة في المختلف نقل عن ابن الجنيد أنه احتج بالعموم ثم قال: و الجواب‌
______________________________
(1) سورة الأنفال الآية 43.
(2) سورة الأنفال الآية 43.
(3) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.
(4) سورة الأنفال الآية 43.
(5) 371 و 385.
(6) تقدمت ص 373.

387
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السابعة هل يعطى الطوائف الثلاث الخمس إذا لم ينتسبوا إلى عبد المطلب ج 12 ص 386

أن العام هنا مخصوص بالإجماع بالإيمان فيكون مخصوصا بالقرابة لما تقدم. قال في المدارك بعد نقل ذلك: و هو جيد لو كان النص المتضمن لذلك صالحا للتقييد و كيف كان فلا خروج عن ما عليه الأصحاب.
أقول: العجب منه (قدس سره) في ميله إلى هذه الأقوال الشاذة النادرة المخالفة للأخبار المتكاثرة و اتفاق الأصحاب قديما و حديثا من ما ذكر هنا و ما تقدم بمجرد هذه الخيالات الضعيفة و التوهمات السخيفة، و لا ريب أن ما ذكره ابن الجنيد هنا هو مذهب العامة «1» كما نقله في المعتبر حيث قال بعد نقل قول ابن الجنيد و إنه قال إنه يدخل معهم بنو المطلب و يشركهم غيرهم من أيتام المسلمين و مساكينهم و أبناء سبيلهم لكن لا يصرف إلى غير القرابة إلا بعد كفايتهم: و لم أعرف له موافقا من الإمامية، و أما شركة بني المطلب فالخلاف فيهم كما مر في باب الزكاة، و أطبق الجمهور على عمومه في أيتام المسلمين و مساكينهم و أبناء سبيلهم متمسكين بإطلاق اللفظ و عمومه. انتهى.
و أما ما ادعاه من عموم الآية فهو مخصوص بالأخبار التي ذكرناها، و هل يجسر ذو دين و ديانة على رد هذه الأخبار المستفيضة في الأصول المتكررة في غير كتاب و طرحها بمجرد ضعف أسنادها بهذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد كما عرفت هنا أقرب من الصلاح حتى أنها لا تصلح بذلك إلى تخصيص الآية كما زعمه و توهمه؟ ما هذه إلا خرافات باردة و تمحلات شاردة.
و أما ما ادعاه من دلالة صحيحة ربعي المتقدمة و غيرها من الأخبار فهو من أعجب العجاب عند ذوي البصائر و الأبصار، و أي دلالة في صحيحة ربعي أو غيرها على إعطاء الخمس لغير بني هاشم؟ و غاية ما تدل عليه صحيحة ربعي المذكورة هو إطلاق اليتامى و المساكين و ابن السبيل حيث قال فيها: «ثم يقسم الأربعة الأخماس بين ذوي القربى و اليتامى و المساكين و أبناء السبيل» و لا ريب أن هذا الإطلاق‌
______________________________
(1) المحلى ج 7 ص 327 و المغني ج 6 ص 413 و منار السبيل ص 294.

388
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السابعة هل يعطى الطوائف الثلاث الخمس إذا لم ينتسبوا إلى عبد المطلب ج 12 ص 386

يجب تقييده بالأخبار المتقدمة، و لكنه (قدس سره) لتصلبه في هذا الاصطلاح جمد على إطلاق هذه الرواية و ألغى تلك الأخبار المتكاثرة لعدم صحة سند شي‌ء منها ثم العجب منه مع ذلك في قوله أخيرا: إلا أنه لا خروج عن ما عليه الأصحاب و هل هو إلا مجرد تقليد لهم في هذا الباب؟ و لا يخفى ما في هذا الكلام من الاضطراب الناشئ عن التصلب في هذا الاصطلاح و إلا فجميع الأصحاب من أصحاب هذا الاصطلاح و غيرهم لم يخالف في هذه المسألة سوى ابن الجنيد الذي طعن عليه الأصحاب بموافقته العامة في جملة من فتاواه و منها هذا الموضع.
و بالجملة فالمسألة أظهر من أن تحتاج إلى تطويل زيادة على ما ذكرناه.
الثامنة [هل يعتبر الإيمان في مستحق الخمس؟]
- قد صرح جمع من الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) باشتراط الإيمان في المستحق فلا يعطى غير المؤمن، و تردد المحقق في الشرائع نظرا إلى إطلاق الآية و إلى أن الخمس عوض عن الزكاة و الزكاة مشروطة بالإيمان اتفاقا نصا و فتوى. و في المعتبر جزم بالاشتراط و استدل عليه بأن غير المؤمن محاد لله بكفره فلا يفعل معه ما يؤذن بالموادة. قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه: و هذا الدليل مخالف لما هو المعهود من مذهبه. انتهى. و هو كذلك فإن مذهبه الحكم بإسلام المخالفين و وجوب إجراء أحكام الإسلام عليهم بل له غلو و مبالغة في ذلك فكيف حكم هنا بكفرهم؟ قال المحقق الشيخ علي (قدس سره) و من العجائب هاشمي مخالف يرى رأى بني أمية فيشترط الإيمان لا محالة. و ظاهر صاحب الذخيرة التردد في ذلك تبعا للمحقق، و هو الظاهر من صاحب المدارك و إن لم يصرح به حيث إنه اقتصر على نقل القولين و بيان وجه التردد و لم يحكم بشي‌ء في البين. و الأصح الاشتراط و إن قلنا بإسلام المخالف كما ذهبوا إليه‌
لقوله عليه السلام في رواية حماد بن عيسى «1» «و إنما جعل اللّٰه هذا الخمس خاصة لهم دون مساكين الناس و أبناء سبيلهم عوضا لهم من صدقات الناس تنزيها من اللّٰه لهم لقرابتهم من رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و كرامة
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.

389
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثامنة هل يعتبر الإيمان في مستحق الخمس ج 12 ص 389

من اللّٰه لهم عن أوساخ الناس فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذل و المسكنة. الحديث».
دل على أن الخمس من اللّٰه عز و جل كرامة لذريته صلى اللّٰه عليه و آله و تنزيه و لا ريب أن المخالف ليس أهلا لذلك بالاتفاق فلا يجوز إعطاؤه. هذا مع أن الحق عندنا في المسألة هو كفره و شركه و أنه شر من اليهودي و النصراني كما حققناه في موضعه اللائق به.
المطلب الثاني- في بيان حكم من انتسب إلى هاشم بالأم دون الأب
، المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) أنه يعتبر في الطوائف الثلاث انتسابهم إلى هاشم بالأبوة فلو انتسبوا بالأم لم يعطوا من الخمس شيئا و إنما يعطون من الزكاة، و ذهب السيد المرتضى (رضي اللّٰه عنه) إلى أنه يكفي في الاستحقاق الانتساب بالأم و يكون الحكم فيه حكم المنتسب بالأب من غير فرق، و منشأ هذا الخلاف أن أولاد البنت أولاد حقيقة أو مجازا فالمرتضى و من تبعه على الأول و المشهور الثاني و الأصحاب لم ينقلوا الخلاف هنا إلا عن السيد (رضي اللّٰه عنه) و ابن حمزة مع أن شيخنا الشهيد الثاني في شرح المسالك في بحث ميراث أولاد الأولاد نقله عن المرتضى و ابن إدريس و معين الدين المصري، و نقله في بحث الوقف على الأولاد عن الشيخ المفيد و القاضي و ابن إدريس، و نقل بعض أفاضل العجم في رسالة له صنفها في هذه المسألة و اختار فيها مذهب السيد هذا القول أيضا عن القطب الراوندي و الفضل بن شاذان، و نقله المقداد في كتاب الميراث من كتابه كنز العرفان عن الراوندي و الشيخ المحقق الشيخ أحمد بن المتوج البحراني الذي كثيرا ما يعبر عنه بالمعاصر، و نقله في الرسالة المشار إليها أيضا عن ابن أبي عقيل و أبي الصلاح و الشيخ الطوسي في الخلاف و ابن الجنيد و ابن زهرة في الغنية، و نقل عن المحقق المولى أحمد الأردبيلي الميل إليه أيضا، و هو مختار المحقق المدقق المولى العماد مير محمد باقر الداماد و له في المسألة رسالة جيدة قد وقفت عليها، و اختاره أيضا المحقق المولى محمد صالح المازندراني في شرح الأصول و السيد المحدث السيد‌

390
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المطلب الثاني في بيان حكم من انتسب إلى هاشم بالأم دون الأب ج 12 ص 390

نعمة اللّٰه الجزائري و شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد اللّٰه بن صالح البحراني، و سيأتي نقل كلامهم في المقام.
و أنت خبير بأن جملة من هؤلاء المذكورين و إن لم يصرحوا في مسألة الخمس بما نقلناه عن السيد المرتضى (رضي اللّٰه عنه) إلا أنهم في مسائل الميراث و الوقف و نحوها لما صرحوا بأن ولد البنت ولد حقيقة اقتضى ذلك إجراء حكم الولد الحقيقي عليه في جميع الأحكام التي من جملتها جواز أخذ الخمس و تحريم أخذ الزكاة و مسائل الميراث و الوقوف و نحوها، لأن مبنى ذلك كله على كون المنتسب بالأم ابنا حقيقيا فكل من حكم بكونه ابنا حقيقيا يلزمه أن يجري عليه هذه الأحكام، بل الخلاف المنقول هنا عن السيد إنما بنوا فيه على ما ذكره في مسائل الميراث و الوقوف و نحوها من حكمه بأن ابن البنت ابن حقيقة كما سيأتيك ذكره.
و لا بأس بنقل بعض عباراتهم المشار إليها في المقام، قال شيخنا الشهيد الثاني (أعلى اللّٰه رتبته) في كتاب الميراث من المسالك في مسألة أولاد الأولاد هل يقومون مقام آبائهم في الميراث فلكل نصيب من يتقرب به أو يقتسمون اقتسام أولاد الصلب و الابن له؟ بعد نسبة القول الأول للأكثر: و قال المرتضى و تبعه جماعة: منهم- معين الدين المصري و ابن إدريس أن أولاد الأولاد يقتسمون تقاسم الأولاد من غير اعتبار من تقربوا به، و مستندهم أنهم أولاد حقيقة فيدخلون في عموم «يُوصِيكُمُ اللّٰهُ فِي أَوْلٰادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» «1» و يدل على كونهم أولادا و إن انتسبوا إلى الأنثى تحريم حلائلهم بقوله تعالى «وَ حَلٰائِلُ أَبْنٰائِكُمُ» «2» و تحريم بنات الابن و البنت بقوله تعالى «وَ بَنٰاتُكُمْ» «3» و حل رؤية زينتهن لأبناء أولادهن مطلقا بقوله «أَوْ أَبْنٰائِهِنَّ» «4» و حلها لأولاد أولاد بعولتهن مطلقا‌
______________________________
(1) سورة النساء الآية 13.
(2) سورة النساء الآية 28.
(3) سورة النساء الآية 28.
(4) سورة النور الآية 32.

391
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المطلب الثاني في بيان حكم من انتسب إلى هاشم بالأم دون الأب ج 12 ص 390

بقوله «أَوْ أَبْنٰاءِ بُعُولَتِهِنَّ» «1» و الإجماع على أن أولاد الابن و أولاد البنت يحجبون الأبوين عن ما زاد عن السدسين و الزوج إلى الربع و الزوجة إلى الثمن، و كل ذلك في الآية متعلق بالولد، فمن سماه اللّٰه ولدا في حجب الأبوين و الزوجين هو الذي سماه ولدا في قوله «يُوصِيكُمُ اللّٰهُ فِي أَوْلٰادِكُمْ» «2» إلى أن قال (قدس سره):
و هذه توجيهات حسنة إلا أن الدليل قد قام أيضا على أن أولاد البنات ليسوا أولادا حقيقة لثبوت ذلك في اللغة و العرف و صحة السلب الذي هو علامة المجاز. إلى آخره و قال العلامة في المختلف نقلا عن ابن إدريس في هذه المسألة: و قال ابن إدريس بعض أصحابنا يذهب إلى أن ابن البنت يعطى نصيب البنت و بنت الابن تعطى نصيب الابن، و ذهب آخرون من أصحابنا إلى خلاف ذلك و قالوا ابن البنت ولد ذكر حقيقة فنعطيه نصيب الولد الذكر دون نصيب أمه و بنت الابن بنت حقيقة نعطيها نصيب البنت دون نصيب الابن الذي هو أبوها.
قال: و اختاره السيد المرتضى و استدل على صحته بما لا يمكن للمنصف دفعه من الأدلة القاهرة اللائحة و البراهين الواضحة، قال (رضي اللّٰه عنه) اعلم.
ثم ساق كلام المرتضى و هو كلام طويل يتضمن البحث و الاستدلال مع المخالفين له في هذه المسألة و إلزامهم بوجوه ذكرها.
و من جملة كلامه (قدس سره) في هذا المقام (فإن قيل) فما دليلكم على صحة ما ذهبتم إليه من توريث أولاد الأولاد و القسمة للذكر مثل حظ الأنثيين؟ (قلنا) دليلنا قوله تعالى «يُوصِيكُمُ اللّٰهُ فِي أَوْلٰادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» «3» و لا خلاف بين أصحابنا في أن ولد البنين و ولد البنات و إن سفلوا تقع عليهم هذه التسمية و تتناولهم على سبيل الحقيقة، و لهذا حجبوا الأبوين إلى السدسين بولد الولد و إن هبط و الزوج من النصف إلى الربع و الزوجة إلى الثمن، فمن سماه اللّٰه تعالى ولدا في حجب الأبوين و حجب الزوجين يجب أن يكون هو الذي سماه في قوله تعالى:
______________________________
(1) سورة النور الآية 32.
(2) سورة النساء الآية 13.
(3) سورة النساء الآية 13.

392
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المطلب الثاني في بيان حكم من انتسب إلى هاشم بالأم دون الأب ج 12 ص 390

«يُوصِيكُمُ اللّٰهُ فِي أَوْلٰادِكُمْ» «1» فكيف يخالف بين حكم الأولاد و يعطى بعضهم للذكر مثل حظ الأنثيين و البعض الآخر نصيب آبائهم الذي يختلف و يزيد و ينقص و يقتضي تارة تفضيل الأنثى على الذكر و القليل على الكثير و تارة المساواة بين الذكر و الأنثى؟ و على أي شي‌ء يعول في الرجوع عن ظاهر كتابه تعالى؟ فأما مخالفونا فإنهم لا يوافقونا في تسمية ولد البنت بأنه ولد على الحقيقة و فيهم من وافق على ذلك، و وافق جميعهم على أن ولد الولد و إن هبط يسمى ولدا على الحقيقة «2». إلى أن قال: و من ما يدل على أن ولد البنين و البنات يقع عليهم اسم الولد قوله تعالى:
«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ وَ بَنٰاتُكُمْ» «3» و بالإجماع أن بظاهر هذه الآية حرمت بنات أولادنا، و لهذا لما قال اللّٰه تعالى «وَ أَخَوٰاتُكُمْ وَ عَمّٰاتُكُمْ وَ خٰالٰاتُكُمْ وَ بَنٰاتُ الْأَخِ وَ بَنٰاتُ الْأُخْتِ» «4» ذكرهن في المحرمات لأنهن لم يدخلن تحت اسم الأخوات، و لما دخل بنات البنات تحت اسم البنات لم يحتج أن يقول: و بنات بناتكم. و هذه حجة قوية في ما قصدناه. و قوله تعالى «وَ حَلٰائِلُ أَبْنٰائِكُمُ» «5» و قوله تعالى: «وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ. إلى قوله أَوْ أَبْنٰائِهِنَّ أَوْ أَبْنٰاءِ بُعُولَتِهِنَّ» «6» لا خلاف في عموم الحكم لجميع أولاد الأولاد من ذكور و إناث. و لأن الإجماع على تسمية الحسن و الحسين (عليهما السلام) بأنهما ابنا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و أنهما يفضلان بذلك و يمدحان، و لا فضيلة و لا مدح في وصف مجاز مستعار. و لم تزل العرب في الجاهلية تنسب الولد إلى جده إما في موضع مدح أو ذم و لا يتناكرون ذلك و لا يحتشمون منه، و قد كان يقال للصادق عليه السلام أبدا: أنت ابن الصديق لأن أمه بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر.
و لا خلاف في أن عيسى عليه السلام من بني آدم و ولده و إنما ينسب إليه بالأمومة دون‌
______________________________
(1) سورة النساء الآية 13.
(2) المغني ج 5 ص 560 و 561.
(3) سورة النساء الآية 28.
(4) سورة النساء الآية 28.
(5) سورة النساء الآية 28.
(6) سورة النور الآية 32.

393
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المطلب الثاني في بيان حكم من انتسب إلى هاشم بالأم دون الأب ج 12 ص 390

الأبوة (فإن قيل) اسم الولد يجري على ولد البنات مجازا و ليس كل شي‌ء استعمل في غيره يكون حقيقة (قلنا) الظاهر من الاستعمال الحقيقة و على مدعي المجاز الدلالة. إلى أن قال العلامة في آخر كلام ابن إدريس: هذا كلام السيد المرتضى (رضي اللّٰه عنه) و هو الذي يقوى في نفسي و أفتي به و أعمل عليه لأن العدول إلى ما سواه عدول إلى غير دليل من كتاب و لا سنة مقطوع بها و لا إجماع منعقد، بل ما ذهبنا إليه هو ظاهر الكتاب الحكيم، و الإجماع حاصل على أن ولد الولد ولد حقيقة. و لا يعدل عن هذه الأدلة القاطعة للأعذار إلا بأدلة مثلها توجب العلم، و لا يلتفت إلى أخبار الآحاد في هذا الباب التي لا توجب علما و لا عملا و لا إلى كثرة القائلين به و المودعية كتبهم و تصانيفهم لأن الكثرة لا دليل معها. و إلى ما اختاره السيد المرتضى و اخترناه ذهب الحسن بن أبي عقيل في كتاب التمسك و هذا الرجل من أجلة أصحابنا و فقهائنا و كان شيخنا المفيد يكثر الثناء عليه. انتهى و قال في المختلف في كتاب الخمس بعد ذكر القول المشهور أولا: و ذهب السيد المرتضى إلى أن ابن البنت ابن حقيقة، و من أوصى بمال لولد فاطمة (عليها السلام) دخل فيه أولاد بنيها و أولاد بناتها حقيقة، و كذا لو وقف على ولده دخل فيه ولد البنت لدخول ولد البنت تحت الولد. و الأقرب الأول، لنا- أنه إنما يصدق الانتساب حقيقة إذا كان من جهة الأب عرفا فلا يقال تميمي إلا لمن انتسب إلى تميم بالأب و لا حارثي إلا لمن انتسب إلى حارث بالأب، و يؤيده قول الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا و بناتنا         بنوهن أبناء الرجال الأباعد
و ما رواه حماد بن عيسى قال رواه لي بعض أصحابنا عن العبد الصالح أبي الحسن الأول عليه السلام «1» «و من كانت أمه من بني هاشم و أبوه من سائر قريش فإن الصدقة تحل له و ليس له من الخمس شي‌ء لأن اللّٰه يقول: ادعوهم لآبائهم» «2».
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.
(2) سورة الأحزاب الآية 6.

394
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المطلب الثاني في بيان حكم من انتسب إلى هاشم بالأم دون الأب ج 12 ص 390

و لأنه أحوط. احتج السيد المرتضى بأن الأصل في الإطلاق الحقيقة و قد ثبت إطلاق الاسم في‌
قوله عليه السلام «1» في الحسن و الحسين (عليهما السلام) «هذان ابناي إمامان قاما أو قعدا».
و الجواب المنع من اقتضاء الإطلاق الحقيقة مطلقا بل إذا لم يعارض معارض. انتهى.
و قال الشيخ في الخلاف في باب الوقف: مسألة- إذا وقف على أولاده و أولاد أولاده دخل أولاد البنات فيه و يشتركون فيه مع أولاد البنين الذكر و الأنثى فيه سواء كلهم و به قال الشافعي، و قال أصحاب أبي حنيفة لا يدخل أولاد البنات فيه «2». إلى أن قال: دليلنا إجماع المسلمين على أن عيسى بن مريم عليه السلام من ولد آدم و هو ولد ابنته لأنه ولد من غير أب. و أيضا دعا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله الحسن عليه السلام ابنا و هو ابن بنته و قال:
«لا تزرموا ابني».
أي لا تقطعوا عليه بوله و كان قد بال في حجره فهموا بأخذه فقال لهم ذلك «3» فأما استشهادهم بقول الشاعر:
«بنونا بنو أبنائنا و بناتنا         بنوهن أبناء الرجال الأباعد»
فإنه مخالف لقول النبي صلى اللّٰه عليه و آله و إجماع الأمة و المعقول فوجب رده. و قال في كتاب الميراث مثله و استدل بما استدل به هنا. انتهى. و لهذا أنه لم ينقل عنه موافقة القول المشهور إلا في النهاية و المبسوط و إلا فهو في الخلاف قد وافق قول السيد كما عرفت.
و قال الشيخ المفيد في كتاب الوقف من المقنعة: و إذا وقف على العلوية‌
______________________________
(1) قال المجلسي في البحار ج 10 ص 78 في مقام الاستدلال على إمامتهما «ع»:
و يستدل بالخبر المشهور
أنه «ص» قال: «ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا».
و فيه ج 9 ص 140 في حديث
و «إنهما إمامان قاما أو قعدا».
و أيضا ج 9 ص 150 في حديث
«و ابناه الحسن و الحسين «ع» سبطاي من هذه الأمة إمامان قاما أو قعدا» ..
(2) في المغني ج 5 ص 560 و 561 نسب القول بالعدم إلى مالك و محمد بن الحسن و القول بالدخول إلى الشافعي و أبي يوسف.
(3) الوسائل الباب 8 من النجاسات.

395
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المطلب الثاني في بيان حكم من انتسب إلى هاشم بالأم دون الأب ج 12 ص 390

كان لولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و ولد ولده من الذكور و الإناث، فإن وقف على الطالبيين كان على ولد أبي طالب (رحمة اللّٰه عليه) و ولد ولده من الذكور و الإناث. و هو كما ترى مطابق لما نقل عنه آنفا حيث أنه أدخل المتقربين بالأم في النسبة إلى علي و أبي طالب (عليهما السلام) و المخالفون من أصحابنا في المسألة ينكرون دخول المتقرب بالأم في النسبة كما سمعته من كلام العلامة.
و قال الفضل بن شاذان- على ما نقله عنه في الكافي «1» في باب الميراث بعد أن نقل عن العامة القول ببنوة ابن البنت في جميع الأحكام إلا في الميراث- ما حاصله: أنهم إنما أنكروا ذلك في باب الميراث اقتداء بأسلافهم الذين أرادوا إبطال بنوة الحسن و الحسين (عليهما السلام) بسبب أمهما و اللّٰه المستعان. هذا مع ما قد نص اللّٰه عليه في كتابه بقوله عز و جل «كُلًّا هَدَيْنٰا وَ نُوحاً هَدَيْنٰا مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ دٰاوُدَ وَ سُلَيْمٰانَ وَ أَيُّوبَ. إلى قوله وَ عِيسىٰ وَ إِلْيٰاسَ كُلٌّ مِنَ الصّٰالِحِينَ» «2» فجعل عيسى من ذرية نوح و من ذرية آدم و هو ابن بنته لأنه لا أب لعيسى، فكيف لا يكون ولد الابنة ولد الرجل بلى لو أرادوا الإنصاف و الحق. و باللّٰه التوفيق. انتهى أقول: و قد ظهر لك من ما ذكرنا حجج القولين و ما أوردوه في البين.
و الظاهر عندي هو مذهب السيد (قدس سره) لوجوه‌
الأول [الاستدلال بالآيات لاستحقاق المنتسب إلى هاشم بالأم الخمس]
- الآيات القرآنية التي هي أقوى حجة و أظهر محجة الواردة في باب النكاح و باب الميراث، فإنها متفقة في صدق الولد شرعا على ولد البنت و الابن و صدق الأب على الجد منهما، و لذلك ترتبت عليه الأحكام الشرعية في البابين المذكورين، و الأحكام الشرعية لا تترتب إلا على المعنى الحقيقي للفظ دون المجازي المستعار الذي قد يعتبر و قد لا يعتبر.
و ها أنا أتلو عليك شطرا من تلك الآيات الواردة في هذا المجال لتحيط‌
______________________________
(1) الفروع ج 2 ص 260.
(2) سورة الأنعام الآية 85 و 86.

396
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأول الاستدلال بالآيات لاستحقاق المنتسب إلى هاشم بالأم الخمس ج 12 ص 396

خبرا بأن ما ذهبنا إليه لا يعتريه غشاوة الإشكال و إن كان قد تقدم في كلام السيد ما يشير إلى بعض ذلك:
فمن ذلك قوله عز و جل «وَ لٰا تَنْكِحُوا مٰا نَكَحَ آبٰاؤُكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ» «1» فإنه لا خلاف في أنه بهذه الآية يحرم على ابن البنت زوجة جده من الأم لكونه أبا له بمقتضى الآية، فهي تدل على أن أب الأم أب حقيقة إذ لو لا ذلك لما اقتضت تحريم زوجة جده عليه، فيكون ولد البنت ولدا حقيقة للتضايف.
و من ذلك قوله عز و جل في تعداد المحرمات «وَ حَلٰائِلُ أَبْنٰائِكُمُ» «2» فإنه لا خلاف في أنه بهذه الآية يحرم نكاح الرجل لزوجة ابن ابنته لصدق الابنية عليه المذكورة.
و منه قوله تعالى في تعداد المحرمات أيضا «وَ بَنٰاتُكُمْ» «3» فإنه بهذه الآية حرمت بنت البنت على جدها.
و منه أيضا في تعداد من يحل نظره إلى الزينة قوله سبحانه «أَوْ أَبْنٰائِهِنَّ» «4» فإنه بهذه الآية يحل لابن البنت النظر إلى زينة جدته لأمه بل زوجة جده بقوله «أَوْ أَبْنٰاءِ بُعُولَتِهِنَّ» «5».
و منه في الميراث في حجب الزوجين عن السهم الأعلى و حجب الأبوين عن ما زاد على السدس قوله عز و جل: «فَإِنْ كٰانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ. فَإِنْ كٰانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ» «6» «وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وٰاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّٰا تَرَكَ إِنْ كٰانَ لَهُ وَلَدٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَوٰاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ» «7» فإن الولد في جميع هذه المواضع شامل بإطلاقه لولد البنت، و الأحكام المذكورة مرتبة عليه بلا خلاف كما ترتبت على ولد الصلب بلا واسطة.
______________________________
(1) سورة النساء الآية 27.
(2) سورة النساء الآية 28.
(3) سورة النساء الآية 28.
(4) سورة النور الآية 32.
(5) سورة النور الآية 32.
(6) سورة النساء الآية 14 و 15.
(7) سورة النساء الآية 13.

397
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأول الاستدلال بالآيات لاستحقاق المنتسب إلى هاشم بالأم الخمس ج 12 ص 396

و من الظاهر البين أنه لو لا صدق الإطلاق حقيقة لما جاز ترتب الأحكام الشرعية المذكورة في جملة هذه الآيات و نحوها عليه.
و أما ما أجاب به في المسالك في كتاب الوقف و في كتاب الميراث من أن دخول أولاد الأولاد بدليل من خارج لا من حيث الإطلاق فهو مردود بأن الروايات قد فسرت الآيات المذكورة بذلك و أنه قد أريد بها هذا المعنى، و منها- الروايات الآتية في المقام حيث استدل الأئمّة (عليهم السلام) بالآيات على هذا المعنى و فسروها به لا أن هذا المعنى إنما استفيد من أخبار خارجة أو من الإجماع كما ادعاه. و أيضا فإن الأصحاب قد استدلوا على الأحكام المذكورة بإطلاق هذه الآيات كما لا يخفى على من راجع كتبهم فلو لا أن أولاد الأولاد مطلقا داخلون في الإطلاق و مستفادون منه لما صح هذا الاستدلال الذي أوردوه (عليهم السلام) و لا الذي ذكره الأصحاب. و بذلك يظهر أن جوابه (قدس سره) شعري لا يعتمد عليه و قشري لا يلتفت إليه.
الثاني [الاستدلال بالأخبار لاستحقاق المنتسب إلى هاشم بالأم الخمس]
- الأخبار الظاهرة المنار الساطعة الأنوار: و منها-
ما رواه ثقة الإسلام الكليني (عطر اللّٰه مرقده) في كتاب روضة الكافي «1» و الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره «2» بسنديهما إلى أبي الجارود قال: «قال لي أبو جعفر عليه السلام يا أبا الجارود ما يقولون لكم في الحسن و الحسين (عليهما السلام)؟ قلت ينكرون علينا أنهما ابنا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله. قال فأي شي‌ء احتججتم عليهم؟ قلت احتججنا عليهم بقول اللّٰه عز و جل في عيسى بن مريم عليه السلام: و من ذريته داود و سليمان و أيوب و يوسف و موسى و هارون و كذلك نجزي المحسنين و زكريا و يحيى و عيسى «3» فجعل عيسى بن مريم من ذرية نوح عليه السلام. قال عليه السلام: فأي شي‌ء قالوا لكم؟ قلت قالوا قد يكون ولد الابنة من الولد و لا يكون من الصلب. قال: فأي شي‌ء احتججتم
______________________________
(1) ص 317.
(2) ص 196.
(3) سورة الأنعام الآية 85 و 86.

398
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثاني الاستدلال بالأخبار لاستحقاق المنتسب إلى هاشم بالأم الخمس ج 12 ص 398

عليهم؟ قلت احتججنا عليهم بقول اللّٰه تعالى لرسوله صلى اللّٰه عليه و آله «فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ وَ نِسٰاءَنٰا وَ نِسٰاءَكُمْ» «1» قال فأي شي‌ء قالوا؟ قلت قالوا قد يكون في كلام العرب أبناء رجل و آخر يقول: أبناؤنا. قال فقال أبو جعفر عليه السلام يا أبا الجارود لأعطينكها من كتاب اللّٰه عز و جل إنهما من صلب رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله لا يردها إلا كافر.
قلت: و أين ذلك جعلت فداك؟ قال من حيث قال اللّٰه عز و جل «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ وَ بَنٰاتُكُمْ وَ أَخَوٰاتُكُمْ. الآية إلى أن انتهى إلى قوله تعالى وَ حَلٰائِلُ أَبْنٰائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلٰابِكُمْ» «2» فسلهم يا أبا الجارود هل كان يحل لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله نكاح حليلتيهما؟ فإن قالوا نعم كذبوا و فجروا و إن قالوا لا فهما ابناه لصلبه» و زاد في رواية علي بن إبراهيم «و ما حرمتا عليه إلا للصلب. الحديث».
و لا يخفى ما فيه من الصراحة في المطلوب و الظهور و التشنيع الفظيع على من قال بالقول المشهور و مشاركته للعامة في رد كتاب اللّٰه المؤذن بالخروج عن الإسلام نعوذ باللّٰه من زيغ الأفهام و طغيان الأقلام، و لكن العذر لهم تجاوز اللّٰه عنا و عنهم واضح بعدم تتبع الأدلة و الوقوف عليها من مظانها لتفرقها و عدم اجتماعها في باب معلوم.
و في الخبر كما ترى دلالة واضحة على أن إطلاق الولد في الآيات المتقدمة على ابن البنت على جهة الحقيقة و أنه ولد للصلب حقيقة و إن كان بواسطة لا فرق بينه و بين الولد للصلب الذي هو متفق عليه بينهم.
و منها-
ما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «3» «أنه قال لو لم تحرم على الناس أزواج النبي صلى اللّٰه عليه و آله لقول اللّٰه عز و جل:
وَ مٰا كٰانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللّٰهِ وَ لٰا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوٰاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً «4»
______________________________
(1) سورة آل عمران الآية 55.
(2) سورة النساء الآية 28.
(3) الوسائل الباب 2 من ما يحرم بالمصاهرة.
(4) سورة الأحزاب الآية 54.

399
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثاني الاستدلال بالأخبار لاستحقاق المنتسب إلى هاشم بالأم الخمس ج 12 ص 398

حرمن على الحسن و الحسين (عليهما السلام) لقوله تعالى: وَ لٰا تَنْكِحُوا مٰا نَكَحَ آبٰاؤُكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ «1» و لا يصلح للرجل أن ينكح امرأة جده».
و التقريب فيها ما تقدم عند ذكر الآية المشار إليها.
و منها-
ما رواه الصدوق في عيون الأخبار «2» و الطبرسي (قدس سره) في كتاب الاحتجاج «3» في حديث طويل عن الكاظم عليه السلام يتضمن ذكر ما جرى بينه و بين الخليفة هارون الرشيد لما أدخل عليه، و موضع الحاجة منه أنه قال له الرشيد: «لم جوزتم للعامة و الخاصة أن ينسبوكم إلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و يقولون لكم يا بني رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و أنتم بنو علي و إنما ينسب المرء إلى أبيه و فاطمة إنما هي وعاء و النبي صلى اللّٰه عليه و آله جدكم من قبل أمكم؟ فقال يا أمير المؤمنين لو أن النبي صلى اللّٰه عليه و آله نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟ فقال سبحان اللّٰه و لم لا أجيبه بل أفتخر على العرب و العجم و قريش بذلك. فقال لكنه لا يخطب إلى و لا أزوجه. فقال و لم؟ فقلت لأنه ولدني و لم يلدك. فقال أحسنت يا موسى ثم قال كيف قلتم إنا ذرية النبي صلى اللّٰه عليه و آله و النبي لم يعقب و إنما العقب للذكر لا للأنثى و أنتم ولد لابنته و لا يكون لها عقب؟. ثم ساق الخبر إلى أن قال: فقلت أعوذ باللّٰه من الشيطان الرجيم بسم اللّٰه الرحمن الرحيم «وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ دٰاوُدَ وَ سُلَيْمٰانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسىٰ وَ هٰارُونَ وَ كَذٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَ زَكَرِيّٰا وَ يَحْيىٰ وَ عِيسىٰ» «4» من أبو عيسى يا أمير المؤمنين؟ فقال ليس لعيسى أب.
فقلت إنما ألحقناه بذراري الأنبياء من طريق مريم و كذلك ألحقنا بذراري النبي صلى اللّٰه عليه و آله من قبل أمنا فاطمة. أزيدك يا أمير المؤمنين؟ قال هات فقال أعوذ باللّٰه من الشيطان الرجيم «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ. الآية» «5» و لم يدع أحد أنه أدخل النبي صلى اللّٰه عليه و آله تحت الكساء عند المباهلة للنصارى إلا علي بن أبي طالب و فاطمة و الحسن و الحسين
______________________________
(1) سورة النساء الآية 27.
(2) ج 1 ص 83 الطبع الحديث.
(3) ص 199.
(4) سورة الأنعام الآية 85 و 86.
(5) سورة آل عمران الآية 55.

400
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثاني الاستدلال بالأخبار لاستحقاق المنتسب إلى هاشم بالأم الخمس ج 12 ص 398

(عليهم السلام) فالأبناء هم الحسن و الحسين و النساء هي فاطمة و «أَنْفُسَنٰا» إشارة إلى علي بن أبي طالب عليه السلام «1». الحديث».
و منها-
ما رواه الشيخ المفيد (قدس سره) في كتاب الاختصاص «2» في حديث طويل عن الكاظم عليه السلام مع الرشيد أيضا قال فيه: «و إني أريد أن أسألك عن مسألة فإن أجبتني أعلم أنك قد صدقتني و خليت عنك و وصلتك و لم أصدق ما قيل فيك. فقلت ما كان علمه عندي أجبتك فيه. فقال لم لا تنهون شيعتكم عن قولهم لكم يا ابن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و أنتم ولد علي و فاطمة إنما هي وعاء و الولد ينسب إلى الأب لا إلى الأم؟ فقلت إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني عن هذه المسألة فعل فقال لست أفعل أو تجيب، فقلت فأنا في أمانك أن لا يصيبني من آفة السلطان شي‌ء فقال لك الأمان. فقلت أعوذ باللّٰه من الشيطان الرجيم بسم اللّٰه الرحمن الرحيم «وَ وَهَبْنٰا لَهُ إِسْحٰاقَ وَ يَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنٰا وَ نُوحاً هَدَيْنٰا مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ دٰاوُدَ وَ سُلَيْمٰانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسىٰ وَ هٰارُونَ وَ كَذٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَ زَكَرِيّٰا وَ يَحْيىٰ وَ عِيسىٰ» «3» فمن أبو عيسى؟ فقال ليس له أب إنما خلق من كلام اللّٰه (عز و جل) و روح القدس. فقلت إنما ألحق عيسى بذراري الأنبياء من قبل مريم و ألحقنا بذراري الأنبياء من قبل فاطمة لا من قبل علي. فقال أحسنت يا موسى زدني من مثله. فقلت اجتمعت الأمة برها و فاجرها أن حديث النجراني حين دعاه النبي صلى اللّٰه عليه و آله إلى المباهلة لم يكن في الكساء إلا النبي صلى اللّٰه عليه و آله و علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السلام) فقال اللّٰه تبارك و تعالى فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مٰا جٰاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ وَ نِسٰاءَنٰا وَ نِسٰاءَكُمْ وَ أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ «4» فكان تأويل «أَبْنٰاءَنٰا» الحسن و الحسين و «نِسٰاءَنٰا» فاطمة و «أَنْفُسَنٰا» علي بن أبي طالب (عليه السلام). فقال أحسنت. الحديث».
______________________________
(1) ارجع إلى الاستدراكات في آخر الكتاب.
(2) ص 55 و 56.
(3) سورة الأنعام الآية 85 و 86.
(4) سورة آل عمران الآية 55.

401
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثاني الاستدلال بالأخبار لاستحقاق المنتسب إلى هاشم بالأم الخمس ج 12 ص 398

أقول: لا يخفى عليك ما في هذا الخبر و الذي قبله من الدلالة الظاهرة على خلاف ما دلت عليه مرسلة حماد المتقدمة دليلا للقول المشهور، فإنه عليه السلام حكم في تلك المرسلة بأن المرء إنما ينسب إلى أبيه و استدل بقوله عز و جل «ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ» «1» و في هاتين الروايتين لما أورد عليه الرشيد ذلك الموجب لعدم جواز نسبتهم بالبنوة إلى النبي صلى اللّٰه عليه و آله احتج عليه السلام في الرواية الأولى بعدم جواز نكاح رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله كريمته الموجب لكونه ابنه حقيقة كما تضمنته الآية المتقدمة، و في كلتا الروايتين بآية عيسى و آية المباهلة، و لو كانت البنوة في هذه المواضع إنما هي على جهة المجاز فكيف تصلح هذه الآيات للاستدلال؟ و كيف يسلم الخصم تلك الدعوى؟ بل كيف يعترض الرشيد و غيره عليهم بتسمية الناس لهم أبناء رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله مجازا و باب المجاز واسع، فلو لا أن المخالفين عالمون بدعواهم (عليهم السلام) البنوة الحقيقية و أن الناس إنما أرادوا بذلك كونهم أبناء حقيقة لما كان لهذا الاعتراض وجه بالكلية، لما عرفت من أن المجاز لا مشاحة فيه و لا يوجب فخرا و لا يخلد ذكرا، و هذا بحمد اللّٰه سبحانه ظاهر تمام الظهور لمن سلمت عين بصيرته من الخلل و الفتور، و من لم يجعل اللّٰه له نورا فما له من نور.
و منها-
ما رواه العياشي في تفسيره «2» عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: «قلت له ما الحجة في كتاب اللّٰه إن آل محمد صلى اللّٰه عليه و آله هم أهل بيته؟ قال قول اللّٰه تبارك و تعالى: إن اللّٰه اصطفى آدم و نوحا و آل إبراهيم و آل عمران- و آل محمد- هكذا نزلت «3» على العالمين ذُرِّيَّةً بَعْضُهٰا مِنْ بَعْضٍ وَ اللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «4»
______________________________
(1) سورة الأحزاب الآية 6.
(2) ج 1 ص 169 و 170.
(3) الأدلة العقلية و النقلية متوفرة على عدم وقوع أي تحريف بالمعنى المعروف في القرآن، و ما ورد من الأخبار من هذا القبيل ليس المراد منه النزول على وجه القرآنية راجع البيان ج 1 لسماحة الأستاذ آية اللّٰه الخوئي دام ظله ص 136 إلى 181 و قد برهن فيه على أنه ليس من مذهب الشيعة القول بتحريف القرآن.
(4) سورة آل عمران الآية 32 و 33.

402
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثاني الاستدلال بالأخبار لاستحقاق المنتسب إلى هاشم بالأم الخمس ج 12 ص 398

و لا يكون الذرية من القوم إلا نسلهم من أصلابهم. و قال: اعملوا آل داود شكرا و قليل من عبادي الشكور «1» و آل عمران و آل محمد».
و منها-
ما رواه الصدوق في العيون «2» و المجالس عن الرضا عليه السلام في باب مجلس الرضا مع المأمون في الفرق بين العترة و الأمة، و الحديث طويل قال عليه السلام في جملته «و أما العاشرة فقول اللّٰه عز و جل في آية التحريم: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ وَ بَنٰاتُكُمْ وَ أَخَوٰاتُكُمْ. الآية» «3» فأخبروني هل تصلح ابنتي أو ابنة ابني أو ما تناسل من صلبي لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله أن يتزوجها لو كان حيا؟ قالوا لا. قال فأخبروني هل كانت ابنة أحدكم تصلح له أن يتزوجها لو كان حيا؟ قالوا نعم. قال ففي هذا بيان لأني من آله و لستم من آله و لو كنتم من آله لحرم عليه بناتكم كما حرم عليه بناتي لأني من آله و أنتم من أمته، فهذا فرق ما بين الآل و الأمة لأن الآل منه و الأمة إذا لم تكن من الآل ليست منه، فهذه العاشرة. و أما الحادية عشرة فقوله عز و جل في سورة المؤمن. و ساق الكلام إلى أن قال عليه السلام: و كذلك خصصنا نحن إذ كنا من آل رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله بولادتنا منه. الحديث».
و منها-
قوله في الخبر المذكور «4» حين ادعى الحاضرون أن الآل هم الأمة:
«أخبروني هل تحرم الصدقة على الآل؟ قالوا نعم. قال فتحرم على الأمة؟ قالوا لا.
قال هذا فرق بين الآل و الأمة. الحديث».
و التقريب فيه أن كل من انتسب إليه صلى اللّٰه عليه و آله بأمه فإنه داخل في آله لما ورد من تفسير الآل بالذرية في خبر و بمن حرم على رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله نكاحه في خبر آخر «5» و متى دخل في الآل حرمت عليه الصدقة بنص الخبر المذكور مع‌
______________________________
(1) سورة سبأ الآية 13 و الكلام في التتمة كما تقدم في التعليقة 3 ص 402.
(2) ج 1 ص 239 الطبع الحديث و في المجالس ص 318.
(3) سورة النساء الآية 28.
(4) العيون ص 229 و المجالس 313.
(5) راجع التعليقة 1 و 2 ص 405.

403
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثاني الاستدلال بالأخبار لاستحقاق المنتسب إلى هاشم بالأم الخمس ج 12 ص 398

إن خبر حماد بن عيسى دل على حل الصدقة لمن انتسب إلى هاشم بالأم الموجب لإخراجه من الآل و الذرية.
و منها-
ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في أبواب الزيارات «1» بسنده عن بعض أصحابنا قال: «حضرت أبا الحسن الأول عليه السلام و هارون الخليفة و عيسى بن جعفر و جعفر بن يحيى بالمدينة و قد جاءوا إلى قبر رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) فقال هارون لأبي الحسن عليه السلام تقدم فأبى فتقدم هارون فسلم و قام ناحية فقال عيسى بن جعفر لأبي الحسن عليه السلام تقدم فأبى فتقدم عيسى فسلم و وقف مع هارون فقال جعفر لأبي الحسن عليه السلام تقدم فأبى فتقدم جعفر فسلم و وقف مع هارون فتقدم أبو الحسن عليه السلام و قال السلام عليك يا أبت أسأل اللّٰه الذي اصطفاك و اجتباك و هداك و هدى بك أن يصلي عليك. فقال هارون لعيسى سمعت ما قال؟ قال: نعم. فقال هارون أشهد أنه أبوه حقا».
فانظر أيدك اللّٰه إلى شهادة هارون بأبوته (صلى اللّٰه عليه و آله) له عليه السلام حقا و أي مجال للحمل على المجاز في ذلك؟
و منها-
ما رواه ثقة الإسلام في الكافي و الصدوق في الفقيه و الشيخ في كتابيه بطرق عديدة و متون متقاربة عن عائذ الأحمسي «2» قال: «دخلت على أبي عبد اللّٰه عليه السلام و أنا أريد أن أسأله عن صلاة الليل فقلت السلام عليك يا ابن رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) فقال: و عليك السلام إي و اللّٰه إنا لولده و ما نحن بذوي قرابته. الحديث».
أقول: انظر إلى صراحة كلامه عليه السلام في المطلوب و المراد و قسمه على ذلك برب العباد و أنه ليس انتسابهم إليه (صلى اللّٰه عليه و آله) بمجرد القرابة كما يدعيه ذوو العناد و الفساد و من تبعهم من أصحابنا ممن حاد في المسألة عن طريق السداد حيث حملوا لفظ الابنية في حقهم (عليهم السلام) على المجاز و هي ظاهرة بل صريحة كما ترى في‌
______________________________
(1) الفروع ج 1 ص 316 و في الوسائل الباب 6 من المزار.
(2) الفروع ج 1 ص 137 و في الوسائل الباب 17 من أعداد الفرائض و نوافلها.

404
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثاني الاستدلال بالأخبار لاستحقاق المنتسب إلى هاشم بالأم الخمس ج 12 ص 398

إرادة البنوة الحقيقية لا مسرح للعدول عنها و الجواز.
و مجمل القول في هذه الأخبار و نحوها أنها قد دلت على دعواهم (عليهم السلام) البنوة له (صلى اللّٰه عليه و آله) و افتخارهم بذلك و أن المخالفين أنكروها عليهم، و هم (عليهم السلام) قد استدلوا على إثباتها بالآيات القرآنية كما مرت، و لو لا أن المراد بالبنوة الحقيقية لما كان لما ذكر من هذه الأمور وجه، لأن المجاز لا يوجب الافتخار و لا يصلح أن يكون محلا للمخاصمة و الجدال و طلب الأدلة و إيراد الآيات دليلا عليه بل هذه الأشياء إنما تترتب على المعنى الحقيقي كما أشرنا إليه آنفا، و لكن أصحابنا (رضوان اللّٰه عليهم) لم يعطوا المسألة حقها من التتبع لأخبارها و التطلع في آثارها فوقعوا في ما وقعوا فيه.
الثالث [توضيح بعض هذه الأخبار]
- أن جملة الأخبار التي وقفت عليها بالنسبة إلى مستحقي الخمس عدا مرسلة حماد المتقدمة إنما تضمنت التعبير عنهم بكونهم آل محمد (صلى اللّٰه عليه و آله) أو ذريته أو عترته أو ذوي قرابته أو أهل بيته أو نحو ذلك من الألفاظ التي لا تناكر في دخول المنتسب بالأم إليه صلى اللّٰه عليه و آله فيها، فإن معنى الآل على ما رواه الصدوق في معاني الأخبار «1» عن الصادق عليه السلام من حرم على محمد صلى اللّٰه عليه و آله نكاحه، و في رواية أخرى «2» فسره بالذرية، و لا ريب أيضا في صدق الذرية على من انتسب بالأم للآية الدالة على كون عيسى من ذرية نوح عليه السلام «3».
و حينئذ فإذا كان التعبير عن مستحق الخمس في الأخبار إنما وقع بهذه الألفاظ التي لا إشكال في دخول المنتسب بالأم إليه صلى اللّٰه عليه و آله فيها فإنه لا مجال لنزاع القوم في هذه المسألة باعتبار عدم صدق البنوة على من انتسب إلى هاشم بالأم، لأن علة النسبة إلى هاشم لم نقف عليها إلا في المرسلة المتقدمة حيث قال فيها «4»:
«و هؤلاء الذين
______________________________
(1) ص 93 و 94 الطبع الحديث.
(2) ص 94 الطبع الحديث.
(3) و هي قوله تعالى «وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ دٰاوُدَ. إلى قوله تعالى وَ عِيسىٰ» سورة الأنعام الآية 85 و 86.
(4) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.

405
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالث توضيح بعض هذه الأخبار ج 12 ص 405

جعل اللّٰه لهم الخمس هم قرابة النبي صلى اللّٰه عليه و آله الذين ذكرهم اللّٰه تعالى فقال «وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» «1» و هم بنو عبد المطلب أنفسهم الذكر منهم و الأنثى. إلى أن قال:
و من كانت أمه من بني هاشم.
إلى آخر ما تقدم» و كذا‌
ما في رواية زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «لو كان العدل ما احتاج هاشمي و لا مطلبي إلى صدقة إن اللّٰه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم».
و الثاني لا صراحة فيه بل و لا ظاهرية في المنع من ما ندعيه، لأن النسبة إلى هاشم تصدق بكونه من الذرية و هي حاصلة بالانتساب بالأم كما عرفت، فلم يبق إلا المرسلة المتقدمة و موضع المنافاة فيها و هو الصريح في المنافاة إنما هو قوله «و من كانت أمه من بني هاشم و أبوه من سائر قريش فإن الصدقات تحل له.» و إلا فتفسيرهم بالقرابة و أنهم بنو عبد المطلب لا صراحة فيه و لا ظهور بعد ما حققناه آنفا، فإنا قد أثبتنا بالآيات القرآنية و الروايات المتقدمة حصول البنوة بالأم.
و تعلق الخصم بعدم صدق الابنية الحقيقية- و أنه لا يقال تميمي و لا حارثي إلا إذا انتسب إلى تميم و إلى حارث بالأب و الاستناد إلى ذلك الشعر المنقول في مقابلة ما ذكرناه من المنقول- غير معقول عند ذوي الألباب و العقول بل هو أوهن من بيت العنكبوت و أنه لأوهن البيوت لما شرحناه و أوضحناه في ذيل تلك الآيات و الروايات.
و يزيده إيضاحا و بيانا دلالة جملة من الأخبار على صحة نسبتهم (عليهم السلام) بل جميع الذرية إليه (صلى اللّٰه عليه و آله) بأن يقال محمدي كما يقال علوي.
و من ذلك‌
ما رواه في الكافي «3» في باب ما نص اللّٰه و رسوله (صلى اللّٰه عليه و آله) على الأئمّة واحدا فواحدا بسند صحيح عن عبد الرحيم بن روح القصير عن
______________________________
(1) سورة الشعراء الآية 215.
(2) الوسائل الباب 33 من المستحقين للزكاة.
(3) الأصول ج 1 ص 288.

406
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالث توضيح بعض هذه الأخبار ج 12 ص 405

أبي جعفر عليه السلام في قول اللّٰه عز و جل النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ «1» ثم ساق الحديث الدال على اختصاص الإمامة بهم (عليهم السلام). إلى أن قال: «فقلت له: هل لولد الحسن عليه السلام فيها نصيب؟ فقال لا و اللّٰه يا عبد الرحيم ما لمحمدي فيها نصيب غيرنا».
و ما رواه الصدوق في كتاب معاني الأخبار «2» عن حمزة و محمد ابني حمران عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في حديث قال فيه بعد ذكر حمران لعقيدته في الإمامة ما صورته:
«يا حمران مد المطمر بينك و بين العالم- قلت يا سيدي و ما المطمر؟ قال أنتم تسمونه خيط البناء- فمن خالفك على هذا الأمر فهو زنديق. فقلت و إن كان علويا فاطميا؟
فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام و إن كان محمديا علويا فاطميا».
و هما صريحان كما ترى في صحة النسبة إليه (صلى اللّٰه عليه و آله) بأن كل من كان من ذريته و أبناء ابنته فهو محمدي.
و به يظهر أن ما ذكروه من أنه لا تصح النسبة إليه إلا إذا انتسب بالأب كلام شعري لا تعويل عليه.
و من ما يؤكد ذلك‌
ما رواه في الكافي «3» في حديث طويل في باب ما يفصل به بين دعوى المحق و المبطل في الإمامة عن أبي جعفر عليه السلام و هو طويل قال في آخره: «اللّٰه بيننا و بين من هتك سترنا و جحدنا حقنا و أفشى سرنا و نسبنا إلى غير جدنا و قال فينا ما لم نقله في أنفسنا».
و من ما يدل على صحة الانتساب بالأم زيادة على ما قدمنا‌
ما رواه العياشي في تفسيره «4» و البرقي في المحاسن «5» عن بشير الدهان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: و اللّٰه لقد نسب اللّٰه عيسى بن مريم في القرآن إلى إبراهيم من قبل النساء. ثم تلا وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ دٰاوُدَ وَ سُلَيْمٰانَ. إلى آخر الآيتين «6» و ذكر عيسى (عليه السلام).
______________________________
(1) سورة الأحزاب الآية 7.
(2) ص 212 الطبع الحديث.
(3) الأصول ج 1 ص 356 و 357.
(4) ج 1 ص 367.
(5) ج 1 ص 156.
(6) سورة الأنعام الآية 85 و 86.

407
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالث توضيح بعض هذه الأخبار ج 12 ص 405

و أما ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) في قرينة المجاز- من صحة السلب في قول القائل: هذا ليس ابني بل ابن بنتي أو ابن ابني- فمردود بأنه غير مسلم على إطلاقه فإنا لا نسلم سلب الولدية حقيقة، إذ حاصل المعنى بقرينة الإضراب أن مراد القائل المذكور أنه ليس بولدي بلا واسطة بل ولدي بالواسطة، فالمنفي حينئذ إنما هو كونه ولده من غير واسطة و الولد الحقيقي عندنا أعمّ منهما، و لو قال ذلك القائل ليس بولدي من غير الإتيان بالإضراب منعنا صحة السلب.
و بالجملة فإنه لم يبق هنا شي‌ء ينافي ما حققناه إلا قوله في المرسلة المذكورة «و من كانت أمه من بني هاشم.» و لو أنا نجري على قواعدهم في هذا الاصطلاح لكان لنا أن نقول أنه لا ريب أن هذه الرواية ضعيفة السند لا تقوم بمعارضة ما ذكرناه من الآيات و الأخبار التي فيها الصحيح و غيره، و الجمع بين الأخبار إنما يصار إليه مع التكافؤ سندا و قوة و إلا فتراهم يطرحون المرجوح من البين.
و أما على ما هو المختار عندنا من صحة جميع الأخبار فالجواب عن ذلك أنه لا ريب أن مقتضى القواعد المقررة عن أصحاب العصمة (عليهم السلام) أنه مع اختلاف الأخبار يجب عرضها على القرآن و الأخذ بما وافقه و رمي ما خالفه «1» و كذا ورد أيضا العرض على مذهب العامة و الأخذ بما خالفه و طرح ما وافقه «2».
و لا ريب بمقتضى ما قدمناه من الآيات و الروايات و التحقيق في المقام أن ما تضمنته هذه المرسلة مخالف للقرآن و مطابق للعامة، و حينئذ فبمقتضى هاتين القاعدتين يجب طرح ما خالف في هذه الرواية المذكورة.
أما مخالفتها للقرآن فظاهر لما عرفت من دلالتها على عدم دخول ابن البنت في الابن الحقيقي و إجراء أحكام الابن الحقيقي عليه لأن الولد إنما ينسب إلى أبيه، مع دلالة الآيات القرآنية و الأخبار المتقدمة على دخوله في الابن الحقيقي كما عرفت‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي و ما يجوز أن يقضي به.
(2) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي و ما يجوز إن يقضي به.

408
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالث توضيح بعض هذه الأخبار ج 12 ص 405

و أما موافقتها للعامة فلما عرفت من كلام السيد المرتضى (رضي اللّٰه عنه) المتقدم و قوله فيه «و أما مخالفونا فإنهم لا يوافقونا في تسمية ولد البنت بأنه ولد على الحقيقة و فيهم من وافق» و لما عرفت من رواية أبي الجارود و حديثي الكاظم (عليه السلام) مع الرشيد.
على أنه لو تم العمل على هذه الرواية للزم خروجهم (عليهم السلام) عن أن يكونوا آله و ذريته (صلى اللّٰه عليه و آله) كما تقوله العامة، و هو من ما لا يقول به أحد من الإمامية لأن ظاهر هذه الرواية أن المنتسب بالأم خاصة حكمه حكم سائر الأجانب و أن نسبته بالأم في حكم العدم و إنما الاعتبار بالأب للآية التي ذكرها مع أنك عرفت من تفسير الآل و الذرية ما يوجب دخوله، و يزيده بيانا ما ذكره الرضا (عليه السلام) في الحديث الطويل المروي في كتاب عيون أخبار الرضا (عليه السلام) «1» في الفرق بين آل النبي و ذريته و بين الأمة فليرجع إليه من أحب الوقوف عليه.
و بالجملة فإنه قد تلخص بما ذكرناه أن وجه المخالفة في هذه الرواية الموجب لطرحها ناشئ من أمرين: أحدهما- دلالتها على نفي الابنية عن ولد البنت و قد عرفت من الآيات و الروايات المتقدمة ثبوتها. و ثانيهما- أن المستفاد من ما قدمناه من الأخبار أن من انتسب إليه صلى اللّٰه عليه و آله بأمه فهو من آله و كل من كان من آله حرمت عليه الصدقة، ينتج من ذلك أن كل من انتسب إليه بأمه تحرم عليه الصدقة، دليل الصغرى ما قدمناه من الخبر المنقول من معاني الأخبار في معنى الآل، و دليل الكبرى الخبر الذي قدمناه في الفرق بين العترة و الأمة، و متى ثبت تحريم الصدقة عليه حل له الخمس إذ لا ثالث لهذين القسمين بالاتفاق نصا و فتوى، كما يدل عليه أيضا آخر حديث حماد بن عيسى «2» الذي احتج به الخصم فليلاحظ.
و من ما يؤكد موافقة ما تضمنه الخبر المذكور للعامة أيضا ما نقله الفقيه محمد‌
______________________________
(1) ج 1 ص 228 الطبع الحديث.
(2) ص 385.

409
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالث توضيح بعض هذه الأخبار ج 12 ص 405

ابن طلحة الشامي الشافعي في كتابه مطالب السؤل في مناقب آل الرسول صلى اللّٰه عليه و آله «1» قال: و قد نقل أن الشعبي كان يميل إلى آل الرسول (صلى اللّٰه عليه و آله) و كان لا يذكرهم إلا و هو يقول هم أبناء رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) و ذريته، فنقل عنه ذلك إلى الحجاج بن يوسف و تكرر ذلك منه و كثر نقله عنه فأغضبه ذلك من الشعبي و نقم عليه، فاستدعاه الحجاج يوما و قد اجتمع لديه أعيان المصرين الكوفة و البصرة و علماؤهما و قراؤهما، فلما دخل الشعبي عليه لم يهش له و لا وفاه حقه من الرد عليه، فلما جلس قال يا شعبي ما أمر يبلغني عنك فيشهد عليك بجهلك؟ قال ما هو يا أمير؟ قال أ لم تعلم أن أبناء الرجل هل ينسبون إلا إليه و الأنساب لا تكون إلا بالآباء؟ فما بالك تقول عن أبناء علي (عليه السلام) أبناء رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) و ذريته؟ و هل لهم اتصال برسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) إلا بأمهم فاطمة (عليها السلام) و النسب لا يكون بالبنات و إنما يكون بالأبناء؟ فأطرق الشعبي ساعة حتى بالغ الحجاج في الإنكار عليه و قرع إنكاره مسامع الحاضرين و الشعبي ساكت، فلما رأى الحجاج سكوته أطمعه ذلك في زيادة تعنيفه فرفع الشعبي رأسه فقال يا أمير ما أراك إلا متكلما بكلام من يجهل كلام اللّٰه تعالى و سنة نبيه (صلى اللّٰه عليه و آله) أو يعرض عنهما. فازداد الحجاج غضبا منه و قال المثلي تقول هذا يا ويلك؟ قال الشعبي نعم هؤلاء قراء المصرين و حملة الكتاب العزيز فكل منهم يعلم ما أقول، أ ليس قد قال اللّٰه تعالى حين خاطب عباده «يٰا بَنِي آدَمَ» «2» و قال «يٰا بَنِي إِسْرٰائِيلَ» «3» و قال عن إبراهيم: «وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ. إلى أن قال وَ عِيسىٰ» «4»؟
فترى يا حجاج اتصال عيسى بآدم و إسرائيل نبي اللّٰه و إبراهيم خليل اللّٰه بأيّ آبائه‌
______________________________
(1) ص 4.
(2) سورة الأعراف الآية 26 و 27 و 30 و 34.
(3) سورة البقرة الآية 39 و 45 و 117.
(4) سورة الأنعام الآية 85 و 86.

410
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثالث توضيح بعض هذه الأخبار ج 12 ص 405

كان أو بأيّ أجداد أبيه؟ هل كان إلا بأمه مريم؟ و قد صح النقل عن رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) «ابني هذا سيد». فلما سمع ذلك منه أطرق خجلا ثم عاد يتلطف بالشعبي و اشتد حياؤه من الحاضرين. انتهى.
أقول: و لعل إلى مثل الشعبي أشار سيدنا المرتضى في عبارته بقوله:
«و فيهم من وافق».
الرابع [نقل كلام من يرجح استحقاق المنتسب إلى هاشم بالأم الخمس]
- أن الظاهر أن معظم الشبهة عند من منع في هذه المسألة من تسمية المنتسب بالأم ولدا بالنسبة إلى جده من أمه هو أنه إنما خلق من ماء الأب و الأم إنما هي ظرف و وعاء كما سمعته من كلام الرشيد للكاظم (عليه السلام) في الحديثين المتقدمين و إليه يشير كلام الحجاج، و لعل الذي استند إليه الأصحاب مبني على ذلك.
و هو في البطلان أظهر من أن يحتاج إلى بيان لدلالة الآيات الشريفة و الأخبار المنيفة على أنه مخلوق من مائهما معا كقوله عز و جل «يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرٰائِبِ» «1» أي صلب الرجل و ترائب المرأة، و قوله عز و جل «مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشٰاجٍ» «2» أي مختلطة من ماء الرجل و ماء المرأة، و دلالة جملة من الأخبار على أن مشابهة الولد لأمه و من يتقرب بها تارة و لأبيه و من يتقرب به أخرى باعتبار سبق نطفة كل منهما، فإن سبقت نطفة الرجل أشبه الولد الأب أو من يتقرب به، و إن سبقت نطفة الأم أشبه الولد أمه أو من يتقرب بها.
هذا. و ممن وافقنا على هذه المقالة فاختار ما اخترناه و رجح ما رجحناه المحقق المدقق المولى محمد صالح المازندراني في شرح الأصول، حيث قال في شرح حديث أبي الجارود المتقدم عند قوله في الخبر «ينكرون علينا أنهما ابنا رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) ما صورته: أي ابناه حقيقة من صلبه، إذ لا نزاع في إطلاق الابن و البنت و الولد و الذرية على ولد البنت، و إنما النزاع في أن هذا الإطلاق‌
______________________________
(1) سورة الطارق الآية 8.
(2) سورة الدهر الآية 3.

411
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابع نقل كلام من يرجح استحقاق المنتسب إلى هاشم بالأم الخمس ج 12 ص 411

من باب الحقيقة أو المجاز، فذهب طائفة من أصحابنا و منهم السيد المرتضى إلى الأول، و ذهب طائفة منهم و منهم الشهيد الثاني و جمهور العامة إلى الثاني، و تظهر الفائدة في كثير من المواضع كإطلاق السيد و إجراء أحكام السيادة و النذر لأولاد الأولاد و الوقف عليهم، و الظاهر هو الأول للآيات و الروايات و أصالة الحقيقة و ضعف هذه الرواية بأبي الجارود الذي تنسب إليه الجارودية لا يضر لأن المتمسك هو الآية، و دلالة الآيتين الأولتين على المطلوب ظاهرة و الثالثة صريحة. و احتمال التجوز غير قادح لإجماع أهل الإسلام على أن ظاهر القرآن لا يترك إلا بدليل لا يجامعه بوجه. و ما روي عن الكاظم عليه السلام «1» و هو مستند المشهور على تقدير صحة سنده حمله على التقية ممكن، و استناده باستعمال اللغة غير تام لأن اللغة لا تدل على مطلوبه، قال في القاموس: و ولدك من دمي عقبيك أي من نفست به فهو ابنك. فليتأمل. انتهى كلامه (علت في الخلد أقدامه).
أقول: قد عرفت أن رواية حماد المشار إليها ضعيفة بالإرسال، و لهذا إن شيخنا الشهيد الثاني لم يعتمد عليها في الاستدلال و إنما اعتمد على ما ادعوه من حمل ذلك الإطلاق على المجاز بدعوى أن اللغة و العرف مساعدان لما يدعونه، و قد عرفت من ما قدمناه إن ما استدللنا به غير مقصور على هذه الرواية و إن كانت باصطلاحهم قاصرة بل الآيات و الروايات به متظافرة متظاهرة.
و ممن اختار هذا القول أيضا المحدث الفاضل السيد نعمة اللّٰه الجزائري (طاب ثراه و جعل الجنة مثواه) في شرح قوله صلى اللّٰه عليه و آله «إن ابني هذا سيد» «2» من كتاب عوالي الليالي، حيث قال: و في قوله «ابني هذا» نص على أن ولد البنت ابن على الحقيقة و الأخبار به مستفيضة، و ذكر الرضا (عليه السلام) في مقام المفاخرة مع المأمون أن ابنته عليه السلام تحرم على النبي (صلى اللّٰه عليه و آله) بآية‌
______________________________
(1) و هو مرسل حماد المتقدم ص 394.
(2) راجع مفتاح كنوز السنة مادة «حسن» و قد تقدم في حديث الشعبي ص 411.

412
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابع نقل كلام من يرجح استحقاق المنتسب إلى هاشم بالأم الخمس ج 12 ص 411

«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ وَ بَنٰاتُكُمْ» «1» و إليه ذهب السيد المرتضى (طاب ثراه) و جماعة من أهل الحديث، و هو الأرجح و الظاهر من الأخبار، فيكون من أمه علوية سيدا يجري عليه ما يكون للعلويين. و إن وجد ما يعارض الأخبار الدالة على ما ذكرناه فسبيله إما الحمل على التقية أو التأويل كما فصلنا الكلام فيه في شرحنا على التهذيب و الإستبصار. انتهى. و أشار (قدس سره) بحديث الرضا عليه السلام مع المأمون في المفاخرة إلى ما قدمنا نقله عن كتابي العيون و المجالس. «2»
و ممن صرح بهذه المقالة أيضا المحدث الصالح شيخنا الشيخ عبد اللّٰه بن صالح البحراني (عطر اللّٰه مرقده) حيث قال في جواب سؤال عن هذه المسألة فأجاب بما ملخصه- و من خطه نقلت و هو طويل قد كتبه على طريق الاستعجال و تشويش من البال كما ذكره فانتخبنا ملخصه، قال-: إنه قد تحقق عندي و ثبت لدي بأدلة قطعية عليها المدار و المعتمد من كتاب اللّٰه تعالى و سنة نبيه صلى اللّٰه عليه و آله و كفي بهما حجة مع اعتضادهما بالدليل العقلي إن أولاد البنات أولاد لأبي البنت حقيقة لا مجازا خلافا للأكثر من علمائنا و وفاقا للسيد المرتضى و أتباعه و هم جماعة من المتأخرين كما حققته في شرح كتاب من لا يحضره الفقيه مبسوطا منقحا بحيث لا يختلجني فيه الرين و لا يتطرق إلى فيه المين، و لكن حيث طلبت بيان الدليل فلنشر الآن إلى شي‌ء قليل. ثم ذكر آية عيسى عليه السلام و أنه من ذرية نوح عليه السلام «3» و ذكر آية «وَ حَلٰائِلُ أَبْنٰائِكُمُ» «4» إلى أن قال: و يدل عليه ما رواه الكليني في الكافي في صحيح محمد بن مسلم. ثم ساق الرواية كما قدمناه «5» ثم قال: فقد وضح من هذا أن الجد من الأم أب حقيقة لا مجازا. ثم ذكر آيتي «يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرٰائِبِ» «6» و قوله «مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشٰاجٍ» «7» و عضدهما بالأخبار التي أشرنا إليها آنفا، ثم أضاف‌
______________________________
(1) سورة النساء الآية 28.
(2) ص 403.
(3) ص 401.
(4) سورة النساء الآية 28.
(5) ص 399.
(6) سورة الطارق الآية 8.
(7) سورة الدهر الآية 3.

413
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابع نقل كلام من يرجح استحقاق المنتسب إلى هاشم بالأم الخمس ج 12 ص 411

إلى ذلك أنه لو اختص الولد بنطفة الرجل لم يكن العقر من جانب المرأة و إنما يكون من جانب الرجل خاصة مع أنه ليس كذلك. ثم قال: و أما السنة فالأخبار فيها أكثر من أن تحصى، و منها ما سبق، و منها‌
قول النبي صلى اللّٰه عليه و آله في ما تواتر عندنا للحسنين (عليهما السلام) «1» «ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا».
و قوله للحسين عليه السلام «2» «ابني هذا إمام ابن إمام أخو إمام».
و بالجملة فتسميتهما (عليهما السلام) ابنين و كونهما و جميع أولادهما التسعة المعصومين (عليهم السلام) يسمونه صلى اللّٰه عليه و آله أبا و خطاب الأمة إياهم بذلك من غير أن ينكر أمر متواتر، حتى أنه قد روى الكليني في الكافي و الصدوق في الفقيه بإسناديهما الصحيح عن عائذ الأحمسي.
ثم ساق الرواية كما قدمنا «3» بزيادة «ثلاث مرات» بعد قوله «و اللّٰه إنا لولده و ما نحن بذوي قرابته» قال: و لا وجه لتقرير السائل على ما فعله و قسمه عليه السلام بالاسم الكريم و تكرير ذلك ثلاثا للتأكيد لأنه في مقام الإنكار، و نفيه انتسابهم إليه صلى اللّٰه عليه و آله من جهة القرابة بل من جهة الولادة دليل واضح و برهان لائح على أنهم أولاد حقيقة و ليس كونهم أولاده إلا من جهة أمهم لا من أبيهم، فما ادعاه الأكثر من علمائنا- من أن تسميته صلى اللّٰه عليه و آله إياهم أولادا و تسميتهم (عليهم السلام) إياه صلى اللّٰه عليه و آله أبا مجاز- لا حقيقة له بعد ذلك. و قولهم- إن الإطلاق أعمّ من الحقيقة و المجاز- كلام شعري لا يلتفت إليه و لا يعول عليه بعد ثبوت ذلك، و لو كان الأمر كما ذكروه لما جاز لأئمتنا (عليهم السلام) الرضا بذلك إذا خاطبهم من لا يعرف كون هذا الإطلاق حقيقة و لا مجازا لأن فيه إغراء بما لا يجوز، مع أنه لا يجوز لأحد أن ينتسب لغير نسبه أو يتبرأ من نسب و إن دق فكيف بعد القسم‌
______________________________
(1) ارجع إلى التعليقة 1 ص 395.
(2) هذا المضمون ورد في البحار ج 9 ص 141 إلى ص 159 إلا أني لم أعثر عليه بلفظ «ابني» و إنما الموجود بلفظ «أنت» و نحوه.
(3) ص 404.

414
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابع نقل كلام من يرجح استحقاق المنتسب إلى هاشم بالأم الخمس ج 12 ص 411

و التأكيد و دفع ما عساه أن يتوهم. و أما قول الشاعر:
«بنونا بنو أبنائنا و بناتنا         بنوهن أبناء الرجال الأباعد»
فقول بدوي جاهل لا يثمر حجة و لا يوضح محجة، فلا يجوز الاستدلال به في معارضة القرآن و الحديث و الدليل العقلي. أما استدلال بعض فقهائنا بصحة السلب- في قول أب الأم لولدها لمن سأله «هذا ابنك أم لا؟» فإنه يصح أن يقول «هذا ليس بابني بل ابن بنتي»- فكلام ساقط عن درجة الاعتبار و خارج عن الأدلة الواضحة المنار، لأنه إن كان مراد السائل من كونه ابنه لصلبه بلا واسطة صح السلب و لا ضرر فيه، و إلا فهو عين المتنازع و نحن نقول لا يصح سلبه لما أثبتناه من الأدلة، مع أنه بعينه جار في ولد الولد الذي لا نزاع فيه و الفرق بينهما لا يمكن إنكاره، و على هذا فقد تبين لك الجواب و أن من كانت أمه علوية أو أم أبيه أو أم أمه أو أم أم أبيه فقط أو أم أم أمه فصاعدا و أبوه من سائر الناس أنه علوي حقيقة و فاطمي إن كان منسوبا إلى جده أو جدته أبا أو أما إلى فاطمة بغير شك، و يترتب عليه كل ما يترتب على السيادة من جواز الانتساب إليهم (عليهم السلام) و الافتخار بهم بل لا يجوز إخفاؤه و التبري منه لما عرفت، و على هذا فيجوز النسبة في اللباس و غير ذلك. نعم عندي توقف في استحقاق الخمس لحديث رواه الكليني في الكافي «1» و إن كان خبرا واحدا ضعيف الإسناد محتملا للتقية و أن الترجيح لعدم العمل به للأدلة الصحيحة الصريحة المتواترة الموافقة للقرآن المخالفة للعامة، إلا أن التنزه عن أخذ الخمس أولى خصوصا عند عدم الضرورة و العلم عند اللّٰه. و كتب خادم المحدثين و تراب أقدام العلماء و المتعلمين العبد الجاني عبد اللّٰه بن صالح البحراني بضحوة يوم الإثنين من الثاني و العشرين من ربيع الثاني السنة الرابعة و الثلاثين بعد المائة و الألف بالمشهد الحسيني على مشرفه السلام حامدا مصليا مسلما. انتهى.
______________________________
(1) و هو مرسل حماد في الوسائل الباب 30 من المستحقين للزكاة و الباب 1 من قسمة الخمس.

415
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابع نقل كلام من يرجح استحقاق المنتسب إلى هاشم بالأم الخمس ج 12 ص 411

أقول: ما ذكره (قدس سره) جيد إلا أن توقفه أخيرا في جواز أخذ الخمس للرواية المشار إليها و هي مرسلة حماد المتقدمة لا وجه له، و ذلك لأنه قد علل فيها عدم جواز أخذ الخمس بعدم صحة النسبة بالبنوة كما ينادي به استدلاله (عليه السلام) بالآية «ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ» «1» و هو (قدس سره) قد صرح في صدر كلامه بأن ثبوت البنوة قد تحقق عنده و ثبت لديه بالأدلة القطعية من الكتاب و السنة و الدليل العقلي و اعترف أخيرا بأنها مخالفة للقرآن و موافقة للعامة، و بذلك يتعين وجوب طرحها بغير إشكال و لا ريب. نعم لو كانت الرواية قد منعت من الخمس بقول مجمل من غير ذكر هذه العلة لربما أمكن احتمال ما ذكره، و لكن مع وجود العلة و ظهور بطلانها بما ذكر من الأدلة يبطل ما يترتب عليها. على أن هذا الكلام خلاف المعهود من طريقته في غير مقام بل طريقة جملة العلماء الأعلام، فإنه متى ترجح أحد الدليلين و لا سيما بمثل هاتين القاعدتين المنصوصتين فإنهم يرمون بالدليل المرجوح و يطرحونه كما صرحت به النصوص من أن ما خالف القرآن يضرب به عرض الحائط و ما وافق العامة يرمى به «2» و ليت شعري أي حكم من الأحكام سلم من اختلاف الأخبار؟ مع أنهم في مقام الترجيح لأحد الخبرين يفتون به و يرمون الآخر، و لا سيما ما نحن فيه لما عرفت من الأدلة الظاهرة و البراهين الباهرة كتابا و سنة المعتضدة بمخالفة العامة.
و بالجملة فكلامه (قدس سره) و توقفه لا أعرف له وجها، و كأنه تبع في ذلك شيخه العلامة الشيخ سليمان بن عبد اللّٰه البحراني (قدس سره) فإنه كان يرجح مذهب السيد المرتضى في هذه المسألة و لكن يمنع المنتسب بالأم من الخمس و الزكاة احتياطا، و الظاهر أنه جرى على ما جرى عليه.
و ظاهر صاحب المدارك أيضا التوقف في أصل المسألة و كذا ظاهر المولى‌
______________________________
(1) سورة الأحزاب الآية 6.
(2) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي و ما يجوز إن يقضي به.

416
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابع نقل كلام من يرجح استحقاق المنتسب إلى هاشم بالأم الخمس ج 12 ص 411

الفاضل الخراساني في الذخيرة، و لعمري إن من سرح بريد نظره في ما ذكرناه و أرسل رائد فكره في ما سطرناه لا يخفى عليه صحة ما اخترناه و لا رجحان ما رجحناه و إن خلاف من خالف في هذه المسألة أو توقف من توقف إنما نشأ عن عدم إعطاء التأمل حقه في أدلة المسألة و التدبر فيها، و لم أقف على من أحاط بما ذكرناه من الأدلة و الأخبار الواردة في هذا المضمار. و بالجملة فالحكم عندي فيها أوضح واضح و الصبح فاضح.
فإن قيل: أنه‌
قد روى الصدوق في الفقيه عن ثعلبة بن ميمون عن عبد اللّٰه بن هلال عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «سألته عن رجل يتزوج ولد الزنا فقال لا بأس إنما يكره مخافة العار و إنما الولد للصلب و إنما المرأة وعاء. الحديث».
و هذا بظاهره مناف لما ذكرتموه سابقا من جواز انتساب الولد إلى جده لأمه بالبنوة و مؤيد لما ذكره الخصم من أنه لا ينسب إلا إلى أبيه الذي بلا فصل.
و قد روى الصدوق أيضا في كتاب عيون الأخبار «2» في باب علل محمد بن سنان التي نقلها عن الرضا عليه السلام قال: و علة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه و ليس ذلك للولد لأن الولد موهوب للوالد في قول اللّٰه عز و جل «يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ إِنٰاثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ الذُّكُورَ» «3» مع أنه المأخوذ بمئونته صغيرا و كبيرا و المنسوب إليه و المدعو له لقول اللّٰه عز و جل «ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّٰهِ» «4»
و لقول النبي صلى اللّٰه عليه و آله أنت و مالك لأبيك.
انتهى. و التقريب ما تقدم.
فالجواب: أما عن الأول فبأنك قد عرفت بما قدمناه دلالة الآيات و الأخبار على أن الولد مخلوق من نطفتي الرجل و المرأة، و القول بأن المرأة وعاء محض يعني‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 14 من ما يحرم بالمصاهرة.
(2) الوسائل الباب 78 من ما يكتسب به.
(3) سورة الشورى الآية 49.
(4) سورة الأحزاب الآية 6.

417
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابع نقل كلام من يرجح استحقاق المنتسب إلى هاشم بالأم الخمس ج 12 ص 411

ليس لها مدخل و لا شراكة في خلق الولد مخالف لظاهر القرآن و السنة المتفق عليها و كل ما كان كذلك يجب طرحه بالأخبار المستفيضة عنهم (عليهم السلام) بأن ما خالف الكتاب و السنة يضرب به عرض الحائط «1» و يؤكد ذلك موافقة الخبر للعامة القائلين بذلك كما عرفت «2» و حينئذ فما هذا سبيله لا يعترض به و لا يقوم حجة، و على هذا فيمكن حمل الخبر المذكور على التقية بالنسبة إلى هذه العبارة.
و يمكن أن يقال أيضا إن الغرض من ذلك هو بيان أن جانب الأب أقوى من جهات عديدة: منها- أن الولد إنما ينسب إليه كما هو الشائع الذائع المعتضد بالآية فيقال فلان بن فلان و لا يقال ابن فلانة، و منها- أنه يلحق به في الإسلام كما قرر في محله و أنه يلحق به في الفراش كما‌
في الخبر «3» «الولد للفراش».
و نحو ذلك من أحكام التربية و غيرها، و بهذا التقريب بعدت الأم منه فكأنها إنما هي بمنزلة الوعاء لحمله، و حينئذ فلا يقال له باعتبار كون أمه من الزنا أنه ابن زنى و إنما يقال ابن فلان لمزيد العلاقة كما عرفت و مزيد العلاقة هو الذي أوجب إلحاقه بالأب و نسبته إليه.
و أما الجواب عن الثاني فإنه لا يخفى أولا- أنه لا قائل في ما أعلم من أصحابنا بظاهر هذا الكلام على إطلاقه من حل مال الولد للوالد مطلقا و إن ذهب بعضهم في بعض الجزئيات إليه و دل عليه بعض الأخبار إلا أن الأظهر الأشهر هاهنا هو التحريم.
و ثانيا- أن ما دل عليه من النسبة إلى الأب لا منافاة فيه لأنه هو الشائع الذائع المستعمل في جميع الأعصار و الأدوار، و لا دلالة فيه على المنع من جواز النسبة إلى الجد لأب كان أو أم بالبنوة أيضا، و مورد الآية و سبب نزولها إنما كان‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي و ما يجوز إن يقضي به.
(2) ص 408 و 409.
(3) الوسائل الباب 8 من ميراث ولد الملاعنة و ما أشبهه.

418
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابع نقل كلام من يرجح استحقاق المنتسب إلى هاشم بالأم الخمس ج 12 ص 411

باعتبار الرد لما جرت عليه الجاهلية من أنهم إذا تبنوا يتيما و اتخذوه ولدا جعلوا حكمه حكم الولد الحقيقي، و لهذا عابوا على رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله تزويجه بزينب زوجة زيد بن حارثة مع أنه ابنه بزعمهم حيث أنه صلى اللّٰه عليه و آله تبناه صغيرا فكان يدعى زيد بن محمد فنزلت الآية في الرد عليهم في ما زعموه من بنوة المتبنى حقيقة و أمرهم بأن يدعوه بأبيه النسبي و أنه هو الأقسط عند اللّٰه.
و بالجملة فإنه عليه السلام علل جواز أخذ الأب من مال ابنه بغير إذنه بعلل: منها- أنه موهوب له و الإنسان مخير في ما يوهب له و يملكه بالهبة، و منها أنه يدعى به فيقال فلان بن فلان و هو الشائع المتعارف، و منها‌
قوله صلى اللّٰه عليه و آله «أنت و مالك لأبيك».
و من الظاهر أنها علل تقريبية و مناسبات حكمية للتقريب إلى الأذهان كما في سائر العلل المذكورة في الكتاب المذكور.
المطلب الثالث- في حكم الخمس في زمن الغيبة
، و هذه المسألة من أمهات المسائل و معضلات المشاكل و قد اضطربت فيها أفهام الأعلام و زلت فيها أقدام الأقلام و دحضت فيها حجج أقوام و اتسعت فيها دائرة النقض و الإبرام، و السبب في ذلك كله اختلاف الأخبار و تصادم الآثار الواردة عن السادة الأطهار (صلوات اللّٰه و سلامه عليهم آناء الليل و أطراف النهار) و ها أنا باسط فيها القول إن شاء اللّٰه تعالى بما لم يسبق له سابق في المقام و لا حام حوله أحد من فقهائنا الكرام مستوف لنقل ما وقفت عليه من الأخبار و الأقوال كاشف عن وجوه تلك الأخبار إن شاء اللّٰه تعالى غشاوة الإشكال بما تجتمع به على وجه لا يتطرق إليه إن شاء اللّٰه تعالى الاختلال.
فأقول- و ما توفيقي إلا باللّٰه عليه توكلت و إليه أنيب- اعلم أن الكلام في هذه المسألة يقتضي بسطه في مقامات ثلاثة:
المقام الأول- في نقل الأخبار المتعلقة بالمسألة
و هي على أربعة أقسام:
[القسم] الأول- ما يدل على وجوب إخراج الخمس مطلقا
في غيبة الإمام عليه السلام أو حضوره‌

419
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

القسم الأول ما يدل على وجوب إخراج الخمس مطلقا ج 12 ص 419

من أي نوع كان من أنواع الخمس.
و من الأدلة على ذلك الآية الشريفة و هي قوله عز و جل: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ. الآية» «1» و قد عرفت من ما قدمناه في أول الكتاب دلالة جملة من الأخبار على أن المراد بالغنيمة في الآية ما هو أعمّ من غنيمة دار الحرب، و به صرح أصحابنا (رضوان اللّٰه عليهم) إلا الشاذ كما تقدم جميع ذلك في أثناء المباحث السابقة.
و منها-
ما رواه في التهذيب عن الريان بن الصلت «2» قال: «كتبت إلى أبي محمد عليه السلام ما الذي يجب علي يا مولاي في غلة رحى في أرض قطيعة لي و في ثمن سمك و بردي و قصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب: يجب عليك فيه الخمس إن شاء اللّٰه تعالى».
و ما رواه في الفقيه عن علي بن مهزيار في الصحيح «3» قال: «قال لي أبو علي ابن راشد قلت له أمرتني بالقيام بأمرك و أخذ حقك فأعلمت مواليك ذلك فقال لي بعضهم و أي شي‌ء حقه؟ فلم أدر ما أجيبه؟ فقال يجب عليهم الخمس. فقلت ففي أي شي‌ء؟ فقال في أمتعتهم و ضياعهم. الحديث».
و ما رواه الشيخ في الصحيح إلى محمد بن علي بن شجاع النيسابوري و هو مجهول «4» «أنه سأل أبا الحسن الثالث عليه السلام عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر ما يزكي فأخذ منه العشر عشرة أكرار و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا و بقي في يده ستون كرا ما الذي يجب لك من ذلك؟ و هل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي‌ء؟ فوقع عليه السلام لي منه الخمس من ما يفضل من مئونته».
و ما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن عبد اللّٰه بن بكير عن بعض أصحابه
______________________________
(1) سورة الأنفال الآية 43.
(2) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس.
(3) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس عن التهذيب و لم يروه في الفقيه.
(4) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس.

420
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

القسم الأول ما يدل على وجوب إخراج الخمس مطلقا ج 12 ص 419

عن أحدهما (عليهما السلام) «1» «في قول اللّٰه عز و جل وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ؟ قال خمس اللّٰه عز و جل للإمام و خمس الرسول صلى اللّٰه عليه و آله للإمام و خمس ذي القربى لقرابة الرسول الإمام و اليتامى يتامى آل الرسول و المساكين منهم و أبناء السبيل منهم فلا يخرج منهم إلى غيرهم».
و ما رواه في التهذيب في الصحيح عن أحمد بن محمد بن عيسى عن بعض أصحابنا رفع الحديث «2» قال: «الخمس من خمسة أشياء: من الكنوز و المعادن و الغوص و المغنم الذي يقاتل عليه. إلى أن قال: فأما الخمس فيقسم على ستة أسهم:
سهم لله و سهم للرسول صلى اللّٰه عليه و آله و سهم لذي القربى و سهم لليتامى و سهم للمساكين و سهم لأبناء السبيل، فالذي لله فلرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله فرسول اللّٰه أحق به فهو له و الذي للرسول هو لذي القربى و الحجة في زمانه فالنصف له خاصة و النصف لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من آل محمد صلى اللّٰه عليه و آله الذين لا تحل لهم الصدقة و لا الزكاة عوضهم اللّٰه مكان ذلك بالخمس، فهو يعطيهم على قدر كفايتهم فإن فضل منهم شي‌ء فهو له و إن نقص عنهم و لم يكفهم أتمه لهم من عنده، كما صار له الفضل كذلك لزمه النقصان».
و ما رواه الكليني في الصحيح عن حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح أبي الحسن الأول عليه السلام «3» قال: «الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم و الغوص و من الكنوز و من المعادن و الملاحة. إلى أن قال: و يقسم بينهم الخمس على ستة أسهم: سهم لله و سهم لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سهم لذي القربى و سهم لليتامى و سهم للمساكين و سهم لأبناء السبيل، فسهم اللّٰه و سهم رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله لأولي الأمر من بعد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله وراثة فله ثلاثة أسهم سهمان وراثة و سهم مقسوم
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.
(2) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس و الباب 1 من قسمة الخمس.
(3) الوسائل الباب 1 و 3 من قسمة الخمس.

421
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

القسم الأول ما يدل على وجوب إخراج الخمس مطلقا ج 12 ص 419

له من اللّٰه فله نصف الخمس كملا، و نصف الخمس الباقي بين أهل بيته فسهم ليتاماهم و سهم لمساكينهم و سهم لأبناء سبيلهم يقسم بينهم على الكفاف و السعة ما يستغنون به في سنتهم فإن فضل عنهم شي‌ء فهو للوالي و إن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به، و إنما صار عليه أن يمونهم لأن له ما فضل عنهم، و إنما جعل اللّٰه هذا الخمس خاصة لهم دون مساكين الناس و أبناء سبيلهم عوضا لهم من صدقات الناس تنزيها من اللّٰه لهم لقرابتهم من رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و كرامة من اللّٰه لهم عن أوساخ الناس فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذل و المسكنة، و لا بأس بصدقات بعضهم على بعض و هؤلاء الذين جعل اللّٰه لهم الخمس هم قرابة النبي. و ساق الخبر إلى أن قال: و ليس في مال الخمس زكاة لأن فقراء الناس جعل أرزاقهم في أموال الناس على ثمانية أسهم فلم يبق منهم أحد و جعل لفقراء قرابة رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله نصف الخمس. فأغناهم به عن صدقات الناس و صدقات النبي صلى اللّٰه عليه و آله و ولي الأمر، فلم يبق فقير من فقراء الناس و لم يبق فقير من فقراء قرابة رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله إلا و قد استغنى فلا فقير. الحديث».
و ما رواه الشيخ عن الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» «في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم و يكون معهم فيصيب غنيمة؟ قال يؤدي خمسنا و تطيب له».
و ما رواه الكليني و الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن محمد بن علي عن أبي الحسن عليه السلام «2» قال: «سألته عن ما يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد و عن معادن الذهب و الفضة ما فيه؟ قال إذا بلغ ثمنه دينارا ففيه الخمس».
و ما رواه الصدوق في الصحيح عن البزنطي «3» قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام
______________________________
(1) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس.
(2) الأصول ج 1 ص 547 و التهذيب ج 1 ص 384 و 389 و في الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس.
(3) الوسائل الباب 4 من ما يجب فيه الخمس عن التهذيب و لم يروه الصدوق في الفقيه.

422
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

القسم الأول ما يدل على وجوب إخراج الخمس مطلقا ج 12 ص 419

عن ما أخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شي‌ء؟ قال ليس فيه شي‌ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا».
و ما رواه الكليني في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي «1» قال:
«كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام الخمس أخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة؟ فكتب بعد المئونة».
و ما رواه في الكافي عن إبراهيم بن محمد الهمداني «2» قال: «كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أقرأني علي بن مهزيار كتاب أبيك عليه السلام في ما أوجبه على أصحاب الضياع نصف السدس بعد المئونة و أنه ليس على من لم تقم ضيعته بمئونته نصف السدس و لا غير ذلك، و اختلف من قبلنا في ذلك فقالوا يجب على الضياع الخمس بعد المئونة مئونة الضيعة و خراجها لا مئونة الرجل و عياله؟ فكتب عليه السلام: بعد مئونته و مئونة عياله و بعد خراج السلطان».
و ما رواه الصدوق مرسلا «3» قال: «في توقيعات الرضا عليه السلام إلى إبراهيم ابن محمد الهمداني إن الخمس بعد المئونة».
و ما رواه في التهذيب في الصحيح عن علي بن مهزيار عن محمد بن الحسن الأشعري «4» قال: «كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام أخبرني عن الخمس أ على جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و على الضياع و كيف ذلك؟ فكتب بخطه: الخمس بعد المئونة».
و ما رواه في التهذيب عن زكريا بن مالك الجعفي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «5» «أنه سأله عن قول اللّٰه عز و جل:
______________________________
(1) الوسائل الباب 12 من ما يجب فيه الخمس.
(2) الأصول ج 1 ص 547 و في الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس.
(3) الوسائل الباب 12 من ما يجب فيه الخمس.
(4) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس.
(5) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.

423
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

القسم الأول ما يدل على وجوب إخراج الخمس مطلقا ج 12 ص 419

وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ «1» فقال: أما خمس اللّٰه عز و جل فللرسول صلى اللّٰه عليه و آله يضعه في سبيل اللّٰه، و أما خمس الرسول (صلى اللّٰه عليه و آله) فلأقاربه و خمس ذوي القربى فهم أقرباؤه و اليتامى يتامى أهل بيته، فجعل هذه الأربعة الأسهم فيهم، و أما المساكين و ابن السبيل فقد عرفت أنا لا نأكل الصدقة و لا تحل لنا فهي للمساكين و أبناء السبيل».
و ما رواه محمد بن الحسن الصفار في كتاب بصائر الدرجات عن عمران بن موسى عن موسى بن جعفر (عليه السلام) «2» قال «قرأت عليه آية الخمس فقال ما كان لله فهو لرسوله (صلى اللّٰه عليه و آله) و ما كان لرسوله فهو لنا. ثم قال و اللّٰه لقد يسر اللّٰه على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم جعلوا لربهم واحدا و أكلوا أربعة حلالا. ثم قال هذا من حديثنا صعب مستصعب لا يعمل به و لا يصبر عليه إلا مؤمن ممتحن قلبه للإيمان».
و رواه بسند آخر عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) «3».
و ما رواه الشيخ في التهذيب «4» عن سليم بن قيس عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «سمعته يقول كلاما كثيرا ثم قال: و أعطهم من ذلك كله سهم ذي القربى الذين قال اللّٰه عز و جل. إلى أن قال نحن و اللّٰه عني بذي القربى و هم الذين قرنهم اللّٰه بنفسه و بنبيه فقال «فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ» منا خاصة و لم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا أكرم اللّٰه نبيه و أكرمنا أن يطعمنا أوساخ أيدي الناس».
و ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الموثق عن سماعة «5» قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخمس فقال في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير».
______________________________
(1) سورة الأنفال الآية 43.
(2) الوسائل الباب 1 من ما يجب فيه الخمس.
(3) الوسائل الباب 1 من ما يجب فيه الخمس.
(4) ج 1 ص 385 و في الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.
(5) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس.

424
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

القسم الأول ما يدل على وجوب إخراج الخمس مطلقا ج 12 ص 419

و ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه و المنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر هل عليه فيها الخمس؟ فكتب عليه السلام الخمس في ذلك».
القسم الثاني- في ما يدل على الوجوب و التشديد في إخراجه و عدم الإباحة
و هذا القسم و إن اشترك مع القسم الأول في الدلالة على وجوب الإخراج إلا أنه ينفرد عنه بالدلالة على تأكد الوجوب و عدم القبول للتقييد بأخبار الإباحة الآتية إن شاء اللّٰه تعالى في القسم الثالث.
و من ذلك‌
ما صرح به الرضا عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي «2» حيث قال:
عليه السلام: اعلم يرحمك اللّٰه أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين.
و أروي عن العالم عليه السلام أنه قال: ركز جبرئيل عليه السلام برجله حتى جرت خمسة أنهار و لسان الماء يتبعه: الفرات و دجلة و النيل و نهر مهران و نهر بلخ فما سقت و سقي منها فللإمام عليه السلام و البحر المطيف بالدنيا. و روي أن اللّٰه عز و جل جعل مهر فاطمة (عليها السلام) خمس الدنيا فما كان لها صار لولدها (عليهم السلام). و قيل للعالم عليه السلام ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟ قال أن يأكل من مال اليتيم درهما و نحن اليتيم. و قال جل و علا:
«وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ. إلى آخر الآية» «3» فتطول علينا بذلك امتنانا منه و رحمة إذ كان المالك للنفوس و الأموال و سائر الأشياء الملك الحقيقي و كان ما في أيدي الناس عواري و إنهم مالكون مجازا لا حقيقة له. و كل ما أفاده الناس فهو غنيمة لا فرق بين الكنوز و المعادن و الغوص و مال الفي‌ء الذي لم يختلف فيه و هو ما ادعي فيه الرخصة و هو ربح التجارة و غلة الضيعة و سائر الفوائد من المكاسب و الصناعات و المواريث و غيرها، لأن الجميع غنيمة و فائدة و من رزق اللّٰه عز و جل، فإنه روى أن الخمس على الخياط من إبرته
______________________________
(1) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس.
(2) ص 40.
(3) سورة الأنفال الآية 43.

425
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

القسم الثاني في ما يدل على الوجوب و التشديد في إخراجه و عدم الإباحة ج 12 ص 425

و الصانع من صناعته، فعلى كل من غنم من هذه الوجوه مالا فعليه الخمس فإن أخرجه فقد أدى حق اللّٰه عليه و تعرض للمزيد و حل له الباقي من ماله و طاب و كان اللّٰه أقدر على إنجاز ما وعده العباد من المزيد و التطهير من البخل على أن يغني نفسه من ما في يديه من الحرام الذي بخل فيه بل قد خسر الدنيا و الآخرة و ذلك هو الخسران المبين، فاتقوا اللّٰه و أخرجوا حق اللّٰه من ما في أيديكم يبارك اللّٰه لكم في باقيه و يزكو فإن اللّٰه عز و جل الغني و نحن الفقراء و قد قال اللّٰه «لَنْ يَنٰالَ اللّٰهَ لُحُومُهٰا وَ لٰا دِمٰاؤُهٰا وَ لٰكِنْ يَنٰالُهُ التَّقْوىٰ مِنْكُمْ» «1» فلا تدعوا التقرب إلى اللّٰه عز و جل بالقليل و الكثير على حسب الإمكان و بادروا بذلك الحوادث و احذروا عواقب التسويف فيها فإنما هلك من هلك من الأمم السالفة بذلك و باللّٰه الاعتصام.
انتهى كلامه عليه السلام.
و ما رواه الشيخ عن محمد بن زيد الطبري «2» قال: «كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا عليه السلام يسأله الإذن في الخمس فكتب عليه السلام بسم اللّٰه الرحمن الرحيم إن اللّٰه واسع كريم ضمن على العمل الثواب و على الخلاف العقاب لا يحل مال إلا من وجه أحله اللّٰه، إن الخمس عوننا على ديننا و على عيالاتنا و على موالينا و ما نبذل و نشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته، فلا تزووه عنا و لا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه فإن إخراجه مفتاح رزقكم و تمحيص ذنوبكم و ما تمهدون لأنفسكم ليوم فاقتكم. الحديث».
و ما رواه الشيخ و الكليني بالسند المتقدم «3» قال: «قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا عليه السلام فسألوه أن يجعلهم في حل من الخمس فقال ما أمحل هذا تمحضونا المودة بألسنتكم و تزوون عنا حقا جعله اللّٰه لنا و جعلنا له و هو الخمس
______________________________
(1) سورة الحج الآية 39.
(2) الوسائل الباب 3 من الأنفال و ما يختص بالإمام. و في التهذيب ج 1 ص 389 محمد بن يزيد.
(3) الوسائل الباب 3 من الأنفال و ما يختص بالإمام.

426
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

القسم الثاني في ما يدل على الوجوب و التشديد في إخراجه و عدم الإباحة ج 12 ص 425

لا نجعل أحدا منكم في حل».
و ما رواه الصدوق في كتاب إكمال الدين و إتمام النعمة في ما ورد على العمري في جواب مسائل محمد بن جعفر الأسدي «1» «و أما ما سألت عنه من أمر من يستحل ما في يده من أموالنا و يتصرف فيه تصرفه في ماله من غير أمرنا فمن فعل ذلك فهو ملعون و نحن خصماؤه، فقد قال النبي صلى اللّٰه عليه و آله المستحل من عترتي ما حرم اللّٰه ملعون على لساني و لسان كل نبي مجاب. فمن ظلمنا كان من جملة الظالمين لنا و كانت لعنة اللّٰه عليه لقول اللّٰه عز و جل أَلٰا لَعْنَةُ اللّٰهِ عَلَى الظّٰالِمِينَ» «2».
و ما رواه في الكافي في الصحيح عندي و الحسن على المشهور بإبراهيم بن هاشم «3» قال: «كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل و كان يتولى له الوقف بقم فقال يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف درهم في حل فإني أنفقتها. فقال له أنت في حل. فلما خرج صالح قال أبو جعفر (عليه السلام) أحدهم يثب على أموال آل محمد صلى اللّٰه عليه و آله و أيتامهم و مساكينهم و فقرائهم و أبناء سبيلهم فيأخذها ثم يجي‌ء فيقول اجعلني في حل، أ تراه ظن أني أقول لا أفعل، و اللّٰه ليسألنهم اللّٰه يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا».
و ما رواه في الفقيه عن أبي بصير «4» قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟ قال من أكل من مال اليتيم درهما و نحن اليتيم».
و ما رواه عن عبد اللّٰه بن بكير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «5» أنه قال «إني لآخذ من أحدكم الدرهم و إني لمن أكثر أهل المدينة مالا ما أريد بذلك إلا أن تطهروا».
______________________________
(1) الوسائل الباب 3 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(2) سورة هود الآية 22.
(3) الوسائل الباب 3 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(4) الوسائل الباب 1 من ما يجب فيه الخمس و الباب 2 من الأنفال.
(5) الوسائل الباب 1 من ما يجب فيه الخمس.

427
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

القسم الثاني في ما يدل على الوجوب و التشديد في إخراجه و عدم الإباحة ج 12 ص 425

و ما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) «1» قال:
«سمعته يقول من اشترى شيئا من الخمس لم يعذره اللّٰه، اشترى ما لا يحل له».
و ما رواه الكليني عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) «2» في حديث قال: «لا يحل لأحد إن يشتري من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقنا».
و ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار «3» قال: «كتب إليه أبو جعفر (عليه السلام) و قرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة.».
و قد تقدمت الرواية بتمامها في المقام الخامس من الفصل الأول، و موضع الاستدلال منها قوله (عليه السلام) «الذي أوجبت في سنتي هذه. إلى أن قال: إن موالي أسأل اللّٰه صلاحهم أو بعضهم قصروا في ما يجب عليهم فعلمت ذلك فأحببت أن أطهرهم و أزكيهم بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس. ثم أورد الآيات المتقدمة. إلى أن قال: فأما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام. إلى أن قال: فمن كان عنده شي‌ء من ذلك فليوصل إلى وكيلي و من كان نائيا بعيد الشقة فليعمد لإيصاله و لو بعد حين فإن نية المؤمن خير من عمله».
القسم الثالث- في ما يدل على التحليل و الإباحة مطلقا
و هي أخبار مستفيضة متكاثرة: منها-
ما رواه في الكافي و التهذيب بسنده في الأول إلى محمد بن سنان و في الثاني بسنده إلى حكيم مؤذن بني عبس «4» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن قول اللّٰه تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ؟ فقال (عليه السلام): هي و اللّٰه الإفادة يوما بيوم إلا أن أبي جعل شيعتنا من ذلك في حل ليزكوا».
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من ما يجب فيه الخمس و الباب 3 من الأنفال.
(2) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس رقم 5.
(3) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس، و قد تقدمت ص 349.
(4) الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام. و تمام الكلام في الاستدراكات.

428
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

القسم الثالث في ما يدل على التحليل و الإباحة مطلقا ج 12 ص 428

و منها-
صحيحة الحارث النصري عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «1» قال:
«قلت له إن لنا أموالا من غلات و تجارات و نحو ذلك و قد علمت أن لك فيها حقا؟
قال فلم أحللنا إذا لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم، و كل من والى آبائي فهو في حل من ما في أيديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب».
و منها-
ما رواه الصدوق في الفقيه عن يونس بن يعقوب «2» قال: «كنت عند أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) فدخل عليه رجل من القماطين فقال جعلت فداك يقع في أيدگينا الأرباح و الأموال و تجارات نعرف أن حقك فيها ثابت و أنا عن ذلك مقصرون؟ فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم».
و منها-
ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير و زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «3» قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) هلك الناس في بطونهم و فروجهم لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا، ألا و إن شيعتنا من ذلك و آباءهم في حل».
و رواه الصدوق في كتاب العلل «4» و فيه «و أبناءهم» عوض «و آبائهم» و لعله الأصح.
و منها-
ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار «5» قال: «قرأت في كتاب لأبي جعفر (عليه السلام) من رجل يسأله أن يجعله في حل من مأكله و مشربه من الخمس فكتب بخطه: من أعوزه شي‌ء من حقي فهو في حل».
و ظاهره أخص من ما ذكر من هذه الأخبار.
و منها-
ما رواه في التهذيب عن الثمالي «6» قال: «سمعته يقول: من أحللنا له
______________________________
(1) الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام. و ربما ينقدح الإشكال في قوله «ع» «فلم أحللنا» من حيث دخول «لم» الجازمة على الفعل الماضي و لكن الظاهر أنها ليست «لم» الجازمة و أن اللفظ على الاستفهام فكأنه «ع» قال: «فلما ذا أحللنا إذا لشيعتنا؟ لم نحل لهم إلا لتطيب ولادتهم».
(2) الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(3) الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(4) الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(5) الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(6) الوسائل الباب 3 من الأنفال و ما يختص بالإمام.

429
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

القسم الثالث في ما يدل على التحليل و الإباحة مطلقا ج 12 ص 428

شيئا أصابه من أعمال الظالمين فهو له حلال و ما حرمناه من ذلك فهو حرام».
و ظاهره أعمّ من الخمس و لكنه أخص بالنسبة إلى الخمس من المدعى لاختصاص التحليل بمن حللوه لا مطلقا.
و ما رواه الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «1» قال: «إن أمير المؤمنين (عليه السلام) حللهم من الخمس- يعني الشيعة- لتطيب مواليدهم».
و ما رواه الشيخ في التهذيب في الحسن عن سالم بن مكرم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «2» قال: «قال رجل و أنا حاضر: حلل لي الفروج ففزع أبو عبد اللّٰه عليه السلام فقال له رجل ليس يسألك أن يعترض الطريق إنما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيه. فقال هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم و الغائب، و الميّت منهم و الحي، و ما يولد منهم إلى يوم القيامة، فهو لهم حلال، أما و اللّٰه لا يحل إلا لمن أحللنا له، و لا و اللّٰه ما أعطينا أحدا ذمة و ما عندنا لأحد عهد و لا لأحد عندنا ميثاق».
و ما رواه الصدوق في الفقيه عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «3» قال: «إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول يا رب خمسي. و قد طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم و ليزكو أولادهم».
و ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمر بن أذينة «4» قال: «رأيت أبا سيار مسمع بن عبد الملك بالمدينة و قد كان حمل إلى أبي عبد اللّٰه عليه السلام مالا في تلك السنة فرده عليه فقلت له لم رد عليك أبو عبد اللّٰه عليه السلام المال الذي حملته إليه؟ فقال إني قلت له حين حملت إليه المال إني كنت وليت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم و قد
______________________________
(1) الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(2) الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(3) الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(4) التهذيب ج 1 ص 391 و في الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام و الراوي عن مسمع عمر بن يزيد كما سيأتي في القسم الرابع.

430
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

القسم الثالث في ما يدل على التحليل و الإباحة مطلقا ج 12 ص 428

جئت بخمسها ثمانين ألف درهم و كرهت أن أحبسها عنك أو أعرض لها و هي حقك الذي جعله اللّٰه لك في أموالنا؟ فقال و ما لنا من الأرض و ما أخرج اللّٰه منها إلا الخمس؟
يا أبا سيار الأرض كلها لنا فما أخرج اللّٰه منها من شي‌ء فهو لنا. قال قلت له أنا أحمل إليك المال كله. فقال لي يا أبا سيار قد طيبناه لك و أحللناك منه فضم إليك مالك و كل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون و يحل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا. الحديث».
و سيأتي تمامه إن شاء اللّٰه تعالى في القسم الرابع.
و ما رواه الشيخ في الموثق عن الحارث بن المغيرة النصري «1» قال: «دخلت على أبي جعفر عليه السلام فجلست عنده فإذا نجية قد استأذن عليه فأذن له فدخل فجثى على ركبتيه ثم قال جعلت فداك أريد أن أسألك عن مسألة و اللّٰه ما أريد بها إلا فكاك رقبتي من النار. فكأنه رق له فاستوى جالسا فقال يا نجية سلني فلا تسألني اليوم عن شي‌ء إلا أخبرتك به. قال جعلت فداك ما تقول في فلان و فلان؟ قال يا نجية إن لنا الخمس في كتاب اللّٰه و لنا الأنفال و لنا صفو المال و هما و اللّٰه أول من ظلمنا حقنا في كتاب اللّٰه و أول من حمل الناس على رقابنا، و دماؤنا في أعناقهما إلى يوم القيامة، و إن الناس ليتقلبون في حرام إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت. فقال نجية إنا لله و إنا إليه راجعون «ثلاث مرات» هلكنا و رب الكعبة. قال فرفع فخذه عن الوسادة فاستقبل القبلة فدعا بدعاء لم أفهم منه شيئا إلا أنا سمعناه في آخر دعائه و هو يقول: اللّٰهمّ إنا قد أحللنا ذلك لشيعتنا».
و ما رواه الصدوق في كتاب كمال الدين و تمام النعمة عن محمد بن عصام الكليني «2» قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد ابن عثمان العمري أن يوصل إلي كتابا قد سألت فيه مسائل أشكلت علي فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السلام «أما ما سألت عنه. إلى أن قال: و أما المتلبسون
______________________________
(1) الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(2) الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام و فيه «إلى أن يظهر أمرنا».

431
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

القسم الثالث في ما يدل على التحليل و الإباحة مطلقا ج 12 ص 428

بأموالنا فمن استحل منها شيئا فأكله فإنما يأكل النيران، و أما الخمس فقد أبيح لشيعتنا و قد جعلوا منه في حل إلى وقت ظهورنا لتطيب ولادتهم و لا تخبث».
و ما رواه في الكافي عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام «1» في حديث قال:
«إن اللّٰه جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفي‌ء. إلى أن قال: فنحن أصحاب الخمس و الفي‌ء و قد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا. الحديث».
و ما رواه الشيخ في التهذيب عن ضريس الكناسي «2» قال: «قال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) أ تدري من أين دخل على الناس الزنا؟ فقلت لا أدري. فقال من قبل خمسنا أهل البيت إلا لشيعتنا الأطيبين فإنه محلل لهم و لميلادهم».
و ما رواه في الكافي عن عبد العزيز بن نافع «3» قال: «طلبنا الإذن على أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) و أرسلنا إليه فأرسل إلينا ادخلوا اثنين اثنين فدخلت أنا و رجل معي، فقلت للرجل أحب أن تستأذنه بالمسألة فقال نعم فقال له جعلت فداك إن أبي كان ممن سباه بنو أمية و قد علمت أن بني أمية لم يكن لهم أن يحرموا و لا يحللوا و لم يكن لهم من ما في أيديهم قليل و لا كثير و إنما ذلك لكم فإذا ذكرت الذي كنت فيه دخلني من ذلك ما يكاد يفسد علي عقلي ما أنا فيه؟ فقال له أنت في حل من ما كان من ذلك و كل من كان في مثل حالك من ورائي فهو في حل من ذلك. قال فقمنا و خرجنا فسبقنا معتب إلى النفر القعود الذين ينتظرون إذن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) فقال لهم قد ظفر عبد العزيز بن نافع بشي‌ء ما ظفر بمثله أحد قط. فقيل له و ما ذاك؟
ففسره لهم فقام اثنان فدخلا على أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) فقال أحدهما جعلت فداك إن أبي كان من سبايا بني أمية و قد علمت أن بني أمية لم يكن لهم من ذلك قليل و لا كثير و أنا أحب أن تجعلني من ذلك في حل فقال و ذلك إلينا؟ ما ذلك إلينا ما لنا أن نحل و لا أن نحرم. فخرج الرجلان و غضب أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) فلم يدخل عليه أحد في تلك الليلة إلا بدأه أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) فقال أ لا تعجبون من فلان يجيئني فيستحلني
______________________________
(1) الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(2) الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(3) الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام.

432
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

القسم الثالث في ما يدل على التحليل و الإباحة مطلقا ج 12 ص 428

من ما صنعت بنو أمية كأنه يرى أن ذلك إلينا. و لم ينتفع أحد في تلك الليلة بقليل و لا كثير إلا الأولين فإنهما عنيا بحاجتهما».
و ما رواه الصدوق في الفقيه عن داود الرقي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال:
«سمعته يقول: الناس كلهم يعيشون في فضل مظلمتنا إلا أنا أحللنا شيعتنا من ذلك».
و ما رواه في التهذيب عن علباء الأسدي «2» قال: «و ليت البحرين فأصبت بها مالا كثيرا فأنفقت و اشتريت ضياعا كثيرة و اشتريت رقيقا و أمهات أولاد و ولد لي ثم خرجت إلى مكة فحملت عيالي و أمهات أولادي و نسائي و حملت خمس ذلك المال فدخلت على أبي جعفر عليه السلام فقلت له إني وليت البحرين فأصبت بها مالا كثيرا و اشتريت متاعا و اشتريت رقيقا و اشتريت أمهات أولاد و ولد لي و أنفقت و هذا خمس ذلك المال و هؤلاء أمهات أولادي و نسائي قد أتيتك به. فقال أما إنه كله لنا و قد قبلت ما جئت به و قد حللتك من أمهات أولادك و نسائك و ما أنفقت و ضمنت لك علي و على أبي الجنة».
و هذا الحديث قد عده في الوافي في باب الأحاديث الدالة على تحليل الخمس، إلا أنه ليس بظاهر في ذلك بل ربما ظهر في خلاف ذلك، فإن ظاهر قوله: «قبلت ما جئت به» هو أخذ ما جاء به من الخمس و حله من الباقي حيث أنه أخبره أن الكل له. هذا ما يظهر من الخبر.
و ما رواه في الكتاب المذكور عن الفضيل «3» قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام لفاطمة (عليها السلام) أحلى نصيبك من الفي‌ء لآباء شيعتنا ليطيبوا. ثم قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام إنا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا».
و ما رواه فيه أيضا عن معاذ بن كثير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «4» قال: «موسع
______________________________
(1) الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(2) التهذيب ج 1 ص 389 و في الوسائل الباب 1 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
و الراوي هو الحكم بن علباء الأسدي.
(3) الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(4) الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام.

433
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

القسم الثالث في ما يدل على التحليل و الإباحة مطلقا ج 12 ص 428

على شيعتنا أن ينفقوا من ما في أيديهم بالمعروف فإذا قام قائمنا حرم على كل ذي كنز كنزه حتى يأتوه به يستعين به».
و رواه‌
في الكافي «1» بزيادة «يستعين به على عدوه».
و ما رواه الإمام العسكري عليه السلام في تفسيره عن آبائه (عليهم السلام) عن أمير المؤمنين عليه السلام «2» «أنه قال لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله قد علمت يا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله أنه سيكون بعدك ملك عضوض و جبر فيستولي على خمسي من السبي و الغنائم و يبيعونه و لا يحل لمشتريه لأن نصيبي فيه، و قد وهبت نصيبي منه لكل من ملك شيئا من ذلك من شيعتي لتحل لهم منافعهم من مأكل و مشرب و لتطيب مواليدهم و لا يكون أولادهم أولاد حرام. فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله ما تصدق أحد أفضل من صدقتك، و قد تبعك رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله في فعلك أحل للشيعة كل ما كان فيه من غنيمة أو بيع من نصيبه على واحد من شيعتي و لا أحلها أنا و لا أنت لغيرهم».
القسم الرابع- في ما دل على أن الأرض و ما خرج منها كله للإمام عليه السلام
و منها‌
ما رواه في الكافي عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام «3» قال: «قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله خلق اللّٰه آدم و أقطعه الدنيا قطيعة فما كان لآدم فلرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و ما كان لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله فهو للأئمة (عليهم السلام) من آل محمد صلى اللّٰه عليه و آله».
و ما رواه فيه عن يونس بن ظبيان أو المعلى بن خنيس «4» قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) ما لكم من هذه الأرض؟ فتبسم ثم قال إن اللّٰه تعالى بعث جبرئيل و أمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض: منها سيحان و جيحان و هو نهر بلخ و الخشوع و هو نهر الشاش و مهران و هو نهر الهند و نيل مصر و دجلة و الفرات، فما سقت أو استقت فهو لنا و ما كان لنا فهو لشيعتنا و ليس لعدونا منه
______________________________
(1) الفروع ج 1 ص 179.
(2) الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(3) الأصول ج 1 ص 409 و في الوافي باب أن الأرض كلها للإمام.
(4) الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام.

434
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

القسم الرابع في ما دل على أن الأرض و ما خرج منها كله للإمام عليه السلام ج 12 ص 434

شي‌ء إلا ما غصب عليه، و إن ولينا لفي أوسع في ما بين ذه إلى ذه يعني ما بين السماء و الأرض. ثم تلا هذه الآية «قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا» المغصوبين عليها «خٰالِصَةً» لهم «يَوْمَ الْقِيٰامَةِ» «1» بلا غصب.
و ما رواه ثقة الإسلام في الكافي و الشيخ في التهذيب في الصحيح عن أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر (عليه السلام) «2» قال: «وجدنا في كتاب علي (عليه السلام) إِنَّ الْأَرْضَ لِلّٰهِ يُورِثُهٰا مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ وَ الْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ «3» أنا و أهل بيتي الذين أورثنا اللّٰه الأرض و نحن المتقون و الأرض كلها لنا، فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها و ليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي و له ما أكل منها، فإن تركها أو أخربها و أخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و أحياها فهو أحق بها من الذي تركها يؤدي خراجها إلى الإمام من أهل بيتي و له ما أكل منها حتى يظهر القائم (عليه السلام) من أهل بيتي بالسيف فيحويها و يمنعها و يخرجهم منها كما حواها رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و منعها إلا ما كان في أيدي شيعتنا فإنه يقاطعهم على ما في أيديهم و يترك الأرض في أيديهم».
و منها- ما تقدم‌
في صحيحة عمر بن يزيد في حديث مسمع بن عبد الملك «4» حيث قال فيه «إن الأرض كلها لنا فما أخرج اللّٰه منها من شي‌ء فهو لنا. إلى أن قال فيه زيادة على ما تقدم: حتى يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم و يترك الأرض في أيديهم، و أما ما كان في أيدي غيرهم فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم و يخرجهم عنها صغرة».
قال في الكافي «5» قال عمر بن يزيد: فقال لي أبو سيار ما أرى أحدا من أصحاب الضياع‌
______________________________
(1) سورة الأعراف الآية 31.
(2) الوسائل الباب 3 من إحياء الموات.
(3) سورة الأعراف الآية 126.
(4) الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام. و اللفظ في الزيادة المذكورة هنا موافق للأصول ج 1 ص 408.
(5) الأصول ج 1 ص 408.

435
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

القسم الرابع في ما دل على أن الأرض و ما خرج منها كله للإمام عليه السلام ج 12 ص 434

و لا ممن يلي الأعمال يأكل حلالا غيري إلا من طيبوا له ذلك.
و ما رواه في الكافي و الفقيه في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» قال: «إن جبرئيل عليه السلام كرى برجله خمسة أنهار و لسان الماء يتبعه: الفرات و دجلة و نيل مصر و مهران و نهر بلخ، فما سقت أو سقي منها فللإمام، و البحر المطيف بالدنيا» و زاد في الفقيه «2» «و هو أفسيكون».
و ما رواه في الكافي عن محمد بن الريان «3» قال: «كتبت إلى العسكري عليه السلام جعلت فداك روي لنا أن ليس لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله من الدنيا إلا الخمس؟ فجاء الجواب إن الدنيا و ما عليها لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله».
و ما رواه فيه عن أحمد بن محمد بن عبد اللّٰه عليه السلام عن من رواه «4» قال: «الدنيا و ما فيها لله و لرسوله صلى اللّٰه عليه و آله و لنا، فمن غلب على شي‌ء منها فليتق اللّٰه و ليؤد حق اللّٰه و ليبر إخوانه فإن لم يفعل ذلك فالله و رسوله صلى اللّٰه عليه و آله و نحن برآء منه».
و ما رواه فيه عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «5» قال: «قلت له أ ما على الإمام زكاة؟ فقال أحلت يا أبا محمد أ ما علمت أن الدنيا و الآخرة للإمام يضعها حيث يشاء و يدفعها إلى من يشاء جائز له ذلك من اللّٰه، إن الإمام يا أبا محمد لا يبيت ليلة أبدا و لله في عنقه حق يسأله عنه».
و روى في الفقيه «6» نحوه.
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من الأنفال و ما يختص بالإمام. و إن أردت تشخيص محال الأنهار المذكورة في هذه الرواية و مصادرها فارجع إلى الفقيه التعليقة 1 ص 24 ج 2 الطبعة الحديثة.
(2) ج 2 ص 24 الطبعة الحديثة و قد ضبط فيها اللفظ المذكور كما ضبط هنا، و قد جاء في التعليقة عليه هكذا: و في نسخة أ «أفسنكون» و كلاهما و هم من النساخ و المراد «أبسكون» و هي بحيرة قزوين و تسمى بعدة أسماء منها ما ذكره الصدوق (ره) و تفسيره للبحر (المطيف بالدنيا) بهذا البحر لا تساعد عليه خرائط الجغرافية الحديثة.
(3) الأصول ج 1 ص 409.
(4) الأصول ج 1 ص 408.
(5) الأصول ج 1 ص 408.
(6) ج 2 ص 20.

436
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

القسم الرابع في ما دل على أن الأرض و ما خرج منها كله للإمام عليه السلام ج 12 ص 434

و ما رواه فيه عن علي عن السندي بن الربيع «1» قال: «لم يكن ابن أبي عمير يعدل بهشام بن الحكم شيئا و كان لا يغب إتيانه ثم انقطع عنه و خالفه، و كان سبب ذلك أن أبا مالك الحضرمي كان أحد رجال هشام وقع بينه و بين ابن أبي عمير ملاحاة في شي‌ء من الإمامة: قال ابن أبي عمير: الدنيا كلها للإمام على جهة الملك و أنه أولى بها من الذين هي في أيديهم. و قال أبو مالك ليس كذلك أملاك الناس لهم إلا ما حكم اللّٰه به للإمام من الفي‌ء و الخمس و المغنم فذلك له، و ذلك أيضا قد بين اللّٰه للإمام أين يضعه و كيف يصنع به. فتراضيا بهشام بن الحكم و صارا إليه فحكم هشام لأبي مالك علي بن أبي عمير فغضب ابن أبي عمير و هجر هشاما بعد ذلك».
قال في الوافي بعد نقل الخبر: لعل هشاما استعمل التقية في هذه الفتوى.
و الظاهر أنه كذلك لما عرفت من الأخبار المذكورة لأن عدم اطلاع هشام عليها بعيد جدا فالحمل على ما ذكره جيد، و منها ما تقدم في أول أخبار القسم الثاني من كتاب الفقه الرضوي «2» و يؤيد ذلك أيضا ما تقدم «3» من حديث أبي خالد الكابلي عنه عليه السلام قال: «إن رأيت صاحب هذا الأمر يعطي كل ما في بيت المال رجلا واحدا فلا يدخلن في قلبك شي‌ء فإنه إنما يعمل بأمر لله».
المقام الثاني- في بيان المذاهب في هذه المسألة
و اختلاف الأصحاب فيها على أقوال متشعبة‌
أحدها- عزله و الوصية به
من ثقة إلى آخر إلى وقت ظهوره عليه السلام و إلى هذا القول ذهب شيخنا المفيد في المقنعة حيث قال: قد اختلف أصحابنا في حديث الخمس عند الغيبة و ذهب كل فريق منهم فيه إلى مقال: فمنهم من يسقط فرض إخراجه لغيبة الإمام بما تقدم من الرخص فيه من الأخبار، و بعضهم يذهب إلى كنزه و يتأول خبرا ورد «4»
«إن الأرض تظهر كنوزها عند ظهور الإمام و إنه عليه السلام إذا قام دله اللّٰه على الكنوز فيأخذها من كل مكان».
و بعضهم يرى‌
______________________________
(1) الأصول ج 1 ص 409 و فيه «السري بن الربيع».
(2) ص 425.
(3) ص 357 و 358.
(4) التهذيب ج 1 ص 147 الطبع الحديث.

437
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

أحدها عزله و الوصية به ج 12 ص 437

صلة الذرية و فقراء الشيعة على طريق الاستحباب، و بعضهم يرى عزله لصاحب الأمر فإن خشي إدراك الموت قبل ظهوره وصى به إلى من يثق به في عقله و ديانته حتى يسلم إلى الإمام عليه السلام ثم إن أدرك قيامه و إلا وصى به إلى من يقوم مقامه في الثقة و الديانة، ثم على هذا الشرط إلى أن يظهر إمام الزمان عليه السلام قال: و هذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدمه، لأن الخمس حق وجب لصاحبه لم يرسم فيه قبل غيبته حتى يجب الانتهاء إليه فوجب حفظه عليه إلى وقت إيابه و التمكن من إيصاله إليه أو وجود من انتقل بالحق إليه، و يجري ذلك مجرى الزكاة التي يعدم عند حلولها مستحقها فلا يجب عند عدم ذلك سقوطها و لا يحل التصرف فيها على حسب التصرف في الأملاك و يجب حفظها بالنفس أو الوصية إلى من يقوم بإيصالها إلى مستحقها من أهل الزكاة من الأصناف، و إن ذهب ذاهب إلى ما ذكرناه في شطر الخمس الذي هو خالص للإمام عليه السلام و جعل الشطر الآخر لأيتام آل محمد صلى اللّٰه عليه و آله و أبناء سبيلهم و مساكينهم على ما جاء في القرآن لم يبعد إصابته الحق في ذلك بل كان على صواب. و إنما اختلف أصحابنا في هذا الباب لعدم ما يلجأ إليه من صريح الألفاظ، و إنما عدم ذلك لموضع تغليظ المحنة مع إقامة الدليل بمقتضى العقل في الأمر من لزوم الأصول في حظر التصرف في غير المملوك إلا بإذن المالك و حفظ الودائع لأهلها و رد الحقوق. انتهى و إنما أطلنا بنقله بطوله لدلالته (أولا) على أن الخلاف في هذه المسألة متقدم بين متقدمي الأصحاب، و (ثانيا) لاشتماله على السبب في الاختلاف و العلة في ما اختاره و ذهب إليه (رضوان اللّٰه عليه).
الثاني- القول بسقوطه
كما نقله شيخنا المتقدم في صدر عبارته، و هو مذهب سلار على ما نقله عنه في المختلف و غيره، قال بعد أن ذكر المنع من التصرف فيه زمن الحضور إلا بإذنه عليه السلام: و في هذا الزمان قد حللونا بالتصرف فيه كرما و فضلا لنا خاصة. و اختار هذا القول الفاضل المولى محمد باقر الخراساني في الذخيرة و شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد اللّٰه بن صالح البحراني، و سيجي‌ء نقل كلاميهما‌

438
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثاني القول بسقوطه ج 12 ص 438

و مستندهم فيه أخبار التحليل المتقدمة «1» و سيجي‌ء الكلام معهما فيه إن شاء اللّٰه تعالى، و هذا القول مشهور الآن بين جملة من المعاصرين.
الثالث- القول بدفنه
كما تقدم في عبارة شيخنا المفيد. كذا نقله الشيخ في النهاية استنادا إلى الخبر المذكور في كلاميهما.
الرابع- دفع النصف إلى الأصناف الثلاثة [و توديع حق الإمام]
و أما حقه عليه السلام فيودع كما تقدم من ثقة إلى ثقة إلى أن يصل إليه عليه السلام وقت ظهوره أو يدفن.
و هو مذهب الشيخ في النهاية، حيث قال (قدس سره): و ما يستحقونه من الأخماس في الكنوز و غيرها في حال الغيبة فقد اختلف قول أصحابنا فيه و ليس فيه نص معين إلا أن كل واحد منهم قال قولا يقتضيه الاحتياط، فقال بعضهم إنه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح و المتاجر، و قال قوم إنه يجب حفظه ما دام الإنسان حيا فإذا حضرته الوفاة وصى به إلى من يثق به من إخوانه ليسلمه إلى صاحب الأمر عليه السلام إذا ظهر و يوصي به حسبما وصى به إليه إلى أن يصل إلى صاحب الأمر و قال قوم يجب دفنه لأن الأرض تخرج كنوزها عند قيام الإمام (عليه السلام) «2» و قال قوم يجب أن يقسم الخمس ستة أقسام فثلاثة للإمام (عليه السلام) تدفن أو تودع من يوثق بأمانته و الثلاثة الأخر تفرق على مستحقيه من أيتام آل محمد صلى اللّٰه عليه و آله و مساكينهم و أبناء سبيلهم. و هذا من ما ينبغي أن يكون العمل عليه لأن هذه الثلاثة الأقسام مستحقها ظاهر و إن كان المتولي لتفريق ذلك فيهم غير ظاهر، كما أن مستحق الزكاة ظاهر و إن كان المتولي لقبضها و تفريقها ليس بظاهر، و لا أحد يقول في الزكاة إنه لا يجوز تسليمها إلى مستحقها. و لو إن إنسانا استعمل الاحتياط و عمل على الأقوال المتقدم ذكرها من الدفن أو الوصاية لم يكن مأثوما، فأما التصرف فيه على ما تضمنه القول الأول فهو ضد الاحتياط و الأولى اجتنابه حسبما قدمناه. انتهى. و يفهم من فحوى كلامه تجويز القول الأول على كراهة.
______________________________
(1) ص 428.
(2) بمقتضى الخبر المتقدم ص 437.

439
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الرابع دفع النصف إلى الأصناف الثلاثة و توديع حق الإمام ج 12 ص 439

و بمثل هذا الكلام صرح في المبسوط إلا أنه منع من الوجه الأول و قال لا يجوز العمل عليه، و قال في الوجه الأخير: و على هذا يجب أن يكون العمل و إن عمل عامل على واحد من القسمين الأولين من الدفن أو الوصاية لم يكن به بأس. انتهى.
و مبنى كلامه و كذا كلام شيخنا المفيد على أن المسألة المذكورة و ما يجب العمل به فيها زمن الغيبة غير منصوص و الاحتمالات فيها متعددة فيؤخذ بكل ما كان أقرب إلى الاحتياط من تلك الاحتمالات. و ستعرف إن شاء اللّٰه تعالى ما فيه، و قد تقدم في كلام الشيخ المفيد تصويب ما اختاره الشيخ هنا.
الخامس [دفع النصف إلى الأصناف و حفظ سهم الإمام]
- كسابقه بالنسبة إلى حصة الأصناف و صرفها عليهم و أما حقه (عليه السلام) فيجب حفظه إلى أن يوصل إليه، و هو مذهب أبي الصلاح و ابن البراج و ابن إدريس و استحسنه العلامة في المنتهى و اختاره في المختلف.
و شدد أبو الصلاح في المنع من التصرف في ذلك فقال: فإن أخل المكلف بما يجب عليه من الخمس و حق الأنفال كان عاصيا لله سبحانه و مستحقا لعاجل اللعن المتوجه من كل مسلم إلى ظالمي آل محمد صلى اللّٰه عليه و آله و آجل العقاب لكونه مخلا بالواجب عليه لا فضل مستحق، و لا رخصة في ذلك بما ورد من الحديث فيها لأن فرض الخمس و الأنفال ثابت بنص القرآن «1» و الإجماع من الأمة و إن اختلف في من يستحقه، و لإجماع آل محمد صلى اللّٰه عليه و آله على ثبوته و كيفية استحقاقه و حمله إليهم و قبضهم إياه و مدح مؤديه و ذم المخل به، و لا يجوز الرجوع عن هذا المعلوم بشاذ الأخبار. انتهى.
و قال العلامة في المختلف- بعد نقل القول بالإباحة عن سلار و إيراد جملة من الأخبار الدالة على ذلك في زمن الحضور فضلا عن زمن الغيبة- ما صورته: و اعلم‌
______________________________
(1) أما الخمس فبقوله تعالى في سورة الأنفال الآية 43 «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ.» و أما الأنفال فبقوله تعالى في سورة الأنفال الآية 2 «قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ».

440
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الخامس دفع النصف إلى الأصناف و حفظ سهم الإمام ج 12 ص 440

أن هذا القول بعيد من الصواب لضعف الأدلة المقاومة لنص القرآن، و الإجماع على تحريم التصرف في مال الغير بغير إذنه. و القول بالدفن أيضا بعيد. و القول بإيصائه بالجميع إلى من يوثق به عند إدراك المنية لا يخلو من ضعف لما فيه من منع الهاشميين من نصيبهم مع شدة حاجتهم و كثرة فاقتهم و عدم ما يتعوضون به من الخمس. و الأقرب في ذلك قسمة الخمس نصفين فالمختص باليتامى و المساكين و أبناء السبيل من آل محمد صلى اللّٰه عليه و آله يفرق عليهم على حسب حاجتهم و المختص بالإمام عليه السلام يحفظ إلى أن يظهر عليه السلام فيسلم إليه إما بإدراكه أو بالإيصاء من ثقة إلى ثقة إلى أن يصل إليه عليه السلام و هل يجوز قسمته في المحاويج من الذرية كما ذهب إليه جملة من علمائنا؟
الأقرب ذلك لما ثبت بما تقدم من الأحاديث إباحة البعض للشيعة حال حضورهم فإنه يقتضي أولوية إباحة أنسابهم (عليهم السلام) مع الحاجة حال غيبة الإمام، و لاستغنائه عليه السلام و احتياجهم، و لما سبق من أن حصتهم لو قصرت عن حاجتهم لكان على الإمام عليه السلام الإتمام من نصيبه حال حضوره فإن وجوب هذا حال ظهوره يقتضي وجوبه حال غيبته عليه السلام فإن الواجب من الحقوق لا يسقط بغيبة من عليه الحق خصوصا إذا كان لله تعالى. انتهى.
السادس [دفع النصف إلى الأصناف و تقسيم حصة الإمام في بني هاشم]
- ما تقدم أيضا بالنسبة إلى حصة الأصناف و أما حصته عليه السلام فتقسم على الذرية الهاشمية، و قد استقربه في المختلف كما تقدم في عبارته و نقله عن جماعة من علمائنا، و هو اختيار المحقق في الشرائع و الشيخ علي في حاشيته على الكتاب و هو المشهور بين المتأخرين كما نقله شيخنا الشهيد الثاني في الروضة، و نقل عن شيخنا الشيخ سليمان بن عبد اللّٰه البحراني أنه اختاره أيضا، و وجهه معلوم من ما سبق في كلام المختلف، و علله المحقق في الشرائع بالتعليل الأخير في كلام المختلف و مرجع هذا القول إلى قسمة الجميع في الأصناف إلا أنهم قد خصوا تولي قسمة حصة الإمام عليه السلام بالفقيه النائب عنه عليه السلام كما سيأتي ذكره إن شاء اللّٰه تعالى.
السابع- صرف النصف إلى الأصناف الثلاثة [و اختلاف الحكم في الباقي]
أيضا و أما حصته عليه السلام فيجب‌

441
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

السابع صرف النصف إلى الأصناف الثلاثة و اختلاف الحكم في الباقي ج 12 ص 441

إيصالها مع الإمكان و إلا فتصرف إلى الأصناف و مع تعذر الإيصال و عدم حاجة الأصناف تباح للشيعة، و هو اختيار المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في الوسائل.
الثامن [دفع النصف إلى الأصناف و إباحة الباقي]
- ما تقدم من صرف حصة الأصناف عليهم و أما حصته عليه السلام فيسقط إخراجها لإباحتهم (عليهم السلام) ذلك للشيعة.
و هو ظاهر السيد السند في المدارك حيث قال: و الأصح إباحة ما يتعلق بالإمام عليه السلام من ذلك للأخبار الكثيرة الدالة عليه. ثم ساق بعضا من الأخبار التي في التحليل. إلى أن قال: و كيف كان فالمستفاد من الأخبار إباحة حقوقهم (عليهم السلام) من جميع ذلك. و اللّٰه تعالى أعلم. انتهى. و هو مذهب المحدث الكاشاني في المفاتيح.
و العجب من شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد اللّٰه بن صالح البحراني في كتاب منية الممارسين أنه نقل أن مذهبه و كذا مذهب الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي صرف الجميع على الأصناف الثلاثة، و تعجب منهما في خروجهما عن أخبار التحليل و إطراحها رأسا مع أنهما من الأخباريين، و لا ريب أن مذهب الشيخ الحر يرجع بالأخرة إلى ما ذكره كما سيأتي تحقيقه إن شاء اللّٰه تعالى، و أما مذهب المحدث الكاشاني فهو ما ذكرناه لا ما توهمه (قدس سره) نعم جعل ما ذكره طريق الاحتياط.
قال في كتاب المفاتيح بعد الإشارة إلى جملة من أقوال المسألة: أقول و الأصح عندي سقوط ما يختص به عليه السلام لتحليلهم (عليهم السلام) ذلك لشيعتهم و وجوب صرف حصص الباقين إلى أهلها لعدم مانع منه. ثم قال: و لو صرف الكل إليهم لكان أحوط و أحسن. انتهى.
و مثله كلامه في الوافي أيضا حيث قال بعد ذكر الكلام في زمن الحضور:
و أما في مثل هذا الزمان حيث لا يمكن الوصول إليهم (عليهم السلام) فيسقط‌

442
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الثامن دفع النصف إلى الأصناف و إباحة الباقي ج 12 ص 442

حقهم رأسا دون السهام الباقية لوجود مستحقيها، و من صرف الكل حينئذ إلى الأصناف الثلاثة فقد أحسن و احتاط. و العلم عند اللّٰه. انتهى.
و هذا القول عندي هو الأقرب على تفصيل فيه كما سيأتي بيانه إن شاء اللّٰه تعالى‌
التاسع [دفع النصف إلى الأصناف و صرف الباقي في موالي الإمام العارفين]
- كسابقه إلا أنه خص صرف حصته عليه السلام بمواليه العارفين و هو منقول عن ابن حمزة، قال: و الصحيح عندي أنه يقسم نصيبه على مواليه العارفين بحقه من أهل الفقر و الصلاح و السداد. انتهى.
العاشر- تخصيص التحليل بخمس الأرباح
فإنه للإمام عليه السلام دون سائر الأصناف و أما سائر ما فيه الخمس فهو مشترك بينهم (عليهم السلام) و بين الأصناف، و هو اختيار المحقق الشيخ حسن ابن شيخنا الشهيد الثاني في كتاب منتقى الجمان حيث قال في ذيل صحيحة الحارث النصري المتقدمة ما هذا لفظه: لا يخفى قوة دلالة هذا الحديث على تحليل حق الإمام عليه السلام في خصوص النوع المعروف في كلام الأصحاب بالأرباح، فإذا أضفته إلى الأخبار السابقة الدالة بمعونة ما حققناه على اختصاصه عليه السلام بخمسها عرفت وجه مصير بعض قدمائنا إلى عدم وجوب إخراجه بخصوصه في حال الغيبة و تحققت أن استضعاف المتأخرين له ناشئ من قلة الفحص عن الأخبار و معانيها و القناعة بميسور النظر فيها. انتهى. و أشار بقوله «بمعونة ما حققناه» إلى ما ذكره في الجواب عن الإشكالات الواردة في صحيحة علي بن مهزيار كما قدمنا نقله عنه «1» و أشرنا إلى ما فيه، و سيأتي مزيد إيضاح لضعفه إن شاء اللّٰه تعالى.
الحادي عشر- عدم إباحة شي‌ء بالكلية
حتى من المناكح و المساكن و المتاجر التي جمهور الأصحاب على تحليلها بل ادعي الإجماع على إباحة المناكح، و هو مذهب ابن الجنيد فإنه قال: و تحليل من لا يملك جميعه عندي غير مبرئ من وجب عليه حق منه لغير المحلل، لأن التحليل إنما هو في ما يملكه المحلل لا في ما لا يملك و إنما إليه‌
______________________________
(1) ص 355 و 356.

443
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الحادي عشر عدم إباحة شي‌ء بالكلية ج 12 ص 443

ولاية قبضه و تفريقه في الأهل الذين سماه اللّٰه لهم.
الثاني عشر- قصر أخبار التحليل على جواز التصرف [قبل إخراج الخمس]
في المال الذي فيه الخمس قبل إخراج الخمس منه بأن يضمن الخمس في ذمته، و هو مختار شيخنا المجلسي (قدس سره) كما سيأتي نقل كلامه إن شاء اللّٰه تعالى.
الثالث عشر- صرف حصة الأصناف عليهم و التخيير في حصته عليه السلام
بين الدفن و الوصية على الوجه المتقدم و صلة الأصناف مع الإعواز بإذن نائب الغيبة و هو الفقيه، و هذا مذهب الشيخ الشهيد في الدروس، و وجهه معلوم من ما سبق في الأقوال المتقدمة.
الرابع عشر- صرف النصف إلى الأصناف الثلاثة [و حفظ نصيب الإمام]
وجوبا أو استحبابا و حفظ نصيب الإمام عليه السلام إلى حين ظهوره، و لو صرفه العلماء إلى من يقصر حاصله من الأصناف كان جائزا، و هو اختيار الشهيد في البيان، و وجهه أيضا يظهر من ما سبق‌
المقام الثالث- في تحقيق القول في المسألة و بيان ما هو المختار
من هذه الأقوال و أن ما عداه خارج عن سمت الاعتدال:
فأقول: اعلم أولا- أيدك اللّٰه- أن المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) تحليل المناكح و المساكن و المتاجر في زمن الغيبة.
و فسرت المناكح بالجواري التي تسبى من دار الحرب فإنه يجوز شراؤها و وطؤها و إن كانت بأجمعها للإمام (عليه السلام) إذا غنمت من غير إذنه أو بعضها مع الإذن.
قال في الدروس: و ليس ذلك من باب تبعيض التحليل بل تمليك الحصة أو الجميع من الإمام (عليه السلام). انتهى. و هو جيد.
و فسرها بعضهم بمهر الزوجة و ثمن السراري من الربح، و هو يرجع إلى المئونة المستثناة من وجوب الخمس في الأرباح كما تقدم.
و ظاهر الدروس استثناء مهر الزوجة من جميع ما يجب فيه الخمس. أقول:

444
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في تحقيق القول في المسألة و بيان ما هو المختار ج 12 ص 444

و هو الأقرب إلى ظاهر الأخبار الدالة على التحليل المعلل بطيب الولادة «1» و تخصيصه بمهر الزوجة لا وجه له بل و كذا ثمن الجواري التي للنكاح كما هو ظاهر الأخبار المشار إليها.
و العلامة في المنتهى نقل إجماع علمائنا على إباحة المناكح حال ظهور الإمام (عليه السلام) و غيبته، إلا أن الظاهر من كلام ابن الجنيد كما قدمنا نقل عبارته و كذا ظاهر عبارة أبي الصلاح المتقدمة خلاف ذلك.
أقول: و من ما يدل على ما ذكروه هنا من استثناء المناكح ظواهر جملة من الأخبار المتقدمة في القسم الثالث المعلل فيها التحليل بطيب الولادة «2» و دخول الزنا على العامة و إن أولادهم أولاد زنى لعدم تحليلهم، و خصوص رواية أبي خديجة سالم بن مكرم «3».
و أما المساكن و المتاجر فألحقهما الشيخ و من تأخر عنه بالمناكح، و اختلف من تأخر عنه في المراد منهما فقيل إن المراد بالمساكن ما يختص بالإمام (عليه السلام) من الأرض أو من الأرباح بمعنى أنه يستثنى من الأرباح مسكن فما زاد مع الحاجة، و مرجع الأول إلى الأنفال المباحة في زمان الغيبة و الثاني إلى المئونة المستثناة من الأرباح، قيل و لا يبعد أن يكون المراد بها ثمن المساكن من ما فيه الخمس مطلقا. و فسرت المتاجر بما يشترى من الغنيمة المأخوذة من أهل الحرب في حال الغيبة و إن كانت بأسرها أو بعضها للإمام (عليه السلام) و هو يرجع إلى الأنفال، لأن الغنيمة المأخوذة زمان الغيبة من الأنفال كما يأتي إن شاء اللّٰه تعالى.
و فسرها ابن إدريس بشراء متعلق الخمس ممن لا يخمس فلا يجب على المشتري إخراج الخمس إلا أن يتجر فيه و يربح. و فسرها بعضهم بما يكتسب من الأرض و الأشجار المختصة به (عليه السلام) و هذا يرجع إلى الأنفال.
______________________________
(1) الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(2) الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(3) ص 430.

445
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في تحقيق القول في المسألة و بيان ما هو المختار ج 12 ص 444

و لا بأس بنقل ملخص بعض عباراتهم، قال شيخنا المفيد في المقنعة عقيب ما روى من أحاديث الرخصة: و اعلم أرشدك اللّٰه أن ما قدمته في تناول الخمس و التصرف فيه إنما ورد في المناكح خاصة للعلة التي سلف ذكرها في الآثار عن الأئمّة (عليهم السلام) لتطيب ولادة شيعتهم و لم يرد في الأموال، و ما أخرته عن المتقدم من ما جاء في التشديد في الخمس و الاستبداد به فهو يختص بالأموال، و قد اختلف قوم من أصحابنا في ذلك عند الغيبة. إلى آخر الكلام الذي تقدم نقله عنه في أول المقام الثاني.
و ظاهره (قدس سره) الجمع بين الأخبار الدالة على التحليل «1» و الدالة على عدمه «2» بحمل الأولة على المناكح يعني المأخوذ من سبي الكفار من ما هو للإمام عليه السلام كلا أو بعضا أو ما صرف في المناكح من جميع ما يجب فيه الخمس كما قدمنا ذكره و ذكرنا أنه الظاهر من الأخبار و حمل الأخبار الأخر على الأموال أي التصرف في الأموال بأنواع التصرفات. و كلامه (قدس سره) مقصور على استثناء المناكح خاصة و قال الشيخ في النهاية بعد أن صرح بالمنع من التصرف في حصته (عليه السلام) بغير إذنه حال الحضور: و أما حال الغيبة فقد رخصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم (عليهم السلام) من ما يتعلق بالأخماس و غيرها في ما لا بد لهم منه من المناكح و المتاجر و المساكن، فأما ما عدا ذلك فلا يجوز التصرف فيه على حال.
ثم ذكر الاختلاف الذي قدمنا نقله عنه في المقام الثاني. و نحو ذلك كلامه في التهذيب.
و أنت خبير بأن ما قدمناه من الأخبار الدالة على التحليل في القسم الثالث أكثرها دال على التحليل في المناكح من حيث التعليلات فيها بطيب الولادة و ما عدا ذلك فهو مطلق، فأما أن يحمل على تلك الأخبار الظاهرة التقييد بالمناكح، أو يعمل‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(2) الوسائل الباب 3 من الأنفال و ما يختص بالإمام.

446
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في تحقيق القول في المسألة و بيان ما هو المختار ج 12 ص 444

به على إطلاقه كما هو أحد الأقوال في المسألة، و بذلك يظهر أنه ليس لما ادعاه الشيخ و من تبعه من تحليل الخمس لخصوص المساكن و المتاجر دليل من الأخبار المذكورة.
نعم لو فسرت المساكن و المتاجر بما يرجع إلى الأنفال فلا إشكال في التحليل لما سيأتي إن شاء اللّٰه لكنه خارج عن محل البحث كما لا يخفى.
إلا أنه‌
قد روى صاحب كتاب عوالي اللئالي في الكتاب المذكور مرسلا عن الصادق (عليه السلام) ما يدل على ذلك «1» قال: «روي عن الصادق (عليه السلام) أنه سأله بعض أصحابه فقال يا ابن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله ما حال شيعتكم في ما خصكم اللّٰه إذا غاب غائبكم و استتر قائمكم؟ فقال عليه السلام ما أنصفناهم إن آخذناهم و لا أحببناهم إن عاقبناهم بل نبيح لهم المساكن لتصح عباداتهم و نبيح لهم المناكح لتطيب ولادتهم و نبيح لهم المتاجر لتزكو أموالهم».
و هو كما ترى صريح في المدعى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي يظهر لي من أخبار هذه المسألة و يقرب إلى فكري الكليل و ذهني العليل هو أن يقال إن الظاهر من الآية «2» و الأخبار المتقدمة في القسم الأول و القسم الثاني هو نقل الخمس كملا إليهم (عليهم السلام) حال وجودهم و التمكن منهم أو وكلائهم و عدم التصرف فيه بغير إذنهم، و كون ذلك على وجه الوجوب أو الاستحباب احتمالان أقربهما الأول، و لا يجب علينا تطلب ما يفعلونه فيه بعد إيصاله إليهم، إلا أن المفهوم من أخبارهم (عليهم السلام) أنهم ربما أباحوا به الناقل و حللوه به كملا كما هو صريح حديث مسمع و مفهوم حديث علباء الأسدي «3» على احتمال، و ربما أنفقوا منه على الأصناف كما يدل عليه أخبار قسمة الخمس بينهم و بين الأصناف و أنهم يعطونهم منه قدر الكفاية فإن زاد فهو لهم و إن نقص فهو عليهم «4» و على ذلك يدل ظاهر الآية. و أما في حال الغيبة فالظاهر‌
______________________________
(1) مستدرك الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(2) و هي قوله تعالى «و اعلموا أنما غنمتم.» سورة الأنفال الآية 43.
(3) ص 430 و 433 و قد تقدم أن الراوي هو الحكم بن علباء الأسدي.
(4) الوسائل الباب 3 من قسمة الخمس.

447
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في تحقيق القول في المسألة و بيان ما هو المختار ج 12 ص 444

عندي هو صرف حصة الأصناف عليهم كما عليه جمهور أصحابنا في ما مضى من نقل أقوالهم عملا بما دل على ذلك من الآية و الأخبار المتقدمة في القسم الأول المؤكدة بالأخبار المذكورة في القسم الثاني، فيجب إيصالها إليهم لعدم المانع من ذلك.
و أما حقه عليه السلام فالظاهر تحليله للشيعة للتوقيع عن صاحب الزمان عليه السلام المتقدم في أخبار القسم الثالث «1» و الاحتياط في صرفه على السادة المستحقين.
بقي الكلام في بعض أخبار القسم الثالث فإنه ربما دل على التحليل من الخمس كملا في زمن وجودهم و غيبتهم (عليهم السلام) إلى يوم القيامة، و هو مشكل جدا لمنافاته لظاهر الآية و الأخبار المتقدمة في القسم الأول و الثاني، بل أخبار القسم الثاني ما بين صريح و ظاهر كالصريح في رد ذلك باعتبار زمان وجودهم (عليهم السلام) كما علمت من كلامه عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي و الخبرين المرويين عنه (عليه السلام) أيضا و صحيح إبراهيم بن هاشم المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) «2».
و أما ما أجاب به شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد اللّٰه بن صالح البحراني (قدس سره) عن خبري محمد بن زيد الطبري المتقدمين «3»- حيث إنه ممن اختار العمل بأخبار التحليل مطلقا من أن الخمس حقه (عليه السلام) فله الخيار إن شاء أباحه و إلا فلا- فهو مع الإغماض عن المناقشة في كون الخمس كملا حقه (عليه السلام) خروج عن محل البحث، لأن الفرض أن تلك الأخبار بحسب ظاهرها دالة على أن الخمس مباح للشيعة مطلقا كما اختاره (قدس سره) و جنح إليه و حينئذ فلا يحتاج في حله إلى رجوع إلى الإمام (عليه السلام) و لا إلى استئذانه فيه، و مقتضى كلامه هنا أنه يجب الرجوع إلى الإمام (عليه السلام) و استئذانه فإن أباحه كان مباحا و إلا فلا، و هذا من ما لا إشكال فيه كما أسلفناه، و هذا هو الذي اخترناه في صدر الكلام بالنسبة إلى وقت وجودهم (عليهم السلام) من أنه يجب إيصاله إليهم و استئذانهم فيه، و لكنه خارج عن ظواهر تلك الأخبار المشار إليها لأن ظاهرها كما عرفت هو التحليل مطلقا إلى يوم القيامة من غير مراجعة إلى الإمام (عليه السلام) و إن‌
______________________________
(1) ص 431.
(2) ص 425 و 426 و 427.
(3) ص 426.

448
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في تحقيق القول في المسألة و بيان ما هو المختار ج 12 ص 444

كان موجودا. و مقتضى كلامه هنا أن التحليل مخصوص بما يتعلق بذلك الإمام بخصوصه و زمانه دون زمن غيره من الأئمّة (عليهم السلام) و أنه في كل عصر يحتاج إلى الرجوع إلى إمام ذلك العصر و استئذانه، و هو خلاف ظاهر إطلاق تلك الأخبار التي استند إليها.
و من ما ذكرنا يعلم أيضا بطلان ما أجاب به الفاضل الخراساني في الذخيرة، حيث إنه ممن ذهب إلى القول بالتحليل مطلقا كما مضى و يأتي، حيث نقل حديث محمد بن زيد المذكور و قال بعد الطعن في السند: و يمكن الجمع بينه و بين الأخبار السابقة بعد الإغماض عن سنده بحمله على الرجحان و الأفضلية و حمل الأخبار السابقة على أصل الجواز و الإباحة، و بأن الترخيص و التحليل في أمر الخمس بيدهم (عليهم السلام) فيجوز استثناء بعض الأفراد و الأشخاص في بعض الأزمان عن عموم التحليل و الترخيص لمصلحة دعت إلى ذلك و حكمة تقتضيه، و ذلك لا يقتضي انتفاء حكم التحليل و زواله عن أصله. انتهى.
و فيه أولا- أن ما دلت عليه رواية الطبري المذكورة ليس منحصرا فيها حتى أنه بالطعن فيها بما ذكره من ضعف السند و تأويله لها يتم ما ذكره بل الدال على ذلك جملة من الأخبار كما عرفت في القسم الثاني منها الصحيح و غيره.
و ثانيا- أن ما ذكره من حمل الخبر على الرجحان و الأفضلية دون الوجوب ينافي لفظ الخبر المذكور، فإن سياقه صريح أو كالصريح في وجوب أداء الخمس‌
لقوله في الرواية التي بطريق الكليني «1» «ما أمحل هذا تمحضونا المودة بألسنتكم و تزوون عنا حقا جعله اللّٰه لنا. لا نجعل أحدا منكم في حل».
فأي صراحة في عدم التحليل و وجوب الإخراج أبلغ من هذا الكلام. و نظيره ما‌
في صحيحة إبراهيم بن هاشم «2» و قوله عليه السلام «ليسألنهم اللّٰه يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا».
و ثالثا- أن قوله- و بأن الترخيص و التحليل في أمر الخمس بيدهم (عليهم‌
______________________________
(1) ص 426.
(2) ص 427.

449
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في تحقيق القول في المسألة و بيان ما هو المختار ج 12 ص 444

السلام). إلى آخره- فيه ما عرفت آنفا من أن مقتضاه وجوب الرجوع في كل عصر إلى إمامه و استئذانه فإن أذن صح التحليل و إلا فلا، و هو خلاف ظاهر الأخبار التي استند إليها من الدلالة على التحليل إلى يوم القيامة كما ذهب إليه. على أن صحيحة علي بن مهزيار لا خصوصية لها بشخص بخصوصه ليتم هذا الحمل فيها، و كذلك ما ذكره عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي بل هو عام لكل من وجب عليه الخمس بأن يوصله إليه عليه السلام أو إلى وكيله.
و بالجملة فإن ما ذكروه من الجواب عن هذه الأخبار لا أعرف له وجها بل هي صريحة الدلالة واضحة المقالة في وجوب إيصال الخمس إليهم (عليهم السلام) و أنه لا تحليل فيه و لا إباحة فهي ظاهرة المنافاة لتلك الأخبار، إلا أنك قد عرفت أن البحث عن ذلك زمان وجودهم (عليهم السلام) لا ثمرة له فإنهم (عليهم السلام) يحللون من يريدون بما يريدون و لا اعتراض عليهم و لا نزاع معهم لما دلت عليه أخبار القسم الرابع من أن الأرض و ما خرج منها لهم (عليهم السلام) و لكن الواجب في كل وقت الرجوع إلى إمامه عليه السلام لأن الأمر له فلا بد من الرجوع إليه.
و إنما الكلام في زمن الغيبة و المرجع فيه إلى صاحب الزمان (عجل اللّٰه فرجه) و الذي وصل لنا منه عليه السلام التوقيع الذي تقدم في أخبار القسم الثالث‌
رواه الصدوق في كتاب إكمال الدين و إتمام النعمة عن إسحاق بن يعقوب المشتمل على أن الخمس قد أبيح لشيعتنا و قد جعلوا منه في حل إلى وقت ظهورنا لتطيب ولادتهم و لا تخبث «1».
و التوقيع الآخر الذي تقدم في أخبار القسم الثاني برواية الصدوق في الكتاب المذكور من مسائل محمد بن جعفر الأسدي «2» الدال بظاهره على التحريم و عدم الإباحة، و ربما أوهم ظاهر كل منهما المنافاة للآخر و التحقيق أنه لا منافاة إذ الظاهر هو العمل بالتوقيع الدال على التحليل المعتضد بما استفاض عن آبائه (عليهم السلام)
______________________________
(1) الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام، و فيه «إلى أن يظهر أمرنا».
(2) ص 427.

450
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في تحقيق القول في المسألة و بيان ما هو المختار ج 12 ص 444

في ذلك، و أما التوقيع الآخر فالظاهر حمله على المخالفين و أعداء الدين لترتيبه عليه السلام المنع و اللعن على من أكل أموالهم مستحلا و تصرف فيها تصرفه في ماله، فإنه ينادي بظاهره أن هذا المتصرف لا يثبت له مالا و لا يعترف له بحق بل يرى ذلك حلالا كسائر أمواله و الشيعة إنما تصرفوا بالإذن منه (عليه السلام) معترفين بأن ذلك حقه و لكن لما أباحه لهم تصرفوا فيه بالإذن منه و الإباحة فالفرق واضح، و قد وقع الإشارة بذلك إلى المخالفين في كثير من الأخبار المتقدمة مثل‌
قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في صحيحة الفضلاء «1» «هلك الناس في بطونهم و فروجهم لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا. الحديث».
و مثله غيره. نعم ظاهر توقيع التحليل هو التحليل في مجموع الخمس و لكن مقتضى الجمع بينه و بين الأدلة التي قدمناها من الآية و الروايات الدالة على أن النصف للأصناف الثلاثة «2» تخصيص التحليل بحقه (عليه السلام) و سياق الكلام قبل هذه العبارة في أمواله (عليه السلام) و التجوز في التعبير باب واسع، فقوله «و أما الخمس» يعني و أما حقنا من الخمس، و مجموع الخمس و إن أضيف إليهم (عليهم السلام) في جملة من الأخبار إلا أن المراد باعتبار كون النصف لهم أصالة و النصف الآخر ولاية، و حينئذ فيجب دفع حصة الأصناف إليهم للأدلة المشار إليها سيما مع دلالة جملة من النصوص على أن الخمس جعله اللّٰه لهم عوضا عن الزكاة التي حرمها عليهم «3» فكيف يجوز أن يحرموا من العوض و المعوض؟
و بالجملة فهذا القول عندي أظهر الأقوال و لكني مع ذلك أحتاط بالدفع إلى مستحقي السادة غالبا.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا بد من عطف الكلام على الأقوال المتقدمة و بيان صحيحها من فاسدها و رائجها من كاسدها:
فنقول: أما القول الأول و هو عزل الخمس كملا و الوصية به إلى أن يصل إليه‌
______________________________
(1) ص 429.
(2) ص 370.
(3) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.

451
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في تحقيق القول في المسألة و بيان ما هو المختار ج 12 ص 444

عليه السلام ففيه أولا- أنه لم يقم عليه دليل يركن إليه و لا برهان يعتمد عليه، و ظاهر قائله أنه إنما صار إليه عملا بالاحتياط لأنه لم يرسم فيه شي‌ء يجب الرجوع إليه، و الظاهر أنه خلاف الاحتياط في حصة الأصناف، لأن مقتضى الأدلة استحقاقهم لها و وجوب إيصالها إليهم و لا مانع منه و لا صارف عنه إلا ما ربما يتوهم من أن المتولي لصرفها هو الإمام عليه السلام و هو محمول على حال وجوده عليه السلام فإنا قد حكمنا بإيصال الجميع إليه كما تقدم، و أما مع عدم وجوده فلا يجوز الخروج عن ظواهر تلك الأدلة الدالة على أنه لهم و أنه عوض عن الزكاة. و أما حصته عليه السلام فقد عرفت ما دل على إباحتها من التوقيع الخارج عن صاحب العصر أيده اللّٰه تعالى عاجلا بالنصر و ثانيا- ما في الإيداع من التغرير بالمال و تعريضه للتلف و لا سيما في مثل أوقاتنا هذه التي قد صار فيها العدل الحقيقي أعز عزيز، و كأنهم بنوا ذلك على أوقاتهم المملوءة بالعلماء الصلحاء الأتقياء و ظنوا قرب خروجه عليه السلام أو أن زمان الغيبة كله على ذلك المنوال و لم يعلموا بتسافل الحال و تقلب الأحوال بما يضيق عن نشره المجال.
و أما القول الثاني- و هو ما اختاره الفاضل الخراساني و شيخنا المحدث الصالح البحراني و جملة من المعاصرين و هو القول بسقوطه مطلقا- فظني بعده غاية البعد و نحن نكتفي بنقل ملخص كلام الفاضل المشار إليه حيث إنه ممن بالغ في نصرة هذا القول و الاستدلال عليه بما لم يسبقه أحد إليه، و شيخنا المحدث المشار إليه إنما حذا حذوه:
فنقول: قال الفاضل المذكور في كتاب الذخيرة- بعد أن ادعى دلالة الأخبار المتقدمة في القسم الثالث على إباحة الخمس مطلقا للشيعة- ما ملخصه: لكن يبقى على القول به إشكالات: منها- أن التحليل مختص بالإمام الذي يصدر منه الحكم إذ لا معنى لتحليل غير صاحب الحق، فلا يلزم عموم الحكم. و جوابه أن ظاهر التعليل بطيب الولادة المذكور في بعض الأخبار- و التصريح بدوام الحكم في بعضها و إسناد التحليل بصيغة الجمع في بعض- يقتضي تحقق التحليل منهم (عليهم السلام) جميعا و يكفي‌

452
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في تحقيق القول في المسألة و بيان ما هو المختار ج 12 ص 444

في ثبوته إخبار بعضهم (عليهم السلام) و قد أشار إلى ذلك المحقق و غيره.
أقول: فيه أولا- ما عرفت آنفا من أن أخبار التحليل معارضة بظاهر الآية و أخبار القسم الأول و الثاني، و أخبار القسم الأول و إن أمكن تقييدها بأخبار التحليل إلا أن أخبار القسم الثاني منها ما هو صريح في وجوب دفعه و عدم التحليل به كروايتي محمد بن زيد الطبري و صحيحة إبراهيم بن هاشم و صحيحة علي بن مهزيار و رواية كتاب الفقه الرضوي «1» و منها ما هو ظاهر كباقي الأخبار.
و ما تمسك به الفاضلان المذكوران- من حمل روايتي الطبري و صحيحة إبراهيم ابن هاشم على كون أولئك الطالبين للتحليل من المخالفين- بعيد بل غلط محض: أما أولا- فلأنه قد صرح في إحدى روايتي محمد بن زيد الطبري أنه بعض موالي أبي الحسن عليه السلام و في الرواية الثانية بأنهم يمحضونهم المودة، و من المعلوم أن العامة لا يمحضونهم مودة و لا محبة ليتوجه عتابه لهم و لا يكونون من مواليه، و في صحيحة إبراهيم بن هاشم أنه كان وكيله عليه السلام الذي يتولى الوقف له بقم، و من المعلوم أن ذلك لا يكون من المخالفين.
و أما ثانيا- فإن العامة لا يثبتون لهم (عليهم السلام) حقا في الخمس و لا غيره فكيف يستأذنونهم (عليهم السلام) في ذلك؟
و أما ثالثا- فإن صحيحة علي بن مهزيار لا يجري فيها ما ذكره هنا، فإنها صريحة في كون مواليه و شيعته قصروا في ما يجب عليهم من الخمس و أنه يريد تطهيرهم فلو كان الخمس حلالا مباحا كيف ينسبهم إلى التقصير؟ و كيف يريد التخفيف عنهم بما صنعه في عامه ذلك؟ و كيف يأمرهم بنقل ذلك إليه أو إلى وكيله؟ و نحو ذلك ما في كتاب الفقه الرضوي و إن لم يقف عليه.
و بذلك يظهر لك ما في قوله: «أنه يكفي في ذلك أخبار بعضهم عليهم السلام» و لو كان ما ذكره حقا من أنه يكفي في التحليل مطلقا أخبار الصادق عليه السلام بأنه حلال‌
______________________________
(1) ص 425 و 426 و 427 و 428.

453
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في تحقيق القول في المسألة و بيان ما هو المختار ج 12 ص 444

كيف يأمر الجواد عليه السلام بنقله إليه؟ مضافا إلى ما في الرواية من الدلالة الصريحة على الوجوب، و كيف يقول أبو الحسن الثالث عليه السلام في رواية محمد بن علي بن شجاع «إن لي منه الخمس»؟ و في رواية أبي علي بن راشد وكيله «أمرتني بأخذ حقك فأعلمت مواليك فقال لي بعضهم و أي شي‌ء حقه؟ فلم أدر ما أجيبه؟ فقال يجب عليهم الخمس. الخبر» و نحو ذلك من الروايات المتقدمة في القسم الأول.
و ثانيا- أن ما استند إليه من تلك العبارات ففيه أن طيب الولادة يمكن قصره على المناكح كما هو المتفق عليه و هو ظاهر حسنة سالم بن مكرم، و هي التي ورد فيها دوام الحكم إلى يوم القيامة، و إطلاق غيرها من الأخبار يحمل عليها، أو تخصيص ذلك بحقوقهم (عليهم السلام) فلا يقتضي ذلك تحليل جميع الخمس.
و بالجملة فإنه حيث دلت الآية «1» و الأخبار المتقدمة في القسم الأول على وجوب الخمس و اشتراكه بينهم (عليهم السلام) و بين الأصناف الثلاثة- و دلت الأخبار التي في القسم الثاني على عدم التحليل منه و وجوب إخراجه صريحا في بعض و ظاهرا في آخر على وجه لا يمكن تأويلها كما عرفت- فلا بد من تخصيص أخبار التحليل بوجه ظاهر تجتمع به مع تلك الأخبار و لا يمكن العمل بها على إطلاقها البتة.
ثم قال (قدس سره): و منها- أن النصف حق للأصناف الثلاثة فكيف يسوغ التحليل بالنسبة إليه. ثم أجاب بوجهين: حاصل الأول المنع من كون النصف ملكا لهم مطلقا لجواز كون الأرباح ملكا للإمام عليه السلام و كذا المعادن و الغوص و الغنائم التي تؤخذ من غير إذن الإمام عليه السلام. إلى أن قال: و ثانيهما- أنه يجوز أن يكون اختصاص الأصناف بالنصف أو مالكيتهم له مشروطا بحضور الإمام عليه السلام لا مطلقا لا بد لنفيه من دليل (فإن قلت) ظاهر الآية اختصاص النصف بالأصناف و كذا مرفوعة أحمد بن محمد و مرسلة حماد و رواية يونس «2» (قلت) أما الآية‌
______________________________
(1) و هي قوله تعالى «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ.» سورة الأنفال الآية 43.
(2) ص 421 و في رواية يونس ارجع إلى الاستدراكات.

454
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في تحقيق القول في المسألة و بيان ما هو المختار ج 12 ص 444

فظاهرها اختصاصها بالغنائم فلا تعم غيرها، مع أنها لا تشمل زمان الغيبة بناء على أن الخطابات القرآنية متوجهة إلى الحاضرين في زمن الخطاب و انسحاب الحكم في غير الحاضرين مستندا إلى الإجماع و هو إنما يتم مع التوافق في الشرائط و هو ممنوع في محل البحث، فلا تنهض الآية حجة على حكم زمان الغيبة. سلمنا لكن لا بد من صرفها عن ظاهرها إما بالحمل على كونها بيانا للمصرف أو بالتخصيص جمعا بينها و بين الأخبار الدالة على الترخيص. و أما الأخبار فمع ضعف سندها غير دالة على تعلق النصف بالأصناف على وجه الملكية أو الاختصاص مطلقا بل دالة على أن على الإمام عليه السلام أن يقسمه كذلك، فيجوز أن يكون هذا واجبا على الإمام من غير أن يكون شي‌ء من الخمس ملكا لهم أو مختصا بهم مطلقا. سلمنا لكنها تدل على ثبوت هذا الحكم في زمان حضور الإمام لا مطلقا فيجوز اختلاف الحكم بحسب الأزمان سلمنا لكن لا بد من التخصيص فيها و صرفها عن ظاهرها جمعا بين الأدلة. و بالجملة أخبار الإباحة أصح و أصرح فلا يسوغ العدول عنها بالأخبار المذكورة. انتهى كلامه زيد مقامه.
أقول: فيه أولا- أنه لا ريب أن ظاهر الآية دال على اختصاص الأصناف بالنصف، و هو قد اعترف بذلك في كلام له سابق على هذا المقام، حيث قال بعد أن نقل عن المحقق حمل الآية على بيان المصرف ما صورته: و فيه نظر لأن حمل الآية على أن المراد بيان مصارف الاستحقاق عدول عن الظاهر من الآية، بل الظاهر من الآية الملك أو الاختصاص و العدول عنه يحتاج إلى دليل. و لو كان كذلك لاقتضى جواز صرف الخمس كله في أحد الأصناف الستة و هم لا يقولون به. انتهى و حينئذ فإذا ضم إلى الآية الأخبار الدالة على تفسير الغنيمة فيها بما هو أعمّ من كل ما يغنمه الإنسان و يفيده حتى الإفادة يوما بيوم كما قدمنا ذكره في أول الكتاب دخل فيها جميع ما ذكره من الأرباح و الغوص و نحوهما و سقط ما ذكره في الوجه الأول، و يدل على ذلك صريحا مرفوعة أحمد بن محمد المتقدمة في أخبار القسم‌

455
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في تحقيق القول في المسألة و بيان ما هو المختار ج 12 ص 444

الأول لقوله عليه السلام بعد ما ذكر ما فيه الخمس من الأنواع المذكورة «و أما الخمس فيقسم على ستة أسهم. إلى آخره» و مثلها مرسلة حماد بن عيسى المذكورة ثمة، فإنهما صريحتان في كون النصف للأصناف الثلاثة من جميع ما فيه الخمس لا من غنيمة دار الحرب بالخصوص كما زعمه. و ما ربما يتخيل دلالته على ما ادعاه- من إضافة مجموع الخمس إليهم (عليهم السلام) في بعض الأخبار أو تصرفهم بالعفو و إعطائه كملا لبعض الناس- فقد تقدم الجواب عنه.
و ثانيا- أن ما ذكره من أنه يجوز أن يكون اختصاص الأصناف بالنصف مشروطا بحضور الإمام عليه السلام تعسف ظاهر مخالف لصريح الأدلة كتابا و سنة، فإنها دالة كما عرفت على الاختصاص أو الملك كما اعترف به في ما قدمنا من كلامه، و مقتضى ذلك العموم لحال وجوده و غيبته و التخصيص بحال وجوده يتوقف على الدليل، فقوله «لا بد لنفيه من دليل» قلب للمسألة بل لا بد لإثباته من دليل، و يؤيد ما قلنا بأوضح تأييد الروايات الدالة على أن الخمس عوض لهم عن الزكاة التي حرمها اللّٰه تعالى عليهم «1» و لا ريب أن تحريم الزكاة عليهم غير مختص بوجود الإمام عليه السلام حتى يكون اختصاصهم بالخمس مخصوصا بوجود الإمام عليه السلام.
و ثالثا- أن ما ذكره- بقوله: «قلت أما الآية فظاهرها اختصاص الغنائم فلا تعم غيرها»- مردود بما عرفت من أن الروايات المعتمدة قد دلت على تفسير الغنيمة في الآية بالمعنى الأعم الشامل لجميع ما فيه الخمس، و منها صحيحة علي بن مهزيار الطويلة و رواية حكيم مؤذن بني عبس و كتاب الفقه الرضوي و غيرها من ما تقدم.
و رابعا- أن ما ذكره- من أن الآية لا تشمل زمان الغيبة بناء على أن الخطابات القرآنية متوجهة إلى الحاضرين. إلى آخره- مردود بأنا إنما نستند في انسحاب الحكم و عموم الآية لزمن الغيبة إلى الأخبار لا إلى الإجماع الذي ذكره، فإنا لا ضرورة بنا تلجئ إليه ليتجه ما أورده عليه.
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.

456
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في تحقيق القول في المسألة و بيان ما هو المختار ج 12 ص 444

و الأخبار الدالة على ما ذكرناه كثيرة: منها-
ما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1» في حديث قال: «لو كانت إذا نزلت آية على رجل ثم مات ذلك الرجل ماتت الآية مات الكتاب و لكنه حي يجري في من بقي كما جرى في من مضى».
و مثلها غيرها.
و من أظهر ذلك في المقام استدلال الأئمّة (عليهم السلام) بالآية المذكورة و تفسيرهم لها بما قدمنا ذكره، و لو كان الخطاب فيها مقصورا على زمنه صلى اللّٰه عليه و آله لما ساغ ذلك.
و خامسا- أن ما أجاب به ثالثا- بعد التنزل بقوله: «سلمنا لكن لا بد من صرف الآية عن ظاهرها. إلى آخره»- مردود بأن الحمل على بيان المصرف من ما قد اعترف في ما قدمنا نقله عنه بعدم صحته لاقتضائه جواز صرف الخمس كملا في أحد الأصناف الستة و هو باطل إجماعا نصا و فتوى فكيف يتمسك هنا بذلك؟
و أما التخصيص ففيه أن مقتضى القواعد الشرعية و الضوابط المرعية و السنة المحمدية هو إرجاع الأخبار إلى القرآن و عرضها عليه فإن طابقته و وافقته وجب قبولها و إلا وجب ردها و طرحها «2» و لا ريب أن الأخبار في المسألة مختلفة و الأخبار التي استند إليها مخالفة لظاهر الآية، فالواجب بمقتضى القاعدة المنصوصة طرحها أو تأويلها بما يخرجها عن المخالفة، فكيف عكس القاعدة و أوجب رد الآية و إخراجها عن ظاهرها إلى الأخبار التي ذكرها؟ و ما وقع من أصحابنا (رضوان اللّٰه عليهم) في مثل مسألة الحبوة و ميراث الزوجة و نحوهما من تخصيص الآيات بالأخبار فإنما هو من حيث اعتضاد الأخبار بإجماع الطائفة و اتفاقها في بعض و إجماع المعظم منها في بعض، أو عدم ظهور الآية في العموم على وجه ينافي الخبر المخصص، أو نحو ذلك، و هو في محل البحث على طريق العكس. على أن ما ذهبوا إليه‌
______________________________
(1) الأصول ج 1 ص 192 باب أن الأئمّة (ع) هم الهداة.
(2) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي و ما يجوز أن يقضي به.

457
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في تحقيق القول في المسألة و بيان ما هو المختار ج 12 ص 444

من التحليل مطلقا في زمن الوجود و الغيبة في جميع أنواع ما فيه الخمس مقتض لطرح الآية رأسا لا تخصيصها كما هو ظاهر لا يخفى.
و سادسا- فإن طعنه في الأخبار بضعف سندها مردود بأنه ضعيف لا يلتفت إليه و سخيف لا يعرج عليه:
أما أولا- فإن هذه الأخبار هي معتمدهم في قسمة الخمس إنصافا بين الإمام و الأصناف الثلاثة، فإن اعتمدوا عليها فليكن في جميع الأحكام و إلا فلا.
و أما ثانيا- فإنه و أمثاله كثيرا ما يستدلون بأمثال هذه الأخبار و يتسترون عن ضعفها باصطلاحهم الضعيف الواهي بأعذار لبيت العنكبوت الذي هو أضعف البيوت تضاهي، و لكن هذه عادة أصحاب هذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب منه إلى الصلاح: إذا نافت الرواية ما اختاروه أجابوا عنها بضعف السند و إذا ألجأتهم الحاجة لها في الاستدلال تستروا عن مخالفة اصطلاحهم و الخروج عن مقتضاه بتلك الأعذار الواهية.
و سابعا- أن ما ذكره- من أن تلك الأخبار غير دالة على تعلق النصف بالأصناف على جهة الملكية أو الاختصاص- فيه أن دلالتها على ذلك أظهر من أن تنكروا بين من أن تنشر، و ذلك مثل‌
قوله عليه السلام في مرفوعة أحمد بن محمد «1» بعد ذكر الخمس و أنه يقسم ستة أقسام قال: «فالنصف له- يعني الإمام عليه السلام- خاصة و النصف لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من آل محمد صلى اللّٰه عليه و آله الذين لا تحل لهم الصدقة و لا الزكاة عوضهم اللّٰه مكان ذلك بالخمس. الحديث».
و لا ريب أن اللام هنا إما للملك أو الاختصاص كما هو القاعدة النحوية المطردة في أمثال هذا الكلام، و يؤكده ذكر التعويض لهم عن الصدقة فإنه يقتضي الاطراد و الاستمرار، فكيف يحرمون العوض و المعوض؟ و مثل قوله عليه السلام في صحيحة إبراهيم بن هاشم المتقدمة في القسم الثاني «2» «أحدهم يثب على أموال آل محمد صلى اللّٰه عليه و آله و أيتامهم و مساكينهم‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.
(2) ص 427.

458
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في تحقيق القول في المسألة و بيان ما هو المختار ج 12 ص 444

و أبناء سبيلهم فيأخذه. الحديث» فأي عبارة أظهر من هذه العبارة؟ و لو صح المناقشة في ذلك بالنسبة إلى الأصناف صح أيضا بالنسبة إلى الإمام عليه السلام كما لا يخفى على ذوي الأفهام.
و في مرسلة حماد بن عيسى أيضا «1» قال: «فله- يعني الإمام عليه السلام- نصف الخمس كملا و نصف الخمس الباقي بين أهل بيته فسهم ليتاماهم و سهم لمساكينهم و سهم لأبناء سبيلهم يقسم بينهم على الكتاب و السنة. إلى أن قال عليه السلام و إنما جعل اللّٰه هذا الخمس خاصة لهم دون مساكين الناس و أبناء سبيلهم عوضا لهم من صدقات الناس تنزيها من اللّٰه لهم لقرابتهم من رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و كرامة من اللّٰه لهم عن أوساخ الناس، فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذل و المسكنة. إلى أن قال أيضا: و جعل لفقراء قرابة الرسول صلى اللّٰه عليه و آله نصف الخمس فأغناهم به عن صدقات الناس و صدقات النبي صلى اللّٰه عليه و آله و ولي الأمر، فلم يبق فقير من فقراء الناس و لم يبق فقير من فقراء قرابة رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله إلا و قد استغنى فلا فقير. الحديث».
و أي دليل يريد بعد هذه الأدلة الصريحة الواضحة؟
و ثامنا- أن قوله- سلمنا لكنها تدل على ثبوت هذا الحكم في زمان حضور الإمام لا مطلقا- ظاهر الضعف بل البطلان، و الظاهر أن كلامه هذا مبني على ما توهمه من أن مستند الاختصاص أو الملك في تلك الأخبار إنما هو من جهة ما دلت عليه من أن الإمام عليه السلام يقسمه كذلك، و هو غلط بل موضع الاستدلال إنما هو نسبته إليهم بلام الملك أو الاختصاص المؤكد بكونه عوضا لهم عن الصدقات و أنه جعله اللّٰه لهم و خصهم به دون الناس و أنه لم يبق فقير في الناس بعد جعل اللّٰه سبحانه الزكاة لسائر الناس و الخمس لقرابة الرسول صلى اللّٰه عليه و آله و كيف يجامع هذا الاختصاص بزمان الحضور، ما هذه إلا غفلة واضحة، و ليت شعري كأنه لم يراجع هذه الأخبار أو لم يتأمل فيها بعين التحقيق و الاعتبار. على أن لقائل أن يعكس عليه هذه الدعوى بأن يقول إن مقتضى الأدلة الدالة على استحقاق الأصناف من‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.

459
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في تحقيق القول في المسألة و بيان ما هو المختار ج 12 ص 444

الآية و الروايات هو العموم و الاستمرار في جميع الأوقات و لا سيما رواية حماد المذكورة كما سمعت، و مقتضى أخبار التحليل هو الاختصاص بزمان وجودهم (عليهم السلام) لمصالح قد احتملنا بعضها في ما تقدم، و ما ربما يوهم الاستمرار في بعض قد بينا وجهه آنفا، فالاختصاص إنما هو في جانب التحليل لا في جانب استحقاق الأصناف.
و تاسعا- أن قوله- سلمنا لكن لا بد من التخصيص فيها و صرفها عن ظاهرها جمعا بين الأدلة- مردود أولا- بما عرفت آنفا من صراحتها و عدم قبولها لما أراده.
و ثانيا- أن هذه الأخبار قد ترجحت بموافقة القرآن كما عرفت فيصير العمل عليها و يجب تأويل ما خالفها أو طرحه بمقتضى القواعد المنصوصة «1» و قد ترجحت أيضا بذهاب المعظم من أجلاء الأصحاب متقدميهم و متأخريهم إلى القول بمضمونها.
و ثالثا- أن المخالفة ليست منحصرة فيها حتى أنه بتأويلها يسقط البحث و يتم ما ذكره بل أكثر أخبار القسم الأول و الثاني كلها مخالفة لما ذكره و عاضدة لهذه الأخبار.
و بذلك يظهر لك أن ما ذهبوا إليه من هذا القول من ما لا يعول عليه و أنه ناشئ عن عدم إعطاء التأمل حقه في الأدلة الواردة في المسألة.
و أما القول الثالث و هو القول بدفنه فهو مع كونه مجهول القائل مجهول الدليل و لو ثبت هذا الخبر الذي ذكروه لوجب طرحه في مقابلة ما ذكرناه من الأدلة و هي أكثر عددا و أصح سندا و أظهر دلالة.
و أما الرابع- و هو دفع النصف إلى الأصناف و النصف الآخر يودع من ثقة إلى ثقة أو يدفن- فهو جيد بالنسبة إلى حصة الأصناف لما عرفت آنفا، و أما بالنسبة إلى حقه عليه السلام فجوابه قد علم من ما ذكرنا في جواب القول الأول و القول الثالث.
و أما الخامس- و هو بعينه القول الرابع إلا أنه يعين الإيداع دون الدفن- فجوابه معلوم من ما سبق.
______________________________
(1) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي و ما يجوز إن يقضي به.

460
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في تحقيق القول في المسألة و بيان ما هو المختار ج 12 ص 444

و أما السادس- و هو صرف الجميع إلى الأصناف أما النصف فمن حيث كونه حقهم و أما النصف الذي هو حق الإمام عليه السلام فمن حيث إنه في حال حضوره متى قصر الخمس عن مئونتهم كان يتم لهم من ماله، فوجوب هذا عليه حال حضوره يقتضي وجوبه عليه حال غيبته، فإن الواجب من الحقوق لا يسقط بغيبة من عليه الحق- ففيه أولا- أنه من الجائز اختصاص ذلك بحال الحضور لكون ذلك في مقابلة الزيادة عن مئونتهم لعامهم و هذا لا يجري في حال الغيبة فقياس الغيبة على الحضور قياس مع الفارق. على أن إيجاب ذلك عليه مطلقا كما يدعونه في محل المنع لدلالة جملة من الأخبار كما عرفت على التحليل، و لا سيما دلالة صحيحة عمر بن يزيد في حكاية مسمع بن عبد الملك «1» و رد الصادق عليه السلام عليه ما حمل إليه من مال الخمس و تحليله به و ثانيا- ورود الرخصة من صاحب العصر (عجل اللّٰه فرجه) في إباحة الخمس للشيعة حال الغيبة كما تقدم، و إنما حملناه على حقه (عليه السلام) جمعا بين الأخبار كما سلف بيانه.
و بالجملة فإنه لا وجه لهذا القول من حيث الدليل و إن كان الاحتياط به واضح السبيل.
و أما السابع- و هو صرف النصف إلى الأصناف الثلاثة و النصف الذي له عليه السلام يجب إيصاله مع الإمكان و إلا فيصرف إلى الأصناف و مع تعذر الإيصال و عدم حاجة الأصناف فيباح للشيعة كما اختاره صاحب الوسائل في كتابه «2»- ففيه أن الواجب مع وجود الإمام عليه السلام و التمكن من الوصول إليه أو إلى وكيله هو إيصال جميع الخمس إليه كما هو مقتضى الأخبار و كلام الأصحاب، و أما مع غيبته عليه السلام فيجب صرف حصة الأصناف عليهم و أما حصته عليه السلام فقد‌
______________________________
(1) ص 430.
(2) الوسائل الباب 4 من الأنفال و ما يختص بالإمام.

461
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في تحقيق القول في المسألة و بيان ما هو المختار ج 12 ص 444

حصلت الإباحة فيها من صاحبها كما تقدم. و أما مع وجوده عليه السلام و عدم التمكن منه- و إن كان الفرض نادرا حيث إن المفهوم من الأخبار أنهم مع شدة التقية كانت لهم (عليهم السلام) وكلاء لقبض الأخماس و غيرها في سائر البلدان- و شدة التقية كانت في زمن الكاظم عليه السلام و كان السبب في وقف من أنكر موته و قال بالوقف إنما هو الأموال التي كانت بأيديهم من ما يقبضونه له من الناس- فالحكم لا يخلو من توقف و صرفها إلى الأصناف كما ذكره في هذه الصورة لا دليل عليه، و ظاهر كلامه حمل أخبار الإباحة على تعذر الإيصال و عدم حاجة الأصناف، مع أنك قد عرفت أن الإباحة من الصادق و الباقر و علي (عليهم السلام) في حال وجودهم و إمكان الإيصال إليهم، و بالجملة فما ذكره زعما منه جمع الأخبار عليه لا يخلو من تعسف ظاهر كما هو واضح من ما شرحناه آنفا.
و أما الثامن- و هو ما ذهب إليه المحدث الكاشاني من إيصال حصة الأصناف و سقوط حقه عليه السلام و ظاهره أن ذلك أعمّ من حال الحضور أو الغيبة، حيث قال في كتاب الوافي بعد نقل جملة أخبار المسألة المروية في الكتب الأربعة: و الذي يظهر لي من مجموع الأخبار الواردة في ذلك أن تحليلهم (عليهم السلام) يعم المناكح و غيرها من الأموال إلا أنه مختص بحصتهم (عليهم السلام) أعني السهام الثلاثة كما مر في‌
حديث أبي حمزة «1» «إن اللّٰه جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة».
دون سهام اليتامى و المساكين و ابن السبيل فإنها لغيرهم و إن كان لهم التصرف فيها في زمان حضورهم بأن يضعوها في من شاءوا و كيف شاءوا كما كانوا يتصرفون في حصة أنفسهم لأن جميع الأموال في الحقيقة لهم و الناس عيالهم، و كان الواجب على شيعتهم في زمن حضورهم أن يحملوا كل الخمس إليهم ليضعوه في من يشاءون إلا أن من لم يفعل ذلك منهم في حل بعد أن أساء، و على ذلك يحمل التشديد أو على أن التشديد مختص بغير الشيعة و هذا أظهر من الأخبار. و أما في مثل هذا الزمان حيث لا يمكن‌
______________________________
(1) ص 432.

462
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في تحقيق القول في المسألة و بيان ما هو المختار ج 12 ص 444

الوصول إليهم (عليهم السلام) فتسقط حصتهم رأسا لتعذر ذلك و غناهم عنه رأسا دون السهام الباقية لوجود مستحقيها، و من صرف الكل حينئذ إلى الأصناف الثلاثة فقد أحسن و احتاط. و العلم عند اللّٰه. انتهى- فهو قريب من ما اخترناه: أما في حال الغيبة فهو عين ما ذكرناه من وجوب صرف النصف إلى الأصناف و إباحة حقه عليه السلام إلا أنه إنما علل ذلك بتعذر إيصاله و غناه عنه و غفل عن التوقيع الوارد من صاحب الخمس بتحليله للشيعة زمن الغيبة، و لعله لعدم اطلاعه عليه حيث إنه ليس من أخبار الكتب الأربعة التي تصدى لجمعها، و أما حال الحضور فظاهره تخصيص التحليل في ما ورد من أخبار التحليل بحصتهم (عليهم السلام) دون حصة الأصناف و هو جيد، إلا أن ظاهره أن ذلك عام و جار في جميع الأئمّة (عليهم السلام) كما يؤذن به حمله أخبار التشديد على الاختصاص بغير الشيعة، و هذا هو موضع الخلاف بيننا و بينه لما أوضحناه سابقا من أن أخبار القسم الثاني و جملة من أخبار القسم الأول أيضا لا تقبل الحمل على ذلك بل هي ما بين صريح و ظاهر في عدم التحليل و وجوب إيصال الخمس إليهم (عليهم السلام) كصحيحة علي بن مهزيار و صحيحة إبراهيم بن هاشم و روايتي الطبري و عبارة كتاب الفقه الرضوي «1» و يعضدها من روايات القسم الأول أيضا رواية محمد بن علي بن شجاع و رواية أبي علي بن راشد «2» و حمل روايتي الطبري و صحيحة إبراهيم ابن هاشم على غير الشيعة من المخالفين قد أوضحنا بعده بل فساده، و مع الإغماض عن ذلك فإنه لا يتم له في الأخبار الباقية.
و بالجملة فالأظهر كما حققناه سابقا اختصاص التحليل بمن حصل منه التحليل حسبما يقع من خصوص أو عموم دون غيره من باقي الأئمّة، و به يعلم ما في قوله أيضا «أن من لم يحمل ذلك إليهم كان في حل و إن أساء» بناء على حمله أخبار التشديد في إخراج الخمس على ما ذكره، و كيف يكون في حل مع قول أبي جعفر عليه السلام في صحيحة‌
______________________________
(1) ص 425 إلى 428.
(2) ص 420.

463
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في تحقيق القول في المسألة و بيان ما هو المختار ج 12 ص 444

إبراهيم بن هاشم «و اللّٰه ليسألنهم اللّٰه تعالى يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا» و في إحدى روايتي الطبري «1» بعد التوبيخ و التقريع العظيم «لا نجعل أحدا منكم في حل» و قريب منهما صحيحة علي بن مهزيار «2» بل لا تقصر عنهما.
و أما التاسع- و هو صرف حصة الأصناف إليهم و قسمة حصته عليه السلام على مواليه العارفين بحقه من أهل الفقر و الصلاح و السداد- فهو موافق لما اخترناه إلا أن التخصيص بمن ذكر لا دليل عليه و إن كان أولى، و أولى منه صرفه على السادة المستحقين.
و أما العاشر- و هو تخصيص التحليل بخمس الأرباح حيث إنه له عليه السلام خاصة دون باقي الأصناف كما ذهب إليه المحقق الشيخ حسن في المنتقى- ففيه- مع إغماض النظر عن المناقشة في دلالة الروايات التي أشار إليها على اختصاص خمس الأرباح به عليه السلام بأن نسبة الخمس كملا فيها إلى نفسه باعتبار مالكيته لنصفه و ولايته على النصف الآخر- أن ذلك مردود أولا- بصريح رواية مسمع و الاحتمال الذي في رواية الحكم بن علباء الأسدي «3» اللذين قد حللهما الإمامان (عليهما السلام) بخمس الغوص مع أنه ليس من الأرباح بالمعنى الذي ذكره.
و ثانيا- بصحيحة علي بن مهزيار «4» المتضمنة لحمل الخمس إلى وكيله و لو بعد حين مع كون ظاهر سياقها أن ذلك من خمس الأرباح، فلو كان خمس الأرباح من ما حللوه كيف يأمر بنقله إليه أو إلى وكيله و يذكر في أول الخبر أن مواليه قصروا في أمر الخمس و أنه أراد أن يطهرهم بما وضعه عنهم في ذلك العام فإن جميع هذا من ما ينافي التحليل.
و بالجملة فالظاهر إنما هو ما قدمناه من أن الخمس مطلقا و إن كان مشتركا بينهم و بين الأصناف إلا أن لهم الاختيار فيه بل و في غيره كيف شاءوا و أرادوا و لا‌
______________________________
(1) ص 426.
(2) ص 349.
(3) ص 430 و 433.
(4) ص 349.

464
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في تحقيق القول في المسألة و بيان ما هو المختار ج 12 ص 444

اعتراض عليهم، لأن الأرض و ما خرج منها لهم (عليهم السلام) كما عرفت من أخبار القسم الرابع، و أنه يحل لمن حللوه و يحرم على من لم يحللوه و أنه يجب الرجوع فيه في كل وقت إلى إمام ذلك الوقت.
هذا. و أما اعتضاده بذهاب بعض قدمائنا إلى السقوط- و تشنيعه على المتأخرين برد هذا القول بأنه ناشئ عن قلة الفحص عن الأخبار و معانيها و القناعة بميسور النظر فيها- ففيه أن ذلك القائل الذي نقل عنه من القدماء- كما عرفت من عبارتي الشيخ المفيد في المقنعة و الشيخ الطوسي في النهاية- إنما أراد سقوط الخمس مطلقا من أي نوع كان الأرباح و غيرها، و هو لا يقول به و إنما يخص التحليل بخمس الأرباح خاصة فكيف يحكم بصحة القول المذكور و يشنع على من رده؟ مع ما عرفت من كلام الشيخين المذكورين في منشأ الخلاف بين القدماء في هذه المسألة.
و أما الحادي عشر- و هو عدم التحليل بالكلية كما ذهب إليه ابن الجنيد- فهو من ما لا يلتفت إليه و لا يعرج عليه: أما أولا- فلأن التحليل ثابت بيقين لا يداخله الظن و لا التخمين و إنما الكلام في عمومه من جهة المحلل بكسر اللام و المحلل بفتحها أو خصوصه فيهما أو خصوصه في أحدهما على ما سبق من التفصيل في الأقوال و الأخبار.
و أما ثانيا- فإن كلامه في ما قدمناه من عبارته لا يخلو من سوء الأدب في حق الإمام عليه السلام من حيث إنه نسبه إلى التصرف في ما لا يجوز له التصرف فيه و إباحة ما ليس له إباحته، إلا أن يحمل كلامه على عدم ثبوت أخبار التحليل عنده و هو بعيد غاية البعد لما عرفت من شهرتها و استفاضتها، قال المحقق في المعتبر بعد نقل محصل كلامه- و نعم ما قال- إن هذا ليس بشي‌ء لأن الإمام لا يحلل إلا ما يعلم أن له الولاية في تحليله و لو لم يكن له ذلك لاقتصر في التحليل على زمانه و لم يقيده بالدوام.
و أما ثالثا- فلأنك قد عرفت من أخبار القسم الرابع أن الأرض و ما فيها له‌

465
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في تحقيق القول في المسألة و بيان ما هو المختار ج 12 ص 444

عليه السلام فأي مانع من التحليل في ما اقتضت المصلحة يومئذ تحليله؟
و لو نوقش في تلك الأخبار بأنه لا ريب في تسلط الناس على ما في أيديهم من الأملاك من ما ينقل و يحول أم لا و التوارث و التصرف بجميع أنواع التصرفات و أن المتصرف فيه غير المالك غاصب مستحق للعقاب، و هذا من ما عليه الاتفاق كتابا و سنة و إجماعا و هو من ما يدافع تلك الأخبار.
قلنا: لا ريب أن جميع هذه الأشياء المذكورة ملك لله عز و جل و أنه ملكها العباد على الوجه المذكور، فلو أراد اللّٰه سبحانه التصرف فيها بما ينافي رضا مالكها أ رأيت أن ذلك يوجب اعتراضا عليه تعالى و يكون ظلما و جورا؟ فإنه هو المالك الحقيقي و المالك الآخر مجازي فله التصرف في الأموال و في أصحابها كيف شاء و أراد، و هكذا فقل بالنسبة إليهم (عليهم السلام) فإن اللّٰه عز و جل المالك للأرض و ما فيها قد ملكها نبيه صلى اللّٰه عليه و آله و أوصياءه بعده كما دلت عليه تلك الأخبار و هم (عليهم السلام) قد حللوا شيعتهم خاصة زمان الغيبة بالتملك و التصرف كيف شاءوا و أرادوا و جرت أيدي الناس على الأملاك على الوجوه المذكورة، فلو تصرفوا (عليهم السلام) في شي‌ء من ذلك على خلاف رضا من ملكوه لم يثمر ذلك اعتراضا عليهم لأن الأصل لهم عين ما عرفت بالنسبة إليه عز و جل، و أما المخالفون لهم (عليهم السلام) فتصرفهم محرم و العقاب فيه ثابت و الاقتصاص منهم في القيامة قائم، فلا إشكال بحمد اللّٰه في هذا المجال.
و أما الثاني عشر- و هو ما ذهب إليه شيخنا المجلسي (عطر اللّٰه مرقده)- من قصر التحليل على التصرف في مال الخمس قبل إخراجه مع ضمان الخمس في الذمة و أنه لا يحل شي‌ء من الخمس- فعجيب من مثله و أي عجيب، و قد رأيت كلامه أولا في بعض الحواشي المنسوبة إليه على كتب الأخبار فحصل لي العجب من ذلك و لم أتيقن أنه يقول بمثل هذه المقالة البعيدة عن الأخبار حتى رأيت كلامه في كتاب زاد المعاد موافقا لما وحدته أولا، و ها أنا أسوق أولا ما وقفت عليه من كلامه ثم أذكر ما فيه:

466
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في تحقيق القول في المسألة و بيان ما هو المختار ج 12 ص 444

قال في حاشية له على كتاب الإستبصار- على قول الشيخ هناك بعد نقل رواية محمد بن زيد الطبري المتقدمة: «فالوجه في الجمع بين هذه الروايات ما ذهب إليه شيخنا. إلى آخره»- ما لفظه: و مراد كلامه أن الرخصة في صرف المال في المناكح قبل إخراج الخمس منه لا في سقوط الخمس في الأموال و إنما الفائدة حل الوطء و طيب الولادة مع استقرار المال في الذمة إلى أن يؤدى الخمس، و بالجملة نقول نصوص الرخصة مقتضاها في باب المناكح حل انتفاع البضع في الأمة المسبية من دون إخراج حق الإمام عليه السلام من الخمس و في باب المساكن حل انتفاع السكنى و في باب المتاجر جواز تصرفات التجارة. انتهى.
و قال (قدس سره) في حاشية له على الكافي على قوله‌
في رواية سالم بن مكرم المتقدمة «1»: «ليس يسألك أن يعترض الطريق».
ما صورته: يعني ليس يسألك تحليل الفروج و اعتراض طريق الشرع بل إنما يسألك إحلال تصرفاته في ماله من المناكح و المساكن من قبل تخميسه: فيكون له مال فيه الخمس فلا يخمسه و يشتري منه خادما ينكحها أو يجعل منه صداقا لامرأة يتزوجها أو يصيب ميراثا أو مالا من التجارة أو عطية يعطاها فيصرف ذلك في مناكحه أو مساكنه و لم يكن يخمسه؟ فقال عليه السلام:
هذا أي هذا التصرف من قبل تخميس المال لشيعتنا حلال لتطيب ولادتهم و الخمس في ذمتهم حتى يؤدون. و لم يعن عليه السلام بالإحلال سقوط الخمس عنهم و براءة ذمتهم كما هو المستبين. انتهى.
و قال في كتاب زاد المعاد ما هذا ملخصه: و أما مستحق الخمس فالمشهور أنه يقسم على ست حصص كما هو ظاهر الآية «2» فثلاث منها للإمام و ثلاث منها للأصناف الثلاثة، و الظاهر من الأحاديث المعتبرة أن جميع الخمس في زمان وجود الإمام عليه السلام يوصلونه له و هو يأخذ نصفه لنفسه و النصف الآخر يقسمه على الأصناف الثلاثة بقدر كفايتهم في عامهم فإن فضل شي‌ء أخذه و إن أعوز أتم لهم من نصيبه، و أما في‌
______________________________
(1) ص 430.
(2) و هي قوله تعالى «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ.» سورة الأنفال الآية 43.

467
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في تحقيق القول في المسألة و بيان ما هو المختار ج 12 ص 444

زمان الغيبة فالأحوط أن حصة السادات تدفع إلى العالم العادل ليصرفها على الأصناف و أما النصف الآخر الذي هو حصة الإمام عليه السلام ففيها خلاف في زمن الغيبة و المشهور دفعها إلى العالم العادل ليوصلها إلى السادات على سبيل التتمة فإن زاد شي‌ء حفظه عنده و بعده يودعه إلى عالم آخر فإن وجد سيدا محتاجا دفعه إليه و إلا حفظه إلى أن يوصل إلى الإمام عليه السلام، إلا أن الفرض في هذا الزمان نادر جدا لكثرة السادة المستحقين و قلة المخرجين للخمس. و ذهب جمع في زمن الغيبة إلى أنه عليه السلام حلل حصته من الخمس للشيعة. و هذا القول لا وجه له لعدم ورود رواية صريحة عنه عليه السلام بأنه حلل ذلك بل الوارد خلاف ذلك، لأنه في زمان الغيبة الصغرى و هي نيف و سبعون سنة كان السفراء الأربعة المشهورون يقبضون حصته عليه السلام بل جميع الخمس من الشيعة و يصرفونه في المصارف التي أمر بها عليه السلام و الظاهر أن مثل هذا الزمان يكون الحكم راجعا إلى النائب العام و هم العلماء الربانيون و المحدثون الحاملون لعلومهم فينبغي أن يقبضوها و يصرفوها على السادة الذين هم عياله (عليه السلام).
ثم أظال بتأييد ذلك بما يدل على إعانة السادة و إكرامهم و سد فقرهم و لا سيما في مثل هذه الأزمان. إلى أن قال: و أكثر العلماء قد صرحوا بأن صاحب الخمس لو تولى دفع حصته (عليه السلام) للسادة لم تبرأ ذمته بل يجب عليه دفعها إلى العالم المحدث العادل. و ظني أن هذا الحكم جار في جميع الخمس. انتهى.
أقول: لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما أسلفناه من الأخبار و التأمل في معانيها و النظر في ما ذكرناه من الأبحاث المشيدة لمبانيها ما في كلام شيخنا المذكور من الضعف و القصور:
أما أولا- فإن صحيحة عمر بن يزيد «1» قد صرحت برد الخمس كملا على مسمع بن عبد الملك و تحليله به، و مثلها ظواهر جملة روايات القسم الثالث، فإن جملة منها كالصريح في التحليل لأصل الخمس أو حصتهم (عليهم السلام) منه لا يعتريها‌
______________________________
(1) ص 430.

468
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في تحقيق القول في المسألة و بيان ما هو المختار ج 12 ص 444

شك و لا شبهة، و لهذا إن أصحابنا كملا متقدميهم و متأخريهم إلا الشاذ النادر قد اتفقوا على التحليل بالمعنى الذي ندعيه لما فهموه من هذه الأخبار، و إنما اختلفوا كما عرفت من ما أسلفناه في عموم التحليل أو تخصيصه بالمناكح أو مع إلحاق المساكن و المتاجر، و كذا اختلفوا في عمومه بالنسبة إلى جميع ما فيه الخمس أو التخصيص ببعضها، و كذا اختلفوا في دوام التحليل أو تخصيصه بحال وجودهم (عليهم السلام) فأصل التحليل من ما لا إشكال فيه عندهم، و من الظاهر أن هذه الاختلافات إنما ترتبت على التحليل بالمعنى الذي ندعيه لا بمعنى جواز التصرف قبل إخراج الخمس كما فسر به الأخبار.
و أما ثانيا- فإن ما ذكره في كتاب زاد المعاد- من أن الظاهر من الأحاديث المعتبرة. إلى آخره- لم يرد إلا في مرسلة أحمد بن محمد و مرفوعة حماد بن عيسى خاصة، و جل الروايات و أكثرها إنما دلت بعد الوصول إليه على التحليل كما عرفت من روايات القسم الثالث و هي أكثر عددا و أصح سندا و أصرح دلالة.
و أما ما ذكره في رد القول بتحليل حصته عليه السلام في زمان الغيبة- من أنه لم يرد عنه ما يدل على التحليل- فمردود بما نقلناه من التوقيع الذي رواه الصدوق كما قدمناه في القسم الثالث فإنه صحيح صريح في التحليل.
و أما ما استند إليه من أمر السفراء في زمن الغيبة الصغرى فهو قياس مع الفارق فإن مراد أصحابنا بزمان الغيبة هو زمان الغيبة الكبرى التي لا يمكن الوصول إليه فيها بالكلية لا ما توهمه من الغيبة الصغرى، فإن هذا إنما هو من قبيل الحضور و عدم التمكن من الوصول إليه بمنزلة الإمام الذي يكون في حبس الظلمة كالإمام الكاظم عليه السلام مدة كونه في حبس الرشيد «1» بل هذا أظهر في الحضور للتمكن من استعلام الأحكام منه عليه السلام في كل ساعة و إن كان بالواسطة بخلاف الكاظم (عليه السلام) و بالجملة فإن ما ذكره ليس من محل البحث في شي‌ء.
______________________________
(1) عيون أخبار الرضا الباب 7 و 8 ص 69 إلى 108 الطبع الحديث.

469
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

المقام الثالث في تحقيق القول في المسألة و بيان ما هو المختار ج 12 ص 444

و أما ثالثا- فإن ما اختاره- من دفع الخمس كملا أو حصته عليه السلام إلى النائب العام في حال الغيبة مع الإغماض عن المناقشة في ما ادعاه من عدم التحليل- لا يخلو عندي من نظر و إن كان قد سبقه إلى القول بذلك جملة من الأصحاب بالنسبة إلى حصة الإمام عليه السلام فإنا لم نقف له على دليل، و غاية ما يستفاد من الأخبار نيابته بالنسبة إلى الترافع إليه و الأخذ بحكمه و فتاواه و أما دفع الأموال إليه فلم أقف له على دليل لا عموما و لا خصوصا. و قياسه على النواب الذين ينوبونهم (عليهم السلام) حال وجودهم لذلك أو لما هو أعمّ منه لا دليل عليه.
و يؤيد ما ذكرناه ما نقلوه عن شيخنا المفيد (قدس سره) في المسائل الغرية حيث قال: إذا فقد إمام الحق و وصل إلى الإنسان ما يجب فيه الخمس فليخرجه إلى يتامى آل محمد صلى اللّٰه عليه و آله و مساكينهم و أبناء سبيلهم و ليوفر قسط ولد أبي طالب عليه السلام لعدول الجمهور عن صلتهم و لمجي‌ء الرواية عن أئمة الهدى (عليهم السلام) بتوفير ما يستحقونه من الخمس في هذا الوقت على فقراء أهلهم و أيتامهم و أبناء سبيلهم.
هذا. مع ما في كلامه أيضا من المناقشات الأخر. و بالجملة فإن كلامه (قدس سره) في هذا المقام من أبعد البعيد من مثله من الأعلام ذوي النقض و الإبرام.
و أما القولان الأخيران فالكلام فيهما معلوم من ما سبق. و اللّٰه العالم بحقائق أحكامه و أولياؤه القائمون بمعالم حلاله و حرامه.
الفصل الثالث في الأنفال
جمع نفل بسكون الفاء و فتحها و هو لغة: الغنيمة و الهبة كما ذكره في القاموس، و قال الأزهري: النفل ما كان زيادة على الأصل. سميت الغنائم بذلك لأن المسلمين فضلوا بها على سائر الأمم الذين لم تحل لهم الغنائم، و سميت صلاة التطوع نافلة لأنها زيادة على الفرض، و قال اللّٰه تعالى «وَ وَهَبْنٰا لَهُ إِسْحٰاقَ وَ يَعْقُوبَ

470
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الفصل الثالث في الأنفال ج 12 ص 470

نٰافِلَةً» «1» أي زيادة على ما سأل. و المراد بها شرعا ما يختص به الإمام بالانتقال من النبي صلى اللّٰه عليه و آله.
[الأخبار الواردة في الأنفال]
و أنا أذكر أولا الأخبار الواردة بذلك ثم أعطف الكلام على تفاصيلها و بيانها:
و منها-
ما رواه في الكافي- في الصحيح عندي و الحسن بإبراهيم بن هاشم على المشهور- عن حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» قال: «الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب أو قوم صالحوا أو قوم أعطوا بأيديهم، و كل أرض خربة و بطون الأودية فهو لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و هو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء».
و ما رواه فيه في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن وهب «3» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام السرية يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف تقسم؟ قال إن قاتلوا عليها مع أمير أمره الإمام عليه السلام عليهم أخرج منها الخمس لله و للرسول صلى اللّٰه عليه و آله و قسم بينهم أربعة أخماس و إن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام (عليه السلام) يجعله حيث أحب».
و ما رواه في الصحيح أو الحسن عن حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح (عليه السلام) في الحديث المتقدم ذكره «4»: «و للإمام (عليه السلام) صفو المال أن يأخذ من هذه الأموال صفوها: الجارية الفارهة و الدابة الفارهة و الثوب و المتاع من ما يحب أو يشتهي، فذلك له قبل القسمة و قبل إخراج الخمس. إلى أن قال: و له بعد الخمس الأنفال، و الأنفال كل أرض خربة قد باد أهلها و كل أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و لكن صالحوا صلحا و أعطوا بأيديهم على غير قتال، و له رءوس الجبال و بطون الأودية و الآجام و كل أرض ميتة لا رب لها، و له صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب لأن الغصب كله
______________________________
(1) سورة الأنبياء الآية 73.
(2) الوسائل الباب 1 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(3) الوسائل الباب 1 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(4) الوسائل الباب 1 من الأنفال و ما يختص بالإمام.

471
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأخبار الواردة في الأنفال ج 12 ص 471

مردود، و هو وارث من لا وارث له، يعول من لا حيلة له».
و ما رواه الشيخ في الصحيح عن داود بن فرقد «1» قال: «قال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) قطائع الملوك كلها للإمام و ليس للناس فيها شي‌ء».
و ما رواه عن محمد بن مسلم «2» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) يقول و سئل عن الأنفال فقال كل قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل لله عز و جل نصفها يقسم بين الناس و نصفها لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله فما كان لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله فهو للإمام عليه السلام».
و روى العياشي في تفسيره عن حريز عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) مثله «3».
أقول: ما تضمنه هذان الخبران من كون النصف يقسم بين الناس لعله خرج مخرج التقية أو أن الإمام يقسمه تفضلا و إلا فالأخبار عدا هذين الخبرين متفقة على أنه له (عليه السلام) يفعل به ما يحب.
و ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «4» «أنه سمعه يقول إن الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم أو قوم صولحوا و أعطوا بأيديهم و ما كان من أرض خربة أو بطون أودية فهذا كله من الفي‌ء، و الأنفال لله و للرسول صلى اللّٰه عليه و آله فما كان لله فهو للرسول يضعه حيث يحب».
و ما رواه الصدوق في الفقيه عن أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «5» «في الرجل يموت و لا وارث له و لا مولى له؟ فقال: هو من أهل هذه الآية يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ» «6».
و ما رواه الشيخ عن العباس الوراق عن رجل سماه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «7» قال: «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(2) الوسائل الباب 1 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(3) الوسائل الباب 1 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(4) الوسائل الباب 1 من الأنفال و ما يختص بالإمام. و الرواية للشيخ و لم يروها الكليني.
(5) الوسائل الباب 1 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(6) سورة الأنفال الآية 2.
(7) الوسائل الباب 1 من الأنفال و ما يختص بالإمام.

472
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأخبار الواردة في الأنفال ج 12 ص 471

(عليه السلام) و إذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام (عليه السلام) الخمس».
و ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة بن مهران «1» قال: «سألته عن الأنفال فقال كل أرض خربة أو شي‌ء يكون للملوك فهو خالص للإمام (عليه السلام) ليس للناس فيها سهم. قال: و منها البحرين لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب».
و ما رواه الشيخ في الموثق عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «2» قال: «سمعته يقول الفي‌ء و الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة الدماء و قوم صولحوا و أعطوا بأيديهم و ما كان من أرض خربة أو بطون أودية فهو كله من الفي‌ء فهذا لله و لرسوله صلى اللّٰه عليه و آله فما كان لله فهو لرسوله يضعه حيث شاء و هو للإمام بعد الرسول. و قوله وَ مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمٰا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لٰا رِكٰابٍ «3» قال أ لا ترى هو هذا؟ و أما قوله: ما أفاء اللّٰه على رسوله من أهل القرى «4» فهذا بمنزلة المغنم كان أبي يقول ذلك، و ليس لنا فيه غير سهم الرسول صلى اللّٰه عليه و آله و سهم القربى ثم نحن شركاء الناس في ما بقي».
و ما رواه الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره في الموثق عن إسحاق بن عمار «5» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الأنفال فقال هي القرى التي قد خربت و انجلى أهلها فهي لله و للرسول صلى اللّٰه عليه و آله و ما كان للملوك فهو للإمام، و ما كان من الأرض الخربة لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، و كل أرض لا رب لها و المعادن منها، و من مات و ليس له مولى فماله من الأنفال».
و ما رواه العياشي في تفسيره عن داود بن فرقد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «6» في حديث قال: «قلت و ما الأنفال؟ قال: بطون الأودية و رءوس الجبال و الآجام و المعادن و كل أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و كل أرض ميتة قد جلا أهلها و قطائع الملوك».
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(2) الوسائل الباب 1 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(3) سورة الحشر الآية 7.
(4) سورة الحشر الآية 8.
(5) الوسائل الباب 1 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(6) الوسائل الباب 1 من الأنفال و ما يختص بالإمام.

473
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

الأخبار الواردة في الأنفال ج 12 ص 471

و ما رواه فيه أيضا عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام «1» قال: «لنا الأنفال قلت و ما الأنفال؟ قال منها المعادن و الآجام و كل أرض لا رب لها و كل أرض باد أهلها فهو لنا».
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
[تعداد الأنفال]
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) قد عدوا الأنفال و حصروها في جملة أفراد:
أحدها- الأرض التي تملك من غير قتال
سواء انجلى أهلها بمعنى أنهم خرجوا منها و تركوها للمسلمين أو سلموها طوعا بمعنى أنهم مكنوا المسلمين منها مع بقائهم فيها، و يدل على هذا الفرد ما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم أو حسنته و كذا مرفوعة حماد بن عيسى و رواية محمد بن مسلم و موثقته و غيرها من ما ذكرناه و ما لم نذكره.
و ثانيها- الأرضون الموات
سواء ملكت ثم باد أهلها أو لم يجر عليها ملك، قالوا: و المراد بالموات ما لا ينتفع به لعطلته إما لانقطاع الماء عنه أو لاستيلاء الماء عليه أو لاستئجامه أو نحو ذلك من موانع الانتفاع.
و ظاهر تقييدهم باضمحلال أهلها أو عدم جريان الملك عليها أنه لو كان لها مالك معروف لم تكن كذلك.
و يشكل ذلك بما تقدم في صحيحة أبي خالد الكابلي المتقدمة في القسم الرابع من أخبار الخمس «2» و قوله عليه السلام فيها بعد أن ذكر أن الأرض كلها لهم (عليهم السلام) «فمن أحيى أرضا من المسلمين فليعمرها و ليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي و له ما أكل منها، فإن تركها أو أخربها و أخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و أحياها فهو أحق بها من الذي تركها يؤدي خراجها إلى الإمام من أهل بيتي و له ما أكل منها. الخبر» فإن ظاهره كما ترى أنه بإعراض الأول عنها و رفع يده منها و لا سيما إذا أخربها فإنها تعود إلى ما كانت عليه من الرجوع إلى الإمام و الدخول‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(2) ص 435.

474
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

و ثانيها الأرضون الموات ج 12 ص 474

في الأنفال فيجوز التصرف فيها لكل من أحياها، و بذلك أيضا صرح جملة من الأصحاب كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى في كتاب إحياء الموات.
و كيف كان فقد تقدم في الأخبار ما يدل على هذا الفرد أيضا كالرواية الأولى و الرواية الثالثة، و فيها التقييد بما باد أهلها، و يمكن حمله على الأهل المالكين لها بالإرث أو الشراء أو نحو ذلك لا بالإحياء، لما ذكرناه من الصحيحة المتقدمة و الرواية السابعة و العاشرة و الحادية عشرة- و قد عبر عنها بالأرض التي لا رب لها- و الثانية عشرة.
و ثالثها- رءوس الجبال و ما يكون بها و كذا بطون الأودية و الآجام
، و الأجمة الشجر الملتف و الجمع أجم مثل قصبة و قصب، و الآجام جمع الجمع، كذا ذكره في كتاب المصباح المنير.
و إطلاق النصوص و كلام أكثر الأصحاب يقتضي اختصاصه عليه السلام بهذه الأنواع الثلاثة من أي أرض كانت، و منع ابن إدريس من اختصاصه بذلك على الإطلاق بل قيده بما يكون في موات الأرض أو الأرضين المملوكة للإمام عليه السلام و رده الشهيد في البيان بأنه يفضي إلى التداخل و عدم الفائدة في ذكر اختصاصه بهذين النوعين.
قال في المدارك بعد نقل كلام الشهيد المذكور: و هو جيد لو كانت الأخبار المتضمنة لاختصاصه عليه السلام بذلك على الإطلاق صالحة لإثبات هذا الحكم لكنها ضعيفة السند، فيتجه المصير إلى ما ذكره ابن إدريس قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق. انتهى.
و قال المحقق في المعتبر: قال الشيخان رءوس الجبال و الآجام من الأنفال.
و قيل: المراد به ما كان في الأرض المختصة به. و ظاهر كلامهما الإطلاق و لعل مستند ذلك‌
رواية الحسن بن راشد عن أبي الحسن الأول عليه السلام «1» قال: «و له رءوس
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من الأنفال و ما يختص بالإمام رقم 4 و هي مرسلة حماد بطريق الشيخ فإنه يرويها بسنده عن الحسن بن راشد عن حماد. و قد ذكر صاحب الوسائل هنا طريق الكليني و أشار إلى طريق الشيخ بقوله «و رواه الشيخ كما مر» و هو إشارة إلى ما ذكره في ذيل الحديث (8) من الباب 1 من قسمة الخمس حيث تعرض لطريق الشيخ تفصيلا. فإضافته (قدس سره) مرفوعة حماد يمكن أن يكون بالنظر إلى طريق الكليني.

475
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

و ثالثها رءوس الجبال و ما يكون بها و كذا بطون الأودية و الآجام ج 12 ص 475

الجبال و بطون الأودية و الآجام».
و الراوي ضعيف. انتهى. و ظاهره الميل إلى قول ابن إدريس.
أقول: من الأخبار المشتملة على هذه الثلاثة زيادة على رواية الحسن بن راشد التي ذكرها مرفوعة حماد بن عيسى الطويلة المذكورة في ما قدمناه من الأخبار.
و منها- ما اشتمل على رءوس الجبال و بطون الأودية و هي‌
مرسلة أحمد بن محمد بن عيسى من ما لم نذكره هنا لقوله عليه السلام «1» فيها «و بطون الأودية و رءوس الجبال و الموات كلها هي له. الخبر».
و ما رواه الشيخ المفيد في المقنعة عن محمد بن مسلم «2» قال: «سمعت أبا جعفر عليه السلام. إلى أن قال: «و سألته عن الأنفال فقال كل أرض خربة أو شي‌ء كان يكون للملوك و بطون الأودية و رءوس الجبال و ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب فكل ذلك للإمام خالصا».
و قد تقدم في رواية داود بن فرقد المروية في تفسير العياشي عد الثلاثة المذكورة و في روايته الثانية عد المعادن و الآجام، و قد تقدم في صحيحة حفص و في صحيحة محمد بن مسلم و موثقته عد بطون الأودية.
و بذلك يظهر لك ضعف ما صار إليه في المدارك و مثله صاحب المعتبر و أنه غير معتمد و لا معتبر.
و رابعها- صوافي ملوك الحرب و قطائعهم
ما لم تكن مغصوبة من مسلم أو معاهد، و المراد بالقطائع الأرض التي تختص به، و الصوافي ما يصطفيه من الأموال‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من الأنفال و ما يختص بالإمام رقم 17.
(2) الوسائل الباب 1 من الأنفال و ما يختص بالإمام.

476
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

و رابعها صوافي ملوك الحرب و قطائعهم ج 12 ص 476

يعني يختص به، و مرجع الجميع إلى أن كل ما يختص به سلطان دار الحرب من ما لا ينقل و لا يحول أو من ما ينقل فهو للإمام (عليه السلام) كما كان للنبي صلى اللّٰه عليه و آله و يدل عليه ما تقدم في مرفوعة حماد بن عيسى و صحيحة داود بن فرقد و موثقة سماعة بن مهران و موثقة إسحاق بن عمار برواية علي بن إبراهيم و كذا في رواية العياشي الأولى.
و خامسها- ما يصطفيه من الغنيمة
بمعنى أن له أن يصطفي من الغنيمة قبل القسمة ما يريد من فرس أو ثوب أو جارية أو نحو ذلك.
و الروايات به متكاثرة: منها- ما تقدم في مرسلة حماد بن عيسى، و منها‌
صحيحة ربعي بن عبد اللّٰه عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له. إلى أن قال في آخر الرواية: و كذلك الإمام (عليه السلام) يأخذ كما أخذ رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله».
و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن صفو المال قال: الإمام يأخذ الجارية الروقة و المركب الفاره و السيف القاطع و الدرع قبل أن تقسم الغنيمة، فهذا صفو المال».
و موثقة أبي الصباح «3» قال: «قال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) نحن قوم فرض اللّٰه طاعتنا لنا الأنفال و لنا صفو المال. الحديث».
و الظاهر أن عطف صفو المال على الأنفال من قبيل عطف الخاص على العام تنبيها على مزيد اختصاصه بهم (عليهم السلام) ردا على العامة حيث إنهم يقولون باختصاص ذلك بالنبي صلى اللّٰه عليه و آله و سقوطه بعده «4».
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.
(2) الوسائل الباب 1 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(3) الوسائل الباب 2 من الأنفال و ما يختص بالإمام.
(4) المغني ج 6 ص 409 و بدائع الصنائع ج 7 ص 125.

477
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

و سادسها غنيمة من غنم بغير إذنه ج 12 ص 478

و سادسها- غنيمة من غنم بغير إذنه
، ذكر ذلك الشيخان و المرتضى و ابن إدريس و غيرهم و ادعى عليه ابن إدريس الإجماع.
و رده المحقق في المعتبر فقال: و بعض المتأخرين يستسلف صحة الدعوى مع إنكاره العمل بخبر الواحد فيحتج لقوله بدعوى إجماع الإمامية، و ذلك مرتكب فاحش إذ هو يقول إن الإجماع إنما يكون حجة إذا علم أن الإمام عليه السلام في الجملة فإن كان يعلم ذلك فهو منفرد بعلمه فلا يكون علمه حجة على من لم يعلم. و ظاهره في النافع التوقف حيث ذكر الحكم المذكور ثم قال: و الرواية مقطوعة. و في الشرائع وافق المشهور.
و قوى العلامة في المنتهى مساواة ما يغنم بغير إذن الإمام عليه السلام لما يغنم بإذنه.
قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه: و هو جيد لإطلاق الآية الشريفة «1» و خصوص‌
حسنة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «2» «في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة؟ قال يؤدي خمسها و تطيب له».
انتهى.
و أيده بعضهم أيضا‌
بقول أبي جعفر عليه السلام في صحيحة علي بن مهزيار الطويلة المتقدمة في بحث خمس الأرباح في عداد ما يجب فيه الخمس «3» «و مثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله».
أقول: و الظاهر أن منشأ هذا الخلاف إنما هو من حيث إنهم لم يقفوا على دليل لهذا الحكم إلا مرسلة العباس الوراق المتقدمة «4» و هي ضعيفة باصطلاحهم سيما مع معارضتها بظاهر حسنة الحلبي المذكورة، و أنت خبير بأنه قد تقدم في صحيحة معاوية ابن وهب أو حسنته بإبراهيم بن هاشم ما يدل على ما دلت عليه رواية الوراق و حينئذ فلا يتم لهم الطعن في دليل القول المشهور بضعف السند بناء على أنه لا دليل عليه إلا الرواية التي ذكروها لصحة هذه الرواية التي ذكرناها كما هو الحق و به صرح جملة من محققي الأصحاب أو‌
______________________________
(1) و هي قوله تعالى «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ.» سورة الأنفال 2 لآية 43.
(2) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس.
(3) ص 439.
(4) ص 472.

478
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

و سادسها غنيمة من غنم بغير إذنه ج 12 ص 478

حسنها الذي يعدونه أيضا في مرتبة الصحيح فإنه لا راد منهم لرواية علي بن إبراهيم و إن عدوها في الحسن، إلا أن صاحب المدارك كلامه مضطرب فيه و لا عبرة به، على أن هذا الطعن لا يقوم حجة على الشيخ و أمثاله من المتقدمين الذين لا أثر لهذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب منه إلى الصلاح عندهم.
بقي الكلام في ما دلت عليه حسنة الحلبي و يمكن حملها على تحليله عليه السلام لذلك الرجل بخصوصه حيث أنه من الشيعة حقه من ذلك دون الحق المشترك بينه و بين غيره.
و أما التأييد بما في صحيحة علي بن مهزيار فالظاهر بعده بل الظاهر أن المراد بالعدو هنا إنما هو المخالف كما أشرنا إليه سابقا لا الكافر المشرك.
و سابعها- ميراث من لا وارث له
، قال في المنتهى: ذهب علماؤنا أجمع إلى أنه يكون للإمام خاصة ينقل إلى بيت ماله و خالف فيه الجمهور كافة «1» و يدل على ذلك ما تقدم «2» من رواية أبان بن تغلب،
و ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام «3» قال: «من مات و ليس له وارث من قبل قرابته و لا مولى عتاقة و لا ضامن جريرة فماله من الأنفال».
و في رواية حماد بن عيسى الطويلة «4» قال: «و هو وارث من لا وارث له».
و ثامنها- المعادن
قاله الشيخان و به صرح ثقة الإسلام في الكافي و نقله في المختلف أيضا عن سلار و نقله بعض أفاضل متأخري المتأخرين عن علي بن إبراهيم‌
______________________________
(1) في المغني ج 6 ص 303: و متى مات الذمي و لا وارث له كان ماله فيئا، و كذلك ما فضل من ماله عن وارثه كمن ليس له وارث إلا أحد لزوجين فإن الفاضل عن ميراثه يكون فيئا، لأنه مال ليس له مستحق معين فكان فيئا كمال الميّت المسلم الذي لا وارث له.
(2) ص 472.
(3) الوسائل الباب 3 من ولاء ضمان الجريرة و الإمامة.
(4) الوسائل الباب 1 من الأنفال و ما يختص بالإمام.

479
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

و ثامنها المعادن ج 12 ص 479

ابن هاشم، و لعله لروايته ذلك في كتاب التفسير كما قدمناه «1» و إلا فلم أقف على من نسبه إليه.
و قال المحقق في المعتبر بعد نقل ذلك عن الشيخين: فإن كانا يريدان ما يكون في الأرض المختصة به أمكن أما ما يكون في أرض لا تختص بالإمام فالوجه أنه لا يختص به لأنه أموال مباحة تستحق بالسبق إليها و الإخراج لها، و الشيخان يطالبان بدليل ما أطلقاه. انتهى.
أقول: دليلهما ما تقدم في رواية علي بن إبراهيم و روايتي العياشي و لكنه (قدس سره) لم يقف على هذه الأخبار.
فإن قيل: إن وجوب الخمس في المعادن كما تقدم ينافي ما ذهبوا إليه من كونها للإمام عليه السلام إذ لا معنى لوجوب الخمس في ماله (عليه السلام) على الغير.
قلت: إن في عبارة شيخنا المفيد في المقنعة و كذا عبارة شيخنا ثقة الإسلام ما يتضمن الجواب عن ذلك حيث صرحا بعد عد الآجام و المعادن و المفاوز و البحار بأن من عمل في شي‌ء منها بإذن الإمام فلهم أربعة أخماس و للإمام خمس يعمل فيه ما يعمل في الخمس الذي تقدم البحث فيه و من عمل فيها بغير إذنه فالجميع للإمام، و على هذا فتحمل لأخبار وجوب الخمس في المعادن على ما إذا وقع التصرف فيها بإذنه (عليه السلام) و بالجملة فإنه يصير الحكم فيها عين ما تقدم في الغنيمة بإذنه و بغير إذنه. نعم يبقى الكلام في أن هذا التفصيل الذي ذكراه (رضي اللّٰه عنهما) إنما يجري حال وجوده (عليه السلام) و الحال أن لأخبار وجوب الخمس في المعادن و غيرها من ما تقدم دالة على العموم و الاستمرار في جميع الأوقات، و مقتضى ما سيأتي بيانه إن شاء اللّٰه من حل الأنفال للشيعة زمان الغيبة سقوط الخمس منها و هو خلاف ظواهر تلك الأخبار.
و الجواب أن وجوب الخمس تابع لمشروعية التصرف الذي يحصل حال وجود الإمام عليه السلام بإذنه و حال غيبته بتحليله، و كون ذلك من الأنفال مع تحليل‌
______________________________
(1) ص 473.

480
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

و ثامنها المعادن ج 12 ص 479

التصرف فيها زمن الغيبة لا يقتضي سقوط الخمس إذ لا ينقص هذا التحليل عن إذنه حال وجوده بل الأمر فيهما واحد، فتكون أخبار وجوب الخمس جارية على ظاهرها في الحالين، و إنما يخرج من ذلك ما لو وقع التصرف على خلاف الوجه الشرعي الموجب لبطلانه و رجوع ذلك إلى المالك، كتصرف من تصرف في حال وجوده بغير إذنه، و تصرف من لم يحلوا له التصرف زمان الغيبة من المخالفين، فإن الجميع له عليه السلام في الصورتين.
نعم بقي أيضا أن الشيخين المشار إليهما قد عدا البحار من جملة الأنفال و أجريا الحكم الذي ذكراه فيها أيضا و لم أقف على نص يدل على عدها في الأنفال.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن ظاهر المشهور هنا هو تحليل ما يتعلق من الأنفال بالمناكح و المساكن و المتاجر خاصة و أن ما عدا ذلك يجزي فيه الخلاف على نحو ما تقدم في الخمس، و ظاهر جملة من متأخري المتأخرين القول بالتحليل في الأنفال مطلقا و هو الظاهر من الأخبار، و يدل عليه جملة من الروايات التي قدمناها في القسم الرابع من روايات الخمس كرواية يونس بن ظبيان أو المعلى بن خنيس و صحيحة أبي خالد الكابلي و صحيحة عمر بن يزيد «1» و منها الأخبار الكثيرة الواردة في إحياء الموات «2» و ما ورد في ميراث من لا وارث له «3» و نحو ذلك. و اللّٰه العالم.
هذا آخر ما انتهى إليه الكلام في المقام و يتلوه إن شاء اللّٰه تعالى كتاب الصيام بتوفيق الملك العلام و الحمد لله وحده و صلى اللّٰه على محمد و آله الطاهرين و سلم تسليما.
______________________________
(1) ص 434 و 435.
(2) الوسائل الباب 1 من إحياء الموات.
(3) الوسائل الباب 3 من ولاء ضمان الجريرة و الإمامة.

481
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

استدراكات ج 12 ص 482

استدراكات
نستدرك هنا ما فاتنا التنبيه عليه في محله و الترتيب بحسب أرقام الصفحات (1) جاء ص 39 في حديث زرارة هكذا: «قال قلت لأبي جعفر» كما في التهذيب ج 1 ص 357 عن الكليني و الوافي باب (زكاة المال الغائب و الدين و الوديعة) و لكن في الفروع ج 1 ص 146 و 147 و الوسائل «قال قلت لأبي عبد اللّٰه».
(2) وردت ص 67 س 18 عبارة الصحاح و هي في الخطية أكثر من ما ورد في المطبوعة كما أن فيها عبارة القاموس أيضا، و في الخطية هكذا: «و في الصحاح أن الجذع يقال لولد الشاة في السنة الثانية. ثم قال: و قد قيل في ولد النعجة أنه بجذع في ستة أشهر أو سبعة و ذلك جائز في الأضحية. و في القاموس أنه يقال لولد الشاة في السنة الثانية. و في النهاية.».
(3) إنما خرجنا صحيحة زرارة ص 121 من الإستبصار دون التهذيب لأن قوله: «تجب عليه في جميعه في كل صنف منه الزكاة» ليس في التهذيب.
(4) جاء ص 226 في عبارة المنتهى هكذا: «كقوله إنما الخلافة لقريش» و قد رواه ابن الأثير في النهاية في مادة «حكم» عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله باللفظ الآتي «الخلافة في قريش».
(5) أوردنا اسم الراوي في الحديث رقم (3) ص 226 هكذا «عتيبة بن عبد اللّٰه» لاختلاف كتب الحديث في اسمه و أنه شخص واحد أو شخصان يروي أحدهما عن الآخر فأوردناه كما في الفروع ج 1 ص 155 راجع التهذيب ج 1 ص 377 و الفقيه ج 2 ص 18 أيضا.
(6) جاء ص 251 هكذا: «الثانية عشرة- الظاهر أنه.» و في الخطية‌

482
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

استدراكات ج 12 ص 482

«الثانية عشرة- المشهور أنه.».
(7) جاء ص 252 س 12 هكذا «مضافا إلى اتفاق الأصحاب ظاهرا على ذلك» و في الخطية هكذا: «مضافا إلى شهرة الحكم بين الأصحاب ظاهرا».
(8) ورد ص 269 س 13 نقلا من المعتبر هكذا «لأنا لا نسلم» و في المعتبر «لأنا نمنع».
(9) وردت آية الخمس ص 330 و هكذا في ما بعد ذلك من الموارد هكذا «و اعلموا أنما.» تبعا لنسخ المصاحف مع أن أصل اللفظ هكذا «أن ما».
(10) ورد ص 326 في حديث البزنطي «و الناس يقولون لا تضلح قالة الأرض و النخل» و قد علقنا عليه بالتعليقة رقم (2) لبيان المصدر لذلك من كتب العامة و قد جاءت التعليقة بالنحو المذكور اشتباها و الصحيح في التعليقة هكذا «الأموال ص 69 و 70» فإن المطلب المذكور في الحديث مذكور هناك عينا.
(11) جاء ص 330 في الحديث رقم (2) هكذا «عن ما أخرج من المعدن».
تبعا للنسخة المطبوعة و المخطوطة، و في كتب الحديث «عن ما أخرج المعدن».
(12) ورد ص 338 ما مضمونه ورود النصوص غير خبر الكيس بتصديق المدعي لشي‌ء بلا معارض و قد أوردنا في التعليقة رقم (1) أنه يمكن أن يريد بذلك إطلاق موثقة إسحاق و صحيحة محمد بن قيس و لكن الظاهر أنه يريد بالنصوص ما أورده في تصديق مدعي الفقر ص 165 و 166.
(13) جاء ص 349 س 13 في صحيحة علي بن مهزيار هكذا «و إنما أوجبت» كما في الوسائل و التهذيب ج ص 390، و في الوافي باب (تحليلهم الخمس لشيعتهم) و الإستبصار ج 2 ص 61 و المنتقى هكذا: «و إنما أوجب» راجع عبارة المنتقى المتقدمة ص 356 س 1.
(14) ورد ص 368 س 7 الرقم (1) للتعليق بتعيين موضع الرواية و قد غفلنا عن ذلك كما حصل اشتباه في الأرقام، و موضعها المتقدم ص 364.

483
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

استدراكات ج 12 ص 482

(15) جاء ص 370 س 11 في حديث ابن بكير هكذا: «و اليتامى يتامى الرسول» كما في الوسائل و لكن في التهذيب ج 1 ص 385 و الوافي باب مصرف الخمس «يتامى آل الرسول» كما ورد ص 421 س 4.
(16) جاء ص 376 س 10 في حديث زكريا بن مالك «و أما المساكين و أبناء السبيل» كما في الفقيه ج 2 ص 22، و في التهذيب ج 1 ص 385 «و أما المساكين و ابن السبيل».
(17) جاء ص 377 أن جميع ما تضمنته (رواية زكريا بن مالك الجعفي) من المخالفات لمذهبنا إنما ينطبق على مذهب العامة. و قد ذكر (قدس سره) في تضعيف الرواية أنها تشتمل على أحكام ثلاثة لا يلتزم بها فقهاء الشيعة: جعل سهم اللّٰه للرسول صلى اللّٰه عليه و آله بأن يصرفه في سبيل اللّٰه و الحكم بأن خمس الرسول صلى اللّٰه عليه و آله لأقاربه و جعل سهم ذي القربى لجميع أقربائه صلى اللّٰه عليه و آله أقول: أما الحكم الثالث فقد بينا في التعليقة (1) ص 376 مصير العامة إليه، و أما الحكم الأول ففي المغني ج 6 ص 406 قيل: سهم اللّٰه مردود على عباد اللّٰه أهل الحاجة، و قال أبو العالية سهم اللّٰه هو أنه إذا عزل الخمس ضرب بيده فما قبض عليه من شي‌ء جعله للكعبة. و لم أقف في ما حضرني من كتبهم على أزيد من ذلك. و أما الحكم الثاني فلم أقف عليه أيضا في ما حضرني من كتبهم بنحو الفتوى، نعم في حديث لابن عباس ذكره في الأموال ص 325: أن الخمس يقسم أربعة أقسام، ثم قال: فما كان لله و للرسول منها فهو لقرابة النبي صلى اللّٰه عليه و آله و لم يأخذ النبي صلى اللّٰه عليه و آله من الخمس شيئا.
(18) ورد ص 394 س 10 في كلام ابن إدريس هكذا: «في كتاب التمسك» و في الكنى و الألقاب ج 1 ص 190 «المتمسك».
(19) أوردنا عبارة المختلف ص 394 هكذا: «فلا يقال تميمي إلا لمن انتسب إلى تميم بالأب و لا حارثي إلا لمن انتسب إلى حارث بالأب» تطبيقا على المختلف، و في المخطوطة و المطبوعة «إلا إذا انتسب» في الموردين.

484
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

استدراكات ج 12 ص 482

(20) جاء في عبارة المختلف ص 394 في مرسلة حماد «فإن الصدقة» كما في التهذيب ج 1 ص 386، و في الأصول ج 1 ص 540 «فإن الصدقات».
(21) ورد ص 400 حديث العيون و الاحتجاج و كانت بعض الألفاظ فيه مخالفة لما ورد في الكتابين فأوردناها كما وردت في الكتابين كقوله «يا بني رسول اللّٰه» و «أنتم بنو علي» و في المخطوطة و المطبوعة «يا ابن رسول اللّٰه» و «أنتم من علي» و من ما ينبغي التنبيه له في المقام أن الحديث محكي عن الإمام موسى عليه السلام و لذا جاء التعبير فيه في الكتابين هكذا «قال. فقلت» و في الحدائق أورد الحديث محكيا عن الإمام عليه السلام فلذا عبر فيه أولا هكذا: «قال. فقال» ثم غير التعبير فقال في مقام الحكاية عن الإمام عليه السلام «فقلت» مع أن الوجه أن يجري على التعبير الأول و لكنا أبقينا ذلك كما أورده (قدس سره). و قد ورد في المخطوطة و المطبوعة هكذا: «و كذلك أزيدك» إلا أنه لما لم يكن لفظ «و كذلك» في العيون و الإحتجاج حذفناه في هذه الطبعة.
(22) ورد ص 401 في آخر حديث العيون و الإحتجاج هكذا: «فالأبناء هم الحسن و الحسين.» و هو تلخيص لما ورد في الكتابين و اللفظ فيهما هكذا:
«فكان تأويل قوله تعالى «أَبْنٰاءَنٰا» الحسن و الحسين و «نِسٰاءَنٰا» فاطمة و «أَنْفُسَنٰا» علي بن أبي طالب عليه السلام» فأبقينا ذلك على حاله لأنه نقل بالمعنى إلا أنا حذفنا لفظ «و أنفسكم» لعدم وجوده في الكتابين و لعدم دخله في المراد من لفظ «و أنفسنا» (23) ورد ص 403 في آخر حديث العياشي هكذا: «وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبٰادِيَ الشَّكُورُ و آل عمران و آل محمد» لوروده في تفسير العياشي كذلك و لم يرد لفظ «و آل عمران و آل محمد» في نسخ الحدائق المخطوطة و المطبوعة.
(24) ورد ص 418 س 7 هكذا: «كما هو الشائع الذائع المعتضد بالآية» كما في المخطوطة، و في المطبوعة هكذا: «كما هو الشائع الذائع كما قرر في محله المعتضد بالآية» و حيث إن لفظ «كما قرر في محله» لا مورد له ظاهرا أوردنا‌

485
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

استدراكات ج 12 ص 482

العبارة كما في المخطوطة.
(25) ورد ص 428 س 15 «ما رواه في الكافي و التهذيب بسنده في الأول إلى محمد بن سنان و في الثاني بسنده إلى حكيم مؤذن بني عبس» و في كليهما ينتهي السند إلى محمد بن سنان عن عبد الصمد بن بشير عن حكيم إلا أن في طريق الكليني إلى محمد ابن سنان محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد، و في طريق الشيخ علي بن الحسن بن فضال عن الحسن بن علي بن يوسف.
(26) ورد ص 431 الحديث رقم (2) هكذا: «و ما رواه الصدوق في كتاب كمال الدين و تمام النعمة» كما هو اسم الكتاب، و حيث يقال له «إكمال الدين و إتمام النعمة» أورده بهذا الاسم ص 427.
(27) ورد ص 433 س 2 هكذا «فإنهما عنيا بحاجتهما» بالعين المهملة كما ضبطه في الوافي باب (تحليلهم الخمس لشيعتهم)، و في الأصول ج 1 ص 546 الطبع الحديث ضبط بالغين المعجمة و بين معناه في التعليقة رقم (2).
(28) جاء ص 433 س 15 هكذا «و حله من الباقي» و في المخطوطة و المطبوعة «و حلله من الباقي» و حيث إن ظاهره لم يكن ينسجم لاستلزامه عطف الفعل على المصدر احتملنا أن يكون قد عرضه التصحيف و لذا أوردناه كذلك، و يحتمل أن يكون اللفظ الأصلي «و تحليله» فصار كذلك.
(29) ورد ص 441 س 10 هكذا: «أولوية إباحة أنسابهم» تبعا للمطبوعة و في المخطوطة «أولوية أنسابهم».
(30) جاء العنوان ص 448 هكذا «الجواب عن ما يظهر من بعض لأخبار القسم الثالث و دفعه» و الصحيح فيه كالآتي «جواب الشيخ البحراني عن حديث محمد ابن زيد و دفعه».
(31) جاء نقل شي‌ء من حديث محمد بن زيد ص 449 و فيه نقص و اللفظ هكذا: «جعله اللّٰه لنا و جعلنا له و هو الخمس لا نجعل.».

486
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

استدراكات ج 12 ص 482

(32) ورد ص 454 في رواية محمد بن علي بن شجاع قوله عليه السلام «إن لي منه الخمس» و الوارد كما تقدم ص 420 هكذا: «لي منه الخمس» و كذا في رواية أبي علي ابن راشد الوارد هكذا كما تقدم ص 420 «أمرتني بالقيام بأمرك و أخذ حقك».
(33) ورد ص 454 س 21 في كلام صاحب الذخيرة ذكر رواية يونس و لم ترد هذه الرواية في كلام المصنف (قدس سره) و لا في كتب الحديث و إنما رواها المحقق في المعتبر في الروايات الواردة في قسمة الخمس.
(34) ورد ص 459 في رواية حماد س 5 هكذا: «على الكتاب و السنة» بدل «على الكفاف و السعة» كما تقدم ص 422، و قد ورد ذلك في بعض نسخ الأصول كما جاء في التعليقة 3 ص 540 من أصول الكافي ج 1 الطبع الحديث.
(35) جاء ص 461 س 6 هكذا: «لكون ذلك في مقابلة الزيادة لعامهم» تبعا للمطبوعة، و في المخطوطة كالآتي «لكون ذلك في مقابلة الزيادة التي يأخذها مع الزيادة عن مئونتهم لعامهم».
(36) ورد ص 469 س 10 هكذا: «لم يرد إلا في مرسلة أحمد بن محمد و مرفوعة حماد بن عيسى» و هو جري على خلاف الاصطلاح و كذا في الصفحة 474 س 8 و ص 476 س 4.
(37) جاء ص 472 أن ما تضمنه خبرا محمد بن مسلم و حريز من كون نصف الأنفال يقسم بين الناس لعله خرج مخرج التقية أو أن الإمام يقسمه تفضلا. و فاتنا التعليق على ذلك في محله فنقول هنا: ذكر في بدائع الصنائع ج 7 ص 116 أن الفي‌ء- و يقصد به الأنفال في كلامهم- لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله خاصة يتصرف فيه كيف شاء يختصه لنفسه أو يفرقه في من شاء، قال اللّٰه تعالى «وَ مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمٰا أَوْجَفْتُمْ.» ثم قال: ثم الفرق بين رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و بين الأئمّة في المال المبعوث إليهم من أهل الحرب أنه يكون لعامة المسلمين و كان لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله خاصة‌

487
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12

لفت نظر ج 12 ص 488

لفت نظر
أوردنا في الاستدراك (13) ج 11: أن حديث ابن سنان الوارد ص 172 لم نجده في الكافي في مظانه و قد وقفنا أخيرا عليه في الفروع ج 2 ص 94 باب حق الأولاد من كتاب العقيقة.

488